هل من تغيير وشيك في سوريا؟ -مقالات مختارة- متجدد باستمرار
==========================
———————————-
في معنى الحملة الروسية على بشار وحدودها/ بكر صدقي
تناقلت وسائل الإعلام، الأسبوع الماضي، أخباراً وتحليلات بشأن حملات روسية حادة النبرة على بشار الأسد «الضعيف» و«غير المسيطر» على الأوضاع في سوريا، حسب تقارير صحافية نشرتها وسائل إعلام روسية مقربة من مركز القرار في الكرملين. وركزت تلك التقارير على فساد النظام والحكومة ورئيسها عماد خميس، مقابل وصف رأس النظام بالضعف، والاقتصاد السوري بالحاجة إلى إعادة صياغة من قبل روسيا. «وكما هزمت روسيا الإرهاب في سوريا، عليها أن تهزم الفساد بالطريقة نفسها»! حسب محلل سياسي روسي استأنس أحد التقارير برأيه. وتأتي «درة تاج» هذه الحملة في «استطلاع رأي» مزعوم أجرته مؤسسة روسية بشأن «مستوى شعبية» بشار الأسد، جاءت نتيجته بما يعزز من «مصداقية» التقارير، فقد أيد ثلث المستطلع آراؤهم فقط بشار الأسد، في حين عبر ثلثاهم عن عدم رضاهم عن أداء رأس النظام، علماً بأن الاستطلاع شمل فقط البيئة المؤيدة للنظام.
لا يعني تشكيكي بالاستطلاع أن نتيجته المشار إليها بعيدة عن الواقع، بل يعني عدم ثقتي بالجهة التي أجرت الاستطلاع. فأمامنا نظام دكتاتوري فظ يقيّم نظاماً يشبهه، وإن كان ضعيفاً وتابعاً له. بوتين وأركان حكمه الذين طالما دافعوا عن نظام الأسد في المحافل الدولية، وحاولوا تبييض صفحته السوداء وتكذيب كل التقارير الأممية أو تلك الصادرة عن جهات مستقلة بشأن فظاعات النظام، كالمجازر الجماعية واستخدام السلاح الكيميائي أو البراميل المتفجرة واستهداف المدارس والمشافي والأسواق الشعبية المكتظة بالناس، إضافة إلى الفظاعات المرتكبة في السجون والمعتقلات، وتهجير نصف السكان… وطالما استخدموا حق النقض في مجلس الأمن لإجهاض أي مشروع أممي يدين ارتكاباته أو يسعى لتأمين المساعدات الأممية، يأتي يوم يوعزون فيه لوسائل الإعلام التابعة لهم بشن حملة حادة ضد تابعهم في دمشق. بل إن بوتين الذي وثقت منظمات حقوقية دولية استهداف طيرانه المنهجي للمستشفيات في مناطق خارج سيطرة نظام بشار، هو آخر من يحق له أو يملك مصداقية تؤهله لشن حملة على تابعه المجرم في دمشق.
إذن هناك ما هو جديد مما استدعى شن هذه الحملة التي لا يمكن ردها إلى «صحوة ضمير» غير موجود أصلاً لدى القيادة الروسية. وعلى رغم أن السنوات السابقة، منذ التدخل العسكري الروسي في 2015، لم تخل من وخزات نقدية لنظام بشار سواء على لسان بعض أركان حكومة بوتين أو الإعلام المقرب منه، فهي لا تقارن بالحملة الجديدة من حيث قوة النقد والاستهداف. يمكن الحديث عن دافعين متداخلين وراء هذه الحملة: فمن جهة أولى لا يملك الروس «راحة البال» التي يملكها نظام بشار الذي لم يتأثر بطول أمد الحرب ولا بحجم الخراب العمراني والخسائر البشرية والتفكك الاجتماعي والانهيار الاقتصادي والتبعية لدول أجنبية واحتلال أجزاء من الأراضي السورية من قبل دول عدة.
فلا شيء يمكن أن يؤثر على نظام لا هم لديه إلا البقاء في السلطة حتى لو كانت سلطة على خرابة، وحتى لو كانت سلطة تابعة لدول أجنبية، وبصرف النظر عن استمرار حالة الخراب والفوضى إلى ما لا نهاية. أما روسيا بوتين فلا تملك ترف الانتظار إلى ما لا نهاية، بل تريد تتويج تدخلها العسكري بإنجاز سياسي ينهي الصراع ويلحق الكيان السوري بالدولة الروسية ويستعيد ما استثمرته من موارد كبيرة في الحرب على شكل استتباع للاقتصاد السوري وابتلاع ما يمكن ابتلاعه من موارد اقتصادية سورية.
روسيا لا تملك ترف الاستمرار في الوحل السوري وضخ المزيد من الموارد في الحرب أو في اقتصاد غير قابل للإصلاح بوجود سلطة إرهابية قائمة على مبدأ النهب والسطو، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الروسي نفسه من آثار انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية مع انخفاض حاد في الطلب أيضاً بسبب تدابير مختلف الدول في مواجهة جائحة كورونا.
ومن جهة ثانية هناك التنافس المكتوم على التفرد بالخرابة السورية بين روسيا وإيران. إيران التي ترى أنها تزداد تهميشاً في القرارات الخاصة بالصراع السوري، على ما رأينا في اتفاق موسكو بين بوتين وأردوغان بشأن وقف العمليات العسكرية في منطقة خفض التصعيد الرابعة في محافظة إدلب وجوارها، تحاول عرقلة المساعي الروسية لتتويج تدخلها العسكري بحل سياسي، سواء بدعم بشار في محاولاته لعرقلة عمل «اللجنة الدستورية» أو بجعله لا يلتزم بوقف العمليات العسكرية في المنطقة موضوع الاتفاق الروسي ـ التركي. فقبل شهر زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو دمشق للضغط على الأسد لكي يلتزم بوقف النار في مناطق إدلب. أما اليوم، بعيد الحملة الإعلامية الروسية على نظام الأسد، فقد جاء وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف للقاء الأسد في بادرة دعم لـ»صموده» في مواجهة ضغوط حليفه الروسي.
ويمكن اعتبار التساهل الروسي مع تركيا في «منطقة خفض التصعيد» في إدلب وجهاً من وجوه الضغط على كل من إيران والنظام ليرضخا لمتطلبات القيادة الروسية للتحالف الداعم للأسد، فضلاً عن تشكيله رسالة استرضاء من موسكو لواشنطن التي لا تريد للصراع السوري أن ينتهي كما يشتهي بوتين. والمقصود بالتساهل الروسي هو مواصلة تركيا لحشد المزيد من القوات والآليات العسكرية وإقامة نقاط مراقبة جديدة، منذ توقيع الاتفاق الروسي التركي في 5 آذار الماضي. فخلال الأسابيع الستة المنقضية بعد الاتفاق المذكور، أقحم الجيش التركي 2700 جندي ليبلغ عددهم الإجمالي 10300، في حين بلغ عدد الآليات العسكرية، بما فيها الدبابات وناقلات الجند، التي تم إدخالها حلال الشهرين الماضيين، 6155. ومن جهة أخرى تواصل المدفعية التركية قصف قرى في مناطق حول تل رفعت ـ شمال حلب – تسيطر عليها الوحدات الكردية في إطار «قوات سوريا الديموقراطية».
ليس معروفاً الهدف، أو الأهداف، التي تسعى أنقرة إلى تحقيقها بزج المزيد من قواتها في إدلب أو ريف حلب الشمالي، وإن كانت موازنة قوات النظام والميليشيات الإيرانية هي النتيجة البديهية لهذا الحراك العسكري.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————–
هل من تغيير وشيك في سوريا؟/ أكرم البني
أصل السؤال ما أثاره مؤخراً الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين بأن «خروج الرئيس السوري وللأبد من الحكم بات قريباً، وتحديداً في شهر يوليو (تموز) القادم؛ حيث سينهي عشرين سنة في الحكم بعد أن أنهى تدمير بلده وتشريد شعبه»، الأمر الذي أثار بدوره موجة من التعليقات والتساؤلات لا تزال حاضرة وتتفاعل إلى الآن.
كثيرون هم من دعوا إلى إهمال الخبر وعدّوه غير جدّي أو لا يستحق الاهتمام، تحدو بعضهم حالة من الإحباط والمرارة من زيف وضلال مثل هذه التوقعات التي تكررت خلال السنوات الماضية، بما في ذلك تحديد أزمنة ومواعيد لم تتجاوز الأسابيع وأحياناً الأيام، لنهاية النظام السوري! وبعضهم لأنهم لا يجدون في إشارة هذا الإعلامي الإسرائيلي، بصفته مستشاراً في مكتب رئيس الوزراء، أكثر من رسالة ضغط على النظام غرضها لجم رغبته في تعزيز تعاونه مع طهران وتمكين ميليشياتها من التغلغل والإمساك بالوضع السوري. والبعض الثالث لأنهم يعرفون جيداً من هو إيدي كوهين وخبروا دوره المغرض في بثّ معلومات وابتكار حكايات تمسّ ظواهر حساسة تشغل بال الناس في محاولة للتأثير على الرأي العام، وربما لاعتقادهم أن حكومة تل أبيب ومراكز أبحاثها، تتقصَّد، عبر كوهين وأمثاله، إطلاق شائعات الغرض منها جسّ نبض الشارعين العربي والسوري تجاه قضية محددة وربما لقياس التبدُّل الذي طرأ على حالة العداء من قبلهما تجاهها.
في المقابل، ذهبت قلة إلى تصديق الخبر واعتماده، بل وحاولوا جهدهم دعمه بالدوافع والأسباب والبناء عليه في قراءة المستقبل السوري؛ منهم من ربط صحته وتوقيته بما يعدّونه تراجع النفوذ الإيراني في سوريا في ظل تداعيات العقوبات الاقتصادية على سلطة طهران وما تكابده من ضربات إسرائيلية طالت أهم مراكزها الأمنية والعسكرية في البلاد، خصوصاً مع تنامي النقمة الشعبية السورية على طهران جراء انتشار جائحة «كورونا»؛ إنْ بتحميلها مسؤولية نقل الفيروس إلى سوريا مع ضعف إمكانية ضبط الحدود التي تسيطر عليها ميليشياتها، وإنْ بتقصُّدها تعطيل إجراءات الحجْر الصحي على المراقد الشيعية، خصوصاً في منطقة السيدة زينب، جنوب شرقي دمشق. بينما وجد آخرون أن هذا النبأ أشبه بتحصيل حاصل لما يسمونه تغييراً في الموقف الروسي من النظام، حيث إن قيادة الكرملين لم يعدْ لديها، برأيهم، ما يشجعها على التمسك بالرئيس السوري، بل على العكس، باتت جاهزة لإطاحته وتحميله تبعات ما ارتكب في مسار الصراع واستبدال شخص أكثر موثوقية وقبولاً به، تحدوها قلة وفائه أو عدم التزامه بعض الخطوات الروسية لترتيب البيت السوري، بل سعيه، غير مرة، بالتعاون مع حليفته إيران، لنقضها أو تجاوزها، والأمثلة كثيرة، كانقلابه على بعض المصالحات التي رعتها موسكو في سوريا، ثم إعاقته جهود روسيا في إنهاء فوضى السلاح وتطويق ما أفرزته سنوات الحرب من ميليشيات وجماعات مسلحة تحت اسم «اللجان الشعبية»، عبر إلحاقها بتشكيلات الجيش السوري، وأيضاً خرقه، غير مرة، قرارات وقف إطلاق النار التي اتخذتها موسكو مع أنقرة في أرياف حلب وإدلب. في حين ذهب البعض الأخير إلى قرن صحة الخبر وتوقيته بإلحاح الحاجة لإعادة الإعمار في سوريا مع التردي غير المسبوق للوضعين الاقتصادي والمعيشي، وهؤلاء لم يترددوا في التعويل على هذا التغيير لإرضاء الغرب والولايات المتحدة، وتشجيع الدول الإقليمية على الدخول بقوة في مشروع إعادة الإعمار، خصوصاً بعد أن تلقى هذا المشروع ضربة قوية جراء تشديد العقوبات على النظام السوري وداعميه بفعل «قانون قيصر» الذي صدر مؤخراً، وبعد قرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التابعة للأمم المتحدة بتحميل هذا النظام، للمرة الأولى، مسؤولية 3 هجمات بالغازات السامة، في بلدة اللطامنة بريف حماة عام 2017.
لكن؛ وبغض النظر عن الهدف من إطلاق إيدي كوهين هذه الشائعة، فإنها تكشف عن 3 حقائق مؤلمة باتت تحكم وتتحكم في الوضع السوري:
أولاً: مدى العجز والارتهان الذي وصلت إليه البلاد اليوم، وكيف باتت لا فقط مسرحاً للتنافس والصراع بين قوى وأطراف خارجية؛ وإنما أيضاً رهينة إرادة وتوافق هذه القوى والأطراف التي لا يهمها سوى تعزيز مصالحها ونفوذها، مما يسمح، وللأسف، بالقول إن الوطن السوري الذي كنا نفاخر باستقلاله وتعدديته وتفرد تعايش مكوناته؛ قد انتهى، وإن أصحاب السلطة لم يكتفوا، لضمان استمرارهم في الحكم وفسادهم وامتيازاتهم، بقتل وتشريد ملايين السوريين وتدمير مقدراتهم؛ بل أمعنوا تخريباً في نسيجهم الوطني وروابطهم التاريخية، والأسوأ استجرار كل دعم خارجي، حتى لو كان الثمن تسليم البلاد ومقدراتها له، بما في ذلك تركه يعيث فساداً وتخريباً بحيوات السوريين واجتماعهم ومستقبلهم، وبما أنجزته تضحياتهم خلال عقود.
ثانياً: إن عبارة إيدي كوهين بـ«أن مهمة الرئيس السوري انتهت وسيتم توكيل شخص آخر مكانه»، وإنْ كانت تحمل بعض المبالغة، فإنها تؤكد أن لقادة تل أبيب كلمة قوية حول مستقبل الأوضاع في بلد يجاورهم ويحتلون جزءاً من أرضه وبقي نظامه وفيّاً لهم زمناً طويلاً. وتؤكد تالياً صعوبة القفز دولياً، عند الغرب والشرق على السواء، فوق هموم دولة إسرائيل وحساباتها الأمنية الاستراتيجية، ربطاً بقوة اللوبي اليهودي؛ ليس فقط في واشنطن والعواصم الأوروبية، وإنما أيضاً في موسكو وقد تنامى وزنه بفعل التشابك مع نحو مليوني يهودي من أصول روسية هاجروا إلى إسرائيل وبات دورهم مؤثراً في قرارات الكرملين المتعلقة بالإقليم وسوريا، هذا؛ من دون أن يعني ذلك الانزلاق نحو العقلية القومجية التآمرية التي لطالما ادعت أن لإسرائيل قدرة فريدة على اختراق العالم وجعله أداة طيّعة بيدها تسخّره كيفما تشاء لتنفيذ مشروعها الكوني الصهيوني.
ثالثاً: انكشاف الدرك المزري ودرجة التهافت والانحطاط اللذين وصل إليهما بعض من يسمون أنفسهم قادة للمعارضة السورية، حين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مجرد صدى لإملاءات الخارج وأشبه بدمى وأدوات تنفيذ رخيصة، فسارعوا لاعتماد الخبر والبناء عليه، واندفعوا كالمسعورين، بعد أن أعلن إيدي كوهين أحد أسمائهم بديلاً محتملاً، لخوض تنافس مريض ومضحك في آن، حول أحقية كل منهم في أن يكون الرئيس المقبل لسوريا!
الشرق الأوسط
————————————–
عزل الأسد والترويج لرسائل التهديد الإسرائيلية/ مصلح مصلح
أثارت تغريدات الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين، قبل عدة أيام، عن قرب انتهاء فترة حكم الأسد في تموز/يوليو المقبل، ردود فعل متباينة من السوريين، كان في مقدمتها رد الإعلامي فيصل القاسم الذي نصح السوريين بالتعامل مع تسريبات كوهين كـ”نكتة كوميدية”، أو سوداء، لجهة إرغامنا على التصديق بوجود تعارض بين المصالح الوجودية (الأمنية) لإسرائيل والمصالح الوجودية للأسد (الحكم العائلي). فالمضحك والكوميدي من وجهة نظر قاسم هو تصديقنا لعبثية لجوء صاحب البيت (إسرائيل)، إلى التضحية بحارس بيتها (الأسد)، مع علمها المسبق بأنها لن تجد أفضل منه للقيام بهذه المهمة، فالأصل بين حارس البيت وكلبه، كما يقول القاسم، تبادل المنفعة” فهل رأيتهم أحدًا، يربي كلبًا ليقتله؟”.
في الوقت التي تعامل فيها القاسم مع تسريبات كوهين كنوع من الكوميديا السوداء، التي تجعل من صاحب الكلب حارسًا لكلبه، رأى فيها المعارض فهد المصري، مرشح كوهين لمنصب الرئاسة، مناسبة لإطلاقة بيان ترشحه الرئاسي. الذي حرص فيه التأكيد على صدقية التسريبات، التي ستشكل بداية العد التنازلي لحكم آل الأسد. اللافت في خطاب الفهد المصور شيئان، الحرص على الظهور بمظهر المرشح التوافقي لجميع أطياف الشعب السوري، بما فيهم أبناء القاعدة الشعبية لنظام الأسد، والتأكيد على حماية حدود دولة إسرائيل من خلال تأكيده على فك الارتباط مع المشروع الإيراني في المنطقة.
كان يمكن لتسريبات كوهين أن تظل حبيسة رسائل التهديد الإسرائيلية، التي بدأت تضيق ذرعًا بسلوك النظام المزدوج الذي يدعي عدم قدرته على وقف التغول الإيراني في سوريا من جهة، والتواطئ على ترسيخ ذلك الوجود من جهة أخرى. لولا المقابلة التي نشرتها وكالة ستيب الإخبارية مع المعارض كمال اللبواني الذي أكّد صحة هذه التسريبات، كونها صدرت من قوى دولية فعالة ذات صلة بالملف السوري، كما أكّد دور كوهين فيها لا يتعدى موقع الإعلامي الذي قرّر الاستفادة من هذه التسريبات لتحقيق سبقه الإعلامي.
اللافت في حديث اللبواني عن التسريبات المتعلقة بعزل الأسد تأكيده على أن حصيلة توافقات دولية، لم يرغب أن يفصح عن اسمها، مع أن كل الدلائل تشير إلى الطرف الأمريكي، الذي قرر على ما يبدو أن يأخذ بتغير المزاج الإسرائيلي نحو الأسد، الذي لم يعد مصدر ثقة بعد أن أثبت عجزه في لجم التوجه الإيراني القاضي بالمشاغبة على الأمن الإسرائيلي.
كان يمكن لرواية السيد اللبواني أن تكون محكمة وقابلة للتصديق، لولا مرورها على ذكر مستشار الأسد الرئاسي علي مملوك، وقصته مع رفض المهمة الرئاسية الموكلة له، ما لم يحصل على الدعم الدولي الكافي، لتقليص الوجود الإيراني في سوريا. فما هذا النظام الذي يسمح لشخص مثل مملوك ليتآمر عليه في قعر داره؟ وما هو الدور القيادي الذي يتمتع به هذا العلي للتنطع لمثل هذه المهمة، ودوره في الهرمية الحاكمة لا يتعدى دور المستشار العديم الحل والقوى؟ أم أن الأمر في رمته لا يتجاوز رغبة اللبواني في سرد الحكاية التآمرية على مسامع السلطات الأسدية، ولسان حاله يقول: “بطيخ يكسّر بعضه”؟
على الرغم من حديث اللبواني المفعم بالثقة عن انطلاق قاطرة تغيير التركة الأسدية، إلا إننا سرعان ما نلمس توجسه من ذلك التغيير، الذي إن تم سيكون شأنًا خاصًا في البيت الداخلي لنظام آل الأسد، حيث سيتم فيه إخراج الأسد صاحب الهوى الإيراني، ليحل محله شخص ذو هوى إسرائيلي. الأمر الذي يجعل المرء يتساءل عن الحكمة التي تقف وراء تطوع اللبواني لتسريب الخبر، ما دام الخبر بحدّ ذاته لا يصب في مصلحة الشعب السوري من قريب أو من بعيد. فهل الأمر برمته كما قال اللبواني لا يتعدى العجز المرافق لحالة اجترار التفاصيل وتدويرها؟ أم أن الأمر يتعلق بحالة من حالات التشفي التي قرر اللبواني مشاركته مع التيار العريض للناس الذين دمر الأسد حياتهم؟
في ترويجه لخبر عزل الأسد، بدا اللبواني متساوقًا، بقصد أو دونه، مع الرغبة الإسرائيلية في إيصال رسائل التهديد العلنية للأسد، التي تطالبه بالمفاضلة بين الرغبة في البقاء على سدة الحكم، أو التماشي مع المشروع الإيراني الذي يطمح لمنافسه الإسرائيلي في سيطرته على المنطقة. أفلم يكن الأجدر باللبواني، كسياسي معارض، أن يبادر للكشف عن تهافت تلك المقايضة التي تدعو للمفاضلة بين بقاء الأسد وقربه من المشروع الإيراني، بدلًا من الوقوع في فخ الترويج للرسائل الإسرائيلية تارة، والانغماس في لحظة التشفي العارية من حاكم مستبد تارة آخرى؟
الترا صوت
———————————
هجوم روسي على الأسد:ضعيف وفاسد والسوريون لن ينتخبوه
شنت وكالة “الأنباء الفيدرالية” الروسية هجوماً لاذعاً على رأس النظام السوري وحكومته واتهمتها بتعقيد مشكلات سوريا الاقتصادية.
وفي سلسلة تقارير نشرتها الوكالة تباعاً في أقل من ثلاث ساعات، وصفت رئيس النظام السوري بشار الأسد ب”الضعيف” وتحدثت عن عدم قدرته على محاربة الفساد المستشري في إدارته واتهمت مسؤولي النظام باستغلال المساعدات الروسية لأغراضهم الشخصية.
الوكالة التابعة ل”طباخ الكرملين”، الملياردير يفغيني بريغوجين، بررت الهجوم على نظام الأسد بحجة فضح فساده وإجباره على تقديم تنازلات إضافية، أو الوفاء باتفاقات سابقة عقدتها حكومته مع “طباخ الكرملين” وممول مجموعة “فاغنر” للمرتزقة الروس الذين قاتلوا إلى جانبه في حربه ضد السوريين منذ سنوات.
التقرير الأول: الوضع الإقتصادي سلبي للغاية
وفي التقرير الأول للوكالة والذي حمل توقيع ميخائيل تسيبلاييف، قيّم الوضع الاقتصادي في سوريا حالياً بالسلبي للغاية، مشيراً إلى أن “عدم توفر الظروف للشراكة بين روسيا وسوريا إلى ارتفاع مستوى الفساد في المستويات السياسية العليا”.
وتحت عنوان: “كيف تؤثر الحكومة السورية على مشاكل البلاد؟ كذّب التقرير ادعاءات وزارة النفط والثروة المعدنية السورية في 12 نيسان/أبريل أن عدداً من آبار الغاز في حقلي حيان والشاعر توقفت عن العمل بسبب الوضع الأمني في منطقة البادية، لتبرير زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي.
وذكر التقرير أن حكومة النظام عمدت إلى نشر “أخبار كاذبة وشائعات حول سيطرة إرهابيين على مدينة السخنة، الواقعة بالقرب من حقول الغاز، وتم تكذيب الشائعات من قبل مصادر في سوريا”، لتبرير التقنين.
وبحسب التقرير، فإن المراسل الحربي الروسي أوليغ بلوخين دحض الأخبار المتعلقة بسيطرة الإرهابيين على السخنة في قناته على “تلغرام”، وخلص إلى أنه “لسبب ما قررت الحكومة السورية استخدام الأخبار المزيفة من أجل تبرير زيادة ساعات انقطاع الكهرباء.”
وعزا التقرير ما يحدث في سوريا إلى “مخططات الفساد في الحكومة”، وذهب إلى أن “بشار الأسد يسيطر على الوضع بشكل ضعيف على الأرض، والسلطة في سوريا تابعة بالكامل لجهاز بيروقراطي”. واتهم رئيس الوزراء في حكومة النظام عماد خميس ب “تجميع أموال من تصدير كميات من الكهرباء إلى لبنان منذ 2019 بعد زيادة الإنتاج في حقول حمص من الغاز، بعد المساعدة الروسية”.
وذكر التقرير أنه “في عام 2019، أعادت حكومة خميس التفاوض بشأن عقد تزويد لبنان بالكهرباء، كان موقعاً منذ 2013، ومحطات الطاقة التي تستهلك الغاز من الحقول المحررة تعيد توجيه الكهرباء إلى بيروت، منتقداً ضياع ملايين الدولارات، “التي كان يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة على الاقتصاد السوري”، لكنها “تذهب إلى جيوب المسؤولين السوريين الذين يحصلون على نسبتهم. ونتيجة لذلك، يضطر المستهلكون في سوريا نفسها إلى الجلوس من دون كهرباء، بينما تتلقى الحكومة الملايين من تجارة الكهرباء”.
واستشهد التقرير بتصريحات حصرية من نائب رئيس وزراء النظام سابقاً ورئيس منصة موسكو للمعارضة قدري جميل الذي قال إن “مستوى الفساد كبير للغاية، فهو يعيق بالفعل تنمية البلاد، ويعيق تحسين مستويات المعيشة للناس”. ونقل عن جميل قوله إنه “قبل الأزمة، كانت نسبة الفساد مقارنة بالدخل القومي للناتج المحلي الإجمالي، تصل إلى نحو 30 في المئة”، وإن أعداد أصحاب المليارات في سوريا ارتفع من اثنين أو ثلاثة قبل 2011 إلى عشرات حالياً، وخلص إلى وجود مشكلة كبيرة لأن “الناس فقراء، ومستوى المعيشة يتدهور بشكل كارثي”.
وفي تركيز للهجوم على خميس، قال التقرير إنه “نتيجة أنشطة حكومة عماد خميس، لا يمكن للشركات الروسية أن تعمل في سوريا بسبب المشاكل الهائلة في اقتصاد البلاد والفساد التام في القطاع العام. وبدورها، تزداد الحكومة ثراء وتنقل الأموال إلى الغرب، على الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الأخرى تواصل عدوانها على سوريا اقتصادياً من خلال نظام العقوبات”.
وخلص التقرير الأول إلى أن “السكان المحليين غير راضين عن إجراءات حكومة خميس وارتفاع مستوى الفساد، وعلى هذه الخلفية، يفقد بشار الأسد شعبيته بين النخب المالية، ويبدو زعيماً ضعيفاً، غير قادر على كبح الفساد وتهيئة مناخ اقتصادي داخل سوريا”.
التقرير الثاني: ثلثا السوريين لن يصوتوا للأسد
وفي هجوم على رأس النظام، نشرت الوكالة الروسية التقرير الثاني وهو عبارة عن استطلاع للرأي بين السوريين أظهر أن “شعبية بشار الأسد تتراجع على خلفية الفساد والمشاكل الاقتصادية في البلاد”.
وقالت إن استطلاع “صندوق حماية القيم الوطنية” كشف أن 32 في المئة فقط من سكان سوريا أعربوا عن استعدادهم لدعم بشار الأسد في انتخابات 2021. وأوضح رئيس الصندوق، ألكسندر مالكيفيتش أن “الانخفاض الملموس في تراجع نسبة التأييد لبشار الأسد مرتبط بتجذر الفساد والمحسوبية في مستويات السلطة العُليا والدائرة المقربة من الرئيس. وأسفر ذلك عن مستوى معيشة منخفض للغاية، مع رصد البطالة وانقطاع التيار الكهربائي ونقص السلع الغذائية”، مشيرا إلى أنه “ليس لدى الحكومة الحالية إجابات فعالة لمتطلبات المواطنين”.
وذكرت الوكالة أنه “يسود إحساس بالتشاؤم في سوريا. وبحسب صندوق حماية القيم الوطنية، الذي قال إن الاستطلاع شمل أكثر من 1400 سوري عبر الهاتف في 12 نيسان/أبريل، فإن الناس ينتظرون إصلاحات وسياسيين أقوياء جدداً في السلطة قادرين على تجاوز الأزمة”. وخلص إلى أن “القيادة الحالية لم تلبّ هذه التطلعات حتى الآن” و”من الواضح أن الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية، ومحاربة الفساد، وخلق مناخ مواتٍ للأعمال، أمور غير مُتاحة في الظرف الراهن”.
التقرير الثالث: الأسد يفتقر إلى الإرادة السياسية
وفي التقرير الثالث، وتحت عنوان “الفساد أسوأ من الإرهاب: ما يعوق الأعمال الروسية في سوريا”، كشفت الوكالة أن النظام لم “يهيئ جميع الشروط اللازمة للأعمال الروسية” رغم الدعم الروسي المتواصل له.
ونقل تقرير وكالة الأنباء الفيدرالية عن المحلل السياسي إيفان أركاتوف قوله إن “حال الأعمال الروسية في سوريا لا يزال دون المستوى المطلوب… ويضع المسؤولون المحليون مجموعة متنوعة من القيود والعقبات”، متهماً المسؤولين السوريين بتلفيق حجج لعدم تطوير الأعمال الروسية رغم توفير الظروف بعد وقف إطلاق النار في إدلب، والقضاء على تنظيم “داعش” .
ونقلت الوكالة عن الخبير الروسي قوله إن “الفساد في سوريا، وخاصة على المستوى الحكومي، هو أحد أكبر المشاكل بالنسبة لروسيا.. نحن نستثمر مبالغ كبيرة من المال في الاقتصاد السوري، لكننا لا نشهد نتائج..يبدو أن كل الاستثمارات التي توظفها روسيا في سوريا تذهب إلى جيب شخص آخر”.
وأشار التقرير إلى أن “سوريا بلد غير متجانس. وهناك عشائر من العائلات في السلطة، وعشيرة الأسد ليست الوحيدة في السلطة. وهناك عشيرة مخلوف وهي أسرة غنية ومؤثرة كثيراً ما يؤخذ رأيها في الاعتبار عند إعداد القرارات السياسية والاقتصادية في دمشق”.
وخلص إيفان أركاتوف إلى أن الأسد غير قادر على التعامل مع الأوضاع، وأنه “يفتقر إلى الإرادة السياسية والتصميم على مواجهة النظام العشائري القائم. والنتيجة واضحة: يتعين على روسيا أن تعيد النظام إلى الاقتصاد السوري، غير الصالح بسبب الفساد”. وأشار إلى أنه “إذا كان الفساد أسوأ من الإرهاب حسب أقوال الأسد”، يجب “على روسيا أن تهزم الفساد في سوريا بالطريقة التي هزمت بها الإرهاب”.
ورغم أن الحملات الروسية على نظام الأسد ليست جديدة، لكن يرى محللون أن هذه المرة تعتبر الأقسى وحملت نفساً تحريضياً واضحاً ضد النظام، ربما يكون وقفها منوطاً بتسليم الاقتصاد السوري لشركات “طباخ الكرملين”، وإلا فإن الحرب على النظام ستتواصل.
المدن
———————————–
أدلّة دولية تُحكم “عزلة” الأسد.. بانتظار استثمارها سياسياً
“جرائم لا تسقط بالتقادم”..
تسع سنوات مضت، لم تخلو من الاتهامات الضمنية لنظام الأسد، بالمسؤولية عن “جرائم حرب”، و”جرائم ضد الإنسانية”، ورغم استبانة الأدلة التي تؤكد ضلوعه بالوقوف ورائها، إلا أنها لم تحقق أية تقدم في طريق المحاسبة، والذي يعتبر محطة، من شأنها إحداث نقلة في مسار الحل السياسي، الذي ما يزال إيقاعه مضبوطاً بالطريقة التي تريدها موسكو والدول الداعمة للأسد.
تفاصيل الجرائم نُشرت في الأسبوعين الماضيين على العلن، في تطور هام ومتقدم مقارنة بما شهدته السنوات الماضية، من تقارير دولية أدانت واتهمت نظام الأسد بالوقوف وراء مئات الجرائم ضد المدنيين في سورية، وخاصةً المتعلقة باستهداف المشافي والنقاط الطبية، وبالهجمات الكيماوية في عدة مناطق سورية، أبرزها في دوما بالغوطة الشرقية وخان شيخون واللطامنة في ريفي إدلب وحماة.
وجاءت تفاصيل الجرائم ضمن تحقيقين: الأول أصدره مجلس تحقيق تابع للأمم المتحدة، في الثامن من نيسان الحالي، حول سبع هجمات على مرافق صحية وخدمية في سورية، وأشار التحقيق إلى أن نظام الأسد وحلفاءه قد يكونوا مسؤولين عن خمس من الهجمات.
أما التحقيق الثاني، والذي يعتبر الأبرز، فقد أعده فريق من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وأفاد بأن سلاح الجو التابع لنظام الأسد استعان بطائرات عسكرية من طراز “سوخوي-22” وطائرة هليكوبتر، في إسقاط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين على قرية في منطقة اللطامنة في مارس/آذار 2017.
وكانت المنظمة (حظر الأسلحة الكيماوية) قد أكدت في 2018 أن غازي السارين والكلور استخدما في هجمات اللطامنة دون أن تتهم أي جهة، لكن التقرير الصادر حالياً هو الأول الذي تُحمل فيه المنظمة جهة معينة (نظام الأسد) مسؤولية هجمات تحقق فيها في سورية.
وبحسب معلومات “السورية.نت” فمن المتوقع أن يصدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية خلال الأيام المقبلة، تقرير حول هجوم بغاز الكلور استهدف مدينة دوما قرب دمشق في أبريل/نيسان 2018، على أن تحدد نظام الأسد كفاعل رئيسي بالوقوف وراءه.
عقبة جديدة
رغم التحوّل الهام الذي فرضه تحقيق منظمة الأسلحة الكيميائية، بتحديد هوية الطرف المسؤول عن الهجوم الكيماوي في اللطامنة، إلا أن التداعيات التي قد يفرضها لم تتضح حتى الآن، ولا سيما أن الأدلة التي عرضتها المنظمة في الوقت الحالي، سبق وأن قدمتها وأثبتتها منظمات حقوقية سورية وغربية.
ولعل النقطة الأبرز التي يمكن الوقوف عندها بخصوص التحقيقين(استهداف المشافي، اتهام النظام بهجوم اللطامنة) هي الظرف الذي جاءا به، إذ يتزامنان مع محاولات من موسكو رفع العقوبات عن نظام الأسد، في خطوة لاستغلال ما يشهده العالم من تخبطٍ أحدثه انتشار فيروس كورونا المستجد.
كما يتزامن التحقيقان مع سعي بعض الدول لإعادة التطبيع مع نظام الأسد بذريعة “الإنسانية”، وخاصةً الإمارات، بالإضافة إلى التسريبات التي نشرت عن اتصالات أمريكية غير مباشرة مع نظام الأسد، لإطلاق سراح بعض المواطنين الأمريكيين مقابل تخفيف بعض العقوبات، بسبب كورونا.
ويعطي صدور التحقيقين في الوقت الحالي، مؤشرات على تحرك دولي “مفاجئ” لإحكام عزلة الأسد، ولاسيما أنهما جاءا بظرف غير متوقع، وفي ظل انشغال العالم بالتصدي لانتشار فيروس “كورونا”.
وفي حديث لـ”السورية.نت” يقول الدبلوماسي السوري السابق، والمقيم في واشنطن، بسام بربندي، إن كل لجنة تحقيق دولية وبحسب قرار إنشائه، تحدد تاريخ أو تواريخ معينة لنشر النتائج التي توصلت إليها.
ويضيف بربندي: “ما تم نشره مؤخراً كان متوقعاً، وهو يمثل ضغط على النظام من ناحية أن المجتمع الدولي ولجان التحقيق مستمرة بعملها في التحقيق بكل الجرائم التي ارتكبها النظام، ولن تسقط بالتقادم أو بتغير المعطيات على الأرض”.
وبحسب الدبلوماسي السابق: “التقارير التي نشرت هي جزء من هذه الرسالة.. بمعنى لا يوجد ضغط على هذه اللجان لإصدار التقارير بمواعيد محددة أو تنسيق بين لجان التحقيق المختلفة”، مشيراً: “أحياناً تلجأ بعض لجان التحقيق إلى تأخير نشر تقاريرها لاستكمال التحقيق أو المحافظة على سريته، ولمنع النظام وروسيا من معرفة تطور التحقيق حتى لا يعرقلونه”.
ماذا بعد؟
ستة أيام مضت على تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، شهدت عدة ردود أفعال، أبرزها الأمريكية والروسية، وبينما عزز التقرير موقف واشنطن في سورية، اعتبرته موسكو “غير جدير بالثقة”.
ويناقش مجلس الأمن الدولي في جلسةٍ مغلقة، اليوم الأربعاء التقرير، في جلسة استماع شهرية، من المقرر أن تقدم فيها الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إحاطتها حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر عام 2013 بشأن القضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد.
ومن المتوقع أيضاً، وحسب ترجمة “السورية.نت” عن وسائل إعلام عالمية، أن يركّز الاجتماع بشكل أساسي على فريق التحقيق المستقل التابع للمنظمة، وسط الحديث عن انقسام قد يشهده مجلس الأمن، بين روسيا والصين من جهة، وبريطانيا أمريكا وفرنسا من جهة أخرى.
ويشير الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، إلى أن التبعات التي قد يفرضها تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هي “المزيد من الضغط السياسي والاقتصادي على روسيا أولاً، لانها تحمي النظام من هذه الجرائم (…) فإما أن تظهر أنها شريك بالجرائم وعليها مسؤولية قانونية، وفي ظرف ما يمكن إنشاء محكمة دولية للنظر بجرائم النظام وروسيا”.
أو أن روسيا ستتعاون مع المجتمع الدولي، ويضيف بربندي: “بالتالي عليها أن تضغط على النظام بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم”، موضحاً: “وجود روسيا في مجلس الأمن يمنع إحالة هذه الجرائم إلى محكمة الجنائية الدولية، وبالتالي سيستمر الضغط الدولي على النظام، باستمرار عزلته السياسية و لمزيد من العقوبات الاقتصادية و استمرار التحقيقات الدولية”.
بانتظار استثماره سياسياً
في سياق ما سبق ومع التحركات المستمرة التي تبعت صدور تقرير منظمة الأسلحة الكيميائية، تتجه الأنظار إلى الآلية التي سيتم العمل عليها لتحويل ما أعلنَ في الوقت الحالي من دلائل إلى استثمار سياسي، ولاسيما أن الروس وحلفاء النظام مايزالون يمسكون بالمسار السياسي، ويحاولون تجييره إلى صالحهم.
ويرى المتحدث باسم “الهيئة العليا للمفاوضات” السورية، يحيى العريضي، أن “هيئة التفاوض تجري التواصلات مع الأمم المتحدة والمبعوث الدولي ومع المجموعة المصغرة، لتفعيل التقرير، مع التأكيد على ضرورة المحاسبة”.
ويقول العريضي لـ”السورية.نت”: “على الأقل هذا النظام لا يمكن إعادة تأهيله، وبالتالي لابد من تطبيق القرارات الدولية، والعمل على مرحلة انتقالية، كي يصار للشعب السوري أن يختار من يشاء في فترة لاحقة، كحكم انتقالي يأتي من بعده انتخابات في بيئة آمنة”.
وبحسب العريضي، فإن “ردة الفعل اتجاه التقرير لم تكن كما يجب، بسبب انشغال العالم بوباء كورونا”، موضحاً: “في دهاليز السياسة هناك ما يتم بخصوص سورية، ولم يتبق أمام النظام إلا المسار السياسي، والذي سيكتب فيه نهائيته”.
ويشير العريضي إلى أن تحديد الفاعل وراء الهجمات الكيميائية يعتبر “مسألة مهمة جداً، وخاصة على الصعيد السياسي”، مشيراً إلى أنه ولأول مرة “تستنفر موسكو قبل نظام الأسد بخصوص التشكيك باللجنة وتقريرها وموضوعيتها، وتتهمها بالتسييس والتضليل، وسبب ذلك أن ليس النظام فقط المشار إليه وإنما من يدعم النظام.. وهنا تأتي موسكو”.
ومع اقتراب تطبيق قانون “قيصر”، يعتقد العريضي أن “الأمور ستذهب باتجاه الخروج ببعض المكاسب والتوجه نحو الحل السياسي، لكن ليس على مقاس نظام الأسد، وإنما بشيء من الإنصاف للشعب السوري”.
حملة عربية
إلى جانب ما تحدث عنه المتحدث باسم “هيئة التفاوض” السورية، أعلن “الائتلاف السوري” المعارض، يوم أمس الثلاثاء، عن حملة عربية يقوم بها، “لحشد المواقف الداعمة لإدانة نظام الأسد بعد صدور تقرير منظمة الأسلحة الكيماوية”.
وذكر “الائتلاف السوري” على معرفاته أن رئيسه أنس العبدة وجه رسالة إلى الدول العربية لحثهم على اتخاذ موقف موحد من نظام الأسد، وتلقى الرسالة كل من: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، سلطنة عمان، قطر، اليمن، الأردن، لبنان، فلسطين، العراق، مصر، المغرب، ليبيا، تونس، الجزائر، السودان، موريتانيا، الصومال، وجيبوتي.
وطالب العبدة في رسالته كافة الدول العربية، بدعم تنفيذ البند 21 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي ينص على فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حالة عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيماوية دون إذن، أو استخدام أحد للأسلحة الكيماوية في سورية.
———————————-
خلاف بوتين والأسد واقتصاد الفساد/ سميرة المسالمة
يعوّل سوريون في الحديث عن نهاية قريبة لحكم بشار الأسد على بوادر خلاف بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس ما يمكن تسميتها اليوم المحمية الروسية (سورية)، معتبرين أن من علامات انتهاء صلاحيته الرئاسية هو نقد بعض الإعلام الروسي مظاهر الفساد في منظومة العمل الاقتصادي السوري، بذريعة أن هذا النقد لا بد أنه يمثل وجهة نظر رسمية روسية، بحكم إعلام روسيا المسيطر عليه. وعلى ذلك، بدت مرحلة ما بعد الأسد للقرّاء قاب قوسين أو أدنى، بعد انتهاء العالم من مشكلته الوبائية كورونا (كوفيد – 19).
صحيحٌ أن الاقتصاد ممسوكٌ من منظومة الحكم في سورية، وهو جزءٌ أساسي في المنظومة الأمنية قبل انطلاق الثورة عام 2011، ويقع ضمنها وليس إلى جانبها، بحيث تكون بشكل هرمي يقبع الرئيس على تلتها، مستفيدا أول يوزع ما يريد على الشركاء والأتباع، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه المنظومات التي تتشكل منها سلطة الأسد تتوافق في ما بينها، أو أنها تعمل وفق تفاهمات الشركاء المتحالفين، لأن القاعدة في الحكم كانت ولا تزال تأخذ مبدأ “فرّق تسد”، وكانت وسيلةً لإبقاء يد الرئيس فوق كل يد، وهي بمثابة لعبة جاسوسية رخيصة التكاليف.
كان الاقتصاد السوري، بعد عام 2000، يحتاج ثورة هادئة في منظومته القانونية، ليس لغاية إصلاحه، ولكن لإحكام الهيمنة عليه خلال فترة مهمة، سمّيت مرحلة الاستثمار الخارجي أو قانون الاستثمار رقم 10 وتعديلاته، وروّجها وجود بشار الأسد في سدّة الحكم والآمال التي انعقدت بسبب معايشته التجربة الأوروبية خلال دراسته في لندن. لكن ما حدث لاحقاً هو تمكين قانوني لهيمنة عائلة الأسد وأتباعهم على أهم قطاعات الاستثمار في سورية (الاتصالات ولاحقاً العقارات)، ممثلة بابن خاله رامي مخلوف واجهة واضحة أو بشركاته القابضة، سواء التي يدخل فيها شريكا إجباريا واضحا، أو يترك الشهرة في غيرها لأسماء أخرى.
يمكن القول إن واقع الهيمنة على الاقتصاد بقي على حاله بعد الثورة فترة قصيرة، إلا أن خروج شخصياتٍ اقتصاديةٍ كبيرة، من السوريين السنة تحديدا، بعد الثورة إلى مصر والإمارات ولبنان، وتخليها كلياً أو جزئياً عن الشراكة مع مخلوف، غيّر في خريطة أسماء الاقتصاديين، ما أفرز أسماء جديدة “اخترع” معظمها رامي مخلوف، وحولها إلى أسماء تواجه أسماء يحميها رؤساء الأجهزة الأمنية، ليصبح مخلوف في مواجهة أسماء بتبعيات أمنية كبيرة، ولاحقاً دولية (إيران وروسيا) للحفاظ على مكتسباته، ومخلوف عملياً يمثل قوة فاعلة اقتصادية وعشائرية ومجتمعية في محيطه، وله شركاء صوريون كثيرون، وهذا ما لا يستطيع تجاهله بشار الأسد الذي ألقى، بداية الثورة، اللوم على رامي مخلوف، واتهمه بأنه السبب في ثورة السوريين ضده (وهنا كانت نقطة التحول في الخلاف الاقتصادي العائلي)، ما جعل مخلوف يرد عليه في مؤتمر صحافي في 6 يونيو/ حزيران2011، ويعلن تحويل مشاريعه ليستفيد منها ذوو الدخل المحدود، ويتبرّع بالأرباح للجمعيات الخيرية، ثم لم يحدث شيء من هذا.
من هنا بدأت مساحة المحيطين بشقيق الرئيس (ماهر الأسد) تتوسع، من أمثال محمد حمشو وسامر الفوز، يضاف إليهم أولاد بشير القاطرجي الذين انشقّوا عن رئيس الأمن الرئاسي اللواء ذي الهمّة شاليش، وأسسوا لشراكة مع روسيا، وغيرهم من الأسماء الجديدة في الشارع السوري، ومنهم من عاد بعد فراق سورية سنوات، كحال نادر قلعي الذي انشق عن مخلوف، ليعود بحماية بشار الأسد مباشرة، إضافة إلى شخصياتٍ جاءت من العدم الاقتصادي، روّجها النظام واجهة للعمل، سواء داخل البلاد أو خارجها، وأحياناً تحت غطاء “المعارضة” لبعض الوقت، ثم استدارت اليوم لترجع إليه، ولتدخل عائلة أسماء الأسد – الأخرس في المنافسة أيضاً على حصتها من فساد الواقع الذي يستهدف لقمة عيش السوريين.
وجدير بالذكر أن الحكومة التنفيذية، من وزراء ومديرين ورؤساء غرف، تمثل أيضاً صورة من تقاسم البلد بين قوى محلية أمنية، لا تتبع جميعها لمشاريع رأس النظام، بل تعمل وفق مصالح الجهات التي أفرزتها، ما يجعل فسادها خارج المحاسبة الداخلية إلى أن تسقط عنها الحماية. وعادة في سورية يحدث ذلك، بعد كشف محاولة تغيير الولاء من جهة إلى أخرى، حتى عندما تكون هذه الجهة من شقيق الرئيس إلى الرئيس، أو من جهة أمنية إلى أخرى، وهو ما شهدته سورية قبل الثورة بصور مختلفة، من إقالة إلى إعدام أو انتحار (مشبوه)، أو حتى نفي خارج البلد.
وللتذكير، التغيير المدرج ضمن تحديث الوجوه للحكومة السورية المتعاقبة كان يتم وفق آلية تدوير الوجوه، وليس شطبها أو إحالتها إلى التقاعد البيتي، كما حدث عند إقالة رئيس وزراء سورية، محمد مصطفى ميرو (2000 – 2003) المتهم بقضايا فساد كثيرة داخلية، قبل توليه رئاسة الحكومة وبعده، وخلال عمله محافظا لمدينة حلب، وقبلها الحسكة ودرعا، وعلى الرغم من ذلك، حولته إقالته من رئيس وزراء إلى متفرّغ “عضو قيادة قطرية رئيس مكتب العمال”، ما يعني تسليمه أحد أهم ملفات العمل الحزبي، حيث لم يبعد عن العمل العام إلا بعد تقارير دولية وطلب أميركي من بشار الأسد (عام 2005) التخلص منه، لتورّطه في عمليات فساد مع رجال أعمال في غرفة صناعة وتجارة حلب في برنامج يتعلق بالنفط مقابل الغذاء مع العراق.
لذلك كله، الهجوم الإعلامي الروسي على الأسد واتهام منظومته بالفساد لا يعنيان انتهاء أسباب حماية الرئيس بوتين له، فهذا النقد، وأحيانا يمكن وصفه شتما للأسد، ليس جديدا، وإنما عمره من عمر التدخل الروسي في سورية، سواء بالقول أو الفعل، حيث تعمّد الإعلام إظهار الأسد مع بوتين في مواقف مهينة لموقعه، فتدخل بوتين في سورية لم يكن حباً في شخص بشار الأسد، ليكون تخليه عنه ناجما عن تراجع هذا الحب، بسبب فساد إدارته مقدّرات سورية الاقتصادية، وتراجع نسب قبوله شعبيا إلى 32% حسب آخر استطلاع روسي لجهة حكومية. والفساد ليس علةً يستند إليها الروس أساساً في تقييم علاقتهم مع الآخرين، حيث يضرب هذا الفساد بدولتهم ليصبح (الفساد عملاً). وعليه، كان التدخل استثماراً (أو business) خاصا لبوتين، وما لم يحقّق أرباحه المرجوّة منه، فهو لن يتخلى عنه، على العكس، فترويع المجتمع الدولي بحجم فساد النظام الذي تحميه موسكو قد يزيد من ربحها عند جلسة المزايدة على بيعه في جلسة جنيف المقبلة، وليس العكس، وحظ أوفر للواقفين على دور الترشيحات للرئاسة على أبواب إسرائيل ما بعد كورونا.
العربي الجديد
————————————-
فضائح الأسد وزوجته:خلافات عائلية أم صراع نفوذ إيراني-روسي
على مدار أيام الأسبوع الماضي نشرت وسائل إعلام روسية تقارير واستطلاعات رأي صادمة بالنسبة للنظام السوري، بعد أن ركزت على الفساد المستشري داخل أروقة الحكم في دمشق، قبل أن يتم الكشف أخيراً عن اللوحة التي أشتراها بشار الأسد لزوجته مقابل ثلاثين مليون دولار، في الوقت الذي يعاني فيه السوريون وضعاً اقتصادياً متدهوراً.
المصادر الإعلامية التي كشفت عن قضية اللوحة، أكدت أن عائلة مخلوف، التي تعتبر واجهة النظام الاقتصادية، هي التي سربت قضية اللوحة إلى العلن، رداً على الاجراءات التي اتخذتها عائلة الأسد خلال الأشهر الأخيرة الماضية بحق آل مخلوف، وشملت حجزاً احتياطياً على الأموال، ووضع اليد على مؤسسات تجارية وخيرية مملوكة للعائلة المتنفذة اقتصادياً، ما أدى لتوترات كبيرة بين الأسرتين، انتهت بمغادرة محمد مخلوف، خال بشار الأسد، إلى روسيا، وإقالة ابنه ايهاب من منصبه كمدير للمناطق الحرة في سوريا.
وعمل النظام السوري على اتخاذ إجراءات جديدة وضعها ضمن سياسات “معالجة ملف الفساد” من خلال اطلاق عمل “لجنة مكافحة غسيل الأموال”. واعتبر أنها اجراءات لا تستهدف عائلة مخلوف بشكل خاص، على اعتبار أن عمل اللجنة طال رجال أعمال آخرين بعضهم منافس لرامي مخلوف، الشخصية المالية الأولى في البلاد.
لكن من الواضح أن الأخير بات يعتبر أنه وعائلته المستهدف الحقيقي من قبل الأسرة الحاكمة، وأن إدراج أسماء أخرى ضمن إجراءات اللجنة التي تؤكد المصادر أن أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، هي من تديرها، لم تكن سوى محاولة للتغطية على الهدف الحقيقي، وهو ازاحة آل مخلوف من الواجهة وتقويض سيطرتهم على اقتصاد البلاد.
وكانت اللجنة قد أعلنت بالفعل الحجز الاحتياطي على أموال العديد من رجال الأعمال الداعمين للنظام والمقربين منه، بينهم أيمن جابر، الذي تتبع له ميليشا صقور الصحراء، ومحمد حمشو، أحد أركان النظام الاقتصادية، بل وحتى طريف الأخرس والد أسماء الأسد، بحجة “استيفاء أموال عائدة لخزينة الدولة”، قال النظام إنه تم دفعها، من دون أن يخفف ذلك من حدة التوتر بين عائلتي الأسد ومخلوف على ما يبدو.
وسبق ذلك أن قررت اللجنة الحجز على أموال شركة “سيرياتيل” المملوكة لرامي مخلوف تبعته سلسلة إجراءات أخرى استهدفت مؤسسات ومراكز عائلة مخلوف، إلى جانب إجراءات غير رسمية، ركزت على الترف المبالغ فيه الذي تعيشه العائلة، وقد تم توظيف صور وفيديوهات نشرها محمد ابن رامي مخلوف على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الحملة، التي نجحت فعلاً بإحداث ردود فعل غاضبة داخل الحاضنة الشعبية للنظام.
ويبدو أن الرد على ذلك جاء أخيراً مع تسريب خبر شراء بشار الأسد لوحة فنية من أحد معارض مدينة لندن كهدية لزوجته، مقابل مبلغ ثلاثين مليون دولار، حيث استخدمت الصحيفة الروسية التي كشفت عن هذه القضية قبل أيام اللغة والمصطلحات التي كان إعلام النظام الرديف قد استخدمها للنيل من عائلة مخلوف طيلة العام الماضي، وهو البذخ غير المسؤول، والاستهتار بمعاناة السوريين الذين يعيشون واقعاً اقتصادياً متدهوراً في مناطق سيطرة النظام.
مصادر إعلامية أكدت أن عائلة مخلوف هي التي تقف وراء هذا التسريب، من باب رد الاعتبار، وهي كذلك من سربت لوسائل الإعلام تفاصيل الصفقة المشبوهة بين حكومة دمشق وشركة “تكامل” المنفذة لمشروع البطاقة الذكية في سوريا، حيث كشفت التفاصيل التي تم الإعلان عنها حجم الفساد في هذه الصفقة والأرباح غير المشروعة التي جنتها الشركة المملوكة لمهند دباغ، ابن خالة اسماء الأسد، سواء من أموال الخزينة أو أموال المستخدمين للبطاقة الذكية.
صراع لا يزال غير مفهوم بالنسبة للكثيرين، ومفاجئ بطبيعة الحال للجميع، الأمر الذي أطلق العنان لقراءات مختلفة وتفسيرات متعددة تباينت في مقاربتها بين ما هو عائلي محض، إلى ما هو سياسي يتصل بالصراع على السلطة والتنافس بين المحورين الروسي والإيراني للسيطرة على البلاد.
وقالت مصادر مطلعة في دمشق ل”المدن”، إن ما حصل لا يزال يشكل صدمة داخل أروقة النخبة وعلى الصعيد الشعبي أيضاً، إذ لم يكن هناك من يتوقع أن تتعرض العلاقة بين عائلة بشار الاسد وعائلة خاله محمد مخلوف المتوطدة طيلة عقود حكم النظام لأي هزة فضلاً عن التدهور بهذا الشكل.
وكشفت المصادر عن وقائع أخرى تعبر عن مدى التوتر بين الطرفين ولم يتم التطرق لها من قبل، مثل الحريق الذي طال أحد الفنادق العائدة لرامي مخلوف في روسيا قبل أشهر، واعتبرته العائلة حادثاً متعمداً يقف خلفه آل الأسد، كما أن العلاقة التي كانت تربط بين محمد نجل رامي مخلوف وابنة بشرى شقيقة بشار الأسد، والتي كان ينتظر أن تكلل بالزواج، قد انقطعت بشكل مفاجئ منذ نحو عام.
وتؤكد هذه المصادر أن ما يحصل سببه الرئيسي شعور عائلة الأسد بتنامي نفوذ رامي مخلوف وأشقائه داخل السلطة، إلى الحد الذي يمكن أن يشكل تهديداً للهيمنة المطلقة التي يحكمها بشار وشقيقه ماهر على النظام، وأن هذا الشعور بدأ مع تطور الدعم المالي الذي كانت مؤسسة البستان الخيرية قد بدأت بتقديمه للمنتسبين للجيش وقوات الأمن من أبناء الطائفة العلوية خلال السنوات الماضية.
وكشفت المصادر أن مواجهة هذا (الخطر) لم تبدأ خلال السنة الفائتة فقط، بل قبل ذلك بوقت أطول، وشمل إجراءات اقتصادية وإدارية وسياسية أيضاً، لعل أبرزها تسلم الفرقة الرابعة في الجيش، التي يقودها ماهر الأسد، مهام الإشراف على “مؤسسة المناطق الحرة” بدلاً من إيهاب مخلوف، وتعويم رجال أعمال جدد منافسين لشقيقه رامي، بل واستدعاء آخرين كانوا قد اضطروا إلى مغادرة البلاد قبل ذلك بسبب ممارسات رامي مخلوف التي أوصلت البعض منهم إلى حد الافلاس، مثل نادر قلعي الذي عاد مؤخراً وأوكلت إليه إدارات واستثمارات اقتصادية كبيرة، وكذلك طريف قوتلي الذي أصبح مع شخصيات أخرى في الواجهة التي لطالما ظلت قلعة آل مخلوف المحرمة.
لكن آخرين، وبناءً على تقاطعات تحملها بعض المؤشرات السابقة، يرون أن ما يجري يندرج ضمن صراع النفوذ المحتدم بين روسيا وإيران في سوريا، ويجدون أن تسلم الفرقة الرابعة، التي تعتبر موالية لإيران، الاشراف على مؤسسات ومشاريع اقتصادية كانت تحت سلطة آل مخلوف المقربين من روسيا، دليل واضح على ذلك.
ويضيف هؤلاء إن الإجراءات العقابية الحقيقية استهدفت إلى جانب عائلة مخلوف رجال الاعمال الذي تتركز استثماراتهم الرئيسية في حقلي النفط والغاز المهيمن عليهما من قبل موسكو، مثل سامر الفوز وأيمن جابر، وهم من المحسوبين على روسيا بشكل أو بآخر، الأمر الذي يؤكد سعي عائلة الأسد الواضح لمعالجة هذه الخاصرة الرخوة التي باتوا يشعرون أنهم يعانون منها، خاصة بعد التهميش المتكرر والاساءات العديدة التي مارسها الروس بحق النظام، بما في ذلك تلك التي وجهت لبشار الأسد ذاته.
وأكدت مصادر محلية أخرى في دمشق ل”المدن”، أن النظام، وفي إطار سعيه لمواجهة تنامي حضور الاقتصاديين المدعومين من قبل روسيا، والذين يتخوف من خروجهم عن السيطرة، مع الوهن المتزايد داخل مؤسسات السلطة لصالح كل من طهران وموسكو، لم يجد غضاضة حتى في التعاطي الايجابي مع ملف عم الرئيس الحالي “رفعت الأسد” المنفي من البلاد منذ أربعة عقود تقريباً، حيث تم السماح لبعض أولاده مؤخراً بإقامة مشاريع تجارية في سوريا، علماً أن العلاقة بين آل مخلوف وبين أبناء رفعت الأسد سلبية منذ زمن الآباء.
لكن الصحافي السوري حسام جزماتي يستبعد أن يكون هناك أي دور لأبناء رفعت الأسد في هذا الصراع الذي ما زال غامضاً من حيث الأسباب والدوافع، كما يقول.
وقال ل”المدن”، إنه “من وقت لآخر ومنذ تسلم بشار الأسد الحكم عام 2000 يتم تداول اسم عمه رفعت في وسائل الإعلام والترويج لعودته إلى سوريا، لكن هذا لم يتجاوز حدود الكلام، إذ لا يمكن الحديث عن دور سياسي للأسد العم مثلما لا يمكن الحديث عن دور اقتصادي ممكن لابنائه في سوريا، إذ أن حضورهم على هذا الصعيد ضعيف جداً، ومن بين ثمانية أولاد ذكور لرفعت يعيش اثنان منهم فقط في سوريا، هما دريد ومضر، الأول من دون نشاط والثاني يمارس أعمالاً تجارية أخذت بالتوسع أخيراً بالفعل، خاصة مع اطلاقه مؤسسة فرعون للحوالات، لكن من دون أن يبلغ ذلك حد وضعه في خانة كبار رجال الأعمال.
وإذا كان جزماتي يختلف بوضوح مع المتحدثين عن دور محتمل أو حضور أكبر لابناء رفعت الأسد، حتى وإن كان بطلب أو ترتيب من رأس النظام وشقيقه ماهر، إلا أنه يتفق معهم على أن النظام يعيش حالة صراع وتنافس غير مسبوقة لا يمكن إلا أن يكون لها آثار مهمة، أياً يكن سبب هذه الصراعات ودوافعها.
وما بين تبسيط هذه الحرب الداخلية المستعرة بين أركان النظام، واعتبار أنها مجرد صراع أسري سببته حساسيات ونكايات عائلية بحتة، انعكست في النهاية على الحكم وإدارة الشأن العام، وبين التأكيد على أن ما يجري أكثر تعقيداً مما سبق، ويتصل بالصراع على سوريا ذاتها بين الحليفين الروسي والإيراني، تتكشف دورياً تفاصيل صادمة لم يكن السوريون ليتوقعوا يوماً أن النظام ذاته سيكون مصدرها.
المدن
——————————–
معركة الرئاسة السورية التي بدأت/ ساطع نور الدين
إما أن الرئيس بشار الاسد لم يدفع بدل عقود عمل لشركة “فاغنر” للمرتزقة الروس، أو أنه لم يدفع ثمن القمح الذي إشتراه من روسيا.. ليس هناك من سبب ثالث للاكتشاف الروسي المتأخر بأن نظامه فاسد وضعيف، وبلا مستقبل.
معايير السياسة في روسيا ليس لها منطق واضح. هي تُبنى في الغالب على حسابات الربح والخسارة التي يعتمدها أي دكان صغير، لا أي مؤسسة كبرى، أو دولة عظمى. لذلك فإن الانطباع الاول الذي تكوّن جراء الحملة الاعلامية الروسية المنظمة على الاسد وأسرته ومحيطه، هو الابتزاز والضغط للحصول على المبالغ المستحقة، التي لم تحدد قيمتها الفعلية، ولم يُذكر ما إذا كانت تشمل صفقات السلاح والذخيرة التي كانت إيران ولا تزال تغطيها.
لا يمكن لأحد أن يتصور ان روسيا، التي زجّت بجيشها ومرتزقتها وسلاحها الجوي والصاروخي في العام 2015 لحماية الاسد ومنعه من السقوط في غضون أسابيع، (حسب التقديرات الروسية والايرانية المعلنة رسميا في ذلك الحين) ، لم تكن تملك تلك المعلومة الراسخة عن أن فساد النظام السوري هو جزء من تكوينه، وتاليا هو الوجه الآخر لوحشيته.
في تلك الفترة، كانت الفكرة السائدة هي أن إجتماع الفساد السوري مع الفساد الروسي الذي لا يزال يذهل العالم كله، سيؤدي الى حلف مقدس بين جهازين مافويين، يمكن ان يصمد لعقود طويلة، ويساهم في تعزيز قبضة النظامين على البلدين، مع غلبة واضحة للجهاز الروسي الضخم والقوي الذي يمكن ان يبتلع سوريا بسهولة فائقة.
لا دليل حتى الآن على أن تلك الحملة الروسية على الاسد وفريقه، تعني فك ذلك الحلف، بل ربما فقط تغيير بعض رموزه وقواعد عمله وإعادة توزيع مهامه وتقييم مصالحه المشتركة.. مستفيداً من تضاؤل الدور الايراني وندرة الاموال التي كانت طهران تضخها في شرايين النظام السوري، والتي فاقت كل ما دفعته جميع الدول العربية والاجنبية في تدخلاتها السابقة في الحرب السورية.
مقابل عدم التسليم المسبق بان فساد النظام السوري هو مشكلة روسيا الكبرى وهاجسها الاهم في سوريا، لا يمكن إستبعاد فرضية ان موسكو تساوم طهران بشكل غير مباشر على تغطية ديون الاسد المتراكمة، طالما أنها لا تزال تمتلك إحتياطياً نقدياً معقولاً، قدره الاميركيون أخيراً بنحو 110 مليارات دولار، بات النظام الايرانية يضيق في الإنفاق منها على حلفائه ووكلائه في الخارج ، في ظل أزمته الاقتصادية الخانقة التي تفاقمت جراء غزو فيروس كورونا القاتل.
في سياق الحملة الروسية الراهنة على النظام في دمشق ورد تفصيل مثير، وهو إستطلاع الرأي الذي أجراه معهد روسي رسمي مقرب من الكرملين، وأفادت نتائجه أن 23 بالمئة من السوريين فقط يؤيدون إعادة ترشيح الاسد في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. هنا أيضاً لا يبدو أن الروس يكشفون سراً دفيناً، يعرفه العالم أجمع، ولم يعد ينكره حتى أشد الموالين للاسد الذين يفقدون ثقته به يوماً بعد يوم.. وهم في الواقع أولئك الذين شملهم وحدهم الاستطلاع وجاهروا بموقفهم من النظام، من دون ان يميلوا طبعا الى المعارضة السورية، التي يدرك العالم أجمع أيضاً أنها لم تعد قادرة على نيل نسبة ال23 بالمئة!
في هذا التفصيل، يبدو أن الكرملين حسم أمره، وتخطى فكرة الابتزاز، أو ربما إرتقى بها الى مستويات أوسع وأشمل وأبعد من حدود سوريا..بناء على واحدة من أهم مفارقات التدخل الروسي في سوريا أن موقف القيادة الروسية من الأسد شخصيا، تدرج من عدم الثقة الى عدم التقدير الى عدم الاحترام وصولا الى الازدراء المعبر عنه أخيراً بطريقة لم يسبق لها مثيل.
ومن الوقائع المعروفة لذلك التدخل الذي لقي تأييداً بل ترحيباً عربياً ودولياً أن موسكو حاولت منذ اليوم الاول المساومة على الاسد، لكن أحداً من العرب والاميركيين والاوروبيين لم يبد إهتماماً. لكنها أوحت أكثر من مرة لجميع هؤلاء ان الاسد لن يكون بالضرورة مرشحها لولاية رئاسية جديدة، بل ربما لن يرشح نفسه للمعركة المقبلة المقررة العام 2021.
لعل هذا هو جوهر ما تقوله الحملة الروسية، التي تطلب من الاسد صراحة أن يستعد من الآن لترك الرئاسة العام المقبل، وتدعو الاخرين الى التفاوض على إسم الرئيس السوري المقبل.
المدن
————————————–
روسيا والتغيير في سوريا/ خيرالله خيرالله
كلام كثير جرى تداوله في الأيام القليلة الماضية عن احتمال تخلي روسيا عن بشّار الأسد. عزّز هذا الكلام ما نشرته وسائل إعلام روسية عن خيبة موسكو حيال أداء الأسد الابن والمحيطين به، وعجزهم عن المحافظة على المناطق التي استعادها النظام بفضل الجهد العسكري الروسي. بدأ هذا الجهد على الأرض السورية ابتداء من أيلول – سبتمبر 2015 مع انتقال طائرات حربية روسية إلى قاعدة حميميم قرب اللاذقية.
مرّت الحرب السورية بمراحل عدّة قبل بلوغها المرحلة الراهنة التي تشبه، بطريقة أو بأخرى، مرحلتين سابقتين يمكن وصفهما بالمنعطفين، منعطف 2012 ومنعطف 2015.
في العام 2012، بدأ الانهيار الفعلي للنظام عندما تبيّن أن المدن الكبرى ترفض استمراره. لم تعد درعا تحت السيطرة، علما أنّها كانت دائما من المدن الموالية للنظام، على الرغم من الأكثرية السنّية فيها، بل تعتبر درعا مدينة سنّية يوجد في محيطها وجود درزي ومسيحي. لكنّ درعا التي انطلقت منها الثورة بعد الاقتصاص من مراهقين فيها، كانت أقرب إلى مدينة ريفية تختلف عن دمشق وحمص وحماة وحلب حيث توجد بورجوازية حقيقية كان حافظ الأسد يكنّ لها كرها شديدا. كان الأسد الأب بارعا في إقامة تحالفات داخلية بغية تطويق سنّة المدن الكبرى. فقد باشر باكرا بإخراج كبار الضباط السنّة من الجيش في ظل زحف للعلويين على اللاذقية من الريف والجبال كي يتغيّر طابع المدينة وهو أصلا سنّي – مسيحي.
في 2012، كانت دمشق مهدّدة. أصبح المشروع البديل للعلويين القائم على سوريا المفيدة مشروعا غير قابل للحياة، وذلك على الرغم من كلّ الجهود التي بذلت منذ العام 1970 من أجل تطويق المدينة بتجمّعات سكنية علوية. وقتذاك، دخلت إيران على الخط بعد اكتشافها أن القوات التابعة للنظام لا تستطيع التكيّف مع حرب المدن. لم يكتف “الحرس الثوري” الإيراني، الذي سبق له أن اكتسب خبرات في قمع التحركات الشعبية في إيران نفسها في العام 2009، بتدريب عناصر سورية على التعاطي مع الاضطرابات التي شهدتها المدن السورية. ذهب إلى أبعد من ذلك. أرسل قوات إلى سوريا وطلب “المرشد” علي خامنئي من الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله إرسال قوات إلى الداخل السوري. تروي أوساط دبلوماسية عربية أنّ نصرالله أبلغ خامنئي أن ثمن مثل هذا التدخّل سيكون كبيرا، فأجابه “المرشد” أن ذلك مطلوب من “حزب الله” بغض النظر عن الثمن الذي سيترتب عليه دفعه.
تولّى قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” قاسم سليماني قيادة معركة إنقاذ النظام، ونجح في ذلك إلى حدّ كبير وصولا إلى العام 2015 عندما صار مطلوبا الاستنجاد بروسيا التي فرضت شروطها على قاسم سليماني الذي ذهب في حينه إلى موسكو والتقى عددا من المسؤولين الروس. كذاك ذهب إلى موسكو بشّار الأسد الذي التقى الرئيس فلاديمير بوتين.
سمح الدور العسكري الروسي المباشر بتغيير قوانين اللعبة في سوريا. استعاد النظام المبادرة عسكريا، وصولا إلى العودة إلى حلب وحماة وتدمير قسم لا بأس به من حمص واستعادة السيطرة الكاملة على دمشق والمناطق المحيطة بها… وصولا إلى درعا.
لجأ الروس إلى القصف الجوّي أساسا مستخدمين قاذفات “سوخوي” حديثة لضرب أهداف مدنية وعسكرية في آن. استعانوا بالنظام الذي استخدم البراميل المتفجرة، كذلك استعانوا بالإيرانيين وميليشياتهم المذهبية المختلفة، في الوقت الذي بدا واضحا أنّ الإدارة الأميركية مستعدة، منذ صيف العام 2013 للتغاضي عن أي تجاوزات تحصل في سوريا إرضاء لإيران. استخدم النظام السوري في آب – أغسطس 2013 السلاح الكيميائي في غوطة دمشق. لم يحصل أيّ رد فعل أميركي يذكر، على الرغم من أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان حذر من أنّ مثل هذا العمل سيكون بمثابة “خط أحمر”.
ما لا يمكن تجاهله أنّ ما ساعد النظام إلى حد كبير قبل العام 2015 هو المفاوضات السرّية الأميركية – الإيرانية في عهد باراك أوباما من أجل الوصول إلى اتفاق في شأن الملف النووي الإيراني. حرصت إدارة أوباما طوال تلك المفاوضات، التي تحوّلت لاحقا إلى علنية، إلى عدم إغضاب إيران، خصوصا في سوريا.
بعد أقلّ من خمس سنوات على التدخّل الروسي المباشر في سوريا، الذي رافقه تحييد لتركيا وتفاهمات للكرملين مع إسرائيل، ثمّة إشارات واضحة إلى أن الجانب الروسي ضاق ذرعا بالنظام السوري. هناك حدود للقدرة الإيرانية على مساعدة هذا النظام وذلك في ضوء حالة التدهور الاقتصادي التي تعاني منها “الجمهورية الإسلامية” جراء العقوبات الاقتصادية الأميركية وهبوط أسعار النفط والغاز. أمّا روسيا، نفسها، فهي في وضع لا تحسد عليه بعد دخولها في حرب نفطية مع المملكة العربية السعودية. ليس ما يشير، على الرغم من الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها أخيرا بطلب أميركي، إلى أن سعر برميل النفط سيستعيد عافيته في المستقبل المنظور. وهذا يفسّر إلى حد كبير اضطرار روسيا إلى إيجاد تفاهمات مع تركيا في سوريا. فوق ذلك كلّه، كشف وباء “كورونا” أن روسيا ليست في معزل عن أزمة كبيرة يمكن أن تتعرّض لها قريبا، على غرار ما تعرّضت له دول أكثر تطورا منها في مجال البنية التحتية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وحتّى بريطانيا.
لم يكن التدخل الإيراني في سوريا سوى تدخل غير منطقي مخالف للطبيعة. إنّه تدخل مرفوض من معظم الشعب السوري. لا يمكن تغيير طبيعة المجتمع السوري، مهما لجأت إيران إلى شراء أراض وتغييرات ذات طابع ديموغرافي. أمّا روسيا، فإن هناك حدودا لِما تستطيع عمله في سوريا، خصوصا في غياب الأدوات التي تستطيع الاعتماد عليها من أجل بناء جيش جديد محترف في إطار ذهنية مختلفة كلّيا عن الجيش الذي بناه حافظ الأسد، والذي استكمل بناءه بشّار الأسد.
هناك عوامل عدّة تجعل روسيا تفكّر جدّيا في تغيير استراتيجيتها السورية. في أساس هذه العوامل الخدمات المتبادلة التي لم تعد موجودة بينها وبين إيران من جهة، وعدم القدرة على الرهان على نظام لا يمتلك مشروعا سياسيا قابلا للحياة من جهة أخرى. اكتشفت موسكو متأخرا أن النظام يحتاج إلى شرعية من نوع ما، وأن لا هدف للنظام سوى البقاء في السلطة بأيّ ثمن. استطاع لعب الورقة الإيرانية في مرحلة معيّنة، والورقة الروسية في مرحلة أخرى. استطاع حتّى لعب الورقتين معا. ولكن في نهاية المطاف، هناك ثمن لأي تدخل عسكري. الواضح أن روسيا في ظل المتغيّرات التي شهدتها السوق النفطية، وفي ظلّ أزمة وباء كورونا في حاجة إلى إعادة نظر في سياستها السورية…
العرب
————————————-
هل لقاء الأسد- ظريف في دمشق “مصيري ومهم”؟
في زيارة تحمل في طياتها أكثر من علامة إستفهام في ظل جائحة “كورنا” التي تضرب العالم، التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف في دمشق.
وأفادت وكالة “سانا” التابعة للنظام بأن الأسد قال، خلال اللقاء، إن “أزمة “كورونا” فضحت فشل الأنظمة الغربية أولاً.. وأخلاقيتها ثانياً لأن هذا الوباء أظهر أن هذه الأنظمة موجودة لخدمة فئة معينة من أصحاب المصالح وليس لخدمة شعوبها”.
وبحسب “سانا” فإن “اللقاء تناول آخر مستجدات المسار السياسي ومن بينها اللجنة الدستورية وعملية استانا وتطورات الأوضاع في الشمال السوري”.
ورأى الأسد أن تصرفات تركيا على الأرض تفضح حقيقة النوايا التركية من خلال عدم التزامها بالاتفاقات التي أبرمتها سواء في استانا أو في سوتشي والتي تنص جميعها على الاعتراف بسيادة ووحدة الأراضي السورية.
وشجب ظريف المحاولات الغربية الحالية لإعادة استثمار موضوع “الأسلحة الكيماوية” في سوريا، معتبراً أنه سلوك مخزٍ بأن يعاد استخدام هذه الذريعة في هذه الظروف التي يمر بها العالم رغم كل ما شاب هذا الموضوع من تشكيكات وثغرات خلال الفترة الماضية، على حد تعبيره.
ووصل ظريف، الاثنين، إلى دمشق وسط إجراءات سلامة إستثنائية تجنبًا لانتقال عدوى فيروس “كورونا”، في زيارة تستمر يوماً واحداً لمناقشة “العلاقات الثنائية وآخر التطورات في المنطقة والتقدم الميداني” في سوريا.
وكانت الزيارة مقررة في آذار/مارس وألغيت بسبب “كورونا”،حسبما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية التي كانت قد أكدت أن زيارات ظريف الخارجية ستقتصر على الرحلات “المصيرية والمهمة” هذه الفترة.
وفيما التقى ظريف خلال زيارته نظيره وليد المعلم، كشفت مصادر دبلوماسية أن الزيارة تهدف لإيصال رسالة للنظام السوري بأن طهران لن تتخلى عنه.
وتُعد إيران، إلى جانب روسيا، أكبر داعمي النظام السوري في النزاع الذي يخوضه ضد معارضيه منذ عام 2011.
وذكرت مصادر دبلوماسية أن زيارة ظريف تأتي وسط مؤشرات على تغيير روسيا لاستراتيجيتها في سوريا مع تذبذب سيطرة النظام على بعض المناطق التي استعادها، مثل درعا، بالإضافة إلى إدراك موسكو أن دعمها للأسد في المرحلة المقبلة سيصطدم بتوجهات المجتمع الدولي، وبالتالي تسعى طهران لاستغلال الفرصة من خلال زيارة ظريف لدمشق رغم ما تعانيه إيران من تفشٍّ واسع لفيروس “كورونا”.
ورجّحت المصادر الدبلوماسية أن يحاول ظريف التأكيد على وجود ثقل إيراني في سوريا يوازي الثقل الروسي، بالإضافة للتشديد على تمسك طهران ببقاء الأسد.
——————————–
اللوحة التي اشتراها بشار الأسد:”بوب آرت” مثليّ.. وتقديس العطلات/ حسن الساحلي
انتشر منذ أيام، خبر شراء الرئيس السوري بشار الأسد، لوحة، كهدية لزوجته لتضعها في أحد قصورها، من توقيع الفنان الشهير دايفد هوكني. نُشر الخبر في مواقع تابعة للمعارضة السورية نقلاً عن وكالة انباء روسية، كانت قد استندت على تغريدة لحساب غير موثق. ويرجّح أن انتشار الخبر، أتى في سياق الحرب الإعلامية الدائرة بين أقطاب السلطة في سوريا (تحديداً بين عائلة رامي مخلوف وعائلة الأسد). والقول إن الأسد اشترى اللوحة فعل فعله، وبات عنواناً لعشرات العناوين عن الوضع الاقتصادي والكورونا والجوع والجثث..
الإعلام الغربي لم يتحدث عن الخبر مطلقاً. أما شركة “سوثبي” التي باعت اللوحة فعلاً في شهر شباط الفائت، لم تعلن اسم الشاري. فالشركة التي تعتبر من عمالقة المزادات الفنية في العالم، لم تعد تتمتع بالشفافية من ناحية المعلومات، بعد تحولها الى شركة خاصة إثر انتقال ملكيتها للملياردير الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراحي العام الماضي.
مع ذلك، ليس هناك ما يمنع أن يكون الخبر صحيحاً، فالأسد لا ينقصه المال، حتى لو كانت بلاده في أزمة اقتصادية حادة، والإهتمام بالفن لطالما كان سمة رؤساء عرفوا بجرائمهم ضد الإنسانية. يمكننا أن نتذكر هنا لوحة “مخلّص العالم” لليوناردو دافينشي، التي بيعت بسعر يفوق اضعاف أضعاف سعر لوحة هوكني منذ أعوام، وقيل إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد اشتراها. وقيل أن اللوحة في لوفر أبوظبي، إلى جانب الكثير من الشائعات…
من هو دايفد هوكني؟
يعتبر هوكني أحد أكثر الفنانين المعاصرين شعبية في العالم، ومنذ وقت قصير كان الأغلى مبيعاً بين الفنانين الأحياء (أخذ مكانه جيف كونز). يتمتع الفنان بأسلوب عصري حتى في أعماله التي رسمها خلال الستينيات، والسبب هو أسلوبه الذي يرتكز على الواقعية الفائقة وتقاليد الـ”بوب آرت” التي تعطي بريقاً للشخصيات والأشياء، وتجعلها جزءاً من عالم مواز نُسج على الكومبيوتر (يعتبر هوكني من أول الفنانين الذين استعملو بشكل مكثف ألوان الأكليريك التي تعطي إحساساً يمزج بين الالوان الزيتية والمائية)، وهو بالمناسبة من الفنانين القلّة الذين دخلوا فن الكومبيوتر في وقت مبكر جداً (الثمانينات) كما لديه مئات الأعمال التي رسمها على الآيباد والآيفون لاحقاً.
رسم هوكني “ذا سبلاش” في العام 1963 بعد وقت قصير من انتقاله إلى لوس آنجليس. وصف الفنان المدينة يومها بـ”الأرض الموعودة” بسبب ترويجها لنمط حياة العطلة الدائمة والإسترخاء، وبسبب نورها الساطع دائما بالمقارنة مع لندن ذات الطقس الكئيب. تعتبر لوحة هوكني هذه، جزءاً من عشرات الأعمال التي تتمحور حول “جماليات المياه”، مثل سلسلة لوحات المسابح التي تنتمي إليها “ذا سبلاش”، أو اللوحات التي تصور الأجساد تحت دوش الحمام (تظهر أجساد رجال ارتبط بهم الفنان بعلاقة عاطفية) بالإضافة للأعمال التي تصور آلات رش المياه في الحدائق.
اعتمد هوكني في لوحاته على الإعلانات والصور التي أخذها أحياناً بنفسه، وهو تقليد اتبعه أصدقاؤه في المعهد الملكي في لندن (سيصبحون لاحقاً رموزاً لموجة البوب آرت البريطاني). لم يكن الهدف من استعمال الصور تقديم نسخ طبق الأصل عنها، بقدر ما كانت أداة لتوثيق المعلومات والعناصر التي يتكوّن منها “الواقع البديل” الذي تحاول الرأسمالية تقديمه.
تعتبر المياه عنصراً رئيساً في هذا الواقع، فهي اشبه بالسائل السحري أو المبشر بيوتوبيا العطلة، وقد لاحظ هوكني كمّ التركيز على أدوات المياه في بيوت الأغنياء في كاليفورنيا، بصفتها وسيطاً للرفاهية تنقل الفرد إلى مستوى آخر من الوجود، مجرد أن يقف تحت الدوش او يجلس في الجاكوزي.
من ناحية أخرى، يمكن هنا التفكير في الإعلانات السياحية التي تتوجه إلى الطبقات الأدنى، وتستعمل المياه كأداة لغسل التعب والإرهاق الذي يراكمه الفرد خلال خدمته للرأسمالية على مدار العام.
يرى متحف “تايت مودرن” البريطاني، سبب جاذبية “ذا سبلاش” في عوامل عديدة، من بينها: تحفيز شعور الغيرة عند المتفرج وجعله يفكر في الهروب من روتين حياته اليومية، بساطتها ووضوح عناصرها: “الناس تحب المواضيع البسيطة التي تقدم الواقع بشكل مباشر ولا تحتاج إلى تفكير”، اللون الساطع والأجسام الملونة التي تحفز المتعة البصرية”، بالإضافة لحجم اللوحة الكبير (متران ونصف المتر المربع) المشابه لحجم المشهد في الحقيقة، ما يجعل المتفرج يغرق داخل اللوحة ويصبح جزءاً منها من دون أن ينتبه.
يمكننا أيضاً رؤية الجانب الفلسفي للوحة، التي تركز على ثنائية الفعل والأثر الذي يتمدد إلى ثيمة الوجود والغياب. المياه المتطايرة هنا تشير إلى فاعل غائب، أثره في كل مكان، لكنه غير موجود، بشكل مشابه لقدر الإنسان، الذي يحاول إبقاء أثر منه بعد موته أو انتقاله إلى مكان آخر.
أخذ هوكني اللوحة، عن صورة إعلانية وضعتها شركة لبناء المسابح. ووفق مقابلة معه، يقول أن النقاط المتطايرة في الهواء استغرق أسبوعين من العمل كي تكتمل تفاصيلها، بينما استغرق رسم البيت في الخلفية أقل من يوم واحد.
أما الدافع لرسم اللوحة، فيقول إنه انبهاره بلحظة الإرتطام بالمياه التي، من المستحيل أن تلتقطها العين المجردة أو الكاميرا، بالاضافة إلى التناقض الكامن بين موضوع اللوحة، أي نقاط المياه التي لا تستمر بالطيران سوى لأجزاء من الثانية، وبين المنزل في الخلفية الذي يستمر في مكانه إلى الأبد…
المدن
—————————————
طهران تستغل التوتر بين موسكو ونظام الأسد لتثبيت نفوذها في سوريا
زيارة وزير الخارجية الإيراني تهدف بالأساس إلى الحفاظ على الحليف السوري وطمأنة بشار الأسد.
دمشق – التقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الرئيس السوري بشار الأسد ومسؤولين آخرين في دمشق، في محاولة لطمأنة النظام السوري بتواصل دعم نظام ولاية الفقيه بعد شكوك حول الموقف الروسي من تطورات ملف الأزمة.
وتعد هذه الزيارة الأولى لظريف إلى دمشق منذ عام، وتندرج في إطار مساع إيرانية تهدف لطمأنة بشار الأسد وتأكيد الوقوف إلى جانبه، في ظل الضغوط التي يتعرض لها من قبل روسيا، مع وجود بوادر عن إمكانية تخلي الأخيرة عنه.
وأبدى الأسد تضامنه مع إيران، التي تعتبر واحدة من الدول الأكثر تضرراً بفايروس كورونا المستجد، وقد سجلت 5209 حالة وفاة من أصل 83505 إصابة.
وأعرب الأسد، وفق بيان على حساب الرئاسة السورية على موقع فيسبوك عن،“أسفه لتحول هذا الوباء إلى مجال للاستثمار السياسي من قبل بعض الدول في الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تستمر بنهج فرض العقوبات على الدول رغم هذه الظروف الإنسانية الاستثنائية”.
وانتقد ظريف بدوره خلال لقائه الأسد العقوبات الأميركية، معتبراً أن “أجندة الولايات المتحدة الحقيقية بشأن عدم رفع العقوبات الوحشية على الدول أثناء محاربتها لهذا المرض باتت جلية الآن”.
كما بحث المسؤولان، اللذين ارتديا قناعين طبيين، أيضاً التطورات السياسية في سوريا ومفاوضات أستانا التي ترعاها إيران إلى جانب روسيا وتركيا، فضلاً عن التواجد التركي في شمال سوريا.
وتنطوي الزيارة من حيث توقيتها على أهمية بالغة، ولاسيما في ضوء التحديات الكبيرة التي تعصف بإيران في الداخل على خلفية تفشي جائحة كورونا وعجز طهران عن السيطرة على الوضع الذي بات يهدد بانهيارها، هذا إلى جانب ما تواجهه ميليشياتها في العراق من صعوبات.
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن وزير الخارجية الإيراني يؤكد خلال هذه الزيارة لبشار الأسد على وجود ثقل إيراني في سوريا يوازي الثقل الروسي وأن إيران ليست في وارد التخلي عنه بأي شكل.
وعلى خلاف الجانب الروسي الذي يبدو أنه في وارد تغيير استراتيجيته في سوريا، فإن طهران متمسكة بذات السياسة ذلك أنها ترتكز بشكل جلي على بقاء الأسد في الحكم لضمان نفوذ دائم لها في سوريا.
وكان التقى ظريف أيضاً نظيره السوري وليد المعلم، وبحثا، وفق بيان صادر عن الخارجية السورية، “أهمية التنسيق المستمر وتبادل المعلومات والتجارب بين الجهات المعنية في البلدين لتعزيز القدرة على مواجهة مخاطر وتداعيات انتشار وباء كورونا، وتأمين ما يلزم من احتياجات ومستلزمات الوقاية والتشخيص والعلاج”.
ويأتي التأكيد الإيراني على تواصل الدعم للنظام السوري، فيما بدأت روسيا تستشعر بأن التمسك بالأسد قد يقودها إلى خسارة الإنجازات التي راكمتها منذ تدخلها المباشر في سوريا في 2015.
وأظهرت روسيا مؤخرا حالة تململ من الأسد، وسط شعور متنام بأن التمسك به قد يقودها إلى خسارة كل الإنجازات التي راكمتها منذ تدخلها المباشر في سوريا في العام 2015، على وقع اهتزاز الوضع في المناطق التي عادت إلى سيطرته مثل درعا، فضلا عن إدراك موسكو أن جهودها في إعادة التسويق له تصطدم بحائط صد من قبل المجتمع الدولي.
ويقول محللون إن فرضية تخلي روسيا عن الأسد واردة جدا، خاصة أنها وبعد نحو ست سنوات من تدخلها العسكري في سوريا ونجاحها في استعادة النظام لتوازنه، إلا أن قبضتها لا تزال هشة، وهي لا تملك حقيقة مفاتيح الحل، وذلك يعود في جزء كبير منه إلى أسلوب الأسد الذي لا يزال على نهجه رافضا الإقرار بضرورة التغيير.
وفي ظل تواصل الضغوط الأميركية على إيران، تبحث طهران الحفاظ على نفوذها في سوريا، والولايات المتحدة غير آبهة للدعوات الموجهة إليها من جهات كثيرة طالبة منها تعليق العقوبات على الدول التي تعاني بشدة من تبعات فيروس كورونا المستجد، مثل إيران.
وكانت الأمم المتحدة طلبت “تخفيف أو تعليق” العقوبات الدولية المفروضة على إيران ودول أخرى خلال هذه “المرحلة الحاسمة” في مواجهة وباء كوفيد -19.
———————————————–
لماذا نتناول روسيا وإيران؟!/ يحيى العريضي
يتساءل سوريون لماذا يتم انتقاد روسيا وإيران على الدوام، وتناولهما كقوتي احتلال؛ وبالمقابل، إغفال أو تناسي إجرام الولايات المتحدة، أو ممارسات دول أخرى في سوريا؟ وهنا أقول: لا يختلف اثنان على أن أميركا ايضاً ليست الدولة التي ترنو اليها الأنظار لتحقيق العدالة الكونية؛ ولا يمكن لأحد أن ينسى ممارسات أميركا الإجرامية في كل من فيتنام والعراق وأفغانستان، ودعمها المفرط لمحتل أرضنا.
في سياق المقارنه بين الفواحش الروسية، وممارسات أميركا اللإنسانية، يكفي التمعّن في معيار واحد فقط، لنرى فارقاً تصعُب موازنته بين الجانبين؛ يتمثل بموقف الشعبين تجاه ما تفعله قيادتهما. ليس كل الشعب الأميركي راضياً عما فعلته أو تفعله الإدارة الأميركية في البلدان المذكورة آنفاً، حيث كفل القانون الأميركي للمواطن الأميركي حق التعبير عن نفسه، والاعتراض على سياسة حكومته من خلال التظاهر أو عبر المؤسسات الإعلامية الجبارة؛ والتي تمنع، بل تحاسب إداراتها على الاستمرار بممارسة الخطأ؛ أو بأسوأ الأحوال، فإن الإدارة الأميركية- وبقوة القانون- مجبرة على تبيان حقيقة الموقف في البلدان المغزيّة. وفي كثير من الحالات كان لموقف المواطن الأميركي أثراً كبيراً في تعديل سلوك القوة العسكرية الأميركية وسياسة بلاده الخارجية؛ فهل يتمتع الشعب الروسي بهذا الحق، أو “رفاهية” الاعتراض، ولو المقونن ؟ وهل تتمتع غالبية الشعب الروسي بحق الاعتراض “المؤدب” على أوامر بوتين التي يغلفها عادة بلبوس ديمقراطي واهي لا ينطلي على أحد؟
هل يمتلك الشعب الروسي مثلاً رفاهية طرح سؤال عن قانونية استمرار بوتين بالحكم لمدة عشرين سنة سابقاً، أو الاستفسار عن قانونية “تصفير” عداد سنوات حكمه لتصبح مدى الحياة عبر ترويضه مجلس “الدوما” ليصبح طوع بنانه من خلال “yes-men”/رجال مطواعين/ اشترى ذممهم تاركاً لهم حرية كسر القانون في تجارتهم وتكديسهم لأموال الربا؟
هل يمتلك الشعب الروسي الحق بالسؤال عن أرصدة بوتين في بنوك الغرب، والتي ذكرها أوباما همساً لبوتين في إحدى لقاءاتهما المشؤومة؟ وهل يمتلك المواطن الروسي العادي حق التساؤل المشروع عن مقتل معارضي نظام بوتين سواء خارج البلاد، ( مثل سيرجي سكريبال في بريطانيا) أو على الجسر المجاور للكرملين، (مثل اغتيال المعارض نيمستوف) حيث الجريمة تُسجَّل ضد مجهول، رغم أن تلك المنطقة مراقبة مثل مراقبة “صوص” في صندوق زجاجي؟
هل تجرّأ روسي على سؤال حكومته عن عدد “الفيتوهات” التي استخدمتها لحماية نظامٍ قتل شعبه وشرده واستخدم السلاح الكيماوي ضده؟ يكفي منظومة بوتين نفاقاً قولها باستمرار بأنها في سوريا “للحفاظ على الدولة السورية”. فهل الحفاظ على الدولة يكون بالاشتراك بقتل شعبها، وباستغلال خيراتها عبر عقود لسنوات، ومن خلال السيطرة على مواردها؟! تكفي السوريين مشاهدة الاستنفار الروسي تجاه نتائج التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي في سوريا. لا بد أن الأبواق الإعلامية الروسية قد عكست الموقف الذي اتخذته الخارجية الروسية في تكذيب اللجنة ونسف مصداقيتها حفاظاً على من ارتكب الجريمة بحق السوريين. ولا بد في الوقت ذاته أن يدرك ذاك المتلقي الروسي أن الدفاع عن الجريمة، مشاركة بها. كل ذلك حتماً سينعكس على سمعة شعب روسي ذنبه الوقوع في براثن هكذا دكتاتورية. كيف يمكن للسوري أن يُغفِلَ أو ينسى تفاخر المحتل الروسي، وبكل وقاحة استخدام أكثر من مئتي صنف من الأسلحة على بلده وأهله!! فهل تجرأ روسي على طرح مسألة كهذه علناً؟!
شتان بين استخدام الشعب الأميركي لحقه في التعبير عن ذاته كمهماز يعدل ويحاسب سقطات الإدارة الأميركية (كما حصل في فضيحة “ووتر غيت (watergate)، وتسليط إعلامه الضوء على فضيحة “الكونترا” التي كادت تودي برئاسة “ريغن”، وبين الشعب الروسي الذي عانى الأمرين سواء قبل الثورة الحمراء أو بعدها؟
صحيح أن الخطاب السائد في سوريا لعقود مديدة يصوّر العلاقة بين العرب والروس على أنها أفضل منها مع أميركا- بحكم تبني الأخيرة لإسرائيل التي تحتل فلسطين وتشرد أهلها، ولاحقاً احتلت أراضيَ عربية أخرى- وأن هناك زيجات عربية-روسية تقارب الربع مليون- وأن روسيا ما غزتنا يوماً؛ إلا أن البعض ينسى أن الاتحاد السوفييتي كان سباقاً للاعتراف باسرائيل قبل أميركا؛ وأن إدارة بوتين اليوم تعتبر أمن إسرائيل أولوية، وأن تلك العلاقة الطيبة لم تكن مع الشعب، بل مع دكتاتوريات تشبهها تماماً.
وإذا كان بعض إعلام بوتين ينتقد بشار الأسد اليوم، وأن السوريين لن ينتخبوه، إذا بقي التدهور الاقتصادي والفشل كما هو؛ فإنه فضلاً عن اتهامه من قبل البعض بالإعلام الصهيوني، فقد يكون ذلك لعصر الأسد أكثر، وجعله يقدم المزيد من التنازلات، أو يمهد لانتخابات 2020، التي يعرف الروس أنه ليس هناك من منافس للأسد في ظل مخابراته وحماية الروس والإيرانيين والإسرائيليين له، وفي ظل غياب أية بيئة آمنة، وتبعثر السوريين، ومرشحيهم المسخرة.
يكفي السوري تحديداً أن يستمع على الدوام لتلك العبارة السحرية الكاذبة الأشهر من المسؤولين الروس عندما يقولون:”لسنا متمسكين بالأسد” ؛ ويكفيهم أنه عندما يسألهم السوري: كيف تبدلون علاقة روسيا بشعب قوامه 23 مليون، بعلاقة مع طغمة تقتل هذا الشعب؛ ولن تتمكنوا من حمايتها للأبد؟! هنا يخرسون أو يتفصحنون ببهلوانية ووقاحة؛ ويتجاهلون أن السوري يعرف بأن وحدها هذه الطغمة التي تؤمَّن مصالحهم وتبيع كل شيء لتبقى، وهذا الشعب لا يبيع ولا يخون؟!
لكل هذا يتم انتقاد الروس والهجوم عليهم. والآن مع تيقّن الجميع أن هذه المنظومة الاستبدادية الأسدية غير قابلة للحياة، ولا يمكن إعادة تكريرها أو تأهيلها؛ أليس من واجب الروس- ولو مرة واحدة- أن ينطقوا بالحق، ويلتفتوا إلى مصلحة شعب يستحق الحياة والحرية؛ علّهم يكفرون عما ارتكبوا بحق السوريين. لا يكره السوريون أحدا، ولكن لا ولن يقبلوا الظلم.
تلفزيون سوريا
—————————————-
أنا رئيسكم المنتخب.. وهذه هويّتي/ ثائر الزعزوع
ربما لا يعلم أحد، مصدر التسريبات التي تفيد أنّ مجلساً رئاسيّاً يجري تشكيله في الكواليس؛ لإدارة سوريا. كما لا يعلم أحد سرّ اندفاع السوريين في هذا الوقت الكوروني للبحث في ملفّات أشخاص محتملين لتولّي منصب رئيس الجمهورية. المنتخب
سواء أكانت تغريدة على تويتر لناشط إسرائيلي، أم تسريباً لجهاز مخابرات ما، لجسّ نبض الشارع، ومعرفة مزاجه العام، والنتيجة على ما يبدو مخيّبة للآمال، فالجمهور السوري المعارض ما زال حتّى اليوم غير قادر على الاتّفاق حول شخصية واحدة يمكنها أن تمثل “تطلعات” الثورة، وتحقّق المشروع الوطني المرجو، رغم زحام الشخصيات التي تصدّرت مشهد الثورة السورية طيلة السنوات الفارطات، فأحرقت نفسها، أو تمّ إحراقها تباعاً، وقد ساهم كل واحد منّا بشكل أو بآخر في عملية الإحراق تلك، عامدين أو غير عامدين، مندفعين أحياناً بثقة عمياء وشعار أجوف نردّده أنّ ثورة دفع السوريون في سبيلها تضحيات كبيرة، لا يمكنها ببساطة أن تقبل بفلان أو فلان، ممّن لا يمثّلون الثورة، كذا حسب زعمنا، متناسين أنّ “الرئاسة” ليست امتيازاً ثورياً يمنحه الشارع، وإنما هي تغيير ضروري للعبور. المنتخب
بل إنّ من يقبل أن يذهب إلى الرئاسة، في حال كان ثمّة رغبة أمميّة بإحداث تغيير حقيقي، عليه أن يعي أنّه ورقة محترقة، وأنّ حضوره لن يكون أكثر من “انتقالي” يلملم الأوراق المبعثرة، تمهيداً لتحوّل شاق في بلد ممزّق، يحتاج عقوداً كي يتعافى. الكثيرون منا لا يريدون رؤية الأمور بهذه الطريقة، ويفضّلون الجنوح نحو الحماسة، وقد جرّبت من خلال ما يشبه الاستطلاع على صفحتي الشخصية، أن أسأل عن الخلطة السحريّة “لتعيين” رئيس لسوريا. وتعمّدت أن أضع كلمة “تعيين” وليس “انتخاب”، لأنّ فكرة الانتخابات مرجأة سنوات إضافيّة، حتّى وإن سقط نظام دمشق غداً. المنتخب
الآراء، أو التعليقات الكثيرة على السؤال، تميّزت إما بالاستخفاف من الفكرة نفسها، أي فكرة الرئاسة، واعتبار أنّ أيّ شخص يمكن أن يكون بديلاً مناسباً، وهذا الكلام طبعاً ليس سليماً جملة وتفصيلاً، فليس أيّ شخص مهيئاً لتولّي “ملفات” النظام السوري، ما هو معروف منها وما هو سريّ، وهي ملفات معقدة ومتشابكة بل وخطيرة أيضاً، طبعاً لن نعود لتكرار ما نقوله دائماً من أنّ المعارضة أتيحت لها فرص عديدة لتولّي تلك الملفات، فكانت تضيعها واحداً تلو الآخر، وانشغلت في تكريس نفسها كياناً فاسداً مترهّلاً، يبدو النظام بالنسبة لمراقب غربي محايد، أكثر حيوية منها، حتّى إنّها لم تستطع بناء شبكة علاقات خارجيّة أو إقليميّة محترمة، بل اكتفت بأن تسلّم ما وصل إليها من ملفات لـ”مشغليها”، ثمّ تنتظر أن تتلقّى أوامر التحرّك. المنتخب
في التعليقات أيضاً سنلاحظ ميل المعلقين للقول، إنّ رضىً إسرائيلياً ينبغي أن يحيط بالشخص الذي يمكن أن يشغل ذلك المنصب الحساس، وبهذا تتحوّل إسرائيل إلى جهة أساسيّة في عمليّة سياسيّة سورية، تقول إشارات متواترة إنها قاب قوسين أو أدنى، وسوف يعزّز هذه الفرضية كما ذكرنا أعلاه تغريدة للصحفي والأكاديمي الإسرائيلي إيدي كوهين، توحي أنّ فهد المصري سيكون رئيساً قادماً لا محالة، ولسنا في وارد التوقّف عند شخصية السيد فهد المصري رئيس المكتب السياسي في جبهة الانقاذ الوطني السوري الذي كان حديث الساعة، على منصّات التواصل الاجتماعي خلال أسبوعين على الأقلّ، فالمصري الذي تمّت تزكيته إسرائيلياً لم يتأخر عن تلبية الدعوة لتولّي الرئاسة “افتراضيّاً” طبعاً، فأصدر بياناً مصوّراً كذا إلى آخره، لتنهال بعدها عروض الترشيحات، حتّى تحوّل الأمر إلى مهرجان انتخابات ساخر، وخفتت ناره شيئاً فشيئاً، واليوم لم يعد أحد يفكّر في موضوع مَن سوف يصبح رئيساً، لأن موضوعاً آخر طفا على السطح، فسرق الأضواء من الرئاسة ومن مرشحيها المحتملين.
وإذا كان المعارض السوري السيد كمال اللبواني، ومن خلال مقطع صوتي تمّ تبادله على نطاق واسع، قد أشار ببساطة أنّ اللواء علي مملوك الضابط الأبرز في الحلقة الأمنيّة لنظام دمشق، و الذي يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الأمنيّة، هو، وبلا منازع، الخليفة الوحيد لرأس النظام الحالي، وأن ثمّة اتفاقاً على تلك التسمية، لأن “مملوك” تعهد، والكلام للسيد اللبواني، بتنفيذ المطلوب، و هو طرد إيران من سوريا. طبعاً في التسجيل، ثمّة حلقة ناقصة، تشير إلى “هم طلبوا منا”، ولن نخوض طويلاً لمعرفة من هؤلاء الـ”هم” إذ ستبدي لنا الأيام ما كان خافياً، ولكن حقاً، ما هي الصفات الواجب توافرها في الشخص الذي سوف يوضع على كرسي “الرئاسة” مؤقّتاً؟ وهل يستطيع اللواء مملوك أن يلعب هذا الدور المربك، وهو المطلع، دون أدنى شك، على جميع الملفات التي يمتلكها النظام؟، هل يقود علي مملوك عملية تفكيك النظام الذي يشكّل ركناً أساسياً من أركانه، وفق خطة قالوا عنهم “هم” علماً أنّ عقوبات أميركيّة وأوروبيّة كثيرة طالته، بسبب مشاركته في “جرائم حرب محتملة” نفّذت ضدّ السوريين، والأهم هل سوف يقبل رأس النظام بدائرته العائليّة المغلقة بالتنازل عن ملفاته والانسحاب، أم قد يختفي مملوك من الصورة كما اختفى سواه؟.
إلى أن تهدأ عاصفة “كورونا” سوف تبقى الاحتمالات قائمة، سوى احتمال أن يكون رئيس السوريين المقبل منتخباً.
ليفانت
————————————–
السياسة الروسية تتصدّع في سورية/ غازي دحمان
تواجه السياسة الروسية في سورية تحدّيات مستجدّة، من شأنها التأثيرعلى فعاليتها، بالشكل الذي ظهرت به منذ التدخل الروسي. وتأتي هذه التحديات نتيجة جملة من التحولات، تراكمت على مدار السنوات الماضية، ولكنها بدأت تظهر في المشهد السوري بوضوح، الأمر الذي بات يتطلب صياغة قواعد جديدة للعبة، بعد أن أصبحت قواعد اللعبة القديمة، والتي تم وضعها بداية التدخل الروسي، غير صالحةٍ بحكم المتغيرات والوقائع وظروف اللاعبين. وأيضاً بسبب سياسات روسيا تجاه اللاعبين الآخرين.
ومنذ سنة 2015، صمّمت روسيا حملة متطوّرة من الجهود العسكرية والدبلوماسية بهدف تشكيل مسار الحرب وفقًا لمصالحها الخاصة. (هل وصلت دبلوماسية روسيا في سورية إلى طريق مسدود؟ باحثون، معهد دراسات الحرب الأميركي، نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ترجمة: مركز إدراك للدراسات والاستشارات). وفي سبيل إنجاز مهمتها، عملت روسيا على تعزيز مكانة بشار الأسد العسكرية، عبر جعله الفاعل الأقوى من بين الفاعلين المحليين، ومن ثم عملت على تشكيل مفاوضات دولية، من منطلق دورها وسيطا وليس طرفاً في الصراع، وحصلت على اعتراف إقليمي ودولي بهذا الدور، لكن السلوك الروسي اللاحق، وإصرارها على فرض حقائق تخدم سياساتها وأهدافها الجيوسياسية البعيدة المدى في سورية، أضعفا مصداقيتها، وانعكس ذلك واضحا على مسارات حل الأزمة التي صمّمتها (مسارا أستانة وسوتشي)، والتي أصبحت هشّة، وغير صالحة للسير بالأزمة السورية إلى بر الحل السياسي.
أهداف استراتيجية
تكشف خريطة الأهداف الاستراتيجية الروسية في سورية التناقض الكبير بين مصالحها والغايات التي جعلتها ستارة لتمرير تدخلها، وتسهيل اللاعبين المختلفين له، ويمكن حصر هذه الأهداف في هدفين كبيرين:
الأول: إسناذ الصعود الروسي بأوراق قوّة جيواستراتيجية عن طريق النفوذ في منطقة ذات حساسية عالية في السياسات الدولية، وشكّل هذا الهدف قاطرة لمجموعة من الأهداف الاستراتيجية الروسية التي تشكّل إعادة هيكلة ضرورية لمكانة روسيا وقوتها العالمية مثل: إعادة بناء القدرة العسكرية وتطويرها، عبر استخدام الفضاء السوري مختبرا لأنواع الأسلحة الروسية، في بيئة سهلة ولا تنطوي على مغامرات كبرى، انطلاقأ من حقيقة أن التدخل الروسي تم بضوء أخضر من اللاعبين الدوليين الكبار (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا). استخدام سورية والشرق الأوسط ساحات لتوسيع النفوذ الروسي على الصعد العسكرية والدبلوماسية، ويوضح ذلك هوية التدخل الروسي المتعدّدة المواصفات (وساطة، ومحاربة الإرهاب، وصنع السلام، وحل أزمة إقليمية متشعبة). وقف الثورات الملونة في ظل ديناميكية ثورية صاعدة، رأت فيها روسيا خطراً لمحاصرتها، خصوصا أن هذه الثورات تستهدف الأنظمة التي ترى روسيا أنها تقع في غلافها الاستراتيجي والسياسي، بمعنى الأنظمة ذات الطبيعة والتركيبة والهيكلية القريبة من النمط الروسي.
الثاني: التحكّم بخريطة نقل الغاز والنفط من المنطقة إلى أوروبا بعد الاكتشافات الكبيرة في البحر الأبيض المتوسط، إذ تعتبر روسيا أن أمن الطاقة “جزء من أمن روسيا القومي ودعامته الأساسية، وأداة مهمة في التأثير في سياستها الخارجية”، حسب المحلل الاستراتيجي الروسي، ألكسندر دوغين، وتكمن أهمية سورية في المنظار الروسي من عدة عناصر:
– يسمح موقع سورية بأن يكون نقطة عبور لنفط المنطقة وغازها صوب أوروبا، ومن شأن وصول مسوّقين جدد للطاقة إلى أوروبا إيجاد منافسة للغاز والنفط الروسيين، أو حتى بدائل عنهما، في ظل تحويل روسيا سلعها الطاقوية إلى أداة سياسية للتأثير على الحكومات الأوروبية.
– تقع سيطرة روسيا على الجغرافيا السورية (والتحكّم بها) في إطار استراتيجيتها صياغة عمليات إنتاج الغاز وبيعه تحت سيطرتها، بحيث تشرف شركاتها الأساسية على كل تفاصيل هذه العمليات، من خلال السيطرة على موانئ الشحن السورية وأنابيب نقل النفط والغاز عبر الأراضي السورية. (روسيا والطاقة في الشرق الأوسط تعزيز الأمن القومي، عبد الرحيم عاصي، موقع 180، 21 فبراير/ شباط 2020).
إدارة الأزمة
اتبعت روسيا، لتحقيق أهداف استراتيجيتها في سورية، توليفة من التكتيكات العسكرية والدبلوماسية.
– الاعتماد بشكل مكثف على تكتيكات قصيرة المدى، تمت ترجمتها عبر سعي روسيا إلى حلول قصيرة المدى للمشكلات الميدانية داخل سورية، والعلاقات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، وكانت هذه الحلول (التكتيكات) مصمّمة لإنتاج عوائد سريعة تجنب روسيا الخسائر في الميدان، أو تمنع تشكيل تحالف من الفاعلين المقابلين، وكانت روسيا تتنصل من التزاماتها، وتبحث عن تكتيكات جديدة تدير بها الأوضاع المستجدة، وهذا ما حصل في اتفاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والأردن، والأمر نفسه مع المعارضة السورية. وقد تعاطت روسيا مع الوضع السوري باعتباره فوضوياً متداخلاً بشكل معقد، ويحتاج إلى عملية تفكيك وإعادة تركيب. وبالتالي، كان تكتيك التفاهمات الآنية والقصيرة المدى الخيار الأفضل لتستطيع تطويع المشهد لصالحها. ولكن هذه التكتيكات وضعت روسيا في مأزق، في ظل حاجة روسيا إلى الحصول على تعاون من هذه الأطراف، حتى تستطيع مواصلة تموضعها في سورية، وتحقيق أهداف استراتيجيتها الكبرى.
– اتبعت روسيا سياسة إسقاط الأوراق المهمة من يد الخصوم، بما فيها المعارضة، لذا ركزت مواردها (المحدودة) لتحقيق هذا الهدف، حيث بدأت الحملة الروسية بالسيطرة على حلب وإخراجها من يد المعارضة، خوفاً من إمكانية تشكيل عاصمة للمعارضة وبديل لنظام الأسد، في وقت كان من المنطقي أن تدافع عن دمشق المهدّدة بالخطر في حينه. ولكنها بذلك دفعت تركيا، والتي كانت في تلك المرحلة أهم بوابات الدعم اللوجستي للمعارضة عن طريق الأطراف الخليجية العربية، إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض، وحيّدت العرب عن التأثير في مجريات الأحداث، فيما كانت مطمئنةً لجهة اللاعبين الأميركي والإسرائيلي المؤثرين في الأحداث في جنوب سورية، بإعتبار أن إسقاط نظام الأسد لم يكن ضمن حساباتهما.
– اتبعت روسيا، مع الدول الإقليمية، سياسات الإغراء والتهديد، فقد طرحت نفسها مخلّصاً لدول الجوار الإقليمي من فوضى ستصل إليهم لا محالة، وإخراجهم من المأزق السوري الذي بات يشكل مصدر تهديد للأمن والاستقرار الإقليميين، بعد أن وصلت الأزمة إلى طريق مسدود، وبات النشاط الإيراني في المنطقة يهدّد دول الجوار الإقليمي. وفي الوقت نفسه، تركت روسيا مليشيات إيران والمليشيات التابعة لنظام الأسد (غير منضبطة)، تسرح على حدود الدول الإقليمية، بهدف دفع هذه الدول إلى الإنكفاء والانشغال بأمنها القومي، بدل تقوية مواقفها التفاوضية في الترتيبات المستقبلية في الشأن السوري.
– صمّمت روسيا اتفاق أستانة ومناطق خفض التصعيد، والذي ساعد النظام السوري، بدرجة كبيرة، على قضم مناطق سيطرة المعارضة، عبر تركيز موارد النظام المحدودة على كل منطقةٍ على حدة، بدل استمرار تشتّت قواته على عدّة جبهات في الوقت نفسه.
وحقّقت روسيا نتائج ميدانية مهمة، حيث استطاعت تثبيت الأسد في الحكم، وإبعاد شبح إسقاطه، كما أضعفت المعارضة المسلحة من خلال تدمير هياكلها باستخدام سياسة الأرض المحروقة، وأضعفت، بدرجة كبيرة، المجتمعات المحلية التي شكّلت بيئة للثورة على النظام، والأهم من ذلك، استعاد النظام السوري، بدعم روسي كثيف، السيطرة على أجزاء كبيرة من سورية.
ولكن هذه مجرّد خطوّة في طريق حل أزمةٍ شارفت على السنة العاشرة، وما يعنيه ذلك من تعقيدات خطيرة تولدت عنها وارتبطت بها، الأمر الذي يُنتج بيئة معقدة بالنسبة للخطوات الروسية القادمة، والتي بدونها يصعب على روسيا تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي رسمتها عند بداية تدخلها في سورية.
تحديات مستقبلية
فقدان المصداقية: تراجعت مصداقية روسيا نتيجة التكتيكات المتضاربة التي استخدمتها لتثبيت وجودها في سورية. وعلى الرغم من التسهيلات التي حصلت عليها من جميع اللاعبين والفاعلين، تعاطت روسيا مع الأمر وكأنه انتصار لها على هذه الأطراف، وإرغامهم على قبول الواقع الذي صنعته، ربما يتناقض هذا المنطق مع حقيقة أن روسيا هي الطرف الوحيد الذي لديه اتصالات مع جميع اللاعبين المنخرطين في الصراع السوري، لكنه تواصل الضرورة، كما أنه أصبح شكلياً بعد أن فقد فعاليته، وخصوصا على مستوى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي ينص على بدء عملية سياسية تشمل جميع الأطراف السوريين، وهو ما ثبت أن روسيا تحاول إفراغه من مضامينه، لصالح بقاء الأسد.
ونتيجة ذلك، وصلت السياسات الروسية إلى طريق مسدود، حيث انكشفت جملة الألعاب التي أدارتها في سورية، واتضح أن الهدف من دبلوماسية روسيا المعقدة محاولة كسب الوقت، واحتواء المطالب الدولية بإجراء تغيير سلمي في سورية، وذلك إلى حين تغير الظروف، فقد راهنت روسيا على ملل اللاعبين الآخرين من القضية السورية. وحاولت، عبر وسائل إعلامها ودبلوماسيتها قلب الحقائق، وإجبار اللاعبين على القبول بنظام الأسد، عبر التوصل إلى تسوية سياسية سطحية، تضفي الشرعية على نظامه، وتساعد على تحييد القوى المعارضة له.
وأكثر ما تجلى عقم السياسات الروسية من خلال رفض الغرب الاستسلام بقبول نصر الأسد في سورية، وكذلك المطالبة القوية التي ظهرت أخيرا في التصريحات الغربية، بفقدان إطار أستانة أي قيمة له بعد التطورات، والمطالبة بالعودة إلى بيان جنيف (2012)، إطارا وحيدا ومقبولا لحل الأزمة السورية.
عدم القدرة على تصريف الانتصار العسكري إلى نتائج سياسية: فشلت روسيا في إعادة تأهيل نظام الأسد، وفي إلغاء المعارضة وتدجينها، وفي إقناع الدول بمبادراتها الخاصة بإعادة النازحين، والمساهمة في إعادة إعمار سورية، فقد اشترطت الأطراف ذات العلاقة قيام عملية سياسية حقيقية، وكتابة دستور جديد، وهو الأمر الذي عمل الأسد، ومن خلفه روسيا، على عرقلته أخيرا.
ووصل فشل روسيا إلى حد التشكيك بدورها وبشرعية هذا الدور، فقد كشفت الأحداث في إدلب، أخيرا، أن روسيا باتت تقف على خط صدامي مع الغرب الذي أعلن صراحة ان أفعالها تمثل تهديداً مباشراً لمصالحه، فقد أعلن المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، أن الهجوم على إدلب مقصود منه تهديد المصالح المباشرة للولايات المتحدة في شمال سورية. وكذلك تنظر أوروبا إلى السلوك الروسي من زاوية تهديد أمنها القومي، عبر دفعها مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى الحدود التركية.
تهافت الدولة السورية: أصبحت هذه دولة مليشيات متصدّعة تعمها الفوضى من أقصى الجنوب إلى الشمال، دولة طاردة لشعبها بسبب السياسات الأمنية التسلطية التي يتبعها نظام الأسد في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، وتشهد سورية انفلاتا أمنياً في عديد من محافظاتها، حيث تدار محافظات الجنوب (السويداء ودرعا والقنيطرة)، بخليط من سياسات القمع الأمني والتعامل المليشياوي، وكذلك الأمر في الغوطة الشرقية والرستن، وفي محافظتي الساحل (اللاذقية وطرطوس)، وفي حلب. وتشهد هذه المناطق صراعات بين المليشيات التابعة لروسيا وإيران، وكذلك صراعات بين أجهزة الأسد الأمنية.
يساهم هذا الانفلات الأمني، وعدم قدرة الأسد على ضبط الأمور في التخفيض من المكاسب الروسية إلى مدى بعيد، حيث تعجز روسيا عن السيطرة على مليشيات إيران التي تسيطر على أجزاء مهمة من دمشق، وتكاد تخضع حلب لسيطرتها، وهي مليشيات غير منضبطة بقوانين النظام السوري، وليس لها مرجعية أو سلطة عليا باستثناء قادة الحرس الثوري الإيراني. ومن شأن هذا الأمر التأثير على إمكانية استعادة الاستقرار في سورية، وهذا ما يدفع الأسد وروسيا إلى الإصرار على خوض الحروب ضد المعارضة في الشمال، بذريعة أن من شأن استعادة المناطق التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وهي لا تساوي 4% من مساحة سورية الإجمالية، تثبيت الاستقرار في سورية، مع العلم أن فصائل المعارضة في وضعية دفاعية نتيجة استنزافها سنوات طويلة.
عودة أميركا بقوّة إلى الساحة السورية: شهدت الشهور القليلة الماضية عودة الاهتمام الأميركي بسورية، بعد أن كانت القوات الأميركية على وشك الانسحاب والخروج من المنافسة، ما يعود إلى معارضة الدولة العميقة، ومؤسسات الجيش والأمن الأميركية، منح روسيا انتصارات سهلة. وقد خضع الأمر لتقييمات جديدة من لجان أميركية، وأهمها لجنة دراسة سورية التي شكلها الكونغرس، والتي بدأت ترى سورية ضمن صورة أوسع للتنافس مع روسيا والصين، وتأثير ذلك على مكانة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم.
وتشكل عودة الولايات المتحدة، وفق رؤية جديدة إلى سورية، عقبة مهمة في وجه ترتيبات روسيا، ودورها إجمالاً، ذلك أن روسيا لم تعتد على مواجهة أطراف قوية في سورية، وصاغت جميع ترتيباتها على أساسين: أنها تحتكر مجال القوّة في سورية، انطلاقاً من عدم رغبة أي من القوى الكبرى، وخصوصا أميركا، التدخل في سورية، لأن قياداتها (أوباما وترامب) لم تر وجود مصالح أميركية مهمة في سورية. وأن الأطراف المواجهين لروسيا في سورية هم مجرّد قوى إقليمية، من الممكن تخويفهم وردعهم وفرض الشروط عليهم.
وتثبت التحركات الأميركية أخيرا، سواء من خلال تضامنها مع الموقف التركي في إدلب، أو عبر المناوشات الجارية بين القوات الأميركية والروسية في مناطق شرق الفرات، وإعلانها أخيراً موت إطار أستانة وضرورة استعادة الأمم المتحدة دورها في الحل السوري، أن أميركا بصدد وقف “الوكالة الأميركية” المعطاة إلى بوتين، والعودة إلى سورية بوصفها شريكةً في أي تسويات مقبلة.
ولعل ما يظهر حجم القوّة التأثيرية للولايات المتحدة الأميركية، أن العقوبات التي أصدرتها بحق النظام السوري ساهمت بشلل تام في مفاصله الاقتصادية، كما أحبطت مساعي روسيا في تأهيل النظام، أو إقناع الجهات والدول المانحة في الاستثمار بعملية إعادة الإعمار في سورية.
خلاصة
تشهد بيئة التدخل الروسي في سورية تحولاتٍ من شأنها التأثير على مشروع روسيا وترتيباتها في سورية، بسبب تأخر روسيا في حسم الصراع لصالحها، ومن جهة أخرى نتيجة سياساتها المتضاربة تجاه الفاعلين الآخرين. ومن شأن هذه التحولات تضييق خيارات روسيا في سورية، وخصوصا خياراتها في التحكّم بمخرجات الحل النهائي للأزمة التي سعت إلى توظيفها لصالح مشروعها في سورية. ويمكن تلخيص خيارات روسيا بالآتي:
– تقديم تنازلات على مستوى الحل السياسي في الفترة المقبلة، لعرقلة التحولات الحاصلة ضدها، ومنع تشكّل تكتل غربي في مواجهتها في الملف السوري. والأرجح أن هذه التنازلات ستكون في ملف اللجنة الدستورية وإنهاء العرقلة التي مارسها النظام السوري، وإجباره على إرسال وفده لحضور اجتماعات اللجنة في جنيف.
– تكثيف الدبلوماسية الروسية تجاه الدول العربية، من أجل إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، وذلك للالتفاف على الموقف الأميركي الذي يدعو إلى مقاطعة نظام الأسد، وتخفيف حدّة الضغوط على روسيا.
– التفاهم مع تركيا على ترتيبات جديدة في شمال سورية، كأن تتم الموافقة على الطلب التركي بإقامة منطقة آمنة بعمق 30 كلم في إدلب، وهو مطلبٌ يمكن تجييره لصالح مصالح روسيا الأمنية في سورية، على اعتبار أن هذه المنطقة ستعزل ملايين المعارضين للأسد ضمن شريط ضيق، وتريح روسيا من تكاليف الحرب مع جماعات المعارضة في الشمال السوري، وتضمن روسيا، عبر هذا التنازل، عودة الروح إلى منصة أستانة، وإجبار الغرب على التعاطي معها.
ولكن أياً تكن خيارات روسيا، فإن سياساتها في سورية باتت تواجه تحديات غير مسبوقة، ويصعب حلها بالطرق التقليدية الروسية التي تعتمد على الرهان على ملل اللاعبين الآخرين ويأسهم، أو تخويفهم وردعهم، لأن هذه الآليات فقدت تأثيرها، كما تقف روسيا عاجزة أمام انهيار الدولة السورية، أمنياً واقتصادياً، ما يرجح تراجع السياسة الروسية في سورية في المرحلة المقبلة.
العربي الجديد
——————————————
صور من دوائر السلطة في دمشق/ فايز سارة
ليس من باب المصادفة، أن يتزامن الهجوم الروسي على بشار الأسد ونظامه، بما فيه من فضائح، مع فضائح الصراع داخل بيت النظام.
الهجوم الروسي على الأسد، ليس الأول من نوعه، لكنه الأقوى من كل الهجمات السابقة، وهو الأكثر اتساعاً وشمولاً، وقد جاء بوقت واحد، وبصورة مشتركة، من جانب الإعلام الرسمي، والآخر المستقل، فنُشرت تقارير وأخبار، ركزت على صور الأسد وأقاربه وحكومته وارتكاباتهم في وقت واحد، وتناول أول تقارير «وكالة الأنباء الفيدرالية» الروسية، الحكومة السورية، مبيناً سياساتها، التي تركز على الاستيلاء على أموالهم، من أجل زيادة ثروات أركانها وسدنة النظام، وتضيف إلى ذلك ممارسة الكذب على جمهور السوريين الواقعين تحت سيطرتها، وعلى حلفائها الروس الذي يقدمون مساعدات للنظام من أجل التغلب على الظروف الصعبة، وتقوم بتبديد تلك المساعدات، في إطار عمليات فساد واسعة، تتضمن نقل الأموال المنهوبة للخارج؛ حيث يتم إيداعها البنوك الغربية، أو توضع في استثمارات، أغلبها عقارية، وانتهى التقرير إلى قول إن السكان «غير راضين عن إجراءات حكومة (عماد) خميس وارتفاع مستوى الفساد»، وإن بشار «يبدو زعيماً ضعيفاً، غير قادر على كبح الفساد، وتهيئة مناخ اقتصادي مناسب في سوريا».
وعرض التقرير الثاني مما نشرته الوكالة الروسية خلاصات استطلاع رأي، أجرته لعينة من 1400 سوري حول موقفهم من الأسد، قال 32 في المائة منهم إنهم يمكن أن يدعموا الأسد في انتخابات الرئاسة المقررة عام 2021. وفسر التقرير سبب الانخفاض في شعبية الأسد بين مؤيديه بأنه «الفساد والمشكلات الاقتصادية في البلاد»، إضافة إلى انخفاض مستوى معيشة، والبطالة وانقطاع التيار الكهربائي ونقص السلع الأساسية.
وانتقد التقرير الثالث سياسة النظام في تعامله مع الأنشطة والاستثمارات الروسية في سوريا، مؤكداً أن النظام لم يوفر «الشروط اللازمة للأعمال الروسية»، وقال إنها «دون المستوى المطلوب»، واتهم الحكومة بخلق عقبات، وتلفيق الحجج في وجه الاستثمارات الروسية الكبيرة، وقال التقرير إن الأسد غير قادر على التعامل مع الأوضاع القائمة، وإنه «يفتقر إلى الإرادة السياسية والتصميم على مواجهة نظام العائلات النافذة القائم» الذي تُشكل عائلتا الأسد ومخلوف نموذجين فيه، وأكد أن على روسيا أن تعيد بناء الاقتصاد السوري غير الصالح بسبب الفساد، وأن عليها «أن تهزم الفساد في سوريا بالطريقة التي هزمت بها الإرهاب».
وكما هو واضح، فإن التقارير الثلاثة، تضمنت هجوماً على رأس النظام وعائلته، وحكومته، ليس من بوابة الفساد فحسب، بل أيضاً لجهة عدم القدرة على الإصلاح، وفقدان ثقة الجمهور بهم، وقد تضمنت أخباراً نشرت بالتزامن مع نشر التقارير محتويات، لها نفس المعاني عن الفساد المستشري في السلطة السورية، وأشارت إلى قيام عائلتي مخلوف والأسد بنقل مليارات الدولارات إلى الخارج، وبعضها إلى روسيا، التي اشتروا فيها شققاً فاخرة، وخلصت إلى قول: «تعيش عائلة الأسد وأقرباؤه في رفاهية فاجرة، بينما الشعب السوري يعاني من الحاجة لأبسط مقومات الحياة، وإن عائلة الأسد خلقت الفوضى، وأشعلت الحرب بحجة محاربة (داعش)، لكن الأخيرة انتهت، ولم يحصل أمان ولا استقرار في البلد».
وجاء الفصل الحالي من الخلافات الطاحنة في الدائرة المحيطة بالأسد، ليضفي على ما نشره الإعلام الروسي مزيداً من المصداقية، خاصة ما نشر من تفاصيل حول شركة «تكامل»، التي أسسها ويديرها شخ مقرب من العائلة، وقد سربت أنباء عن تكليفها تولي بيع الخبز للسوريين عبر «البطاقة الذكية»، التي أصدرتها العام الماضي، وتم من خلالها توزيع المحروقات مقابل عائدات، تشكل ثروة هائلة من عائدات أكثر من 3 ملايين بطاقة.
فضيحة «شركة تكامل» الأخيرة، دفعت وزير التجارة السوري، عاطف النداف، إلى إعلان منع «تكامل» من التدخل بتوزيع الخبز عبر «البطاقة الذكية»، وقال عارفون في دمشق إن الفضيحة تسربت مع أشياء أخرى عن طريق آل مخلوف.
كما شُنّت هجمة صاعقة على اثنين من حيتان النفوذ والمال المقربين من بشار الأسد، كان أولهما رامي مخلوف، ابن خاله، والذي كان يوصف بأنه مشغل أموال عائلة الأسد، كما كان أبوه من قبل، والثاني اللواء ذو الهمة شاليش، ابن عمة بشار الأسد، ورئيس الأمن الرئاسي، وأحد رموز الفساد والعمليات القذرة، وتمت مصادرة بعض ممتلكات الأخير، فيما وُجهت ضربات عنيفة للأول بقصد تحجيمه، كان الأبرز فيها نزع سيطرته عن جمعية «البستان» الخيرية، التي تمثل إحدى أوسع واجهات نشاط مخلوف، وعن شركة الخليوي «سيرتيل» ومؤسسات أخرى، تدر مئات ملايين الدولارات سنوياً، وتم تسليمها إلى إدارات، ترتبط مباشرة بأسماء من الأقارب والمقربين.
لقد قوبلت الهجمات على شاليش ومخلوف والتابعين لهما من أصحاب الثروات بغضب مبطن بالصمت والمسايرة، ما شجع على التوجه إلى دائرة المال والنفوذ والفساد المحيطة باللواء ماهر الأسد، شقيق بشار القيادي في «الفرقة الرابعة» في «الحرس الجمهوري»، وكان أبرز تعبيرات هذا التطور أنباء عن اعتقال مسؤولين عن المكتب الاقتصادي، وبالصيغة الأوضح، المكتب المنوطة به مراكمة ثروات اللواء ماهر، عبر الاشتغال بأي شيء، بما فيه نهب الآثار والتجارة، وصولاً إلى تهريب المخدرات، على نحو ما كشفت عنه فضيحة باخرة المخدرات التي تم ضبطها في اليونان 2019. واعتبرت من أكبر عمليات تهريب المخدرات في العالم؛ حيث قدرت قيمة ما فيها بأكثر من نصف مليار يورو.
خلاصة الأمر، أن صور الأشخاص الأهم في نادي نخبة النظام الحاكم في سوريا مثال للتردي والسوء الذي قد لا يجد ما يماثله أو يشبهه في أي سلطة في العالم. وباستثناء ما درجوا عليه من ارتكاب جرائم القتل والاعتقال والتهجير لملايين السوريين وتدمير قدراتهم، فإنهم مثال للفشل والفساد والسرقة ومراكمة الثروات غير المشروعة، وتهريب الأموال، وكلها حقائق لا يقولها السوريون الذين يعرفون أكثر عن خراب وفساد الحاضرين في سدة السلطة، بل يقولها حلفاء النظام من الروس الذين يعرفون حقائق ما يجري علناً وفي كواليس السلطة، والأهم مما سبق، ما تقدمه تلك الشخصيات من إثباتات في ممارساتها، التي باتت مفضوحة في عالم، يصعب إخفاء الجرائم، وتخفي المجرمين فيه.
الشرق الأوسط
——————————
سوريا بين مافيتين/ بسام مقداد
ما أن أطلق الأوليغارشي الروسي “طباخ بوتين” يفغيني بريغوجين حملته على فساد النظام السوري ، حتى انطلقت في المواقع الإعلامية الكثيرة ، التي يسيطر عليها بريغوجين ، حملة صاعقة على هذا الفساد . من الصعب معرفة السبب ، الذي دفع الأوليغارشي الروسي إلى “اكتشاف” فساد النظام السوري في هذا التوقيت بالذات، والقول بعدم كفاءته في حكم سوريا ، علماً أن النظام لم يبخل على هذا الأوليغارشي ، ولا على سواه من الأوليغارشيين الروس المقربين من الكرملين بعقود الإستثمار الإستثنائية في سوريا . ومن أواخر مثل هذه العقود ، كان عقد الإستخراج والإستثمار الحصري للفوسفات السوري ، الذي منحه النظام الخريف الماضي لأحد أكثر الأوليغارشيين الروس قرباً من بوتين، غينادي تيمتشنكو ، علماً أن الفوسفات لا يقع ضمن لائحة العقوبات الغربية على النظام السوري ، مما يوفر إمكانية التعاقد بشأنه مع أي طرف آخر. كما لم يبخل النظام على يفغيني بريغوجنين نفسه بعقد إستثنائي آخر بشأن الغاز ، إذ منح شركاته في مطلع السنة الحالية حقوق التنقيب واستثمار الغاز والنفط في 3 حقول سورية ، يقدر حجم الغاز ، الذي يختزنه حقلان منها بحوالي 250 مليار متر مكعب، حسب صحيفة “Novaya” الروسية الليبرالية.
هذه المشاريع وسواها من الصفقات ، التي حصل عليها الأوليغارشيون الروس من النظام السوري بشروط “جد متساهلة” ، تجعل من الصعب إفتراضها كسبب للحملة ، التي شنتها المواقع الإعلامية ، التي يسيطر عليها بريغوجين، وعلى رأسها “وكالة الأنباء الفدرالية”، التي تتفوق بعدد متابعيها على العملاق الإعلامي نوفوستي ، حسب مقالة غوغول في ويكيبيديا الروسية عن الأوليغارشي هذا . كما أن بريغوجين ، وخلافاً للأوليغارشيين الروس الآخرين (على قلة عددهم) ، يملك من وسائل الضغط على النظام السوري ما لا يملكه الآخرون . فهو يسيطر على فصائل المرتزقة الروس المنضوين في ما يعرف بشركة “فاغنر” الأمنية، التي شاركت بفعالية كبيرة في معارك النظام مع فصائل المعارضة السورية ، وكان لها دورها الكبير في تحقيق “نصر” النظام العسكري ، خاصة في معارك استرجاع مدينة تدمر من مقاتلي “داعش” . وإذا افترضنا أن بريغوجين يتحكم ، ولو جزئياً بقرار “فاغنر” العسكري ، لأن وزارة الدفاع الروسية هي التي تتولى تدريب هؤلاء المرتزقة ، وتعاملهم كسائر العسكريين النظاميين ، من حيث المكافآت والأوسمة والطبابة وسواها ، إلا أن بريغوجين يملك فعلياً ، على الأقل ، بعضاً من هذا القرار ، كما أثبتت معركة دير الزور العام 2018 ، التي تكبد فيها هؤلاء المرتزقة مئات القتلى ، الذين تجاهلتهم وزارة الدفاع ، ونفت اية علاقة بهم .
صحيفة “Novaya” ، ومن دون أن تنفي علاقة وزارة الدفاع بمرتزقة “فاغنر” وقرارهم ، أكدت في التقرير، الذي نشرته مطلع العام الجاري بعنوان” فاغنر. النفط الأول. لهذا هم المرتزقة الروس في سوريا . دمشق تعقد مع شركات يفغيني بريغوجين إتفاقيات لاستثمار حقول نفط وغاز” . وقالت الصحيفة أن دمشق تعاقدت مع شركتين روسيتين لاستثمار 3 حقول نفط وغاز ، تبلغ مساحتها 12 ألف كلم مربع ، وتختزن من الغاز ما يقدر بحوالي 750 مليار متر مكعب . والطريف في الأمر ، على قولها ، أن أحداً في أوساط العاملين في النفط ، لم يسمع من قبل بشركتي “Velada” و “Mercury” ، اللتين حصلتا على عقود جدية . لكن ليس من مفاجآت في الأمر ، فمن يقف وراء المالكين الإسميين وإداريي الشركتين هي مؤسسة يفغيني بريغوجين “كونكورد” .
تقول الصحيفة عن شركة “Velada” ، بأنها شركة تأسست العام 2015 برأسمال حجمه 10,000 روبل ( 125$ الآن)، على يد طالبة ، كانت المساهم الوحيد في الشركة ومديرها العام ، حلت مكانها لاحقاً إمرأة أخرى . وتقول الصحيفة ، أن دفاتر محاسبة الشركة لا تتضمن سوى موظف واحد يتقاضى راتباً . ولم تسجل دفاتر محاسبة الشركة أي دخل في السنين الماضية ، التي انقضت حتى العام 2018 ، حين سجلت مبلغ حوالي 3 ملايين روبل ، مع خسائر مسجلة فاقت هذا الدخل. وتشير الصحيفة إلى أن الشركة لا هاتف لها ، ولا عنوان إلكترونياً ، ولا موقع على الإنترنت ، فكيف تسنى لشركة بهذه المؤشرات المضحكة ، لا تمتلك رأسمالاً ، ومن دون أية خبرة جيولوجية في أعمال استخراج النفط والغاز ، أن تحصل على عقد استخراج 250 مليار متر مكعب من الغاز ، في سوريا الحرب . تلك أحجية ، حسب الصحيفة ، التي تقول بأن الجواب عليها بسيط إذا علمنا أن المرأة المؤسِسة ، كانت تعمل في عملاق يفغيني بريغوجين “كونكورد” كمستشار ، قبل أن تسلم الشركة لإمرأة أخرى العام 2018، وتهاجر إلى الولايات المتحدة ، حيث تواصلت معها الصحيفة لكتابة تقريرها المذكور .
يفغيني بريغوجين ، الذي يملك كل هذه الإمكانيات في سوريا ، والقادم إلى عالم البيزنس المافيوي من عالم الجريمة ، هو الذي بدأ حياته العملية من عالم الجريمة ، الذي أفضى به إلى السجن مدة 9 سنوات من حكم بمدة 12 عاماً ، بسبب جرائم النهب والنصب واجتذاب الأطفال إلى تجارة الجنس ، لماذا “اكتشف” الآن فضائح فساد النظام السوري من رأس الهرم حتى القاعدة . لم يكتف بريغوجين بنشر التقارير الثلاثة الأولى عن الفساد المستشري بالنظام السوري ، بل تبعها بحملة شعواء في “الماكينة الإعلامية” التابعة له ، والتي تتمحور حول “وكالة الأنباء الفدرالية” ، وتتكون من أكثر من 16 موقعاً ، حسب الويكيبيديا ، وجيّش الكثير من الكتاب و”الخبراء، الذين وسعوا رقعة الإتهامات الواردة في التقارير الثلاثة الأولية .
وذهب أحد المواقع المغمورة “Ura.ru” إلى دعوة روسيا ، نعم روسيا ، إلى المباشرة بالنضال ضد الفساد في الإقتصاد السوري ، وقال بأن المسؤولين السوريين يضعون العصي في دواليب البيزنس الروسي ، ولا يتيحون له إمكانية التطور في سوريا . وقال بأن هؤلاء المسؤولين الفاسدين لا يريدون من المستثمرين الروس سوى أن يدخلوا النقود إلى سوريا ، ويتحججون بالحرب ، التي يحملونها في العادة مشاكل الإمدادات اللوجستية ، ومشاكل الأمن وسواها . وفوق كل ذلك يطالبون بالمال . ويقول الموقع أن على روسيا ، التي انتصرت على الإرهاب في سوريا ، أن تبدأ بترتيب أوضاع الإقتصاد السوري ، الذي ينخره الفساد ، و”عليها أن تنتصر على الفساد ، كما انتصرت على الإرهاب” .
وفي حين يعتبر الأسد أن استمراره في السلطة مرهون باستمرار الحرب السورية ، وذلك لعجزه عن تلبية متطلبات المنتصرين الفعليين في هذه الحرب ، تتعجل روسيا الإنتهاء من مرحلة الحرب ، والإنتقال إلى العملية السلمية ، التي توفر لها ضمان ثبات مواقعها في المنطقة ، التي وظفت من أجلها انخراطها في الحرب السورية . وهي ترى في تحسن علاقاتها مع تركيا ، أحد أهم الأهداف الإستراتيجية ، التي حققتها في هذه الحرب ، وتعتبر أن اتفاقاتها مع تركيا بشأن إدلب والشمال السوري ، والتي نالت رضا الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ، هي المدخل الوحيد الممكن للإنتقال إلى العملية السلمية .
الأسد من جهته ، يعتبر هذه الإتفاقات موجهة ضد نظامه واستمراره على رأس هذا النظام ، ويستمر في الإستعدادات لتخطيها ومواصلة العمليات الحربية ضد تركيا بمساعدة إيرانية ، ودعم مالي من الإمارات العربية المتحدة ، على ما ذكرت صحيفة “NG” الروسية” المستقلة . وترى روسيا أن الأسد لا يلتفت إلى التحذيرات الروسية له بالكف عن محاولات خرق هذه الإتفاقات ، ولم يقيّم تقييماً صحيحاً رسائلها إليه ، المتمثلة بزيارة بوتين لدمشق مطلع السنة الجارية ، ومن ثم زيارة وزير الدفاع في آذار/مارس المنصرم ، ولذلك قررت توجيه رسالة له ، من دون أن يتدخل بها مسؤولوها ووسائل إعلامها من قريب أو بعيد، أي رسالة من مافيا إلى مافيا ، اللغة الوحيدة ، التي يفهمها النظام السوري ، كما يبدو .
المدن
—————————————
فضائح آل الأسد.. ماذا أرادت روسيا أن تقول للنظام؟/ سامر القطريب
أثار الهجوم الإعلامي الروسي الأخير على نظام الأسد، والذي شنه طباخ بوتين أسئلة حول طبيعة علاقة الكرملين بالنظام وموقفه من بشار الأسد، الذي تلقى وعائلته والمقربون منه الضربات الروسية، في مؤشر إلى تململ الروس من الأسد الذي يغرد بعيدا عن إرادة موسكو التي حمت النظام من السقوط ودافعت عنه سياسيا وعسكريا طوال خمس سنوات.
روسيا غاضبة من الأسد
وحول ذلك قال الدكتور خالد العزي المختص بالعلاقات الدولية وأوروبا الشرقية لـ موقع تلفزيون سوريا، إن التعامل الروسي مع النظام يعد لحظة خاصة، بعد أن مكنت روسيا الأسد من استعادة مجمل الأراضي السورية من يد المعارضة، وميّعت كل القرارات الدولية لتعويم بشار الأسد ووضعه على الطاولة من أجل الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2021.
وتابع قائلا” مع اقتراب العام 2021 بقي السؤال لدى النخبة السياسية الحاكمة في الكريملين عن كيفية التعامل مع الأسد في ظل إخفاقات النظام لجهة الفساد والعنجهية، إذ تحاول روسيا من خلال تعاملها مع المجتمع الدولي تقريب وجهات النظر لتصل إلى تسويات تساعدها في فرض وجهة نظرها الأساسية وربما كان الأسد يعيق ويتعالى ويحاول ممارسة العنجهية على قاعدة أنه رب البيت لكن بوتين أوضح عكس ذلك عدة مرات عندما استدعي الأسد وتعامل معه على قاعدة اذهب ونفذ”.
تريد روسيا توجيه رسائل مباشرة إلى نظام الأسد ليست وليدة اللحظة أو الصدفة، لتقول كلمة نهائية للأسد كما رأى “العزي”، وأضاف أن “روسيا منزعجة من النظام في العديد من الملفات العسكرية والسياسية كطريقته في التعامل مع المفاوضات مع المعارضة، روسيا تعاملت مع الأسد على قاعدة اذهب ونفذ وهو يحاول التملص وإيجاد الفرص”.
وأوضح أن الروس انزعجوا كثيرا من الأسد وخاصة خلال اجتماع لجنة الدستور السوري إضافة لمشكلة التعامل مع إدلب وإقحام روسيا في معارك وتغيير قواعد الاشتباك، حيث وجدت روسيا نفسها في مواجهة مع تركيا شريك موسكو في التسوية، وشدد العزي على أن “النظام يحاول إفشال كل الطروحات مشيرا إلى أن النظام يتبع مباشرة إلى الحرس الثوري الإيراني وروسيا تدرك أن النظام وقيادته السياسية والعسكرية في اليد الإيرانية لذلك لا تثق بالنظام مع أنها حامية له”.
رسائل مبطنة
انزعاج موسكو من النظام عبرت عنه من خلال رسائل مبطنه عبر وسطاء أو شخاص مثل معارضة موسكو أو السفارة الروسية أو الداعمين للأسد، لكن موسكو مؤخر لم تعد تتحمل لأنها باتت أمام مسافة قليلة من العام 2021 وكان الاتفاق الدولي مع أميركا، هو أن تحاول روسيا إعادة تأهيل النظام وتأديبه، إذ لا يمكن لروسيا أن تتجاهل قرارات جنيف رغم محاولاتها إيجاد حل بناء على سوتشي وأستانا بعيدا عن المصالح الدولية، إلا أن سوريا مدمرة ولاتستطيع روسيا إعمارها دون مساعدة من أوروبا ودول الخليج، ويجب أن تقدم تنازلات حتى اليوم لم تستطع فرضها على الأسد لذلك أرسلت ثلاث رسائل”.
عقوبة طباخ بوتين للأسد
يشير ” العزي” إلى أن طباخ بوتين هو من يصنع سياسات الكريملين، وتؤكد الرسائل على أن بشار الأسد لا يستطيع محاربة الفساد وإصلاح النظام، في محاولة لنقل صرخة شعبية حاولت الوكالة تبريرها عبر اتصالات بنسبة معينة مع مواطنين انتقدوا الفساد وسوء الأوضاع المعيشية.
أما الرسالة الثالثة تتمحور حول عدم وفاء النظام بتعهداته لمجموعة فاغنر الروسية التي قاتلت إلى جانب قوات النظام، وتتعلق بالأساس بعملية اتهام مباشر للنظام ورجال مخابراته باستغلال المساعدات الروسية إلى سوريا وممارسة الأعمال على حساب روسيا لمساعدة أنفسهم وأقربائهم، ويتابع” روسيا فكرت أنها ستقدم خدمات تساعد الشعب السوري الذي لم ير شيئا من المساعدات والأصعب أن النظام لم يجر أي إصلاحات لكي تظهر موسكو أنها أنجزت شيئا في سوريا، وهذا لم يعد خافيا على أحد من المجتمع الدولي”.
والنقطة الرئيسية التي أثارت الموضوع هو قطع الكهرباء وتبرير النظام لذلك بأنه لا يستطيع جلب الغاز من الحقول بسبب تنظيم الدولة، لكن روسيا تعرف أن النظام يكذب وأن النفط يباع، وبرأي “العزي” فإن روسيا ستتخلى عن الأسد وسيكون لها الكلمة الأخيرة عندما تشتد الضغوط من أميركا.
هل يختلف الموقف الرسمي الروسي؟
وجهت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية التابعة لطباخ الكرملين، الملياردير يفغيني بريغوجين الرسائل إلى نظام الأسد بضوء أخضر من الكرملين، لكن مراقبين يرون أن ذلك لا يعبر عن الموقف الروسي الرسمي، وتقول ماريانا بيلينكايا الصحفية في صحيفة كوميرسانت الروسية المعارضة لـ موقع تلفزيون سوريا، إن الموقع الذي نشر فضائح آل الأسد محسوب على مجموعات أو مؤسسات مالية “يقال” إنها قريبة من الدائرة المعروفة لأصحاب القرار في روسيا، لكنها تشدد على أنه “من الخطأ وضع مصالحهم بالتوازي أو على مستوى ما يقوله الكرملين”.
وتضيف “وأكثر من ذلك هناك بعض الاختلافات بين ما يسوقه هؤلاء وموقف موسكو الرسمي”، مشيرة إلى أن مانشره الموقع تم حذفه!
وبرأي بيلينكايا أن “موسكو والكرملين ليسا ساذجين، و بدون نشر التفاصيل في الإعلام هم يعرفون كمية الفساد المستشري في سوريا وتعنت النظام، وهم دائما يقولون أنهم لا يدافعون عن الأسد شخصيا بل عن مؤسسات الدولة، ولكن من الجهة الأخرى موسكو لا ترى حاليا بديلا لهذا الشخص (بشار الأسد). وتابعت “لا أعتقد أن شيئا تغير بشكل عام، بل هي مناوشات مصالح صغيرة.. في بعض الأحيان ترسل موسكو رسائل عبر وسيط للنظام لكن هذا لا يعني أن موسكو تعارض الأسد”.
تلفزيون سوريا
—————————————-
عن الضجيج في الإعلام الروسي/ هدى أبو حلاوة
تناولت مؤخراً وسائل إعلام روسية عديدة وبصفة متواترة أوضاع النظام السوري المتردية في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية ومدى صلاحية رأسه للاستمرار في الحكم، وكان لافتاً الاهتمام الذي لقيته لدى الأوساط السورية نظاماً ومعارضة تحليلاً وتعليقاً للمقالات والإحصاءات والتقارير التي أوردتها وسائل الإعلام الروسية فيما يشبه المهرجان غير أن الحس النقدي والعقلاني كان الغائب الأكبر عن ذلك المهرجان.
ليس جديدا أن تتولى وسائل إعلام روسية مهاجمة النظام السوري عموما وبشار الأسد خصوصاً بين الفينة والأخرى، وبغض النظر عن أن تلك الصحف تعكس وجهة نظر الكرملين أم لا، إلا أنها تبقى أصواتا تعكس رأي قطاع من المجتمع السياسي والإعلامي الروسي، ولا يمكن تجاهلها وغض الطرف عنها لمجرد أنها غير رسمية، كما لا يجب تضخيمها واعتبارها تعكس المناخ السائد لدى المسؤولين الروس. وفي حين يؤكد المحلل السياسي رامي الشاعر في مقاله الأخير بعنوان “من يقف وراء الحملة على الأسد في روسيا” أن هذه الآراء لا تعكس الرؤية الرسمية الروسية ويحذر من المبالغة في أهميتها موضحاً أنها تأتي ضمن النقد الصريح والبناء بين الأصدقاء، غير أنه لا يمكن لأحد أن ينكر العلاقة البنيوية بين المجتمع السياسي من جهة والمجتمع الإعلامي من جهة أخرى.
لقد شاهدنا من قبل صوراً وفيديوهات بكاميرات روسية رسمية تعمدت رصد مواقف وحالات تشكل في العرف الدبلوماسي إهانة لرأس النظام بالذات أو لمرافقيه، فيما تمثل من جهة أخرى رسائل سياسية للنظام تارة وللأطراف الدولية تارة أخرى. وإذا كان المسؤولون الروس قد اكتشفوا فجأة خلال الأيام الماضية فساد النظام وانعدام جدارته فلا يمكننا سوى أن نقول لهم (صح النوم)، ولكن الحال ليس كذلك أبداً فهم يعلمون الواقع تماماً حتى قبل تدخلهم العسكري، وأولويتهم في سورية هي الدولة السورية ككل واحد يشمل عناصر الأرض والمجتمع ومؤسسات الإدارة والحكم. وعلى هذا الأساس فقط يمكننا فهم مدى الإحباط وخيبة الأمل الروسية من أداء النظام في ميادين الاقتصاد والإدارة والعملية السياسية التفاوضية.
وحتى تتوضح الصورة كاملة يجب أن نفرق بين السيطرة والإخضاع من جهة والحكم من جهة أخرى، فالسلطة لا تحتاج في الحالة الأولى إلا لأدوات البطش أما في الحالة الثانية فإنها تحتاج إلى حد أدنى من المشروعية التي توفرها الإيديولوجيا بغض النظر عن شكلها وإلى مستوى مطلوب من الاقتناع لدى المحكومين بقدرة الحاكم وجدارته وتمكنه من حل المشكلات الموضوعية التي تواجه المجتمع ناهيك عن حماية البلاد وحسن إدارة دفة الحكم أو ما نطلق عليه باختصار تسمية الحكم الرشيد. وإذا نظرنا إلى الوضع السوري من منظور هذه المعايير أدركنا أن هذا النظام قادر على السيطرة ولكنه عاجز عن الحكم، كما ندرك حجم المعضلة والمسؤولية الأخلاقية والسياسية التي ترتبت على روسيا حين تدخلت عسكرياً في سوريا. وذلك في ظل استمرار النظام في آلياته المعهودة وأساليبه التي لم تتغير في الفكر أو الممارسة وعلى كافة المستويات وكأن شيئاً لم يحدث منذ 2011، واستمرار غياب أي مؤشر إيجابي من هذا النظام رغم المساعي الروسية المتكررة.
على المقلب الآخر نرى خيبة أمل مشابهة لدى الشعب السوري من جسوم المعارضة التي تصدرت المشهد السوري منذ 2011، فرغم تضحياته العظيمة ومعاناته المستمرة، لم تتوفر للشعب السوري قيادات تليق بتلك التضحيات وتجسد تطلعاته وحلمه بدولة حرة ديمقراطية ينشدها منذ سنوات طويلة. والمخيّب أكثر أن المعارضة السورية طيلة ما يقارب عقد من الزمن لم تفلح بإيجاد كيان سياسي واحد يحظى بتأييد شعبي كاف ليكون طرفاً فاعلاً في الأزمة ومعبراً عن إرادة هذا الشعب.
ومن مفارقات الأزمة السورية أن الطرفين المعنيين فيما يعرف بالعملية التفاوضية والعملية السياسية – نظاماً ومعارضةً – هما أضعف الأطراف الفاعلة في الأزمة ولا يملكان القدرة على تغيير خارطة الواقع، بل وأكثر من ذلك، فقد أصبحا أدوات للأطراف الأخرى وبالتالي فإن توليهما للعملية التفاوضية أمر يشبه مسرح خيال الظل. فمنذ إنشاء المجلس الوطني ثم مجيء الائتلاف لاستيعاب طيف أوسع للمعارضة وبعد أن امتلك تأييداً دولياً تجده اليوم لا يملك من تلك الشرعية سوى تنفيذه لكل أجندات الجهات الداعمة له وأولها تركيا. ومن غير المبالغ فيه القول إنه لا يوجد مكون واحد في المعارضة ومنصاتها يحظى بتأييد جمهور أو يمتلك شعبية تنافس النظام بشعبيته لدى جمهوره مؤيديه.
لم يحاول النظام الاستفادة من الدعم الروسي من أجل بناء دولة فبناء الدولة يتعارض مع فكرة السيطرة العارية الكلية، ولم تفلح القيادات السياسية للمعارضة في تقديم نمط من التفكير والممارسة مغاير للنظام فغالبيتها تنهج آلية النظام وتتبع منهجه في الفكري والعملي، حيث الفساد المالي والإداري والشللية واحتكار السلطة والتمسك بها مهما كلف الأمر والاستعانة بالأطراف الخارجية لتحقيق النفوذ والاستمرار، وبالتالي فإن جمهور المعارضة يدرك ما وصلت إليه قياداته وهو لا يملك البديل له، وكذلك حال الجانب الروسي الذي يدرك أكثر من غيره أن نظام الأسد عصي على الإصلاح ولكنه أيضاً لا يملك البديل ولم يعمل على إيجاده.
ليعذرنا الأصدقاء في المعارضة، فعندما يفضح الجانب الروسي حليفه السوري وعندما يكشف ضعفه ويعري فساده إلى هذا الحد، يصبح ذات الفعل واجباً أخلاقياً على داعمي المعارضة وجمهورها في كشف سلبياتها وفسادها ومواطن ضعفها. فالفاسد الضعيف يهدم ولا يبني أياً كان موقعه.
في النهاية يبقى السؤال المهم هل تحزم الإدارة الروسية أمرها نحو التغيير، وهل يخرج من أوساط المعارضة من يملك القدرة على رمي قفاز التحدي أمام الحكومة الروسية. هذا ما يجب أن يحدث رغم صعوبته بعد أن صارت الازمة السورية لدى الكثيرين باب رزق لا يريدونه أن يغلق، وكلنا يقين بقدرة السوريين على تقديم القيادات القادرة على صناعة سوريا المستقبل على نحو يكفل تحقيق تطلعات الشعب السوري.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار
بروكار برس
—————————–
——————————–
ما أراد بوتين قوله للأسد قاله طبّاخه «الملياردير»!/ صالح القلاب
بالتأكيد إنّه مقصودٌ ومتعمدٌ أنْ تخاطب القيادة الروسية بشار الأسد بهذا الأسلوب الجافّ والقاسي والاتهامي، بلسان طباخ الكرملين «الملياردير» يفغيني بريغوجين، ووصفه بـ«الضعيف»، وعدم قدرته على محاربة الفساد المستشري في إدارته، واستغلال المساعدات الروسية لأغراض شخصية، وقد بررت وكالة الأنباء «الفيدرالية» الروسية هجومها على الرئيس السوري بحجة فضح فساده، وحقيقة أنّ هذا ليس جديداً، فالمعروف أنّ ما يرتكب من موبقات وانحرافات اقتصادية بهذا البلد لا مثيل له في أي بلد في الكرة الأرضية.
واللافت أنّ الرئيس بوتين تقصّد تكليف «طباخه» الملياردير!! بهذه المهمة إمعاناً بمزيد من إهانة الأسد، الذي كان يجب أنْ يخاطبه زعيم الكرملين شخصياً وألا يترك الأمر لرجل مهمته «الطبخ».
ولعلّ ما تجدر الإشارة إليه أنه صدرت عن الرئيس الروسي وعن «الكرملين» تحديداً، 3 تقارير اتهامية؛ أولها بـ«توقيع» شخص اسمه ميخائيل تسيبلاييف، وصف فيه الوضع الاقتصادي في سوريا بالسلبي للغاية، وأشار إلى أنّ عدم توفر الظروف للشراكة بين موسكو ودمشق يعود لارتفاع مستوى الفساد في «المستويات السياسية العليا» في هذا البلد!!
وجاء في هذا التقرير أيضاً أنّ ما يحدث في سوريا يعود للفساد بالحكومة، وأنّ بشار الأسد يسيطر على الوضع على نحوٍ ضعيف، وأنّ السلطة في هذا البلد تابعة بـ«الكامل» لجهاز بيروقراطي، وتم الاستشهاد بتصريحات «حصرية» لنائب رئيس الوزراء السوري السابق، قدري جميل، قال فيها: «إن مستوى الفساد في (سوريا) كبير للغاية، وإنه يعيق بالفعل تنمية البلاد، وإنه قبل الأزمة كانت نسبة (الفساد)، مقارنة بالدخل القومي للناتج المحلي الإجمالي، تصل لنحو 30 في المائة، وإنّ أعداد أصحاب المليارات ارتفع عما كان قبل عام 2011 إلى عدة عشرات حالياً».
أمّا التقرير الثاني فجاء فيه أنّ هناك حاجة لإصلاحات اقتصادية، ولمحاربة الفساد، وخاصة على المستوى الحكومي، وأن هذا إحدى أكبر المشكلات بالنسبة لروسيا… نحن نستثمر مبالغ كبيرة من المال في الاقتصاد السوري، لكنّنا لا نشهد نتائج… يبدو أنّ الاستثمارات التي توظفها روسيا في سوريا تذهب إلى «جيب شخص واحد»، وبالطبع من الواضح أنّ المقصود هو بشار الأسد نفسه!!
هنا، وبعد استعراض هذه التقارير الروسية الثلاثة، لا بدّ من التأكيد أنّ هذا كله هو محصلة مسيرة طويلة، كانت بدأت في القاهرة، عندما تشكلت لجنة عسكرية سرية من 5 أعضاء، جميعهم من الطائفة العلوية، وجميعهم ينتمون لحزب البعث، وكان على رأسهم صلاح جديد، بينما أقلهم رتبة كان حافظ الأسد، الذي بقي يتدرّج في المواقع العسكرية إلى أنْ قام بانقلابه على رفاقه عام 1970؛ نور الدين الأتاسي، وصلاح جديد، ويوسف زعين… وغيرهم، ووضعهم في سجن المزة الشهير لسنوات طويلة… وبعضهم مات فيه.
وهكذا؛ بقي الأسد يحكم سوريا بالحديد والنار إلى أنْ توفي بعد مرض عضال عام 2000، وكانت قد ارتُكبت في عهده مجازر دموية، من بينها مجزرة جسر الشغور وحي المشارقة وسجن تدمر ومجزرة حماة وحلب، بالإضافة إلى احتلال لبنان، والمهم أنّه كان يعدُّ ابنه الأكبر باسل ليكون خلفاً له، بينما شقيقه رفعت كان يعدّ نفسه ليكون هو البديل، والمعروف أنّ باسل هذا توفي بحادث سيارة، وأثيرت حوله تساؤلات كثيرة، فحلّ محلّه شقيقه بشار، الذي ما كان والده قد أعدّه لهذه المهمة ولم يكن هو يتوقع أنْ يصبح رئيساً لدولة تعاني من تهديدات كثيرة.
إنّ هدف كل هذا الاستعراض هو أنّ بشار الأسد لم يكن يتوقع أنّه سيكون رئيساً لبلد شديد التعقيد، وهو الوحيد من بين الدول العربية كلها الذي شهد نحو 20 انقلاباً عسكرياً، وحقيقة أنّ هذا كله قد جعل الذين أحاطوا به يحوّلون نظامه إلى نظام طائفي، وصل الفساد فيه أكثر مما هو عليه الآن، ما أدى إلى تصفيات حوّلت هذا البلد إلى كهف وحوش متناحرة، وجعل كثيرين من رموزه يغادرونه هرباً ويلجأون إلى دول أوروبية متعددة، من بينهم 3 من رجالات الأسد الأب، أي رفعت الأسد، ومصطفى طلاس، وعبد الحليم خدام الذي توفي قبل أيام.
والمعروف أنّ حافظ الأسد، قد أرسل جيشه إلى لبنان في عام 1976 لطرد الجيش الإسرائيلي، لكنّ أولى «غزواته» كانت اجتياح مخيم تل الزعتر الفلسطيني، واستيعاب التنظيمات الفلسطينية، وهكذا بقي إلى ما بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) عام 2005. وحقيقة أنّ سنوات احتلاله لهذا البلد التي اقتربت من 30 عاماً كانت سنوات «فساد» وسلب ونهب وتصفيات سياسية واعتقالات واغتيالات لمعارضي النظام السوري، ومن بينهم كمال جنبلاط وسمير قصير وجبران تويني وغيرهم، بالإضافة إلى الحريري.
وعليه، فإنّ الاحتلال السوري للبنان، الذي استمر لنحو 30 عاماً، قد شكل مرحلة «فساد» وإفساد لا مثيل لها، وحقيقة أنّ هذا كان امتداداً لما كانت عليه سوريا نفسها، إنْ في عهد حافظ الأسد، وإنْ في عهد نجله بشار الأسد.
وهنا؛ وخلافاً لكل ما يقال على لسان «طباخ» فلاديمير بوتين، أو على ألسنة غيره، فإنّه يتردد أن هناك من الروس من هم متورّطون أيضاً في هذا «الفساد» الذي بقيت تعاني منه سوريا على مدى سنوات طويلة.
لا يمكن إنكار أنّ سوريا التي يسيطر عليها بشار الأسد، إنْ فعلياً، وإن شكلياً، كانت غارقة في فساد قديم ومزمن حتى عنقها، لكن الفساد المفزع فعلاً هو أنّ نحو 8 ملايين سوري أصبحوا لاجئين مشردين في دول كثيرة، والمعروف أنّ أسوأ «فساد» وأخطره هو تهجير كل هذه الأعداد من السوريين خارج وطنهم، وتطبيق بشار الأسد ذلك الشعار، الذي قال فيه إنه يريد «سوريا المفيدة»، أي أنه يريد سوريا الطائفية.
وعليه، وبصراحة؛ فإنَّ دخول الروس على الأزمة السورية التي كانت متفاقمة، والتي ازدادت تفاقماً، قد عزّز «الفساد» الذي بقي «مستشرياً» في هذا البلد المنكوب، والذي غدا مقسماً ومحطماً بالفعل، فما كان على الرئيس بوتين ألا ينتدب «طباخه الملياردير» ليوجه كل هذه التهم القاسية إلى الرئيس بشار الأسد، بل إنه يقول كل ما يعرفه عن هذا النظام، الذي كانت بداياته فاسدة، وازداد «فساداً» في عهد هذا الابن، وعلى مدى كل هذه السنوات الطويلة منذ عام 2005 حتى الآن!
الشرق الأوسط
————————————
أين هو «الموقع الطبيعي» للنظام السوري؟
رأي القدس
في اتصال هاتفي مع غير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن بلاده تعتزم إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي على الساحتين الإقليمية والدولية، مشيرا إلى أن «يرتبط بضرورة التصدي الحاسم للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والأطراف الإقليمية الداعمة لها».
يجيء هذا التصريح بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، التقى فيها رئيس النظام السوري بشار الأسد (على طريقة «التباعد الاجتماعي»، وبالكمّامات)، كنوع من إعلان التضامن بين البلدين المحاصرين بالعقوبات السياسية والاقتصادية (وجائحة كورونا)، وكذلك أيضا على خلفية ضجة أثارها استطلاع للرأي أعدته مؤسسة روسية أظهر «تدهوراً في شعبية الأسد»، وفقدانه القدرة على إصلاح الوضع في البلاد، وكذلك نشر مواقع روسيّة مقربة من مركز صنع القرار في موسكو مقالة كتبها السفير الروسي السابق ألكسندر اكسينيوك الذي يعمل حالياً مستشاراً لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز يقدم استشارات لوزارة الخارجية وجه فيها انتقادات قاسية للنظام.
بيت القصيد في الانتقادات كان قول السفير السابق إنه على مدى سنوات الحرب كان «من الصعب أن نميز في أغلب الأحيان بين هدف مكافحة الإرهاب والعنف الذي تمارسه الحكومة ضد مناوئيها»، وبأن «البيانات والخطابات الصادرة عن أعلى وأرفع المستويات فيما يتصل باستخدام القوة في حال عدم رحيل القوات التركية والأمريكية عن سوريا، تبدو منفصلة عن الواقع» وهو ما يعتبر انتقادا مباشرا لرئيس النظام، وهو انتقاد يختلف كثيرا عن طرق الازدراء غير المباشرة التي كان الروس يكشفونها، سواء في «شحن الرئيس» لمقابلة بوتين في موسكو، أو في إيقافه مع الضباط والجنود الروس خلف بوتين، أو باجتماعه به في قواعد عسكريّة روسيّة على الأرض السورية.
إضافة إلى ذلك كان لافتا في قراءة الدبلوماسي الروسي للكارثة السورية في ظل القيادة الحالية وتأكيده على أن «الناتج المحلي السوري هبط خلال 9 سنوات من 55 مليار دولار إلى 22 ملياراً»، وعلى حاجة البلاد إلى «250 مليار دولار لإعادة الأمور إلى نصابها»، وأن «50 في المئة من المنازل دمرت ونصف المرافق الصحية و40 في المئة من المدارس والجامعات، وارتفع معدل الوفيات 3 أضعاف، ووصل مستوى الرازحين تحت خط الفقر إلى 80 في المائة من السكان وانخفض معدل الأعمار بين السوريين 20 سنة»، وبأن الحياة الاقتصادية برمّتها تحوّلت إلى اقتصاد رشاوى وأتاوات وأن كبار رجال الأعمال وأصحاب المشاريع فئتان «ترتبطان بشكل أساسي بعائلة الرئيس وكل من أثرى خلال فترة الحرب»، والخلاصة أنه «لا يمكن للواقع أن يستمر دون إعادة بناء الاقتصاد ودون تطوير المنظومة السياسية التي لا بد أن تقوم على نهج شامل وموافقة دولية».
أيّا كانت أسباب الجهات الروسيّة الوازنة التي سمحت بنشر الاستطلاع والانتقادات، كما ساهمت في نشر آخر فضائح العائلة الحاكمة في دمشق، من شراء الأسد لوحة بثلاثين مليون دولار لزوجته أسماء، إلى تلزيم مشروع «البطاقة الذكيّة» لأحد أقارب السيدة الأولى «الأذكياء»، وبغض النظر عن «الشراكة الاستراتيجية» بين النظام وروسيا في قضايا الحرب على السوريين، والفساد المنظم والممنهج، فإن هذه الوقائع، مضافا إليها المحاكمات التي تجرأ بعض السوريين على إطلاقها للنظام في فرنسا وألمانيا، وقانون «قيصر» الأمريكي، تشير إلى موقع النظام السوري «الطبيعي» هو خارج المنظومة الدوليّة بالتأكيد، أما محاولات النظام المصري وقبلها الإماراتي، لـ«بعثه» والتطبيع معه، فليست سوى دليل على طبيعة النظامين نفسيهما، و«الموقع الطبيعي» الذي يجب أن يكونا فيه.
القدس العربي
———————————–
لماذا يتحدّى ظريف كورونا من دمشق؟/ سمير صالحة
ما الذي يدفع وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إلى الظهور أمام الإعلام العالمي بالكمّامات والكفوف، وهو ينزل من الطائرة التي أقلته إلى دمشق، في زيارة اليوم الواحد، (الثلاثاء، 21 إبريل/ نيسان الجاري) على الرغم من كل الاحتياطات والتدابير الصحية وقرارات العزل المنزلي والمسافات الاجتماعية في مواجهة وباء كورونا؟ ليس إقدام رأس الدبلوماسية الإيرانية على خطوة من هذا النوع مغامرة تحد دبلوماسي إيراني للوباء، هي الأولى من نوعها في مسار العلاقات بين الدول والقيادات في العالم منذ أسابيع. وهي أبعد بكثير مما يقال عن هدف بحث العلاقات الثنائية وتطورات الملف السوري والتحضير لقمة ثلاثية إيرانية روسية تركية جديدة لمناقشة مسار الأمور في إدلب، على ضوء الانسداد الحاصل في التفاهمات المنجزة أخيرا بين موسكو وأنقرة. هناك انزعاج وقلق إيراني واضحان من التطورات السياسية والميدانية الجارية في إدلب، والتي بدأت تأخذ منحى جديدا يتعارض مع حسابات طهران ومصالحها في سورية.
يركّز الإعلام الإيراني على تكرار مقولة أن طهران لن تتخلى عن النظام في سورية، بعد كل هذا التنسيق الاستراتيجي الذي بدأ قبل أربعة عقود، ولكن ما يقلق إيران أن يقرّر النظام في دمشق التخلي عنها أمام الضغوط الروسية التي يتعرّض لها عبر تحذيره باحترام الاتفاقيات التركية الروسية بشأن إدلب، وعدم المخاطرة بخرقها لصالح أي قرار إيراني لأنه سيدفع الثمن الباهظ . تأخذ طهران بالاعتبار أيضا احتمالات وجود تفاهمات ثلاثية، تركية روسية أميركية، على حساب تفاهماتها مع أنقرة وموسكو في أستانة، وأن تكون رسائل الكرملين إلى بشار الأسد مرتبطة بالتصعيد الأميركي الأخير ضدها، وإعلان واشنطن عن جهوزيتها لأية مواجهة عسكرية، ردا على أي تصعيد أو تحدّ إيراني إقليمي لها.
تعرف القيادة الإيرانية تماما أن أوراقها ونفوذها في سورية هي المفصل الأهم الذي سيحدّد شكل سياساتها وحساباتها الإقليمية، والتي ستنعكس على مصالحها في العراق ولبنان والخليج. لذلك قرّرت مواصلة إرسال مزيد من مليشياتها وأسلحتها إلى الجبهات في إدلب. قد يكون هدف التحرّك الإيراني في العلن هو الدفاع عن النظام، ولكن الهدف الحقيقي هو الدفاع عن المتبقي بيد طهران من فرص قليلة هناك. انتشار أنباء اقتراب ساعة المواجهة بين المجموعات المتطرفة أو احتمال حدوث تحرّك عسكري تركي روسي مشترك، للقضاء على هذه العناصر سيحرم طهران من فرصة تبرير وجودها على الجبهات في شمال سورية، وهو ما يخيفها اليوم. أنباء أخرى تتحدث عن تمركز وحدات عسكرية تركية جنوب الطريق الدولي أم 4، خطوة لم تتوقعها طهران في إطار التفاهمات التركية الروسية التي يبدو أنها تتقدّم بسرية كاملة. تكرّر دمشق، منذ أيام، أن الاتفاقات بين أنقرة وموسكو لا تلزمها، وهي ستواصل عمليتها العسكرية إذا لم تحصل على ما تريده في إدلب. هي ليست أكثر من مناورة إعلامية إيرانية، لأن النظام يعرف أن إقدامه على تفجير الوضع لصالح طهران سيكون له ارتداداته الروسية والتركية والأميركية التي ستكون مكلفة، ولن يتمكّن من تحمّل نتائجها.
تشعر طهران أنها تفقد تدريجيا معادلة نفوذها في سورية في موازاة النفوذ الروسي هناك، وأن تراجعا يحدث يوما بعد آخر لمقولة أنه بقدر ما يستطيع الكرملين التأثير على بشار الأسد ونظامه مقدورها ومن حقها أن تملك هذه الفرص، وأن هذا التراجع لصالح موسكو. وما يخيف إيران أكثر من غيره سيناريوهات المرحلة الانتقالية في سورية التي يبدو أنها ترسم على حسابها، وستفرض عليها فرضا، وربما هذه هي النقطة الأساسية التي دفعت الوزير ظريف إلى الانتقال سريعا إلى دمشق، لتحذيرها من مغبة الرضوخ لأي سيناريو من هذا النوع.
كان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، يردد في إبريل/ نيسان العام المنصرم أن القرار الأميركي في إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن لائحة المنظمات الإرهابية ليس مفهوما، ومتناقض، ومن شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار في منطقتنا. وقد جاء رد الجميل الإيراني على أنقرة في الأشهر الأخيرة على جبهات إدلب، عندما تقدّمت المليشيات المحسوبة على طهران، لمحاصرة أبراج المراقبة التركية، ونشر مقاطع الفيديو التي تقول إنها تنتظر الأوامر للانقضاض.
قمة تركية روسية إيرانية تبحث التطورات في إدلب لن تغير كثيرا في خطط التفاهمات التركية الروسية بشأن سورية، وتهديدات الرئيس التركي، أردوغان، أخيرا لنظام الأسد بعدم محاولة خرق الهدنة في منطقة خفض التصعيد شمال سورية “سنجعله يدفع الثمن غاليا” رسالة تعني طهران قبل النظام، لأن موسكو تحذّر دمشق من الإقدام على خطوةٍ تريدها طهران بأسرع ما يكون.
ليست مشكلة إيران مع النظام في دمشق، وعليها إذا ما أرادت بحث مصير دورها ونفوذها في سورية مناقشة ذلك مع أنقرة وموسكو بعد الآن، مع الأخذ بالاعتبار وجود التحرّك الأميركي من وراء الستار. محاولة لعب أوراق إنعاش “داعش” في سورية والعراق، أو تقديم الدعم لمسلحي جبهة النصرة للصمود في إدلب، أو التقريب بين حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في سورية والنظام، أو عرض خدمات نقل مقاتلين تابعين للنظام في سورية إلى الجبهات الليبية لدعم خليفة حفتر، أو تحريك خلايا نائمة للقيام بعمليات تهديد وتخويف وابتزاز ضد مصالح تركية روسية أميركية في المنطقة، تلتقي كلها عند منعطف واحد، أن إيران أكثر من قلقة، هي خائفة.
العربي الجديد
——————————-
القاهرة تحاول تعويم الأسد… وشكري يدعو لعودة سوريا إلى «موقعها الطبيعي»/ هبة محمد
عواصم ـ «القدس العربي» ووكالات: بالتزامن مع أول محاكمة بشأن عمليات التعذيب التي اقترفها النظام في سوريا، والتي تبدأ اليوم في ألمانيا، وعلى الرغم من انشغال العالم بفيروس كورونا القاتل وكيفية الحد من انتشاره، تجددت المساعي السياسية بين الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري أمس، فبينما بحث وزير الخارجية المصري سامح شكري، مع المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، سبل دفع جهود إنهاء الصراع وتسوية الأزمة السورية، عقدت أمس جولة جديدة من المباحثات بين أطراف أستانة الخاصة بالملف السوري، عبر تقنية دائرة صوتية مغلقة، استعرض خلالها وزراء خارجية الدول الضامنة، التركي مولود تشاووش أوغلو، والروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، الشأن السوري وآخر تطورات الملف سياسياً وميدانياً، وذلك ضمن مساعٍ واضحة لتفعيل الحضور الإيراني بعد تهميشه في اتفاق 6 آذار/ مارس، المبرم بين تركيا وروسيا، استناداً إلى أن طهران كانت شريكاً في اتفاق مناطق خفض التصعيد شمال غربي سوريا، ولا بد من إشراكها في جزئيات معينة من ملحقاته، تحاشيًا لدور تخريبي إيراني قد يجر المنطقة إلى مواجهة عسكرية بعد تعزيز حشود ميليشياتها المتواصلة في إدلب ومحاولتها دفع النظام السوري لخوض معارك جديدة من أجل استعادة المدينة.
يجري ذلك بالتزامن مع سعي مصري عبر عنه شكري بأن بلاده تعتزم إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي على الساحتين الإقليمية والدولية، واستعادة مقعدها في الجامعة العربية. وبالعودة إلى اتصال شكري ـ بيدرسون فقد جاء ذلك للتباحث بشأن آخر تطورات الأوضاع على الساحة السورية، وفق بيان للخارجية المصرية.
وتطرق الاتصال إلى «التنسيق لدفع جهود التسوية السلمية للأزمة، بما يحفظ وحدة واستقلال سوريا».
وكان شكري اجتمع الثلاثاء، مع مثلي مجموعة القاهرة في هيئة التفاوض السورية المعارضة، لبحث آخر التطورات على الساحة السورية، وسُبل دفع مسار التسوية السياسية، وفق بيان سابق للخارجية المصرية.
وفي محاولة لتعويم نظام بشار الأسد قال شكري إن بلاده تعتزم إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي على الساحتين الإقليمية والدولية. جاء ذلك خلال الاتصال هاتفي بين شكري وبيدرسون. وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ إن «الاتصال يأتي في إطار التنسيق المستمر بين القاهرة والمبعوث الأممي بشأن دفع جهود التسوية السلمية للأزمة السورية».
وأوضح المتحدث المصري أن الوزير شكري «تناول تقييم القاهرة إزاء تطورات الأوضاع في سوريا، مستعرضاً الجهود المصرية المبذولة في سبيل دفع العملية السياسية من خلال عضويتها في المجموعة المصغرة للدول المعنية بهذه العملية، وعبر تواصلها مع المعارضة السورية المعتدلة وعلى رأسها مجموعة القاهرة، وهو الأمر الذي يرتبط أيضاً بضرورة التصدي الحاسم للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والأطراف الإقليمية الداعمة لها».
من جهة أخرى، أكد وزير الخارجية المصري على «ضرورة تضافر كافة الجهود لدعم الشقيقة سوريا في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد»، حسب موقع «روسيا اليوم».
وفي سياق مخالف للتوجهات المصرية والروسية والإيرانية تبدأ في ألمانيا اليوم الخميس أول محاكمة لأعضاء من الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد يشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، منها التعذيب والاعتداء الجنسي.
وأشاد أنصار هذه الخطوة بالإجراءات القضائية بوصفها أول خطوة نحو تحقيق العدالة لآلاف السوريين الذين يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب في منشآت حكومية، وذلك بعد فشل المحاولات التي استهدفت إقامة محكمة دولية بشأن سوريا.
وقال المحامي أنور البني المتخصص بالدفاع عن حقوق الإنسان «الاعتقالات التعسفية والتعذيب هما السلاح الرئيسي الذي استخدمه نظام الأسد لإشاعة الخوف بين السوريين وإخماد مطالبهم بتحقيق الديمقراطية والعدالة».
ويقول البني إنه احتجز في سجن قرب دمشق على يد المشتبه به الرئيسي الذي سيحاكم في مدينة كوبلنز الألمانية. وأضاف «هذه المحاكمة ستكسر حصانة المجرمين في سوريا بدءا من رأس النظام وصولا إلى أصغر مسؤول فيه».
ودأبت الحكومة السورية على نفي الأنباء التي أشارت إلى حدوث عمليات تعذيب وإعدام خارج نطاق القضاء في الصراع الدائر في البلاد، والذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأشخاص. ونفى الأسد نفسه في السابق اتهامات من هذا النوع ضد الأجهزة الأمنية.
———————————-
لماذا زار ظريف دمشق؟: الإعلام الروسي يشن هجوماً على بشار الأسد/ بهية مارديني
يصف متابعون النظام السوري اليوم بمنسق مصالح بعض الدول الكبرى والإقليمية في البلاد وخاصة تلك التي تدخلت لصالحه على مدى سنوات.
وكان لافتاً في الفترة الأخيرة بدء وسائل الاعلام الروسية بانتقاد النظام في سوريا، ورفع وتيرة هذا الانتقاد واعتباره لا يمثل السوريين وأنه لا يمكن أن يكون مفتاح الفترة القادمة.
واختلفت هذه الحملة الأخيرة الممنهجة عن سابقاتها فقد شاركت فيها وسائل اعلام روسية وُصفت بالرصينة وتعبر عن وجهة النظر الرسمية، ورأى البعض هذه الانتقادات في جزء كبير منها، لاجبار النظام على تقديم تنازلات ضد إيران ولصالح روسيا خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار اشتداد الضغط الإسرائيلي الأميركي الدولي على موسكو لتساهم في إخراج طهران من سوريا نهائياً.
ويؤكد محمود حمزة الكاتب والسياسي السوري في تصريح لـ”إيلاف” أن “هذه التقارير الروسية لم تأت من فراغ، و هي تصب في صميم المصلحة الروسية والهدف مزيد من الضغوط على النظام ليتجاوب مع ما تطلبه منه”.
ووصف المقالات والتقارير التي تنشر في وسائل الاعلام الروسية حول سوريا بأنها “تقارير متنوعة تفضح النظام”، ولفت إلى أنها “تحتوي في احداها استبيان يشير الى أن الأسد ليس له شعبية وأن عائلتي الأسد ومخلوف سببا الفساد والدمار الاقتصادي، وفي هذه التقارير لهجة مختلفة عبر استخدام مثلا كلمة الربيع العربي بدل من الإرهابيين”.
وأشار إلى أنّ “بعض المقالات لدبلوماسي روسي سابق يشرح من خلالها الوضع السوري وأن مرحلة السلم لن يتمكن الأسد من قيادتها أبداً وبعض التقارير وصلت الى درجة أن تربط أقرباء الأسد بداعش وانهم على علاقة بالتنظيم ويشترون النفط من عناصره كما جاءت على ذكر شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد وطالته بالانتقاد”.
ويرى متابعون أن الدول المتصارعة في سوريا تعيش أزمات في بلادها لذلك من الصعب اليوم أن نجدها تتفرغ للشأن السوري أو للحل النهائي مما يعزز حالة الجمود التي نراها ولكن إيران تعرف أنها رغم ما تعيشه من مشاكل داخلية أن خروجها من أزماتها يبدأ من تثبيت موقعها في سوريا مما جعل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يسارع إلى زيارد دمشق لطمأنة بشار الأسد بأن الأمور على مايرام.
ويشير حمزة في هذا الصدد إلى إنه من هنا جاءت زيارة ظريف كنوع من القول “نحن معك إذا روسيا تخلت عنك”، ولكن يشدد حمزة في ذات الاطار الى أن “الأسد ليس لديه قرار اليوم، وهو ورقة محروقة يستخدمها حلفاء النظام مما جعل روسيا تفكر في المرحلة المستقبلية، وتنظر بدقة الى الاستحقاقات القادمة وخاصة أن قانون قيصر يكفي لخنق النظام ومعاقبة حلفائه”.
ايلاف
—————————
ظريف في دمشق ومحاولة اعادة التأكيد على الثوابت الإيرانية: تزاحم في الكواليس بين موسكو وطهران على النفوذ في سوريا/ حسن فحص
أثارت زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى العاصمة السورية دمشق ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم تساؤلات عدة لجهة توقيتها والأوضاع التي تمت خلالها، خصوصاً أنها تُعتبر نادرة في الدبلوماسية الدولية في ظل تفشي وباء كورونا الذي عطّل كل النشاطات السياسية والدبلوماسية في جميع أنحاء العالم في الأشهر الأخيرة.
تلافي الانهيار
وبغضّ النظر عن الإطار الذي حددته الخارجية الإيرانية لهذه الزيارة والموزعة على ثلاثة محاور هي التعاون في مواجهة وباء كورونا والعقوبات الأميركية المفروضة على البلدين، والوضع في إدلب والتنسيق حول الاجتماع المرتقب لوزراء خارجية “مسار آستانا” الذي يمهد للقمة على مستوى رؤساء دول هذا المسار (إيران وروسيا وتركيا). إلا أن مؤشرات أخرى قد تكون وراء هذه الزيارة التي خرقت كل الإجراءات الوقائية والآليات التي باتت معتمدة للمشاورات بين المسؤولين حول الأزمات والتطورات الدولية.
وصدرت هذه المؤشرات من شركاء أساسيين في “مسار آستانا”، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تحدث قبل أسابيع عن انهيار المسار الذي انطلق قبل حوالى ثلاث سنوات بهدف البحث في أطر الحل السلمي للأزمة السورية، الأمر الذي يفترض بالطرف الأساس الذي لعب دوراً محورياً في التوصل إلى إطلاق هذا المسار بموازاة “مسار جينيف” الذي أطلقته الأمم المتحدة، أي إيران، العمل على إنقاذ هذا المسار وإعادة التأكيد على الثوابت التي قام عليها.
مؤشرات روسية
كما صدرت مؤشرات عن الجانب الروسي الذي صمت عن سلسلة تقارير ومواقف نُشرت في وسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين، حول الأوضاع السورية الداخلية وما فيها من انتقادات مباشرة للدائرة المقربة واللصيقة بالأسد، إلى حد طال زوجته أسماء وصراع المصالح الاقتصادية الذي تخوضه في مواجهة قريب الأسد وابن خالته رامي مخلوف حول الكثير من الاستثمارات الاستراتيجية.
ولعل أخطر ما عبّرت عنه المؤشرات الروسية، كان ما جاء في استطلاع للرأي أجرته “وكالة الأنباء الفيديرالية” الروسية حول شعبية الأسد، والذي خلص إلى القول إن التأييد والدعم الشعبي للأسد تراجع، وأن 32 في المئة فقط من السوريين يؤيدون ترشحه للانتخابات الرئاسية في عام 2021. كما أن 41 في المئة من المستطلعين يرون أن تصرفات الأسد سلبية، في حين أن 54 في المئة يعارضون إعادة انتخابه.
الدور الإيراني
من جهة أخرى، باتت طهران ترى في ما يجري في إدلب ومحيطها والتصعيد الذي لجأت إليه تركيا عبر إدخال أعداد غير قليلة من جنودها ومعداتهم وآلياتهم إلى مختلف مناطق المحافظة السورية، تعارضاً واضحاً مع الآليات التي قام عليها “مسار آستانا” ومبدأ البحث عن طرق للحل السلمي وخفض التوتر في هذه المنطقة، والبحث عن مخارج تساعد على عودة المنطقة إلى سلطة حكومة دمشق، في إطار ما ترى أنه “تثبيت لمبدأ وحدة الأراضي السورية وخضوعها لسلطة العاصمة وإشرافها”.
وحاولت طهران التمسك بتفاهمات “مسار آستانا”، حتى قبل وبعد الاشتباك الذي حصل بين عناصر “حزب الله” والجيش التركي في محيط مدينة سراقب، والذي اعتبرت طهران أنه جاء نتيجة عمل استفزازي تركي استدعى رداً من طهران وحلفائها، لأنه وقع في منطقة عمليات “الحزب” والنظام السوري من دون التداخل مع منطقة عمليات الجيش التركي وحلفائه السوريين. وسارع الجانب الإيراني إلى تسليم المنطقة فجر يوم الاشتباك إلى الشرطة العسكرية الروسية لقطع الطريق على أي إمكانية لتصعيد الموقف ميدانياً وما قد ينتج منه من تعقيد للأمور. لذلك، فإن موقف الرئيس التركي وحديثه عن “انهيار” مسار آستانا في الوقت الذي فرض انتشار فيروس كورونا تأجيلاً لقمة رؤوساء دول هذا المسار في طهران، قد يدخل في إطار مساعي أنقرة لخلط الأوراق والعودة إلى محاولة فرض أمر واقع مختلِف يعزز حضور تركيا في معادلة الحل السياسي وتضخيم حصتها في الإقليم من البوابة السورية. وقد يكون ذلك الاحتمال قد استدعى استنفاراً إيرانياً، دفع طهران إلى كسر “أعراف كورونا” في التواصل الدبلوماسي والتوجه مباشرةً إلى دمشق لطمأنة الأسد ونظامه بأن طهران لن تتراجع عن دعمها له من جهة، ومن أجل فتح مجالات لحوار غير مباشر بين دمشق وأنقرة للتوصل إلى نقاط مشتركة تساعد على العودة إلى تفعيل “مسار آستانا” للحل في إدلب. وسبق لطهران أن أبدت استعداداها للتوسط بين دمشق وأنقرة خصوصاً بعد التطورات العسكرية في معركة سراقب قبل أشهر.
التحدي الأبرز
ولعل التحدي الأبرز الذي قد تتخوف طهران منه في المرحلة المقبلة، هو أن تتحول المؤشرات التي عبرت عنها وسائل الإعلام الروسية حول الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة إلى واقع في الموقف الروسي الرسمي، يُترجَم بعودة موسكو إلى المربع الأول الذي برز في موقفها الأول من الأزمة السورية، حين رفضت أي عملية تؤدي إلى إسقاط النظام في هذا البلد، لكنها لم تبد تمسكاً باستمرار الأسد في موقعه، كما أنها لا تعارض أن يكمل الأسد مدته الرئاسية التي تنتهي عام 2021 من دون أن تتمسك بحقه في الترشح للانتخابات المقبلة، مع التلميح إلى إمكانية البحث عن بديل له في تلك الانتخابات، الأمر الذي عملت طهران على تعديله باكراً خصوصاً في المباحثات الثنائية بينها وبين موسكو والتي انتهت إلى اتخاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بالتدخل العسكري المباشر في سوريا.
تعديل المواقف
وخاضت طهران حينها مباحثات شاقة مع موسكو لدفعها إلى تعديل موقفها من نقطتين، قبل قرار التدخل العسكري وإطلاق مسار آستانا، وهي الاتفاق على وحدة الأراضي السورية تحت سلطة الحكومة المركزية في دمشق، وإجراء انتخابات رئاسية في عام 2021 يتمتع فيها بشار الأسد بحق الترشح والمشاركة. ويبدو أن التطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً ما تشعر به موسكو من عدم إمكانية وجود تفاهمات أميركية – إيرانية في العراق والمنطقة، فضلاً عن إمكانية أن تعمل طهران على توظيف الانفتاح العربي الآخذ بالتوسع في سياق ترميم علاقاتها العربية، إلى جانب أن التزاحم الحاصل بين روسيا وإيران على موضوع إعادة الإعمار وتقسيم الحصص في المشاريع الاقتصادية في سوريا، قد يدفع موسكو إلى محاولة ابتزاز كل اللاعبين والطامحين إلى تعزيز دورهم وحصتهم على الساحة السورية. فهل بدأت طهران تشعر بوجود مساومات روسية على موقعها في سوريا؟ ولذلك أعادت التأكيد أن وجودها في سوريا جاء “بناءً لطلب الدولة والحكومة الرسمية” والانسحاب من سوريا يأتي بناءً على طلب رسمي بانتهاء الحاجة لذلك؟
—————-
هل ينفجر الخلاف بين موسكو وطهران بسبب سوريا؟/ مشاري الذايدي
لا ريب أن تدخلَ الدب الروسي عام 2015 على الحلبة السورية هو الذي أنقذ نظام الأسد المترنح حينها، والذي أعانته إيران قبل ذلك عبر حرسها الثوري وقاسمها السليماني و{حزب الله» اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، وبعض فلول التيارات الخمينية من الخليج واليمن.
وصل نظام بشار الأسد في لحظات معينة إلى التفكير بحماية دمشق نفسها، بعد وصول القتال إلى بعض أحيائها، مثل حي الميدان التاريخي ومخيم اليرموك الشهير، ناهيك عن أرياف دمشق وغوطتيها.
كان الحديث آنذاك عن إمكانية الانتقال إلى خريطة «سوريا المفيدة»، أي بعبارة أخرى دويلة علوية على الساحل وجبال الساحل، وتضمُّ معها بعض الأقليات وأيضاً السُنة، لكن من النوع «المفيد» أو التابع. ربما بالغ البعض في تخيل هذه السيناريوهات، لكنها على الأقل كانت قيد النقاش العام، بعد تدخل الروس بآلتهم العسكرية الهائلة، ووزنهم الدولي الكبير في مجلس الأمن، وخبرتهم في حروب المدن، وآخر ذلك حروب الشيشان، حيث تم إنقاذ النظام الحاكم في دمشق، واستعاد الكرة منذ ذاك الوقت. لكن بقي سؤال لم يُجبْ عنه، أو تمَّ تأخير الجواب عنه، وهو:
ما حدود التكامل والتعاون والتناغم بين الشاه الإيراني المعمم، والقيصر الروسي الجديد؟!
روسيا دولة قومية علمانية ذات مسحة مسيحية أرثوذكسية، لديها حساسية خاصة تجاه الجماعات الإسلامية، بل ولديها تاريخ متوتر دموي مع إيران نفسها منذ العهود الملكية، بينما إيران الحالية هي نظام ثيوقراطي خرافي به مسحة قومية فارسية متضخمة… فكيف يتم الجمع بينهما؟!
هذا ونحن قد أهملنا تناقض المصالح الجيوسياسية والسياسية في الأرض السورية، وساحلها المغري على البحر الأبيض المتوسط، خاصرة العالم الغربي الجنوبية. لاحظنا مؤخراً ومن خلال ما نشرته بعض وسائل الإعلام الروسية حملات ناقدة لأداء النظام الأسدي، وتوبيخ له على ضعفه وتفريطه في حسن إدارة الأراضي «المحررة»، وعناده في تلقي النصائح، وصعوبة تجدها موسكو في تسويق النظام الأسدي دولياً وإقليمياً، مع تعنت جماعة النظام في المضي خلف الوصفة الروسية.
سارع جواد ظريف، محتال النظام الخميني الإيراني، وهو يضع كمامته على وجهه، إلى دمشق والتقى بشار الأسد، وهو أيضاً مثله متلثم بكمامة «كورونا» في محاولة لطمأنة النظام السوري بتواصل دعم طهران، بعد شكوك حول الموقف الروسي من تطورات ملف الأزمة.
بشار الأسد، هاجم، وفق بيان على حساب الرئاسة السورية على موقع «فيسبوك»، الولايات المتحدة التي «تستمر بنهج فرض العقوبات على الدول، رغم هذه الظروف الإنسانية الاستثنائية»؛ يقصد استمرار العقوبات على طهران مع «كورونا». هل ينفجر الخلاف المؤقت بين موسكو وطهران بسبب الهيمنة على سوريا؟ أم ما زال التحالف «الهجين» ضد واشنطن، هو المتغلب على احترابات الروس والإيرانيين الباطنة في سوريا؟!
نقلا عن الشرق الأوسط
——————————
=========================
تحديث 27 نيسان 2020
———————————–
ما وراء هجوم الإعلام الروسي على الأسد/ حسين عبد العزيز
تظهر هجمات الإعلام الروسي ضد الأسد أن مرحلة روسية جديدة قد تظهر في الأفق.
تعتبر روسيا أن طبيعة النظام عاجزة عن استيعاب أن المرحلة المقبلة تتطلب الانتقال من العسكري إلى السياسي الاقتصادي.
روسيا تعتقد أن استمرار النظام يتطلب منه تنازلات سياسية لا تغير جوهر سلطته أما النظام وإيران فلا يريدان تقديم أية تنازلات.
تخشى روسيا أن استمرار الفساد الاقتصادي المتجذر سيؤدي لانفجار شعبي يطيح كامل المنظومة الحاكمة وعودة الأمور لنقطة الصفر.
* * *
ليست هجمات وسائل الإعلام الروسية تجاه بشار الأسد ومقرّبيه جديدة. فخلال العام الماضي اتسعت المقالات والتقارير التي تهاجمه، ووصلت مقالات لرامي الشاعر، المقرّب من الدوائر السياسية الروسية إلى حد استخدام عبارات لاذعة ضد الأسد، الأمر الذي دفع المستشار الروسي في الملف السوري، فيتالي نعومكين، آنذاك، إلى التساؤل عما إذا كانت تعليقات رامي الشاعر تعبيراً عن موقفه الشخصي، أو رسالة من الكرملين وجهت من خلاله.
زادت في الأيام الماضية حملة وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد: من كشف معلومات عن شرائه لوحة فنية بقيمة 30 مليون دولار، إلى انتقادات السفير الروسي السابق في سورية، ألكسندر أكسينينوك، مروراً بتقرير وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية المملوكة من يفغيني بريغوجين، المعروف باسم “طبّاخ الكرملين” ثم في صحيفة برافدا.
أن تهاجم وسائل إعلام روسية الأسد ومقرّبيه، فهذا يحمل إشارات وترميزات سياسية، ولكن أن تزداد هذه الهجمات في هذا التوقيت، فهذا يعني أن ثمّة استياءً روسيا، بل ربما مخاوف وقلقاً شديدين حيال مستقبل الأوضاع في سورية.
ولافت أن رامي الشاعر، المقرّب من دوائر صنع القرار في موسكو، والمعروف بكتاباته الناقدة للأسد، كتب، قبل أيام، في مقاله في صحيفة “زافترا”، أن الحملات في وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد أخيراً، هي من حيث المضمون والتوقيت من أجل زرع بذور فتنة خبيثة في علاقات روسيا مع النظام السوري.
ولا يستقيم هذا الرأي إطلاقاً مع واقع الحال. فهل يعقل أن تتفق صحيفة “البرافدا” ووكالة الأنباء الفيدرالية الروسية والسفير الروسي معاً على مهاجمة الأسد، وفي توقيت واحد؟ ثم ألا ينطبق هذا الاتهام على مقالته هو نفسه السابقة التي هاجمت الأسد.
في السنوات الأخيرة، جاءت الهجمات الروسية، الرسمية وغير الرسمية، على خلفية مواقف معينة، ففي أثناء زيارة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، موسكو في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2019، نشرت “زافترا” مقالاً للشاعر بعنوان “تجاهل دمشق للقرار 2254 لا يخدم مصالح الشعب السوري”، في إشارة إلى المعوقات التي يضعها النظام أمام اللجنة الدستورية.
وفي 2016 اعتبر المبعوث الروسي إلى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أن تصريحات الأسد عن نيته استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية تسيء إلى الجهود الدبلوماسية المبذولة للتوصل إلى تسوية سلمية.
أما الهجمات الروسية أخيراً، فلم تأتِ كرد فعل على موقف أو تصريح معين من النظام، بقدر ما جاءت تعبيراً عن رؤية استراتيجية ضد منظومة العمل السياسي ـ الاقتصادي للأسد ونظامه!
وهذا تطور مهم، له أسبابه، خصوصا أنه يأتي في ظل تطورين بالغي الأهمية: اقتراب دخول قانون سيزر حيز التنفيذ (يونيو/ حزيران المقبل)، والأزمة الاقتصادية العالمية جرّاء وباء كورونا.
تخشى روسيا من أن يؤدي الاستمرار في سياسة النظام الاقتصادية القائمة على الفساد الممأسس إلى حدوث انفجار شعبي، يطيح كامل المنظومة الحاكمة، مع ما يعنيه ذلك من عودة الأمور إلى النقطة الصفر، وبالتالي فتح المجال مجدّداً أمام التدخلات الإقليمية ـ الدولية التي طالما عملت موسكو على تحجيمها وإضعافها. ويعني هذا السيناريو خسارة استراتيجية هائلة لروسيا، لأنه سيفقدها القدرة على ترتيب الأوضاع في سورية من جديد.
وتعتبر روسيا أن طبيعة منظومة حكم النظام غير قادرة على استيعاب طبيعة المرحلة المقبلة التي تتطلب الانتقال من المرحلة العسكرية إلى مرحلة سياسية اقتصادية.
وما كان مسموحاً به في الأمس لا يجب أن يستمر. وتعتقد أن مواجهة التحديات المقبلة تتطلب إنهاء الفساد الذي يتطلب بدوره تغير استراتيجية الحكم، منعاً لسقوطه.
وما قاله السفير الروسي السابق في سورية ليس عبثاً، “علينا أن نعيد التفكير بمستقبل سورية، وتحديداً في مصير قيادات الحكم، فدمشق ليست مهتمة بإظهار منهج بعيد المدى ومرن، بل تراهن على الحلول العسكرية فقط”.
كذلك إن استمرار النظام في عرقلة الجهود السياسية الدولية يضرّ بالاستراتيجية الروسية التي تعتقد أن الحوار السياسي بين النظام والمعارضة هو الحل، بعيداً عن أية محاولة لإسقاط النظام بالقوة العسكرية أو السياسية.
وبقاء الوضع السوري على ما هو عليه سنوات مقبلة، مع استمرار العقوبات الأميركية ـ الأوروبية، يجرّد روسيا من القدرة السياسية والاقتصادية على إحداث أي خرق سياسي أو إنساني تستطيع بموجبه استثمار انتصاراتها العسكرية.
فضلاً عن ذلك، ثمّة تفاهم روسي/ أميركي، تعيد بموجبه موسكو تأهيل النظام، للانخراط في العملية السياسية وفق الخطوط الدولية المتفق عليها، وعدم تحقيق موسكو ذلك سيجعلها شريكاً ضعيفاً للولايات المتحدة في سورية.
وتضرّ سياسة النظام في بعض المناطق السورية بسمعة روسيا وحضورها، خصوصاً ما يجري في درعا، مع انقلاب النظام على اتفاقات المصالحة التي رعتها روسيا.
وضغوط النظام للاستمرار بشنّ الحملات العسكرية في الشمال الغربي من سورية وشمالها الشرقي تعني أنه في حاجة إلى عدو مستمر لإلهاء الشعب عن الاستحقاقات السياسية والاقتصادية، فيما ترفض روسيا هذه المقاربة، وتعتبر أن مسألة المعارك العسكرية تخضع لاعتباراتٍ تتجاوز ثنائية النظام/ المعارضة.
ولهذا تصرّ موسكو على ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، بدلاً من التوجه إلى فتح معارك عسكرية ستؤثر سلباً بروسيا.
إلى ذلك، تمضي إيران في تعزيز حضورها العسكري والأمني في سورية، وبدعم مباشر من النظام، حيث يتماهى الموقف الإيراني تماماً مع موقف النظام إزاء الحل السياسي، وكلما اقتربت المعارك العسكرية من نهايتها، واقترب مسار التسوية السياسية، برزت التناقضات بين النظام السوري وإيران من جهة وروسيا من جهة أخرى.
لا يعني كل ما تقدّم أن روسيا بصدد التخلي عن النظام السوري، بل تعتقد أن استمرار النظام في الحكم يتطلب منه تنازلات سياسية لا تغير في جوهر سلطته. أما النظام السوري وإيران، فلا يريدان تقديم أية تنازلات، مهما كانت بسيطة. ومع ذلك، تؤشر هجمات وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد على أن مرحلة روسية جديدة قد تظهر في المرحلة المقبلة.
العربي الجديد
———————————-
حميميم الروسية بديل عنجر السورية/ طوني فرنسيس
15 عاماً على انسحاب نظام الأسد من البلد الذي قرر ضمّه وابتلاعه
قبل 15 عاماً جمعت القوات السورية في لبنان عتادها وما تيسّر من حمولة غزوة مديدة، وشحنتها في مركبات مستهلكة، متجهة نحو نقاط الحدود في المصنع والعريضة (عكار) والقاع جنوب حمص.
لم يكن ذلك المشهد لانسحاب قوات حافظ الأسد، (قائدنا إلى الأبد في أدبيات البعث السوري وأجهزته الأمنية والدعائية)، قابلاً للتصوّر قبل أشهر قليلة، فالهيمنة السورية كانت بلغت ذروتها عبر معاهدة أخوّة مفروضة من دون نقاش، أعقبت تكليف، بل استسلام عربي بتواطؤ دولي، لسوريا الأسد بإدارة شؤون لبنان، إثر التوصّل إلى إقرار اتفاق الطائف في خريف 1989.
كانت قوات النظام السوري دخلت لبنان رسمياً، ثم اجتاحته ابتداءً من صيف 1976، لكن التدخل السوري بدأ قبل ذلك. فمنذ انتشار فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في المخيمات والأراضي اللبنانية نهاية ستينيات القرن الماضي، عملت سوريا على تعزيز حضورها ضمن هذه الفصائل، فأنشأت منظمة الصاعقة التي قادها زهير محسن حتى وفاته في الريفيرا الفرنسية، وإلى جانبها جيش التحرير الفلسطيني التابع إلى قيادة الجيش السوري، وعبر هذين التنظيمين توغلت دمشق في لبنان، بوصفها طرفاً فلسطينياً يناضل من أجل حثه على العودة إلى فلسطين عبر الحدود اللبنانية!
بدأت التدخلات هذه تتصاعد منذ عام 1968، ثم في الأحداث التي قادت إلى اتفاق القاهرة، وبعدها في اشتباكات ربيع 1973 بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية. كان الجناح السوري في تلك المنظمات يُكمل تنفيذ قرار قيادته السياسية التي أغلقت الحدود مع لبنان، لإجبار الرئيس الراحل سليمان فرنجية على وقف التصدي للفلسطينيين، وكان في الوقت نفسه يسعى لمحاصرة الجناح الأقوى في منظمة التحرير أي حركة “فتح”، ولم تكن سوريا وحدها في الساحة، فإلى جانبها تحرّك العراق لإنشاء جبهته “العربية للتحرير”، بينما كانت أنظمة وأجهزة أخرى تسجّل خروقات، خصوصاً على مستوى أفراد وتنظيمات.
استقرت سوريا الأسد في لبنان منذ عام 1976 تحت شعار “حماية الثورة الفلسطينية ومن أجل وحدة لبنان واستقلاله وسِلْمه الأهلي وضد التقسيم”، وعلى مدى السنوات اللاحقة جرى تنفيذ نقيض ذلك الشعار على طول الخط: حوَّلت أجهزة الأسد لبنان إلى بؤرة انقسامات وجبهات داخلية مفتوحة، وتحوَّل السياسيون، إلا قلة، إلى خدم في مقر المخابرات في عنجر، بينما اُغتيل آخرون ابتداءً من كمال جنبلاط مروراً ببشير الجميّل وصولاً إلى رينيه معوض وغيرهم من الشخصيات الدينية والسياسية والإعلامية.
وانتهى الزعم بحماية لبنان والمقاومة باجتياح إسرائيلي واسع طرد السوريين إلى نواحي المصنع والبقاع والشمال!
مع ذلك واصل الأسد مهمته في “حماية لبنان والثورة الفلسطينية”! وخلال سنوات الثمانينيات انتهى ما تبقّى من “ثورة فلسطينية” ومن “وحدة واستقلال لبنان”، وبدا استمرار الحروب اللبنانية الصغيرة الممسوكة من موظفي الاستخبارات السورية مشروعاً لا عقلانياً، بحيث باتت غالبية اللبنانيين تبحث عن مخرجٍ بأي ثمن من حريق يومي لا طائل منه.
أمسك الأسد بلبنان ما بعد اتفاق الطائف، وكرّس استمرار ميليشيات حزب الله في أوّل عمليات الخصخصة اللبنانية، فولّاها مسؤولية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بينما فرض على بقية الأحزاب والميليشيات تسليم سلاحها إلى الدولة الناشئة، ووقّع مع لبنان معاهدة أُخوّة ستجعله تابعاً إلى أبد الأبدين (91)، واستشاط غضباً عندما قررت إسرائيل الانسحاب من طرف واحد في عام 2000.
إلا أنّ هذا الانسحاب بالذات وضع نقطة النهاية للهيمنة السورية، فكل الشعارات عن حماية وحدة لبنان في وجه إسرائيل والدفاع عن الثورة الفلسطينية التي سقطت وانتهى أثرها منذ زمن طويل، أصبحت من الماضي السحيق مع إخلاء الجيش الإسرائيلي آخر النقاط المحتلة على امتداد الحدود الجنوبية.
كان استحضار مزارع شبعا المحتلة منذ عام 1967، لتبرير استمرار ميليشيات حزب الله، الطريقة السورية لإبقاء لبنان في مناخ الانقسام والحاجة تالياً إلى الحاكم السوري. إلا أن تدعيم ذلك الحزب في دوره الأمني والعسكري والسياسي لاحقاً، كان يهدف فعلياً إلى حماية الهيمنة السورية من جهة، وإلى ترجمة التحالف السوري الإيراني على مستوى المنطقة بتأثيراته على لبنان وموازين القوى فيه.
استمرّ سلوك سوريا الأسد تجاه لبنان بعد عام 2000 من دون تغيير، وجوبهت دعوات القوى السياسية اللبنانية، وعلى رأسها البطريرك الماروني نصر الله صفير إلى إخلاء لبنان من القوات الأجنبية بمزيد من أعمال القمع، تولاها أتباع دمشق في أجهزة السلطة اللبنانية، وبسعي سوري إلى ملء مؤسسات الدولة الدستورية بالأزلام والأتباع، فأُجريت انتخابات 1992 النيابية رغم مقاطعة نصف اللبنانيين، وأُدخل حزب الله إلى المجلس النيابي، وصار اختيار الأشخاص لكل المواقع الحساسة من اختصاص حافظ الأسد، بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة وصولاً إلى كبار الموظفين، بل إلى مخاتير الأحياء ورؤساء البلديات في المدن والقرى.
عشية فبراير (شباط) 2005، كان الجهاز السوري يحكم لبنان ويدير حياته اليومية بوقاحة كاملة. قرر إبقاء إميل لحود في رئاسة الجمهورية مدة ثلاث سنوات إضافية، وهدد الرافضين بتخريب لبنان على رؤوسهم، وشكّل لهذه الغاية حكومة تنفيذية مطواعة كانت غطاء لجريمة العصر التي ذهب ضحيتها رفيق الحريري في افتتاح لمسلسل قتل قضى على عشرات الشخصيات السياسية والإعلامية، إضافة إلى مواطنين لبنانيين آخرين.
لم يفكّر النظام السوري بالخروج يوماً من لبنان، ولم تشر تدابيره وسياساته منذ بداية السبعينيات إلى أنه يتعامل مع لبنان بلداً مستقلاً. كانت هذه مشكلة حكّام سوريا منذ استقلال البلدين في أربعينيات القرن الماضي. حكّام سوريا “البرجوازيون” اعتبروا لبنان جزءاً من سوريا الغربية، أمّا حكامها من “ثوريي” البعث أصحاب نظرية “أمة عربية واحدة”، فإنهم ورثوا رغبات أسلافهم “الرجعيين”، وذهبوا إلى تنفيذ الضمّ من دون حياء.
ولم يخفِ عبد الحليم خدام أطماع نظامه وتهديده بإلحاق لبنان بسوريا، بينما اكتفى رئيسه حافظ الأسد باختصار طموحاته التوسعية في التعبير “المهذب” عن “شعبٍ واحد في بلدين”. بهذه الروحية مارس النظام السوري سياسته في لبنان حتى لحظة إجباره على الانسحاب في الـ26 من أبريل (نيسان) 2005، بعد شهرين ونيف من اغتيال رفيق الحريري.
تخلّى نظام الأسد مُجبراً عن نفوذه في لبنان لمصلحة حزب الله، ممثل مصالح إيران الأول في “غرب آسيا”، وبعد ست سنوات كان عليه أن يتخلّى عن سلطته على أرضه لمصلحة إيران مباشرة، ومعها ميليشياتها، وفي المقدمة حزب الله.
في الواقع، لا تستبعد التحليلات اليد الإيرانية عن تطورات 2005، واغتيالات لبنان بالتعاون مع الأجهزة السورية، ويذهب البعض إلى تفسير ما جرى بأنه استكمال لمشروع التوسّع الإيراني الذي بدأ مع الغزو الأميركي للعراق، لكن أسسه أُرسيت في التحالف السوري الإيراني في ثمانينيات القرن الماضي (اتفاق الأسد – رفسنجاني 1985)، وترجمت بدايةً في إيصال الحرس الثوري إلى لبنان، وتأسيسه حزب الله بعد الغزو الإسرائيلي في 1982.
توسّع النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا بعد اندلاع الثورة السورية، ويتصرّف الإيرانيون في بلاد الشام اليوم كما تصرّف السوريون في لبنان خلال وجودهم فيه. إلا أنّ التدخل الروسي في 2015 أرسى توازنات جديدة بات لموسكو فيها الأولوية.
باتت حميميم مركزاً لقيادة سوريا، فيه يُجرى التنسيق وتعقد اجتماعات المصالحة، وإليه تتوجه وفود النظام والميليشيات وبشار الأسد يوم استقبله فلاديمير بوتين. وتشبه حميميم اليوم عنجر في الزمن السوري.
ففي عنجر كان الوالي السوري (آخر الولاة رستم غزالي وقبله غازي كنعان) يستقبل الرؤساء والمسؤولين والقادة المسلحين الفلسطينيين والترك الأكراد وجماعة الجيش الأحمر الياباني قبل أن يبيع كل هؤلاء في صفقات واضحة أو غامضة. لم يبقَ ضابط سوري للحديث عنها.
أجبر التحوّل الدولي في صيف 2004 ضد الهيمنة السورية على لبنان ووحدة اللبنانيين على المطالبة بانسحاب سوري تدريجي في مطلع عام 2005. كان يمكن للاحتلال السوري أن يستمر بضع سنوات لو لم يُغتل الحريري، في جريمة أُتهم بها جماعات إيرانية – سورية، لكن القتل سرَّع في انسحاب الأسد وقواته، ليصبح له بعد سنوات عنجرة الخاصة في حميميم الروسية.
——————————-
الأسد وظريف والفيلم الروسي الطويل/ سام منسى
في زمن جائحة كورونا، ومخاطرها الصحية، ارتأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وضع كمامة على وجهه، والقيام بزيارة متعجلة خاطفة إلى دمشق، هي الأولى له منذ عام، حيث التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الخارجية وليد المعلم. وكما حصل إبان زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، بعيد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، أطلقت المخيلة لكثير من الروايات والتحليلات حول مغزى زيارة ظريف وخلفياتها، لتصل معظمها إلى خلاصة تفترض وجود خلاف بين موسكو وطهران. ولم يتوانَ القائلون بها عن توثيقها مستندين إلى مصادر روسية مقربة من وزارة الخارجية أو الكرملين تنتقد بشار الأسد ومن حوله، لا سيما أنه ليس من عادة وسائل الإعلام أو المراكز البحثية الروسية نشر معلومات وتقارير تخالف وجهة النظر الرسمية الروسية.
فهل هناك حقاً خلاف روسي – إيراني؟
الإجابة عن السؤال تفترض بنا النظر إلى سياقات زيارة ظريف من ثلاث زوايا. أولاً: من زاوية السياسة الخارجية الروسية، ونطرح هنا احتمال أن يكون قد حصل مستجدات في الموقف الروسي، أي حدوث أي تطور رئيس فعلي ملموس في المنطقة على المستوى الاستراتيجي دفع -أو يدفع- روسيا إلى حشر الإيرانيين في الزاوية، أو حضّهم على الخروج من سوريا، أو إطاحة الرئيس الأسد، والإتيان بشخصية أخرى ترأس البلاد. فهل وقع مثل هذا التطوّر حقاً؟
في الحقيقة، ومنذ عام 2015 حتى اليوم، لم تتبلور لدى الروس أي صيغة واضحة للحلّ في سوريا، باستثناء التمسك بالنظام السوري، وببشار الأسد رئيساً، والدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية في موعدها، وذلك رغم معرفتهم بحقيقة كواليس دمشق، وما يحيط بأهل النظام وبطانته من فساد وممارسات مافياوية في المال والسياسة معاً. وعلى ما يقال، فهم يراهنون حتى على إمكانية التمديد للأسد، وكل هذا وسط محاولات حلّ حثيثة تحتاج إلى جهد كي نتمكن من وصفها بالجديّة، على غرار سوتشي وآستانة ومحاولات وضع مسودة دستور جديد للدولة السورية.
هذه المحاولات تصبّ في خانة الرغبة الروسية في المحافظة على الستاتيكو القائم، أي إبقاء الأسد رئيساً، ودعم النظام في المناطق التي يحكمها، هذا مع العلم أنه تمّ التوافق، وبشيء من الجدية، مع الأتراك، ما جعل أنقرة مرتاحة على وضعها في سوريا، حتى أنها حوّلت في مواقع عدة مراكز المراقبة إلى شبه قواعد عسكرية، وبدأت بتنظيم الجماعات الإسلامية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها. هذا التسليم الروسي بالدور التركي لا يختلف في الحقيقة عن التسليم الروسي بالدور الإيراني في دمشق، والدور الأميركي في المناطق الشرقية.
وعلينا ألا نغفل أيضاً شبه التفاهم الذي عقدته مع إسرائيل، حيث ينصبّ دورها على توجيه ضربات إلى قوافل السلاح، وبعض القواعد العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني والقوات الموالية للنظام، وليس خفياً في هذا السياق أن موسكو تبدو مرتاحة إلى حدّ ما إلى هذه الصيغة، بخاصة مع تعذّر التوّصل إلى حلّ حاسم جدي للانطلاق بحملة دولية لإعمار سوريا، وإعادة المهجرين التي باتت متعثرة وأكثر صعوبة في ظلّ الظروف الاقتصادية، لا سيما المستجد منها السائد بسبب جائحة كورونا، وعدم قدرة موسكو اقتصادياً على تحمل وزر الهم السوري وحدها. وهنا، لا يجدر التقليل من أهمية معارضة الولايات المتحدة لأي تسوية تتجاهل مصالحها. على الأرجح، يبدو أن موسكو راضية عن ترك الأمور على ما هي عليه، وأقصى ما تهدف إليه، عبر هذه المقالات وغيرها، ابتزاز الأسد والضغط عليه كي لا يخرج عن الخطوط المرسومة له، علماً بأنها قد تكون مستعدة للمساومة عليه، لكنها لم تجد الشاري بعد.
في الخلاصة إذن، ليس هناك من متغيرات أساسية تدفعنا إلى القول إن هناك اختلافاً جذرياً من المنظور الروسي، رغم وجود تباينات بين الحلفاء على الأرض السورية. ويبقى أن الثابت الذي يجمع موسكو وطهران هو مقاومة الوجود الأميركي والحد منه، أو إضعافه في سوريا، وفي المنطقة بعامة، وطبعاً محافظة كل جانب على مصالحه فيها.
ثانياً: من زاوية الموقف الإيراني. رغم كل ما تتعرض له إيران من عقوبات أميركية قاسية، يضاف إليها ما استجدّ من أزمات بسبب جائحة كورونا أضعفت النظام وانتقصت من هيبته، إلى الأوضاع التي يعيشها كلّ من العراق واليمن ولبنان، والتي شكلت هنات في جسم حلفاء إيران وساحات نفوذها في الإقليم، لا يبدو أيضاً أن ثمة مؤشراً واحداً على تغيير أساسي في سياسة إيران ودورها في سوريا أو في لبنان. فقبول إيران مرغمة بترشيح مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة لا يعني أبداً أن ينسحب موقفها المتساهل هذا على سوريا ولبنان، لأنَّ أي تراجع إيراني في هاتين الدولتين، وانكفاء النظام إلى الداخل، سيؤدي إلى اهتزازه، بل ارتفاع فرص سقوطه، وإطلاق مرحلة من الفوضى، ليس في الداخل الإيراني فحسب، بل أيضاً في مناطق نفوذ طهران في الخارج، وتلك القريبة من الحدود مع روسيا، ما قد يشعل المنطقة، وهذا أمر يجزم المتابعون أن موسكو وواشنطن لا ترغبان به، أقله راهناً.
ثالثاً: من زاوية النظام السوري. في الحقيقة، ما يزال النظام يمتلك حيثية قوية متماسكة داخل المناطق التي يسيطر عليها، بحيث يصعب على حليفيه الروسي والإيراني الضغط عليه بشكل كبير. فهذا النظام ذو بنية قوية، رغم كلّ ما تعرّض له خلال سنوات الحرب، وذلك لأسباب وعوامل قد نذكر منها هنا تجذّر الدور الاستخباراتي في الحياة السورية، والخواء الذي أفرغ كل مظاهر الحياة السياسية والمجتمع المدني، والضعف المستفحل للمعارضة المشتتة، والتسامح الغربي المعتاد. وبالتالي، ما يزال النظام يتمتع بالقدرة على الصمود، واللعب على تناقضات الحلفاء متى وجدت، وجعلها تصبُّ في مصلحته.
ولا بدّ في هذا الإطار من الالتفات إلى الجهات التي تُفرحها أخبار التباينات والخلافات بين موسكو وطهران، لنسأل: هل ثمة حقاً فوائد مرجوّة من مثل خلاف كهذا؟ وماذا يمكن أن تحصد القوى المعارضة في الداخل والخارج جراء أي خلاف روسي – إيراني؟ وماذا يعني إخراج الإيرانيين من سوريا بالضبط، وبقاء روسيا؟ وهل الثانية أفضل من الأولى لمستقبل سوريا؟ وهل إطاحة بشار الأسد، والإتيان بعلي المملوك مثلاً على اعتبار أنه دمشقي، أو آخر من شاكلته يكون من تربية هذا النظام، هو الحل الذي تحتاجه سوريا والمنطقة؟
إن خروج الإيرانيين، والقبول بهذا النموذج الروسي، ليس طبعاً الحلّ للأزمة السورية. ونكرر مجدداً أنه من دون انخراط أميركا، استناداً إلى سياسة واضحة للمنطقة برمتها تؤدي إلى تسوية مع موسكو، عبر ضغوط جدية تفضي إلى تسوية للحرب السورية، كما لأوضاع المنطقة برمتها، ستظل سوريا مقسمّة مشعلة، ومصدراً إضافياً لكل عوامل اللااستقرار التي تعجُّ بها منطقتنا.
الشرق الأوسط
—————————–
لهذا السبب بوتين غاضب من بشار الأسد
موسكو- هنري ماير وإيليا أركيبوف:
بدأ صبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينفد إزاء حليفه، رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي لم يثبت امتنانه للبقاء في السلطة بفضل تدخل روسيا في الحرب الأهلية الضارية في سوريا، بالشكل الذي يريده بوتين.
وأفادت وكالة “بلومبرغ” للأنباء بأن بوتين- الذي تعاني بلاده من صدمتي انهيار أسعار النفط وتفشي وباء كورونا المستجد، بالإضافة إلى حرصه على إنهاء مغامرته العسكرية في سوريا بإعلان تحقيق النصر- يصر على أن يظهر الأسد المزيد من المرونة في المحادثات مع المعارضة السورية بشأن التوصل إلى تسوية سياسية لوضع نهاية للصراع المستمر منذ حوالي 10 أعوام، وذلك بحسب ما ذكرته أربعة مصادر مطلعة على مداولات الكرملين في هذا الشأن.
وأثار رفض الأسد التنازل عن أي من صلاحياته مقابل الحصول على مزيد من الاعتراف الدولي، وربما مليارات من الدولارات في شكل مساعدات لإعادة الإعمار، فورات غضب عامة نادرة ضده، من قبل منشورات روسية ذات صلة ببوتين.
وقال الكسندر شوميلين، وهو دبلوماسي روسي سابق يدير “مركز أوروبا والشرق الأوسط” الذي تموله الحكومة في موسكو: “على الكرملين التخلص من الصداع السوري”.
وأضاف: “تتعلق المشكلة بشخص واحد، وهو الأسد، وحاشيته”.
إن غضب بوتين وعناد الأسد، يسلطان الضوء على المعضلة التي تواجهها روسيا، حيث إن الجانبين يعلمان أنه لا يوجد بديل للزعيم السوري من أجل التوصل إلى اتفاق. وفي حين استخدم بوتين تدخله الناجح في سوريا عام 2015 لاستعادة النفوذ الذي تمتعت به بلاه إبان الحقبة السوفيتية كلاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، لجأ الأسد إلى المناورة بين موسكو وداعمه العسكري الرئيسي الآخر، وهي إيران، للإبقاء على قبضته على مقاليد السلطة.
كما استفاد الأسد من قوة روسيا العسكرية والدبلوماسية أمام جهود تركيا لتوسيع وجودها في المناطق المتبقية التي يسيطر عليها المسلحون في شمال سوريا، في الوقت الذي سعى فيه إلى استعادة السيطرة على كامل البلاد، بدعم من بوتين، بحسب تحليل “بلومبرغ”.
** نقد مفتوح
من ناحية أخرى، نفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن يكون بوتين غير راض عن الأسد بسبب رفض الأخير تقديم تنازلات للمعارضة السورية، في إطار التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.
وعلى مدار سنوات، مارست روسيا ضغوطا على الأسد خلف الكواليس، للموافقة على تقديم بعض التنازلات السياسية الرمزية، على الأقل، لكسب تأييد الأمم المتحدة لإعادة انتخابه المتوقعة في عام 2021، ولكن هذه الضغوط لم تؤت ثمارها.
وشكل الانتقاد الروسي الصريح للحليف السوري تغييرا جذريا في نهج موسكو.
ونشر منبر إعلاني مرتبط بـ “يفيجيني بريجوزين”، رجل الاعمال الروسي المقرب من بوتين، والمعروف باسم “طباخ بوتين” لكونه متعهد تقديم طلبات الطعام والضيافة للكرملين، مقالا على الإنترنت هاجم فيه الأسد ووصفه بالفاسد.
كما أشار المقال إلى استطلاع يظهر حصول الأسد على تأييد بنسبة لا تزيد على 32 في المئة، وأدرج عددا من البدائل المحتملة له من داخل النظام السوري ومن المعارضة.
وسرعان ما اختفى المقال الذي كان نشر على الموقع الالكتروني الخاص بوكالة الأنباء الاتحادية. وبعد أيام، نشر مجلس الشؤون الدولية الروسية، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية أسسه الكرملين، تعليقا ينتقد الحكومة في دمشق ويصفها بأنها تحتاج إلى “نهج بعيد النظر ومرن” من أجل إنهاء الصراع.
وفي مقابلة عبر الهاتف، قال الكسندر اكسينيونوك، وهو دبلوماسي روسي سابق ونائب لرئيس مجلس الشؤون الدولية، وهو من قام بكتابة التعليق: “إذا رفض الأسد قبول دستور جديد، فإن النظام السوري سيعرض نفسه لخطر كبير”.
** إشارة قوية
وقال مصدر وثيق الصلة بالكرملين إن المنشورين يرسلان بإشارة قوية للقيادة السورية. وقال مصدر آخر مقرب من الزعيم الروسي إن بوتين يعتبر الأسد شخصية عنيدة خيّبت آماله، وقد استخدم وسائل الإعلام الخاصة ببريجوزين لتوصيل رسالته.
وأوضح المصدر ومسؤول حكومي، إنه لا يزال من غير الممكن التخلي عن الرئيس السوري، لأنه لا يوجد حليف آخر مناسب في سوريا.
ولم يصدر رد فعل رسمي من جانب دمشق، ولم تتطرق الصحف السورية، التي تسيطر الدولة عليها جميعا، إلى الانتقادات الروسية.
ولم يرد سفير سوريا لدى موسكو، رياض حداد، على طلب للتعليق.
وقال اكسينيونوك، إن المحادثات التي تتم في جنيف بقيادة الأمم المتحدة، لإعادة صياغة الدستور السوري وإدخال بعض المنافسة السياسية، بدأت أواخر العام الماضي، وسرعان ما وصلت إلى طريق مسدود عندما قام الجانب الحكومي “بإفساد (المفاوضات) عن عمد”.
وقال جير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، أمام مجلس الأمن في 20 من كانون أول/ ديسمبر الماضي، إن الجولة الثانية من المفاوضات فشلت لأن معارضي الأسد كانوا يرغبون في البدء في مناقشة الأمور الدستورية، وهو ما رفضه مسؤولو الحكومة السورية.
وأوضح دبلوماسي معن بمتابعة الشأن السوري، أن تحذيرات موسكو تعكس حجم الإحباط داخل مجتمع الأعمال في روسيا، من الفشل في دخول الاقتصاد السوري.
كما أشار إلى أن روسيا تدرك أيضا مدى صعوبة الوضع في البلاد، في ظل فشل الأسد في توفير السلع الأساسية بسبب تفشي وباء كورونا، بالإضافة إلى مشكلة الشبكات الفاسدة التي تخاطر بنوع ما من التمرد في مناطق معينة مستقبلا.
** الأسد “العنيد”
وبحسب ايرينا زفيياجيلسكايا، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في “معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية” الذي تديره الحكومة الروسية، فإن موسكو، التي تمتلك منشأة بحرية وقاعدة جوية في سوريا، والتي أرسلت شرطة عسكرية لتسيير دوريات في المناطق التي كان يسيطر عليها المسلحون من قبل، وفي وصلات الطرق الرئيسية، لديها بعض النفوذ، ولكنها ستخاطر بالكثير إذا حاولت الإطاحة بالأسد.
(د ب أ)
إنهيار المملكة الأسدية/ عمر قدور
مرت قبل يومين ذكرى مرور عقد ونصف على انسحاب قوات الأسد من لبنان، من دون أن يتوقف لبنانيون وسوريون عند هذا الحدث الذي اجتمع لاعبون على محاولات إفراغه من معناه طوال المدة المنقضية عليه. المرور الباهت للذكرى يشرحه حال الطرفين؛ ما يلوح من انهيار وشيك لأسس النظام اللبناني مع السيطرة المطلقة للمحور الإيراني عليه، ووقوع الأسد تحت الوصاية الروسية-الإيرانية في ما يُرجَّح أن يكون المحطة الأخيرة للأسدية.
صحيح أن الثورة السورية أجهزت على الأسدية، وأوصلتها إلى درك الإذلال الحالي، إلا أن تأريخ الأسدية لا بد من توقفه عند محطتين أساسيتين، الأولى دخول قوات الأسد إلى لبنان عام 1976، والثانية خروجها عام 2005. لقد بُنيت المملكة الأسدية كما نعرفها بين هذين التاريخين، ولعلنا لا نبالغ بالقول أنها بُنيت بدءاً من الخارج، وهذا قد يفسّر دور الأخير الحريص على عدم سقوطها في السنوات التي أعقبت الثورة، من دون الدخول في نظريات المؤامرة التي تعتبر انقلاب حافظ الأسد 1970 أتى بدعم قوي من الخارج.
هناك محطة أسبق من انقلابه فيها مؤشر على فهمٍ لدى الأسد الأب يتمايز به عن زملائه في الحكم، حين اتخذ موقفاً متحفظاً من التدخل لصالح الفلسطينيين ضد ملك الأردن فيما عُرف بأحداث أيلول الأسود، ولم يدعم حينها بالطيران القوات التي توجهت لدعمهم بطلب من الرئيس نور الدين الأتاسي. واحدة من الإشارات التي سيرسلها بعد انقلابه مباشرة هي سحب تلك القوات من الحدود الأردنية، وكانت بمثابة مؤشر عن سياسته الخارجية إلى ما كان زملاؤه السابقون يعتبرونه حلفاً رجعياً، وإلى داعمي ذلك الحلف. وإذا أتت حرب تشرين 1973 لتمنحه شرعية داخلية ما، فإنها مع حرب الاستنزاف والمفاوضات التي تلت كانت المدخل لصلات خارجية ستُستثمر بمجرد أن تخدمها الظروف في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.
كان حافظ الأسد قد سعى داخلياً إلى تعميم الانطباع بأنه أكثر انفتاحاً، وأقل مبدئية، من زملائه الذين انقلب عليهم. وفي الوقت الذي كان فيه يحكم سيطرته على الجيش والمخابرات، لم يُسجّل له سلوك قمعي بارز حتى لحظة دخوله إلى لبنان سوى التنكيل بمن انقلب عليهم. لقد بدأ الاعتقال والترهيب بأولئك الذين انتقدوا تدخل قواته في لبنان، وجلّهم من اليسار أو القوميين، لينتهي باعتقال وترهيب الجميع مستغلاً المواجهة مع الإخوان المسلمين.
بدءاً من عام 1976، في وسعنا القول أن حكم الأسد اتجه ليصبح خارجياً، بمعنى تجاوزه مرحلة الاكتراث بالداخل السوري وحساباته، بعدما انخرط في حسابات دولية وإقليمية رأى فيها سنداً كافياً لحكمه. من البوابة اللبنانية، نال الأسد أهم هدية أمريكية بالموافقة على دخول قواته، بخلاف موقف “الصديق” الروسي آنذاك، ومن هذه البوابة سيكون اللاعب الذي لا بد من التحاور معه والأخذ بمصالحه غربياً وخليجياً، وربما الأهم إسرائيلياً.
سينبري معجبون أو أبواق للأسد بالإشادة بالنقلة التي حدثت؛ من سوريا كبلد منشغل بصراعاته الداخلية إلى بلد له حضور إقليمي يؤخذ في الحسبان. هذه الصورة الشكلية ستستمد تفاهتها أولاً من تصوير الصراع الداخلي السوري كشرّ تم التخلص منه، بدل رؤيته دليلاً على الحراك المجتمعي، وعلى الضد من الموات الذي راحت الأسدية تكرسه. وهي تستمد تفاهتها تالياً من احتساب النفوذ الأسدي لصالح سوريا، وتجاهل حقيقة أن الوصاية على لبنان كانت طوال الوقت على حساب السوريين أيضاً. إن القبول الدولي والإقليمي بنفوذ الأسد ومن ثم وصايته على لبنان تضمّن حكماً الإقرار بهيمنته المطلقة على الداخل السوري، وأن أية قوة معارضة له في الداخل لن تلقى مساعدة خارجية من قوى دولية مؤثرة.
لقد اعتاد جزء من اليسار السوري على الأقل على اعتبار المواجهة مع الإخوان تاريخاً فاصلاً للأسدية، وهي فكرة أخذت في ما بعد حيزاً لا بأس به من الشيوع خارج دائرة اليسار، بموجبها صارت الأسدية قمعية بعد المواجهة، أو استغلتها لتحكم قبضتها المخابراتية على المجتمع السوري. هذا التشخيص كان دائماً قليل الانتباه إلى تأثير الوصاية الأسدية على لبنان سورياً، وكان على الدوام مكملاً لعدم اكتراث عموم السوريين بتلك الوصاية وممارسات رموزها العسكرية والمخابراتية، إن لم نقل أنها كانت تحظى بقبول ضمني لدى قسم من السوريين، أو تؤخذ على سبيل الطرافة لدى قسم آخر لا يرى فيها مرآة لوضعه.
في دلالة على التأثيرات المتبادلة، حاول بشار إثر انسحاب قواته من لبنان استنهاض مزاج سوري مقابل للحس الوطني الاستقلالي الناهض، وبخلاف الشعارات البعثية التقليدية التي تنكر ما هو “قطري”. لكن محاولته لا تشبه الانفتاح الذي أبداه الأب على الداخل في سنوات حكمه قبل تدخله في لبنان، وسرعان ما سينكشف زيفها مع خطابه الذي ألقاه غداة حرب تموز 2006، وفيه أبدى منتهى الوضوح لجهة انضوائه في المحور الإيراني. المسألة لم تعد ضمن لعبة محاور إقليمية، أو ضمن مساومات خارجية عُرفت بها الأسدية طوال ثلاثة عقود سابقة، هي في الوقوع التام تحت الوصاية الإيرانية كخيار اضطراري لمملكة نشأت وتحكمت بموجب توسعها وصِلاتها الخارجية، ولا تجد ضمانة لبقائها بعيداً عن خارج تستقوي به.
خلال ثلاثة عقود، كان لبنان درة التاج الأسدي، ومن الصعب تصوّر مسار للأسدية شبيه بما حصل لو بقيت ضمن الحدود السورية فحسب. على ذلك أيضاً يمكن قراءة الغيظ الأسدي من انسحاب إسرائيل الأحادي من الجنوب اللبناني، لأنه كان يسحب من رصيد الوصاية الأسدية وذرائعها، مثلما ينسحب من التشابك السابق بين الطرفين وما يترتب عليه من قنوات تفاوض، ولا عجب في أن كان أول تعبير عن الغيظ وصف الانسحاب الإسرائيلي بالمؤامرة! للحق، حاول المايسترو الإيراني الحفاظ على ماء وجه الأسد بعد إرغام قواته على الانسحاب من لبنان، لكن مركز الثقل الفعلي للمحور الإيراني سينكشف بوضوح تام مع الثورة السورية، عندما سيتقدم الأصلاء لإنقاذ الوكيل.
ثمة ما هو مشترك بين أيام “عزّ” الوصاية الأسدية على لبنان واليوم، هو بقاؤها بغنى عن أية شرعية داخلية، لكن مع تدنيها من لاعب صاحب قرار إلى تابع. سيرة الصعود والتوسع على حساب الداخل ليست إنجازاً أسدياً غير مسبوق، فقد شهدت المنطقة عبر تاريخها نماذج مشابهة لم يتعظ الطامحون الجدد من انهياراتها.
المدن
صراع الأسد-مخلوف:حجز شركات الاتصالات والنفط؟/ مصطفى محمد
يبدو أن المعركة بين أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وآل مخلوف، لن تتوقف حتى تحقق الأسد طموحاتها الاقتصادية، ولو كان على حساب انقطاع العلاقة نهائياً مع آل مخلوف الذين سيطروا لسنوات على الاقتصاد السوري.
وفي آخر فصول المعركة، أنذرت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”، شركتي الاتصالات الخلوية “سيريتيل” و”MTN”، العاملتين في سوريا، والمملوكتين لرجل الأعمال القريب من آل الأسد، رامي مخلوف، بضرورة دفع المستحقات للخزينة تحت طائلة “اتخاذ الإجراءات القانونية” بحقهما.
وجاء في الخبر الذي نشرته وكالة أنباء النظام (سانا)، أن الهيئة ابلغت شركات الخلوي وحددت موعداً نهائيا ينتهي بتاريخ 5-5-2020 للامتثال لقرار مجلس المفوضين المتضمن اعتماد نتائج عمل اللجنة المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1700 تاريخ 19-9-2019 والتي خلصت إلى وجود مبالغ مستحقة لخزينة الدولة تبلغ 233.8 مليار ليرة سورية (نحو183 مليون دولار أميركي) وذلك لإعادة التوازن إلى الترخيص الممنوح لكلا الشركتين.
وأضافت الوكالة أنه في حال عدم الالتزام بالسداد ضمن المهلة المحددة ستقوم الهيئة باتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لضمان حقوق الخزينة العامة.
ولا يصعب التكهن بأن الخطوة الأخيرة تأتي رداً من أسماء الأسد، على تسريب آل مخلوف فضائح اقتصادية للإعلام الروسي، منها فضح آلية عمل شركة “تكامل” المستحوذة على سوق ما يعرف ب”البطاقة الذكية” المملوكة لقريبها، وكذلك شراءها لوحة فنية بملايين الدولارات، في الوقت الذي تعاني فيه سوريا من زيادة معدلات الفقر، إلى معدلات غير مسبوقة.
فعل ورد فعل
الباحث بالشأن الاقتصادي السوري، يونس الكريم، قال ل”المدن”، إن استهداف شركات الاتصال من قبل أسماء الأسد، وهي الشركات التي تشكل أهمية اقتصادية ورمزية لرامي مخلوف، كونها البوابة التي دخل فيها عالم المال والأعمال، يعبر عن ضراوة الصراع بين الجانبين، مشيراً إلى قيام النظام السوري قبل أيام بالحجز لشركة “آبار بتروليوم سيرفيس” المسجلة في بيروت، التي تعمل في صفقات نقل الوقود والمواد النفطية، المملوكة لرامي مخلوف أيضاً.
وأَضاف أن وضع النظام يده على شركتي الاتصالات أو التهديد بذلك، يأتي في إطار الردود على فعل تسريب مخلوف الفضائح الاقتصادية المتعلقة بشركة “تكامل” وكذلك باللوحة الفنية بقيمة 30 مليون دولار، التي اشتراها الرئيس وأهداها لزوجته أسماء الأسد.
وما يثير اهتمام الكريم هو الرقم المبالغ فيه، الذي يتحدث عنه النظام (نحو 183 مليون دولار أميركي)، وقال: “من الواضح أن الرقم مبالغ فيه ومضخم، وذلك لزيادة الضغط على رامي مخلوف”.
ويبدو أن الخطوة الأخيرة تأتي استكمالا لمخطط أسماء الأسد للسيطرة على شركتي الاتصالات، خصوصاً وأن أهميتهما تنبع من كونهما أحد أهم مصادر السيولة النقدية لجميع مرافق الدولة، وفق الكريم الذي أضاف أن “شركات الاتصالات مسؤولة تقريباً عن تأمين السيولة النقدية لكل مؤسسات الدولة، إذ من شأن رفض مخلوف تزويد النظام بالسيولة النقدية زيادة معاناة مؤسسات النظام، لأن الشركتين تعتبران آلة لتدوير السيولة النقدية في مناطق سيطرة النظام، التي تحدد غالباً سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية”.
أسماء جديدة إلى الواجهة
وفي السياق، كشفت مصادر إعلامية موالية للنظام، عن تأسيس حاكم مصرف سوريا المركزي الأسبق، أديب ميالة، شركة للاستشارات المالية بقيمة عشرة ملايين ليرة سورية.
وبعيداً عن رأس مال الشركة المتواضع الذي لا يتجاوز ال10 آلاف دولار أميركي، تشي الخطوة بأصابع خفية لأسماء الأسد، وراء تأسيس الشركة التي تحمل اسم “إيكونوموس للاستشارات المالية” ذات الشخص الواحد محدودة المسؤولية في دمشق.
وبحسب تقديرات اقتصادية، فإن أسماء الأسد، تعد العدة لصعود شخصيات جديدة إلى الواجهة، لتحل مكان رامي مخلوف.
المدن
————————–
خطة رسمية روسية لسوريا:تنحية الاسد وحكومة إنتقالية
أصدر “المجلس الروسي للشؤون الدولية” تحليلاً عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سوريا، تنبأ فيه بتوافق تركي أميركي روسي إيراني على تنحية رئيس النظام السوري بشار الأسد ووقف إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام وقوات سوريا الديموقراطية (قسد).
وتطرَق التقرير الى إعلان منظمة روسية تطلق على نفسها اسم “صندوق حماية القيم الوطنية” مقربة من الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس فلادمير بوتين، إجراء استطلاع للرأي العام في سوريا، مشيراً الى أنه بغض النظر عن مطابقة الاستطلاع للمعايير المهنية من عدمه، فإن الرسالة السياسية من إعلانه، والتي تضمنتها نتائجه، كانت غاية في الوضوح: “الشعب السوري لا يريد الأسد”.
وأضاف التقرير أن موسكو “حرصت منذ بداية تدخلها العسكري في سوريا، على الابتعاد عن تصوير نفسها مدافعة عن مصير الأسد، تارة من خلال إعلانها أن هدف تدخلها إنما جاء لإنقاذ مؤسسات الدولة السورية، وتارة أخرى من خلال تصريحات مسؤولين روس كانوا على الدوام حريصين في المؤتمرات الدولية الخاصة بسوريا، جنيف وأستانة وغيرها، على القول بأن الشعب السوري هو من سيقرر بقاء الأسد من عدمه”.
وأشار إلى أن روسيا في الآونة الأخيرة أكثر جدية في إحداث تغيير في رأس النظام السوري، لأسباب عديدة، ليس أولها أن الاحتفاظ بورقة الأسد بات يثقل كاهل موسكو. بل تحوّل النظام من مؤسسات دولة تتبع لجهاز مركزي، إلى مؤسسات مرتبطة بميليشيات تديرها دول وقوى خارجية، ولا تتلقى أوامرها حتى من بشار الأسد نفسه الذي بات خاضعاً في قراراته لابتزاز تلك الميليشيات.
واعتبر التقرير أن جهود الروس في إصلاح جيش النظام باءت بالفشل، بسبب حجم الفساد المستشري في جميع مؤسسات النظام، مما جعل منه شريكاً عاطلاً لا يقوم بأي دور، ولا يعول عليه في مهمة، مقابل ثمن اقتصادي وسياسي ثقيل، كلف موسكو استخدام حق النقض “الفيتو” 12 مرة.
وهناك خشية فعلية لدى موسكو من سقوط النظام تلقائياً، بسبب إفلاسه على كافة الأصعدة، وقد تؤدي هزة بحجم جائحة كورونا إلى انهياره في ظل عجز روسيا وإيران عن إنقاذه اقتصادياً.
ولفت التقرير الى خطر آخر يؤرق موسكو، يتمثل بالخوف من سطوة وسيطرة أسماء الأخرس (زوجة بشار الأسد)، التي باتت تشكل مركز ثقل حقيقي داخل النظام، وأصبحت قوة تملك ظهيراً خارجياً وبعداً دولياً، حيث تحمل أسماء ووالدها وعائلتها الجنسية البريطانية، مما يجعل مهمة الروس في دمشق غاية في الصعوبة، وقد يفقدوا جميع مكاسبهم في سوريا خلال فترة قصيرة.
وشدد التقرير على أن روسيا لم تكن يوماً مُصرّة على بقاء بشار الأسد، بل بعثت برسائل كثيرة، من خلال تسريبات أظهرت الأخير في حالات مهينة، كإستدعائه إلى موسكو بطائرة عسكرية، واستقباله كموظف عادي دون أي اعتبار له كرئيس دولة.
أيضاً منع الضابط الروسي في قاعدة “حميميم” بشار الأسد من التقدم باتجاه الرئيس بوتين، ودخل وزير الدفاع الروسي قصر الأسد دون علم الأخير بالزيارة أصلاً، وحوادث أخرى سربها الروس أنفسهم، للتدليل على استعدادهم للتخلي رأساً عن الأسد، من خلال صفقة مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة بالموضوع السوري.
واعتبر أن الروس كانوا يرون في مسألة المصالحات خطوة استراتيجية مهمة نجحوا فيها، وكان بالإمكان البناء عليها وتعميمها في جميع أنحاء سوريا، حيث كانوا يعولون على النظام في إدارة ملف مناطق المصالحات بطريقة أكثر نجاعة، وبأسلوب يكفل إعادة تلك المناطق للنظام. لكن حصل عكس ذلك، إذ لا تزال حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن سيدة الموقف في تلك المناطق التي تدار بطريقة مليشياوية صرفة.
ورأى أن خلاصة المشهد السياسي العام تشير إلى استياء غير محدود من بشار الأسد ونظامه، فالمقالات والتقارير الصحافية واستطلاعات الرأي، تشير إلى شك روسي بأن الأسد ليس فقط غير قادر على الاستمرار في حكم سوريا، بل إنه يسير بموسكو خطوة بخطوة نحو السيناريو الأفغاني المؤرق لها.
وبحسب التقرير، فاجأت زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مؤخراً، لدمشق، جميع المراقبين والمتابعين للشأن السوري باعتبار أنه من الصعوبة بمكان تخمين السبب الذي دفع النظامين السوري والإيراني لكسر الإجراءات الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، من أجل تحقيق لقاء وجاهي فيزيائي يقف فيه الأسد وظريف وقفة فريدة غير معهودة في الآونة الأخيرة.
وأشار إلى أن حرص الطرفين أو أحدهما على اللقاء الفيزيائي له أسبابه المجبرة، حيث لم تكن الاستعاضة عنه بنوع من اللقاءات الافتراضية ممكنة، في ظل رقابة صارمة مؤكدة تشمل جميع وسائل التواصل على اختلاف تقنياتها.
وقال التقرير إنه مما لا شك فيه أن سبب الزيارة هو غير ما أعلنته الرواية الإيرانية عن دراسة العلاقات الثنائية، والتطورات الإقليمية، وآخر المستجدات في الساحة الدولية، إذ من الواضح أن ثمة أمراً بين الطرفين لا يريد كلاهما أو أحدهما اطلاع الطرف الروسي عليه.
وشدد التقرير على أن ثمة تضاداً استراتيجياً وتعارضاً في المصالح بين روسيا وإيران في سوريا، فبينما تسعى موسكو إلى تحقيق نوع من الاستقرار في سوريا بعد عجزها عن الحسم العسكري، تقف طهران على النقيض من ذلك. إذ “لا مصلحة لطهران التي تعاني من حصار أميركي خانق في حصول استقرار ليس في سوريا وحدها بل في عموم المنطقة، لأنها تراها ساحة مواجهة مع واشنطن”.
وبينما تبدي موسكو استعدادها لمقايضة رأس الأسد باتفاق يضمن مصالحها في سوريا، تبدو طهران مستعدة للتضحية بآخر سوري من أجل بقاء الأسد في السلطة. أما الأمر الآخر الذي يقلق الأسد وطهران على السواء، فهو تداعيات جائحة كورونا، بعبئها الطبي والاقتصادي.
وشدد التقرير على أن ما يجمع طهران ودمشق خشية الطرفين من اتفاق تركي-روسي يحظى بمباركة أميركية وهذا ما يقلق طهران بالدرجة الأولى، ويبرر ما حاولا فعله بشتى الوسائل، لإفشال الاتفاق التركي الروسي حول إدلب، ما اضطر موسكو لإرسال وزير الدفاع سيرغي شويغو إلى دمشق، كي يحذر النظام من مغبة إفشال اتفاق وقف إطلاق النار.
وكشف التقرير أن موسكو تعمل على توليفة تجمع بين خيارين في غاية الصعوبة والتعقيد، أولهما: “أن تقبل القوى الموجودة على الساحة السورية بمناطق نفوذ بعضها البعض، وتبقى سوريا منقسمة على هذا الأساس إلى ثلاث مناطق للنفوذ والسيطرة.. الأولى تحت حماية طهران وموسكو، والثانية منطقة سيطرة المعارضة السورية بدعم من أنقرة، والثالثة منطقة شرق الفرات التي تقع تحت سيطرة واشنطن وميليشيات قسد”.
أما السيناريو أو الخيار الثاني، فيقضي بانسحاب كامل لجميع القوات الأجنبية، وتوحيد البلاد بعد تحقيق تحول سياسي يستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، ما يعني تنحي الأسد ووقف إطلاق النار بشكل تام على مستوى سوريا.
وأوضح أنه لا شك بأن هذا الخيار أقل تكلفة لجميع الأطراف، فهو يقوم وفق الرؤية الروسية على حلول وسط للهدف المشترك وهو وحدة أراضي سوريا، على عكس الخيار الأول “المحفوف بالمخاطر”. كما أنه يحقق رغبة الجانب الأميركي الذي يريد فترة استقرار في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة له، ويخدم هدفه الأساسي المتمثل في إبعاد إيران، وإبقاء الوضع على ما كان عليه قبل عام 2011.
وخلص التقرير إلى أنه بمقدور موسكو صياغة توافقات مع الأطراف الفاعلة تتضمن الجانب التركي أيضاً، فأنقرة أعلنت مبكراً رغبتها في رحيل الأسد، وكان لها خط أحمر بشأن وحدات حماية الشعب الكردية، فإذا ضمنت موسكو إبعاد تلك الميليشيات وإخراجها إلى ما بعد خط 32 كيلومتر حسب اتفاق “سوتشي”، فلن تعترض أنقرة على مثل هذا السيناريو.
—————————————
روسيا وصعوبات إزاحة الأسد/ بسام مقداد
كثيرون استبشروا خيراً بالحملة ، التي شنها “طباخ” بوتين على فساد النظام السوري ، ونشأت عند الكثيرين آمال كبيرة ، بأن يكون الكرملين قد “اكتشف” ، ولو متأخراً ، فساد هذا النظام ، ورفض غالبية السوريين للتجديد للأسد في الإنتخابات الرئاسية القادمة. لكن ، وكما أشرنا في المقالة السابقة ، نأت أجهزة إعلام الكرملين بنفسها كلياً عن هذه الحملة ، التي تكاد تكون قد اقتصرت على المواقع الإعلامية التابعة لهذا “الطباخ” لاسيما “وكالة الأنباء الفيدرالية” ، التي نشرت التقارير الثلاثة الأولى حول فساد رئيس وزراء النظام والعائلة الحاكمة وامتداداتها. صمت أجهزة الإعلام الرسمية هذه عن الحملة المذكورة ، ليس عائداً بالتأكيد إلى محاولة تكذيبها للحملة تلك ، بل هي أدرى من “الطباخ” ومرتزقته بهذا الفساد . وبمناسبة عودة الحديث مجدداً عن الجريمة المروعة لهؤلاء المرتزقة بحق أحد السوريين العام 2017 ( تحدثت عنها “المدن” ، حين تم الكشف عنها الخريف الماضي) ، نشرت صحيفة الكرملين “vz” منذ أيام شريط فيديو ، تحدثت فيه عن الفساد في جيش النظام السوري ، ووصفته بانه عبارة عن تكتل من وحدات متفرقة ، يتبنى كلاً منها أحد الأوليغارشيين السوريين ، وتنضوي شكلياً تحت قيادة موحدة .
صمت أجهزة إعلام الكرملين عن حملة “الطباخ” تلك، يماثل صمته شبه المطبق حيال الحملة الدائرة هذه الأيام في المواقع الإعلامية وكبريات صحف العالم ، حول المحاكمات في ألمانيا لعقيد سابق ومعاونه في أجهزة مخابرات النظام السوري ، وجهت لهما لائحة من 58 تهمة تعذيب وقتل وإغتصاب ، وقد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد للعقيد و15 عاماً لمعاونه ، وفق شبكة BBC الناطقة بالروسية . ففي حين توجد في المواقع الروسية المغمورة والإقليمية أنباء هذه المحاكمات، من دون تعليق يذكر، لا تجد في مواقع الكرملين وفي الصحف المركزية والمعارضة الليبرالية ، حتى ذكر النبأ (أقله حتى اليوم). ولا يتضمن موقع العملاق الإعلامي نوفوستي ( مع مفتاح البحث إسم العقيد أنور رسلان) سوى نص موجز يعود تاريخه إلى أواخر السنة الماضية ، ينفي فيه الأسد وجود عمليات تعذيب في أقبية معتقلاته .
قد تكون صحيفة الكرملين الموقع الوحيد ، الذي تفرد بنشر نص موجز ، جعل فيه المانيا تحاكم سوريا بأسرها ، وليس ممثلي النظام ، حيث عنون النص بالقول “ألمانيا بدأت “محكمة نورنبرغ” لسوريا” . واستنكرت الصحيفة بشدة تشبيه “نيويورك تايمز” وسواها من الصحف الغربية محاكمات ألمانيا بمحكمة لاهاي الجنائية الدولية و”محكمة نورنبرغ” الشهيرة العام 1945، التي اختتمت الحرب العالمية الثانية بمحاكمة قادة ألمانيا النازية، وتنفيد حكم الإعدام بحق غالبيتهم. ويتميز الكرملين عن سواه من أطراف المحكمة ، بتفاخره ب”محكمة نورنبرغ” (يعتبر أنها أنشئت بمبادرة من وزير خارجية ستالين، مولوتوف) ، لأنها تشكل جزءاً مكوناً من النصر على النازية ، الذي يعتبره الكرملين أحد أبرز عناوين عقيدته القومية ” patriotism” (حب الوطن) ، التي تعمل ماكينة البروباغندا الرسمية على التصوير للروس ، بأنهم يتميزون عن سائر الشعوب بفائض وطنيتهم . ولهذا أثارت مقارنة محاكمات ألمانيا الجارية ب”محكمة نورنبرغ” إستياء صحيفة الكرملين الشديد ، وأوردت عدداً من الحجج ، التي لا تجيز مثل هذه المقارنة .
توقعت الصحيفة أن تكون هذه المحاكمات ، هي الأهم بالنسبة للعدالة الغربية منذ مطلع القرن الحالي ، لكنها تستنكر مقارنة المتهمين السوريين بالرئيس اليوغوسلافي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش، وبالمسؤولين عن الإبادة الجماعية في رواندا ، ولا مانع لديها من مقارنة هذه المحاكمات محكمة لاهاي الجنائية الدولية ، لكن ليس ب”محكمة نورنبرغ” . وتنقل عن “دويتشه فيله” قولها ، بأن المحكمة تقع على بعد آلاف الكيلومترات من موقع الجريمة ، وسوف تقاضي أولئك ، الذين استخدموا التعذيب الذي لا يطاق بحق أشخاص ، بهدف واحد لا غير ، هو أن يبقى بشار الأسد في السلطة . وتنقل عن ستيفاني بوك ، مديرة المركز الدولي لدراسة وتوثيق جرائم الحرب في جامعة ماربورغ ، أقدم جامعة بروتستانتية في ألمانيا ، قولها بان الرسالة الرئاسية للمحاكمة، هي “القول لممثلي نظام الأسد، في سوريا وفي العالم أجمع : لا يسعكم البقاء آمنين. إذا كنتم تشاركون في خروق جدية لحقوق الإنسان، سوف يحدق بكم خطر دائم بجركم لاحقاً إلى تحمل مسؤولية أعمالكم” .
وبعد أن تعدد الصحيفة الأسباب ، التي تجعلها ترفض المقارنة بين المحكمة الألمانية الراهنة و”محكمة نورنبرغ” ، لا تجازف في نفي تهم ممارسة التعذيب والقتل والإغتصاب الموجهة إلى المتهمين ، وإلى نظام الأسد ككل . وتحصر مهمتها في الدفاع عن “محكمة نورنبرغ ، كعنوان أساسي من عناوين النصر على الفاشية ، الذي يخوض الكرملين حرباً ضروساً مع الغرب بتهمة محاولته “تشويه” تاريخ الحرب العالمية الثانية ، من خلال المساواة بين النازية والبلشفية في المسؤولية عن اندلاع تلك الحرب.
إن نأي الكرملين، بإعلامه ومسؤوليه، عن الحملتين المذكورتين على النظام السوري ، لا يعني تبرئته هذا النظام من وحشيته وفساده. ف”الطباخ” مع فضائح إعلامه لفساد النظام السوري ، هو طباخ الكرملين، والصحيفة “vz”، مع عدم مجازفتها بتبرئة النظام من وحشيته ، هي صحيفته . فلماذا ينأى الكرملين بنفسه عن هاتين الورطتين للنظام السوري ، وهو على قناعة ، بأن هذا النظام ، مع أصدقائه الإيرانيين ، وأصدقائه المتجددين من الإمارات العربية ، يصر على وضع العصي في دواليب العملية السلمية السورية ، والإصرار على مواصلة المقتلة السورية .
الكاتب السياسي الروسي الفلسطيني رامي الشاعر ، يرى في اسبوعية الفاشيين الروس “zavtra” ، أن الكرملين لم يشارك في حملة “الطباخ” ، لأنه لا يريد أن ينقلب في سوريا إلى مواقع الأميركيين في عدائهم للأسد ، فيخسر حينها كل ما أنجزه في الحرب السورية .
أما أحد الكتاب السياسيين في صحيفة القوميين الروس “sp” ، فله رأي مغاير تماما ، حيث يرى “أن الكرملين يخطط لإزاحة الأسد” ، لكنه يتساءل ما إذا كان بوسعه تغيير المشهد السياسي السوري ، “الذي يصبح غير مفيد” لمصالح موسكو . وبعد أن يسترسل الرجل في الحديث عن علاقات الأسد مع الإمارات العربية المتحدة ، وكيف تسعى الأخيرة لاستخدام الأسد أداة لإزاحة النفوذ السعودي والتركي من سوريا ، يقول بأن موسكو حريصة كل الحرص على العلاقات الجيدة مع تركيا ، ولن تسمح بإلحاق الضرر بها على مذبح مصالح الإمارات ، ولم تكن زيارة وزير الدفاع الأخيرة إلى دمشق ، إلا لإبلاغ الأسد بذلك .
ويرى الكاتب أن طموح الأسد للإفادة من علاقاته مع الإمارات للعب دور السياسي المستقل ، يهدد في ظروف سوريا الراهنة ، بوقوع كارثة تدمره هو نفسه ، وتدمر توسع روسيا الجيوسياسي في الشرق الأوسط . وحتى لو فكرت روسيا بإزاحة الأسد ، فمن المستبعد أن تتمكن من ذلك ، حتى عن طريق إنتخابات ما ، أو أي سيناريو ناعم آخر. فالعامل الأول الذي يحول دون ذلك ، هو عامل إيران ، التي ليست بحاجة الآن إلى أي آخر مكان الأسد ، الذي يمكن القول بكل ثقة ، أنه في السنوات الأخيرة من رئاسته ، هو مشروع إيراني كلياً . والعامل الثاني ، الذي يحول دون ذلك ، برأيه ، هو عدم وجود بديل له . فالرهان على سهيل الحسن ، أو عماد خميس ، هو رهان ساقط ، لأن الأول لن يكون رئيساً طيعاً ، كما الأسد ، وذلك لصعوبة مراسه بحكم نشأته العسكرية ، والثاني لا يتمتع بالإحترام الكافي لدى النخب السورية ، إضافة إلى أنه سني ، مشكوك بوجود علاقة له مع المعارضة ، والسنة لا يحبون روسيا ، كما العلويين أو الشيعة ، ولذا هو رهان ساقط أيضاً .
يستنتج الكاتب من كل ذلك ، أن لا بديل من الأسد ، الذي أصبح مجدداً سياسياً ذا نفوذ ، من المستبعد إستسلامه من دون معركة ، والمعركة ، بالنسبة لروسيا ، هي صنو الإنتحار .
المدن
بلومبيرغ: الأسد بات يسبب صداعا لبوتين والكرملين يلوم دمشق
في مقال مشترك لكل من هنري ماير وإيليا أرخيبوف بعنوان “بوتين يعاني من صداع سوريا والكرملين يلوم الأسد”، جاء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظهر نفاد صبر من بشار الأسد الذي لا يظهر امتنانا كبيرا لإنقاذه من الحرب الأهلية الوحشية، وليس بالطريقة التي يريدها قادة الكرملين. فبوتين الذي يواجه معضلة مزدوجة في الداخل من ناحية صدمة انهيار أسعار النفط ومواجهة فيروس كورونا، يريد لملمة المغامرة العسكرية في سوريا وإعلان النصر.
ولهذا يطالب الأسد بمرونة في المحادثات مع المعارضة والتوصل لتسوية سياسية تنهي حربا أهلية طويلة، وذلك حسب أشخاص يعرفون بالمداولات داخل الكرملين.
وأدى رفض الأسد التنازل للمعارضة السورية عن أية سلطة مقابل الاعتراف الدولي بنظامه وتدفق مليارات الدولارات للمساهمة في إعادة إعمار البلاد إلى انفجار غضب غير عادي في الصحف والمجلات الروسية التي ترتبط ببوتين. ويقول ألكسندر شوملين، الذي يدير مركز أوروبا – الشرق الأوسط في موسكو: “يحتاج الكرملين إلى التخلص من صداع سوريا” و”المشكلة هي مع شخص واحد هو الأسد وحاشيته”. ويعكس انزعاج بوتين من الأسد معضلة روسيا لأن الطرفين يعرفان أن لا بديل عن الزعيم السوري للتوصل إلى تسوية.
ففي الوقت الذي استخدم فيه بوتين التدخل العسكري عام 2015 كنقطة يستعيد من خلالها التأثير الروسي في الشرق الأوسط وجعل موسكو لاعبا رئيسيا، عمل الأسد على المناورة بين موسكو وحليفته إيران للتمسك بالسلطة.
واعتمد الأسد على القوة العسكرية والدبلوماسية الروسية لمنع الجهود التركية للتوسع في مناطق المعارضة بشمال سوريا، ذلك أنه يطمح لاستعادة السيطرة على كامل سوريا.
ونفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الأخبار عن عدم سعادة بوتين من الأسد ورفضه التنازل للمعارضة من أجل تسوية سياسية.
وخلال السنوات قامت روسيا وبدون نجاح بالضغط على الأسد من خلف الأبواب ودفعه للموافقة على تنازلات سياسية ولو رمزية والحصول مقابل ذلك على دعم من الأمم المتحدة في حملة إعادة انتخابه في عام 2021. ولكن النقد المفتوح لحليف مهم يعتبر تغيرا في النهج. ففي مقال نشر على الإنترنت بموقع تابع ليفغيني بريغوجين، المعروف بطاهي بوتين، نظرا لعقود الطعام التي توفرها شركته للكرملين، هاجم الأسد ووصفه بالفاسد.
واستشهد كاتب المقال باستطلاع جاء فيه أن شعبية الأسد لا تتجاوز 32% وأشار إلى بدلاء عنه من داخل النظام والمعارضة. ولكن المقال الذي نشرته “وكالة الأنباء الفدرالية” اختفى سريعا.
وبعد أيام نشر المجلس الدولي للشؤون الدولية، الذي أنشأه الكرملين، تعليقا انتقد فيه حكومة دمشق وأنها “تفتقد النهج البعيد النظر والمرن” لإنهاء النزاع. وفي مكالمة هاتفية قال ألكسندر أكسنيونوك، الدبلوماسي السابق ونائب رئيس المجلس ومن كتب التعليق: “لو رفض الأسد الموافقة على الدستور الجديد، فسيضع النظام السوري نفسه أمام خطر عظيم”.
وقال شخص مقرب من الكرملين إن ما نشر في الموقعين هو رسالة قوية للقيادة السورية. وقال شخص مقرب من القيادة الروسية إن بوتين ينظر للأسد كشخص عنيد ويمثل خيبة أمل له، ولهذا استخدم موقعا مرتبطا ببريغوجين لتوصيل الرسالة. وأضاف هذا الشخص وغيره أنه لا يمكن التخلي عن الأسد نظرا لعدم وجود شخص بديل عنه يمكن الاعتماد عليه.
ولم يرد الإعلام السوري على النقد فيما لم يعلق سفير سوريا في موسكو، رياض حداد. وبدأت المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بجنيف العمل على مسودة للدستور السوري تحتوي على نوع من المنافسة إلا أن الجهود دخلت مرحلة مسدودة بعدما قام وفد الحكومة بتخريب المفاوضات عن عمد. وفي جلسة لمجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر قال المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون إن الوفد الحكومي رفض طلب المعارضة مناقشة موضوعات الدستور مما أدى لفشل المحاولة الثانية.
وقال دبلوماسي يتابع الموضوع السوري إن نقد النظام في الإعلام الروسي نابع من حالة إحباط بين رجال الأعمال الروس الذين فشلوا بالحصول على عقود تجارية بسوريا. وقال الدبلوماسي إن روسيا تعي الوضع الصعب في البلاد، حيث فشل الأسد بتوفير الحاجات الأساسية وبسبب فيروس كورونا ومشكلة شبكات الفساد مما قد يدفع بثورة مستقبلية داخل مناطق محددة تسيطر عليها الحكومة.
ويقول جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية، إن الأسد “كان دائما عنيدا أمام الضغط الروسي لأنه يعرف أن سوريا مهمة للروس ويجب ألا تنهار”، وأضاف أن السماح للإعلام بشن حملة ضد الأسد يعكس حالة إحباط في موسكو بعدما أصبحت سوريا موضوعا غير مهم.
ولدى روسيا قاعدة عسكرية بحرية وأرسلت قواتها لحراسة المناطق السابقة للمعارضة والطرق الرئيسية ولديها نفوذ ولكنها قد تخاطر كثيرا لو حاولت الإطاحة بالأسد، حسبما تقول إيرينا زفاسليسكايا، الخبيرة بمعهد الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية. ولم تعد إيران التي زودت الأسد بالمال والجنود والنفط لكي تظل سوريا ممرا للمساعدات إلى حزب الله بل والإمارات التي حاولت التقرب من الأسد في محاولة للتأثير على التأثير الإيراني والتركي في سوريا، وبعد سنوات من قطع العلاقات معه قامت بفتح سفارتها عام 2018.
وتقول زفاسليسكايا إن الكثير من الدول العربية توصلت لنتيجة وهي أن الأسد باق وعليها والحالة هذه التعامل معه.
القدس العربية
هل حان الوقت لصفقة أميركية روسية حول سوريا؟
قالت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية إنه غالباً ما أثبتت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فعالية في مقاربة التحديات الدولية وخصوصاً على مستوى الأزمة السورية، مشيرة في هذا السياق الى قراراته بإلغاء الإتفاق النووي الإيراني واغتيال قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني، ووصفتها بأنها “أكثر خطوات السياسة الخارجية جرأة ومثيرة للجدل”.
وقالت المجلة في مقال بعنوان: “كيف يمكن أن يساهم ترامب في إنهاء الحرب السورية؟”، إن “الوقت قد حان لأن يتصرف ترامب بجرأة مرة أخرى عن طريق عقد صفقة كبيرة على سوريا، مستنداً الى مجموعة غير عادية من الظروف الاقتصادية والجيوسياسية والوبائية”.
ولفتت في تقريرها الى أن الاقتصاد السوري (المناطق التابعة لسيطرة النظام) تدهور على مدى الحرب الطويلة، ولكن الأزمة المالية في لبنان أوصلته إلى حالة من الانهيار الكامل”، مضيفة أن جيش النظام السوري “ضعيف للغاية، ما دفع المدافعين عن الأسد الى السؤال للمرة الأولى علناً عن شرعية النظام”.
وأشارت إلى أن الدول التي تدعم الأطراف المتنازعة في الصراع السوري، تواجه إقتصاداتها الداخلية مشاكل كبيرة، تفاقمت فجأة الآن بعد وباء كورونا”.
وقالت إن مسار أستانة ينهار بسبب تصرفات إيران العسكرية، حتى اتفاق 5 أذار/مارس لوقف اطلاق النار بين روسيا وتركيا في إدلب بدأ يتلاشى بعد إسابيع من توقيعه.
ورأت المجلة أنه يمكن للولايات المتحدة إنهاء الحرب في سوريا مرة واحدة وإلى الأبد، وخصوصاً أن الوضع الإقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، انهار تماماً ولم يعد يستطيع تأمين حتى السلع الاساسية من الوقود وغاز الطهي والقمح إضافة الى إرتفاع الأسعار.
كما أن القوات الجوية للنظام أصبحت الآن ضعيفة للغاية، حيث تمكنت تركيا في شباط/فبراير من فرض حظر جوي فوق إدلب باستخدام طائرتين مقاتلتين فقط من طراز “إف-16” إلى جانب أسطول من الطائرات بدون طيار.
وقالت إنه في الوقت الحاضر، لدى الأسد حوالي 30 طائرة عاملة، وحكومته تفتقر إلى قطع الغيار لإصلاحها، مشيرة إلى أحباط حلّ بجيش النظام بعد الإتفاق الروسي-التركي واكتشافهم ان لا دخل للأسد فيه.
وقالت إنه مع وصول أسعار النفط إلى مستويات منخفضة جديدة، يحتاج بوتين بشدّة إلى مصادر جديدة للإيرادات، وأي اتفاق سلام سيمكّن “من إطلاق مشاريع إعادة الإعمار تتيح لروسيا فرصة لاسترداد بعض الأموال التي أنفقتها لدعم الأسد من خلال تزويد الشركات الروسية بسلسلة من العقود المربحة المتعلقة بإعادة الإعمار، ومنح بوتين أيضاً انتصاراً سياسياً دولياً”، مضيفة أنّ بوتين “لن يتخلى عن فكرة الدور القيادي لروسيا في سوريا ما بعد الحرب، لكنه سيتخلى عن الأسد بنفسه كوسيلة لتحقيق هذه الغاية”.
أمّا بخصوص الدور الأميركي المحتمل، فنصحت المجلة الإدارة الأميركيّة بأن تركّز، “أولَا وقبل كل شيء، على إحضار روسيا إلى طاولة المفاوضات”، لكنّها دعت إلى ضرورة إرضاء تركيا قبل ذلك لانها أيضاً بحاجة ماسة إلى صفقة، ووضعها الإقتصادي المحلي يشهد تدهوراً، إضافة الى توترات داخلية يشهدها حزب “العدالة والتنمية” الحاكم.
وأكدت المجلة الأميركية أن خريطة الطريق لإحلال السلام السياسي الديموقراطي في سوريا موجودة وتم تحديدها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، لكن وقف إطلاق النار هو الخطوة الأولى ويجب أن يستغل ترامب الفرصة لتحقيق ذلك. وفي الواقع، ربما يكون هو زعيم العالم الوحيد القادر على القيام بذلك.
وخلصت إلى أن بوتين لن يتردّد في قبول دعوة ترامب لإجراء مفاوضات حول سوريا، وأرجعت ذلك ليس فقط إلى “طموحاته في مؤتمر يالطا جديد”، ولكن “لأن لا خيار له يذكر”.
——————————–
“الأسد فاسد” بالعين الروسية..تأففٌ أم ابتزاز يسبق الاستثمار الجديد؟
منذ اللحظات الأولى للتدخل الروسي في سورية، سبتمبر/ أيلول 2015، كرّست وسائل الإعلام الروسية تغطيتها لتبرير العمليات العسكرية، وركّزت في ذلك على مسارين؛ الأول: سياسي عبر تكثيف جهودها لإقناع الأطراف كافة بشرعية التدخل، والثاني: عسكري خلف ذريعة مكافحة “الإرهاب والمتطرفين”، وبشكل أساسي تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”.
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، التزمت الماكينة الإعلامية الروسية بذات النهج، إذ أنه وبالتزامن مع القوة العسكرية التي فرضتها موسكو في الجو وعلى الأرض، استخدمت في نفس الوقت الدعاية الإعلامية لتوجيه الرأي العام؛ الروسي أولاً، والسوري الموالي لنظام الأسد، لتسويق و تبرير ما تعمل عليه، ولإضفاء شرعية على المشاريع التي بدأت العمل عليها على كافة الأصعدة، سواء السياسية أو “الإنسانية” كما روجت لها، إلى جانب الاقتصادية.
رسائل عدة مررتها موسكو عبر وسائل إعلامها، على مدار السنوات الماضية؛ ورغم أن معظمها كان لتبرير ما يجري على الأرض من مجازر وضربات جوية، ولبناء رواية مضادة ضد فصائل المعارضة والدول الداعمة للشعب السوري، ناورت بأخرى مع نظام الأسد الذي تدعمه، وبشكل خاص رأسه بشار الأسد، وهو ما بدا واضحاً في الأيام الماضية، والتي تصدرتها مقالات وتقارير من وسائل إعلام مقربة من الكرملين، هاجمت شخص الأسد ومنظومته الأمنية والإدارية، متهمةً إياها بالفساد و”بتعقيد” مشكلات سورية الاقتصادية.
وكالة الأنباء الفيدرالية كانت السباقة بنشر المقالات المهاجمة لرأس النظام، وهي مقالات غير مسبوقة النبرة الهجومية، إذ أعطت صورة عبّرت بشكل أو بآخر عن “مرحلة طلاق” وصل إليها الحليف الروسي مع الطرف الذي يدعمه (نظام الأسد)، لتتبعها تقارير نشرتها صحيفة “برافدا” تحدثت فيه عن فساد نظام الأسد “الضعيف”، وكذبت روايته عن معارك البادية مع “تنظيم الدولة”، التي أعلن عنها مؤخراً.
وتؤسس مثل هذه التقارير الروسية، لمرحلة جديدة في ظل ظرف “حساس” تقبل عليه سورية ونظام الأسد، وبشكل أساسي على المستوى السياسي، رغم أن أبعادها لم تتضح حتى الآن، على الرغم من الزخم الكبير للتحليلات، والذي أفردته وسائل الإعلام في الأيام الماضية، مع عدم صدور أي موقف رسمي من قبل الحكومة الروسية يؤكد أو يتبنى ما أوردته وسائل الإعلام الروسية.
ويحاول هذا الملف الذي أعده فريق “السورية.نت”، تحليل الرسائل التي حاولت وسائل الإعلام الروسية إيصالها، عبر المقالات المتتابعة التي نشرتها، في الأيام القليلة الماضية، مع مناقشة الأبعاد والحدود المرتبطة بها.
كيف تعمل الماكينة الإعلامية الروسية؟
قبل البدء بتحليل الرسائل المتعلقة بالمقالات الروسية المهاجمة لنظام الأسد ورأسه، لا بد من الوقوف على الآلية التي تسير بها الماكينة الإعلامية الروسية، والتي تسيطر الحكومة الروسية على الجزء الأكبر منها، من قنوات تلفزيونية كبرى ووكالات أنباء.
وتعود ملكية “وكالة الأنباء الفيدرالية” التي نشرت ثلاثة تقارير هاجمت فيها الأسد ووصفته بـ”الضعيف” لرجل الأعمال الروسي، ومالك “قطاع المطاعم”، يفغيني بريغوجين، الملقب بـ”طباخ بوتين”، وهو مؤسس شركة “فاغنر”، التي نشرت مئات المقاتلين لها في سورية، في السنوات الماضية، وشاركت في العمليات العسكرية إلى جانب قوات نظام الأسد.
أما صحيفة “برافدا”، والتي تعتبر من أكبر صحف العالم توزيعاً خلال الفترة السوفييتية، فقد تأسست في عام 1912 في سانت بطرسبرغ، وأصبحت من أهم المصادر للتصريحات الرسمية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقاً، وفي الوقت الحالي تعتبر صحيفة روسية “شعبية الطراز والاهتمام”.
يقول الإعلامي والخبير في الشؤون الروسية، نصر اليوسف إن “الساحة الإعلامية في روسيا بشكل عام تتبع للدولة، أو تقع تحت تأثيرها المباشر، لأنها تتبع لشركات احتكارية”.
ويضيف اليوسف لـ”السورية.نت” أن “الشركات التي تملكها الدولة مثل غاز بروم تسيطر على وسائل إعلام عديدة، من قنوات التلفزة والمواقع ومحطات الإذاعة، لذلك نجد الساحة الإعلامية في الغالب إلى حد 80% تقع تحت السيطرة المباشرة أو شبه المباشرة من قبل الدولة، لكن هذا لا ينفي أن هناك وسائل إعلام مستقلة تماماً”.
وبحسب اليوسف: “هناك شبكة هائلة تتبع مباشرة للدولة، ضمن ما يسمى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزة، وتتبع لها قنوات الثقافة والرياضية وقنوات مهمة، وتتبع لها RT، التي تبث باللغات العربية والروسية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية”.
ويشير الخبير في الشؤون الروسية إلى أن وسائل الإعلام الروسية جميعها تأتمر بأمر “الكرملين” مباشرةً، وهناك وسائل شبه مستقلة مثل: “صدى موسكو”، لكن تلتزم رأي “الكرملين” لأنها تموّل من شركة “غازبروم”.
رسائل.. من بوابة الاقتصاد
كان الافت في التقارير الثلاث التي نشرتها “وكالة الأنباء الفيدرالية”، في 15 أبريل/نيسان الحالي، وحذفتها بعد يومين، أنها تناولت على نحو خاص المستوى الاقتصادي المتدهور، الذي وصلت إليه سورية على يد نظام الأسد.
وحمل أحد التقارير توقيع ميخائيل تسيبلاييف، قيّم فيه الوضع الاقتصادي في سورية حالياً بالسلبي للغاية، مشيراً إلى أن “عدم توفر الظروف للشراكة بين روسيا وسورية يعود إلى ارتفاع تفشي الفساد في المستويات السياسية العليا”.
وفي هجوم على رأس النظام، بشار الأسد، نشرت الوكالة الروسية نتائج استطلاع للرأي بين السوريين، قالت إنه أظهر أن “شعبية بشار الأسد تتراجع على خلفية الفساد والمشاكل الاقتصادية في البلاد”.
ويوضح الخبير بالشأن الروسي، نصر اليوسف، أن الحملة الإعلامية الروسية على نظام الأسد بدأت بشق اقتصادي، لافتاً إلى أنها “مجرد ضغط على نظام الأسد أخذ طابع التهديد بأن التصرفات التي يعمل عليها سيتم إيصالها إلى الكرملين، ما ينذر بعظائم الأمور (…) تصرف بشكل جيد ولا تبتز الشركات الروسية”.
وتواجه الشركات الروسية في الوقت الحالي، بحسب اليوسف مشاكل وعراقيل يسببها الفاسدون (يشمل النظام برمته) و”هناك تقارير تفيد بأن الشركات الروسية تتعرض للابتزاز، وحتى أن البعض من الروس ذهبوا للقول بأن السوريين يفضلون إرساء العروض والمناقصات والمزايدات على الشركات الصينية”.
ويقول: “أعتقد أن هذا له مدلول وحيد أنه إذا كان الصينيون يعرفون كيف يدفعون الرشوة، فالروس ليسوا أقل معرفة بهذا الأمر، لكنهم يرون أنه يجب أن لا يدفعوا لأنهم أنقذوا النظام”.
وفي الأشهر الثلاثة الماضية اتسم الوضع العام في سورية بالإغلاق التام بسبب جائحة كوفيد-19، ويرى اليوسف أن الشركات الروسية باتت تبحث عن مصادر دخل أخرى، في وقت تريد الحكومة الروسية، لهذه الشركات، أن تأخذ حيزاً من ما يسمى بإعادة الإعمار في سورية، سواء الفوسفات أو النفط أو الغاز او استثمار المطارات والموانئ.
وعلى الرغم من الاتهامات “اللاذعة” التي تضمنتها تقارير “وكالة الأنباء الفيدرالية”، يشير اليوسف إلى أن الأهم هو الدراسة التي نشرها “المجلس الروسي للشؤون الدولية”، في 17 من نيسان الحالي.. دراسة كتبها باحث برتبة سفير فوق العادة، كان قد خدم في سفارات روسيا والاتحاد السوفييتي في عدد من الدول العربية.
وتحدثت الدراسة بالتفصيل عن فساد سلطة نظام الأسد، وبحسب الخبير في الشؤون الروسية فإن موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية “يتمتع بأهمية كبرى، لأنه في واقع الأمر مقرب من صناع القرار، ويقدم الاستشارات والدراسات لوزارة الخارجية الروسية”.
ورقة.. لإطباق الهيمنة
بالعودة إلى السنوات الماضية من التدخل الروسي في سورية، كانت موسكو قد وجهت عبر وسائل إعلامها وشخصيات مقربة منها عدة رسائل “لاذعة” لنظام الأسد في دمشق، ولعل أبرزها المقالة التي نشرها السياسي الروسي- الفلسطيني، رامي الشاعر، المقرب من “الكرملين”، في أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2019.
انتقد الشاعر في مقالاته أداء بشار الأسد، وفي إحداها التي حملت عنوان “سورية حبلى بالبدائل وليست عاقراً بالتوريث” أشار صراحةً إلى أن سورية ليست مملكة للتوريث، في إشارة منه إلى أن بشار الأسد يمكن أن يغادر كرسي السلطة.
وعلى الرغم من الانتقادات السابقة، التي تحسسها نظام الأسد من خلال وسائل الإعلام الروسية، إلا أن ما شهدته الأيام الماضية، يختلف من نقطة الجانب الاقتصادي الذي تم التركيز عليه، ومستويات الفساد التي وصل لها نظام الأسد، وحكومته على رأسها المهندس عماد خميس.
ويتفق الباحث الأكاديمي، المقيم في موسكو الدكتور محمود حمزة، مع النقطة التي أكد عليها نصر اليوسف، والمتعلقة بأن هجوم وسائل الإعلام الروسية، في الأيام الماضية، له شق اقتصادي أساسي.
ويقول الحمزة لـ”السورية.نت”، إن “ما طرحه الإعلام الروسي خلال الأيام الماضية كان تحولاً كبيراً، إذ أنه ولأول مرة يتم كتابة مقالات معمقة عن الوضع السوري لفضح نظام الأسد، مع الحديث عن بشار الأسد بأنه ضعيف، كونه لا يستطيع إدارة وقيادة البلد وإدارة الاقتصاد، ومليء بالفساد”.
ويضيف الحمزة: “هناك انتقاد كبير للنظام بشأن عدم التعاون مع روسيا في المجال الاقتصادي”، مشيراً إلى أن روسيا “شكّت بأن النظام السوري يتلاعب ويخدعها في بعض القضايا ويكذب عليها كما هو الأمر في حقول غاز حيان والشاعر”.
ومن زاوية أخرى يرى الباحث الأكاديمي، أن الهدف من حملة وسائل الإعلام الروسية هو “الضغط على النظام، لكي ينصاع لشروط الشركات الروسية بشكل مباشر”.
وعلى الرغم من البيان الذي نشره “الكرملين” عن تكذيب ما جاء في مقالات وكالة الأنباء الفيدرالية، في اليومين الماضيين، إلا أن الوقع الذي أحدثه مضمون المقالات ما يزال صداه حتى الآن، وفق الحمزة، الذي أشار إلى أن “روسيا تتبع أسلوباً خبيثاً على المستوى الإعلامي، إذ تنشر مقالات تهاجم فيها أطراف معينة وتروج لها على عدة وكالات ومواقع، وفيما بعد تنفيها (…) هذا لا يغير شيء كونهم قالوا ما يريديون”.
ابتزاز مدروس؟
لا يمكن فصل الهجوم الذي شنته وسائل الإعلام الروسية على نظام الأسد في الوقت الحالي، عن الظرف الذي جاء فيه، ولاسيما أن العمليات العسكرية على الأرض قد تقلصت، وانحصرت بمحافظة إدلب فقط، بينما تتجه الأنظار إلى الحل السياسي، والذي من الواضح أن الأطراف الإقليمية بدأت برسمه من الآن، قبل عام ونصف من الانتخابات الرئاسية المقررة، في يونيو/حزيران العام المقبل.
ومن الواضح، وحسبما شهدته الأيام الماضية، فإن الهجوم الروسي مدروس بجهة التوقيت الحالي، فنظام الأسد في ورطة اقتصادية، زاد عليها وفاقم منها انتشار فيروس “كورونا”، واتجاهه لإغلاق كافة منافذه البرية والجوية مع دول الجوار.
وبوجهة نظر الباحث الأكاديمي، محمود الحمزة، فإن ما يدفع روسيا لانتقاد نظام الأسد هو “مصالحها الاقتصادية المباشرة”، بالإضافة إلى نيتها التحوّل إلى إعادة البناء وتحصيل التمويل للبناء الاقتصادي، معتبراً أن “الروس يفكرون بالبدء بأي عملية سياسية، بينما النظام يريد القتال، لأنه يعي أن انتهاء المعارك هو انتهاءه”.
ويضيف الباحث: “أيضاً هناك عوامل أخرى منها تذمر داخل الشارع الموالي(للأسد)، ولاسيما أن روسيا لديها صورة واضحة عن الوضع السوري بدقة، وتشعر أن الأسد لا يمكن أن يكون شريكها في مرحلة البناء والسلام”.
وإلى جانب ما سبق كأحد أسباب “الهجوم الروسي” هناك عوامل خارجية وضغوط دولية، كـ”قانون قيصر” الذي يهدد نظام الأسد، ومن يساعده من روسيا وإيران”، ويشير الحمزة إلى أن “الشركات الروسية خائفة أيضاً من تطبيق القانون، ومن التحركات الغربية لعزل الأسد.. جميعها أسباب دفعت موسكو لتهدئة اللعب”.
أزمة ثقة بغطاء “التأفف”
مع استمرار تحليل أبعاد وحدود هجوم وسائل الإعلام الروسية على نظام الأسد مانزال أمام ثلاث احتمالات متعددة للمناخ الروسي الحالي، ينطلق من “التأفف” من نظام الأسد إلى توجيه الرسائل المبطنة له، وصولاً إلى تغيّر السياسة على المدى المتوسط.
وتطرح الاحتمالات الثلاث عدة تساؤلات ترتبط بماهية العلاقة الحالية بين الروس ونظام الأسد، إلى جانب إمكانية التنازل من قبل موسكو، وبشكل أساسي على المسار السياسي.
ويعتبر البروفيسور وأستاذ العلاقات الدولية، خطار أبو دياب، أن ما فرضته وسائل الإعلام الروسية، في الأيام الماضية ليس مرحلة جديدة، لكنه “دليل على عدم ثقة بدأت تظهر ما بين القائمين على الأمور في روسيا وجماعة السلطة المتحكمة في دمشق”.
ويقول أبو دياب لـ”السورية.نت”، إن “عنوان الهجمة الأخيرة هو التأفف الروسي، ولا أقول التخلي الروسي ولا الهجوم الروسي، إذ ينطوي الأمر على رسائل روسية، أي أن هناك استنتاج أن هذه السلطة غير قابلة للاستصلاح، وهذه السلطة لا تحترم تعهداتها، بينما الجيش غير قابل لإعادة التأهيل، والمال يهدر، وهناك مافيات كاذبة”.
وبحسب المحلل الاستراتيجي، فإن الأهم من كل ما سبق هو “مسألة أن الروس بدأوا ينظرون إلى بشار الأسد باعتباره التوأم السياسي لإيران، ومع كل قوتين محتلتين أو مسيطرتين، وعندما يكونا في نفس المكان توجد تناقضات في السيطرة على الموارد السورية من المرافئ، والتمركز في منطقة الساحل السوري”.
وهناك أيضاً مسألة العلاقة المستجدة التي تتعزز بين روسيا وتركيا، إذ أنه وبالرغم من كل ما جرى في إدلب وما حولها، نشهد الآن، وفق أبو دياب، نوعاً من التناغم الروسي- التركي أخذ يمتد من شمال غرب سورية إلى شمال شرق سورية، و”كل هذا ربما يشجع الجانب الروسي على محاولة إعطاء بشار دروساً، أو ربما قد يكون هذا التأفف بالتفكير في انتخابات 2021، الاستحقاق الرئاسي”.
إعادة تركيب السلطة
طوال السنوات الماضية تقاطعت مصالح روسيا وإيران، فالداعم على الأرض مشترك هو النظام، ورأسه بشار الأسد، والعدو هي فصائل المعارضة العسكرية، وشكل الطرفان حلفاً أدار العمليات العسكرية على الأرض، وكان له دور كبير في استعادة مساحات واسعة ليد النظام.
لكن وبعد تسع سنوات اختلف المشهد، فالسياسة الروسية باتت أوضح مما كانت عليه من قبل، ومن الواضح أن موسم القطاف قد حان، إذ تعمل موسكو حالياً على سحب البساط من تحت إيران في سورية، وما يؤكد ذلك التقارب الكبير مع إسرائيل، مؤخراً، إلى جانب ما دخلت به من عقود استثمارية كبيرة في شتى القطاعات الاقتصادية.
وأمام الواقع المفروض تتجه الأنظار إلى الأسد، ومدى قدرته على خلق نوع من التوازن بين الحلفاء، أو أنه مجبر على الوقوف في صف حليف بشكل أكبر من الآخر، وهو أمر كانت من ضمن تبعاته، في الأيام الماضية، زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف المفاجئة إلى دمشق، في ظل توقف الرحلات الجولية في العالم، بسبب “كورونا”.
ويرى المحلل الاستراتيجي، خطار أبو دياب، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لا تهمه التركيبة السورية أو السلطة السورية، بقدر ما تهمه مصالحه الاستراتيجية.
ويضيف أبو دياب: “هو (بوتين) بشكل أو بآخر سيطر على الساحل السوري وأمّن مصالحه الاستراتيجية، ويحاول الآن من خلال إعادة تركيب السلطة أن تكون لهذه المصالح ديمومة”.
أما شخص بشار الأسد، يعتبر المحلل الاستراتيجي أن “بوتين لا يعنيه الأسد وحزب البعث (…) ما يعنيه ديمومة مصالحه، وإذا استنتج أن الأسد لم يعد صالحاً لهذا المهمة عند ذلك يصبح كل شي ممكن”، مشيراً “ذلك يعاكس ما تعمل عليه إيران، فالأسد توأم سيامي مع طهران، وعلاقته وثقته معها لا تتزعزع”.
السورية نت
——————————
غضب روسيا وعجز إيران يعجلان في سقوط الأسد/ سامر إلياس
بعد نجاته من السقوط في موجتي الربيع العربي الأولى والثانية باستخدام القمع والقوة ودعم حلفائه، تَشي الأوضاع الداخلية والدولية بأن نهاية نظام الأسد باتت وشيكة. وتتجمع مؤشرات أن فيروس كورونا يعمق جراح الاقتصاد السوري المنهك بعد سنوات الحرب الطويلة ما يفتح على حراك جديد بسبب الفقر والجوع في مناطق سيطرة النظام خاصة في ظل قناعة السوريين بعدم شفافية النظام في كشف حقيقة تفشي الوباء وعدم قدرته على مواجهته.
ومع انتقال إسرائيل إلى هدف إخراج إيران من سوريا حتى نهاية العام الحالي بدلا من احتوائها وإبعادها عن الحدود، وعدم صدور موقف روسي صارم ضد الغارات يبدو أن الأسد سوف يخسر دعم إيران وميليشياتها العسكري. ومع تعمق أزمة الاقتصاد في جمهورية الملالي بسبب كورونا والعقوبات وتهاوي النفط سوف يُحرم النظام من سخاء طهران المالي. وبعد الهجمة المركزة من قبل الحليف الروسي على فساد الأسد وحاشيته إضافة إلى “صداع موسكو من عناد الأسد” وخشيتها من أسوأ أزمة اقتصادية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي يبدو أن موسكو باتت في أمسّ الحاجة إلى توافقات دولية لتسوية سياسية في سوريا تضمن بعضاً من مصالحها السياسية وتعويض خساراتها الاقتصادية ضمن صفقة أشمل ليس مهماً فيها استمرار بشار الأاسد في الحكم بعد 2021 من عدمه.
رسائل موسكو
ومنذ منتصف الشهر الحالي كشفت الرسائل الصادرة عن وسائل الإعلام الروسية، وخبراء مقربين من الكرملين والخارجية عن نفاد صبر موسكو من فساد الأسد “الضعيف” وحاشيته. وأوضحت أن موسكو قدمت أقصى ما تستطيع منذ تدخلها العسكري في أيلول/ سبتمبر 2015، ومنحت النظام “إكسير الحياة” ودعمته سياسيا وديبلوماسيا، وحمته من العقوبات الدولية باستخدام حق النقض الفيتو 15 مرة منذ 2011، لكن الأوضاع تغيرت.
منذ بداية الثورة كررت موسكو أنها لا تتمسك بالأسد، وتكررت في الصحافة الروسية الانتقادات لرفض النظام القيام بالإصلاحات اللازمة لتلبية “المطالب المحقة” وطالبته بالانفتاح على “المعارضة الوطنية”، لكن ما ميز الحملة الحالية هي توجيه الانتقاد إلى رأس النظام وعجزه عن محاربة الفساد المستشري في البلاد، ووصلت إلى وصف حياة البذخ التي يعيشها الأسد وصرفه على لوحات فنية بعشرات ملايين الدولارات لإرضاء زوجته مقابل حياة الجوع والعوز لمعظم السوريين. وواضح أن موسكو تعمدت إرسال إشارات حازمة للنظام بأنها لن تستطيع التغطية عليه طويلا، وللعالم بأنها غير متمسكة بالأسد وجاهزة لبحث خيارات أخرى مع الأطراف الفاعلة منذ الآن وحتى انتهاء فترة الرئاسة الحالية في 2021.
وبعد تمكنها من مساعدة النظام على استعادة نحو 70 في المائة من الأراضي، تنطلق روسيا من أنها قدمت كل ما تملك، خاصة أن أي تقدم جديد على الأرض سوف يجعلها في مواجهة مباشرة مع تركيا التي تسيطر مع حلفائها على أجزاء واسعة في إدلب، ومناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات” إضافة إلى شريط بعمق نحو 30 كيلومترا بين رأس العين وتل أبيض شمالا وطريق الحسكة حلب “M4” جنوبا، كما أن أي تقدم باتجاه شرقي الفرات في المناطق الجنوبية يعني دخولها في صراع مع الولايات المتحدة التي اختارت البقاء لدعم حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في السيطرة على حقول النفط الرئيسة في البلاد.
حملة منظمة
وبعد تشكيك بأن الحملة المنظمة على فساد الأسد وحاشيته التي قادتها وسائل إعلام تابعة لإمبراطورية “طباخ بوتين” وممول مجموعات “فاغنر” للمرتزقة الروس لا تعبر بالضرورة عن تغير في الموقف الرسمي، تواصلت الحملة في الصحافة الروسية، لكن الأبرز هي الانتقادات الموجهة للأسد في مراكز بحثية ممولة من الكرملين والخارجية الروسية، وفي مقال أكاديمي منشور للسفير السابق في الجزائر ألكسندر أكسينيونوك (عمل ديبلوماسيا في ست دول عربية منها سوريا) ونائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية الذي يقدم استشارات لوزارة الخارجية، في موقع المجلس، وكذلك في موقع “فالداي” للحوار الذي أُسس بمبادرة من بوتين، يحضّ الكاتب النظام على الاستفادة من تراجع الأعمال القتالية في إدلب بعد الاتفاق الروسي التركي في 5 آذار/ مارس الماضي “كفرصة للتفكير الجاد حول مستقبل سوريا في ظروف تزايد عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث في عالم سريع التغير”، ويذهب إلى أن “القيادة السورية في دمشق، لا تميل -على ما يبدو- إلى إظهار البصيرة والمرونة والتعقل، وما زالت تراهن على حلّ عسكري، معوّلة على دعم الحلفاء وعلى مساعدات مالية واقتصادية غير مشروطة، كما كان الحال في الأيام الخوالي من المواجهة السوفييتية الأميركية في الشرق الأوسط”. وشدد الديبلوماسي الروسي على أن “اختيار الأولويات له أهمية كبيرة”، محذراً من أن “التركيز على الجهود العسكرية المنهكة في الاتجاهين الشمالي الغربي والشرقي، محفوف بمخاطر الاشتباك المباشر مع تركيا أو الولايات المتحدة”، وخلص إلى أن “الحفاظ المؤقت على الوضع الراهن من أجل حل المهام الملحة للتنمية بعد الحرب، هو أمر حيوي لمعظم السكان”. مشيرا إلى أن “البيئة العالمية المتغيرة تحدّ من قدرة حلفاء سوريا على تزويدها بالدعم المالي والاقتصادي الضروري” وزاد أن “الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبلدان الخليج العربي تشترط مشاركتها في إعادة الإعمار ببدء العملية السياسية وفقًا لقرار الأمم المتحدة 2254، الذي ينص على تعديلات دستورية وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تحت رعاية الأمم المتحدة”. وردا على ما قال إنه عدم استعداد النظام لتقديم تنازلات بعد “تحقيق النصر” ، يلفت أكسونيونك إلى أن “الوضع المعقد في سوريا المرتبط بالتحديات غير العسكرية، والتي ليست أقل خطورة، يلزم الحكومة السورية بتقويم المخاطر بشكل مناسب ووضع استراتيجية طويلة الأجل. لا يمكن أن يكون الواقع العسكري الجديد مستدامًا من دون إعادة بناء الاقتصاد وبناء نظام سياسي يعتمد حقًا على قاعدة شاملة، وعلى نتيجة اتفاق دولي. هذا مهم بشكل خاص لأنه لم يبق الكثير من الوقت حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2021”.
إيران خارج سوريا
وإضافة إلى احتمال خسارة الحليف الروسي بعد تراجع موارد روسيا الاقتصادية بسبب كورونا والسقوط الحر لأسعار النفط وتأثير العقوبات الغربية، لا يبدو حال الحليف الآخر، إيران، أفضل بكثير، ومع ذات المعاناة الاقتصادية تجد إيران نفسها في مواجهة تحالف أميركي إسرائيلي إماراتي لإخراجها من سوريا، مع صمت أو ردّ خجول روسي على استهداف الطيران الإسرائيلي المتزايد على قواعد الميليشيات الطائفية التابعة لها. وفي أحدث تصريحاته بعد الغارات الأخيرة على جنوب دمشق، قال وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينيت إن “الهدف هو إخراج إيران عسكريًا من سوريا قبل نهاية العام 2020”. ويبدو أن تجنب موسكو إدانة الهجمات الإسرائيلية المتكررة ينطلق من أن إضعاف إيران في سوريا يجعلها اللاعب الأول من دون منافس، ويقلل من قدرة النظام على المناورة.
ثورة جياع
ومما يعجل في نهاية الأسد العوامل الداخلية ولعل أهمها غياب الشفافية فيما يخص تفشي وباء كورونا، فما يزال النظام يصرّ على أن الحالات محدودة ودون الخمسين حالة، ومؤكد أن السوريين بحكم التجربة التاريخية لعقود لا يثقون بتصريحات النظام، وقدرته على مواجهة الوباء بسبب الدمار الحاصل في القطاع الصحي وهجرة الأطباء والكوادر وتوقف معامل الأدوية.
ومع عدم قدرة إيران وروسيا على مساعدته اقتصاديا لمواجهة تداعيات كورونا، يواجه النظام مخاطر الانهيار الاقتصادي، ما ينذر بثورة جياع بسبب ازدياد نسبة الفقراء، وفقدان الاحتياجات الأساسية في الأسواق في ظل ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية. وفي ظل نظام يرفض تقديم أي تنازلات لشعبه، نظرا لطبيعته السلطوية، وسطوة أمراء الحرب وتجارها على القرار قد يكون الأسد أول ضحايا كورونا بعد تحذير المنظمات الدولية من اضطرابات اجتماعية وسياسية في العالم بسبب الجائحة.
تلفزيون سوريا
——————————————–
========================
========================
تحديث 02 أيار 2020
—————————
روسيا والأسد/ ميشيل كيلو
لا يعلم أحد علم اليقين ما إذا كان الروس قد قرّروا حقاً التخلّي عن بشار الأسد، ربيبهم الذي قالوا، بلسان رئيسهم، إنهم يغزون سورية لإنقاذه والمحافظة على مؤسسات دولته، كأن هذه ليست من فرضه رئيساً، أو ليست من قتل وقصف وذبح وعذّب وأحرق ودمّر وهجّر، أو كأن علينا، نحن السوريين، أن نكون ممتنين لرئيس روسيا، بوتين، إن “سرّح” بشار وأبقى عليها، لتستمر في قمعنا وقتلنا، وفبركة بديل لبشار لن يكون خيراً منه، كما فبركوه هو رئيساً خلال دقائق في مجلس القطيع الذي يسمونه زوراً وبهتاناً “مجلس الشعب”.
شخصياً، لو خيّرت بين التخلي عن بشار أو عن مؤسسات دولته، لاخترته مقابل التخلي عنها، لأنه سيكون مجرّد تافه من قشّ، وسيطرده أول عابر طريق من القصر، بينما مؤسسات دولته العميقة من جيش ومخابرات هي أصل البلاء، وما نسميه النظام، فإن بقيت كان معنى ذلك أننا هزمنا، وأنها ستواصل اقتلاع مجتمعنا من جذوره، لأنه العدو الذي في قضائها عليه ضمان سيطرتها، كما في قضائه عليها شرط بلوغ حقوقه وحريته، وما طالب به من عدالة ومساواة وكرامة إنسانية. إذا لم ترحّل مؤسسات الدولة الأسدية العميقة، وطرد بوتين بشار مقابل بقائها، فإننا نخرج مهزومين من الحل الذي يشاع أن العالم بدأ يفكر به.
هل هذه هي الصفقة؟ ربما. لا أحد يعرف بالضبط حقيقة موقف موسكو، وما يقال مجرّد شائعات ينشرها عادة من يطبخ طبخةً يعلم أن بلعها صعبٌ على من ستقدّم لهم، وأن تشويقهم بروائحها يساعده على إغرائهم بازدرادها، وإيهامهم بأنها ستكون شهية، وتتفق مع رغبتهم في ما يودّون تناوله، بعد أن كاد يقتلهم الجوع! وثمّة ملاحظتان تفرضان نفسيهما هنا:
أولاهما أن مسودة الدستور التي قدّمها الروس للمعارضة تتحدّث عن نظام غير مركز مغاير للنظام الأسدي، فهو اتحادي بجمعيتين تمثيليتين وحكومة برلمانية وانتخابات حرّة، وبرئاسة تتمتّع بعدد من صلاحيات الأسد الراهنة، في ما يتصل بالجيش والأمن، وتعيين كبار موظفي الدولة، فالرئيس في دستور موسكو طرفٌ مقابلٌ في توازن النظام الجديد، ومن صلاحياته المحافظة على مؤسسات دولته، مقابل إدارة الفرع المدني من النظام شؤونه، من دون أن تكون له سلطة على جيش ومخابرات، مجسّدة الدولة الأسدية.
ثانيتهما: أن سياسة موسكو الخارجية تلزمها برفض أي تغيير، مهما كان إصلاحياً بواسطة ثورة، مسلحة أو تستخدم وسائل غير دستورية. وبتأييد الإصلاح إن تم بوسائل سلمية، ولم يهدّد النظام الشرعي القائم. السؤال الآن، وقد شارفت “الثورة” المسلحة على نهايتها، هل يفكر بوتين في أن مرابطة جيشه في سورية ستكون مقبولة شعبياً، إن وافق على إصلاحٍ يعلم أن بشار يرفض المعارضة طرفاً آخر فيه، لذلك يفكر بالتخلي عنه، وسط شائعاتٍ عن صفقةٍ تحافظ دولياً على النظام، أي مؤسسات الدولة الأسدية في مقابل التخلي عمّن تصفه بالضعيف والفاسد؟
أثارت التسريبات الروسية غباراً كثيراً حول من أنقذته قبل نيف وأربعة أعوام، وبعثت التفاؤل بقرب تحقيق الهدف الذي ربط الشعب مصير ثورته به، أعني إسقاط بشار، علماً أن من المحتمل أن يكون الغرض من إثارة الغبار هو الحؤول بين السوريين ورؤية ما تخطط موسكو له على حقيقته. ولا يُنسى أن الروس أساتذة في مجال التضليل والكذب، ويحتمل جداً أنهم يطرحون الصفقة ليكون قبول السوريين بها ورقة ضغط في أيديهم على من سيدخلون بازار الحل في واشنطن وإسطنبول وتل أبيب وطهران، وإلا بلبلة الأجواء، كما يفعل التجّار الحاذقون قبل عقد صفقة رابحة، يقرّرون خلالها ثمن الخروف الذي سيضحّى به فيها، ويأمل ملايين السوريين أن يكون اسمه بشار الأسد ودولته.
العربي الجديد
——————————
التخلّص من الأسد/ عمر كوش
شهد الملف السوري، في الآونة الأخيرة، تطوراتٍ ملحوظة، سياسية وعسكرية، وذلك بعد الهدوء النسبي الذي ساد جبهات القتال في مناطق إدلب المشمولة باتفاق الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، الموقع في الخامس من مارس/ آذار الماضي، والذي استبعدت منه إيران، وأفضى إلى تعزيز الوجود العسكري التركي في مناطق الشمال السوري. وشملت تلك التطورات رسائل روسية وزيارات واتصالات لمسؤولين في الدول الثلاث المنخرطة في مسار أستانة، بدأت بزيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شوينغو، دمشق، التي أراد ساسة موسكو من خلالها توجيه رسالة إلى نظام الأسد تؤكد ضرورة عدم خرقه الاتفاق الذي وقعه بوتين وأردوغان، وعدم التصعيد العسكري في إدلب أو استهداف القوات التركية فيها، ما يعني أن ساسة الكرملين أفهموا نظام الأسد أنهم لن يضحّوا بعلاقات بلادهم الواسعة مع تركيا من أجل تنفيذ رغباته.
وكانت لافتة الحملة الفاضحة وغير المسبوقة التي شنتها أوساط مقرّبة من الكرملين على نظام الأسد، وتناولت فساده وضعفه وعدم أهليته، وهي أمور يعرفها الساسة الروس جيداً، لكنهم أرادوا نشرها في هذا التوقيت، كي يوجهوا رسائل سياسية غير مباشرة إلى الولايات المتحدة والغرب، وأخرى إلى النظام السوري وحليفه نظام الملالي الإيراني في هذه المرحلة التي تشهد متغيرات كثيرة في ظل جائحة كورونا وتبعاتها على الاقتصاد العالمي، خصوصا على الاقتصاد الروسي الذي تأثر كثيراً بالحرب النفطية مع السعودية، تلتها ضربات الانخفاض الكبير في أسعار بيع النفط عالمياً.
وإذا كانت الحملة الروسية على نظام الأسد تريد أن تظهر عدم تحمّل ساسة الكرملين مزيدا من التكاليف في سبيل نظام الأسد، خصوصا وأنها لم تجن ثماراً على المستوى السياسي، ولم تحقق ما كانت تطمح إليه الشركات الروسية اقتصادياً، إلا أنها لن تؤثر على النظام بشكل مباشر في هذه المرحلة، ربما غايتها التمهيد لمرحلة مقبلة، خصوصا أن هدف الرسالة منها قد تحقق حيال فضح فساد مراكز قوى معنية، تعود إلى أسماء الأسد وأقربائها، والصراع الاقتصادي ما بين متنفذي عائلتي الأسد ومخلوف. ولكن الأهم هو عدم الالتفات إلى رغبة النظام الإيراني في التصعيد العسكري، وتحجيم دوره في سورية، بما يؤدي إلى تقييد وجود المليشيات الطائفية التابعة له، وإبعادها عن المناطق القريبة من الحدود “الإسرائيلية”.
ويدرك ساسة النظام الإيراني أن الحملة الروسية على النظام في دمشق قد لا تكون مجرد سحابة صيف، بل ستترتب عليها متغيرات، والأهم أنهم يدركون أيضاً أنهم مستهدفون في سورية، ولذلك أوفدوا وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى دمشق، كي يظهروا موقفهم الداعم للنظام، وأنهم لن يتراجعوا عنه، لأن أي تراجع أو انكفاء إيراني سيفضي إلى ترنّح النظام واهتزازه داخلياً، خصوصا أنه يواجه تبعات كبيرة وثقيلة، نتيجة جائحة كورونا التي تضرب إيران، فضلاً عن تبعات العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة عليها، وبالتالي يشكل الموقف الروسي من التغلغل الإيراني في سورية عامل ضغط إضافي على النظام الإيراني. لكن، وعلى الرغم من كل ما يتعرّض له النظام المذكور، سواء في الداخل أو الخارج، إلا أنه لا يريد أن يظهر ضعفه الذي سينقص من هيبته، خصوصا أن وجوده المليشياوي تلقى ضرباتٍ قوية في كلّ من سورية والعراق، الأمر الذي يشي بأن هذا الوجود يمرّ بأصعب لحظاته، وأن الشبكة العنكبوتية التي بناها النظام بدأت تضعف، حيث باتت مليشياته في سورية تتعرّض لضربات إسرئيلية عديدة ومتكررة، من دون رد فعل يُذكر.
ويبدو أن التفاهمات الروسية الإسرائيلية جعلت ساسة الكرملين يصمتون عن الاستهدافات والهجمات الإسرائيلية المتكرّرة على حزب الله اللبناني والمواقع التابعة للمليشيات الإيرانية، ولا يحرّكون ساكناً، وبات جنرالات إسرائيل يتحدّثون عن الانتقال إلى مرحلة طرد الوجود الإيراني من سورية، لذلك ليس مصادفة أن يعلن وزير الحرب الإسرائيلي، نفتالي بنيت، “نحن لا نواصل لجم نشاطات التموضع الإيراني في سورية فحسب؛ بل انتقلنا بشكل حاد من اللجم إلى الطرد، أقصد طرد إيران من سورية”. ويُفهم من الصمت الروسي أن ساسة موسكو لا مانع لديهم لما تقوم به إسرائيل، وفق تفاهمات أُبرمت بين الطرفين.
غير أن ساسة موسكو الذين صرفوا جهودا سياسية وإمكانات عسكرية وموارد مادية كثيرة في سبيل تحقيق مصالحهم التي وجدودها في تمكين نظام الأسد من استرجاع سيطرته على مساحات واسعة من سورية، يريدون استثمارها سياسياً، عبر التفاهم مع القوى الفاعلة في المجتمع الدولي، وهذا لن يتحقق إلا بضرورة إحداث تغييرات عميقة في بنية النظام السياسي والاقتصادي في سورية، وذلك عبر إيجاد سبيل للتخلّص من الأسد، وهو أمرٌ يعيه ساسة موسكو جيداً.
ولن يتحقق أي تفاهم بشأن حل سياسي في سورية، يريد الروس التوصل إليه مع الولايات المتحدة ودول الغرب عموماً، وإشراك دول إقليمية فيه، وخصوصا تركيا، في ظل ترك الأمور في سورية كما هي عليه، لأنه ببساطة سيلاقي رفضاً دولياً واسعاً، حيث إن النظام الذي ارتكب جرائم كثيرة، وأودى بسورية والسوريين نحو الكارثة، لن يتعامل معه المجتمع الدولي وكأن شيئاً لم يكن، حسبما تريد موسكو، ولذلك عليها تحمّل التبعات، وإيجاد مخرج مقبول يتمثل بالتخلص من الأسد.
العربي الجديد
——————————–
بوتين للأسد: الأصول الاقتصادية الرئيسية لسوريا مستحقة لروسيا
قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطالب رأس النظام السوري بشار الأسد بالأصول الاقتصادية والاستراتيجية المجزية، مشيرة إلى تمهيد روسي لاستهداف النظام.
ونقل موقع “DEBKAfile” الإسرائيلي عن مصادره في الشرق الأوسط، حسبما ترجم بروكار برس أنّ “موسكو تتعامل بجفاء واضح مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد التدخل العسكري الروسي الذي أنقذ نظامه من الثورة السورية في عام 2015. وسبب الخلاف ليس رفض الحاكم السوري المتشدد تقديم أي تنازل صغير للمعارضة لرسم خريطة مستقبل بلاده بعد الحرب تحت رعاية روسيا – أو حتى عدم امتنانه لمنقذه”.
وزاد نقلا عن مصادره “أنه حان الوقت للرئيس فلاديمير بوتين للتربح من هذا التدخل. وبما أن الديكتاتور السوري أثبت أنه ما زال صامداً، فإن بوتين يحفر تحته وحوله للمطالبة بالأصول الاقتصادية والاستراتيجية المجزية التي يعتقد أنه ربحها من استثمار 25 طائرة حربية روسية فقط، والتي استطاعت أن تغير وجهة الحرب لصالح جيش يقاتل بشكل غير فعال من أجل نظام الأسد”.
وعن التحرّكات الروسية التمهيدية، قال الموقع إنّ بوتين “يمهد طريقه باستهداف قوات الأسد. ففي الجنوب، تجند روسيا الميليشيات المتمردة التي كانت ترعاها إسرائيل سابقاً وتعيق انضمامها إلى الجيش الحكومي. وقد تم ثني قبائل جبل الدروز القوية، على وجه الخصوص، عن رمي ثقلها لمصلحة القوات الحكومية وقيل لها أن تبقى “محايدة”. كما يجري زرع “عملاء” روس في أوساط النخبة العسكرية والاستخباراتية للأسد”.
وأضاف: “في غضون ذلك، يُنصح الحاكم السوري بشدة بعدم تسليم تنازلات قيّمة لأقاربه العلويين أو أصدقائه أو الإيرانيين – أو التدخل ضد مطالب الشركات والأوليغارشية الروسية بالحصول على امتيازات ثمينة. وتؤكد موسكو أن الإيرانيين لم يعودوا شركاء”.
أمّا رغبة بوتين فهي بحسب ما ذكر الموقع وترجم بروكار برس التخطيط “لمنح امتياز الفوسفات إلى يفغيني بريغوجين، الذي يمتلك مجموعة المرتزقة الروسية المسماة فاغنر والتي تعمل في سوريا وليبيا. ومنح صناعة البتروكيماويات السورية وهيئة ميناء طرطوس إلى جينادي تيمشينكو، الذي كان يعمل سابقا في شركة غازبروم، والذي تشمل مصالحه شركة غاز تدعى نوفاتيك وشركة بتروكيماويات تسمى سيبور القابضة. وكلا الرجلين من دائرة بوتين المقربة”.
———————————–
========================
=======================
تحديث 03 أيار 2020
———————————-
أيها القيصر.. ماذا بعد خمسة عشر فيتو؟/ بسام يوسف
صار بإمكان صندوق الاقتراع أن ينتج قياصرة، وصار يحق للجميع- بعد أن ضمن بوتين لنفسه قيادة روسيا حتى عام 2034- أن يسخر من الديمقراطية، كما سخر منها القيصر ذاته، هذا القيصر الخارج من رحمها الكاذب.
ولأننا أصبحنا- نحن السوريين في الداخل والخارج- رعايا هذه الدولة أو تلك، لا سيما أن “دولتنا” العتيدة لم يعد لديها ما تفعله من أجلنا؛ فتفرغت- في الفترة الأخيرة- لنهب ما تبقى من وطننا المدمر، ولإنتاج المخدرات وتهريبها، وللاستثمار في اللوحات الفنية وشرائها بعشرات ملايين الدولارات، لكنها لم تنس في خضم أعمالها الجديدة، أن تظل قوة قمعها للسوريين على حالها وربما أقوى.
ولأننا بلا حول ولا قوة؛ فإن من تنطحوا للتحدث باسمنا، باعوا أنفسهم، وباعونا أيضاً؛ ليستثمرهم الآخرون بما هو ألعن وأدق رقبة. ولأننا لم نعد نعرف أي مهووس سيقرر مصيرنا، نحن الهنود الحمر في هذا العصر، ولأننا… فهل يمكننا أن نسأل؟ وهل يحق لنا أن نسأل؟
يا أيها القيصر الطاغية… ماذا تريد منا بعد أن رفعت يدك خمس عشرة مرة مستعملاً حق النقض “الفيتو” ضدنا؟ وماذا تريد منا بعد أن استعملتنا مادة تسويقية لأسلحتك، وبعد أن جعلت منا حقل تجارب منتجات الموت والدمار التي تنتجها؟
تتناول وسائل الإعلام في هذه الفترة ما يصدر من جهات روسية رسمية وغير رسمية حول بشار الأسد ومصيره، وأغلب هذه الوسائل تتحدث عن تغير في الموقف الروسي من بشار الأسد واستعدادها للتخلي عنه، وفي معظم هذه الأخبار يجري تناول الأمر كأنه قرار شخصي من بوتين، كما لو أنه يقيل موظفاً عادياً في شركة تابعة له، وتتجاهل هذه الأمنيات عدة اعتبارات مهمة لا يمكن إغفالها عند الحديث عن مصير بشار الأسد والنظام السوري أيضاً:
أول هذه الاعتبارات، هو: هل تستطيع روسيا وحدها- ممثلة ببوتين- فعلاً تقرير مصير بشار الأسد؟ وإن كانت تستطيع، فهل من مصلحتها التخلي عنه؟
إن بشار الأسد، هذا الذي لا يزال يلعب حتى اللحظة على فهم المصالح العميقة لكل الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، وعلى فهم أن هذه الأطراف كلها- وبلا استثناء- غير مهتمة بالشعب السوري ولا بمصيره، بل إنها تعمل جاهدة لمنع هذا الشعب من امتلاك قدرته على الإمساك بحق تقرير مصيره، وبالتالي فإنه لا يزال مراهناً على نجاعة الاستراتيجية التي كرسها أبوه من قبله وأتقنها، وهي الاستراتيجية التي ترتكز على استثمار القوة التي يملكها موقع سوريا الجيوسياسي. إنه يدرك – أي بشار- أن التخلي عنه ليس أمراً سهلاً على أي طرف من الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، فلماذا إذن تشيع روسيا أنها غير معنية به وبمصيره، ولماذا إذن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فتفضحه، وتتهمه بالعجز والفساد، وتضعه في مواضع تفيض عليه إذلالاً واستهتاراً؟
ما هو المخفي، وأين؟ ثمة معضلة أساسية يواجهها الروس في سوريا، إنها إيران، إيران التي تتصارع وروسيا على امتلاك القرار السوري، وهي إيران التي تعهدت روسيا- لأمريكا وإسرائيل- بتحجيمها في سوريا، وهي إيران التي استثمرت كثيراً في سوريا، ودفعت كثيراً؛ كي تتغلغل في بنية الدولة السورية وفي المجتمع السوري، وهي إيران المنهكة إلى حدود مخيفة – الآن- بحصارها وتدني مبيعات نفطها، وهو مصدر دخلها الأهم، وهي أيضاً إيران المبتلية بتفشي كورونا فيها، وهي إيران التي رغم كل ظروفها فإنها لا تزال مصرة على قبض ما تراه مناسباً، مقابل ما دفعته وتعبت من أجله في سوريا. هذا بما هو الحد الأدنى الذي ينحصر في مجال الاستثمار والبيع والشراء والربح والخسارة، أما استراتيجياتها الإقليمية فهي العصب المخفي الذي لا يتحمل مساومة ولا تسوية.
إنها المعادلة صعبة الحل، لا سيما أن بشار الأسد- الآن- يلعب لعبة قليل الحيلة، وهي لعبة التعويم، مادام يدرك حاجة كل الأطراف له؛ فهو يترك نفسه لأي اتجاه يجذبه الموج إليه، فهو الذي استقبل مؤخراً – رغم كورونا- وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، دافعاً بالروس إلى مزيد من التسريبات التي تتحدث عن نهايته كرئيس لسوريا.
ما يمارسه الروس اليوم من تسريبات، إضافة إلى فضح بشار الأسد ومنظومته الفاسدة، وهو ما تعرفه روسيا منذ زمن طويل، لماذا الآن إذاً تنشر غسيله؟ أليست محاولة منها للضغط عليه؛ كي يساعدها في ضبضبة إيران وتحجيمها، إيران التي لا تزال مصرة على إعلان صرامتها وقوتها في القرار السوري؛ قاصدة إلى تذكير العالم – وربما بدرجة أولى روسيا- كل فترة، بأنها هي من تمسك بشار الأسد من رقبته.
ما يحاول بشار الأسد فعله اليوم هو فقط الإبقاء على قبضته الحديدية المطبقة على عنق الشعب السوري، وعدم السماح لأي طرف خارجي بخلق بديل له، مراهناً على تسليم هذه الأطراف بالإبقاء عليه بهذه الصيغة أو تلك. لكن ثمة ما يخيف بشار الأسد ويقض مضجعه، وهو: إدراكه أن من هم أصحاب القرار النهائي في مصيره، ليسوا هم الروس والإيرانيون والأتراك (حلف سوتشي) فقط، إنما أيضاً أمريكا وإسرائيل، وكلاهما ليس مستعجلاً؛ فمصالحهما ستكون مصانة بالتأكيد، مهما تكن نتائج الصراع داخل حلف النظام.
إن بوتين ينشط في الفجوات بين وعوده لإسرائيل وأمريكا، وحقائق الأرض في سوريا، وحقائق الاقتصاد الروسي وانعكاساته الداخلية على المجتمع الروسي، ويحاول أن يتفق مع الإيرانيين على صيغة ما، صيغة تبدو إيران حتى اللحظة أنها غير مستعدة لقبولها، وهي تهمس في أذن بشار الأسد كل ليلة قبل أن يدخل إلى غرفة نومه:
مصيرك بيدنا، لا تنس.
لكن، مع كل هذا ثمة حقيقة مؤكدة، وهي: أن أحداً في هذا العالم لا يقبل ببقاء عائلة الأسد، ولن يقبل ببقائها على رأس سوريا. لكن، حتى يتم الاتفاق النهائي على ترتيب صيغة سوريا القادمة، فإن بشار الأسد سيبقى الواجهة التي تحتاجها كل الأطراف.
وها هو السيد بوتين، بعد خمسة عشر تصويتاً بالنقض “الفيتو” في مجلس الأمن، يسرب لنا نيافته: أن بشار الأسد وبطانته فاسدون. أية مزحة سمجة هذه يا سيادة القيصر!
تلفزيون سوريا
——————————
الانتقال السياسي الآن أو الانقلاب/ هدى أبو حلاوة
لم يعد الشعب السوري بكافة أطيافه السياسية والاجتماعية يحتمل ما آلت أوضاعه المأساوية في كافة المجالات بعد ترديها إلى درجة اتسع بها الخرق على الراقع الذي ظل طوال عشرة أعوام يداعب أوهام التحسين والإصلاح.
ويسود في هذه المرحلة اعتقاد عام بضرورة إحداث تغيير جذري شامل وفوري في الدولة والمجتمع، والملاحظ أن هذا الاعتقاد لم يعد حكراً على الأوساط المعارضة بل أخذ يخترق الخطوط السياسية التقليدية الفاصلة بحيث يمكن أن يؤسس لحالة إجماع وطني مقبل بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، وبدأت بعض الأوساط السورية وغير السورية ترى أن هذا التغيير الوطني ممكن ضمن المعادلات الوطنية والإقليمية والدولية القائمة، بل وأصبح يشكل مادة للتوقعات من حيث شكله وآلياته وأدواته.
لم يعد الجوع والبرد والمرض، وبكلمة واحدة البؤس، يفتك بأهل سوريا وأطفالها في مخيمات اللجوء والنزوح فقط بل امتدت مساحته لتشمل جميع المدن والبلدات والقرى السورية، وهكذا أنعم نظام الأسد على الشعب بشكل من أشكال العدالة حين عمم المساواة في البؤس.
لقد أصبح فساد هذا النظام منذ عقود حديث الناس داخل وخارج سوريا بعد أن تحول إلى نموذج حياة وعلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولكن كلفة الاحتجاج كانت باهظة بالمقارنة مع كلفة الصبر والاحتمال. والآن، بعد أن جفت شرايين الشعب، تحولت ضواري الفساد تنهش بعضها بعضاً، ويستولي بعضها على منهوبات البعض الأخر، وآخر فصول ذلك ما يحدث بين آل الأسد وآل مخلوف، العائلتان اللتان تمثلان الاحتكار السياسي والاحتكار الاقتصادي.
وما يفاقم من بؤس السوريين أن الأمن والأمان أصبحا حلماً بعيد المنال، وعلى مبدأ حاميها حراميها أصبحت الأجهزة التي يناط بها تحقيق الأمن والأمان في أي دولة أحد عوامل انعدامهما ليس بسبب الفساد فقط، ولا بسبب عدم قدرة النظام على الحكم فقط، بل أيضاً بسبب تعدد ولاءاتها الداخلية والخارجية، وهكذا تحولت هذه الأجهزة إلى عصابات متناحرة وفقاً لقانون الغاب السائد وتضارب مصالح من تواليه.
يتراجع دور الهوية السورية في تشكيل وتوجيه الوعي الجمعي لصالح الانتماءات ما دون الوطنية والنزعات البائدة والوافدة التي تبعثها القوى الإقليمية النافذة كسواغ أيديولوجي لنفوذها، وعلى سبيل المثال، شهدنا مؤخراً صراعاً عبثيا بين جماعات من جبل حوران وجماعات من سهلها، وهناك حركة منظمة لنشر الصيغة الفارسية من التشيع كانت موجودة قبل الحرب إلا أنها كانت محدودة التأثير، ولكنها انتشرت سرطانياً مع دخول الميليشيات الطائفية إلى سوريا، وتكرس ذلك بالتغلغل في المؤسسات التعليمية عبر مذكرة تفاهم بين وزارة التربية والتعليم السورية مع نظيرتها الإيرانية تقضي بإشرافها على تعديل المناهج الدراسية السورية وطباعتها في إيران، بما يحمله كل ذلك من خطر على وحدة وبنية المجتمع السوري الهشة أساساً بسبب الحرب.
وفي ظل وجود أربع حكومات وأربع قوى عالمية وإقليمية نافذة في سورية، وتضارب مصالح وأهداف هذه الحكومات والقوى الداعمة لها، وتمتع خطوط الفصل الجغرافي بينها بالاستقرار النسبي، تصبح الوحدة الجغرافية للبلاد في خطر طويل الأمد.
ينظر الكثيرون إلى عملية التغيير بتبسيط مخل، والبعض لا يرى في ذلك أكثر من التخلص من تلك العائلتين، ولكن عملية التغيير لا تقتصر على الهدم بل إن جانب البناء فيها هو الأهم والأصعب والأعقد، ويجب أن ينصب أكثر الجهد على هذا الجانب، وليس علينا أن نبدأ من الصفر، لدينا أكثر من نقطة بداية لعملية بناء البديل منها القرارات الدولية والقرار 2254 على وجه الخصوص.
ومع إدراكنا للمسؤوليات الأخلاقية والسياسية المترتبة على روسيا جراء تدخلها العسكري، وإنها لوحدها أو مع شركائها غير قادرة على تحقيق الحل، إلا أننا نستغرب فقر الإدارة الروسية أو إحجامها عن المبادرات العملية التي تتيح فتح الطريق لتحقيق الحل السياسي، وربما تشكل النقاشات الإعلامية والبحثية الدائرة حالياً في الأوساط الروسية بداية للتخلي عن السلبية والانطلاق نحو مبادرة عملية قابلة للتطبيق.
وأخيراً، مع هذا البؤس المعمم وما يولده من يأس، والخطر الوجودي الذي يتهدد سوريا الجغرافية والمجتمع والهوية والفرد، يمكن القول إن منحنى اليأس لدى كافة السوريين بمن فيهم جمهور المعارضة وجمهور الموالاة قارب نقطة الانقلاب، فإما الضياع وإما التخلص من الاستبداد والفساد وتحقيق التغيير الوطني الديمقراطي والانطلاق نحو علاقة صحية سليمة بين الشعبين السوري والروسي تحفظ للدولتين مصالحهما الوطنية. مع هذا الخراب العظيم لا وقت لدينا، الانتقال الآن وغداً سنكون متأخرين.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار
بروكار برس
—————————
مع اشتداد أزمة اقتصادها، روسيا مستاءة من الأسد ولم تعد قادرة على الإنفاق عليه
في الوقت الذي يبقى فيه الاقتصاد العالمي أسير أزمة شديدة، نتيجة تداعيات جائحة كورونا، يعيش الاقتصاد الروسي هذه الأيام أزمة “غير مسبوقة”، وفق وصف محللين روس، ذلك أنّه وفضلاً عن تداعيات كورونا، يواجه التداعيات الخطيرة لهبوط أسعار النفط، منذ مطلع مارس (آذار) الماضي، وتولي الأوساط السياسية والبحثية في أرجاء العالم اهتماماً واضحاً بتطورات الأزمة الاقتصاديّة في روسيا، وكل لديه أسبابه لهذا الاهتمام. وفي العالم العربي يتساءل كثيرون حول تأثير تلك الأزمة على السياسة الروسيّة في الشّرق الأوسط بشكل عام، مع التركيز بصورة خاصة على مصير التواجد العسكري الروسي، ودور الكرملين في التسوية السياسية للأزمة السورية، في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة.
أزمة الاقتصاد والتواجد العسكري الروسي في سوريا
يربط البعض مصير الوجود العسكري الروسي في سوريا بالأزمة الاقتصادية، وانطلاقاً من الاعتقاد أنّ روسيا قد تضطر لتخفيض الإنفاق بغية توفير موارد لضمان استقرار اقتصادها، يتوقع هؤلاء أن يقرّر الكرملين تخفيض الوجود العسكري خارج الأراضي الروسية بشكل كبير، بما في ذلك في سوريا. ومع أنّ جميع الاحتمالات تبقى قائمة دوماً، إلا أنّ العودة لطبيعة الإنفاق على ذلك “التواجد” تشير حتى الآن إلى أنّه لن يتأثر بأزمة اقتصادية، وإن كانت خانقة، إلا أنّها عابرة، لن تدفع الكرملين للتخلًي عن قواعد عسكريّة، بالغة الأهميّة للسياسة الخارجيّة الروسيّة والسعي لاستعادة النفوذ على المسرح الدولي، حتى لو كانت الأزمة الاقتصاديّة أشدّ بكثير مما هي عليه الآن، فإنّ الإنفاق على التواجد العسكري في سوريا لا يشكل عبئاً على الميزانية الروسية، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الشروط التي وافق عليها النظام السوري، حين منح قاعدة حميميم الجويّة بداية، ومن ثم قاعدة طرطوس البحرية العسكرية للقوات الروسية. إذ تستخدم تلك القوات القواعد في سوريا “مجاناً”، فضلاً عن ذلك حصلت القوّات الروسية، بموجب الاتفاقيتين على “إعفاءات” من الرسوم الجمركيّة على نقل معداتهم والمقتنيات العامة للقوّات والشخصية للأفراد، بينما لا تخضع ممتلكات القوات الروسية في سوريا، العامة والشخصية للأفراد لقوانين الضرائب.
مع تلك “التسهيلات” فوق العادية التي حصلت عليها القوات الروسية، يبقى الإنفاق محدوداً ضمن الأجور الشهرية للعساكر والضباط، والنفقات اليومية على الطعام وصيانة المعدّات الحربية، وغيره من نفقات تقوم بها وزارة الدفاع ضمن أي قطعة عسكرية على الأراضي الروسية. وتتباين التقديرات بشأن حجم ذلك الإنفاق، وبينما قال حزب “يابلكو” أنّ الكرملين أنفق حتى عام 2018 ما يقارب 4 مليار دولار على تلك العملية، أكد الكرملين أنّ النفقات لم تتجاوز حجم المبالغ المحددة في ميزانية وزارة الدفاع لتمويل التدريبات والمناورات العسكرية. وبغض النظر عن الرقم الدقيق، يبدو أنّ الجانب الروسي غير مكترث بحجم ذلك الإنفاق، لاسيما بعد أن وجد في العمليات العسكرية في سوريا، ساحة لاختبار الأسلحة الحديثة منها والقديمة، في قصف المدن السورية، التي تحوّلت في الوقت ذاته إلى “منصّة دعائية” استغلّها الروس في الترويج لصناعاتهم الحربيّة. كما أنّ وزارة الدفاع الروسية تستفيد من العملية السورية في صقل الخبرات القتالية للقوات، أي أنّ سوريا باتت ميدان تجارب وتدريبات عسكرية لروسيا، بحجم متدنٍ للغاية من الإنفاق.
رؤية روسية لتأثير الأزمة على الدور في سوريا
يجمع غالبيّة الخبراء الروس على أنّ أزمة الاقتصاد لن يكون لها تأثير على الدور العسكري في سوريا، ولا يستبعدون بعض التأثير على موقف روسيا من ممارسات النظام السوري. أليكسي كوبريانوف، كبير الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قال لـ”ليفانت”: “إنّ النفقات الروسيّة على العملية في سوريا ليست ذات أهمية، بالنظر إلى النفقات العامة من الميزانية، لذلك لن يوقف أحد تلك العملية لأسباب مالية”. ومن جانبه عبّر فيكتور ليتوفيكن، الخبير الروسي بالشؤون العسكرية عن قناعته بأنّ الأزمة وجائحة كورونا لن يؤثران بشكل حاسم على نشاط القوّات الروسية في سوريا، لكنه لم يستبعد في حديث لـ”ليفانت” احتمال إعادة تدقيق مهام القوات في مجالات ما، وأوضح: “إنّ هذا مرتبط بالوضع الذي قد يظهر نتيجة ممارسات ما يُسمى شركاء، مثل إيران والولايات المتحدة وتركيا والإمارات العربية، وحتى ممارسات ونشاط قوى المعارضة السورية”.
الخبير الروسي بشؤون الشرق الأوسط، إيغر سوبوتين، عرض رؤية متكاملة لتأثير الأزمة الاقتصادية على وضع القوّات الروسية في سوريا، فضلاً عن تأثيرها على التسوية السياسيّة، وقال: “إنّ الاعتقاد بأن ترغم الأزمة الاقتصاديّة القيادة الروسيّة على إعادة التفكير بحجم الانخراط العسكري في سوريا، اعتقاد غير دقيق”. وبعد إشارته إلى أنّ الإنفاق على المشروعات السياسيّة الخارجية آخر ما يقلق الاستراتيجية الروسية، قال سوبوتين في إجاباته على أسئلة “ليفانت”: “إنّ تخفيض انخراط موسكو في النزاع في هذه المرحلة، من الناحية النظرية، يعني فقدانها التأثير الهشّ أساساً على النظام السوري ومؤسساته العسكرية. علماً أنّ موسكو بذلت جهداً كبيراً لتشكيل ذلك التأثير”، ولم يستبعد أن يشكل الشعور العام بالأزمة مناخاً للحديث عن تغيير قريب للنخب السياسيّة السورية، التي قال إنها تبقى عقبة أمام خروج سوريا من العزلة الاقتصادية.
أما الخبير، كيريل سيمينوف، من المجلس الروسي للشؤون الدولية، فقد ركّز على الشقّ السياسي المرتبط بتأثير الأزمة الاقتصادية، وقال لـ “ليفانت”: “إنّ ما نشرته وكالة “بلومبيرغ” بهذا الصدد جدير بالاهتمام، وهو على الأرجح يحدّد توجّهاً عاماً، بأنّ استياء موسكو من النظام في دمشق يتصاعد، على خلفيّة تنامي الصعوبات الاقتصادية المتصلة بتدابير الحجر الصحي لمواجهة كورونا، وانهيار أسعار النفط”، وأوضح أّن الحديث يدور حول استياء بسبب “عدم وجود أي تقدّم في مجال التحضير وتنفيذ إصلاحات، يرتبط فيها الاقتصاد مع السياسة”. وعرض أسباباً أخرى يعتقد أنّها تثير استياء موسكو من الأسد، وقال: “يدرك الجانب الروسي، على خلفية الأزمة الاقتصادية في روسيا، أنّه لم يعد بوسع موسكو وطهران تلبية احتياجات النظام على حساب احتياجات بلادهم، فضلاً عن ذلك تخشى موسكو أن تؤدّي الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، إلى انفجار اجتماعي جديد في سوريا، يهدّد النفوذ الروسي في ذلك البلد”.
وفي الختام قال الخبير من المجلس الروسي للشؤون الدولية: “لكنهم في العاصمة الروسية، بالكاد يعرفون ما الذي يجب فعله، إذ لا يزال الأسد يرفض التجاوب مع الإشارات التي يرسلها له الكرملين، بالنسبة للوضع السياسي والاقتصادي”.
ليفانت – طه عبد الواحد
————————————-
=======================
======================
تحديث 04 أيار 2020
—————————
روسيا تريد الأسد فرخاً/ مهند الحاج علي
بالإمكان اليوم رسم خط مستقيم بين الإهانات الروسية للرئيس السوري بشار الأسد، انتهاء بالمقالات الروسية الأخيرة عنه وعن فساد العائلة والمسؤولين. هذه الإهانات المتتالية كقطار لا تنتهي مقطوراته، بدأت فصولها بحركة يد العسكري الروسي لدفع الأسد خلف “نظيره” الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة “حميميم” في محافظة اللاذقية السورية في كانون الأول (ديسمبر) عام 2017. كانت تلك اللحظة تاريخية في رسم حجم الأسد على الأراضي السورية، في مقابل بوتين. لكن هذه المناسبة تحولت الى مسار بأسره، سيما مع إصرار الرئيس الروسي مطلع هذا العام على استقبال الأسد في مبنى السفارة الروسية في دمشق، وليس في مقر الرئاسة، وفقاً للبروتوكول.
محللون روس على علاقة بالكرملين رأوا حينها أن الإستقبال المهين لم يكن مؤشراً الى قناعة روسية بضرورة إبدال الأسد، بل كانت ضرورة “تأديبية”. هو صنف من لي الذراع. استدعى الرئيس الروسي رئيس سوريا الى غرفة في السفارة الروسية، وكأنه موظف فيها، لتذكيره بمن هو صاحب القرار الحقيقي، وبنوعية العلاقة الروسية-السورية. ليست العلاقة ندية، بل تبعية، وبالتالي فإن من الضروري الامتثال للسياسة الروسية في المحطات المفصلية.
كانت هذه الرسالة الروسية حينها، ولم تكن في طياتها إشارة إلى جدية في اطاحة الأسد وإبداله بشخصية أخرى، لأن من شأن ذلك نسف النظام بأسره ومعه الاستثمار الروسي فيه. لكن موسكو ترغب في المضي قدماً في العملية السياسية وجذب استثمارات عربية وربما أوروبية لتمويل إعادة الاعمار، بما يعود بالفائدة على الشركات الروسية. لذا ترتكز السياسة الروسية على إعادة لحمة العلاقات السورية-العربية، والتخفيف من وطأة النشاط الإيراني على الأراضي السورية، والاحتكاك مع إسرائيل عليها.
رغم حلفهما الموضعي عسكرياً، تسير روسيا وإيران في مسارين منفصلين حيال سوريا. موسكو تريد انهاء الحرب باتفاق سياسي يُرضي الجانب التركي، ومن ورائه العالم العربي وبعض أوروبا، والى حد أقل القوى الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة. لكم مثل هذا الاتفاق يحتاج الى تعديل دستوري يُوزع صلاحيات السلطة المركزية، وينقل بعضها من الرئاسة الى رئاسة الحكومة. لا يُمانع بوتين ممارسات الأسد من قصف للمدنيين والمستشفيات واستخدام للأسلحة المحظورة وسجن المعارضين وتعذيبهم واغتيالهم. بالعكس، مثل هذه الممارسات تُقرب بين الزعيمين ورصيدهما المشترك ولا تُبعد بينهما. لكن الفارق الوحيد هنا هو الليونة. ذلك أن بوتين نفسه لم يُمانع توزيع الأدوار بينه وبين ديمتري مدفديف لسنوات عديدة، بل لعب هذا الدور بإتقان واستمر فيه للإيحاء باحترام الدستور وبتبادل للسلطة.
في المقابل، لا يملك النظام السوري سلاح المناورة في هذا المجال. وهنا تبرز هوة سحيقة بين الرجلين. ليس بشار أصيلاً في منصبه، ولا حتى بالوراثة، بل هبط عليه بفعل حادث سيارة على طريق مطار دمشق قبل 26 عاماً. وبوتين المخضرم الذي سلك دروباً موحلة في الأمن والسياسة، يفقد صبره مع الأسد بعد خمس سنوات على التدخل الروسي. لهذا يلجأ الى وسائل غير تقليدية تتأرجح الى الآن بين الإهانة البروتوكولية والتوبيخ العلني.
مصدر آخر لإزعاج موسكو هو لجوء بشار الأسد الى حيل قديمة في كتب السياسة مثل اللعب على حبل التوازن الإيراني-الروسي الذي لم يعد مفيداً اليوم مع انتهاء الأعمال الحربية ووصولها الى الحد الأقصى المسموح به تركياً وأميركياً. وهذه الحركات البهلوانية استُهلكت، ولا يبدو أن لدى روسيا الغارقة في أزمتين صحية في ظل تفشي الكورونا (كوفيد-19) ومالية مع العقوبات وانهيار أسعار النفط، ترف الانتظار. تحتاج روسيا الى الخروج من أسر العقوبات، وبناء شبكة علاقات خارجية تُساعدها على تخطي محنتها المالية والاقتصادية التي قد تتحول الى تهديد وجودي لسلطة بوتين وإرثه السياسي.
لذا علينا قراءة الانتقادات الموجهة وغير الاعتيادية للرئيس الأسد مع أخذ عامل الزمن والأزمة في الاعتبار، لأن الدول الشمولية لا تفتح عادة نار الانتقادات على حليف لها في الإعلام. هذا سلاح غير عادي لزمن صعب. وبوتين الذي اغتال خصوماً ومنشقين بالسموم النووية والسيارات المفخخة، لن يرتدع عن التصعيد لو اقتضى الأمر. قد تكون هذه الانتقادات بمثابة نداء أخير للأسد: إمّا أن تتحول الى فرخ مطيع وحصري لدى رئيس الكرملين، وليس بالشراكة مع ايران، أو قد تُفاجئه روسيا بأسلحة أخرى في جعبتها.
المدن
—————————-
بوتين يريد لململة المغامرة.. و صبره ينفد مع الأسد
ذكرت وكالة “بلومبرغ” أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ ينفذ صبره مع “حليفه” رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي “لا يبرهن على امتنانه لموسكو لبقائه في السلطة كما يحتاجه زعيم الكرملين”.
وقالت في تقرير بعنوان “بوتين يعاني من صداع سوريا والكرملين يلوم الأسد”، إن الرئيس الروسي يواجه معضلة مزدوجة، من ناحية انهيار أسعار النفط ومواجهة فيروس كورونا، ومن ناحية أخرى يريد لململة المغامرة العسكرية في سوريا واعلان النصر.
وأضافت الوكالة الأميركية أن بوتين يصرّ على أن يظهر الأسد المزيد من المرونة في المحادثات مع المعارضة السورية بشأن التسوية السياسية وإنهاء الحرب التي قاربت على عقد من الزمان.
وتسبب رفض الأسد في التنازل عن السلطة مقابل اعتراف دولي أكبر وحتى مقابل ربما مليارات الدولارات من مساعدات إعادة الإعمار انتقاداً عاماً نادراً ضده هذا الشهر من خلال منشورات روسية لها روابط مع بوتين.
وقال الديبلوماسي الروسي السابق الذي يدير مركز أوروبا والشرق الأوسط الممول من الدولة في موسكو ألكسندر شوميلين “يحتاج الكرملين إلى التخلص من الصداع السوري، المشكلة تكمن في شخص واحد هو الأسد وحاشيته”.
غضب بوتين وغموض الأسد يسلطان الضوء على معضلة روسيا الحالية، وهي أنه لا يوجد بديل للأسد في التوصل إلى إتفاق، بعد أن استغل كلّاً من موسكو وطهران للبقاء في السلطة كما استفاد من القوة العسكرية والديبلوماسية الروسية ضد جهود تركيا لتوسيع وجودها في المناطق المتبقية التي يسيطر عليها المعارضون في شمال سوريا بينما يسعى لاستعادة السيطرة على البلاد بأكملها بدعم من بوتين.
على المستوى الروسي الرسمي، نفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بوتين غير راضٍ عن الأسد لرفضه التسوية مع المعارضة السورية خلال المفاوضات.
وأشارت الوكالة إلى أن روسيا كانت تضغط ومن خلف الكواليس على الأسد، للموافقة على بعض التنازلات السياسية الرمزية على الأقل لكسب تأييد الأمم المتحدة لإعادة انتخابه في عام 2021، لكن من دون جدوى.
واليوم، تُعتبر سياسة الإنتقاد العلني من خلال الصحافة المُقربة من الرئاسة تحولا حاداً في النهج الروسي مع الأسد. فقد نشرت إحدى وسائل الإعلام المرتبطة بيفعيني بريغوجين المعروف باسم “طباخ بوتين” مقالاً عبر الإنترنت يهاجم الأسد باعتباره فاسداً.
كما أشار إلى استطلاع يظهر أنه حصل على دعم 32 في المئة فقط، بينما أدرج عدداً من البدائل المحتملة من داخل النظام السوري والمعارضة، لكن المقال اختفى عن موقع وكالة الأنباء الفيدرالية في وقت لاحق.
بعد أيام نشر مجلس الشؤون الدولية الروسية ـ وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية أنشأه الكرملين، تعليقاً ينتقد الحكومة في دمشق باعتبارها تفتقر إلى “نهج بعيد النظر ومرن” لإنهاء الصراع.
وقال الديبلوماسي الروسي السابق ونائب رئيس المجلس ألكسندر أكسينيونوك أنه “إذا رفض الأسد دستوراً جديداً، فإن النظام السوري يعرض نفسه لخطر كبير”. وأضاف أن “المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف بشأن إعادة صياغة الدستور السوري لإدخال بعض المنافسة السياسية بدأت أخيراً في أواخر العام الماضي، لكنها أصبحت على الفور في طريق مسدود عندما قام الجانب الحكومي بتخريبها عمداً”.
وأكد شخص مقرب من الكرملين أن ما نشر في الموقعين هو رسالة قوية للقيادة السورية، كما قال شخص مقرب من القيادة الروسية إن الرئيس الروسي ينظر للأسد ك”شخص عنيد ويمثل خيبة أمل له”، ولذلك استخدم موقعاً مرتبطاً ب”طباخ بوتين” لتوصيل الرسالة.
وفي 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، غير بيدرسون، لمجلس الأمن، إن الجولة الثانية من المفاوضات فشلت في الانطلاق لأن معارضي الأسد أرادوا مناقشة المسائل الدستورية وهو ما رفضته الحكومة السورية.
وقال ديبلوماسي مُراقب للشأن السوري، إن تحذيرات موسكو تعكس حالة الإحباط بين رجال الأعمال الروس الذين فشلوا بالحصول على عقود تجارية بسوريا.
وأضاف الديبلوماسي أن روسيا تدرك أيضاً مدى صعوبة الوضع في البلاد، مع فشل الأسد في توفير السلع الأساسية بسبب جائحة فيروس كورونا ومشكلة الشبكات الفاسدة التي تخاطر بالتسبب بنوع من المعارضة في مناطق معينة في المستقبل.
بدوره قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست
هيلترمان: “الأسد كان دائماً عنيداً في مواجهة الضغط الروسي لأنه يعرف أن سوريا أكبر من أن تفشل بالنسبة لروسيا”.
وأضاف “يبدو أن الحملة الإعلامية الروسية غير المسبوقة ضد الأسد والتي تتم بموافقة الحكومة، تعكس مدى حالة الإحباط في موسكو في الوقت الذي تكون فيه سوريا أقل اهتماماً”.
ورأت الخبيرة بمعهد الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية إيرينا زفاسليسكايا إن روسيا لديها قاعدة عسكرية بحرية وأرسلت قواتها لحراسة المناطق السابقة للمعارضة والطرق الرئيسية ولديها نفوذ ولكنها ستخاطر كثيراً لو حاولت الإطاحة بالأسد.
ولفتت الوكالة إلى أن العقدة بوجه الجهود الروسية لإقناع الرئيس السوري بالامتثال للطلبات الروسية ليست فقط إيران، التي دعمت الأسد بالمال والنفط والقوات لضمان بقاء سوريا ممراً لإمدادات الأسلحة إلى حليفها “حزب الله”، بل أيضًا في الإمارات العربية المتحدة.
وقالت إن الإمارات العربية المتحدة حريصة على موازنة النفوذ الإيراني والتركي في سوريا، وهي “خدعت الأسد بعد سنوات من معاملته على أنه منبوذ إلى جانب القوة الإقليمية السعودية ثم أعادت فتح سفارتها في دمشق في نهاية 2018 وترَوج للعلاقات التجارية”.
وأضافت زفاسليسكايا “توصلت العديد من الدول العربية إلى نتيجة مفادها أن الأسد سيبقى.. إنهم مضطرون للتعامل معه”.
————————————
نظام الأسد محاصر بين “قانون قيصر” والضغوط الروسية والخلافات/ عماد كركص
جاء تصريح المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، الجمعة الماضي، بدخول “قانون قيصر” حيز التنفيذ في يونيو/حزيران المقبل، ليزيد الضغوط على النظام السوري، التي تأتي أيضاً من قبل حلفائه الروس، عبر تلويح وسائل إعلام مقربة من دائرة صنع القرار بعدم صلاحية بشار الأسد كرئيس خلال المرحلة المقبلة، والتلميح إلى إمكانية توصل موسكو وواشنطن إلى صيغة تفضي لتنحية الأسد، ربما للبدء بالتسوية السياسية والدخول في مرحلة انتقالية تنهي الحرب المستمرة.
يترافق ذلك مع تصاعد حدة الخلافات داخل النظام، والتي أخذت تطفو على السطح، لا سيما بعد ظهور واحد من أكبر الواجهات الاقتصادية للنظام السوري رامي مخلوف (ابن خال رأس النظام بشار الأسد) على مواقع التواصل الاجتماعي، ليكشف عن تراجع علاقته مع الأسد، ومحاصرته لتصفية شركاته، بحجج الضرائب والمستحقات المالية المترتبة عليها للدولة، في حين تفيد التسريبات المختلفة أن سبب هذا التباعد هو الدور الذي تلعبه أسماء الأسد، زوجة بشار، لجهة هيمنتها على مفاصل اقتصاد النظام لصالح عائلتها (الأخرس)، وإبعاد عائلة مخلوف التي اعتمد عليها الأسد والنظام طيلة عقود.
وخلال اجتماع عبر دائرة تلفزيونية نظمه “المجلس الأطلسي”، وشارك فيه مستشار الرئيس التركي إبراهيم قالن والسفير الأميركي في أنقرة ديفيد ساترفيلد، أكد جيفري أنه سيتم تفعيل قانون قيصر في يونيو المقبل، ما سيتيح ملاحقة الأفراد والكيانات التي تتعامل مع نظام الأسد. وأوضح أن “الإدارة الأميركية ستبدأ باستعمال قانون قيصر لملاحقة المتورطين مع النظام السوري”. وأشار إلى “مواصلة حملة الضغوط على النظام لجعله يقبل بالحل والتسوية، بما في ذلك استخدام قانون قيصر بقوة ضد حكومة النظام وضد من يدعمونه”، معرباً بذلك عن “قناعة واشنطن بإمكانية الوصول إلى حل سياسي بشرط واحد هو صمود وقف النار في إدلب”.
وأضاف جيفري: “نحن مسرورون لأن جيش النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين أوقفوا العمليات العسكرية في إدلب، بعد العمليات التي قام بها الجيش التركي ووقف النار التركي – الروسي”. وطرح تساؤلاً عما إذا “كان النظام سيستأنف هجومه على إدلب لتحقيق انتصار عسكري، أم أن وقف إطلاق النار سيصمد، وسنتحرك في اتجاه حل سياسي للصراع عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254”. وأكد أن بلاده تدعم وقف إطلاق النار، معرباً عن رغبة واشنطن في “البناء على وقف إطلاق النار لحل النزاع، عبر دعم عمل اللجنة الدستورية لتمهيد الطريق لانتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة”.
و”سيزر” أو “قيصر” هو الاسم الحركي لضابط منشق عن النظام السوري، كان قد سرب آلاف الصور للانتهاكات المرتكبة بحق المعتقلين في سجون ومعتقلات وأفرع أمن النظام، والذي صيغ القانون باسمه، تحت عنوان “قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019”. وتعرّض القانون لعدد من التعديلات قبل التصويت عليه من قبل الكونغرس، كان آخرها في يونيو من العام الماضي، قبل تمريره في مجلسي الكونغرس والشيوخ، وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه نهاية العام الماضي. وينص على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية، أو التقنية، مع مؤسسات “الحكومة السورية”، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن النظام السوري أو روسيا أو إيران، أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسورية قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسورية من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها، أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية.
كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم. وحدد مجموعة من الشخصيات المُقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة، البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية. ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وعلى الرغم من اللهجة القاسية للمشروع، فإنه يترك الباب مفتوحاً للحل الدبلوماسي، فهو يسمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني له. كما يمكّن الرئيس الأميركي من رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.
وحول تداعيات دخول القانون حيز التنفيذ على بنية النظام الاقتصادية، أشار رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سورية” الاقتصادي السوري أسامة القاضي، إلى أن “مصرف سورية المركزي سيكون مشمولاً بالحصار الاقتصادي مع تطبيق القانون، وهذا معناه شلله تماماً، وبالتالي فإن عليه التعامل بأي عملة أخرى غير الدولار وربما اليورو، ما سيسبب إرباكاً كبيراً للنظام”. وأضاف “من جهة أخرى يهدد القانون أي جهة (كيان أو فرد) تتعامل مع النظام، ويعني ذلك أن أي شركة تريد أن تدخل إلى السوق السورية ستتعرض للعقوبات، وليس من مصلحة أي شركة تجميد أصولها في كل بلاد العالم وخسارة الأسواق الأوروبية والأميركية، في حال أقدمت على ذلك”. وأوضح القاضي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “من مميزات القانون أنه حدد سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية السورية بشكل قانوني، تشريعي، بقانون مُلزم لكل رئيس يأتي بعد ترامب، ولن يسقط القانون ما لم يكن هناك حل سياسي كامل”. وأضاف “هذا قد يدفع النظام إلى حسم أمره قبل دخول القانون حيز التنفيذ، أو يكون محفزاً للقوات الروسية في سورية لاتخاذ إجراءات تجاه النظام قبل التاريخ المحدد (يونيو) للمضي إلى حل سياسي، وتستطيع بذلك دول العالم الدخول إلى سورية لإعادة الإعمار. فمن دون الحل لا يمكن أن يكون هناك إعادة إعمار من قبل حلفاء النظام الذين سيستهدفهم القانون بالعقوبات”.
من جهة أخرى، أصدر “المجلس الروسي للشؤون الدولية” تحليلاً، أخيراً، عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سورية، توقع فيه توافقاً تركياً أميركياً روسياً إيرانياً على تنحية بشار الأسد ووقف إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وجاء في التحليل، الذي نقلته وكالة “الأناضول”، أن “منظمة روسية، تطلق على نفسها اسم صندوق حماية القيم الوطنية، وهي مقربة من الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس فلاديمير بوتين، تجري استطلاعاً للرأي العام في سورية. وبغض النظر عن مطابقة الاستطلاع للمعايير المهنية من عدمه، فإن الرسالة السياسية من إعلانه، والتي تضمنتها نتائجه، كانت غاية في الوضوح: الشعب السوري لا يريد الأسد”. وأضاف التحليل أن موسكو حرصت منذ بداية تدخلها العسكري في سورية، على الابتعاد عن تصوير نفسها مدافعة عن مصير الأسد. وخلص إلى أن “روسيا تبدو في الآونة الأخيرة أكثر جدية في إحداث تغيير في رأس النظام السوري، لأسباب عديدة، ليس أولها أن الاحتفاظ بورقة الأسد بات يثقل كاهل موسكو”، مشيراً إلى أن من بين الأسباب “تحول النظام من مؤسسات دولة تتبع لجهاز مركزي، إلى مؤسسات مرتبطة بمليشيات تديرها دول وقوى خارجية، ولا تتلقى أوامرها حتى من بشار الأسد نفسه، الذي بات خاضعاً في قراراته لابتزاز تلك المليشيات”.
وحول ذلك، أعرب الباحث المطلع على الشأن الروسي، محمود حمزة، عن قناعته بأن الروس سيتخلون عن الأسد، لكن المسألة في اختيار التوقيت. وأضاف، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الروس لا يستطيعون التخلي عن الأسد في المرحلة الانتقالية، وهي مرحلة حرجة، لأنهم يخشون خسارة كل مصالحهم في سورية. والروس غير متمسكين بأشخاص، فالأهمية بالنسبة إليهم في هذا الإطار أن يأتي إلى الحكم من يعتبرونه حليفاً لهم، ولذلك تمسكوا بالأسد خلال الفترة الماضية والحالية، كون مصالحهم مرتبطة به، لكن في المستقبل فإن من الواضح أن الأسد سيشكل خطراً على المصالح الروسية، لإن بقاءه يعني عدم الاستقرار في سورية”. واعتبر حمزة أن “الروس والأميركيين يحضّرون البدائل، وسيكشف عام 2021 ذلك، فمن المتوقع أن تخرج واشنطن بمبادرة في هذا الإطار”.
وأضاف “نرى الآن أن قانون قيصر والتصريحات الأميركية تصب في هذا الاتجاه، أي أن هناك مرحلة جديدة آتية، فالقانون عامل ضغط كبير على النظام وحلفائه، وبالذات روسيا وإيران، وبالتالي يجب الإدراك أن الأمور أخذت حيزاً جدياً. ولا شك أن القانون سيدفع باتجاه حل سياسي معين، طبعاً هو وغيره من الأوراق، كتقرير منظمة الأسلحة الكيميائية، بالإضافة للعقوبات على موسكو، وتردي الوضع الاقتصادي الروسي بعد تدهور أسعار النفط، والعديد من العوامل الداخلية الروسية، في مقدمتها تدهور الروبل، وكلها تدفع بهذا الاتجاه”. وتابع “كما أن الروس لم يعد من مصلحتهم الدخول في معارك وأعمال عسكرية، ويرون الآن أن من المجدي الاتجاه نحو الخيارات السياسية، التي تجني لهم الأرباح، فهم بحاجة للمال، ولا شك أن لديهم تفاهمات بهذا الخصوص ستظهر إلى العلن في الأشهر المقبلة”.
وحول ما إذا أرادت موسكو الالتفاف على “قانون قيصر”، لجهة تقديم دعم للنظام عبر “بوابة خلفية”، أوضح حمزة أن “روسيا ليس باستطاعتها ذلك، فالقانون أقره الكونغرس ووقّعه الرئيس الأميركي، والعقوبات الأميركية تلاحق روسيا وستلاحق النظام بعد دخول القانون حيز التنفيذ، ولن يستطيع أحد التحايل عليه”. وتطرق إلى الضغوط الإعلامية الروسية على الأسد، مشيراً إلى أنها تأتي “ضمن الضغط على الأسد لجهة النيل من مقربيه، مثل رامي مخلوف وشقيقه ماهر، بالإضافة للإشارة إلى فساد بشار الأسد ونظامه. ويمكن القول إن الحملة الإعلامية فتحت النار على كافة مفاصل النظام، وهذا لم يحدث صدفة، وإنما بضوء أخضر من السلطة في موسكو، ولو كان بغطاء غير رسمي. لكن حجم الحملة الواسع يُظهر أنها ممنهجة ومقصودة وتحمل رسائل، منها التبرؤ من فساد هذا النظام، وأيضاً الإيحاء بإمكانية التخلي عنه مقابل ثمن سيتم التفاوض عليه”.
العربي الجديد
————————————-
مخرج بوتين الوحيد/ يحيى العريضي
أنكَر الروس باستمرار أنهم في سوريا لحماية الأسد، ودأبوا على القول بأن هدفهم محاربة الإرهاب، وغايتهم “حماية الدولة السورية”؛وعندما كان يُقال لهم إن هاجسهم الأسد الذي يحمي مطامعهم، كانوا ينفون ذلك؛ حتى عندماوصل الأمر بالبعض لاعتبار أن “شمس الحل في سوريا تشرق من موسكو”، قالوا إن الحل سوري-سوري، وتملصوا من مسؤولية مايفعلون.
إذا كانت مكونات الدولة، التي يصرُّالروس على أنهم حريصون عليها، تتكون – كماهو متعارف عليه- من {شعب} تجمعه آمال وآلام ولغة وأرض وجملة من الأهداف المشتركة…، و- من {أرض} آمنة محميّة لكل أهلها، و- من{سيادة} وطنية مصانة؛ فأياً من هذه المكونات أو الركائز حرصت روسيا عليها؟ لا بد من الإقرار بأنه إذا كان ذلك قد تحقق في سوريا، فيكونون على حق؛ وإن لم يتحقق، فعليهم أن يقبلوا بأن تواجدهم في سوريا كان احتلالاً (أو على الأقل انتداباً) غايته تحقيق مصالحهم متخذين من السلطة الأسدية ما يشبه “حكومة فيشي”، كي ينفّذوا مآربهم؛ وبذا عليهم تحمل تبعات الاحتلال بكل مسؤولياته تجاه المناطق المحتلة ومن عليها، أو أن يخرجوا، ويتركوا السوريين يتدبروا أمورهم بأنفسهم.
لننظر بداية في القضايا التي كان لا بد أن تصونها روسيا، بناءً على تصريحاتها، بأنها في سوريا “لحمايةً الدولة السورية”؛ فنجد أن السوريين لم يتبعثروا، ولم يُهانوا، ولم يطالهم الوجع والعوز وغياب الأمن والأمان، كما هوحالهم الآن؛ وأن الأرض السورية لم تُستَبَح بقدر ما استبيحت من قبل دول وميليشيات وأفراد في هذه الفترة؛ وأن “السيادة السورية” لم تُنتًهًك بقدر ما انتُهكت بالعهد الروسي- ليس من قِبَل تلك القوى، بل من روسيا ذاتها: فما معنى أن الروسي يدخل، ويخرج، ويأمر،ويوقّع، ويعيّن، ويزيح، ويعزل ما ومن يريد، دون أي اعتبار للسيادة السورية؟! أو عندما تستدعي روسيا “رئيس السيادة” بطائرة شحن، لتلتقيه كأي شخص عادي، فهل هناك ماتبقى من سيادة؟!
إذا كانت روسيا لم تكفكف دموع أُمٍ سوريةٍ ثَكَلَت ابنها الذي قضى في معتقلات”الدولة” التي تحرص عليها، ولا أنجدت سوريةً يدنس شرفها الميليشيات التي تتحالف معها؛ وإذا كانت قد استخدمت قوة “الفيتو” لحرمان شعب هذه الدولة من العدالة والإنصاف، حتى عندما استخدم حليفها السلاح الكيماوي ضد شعبه؛ وإذا كانت هي ذاتها ساهمت بتدمير آلاف المباني وقتل الآلاف من هذا الشعب وتشريده؛ فكيف تكون حريصة على الدولة السورية؟!
من السذاجة اعتبار روسيا غافلة عن كل ذلك، ولكنها ربما اعتقدت بأن تزوير الحقائق، وتزييف الوقائع، والمكابرة قد يجعلها تتفلت من هكذا مسؤوليات. المفارقة، أن المستفيد الأساسي من تدخلها، والذي راهنت عليه في نجاح مقاربتها البائسة للقضية السورية، هو ذاته يخذلها؛ أحياناً مختاراً، عندما يحاول اللعب على المتناقضات، وأحياناً خارج إرادته، عندما يفشل في إدارة الفساد، ويرضخ للابتزازات الإيرانية، والميليشياوية، وتورمات مراكز القوى العائلية حوله (فهل يغفل السوري عن حوت المال القديم رامي مخلوف، والحوت الجديد أسماء بظهيرها البريطاني وتناقضاتهما وانفضاحهما أو مسرحياتهما التي لن ترمم ما ينهار)؟!.
أمام كل ذلك الفشل الذاتي والموضوعي؛وبعد أن اعتقد السيد بوتين أن القفز إلى الغنيمة السورية قد يخفف ملفاتها الثقيلة في القرم وأوكرانيا وجورجيا، وفي ظل اقتصاد روسي مهترئ، ومقاطعة غربية موجعة، وإغراء تركي ثمين، وتدهور في أسعار النفط، وكساد في أسلحة ارتكبت روسيا أبشع الجرائم لاستعراضها وتسويقها؛ وأمام داخل روسي يتململ؛ لا بد أن بوتين- التكتيكي المتألق- قد قرر إعادة حساباته؛ وربما على رأسها وقف الاستنزاف السوري، الذي ربما قد يسحب قدمه إلى ما يشبه المغطس الأفغاني.
ولكن، إذا كان بوتين يعتقد أنه قد حقق حلم القياصرة بالوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط، وأنه يعوّل على سلطة عميلة له في دمشق تكفل سلامته من السواد الأعظم من السوريين؛ وإذا استمر ببهلوانياته من خلال شن حملة إعلامية روسية تظهر فساد سلطة دمشق وعجزها بدايةً، ومن ثم إعطاء أوامره لتلك السلطة في سوريا لاتخاذ إجراءات توهم السوريين وغيرهم بأن سلطة دمشق قوية وقادرة على قمع الفساد بادئة برأسه الأكبر رامي مخلوف، وستنتقل إلى مفسدين آخرين ربما زوجة الرئيس أو أخيه ومن تحت حمايتهم مروراً ببعض مراكز قوى لإيران، بغاية إظهار رأس السلطة في وقت قادم كمخلِّص قوي نزيه جاهز لاستحقاق الانتخابات الرئاسية القادمة؛ فأنه بذا يثبّت على نفسه أولاً بأنه في سوريا لحماية الأسد حصراً، لاعتقاده الراسخ بأنه الوحيد الذي يحمي له مصالحه ومصالح روسيا في سوريا، وثانياً، سنراه يغوص في أخطائه أكثر. فذكاء بوتين لا بد يدلّه على أن السلطات العميلة أعجز من أن تحمي أسيادها، و لا بد لذاكرته أن تسعفه فيما إذا استطاعت حكومة”بابراك كارمال ” أو “حفيظ الله أمين ” العميلتين من حماية الجنود السوفييت من غضب المواطن الأفغاني العادي، ولا بد أنه يعرف بأن السوريين قد يعفوا ولكن لن ينسوا الفظائع التي ارتكبها الروس بطائراتهم وأسلحتهم ضد الأطفال والنساء والمدنيين؛ويدرك أيضاً أن السوريين وغيرهم يعرفون بأن الفساد والعجز والخلل والخراب في الرأس الأكبر و بمنظومته حصراً.
بوتين أمام اللحظة الحاسمة؛ إما أن يكون في سوريا سلطة انتداب تنغصها دولياً إيران وأمريكا وإسرائيل وتركيا، ونظام يلاحقه الكيماوي وقيصر والفشل والفساد والوهن والنقمة، وشعب سوري لن يسكت على الظلم والاستبداد؛ أو العودة إلى القرارات الدولية التي تنص على انتقال سياسي “بهيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات”، لا وجود فيها لمنتسب أصلاً بكل هذا الوباء. صحيح “إن الخطايا القديمة لها ظلال طويلة، كما تقول الكاتبة البريطانية “أغاثا كريستي”، ولكن الرأي الصائب في اللحظة الحاسمة هو الذي يجعل المرء يتعظ من تجاربه وتجارب الآخرين السابقة.
ملحوظة لاحقة: إن التسجيل الأخير لرامي مخلوف يجعل أي لعبة روسية في تقديم الأسد كمخلّص شبه مستحيلة. ويبقى أمامه المخرج الوحيد: انتقال سياسي دون مَن تسبب بالوباء. هكذا يريح ويستريح.
تلفزيون سوريا
—————————-
=========================
===========================
تحديث 06 أيار 2020
—————————–
هل تنجح الأزمة العالمية في إنهاء المحنة السورية؟/ برهان غليون
(1)
موسكو .. الإعداد لما بعد الأسد
تتزايد المؤشرات الصادرة عن مصادر صحافية وتقارير مؤسسات روسية، كان جديدها ما نشره “المجلس الروسي للشؤون الدولية” عن احتمال وجود توافق روسي أميركي لتنحية بشار الأسد، وتشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام وقوات سورية الديمقراطية (قسد). مع كل الاحتياطات والتحفظات التي ينبغي أن نأخذها قبل أن نغذي مثل هذا الأمل على تفاهم دول لم يُظهر أكثرها أي اعتبار للمصالح السورية الوطنية والشعبية. وعلى الرغم من العقد الكثيرة التي تجعل التوصل السريع إلى مثل هذا الاتفاق بين دول متضاربة المصالح ومتنافسة في ما بينها على استخدام سورية ورقة للتفاوض، ومسرحا لامتحان القوة وتصفية الحسابات التاريخية، ومع ضرورة التمسك، أكثر من أي وقت مضى، بالحذر من بيع الأوهام التي عانينا منها كثيرا، لا يمكن لنا، كسوريين معنيين بالخروج من النفق الذي وضعتنا فيه الحرب الدموية، ألا نفكر في هذا الاحتمال وألا نتعامل معه بجدّية، فبصرف النظر عن هذه التسريبات، كان من الواضح منذ أن أخفقت الحملة الروسية الإيرانية على إدلب، وتم التوصل إلى وقف ولو هش لإطلاق النار، أن الحرب قد وصلت إلى خاتمتها، ليس لأن الروس والإيرانيين حققوا أهدافهم الرئيسية، ولكن لأن توازنات القوى أوصلتها إلى طريقٍ مسدود، لم يعد يستطيع أي طرف أن يحقق فيها أكثر مما حققه من قبل، وبالتالي لم يعد من الممكن لموسكو استرجاع ما كانت تحلم به من سيطرة كاملة على التراب السوري وإجبار الأطراف الأخرى على القبول بالحل الذي تمليه عليهم بحسب مصالحها. وأصبح من المفيد أكثر وقف الاستثمارات الإضافية فيها، والسعي إلى قطف ثمار ما بذلته من جهود، قبل أن تضيع هي ذاتها.
تدفع في هذا المنحى أيضا عوامل أخرى، أهمها الانتخابات الرئاسية السورية في منتصف العام المقبل (2021)، فطالما لم تتبلور خطة الخروج من الحرب قبل هذا الموعد، ستجد موسكو نفسها أمام تمديد أوتوماتيكي للأسد لن يترك بعد ذلك فرصة للتسوية أو للتفاهم مع أي طرف من الأطراف الدولية، والولايات المتحدة بشكل خاص. وهناك الضغط المتزايد الذي يشكله تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية وشلل حكومة الأسد في مواجهتها، ومخاطر الانفجارات الاجتماعية، ما يهدد بانفلات الأوضاع والفوضى وتجدد أعمال العنف، من دون أن يستطيع أحد السيطرة عليها. وليس هناك شك أيضا في أن الأزمة الصحية التي تسبب بها وباء كورونا، وما تبعها من أزمة اقتصادية أضيفت آثارها إلى نتائج المقاطعة والعقوبات التي لا تزال موسكو ترزح تحت ثقلها، ثم الانهيار الذي شهدته أسعار النفط، وهو المصدر الرئيسي لدخل الدولة الروسية، لا يمكن لذلك كله إلا أن يدفع موسكو إلى التخفف من الأعباء الإضافية وتجميد الحروب “الثانوية”، والتوجه إلى البحث عن مزيد من التعاون الدولي، للخروج من الأزمة العالمية الكبرى. وليس للتسريبات الصحافية حول استياء الرئيس الروسي من الأسد سوى هدف واحد، هو استدراج عروض غربية للدخول في مفاوضات وحوار تتجاوز أهدافه القضية السورية بكثير.
ومع ذلك، ليس مؤكّدا أن موسكو قد اكتشفت الصيغة التي تساعدها على التخفيف من عبء الأزمة السورية ومخاطر استمرارها. كما أنه ليس من المضمون أيضا أن تُفضي المفاوضات التي لم تبدأ بعد مع واشنطن إلى نتيجة سريعة، فالأميركيون المعنيون أكثر من أي طرف دولي آخر بالتنزيلات الروسية في ثمن السلعة الأسدية ليسوا بالضرورة في عجلةٍ من أمرهم. ولا أحد يعلم حتى اليوم ما الذي يريده الأميركيون في سورية. هل هو الاستمرار في تعقب ما تبقى من تنظيم الدولة الإسلامية، أم بالفعل القضاء على الوجود الإيراني على أراضيها، أم تحقيق حد أدنى من الحكم الذاتي للكرد السوريين، أو الحفاظ على السيطرة على الموارد النفطية السورية، أو تعزيز سيطرتهم الإقليمية؟ وكيف يستقيم ما جاء في تقرير “المجلس الروسي”
المذكور من حديث عن اتفاق بين الروس والأميركيين والإيرانيين والأتراك حول تسوية سورية قادمة وحكومة انتقالية، إذا كان إخراج الإيرانيين من سورية لا يزال هدفا رئيسيا للسياسة الأميركية، اللهم إلا إذا كان قد حصل، في الوقت نفسه، اتفاق إيراني أميركي بشأن مصالح إيران في سورية المقبلة، وحجم وجودها وطبيعته، وفي ما يتجاوز ذلك أيضاً. وبالمثل، ليس من الواضح كيف يمكن إدراج قوات سورية الديمقراطية (قسد) طرفا في الحكومة الانتقالية العتيدة، في الوقت الذي لا تزال تركيا تعتبر هذا التشكيل منظمة إرهابية تهدّد أمنها القومي، بينما لا يزال الكرد السوريون في “قسد” يرفضون الانفصال عن قيادة حزب العمال التركي المرفوض من أنقرة، أو التفاهم مع المعارضة السورية على حدود المناطق التي يريدون تقرير مصيرهم فيها، هل هي أراضي الإدارة الذاتية الراهنة التي تضم أغلبية ساحقة عربية، أم هي مناطق الكثافة السكانية الكردية التي أصبحت، إلى حد كبير، تحت سيطرة السلطات التركية المباشرة أو غير المباشرة؟
وعلى الرغم من ذلك، لا ينبغي التقليل من أهمية نافذة الفرص الجديدة التي فتحت، وسوف تزداد انفتاحا على الأغلب، لا بسبب توصل الأطراف المعنية إلى اتفاقٍ يبدو لي أنه لا يزال بعيد الحصول، وإنما بسبب غياب الخيارات الأخرى، ومخاطر التدهور المتزايد في الأوضاع السورية والعالمية أيضا، والخوف من تراجع الفرص في المستقبل، وجعل الخروج من المأزق، بالنسبة للروس بشكل خاص، أكثر كلفة بكثير، وربما مع تهديدهم بخسارة المكاسب التي حققوها حتى الآن.
(2)
انهيار المعارضة
من الجهة الأخرى، لم تعد المشكلة الوحيدة، أو حتى الرئيسية، التي تحول دون الانتقال السياسي، استعصاء التفاهم بين الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الحرب السورية، فعاجلا أو آجلا، ستجد هذه الدول نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، التوصل إلى تسويةٍ توقف الحرب، وتمهد لاستثمار المكاسب التي تحققت أو المخاطرة بالغرق في مستنقع “أفغاني” جديد. وهو الخيار الذي لا يمكن للروس أن يسمحوا لأنفسهم بتجربته ثانية، حتى لو أن هذا هو ما تتمناه طهران وتعمل عليه.
يشكل ضعف تأهيل المعارضة وتشتتها، وفشل إدارتها المناطق التي خضعت لسيطرة فصائل عسكرية تدّعي الانتماء لها، مشكلة ثانية لا تقل اليوم أهمية عن الأولى؛ إذ يحتاج الانتقال من حكم المليشيات المحلية والإقليمية وسيطرة الأجهزة الأمنية إلى حكم تعدّدي مدني، يضمن الأمن والاستقرار بحده الأدنى، إلى قوى وتنظيمات سياسية تتمتع بالحد الأدنى من الصدقية، وتملك الإرادة والقدرة على تأطير الجمهور الشعبي وقيادته، لمواجهة فلول الأجهزة الأمنية والعسكرية التي ارتبطت بالنظام، وساهمت بشكل كبير في قتل آلاف الضحايا الأبرياء. وكما لا يمكن الثقة بهؤلاء، حتى بعد استبعاد بعضهم من الخدمة الميدانية، لا يمكن أيضا المراهنة على عفوية الشعب، المحطّم والممزّق طائفيا ومذهبيا ومناطقيا وقوميا، في تجاوز الألغام التي لا يزال يضعها في طريقه منذ نصف قرن نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والعرب، وفي مواجهة ألاعيب القوى القديمة أو الحد من نفوذها وتأثيرها.
ولا جدال في أن المعارضة، على مختلف اتجاهاتها، فشلت خلال السنوات التسع الماضية في استعادة أنفاسها، وإعادة تنظيم صفوفها، لتحول الملايين من السوريين، المستميتين في تغيير الأوضاع المأساوية ونمط السلطة الهمجية التي تحكّمت برقابهم لعقود طويلة، إلى قوى فاعلة ومنظمة، قادرة على المشاركة الإيجابية في الحياة السياسية الجديدة، وتجنب الانزلاق إلى مهاوي الصراعات الجانبية والطائفية والفوضى التي انزلق إليها العراق بعد سقوط الديكتاتورية، والتي قضت، في النهاية، على حلم العراقيين في بناء دولة مستقلة وسلطة ديمقراطية تلبي طموحاتهم وتستجيب لتطلعاتهم التحررية.
ولا أقصد بالمعارضة هنا الأحزاب السياسية المعروفة، وإنما قدرة السوريين، الثائرين على حكم الطغيان، جميعا، على تنظيم أنفسهم في قوى وتشكيلات سياسية ومدنية، وائتلافات أو جبهات أو تحالفات جدّية وفعالة، تنسق جهود ونضالات جمهور الشعب لمواجهة مهام الانتقال السياسي، وتحقيق الأهداف التي ثاروا من أجلها، فقد قضى آلاف من النشطاء والمثقفين والسياسيين، الذين انتموا بصدق لمعسكر التغيير والديمقراطية، جل وقتهم الماضي، في تصفية الحسابات الشخصية. فامتهن بعضهم التشهير بالمعارضة الحزبية التقليدية التي اكتشفوا هشاشة بنياتها، وتشوش أفكارها وضعف قياداتها، وجند بعضهم الآخر نفسه لتحطيم ما كان يتمتع به بعض النشطاء والمثقفين من صدقية، حتى لا يكون هناك كبير غير الجمل، كما يقول المثل الشائع، ويتحوّل الجميع إلى أصفار متساوين، بينما تخصص بعض ثالث في الكشف عن الفساد الذي انتهى إلى تقرير أن أغلب المعارضين والنشطاء، إن لم يكن جميعهم، فاقدون للوطنية، ولا يهمهم سوى الكسب والارتزاق. هكذا أصبح السوري الشهيد هو السوري الوحيد المخلص والثوري الحميد.
وهكذا تحول النقد الذاتي إلى عملية منهجية لنزع الشرعية عن التشكيلات السياسية التي مثلت الثورة أو حاولت تمثيلها، كالمجلس الوطني والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وهيئة التنسيق والهيئة العليا للمفاوضات والحكومات المؤقتة والشخصيات السياسية والثقافية. واحتلت المحاكمات العشوائية والأحكام أو الاتهامات المجانية مكان التحليلات السياسية والدراسة الموضوعية للشروط التاريخية وللتحديات الحقيقية المادية والاستراتيجية والدولية التي واجهت الثورة السورية. ولم يشذ قادة الأحزاب “التاريخيون” عن هذا المنحى في نقد المعارضة، وتحميل المسؤولية لشركائهم أو منافسيهم، كما لو كانوا خلال السنوات الطويلة الماضية مجرّد متفرّجين أو شهود زور. لم يذكر أحد منهم كلمة واحدة عن الخيارات الكبرى التي تبنوها ودفعوا إليها، ولا عن أسباب تحطم السفينة التي فرضوا أنفسهم قادة لها، مكتفين بتكرار أن الجميع وقع في الخطأ، من دون تحديد ماهية الخطأ، أو التفكير في أسبابه، وكيفية تصحيحه.
ولا يمكن لمراقبٍ موضوعي أن لا يعترف بأن المعارضة السورية التي تشمل جميع الذين قادوا أو شاركوا في قيادة معركة إسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطي بكل أشكالها، لم تستفد كثيرا من تجربتها المريرة الماضية، ولا حاولت أن تفهمها وتستوعب أسباب فشلها. ولا نزال نتبادل التهم ونتبارى في التبرؤ من المسؤوليات التي يرميها النشطاء الشباب على السياسيين المحترفين، والسياسيون على المثقفين، والمثقفون على الإسلاميين، وهؤلاء على المجتمع الدولي والدول “الصديقة” والعدوة.
(3)
فشل المراجعة السياسية
السبب في هذا الانهيار لجيل كامل من المعارضة السورية، التي وضعت عليها الحوارات الصامتة لبعض زعمائها وصمت أكثرهم الناطق نقطة الختام، هو ببساطة إخفاقها، بعد تسع سنوات من كتابة شعبها تاريخه بالدم، في القيام بالمراجعة السياسية المطلوبة، واستسهالها الخوض في وحل المعارك الشخصية والأخلاقويات الكاذبة، بدل السعي الجدي والصادق إلى التعرّف على أخطائها وإعادة النظر في خططها واستراتيجياتها للبرهان على أنها لا تزال أهلا للقيادة، والاستمرار في تحمل المسؤولية، والقدرة على اتخاذ الخيارات الصعبة والضرورية، فقد كان من شأن المراجعة الجدّية، وهذه غايتها أيضا، أن تعيد تأهيل المعارضة وصدقيتها، باستعادتها الثقة على المستويات الثلاثة التي لا قيمة لها ولا فاعلية ولا وزن من دونها:
أولا، ثقة أعضائها ذاتهم بأنفسهم، وتجاوز مخاطر الاستسلام للفشل والتسليم بالعجز والانسحاب أو الارتماء على الدول الأجنبية. وثانيا، ثقة جمهورها وحاضنتها الشعبية بها وبقدرتها على تحمل المسؤولية ومواجهة التحديات والتغلب عليها. وثالثا، ثقة الرأي العام والمجتمع الدوليين في أهليتها لأن تشكل بديلا ممكنا ومتماسكا لنظام الاستبداد، يمكن المراهنة على مشاركته في بناء نظام جديد، وتجنب احتمال الفوضى والتشتت والانقسام.
لقد خسرت المعارضة السورية، على مختلف تشكيلاتها وفصائلها، معركة المراجعة هذه، ووجدت نفسها، في المقابل، تعوم في مستنقع من المساءلات والمحاسبات والاتهامات المتبادلة التعسفية، فدمرت نفسها بنفسها، بدل أن تعيد ترتيب أفكارها وتنظيم صفوفها ورسم خططها واستعادة المبادرة. وخرجت، كما نعرف جميعا، بكل تشكيلاتها وفصائلها وشخصياتها من الحلبة، وتركت جمهورها في ضياعٍ فكري وسياسي وعاطفي كامل.
وما جرى ويجري منذ بضع سنوات يشبه المناحة الجماعية التي يتبارى فيها النائحون في التشكي والتظلم والدعوة إلى الانتقام، وربما إلى إقامة محاكم تفتيش فورية، وإطلاق تهم جزافية، لتأكيد فكرة الفشل والعجز والخيانة وغياب الشرعية، أكثر بكثير مما يشير إلى مناقشة عقلانية تعتمد الحديث في الوقائع والأحداث التاريخية والنتائج والمقدمات. وهو من نوع السلوكيات البدائية التي تبرز مركزية الأهواء والمآخذ الذاتية والنفسية، وأحيانا الدينية، على حساب مناقشة القضايا السياسية والاستراتيجية. ولا يمكن لهذه السلوكيات إلا أن تنتهي بتعميق الشرخ بين الجماعات والأفراد، وتأجيج عدائهم بعضهم بعضا، ونفورهم المتبادل، وربما الرغبة في الاغتيال.
تهدف المراجعة إلى إعادة تركيب الوقائع في الذهن، لتعميق فهمنا لديناميكية الأحداث، وتحسين قدرتنا على التدخل والاختيار وتجاوز الأخطاء والقرارات التي بنيت على أسس ضعيفة أو واهية، ومن ثم إعادة إصلاح الممارسة وهيكلة مؤسسات العمل والنشاط. ولذلك لا تقوم المراجعة على قراءة واحدة أو رواية شخصية لطرف واحد، وإنما هي ثمرة تقاطع القراءات المتعدّدة للمشاركين في الفعل، وهذا ما يساعد القارئ، أي الجمهور والرأي العام المعني بالأمر، على إعادة تركيب الوقائع الصحيحة أو تكوين رؤية موضوعية أكثر لما حدث، وتحديد المسؤوليات السياسية، أي الخيارات الخاطئة التي تستدعي التبديل، من دون أن يعني ذلك إدانة القادة أو التشكيك بإخلاصهم، فالمخلصون يخطئون، بل هم وحدهم الذين يخطئون، أما أضدادهم فهم يسيئون عن عمد وتصميم وغدر.
من هذه المناقشات الجدّية والموضوعية المسؤولة يتكون الوعي السياسي الجمعي، ويتغذّى بالمراجعات والنقد الذاتي، ويوجه المجتمعات، ويساعدها على تنظيم نفسها وتربية القادة الجدد بثقافة ومنهج للعمل وأخلاقيات تشجع على التعاون والعمل الجماعي والنقاش الموضوعي وتبادل وجهات النظر.
فلا توجد تجربة ونشاطات إنسانية ومعارك سياسية لا تحتمل فيها القرارات خيارات مختلفة، ولا تحمل بالتالي في ذاتها إمكانية النجاح والفشل. وما قد يبدو خيارا صحيحا يمكن أن يظهر خاطئا في نظر شخص آخر أو في وقت مختلف. وكل التجارب الثورية، من حيث هي عملية تاريخية جديدة وإبداعية، بمعنى أنها ليست تكرارا لدرس محفوظ سلفا، تحتمل اجتهاداتٍ متباينة بالضرورة. والفشل جزء من النجاح، بمقدار ما يشكل الطريق الإجباري في أوقات كثيرة للتعرّف على الحلول الصحيحة، فنحن نتعلم كما تقول الحكمة دائما، من خلال التجربة والخطأ. ومن يخاف من الخطأ لا يهم بأي عمل، ويبقى ساكنا كالحطب.
أما المراجعات التي تتحكّم بها روحية تصفية الحسابات، مع الذات أو الآخر، أو الماضي، أو العروبة، أو الإسلام والقومية والتاريخ، وتدفع إليها الرغبة في الانتقام أو الظهور والوجاهة، وتسويد صفحة المنافسين وسمعتهم، فهي، بمقدار ما تشخصن القضايا العامة، تقود بالضبط إلى عكس ما تدّعيه تماما، أي إلى فرط المجتمع السياسي الجديد الناشئ، وجعل مهمة بناء القوى أو إعادة تجميعها غاية مستحيلة، بل غائبة كليا عن التفكير. وهذا ما يقود إليه ترصد الزلات وتصيد الأخطاء والامتحان الدائم لضمير الأشخاص، والتشكيك بنواياهم، وأصولهم، ومذاهبهم، وطوائفهم، وطبقاتهم، لضرب صدقيتهم وإخراجهم من الملّة والدين، أعني هنا بالتأكيد ملّة المعارضة ودينها. وليست لهذا علاقة بالمراجعة والنقد الذاتي، وإنما هو من باب الصراع البدائي، أي غير المنظم ولا المرشد، على القيادة والسلطة والوجاهة، والذي ينتهي حتما، كما جاء في الذكر الحكيم: لَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ. .. وهذا ما حصل بالضبط.
(4)
نحو جيل جديد من الساسة والمثقفين
يفسر هذا كله ما نجد أنفسنا عليه اليوم من حالةٍ يرثى لها من الانفلاش وانعدام الوزن وفقدان الثقة والتفاهم والتعاون والتنظيم، تحرمنا من المشاركة في قيادة عملية انتقالية محتملة أو المساهمة في دفعها وصياغة شروطها وغاياتها، أي في تقرير مستقبل بلادنا. ولكن الإقرار بأن الجيل السابق من المعارضة، بكل ما يمثله من أفكار وتقاليد ومناهج عمل وحرتقات وألاعيب قد انتهى، لا يترتب عليه أن نلوذ بالفرار، أو نترك المهام الصعبة الماثلة أمامنا، ونحتمي وراء فكرة الفشل وانعدام القيادة والقدوة. إنه يرتب علينا بالعكس، وأقصد هنا على جيل الشباب الجديد الذي عاش الثورة، وعانى فيها، وشارك في تضحياتها، مسؤوليات جسيمة أكثر، فقطع الأمل بالأقدمين ينبغي أن يشجع الشباب، ويحثهم على التقدّم إلى الواجهة، واحتلال مواقع القيادة التي أصبحت فعليا شاغرة.
وعلى الرغم من أن إدراكنا حقيقة أن الخروج من المحنة لن يكون ممكنا من دون تفاهم الأطراف الدولية ودعمها، إلا أن حضورنا سيصبح أكثر فأكثر أهمية في المستقبل، فلن تكون هناك إمكانية لتجاوز حالة الانقسام والتشتت والتنازع والفوضى التي يعيشها مجتمعنا السياسي اليوم، ولفترة طويلة مقبلة، ولا أقول لتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود، من دون عودة السوريين إلى دائرة الفعل، بصرف النظر عن الموقع الذي سيحتلونه في مواجهة الروس والترك والأميركيين والإيرانيين وغيرهم. ولا توجد أي وسيلة لتحقيق هذه العودة وانتزاع السوريين حقهم في تقرير مصيرهم، وتنظيم شؤون وطنهم ومجتمعهم بأنفسهم، ما لم يبدأ جيل الشباب الجديد، من النشطاء والسياسيين والمثقفين المتحرّرين من ثقافة الماضي وتقاليده، ومن روح التبعية أو الانتقام، منذ الآن في المبادرة لتحمل مسؤولياته، واستكمال ما لم يستطع جيلنا السابق إنجازه، بما في ذلك المراجعة النقدية للثورة وخياراتها والبناء على دروسها، وعلى ما قدّمه جيل آبائهم وأسلافهم من تضحيات ومبادرات وأعمال جليلة، وبطولية أحيانا، ما كان من الممكن من دونها استعادة قيم الكرامة والحرية وانطلاق الثورة التي تشكل، بلا منازع، الحدث الأعظم في تاريخ سورية الحديثة، والأساس العميق لتحرّرها وتحديثها القادمين.
والخطوة الأولى في إطلاق هذه المسيرة الجديدة والمبدعة تكمن في خلع رداء العجز والإحباط، والخروج من مناخ الغيتو الذي حبسنا أنفسنا فيه في العالم الافتراضي، والدخول في الفضاء السياسي الحقيقي، والانخراط في النشاط العملي، مع الجمهور الذي نريد أن نستعيده ثقته، ونعيد له ولنا معه روح الإنسانية وقيمها التي حرمنا جميعا منها. وهذا يعني الانخراط في العمل الدؤوب والصامت، الفكري والاجتماعي والسياسي، لبناء القوى الذاتية، وتنظيم الجهود والطاقات المتفجرة لجيل الثورة والأجيال القادمة في مؤسساتٍ حية وقوية، من جمعيات ومراكز بحث وروابط اجتماعية وثقافية وخيرية ونقابات وأحزاب، هي التي سيكون لها الدور الأكبر في حسم معركة الصراع على طبيعة الحكم ونوعية القيم التي سوف تسيطر على نمط العلاقات الاجتماعية داخل الدولة الجديدة.
لقد حصر النظام الاستبدادي، بإغلاقه منافذ الحرية في المجالات الاجتماعية كافة، وجعله تنظيم المجتمع حكرا على سلطة الأجهزة الأمنية، الديناميكية الاجتماعية بأكملها في الصراع على السلطة والسيطرة على آلة الدولة. وهكذا، فقد السوريون مع الزمن تقاليد العمل المدني والاجتماعي، وانزوى القسم الأكبر منهم بعيدا عن أي نشاطات عمومية. وحتى في وقتنا الراهن، وعلى الرغم من انهيار أسطورة الدولة الاستبدادية وتحطيمها، لا يزال أغلب النشطاء الذين شاركوا في الثورة أو تعاطفوا معها يعيشون، باستثناء تنظيمات معدودة للجاليات السورية المهاجرة هنا وهناك، في غربة ثقيلة بعضهم عن بعض، وفي معزل عن أي مؤسسة أو رابطة أو منتدى. ربما في انتظار ساعة سقوط السلطة وانتقالها إلى من يمثلهم أو يتحدث باسمهم.
العربي الجديد
————————–
هل تصبح روسيا جزءاً من الحل في سورية؟/ عبد الباسط سيدا
عمل الروس، منذ اليوم الأول لانطلاقة الثورة السورية، على دعم النظام السوري ومساندته، والحيلولة دون سقوطه. وقد تقاطع موقفهم ذاك مع مشروع النظام الإيراني في سورية، والذي هو في الأساس جزء من مشروعه التوسعي العام في المنطقة، سواء في العراق أم في اليمن، وحتى دول الخليج، هذا ناهيك عن لبنان الذي بات بمثابة محافظة إيرانية، مع قسط من الحكم الذاتي الشكلي الذي يراعي خصوصية البلد. وقد راهن الرئيس الروسي، بوتين، على اتخاذ ورقة سورية بوابة العودة إلى نادي القوى العظمى في عالم السياسة الدولية.
ويبدو أن التوجه الروسي هذا قد تقاطع، إلى حد كبير، مع التقديرات الإسرائيلية لتطورات الأوضاع في سورية وتفاعلاتها، فليس سراً أن النظام السوري قد أثبت، منذ توقيعه على اتفاقية فك الارتباط مع إسرائيل، في 31 مايو/ أيار 1974، وهي الاتفاقية التي صاغها، وأشرف على تنفيذها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، لإسرائيل أنه “العدو” الأكثر ضماناً ومصداقية بالنسبة لها، والأكثر قدرة على تضليل السوريين، وتفريغ شحناتهم العاطفية الوطنية بشعاراتٍ كبرى ديماغوجية، أثبتت الوقائع أنها كانت أصلاً من “عدّة الشغل”، وهي الشعارات التي ما زال النظام السوري يردّدها، وكذلك يفعل راعيه الإيراني، والمليشيات المرتبطة بهذا الأخير، سواء في لبنان أم العراق.
أمدّ الروس نظام بشار بالأسلحة والذخائر، وقاموا بتغطيته في مجلس الأمن، واستخدموا حق النقض (الفيتو) في تعطيل جميع القرارات التي كانت لصالح الشعب السوري. وجميعنا يتذكّر كيف كان الثنائي الروسي – الصيني يستخدم “الفيتو” المزدوج، حتى لا تقف روسيا وحيدة مكشوفة أخلاقياً، وحتى قانونياً، أمام الراي العام العالمي الذي تعاطف، في بدايات الثورة، بقوة مع تطلعات الشعب السوري المشروعة.
وجاءت الفرصة الذهبية لبوتين، حين تم التوافق بينه وبين الرئيس الأميركي في حينه، أوباما، على دخول القوات الروسية لمساندة النظام، بذريعة محاربة الإرهاب الداعشي والقاعدي؛ وذلك بعد أن وصلت كل الجهود الإيرانية الداعمة لبشار ونظامه إلى حافّة الهاوية، وكان سقوط النظام المعني هو السيناريو الأكثر تداولاً في ذلك الحين. ودخل الجيش الروسي في خريف 2015، وتم التوافق بينهم وبين الأميركيين على أن يكون ميدان عملياتهم المنطقة الغربية الممتدة من درعا جنوباً حتى الحدود التركية – السورية شمالاً، على أن يكون نهر الفرات الحد الفاصل بينهم وبين الأميركيين. هذا مع بعض الاستثناءات التي تم التفاهم حولها عبر التوافق على قواعد التنسيق، والتعامل مع الإشكالات والتجاوزات الثانوية.
وكان شعار مقارعة إرهاب القوى الإسلاموية المتطرّفة الجامع بين العمليات الروسية في شمال غربي سورية، والأميركية في شمالها الشرقي. وكان التركيز الأميركي على “داعش” في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، في حين تركّزت هجمات الروس الجوية العنيفة على كل الفصائل، ما عدا جبهة النصرة التي قالوا إنهم قد جاءوا أصلاً لمحاربتها. وهي الجهة ذاتها التي توافقت مع النظام في الأيام الأخيرة تحت اسم هيئة تحرير الشام، على فتح المعبر التجاري. وكان الروس في عجلة من أمرهم، فقد كانوا يسعون إلى تسجيل نقاط رخيصة في أقل وقت ممكن، لصرفها لاحقاً عند الجانب الأميركي الذي يظل، على الرغم من كل تعقيدات الوضع، وكل الحديث الجاري عن عدم تركيز أميركي على الموضوع السوري، الطرف الذي سيضع، في نهاية المطاف، لمساته الأخيرة على أي توافق دولي يتم بشأن سورية، وذلك باعتباره يمتلك الإمكانات والأوراق، ووسائل التهديد والترغيب، ما لا يمتلكه الآخرون.
اليوم وبعد مرور خمسة أعوام على التدخل الروسي، يلاحَظ أن الوجود الروسي في سورية بات متجذّراً مؤثراً، له ثقل واضح في الجيش والمخابرات، حتى إن حميميم باتت تذكّر بعنجر اللبنانية، هذا فضلا عن تحكّم الروس في الموانئ والتنقيب عن النفط والغاز، وهم يتطلعون نحو المزيد. وعلى الرغم من جميع محاولات الروس، بكل الأساليب، ترويج فكرة نهاية الصراع في سورية، والتوجه نحو الحل، وذلك بتسويق موضوع عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، وفرض دستور يكون أساساً للانتخابات، وذلك بالتوافق مع الجانب الأميركي. ما زالت الأوضاع في سورية تتجه نحو مزيد من التعقيد، خصوصا بعد المتغيرات في كل من لبنان والعراق، وذلك
نتيجة الغضب الشعبي العارم من تراكمات الفساد والإفساد التي باتت من معالم التدخل الإيراني في البلدين، وبلدان المنطقة بصورة عامة.
واليوم تروج الحكومة الروسية، عبر الدوائر الإعلامية أو البحثية المرتبطة بها، أن بشار الأسد غير قادر على حكم سورية مجدّداً، كما كان يفعل قبل مارس/ آذار 2011. وما نعتقده، في هذا المجال، أن هذا الموقف لا يحمل جديداً، بقدر ما يعكس استعداداً روسياً لتطوير مستوى التفاهم مع الأميركيين نحو اعتماد مخرجٍ يضمن المصالح، ويحول دون الاستنزاف، خصوصا في أجواء جائحة كورونا، وأزمة أسعار النفط، واحتمالات الحرب الاقتصادية المفتوحة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية. وهذا ما يستشف من مقابلة المبعوث الأميركي الخاص بسورية، جيمس جيفري، أخيرا مع صحيفة الشرق الأوسط، فالروس على قناعةٍ، منذ سنوات، باستحالة تمكّن نظام بشار من العودة إلى حكم سورية، كما كان يفعل في السابق. واليوم تترسخ قناعتهم هذه، بعد أن تغيرت سورية كثيراً نتيجة تهجير أكثر من نصف السكان، وقتل ما يزيد على المليون سوري، هذا فضلاً عن تدمير المدن والبلدات، وانهيار الاقتصاد، وتآكل البنية التحتية، والمشكلات الكبرى التي تعاني منها المؤسسات التعليمية والصحية، والقطاعات الخدمية. والأخطر من ذلك كله الجروح الكبرى التي يعاني منها النسيج المجتمعي الوطني. وإذا أخذنا بعين الاعتبار واقع ومآلات المشكلات الكبرى التي تعاني منها اقتصادات الدول الغنية، خصوصا التي كان الروس يتطلعون إلى استخدام أموالها في مشاريع إعادة الإعمار.
تريد روسيا صيغة من التوافق مع الأميركيين حول توليفة حكومية، تمثل الموالاة والمعارضة. أما مصير بشار نفسه، فهو لم يعد يهمها كثيراً، ما دامت مصالحها في مأمن. وفي هذا، تختلف عن النظام الإيراني الذي يعتبر استمرارية بشار ركيزة لتمكّنه من تحقيق مشروع الهندسة المذهبية الذي يعمل عليه منذ عقود، وهو المشروع الذي يعد المحور الذي يتمفصل حول مشروعه التوسعي الأكبر في المنطقة. ولكن الموقف المتشدد لإدارة الرئيس الأميركي، ترامب، تجاه هذا المشروع، أقله وفق ما هو معلن حتى الآن، قد دفع النظام المعني إلى مراجعة حساباته، خصوصا في العراق الذي من الواضح أنه يحظى بأهمية أكبر في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة مقارنة مع سورية. هذا مع الحرص على الربط بين الملفين، نتيجة التداخل السكاني بين البلدين، وبفعل تكامل الدور الإيراني فيهما.
وبناء على ذلك، يُعتقد أن التوافق على مشروع حل ما في سورية لن يكون بمعزل عن توافق مماثل بالنسبة إلى الملف العراقي، أو ربما بعده. أما الملف اللبناني، فسيكون مجرّد تحصيل حاصل في حال بلورة حل ما في كل من سورية والعراق. وفي جميع الأحوال، لا تبدو في الأفق المنظور أية مؤشرات فعلية لخطوات تنفيذية، وإنما هي مجرد أفكار وتصورات تطرح، انتظاراً لانتهاء محنة كورونا، وظهور نتائج الانتخابات الأميركية. وبالنسبة إلى السوريين، هم في انتظار التوافقات الدولية والإقليمية، بعد أن وصلوا إلى قناعة تامة بخروج زمام المبادرات الخاصة برسم ملامح مستقبل سورية والسوريين من يد النظام ومؤسسات المعارضة الرسمية.
وما يعقد الوضع أكثر سورياً، ويجعل معادلته مستعصية، انعدام وجود القوى الوطنية السياسية القوية القادرة على تمثيل السوريين، والدفاع عن مطالبهم بحكمة وحنكة، أساسهما مشروع وطني، يطمئن الجميع على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات. وعلى الرغم من أكثر من تحرّك في أكثر من اتجاه، لم تظهر بعد، بكل أسف، قوى سياسية سورية حقيقية ذات مصداقية، تستمد مشروعيتها من إرادة السوريين، لا من الدول التي تظل أولوياتها مبنية على حساباتها ومصالحها العارية.
العربي الجديد
———————-
رسائل روسية جديدة تعتبر الأسد «عبئاً»
مجلس مقرب من الكرملين توقع توافقاً على إطاحته… وقتلى إيرانيون بغارات إسرائيلية
موسكو: رائد جبر / دمشق – لندن: «الشرق الأوسط»
انتقلت الرسائل الروسية الموجّهة لدمشق إلى مستوى جديد، وذلك بحديثها أن حماية الرئيس السوري بشار الأسد باتت «عبئاً».
وسلط تقرير لـ«المجلس الروسي للشؤون الخارجية»، المقرب من الكرملين، الضوء على «مسعى روسي أكثر جدية لإحداث تغييرات في سوريا»، وتحدث عن «توقعات بتوصل روسيا وإيران وتركيا إلى توافق على الإطاحة بالأسد وإقرار وقف شامل للنار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تضم أطرافاً من النظام والمعارضة والقوى الديمقراطية». وعزّز التقرير التوجه الذي أثارته أخيراً حملة إعلامية وسياسية وصفت الأسد بأنه «فاقد للشعبية وغير قادر على الإصلاح».
وكان لافتاً أن المجلس الروسي يديره وزير الخارجية الأسبق إيغور إيفانوف، ويحظى بحضور مرموق وسط الأوساط البحثية والسياسية الروسية. وقبل أيام، نشر مقالة لسفير روسي سابق انتقد فيها بقوة «حجم الفساد وأخطاء القيادة السورية» و«انفصالها عن الواقع السياسي والعسكري».
وذكر التقرير أنه منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، حرصت موسكو على تجنب الظهور كمدافع عن الأسد، وشددت على ضرورة أن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه، لكنه رأى أن روسيا «أصبحت أكثر جدية بشأن إجراء تغييرات في سوريا، على الأقل لأن حماية الأسد أصبحت عبئاً».
ووفقاً للتقرير، فإن «شكوكاً تتزايد لدى موسكو بأن الأسد لم يعد قادراً على قيادة البلاد وأنه يعمل لجر موسكو نحو السيناريو الأفغاني، وهو احتمال محبط للغاية بالنسبة لروسيا».
وذكرت وكالة «تاس» الحكومية، أن موسكو تعمل على عدد من الخيارات، بينها سيناريو يرى أن القوات الأجنبية الموجودة في سوريا تقبل نطاق نفوذ لكل منها، لتبقى سوريا مقسمة إلى منطقة محمية من طهران وموسكو، ومنطقة معارضة مدعومة من أنقرة، وشرق الفرات المدعوم من واشنطن. بينما، يتطلب السيناريو الثاني انسحاباً كاملاً لجميع القوات وتوحيد البلاد بعد تحقيق تحوُّل سياسي، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254. واعتبر التقرير هذا الخيار «أقل تكلفة لجميع الأطراف».
وتزامن هذا التقرير، مع ظهور تلفزيوني لافت لرامي مخلوف، ابن خال الأسد، طالباً منه التدخل لعدم سداد مستحقات تتعلق بشركته للهاتف النقال، الأمر الذي قوبل باعتقالات لموظفين في الشركة وتراجع في قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي من 1280 إلى 1340 ليرة.
وكان الأستاذ الجامعي أحمد أحمد المرتبط بـ«المجمع العلوي»، قال قبل يومين إن ظهور مخلوف سيحدث «شرخاً كبيراً في الحاضنة الشعبية المؤيدة» للنظام.
على صعيد آخر، قُتل 14 عنصراً من القوات الإيرانية والمجموعات الموالية لها بغارات استهدفت ليلاً مواقع تابعة لها في محافظة دير الزور في شرق سوريا، بالتزامن مع قصف إسرائيلي على موقع آخر قرب حلب شمال سوريا، حسبما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
الشرق الأوسط
—————————-
في أقل من شهر..ثلاثة تطورات قد ترسم مشهداً جديداً في سورية
يشهد الملف السوري خلال هذه الأيام، تسارعاً مهماً في الأحداث والتطورات، فرضته الدول الإقليمية من جهة، والأطراف الفاعلة على الأرض من جهة أخرى، فضلاً عن صدامٍ ظهر للعلن، داخل بنية النظام، وتركيبته العائلية المُهدَّدةِ بالتفكك، بين رأسه بشار الأسد، وواجهة امبراطوريته الاقتصادية، رامي مخلوف.
وفيما يعتبرُ ظهور مخلوف بهذه الطريقة، حدثاً كبيراً للغاية، في نظامٍ لم تظهر خلافاتُ أقطابهِ إلى العلن، إلا نادراً جداً طيلة نصف قرن، فإن من شأن ذلك، بالتزامن مع أحداث تتسارع في تسلسلها الزمني، خلال أقل من شهر، أن يفرض مشهداً جديداً في سورية؛ خاصةً على المسار السياسي، الذي شهد سباتاً تاماً مؤخراً، على حساب العمليات العسكرية على الأرض، وانشغال العالم والدول الفاعلة بأزمة انتشار فيروس “كورونا”.
ومع دخول عام 2020، وتقلّص نسبة المساحات الجغرافية المشتعلة بالعمليات العسكرية، اتجهت الأنظار، إلى مسار “الحل السياسي”، وإمكانية المضي فيه، بعد تسع سنوات من الثورة السورية، وألمحت إلى ذلك الدول الفاعلة؛ خاصةً روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، واللتان ماتزالان تخوضان لعبة “شد حبل”، كخطوة لرسم خريطة سياسية وعسكرية جديدة للبلاد.
هجمة إعلامية روسية
التطور الأول الذي شهدته الأيام الماضية على صعيد الملف السوري، هو الهجمة الإعلامية الروسية على النظام، ورأسه بشار الأسد، والتي جاءت مفاجئة، وأعطت صورة عن حالة “تذمر” روسي من الأسد، واصفةً إياه بـ”الفاسد” اقتصادياً، وغير القادر على إدارة سورية في الوقت الحالي.
تصدّر الهجمة الروسية، وسائل إعلامية مقربة من “الكرملين”، بينها وكالات ومواقع إخبارية وصحف، ولعل أبرزها “وكالة الأنباء الفيدرالية”، إذ كانت السباقة بنشر المقالات المهاجمة لرأس النظام، وهي مقالات غير مسبوقة بنبرتها الهجومية، وعبّرت بشكل أو بآخر عن “مرحلة طلاق” وصل إليها الحليف الروسي مع الطرف الذي يدعمه (نظام الأسد)، لتتبعها تقارير نشرتها صحيفة “برافدا” تحدثت فيها عن فساد نظام الأسد “الضعيف”، وكذبت روايته عن معارك البادية مع “تنظيم الدولة”، التي أعلن عنها أواسط أبريل/نيسان الفائت
ورغم عدم وضوح الأهداف الأساسية من الهجوم الإعلامي الروسي على نظام الأسد، حتى الآن، على خلفية الزخم الكبير من التحليلات، إلا أن الشيء الذي حظي بشبه إجماعٍ من المراقبين لتفاصيل الشأن السوري، هو فكرة أن الجانب الروسي أرسل من خلال هجمته عدة رسائل إلى رأس النظام، للضغط عليه وتحجيمه، بهدف تحصيل مكاسب، وخاصةً في القطاع الاقتصادي، الذي تحاول عدة شركات روسية، فرض هيمنتها الكاملة عليه، بعد سنوات من “دفع فواتير” العمليات العسكرية على الأرض.
بشار الأسد مع وزير دفاعه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين – (وكالة تاس)
بشار الأسد و وزير دفاعه مع الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم – ديسمبر/كانون الأول 2017 – (وكالة تاس)
إيران.. من اللجمِ إلى الطرد
التطور الثاني الذي شهده الملف السوري، في الأيام الماضية، هو التصريحات الإسرائيلية، المؤكِدَةِ مُجدداً، بدايةَ ما قالت تل أبيب سابقاً خلال 2020، مرحلة طرد إيران من سورية بشكل كامل، بعد الضربات المتسلسلة السابقة، الهادفة للجّمها فقط.
وفي 28 أبريل/نيسان الماضي، كان وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت قد قال لصحفيين في إذاعة “إف إم 103” رداً على سؤاله عن استمرارية الضربات الجوية في سورية: “أجعلوا آذانكم مفتوحة.. سوف تسمعون وترون بأعينكم.. سنستمر بضرب إيران وانتقلنا من مرحلة إيقاف التموضع في سوريا بشكل واضح وجذري إلى أن نخرجها بشكل كامل”.
وأضاف بينيت: “الجيش عندنا، جنباً إلى جنب مع نشاطه في مكافحة (كورونا)، لا ينام ولا يهدأ، بل ينفذ عمليات أضخم بكثير من الماضي وبوتيرة أعلى بكثير من الماضي. وهو يحقق النجاحات في ذلك”.
وجاء حديث وزير الدفاع الإسرائيلي قبل ساعات من قصف إسرائيلي استهدف مواقع لنظام الأسد في محيط منطقة السيدة زينب قرب العاصمة دمشق، وذلك كأول ضربة تستهدف هذه المنطقة.
ويعتبر تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد(الذي تحدث بمثله في فبراير/شباط الماضي) بشأن استراتيجية “محاربة إيران” في سورية، تحولاً جذرياً، بعد نحو أربعة أشهر من اغتيال قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد.
مرحلة ما بعد سليماني.. إسرائيل: بدأنا طرد إيران من سورية
وعقب تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي الأخير، استهدفت إسرائيل بعدة غارات جوية، مواقع عسكرية لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية، أولها في محيط دمشق، ومن ثم في محافظة حمص والجنوب السوري، وصولاً إلى آخرها، اليوم الثلاثاء، في محيط مدينة حلب، وفي ريف مدينة دير الزور، بالقرب من البوكمال الحدودية.
تشقق البنية.. مخلوف “المُنهار”
إلى جانب التطورين السابقين، فرض رجل أعمال عائلة الأسد، رامي مخلوف، مشهداً جديداً في سورية، خلال الأيام الماضية، بعد ظهوره بتسجيلين مصورين في “فيسبوك”، تحدث فيهما عن ضغوط يتعرض لها، لإبعاده عن المشهد الاقتصادي لسورية.
ومع وجود تكهناتٍ وتحليلاتٍ كثيرة حول الحدث، فإن المؤكد، أن ظهور مخلوف بهذه الطريقة، شَكلَ صفعةً إضافية لصورة و”هيبة” نظام الأسد، التي ترتجُ منذ سنوات، وتتهشمُ تباعاً؛ خاصة أنها تأتي في سياقٍ تتسارع فيه تطوراتٌ عديدة، وترشحُ فرضياتٌ؛ بينها تفككُ بنية التحالف العائلي للنظام.
إضافة لذلك، فإن مسألة مخلوف الحالية، تأتي وسط الحديث عن ترتيبات يقوم بها الجانب الروسي، للسيطرة على مفاصل الاقتصاد، وإبعاد الشخصيات المعاقبة دولياً، والتي تقف كعقبة كبيرة في سبيل التقدم خطوة للأمام.
ويقول مسؤولون غربيون، إن مخلوف لعب دوراً كبيراً في تمويل الأسد خلال “الحرب”، ما اقتضى تشديد العقوبات الغربية عليه، وهو أمر أكده بنفسه في التسجيل المصور الأخير، قائلاً: “هل أحد يتوقع أن تأتي الأجهزة الأمنية على شركات رامي مخلوف.. اللي هي أكبر داعم للأجهزة الأمنية، وأكتر راعي لهم أثناء الحرب؟”.
—————————–
==========================
===================
تحديث 07 أيار 2020
————————
أهداف الحملة الإعلامية الروسية على الأسد/ شارلز ليستر
خلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت سلسلة من التعليقات الصادرة عن أصوات مميزة ومطبوعات روسية بارزة موجهةً الانتقادات ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد. فمن وكالة «ريا فان» الإخبارية الاتحادية إلى صحيفة «برافدا»، ومن صحيفة «كومرسانت» حتى مؤسسة «نادي فالداي» البحثية، كالت التحليلات مختلف الاتهامات ضد النظام السوري بالفساد، ودعم أمراء الحرب، وانعدام الكفاءة، فضلاً عن الهوس الكامن بتحقيق الأهداف العسكرية غير المتسمة بالواقعية على حساب الموارد المتضائلة، وأهواء إعادة الإعمار، وخيالات الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وخلص استطلاع الرأي العام في المناطق الخاضعة لسيطرة الرئيس السوري، وأجرته منظمة ذات صلات بالسيد يفغيني بريغوزين – الصديق المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، ومالك «مجموعة فاغنر» للخدمات الدفاعية – أن نسبة 31% فقط من السكان تؤيد الرئيس السوري وسياساته، في حين أن النسبة المتبقية من السكان يرون أن الفساد الحكومي من القضايا الخطيرة للغاية، وألقت نسبة 60% منهم باللائمة على تكاليف المعيشة غير المقبولة، وأعربت نسبة 54% عن قرارها عدم التصويت لصالح بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في عام 2021 المقبل.
وكان الظهور العجيب لمثل هذا التدفق غير المتوقف من الكتابات العامة والمتسمة بالدقة والأمانة عن الأوضاع في سوريا من قلب روسيا مفاجأة كبيرة في حد ذاته، وكذلك كان الحذف المفاجئ للعديد من تلك التعليقات والتحليلات عقب أيام فقط من ظهورها في المجال العام. وليس هذا من عمل القراصنة أو المتسللين كما زعم البعض في أوقات لاحقة، فهل كانت حملة موجهة ومنسقة تهدف إلى البعث برسالة محددة وموجهة رأساً من الكرملين إلى قلب دمشق؟ أو ربما كانت بكل بساطة إفاقة مفاجئة من جانب روسيا على واقع المستنقع الآسن الذي زحفت إليه بملء إرادتها؟
ربما تكمن الحقيقة في مكان ما بين هذين السيناريوهين. لكن، وبعد كل شيء، اعتمد الكرملين مسارات أخرى متعددة لتوجيه الإهانات إلى الأسد من قبل، تماماً كما حدث في زيارة الرئيس الروسي الخاصة إلى قاعدة حميميم الجوية السورية في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017، عندما جرى إقصاء الرئيس السوري بصورة متعمدة ومنعه من المسير جنباً إلى جنب مع الرئيس الروسي. وكذلك في رحلات الزيارة السورية الرسمية لموسكو، حيث كانت الأعلام الوطنية السورية غائبة بصورة واضحة عن الصور المشتركة التي جمعت فلاديمير بوتين مع الأسد. ومنذ التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية في سبتمبر (أيلول) من عام 2015 – ذلك التدخل الذي من دون شك كان سبباً في إنقاذ النظام السوري من الانهيار الوشيك – ظل نظام الأسد يقوم بدور الشريك المزعج للغاية وغير المتعاون تماماً بالنسبة إلى موسكو التي تواصل المطالبة بالكثير في مقابل منح القليل، هذا إن منحت أي شيء من الأساس. وعلى الرغم من الوضعية العالمية للنظام السوري بوصفه أكبر نظام حكم يرتكب جرائم الحرب في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن لأحد ملامة روسيا على إحباطها الشديد من رفض الشريك السوري مواصلة اللعب وفق قواعدها ومحاولة إصلاح الفوضى العارمة التي أحدثها حتى الآن في سوريا.
وخلال الشهور الستة الماضية، انزلق الاقتصاد السوري إلى هاوية الأزمة، مدفوعاً في ذلك بالانهيار المالي الذي شهده لبنان المجاور، ولكنه تفاقم إثر الفساد المستشري، وسوء الإدارة، والإصرار غير المبرر على منح الأولويات للحملات العسكرية الباهظة التكاليف. ولقد ارتفع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، فضلاً عن أزمة القمح التي تتحدى مقدرة المواطن السوري العادي على شراء السلعة الرئيسية في البلاد. ولقد رفع النظام السوري الدعم عن المواد الأساسية الأخرى، مع تقليص دور قطاع الأعمال الصغيرة. ويبدو أن شيوع وباء «كورونا» في المناطق الخاضعة للنظام، مع احتمالات دخول قانون «قيصر» الأميركي حيز التنفيذ الفعلي في الولايات المتحدة اعتباراً من يونيو (حزيران) المقبل، سوف يكون له تأثير كبير على النظام السوري خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وفي الأثناء ذاتها، يعاني قطاع النفط والغاز في سوريا مشكلات كبيرة، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى الاضطرابات الناجمة عن هجمات تنظيم «داعش» الإرهابي في الصحراء السورية الوسطى، وإلى سحب المنتجات الهيدروكربونية من المصادر الحكومية بواسطة أمراء الحرب وكبار رجال الأعمال لبيعها في السوق السوداء في لبنان. وفي غضون ذلك، توقفت مشاريع إعادة الأعمار البارزة تماماً، وأُحيلت إلى حملات العلاقات العامة العرضية مع القليل من أعمال البناء والتشييد ذات المغزى.
ومن الناحية العسكرية، يواصل نظام الأسد منح الأولوية لحملته في المناطق الخاضعة لقوى المعارضة في إدلب في حين يستمر في تجاهل استقرار الأراضي الخاضعة لحكمه، أو مواجهة إعادة ظهور تنظيم «داعش»، أو حتى التفكير في استثمار الأموال في توجهات غير عسكرية. ولقد تحسن موقف النظام السوري إزاء النقص الطويل الأمد والحاد في القوى البشرية، وذلك لبعض الوقت من خلال إضفاء صفة الميليشيات على القوات المسلحة السورية، بيد أن القرار الحكومي بحل (تفكيك) الجيش العربي السوري قد ألحق الضعف بالمصدر الأساسي للنفوذ الروسي في البلاد. ومنذ عام 2015 كانت جهود إعادة المركزية وإعادة هيكلة الجيش العربي السوري من المكونات الرئيسية في التدخل العسكري الروسي في سوريا، ولكنها تواصل الصراع لقاء التحديات التي تفرضها النخبة من كبار رجال الأعمال، والرامية إلى الإبقاء على الميليشيات ذات الصلة الوثيقة بها والاحتفاظ بها مستقلة بصورة جزئية على الأقل.
ويبرز الفساد كإحدى المسائل ذات الحساسية الكبيرة لدى روسيا في سوريا، نظراً لتأثيرها المزعج للغاية على قدرة النظام السوري على العمل بكل كفاءة، وشفافية، وبطريقة تزيد من احتمالات جذب الاستثمارات الأجنبية. وبعد تأمين استمرار النظام السوري مع إضعاف خصومه الأكثر التزاماً على الصعيد الجيوسياسي، جرى إيلاء تركيز روسيا على محاولة إعادة سوريا إلى حظيرة المجتمع الدولي. وتعد المتطلبات المالية لعمليات إعادة الإعمار الهادفة – والتي تقدر بنحو 300 مليار دولار على أقل تقدير – تفوق بكثير قدرات الاقتصادات السورية والروسية والإيرانية مجتمعة. ولذلك، هناك حاجة ماسة للغاية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى سوريا. ولكن بعيداً عن احتمالات العقوبات الأميركية الثانوية التي قد يأتي بها قانون «قيصر» الأميركي حال سريانه، فإن اقتصاد النظام السوري يتحرك فعلياً وحرفياً على عجلات الفساد ولا يمكن أن يكون أقل جذباً للاستثمارات الخارجية منه الآن. وترتفع وتيرة الاقتتال العام والمرير بين النخبة المحسوبة على دوائر النظام السوري، كما هو واضح من فيديو رجل الأعمال السوري رامي مخلوف على حسابه في «فيسبوك» بتاريخ 30 أبريل (نيسان) من العام الجاري، فضلاً عن سلسلة من الاحتجاجات والاحتجاجات المناوئة والمقالات الافتتاحية في مختلف الصحف الموالية لمنافسه الأول رجل الأعمال سامر فوز، وكلها تعكس بوضوح نظام الحكم الضعيف، والهش، والمنقسم على ذاته، والمفعم بالفساد، والذي يضمن بشكل فعلي لأي مستثمر أن يخسر أمواله.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، تعد محاولات روسيا الناجحة بدرجة كبيرة في عرقلة ما تسمى عملية جنيف، ولتمكين الآليات الجديدة والبديلة على غرار آستانة، واللجنة الدستورية السورية في جنيف، قد سببت إنقاذ النظام السوري من آفاق المحاولات الدولية الجدية في فرض التغييرات السياسية ذات المغزى على دمشق. ولقد جرى تحييد موقف الأمم المتحدة داخل سوريا بصورة فعالة، وأُجبرت في الآونة الراهنة على إدارة اللجنة الدستورية التي تعد مقدرتها على إحداث أي تغيير في سوريا منعدمة المعنى والمغزى من الناحية العملية.
ولكنها، رغم ذلك، تحظى بغطاء معتبر من الشرعية الدولية الحقيقية، ومن ثم فإن رفض النظام الحاكم من التعامل معها بالجدية المطلوبة مع تكرار ما سلف من أعمال الإفساد قد أثار حفيظة، وربما غضب، صناع السياسات في روسيا. ومع حالة الإرهاق الفعلية التي تعتري النخب الغربية من الأزمة السورية راهناً، فإن المشاركة الحقيقية والبنّاءة من جانب النظام السوري في عملية مثل اللجنة الدستورية السورية من شأنه أن يتيح مجالاً سياسياً جديداً أمام الاستراتيجية الدبلوماسية الروسية. لكنّ التنازلات، وإنْ كانت بأي درجة طفيفة، تتعارض تماماً مع الأصول التي يرتكن إليها نظام الأسد.
كانت المقاربة الروسية إزاء الأزمة السورية تتسم بالوحشية وانعدام الرحمة والتعاطف تماماً. ولقد كانت روسيا مسؤولة بصورة مباشرة، ومتواطئة كذلك، في عدد لا يُحصى من جرائم الحرب التي ارتُكبت في سوريا منذ تدخلها عسكرياً في عام 2015. لكن، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال موسكو تسعى حالياً لأن تستعيد دمشق مكانها المفقود على الساحة الدولية. ومع ذلك، فإن حالة اللامبالاة الواضحة من النظام السوري في استعادة الشرعية الدولية، وإخفاقاته الداخلية الشديدة، سوف تستمر في إعاقة روسيا عن بلوغ غاياتها النهائية.
وعندما تحركت روسيا على الصعيد العلني إعراباً عن عدم رضاها عمّا يجري في سوريا، تماماً كما يبدو خلال الأسابيع الأخيرة، لا تزال أمامنا فرصة سانحة، وإن كانت صغيرة، للدبلوماسية الانتقائية. ولا مجال لسوء الفهم في هذا السياق: فإن احتمالات التخلي الروسي راهناً عن بشار الأسد ونظامه الحاكم لصالح أي رئيس آخر يخرج من رحم التسويات السياسية المتوقعة هو احتمال صفري النتيجة. بيد أن الاستعداد الروسي بشأن التفاوض حول قضايا أخرى من المستوى الثاني هو من الاحتمالات القائمة، شريطة أن يعرب الجانب السوري عن جديته والتزامه في هذا السياق.
ولكن، إن تركنا مثل هذه الفرص تنسلّ انسلال الماء الزلال من بين أيادينا، فإن حالة الوضع الراهن تبقى هي الموقف الذي يتسنى للقيادة الروسية تحمله، والتعامل معه، وإدارته على النحو الواجب، وذلك على الرغم من طبيعة الوضع الراهن الفوضوية وغير القابلة للتنبؤ بمجرياتها في كثير من الأحيان.
الشرق الأوسط
—————————-
رهان الروس على «الأسد» انتهى… والإيرانيون مغادرون لا محالة/ صالح القلاب
حتى قبل هجمة «طباخ بوتين الملياردير» التبشيعيّة والتشنيعيّة على الرئيس السوري، التي يقول البعض إنّ وراءها الرئيس الروسي نفسه، وهذه مسألة بنظري واضحة وصحيحة، ولا شك لديّ إطلاقاً فيها، كانت مياه موسكو ودمشق صافية، وأصبحت عكرة، وكان قد سبقت هذه «الهجمة» مؤشرات كثيرة على ارتجاج العلاقات السورية – الروسية، من بينها على سبيل المثال لا الحصر أنّ بشار الأسد «تجاهل» طلباً روسياً بتوقيع اتفاق جديد بين البلدين، على اعتبار أنّ اتفاق 2015 بات مستهلكاً وقديماً، وأنّ هناك تطورات «إقليمية» تقتضي تجديده.
والمعروف أنّ بشار الأسد، حتى مع الوجود الإيراني المكثف، العسكري و«الميليشياوي» ووجود «حزب الله» اللبناني بكل ثقله في سوريا منذ البدايات المبكرة لانفجار الأوضاع ببلده، مع بدايات «الربيع العربي» عام 2011، قد شعر أنّ نهاية نظامه باتت قريبة، وأنه لا بد من الاستنجاد بالرئيس فلاديمير بوتين، على اعتبار أنّ روسيا، وخاصة في عهد الاتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة تألقه وقوته، الداعم الرئيسي لسوريا.
وحقيقة أنّ مناشدات بشار الأسد للرئيس الروسي في البدايات كانت بمثابة استجداء، فالرئيس بوتين، الذي لا هو ستالين ولا خروتشوف، وحيث أيضاً أنّ روسيا ليست الاتحاد السوفياتي، كان بحاجة إلى «جسّ نبض» كثير من الدول، التي كانت قد سبقت بلاده إلى التدخل المبكر في الصراع السوري الذي بات يأخذ أبعاداً خطيرة، وبالطبع أولها إسرائيل التي واصلت احتلالها لهضبة الجولان السورية منذ عام 1967 ذات الموقع الاستراتيجي المهم جداً المطل على دمشق من الناحية الغربية، والذي إذا أردنا أخذ العِبر من تجارب سنوات طويلة باتت تتحكم عسكرياً في هذا البلد العربي كله، بدءاً بحوران والسويداء وحمص، وصولاً إلى مناطق شرق نهر الفرات كلها، والمعروف أنّ الإسرائيليين ما زالوا يحتلون «جبل الشيخ» الذي يصفه العسكريون الاستراتيجيون بأنه يشكل نقطة مراقبة يصل مداها إلى ما بعد الحدود العراقية في الشرق، وإلى ما بعد الحدود الأردنية في الجنوب، وإلى فلسطين المحتلة كلها من الشمال للجنوب، وإلى عمق البحر الأبيض المتوسط.
ولعلّ ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن روسيا، حتى في عهد «القياصرة» وبالطبع في عهد لينين وستالين وكل من تناوبوا على حكم الاتحاد السوفياتي، كانت دائماً وأبداً تتطلّع و«بشرهٍ» كما يقال، إلى أن يكون لها موطئ قدم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الذي يشكل صلة وصل بين آسيا وأفريقيا وأوروبا والذي كان على مدى حقب التاريخ البعيد والقريب طريق الغرب الأوروبي البحري إلى الشرق، وطريق الشرق للغرب، الذي من المعروف أنّ جيوش «الإمبراطورية العثمانية» قد توغلت فيه واحتلت كثيراً من دوله القريبة والبعيدة.
في كل الأحوال؛ يمكن القول إن سوريا بعد انهيار «الإمبراطورية العثمانية» وبعد تقسيم العالم العربي وتمزيقه قد وقعت أولاً، بعد تقاسم غنائم الحرب العالمية الأولى، في قبضة الفرنسيين الذين فعلوا فيها ما بقوا يفعلونه بالجزائر قبل استقلالها، وأيضاً في كثير من الدول العربية الأفريقية، ثم باتت محطّ أطماع وريث الدولة العثمانية مصطفى كمال أتاتورك الذي انتزع لواء الإسكندرون، جوهرة البحر الأبيض المتوسط، من سوريا عام 1939 بمؤامرة تاريخية تنازل فيها الفرنسيون الذين «لا يملكون» إلى تركيا «التي لا تستحق»، وحقيقة أنّ أسوأ ما سجّله التاريخ على الرئيس السوري حافظ الأسد أنه تنازل عن هذا الجزء من «القطر العربي السوري» للأتراك عام 1998 لحلّ مشكلة مع تركيا سببها دعم سوريا المستمر لحزب العمال الكردستاني التركي بقيادة عبد الله أوجلان الذي هو الآن نزيل أحد السجون التركية.
وإن ما أجّج الصراع في هذه المنطقة بحجة وقف المد الشيوعي هو أن الولايات المتحدة قد شكلّت حلف بغداد الشهير وذلك من دون أن تشارك فيه مباشرة، والذي تكوّن من العراق وتركيا وبريطانيا وإيران وباكستان فيما قابله حلف آخر بقيادة الاتحاد السوفياتي وكانت سوريا في تلك الفترة قد تعرضت لضغط هائل من حلف بغداد هذا ودوله وبخاصة تركيا، ما دفع وزير الدفاع السوري في ذلك الحين خالد العظم لتوقيع اتفاقية تعاون عسكري واقتصادي مع موسكو عام 1957 وتم لاحقاً تعيين الجنرال عفيف البزري (اليساري) وزيراً للدفاع.
وهكذا، فقد دخلت سوريا مساراً جديداً وأصبحت جزءاً من دولة جديدة بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، لكن هذه الوحدة ما لبثت أن انفرط عقدها في 28 سبتمبر (أيلول) عام 1961 بانقلاب عسكري، نتج عنه ما سمي «نظام الانفصال» الذي هو في الحقيقة قامت به القيادة العليا للضباط السوريين للتخلص من الرئيس المصري والتخلص من الوحدة مع مصر وتمهيداً، وهذا غير مؤكد، لانقلاب حزب البعث الأول عام 1961 في سوريا، حيث تبعه انقلاب حزب البعث في العراق الذي لم يصمد طويلاً، لكنه ما لبث أن قام بانقلاب عسكري ثانٍ في عام 1969. وهكذا بقي يحكم في بلاد الرافدين إلى حين إسقاط نظام صدام عام 2003 حيث تم إعدامه بعد محاكمة «شكلية» و«استعراضية» استمرت نحو 3 أعوام.
إن المقصود بهذا الاستعراض كله هو أنّ حزب البعث بعد انقلاب حافظ الأسد، الذي أعطي اسم «الحركة التصحيحية»، كان مجرد واجهة لنظام عسكري فردي انتقل من الأب إلى الابن عام 2000. وهنا، فإنّ ما عليه إجماعٌ هو أنّ سنوات ما بعد العام 2000 كانت سنوات صراعات داخلية وسنوات ضياع سياسي، اختفى حزب البعث خلالها من الناحية العملية نهائياً، واختفى من كانوا يُعتبرون رموزاً بمرحلة الأسد الأب، مثل مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام وغيرهما، وهكذا فإنّ الابن الذي خلف أباه في رئاسة الدولة وفي كل شيء قد أعلن عما سماه «سوريا المفيدة» التي كان وصفها كبار المسؤولين السابقين بأنها «سوريا الطائفة العلوية»، الأمر الذي جعل هناك احتمالات معززة بالأدلة والبراهين على أن سوريا مقبلة فعلاً على صراعات كثيرة، وأنّ الروس عندما استهدفوا الرئيس السوري وعلى ذلك النحو القاسي جداً فإنهم على أغلب الظن كانوا وما زالوا يسعون لنظام بديل مقبول من غالبية السوريين، وليس من طائفة واحدة!!
المهم بعد كل هذا الاستعراض أنّ الواضح بل المؤكد أنّ الروس الذين يعتبرون أنّ وجودهم في سوريا دائم ومستمر، حيث أصبحت لهم 3 قواعد عسكرية في هذا البلد الاستراتيجي؛ الأولى هي قاعدة «حميميم» الجوية، والثانية هي القاعدة البحرية إلى الشمال، من مدينة اللاذقية، ثم هناك قاعدة ثالثة في منطقة القامشلي، ما يعني أنّ موسكو تريد نظاماً في هذا البلد مستقراً يمثل الشعب السوري بكل مكوناته الطائفية والقومية، وبديلاً لهذا النظام المهترئ فعلاً، حتى إنه لا يمثل الطائفة «العلوية» كلها، التي كان حافظ الأسد قد تخلّص من كل المعارضين له من رموزها الأساسيين، ومن بينهم صلاح جديد الذي كان دوره رئيسياً في انقلاب 8 مارس (آذار) عام 1963 وانقلاب ما سمي «الحركة التصحيحية» في 23 فبراير (شباط) عام 1966.
هذا بالنسبة لنظام بشار الأسد الذي قد «يصمد» رغم كل هذه العواصف التي تهب لبعض الوقت، وليس كل الوقت. أمّا بالنسبة للإيرانيين فإنّ الروس يعرفون أكثر من غيرهم أنه من غير الممكن أن يبقى تغلغلهم في هذه المنطقة على ما هو عليه الآن.
الشرق الأوسط
—————————-
هل بدأ البازار على الأسد…؟/ أحمد عيشة
إن أكثر ما يدعو السوريين اليوم للسخرية رغم الظروف القاسية التي يعيشونها هو “الاكتشاف” الروسي مؤخراً المتمثل بتفشي الفساد في حكومة الأسد، وفي تدني شعبيته، لكن ما يدهشهم أكثر هو حديث رامي مخلوف، الشريك الكامل في قتل وإفقار السوريين عن حقهم في المال العام واعتقال أجهزة الأمن للمواطنين…
ما تسربه بعض المراكز الإعلامية الروسية، وبعضها مقرب من دوائر صنع القرار في الكرملين، إضافة إلى بعض المواقع الإسرائيلية عن الفساد المستشري في نظام الأسد وحكومته، يعكس أكثر من جانب، فالأول هو موقف روسي من حجم هذا الفساد الذي يعيق توجهات السياسة الروسية في استثمار “نصرها” العسكري – تدميرها لعدة مدن وبلدات سورية- والثاني جانب من التصارع مع إيران حول سورية، والثالث رسالة للغرب والولايات المتحدة بأنها على استعداد للتفاوض على رأس هذا النظام -بشار الأسد- الذي أصبح عائقاً أمام أي تقدم في المسار السياسي يمكن روسيا من قطف ثمار تدخلها الذي كلفها مليارات الدولارات، وحان الوقت لاسترداد ما أنفقته.
فالتقارير الروسية بمجملها ركزت على تفشي الفساد في حكومة النظام، ومحاولة جني الثروات وتهريبها لبنوك الغرب، إضافة إلى محاولات عرقلة العقود مع الشركات الروسية التي ترفض تقديم رشاوى لكبار المسؤولين الحكوميين مقابل الحصول على تلك العقود، بينما تعتمد الشركات الصينية عموماً هذه السياسة (تقديم الرشاوى الكبيرة) في الحصول على عقودها. والروس يعرفون ذلك، لكنهم يرفضون دفع الرشاوى لسبب بسيط، وهو أنهم يعتبرون أنفسهم من أنقذ النظام من الانهيار عام 2015، ولذلك فمن حقهم الحصول على هذه العقود بشكل حصري.
والتقرير الأهم الذي تحدث عن انحدار شعبية الأسد واحتمال عدم “انتخابه” في العام المقبل، حيث بيّن التقرير أن نسبة 32 في المئة هم من سينتخبونه، في حين أن 54 في المئة يفضلون رحيله، وبالتالي فالنظام مفتقر للشرعية، وأن السوريين يتطلعون إلى سياسيين “جدد” في السلطة قادرين على تجاوز الأزمة، معتبرين أن “القيادة الحالية لم تحقق هذه التطلعات بعد”. وهذا يعود وفقاً للتقرير نفسه إلى حجم الفساد الكبير في بنية النظام وعجزه الكامل عن معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها السوريون.
الأمر الآخر هو التصارع الواضح بين روسيا وإيران حول الهيمنة على سوريا بمواردها وثرواتها وموقعها، فكلا القوتين تحاولان اقتسام بقايا جيش النظام، وفروع مخابراته، فروسيا أسست فيالق جديدة وتدمجها ضمن جيش النظام تضم حتى معارضين سابقين لنظام الأسد، بينما تسعى إيران أيضاً إلى محاولة دمج الميليشيات الطائفية بعد إعطائهم الجنسية السورية في تركيبة ما تبقى من جيش النظام وترميمه بما يتوافق مع دورها في المنطقة، فضلاً عن اختلاف رؤية وتحالفات البلدين في سورية، وخاصة تجاه الدور التركي الذي يتعزز بالشراكة مع روسيا على حساب إيران، وهو الأمر الذي كان واضحاً في اتفاقين بين الرئيسين أردوغان وبوتين في أيلول 2018، وآذار 2020 حول إدلب، حيث تدرك إيران بأن ثمة محاولات لإبعادها عن تقرير مصير سوريا ونظامها، وخاصة أن هذا الإبعاد يلاقي ترحيباً كبيراً من الغرب والولايات المتحدة، والأهم من اللاعب الأهم -الحاضر الغائب- في تلك العملية، إسرائيل.
الأمر الثالث، وهو أن هذا الهجوم والانتقادات الروسية تأتي مع اقتراب الموعد الذي سيطبق فيه قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة (الكونغرس والإدارة)، كما صرح بعض المسؤولين الأميركيين، أي فرض العقوبات الأميركية بحق النظام وداعميه والمتعاونين معه، وبالتأكيد سيشمل شركات وشخصيات روسية وإيرانية، إضافة إلى عودة الولايات المتحدة إلى الانخراط مجدداً في العملية السياسية في سورية، خاصة بعد الهجوم الأخير على إدلب، وتعرض شريكها التركي لضغوط كبرى، مما دفعها مؤخراً إلى التحذير من أن هجوم النظام على إدلب هو خطر استراتيجي. والمهم أكثر من ذلك، هو أن عام 2021 سيشهد الجولة التاسعة من استفتاءات نظام العائلة الأسدية على الرئاسة (5 في عهد الأب، و3 في عهد الوريث الحالي)، حيث كان الموقف الأميركي واضحاً بأن التجديد للأسد لن ينال اعتراف المجتمع الدولي، أي الرفض لهذه العملية، وهو ما يدفع روسيا التي تعد نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن ترتيباتها إلى البحث عن بديل يضمن لها استمرار مصالحها (المال من أجل إعادة الإعمار) ضمن تشابك عملية التصارع الجاري في سوريا.
على المستوى الداخلي، وضمن نفس السياق من التصارع تأتي رسائل التهديد المبطنة والمتبادلة بين القصر وامبراطور المال، رامي مخلوف، الذي بنى ثروته الباهظة بسبب قرابته مع عائلة الأسد (ابن خال بشار الأسد)، وابن محمد مخلوف، راعي الفساد المالي للعائلة الحاكمة. وقد بدأت تلك الرسائل بتسريب رامي مخلوف لخبر شراء الأسد لوحة فنية لديفيد هوكني (أشهر رسام إنكليزي حاليا) بقيمة 30 مليون دولار هدية لزوجته -الوجه الصاعد في عالم السلطة والنفوذ- بمناسبة شفائها من مرض السرطان في الوقت الذي يعيش السوريون في فقر مدقع، إضافة إلى مشروع البطاقة الذكية التي تعهدها قريب لأسماء الأسد وأخوها (شركة تكامل)، هذا المشروع الذي حقق أرباحاً طائلة (قيمة البطاقة 400 ل.س)، ناهيك عن محتواه المخابراتي في جمع كثير من المعلومات عن السوريين.
هذا التسريب الذي أتى نتاجاً لمطالبة القصر الجمهوري -المكتب المالي- الذي تشرف عليه أسماء الأسد مباشرة بمبالغ طائلة تصل لحدود 233 مليار ل. س (ما يعادل حوالي 180 مليون دولار أميركي)، بينما أقر رامي مخلوف في مقطع الفيديو الأخير بمبلغ 123 مليار (103 ملايين دولار).وسبق هذه المطالبات عزل إيهاب مخلوف (شقيق رامي) في أيلول 2019، من إدارة المناطق الحرة وتولي الفرقة الرابعة -فرقة ماهر الأسد- المقربة من إيران الإشراف عليها، وفرض الحجز الاحتياطي على أموال رامي في نهاية العام الماضي بحجة تهربه من سداد مستحقاته إلى “الدولة”، المتمثلة بالمكتب المالي في القصر بإشراف أسماء الأخرس-الأسد.
ما تشير إليه التسريبات الأخيرة أن تصارع القوى الفاعلة في سوريا، سواء الداخلية أم الخارجية قد خرجت إلى السطح، بالنسبة للقوى الخارجية، هناك مسعى لإقصاء إيران، كونه يحقق مصالح الفاعلين الأقوى (أميركا، إسرائيل، روسيا، تركيا)، وقطف روسيا ثمن أعمالها من خلال الانتقال إلى مرحلة جديدة (إعادة الإعمار) واحتكارها لأمواله المتوقعة. أما بالنسبة للقوى الداخلية (بقايا جيش الأسد وفروع مخابراته، والميليشيات سواء التابعة لروسيا أو إيران، والقوى الاقتصادية التي نشأت بفضل علاقة توزيع الثروة الناتجة عن احتكار الدولة للبلاد والعباد للمقربين والموالين، فتشكلت تلك الطبقة الجديدة حول رامي مخلوف، الذي كان يتحكم بنصف الاقتصاد في سورية)، فما تقتضيه ترتيبات المرحلة وخاصة بعد تحقيق “النصر” العسكري هو إجبار تلك الطبقة الجديدة على دفع تكاليف ذلك الانتصار -الدمار، أو مصادرة أموالها، ولا ندري إن كان تصفيتها سيكون أمراً لاحقاً لمصادرة أموالها.
وسط هذا التصارع، أين يقف السوريون، فهم يعرفون قبل غيرهم مدى وحشية نظام الأسد وعصاباته من الجيش والمخابرات التي أذاقتهم شتى صنوف التعذيب والقتل. كما يعيشون فعلياً حجم الفساد والنهب واللصوصية التي تخترق جسد الجهاز البيروقراطي لحكومات الأسد المتعاقبة، فالطوابير التي يشهدها السوريون للحصول على الحدود الدنيا من المواد التموينية والغاز مرعبة، فضلاً عن غلاء الأسعار الذي يأكل جسد وأرواح السوريين، أما الكهرباء، فهي من النوادر، في الوقت الذي يقوم فيه عماد خميس (المهندس المُخبر) والحكومات من قبله بتصدير جزء مهم منها إلى لبنان “دعماً” للمقاومة، وتحويل الأموال لحساباتهم الخاصة في بنوك الغرب.
تتطلع الدول الفاعلة لتقرير مصير سوريا من دون السوريين، وما يجري ويتم تسريبه اليوم يعكس في أحد تجلياته هذا الصراع، فالروس والإيرانيون استولوا على ما تبقى من موارد البلاد، وأقاموا قواعد عسكرية، ورجال الأعمال الجدد إما مرتبطون مع روسيا أو مع إيران. وما يجري من صراع بين عائلتي الأسد ومخلوف في جانبه الأهم – رغم أنه يحمل جوانب أخرى- ليس إلا صراعًا على النفوذ في سوريا بين إيران وروسيا، فهل سيأخذ السوريون دورهم في الترتيبات التي تلوح في الأفق خاصة إذا قررت روسيا التخلي عن رأس النظام؟ هذا هو المطلوب، ولكن ما مدى إمكانية تحققه وسط الحالة البائسة التي يعيشها السوريون و”معارضتهم”، أم أننا سنبقى ننتظر ما يقرره الآخرون؟، هذا ما ستكشف عنه الفترة المقبلة التي لن تتجاوز العام…
تلفزيون سوريا
—————————-
====================
=========================
تحديث 10 أيار 2020
—————————–
ذنب الكلب مُسخِّراً رأسه/ عمر قدور
في شباط 2016 تناقل الإعلام الروسي قولاً لرئيس مركز كارنيغي الروسي أليكسي مالاشينكو، يصف به تصرفات بشار الأسد بأنها مثال على محاولة الذيل التحكم بالكلب. بأكثر من سنة سبقت موسكو الرئيس الأمريكي الذي سيصف المذكور بالحيوان مع اختلاف الأسباب، إذ أتى توصيف ترامب رد فعل على استخدام السلاح الكيماوي، بينما استهلت الإهانة الروسية سلسلة من الإهانات اللفظية والبصرية غايتها تطويع بشار، أو إفهام العالم أن لها اليد الطولى عليه.
بإهاناتها المتواصلة قدّمت موسكو مادة دسمة لمن يريد التشفّي بالنهاية البائسة لطغيان الأسدية، لكنها بالتأكيد لا تهدف إلى إرضاء مشاعر ضحاياها. الأقرب إلى التصور أن تواتر الإهانات له وظيفة تطويع التابع الأسدي الذي لا يلبي طلبات موسكو على المثال الذي تريده، فتضطر بين الحين والآخر إلى تذكيره بحجمه الفعلي، سواء ضمن علاقة التبعية التقليدية أو ضمن استراتيجيتها كقطب دولي له حساباته الدولية والإقليمية. بعبارة أخرى، لو كان بشار ينفّذ ما هو مطلوب منه روسياً بدقة لما كان هناك مبرر لتكرار الإهانات، أو لكان إظهارها اقتصر على تجاوز البروتوكولات المعهودة في اللقاءات الرسمية بين الجانبين.
يبدو أن ذلك كله وصل أخيراً إلى حدّ يُحرج الأسد أمام مواليه، من دون أن يكون قادراً على الرد شخصياً، أو حتى من خلال ماكينته الإعلامية. المسألة لا تتعلق بالكرامة الشخصية له، والتي يمكن تجاوزها بسهولة كما أثبت من قبل، هي تتعلق قبل وبعد كل شيء بالرسائل الروسية الأخيرة التي فُهمت كإنذار بتقويض حكمه. أي أن من تحمل الإذلال من أجل المحافظة على كرسيه لن يبقى لديه ما يخسره إذا كان مُهدداً بفقدانه، وإذا كان تمهيداً لذلك مهدداً بتقويض ثقة مواليه ببقائه.
من هذه الجهة تحديداً أتى ما كتبه عضو “مجلس الشعب السوري” خالد العبود على صفحته في فايسبوك، تحت عنوان “لكن… ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟!”. صحيح أننا بدءاً من العنوان كمن يضع يده في عش دبابير السخرية، وصحيح أنه هذا ينطبق على عموم خطابات الموالين، بل يذكّر بعضو آخر لمجلس الشعب اشتُهر في مستهل الثورة عندما خاطب بشار الأسد قائلاً: أنت قليل عليك تكون رئيس سوريا، أنت لازم تكون رئيس العالم. لكن ما نراه مبعث سخرية فيه الكثير من الجد الأسدي، إذا لم يحتمل قليلاً من الدفع الإيراني.
في الرد على أحد التعليقات ينفي العبود أن تكون مطولته رسالة إلى “الحليف” الروسي، واصفاً إياها بمحاولة تنبيه جمهور الموالاة والخوف عليه من الوقوع في مطب رسائل وأوهام عديدة، ولا يخفى أن المقصود فهم الرسائل التي بثها الإعلام الروسي مؤخراً، وجرى تأويلها على محمل اقتراب نهاية بشار. مع ذلك، لا يمكن استبعاد أن يكون ما كتبه العبود رسالة “على مستوى متدنٍ” للحليف الروسي، ففي التركيبة الأسدية من غير المعتاد أن يتجرأ أحد على التحدث في العلاقات الخارجية ما لم يكن مدفوعاً من قبل التركيبة ذاتها.
اسم العبود كان قد ظهر مع مستهل الثورة، كإعلامي حاضر على الشاشات العربية ليدافع عن الأسد وجرائمه، محاولاً التمايز عن أقران له باستخدام أوفر للفزلكات اللغوية، ثم كوفئ على خدماته باختياره عضواً في “مجلس الشعب” عن محافظته درعا. لعل مسيرته توفر علينا نَسْب ما كتبه إلى اجتهاد شخصي، وملخّصه الأهم أن التدخل الروسي أتى بعد زمن من تشبيك إيران وحزب الله في سوريا، وعليه فإن الحضور الروسي لا يُقارن بتمكن الحضور الإيراني الأسبق والأعمق، وحتى علاقة التحالف مع روسيا ليست وطيدة على غرار نظيرتها مع إيران وحزب الله. من وجهة النظر التي يسوقها، لروسيا قواعدها العسكرية التي منحها إياها بشار لمواجهة التهديدات الأمريكية، ووجود القواعد مصلحة استراتيجية روسية أيضاً، أما الحضور الروسي خارجها فلا يُقارن بتغلغل ورسوخ وجود طهران وحزب الله. لذا، لا قدرة لروسيا على اتخاذ قرار يتعلق بمصير بشار، ولا قدرة لها على مواجهة نفوذ الحليف الإيراني كما هو مطلوب منها.
على الطريقة الأسدية، يترجم العبود القول الروسي الذي وصف رئيسه بذنب الكلب، ووفق ما كتبه يكون الذيل متحكماً حقاً بالكلب. لمزيد من الإقناع، هو يفصّل في ما يراه حاجة روسية لبقاء بشار، بينما التواجد الروسي حاجة ثانوية لبشار الذي يستطيع قلب الطاولة على بوتين متى شاء. إن الأول يستطيع، وفق سيل المبالغات، سحب البساط من تحت الثاني في عقر داره الكرملين، ولو أراد بشار التصدي له سراً أو علانية لانحسر المد الروسي الذي تصاعد في العقد الأخير، ولتم شطب اسم بوتين من التاريخ الروسي إلى أبد الآبدين. في غضون ذلك، على بوتين تذكّر الدرس الأفغاني الذي أودى بالاتحاد السوفيتي.
ما كتبه العبود على صفحته ليس بهذيان شخص، وإن ساقه الحماس إلى مبالغات منفصلة عن الواقع. هو في كل الأحوال يكشف عن أحد جوانب “عقل” السلطة الأسدية، وعما يريد موالوها تصديقه من الجانب الآخر. الموالي يتمنى دائماً تصديق تلك الصورة التي يروّجها بنفسه عن الأسدية التي لا تُقهر، وأركان الطغمة الأسدية “مهما بلغت من البؤس” لا يرون انهياراً لها طالما بقوا في كراسيهم، ولا يُستبعد عنهم أن يروا الإذلال طارئاً يعاود العالم بعده التطبيع مع جرائمهم، ما يمكّنهم من التخلص من وطأة الحلفاء. هذه القراءة الصغيرة بانتهازيتها قد تكون متحكمة حقاً بالسلوك الأسدي، بخلاف الصورة الشائعة عن طواعيته أمام الأوامر الروسية.
يسعى العبود “ومَن خلفه” إلى دحض فرضيتين شاعتا مؤخراً، أولهما التمهيد الروسي لتنحية بشار، وثانيتهما تنص على بدء انسحاب إيران من سوريا تحت ضغوط متعددة منها التواطؤ الروسي الضمني مع القصف الإسرائيلي المتكرر لميليشياتها ومواقعها. وراء ما يثير السخرية بتفاخره، وبإعطاء بشار مكانة القادر على قلب الواقع الاستراتيجي على رأس بوتين، الفحوى الأهم أن موسكو أوقعت الارتباك والخوف في صفوف الأسدية إلى درجة يصعب معها السكوت. ذلك قد يجدد التساؤل عما يجعل ذنب الكلب يهتز مضطرباً، من دون أن نكون جازمين بالإجابة ما لم نرَ الرأس يعض ذيله.
المدن
——————–
روسيا .. الأزمة والحل في سورية/ بشير البكر
تواجه روسيا في سورية أزمةً مركبةً ومتعدّدة الأوجه، فمن جهةٍ وضع النظام المهلهل، والمثقل بالتناقضات، لا يساعدها في تحقيق أهداف تدخلها العسكري. ومن جهة أخرى، هناك موقف دولي قاطع بعدم التعاون معها في سورية، مادامت تتمسّك بالنظام كما هو، ولا تقوم بخطواتٍ جادّة باتجاه الحل السياسي على أساس قرارات الأمم المتحدة. وفوق هذا وذاك، جاءت مفاجأة فيروس كورونا التي لم تكن في حسبان أحد، وجرّت معها أسعار النفط إلى مستوياتٍ متدنيةٍ لا سابق لها، الأمر الذي تأثرت منه موسكو على نحو كبير.
وإزاء ما تعيشه روسيا من تحدّيات في سورية، ظهرت، في الأسبوعين الأخيرين، وجهات نظر من أوساط روسية دبلوماسية وأكاديمية، تشرّح الوضع في سورية، وتحكم عليه بأنه شبه ميؤوس منه في ظل وجود النظام الحالي. واستخلصت دراسةٌ قام بها المجلس الروسي للشؤون الدولية أنه بات يشكل عبئا كبيرا على روسيا. والمجلس يديره أندريه كورتونوف، وهذا سفير سابق يقدم استشارات للقيادة الروسية. وتنصح الدراسة التي جرى تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الدولية بضرورة اتخاذ خطوات جادّة للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه روسيا في سورية. وترافق نشر الدراسة مع سلسلة من المقالات في الصحف الروسية، ومنها “برافدا” الرسمية، والتي تنبه إلى أن الاستثمار الروسي في سورية مهدّد بالخطر، ويتوجب تدارك الأمر قبل فوات الأوان.
ووسط عاصفة الانتقادات الروسية القاسية للرئيس السوري، بشار الأسد، حصلت المواجهة بينه وبين ابن خاله رامي مخلوف. وجاء ذلك ليخرج إلى العلن جانبا من الحروب الداخلية التي يعيشها النظام، وسببها الصراع على أموال البلد المنهوبة، وهذا مؤشّر على سقوط التفاهمات السابقة بين المافيات التي تخصصت بنهب موارد سورية منذ عدة عقود. ويبدو من الأسلوب الذي ظهرت به القضية إلى العلن أننا نشهد نهاية آخر ما تبقى من الدولة السورية. وكانت الأوساط الدولية، حتى وقتٍ قريب، تشدد على ضرورة المحافظة على الدولة بأي ثمن، ولكن المعارك التي تسارعت في الآونة الأخيرة بين أطراف عائلة الحكم تؤكد أن الوقت فات. الأمر الذي يضع روسيا في وضعٍ حرجٍ جدا، ويحمّلها مسؤولياتٍ وأعباء سياسية واقتصادية فوق طاقتها.
ومن هنا، تكتسب وجهات النظر التي تدعو القيادة الروسية إلى مراجعة الموقف من النظام في سورية أهمية، كونها تتحدّث انطلاقا من تقييم التطورات على الأرض ودراستها، وهي ترى أن هناك عدة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار. الأول أن الحرب في سورية تقترب من النهايات، وليس هناك أي معارك كبيرة في المدى المنظور. والثاني أن التفاهمات الروسية التركية أثمرت عن نتائج ملموسة على صعيد احترام وقف إطلاق النار في إدلب، وأعطت نوعا من الطمأنينة للمهجّرين الذين بدأوا بالعودة إلى ديارهم. والثالث أن روسيا لا تستطيع أن تسترد بعض ما صرفته في سورية، إن لم تتفاهم مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا لا يمكن أن يتم من دون حل سياسي، ومن يمتلك قرار إطلاق عملية سياسية هي روسيا. ومن يستطيع مساعدتها على انتشال الوضع من القاع هما الولايات المتحدة وأوروبا.
وصار واضحا أن واشنطن لا تعمل من أجل خروج روسيا من سورية، وتريدها أن تبقى هناك. وصدر هذا الموقف على لسان المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، في حوار صحافي الأسبوع الماضي، قال فيه “نطالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية باستثناء القوات الروسية”. ومؤكّد أن جيفري لا يعبر عن رأيه الشخصي، بل ينقل عرضا صريحا بالمساعدة من الإدارة الأميركية التي تدرك أن الحل في سورية مسؤولية روسية قبل أي طرفٍ آخر.
العربي الجديد
—————————
“فاسد هو وعشيرته” : ما سرّ الهجوم الروسي على النظام السوري؟/ أحمد الأحمد
فيما أصبح الاستياء الروسي من الأسد على أغلفة الصحف الروسية والعالمية، وعلى لسان المسؤولين الروس، لم تتفاعل وسائل الإعلام السورية في دمشق إطلاقاً مع هذه التقارير والتحليلات
“لولا تدخّل روسيا لكن نظام الأسد سقط خلال أسبوعين”، هذا ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مطلع عام 2017 بعد أكثر من عامٍ على التدخّل الروسي في الحرب السورية. تبعت ذلك سلسلة مواقف روسية بدا أنّها مدروسة، تعمّدت تحجيم بشار الأسد على نحو مهين، إعلامياً وسياسياً فيما كانت روسيا تدعم نظامه.
“بشار ضعيف على الأرض ولا يملك الإرادة السياسية لمواجهة الفساد”…
“لن يحصل بشار إلّا على 32 في المئة من أصوات السوريين في الانتخابات المقبلة عام 2021…
“بشار فاسد هو وعشيرته”…
“مسؤولو النظام السوري يستغلون المساعدات الروسية لأغراض شخصية”.
هذه مجموعة عناوين نشرتها الصحافة الروسية في الفترة الأخيرة، وتُعتبر هجوماً غير مسبوق ضد الأسد، فعلى رغم تعمّد الإعلام الروسي إحراج الأسد بشكلٍ غير مباشر بين حين وآخر، إلّا أنّه لم يسبق أن شنَّ هجوماً عليه بهذا الشكل المباشر والعنيف.
هذه الحقائق كلها تشير إلى أن بشار الأسد لا يمكن أن يكون رمضان قاديروف جديداً، والحديث هنا عن الرئيس الشيشاني، الذي يحكم بلاده كمندوب سامٍ روسي، لا يختلف عن المندوب الفرنسي أو الإنكليزي خلال فترة الاستعمار. يبدو أن بشار الأسد لن يحصل على هذه الترقية- المنصب في سوريا.
خلال الأسابيع الفائتة، شنَّ الإعلام الروسي الرسمي هجمات متوالية ومتسارعة وعنيفة ضد بشار الأسد وحاشيته عبر سلسلة أخبار ومقالات وتعليقات تتناول فشله في إدارة البلد. تكشف هذه الهجمات أن تدخّل روسيا في الحرب السورية لم يكن نتيجة تمسك ببشار الأسد نفسه قدر ما كان لتأمين مصالح نجحت روسيا بعد هذه السنوات في تثبيتها.
هجوم قاس
في سياق النقد الروسي لبشار الأسد، عنونت صحيفة ЭКСПЕРТ أن الأسد قد يفقد منصب رئاسة سوريا في انتخابات 2021، في حين اعتبرت صحيفة HAKAHYHERU أن الأسد دمّر الاقتصاد السوري متماهياً مع أهواء عائلته، وكتب موقع Rufox أن الأسد خسر رحمة روسيا، وأخيراً ذكرت بي بي سي الروسية أن بشار الأسد رئيس بالوراثة.
وبدأ الهجوم عندما نشرت “وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية” ثلاث مقالات، وصفت بشار الأسد فيها بأنّه “ضعيف ولا يتحكم في الوضع في البلاد فيما مسؤولوه يعيثون فساداً”.
أما الوكالة الفيدرالية التي يملكها الملياردير الروسي يفغيني بريغوجين المقرب من فلاديمير بوتين والمعروف باسم “طباخ بوتين”، قالت في تقريرها: “إن الفساد الذي يستشري في الحكومة السورية يعيق التعاون بين موسكو ودمشق”. وأضاف التقرير، أن “الأسد لا يتحكم بالوضع في البلاد وأن المسؤولين يسيطرون ويسرقون عائدات استخراج النفط والغاز” موضحة أن النظام زاد ساعات قطع التيار الكهربائي عن السوريين، وتبريره ذلك بأن حقلي حيان والشاعر توقفا عن العمل بسبب سيطرة الإرهابيين على مدينة السخنة قرب حقول الغاز، لكن هذه الادعاءات “كاذبة” بحسب الوكالة، التي أوضحت أن إغلاق شركات إنتاج الغاز يؤثر سلباً في اقتصاد البلاد الذي ساعدت روسيا في استعادته.
ورأى التقرير أن سبب زيادة الرسوم الجمركية والوضع الاقتصادي المتدهور، هو الفساد في حكومة رئيس الوزراء عماد خميس.
وأكمل: “المسؤولون السوريون يواصلون نقل أموال “النفط” إلى الغرب، الذي يخنق سوريا بعقوباته، وفي ظل هذا يفقد بشار الأسد مكانته، لأنه غير قادر على السيطرة على الوضع”.
هجوم رسمي روسي
بعد مقالات الوكالة الروسية، كتب مستشار المجلس الروسي للشؤون الدولية ألكسندر اكسينيوك مقالاً على موقع “نادي فالداي للحوار”، الذي أسسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هاجم فيه النظام بشكلٍ عنيف. وانتقد الديبلوماسي الروسي “خطاب الانتصار” الذي ينتهجه النظام و”استمرار تلويحه باستكمال أعمال القتال”، معتبراً أنّه يتحدث بلغة منفصلة عن الواقع، قائلاً: “دمشق لا تبدو راغبة في تقديم نهج يتمتع بالمرونة وبعد النظر وتواصل الاعتماد على الحل العسكري القائم على دعم من حلفائها (روسيا) وحصولها على مساعدات مالية واقتصادية غير مشروطة”.
واعتبر أنه “من الصعب تمييز ما إذا كان الأسد يكافح الإرهاب أم يرتكب العنف ضد معارضيه، وهو ما أدّى إلى تصاعد التوتر مرّة أخرى في درعا”، حيث سيطرت روسيا عليها بشكلٍ ديبلوماسي بعد الضغط على المعارضة المسلّحة.
وأوضح مقال اكسينيوك أن الأسد فشل في السيطرة على الوضع الاقتصادي وإيقاف فساد عائلته، المتمثّل في الرشاوى التي تفرض على الشحن التجاري أو عبور الأشخاص، وتحويل القوافل الإنسانية لتذهب إلى قطع الجيش والأمن أو وسطاء تجاريين، ومن يرتبط بهم ويواليهم من كبار رجال الأعمال وأصحاب المشاريع، وهاتان الفئتان ترتبطان بشكل أساسي بعائلة الأسد”، واصفاً الأسد بـ”الضعيف” و”عديم القدرة على السيطرة على الفساد”.
مؤيّدو الأسد يصبّون الزيت على النار
فيما أصبح الاستياء الروسي من الأسد على أغلفة الصحف الروسية والعالمية، وعلى لسان المسؤولين الروس، لم تتفاعل وسائل الإعلام السورية في دمشق إطلاقاً مع هذه التقارير والتحليلات، باستثناء صحيفة “الوطن” المملوكة لرامي مخلوف، والتي اخترعت “مصدراً ديبلوماسياً” مجهولاً، اعتبر أنّه “لا يوجد أي خلافات بين بوتين وبشار الأسد”.
ونقلت الصحيفة عن ما اعتبرت أنه “مصدر ديبلوماسي عربي في موسكو” من دون ذكر نوع ديبلوماسيته أو جنسيته أو أي معلومة عنه، أن “الخلافات الروسية السورية لا أساس لها من الصحة”. وقال: “الحملة التي شنت في عدد من وسائل الإعلام الروسية مصدرها وداعموها من المقربين لتركيا وإسرائيل”.
الأمر الأكثر إثارة تمثّل في ردّ فعل خالد العبود محلّل سياسي موالٍ للأسد وأمين مجلس الشعب، الذي نشر تدوينة مطولة عنوانها “ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟”، اعتبر فيها أن الأسد لم يكن يحتاج إلى بوتين لـ”محاربة الإرهاب” وأن الرئيس الروسي جاء ليحارب في سوريا، بناءً على دراسات بشار الأسد للبيئة السورية ….
لكن… ماذا لو غضب الأسد من “بوتين”؟!!!………………………………………في الأيام القليلة الماضية…
Gepostet von خالد العبود am Mittwoch, 6. Mai 2020
في المقابل، اعتبر ضابط المخابرات السوري اللواء بهجت سليمان، الذي شغل منصب السفير السوري في الأردن سابقاً، أنّه “لا يحق لأحد أن يملي على سوريا مواقفها السياسية، حتى أولئك الذين وقفوا مع “سوريا الأسد” خلال السنوات الماضية”.
وقال سليمان: “كنا وسنبقى أوفياء لكل من وقفوا مع سوريا الأسد خلال العقد الماضي، حتى لو بالكلمة، ولكن من الخطأ الكبير أن يظن البعض أن من حق بعض هؤلاء أن يُملوا على سوريا مواقفها السياسية، أو أن يحددوا لها من تصادق أو من لا تصادق، أو أن يرسموا لها خارطة طريق تحدد لها مسارها”، موضحاً أنّه “يعني بكلامه أشخاصاً لا دولاً”.
– 1 –
▪︎ كنا وسنبقى أوفياء لكل من وقفوا مع سورية الأسد خلال العقد الماضي ، حتى ولو بالكلمة .. ولهم منا عميق التقدير والشكر والعرفان على ما قاموا به ( وهنا نتحدث عن أشخاص وليس عن دول ، لكيلا يكون هناك التباس ) .
▪︎ ولكن من الخطأ الكبير أن يظن البعض .. ● يتبع ..
— د. بهجت سليمان (@drbahjat49) May 8, 2020
يأتي ذلك فيما يغرق رأس النظام السوري بمشكلات داخلية مندلعة بين ابن خاله رامي مخلوف الذي يملك أكثر من نصف الاقتصاد السوري، وزوجته أسماء الأخرس التي بنت تكتّلاً من تجار الحرب وتريد انتزاع الأموال من آل مخلوف إلى ملكية أولادها الذين تطمح على ما يبدو بأن يدخلوا الحياة السياسية ويكون لهم موقع فيها خصوصاً أن ابنها الأكبر حافظ بشار الأسد بات في عمر يسمح بتحضيره لمثل هذا الدور.
بشار خيّب آمال بوتين
ثمّة أسباب عدة تفسّر الهجوم الرسمي الروسي على بشار الأسد، يأتي على رأسها ما يعرفون بـ”أمراء الحرب” وهم الاقتصاديون الجدد الذين ظهروا خلال سنوات الثورة ومعهم مليارات الدولارات بشكل مفاجئ، مثل سامر الفوز وحسام قاطرجي وغيرهما، والذين ساهم النظام بتسهيل دخولهم الى دورة الاقتصاد من خلال التحكم بمفاصل أساسية ترتبط مباشرة بحياة الناس اليومية.
هؤلاء الاقتصاديون، تمكنت أسماء الأسد خلال السنوات الماضية من تطويعهم الى جانبها ليشكّلوا قوّةً ضاربةً بيدها، وهم الآن ينهكون الدولة الروسية اقتصادياً، فبينما يعمل الروس على دك المدن والبلدات عكسرياً لطرد المعارضة منها، يقوم رجال الأعمال هؤلاء بالسيطرة اقتصادياً على مداخيل الناس وثروات تلك المناطق.
إضافةً إلى ذلك، تشي المعلومات المتداولة بأن الأسد حاول مرات عدة الاتفاق مع القيادة الكردية (الإدارة الذاتية) في شمال شرقي سوريا من دون علم الروس ومن دون تنسيق معهم، وهو ما أثار غضبهم كونهم يتعاملون مع رئيس النظام على أنّهم “أولياء عليه” في كل اتفاق أو تحرّك سياسي، كما أن أي عملية سياسية يجب أن تضمن المصالح والاستثمارات الروسية.
الأمر الآخر الذي أثار حفيظة الروس، هو اتفاق بشار الأسد مع محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، على مهاجمة القوات التركية في إدلب وخرق الهدنة الروسية – التركية، مقابل منح الأسد مبلغ 3 مليارات دولار، وذلك وفقاً لما كشف عنه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مطلع شهر نيسان/ أبريل 2020، موضحاً أن الأسد تلقّى بالفعل دفعة أولى قدرها 250 مليون دولار، لكن عندما علم بوتين بالأمر كان غاضباً وأرسل وزير دفاعه سيرغي شويغر في زيارة غير مبرمجة إلى دمشق لمنع الأسد من إعادة فتح المعركة، بحسب المصدر ذاته.
يُضاف إلى هذه المعطيات، استمرار النظام السوري بالخطاب العدائي ضد تركيا، والتي هي في الوقت نفسه حليفة قوية لموسكو داعمة الأسد.
تشير التحليلات اليوم، إلى أن الروس يركّزون جهودهم في اتجاهٍ واحد، وهو الدفع في الانتهاء من تحضير اللجنة الدستورية وكتابة دستور جديد لسوريا في أسرع وقتٍ ممكن، على أن يضمن هذا الدستور استثماراتها ومنشآتها الاقتصادية في البلاد، وذلك سواء رحل الأسد أم بقي، وتلك في حد ذاتها اشارة الى التحضير الروسي لمستقبل ما في سوريا لن يكون بشار الأسد جزءا منه.
درج
—————————-
خالد عبود ونهاية نموذج المثقف المهرج/ معبد الحسون
تنتابُنا شكوكٌ، نحن السوريين، أنَّ اللا شيء، يَطفِق أحياناً بالتآمر مع الشيء، واللا يقين ربما تحالف من وراء ظهورنا مع اليقين. لا يكاد يمرُّ يومٌ إلا ويتداعى جدارٌ، لينهض جدارٌ محله. نحن في هذه الأيام نتابع عن كثبٍ النهايات؛ نهايات الديكتاتور الإله، والسقوط المدوي لحقبة الإبادة المظلمة. كما نشهد مع سقوطه أيضاً، رحيلَ المثقف النبي، والسياسي الحذاء، والمؤيد الهذائي المضطرب عقلياً، والمعارض الموظف، والثورجي التاجر، والمقاتل أمير الحرب، والإعلامي الكذّاب، والصحفي الانتهازي، ورجل الدين الخفيف العقل، وتجار الحروب مصاصي الدماء، وكلَّ شواهد سنوات الانحطاط؛ تلك الحقبة الشاحبة التي حُقِنَت كالدُّمَّل، في جلد الأسدية الموشكة على التهافت والاندثار.
ففي الوقت الضائع، ما أكثرَ من يندم أو يشمت، أو يسترجع أو يفرح أو يتظاهر بالفرح، أو يخوض الغمرة مع الخائضين، أو يعتزلُ مع المعتزلة.
يقول “كوندورسيه”، وهو من مفكري الثورة الفرنسية وصناعها المؤثرين: (قدرة الدجال أو المشعوذ على تضليل الجماهير، أشدُّ من قدرة العبقري على إنقاذها). وحين يصبح الهُرَاء وجهة نظر سياسية عالية الاعتبار، غالباً ما تخفي التفاهة وراءها حقائق كثيرة مهمة، وإن تكن غير مستبانة. والمشعوذ، أو الحاوي، قد يكون ظاهرة ثقافية عابرة للحدود. إنسانية بمعنى ما، وغير مخصوصة بحالة أو ببلد أو بثقافة معينة. هذا ما يُطلق عليه في الدراسات الأنثربولوجية بوضعية العتبة/ الحد الفاصل بين شيئين. وباللاتينية يحيل مصطلح (liminality) إلى الهامش أو الحافة. أو ما يسمى في مصطلحنا الدارج: بين بين.
الحاوي أو المهرج، هو حدٌّ فاصلٌ بين عتبتين، كلتيهما معروفتين ومفهومتين. على سبيل المثال، نحن نعرف من ثقافتنا الشعبية والمدونة المكتوبة، أن هنالك دائماً، ما يتجاوز ما هو معروف ومستقر في الأذهان، إلى اللامحدود واللا مُتعين. وكمثال يوضح الفكرة، فإننا لا نتعامل مع شخصية “جحا” التاريخية، كما جرى تعويمها وتعديلها كثيراً عبر تاريخ طويل، لا بصفتها شخصية في غاية الذكاء، ولا هي شخصية في منتهى الغباء. لا هي فاضلة تماماً ولا هي فاسقة تماماً. تثيرُ الإعجاب بحكمتها، مثلما تثير الغضب بحماقاتها. وتصلح للضحك والبكاء، ولانعدام اليقين والرجاء. (أو، كما يقول المتنبي: ضَحِكٌ كالبكا..). إذ يمكن نسبة أي شيء إليها، بوصفها مُستوعِبٌ يتسعُ لكل ما لا حدود له، ولا تؤطره نهاية. من هنا فإن الحد الفاصل (la limite)، هو فاصل فقط لكل ما هو مفهوم ومحدود ومتعين.
اللامحدود، بطبيعة الحال، طقسٌ من الطقوس للعبور إلى المعنى المفهوم. والطقسية كما يذهب بحَّاثةُ الأنثروبولوجيا، ترافق العبور في مراحل الانتقال؛ فالولادة، الختان.. والانتقال إلى المراهقة ثم الشباب، ثم الانتقال من مرحلة دراسية إلى تخرج واختصاص، كلها انتقالات مقرونة بطقوسها المناسبة. بهذا المعنى يمكن فهم كلمات مقالة “العبود”، بأنها انتقال إلى طقوس/ أو مرحلة سقوط النظام، وركله بأحذية الأقوياء الذين استقوى بهم سنين طويلة.
وبهذا المعنى أيضاً، فإن مقالة فيلسوف التفاهة والوضاعة، الناطق بلسان الأسدية، “خالد عبود”، الذي يُحْمَلُ عليه موصوفُ أمين سر مجلس الشعب السوري، والتي جاءت تحت عنوان: ماذا لو انقلب الأسد على بوتين؟ كذا..!! وبصيغة الاستفهام الإنكاري والاستفزازي، الذي يخدش شرود القارئ غير المُسْتَفَـزّ والمتوتر، ويحرك سكونه، فيصبغه بصبغة من الاهتمام الذي يغصب على متابعة ما بعده.
العبور وراء مضمون العنوان ليس صادماً فحسب، بل لعله مُسَلٍّ أيضاً. يحمل في طياته من الفكاهة بقدر ما يحمل من الجدية. ويلعب على سحر الشعوذة الكلامية المنتقاة الألفاظ، (والمنقحة بصيغتها النهائية مخابراتياً، لدى أعلى مستويات صنع القرار لدى نظام الأسد).
ما زلنا نتذكر جميعاً عبارات الرئيس القذافي ـ قبل سقوطه بأيام قليلة، وإعدامه ضرباً بالأحذية والركلات، بعد استخراجه من مخبئه في قناة للصرف الصحي ـ والتي لاتزال تُدَوِّي في أسماعنا حتى اليوم: ( أنا أستطيع أن أحرك كلَّ أحرار العالم وثوارهِ، بإشارة من يدي، وأدعوهم للتحرك.. فمن أنتم؟ كلُّ الثائرين في هذا العالم معي.. وهم ينتظرون إشارة مني.. إلخ..). فلنضرب صفحاً مؤقتاً عن تلك السلسلة الطويلة الخرقاء، من الجمل المتسلسلة التي أغرق بها “العبود” مقالته، بتوطئة كل جملة أو مفتتح سطر جديد، بعبارة: (ماذا لو..).
يهمُّنا من هذا القدر من الكلمات الهوجاء، والمرسلة على عواهنها التي استخدمها “العبود” ـ الذي يكادُ يُعدُّ نموذجاً لـ “المثقف والسياسي الحذاء” في النظام الأسدي ـ بما يمتلكه من رغوة تعابير مُتَـوهَّمة مجنونة، ومصطلحات فارغة خرقاء، والتي قد لا يستسيغ أشدُّ المرضى الذُهانيين، أن يسترسلوا في مطلق التخيلات الضالّة وراءها. وذلك في استرسالات نمطية معروفة لدى الشخصيات الزَّوَرِيَّة التي تجاوزت عتبات الجنون، وفي حال غياب الواعية الشعورية في عتمة الهذيانات والأوهام.
من المفيد أن أصرف الانتباه قليلاً، إلى نموذج واحد تمَّ دَسُّهُ بعناية مخابراتية، وسط هذا الهذر الكابوسي المستغرِق والمخيف.. لنتأمل في عبارة “عبود” التالية، محاولين تفحصها من جديد: (ماذا لو غضب الرئيس الأسد من بوتين وجرَّهُ إلى تيه البادية السوريّة، وأغرقه في حرّها ورملها، وأطبق عليه هناك، بعد أن فخّخ له ما فوق الأرض وما تحتها؟!!!.”.).
يريد “العبود”، أو الموجه المخابراتي الذي كان يصوب له عباراته، طائلاً من هذه العبارة، أن يقول: (داعش نحن صنعناها، فهي منّا، من منتجات مصانعنا الاستخباراتية، إن كنتم لا تعلمون. ولقد جرَّبناها واختبرنا مفخخاتها فوق الأرض وتحت الأرض. فإن كان “بوتين” لا يعلم ذلك ـ وهو يعلم ذلك بكل تأكيد ـ فليجربْ، أو ليحذرْ حتى لا يُضْطَرُّنا أن نضربه بسيفها، بعد أن نستجرَّهُ إلى تيه البادية السورية.. ثمّ نفخخَ له ما فوق الأرض وما تحتها).
تلفزيون سوريا
—————————–
اسماء ورامي vs موسكو وطهران/ باسكال صوما
التسريبات الأولى من الروس حول فشل إدارة الدولة السورية، وفيديوات رامي مخوف، وانسحاب إيران أو تغيير استراتيجيتها في سوريا، توحي بأن هناك تغييراً محتملاً في الساحة السورية…
تدلّ روزنامة سوريا السياسية على أن النظام يواجه تحديات إضافية وضغوطاً على الصعيد السياسي وتخبطاً في جناحه الاقتصادي، لم يعد خافياً على أحد. فالتسلسل الزمني للخضات الأخيرة ينبئ بأنّ حاكم القصر والبلاد وحاكم جحيم المعتقلات سيئة الذكر ومفجّر البراميل في أجساد الأطفال، سيكون على موعد مع ارتدادة أو أكثر من ارتدادات الزمن، التي لا مفرّ منها.
أولاّ، التسريبات الروسية التي طرحت سيناريو تخلي روسيا عن بشار الأسد، ثمّ تلزيم البلوك رقم 12 في سوريا للإيرانيين، بعدما كان من حصة شركة روسية، أحد مساهميها البنك المركزي الروسي، وفق المعلومات المتوافرة. ما يدلّ على بلبلة بين الحلفاء والأصدقاء، حامي نظام الأسد.
وأخيراً فيديو رامي مخلوف في 30 نيسان/ أبريل، وهو رجل النظام الأول وصاحب مئات الشركات، إذ خرج ليشكو من الضرائب و”القسوة”، معلناً صراحة الصراع الواضح بين النظام ورجاله. ثم أتت أخبار اعتقالات موظفين من “سيريتل” التي يملكها مخلوف، الذي ظهر مجدداً في فيديو يشكو فيه الطريقة “اللاإنسانية” التي اعتُقل فيها موظفوه.
حكم الترقيع
دعم روسيا النظام منذ 2011 حتى اليوم كلّفها أن تستخدم الفيتو 12 مرة في مجلس الأمن لحمايته من السقوط والمحاسبة، عدا عن الثمن المادي والعسكري، وبالتالي كان على النظام أن يردّ الجميل، وأن يبقى مديناً للروس متحمّلاً أي شيء منهم. لكن التسريبات الروسية تحدّثت عن تنحية بشار وتشكيل حكومة انتقالية، وبغض النظر عن صحة التسريبات أو عدمها لكنّ تزامنها مع فيديوات رامي مخلوف، يدلّ على أن تغييرات حقيقية قد تكون بانتظار سوريا في الفترة المقبلة. علماً أن سوريا تشهد إضافةً إلى صراع القوى، حصاراً اقتصادياً مستفحلاً، وهي تتصدّر قائمة أفقر دول العالم بنسبة 83 في المئة من الفقر بين أهلها. ويحاول النظام ترقيع الجوع بتوزيع بطاقات ذكية على العائلات للحصول على مواد غذائية غير كافية بأسعار مدعومة. تماماً كما حاول ترقيع وصول فايروس “كورونا” إلى سوريا، بالإنكار، وها هو بشار الأسد الأسد الآن يحاول سدّ الحفرة التي حفرها رامي مخلوف، بالصمت المطبق. فقد حصل ما حصل، وفضح رامي مخلوف صراع الأقرباء، فيما بقي القصر الجمهوري في دمشق هادئاً محجوراً عن الردّ.
في المقابل، قال موقع “ميدل إيست آي” الإلكتروني البريطاني إن رجل الأعمال السوري رامي مخلوف لا يزال مقيماً في سوريا، على رغم انتقاده العلني الرئيس بشار الأسد. وهو أمر إن أثبتت صحّته، فهو يحتاج إلى تفكير آخر حول الجدوى من رشق النظام والبقاء في كنفه في الوقت نفسه، ومن قد يستفيد من ذلك.
“الأجنحة المتكسّرة”
وفق الباحث في الشأن الاقتصادي السوري يونس الكريم: “رامي مخلوف لا يمثّل الجناح الاقتصادي للنظام وحسب، بل أيضاً جناح حرس النظام الذي دخل في صدام مع أسماء الأسد منذ بداية التدخل الروسي في سوريا، واستلائه على استثمارات كان جزء كبير منها للنظام ذاته، مثلاً ميناء طرطوس، الذي تم تجريد النظام (ممثلاً بمخلوف) من استثماراته في مناجم الفوسفات والملح لمصلحة الروس مع الكثير من التسهيلات والمنح. ورامي مخلوف كان يستثمر هناك في الكثير من المشاريع كالكهرباء. لكنّ الصراع انفجر حقاً مع إقالة دريد ضرغام (حاكم البنك المركزي السوري)، وتعيين حازم قرفول الذي أصدر الكثير من القرارات التي أعاقت عمل شركات النظام”.
ودرغام المدرج اسمه على قوائم العقوبات الغربية، تعرض وزوجته، عام 2011 للحجز الاحتياطي على أموالهما، بتهمة فساد بسبب تسهيلات ممنوحة من فرع المصرف التجاري رقم 8 في حلب، أثناء عمل درغام السابق كمدير عام لـ”المصرف التجاري السوري” 2003-2011. درغام استطاع رفع الحجز الاحتياطي عام 2018. علماً أنه عيّن حاكماً لـ”المركزي” عام 2016، وإقالته الآن وفق وسائل إعلام موالية للنظام في إطار “مكافحة الفساد”، إلا أن الواقع يقول أنّ إقالته لا تخلو من كونها جزءاً من الصراع القائم بين أجنحة النظام الاقتصادية، والحاجة إلى حاكم يخدم وجه سوريا الجديد كما يراه نظام الأسد وحلفاؤه. وسبقت إقالة درغام بشهر، إقالة صديقه مدير عام “المصرف التجاري السوري” فراس سلمان، وتعيين علي محمد يوسف مكانه.
يوضح الكريم لـ”درج” أن “الصراع اليوم في سوريا يقود إلى حقيقة واحدة وهي وجود تغييرات كبيرة وتحديات وضغوط أمام النظام بكل أجنحته. هذا الأمر يعطي فكرة أن هناك تغييراً محتملاً في الساحة السورية، إذ تزامنت رسائل عدة مع بعضها بعضاً، التسريبات الأولى من الروس حول فشل إدارة الدولة السورية، وأيضاً فيديوات رامي مخوف، وانسحاب إيران أو تغيير استراتيجيتها في سوريا. وبالتالي نحن نشاهد اليوم حلفاء النظام غير مهتمين بدعم الأسد. كما أن تيار أسماء الأسد عوّل كثيراً على دخول الصين، لكن مساعدات الصين فضحت أن تدخلها لمصلحة الأسد، هو أمر مستبعد”. ويتابع: “وبالتالي هذا التغير في المشهد السياسي، ستكون له انعكاسات كبيرة على المشهد الاقتصادي، فالتغيير السياسي اليوم متزامن مع وضع اقتصادي سيئ نتيجة “كورونا”، إغلاق الحدود، الاحتياطات النقدية التي تمر في أسوأ أوضاعها، وكذلك الزراعة واحتياط الأمن الغذائي، إضافة إلى الفقر المستشري، وانعدام الأمن الغذائي بنسبة 65 إلى 70 في المئة”. ويرى الكريم أن “الصراع اليوم يرسّخ الخوف لدى المستثمرين الموجودين حالياً أو المحتملين، ويخيف أيضاً أمراء الحرب، وبالتالي هؤلاء سيقومون بعملية تسييل لأملاكهم وأصولهم إلى الدولار، ومحاولة الفرار من سوريا للابتعاد من هذه المعركة بين رامي مخلوف وبشار الأسد، ما سيؤدي إلى تضخّم ركودي، مع توقف الأعمال والاستيراد، مقابل ارتفاع الأسعار بشكل كبير، في ظل كمية غير كافية من السلع، وبالتالي نحن الآن ندخل في حالة سيئة جداً بالنسبة إلى المواطن السوري والبلد ككل. وهذا ما تحدّث عنه رامي مخلوف، حين حذّر من الفترة المقبلة مع عدم وجود حلول للمشكلات، فيما ما زال الأسد صامتاً، على رغم كل ما قاله رامي مخلوف”.
ويوضح الكريم أن “رامي مخلوف يمثّل 65 في المئة من الاقتصاد السوري، إذ لديه أقنية واسعة جداً من الصناعات والتجار والاستيراد والتصدير. وكل العاملين في دائرته سوف يصابون بالرعب الآن، ما دام كبيرهم تخلّى عنه النظام. هناك 6500 موظف في “سيريتل” وحدها، علماً أن مخلوف يملك مئات الشركات وبالتالي هؤلاء سيشعرون بالخوف على أمنهم أولاً، وقد يفكّرون باللجوء أو الهرب، وقد نشهد موجة ثانية من اللجوء في هذه المعركة المستشرية مع النظام”.
ويشير الكريم إلى إعطاء بشار الأسد الإيرانيين حق التنقيب في البلوك رقم 12، بعدما كان منح عام 2013 لشركة روسية حق التنقيب عليه، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك. ويسأل: “هل العلاقة بين النظام وروسيا انتهت؟ هذا سؤال بالغ الأهمية. هل زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سوريا وملاقاته بشار الأسد ضمن هذا السياق؟”.
“هناك تغيّر في الساحة السياسية في سوريا. وهذا عبء إضافي على المواطنين”، يختم الكريم.
درج
—————————
«رسائل إعلامية» بين موسكو ودمشق تظهر اتساع رقعة التباين
برلماني سوري يلوّح بـ«إغراق بوتين» في أفغانستان جديدة
موسكو: رائد جبر
في مؤشر إلى اتساع الفجوة بين دمشق وموسكو، صدر أمس، في العاصمة السورية، مقال لافت، حمل لهجة حادة في الهجوم على روسيا، وعلى الرئيس فلاديمير بوتين بشكل شخصي، وتزامن مع تزايد تعليقات المسؤولين السوريين الانتقادية تجاه موسكو، رداً على حملات إعلامية روسية ركزت أخيراً على توجيه انتقادات قاسية للنظام، تناولت مسؤوليته عن تفشي الفساد، وعجزه عن السيطرة على الأوضاع، فضلاً عن الإشارات إلى تدهور شعبية الرئيس بشار الأسد، وأنه بات يشكل عبئاً على موسكو.
حمل المقال الذي نشره عضو مجلس الشعب السوري (البرلمان) خالد عبود على صفحته في «فيسبوك» عنوان: «ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟»، وتضمن فقرات حادة تركز على أن الحليف الأساسي للأسد هو «إيران – حزب الله»، وأن الدخول الروسي إلى سوريا لبى مصلحة مشتركة سورية – روسية في مواجهة الأميركيين، ولم يلعب دوراً في «إنقاذ» نظام الرئيس السوري، كما أكدت موسكو مراراً على كل المستويات الرسمية.
واللافت أكثر أن النائب السوري لوح بأنه «إذا غضب الأسد فهو قادر على سحب البساط من تحت أقدام بوتين حتى في أروقة الكرملين»، و«أن يشطب مجده وإنجازاته»، ونبه إلى أنه باستطاعة سوريا «إغراق بوتين في حريق طويل في جبال اللاذقية» أو في «سهول حوران أو البادية السورية»، بصفته قوة احتلال لسوريا. وحملت المقالة الطويلة كثيراً من الإشارات المماثلة التي تهدد الروس، ليختمها الكاتب بأن الأسد «إذا أراد أن يقف في وجه بوتين (…) لن ينتهي الرئيس الروسي في سوريا وحسب، بل سيتم انحسار المد الروسي في العالم، وسيتم شطب اسم بوتين من التاريخ الروسي إلى أبد الأبدين»!
وعكست هذه اللهجة، وفقاً لخبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، مستوى «الاستياء لدى الأوساط الحاكمة في دمشق من الحملات الإعلامية الروسية الأخيرة»، وأنه «ليس بمقدور نائب في مجلس الشعب أن يكتب عبارات من هذا النوع من دون ضوء أخضر من أجهزة عليا». ووجد هذا الرأي تأكيداً مع اتساع التعليقات السورية الغاضبة ضد موسكو، وكان بينها ظهور السفير السابق بهجت سليمان، وهو مسؤول أمني عسكري سابق أيضاً، ليندد بأن روسيا «تدخلت في سوريا بعد مرور 54 شهراً واجهت فيها دمشق وحيدة مؤامرة كونية».
ورغم أن موسكو تجاهلت هذه الإشارات، ولم يصدر رد فعل على المستوى الرسمي عليها، فإن أوساط مركز صنع القرار رأت فيها تعبيراً عن «الخروج عن أي وعي سياسي أو شعور بالمسؤولية في مرحلة خطرة تعيشها سوريا»، وفقاً لتعليق الدبلوماسي السابق رامي الشاعر المقرب من وزارة الخارجية الروسية.
وقال الشاعر لـ«الشرق الأوسط» إن تعليقات كثيرة برزت، يتنوع مضمونها بين الاندهاش والاستفسار حول ما صدر عن دمشق يوم أمس من تصريحات حادة ضد روسيا، مشيراً إلى أنه «لا يجوز التعامل مع ما صدر بصفته صادر عن دمشق، ويعبر عن موقف القيادة السورية بتاتاً، حتى لو كان صاحبه عضواً في مجلس الشعب السوري، أو شخصية معروفة مقيمة في سوريا مؤيدة لسياسة الدولة السورية».
وأضاف أن «ما قيل، جملة وتفصيلاً، ومن حيث الأسلوب كما المضمون، يخرج عن إطار أي مفاهيم للوعي السياسي أو المسؤولية في مرحلة تعيشها سوريا، قيادة وشعباً، أقل ما توصف به هو الحساسية والدقة»، ودعا إلى ضرورة «عدم الاكتراث لأساليب على هذا المستوى، تهدف إلى تشتيت الاهتمام والتركيز (…) والالتفات بدلاً من ذلك إلى العمل على التوصل إلى خلق أجواء مريحة للبدء في عملية الانتقال السياسي التي ينبغي أن يشارك فيها جميع السوريين، وخاصة مؤسسات الدولة السورية المعنية التي يجب أن تسهل عمل المراقبين والمختصين من قبل هيئة الأمم المتحدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254) الذي ينص أيضاً على إجراء تغيير أو تعديل دستوري كان من المفروض أن تكون اللجنة الدستورية قد انتهت منه الآن، لولا جائحة كورونا».
ولم يستبعد الدبلوماسي الخبير في شؤون العلاقات الروسية – السورية «أن تكون هناك محاولات تخريب، لكن الأهم ألا تحدث أي صدامات أو أعمال عنف، وأنا واثق في أن مجموعة آستانة تستطيع الحفاظ على نظام التهدئة، ووقف إطلاق النار في مناطق التهدئة. كما أن تجربة السنوات التسع التي عاشها الشعب السوري كفيلة بأن يستوعب ما تهدف إليه المحاولات الإعلامية المغرضة الموجهة لإبقاء الوضع كما هو عليه في سوريا». وأعاد التذكير بأن «غالبية الشعب السوري ترفض إبقاء الوضع الحالي، وهذا أمر تعاظم في التطورات الأخيرة خلال الأيام العشرة الماضية، لتصل (النسبة) إلى 99 في المائة من الشعب، في مناطق وجوده كافة».
——————-
تحرك سوري لـ «محاصرة» الحملة الروسية
واشنطن تقيم قاعدة جديدة لحماية نفط شرق الفرات من موسكو
موسكو: رائد جبر – لندن: «الشرق الأوسط»
كثف النظام السوري تحركاته في موسكو لـ«محاصرة» الحملة الروسية ووقف تداعيات التراشق الإعلامي بين الطرفين.
وتجنبت موسكو التعليق رسمياً على «رسائل إعلامية نارية استهدفت الرئيس فلاديمير بوتين»، وفقاً لوصف معلقين روس، في إشارة إلى كتابات لبرلمانيين ومسؤولين سابقين في دمشق هاجمت روسيا أخيراً. لكن الأوساط الروسية المختصة بالشرق الأوسط خصوصاً بالملف السوري «تابعت بدقة هذه التعليقات»، حسب مصادر تحدثت إليها «الشرق الأوسط».
وكان لافتاً أمس، أن قناة «روسيا اليوم» الحكومية الروسية قامت بحذف مقابلة أجرتها أخيراً، في إطار برنامج «قصارى القول» الذي يقدمه الصحافي سلام مسافر، مع المعارض السوري فراس طلاس، كشف فيها تفاصيل عن الفساد في دمشق ووجه اتهامات مباشرة لـ«القيادة السورية بالتستر عليه».
على صعيد آخر، أكدت مصادر مطلعة أمس، أن القوات الأميركية بدأت في إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في ريف دير الزور في شمال شرقي سوريا، بهدف قطع الطريق أمام القوات الروسية للوصول إلى حقل الرميلان للنفط، أحد أكبر الحقول في سوريا.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن القوات الأميركية «عمدت إلى إنشاء قاعدة عسكرية لها في منطقة الجزرات بريف دير الزور الغربي، وذلك بعد تعزيزات عسكرية ضخمة وصلت على دفعات إلى المنطقة هناك على مدار الأيام القليلة الفائتة}.
الشرق الأوسط
———————–
تحرك رسمي سوري في موسكو لـ«محاصرة» محللين روس ينتقدون النظام
عرض عسكري في قاعدة حميميم في ذكرى النصر على النازية
موسكو: رائد جبر
تواصلت تداعيات التراشق الإعلامي بين موسكو ودمشق وسط صمت رسمي روسي، واكتفاء المستويين العسكري والدبلوماسي بإشارات إلى استقرار الوضع الميداني في منطقة إدلب والمناطق المحيطة فيها، مع التنويه بتقدم في تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع تركيا لضمان الالتزام بوقف النار.
وتجنبت موسكو التعليق رسمياً على «رسائل إعلامية نارية استهدفت الرئيس فلاديمير بوتين»، وفقاً لوصف معلقين روس، في إشارة إلى كتابات لبرلمانيين ومسؤولين سابقين في سوريا هاجمت روسيا أخيراً. لكن الأوساط الروسية المختصة بالشرق الأوسط خصوصاً بالملف السوري «تابعت بدقة هذه التعليقات»، حسب مصدر تحدثت إليه «الشرق الأوسط».
وكان لافتاً أمس، أن قناة «آر تي» الحكومية الروسية قامت بحذف مقابلة أجرتها أخيراً، في إطار برنامج «قصارى القول» الذي يقدمه الصحافي سلام مسافر، مع المعارض السوري فراس طلاس، كشف فيها تفاصيل عن الفساد في سوريا ووجه اتهامات مباشرة للقيادة السورية بالتستر عليه.
وكتبت القناة على صفحتها الإلكترونية أنها قررت «حذف المادة المتضمنة للمقابلة لمخالفتها المعايير الرئيسية للمحطة ولورود معلومات لا تستند إلى حقائق مؤكدة».
واللافت في الموضوع أن القناة نفسها وعدداً كبيراً من وسائل الإعلام الروسية كانت أجرت في أوقات سابقة عشرات المقابلات المماثلة مع معارضين أو شخصيات سورية عدة عبرت عن مواقف مماثلة. ما دفع إلى الاعتقاد بأن قرار حذف المقابلة مرتبط بالتراشق الإعلامي الذي وقع أخيراً، كما أنه جاء استجابة لطلب حكومي سوري، وفقاً لتقديرات مصدر، أبلغ «الشرق الأوسط» بأن السلطات الروسية كانت طلبت في وقت سابق من بعض المؤسسات الإعلامية الروسية عدم السماح لكتاب انتقدوا النظام بنشر مقالاتهم في صفحات الرأي التابعة لها.
المفارقة أن أحد الدبلوماسيين الروس رد على ذلك في السابق، بأن روسيا لا يمكنها منع الصحافة من إبداء كل وجهات النظر، وبأنها بلد مفتوح ويحترم حرية الصحافة، ما يدفع إلى الاستغراب من قرار القناة التلفزيونية في هذه المرة.
على صعيد ميداني، أعربت موسكو عن ارتياح لسير تطبيق قرارات وقف النار في منطقة إدلب، وأشارت وزارة الدفاع في إيجاز يومي إلى وقوع انتهاكين فقط للهدنة، مشددة على الالتزام بشكل عام بوقف النار، وعلى المستوى الدبلوماسي برزت إشارات مماثلة، وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن موسكو تلاحظ جهوداً تقوم بها أنقرة لمواجهة استفزازات المسلحين في إدلب.
وأكدت مجدداً على الموقف الروسي بأن «الأمن المستدام في إدلب لا يمكن تحقيقه إلا من خلال فصل ما يسمى المعارضة المعتدلة عن الإرهابيين».
وأشارت زاخاروفا إلى وجود وضع صعب في جنوب سوريا، في المنطقة التي يبلغ طولها 55 كيلومتراً حول منطقة التنف ومخيم «الركبان» لللاجئين، مشيرة إلى أن «المعلومات الواردة تدل على استمرار تدهور الحالة الصحية والوبائية هناك.
بعد إغلاق الحدود السورية – الأردنية في إطار التدابير لمكافحة انتشار عدوى فيروس كورونا، وفقد اللاجئون فرصة الحصول على رعاية طبية مؤهلة.
وفي الوقت نفسه، لا تستطيع الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إنشاء قنوات بديلة لتقديم المساعدة الطبية بسبب عدم وجود ضمانات أمنية».
على صعيد آخر، احتفل العسكريون الروس في سوريا أمس، بالذكرى 75 للنصر على النازية، عبر تنظيم عرض جوي فوق قاعدة «حميميم». وشاركت في العرض مروحيات النقل والهجوم من طرازات «مي-8» و«مي-35» وطائرات النقل «انطونوف 30» و«انطونوف 72»، فضلاً عن مقاتلات متعددة المهام وقاذفات من طرازات «سوخوي» المختلفة.
كما ظهرت في السماء السورية طائرة الإنذار بعيدة المدى «أ-50» ترافقها قاذفات خفيفة، وتحاكي التزود بالوقود في الجو.
وشوهد العرض الجوي في اللاذقية. كما قام قادة وأفراد مجموعة القوات المسلحة الروسية في سوريا، وممثلو قيادة القوات المسلحة السورية، وكذلك قيادة محافظة اللاذقية بوضع أكاليل على النصب التذكاري لبطل الاتحاد السوفيتي المارشال قسطنطين روكوسوفسكي الذي تمت إقامته قبل شهرين في «حميميم».
وفي دمشق، وجه كتاب ونواب انتقادات للنائب خالد العبود الذي شن حملة على الرئيس بوتين، في مقال نشره على صفحته في «فيسبوك» بعنوان: «ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟»، وتضمن فقرات حادة تركز على أن الحليف الأساسي للأسد هو «إيران – حزب الله»، وتلويحاً بأنه «إذا غضب الأسد فهو قادر على سحب البساط من تحت أقدام بوتين حتى في أروقة الكرملين»، و«أن يشطب مجده وإنجازاته»، ونبه إلى أنه باستطاعة سوريا «إغراق بوتين في حريق طويل في جبال اللاذقية» أو في «سهول حوران أو البادية السورية»، بصفته قوة احتلال لسوريا.
وحملت المقالة الطويلة كثيراً من الإشارات المماثلة التي تهدد الروس، ليختمها الكاتب بأن الأسد «إذا أراد أن يقف في وجه بوتين (…) فلن ينتهي الرئيس الروسي في سوريا وحسب، بل سيتم انحسار المد الروسي في العالم، وسيتم شطب اسم بوتين من التاريخ الروسي إلى أبد الآبدين».
وسعى أكثر من كاتب ومسؤول سابق في دمشق إلى التقليل من أهمية كلام عبود، واعتباره موقفاً شخصياً و«لا يعبر عن الموقف الرسمي».
الشرق الأوسط
————————
دمشق تحذر بوتين من «غضب» الأسد
مسؤول أميركي يتحدث عن «مرونة» روسية إزاء الملف السوري
موسكو: رائد جبر ـ واشنطن: إيلي يوسف
حذر نائب برلماني سوري أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من «غضب» الرئيس بشار الأسد، ما اعتبر مؤشرا إلى اتساع الفجوة بين موسكو ودمشق.
وصدر أمس، في العاصمة السورية، مقال لافت، حمل لهجة حادة في الهجوم على روسيا، وعلى الرئيس بوتين بشكل شخصي، وتزامن مع تزايد تعليقات المسؤولين السوريين الانتقادية تجاه موسكو، رداً على حملات إعلامية روسية ركزت مؤخراً على توجيه انتقادات قاسية للأسد، وأنه بات يشكل «عبئاً» على موسكو.
وحمل المقال، الذي نشره عضو مجلس الشعب السوري (البرلمان) خالد عبود على صفحته في «فيسبوك» عنوان: «ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟»، وتضمن فقرات حادة تركز على أن الحليف الأساسي للأسد هو «إيران – حزب الله»، وأن الدخول الروسي إلى سوريا لبى مصلحة مشتركة سورية – روسية في مواجهة الأميركيين، ولم يلعب دوراً في «إنقاذ» نظام الرئيس السوري، كما أكدت موسكو مراراً على كل المستويات الرسمية.
واللافت أكثر أن النائب السوري لوح بأنه «إذا غضب الأسد فهو قادر على سحب البساط من تحت قدمي بوتين حتى في أروقة الكرملين»، و«إغراق بوتين في حريق طويل في جبال اللاذقية» بصفته قوة احتلال لسوريا. من جهته، أبدى الموفد الأميركي لسوريا جيمس جيفري تفاؤلا حذرا بشأن إمكانية التعاون مجددا مع روسيا لوضع حد للحرب في سوريا، مشيرا إلى أن موسكو قد تكون «ضاقت ذرعا» بالرئيس الأسد.
على صعيد آخر، أفادت مصادر دبلوماسية غربية بأن رامي مخلوف ابن خال الرئيس الأسد، لايزال مقيما قرب دمشق، وأن وساطة تجري للوصول إلى «تسوية»، بينها الاتفاق على آلية لسداد مستحقات الحكومة من «سيريتل» التي يملك مخلوف أسهما كبيرة فيها.
————————
جيفري: روسيا ضاقت ذرعاً بالأسد وتبدي مرونة للتعاون معنا
المبعوث الأميركي تحدث عن «انسحاب بعض ميليشيات إيران» من سوريا
واشنطن: إيلي يوسف
أبدى الموفد الأميركي الخاص المكلّف الملف السوري جيمس جيفري تفاؤلا حذرا بشأن إمكانية التعاون مجددا مع روسيا لوضع حد للحرب في سوريا، مشيرا إلى أن موسكو قد تكون «ضاقت ذرعا» بالرئيس بشار الأسد.
وقال جيفري في مؤتمر صحافي مشترك عبر الهاتف مع هنري ووستر نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وكريستوفر روبنسون نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وآسيا، «قد تكون روسيا مستعدة بشكل أكبر الآن، رأينا بعض المؤشرات في الإعلام الروسي وفي تصرّفات روسية معيّنة، لتكون أكثر مرونة بشأن اللجنة الدستورية». وأضاف «قد يكونون على استعداد مجددا للتباحث معنا بشأن طريقة لحل المسألة بدون انتصار عسكري، لأنه من الواضح جدا في هذه المرحلة بالنسبة لروسيا أنهم لن يحققوا انتصارا عسكريا، بكل تأكيد ليس في أي وقت قريب».
وحول الانتقادات الروسية التي توجه للأسد، قال جيفري «لسنا متأكدين من أن الانتقاد الروسي العلني ومن قبل أشخاص قريبين من الرئيس الروسي بوتين للأسد يعكس إرسال إشارات لنا أو للأسد نفسه أو لمساعدة روسيا على بيع سوريا لبعض الدول مثل دول أميركا اللاتينية وأوروبا والشرق الأوسط لإعطاء سوريا اعترافاً دبلوماسيا وقبولاً دولياً لتأمين عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار. ما زلنا نسعى لمعرفة خلفية هذا الانتقاد».
وفي ملف الخلاف المندلع بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف، أكد جيفري أنه خلاف مهم كون الأخير يسيطر على الاقتصاد السوري الموازي وحتى الاقتصاد الرسمي. وأضاف أن مخلوف قريب جداً من الأسد ولاعب كبير في الطائفة العلوية التي تحكم في سوريا منذ خمسين عاما. وقال: «يمكن تفسير هذا الخلاف بطريقتين: الأولى بالقشة التي قصمت ظهر البعير ولا أعتقد ذلك. أتمنى ذلك ولكن ليس الأمر كذلك. والأمر الثاني هو أن هذا الخلاف مؤشر إضافي كسقوط العملة السورية والصعوبات التي تواجهها الحكومة لإدخال شحنات النفط إلى سوريا وكذلك الصعوبات في تأمين الخبز ومواد أخرى للمحلات التجارية حيث إن النظام يخضع لضغط كبير. وربما هذا هو السبب الذي يجعل الروس مهتمين بشكل أكبر بالحديث معنا من جديد حول إمكانية التوصل إلى تسوية».
وأضاف جيفري «لم نتوصل إلى أي خلاصة ولكن نرى مقاربة استثنائية لأنها تكشف الغسيل الوسخ لأسوأ الأنظمة في القرن الحادي والعشرين». وقال: «قضية الخلاف مع مخلوف بشكل خاص مهمة جداً لأنني رأيت أن هناك جهداً من قبل الحكومة السورية للرد على الضغط الروسي عبر دعوة النظام لتنظيف منزله والبدء بشخص مثل مخلوف. ورأينا كذلك أخبارا وشائعات تقول إن الروس يدعمون هذا الشخص وقلقون حيال ما يقوم به الأسد».
يذكر أنه وقبل أسبوع تقريبا، وجه مخلوف استعطافا للأسد، قال فيه إن «الدولة السورية فرضت دفع مبالغ» كبيرة تصل إلى 130 مليار ليرة سورية، على شركته «سيرياتل» للاتصالات.
وفي سياق منفصل، قال جيفري: نرى بعض التحركات الإيرانية حول سوريا من المناطق التي تعرضت لقصف إسرائيلي ورأينا انسحاباً لبعض الميليشيات المدعومة من إيران بعضهم من حزب الله وبعضهم من دول أخرى ولكن ما لم نره هو أي التزام استراتيجي إيراني بعدم محاولة استخدام سوريا كمنصة انطلاق ثانية لصواريخ طويلة المدى ضد إسرائيل وبعدم تسليم حزب الله أسلحة تهدد إسرائيل.
من جهته، اتهم كريستوفر روبنسون روسيا ونظام الأسد بأنهما يقدمان الدعم المالي واللوجيستي لمجموعة «فاغنر» لدعم عمليات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وبأن روسيا «تستخدم الصراعات الإقليمية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية».
وكشف روبنسون أن «روسيا وبالتعاون مع نظام الأسد أرسلت مؤخرا مقاتلين سوريين إلى ليبيا للمشاركة في عمليات فاغنر لدعم الجيش الوطني الليبي». وقال: «هذه المجموعة هي أداة يمكن استخدامها بكلفة قليلة وبمخاطر متدنية»، مؤكدا أن موسكو تواصل دعم الجيش الذي يقوده حفتر.
إلى ذلك أعرب هنري ووستر عن عدم ارتياح الولايات المتحدة للعلاقات بين حفتر والأسد. وقال: «هناك أمر آخر مزعج للغاية وهو إقامة حفتر ما يسمى بعلاقات دبلوماسية مع نظام الأسد، وهو جزء من مسألة المرتزقة السوريين على الأقل من جانبه».
———————–
فرضيات العبود في الميزان/ حازم نهار
قرأت مقالة خالد العبود التي جاءت بعنوان “ماذا لو غضب الأسد من بوتين”، ردًا على بعض الكتابات الروسية التي تتحدّث عن رؤية روسية مغايرة للوضع في سورية، ترتكز على إنهاء دور رأس النظام في واقع سورية ومستقبلها.
وقبل وضع ملاحظاتي على المقالة، لا بدّ من تثبيت النقاط الآتية أولًا:
1- بداية، لا بدّ من امتلاك المرء القدرة على القراءة الموضوعية لأي نصّ، أكان الكاتب صديقًا أم عدوًا، وسواء أكنا نقدِّره أم نكرهه.
2- توحي المقالة، بطريقة صوغها، ولغتها، وعلامات الترقيم فيها، بأنها مقالة غير عادية، جرى الاهتمام بها كثيرًا، ولم تخرج إلى العلن إلا بعد موافقة أركان النظام عليها؛ فهي تعطي فكرة حقيقية عن طريقة تفكير النظام، على الرغم من الهجوم الذي تعرضت إليه من قبل موالين آخرين للنظام، على الأرجح بتوجيه من النظام نفسه، بعد أن أوصلت المقالة رسالة النظام إلى روسيا.
3- تحتوي المقالة على بعض المسائل التي تصلح لأن تكون مادة للسخرية، لكن أيضًا من يكتفي بالسخرية منها أو لا يجد فيها إلا مادة للسخرية فحسب يستحق هو الآخر السخرية منه.
السخرية طبيعية، لكن عندما تُحال القضايا كلها لتوضع في خانة السخرية، فأخشى أن تكون الطريقة هذه سلوكًا نهرب به من مواجهة الحقائق إلى إقناع أنفسنا بدونية الآخر، وإلى النوم على مخدّات الحقائق التي تريحنا، والتي لا تطلب منا أي تفكير أو عمل سوى الضحك، فنكون في الحصيلة كمن يسخر من نفسه.
4- لغة القوة والمبالغة في المقالة؛ تحفل مقالة العبود بالمبالغة وادعاء القوة، وربما كان الهدف من هذا هو تطمين موالي النظام، والرد على الإهانات الفعلية من بوتين لرأس النظام السوري التي كثرت في الآونة الأخيرة، ولا شك في أن مدائح العبود تؤثر فيها وتطمئنها.
إذا انتقلنا إلى الحديث عن المقالة نفسها، أقول:
1- فرضيات صحيحة، لكنها ناقصة
هنا أقول، بعقل بارد، إن الفرضيات التي جاءت في المقالة صحيحة وممكنة، لكنها ناقصة، لأنها لا تأخذ فرضيات الآخرين (فرضيات الدول والفاعلين السياسيين) في الحسبان، أي تتعاطى المقالة مع الأطراف الأخرى وكأنها سلبية وغير فاعلة، وستظل تتفرج على “النظام السوري” وهو ينفذ فرضياته على أرض الواقع. مع ذلك، فإن الفرضيات التي جاءت في مقالة العبود يفترض أن تكون جزءًا من تفكير كل سوري معارض يريد إفشالها أو مواجهتها حقًا، لكن استنادًا إلى أرضية وطنية. ففي كل مرة، وعند كل مفصل، أو تصريح أو تسريب ما، يجري الحديث عن اقتراب سقوط النظام بطريقة سحرية تستند إلى فرضيات سحرية وعقل خرافي وكسول لا يريد أن يتعب أو يبذل جهدًا حقيقيًا في سبيل تحقيق أهدافه، وينتظر الآخرين ليقوموا بمهماته كلها.
2- قراءة جزئية للواقع
على الرغم من أن فرضيات العبود لديها نصيب من التطبيق فعلًا على أرض الواقع عند اضطرار النظام السوري إليها، إلا أنها: أولًا؛ تتناول الواقع بصورة جزئية، فلا تأخذ إلا الوقائع المرتبطة بالنظام السوري الضيق، ولا تتعاطى مع الفرضيات أو الوقائع الأخرى المتعلقة بالمجتمع السوري الداخلي مثلًا، الذي وإن كان يبدو ساكنًا إلا أنه لا يمكن الاطمئنان إلى عدم انفجاره في وجه الوضع الاقتصادي المتردي جدًا، أو واقعة الضربات الإسرائيلية المتكرِّرة التي أصبحت فلوكلورًا يطاول كل بقعة سورية فيها وجود إيراني، والتي تُضعف، بالضرورة، من فرضية تعويل العبود على الوجود الإيراني في سورية، وتأثيره في مواجهة تغيّر الموقف الروسي.
وثانيًا؛ تنظر فرضيات العبود إلى سورية ونظامها السياسي نظرة خرافية ترتكز على أن سورية مركز العالم، وأن نظامها السياسي يتحكم بسياسات العالم كله، وفي هذا يتطابق العبود (أو نظامه) مع رؤية المعارضة السورية لسورية ونفسها، إذ غالبًا ما تخاطب العالم بصيغة يبدو فيها أن العالم كله ليس له من عمل سوى التآمر على سورية وشعبها وثورتهم.
3- مكامن قوة النظام السوري السياسية والعسكرية
تفرط المقالة بالحديث عن مكامن قوة النظام السوري، وهي صحيحة، على الرغم من المبالغة الشديدة فيها بالطبع. هنا أضع الملاحظات الآتية: أولًا؛ لا تأتي قوة النظام السوري، بالدرجة الأولى، من قوته المرتبطة بالعائلة والجيش وأجهزة المخابرات وغيرها، بل من قوة حقائق التاريخ والجغرافيا المرتبطة بسورية نفسها، والتي كانت ملك النظام كليًا طوال نصف قرن. ثانيًا؛ كل مكامن القوة الذاتية للنظام مكرّسة لهدف استمرارية النظام فحسب، ولا تتضمن أي عنصر إيجابي أو بنّاء في واقع سورية ومستقبلها، أي هي تقوم أساسًا على معادلة (استمرارية نظام وضياع بلد).
يمكننا أن نضيف إلى فرضيات العبود التي تتعلق بقوة النظام فرضيات أخرى، لكنها جميعها تصبّ في خانة القوة السلبية التي يستفيد منها النظام ولا تستفيد منها سورية: النظام السوري قادر على تخريب لبنان في خمس دقائق، وقادر على التخريب في العراق أيضًا، وفي الأردن إن اقتضى الأمر. نعم، النظام قادر على ممارسة الإزعاج في محيط سورية؛ أصلًا طاقة النظام كلها في السابق تركزت في هذا الاتجاه، فخلال تاريخ طويل عمل النظام على اللعب في ساحات الآخرين لمنعهم من اللعب في الساحة السورية.
كذلك، يتقن النظام السوري جيدًا اللعب على الوقت ونسج شبكة من التحالفات وبناء المليشيات والجماعات المسلحة من كل نوع، وهذه عناصر يمارسها النظام بلا قلب ومن دون تردّد، بينما دول الخليج (التي رفعت شعار دعم الثورة) مثلًا أعجز من أن تقوم بهذه الأدوار السياسية والاستخبارية واللوجستية.
عندما استعان النظام السوري بإيران لمساعدته في إنهاء الثورة والمعارضة، كان يعلم أن هناك من سيساعده مستقبلًا في إخراج إيران أو الحدّ من نفوذها إن اقتضى الأمر (إسرائيل ودول الخليج وأميركا)، وعندما استعان بروسيا، وتنازل لها عن بعض المصالح، كان يعلم أن إزعاج روسيا في سورية ممكن بقوة أعدائها في العالم أو بقوى محلية يمكن أن يصنِّعها لهذا الغرض تحديدًا تحت شعارات جديدة، لكن فات العبود شيء مهم هنا، وهو أن أميركا لم تكن مهتمة كثيرًا على طول الخط، وأن التدخل الروسي في سورية لم يكن منبوذًا أميركيًا.
يفسح النظام السوري المجال لتشكل المنظمات المتطرفة من كل نوع، لأنه يعرف أن أميركا لن تقبل بوجودها، وستضطر إلى مساعدته، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لكن فائدته تكمن في تمزيق ساحة الثورة والمعارضة وتشويهها. يساعد النظام في تقوية حزب العمال الكردستاني لإرباك تركيا وإشغالها بنفسها، ولا تخيفه قوة العمال الكردستاني لأنه يعرف أن تركيا ستعيده إلى حجمه الطبيعي في المآل.
لكن أيضًا، لا تعني قدرة النظام السوري على إزعاج الآخرين وجود شكل من الندية في علاقاته بحلفائه؛ فالعلاقة السورية الروسية جوهرها تبعية النظام السوري لروسيا لا العكس، ودور روسيا في المنطقة والعالم لا يتوقف على وجودها في سورية فحسب، روسيا أكبر كثيرًا من ذلك. والأمر نفسه ينطبق على العلاقة السورية الإيرانية من حيث التبعية السورية لإيران، لكن علاقة التبعية هذه لا تمنع وجود قدرة لدى الطرف التابع أو الضعيف على إزعاج الطرف القوي فيها. فليس من المنطقي أبدًا أن يسعى العبود في فرضياته لإظهار النظام السوري وكأنه المتحكم الرئيس بسياسات الدول، وأنها طوع بنانه، يطلب منها التدخّل في سورية فتتدخل، ويطلب منها الخروج فتخرج. النظام قادر على إزعاج أي طرف من الأطراف الموجودة، لكن الأطراف الأخرى قادرة أيضًا على إزعاجه.
في الحقيقة، تكمن أهم نقطة قوة للنظام السوري في ضعف واهتراء معارضته فعلًا. ماذا جهزت المعارضة لنزع أوراق قوة النظام هذه؟ لا شيء، بل إنها ساعدته كثيرًا بتمزقها التنظيمي وخطابها السياسي الإعلامي على أقل تقدير؛ فالشعارات والصراخ لا تسقط طفلًا عن دراجته، والاعتماد الكلي على الخارج لا يأتي بالمستقبل الذي نشتهيه بل بمستقبلٍ على مقاس الخارج ومصالحه. المعارضة السورية في ساحة الانتظار، وعملها كله يرتكز على توقّع فشل النظام واهترائه، وليس على نجاحاتها. كل الأطراف في سورية لديها فرضيات، بالتوازي مع مكامن القوة لديها، باستثناء “المعارضة السورية” المطواعة لفرضيات الدول التي تستضيفها.
4- قوة الشرعية القانونية للنظام
أفرطت حكومات العالم، خلال السنوات الماضية، بالحديث عن فقدان النظام للشرعية، لكن هذا الحديث لم ينتقل أبدًا إلى ساحة التجسيد القانوني، وظل في إطار التصريحات الإعلامية التي كانت وما زالت غذاء دسمًا للأداء المعارض الهزيل. لذلك، فالعبود محق عندما يفترض الآتي: “ماذا لو وقف مندوب سوريّة في مجلس الأمن ليقول: “نعتبر الوجود الروسيّ في سوريّة احتلالاً، وسوف نواجهه بكلّ السبل التي منحتنا إياها القوانين الدوليّة؟”. هي فرضية ممكنة التطبيق عندما يحتاج النظام إليها طالما أنه لا يزال يحتفظ بشرعيته القانونية.
لا يزال النظام السوري يمتلك الشرعية القانونية عالميًا، وهو الأمر الذي استهانت به المعارضة، واكتفت بتكرار أنشودة فقدان النظام للشرعية المعنوية أو الأخلاقية. يكفي مثلًا أن نقول إن مساعدات الأمم المتحدة للسوريين في المناطق التي يُقال عنها إنها “محرَّرة” لا تمرّ إلا عن طريقه، لأنه النظام الشرعي والقانوني المعترف به. ولم يكن سبب وقوف النظام بشراسة، في الأمم المتحدة، ضد وصول المساعدات عن غير طريقه، هو إمعانه في إيلام الناس فحسب، بل أيضًا، وأساسًا، حرصه على عدم فتح الباب أمام نزع شرعيته القانونية تدريجًا.
في المقابل، كانت فرقة “حكومة المعارضة”، في كل فتراتها، مثل فرقة الشحادين، لا تقدِّم ولا تؤخِّر، بل إن تشكيلها أساسًا جرى من دون التفكير بطريقة الحصول على الشرعية القانونية. كذلك، فشلت فرقة المعارضة كلها في تحويل الاعتراف المعنوي بالائتلاف الوطني من قبل 130 دولة إلى اعتراف قانوني، بل إنها صرفت وحطمت كل الشرعية المعنوية التي حصلت عليها بفضل الثورة.
تكمن قيمة قانون سيزر الرئيسة في أنه خطوة مهمة في طريق نزع الشرعية القانونية للنظام، وهذه الخطوة على المستوى القانوني أهم من كل الفصائل المسلحة والجيوش التي شُكِّلت طوال الفترة الماضية. هذا القانون اليوم إحدى نقاط ضعف النظام التي يمكن أن تلتهم مكامن قوته تدريجًا، لكن من دون إنكار احتمال تعطيله عبر مساومات سياسية.
5- كلمة أخيرة، في الرؤية الاستراتيجية
نسيت المقالة، على ما يبدو، في إطار استعراضها مكامن قوة النظام، الحديث عن مكامن ضعفه أو مستقبله على المستوى الاستراتيجي. نقاط ضعف النظام السوري هي الأخرى عديدة، لكن لا يوجد أي تصور أو عمل لتعزيزها، لا لدى المعارضة، ولا لدى تركيا أو دول الخليج مثلًا، بل إن تركيا نفسها تحولت إلى اللعب الدفاعي نتيجة تردّدها في السنوات الخمس الأولى بعد 2011.
من نقاط ضعف النظام السوري نذكر: تحول النظام السوري إلى نظام غير مرغوب عالميًا بحكم تلطخ يديه بالدم، لذلك أصبحت احتمالية حدوث توافق إقليمي دولي على إخراجه من المعادلة السياسية أكثر كثيرًا من احتمالية إنعاشه، عدم وجود رغبة لدى الدول أو لدى السوريين في المساهمة في إعادة إعمار سورية بوجوده، وعجز حلفائه عن الإسهام في الإعمار بحكم أوضاعهم المتردية، حالة عامة من التذمر في سورية بحكم الوضع الاقتصادي الذي يزداد ترديًا يومًا بعد يوم، عدم قبول النظام السوري من شرائح وفئات عديدة من السوريين، وصول الوضع في الشمال الغربي من سورية، وفي شرقي الفرات، إلى لحظة لا يستطيع معها القيام بالشيء الكثير لاستعادة سلطته فيها، تمزق جبهته الموالية والنزاعات في ما بين أركانها على المال ومراكز النفوذ، فضلًا عن العواقب التي يمكن أن تترتب على قانون سيزر… إلخ.
لقد أصبح النظام السوري نظامًا لا يستطيع الاستمرار من دون استخدام العنف، يستطيع القتل لكنه لا يستطيع الحكم، ما يجعل احتمالات انتهائه أكبر كثيرًا من احتمالات استمراره على المدى المتوسط والبعيد، فليس بالعنف وحده تحيا الأنظمة.
العربي الجديد
———————————-
ماذا لو غضب الأسد من “بوتين”؟!!!../ خالد العبود
في الأيام القليلة الماضية خرجت بعض الكتابات التي تتحدّث عن دور “روسيّ” جديد، يمكن أن يساهم سلباً في العلاقة “السورية – الروسيّة”، مع الإشارات إلى أنّ هناك دوراً للقيادة الروسيّة، بـ “تحجيم”، أو “تأطير”، أو “مصادرة”، دور الرئيس الأسد في سوريّة ومستقبلها..
أصغينا لهذه الأصوات جيّداً، واعتبرنا أنّها تعبّر عن فرضيات سياسيّة قائمة، بالمقابل قمنا نحن بمقاربة فرضيات أخرى، يمكن لها أن تحاكي فرضيات هذا البعض، أخذاً بعين الاعتبار أنّ عالم السياسة قابل لكلّ هذه الفرضيات..
لذلك نتمنى عليكم الصبر والتأنّي، ونتمنى عليكم المسامحة على الإطالة، فالموضوع يحتاج إلى كثير من التروي والهدوء..
-لم يكن الرئيس الأسد بحاجة لـ “بوتين” كي يدافع عنه أمام أداة الفوضى، أو في هزيمة الارهاب الذي غزى سوريّة، ولو أنّ شيئاً من هذا القبيل قيل في أكثر من اطلالة للرئيس الأسد ذاته، لكنّ جوهر الحاجة لـ “بوتين” تكمن في أنّ الرئيس الأسد كان يدرك تماماً أنّ هزيمته المؤكّدة لأداة الفوضى، سوف تمنح الأطراف الرئيسيّة للعدوان إمكانية تطوير شكل العدوان عليه، من خلال دخول هذه الأطراف المباشر على خطّ المواجهة، وتحديداً دخول الولايات المتحدة..
-لكنّ الرئيس الأسد لم يقدم على هذا الأمر إلا بعد أن أعدّ العدّة جيّداً لخارطة حضور حلفائه التقليديين، ونعني بهم “حزب الله” و”إيران”، والعمل على تثبيت قواعد خرائط ميدانيّة شكّلت بنية تحتيّة رئيسيّة لصدّ العدوان ذاته!!..
-“بوتين” لم يحضر إلى جغرافيا خاوية، على العكس تماماً، فقد حضر بشكل مدروس جيّداً من قبل الرئيس الأسد، ولاحظوا الفترة الزمنية التي انقضت من عمر المواجهة، ومن عمر دخول كلّ من “حزب الله” و”إيران”، حتى جاء دخول “الروسيّ”، كون أنّ الرئيس الأسد أراد لهذا الحضور أن يكون حضوراً مانعاً لإمكانية تطوّر شكل العدوان من قبل “الأمريكيّ”، وهذا ما حصل فعلا!!..
-لم يكن أمام الرئيس الأسد إلا أن يطوّر شكل هذا الحضور والوجود “الروسيّ”، وذلك من خلال منح “بوتين” مصالح معينة داخل الأراضي السوريّة، وهي مصالح اقتصاديّة طبيعية مرتبطة أساساً بمصالح الدولة السوريّة، تجعل “بوتين” يدافع عن هذا الوجود وهذا الحضور، باعتبار أنّه كان بالإمكان أن يتمّ الضغط عليه للخروج من سوريّة، وذلك بعد هزيمة الارهاب، ويبدو عندها الرئيس الأسد مكشوفاً أمام العدوان المباشر من قبل “الأمريكيّ” وحلفائه..
-الرئيس الأسد أدرك ذلك جيّداً فعمد إلى ربط الوجود “الروسيّ” وتثبيته ببعض المصالح والقواعد الجديدة في سوريّة، وهو الأمر الذي سوف يحول دون خروج “الروسيّ”، ثم هو الأمر ذاته الذي سوف يدفع “بوتين” للدفاع عن هذه المصالح أمام إمكانية العدوان المباشر من قبل “الأمريكيّ” على سوريّة!!..
-نعم لقد أمّن الرئيس الأسد السور السوريّ جيّداً في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، ومنعها من إمكانية تطوير شكل عدوانها عليه، وهذا ما قبل به “الأمريكيّ” وسكت عليه، كونه أضحى بحاجة ماسة للتفاوض على بنى أخرى، تتعلق بوجود “حزب الله” و”إيران” في سوريّة، باعتبار أنّ الرئيس الأسد أنجز ما هو أكثر خطورة على مصالح “الأمريكيّ” في المنطقة، ونعني به تشبيكه الميدانيّ مع “حزب الله – إيران”، الذي سيكون رئيسيّاً في تغيير قواعد الاشتباك مع كيان الاحتلال الصهيونيّ، وهو ما أشرنا له أعلاه..
-قبول “الأمريكيّ” بالوجود “الروسيّ” في سوريّة، حتى ولو على حساب الوجود “الأمريكيّ” ذاته، جاء نتيجة فهم “الأمريكيّ” لخطورة ما أنجزه الرئيس الأسد من خلال حضور “حزب الله – إيران” إلى سوريّة، وإنتاج خرائط ميدان جديدة، سوف تكون أساسيّة في قلب موازيين المواجهة مع كيان الاحتلال الصهيونيّ!!..
-يدرك “الروسيّ” جيّداً أنّ الرئيس الأسد حدّد له خطوط حضوره ووجوده، السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، في سوريّة، ويُدرك أكثر أنّ الرئيس الأسد يستند على بنية تحتية رئيسيّة لا يعرف “بوتين” عنها كثيراً، ونعني بها خرائط العلاقات السورية – الايرانية، العسكرية والاقتصادية والسياسيّة، خاصة خارطة الميدان العسكريّة التي تتطوّر شيئاً فشيئاً!!..
-نعم لقد قيّد الرئيس الأسد الوجود “الروسيّ” في سوريّة، بفضل معادلة سياسيّة طالما أكدنا لكم عليها، وهي:
“امنع عن عدوك ما يريد..
..وامنح حليفك ما تريد”!!..
-تذكّروا جيّداً هذه المعادلة السياسيّة، فبفضلها أدار الرئيس الأسد معركته بكفاءة عالية جدّاً، وعلى أساسها خطف النصر من حلق أعدائه ورضى حلفائه!!!..
-وعلى ذلك، لم يعد بمقدور “بوتين” أن يمليَ شيئاً على الرئيس الأسد، لماذا؟!!..
آ_لأنّ “بوتين” أضحى بحاجة ماسة للرئيس الأسد، كون الرئيس الأسد منحه ما أراد أن يمنحه إياه، كي يحافظ على مصالح “روسيّة” لـ “بوتين” في سوريّة، وهذا إنجازٌ لـ “بوتين” داخل “روسيا” ذاتها، و”بوتين” يسعى جاهداً للحفاظ عليه..
ب_لأنّ “بوتين” يدرك أنّ الرئيس الأسد أعدّ بنية تحتية لعلاقات “سورية – إيرانيّة” أقوى بكثير من العلاقات “السوريّة – الروسيّة”، وأنشأ عليها خرائط عسكريّة وسياسيّة واقتصادية متينة جدّاً، يمكن لها أن تجعل من العلاقات “السوريّة – الروسيّة” علاقات ثانوية جدّا، لو أنّه فكّر بالتأثير على مواقف الرئيس الأسد سلباً، وهو بذلك يمكن أن يطيح بكلّ بإنجازاته التي منحه إياها الرئيس الأسد ذاته!!!..
ج_لأنّ “بوتين” يدرك جيّداً أنّ الرئيس الأسد هو الذي منحه القدرة على أن يكون لاعباً رئيسيّاً على مستوى الاقليم، وبالتالي على المستوى الدوليّ، وأيّ عبث بهذا التقييم لن يكون لصالحه، خاصة وأنّ الرئيس الأسد لم يُهزم، وهو يتحرك من موقع المنتصر، باعتبار أنّه هزم كلّ أعدائه وخصومه، وأفشل لهم إمكانية الاطاحة به!!..
د_لأنّ “بوتين” يدرك أيضاً أنّه لا بدائل للرئيس الأسد في سوريّة، لا بدائل يمكن لها أن تحفظ، أو تحافظ، على “انجازه”، أي انجاز “بوتين” ذاته، الذي كان بفضل ثبات وصمود الرئيس الأسد، كون أنّ بديل هذا الصمود، سيكون انتصاراً أمريكيّاً كبيراً، لن يُسمح عندها لـ “بوتين” أن يلتفت، ولو بمنامه، باتجاه المياه الدافئة، أو يمكنه أن ينظر إلى شواطئ المتوسط!!!..
ه-لأنّ “بوتين” يدرك جيّداً أنّ أيّ اختلاف مع الرئيس الأسد لن يؤدي إلى خسارة أو ربح معه، بمقدار ما سينعكس ويمتدّ ذلك إلى داخل “روسيا”، وهو يعتبر أنّ أيّ فعل من هذا القبيل، إنّما هو فشلٌ لسياسته هو وخياراته، وهو ما يحاول العمل على استدراكه..
-والسؤال الأهم والأخطر، والذي لم يخطر في بال أحدٍ على الاطلاق، وهو:
-ماذا بمقدور الأسد أن يفعل بـ “بوتين”، لو أراد فعلاً أن يفعل به؟!!!..
-ماذا لو أراد الرئيس الأسد أن يلحق الهزيمة بـ “بوتين”، وأن يسحب البساط من تحت قدميه، حتى في أروقة “الكرملين”؟!!..
-ماذا لو أراد أن يجرجه سياسياً في داخل “روسيا”؟!!..
-ماذا لو أراد أن يشطب مجده وانجازاته؟!!..
-أيّها الأحبة..
=ماذا لو:
-ماذا لو أنّ الرئيس الأسد غضب من “بوتين” في سوريّة؟!!..
-ماذا لو أنّه شعر أنّ “بوتين” يريد أن يفرض عليه خارطة طريق لا تتناسب مع مصالحه؟!!..
-ماذا لو أنّ خلافاً دبّ بين الرئيس الأسد و”بوتين” في سوريّة، وتناقضت مصالح الطرفين؟!!!..
-ماذا لو أنّ الرئيس الأسد اليوم شعر بأنّ “بوتين” يعمل عكس مصالحه في سورية؟!!..
-ماذا لو حصل ذلك، وماذا يمكن أن يحصل لـ “بوتين” في سوريّة؟!!..
ثمّ ماذا يمكن أن يبقى لـ “بوتين” في “روسيا” أصلاً؟!!!..
=ماذا لو:
-ماذا لو أنّ الرئيس الأسد أغرق “بوتين” في حريق طويل في “جبال اللاذقية”؟!!..
-ماذا لو أنّه جرّه إلى حربٍ سرّية لم تخطر في باله؟!!..
-ماذا لو أنّ الاستخبارات السوريّة فخّخت هذه الجبال بعشرات الآلاف من المقاتلين الذين رفعوا شعار المقاومة للاحتلال “الروسيّ”، أو بدؤوا بعمليات انتقامية من القوات الروسيّة، نتيجة تدخّل “روسيا”، و”بوتين” تحديداً، في الشؤون الداخلية لسوريّة؟!!..
هل كان بمقدرو “بوتين” بعدها أن يبقى ساعات معدودات في أكبر قاعدة له على شرفة المتوسّط؟!!!..
=ماذا لو:
-ماذا لو أنّ الرئيس الأسد غضب من “بوتين”، ودفعه إلى أتون حريق في “حوران”، سهلاً وجبلاً، ماذا لو جيّشت استخباراته آلاف الناقمين على “روسيا”، وعلى تدخّلها واملاءاتها على السوريين؟!!..
-ماذا لو غضب الرئيس الأسد من “بوتين” وجرّه إلى تيه البادية السوريّة، وأغرقه في حرّها ورملها، وأطبق عليه هناك، بعد أن فخّخ له ما فوق الأرض وما تحتها؟!!!..
-ماذا لو سحب الرئيس الأسد “بوتين” إلى ضفاف “الفرات”، وتركه في مواجهة غضب الأرض والسماء، وقيّض له عشائر ترى فيه غازياً ومحتلاً؟!!..
-ماذا لو خرج الرئيس الأسد على الشعب السوريّ، ليقول له بأنّ “بوتين” يمارس دور المحتلّ لبلادنا، وما على السوريين إلا مواجهة هذا المحتل؟!!!..
-ماذا لو خرج الرئيس الأسد على العالم، ليقول بأنّ وجود القوات الروسيّة في سورية، وتحديداً الدور الذي يلعبه “بوتين”، يعتبر احتلالاً موصوفاً، وهو غير مقبول من السوريين؟!!!..
-ماذا لو وقف مندوب سوريّة في مجلس الأمن ليقول: “بأنّنا نعتبر الوجود الروسيّ في سوريّة احتلالاً، وسوف نواجهه بكلّ السبل التي منحتنا إياها القوانين الدوليّة”؟!!!..
-في ظلّ هذه الفرضيات التي تبدو لكثيرين أنّها غير واقعية، لكنّها في علم السياسة قائمة، طالما أنّ هناك فرضيات أخرى تقول بأنّ “بوتين” يمكن أن يمارس ضغطاً على الرئيس الأسد، لكنّ ضغط “بوتين” على الرئيس الأسد، مهما فرضناه فاعلاً ورئيسيّاً، فهو يمكن أن يساهم في طرح الفرضيات التي تعطي للرئيس الأسد حقّ الدفاع عن نفسه، وهي تلك الفرضيات التي ذكرناها أعلاه!!!..
-صدّقوني..
لو أنّ شيئاً من هذه الفرضيات قد حصل واقعاً لتغيّر وجه العالم، ولو أنّ شيئاً من هذه الفرضيات نفّذه الرئيس الأسد لأعاد ترتيب الكون كاملاً، سياسياً واقتصادياً وعسكريّاً، ولكانت الولايات المتحدة أوّل الذين يقفون في وجه “بوتين” في سوريّة، وهي التي سوف تبادر فوراً كي تعتبر الوجود “الروسيّ” احتلالاً موصوفاً، ويجب اقتلاعه..
-أيّها الأحبة..
تذكّروا جيّداً، أنّ موسكو وقادتها يوماً، لم ينهزموا ويُسقطوا امبراطوريتهم “السوفييتية” في شوارع مدن “اتحادهم”، وإنّما تمّ اسقاطها في التيه الذي دخلوه، إن كان في “أفغانستان” أو سواها، لهذا فإن “بوتين” يحفظ هذا الدرس جيّداً!!!..
-وأخيراً..
فقط من أجل أن يكتمل المشهد جيّداً، لو أنّ الرئيس الأسد أراد أن يقف في وجه “بوتين”، سرّاً أو علانيةً في سوريّة، ولو أنّ استخباراته أدت دورها لجهة ترحيل “بوتين” من سوريّة، ودفعها إياه إلى معركة لا تُبقي ولا تذر من “انجازه”، و”انجاز روسيا”، على ضفاف المتوسط، لما انتهى “بوتين” في سوريّة فقط، وإنّما لتمّ انحسار المدّ “الروسيّ” خلال العقد الأخير من عمر العالم والمنطقة، ولتمّ شطب اسم “بوتين” من التاريخ “الروسيّ” إلى أبد الآبدين!!!..
النائب خالد العبود يوضح في مقال ثانٍ :
الأبناء والأصدقاء والأخوة الأحبة..
-كنّا قد كتبنا مقالاً منذ أيام قليلة، حاكينا فيه فرضيات طالعتنا بها “مكنة الاعلام الروسيّ”، خلال الأسابيع والشهور الماضية، تمّ التركيز فيها على قضايا ومسائل سوريّة سياديّة، وهي مسائل وطنية تخصّ السوريين فقط، كما تابعنا ظهور بعض الشخصيات، على بعض وسائل هذه “المكنة الاعلاميّة”، للنيل من رموز سوريّة هامة، وهو ما أساء، في رأينا، لفهم العلاقة الجامعة في التحالف “السوريّ – الروسيّ”، وهي إساءة تندرج في سياق التأثير على فهم الجمهور لهذه العلاقة، ونعتقد في هذه الحالة أنّه تمّ النيل من الكرامة الوطنيّة لبعض السوريين، ومن عناصر هذا “التحالف”..
-وهنا لا بدّ من التأكيد على واحدة هامة جدّاً، وهو أنّ ما كتبناه ونكتبه الآن، لا يمثّل موقف أيّ مؤسسة رسميّة سوريّة، لكنّه قولاً واحداً يمثّل رأينا نحن، بالمعنى الشخصيّ ليس إلا، إذ أنّنا لسنا مخوليين، دستوريّاً أو قانونيّاً، للتحدّث باسم أيّ مؤسسة من مؤسسات الدولة، إن كانت المؤسّسة التشريعيّة أو المؤسّسة الحزبيّة..
-ما كتبناه كان محاولة لاستنهاض الوعي الجمعيّ للسوريين، في وجه “المكنة الاعلامية الروسيّة”، من خلال فرضيات غير مسقوفة، تحاكي فرضيات “الاعلام الروسيّ” التي أوجعتنا، وتؤكد أنّنا قادرون على أنّ نكون حلفاء حقيقيين، مثلما نحن قادرون على ألا نكون كذلك، بفرضيات يمتلك السوريون القدرة والتأثير فيها، على وضع وموقع “روسيا” مستقبلاً، فيما لو ذهبت هذه “المكنة” بعيداً في فرضياتها، أو فيما إذا استمرت بتجاوز عناصر هذا “التحالف”..
-لا نعتقد أنّه كان من واجب المؤسسات الرسميّة في الدولة السوريّة، أن تتصدّى لهذه “المكنة الاعلامية” وفرضياتها، والذي لم يستطع أحدٌ أن يحدّد طبيعتها، خاصة وأنّ هناك استعمالٌ خطير حصل لها في وجه السوريين، لكنّه كان لزاماً علينا أن نتصدّى لهذا الصاعد الجديد، في العلاقة مع “مكنة الاعلام الروسيّة”، من خلال نسقٍ من المثقفين السوريين، ونوضّح لجمهورنا أنّ ما جاء به وعليه اعلام هذه “المكنة”، يمكن أن يُفهم في سياق الفرضيات، وهي فرضيات لم تتبناها القيادة الروسيّة، كما أنّ القيادة السوريّة لم تتعاطَ معها، لكنّها أضحت في الواقع الاجتماعي والثقافي السوريّ، قاعدة قلقٍ وطنيّ شديد، يمكن أن يتم الردّ عليها بفرضيات أوراق القوة التي يمتلكها السوريون، وهي أوراق وطنيّة بامتياز، نقاربها استعراضاً لكبح جموح فرضيات “مكنة الاعلام الروسيّ”..
-هذا هو دور المثقفين الحقيقيّ، ولا نعتقد أن دورهم ينحسر بتلقّط التبريرات لهذه الفرضيات الروسيّة، والبحث عنها هنا وهناك، خاصة وأنّها جاءت في مرحلة بعينها، ولم تكن قائمة قبل ذلك، ثمّ أنّها بُرّرت أكثر من مرّة بطريقة ساذجة ومواربة، إضافة إلى أنّ هذه الفرضيات، والتي ادعى البعض أنّها تسريبات، لم تظهر خلال سنوات مرّت على العلاقة الجامعة للتحالف “السوريّ – الروسيّ”، وهو ما رسّخ قلق وريبة بعض السوريين..
-وعليه فإنّه كان واجباً علينا استدعاء فرضيات مقابلة، يمتلكها السوريون، وهم قادرون على الردّ من خلالها، على فرضيات “مكنة الاعلام الروسيّة”، فيما لو تمّ التهديد بفرضية تحويل فرضياتها إلى واقع حقيقيّ، تعبث بحاضر ومستقبل السوريين، وتنال من كرامتهم الوطنيّة..
-طبعاً للتأكيد على أنّ هذه الفرضيات الوطنيّة الجامعة هي كذلك، كان لا بدّ من التركيز على شخص سيادة الرئيس بشار الأسد فيها، باعتباره الجامع الوطنيّ لهذه الكرامة الوطنيّة، والتركيز على شخص الرئيس “بوتين” فيها أيضاً، باعتباره يمثّل عامل اختزال للقرار الروسيّ، القادر على التدخّل والتأثير والفعل، وصولاً إلى لجم “مكنة الاعلام الروسيّة”، في تطاولها على كرامة السوريين، من خلال استجماع كلّ الامكانيات، التي تحول دون تجاوز الجذر الندّيّ لهذا التحالف “السوريّ – الروسيّ”، والتذكير على أنّ السوريين قادرون على استحضار فرضية تجاوز عناصر هذا التحالف، فيما لو حاولت “مكنة الاعلام الروسيّ” تمرير فرضية تجاوز عناصر التحالف ذاته..
-وبناء على ذلك لا بدّ من توضيح بعض المسائل التي خطرت ببال بعض الأخوة السوريين، وهم يقرؤون مقالنا السابق، وهي مسائل نعتقد أن الاختلاف فيها ليس وطنيّاً، وإنّما هو اختلاف معرفيّ، لهذا يجب أن يبقى في حدوده تلك، ومنها:
1-أولا نتوجّه بالتحية والتقدير، إلى كلّ الأخوة والأصدقاء والأبناء، الذين وصلتهم كلماتنا وأخذت منهم الاهتمام والتقدير، أولئك الذين أغنوها وصوّبوها، إلى المكان الدقيق الذي يجب أن تكون فيه وعليه..
2-بعض الأصدقاء أراد أن يؤكّد على التحالف “السوريّ – الروسيّ”، ويذهب في أنّنا لا ننكث بعهد، ولا نغدر بصديق، ونحن نقول، بأنّ هذا الكلام صحيح، ولم نقل ما يعاكسه، أو يناقضه، وهي المدرسة الوطنيّة الأخلاقية التي يتعامل بها السوريون مع أصدقائهم، والتي رسّخها القائد الخالد حافظ الأسد، لكن السؤال كان، وفق فرضية الاعلام الروسيّ: ماذا لو نكث الأصدقاء بنا؟!!..
3-بعض الأخوة اعترض على العنوان، وعلى المتن الذي يضع فرضية “غضب الرئيس الأسد”، في مواجهة فرضيات الاعلام الروسيّ، من خلال تدخّلها في مفردات السيادة الوطنية، وهنا وقع هذا البعض، دون أن يدري، بشباك المرويات الساقطة لاعلام العدو، معتبراً أنّ الرئيس الأسد لا يمتلك “خيار الغضب”، حتّى أنّ البعض اعتبر أنّ مفهوم “الغضب السياسيّ”، حالة من حالات “الغباء السياسيّ”، ونحن نقول بأنّ “الغضب” أداة من أدوات الفعل والتأثير السياسيّ، وأنّ الرئيس بشار الأسد، غضب من الصديق الروسيّ سابقاً، حسب معلوماتنا، بعد أن سرق ضباط استخبارات روس، عظام الجندي الصهيونيّ النافق، من أطراف “مخيّم اليرموك”، بالتعاون مع بعض العناصر الارهابيّة المسلحة، وذلك باعتراف الأصدقاء الروس ذاتهم، وقدّمها الرئيس “بوتين” هديّة لـ “نتن ياهو”، عندها غضب الرئيس الأسد، من هذا الفعل الروسيّ، وأعلم الأصدقاء الروس أنّ هذا الفعل مدانٌ، ولا يمكن أن يمرّ بدون ثمنٍ وطنيّ مقابلٍ لسوريّة، وطالب الرئيس الأسد يومها باطلاق سراح الأسير السوريّ “صدقي المقت”، خضع الأصدقاء الروس لطلب الرئيس الأسد، وقيل بالحرف في أروقة القرار الروسيّ، بأنّ الرئيس الأسد كان غاضباً، وهو يريد “صدقي المقت”، وعاد “صدقي المقت”..
4-ولبعض الأخوة الذين أرادوا أن يؤكدوا لنا أنّه لولا “فضل الروسيّ”، لكانت سوريّة في خبر كان، وسؤالي لهؤلاء جميعاً:
إذا كان الأمر كذلك، ماذا نقول لآلاف الشهداء من أبناء القوات المسلحة السوريّة، هل كانت دماؤهم في غير مكان الدفاع عن سوريّة، وقرارها وسيادتها واستقلالها، ومستقبل أبنائها وأمنهم وسلامتهم؟!!..
ثمّ.. أين كان الروسيّ في عام 2005، عندما اجتمع العالم في لبنان، وأراد أن يجعل من “دم الحريري” جسر عدوان علينا، ثم أين كان الروسيّ في عام 2006، حين صمدنا مع حلفائنا في لبنان، في وجه عدوان الكون علينا أيضاً؟!!..
لا بل أكثر من ذلك، لهؤلاء جميعاً:
أين كان “الروسيّ” حين قذف الرئيس الأسد في وجه “كولن باول”، شروط “رامسفيلد” عليه بالاستسلام؟!!..
5-أمّا بعض الأخوة الذي أراد أن يذكّرنا بأنّ الأصدقاء الروس استعملوا “الفيتو” أكثر من 10 مرّات، دفاعاً عن النظام السياسيّ في سورية، لهؤلاء نقول بأنّنا نحترم رأيكم، لكنّ رأينا يقول بأنّ استعمال كلٍّ من “الروسيّ” والصينيّ” لـ “الفيتو”، لم يكن دفاعاً عن سوريّة، وإنّما هو دفاعٌ عن مصالحهما في سوريّة والمنطقة..
6-وهنا نؤكّد لبعض الأخوة، أنّه من كان يعتقد بأنّ الجيش السوري وحزب الله والصديق الإيراني، هؤلاء جميعاً عجزوا عن سحق أداة الفوضى، فجاء الروسيّ كي يفعل ذلك، فهو مصاب بحول معرفيّ سياسيّ لن يبرأ منه..
7-البعض من السوريين أرادوا أن يبرّروا للأصدقاء الروس أنّ ماكنتهم الاعلامية مخروقة، أو هي ذات آراء متعدّدة، أو أنّها تمتلك حيّزاً من “الحريّة”، ونحن نوضّح لهؤلاء جميعاً، أنّ هذا ليس دوركم، في أن تتلقّطوا ذرائع لفرضيات الاعلام الروسيّ، دوركم كان بالضبط أن تكونوا في مواجهة هذا الاعلام، كي يوقف همروجة هذه الخزعبلات، خشية ودفاعاً عن هذا “التحالف” ومستقبله..
8-أمّا الذين طلبوا منّا سحب المقال، والاعتذار للأصدقاء الروس عنه، فإنّا نؤكّد لهم جميعاً، أنّ الأولى بكم الآن أن تسحبوا صمتكم، أمام دور هذه “المكنة” المشبوه، وهي تبثّ خزعبلاتها على السوريين، وأن تعتذروا أنتم عن هذا الصمت لكلّ من مسّه شيء منها..
9-أمّا أولئك الأخوة والأبناء الذين فتحوا صفحاتهم للردح والقدح ضدّ رأينا، نقول لهم، وبكلّ يقين، تأكدوا أنّه لو أنّكم فعلتم ذلك في مواجهة ما صدر عن الاعلام الروسيّ، لساهمتم كثيراً في خلق موقف روسيّ جديد، ممّا فعله إعلامه فيكم..
10-أمّا بعض المتثاقفين الذين لم يفرّقوا بين الموقف الوطنيّ والموقف السياسيّ، أو بين القرار السياسيّ والقرار الوطنيّ، عليهم أن يقعدوا في بيوتهم و”يكشّوا الذباب”، أشرف لهم بكثير..
11-أما أن يخرج علينا أحدهم، وقد هزّه “تهديدنا لحليفه الروسيّ”، (وهو لم يحصل منّا، إلا ضمن فرضية على فرضية)، وطالبنا بالاعتذار منه، وهو الذي لم يُبقِ شتيمةً بحقّ شرائح سورية واسعة، وخوّن مؤسسات دستورية في البلاد، واتّهم أحزاباً وطنيّة عريقة بالعمالة والأخوانيّة، فإنّنا نذكّره بأنّ اعلاماً روسيّاً تطاول على كرامة السوريين الوطنيّة، واعتدى على ضميرهم ووجدانهم الجمعيّ، وبالمقابل فأنت لم تفعل شيئاً في مواجته، ولم تطالبه بالاعتذار لنا، وهذا لعمري من نكد الدهر علينا!!..
12-أمّا بعض من يقتات على مزابل السفارات، ويتلقط عيشه بمواخير بعض الصفحات الصفراء، أو يعتاش على إشغال الناس بالرقص على أبواب الفضائيات ووكالات الأنباء، فهؤلاء جميعاً، لا تُشغلوا لهم بالاً، دعوهم يترزّقون!!..
13-أخيراً..
نتفهّم، ونفهم، ونجلّ جدّاً، حبّ الكثيرين من السوريين لـ “روسيا”، وتحديداً للرئيس “بوتين”، الذي نحبّه أيضاً، ونحبّ “روسيا”، ونحترمها، ونحترم تضحيات شعبها، ووقوفه إلى جانبنا، حيث امتزج دمنا بدمه، لكنّنا، أيها الأحبّة، نحن نحبُّ سوريّة أكثر!!!..
—————————
ماذا لو غضب بوتين؟/ فراس علاوي
كتب العضو في مجلس الشعب التابع لنظام الأسد خالد العبود عبر صفحته على فيس بوك مقالاً عن العلاقات الروسية السورية، محذراً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من غضب (الأسد) ويقصد هنا بشار الأسد، معدداً أسباب كثيرة تجعل حسب رأيه بوتين مديناً للأسد ببقائه حتى اللحظة في سدة الحكم في روسيا، وأن مصير الرئيس الروسي مرهون بحلم الأسد وعدم غضبه فلو غضب الأسد حسب عبود فإن بوتين سيتقوقع على ذاته وستخسر روسيا نفوذها في سوريا، بل وذهب إلى أكثر من ذلك مؤكداً على انتهاء دور روسيا السياسي في العالم، وسقوط بوتين كحاكم لروسيا.
يذكرنا العبود بوزير خارجيته الذي مسح أوربا من الخارطة ليعود بعدها متسائلاً عن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية بومبيو، العقلية التي ينطلق منها مؤيدو نظام الأسد خاصة المحسوبون على نظمه الفكرية والسياسية هي ذاتها التي ترى في الحاكم نصف إله على الجميع أن يدينوا له بالطاعة العمياء، وهذا يفسر الجنون الذي أصابهم وهم يرون الشعب السوري يكسر التابوهات التي رسموها له ويطالبون بإسقاطه.
يهدد العبود الوجود الروسي والذي بحسب رأيه جاء نتيجة حنكة الأسد باستراتيجية إيقاعهم في رمال سوريا المتحركة وتوريطهم في الملف السوري مستنداً إلى العلاقات الوطيدة بين إيران وسوريا وحزب الله في المنطقة، ملمحاً لدور إيراني في ما يسمى الانتصار السوري ولبقاء طويل الامد في سوريا وموجهاً كلامه لإسرائيل مهدداً بالتواجد الايراني على حدودها.
وبعيداً عما جاء من عبارات التهديد التي بدأها بماذا لو؟
تناسى العبود أن الدعم الإيراني لنظام الأسد منذ اليوم الأول للثورة السورية لم يستطع حماية نظامه الذي أوشك على السقوط لولا الاستنجاد الايراني ببوتين الذي أرسل طائراته في ذات الليلة التي زاره فيها قاسم سليماني التي حمل خلالها رسالة استنجاد من بشار الأسد، كما تناسى أن 75% من مساحة سوريا الجغرافية كانت خارج سيطرة نظامه وأنه لولا التدخل الروسي لكان لكلام الميدان رأي مختلف، كذلك تناسى العبود التصريحات الروسية والإيرانية أنه لولا تدخلهما لسقط نظام الأسد خلال أشهر.
ربما لم يخطر بباله وهو يكتب مقالته تلك منظر بشار الأسد وهو يشحن بطائرة شحن إلى موسكو ويجلس كتلميذ أمام سيده، أو لم ير الصور التي ظهر بها رئيس نظامه وهو يجلس في حميميم أمام وزير الدفاع الروسي يتلقى التعليمات حين قال له وهو يذهب اليه إلى حميميم لم أكن أعلم بوجودك، أو تناسى منظر الضابط الروسي ممسكاً بذراع بشار الأسد مانعاً إياه من السير إلى جانب بوتين، لم يأت العبود على ذكر قاعدة حميميم وكأنها غير موجودة في الجغرافيا السورية كما نفى صديقه شريف شحادة وجود كثير من المناطق في سوريا لمجرد خروجها في مظاهرات ضد نظامه.
السؤال هنا؛ ماذا لو غضب بوتين؟
ماذا لو قرر الاطاحة ببشار الاسد وهو المتحكم بكثير من مفاصل مليشيات النظام ويتبع له كثير من ضابطه بشكل مباشر؟
ماذا لو أصدر بوتين أمراً للشرطة العسكرية الروسية والفيلق الخامس بالتوجه للقصر الجمهوري؟
ماذا لو اتفق بوتين مع إسرائيل على المجيء بشخصية بديلة لبشار الأسد؟
ماذا لو لم يستخدم بوتين الفيتو (تناسى العبود 15 فيتو استخدمتها روسيا لحماية نظام الأسد ) ضد قرار بوضع الملف السوري تحت الفصل السابع؟
ماذا لو رضخ بوتين للمساومة الامريكية وقبل بالتخلي عن بشار الاسد مقابل مكاسب سياسية في سوريا؟
ماذا لو أراد بوتين سحب قواته وطائراته من سوريا تاركاً مليشيا نظام الاسد وحيدة في الميدان؟
ماذا لو طبق بوتين الاتفاقيات التي وقعها مع نظام الاسد حول ميناء اللاذقية والفوسفات والنفط والكهرباء ومنع حكومة النظام من التصرف فيها وبالتالي حصارها وإفقادها الكثير من الدعم المتوفر لها؟
ماذا لو قبل بوتين بصفقة دولية تمنح روسيا بعض الامتيازات مقابل التخلي عن نظام الأسد؟
يملك الرئيس الروسي الكثير من الأوراق في سوريا من شأنها قلب الطاولة على النظام السوري والإطاحة به وبالتالي تفكيك التحالف الهش مع إيران وإخراجها من سوريا بخفي حنين، ترى هل يدرك مؤيدو الاسد أنهم الحلقة الأضعف في تحالفهم الذي يتبجحون به وبأنهم ورقة سيأتي يوم وينتهي دورها وبأن البازار السياسي إن فُتح ستكون المحصلة بيع نظامهم بسعر بخس.
—————————-
إضحك مع العبود: ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟
قدم المحلل السياسي وعضو مجلس الشعب السوري، خالد العبود، الشهير بنظرية المثلثات والمربعات الشهيرة، تحليلاً فكاهياً للعلاقات الروسية مع نظام الأسد. اعتبر فيها رئيس النظام بشار الأسد صاحب الفضل في مكانة نظيره الروسي فلاديمير بوتين الدولية، من جهة، وحذر فيها الأخير من غضب الأسد بهجمات ضد الجنود الروس في الساحل السوري.
وتحت عنوان “ماذا لو غضب الأسد” كتب العبود أن الأسد لم يكن بحاجة لبوتين من أجل “هزيمة الإرهاب” لكنه أراد حماية القوات الحليفة الأخرى، إيران وحزب الله، من مواجهة الولايات المتحدة بشكل مباشر في البلاد. كما تحدث عن العطايا الاقتصادية التي منحتها دمشق لموسكو، كسبب وراء دفاع روسيا عن النظام وعقدها حلفاً معه، ورأى بناء على هذا المنطق الفذ أن “بوتين أضحى بحاجة ماسة للأسد، كون الرئيس الأسد منحه ما أراد أن يمنحه إياه، كي يحافظ على مصالح روسية لبوتين في سورية”
وأضاف العبود: “ماذا لو أن الاستخبارات السورية فخخت هذه الجبال بعشرات الآلاف من المقاتلين الذين رفعوا شعار المقاومة للاحتلال الروسي، أو بدأوا بعمليات انتقامية من القوات الروسية، نتيجة تدخل روسيا، وبوتين تحديداً، في الشؤون الداخلية السوريّة؟”.
وأثار المنشور سخرية واسعة في مواقع التواصل، ونشره السوريون مع الضحكات وعبارات مثل “اضحك مع العبود”، لأن مضمونه ساخر بحد ذاته ولا يحتاج إلى تعقيب من أجل خلق الفكاهة. فيما أشار آخرون إلى أن هذا هو الأسلوب التقليدي الذي يعتمده إعلام النظام في خلق الدعاية الرسمية، أي تصدير البطولات الفارغة للشعب السوري على طريقة عنتريات مسلسل “باب الحارة”.
ورغم السخرية العامة، قدم بعض المعلقين قراءات أكثر جدية. فكتب الصحافي السوري، شعبان عبود، على سبيل المثال بأن يجب الانتباه لما يجري في كواليس العلاقات الروسية الإيرانية من جهة، والعلاقات بين النظام وموسكو من جهة ثانية. مضيفاً أنه “حتى لو خرج هذا الموقف من شخصية غير ذات قيمة في النظام، فهو يبقى موقفاً رسمياً لأن كاتبه لن يتجرأ على الدخول في هذا الموضوع من دون موافقة القصر الجمهوري” وذلك لأن “البيان المعّد والمجهز لغوياً وسياسياً بشكل جيد جداً يبدو أكثر بكثير من مجرد منشور” في “فايسبوك”، معتبراً أن البيان “أول إشارة جدية تخرج إلى الإعلام توحي بوجود تطورات مرتقبة تخص مستقبل النظام، وأن البيان قد يعكس خشية من تفاهمات سرية أميركية روسية متعلقة بسوريا ومستقبل النظام.
وطوال الأسابيع الماضية، التي شهدت أنباء عن توتر في العلاقات بين بوتين والأسد، مع العديد من التسريبات الإعلامية والمقالات الروسية التي هاجمت الأسد، اتبع الإعلام الرسمي سياسة الصمت، قبل أن يقول أن تلك المقالات كانت نتيجة للقرصنة.
إلى ذلك، رد النائب الآخر في مجلس الشعب، نبيل صالح على العبود، عبر صفحته في “فايسبوك” بالقول أن كلامه “مجرد هراء”، معتبراً أنه ليس من الحكمة أن يهدد العبود، بوتين وجيشه ولو بطريقة المداورة.
وأشار الصالح، إلى أن العبود أنه ليس ناطقاً باسم الأسد أو باسم الجيش السوري، معتبراً المقال “أشبه بمحاولة تربيع الدائرة وهو سيء في التقييم السياسي، بل هو مجرد هراء غير سياسي يبلبل رأي عموم مواطنينا المؤيدين ويقسمهم. وأكمل: “قد تكون حراً برأيك الشخصي ولكن كونك تحمل صفة رسمية في مجلس الشعب الذي أنتمي إليه أطلب منك سحب هذا المقال أو اعتباره مجرد نكتة بكل احترام واسلم من الأوهام”.
وتدخلت روسيا عسكرياً إلى جانب النظام العام 2015، وينسب إليها الفضل في بقاء النظام وسيطرته حالياً على نحو 70 بالمئة من أراضي البلاد. وبات لها نفوذ واسع في البلاد، مع تحصيلها عقوداً استثمارية لأمد طويل، وإنشائها قواعد عسكرية مختلفة في البلاد.
—————————
روسيا غرب وشرقي الفرات/ مهند الكاطع
لم تعد روسيا مجرد أحد اللاعبين الرئيسيين في سورية، بل تكاد تكون اللاعب الأبرز والأقوى اليوم، والأكثر تأثيراً على مجريات الأمور على الساحة السورية من الشمال إلى الجنوب.
روسيا ليست تلك الدولة التي استعان بها بشار سنة 2015، فقط لتنقذ طائراتها المباركة بصلوات قساوسة الكنيسة الروسية سقوط بشار الأسد، بل روسيا اليوم هي الجهة التي باتت تتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية. روسيا التي تسيطر على الميناء، هي ذاتها التي تسيطر على الحركة التجارية، الخطط العسكرية، التعيينات داخل المؤسسة العسكرية، والعزل، وكل شيء، والسيطرة هنا على القرار السياسي تحصيل حاصل. إذ شخص بشار الأسد الذي كان يظهر بصفته وريث غير شرعي لسلطة حكم طائفي، بات مجرد موظف صغير، يستدعيه بوتين إلى مكتبه في قاعدته “الروسية” بشكل يتم من خلاله تعمد إهانته وتصغيره.
ليس كل ما سبق سوى مقدمة لنرى كيف باتت روسيا اليوم، بعد أن نستعيد شريط الذاكرة منذ بداية الدخول الروسي، والذي وإن قوبل ببعض التحفظات والمخاوف الأوربية في بداياته، إلا أنه لم يتعرض لأي اعتراض أمريكي. بل وبات الحديث الأكثر شهرة أن روسيا في واقع الأمر تسلمت من أمريكا الملف السوري وليس من بشار الأسد.
عرفت روسيا منذ اللحظة الأولى حدود نفوذها وتحركاتها، وأبقت على تنسيقها الأمني مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، في كل ما يتعلق بالطلعات الجوية، والأعمال العسكرية، والمخاطر الأمنية، حتى أصبحت القوة الدولية الوحيدة التي لها انتشار عسكري واضح على كل الجغرافية السورية، دون أن يحرج ذلك الولايات المتحدة الأمريكي، التي تحاول على لسان مبعوثها جيفري قبل أيام في لقاء عبر صحيفة الشرق الأوسط، التقليل من شأن الوجود العسكري الروسي وكذلك قواعد النظام شرق الفرات، فتعترف بوجود شرطة عسكرية روسية، وآليات روسية، ومركبات تقوم بدوريات منتظمة، وكذلك بوجود قواعد عسكرية للنظام نفسه في مدينتي دير الزور والقامشلي. يأتي هذا مع تأكيد وجود 10.000 مقاتل من قسد في المنطقة كأكبر قوة هناك، علماً أنه لا يخفى على جيفري أن الطبيعة الجغرافية والتضاريس في مناطق شرق الفرات، تجعل مقياس أي قوات عسكرية وفقاً لعدد مقاتليها، هو مسألة غير واقعية، خاصة في ظل الحديث عن إمكانيات دولة مثل روسيا من الناحية العسكرية.
روسيا والأسد
هل تتذكرون قصة الروس مع “حفظ الله أمين” الذي تولى أمر الحكومة الأفغانية سنة 1978، واعتمد على السوفيت الروس كحلفاء، ولم يخيبوا ظنه بتوقيعهم معاهدة مع أفغانستان للتدخل فيها إذا طلب منهم ذلك، وزودوه بالسلاح والعتاد والخبراء وكل ما يحتاج.
في عام 1979 تفاقمت الأمور في أفغانستان، وشعر السوفييت بأن حفظ الله أمين غير قادر على السيطرة على الوضع وحماية ” دباباتهم وعتادهم” وأنه لا ينفذ “نصائحهم” ، فقرروا التخلص منه فقط بواسطة 700 شخص استولوا على المقرات الحكومية والإعلامية ودخل مجموعة منهم قصره بينهم 54 من عملاء الكي جي بي ( الاستخبارات الروسية) واستطاعوا قتله شرّ قتلة مع عائلته، وادعوا آنذاك بأن الأفغان الثائرين عليه هم من قتله. النتيجة جاؤوا بشخصية مصنعة عندهم اسمه ( بابراك كارمال) وسلموه زمام الأمور لاستعادة الاستقرار في البلاد.
مؤشرات ما يحدث في سورية اليوم ليست بعيدة عن المآلات التي جعلت الروس يقضون على حليفهم الأفعاني في لحظة تاريخية تطلبت ذلك، فنظام الأسد أضعف مما هو عليه الآن من أي وقت مضى، ليس عسكرياً فقط، بل سياسياً واقتصادياً وحتى على مستوى الحاضنة الشعبية في وسط أنصاره، وكل ذلك بعد أن بات واضحاً بأن روسيا قد بدأت فعلاً بإعادة الترتيب لمرحلة ما بعد الأسد، وتعيد ترتيب الأمور داخل سورية وتهيئة أنصار الأسد لشيء مقبل، ليست الإجراءات الأخيرة بحق رامي مخلوف وحدها تعطي تلك المؤشرات، في أن الروس يريدون قبل إسدال الفصل الأخير من السيناريو استعادة ما خسروه في الحرب من أموال آل الأسد وآل مخلوف، بل باتت تحركاتهم على الصعيد الاجتماعي وتحضيراتهم للفراغ القادم موضع اهتمام.
التحركات الروسية على المستوى الشعبي
بدأ الروس بتحركات خلال الفترة الماضية استهدفت بعض الوجاهات العشائرية في شرق الفرات، وبشكل أساسي في ريف محافظة الحسكة، مقابل تحركات مماثلة كان الأمريكان قد بدأوا بها فعلياً قبل فترة في ريف دير الزور. الأطراف التي ألتقى بها الروس هي موالية للنظام، ومع ذلك كان الحديث معهم يتركز حول معرفة إمكانية تشكيل نواة لقوات عربية من أبناء المنطقة، مقابل توفير المستلزمات والرواتب التي تدفع معظم أبناء المنطقة للعمل مع قسد لتأمين لقمة العيش، سواء عبر أجهزتها العسكرية المختلفة، أو عبر المؤسسات الإدارية والمدنية. الواضح أن الروس أيضاً كانوا واضحين في إرسال رسالة لأهل المنطقة بأن هناك أمور ستحدث قريباً، ولا بد من التحضير لها، فالنظام لا يبدو أنه سيكون في المرحلة المقبلة، النواة التي يمكن تعليق أمل عليها في إحداث أي تغييرات عسكرية في أي منطقة سورية بعد اليوم، وبالتالي قد يفكر الروس بالفعل بإيجاد قوة محلية، يمكن أن يكون لها مشروعية أكثر في إحداث تغييرات عسكرية وفرضها على الأرض، على حساب سيطرة قسد التي لا تزال تحظى بغطاء أمريكي. هذه التحركات لا يبدو أنها ضايقت الأمريكان الذين يتوجهون تدريجياً أيضاً لإيجاد فصائل عربية بحجة آبار النفط في منطقة دير الزور من قبل أهالي المنطقة العرب، ذاتها الحجة التي ساقها الروس أثناء اجتماع جمعهم مع قسد قبل عدة أيام، لتهدئة مخاوفهم وتوترهم على خلفية التحركات الروسية الأخيرة.
إيران التي يبدو أن دورها بدأ يتلاشى على الساحة السورية، لا يبدو أن روسيا تخلت تماماً بعد عن دورها، وإن كانت مساهمة في إضعافه، حيث يظهر الدور الإيراني أيضاً بلقاء بعض الوجهاء العشائريين، مع تسريبات تشي أيضاً بعرضهم لفكرة تشكيل قوة عشائرية تحت مسمى “جيش الإمام”، دون أن تكون هناك ثقة حقيقية من المكونات العشائرية بجدية الطرح الروسي والإيراني.
إلى أي حد يمكن ربط ما يقوم به الروس شرق الفرات، وتحركاتهم غربي الفرات في عدة مناطق أيضاً، حيث زار قائد القوات الروسية في سوريا مدينة السقيلبية حيث جمع شخصيات مسيحية فقط من بلدات (محردة وحماة وكفربهم وتومين والقرى المسيحية بحماه ) و لم يكن هناك اي وجود لعناصر النظام أو حتى تمثيل .
وقد سربت بعض وسائل الإعلام، أن النقاش دار حول كيفية تدبر أمور المنطقة وحماية أهاليها في حالة حصول تغييرات كبيرة ، الأمر الذي تم تفسيره ضمناً أن البلد مقبلة على تغييرات ستطال بشار الأسد في المستقبل.
وإزاء كل ما يحدث اليوم من تقلبات على الساحة السورية، كان آخرها الدعم الأمريكي الواضح للغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سورية، يبقى السؤال المطروح عن السيناريوهات المطروحة ما بعد الأسد؟ هل تم فعلاً بلورة اتفاق روسي أمريكي حول الموضوع؟ وهل ستترك الولايات المتحدة الأمريكية زمام ترتيب الأمور لروسيا في المرحلة المقبلة؟ وماذا عن مصير التواجد التركي في المنطقة الشمالية؟ وهل ستكون هناك صفقة بحجم إخراج جميع القوات والميليشيات الأجنبية بما فيها قسد (العمال الكردستاني) التي تشكل الذريعة الأكبر لبقاء الأتراك، مقابل محاصصات سياسية واقتصادية بين كل من أمريكا وروسيا وتركيا؟ وماذا عن الدور العربي في المرحلة المقبلة في ظل عدم الوجود العسكري العربي على الأرض؟
كل ذلك يبقي التكهنات مفتوحة على جميع الاحتمالات، مع حقيقة باتت شبه واضحة، بأن نظام الأسد سيكون الكبش الأخير الذي يتم التضحية به من قبل حلفائه لرسم ملامح مرحلة جديدة، الشعب السوري فيها أبرز الخاسرين على الأقل في ظل الصراع المرير على الحياة اليوم تحت وطأة ظروف اقتصادية غير مسبوقة أنهكت الشعب وباتت تهدده بمجاعة حقيقية.
—————————-
تحرك سوري لـ «محاصرة» الحملة الروسية واشنطن تقيم قاعدة جديدة لحماية نفط شرق الفرات من موسكو
تواصلت تداعيات التراشق الإعلامي بين موسكو ودمشق وسط صمت رسمي روسي، واكتفاء المستويين العسكري والدبلوماسي بإشارات إلى استقرار الوضع الميداني في منطقة إدلب والمناطق المحيطة فيها، مع التنويه بتقدم في تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع تركيا لضمان الالتزام بوقف النار.
وتجنبت موسكو التعليق رسمياً على «رسائل إعلامية نارية استهدفت الرئيس فلاديمير بوتين»، وفقاً لوصف معلقين روس، في إشارة إلى كتابات لبرلمانيين ومسؤولين سابقين في سوريا هاجمت روسيا أخيراً. لكن الأوساط الروسية المختصة بالشرق الأوسط خصوصاً بالملف السوري «تابعت بدقة هذه التعليقات»، حسب مصدر تحدثت إليه «الشرق الأوسط».
وكان لافتاً أمس، أن قناة «آر تي» الحكومية الروسية قامت بحذف مقابلة أجرتها أخيراً، في إطار برنامج «قصارى القول» الذي يقدمه الصحافي سلام مسافر، مع المعارض السوري فراس طلاس، كشف فيها تفاصيل عن الفساد في سوريا ووجه اتهامات مباشرة للقيادة السورية بالتستر عليه.
وكتبت القناة على صفحتها الإلكترونية أنها قررت «حذف المادة المتضمنة للمقابلة لمخالفتها المعايير الرئيسية للمحطة ولورود معلومات لا تستند إلى حقائق مؤكدة».
واللافت في الموضوع أن القناة نفسها وعدداً كبيراً من وسائل الإعلام الروسية كانت أجرت في أوقات سابقة عشرات المقابلات المماثلة مع معارضين أو شخصيات سورية عدة عبرت عن مواقف مماثلة. ما دفع إلى الاعتقاد بأن قرار حذف المقابلة مرتبط بالتراشق الإعلامي الذي وقع أخيراً، كما أنه جاء استجابة لطلب حكومي سوري، وفقاً لتقديرات مصدر، أبلغ «الشرق الأوسط» بأن السلطات الروسية كانت طلبت في وقت سابق من بعض المؤسسات الإعلامية الروسية عدم السماح لكتاب انتقدوا النظام بنشر مقالاتهم في صفحات الرأي التابعة لها.
المفارقة أن أحد الدبلوماسيين الروس رد على ذلك في السابق، بأن روسيا لا يمكنها منع الصحافة من إبداء كل وجهات النظر، وبأنها بلد مفتوح ويحترم حرية الصحافة، ما يدفع إلى الاستغراب من قرار القناة التلفزيونية في هذه المرة.
على صعيد ميداني، أعربت موسكو عن ارتياح لسير تطبيق قرارات وقف النار في منطقة إدلب، وأشارت وزارة الدفاع في إيجاز يومي إلى وقوع انتهاكين فقط للهدنة، مشددة على الالتزام بشكل عام بوقف النار، وعلى المستوى الدبلوماسي برزت إشارات مماثلة، وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن موسكو تلاحظ جهوداً تقوم بها أنقرة لمواجهة استفزازات المسلحين في إدلب.
وأكدت مجدداً على الموقف الروسي بأن «الأمن المستدام في إدلب لا يمكن تحقيقه إلا من خلال فصل ما يسمى المعارضة المعتدلة عن الإرهابيين».
وأشارت زاخاروفا إلى وجود وضع صعب في جنوب سوريا، في المنطقة التي يبلغ طولها 55 كيلومتراً حول منطقة التنف ومخيم «الركبان» لللاجئين، مشيرة إلى أن «المعلومات الواردة تدل على استمرار تدهور الحالة الصحية والوبائية هناك.
بعد إغلاق الحدود السورية – الأردنية في إطار التدابير لمكافحة انتشار عدوى فيروس كورونا، وفقد اللاجئون فرصة الحصول على رعاية طبية مؤهلة.
وفي الوقت نفسه، لا تستطيع الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إنشاء قنوات بديلة لتقديم المساعدة الطبية بسبب عدم وجود ضمانات أمنية».
على صعيد آخر، احتفل العسكريون الروس في سوريا أمس، بالذكرى 75 للنصر على النازية، عبر تنظيم عرض جوي فوق قاعدة «حميميم». وشاركت في العرض مروحيات النقل والهجوم من طرازات «مي-8» و«مي-35» وطائرات النقل «انطونوف 30» و«انطونوف 72»، فضلاً عن مقاتلات متعددة المهام وقاذفات من طرازات «سوخوي» المختلفة.
كما ظهرت في السماء السورية طائرة الإنذار بعيدة المدى «أ-50» ترافقها قاذفات خفيفة، وتحاكي التزود بالوقود في الجو.
وشوهد العرض الجوي في اللاذقية. كما قام قادة وأفراد مجموعة القوات المسلحة الروسية في سوريا، وممثلو قيادة القوات المسلحة السورية، وكذلك قيادة محافظة اللاذقية بوضع أكاليل على النصب التذكاري لبطل الاتحاد السوفيتي المارشال قسطنطين روكوسوفسكي الذي تمت إقامته قبل شهرين في «حميميم».
وفي دمشق، وجه كتاب ونواب انتقادات للنائب خالد العبود الذي شن حملة على الرئيس بوتين، في مقال نشره على صفحته في «فيسبوك» بعنوان: «ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟»، وتضمن فقرات حادة تركز على أن الحليف الأساسي للأسد هو «إيران – حزب الله»، وتلويحاً بأنه «إذا غضب الأسد فهو قادر على سحب البساط من تحت أقدام بوتين حتى في أروقة الكرملين»، و«أن يشطب مجده وإنجازاته»، ونبه إلى أنه باستطاعة سوريا «إغراق بوتين في حريق طويل في جبال اللاذقية» أو في «سهول حوران أو البادية السورية»، بصفته قوة احتلال لسوريا.
وحملت المقالة الطويلة كثيراً من الإشارات المماثلة التي تهدد الروس، ليختمها الكاتب بأن الأسد «إذا أراد أن يقف في وجه بوتين (…) فلن ينتهي الرئيس الروسي في سوريا وحسب، بل سيتم انحسار المد الروسي في العالم، وسيتم شطب اسم بوتين من التاريخ الروسي إلى أبد الآبدين».
وسعى أكثر من كاتب ومسؤول سابق في دمشق إلى التقليل من أهمية كلام عبود، واعتباره موقفاً شخصياً و«لا يعبر عن الموقف الرسمي».
—————————–
النظام السوري يراسل موسكو بشخصيات بلا وزن سياسي/ وليد بركسية
النظام السوري يراسل موسكو بشخصيات بلا وزن سياسي الانتقادات لموسكو تأتي من شخصية هامشية معدومة الوزن السياسي
ربما تكون الانتقادات التي وجهها عضو مجلس الشعب السوري والمحلل السياسي الدائم في قنوات النظام، خالد العبود، لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، مجرد طريقة لبث الطمأنينة في قلوب الموالين للنظام، بعدما كثر الحديث مؤخراً عن خلافات روسية سورية أفضت إلى رسم مخططات من موسكو لاستبدال رئيس النظام بشار الأسد قريباً ضمن رؤية جديدة لحل سياسي يجري الإعداد له في الكواليس.
لكن تلك الانتقادات، رغم كونها سابقة في تاريخ العلاقات الرسمية بين البلدين، تأتي من شخصية هامشية معدومة الوزن السياسي.
ويعطي المقالان اللذان كتبهما العبود، انطباعاً بأن ما جاء فيهما ليس تعبيراً عن رأي شخصي رغم التصريح بذلك، بقدر ما هو نشر علني لأوامر رسمية من جهات عليا، صادرة عن واحد من الاجنحة التي تكاثرت أخيراً في النظام السوري.
ورغم الهزلية التي تطغى على صاحبها بشكل يفتح باباً واسعاً للسخرية، فإن ما تضمنه المقالان يؤكدان على إيمان النظام السوري بوجود مساحة ضيقة له يستطيع فيها مناورة الإملاءات الروسية القاسية، وتحديداً ما يتعلق بالحليف الآخر، إيران وميليشياتها التي تنتشر في الأراضي السورية، والتي كانت نقطة مثيرة للجدل منذ العام 2015، من ناحية تباين الأهداف النهائية لكل من موسكو وطهران في سوريا رغم اجتماعهما على بعض التفاصيل الإجرائية المرحلية.
ولعل المقال الثاني بالتحديد، الذي رفض فيه العبود، السبت، الاعتذار عن التهديدات التي وجهها لبوتين بإشعال حرب ضد جنوده في حال غضب الأسد منه، والحديث عن الماكينة الإعلامية الروسية التي شنت هجمات على الأسد خلال الأسابيع الماضية، وفصلها، ولو بشكل لفظي عن الكرملين، والحديث عن كرامة الشعب السوري كسبب للغضب… يعطي هذا المقال انطباعاً إضافياً بأن سبب استياء النظام، هو علنية الضغوط الممارسة عليه من قبل الحليف الروسي، أمام البيئة الموالية، وكأن لا مشكلة في ممارسة الضغوط وإملاء الأوامر من قبل موسكو، طالما بقيت الأمور سرية، مع تلميع صورة القيادة الحكيمة في التصريحات الرسمية والإعلامية، مثلما كان عليه الحال خلال السنوات الأولى للتدخل الروسي في البلاد.
وقد يؤكد ذلك، حقيقة عدم تعبير النظام في السابق، حتى بين الموالين في مواقع التواصل، عن أي استياء من الممارسات الروسية المتتالية التي تعمدت إذلال الأسد وتحجيمه، من استدعائه إلى مبنى السفارة الروسية للقاء بوتين في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، إلى المعاملة المهينة له في قاعدة حميميم عندما طلب منه عدم تجاوز الخط الأصفر المرسوم على الأرض العام 2017، وغيرها من وقائعَ ظهر فيها الأسد كرئيس بلدية أو موظف صغير أمام مرؤوسيه، والتي كانت رغم علنية تصويرها بكاميرات الإعلام، تترافق مع بيانات رسمية تتحدث عن العلاقات الوطيدة بين الجانبين وعن دور الأسد في البلاد وغيرها من العبارات الرسمية ذات الصلة، ما يعطي توازناً في الضغط بين الرسائل الروسية للأسد وتلك الرسائل التي يروجها الأسد لمواليه.
هذا التوازن كان مفقوداً في الفترة الأخيرة، بعد تعنت النظام في تقديم أي إصلاحات بسيطة تريدها روسيا منه، وتحديداً بعد ملف اللجنة الدستورية الذي عطّله النظام متعمداً، وخروج الأسد بتصريحات تبرأ فيها من وفده الذي شارك في تلك الاجتماعات.
ومع شعور النظام ربما بفائض القوة وإحساسه بجدوى المناورة للإبقاء على الوضع الراهن كما هو، لجأت موسكو إلى لي ذراعه باعتماد خيار التسريبات ضده، ما أثار استياء مضاداً بدوره تم تفريغه عبر مقالي العبود، اللذين أكدا على الشراكة الوثيقة مع القيادة الروسية بشرط كبح الإعلام الروسي عن النشر ضد الأسد شخصياً، والتي لا يمكن للبيئة الموالية تفهمها أو تقبلها مع الضخ الرسمي الدائم الذي خلق الوهم بأن “أبطال الجيش العربي السوري” هم سبب النصر “على الإرهاب” خلال السنوات الماضية.
والحال أن سوريا، بعد سيطرة النظام على مناطق واسعة وهدوء جبهات الحرب السابقة تدريجياً، وتحديداً بعد معركة حلب العام 2016، دخلت مرحلة صراع مجمد بانتظار الحل السياسي الذي يشكل الدولة السورية مع انتخابات العام 2021، يتم من خلالها تشذيب شكل النظام الأسدي عبر بعض الإصلاحات الشكلية التي تطالب بها روسيا تحديداً التي باتت عرابة المستقبل السوري عبر اتفاق أستانة عن واقع انهيار سلسلة مؤتمرات جنيف الخاصة بصياغة مستقبل البلاد.
ويعني ذلك أن موسكو التي تدخلت في الحرب السورية مباشرة العام 2015، كانت تسعى وراء أهداف ومصالح عديدة، تتشابك جميعها في نقطة بقاء النظام السوري. وبما أن النظام الأسدي مبني بشكل عضوي على شخصية الأسد نفسه، من المستحيل ربما استبدال الأسد، مثلما اقترحت المقالات الصحافية والتسريبات الإعلامية التي غضب منها العبود وجماهير الموالين، لأن ذلك الاستبدال يعني حتماً سقوط النظام، بالاسم على الأقل، وهي النقطة التي ينطلق منها النظام في مناوراته الأخيرة والتي تشكل عنصر التوازن في علاقاته مع روسيا تحديداً، التي تربطه بها اتفاقية كشف عنها العام 2016، وتعطي لروسيا الحق في استثمارات عسكرية واقتصادية واسعة في البلاد لفترة غير محددة.
ويمكن الاستدلال على ذلك، بقراءة بيان أصدرته السفارة الروسية في بيروت، أواخر نيسان/أبريل الماضي، للرد على شائعات استبدال الأسد حسب وصفها، والتي أتت بعد نشر مجلة “فورين أفيرز” الأميركية المرموقة مقالاً دعت فيه الى صفقة أميركية روسية في سوريا. وأكد البيان بشكل واضح عدم وجود صفقات سياسية، مع الولايات المتحدة وتركيا، لتقاسم النفوذ في المناطق السورية على حساب سيادة النظام. وأكملت بأن أصحاب تلك التحليلات “لا يجهلون حقيقة الموقف الروسي فحسب، بل لا يدركون طبيعة الوضع العالمي الجاري الذي يتطلب ترتيب الحوار المتساوي حول قضايا الأمن الدولي والاستقرار الإستراتيجي.لا يمكن ترتيب مثل هذا الحوار دون التمسك الثابت باحترام سيادة الدول” مضيفة أن روسيا “تعرف جيداً أهمية هذا المبدأ المستهدف دائماً من قبل أصحاب النظام الليبرالي” و”لا يمكن أن يتصور من يمتلك الحد الأدنى من العقل أن روسيا تتراجع عن استقلالية نهجها أو تتنازل عن التزامها بالشرعية الدولية أو تظهر الضعف أمام الغرب، وتتيح الفرصة لتقدم قوى الهيمنة وان ذلك من المستحيل أن يحصل”.
وعليه فإن الإصلاحات المطلوبة قد تكون مشابهة لسياقات تاريخية في المنطقة. في لبنان على سبيل المثال إبان اتفاق الطائف مطلع تسعينيات القرن الماضي. وفي الحالة السورية اليوم، هنالك مؤشرات لتقاسم طائفي وإثني للبلاد، بشكل رسمي عبر نظام حكم فيدرالي جديد أو غير رسمي عبر تقاسم لمناطق النفوذ، وفيما سيتحدد ذلك على الأغلب لاحقاً، هنالك مؤشرات جارية بتغييرات بسيطة في البلاد، مثل نزع اسم الأسد عن بعض المنشآت العامة أو الصراع بين عائلة الأسد وعائلة مخلوف، الذي يشير بدوره إلى وجود إرادة بنزع السلطة الاقتصادية من يد الطائفة العلوية ونقلها إلى فئات موالية للنظام من الطائفة السنية لتحقيق نوع من التوازن المفقود في البلاد، ويتم ذلك عبر شخصية محورية هي أسماء الأسد، التي كادت التسريبات والتحليلات في الفترة الماضية، تجمع على كونها سبب الحملة الشرسة ضد رامي مخلوف، ويتقاطع ذلك مع انفتاح الدول العربية والملكيات الخليجية الثرية على النظام، من أجل تمويل إعادة الإعمار، في مقابل نفوذ تتحصل عليه في البيئة السنية ضد النفوذ الإيراني المتراكم في المنطقة.
ومن المبكر ربما، الجزم بأن الخلاف الروسي الإيراني هو جوهر المشكلة بين الكرملين ونظام الأسد، بناء على تصريحات العبود وحدها، أو ما قابلها من ردود مستنكرة من طرف شخصيات أخرى ضمن النظام تفضل الولاء لروسيا على حساب إيران، بوصفها ضامناً لعلمانية الدولة مقابل محاولات تشييعها أو أسلمتها، ويتصدر هذا التيار العضو الآخر في مجلس الشعب، نبيل صالح. فيما يتم إعلاء النزعة الوطنية (Nationalism) بين الموالين على الجانبين عموماً، والتي تأتي من تورط عاطفي ساذج بالانتماء للوطن، والذي يكمن فيه الشرخ الأكبر ضمن المجتمع السوري اليوم، ويمكن تلخيصه بالتساؤل عن معنى الانتماء للبلاد الممزقة بفعل الحرب الطويلة، إلى جانب الحقيقة الصارخة بأن الدولة التي عرفت في يوم ما باسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود، مع وجود أطراف خارجية متعددة فاعلة في إدارة البلاد وصناعة قراراتها السياسية.
المدن
——————————-
=======================
======================
تحديث 13 أيار 2020
—————————–
بوتين والأسد: هل تهرب موسكو من سيناريو أفغاني في سوريا؟
رأي القدس
في أيلول /سبتمبر 2015 استقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تدخل عسكري مباشر لصالح النظام السوري ولإنقاذه من الانهيار في غمرة معطيات كثيرة كانت تشير إلى احتمال تفكك جيش النظام. ولن يطول الوقت حتى يؤكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هذه الحقيقة، وأن «العاصمة دمشق كانت ستسقط أثناء اسبوعين أو ثلاثة» لولا تدخل موسكو العسكري.
وبعد أقل من شهر على انطلاق العمليات العسكرية الروسية وتكثيف طلعات الطيران الحربي الروسي توجه بشار الأسد إلى موسكو في زيارة مفاجئة للاجتماع مع بوتين، حيث جرى الاتفاق على تفاصيل أدوار الجيش الروسي في سوريا، وكذلك الخطوط العريضة والأهداف الجيو ــ سياسية التي يسعى الكرملين إلى بلوغها من وراء التدخل.
ولقد أنجزت موسكو الكثير من تلك الأهداف، إذ عادت إلى مشهد صراعات النفوذ في الشرق الأوسط بعد أن سجلت خسارات سابقة في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، ونجحت في صياغة تحالف جنيني من إيران وسوريا والعراق يعرقل هيمنة واشنطن في المنطقة، وباتت على الصعيد الداخلي السوري رقماً سياسياً وعسكرياً راجحاً حتى في قلب جيش الأسد وعبر وحدات نظامية مثل «جيش النمر» أو ميليشيات من طراز «نسور الصحراء».
لكن الدعم العسكري المباشر لم يكن عند موسكو ينفصل عن سلسلة مكاسب اقتصادية مباشرة بدورها، لا تقتصر على قاعدة حميميم الجوية جنوب شرق اللاذقية أو القاعدة البحرية في طرطوس أو عقود مشتريات السلاح واستثمار الغاز والنفط. الأهمّ من هذا كله كان حصول الكرملين على تعهدات بمئات مليارات الدولارات تحت بند إعادة إعمار سوريا، وهذه يصعب أن يمنحها المجتمع الدولي من دون عملية سياسية تتيح تجميل وجه النظام الدموي والإيحاء بإصلاحات ذات معنى على صعيد البنية الدستورية والحقوق العامة.
وإذْ تقترب موسكو من العام الخامس على هذا التدخل، بحصيلة عسكرية غير مستقرة رغم مزاعم «الانتصارات» وحصيلة هزيلة تماماً على صعيد إعادة تدوير النظام، فإن المؤشرات تتزايد لجهة التأكيد على أن الكرملين أخذ يضيق ذرعاً بحال الاستعصاء في هذا الملف. صحيح أن الحملات الأولى بدأت من وسائل إعلام محسوبة على يفغيني بريغوجين رئيس مرتزقة فاغنر التي تقاتل في صفوف الأسد وصلت إلى درجة عنونة إحدى المقالات بـ»الفساد أخطر من الإرهاب»، إلا أن الحملات اللاحقة انتقلت إلى مراكز أبحاث روسية رسمية وتتولى نقل أخبارها وكالة أنباء تاس الحكومية الأكبر في روسيا.
وليس أمراً مألوفاً أن تنقل تاس التالي، مثلاً: «لا ترتاب روسيا في أن الأسد صار عاجزاً عن قيادة البلد فقط، بل في أن رأس النظام السوري يسعى إلى جرّ موسكو نحو سيناريو أفغاني». ومن الواضح أن النبرة العامة في هذه الصياغة تتجاوز اللوم أو التوبيخ إلى ما يشبه الاتهام بتوريط الحليف، خاصة مع استخدام تعبير «رأس النظام»، وبالتوازي كذلك مع دراسة أعدها «المجلس الروسي للشؤون الدولية»، التابع لوزارة الخارجية، ألمحت إلى أن موسكو تتفاوض مع أطراف أخرى في «النزاع السوري» للتوصل إلى حل سياسي لا يُبقي الأسد في الرئاسة.
فهل تهرب موسكو حقاً من سيناريو أفغاني في سوريا، أم تواصل الخوض في المستنقع ذاته الذي سعت إليه بقدميها؟
———————————–
انكشاف أستانة والدور الروسي في سورية/ غسان المفلح
هنالك ثلاث مراحل مرّ بها الدور الروسي في سورية:
المرحلة الاولى، دعم النظام الأسدي في قتل السوريين، من خلال إمداده بكافة احتياجاته لهذه الابادة، التي بدأت مع اليوم الأوّل للثورة السورية في آذار 2011. إضافة لتغطيته في مجلس الأمن واستخدام الفيتو عدّة مرات، من أجل إجهاض أي قرار يصدر عن مجلس الامن لوقف المقتلة الأسدية وإيجاد حل عادل يبعد الأسدية وشبحها عن مستقبل سورية، فرغم صدور قرار مجلس الأمن 2254 عام (2015)، الذي أقرّ بقيام عملية انتقال سياسي عبر مفاوضات برعاية المجلس بين النظام والمعارضة الممثّلة بالائتلاف، وفيما بعد بهيئة التفاوض السورية. أستانة
في نفس العام من صدور هذا القرار، انتقل الدور الروسي إلى المرحلة الثانية، التدخل العسكري المباشر في قتل السوريين ومنع سقوط النظام، كانت البداية من حلب 2015. خمس سنوات مرّت والدور الروسي يزداد تدخلاً عسكرياً، حتى وصلنا الى انتشار القواعد الروسية في 60% تقريباً من الأراضي السوريّة. من جهة أخرى، وصل هذا الدور إلى أنّ روسيا نفسها كانت تقوم بمصالحات واحتلال مناطق عبرها دون أن يكون هنالك حضور للأسد. بعض مناطق الجنوب واتفاق موسكو الأخير بين بوتين وأردوغان، الذي سبق وكتبت عنه هنا في هذا المنبر، أنّه انتصار لتركيا وموسكو وهزيمة للشعب السوري، لأنّه يثبت وضعاً خاطئاً، وجعل من وجود 30 ألف عسكري تركي مشروعاً، وفقاً لاتفاقيّات مع روسيا وإيران بغطاء دولي مباشر وغير مباشر.
اتّفاق أستانه أيار 2017 وبعده سوتشي أيلول 2018
منذ اتفاق موسكو الأخير هذا في آذار 2020، بين تركيا وروسيا ومباركة الأسد وإيران وأوروبا وأمريكا، وما أعقبه من أزمة كورونا، ووقف إطلاق النار في إدلب وريف وحلب. أستانة
المرحلة الثالثة بدأت تتكشّف منذ هذا الاتفاق وربما قبله لمن يريد أن يرى حجم الدور الروسي في سورية، كما سبق لنا وأشرنا إليه مراراً وتكراراً، إنّه في النهاية ليس سوى دور قاتل مأجور استخدمته إدارة أوباما، وبعدها إدارة ترامب، لإدارة احتلال الثورة وإجهاض أي تغيير حقيقي في مستقبل سورية.
وعلى خلفيّة الدور الاسرائيلي، الحاضر الأقوى في الملف السوري مع واشنطن، بوتين بنى استراتيجيته التدخليّة القائمة على الاستحواذ في النهاية، فهو اللاعب الرئيسي والأساسي في سورية. هنا برزت بالطبع كيفيّة التعاطي مع هذا الاحتلال، إنّه احتلال دائم، بغضّ النظر عن الأسد ونظامه، رغم أنّ الأسد هو من أعطى الشرعيّة لهذا الاحتلال، أي باختصار شديد تتحوّل روسيا بموجب أستانة وسوتشي وموسكو إلى ضامن لسورية كلها، ليس فقط لمناطق خفض التصعيد أو للنظام.
لكن الأمريكي ومعه بعض الأوروبي، خاصة بعد احتلال أمريكا لأهم منطقة في سورية، وهي الجزيرة، مصدر العملة الصعبة الرئيس في سورية، بدأت ملامح انهيار اقتصادي لدى نظام الأسد تظهر على السطح بفعل السياسة الأمريكية ونظام عقوباتها واحتلالها لمناطق الثروة. إنّنا أمام لوحة احتلاليّة قلّ نظيرها، يتعايش فيها المحتلون جنباً إلى جنب مع جيش الأسد، وقوات المعارضة، ما أراده بوتين من أستانة وسوتشي هو التفرّد النسبي بالاستحواذ على سورية.
لايزال الامريكي هو من يقبض على الملف، لم يطوّر الدور البوتيني من قاتل مأجور الى قاتل دستوري، مع إعادة الإعمار وإعادة النظام الأسدي_الروسي إلى حظيرة المجتمع الدولي. هنا بالضبط انكشف الدور الروسي، خاصة في ظلّ أزمة كورونا وما رافقها من ضغط عالمي لوقف العنف، لا يستطيع بوتين إعادة اعمار سورية وجني الفوائد الموعودة من جهة، ولم يستطع إنتاج وضع دستوريّ على كامل سورية برعاية أمميّة. هل احتلّ بوتين سورية من أجل تثبيت الأسد عسكرياً، وتثبيت قواعد عسكرية له في سورية فقط دون النظر للمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية؟
انكشف الدور الروسي في سورية، فهو عبارة عن قاتل مأجور فقط، لا يضمن مستقبله، لا يستطيع إعادة عجلة الاقتصاد السوري، لأنّ روسيا نفسها في أزمة اقتصاديّة، وفي نظام عقوبات غربي يلاحقها، خاصة بعد انهيارات متتالية لأسعار النفط. هذا الانكشاف الروسي وراءه أمريكا، رغم تصريحات إدارتها حول أهميّة الدور الروسي في سورية واستراتيجيته. أستانة
تركيا مكتفية بما احتلته سلماً أو عسكرة، وتعيد إنتاجه بطريقة تضمن لها دوراً مستقبلياً في سورية، من خلال آليات اقتصادية واجتماعية وغيرها، بحكم أنّ تلك المناطق على حدودها. هذا يسهل لها مهمتها. ومع ذلك فالدور التركي أيضا منوط بالرغبة الأمريكية في استمراره، ويبدو أنّه سيستمر. أما الدور الإيراني وحزب الله وميليشيات إيران كقاتل مأجور انتهى دوره، ولا دور له يوازي روسيا أو تركيا أو أمريكا، مع إصرار إسرائيلي على احتواء هذا الدور.
طمعا بتعويم الأسد والوجود الإيراني كحامٍ له، دون أن يكون لإيران دور في القرار السياسي، لأنّ إيران أيضاً مأزومة على كافة الصعد، والاقتصاد الإيراني أيضاً مأزوم أكثر من الاقتصاد الروسي، حيث صرفت إيران المليارات في سورية، دون أفق باسترداد ولو جزء ضئيل منها، وتواجه خطر عزلها نهائياً عن دور مستقبلي في سورية.
ببساطة ما بعد الإبادة الأسدية، الحديث يجري عن الاقتصاد وإعادة الإعمار وشكل النظام السياسي ودسترة حضور أطراف أستانة، وموافقة أمريكية أوروبية على ذلك. السيطرة العسكرية لأطراف أستانه فشلت في إنتاج وضع سياسيّ ودستوريّ واقتصاديّ، يحقق جزءاً مما أتت من أجله، بقتل الشعب السوري ووأد حلمه بالحريّة.
أستانة انتهى دوره كسوتشي، بقي اتفاق موسكو، تركيا لديها القدرة الاقتصادية والشرعية الأمريكية لبقاء دورها إلى حين، في النهاية بات واضحاً المأزق الروسي في سورية وانكشاف دوره، أما حديث الروس عن تغيير الأسد وما شابه، فهو لذرّ الرماد في العيون ومحاولة الضغط على الاستراتيجية الإسرائيليّة والأمريكية، حيث أنّ تل أبيب وواشنطن هما من يبقيان الأسد، والأسد لا يستجيب لروسيا وإيران وتركيا، أطراف أستانه، لأنّه مدرك أنّ من يحميه على هذه الشاكلة من العفونة والجريمة والإبادة والفساد، هما واشنطن وتل أبيب.
———————————-
الأسد على خطى بوتين؟/ بسام مقداد
نقلت نوفوستي مقالتي الأسبوع الماضي “الكرملين وصراع الأسد- مخلوف” إلى الروسية ، وأرفقت كعادتها النص بعنوان إضافي “الصراع بين الأسد وشقيقه. ما علاقة الكرملين؟” . ومع أن موقع نوفوستي لم تغب عنه ، بالتأكيد، محاولة المقالة إلقاء الضوء على ما يقوله إعلام الكرملين عن الصراع المذكور ، جاء استغرابه منسجماً مع ما يعتمده الكرملين وإعلامه ، حتى الآن، من الإبتعاد العلني عن التطرق إلى هذا الصراع .
لكن اعتماد هذا الإعلام مقاربة النأي بالنفس عن “صراع القصر” السوري ، قد عانت من إرتباك واضح في تطبيقها ، تجلى بوضوح في ما أقدمت عليه قناة “روسيا اليوم” من حذف مقابلة مع فراس طلاس ، بعد ايام من بثها ، بحجة أن المقابلة جاءت “مخالفة للمعايير الرئيسية للقناة” ، وتتضمن “معلومات لا تستند إلى حقائق مؤكدة”.
من المستبعد أن تكون معايير القناة ، هي التي دفعتها إلى حذف المقابلة مع طلاس الإبن ، بل ما دفعها ، على الأغلب ، هو تعجلها ، أو تعجيلها ، بالإنخراط في “صراع القصر” السوري ، في حين يتريث الكرملين في الإنخراط في هذا الصراع ، ويحرص على وضع مسافة بينه وبين هذا القصر ، بعد أن أخفق ، حتى الآن ، في جعله ينخرط في العملية السلمية ، في ظل وصول عمليته العسكرية إلى غاياتها المرسومة لها . وعبرت نوفوستي عن ارتياحها الواضح للتصريح ، الذي أدلى به المبعوث لأميركي إلى سوريا جيمس جيفري مساء الثلاثاء في 12 من الجاري ، وأقر فيه بنجاحات روسيا العسكرية في سوريا ، وقال بأن الروس كانوا ناجحين جداً عسكرياً في سوريا . لكن المشكلة ، برأيه ، تكمن في عدم وجود مخرج سياسي من الحرب ، بسبب مشاكل الأسد ، ويقوم عمل الولايات المتحدة في توفير سبيل هذا الحل للروس ، عبر الأمم المتحدة وبمساعدتها ، لكن هذا يتطلب منهم تحديد “مسافة ما” بينهم وبين الأسد وإيران ، على قوله. وعن إمكانية زرع إسفين بين الروس والأسد، وهل ينبغي تصديق الأنباء بأن الأخير يثير إستياء موسكو في الآونة الأخيرة ، قال بأن الأميركيين يعتبرون هذه الأنباء صحيحة ، والروس غير راضين عن الأسد ، لكن المشكلة في أنهم لا يرون بديلاً عنه . وتعقب نوفوستي على كلام جيفري بالقول ، بأن روسيا والولايات المتحدة يساندون الحل السلمي في سوريا تحت مظلة الأمم المتحدة ، وكانت الولايات المتحدة تطالب منذ العام 2011 باستقالة الأسد ، وتقنع الآخرين بها ، لكن “من دون جدوى” حتى الآن .
لكن ابتعاد الكرملين ومنابره الإعلامية الرسمية عن الخوض في صراع الأسد – مخلوف ، لم يحل دون تطرق مواقع إعلامية روسية عديدة إلى هذا الصراع ، والتي تراوحت عناوين نصوصها بين “الأسد يضع نسيبه تحت رحمة الأجهزة الأمنية” ، و “روسيا تنتظر فرصتها في النصر الإستراتيجي في سوريا” ، و”النخبة السورية تستفز روسيا للقيام بعملية “تنظيف”” ، و “النخبة السورية توجه عقارب الساعة نحو روسيا”، و”دمشق منهمكة بتصفية الحسابات في عائلة الأسديين” ، و”لا ينزعون ثيابهم القذرة أبداً” ، وسواها من عناوين النصوص .
توقف موقع ” NEWS.RU ” عند نص بعنوان ” النخبة السورية توجه عقارب الساعة نحو روسيا” ، وقال بأن فرضيات العلاقة بين روسيا والضغط على البيزنس السوري الكبير ، قد تكون محاولة لتمويه مصالح إيران . وشرائط الفيديو ، التي نشرها رامي مخلوف ، لا تبرهن على احتجاجه ضد متوجباته المالية والضريبية ، بل تشير إلى خشيته من فقدان شركاته للإتصالات ، التي كان ينوي رجال أعمال إيرانيون الدخول إليها. وينقل الموقع عن الممثل السابق للتحالف الموالي للأميركيين بإسم “الجيش السوري الجديد” مسلّم السلوم قوله ، بأن الوضع الناشئ يرتبط ب “صندوق الشهداء السوري” ، الذي يتولى رعاية أسر شهداء العسكريين السوريين، والذي يستخدم، في الواقع، كتغطية شرعية للمصالح الإقتصادية للأسد نفسه . وجميع رجال الأعمال السوريين ملزمون بالتبرع لهذا الصندوق ، بما يتناسب مع ثروة كل منهم.
ويقول الموقع ، أنه بغض النظر عن الفرضية الشائعة بين الخبراء العرب حول “يد موسكو” في حملة الضغط على البيزنس السوري الكبير ، إلا أن الوضع قد يكون أبسط من ذلك بكثير . إذ أن موسكو لم تبدٍ حتى الآن إهتماماً بقطاع الإتصالات في سوريا ، خلافاً لطهران ، شريكتها في عملية أستانة، التي تلمست ، عبر شركاتها التابعة للنخبة العسكرية الإيرانية ، واقع هذا القطاع ، من أجل إنشاء شركة خليوي جديدة في سوريا. وعلى الرغم من أنه ليس لدى الجمهورية ما يكفي من الإمكانيات لإطلاق هذا المشروع ، إلا أنه من المبكر إعلان نهاية مسعى رجال أعمالها في هذا الشأن.
كان رامي مخلوف ، ولفترة طويلة، يلعب دور الضمانة لاستقرار النظام السوري ، ليس المالي فحسب، بل والعسكري أيضاً . وعشية اندلاع الصراع بصورة علنية ، أصبح شائعاً ، أن رجل الأعمال القريب من مخلوف خضر علي طه، المعروف بعمله مع الشركات العسكرية الخاصة ، يشرف على الشركة العسكرية السورية “سند”، حسب الموقع. ويرتسم على شعار هذه الشركة العلمان السوري والروسي ، مما سمح بالحديث عن مشاركة روسيا في عمل شركة “سند” هذه . وإذا أخذنا بالإعتبار أن رامي مخلوف والدائرة المحيطة به من رجال الأعمال ، يعتبرون فصيلاً موالياً لإيران ، يصبح مشروعاً طرح السؤال : ألا يحاول مسوقو مصالح طهران في النخبة السورية تمويه مسؤوليتهم بالحديث عن “المؤامرة” الروسية ، سيما أن الوضع حول سيرياتل وMTN يبرر مثل هذه الشكوك ، حسب الموقع .
من جهته، موقع “ميثاق 97” المغمور استعان بما نشرته صحيفة Le Figaroالفرنسية ، ونسب إليها مقالة بعنوان “دمشق منهمكة بتصفية الحسابات في عائلة الأسديين” ، قالت فيها بأن بشار الأسد الممزق إلى مختلف الجهات على يد رعاته الإيرانيين والروس ، يجد نفسه في حالة “حرب” مع إبن خاله الثري والمتمول رامي مخلوف . وينقل الموقع عن المعارض هيثم المناع ، قوله، بأن الحكومة انتزعت من مخلوف مرافقيه وحراسه ، “وإذا ما قتلوه يمكنهم أن يقولوا حينها بأن الإرهابيين قتلوه” . ويعود المناع ، “الذي يتواصل مع موسكو”، على ما ينقل الموقع عن الصحيفة الفرنسية، إلى المقالات ، التي كان قد نشرها إعلام “طباخ بوتين” سابقاً ، ونفت السفارة الروسية في بيروت أي دعم من الكرملين لما ورد فيها من إتهامات ، ويقول أنه بعد قضية مخلوف، لا يرغب الروس في أن يتوسع صدى تلك المقالات .
وينقل الموقع عن الصحيفة الفرنسية قولها ، بأن الفصل الجديد من التوتر بين موسكو ودمشق ، يطرح السؤال حول استمرار الدفاع الروسي عن الأسد ، إلا أن عليهم قبل ذلك أن يعثروا على شخصية مؤثرة ترثه وتكون وفية لهم .
تحليلات وفرضيات عديدة برزت في مواقع روسية مختلفة بشأن صراع الأسد – مخلوف والتوتر القائم بين موسكو ودمشق ، وذهب البعض منها إلى مقارنة ما يقوم به الأسد الآن حيال رامي مخلوف، بما قام به بوتين في مطلع عهده حيال نفوذ الأوليغارشيين الروس. وتناست هذه التحليلات في مقارنة خطوات الأسد بخطوات بوتين ، من أن الأخير كان يرسخ في تلك الأيام دعائم الدولة البوتينية ، ويفسح المجال لحلول الأوليغارشيين من محيطه مكان أوليغارشيي عهد بوريس يلتسين ، بينما يقوم الأسد بضرب أوليغارشيي الدولة الأسدية وهي تلملم نهاياتها القريبة ، كما يبدو .
المدن
———————————
ماذا يريد خالد العبود/ نبيل صالح
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً .. أبشر بطول سلامة يا مربع.. فصاحب نظرية المربعات الأمنية وجنرال الملل التلفزيوني والضجيج الإعلامي، أصر على تهديده القيصر بوتين في ملحفة ثانية بعد الملحفة الأولى، متهما فيها الساخرين من خطته الفانتازية لإخراج (المحتل الروسي) بعقلهم ووطنيتهم ، ذلك أن الرأي الآخر بالنسبة له هو التصفيق لما يقوله فقط.. ونذكر أن فرزدق التلفزيون ومعلم الزميلة ربا قد كان هدد الرئيس بوتين بسلاح (لو) النووي ب :
1ـ إغراق جيشه بحريق في اللاذقية وتفخيخ جبالها بآلاف المقاتلين ضده !
2ـ زج الجيش الروسي في أتون حريق في “حوران”، سهلاً وجبلاً !
3 ـ تجييش الإستخبارات السورية لآلاف الناقمين على روسيا !
4ـ تفكيك أكبر قاعدة روسيةعلى شرفة المتوسّط خلال ساعات !
5ـ تحريك العشائر ضده على ضفاف الفرات، وتركه في مواجهة غضب الأرض والسماء !
6ـ إعلان مندوب سوريّة في مجلس الأمن : باعتبار الوجود الروسيّ في سوريّة احتلالاً
7ـ وأخيرا سيشطب اسم بوتين من التاريخ الروسيّ إلى أبد الآبدين !
8ـ وبعدها لن يبقى لبوتين في روسيا دور أصلاً !!
وكل هذا هيّن لولا أنه تكلم كمنجم يعرف مايفكر به الرئيس بشار الأسد، وزعم أنه استدرج صديقه وحليفه الرئيس بوتين إلى سورية ! مع معرفتنا أن أحدا لايعرف كيف يفكر الرئيس الأسد سوى الأسد نفسه .. ولولا ذلك ماكان تمكن من قطع تسع سنوات مفخخة ليبقى قائدا للجيش والدولة.. ثم يأتي ربيبنا البرلماني ليبرر اليوم أن ماكتبه بالأمس كان ردا على إساءات الصحافة الروسية للرئيس الأسد، وكأن الرئيس بكل حنكته وقوته والدولة والشعب من حوله يحتاج إلى ظاهرة صوتيه تنافح عنه !!
وبالعودة إلى اتهام الإعلام الروسي، فالمعروف أن إعلامه الخاص تحركه المافيات ورجال الأعمال واللوبي اليهودي، وهو أحيانا يهاجم بوتين ودائرته المقربة فما بالك بحلفائه.. أما الجهات الإعلامية الروسية التي تعرضت لدائرة الرئيس الأسد المقربة فهي حسب رصد جريدة “الأخبار” في مقال للزميل فراس الشوفي بالعدد الصادر في الخامس من هذا الشهر :
ـ صحيفة «كومرسانت» (وهي تنشر انتقادات للحكم في سوريا دائماً)
ـ «المجلس الروسي» وهو مركز بحثي، لا يمثّل أي جهة رسمية في روسيا، ومعروف بتوجهاته الداعمة للتعاون الروسي ـ الغربي.
ـ وكالة «يارفان» التي وصفها الكرملين بـ«الصفراء» ويملكها يفغيني بريغوزين الذي تعرّض مراراً لانتقادات من وسائل إعلامية موالية لبوتين، ومن الجيش والاستخبارات،حول محاولاته تسخير الحكومة الروسية لخدمة مصالحه .. كما ذكرت تقارير أن العلاقة بينه وبين الكرملين لم تكن على وئام دائم، مستندةً إلى حادثة مقتل عشرات المقاتلين من «فاغنر» بنيران مروحيات أميركية في بلدة خشام في دير الزور، نتيجة سوء التنسيق بين الشركة الأمنية والقوات الروسية في سوريا، وتباين الأجندات. وتتقاطع عدة مصادر ، في دمشق وموسكو، على التأكيد أن بعض مصالح بريغوزين تضرّرت في سوريا خلال المدة الماضية، وجاءت الحملة الإعلامية في يارافان ضمن محاولات بريغوزين للحصول على عقود معيّنة من الدولة وحماية مصالحه..
ـ مع التذكير أن وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية (ريا نوفوستي، تاس، إنترفاكس، روسيسكايا غازيتا…) لم تنشر أو تنقل أيّاً من التقارير السابقة، ولم تنخرط لا من قريب ولا من بعيد في الحملة ضد الرئيس بشار الأسد.
ـ بناء على ذلك نسج محلل الشؤون العربية إيهود يعاري المقرّب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سيناريوهات عن علاقة سيئة بين بوتين والأسد، ومثله فعلت القناتان الأولى والثانية ثم تبعتهما ال 12 و 13. وبرزت مقالة لافتة في موقع «نيوز 1» العبري للكاتب يوني بن مناحيم، يربط فيها بين ما نشر في روسيا، ورجل الأعمال السوري رامي مخلوف الذي تحرّكت الحكومة السورية أخيراً تجاه أعماله وشركاته لتحصيل العائدات المستحقّة للدولة..
أخيرا كلنا نعلم الحنق الأميركي والإسرائيلي على صمود سوريا وجيشها ورئيسها، وتماسك علاقتها مع حليفتيها روسيا وإيران، فكان أن بدأوا باللعب بخبث وذكاء على الأمر بهدف إبعاد روسيا عن إيران أولا، وقد حققوا بعض التقدم خلال العامين الأخيرين، وهم الآن يعملون على الإيقاع بين سوريا وروسيا، وقد وقع فرزدقنا في الفخ، إذ غضب على القيصر بوتين غضبة مضرية ساهمت في تأكيد غير المؤكد وأعطت لخصومنا نقطة بسبب مبالغاته غير الشعرية، وكان الأجدر به الرد على الإعلام الروسي الذي هاجمنا، لأن الدفاع عن الوطن لايكون بتحدي حلفاء الوطن، فشعب الرئيس الأسد يحب بوتين على محبة رئيسه، حتى أنهم لقبوه “بو علي بوتين” ونسجوا قصة أن أصل والده من قرية عين التينة .. لهذا فإننا ندعو جنرال التلفزيون وسائر المحطات الفضائية والأرضية فك الإستنفار لكي يتمكن الرئيس بوتين أن ينام بسلام ، ونسرّ له أن هذه الهجمة وماسيليها لتخفيف شعبية الرئيس قبل الإستحقاق الرئاسي القادم، وإرباك الإنتخابات البرلمانية، كانت مرصودة في دوائر القرار السوري، وبالتأكيد فإن دوائر القرار الروسي ستكون مع الشعب والرئيس السوري كما كانت من قبل ..
طرفة: أحد جنودنا الظرفاء كتب على صفحته متسائلا: يعني هلق بس نشوف واحد روسي منقوصه أو مننتظر شوي !
شو بدو خالد العبود بالضبط !
—————————-
خالد العبود يضرب مجدداً.. فيوسّع صدر “البعث” للنقد!/ وليد بركسية
لا يمكن سوى الضحك من النتيجة التي توصل إليها وزير الإعلام السابق وعضو القيادة المركزية لحزب “البعث” الحاكم، مهدي دخل الله، بأن “حريات التعبير في بلدنا وصلت إلى مستوى معقول”، في معرض تحليله للمقال الذي كتبه عضو مجلس الشعب خالد العبود، ووجه فيه انتقادات حادة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام، مطلقاً فيه سلسله من الفرضيات تحت عنوان عريض هو “ماذا لو غضب الأسد من بوتين”.
ورغم أن دخل الله (73 عاماً)، الشهير بمواقفه التشبيحية والعنصرية، التي عبر عنها مراراً في مقالات نشرها في جريدة “البعث” التابعة للحزب الحاكم في البلاد منذ ستينيات القرن الماضي، قال أنه يختلف في رأيه وتحليله مع رأي العبود. ورغم سخريته منه بالقول أنه انتقل من الدوائر والمربعات إلى الحفر والمطبات، فإن المقال الذي نشرته صفحة “مدرسة الإعداد الحزبي المركزية – القيادة المركزية – حزب البعث العربي الاشتراكي” في “فايسبوك”، كما هو متوقع، رسم حدوداً لحرية التعبير المسموح بها في سوريا، وهي “عدم تخطي سقف الوطن”.
هذه الحرية الممسوخة التي يتحدث عنها النظام بشكل دائم، يطلق عليها تسمية “الحرية المسؤولة”، والتي يتم تفسيرها دائماً وفق أهواء شخصية، لعدم وجود قيود دقيقة تحكم هذا المصطلح الأجوف. ويمكن القول براحة تامة أن العبود لم يتخطّ الثوابت الوطنية، بل أكد على الهوية السورية وكرامة الدولة السورية وغيرها من المصطلحات الفارغة من المعنى التي كررها دخل الله، بلغة أقل فجاجة عندما فصل طبيعة العلاقات بين دمشق وحلفائها، والتي تضم مستويات متشابكة، كما أن الرجلين اتفقا على نقطة واحدة، من الصعب تصديقها، وهي استقلالية “الدولة السورية” وعدم تبعيتها للحلفاء، مثلما يجادل المعارضون والمستقلون والصحافيون المستقلون حول العالم.
وهنا كرر دخل الله حديثه عن الحريات المزدهرة في سوريا وفي روسيا، بشكل يتخالف مع التقارير الدولية ذات الصلة، حيث تقع روسيا في المرتبة 149 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة للعام 2020 الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، بينما تقبع سوريا في المرتبة 174 على المؤشر نفسه. ولا تتميز الدولتان بحملات القمع والاعتقالات وتكميم الأفواه فقط، بل تتشاركان فكرة الحرية المسؤولة مع سيطرة الدولتين على وسائل الإعلام فيهما.
ورغم أن حرية التعبير تتفاوت من دولة إلى أخرى بطبيعة الحال، كاختلافها من فترة زمنية إلى أخرى، إلا أن ادعاء دخل الله بوجود حريات في البلاد مردود عليه لأن حرية التعبير في البلاد متدهورة منذ نحو 5 عقود على أقل تقدير، خصوصاً أنه استند في رأيه الفذ إلى أن “التلفزيون السوري يستضيف رموزاً للمعارضة الوطنية الذين ينتقدون مواقف الدولة بصراحة وبتعابير واضحة ومباشرة. ناهيك عن أن سياسات الحكومة تنتقد في وسائل الإعلام باستمرار”، وإشارته إلى أن الإعلام السوري مشابه للإعلام الروسي وقناة “روسيا اليوم” التي تستضيف محللين ومنشقين ومعارضي سوريين، رغم الحلف بين سوريا وروسيا، معتبراً أن “عهد الرأي الأوحد قد انتهى”، ولا يشمل ذلك بالطبع طرح أي سرديات وآراء تتجاوز “سقف الوطن” وما هو مسموح به.
هذه الرؤية الوردية الحالمة، كاذبة للأسف، وهي ليست مجرد شعارات ترمى في الهواء من أجل التشدق بامتلاك شيء غير موجود، بل هي خلاف جوهري حول معنى الإعلام السوري الحالي وما يجب أن يكون عليه في الظروف المثالي. ويعني ذلك أن الدولة السورية البعثية، ترى في الإعلام مجرد “ناقل للخطاب الوطني والسياسي السوري بكل فخر”، ويتم تدريس هذه الخلاصة في كلية الإعلام بجامعة دمشق ضمن عدة مقررات جامعية، ويتم التركيز عليها من أجل لعب دور “توجيه الرأي العام” بوصفه قطيعاً جاهلاً يجب توجيهه نحو بر الأمان، بشكل يعاكس طبيعة الإعلام في المجتمعات الديموقراطية والدول التي تهتم بحرية التعبير.
ولأن ذلك يشكل معطى عاماً إلى حد ما، بسبب تراكم الخبرة بين السوريين والإعلام الرسمي خلال عقود، لم يكن من العبث أن واحداً من شعارات الثورة السورية الأولى كان: “كاذب كاذب كاذب، الإعلام السوري كاذب”، وبالطبع لا يعتبر ذلك حقداً شخصياً بل هو تعبير عن خلاف أعمق حول طبيعة الدولة السورية المرجوة، والتي يكون فيها الإعلام الرسمي ناطقاً باسم كل السوريين وليس باسم السلطة فقط، مع الإشارة لتورط الإعلام الرسمي، ليس فقط في التزوير والتوجيه والكذب والتضليل، بل في ما يمكن توصيفه بانتهاكات لحقوق الإنسان، ليس أقلها بث الاعترافات القسرية لسوريين معتقلين.
والحال أنه تم تعميم نموذج الحرية المسؤولة هذ منذ بداية الثورة السورية العام 2011 كجزء من سياسة رسمية جديدة حينها يجوز بموجبها للناس العاديين والصحافيين انتقاد أعضاء الحكومة وقراراتها، مع بقاء رأس النظام ورموزه في منزلة مقدسة لا تطالها الانتقادات بذريعة أن ذلك “يمس هيبة الدولة” و”يخدش كرامتها”، بعدما كان ذلك “الحق” حكراً على أسماء يحددها النظام لخفض التوتر والاحتقان في الشارع، كمسرح محمد الماغوط ودريد لحام الذي يتم الاستناد إليه حتى اليوم في الإعلام الرسمي كنموذج للنقد البناء على سبيل المثال.
وتم كسر هذه السياسة جزئياً العام 2017 تحديداً مع اعتقال عشرات الناشطين الموالين للنظام، ووصلت ذلك إلى ذروة قمعية جديدة أواخر العام 2018، مع اعتقال الناشط الموالي وسام الطير صاحب صفحة “دمشق الآن” بعد نشره استفتاء مثيراً للجدل حول أزمة الغاز والكهرباء حينها. وكان واضحاً مع توالي الاعتقالات وحملات الترهيب ضمن البيئة الموالية وإعطاء شعبة جرائم المعلوماتية الناشطة ضمن الأمن الجنائي السوري في وزارة الداخلية، صلاحيات واسعة، أن النظام يرغب في إعادة سيطرته على الإعلام وتدفق المعلومات في البلاد، بعد سنوات التشظي التي فرضتها الحرب السورية وخلقت حاجة مؤقتة لوجود أصوات غير رسمية تضخ المعلومات والآراء التي يريد النظام إيصالها للبيئة الموالية بالدرجة الأولى في ملفات خدمية وعسكرية بالدرجة الأولى، علماً أن قيادة حزب قيادة حزب “البعث” بنفسها، أشرفت على تدريب وتأهيل مدراء الصفحات “الوطنية” في مواقع التواصل الاجتماعي منذ العام 2017.
وبالأسلوب نفسه تماماً، باتت هناك على ما يبدو حاجة ملحة جديدة، لتصدير شخصيات بلا وزن سياسي، مثل العبود، تقوم بالتعليق ومناقشة الترندات السياسية المحرمة التي لا يناقشها الإعلام الرسمي وتحدث قلقاً لدى البيئة الموالية، مثل كل الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية والعربية والسورية المعارضة، حول الخلافات بين الأسد ورجل الأعمال رامي مخلوف أو تلك التي تحدث عن خلافات بين الكرملين ونظام الأسد، والتي يعبر عنها بشكل واضح تقرير مفصل لوكالة “بلومبيرغ” قالت فيه أن صبر بوتين ينفذ من الأسد، بسبب تعنته في إجراء إصلاحات ضمن نظامه المتهالك، وما تبعه من دعوات في وسائل الإعلام الأميركية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، لعقد صفقة مع الكرملين تنهي الأزمة السورية مرة واحدة وللأبد عبر التخلص من الأسد إن أمكن.
وهكذا لا يكون مقال العبود ورد حزب “البعث” عليه مجرد رسائل سياسية يبعثها النظام إلى روسيا، من دون تبنيها مباشرة، فقط، بل يشكلان أيضاً رسائل للبيئة الحاضنة للنظام والقلقة من أي تغيير يهدد مصالحها المختلفة، سواء كانت منافع اقتصادية أو امتيازات طائفية أو شعوراً بالاطمئنان في مواجهة مخاطر وجودية.
ومن المثير للاهتمام اعتماد النموذج الإعلامي الروسي للمقارنة من قبل دخل الله، في معرض تبريره لوجود حالة العبود على الساحة السورية اليوم، لأن الخطاب الرسمي للنظام اعتمد سابقاً على النموذج الإيراني عند تقديم “انتقادات” تحت سقف الحرية المسؤولة، حيث يتبارى المعسكران الإصلاحي والمتشدد في طهران من أجل الحفاظ على هدف واحد هو استمرارية النظام، وبث ذلك دعائياً عبر الرموز الثقافية والإعلامية المحلية، وتحديداً في مرحلة الانتخابات هناك، وهو ما كان دائماً مدخلاً غريباً للمقارنة لأنو النظام الأسدي كان دائماً نظامياً أحادي الاتجاه يبنى حول شخصية الرئيس فقط.
وعليه فإن إعادة ضبط البث الاعلامي بما لا يخرج عن الخطوط الحُمر التي رسمها النظام، أو لا يهدد صورة “الدولة المستقلة” التي تعمل روسيا على إعادة تأهيلها، بعد سنوات التشظي والفوضى، تشكل ضرورة وجودية للنظام في هذا التوقيت، يكسر بها الصوت المركزي الوحيد في دمشق، بعكس ما كان عليه الحال في حقبة حافظ الأسد الحديدية مثلاً، مع انتفاء الحاجة لصناعة رموز ورجالات اشتهروا في فترة الحرب نفسها، كقادة مليشيات، بالتوازي مع إعلاء صورة الجيش السوري كمؤسسة تضاف رمزيتها المقدسة إلى إلى رمزية عائلة الأسد التي تبنى حولها خدعة الاستقرار في سوريا، من جهة، وكذبة استقلاليتها عن حلفائها من جهة ثانية.
اللافت هنا أن دخل الله ليس مجرد عضو عادي في حزب “البعث” الحاكم، بل يشغل منصب عضو القيادة القطرية للحزب و”رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام” فيه، وتعكس كلماته نزعة أحادية كلاسيكية ضد المعارضين للنظام، تحديداً، مع إشاراته لمعاني المواطنة في البلاد، وهي كما هو معروف في المنطق الموالي تقوم على الخضوع والانتماء لا لسوريا المجردة بل لـ”سوريا الأسد” حصراً. ولعل مقاله يعبر بوضوح عن شيء واحد فقط هو حقيقة الشرخ الاجتماعي الحاد الذي أحدثته الثورة السورية في المجتمع بعد فشلها في الوصول إلى أهداف الحرية والديموقراطية والمساواة، وتحولها إلى حرب أهلية عززت الانقسام الطائفي والمناطقي والطبقي، والتي أدت بشكل مواز إلى تغييرات ضرورية في بنية النظام من أجل التكيف مع المعطيات الجديدة.
ومع اعتماد الحرية المسؤولة، فإن النظام البعثي – الأسدي مجدداً يكرس ضمناً، رفضه الانفتاح والحوار مع المعارضين السياسيين والنخب الفكرية والثقافية المعارضة له مع شيطنته للصحافيين والناشطين المعارضين أيضاً، لأن تلك الشخصيات على اختلاف توجهاتها ضمن المعارضة، تمثل خطراً وجودياً على النظام ليس بسبب قدرتها على قيادة الرأي العام فقط، بل لأنها تتكلم لغة مختلفة عن لغته العنيفة وتطالب بمبادئ الكرامة الإنسانية الأساسية التي تجرد النظام من شرعيته بسهولة، والتي لا يمكن له الوقوف في وجهها أو مجادلتها إلا بلغة التخوين.
المدن
——————-
==================
=====================
تحديث 14 أيار 2020
——————————
الأسد المفسد: تحديات روسيا في سورية
لقد سلّط النجاح العسكري الروسي في سورية، على مدى السنوات الأربع الماضية، الضوءَ تسليطًا سلبيًا جدًا على التأكيد الذي يصدر تلقائيًا من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودبلوماسيين غربيين آخرين، بأنه لن يكون هناك “حل عسكري” للحرب الأهلية الوحشية في سورية. لكن ثمة مسألة تبدو أقلّ وضوحًا، وهي هل ستكون روسيا قادرة على ترجمة المكاسب في ساحة المعركة إلى حلّ سياسي مستقر. من هذا الجانب، هناك غيوم مظلمة.
في 17 نيسان/ أبريل، نشر ألكسندر أكسينوك، السفير الروسي السابق في سورية ونائب رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، تقييمًا قاتمًا[1]، حول الوضع في سورية والقدرة على قيادة البلد. حيث كتب: “دمشق ليست مهتمة بإظهار اهتمام خاص لنهج بعيد النظر ومرن”، مضيفًا أن “التسوية المستدامة مستحيلة، ما لم يتم القضاء على الأسباب الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للصراع، وعلى العقلية التي تسببت فيه”. على الرغم من أن العمليات العسكرية الروسية كانت ناجحة حتى هذه اللحظة، فقد خلص إلى القول: “أصبح من الواضح أن النظام متردد في مسألة تطوير نظامٍ حكومي -أو هو غير قادر على ذلك- يمكنه التخفيف من الفساد والجريمة، والانتقال من الاقتصاد العسكري إلى التجارة العادية والعلاقات الاقتصادية”.
كان أكسينوك قد انتقد دمشق سابقًا[2]، ولكن ليس بشكل مباشر، كهذه المرة. إذ نشر مقالًا يتهم فيه الرئيس السوري بالفساد، في دراسة تعود إلى يفغيني بريغوزين، وهو حليف مقرب للرئيس فلاديمير بوتين، كما نشر استطلاعًا يشير إلى أن شعبية بشار الأسد داخل سورية قد انخفضت إلى 32 في المئة، وأثار التكهنات حول حملة إعلامية منسقة، تهدف إلى الإشارة علنًا إلى استياء الكرملين[3].
إذا كان الأمر كذلك، فسيكون هذا تطورًا مقلقًا للأسد، الذي تعتمد آليته العسكرية بالكامل تقريبًا على سلاح الجو الروسي والأسلحة والخبرة الفنية الروسية. كما أن المقابل لهذا -لأن السفير نشر مقالاته بشكل مستقل- سيكون بالأهمية نفسها، لأنه يظهر مزيدًا من الإحباط من طرف روسيا الحليف الرئيس لسورية.
ماذا يمكن أن يعني هذا لمستقبل تدخّل روسيا في سورية؟
تعاونت الدولتان، منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي[4]، لكن الشراكة كانت أكثر تعقيدًا وتوترًا مما يُعترف به أحيانًا. خلال الحرب الباردة، شعر المسؤولون الروس بالقلق من سياسة سورية الخارجية المغامرة، وعلى الرغم من المساعدات الكبيرة، وجدوا أن السيطرة على حافظ الأسد مسألة صعبة، إن لم تكن مستحيلة. وعندما انهار الاتحاد السوفييتي، تلاشت العلاقات، ثم استعيدت عام 2005، تقريبًا، عندما تقاطعت رغبة روسيا في تأكيد سياسة خارجية مستقلة، تشمل الشرق الأوسط، مع تزايد الضغوط الغربية على سورية.
منذ انتفاضة عام 2011، وخاصة بعد عام 2015، كان الدعم الروسي قويًا، لكن المسؤولين الروس -ومنهم بوتين نفسه[5]– نأوا بأنفسهم باستمرار عن شخص الرئيس السوري. وطوال جولات متعددة من محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في جنيف، أكد الدبلوماسيون الروس أنهم “غير متشبثين بالأسد”. يعتقد البعض أن هذا لم يكن أكثر من مجرد خدعة، تهدف إلى التلاعب بالمسؤولين الغربيين المتفائلين، وإلى كسب روسيا الوقت لتعزيز موقف الأسد. ومن المؤكد أن هذا النهج منح روسيا مرونة أكبر مما فعلته دعوة الرئيس أوباما للأسد “للتنحي[6]“. لكنه يعكس أيضًا حقيقة أن دعم روسيا لم يكن بشأن الأسد (أو حتى سورية) في المقام الأول. وبدلًا من ذلك، كان الدافع وراء ذلك هو الرغبة في منع الولايات المتحدة من إسقاط نظام آخر حليف لروسيا[7]، وإنهاء عزلة موسكو، بسبب أفعالها في أوكرانيا، وضمان استمرار الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. في هذا السياق، كان الأسد أداةً، وفي ظل الظروف المناسبة، ربّما يكون أداةً يمكن الاستغناء عنها.
هذا لا يعني أن روسيا مستعدة الآن لقبول انتقال سياسي[8] في سورية، وفق المبادئ المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وذلك لأسباب عدة؛ الخوف من أن يؤدي إسقاط الأسد إلى انهيار فوضوي للنظام السياسي القائم على شخصية الرئيس، الذي عمل والده على بنائه منذ أكثر من أربعين عامًا، يجعل هذا النهج محفوفًا بالأخطار. على مستوى عملي، يبدو أن دعم إيران الثابت للأسد يحد من نفوذ روسيا في السياسة الداخلية[9]. وربما ثمة ما هو أكثر من ذلك، حيث وضعت روسيا سورية في موقف يؤكد دفاع روسيا عن السيادة الوطنية والموثوقية كشريك أمني[10]. وأي نفحة من الاستسلام للولايات المتحدة على مصير الأسد سوف تفسد تلك الرواية بطرق تؤثر سلبًا على تطلعات السياسة الخارجية لروسيا إلى ما هو أبعد من سورية.
ومع ذلك، فإن التحديات بالنسبة إلى روسيا هائلة. وأولها التحديات العسكرية؛ حيث تقف تركيا والولايات المتحدة في طريق النصر الكامل، تاركين تركيزًا كبيرًا من المقاتلين المتشددين والمتطرفين في محافظة إدلب، بالقرب من قاعدة حميميم الروسية[11]، وتحرم الحكومة من الوصول إلى موارد النفط والغاز في الشرق. في حين أن مستقبل الوجود العسكري الأميركي غير مؤكد، يشير الحشد العسكري التركي إلى أنها تخطط للبقاء[12]. في الوقت نفسه، يختمر تمرد في الجنوب[13]، وهي منطقة شاركت فيها روسيا بعمق، ضمن سلسلة من اتفاقيات خفض التصعيد، حيث تواصل الشرطة العسكرية الروسية القيام بدوريات.
سياسيًا، أصرّ الأسد مرة أخرى على رأيه، ويقوّض حتى التطلعات المتواضعة للعملية التي تقودها الأمم المتحدة، لإصلاح الدستور السوري التي وصفها المسؤولون الروس في البداية بأنها خطوة مهمة[14]، على “طريق طويل” نحو السلام. وكما وجد خبراء السياسة في سياقات أخرى[15]، فإن المساعدة العسكرية لا تترجم بالضرورة إلى تأثير؛ في سورية، ربما يكون نجاح روسيا في استقرار حكومة الأسد قد ترك موسكو بنفوذ أقل، لا أكثر.
من باب الإنصاف، لطالما كانت سورية صعبة الحكم[16]. اعتمادًا على الطريقة التي تُدار بها، كان هناك على الأقل خمس انقلابات، بين الاستقلال عام 1947 و “الحركة التصحيحية” التي أوصلت حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970. فرضت عائلة الأسد النظام من خلال بناء دولة أمنية لا ترحم، وغطت شخصيتها العلوية على حزب البعث، وتلاعبت بالقضية الفلسطينية لتعزيز شرعيتها المحلية. من بين هذه الطرق الثلاثة، يبدو أن الطريقة الأولى فقط نجت من الحرب الأهلية. يمكن لقائد سياسي، يمتلك قدرة على أن يستوعب خصومه السابقين، أن يستفيد من الوطنية السورية أو الصمود المذهل للشعب السوري، وأن يبدأ معالجة جراح الحرب. لكن بشار الأسد ليس ذلك القائد، وروسيا تعرف ذلك.
أخيرًا، هناك التحدي الاقتصادي. مقامرة روسيا، بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيقبلان في نهاية المطاف بصفقة سياسية تجميلية وسداد فاتورة إعادة الإعمار -إذا كان ذلك فقط لوقف تدفق اللاجئين- لم تنجح. وبدلًا من ذلك، فإن تشديد العقوبات الأميركية وانهيار النظام المصرفي اللبناني يقوضان ما تبقى من الاقتصاد السوري[17]. في غياب “مكاسب السلام”، يقوم الأسد بتهدئة أولئك الذين ظلوا مخلصين للممتلكات والشركات التي استولى عليها السوريون الذين فرّوا خلال الحرب. في غضون ذلك، تجد روسيا صعوبة في استخراج الفوائد الاقتصادية في سورية التي من شأنها أن تساعد في تعويض تكاليف حملتها العسكرية.
لا تخطئوا: هذه التكاليف مستدامة. وعلى العموم، لا يزال تدخل بوتين في سورية يُعدّ -عند العديد من الروس وغيرهم- بمنزلة نجاح كبير[18]. انتهى التهديد العسكري لحكم الأسد. اختبرت روسيا آلتها العسكرية، ووجدت أسواقًا جديدة لأنظمة أسلحتها. تعمقت علاقاتها مع إيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج، وتعززت هيبتها في المنطقة كثيرًا. ومع ذلك، من الصعب معرفة من أين ستأتي المكاسب الإضافية، وقد تكون هناك تكاليف باهظة، إذا تدهور الوضع أكثر. إن انهيار أسعار النفط، والاضطراب الاقتصادي الناتج عن COVID-19، يجعلان هذه القضايا أكثر إلحاحًا.
وجدت روسيا في الأسد شريكًا غير كامل. ومن المفارقة أنه في اللحظة التي قبل فيها كثيرون في أوروبا[19]، وبعضهم على الأقل في الولايات المتحدة[20]، أن يستمرّ حكم الأسد، يتزايد الإحباط الروسي من الأسد. ومع ذلك، في الوقت الحاضر، لا يزال الأسد وروسيا بحاجة إلى بعضهما. قد تكون موسكو مستعدة لقبول سورية كدولة فاشلة، يمكن لروسيا من خلالها الاستمرار في العمل، كحكَم بين القوى الإقليمية والدولية، في انتظار فرص ظهورها في المستقبل. ولكن من شبه المؤكد أن بوتين سوف يستمتع بفرصة لعب “صانع السلام”. في هذه الحالة، ستحتاج روسيا إلى إقناع الآخرين، وخاصة تركيا والولايات المتحدة، بأنها مستعدة لاستخدام النفوذ الذي لا يزال لها في دمشق. وإلا؛ فإن الأسد سوف يُفسد خططه.
العنوان الأصلي Assad the Spoiler: Russia’s Challenge in Syria
الكاتب ألكسندر بيك
المصدر مركز ويلسون 30 نيسان/ أبريل 2020
الرابط https://www.wilsoncenter.org/article/assad-spoiler-russias-challenge-syria
المترجم وحدة الترجمة- محمد شمدين
ألكسندر بيك هو باحث في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة. خدم في إدارة أوباما كمدير لمكتب سورية في مجلس الأمن القومي وفي طاقم تخطيط السياسة في وزارة الخارجية تحت أمناء كلينتون وكيري. عمل سابقًا في مركز كارتر، حيث ساعد في تنظيم مبادرات السلام في سيراليون، والسودان، وفنزويلا، وأدار بعثات مراقبة الانتخابات الدولية في ليبيريا وليبيا. وكتب أيضًا عن المذهب التجاري والسياسة الاستعمارية الأوروبية، استنادًا إلى البحوث الأرشيفية المدعومة بزمالات من فولبرايت، ومعهد سكاليجر، ومكتبة فولجر شكسبير. حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة شيكاغو، وماجستير في التاريخ الاقتصادي ودبلوم في الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد، ودكتوراه في التاريخ من جامعة برينستون.
[1] War, the Economy and Politics in Syria: Broken Links: https://russiancouncil.ru/en/analytics-and-comments/comments/war-the-economy-and-politics-in-syria-broken-links-/?sphrase_id=35298583
[2] The Syrian Crisis: A Thorny Path from War to Peace: https://russiancouncil.ru/en/analytics-and-comments/comments/the-syrian-crisis-a-thorny-path-from-war-to-peace/
[3] Assad Facing Mounting Criticism from Russia: https://aawsat.com/english/home/article/2244531/assad-facing-mounting-criticism-russia
[4] From Cold War to Civil War: 75 Years of Russian-Syrian Relations: https://www.ui.se/globalassets/ui.se-eng/publications/ui-publications/2019/ui-paper-no.-7-2019.pdf
[5] Putin ‘not that preoccupied’ with fate of Syria’s Assad: https://www.theguardian.com/world/2012/dec/20/putin-distancing-assad-syria
[6] Statement by President Obama on the Situation in Syria: https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2011/08/18/statement-president-obama-situation-syria
[7] Understanding Russia’s Intervention in Syria: https://www.wilsoncenter.org/article/assad-spoiler-russias-challenge-syria
[8] How Trump Can End the War in Syria: https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2020-04-26/how-trump-can-end-war-syria
[9] Russia and Iran in Syria— a Random Partnership or an Enduring Alliance? https://www.atlanticcouncil.org/wp-content/uploads/2019/06/Russia_and_Iran_in_Syria_a_Random_Partnership_or_an_Enduring_Alliance.pdf
[10] Russia’s Comeback Isn’t Stopping With Syria: https://www.nytimes.com/2019/11/12/opinion/russias-comeback-isnt-stopping-with-syria.html
[11] Kremlin: Russia deeply concerned by attacks on Syria government forces: https://www.reuters.com/article/us-syria-security-kremlin/kremlin-russia-deeply-concerned-by-attacks-on-syria-government-forces-idUSKBN1ZU149
[12] TURKEY’S MILITARY BUILDUP IN SYRIA’S IDLIB PROVINCE: http://www.understandingwar.org/backgrounder/turkey%E2%80%99s-military-buildup-syria%E2%80%99s-idlib-province
[13] Assassinations in southern Syria expose limits of Assad’s control: https://www.ft.com/content/ea48ebb9-cde0-4856-b6a4-49d00c70067c
[14] Special Envoy Hails Formation of Constitutional Committee as ‘Sign of Hope for Long-Suffering Syrians’ in Briefing to Security Council: https://www.un.org/press/en/2019/sc13967.doc.htm
[15] US Military Aid and Recipient State Cooperation: https://www.jstor.org/stable/24909798?seq=1
[16] Asad: https://www.amazon.com/Asad-Struggle-Middle-Patrick-Seale/dp/0520069765
[17] Reviving Syria’s Economy Is an Uphill Battle for Assad After Years of War: https://www.wsj.com/articles/reviving-syrias-economy-is-an-uphill-battle-for-assad-after-years-of-war-11580497279
[18] Putin Conquered the Middle East. The U.S. Can Get It B: https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2019-10-22/putin-conquered-the-middle-east-the-u-s-can-get-it-back
[19] A framework for European-Russian cooperation in Syria: https://www.ecfr.eu/article/commentary_a_framework_for_european_russian_cooperation_in_syria
[20] Assad Is Now Syria’s Best-Case Scenario: https://foreignpolicy.com/2019/10/17/assad-syria-turkey-kurds-leadership/
مركز حرمون
————————-
بعد خالد العبود.. “مثقفو الأسد” يخاطبون القيادة الروسية
تحول الموقف الذي أطلقه عضو مجلس الشعب السوري خالد العبود قبل أيام، وهاجم فيه الكرملين بسبب “تطاول” الإعلام الروسي على الرموز الوطنية للدولة السورية، إلى بيان موجه للقيادة الروسية وقّعته نحو 300 شخصية موالية للنظام، بعضهم سوري وبعضهم الآخر من جنسيات عربية مختلفة، طالبوا فيه بمنع تكرار “الإساءة” لرئيس النظام بشار الأسد او للعلاقات بين البلدين.
ومن الموقعين على البيان، العبود نفسه، والسفير السوري السابق في الأردن بهجت سليمان، والإعلامي والسفير السابق نضال قبلان، ومديرة مكتب قناة “الميادين” في دمشق ديمة ناصيف، وعدد من الشخصيات العربية.
وتوجه البيان بخطابه إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ورئيس لجنة العلاقات العامة في مجلس الدوما، ورئيس لجنة المعلومات في مجلس الدوما، وإدارة قناة “روسيا اليوم” بالعربية. وعرّف الموقعون عن أنفسهم بأنهم “مجموعة من الإعلاميين والمفكرين والكتّاب في سوريا وبلدان الوطن العربي”.
وكان لافتاً انطلاق البيان من الحديث عن تقدير الدور الروسي في “الحرب على الإرهاب”، و”تضحيات القوات الروسية على أراضي سوريا”، من أجل المطالبة بـ”قطع الطريق على المسيئين لهذه العلاقات التاريخية والاستراتيجية، وحرصاً على تنقيتها من أية شوائب قد تعكر صفوها عن قصد أو استهتار، واحتراماً لدماء الشهداء والتضحيات الجسام في هذه الحرب”.
وفيما وصفت الصحف الروسية عموماً، بيان العبود، بأنه عاطفي، إلا أنها أشارت إلى صلاته الوثيقة بإيران وحزب الله، وتحدث بعض المقالات التي تناولت منشورات العبود، الأربعاء، حسبما رصدت “المدن”، عن العلاقات الروسية السورية في إطار تاريخي منذ سبعينيات القرن الماضي، بينما قالت تقارير روسية أن جذور المشكلة تعود إلى مجموعة من استطلاعات الرأي التي درست شعبية الأسد في مناطق سيطرة النظام، وأظهرت انخفاضاً حاداً في شعبيته، ما يهدد فوزه في أي انتخابات ديموقراطية في البلاد في حال حصولها، بما في ذلك استطلاع رأي أجراه مركز دراسات مقرب من الكرملين. وعلى ما يبدو، أثار ذلك، بالإضافة لعدد من المقالات الناقدة للأسد في وسائل إعلام روسية، غضب “الأسديين”، رغم الاعتذار الذي قدمته تلك الوسائل من جهة، وحذفها للمقالات “المسيئة” من جهة ثانية.
هذا التحليل كان واضحاً في البيان الصادر الخميس، فجاء فيه: “نود لفت نظركم إلى بعض الإساءات والافتراءات الموثّقة التي وردت في عدد من وسائل الإعلام الروسية في الآونة الأخيرة، وسببت امتعاضاً وتجييشاً في الشارع السوري خصوصاً، والعربي المقاوم عموماً، باستهداف شخص السيد الرئيس بشار الأسد والإساءة إليه، سيّما في ما جاء في حلقتين من برنامج قصارى القول على RT العربية استضاف فيهما الصحافي سلام مسافر، شخصاً يتباهى بدعمه للجماعات المسلحة منذ 10 سنوات (فراس طلاس) وبحقه مذكرات تتهمه بدعم الإرهاب في أكثر من دولة أوروبية”.
وجاء في البيان الذي نشرته الصفحات الموالية للنظام على نطاق واسع: “نخاطبكم بكل محبة واحترام وتقدير للدور الروسي الهام في منطقتنا والعالم، مؤكدين إيماننا بحرية الفكر والرأي والتعبير وحق الوصول الحر للمعلومة، والعدل في إتاحة المجال وتكافؤ الفرص بين المتنافسين في الممارسة السياسية. إن تكرار الأخطاء المهنية، عن جهل أو قصد، يجعل الإعلام الصديق الى حد بعيد في خندق الإعلام المعادي الذي يعتمد التضليل والافتراء والتجييش الشعبي وتشكيل الرأي العام بما يخدم مشاريعه الاستعمارية الخبيثة”.
وأكمل البيان الذي استقبله السوريون بالضحك والسخرية: “ما تم نشره وبثه على بعض المواقع والمنابر الرسمية الروسية أدى إلى تأليب قطاع واسع من الشارعين العربي والروسي وإثارة توترات وردود ومهاترات نحن جميعاً في غنى عنها، وحرف البوصلة عن حربنا المشتركة ضد الإرهاب والمخططات الغربية التي تستهدفنا معاً”.
======================