وجها لوجه

السوريّون والحق في الصورة: حوار مع مجموعة أبو نضّارة السينمائية

 

 

نعيش في عالم مليء بالصور التي التُقطت وعُدّلت ونُشرت بسرعة فائقة. صورٌ تشير إلى الصور. أصبحت حياتنا السياسية والأخلاقية والشخصية تتمحور حول الصور، وتُبنى على أساس الصور وتُشيد في الصور.

صاغت مجموعة أبو نضّارة السينمائية -وهي مجموعة مجهولة مكوّنة من صانعي أفلام سوريين قرّروا عدم الكشف عن هويّاتهم، والتي انبثقت مع بداية اندلاع الانتفاضة المدنية للبلاد في عام 2011- صاغت هذه الأسس باعتبارها مقدّمة لورقة المفاهيم المختصرة حول الثورة المقبلة في عام 2014. ويطالبون في الورقة بـ “الحق في الصورة اللائقة الكريمة”، وهذه حماية مدنية عابرة للحدود الوطنية ترغب المجموعة في رؤيتها مُعدَّلة في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان. يُعدّ الحفاظ على حماية من هذا القبيل أساسياً لصيانة كرامة السوريين ونزاهتهم، بينما تُتداول لقطات تصوّر إذلالهم حول العالم بوتيرة متزايدة، وانبثق الحق في صورة لائقة كريمة نتيجة طبيعية لا غنى عنها لمخرجات شرائط الفيديو المذهلة الخاصة بالمجموعة على مدى السنوات الست الماضية.

تُصرّ مجموعة أبو نضّارة على أن الوقت قد حان لإعادة تقييم دور صور الفظائع الملتقطة في التقارير والحملات الإنسانية أثناء الحرب، وقيمتها.

وسط التداول المتزايد للوسائط المسموعة والمرئية عبر الشبكات الرقمية التابعة لوسائل الإعلام العالمية، تتحدّى المجموعة فكرة تقليدية مفادها أن تقنيات التسجيل والبث هي أدوات مُضافة إلى المساحات المادّية الموجودة سلفاً والمتّصلة جغرافياً.

بدلاً من ذلك، يشجّعنا إطار المجموعة على رؤية الكاميرات، والصور التي تنتجها، والشبكات التي تُتداول من خلالها، باعتبارها أجزاءً تأسيسية لمناطق جغرافية افتراضية، أو فضاءات مرتبطة بوسائل نقل المعلومات التي تنقل صوراً للأحداث في جميع أنحاء العالم. بالنسبة إلى المجموعة، فإن الحرب المستمرّة في سوريا هي حدث دولي، إذ إن الصحافة التي تغطّي الحرب تنتج حلقة لاستقاء ردود الأفعال بين المواقع المادّية التي يدور فيها الصراع، والمواقع الافتراضية التي يدور فيها الاشتباك غير المباشر.

حيثما يتم تأطير العنف المُصوَّر وصياغته، من منظور طائفي وجيوسياسي، فإن التغطية الإعلامية تؤيّد بأثر رجعي حكم الرئيس بشار الأسد المستمر، إذ برّرت عائلة الأسد بقاءها في السلطة منذ زمن طويل بقدرتها الفريدة على إدارة مجموعات سكانية متنوّعة الطوائف والأعراق. بالنسبة إلى المجموعة، فإن الحق في اختيار اللاعيش في ظل الظروف الدكتاتورية الوحشية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحق في صورة لائقة كريمة.

خلال السنوات الثلاث الماضية، قمت ببرمجة مقاطع الفيديو الخاصة بمجموعة أبو نضّارة، كما شاركت في أحداث عامة مع المتحدّث باسم المجموعة. حصلت هذه المحادثة مع مجموعة أبو نضّارة عبر البريد الإلكتروني في خريف عام 2017.

بعد مرور 4 سنوات على انطلاق مجموعة أبو نضّارة مع بداية اندلاع الثورة السورية، شدّدت الجماعة على المطالبة بحقٍ في صورة لائقة كريمة. ما الذي تدعو إليه هذه المطالبة؟

أبو نضّارة

منذ عام 2011، عرضت الشاشات حول العالم جثث السوريين بطريقة تتّسم بالمهانة، في حين أن مواطني الدول الديموقراطية محميّون من أن يتم إظهارهم بمثل هذه الطريقة.

في مواجهة هذا النوع من التمييز، ما الذي ينبغي عمله؟ وكيف تمكن معالجة نظام تمثيلي يقوض مبدأ الكرامة وفكرة العالم المشترك؟

عام 2013، نشرنا مقالاً بعنوان “Respectons le droit à l’image pour le peuple syrien”  (احترام الحق في الصورة للشعب السوري)، وبالتوازي قمنا بنشر فيلم قصير يندّد بمشاهد المهانة والإذلال. لكن بما أن دعوتنا لم تلق آذاناً صاغية، فقد طرحنا عام 2014 نقداً لوسائل الإعلام، إضافة إلى اتباع نهج قانوني بمساعدة محامٍ وباحث قانوني سوري.

ومنذ عام 2016، واصلنا هذا التفكير النقدي في إطار دورة دراسية في المعهد الملكي للفنون في ستوكهولم. باختصار، ندعو إلى الاعتراف بحق كل إنسان في التمتّع بصورة لائقة كريمة على أساس الأحكام المنصوص عليها في القانون الدولي. وهذا لنؤكّد من جديد مبدأ الكرامة في وجه أولئك الذين يسيئون تمثيل أكثر الأفراد ضعفاً في العالم باسم الحرية، أو التضامن، أو التعاطف.

هل أعطيت هذه المطالبة أولويّة في عمل أبو نضّارة منذ الأيام الأولى لتكوين المجموعة، أم أنها كانت استجابة لظروف معيّنة ظهرت في وقت لاحق؟

نشأت أبو نضّارة نتيجة الحاجة إلى تحرير أنفسنا من الصور المهيمنة التي تميل إلى اختصار السوريين على أساس الاعتبارات الجيوسياسية أو على أساس الدّين.

تُظهر أفلامنا الأولى التي صدرت عام 2010 السوريين في حياتهم اليومية، وتعمل على تحييد السياق الجيوسياسي أو الدّيني الذي تم إلصاقه بهم. كانت هناك مطالبة بالكرامة إلى الحدّ الذي نتمكّن فيه -وفقاً لمفهومٍ لرجل يُدعى كانط- من تمثيل أنفسنا مع الأخذ في الاعتبار أنهم كبشر لا تجوز معاملتهم باعتبارهم وسائل، بل باعتبارهم غايات في حدّ ذاتهم.

عام 2011، عندما خرجت الانتفاضة الشعبية بقوّة إلى الشوارع، نشرنا بياناً يدعو إلى نقل صورة جماليّة عن الدعوة إلى الكرامة التي أعلنها المتظاهرون السلميّون. بدأنا بأنفسنا في إنتاج أفلام أسبوعية قصيرة تهدف إلى الإعراب عن مكافحة حسّية للمعلومات المغلوطة، بينما نعمل على تفكيك الإطار الجيوسياسي أو الدّيني الذي أبعد السوريين من مفهوم العالم المشترك.

لكننا أدركنا أن هذا النضال الجمالي لا يمكن أن ينجح من دون التشكيك في النظام التمثيلي بالمعنى القضائي. إضافة إلى ذلك، استخدمنا المنصّة التي قدمها مركزThe New School Vera List Center، عام 2014 لتعزيز نقدنا لوسائل الإعلام وتطوير مقترح قضائي.

بعد عبارة سيرج داني في سياق البث التلفزيوني المباشر لغزو العراق عام 1990-1991، “لم نعد شهوداً على العالم، بل شهود على صور للعالم”. يبدو أن جماعة أبو نضّارة ترى أن بث الحرب على الهواء و”من الداخل” يمثّل علامة تحوّل أساسي في العلاقة بين الحرب والتغطية الإعلامية الخاصة بها.

لقد اكتشفنا عمل سيرج داني بفضل دورك زبونيان، أحد المنظّرين السينمائيين والذي كان على تواصل مع جماعتنا منذ عام 2011. كما تم الاكتشاف بعد اجتماع مهم مع أسامة الحبالي، وهو ناشط كان قد أدلى بشهادته القصيرة لنا، بشكل مجهول، عن تجاربه مع وسائل الإعلام الدولية بعد بضعة أشهر من بداية الانتفاضة.

أخبرنا أسامة – الذي اختفى بعد احتجاز النظام له عام 2012 – أن صور الحرب “من الداخل” التي تبث على التلفزيون لم يعد يتم تصويرها بعفوية من قبل النشطاء.

تم إنتاج هذه اللقطات بشكل مباشر أو غير مباشر بواسطة وسائل الإعلام التي تخفي تورّطها من أجل تجنّب أي التزامات أخلاقية أو قانونية أو سياسية. بعبارة أخرى، لم نعد نتعامل مع نمط من إنتاج الصور يعتمد على شخصية الصحافي المحترف، بل على المخبرين المحليين الذين يُطلق عليهم “المواطنون الصحافيون”.

بعد أن أنتج هؤلاء “المواطنون الصحافيون” صوراً مستقلّة في خدمة الانتفاضة الشعبية، وجدوا أنفسهم يعملون كمقاولين من الباطن تحت رحمة القنوات التلفزيونية التي تطالب بلقطات أكثر إثارة من أجل المنافسة بين القنوات، وكذلك بين التلفزيون وغيره من المنابر الإعلامية. يجدون أنفسهم محاصرين، مجبرين على الموافقة على التصوير الإباحي المتمثل في التركيز على الجثث الميتة والمشوّهة، ما يمنح المشاهدين متعة خاصة في التمتع بآلام الآخرين.

وفي النهاية، تمثّل تغطية الحرب “من الداخل” محاذاة عالم التلفزيون مع  عالم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن أن تكون للحرب إغراءاتها غير المحدودة. هذه نقطة تحوّل تاريخية حيث يتم إنتاج اللقطات من قبل الأطراف المشاركة في الحرب وليس من قبل الصحافيين المحترفين. وعلى حد تعبير سيرج داني “صور الحرب هي الصور التي تتسبّب في الحرب” أكثر من أي وقت مضى. نحن نقوّض أسس نظام الحقيقة التي أنشأتها أجيال من الصحافيين والمراسلين المحترفين من خلال إسناد تغطية الحرب إلى العناصر الفاعلة في الحرب. لقد أصبح هذا واجهة لتجاوز الحقائق، وسلاحاً تحمله جميع القوى السياسية والاقتصادية الحريصة على تخليص نفسها من أي قوة مضادة تقف في طريقها.

كيف يقدّم تضييق الرئيس السوري بشار الأسد على الصحافيين الأجانب سياقاً، أو قصة غلاف، لظروف تغطية الحرب التي تنتقدونها؟

لنكن دقيقين؛ لطالما فرض النظام رقابة صارمة على دخول الصحافيين البلاد. من الممكن القول إن كل مقال أو تقرير نشرَته وسائل الإعلام الدولية منذ عام 1963 – وهو العام الذي استولى فيه حزب البعث على السلطة بانقلاب عسكري – قد تم إنتاجه من قبل صحافيين لم يكن يسمح لهم بالعمل في البلاد إلا تحت حراسة مشدّدة من قبل الشرطة السرية للنظام. لذا في عام 2011، لم يكن على بشار الأسد سوى تعزيز القاعدة التي كانت موجودة منذ فترة طويلة، والتي بموجبها يجب إنتاج صور المجتمع السوري تحت سيطرة الدولة.

لكن وسائل الإعلام لم تعد قادرة على القبول بمثل هذه القاعدة بينما تشنّ الدولة حرباً على المجتمع. ووجب إيجاد بديل من أجل تفادي أي شكوك حول التواطؤ عندما يتم إنتاج صور أخرى (لاحظ أنه كانت هناك عودة سريعة إلى الوضع السابق: الصحافيون الأجانب يصطفّون مرّة أخرى لإجراء المقابلات مع رئيس الدولة، على رغم حقيقة أنه في هذه الأثناء أصبح مشتبهاً في ارتكاب جرائم حرب).

وفي هذا السياق، تستولي قنوات التلفزيون على صور النشطاء التي تخلق ضجّة على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن في محاولة للتنافس مع وسائل التواصل الاجتماعي، قامت بإضعاف تأثير هذه الصور أثناء الاحتفال بها مع صناعات الترفيه.

لكن استخدام الصور التي يلتقطها النشطاء على نطاق واسع أصبح كارثياً لعدم ضمان موثوقيّتها. لقد أصبحت هذه الصور ضماناً للارتباك الذي يفيد الدولة السورية على حساب المجتمع. لكن هل كان ليوجد استخدام بديل لهذه الصور خلاف ذلك في هذه الحرب الدرامية؟

عام 2014، نشرنا مقالاً في الصحافة كتذكير بوجود بدائل، وذكرنا فيه بالخصوص (دقيقة واحدة لـ سراييفو)  – One Minute for Sarajevo وهو تسجيل لوقائع يومية عن حياة سكان المدينة المحاصرة، يبث يومياً من قبل شبكة تلفزيون أوروبية. حتى أننا ذهبنا إلى حد الموافقة على العمل مع شبكة تلفزيونية أوروبية تقترح بث برنامجنا في فقرتها الجيوسياسية، وهو ما يخالف موقفنا المناهض للجيوسياسية بشدّة. كان التحدّي الذي نواجهه هو إيجاد بديل في الإطار القائم. ونتيجة لذلك، التزمنا بمعايير الإنتاج الوثائقي وقمنا بعمل مدّته 52 دقيقة. لكننا بذلنا قصارى جهدنا لتغيير القالب من خلال التنويع بين سمات السينما والفيديو والريبورتاج.

يمثّل جوهر مطالبة المجموعة بالحق في الصور لائقة تأكيداً أن التمثيل الفوتوغرافي للحرب، وبخاصة تمثيل الفظائع، لا يظل داخل حدود التمثيل. بالأحرى، يبدو أنك ترى أن لديها القدرة على إيذاء السوريين فعلياً. لكن هذا قد يكون تأكيداً يصعب على كثر من الناس قبوله.

في منتصف آذار/ مارس 2011، خرجت مجموعة من الشباب السوريين إلى الشوارع صارخةً “الكرامة” أو “الحرية” أو “لن يتعرّض الشعب السوري للإهانة” على رغم التعبئة الغاشمة لقوّات النظام.

انتشرت صور هذه الأحداث كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وسرعان ما خرجت حشود المتظاهرين بسرعة في جميع أنحاء البلاد، كاشفة ملامح مجتمع وطني يعمل على تحرير نفسه والاتحاد حول القيم الديموقراطية.

اهتزّ النظام لتلك الصور، وجاء ردّه عبر بشار الأسد الذي استنكر “الحرب التآمرية” ضد سوريا. وعلى الفور، بدأت وسائل الإعلام الحكومية تصنيع مشاهد الحرب، صور لرجال ملثّمين يطلقون النار على الجيش، جثث الجنود الذين يُفترض أنهم قتلوا على أيدي المتظاهرين الذين وصفهم النظام بأنهم “صهاينة الداخل”.

تظهر مقاطع الفيديو مجهولة الهوية في وقت واحد على موقع YouTube والتي تعرض مشاهد التعذيب والإذلال والقتل في محاولة لنشر فكرة وقوع البلاد فريسة للفوضى والبربرية. إذاً، فنحن نتعامل مع نوعين من الصور التي تهدف إلى إحداث آثار ملموسة على السوريين: من ناحية، صور للانتفاضة التي تدعو الناس إلى النزول للشوارع لنسج روابط اجتماعية جديدة؛ ومن ناحية أخرى، صور للحرب تسعى إلى إحاطتهم بالخوف والعزلة. تندرج صور الفظائع تحت الفئة الأخيرة: صور الحرب. عندما تستخدم هذه اللقطات على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام السورية والأجنبية، فإنها تصوّر نضال المجتمع على أنه فوضى دموية. كيف للمرء أن يؤمن بالثورة في حين تصوّر قناة الجزيرة وشبكة الـ CNN جثتك بينما أنت تتظاهر سلمياً، ويصور التلفزيون السوري جثث الجنود الذين يفترض أن تكون أنت من قتلهم؟

غزا الموت حياتنا الشخصية بتزايد أعداد الموتى على التلفاز. كان من الصعب مقاومة عدم مشاهدة هذا التدفق اليومي لصور الموتى، لأن المرء يضطرّ أحياناً إلى تفقدها وهو يتأرجح بين الأمل والخوف من رؤية أحد أحبّائه أو أقاربه. انتهى الأمر بالصدمة للسوريين بسبب صورهم. أما بالنسبة إلى المشاهدين من الدول الأخرى، فقد وجدوا أنفسهم في أحسن الأحوال يقفون موقف باراك أوباما، والذي كرّسنا له مقالاً بعنوان “الرجل الصادق والمجتمعات المتناحرة”. فعام 2011، أعجب أوباما بـ”الانتقال إلى الديموقراطية في سوريا”. أما عام 2016، فلم يكن بإمكانه سوى أن يرى “المجتمعات الدينية” تتناحر في ما بينها.

قد يكون الرد الأكثر تقليدية على التمثيل السلبي هو القول إن تكنولوجيات الاتصال المفتوح ذاتها، التي تسخّرها التشكيلات الإعلامية للشركات في تقاريرها في زمن الحرب يمكن أن يتم تسخيرها أيضاً من قبل أولئك الذين يرغبون في تقديم عروض بديلة. توفِّر الهواتف المحمولة، ومنصّات استضافة الفيديو، والإنترنت طرقاً بديلة للوصول إلى السلطة خارج نطاق الوسائط الإعلامية للشركات، وهي موارد تستخدمها مجموعة أبو نضّارة بالفعل.

هذه ليست مسألة “تمثيل سلبي”، وإنما هو النظام التمثيلي الذي يستخفّ بكرامة الأضعف ويعزّز كرامة الأقوى. ما حدث في سوريا هو أن الكاميرات أُعطيت للأشخاص الذين طالبوا بالكرامة، في حين قيل لهم “إذا كنت تريد مكاناً خاصاً بك على شاشات العالم، إذا كنت تريد أن تُعرف، ليس لديك خيار سوى تصوير مهانتك. فكلما انتُقص من كرامتك، نظر العالم إليك أكثر، وقدّم إليك المساعدة”.

انتهى مشهد الذلّ هذا إلى حصر السوريين في دور “دون إنساني”، أو في أفضل الأحوال “الرجل الفيل”. بالتأكيد، من الممكن المقاومة من طريق إنتاج صور تحفظ كرامتهم. هذا ما كنّا نحاول القيام به لسنوات. ولكن ما هي الفرصة التي تتمتع بها أفلام مثل أفلامنا على شاشات العالم التي يحكمها قانون الدم الحالي (“إذا كانت هناك دماء، فهو في المقدمة”) وخوارزميّات السوق؟

في الواقع، لا يخدم قانون الدم والخوارزميات إلا الأقوى. وهي الحال في سوريا في الواقع. سمح النظام لنفسه باستخدام “فيسبوك و”يوتيوب” بعد سنوات من الحظر. تم ذلك في شباط 2011، على رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي يفترض أنها كانت أكبر حليف للربيع العربي.

هل المطالبة بحظر تداول مواد معيّنة على وسائل الإعلام هي مطالبة بالرقابة؟

ليست مسألة حظر أي شيء، ولكن بدلاً من ذلك تطبيق القاعدة ذاتها على الجميع. الرقابة هي حجة غالباً ما يتم استخدامها من قبل مروّجي مشهد المهانة. لكن لا أحد يتحدّث عن الرقابة عندما تمتنع أجهزة التلفاز عن عرض لقطات للضحايا الأميركيين في 11 أيلول/ سبتمبر، أو عندما يحذف “يوتيوب” لقطات قطع رأس جيمس فولي. حتى زعيمة اليمين المتطرف الفرنسية، مارين لوبان، لم تجرؤ على ذكر الرقابة عندما أُجبرت على إزالة صور قطع الرأس من حسابها على “تويتر”. واتُهمت على الفور بإعادة تداول تلك الصور، وسحبت حصانتها البرلمانية بسبب هذا الهجوم على كرامة الإنسان.

بصرف النظر عن ذلك، يتمثل التحدي في الدفاع عن كرامة الإنسان من دون اعتناق فكرة أن هناك أشياء لا يمكن التعبير عنها. إن القول بذلك يتعارض مع أخلاقيات المخرج الذي يجب أن يكون قادراً على تمثيل أي شيء باستخدام أدوات الفن. لكن الموت ليس مجرّد شيء. إنه موضوع مرتبط بالقيم الأساسية للبشرية. ولهذا السبب علينا أن نمثله “في براثن الخوف والارتجاف”، وهو تعبير تبناه جاك ريفيت في مقاله “عن الاعتراض”. لقد حاولنا بالفعل القيام بذلك في بعض أفلامنا، مثل “غياب الله” أو “القيامة هنا”. وسوف نستمر في القيام بذلك طالما كان ذلك ضرورياً.

بالنسبة إلى البعض، هناك حماية قانونية. هل يمكنك التعليق على الطرائق التي تستطيع بها شركات إعلامية مستثمرة مالياً في تغطية سوريا أن تعتمد على قوانين الملكية الفكرية لمنع الآخرين من استخدام صورهم ومحتوياتهم والعلامات التجارية الخاصة بهم كيفما أرادوا ذلك؟

لا تعليق.

لماذا تنظر المجموعة إلى الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره الإطار القانوني والأخلاقي الأكثر أهمية لتطبيق الحق في حفظ الكرامة؟

وُلدت “أبو نضّارة” عام 2010، تحت ستار السريّة. كنا نشك في فكرة “المخرج المنخرط في أرض الواقع”، وهو الموقف الذي تبناه كبارنا. كنا نظن أنه من الأفضل تطوير أسلوب في صناعة الأفلام يمكنه أن يلهم الناس بالحد الأدنى من الخطاب الضروري.

لكن اتّضح أننا نتعامل مع نظام تمثيلي يغطّي نفسه بغطاء عالمي، يتذرّع بالحرية بينما يمارس الفصل العنصري. لهذا السبب ليس لدينا خيار سوى معارضة هذا المبدأ بمبدأ أعلى، يلجأ إليه السوريون أنفسهم بشكل تلقائي، ويتم الاعتراف به على هذا النحو في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ألا وهو الكرامة، المعرَّفة كشرط لإمكان التمتع بحقوق الإنسان.

قد ينطوي اهتمام المجموعة بإطار الأمم المتحدة على اهتمامها بإطار أكثر شمولية.

نحن منخرطون في الصراع الذي هو جزء من تاريخ عالمي من النضالات الاجتماعية التي قادها مجهولون ومنبوذون وغرباء. لكن شاشات العالم تحيط بنا في جغرافية واحدة، وهي الشرق الأوسط المستوحى من المستشرقين والطغاة والإسلاميين.

الإطار العالمي الوحيد الذي يهم هو النضال الاجتماعي الذي نتغذّى منه، ومن واجبنا أن نغذّيه بدورنا. ونسعى في هذا السياق فقط إلى تطوير ممارساتنا في صناعة الأفلام أثناء مشاركة أعمالنا مع مواطني سوريا والعالم. أما بالنسبة إلى الأمم المتحدة، فإن اهتمامنا الوحيد بها هو أنها القائمة بدور الوصاية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يربط عالمنا المشترك بمبدأ الكرامة.

تشير المقاربات التقليدية في فيديوهات حقوق الإنسان إلى أن المجتمعات الدولية التي ترصد الحالة الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة، تعتمد على مواد وسائل الإعلام الإذاعية لنقل صور الفظائع في جميع أنحاء العالم من أجل “حشد مشاعر الخجل” وإجبار الأطراف الدولية على التدخل.

نحن نصنع الصورة. مهمّتنا ليست الدفاع عن قضية، مهما كانت عادلة، بل استخدام أدوات الفن للكشف عن العالم في جميع حالاته. ولكن تبين لنا أننا مدفوعون للدفاع عن قضية- الحق في صورة كريمة- لأن أنظمة التعبير الحالية تقوض إمكان قيامنا بمهمتنا كسينمائيين والتمتع بحقوقنا الأساسية كبشر.

ما نوع التعاقدات التي أجرتها مجموعة أبو نضّارة مع الأمم المتحدة لدعم تعديلهم المقترح؟

لم نقترح أي تعديل. ونأمل بأن يقوم أشخاص أكثر تأهيلاً منّا بذلك بمجرد الانتهاء من قراءة هذه المقابلة.

هذه المادة مترجمة عن worldrecordsjournal.org ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

Volumes

درج

 

 

 

 

https://vimeo.com/user6924378

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى