سياسة

الحرب الحقيقية في سوريا بدأت الآن/ منير الربيع

كل تداعيات الصراع السياسي والعسكري الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، يرتبط بجملة استحقاقات كبرى، في السنوات المقبلة. في العام 2021 الانتخابات الرئاسية السورية. في العام 2023 تتحرر تركيا من التزامات اتفاقية فيينا، والتي تنتظرها أنقرة لإطلاق مشاريع كبيرة. في العام 2020 الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما بينها، مشروع روسي وآخر صيني اسمه حزام وطريق. النزعة التي تلتقي عليها الدول تخلص إلى ضرب البنى الدولتية. أكثر ما يهم العرب في المرحلة المقبلة عنوانان، صفقة القرن، ومصير سوريا ومحاولة تحجيم النفوذ الإيراني فيها.

الانفتاح العربي على بشار الأسد، يرتبط بحسابات تتعلق بإعادة التنسيق مع الأسد على حساب نفوذ إيران. الرؤية العربية تشير إلى أن الأسد لا يمكنه أن يبقى بوضعيته الحالية. هذا سيفرض احتمالاً من ثلاثة، إما رحيل الأسد، أو تقسيم سوريا وفدرلتها، أو إخراج إيران منها، والذي سيكون الخيار الأصعب. واقعياً أصبحت سوريا اليوم في حالة تقسيم غير معلن.

المصير الذي ذهبت إليه سوريا من اندلاع الثورة إلى اليوم، جاء على لسان بشار الأسد في الأيام الأولى للثورة، كانت قناعة الأسد مع فريق من المحيطين به، بأن المعارضة لا يمكن لها أن تنتصر، وكذلك لا يمكن للنظام تكريس انتصاره. موقف الأسد كان مبنياً في أحد جوانبه على ما لدى النظام من شبكة أخطبوطية ترتبط بإسرائيل ومصالحها، وهو كان يعلم أن عصر “سوريا كدولة وطنية وموحدة” قد ذهب، ولا بد من التحضير لسوريا جديدة تقوم على معايير جديدة، اختصرها النظام يومها بما عرف بسوريا المفيدة.

عمل النظام على إثارة مشروع قديم في منطقة الشرق الأوسط ككل، يدغدغ رغبات ومصالح الغرب، وهو مشروع التقسيم، بتدمير البنى الوطنية للدول، وإرساء دويلات مذهبية وطائفية، وهذا جانب أساسي من اتساع نفوذ النظام السوري ودوره في لبنان وفلسطين إبان السبعينيات. قدّم هذا المشروع بخياره الأمني والعسكري ضد السوريين، أنتج الإرهاب ليذهب إلى محاربته ويدّعي أنه يلتقي مع رؤية المجتمع الدولي لمواجهة هذا الإرهاب.

في المقابل، أخطأت المعارضة السورية في قراءة ما أصر النظام على إعلانه، وتجاهلت دخول حزب الله بقوة على المسرح السوري، فلم تأخذ كل المواقف بجدية، وغرقت في فوضى استشعار نشوة النصر القريب، بلا أي قراءة سياسية موضوعية وواقعية لما يجري على الصعيدين الإقليمي والدولي كان النظام أكثر خبرة في قراءته للتطورات الخارجية وتبعاتها، وأخذ ينسج سياسته على هذا الأساس، متمسكاً بمبدأ الحفاظ على بقاء النظام ولو هشاً ومترهلاً وعلى مساحة ضيقة من الجغرافيا السورية.

كان الموقف الدولي أكثر ما أفاد النظام وضرب الثورة ومنطقها، كان واضحاً منذ البداية أن الرغبة بل المصالح الدولية، الأميركية، الأوروبية والإسرائيلية بالتحديد لا تريد سقوط النظام، وهي لم تعترف بالمعارضة إلا اعترافاً ديبلوماسياً، وعندما دخلت المعارضة السورية مع الأميركيين في مفاوضات لعلّها تقدّم الدعم لهم كمقدمة للاعتراف بهم، تم الاشتراط على المعارضة بتقديم مقترح لاتفاق سلام مع إسرائيل، ونظرية الأمن مقابل السلام. من البديهي معرفة أنه بمجرد تقديم هذا الطرح يعني أن لا رغبة ولا مصلحة بدعم المعارضة إنما بسحقها وإنهائها. طبعاً لم توافق المعارضة على أي من هذه الطروحات.

الصراع الحقيقي والخفي في سوريا، هو الصراع الإيراني الروسي. وهذا تجلى في كلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بشار سيبقى، وعلى أميركا البقاء للحد من النفوذ الإيراني، وروسيا بيدها الحل والربط، وإذا تحوّل الأسد إلى دمية بيد إيران فهذا يعني أن المنطقة ستقبل على كارثة، وبالتالي فضّلت السعودية بقاء الأسد في الحضن الروسي، وهناك رهان على صراع نفوذ روسي إيراني في سوريا. الإيراني يقاتل بغيره، بينما الروسي استقدم جيوشه. وعملوا على استقطاب المزيد من الألوية العسكرية السورية إلى جانبهم كسهيل الحسن.

في أحد الجوانب الأساسية للصراع في سوريا وعليها، هو خطوط النفط. أميركا تسيطر على الخليج العربي، وبإمكان بوارجها بأي لحظة قطع خطّ خليج العرب، وهذا يؤدي إلى قطع خط طهران البحري لتصدير النفط. البديل لهذا الخط هو خطّ سنجار، والذي يمرّ عبر العراق إلى سوريا باتجاه البحر المتوسط. وهذا أرخص تكلفة، ويتم التحقيق من خلاله مكاسب مشتركة. وهو خط استراتيجي بالنسبة إلى إيران. وهذا يحتاج إلى السيطرة على البر، أي العراق وسوريا، وبذلك تتمكن إيران من السيطرة على آبار النفط والغاز. والأهم أن إيران تكون قد فتحت هذا الخطّ الإستراتيجي الذي يعود إليها بمنافع مالية، وهو استثماري إلى جانب الإستراتيجي.

دخول الأتراك إلى عفرين وعين العرب ومنبج، يهدف إلى قطع خط النفط هذا، وهم يريدون له أن يمر عبر أراضيهم لكي يتم وصله مع خط الأنابيب التركي الواصل إلى أوروبا. نقاط الالتقاء بين الأتراك والإيرانين والروس في سوريا، يأتي بهدف تقاسم الحصص، بعد فقدان أملهم بأن تمنحهم واشنطن حصّتهم، وحفظ حقوقهم.

روسيا هي إحدى أكبر الدول المصدرة للغاز في العالم، وتريد تعزيز ذلك، وهذا يشير إلى لجوء الروس إلى البحر المتوسط وبناء قواعد عسكرية في حميميم. كان بإمكان الروس الذهاب إلى مناطق أهم من حميميم المكشوفة للمعارضة أو تركيا. لكن الهدف هو البحر المتوسط، والسيطرة على طريق الغاز، كي يكون لها حصّة في أي خط غاز سيصل إلى البحر المتوسط. كما أنها تكون سيطرت على العديد من منابع الغاز في البحر المتوسط، من سوريا، إلى حقول النفط في شمال لبنان، وجود الشركات الروسية في إسرائيل، والاتفاقات مع مصر.

الحرب الحقيقية السياسية فوق سوريا تبدأ الآن، لأنَّ كل طرف سيضغط أكثر ليأخذ الحصة الأكبر. كل هذه المصالح تفرض عدم انتصار الثورة، وبقاء النظام بشكل لا نظام، تتقاسمه دول وأفرعة نفوذ. وهي معادلة ستغيّر وجه المنطقة ككل، بإسقاط الدول الوطنية الموحدة، والذهاب إلى دويلات جغرافية وطائفية ومذهبية، من العراق إلى سوريا ولبنان، واليمن لن يكون بعيداً عن ذلك.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى