جمال سليمان: “قانون قيصر أسقط وهم انتصار الأسد”
نسرين أنابلي
إلى جانب شهرته كممثل ومخرج مسرحي، برز اسم الفنان المعارض جمال سليمان في صفوف المعارضة، على إثر تأييده للثورة السورية التي انطلقت عام 2011، وقد تسبب ذلك في فصله من “نقابة الفنانين”. بدأ سليمان عمله السياسي كعضو في الائتلاف السوري المعارض، في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وغادره بعد مدة ليصبح عضوًا في منصة القاهرة التي أُعلن تأسيسها عام 2014، ثم اختير نائبًا لرئيس وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، في الولاية السابقة لهيئة التفاوض التي كان يترأسها نصر الحريري.
لطالما آمن جمال سليمان بأن الحل في سورية هو سياسي فقط، عبر التفاوض وفق المرجعيات الدولية، على الرغم من تمسك النظام بسلطاته الاستبدادية، وتفضيله الصراع العسكري على التفاوض السياسي مع القوى الوطنية. وهو يرى أن الحل السياسي سيؤدي إلى ولادة مشهد جديد في سورية، لا على صعيد النظام فقط، بل على صعيد المعارضة أيضًا.
في هذا الحوار، تحدّث جمال سليمان لمركز حرمون للدراسات المعاصرة عن تصوراته للمرحلة المقبلة في تاريخ سورية، في ظل تشابك خيوط المشهد السوري حاليًا، الذي بات منفتحًا على العديد من الاحتمالات، وعن وجهة نظره في قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ منذ أيام، وعن الحراك الثوري في محافظة السويداء، إلى جانب العديد من المواضيع الأخرى.
نصّ الحوار:
– نبدأ من هيئة التفاوض للمعارضة السورية، والانتخابات التي أجرتها أخيرًا، فبعد أن خرج الحلّ من يد السوريين، ما هو المرجو من هذه الهيئة؟ وما الذي يمكن أن يعوّل عليه أعضاؤها؟
كما هو معلوم، إن هيئة التفاوض -كما يدلّ اسمها- لديها مهمة واحدة هي التفاوض مع النظام برعاية الأمم المتحدة، على الانتقال السياسي في سورية، ومرجعية هذا التفاوض المأمول هي الوثائق الدولية ذات الشأن، وعلى رأسها وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2254، التي أقرت رفض الحلول العسكرية، وأن السبيل الوحيد هو إنجاز حلّ سياسي يفضي إلى “عملية سياسية جامعة بقيادة سورية، تلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف”.
وكما هو معلوم أيضًا، بعد أن رفض النظام الدخول في حوار وطني سوري، يقوم على تفهّم صادق وموضوعي لأسباب انفجار الثورة السورية السلمية، وقاد الصراع نحو العنف الذي أدى إلى نشوء التطرف وانتشار الجماعات المسلحة الإرهابية، فإن المجتمع الدولي، بقيادة روسية – أميركية، هو من صاغ وثيقة جنيف، وكذلك القرار 2254 وكل القرارات الأخرى ذات الصلة، أي إن القضية السورية خرجت من يد السوريين -كما جاء في سؤالك- إلى يد المجتمع الدولي.
وعلى ذلك؛ فإن المرجو من هذه الهيئة أن تتابع نضالها في المحافل الدولية برعاية الأمم المتحدة، من أجل تطبيق القرارات الدولية، لا لأنها قرارات دولية فقط بل لأنها تلبّي المصلحة الوطنية السورية وتُوقف الحرب وتُعيد سورية إلى الحياة. هل هيئة التفاوض قادرة على تحقيق ذلك؟ نعم. هي قادرة على تحقيق ذلك، إذا اجتمعت الإرادة الدولية بالفعل على تطبيق هذه القرارات، وهو ما تعوّل عليه هيئة التفاوض والمعارضة السورية على وجه العموم.
– كلامك ينطوي على أن الإرادة الدولية لم تجتمع بعدُ على تطبيق هذه القرارات
استنتاجك في مكانه. سيرورة الأحداث تقول ذلك وليس أنا. إن الدول المنخرطة في الصراع على الساحة السورية لديها أهداف متضادة تتجاوز سورية، وقد أدى هذا الأمر دورًا كبيرًا في استمرار الصراع وتقديم مقاربات وتفسيرات لمضامين القرارات الدولية، دون الدخول إلى مرحلة التطبيق الفعلي.
– آخر هذه المقاربات كانت اللجنة الدستورية؟
نعم. على الرغم من أن وثيقة جنيف والقرار 2254 يقولان إن عملية صياغة الدستور تأتي خلال المرحلة الانتقالية التي يقودها “جسم حكم انتقالي ذي صلاحيات تنفيذية كاملة”، دون تحديد مصدر الصلاحيات التشريعية، وهذا طبعًا -بالإضافة إلى تعنّت النظام وامتناعه عن خوض أي مفاوضات فعلية- خلق إشكالية كبيرة، ومن هذا الباب، جاءت فكرة الدخول إلى الانتقال السياسي عبر البوابة الدستورية.
– ما توقعاتك لمفاوضات اللجنة الدستورية المرتقبة في جنيف؟ وهل النظام في وضعه الحالي اليوم قادرٌ على الاستمرار في عرقلة المفاوضات في ضوء تغيّر الموقف الروسي منه أخيرًا؟ ونحن نعلم أن رفض النظام للتفاوض والانتقال السياسي والانتخابات يمسّ بالتعهدات التي قدمتها موسكو لواشنطن بموجب القرار 2254.
الشعار الوحيد الذي أخلص له النظام، حتى يومنا هذا، هو “الأسد أو نحرق البلد”، وبصيغة أخرى تحمل نفس المضمون: “الأسد أو لا أحد”. ولا أظن أن الروسي غافل عن ذلك، أو أنه لم يرَ طريقة تعاطي النظام مع كل العملية التفاوضية، وآخرها تعاطيه مع اللجنة الدستورية التي هي أصلًا فكرة روسية، حيث رفض الاعتراف بمشاركته الرسمية في أعمالها، وذلك من خلال تسمية الوفد باسم “وفد مدعوم من الحكومة السورية” أو “الوفد الوطني”، بدلًا من “وفد حكومة الجمهورية العربية السورية”، كما جاء في إعلان اللجنة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة.
في مناسبات عديدة، استحضر الروس المثال العراقي بعد انهيار النظام، على أنه المثال الذي يجب أن نتجنب وقوعه، وتقييم الروس للمشهد في سورية يركز على انتشار الجماعات الإرهابية، وعلى الخشية من وجود الفوضى وتمزق البلاد، في حال انهيار النظام وحدوث فراغ، وهم يؤكدون على سلامة الدولة ومؤسساتها. وهي نقاط محقة، ولا شك في أنها تصبّ في المصلحة الوطنية السورية، وهي متضمنة في القرارات الدولية التي نعترف بها ونعمل بموجبها، لكننا في المقابل نجد أن السلوك السلبي للنظام يعزز هذه المخاوف، ويعرّض الدولة ومؤسساتها للضرر الجسيم، ويفسح المجال لمزيد من العنف والفوضى. حيث يحاول النظام أن يستثمر الانتصارات العسكرية التي ساعده الروس في تحقيقها، بتعزيز حلمه بتجديد ذاته، بدلًا من تفهم الواقع، وإعلاء شأن البلاد على كرسي الحكم، والانخراط في العملية التفاوضية. هذا معناه تقويض رؤية الروس والتزاماتهم تجاه المجتمع الدولي، ونتيجة ذلك؛ بدأنا نرى مؤشرات ذات معنى على استياء الروس من سلوك النظام، وليس آخرها الحملة الإعلامية التي شنتها وسائل إعلامية روسية على رأس النظام ذاته. ومهما قيل إن هذه المقالات لا تمثل الرأي الروسي الرسمي؛ فإنها -برأيي- حملت رسالة إلى بشار الأسد، كان يجب أن تصل، مفادها (لا تجبرنا على أن نريك الوجه الآخر).
– يعيش النظام حالة إفلاس وانهيار اقتصادي كبير، تزامنت مع حدوث خلافات داخل العائلة الحاكمة، برأيك؛ هل خلفيات صراع الأسد ورامي مخلوف اقتصادية فقط؟ أم أن هناك أبعادًا أخرى ساهمت في حدوث هذا الصراع وخروجه للعلن؟ وهل من الممكن أن تؤثر هذه الخلافات في موقف حاضنة النظام من الطائفة العلوية؟
فيديوهات رامي مخلوف تدلّنا على أن الصراع القائم ليس صراع الأسد ورامي فقط، بل هناك عنصر ثالث في هذا الصراع وهو أسماء الأخرس التي تعاظم دورها بشكل كبير في سورية، وهذا معطًى مهم له ما بعده، ولذلك سعت الإدارة الأميركية لوضعها في مقدمة لائحة عقوبات قيصر. إن الصراع ذو وجهين: وجه اقتصادي يتعلق بمآل الأموال المنهوبة من خزينة الشعب السوري، حيث تريدها أسماء الأسد في خزينتها هي وتحت إدارتها؛ ووجه سياسي يتمثل في تحميل رامي مخلوف لعنة الفساد، والادعاء بأن مشيئة “الدولة السورية” والقانون فوق الجميع حتى رامي مخلوف، وكأن النظام لا يدرك أنه حتى الموالون يعتبرون ذلك نكتة سمجة، لأنهم يعرفون منذ سنوات طويلة أنه لا وزير المالية ولا رئيس الوزراء يجرؤان على مجرد التفكير في الحجز على رامي مخلوف.
لا شك في أن هذا الصراع ترك أثره على حاضنة النظام، لأنه أخرج المسكوت عنه إلى العلن وأسقط ورقة التوت الأخيرة، ولا شك في أن المركب أصبح من الضعف بحيث لا يحمل رامي مخلوف، وأن القادم مختلف عمّا مضى، ولا بدّ من الاستعداد له، والأموال ركن أساسي في ذلك.
– بالحديث عن عقوبات قانون قيصر، هناك من يرى أن تطبيقه سينعكس سلبًا على المدنيين، وهناك من يرى أنه سيكون بداية نهاية الأسد، خاصة أنه يشمل حلفاءَ الأسد وداعميه، كميليشيا حزب الله والميليشيات الإيرانية، كيف ترى الأمر من وجهة نظرك؟
سيكون لهذا القانون انعكاس كبير على النظام وزبانيته، ولكنه لن يمنعهم من يستمتعوا بعشاء فاخر قبل النوم، بينما الإنسان العادي قد لا يجد ما يسدّ رمقه ورمق عائلته. صحيح أن القانون يقول إنه يستهدف النظام لا الناس العاديين، ولكن التجربة أثبتت أن كل قوانين العقوبات تنعكس أولًا، بقسوة، على المواطن البسيط الذي لا ناقة له ولا جمل عند النظام. ويجب أن نتذكر أن انهيار الاقتصاد الذي تجسد بانهيار قيمة الليرة السورية وتصاعد بؤس المواطن السوري كان قبل التلويح بقانون قيصر. إن مسارًا طويلًا، كانت فيديوهات رامي مخلوف من آخر حلقاته، كان سببًا في بؤس الاقتصاد السوري وانهيار سعر الصرف، وقانون قيصر سيأتي ليكمل هذا الانهيار، ولكن في المقابل فإن هذا القانون سيحرم كل أولئك الذي يستثمرون في النظام أو الذين يرغبون في ذلك ويأملون بجني المكاسب السياسية والاقتصادية من ورائه من تحقيق هدفهم. لقد ساد انطباع واهم، في الفترة الأخيرة، مفاده أن النظام قد انتصر وأنه لا بد من الاعتراف بذلك والتعامل معه، فجاء هذا القانون ليقول لا، إن المعركة ما تزال مفتوحة.
– صرّحتَ في أحد لقاءاتك التلفزيونية بأن صفحة النظام سوف تنقلب في سورية قريبًا، وأيضًا هناك حديث عن تسوية سياسية أميركية – روسية في سورية، ما هي رؤيتك السياسية للمرحلة القادمة في سورية؟ وهل سيكون من السهل ترتيب إجراءات رحيل الأسد في ظل وجود إيران؟
مجموعة المعطيات التي تحدثنا عنها تعطي الانطباع بأننا في الفصل الأخير من هذا الصراع، وذلك لأسباب عدة:
1 ــ لم يعد في سورية ما تحارب من أجله باقي الأطراف.
2- كل الأطراف المتصارعة وصلت إلى أقصى ما تستطيع الحصول عليه في سورية.
3- انتشار الإرهاب وموجات الهجرة الواسعة خلقا حالة ذعر سياسي في الغرب، أثرت كثيرًا في الخارطة السياسية وعززت صعود اليمين والشعبوية.
4- انحسار العمل المسلح وضعف الجماعات الإرهابية والمتطرفة أعادا القضية السورية إلى أصلها، وهي أن غالبية الشعب السوري لا تقبل هذا النظام، وما تظاهرات السويداء الأخيرة إلا دليل ساطع على ذلك.
بعد تسع سنوات من تمسك النظام بسلطاته الاستبدادية، وتفضيله الصراع العسكري على التفاوض السياسي مع القوى الوطنية؛ بات من غير الممكن أن نرى مستقبلًا لسورية مع هذا النظام، وأتوقع أن هذه القناعة أصبحت في ذهن صانع القرار الروسي، وعلى الرغم من أن مثل هذا التوقع وارد، ستبقى هناك تحديات كبيرة أمام الانتقال السياسي في سورية. ليست روسيا وحدها التي تستخدم المسرح السوري لإعادة تموضعها الدولي كقطب ثان، بل إن هناك أيضًا قوتين إقليميتين كبيرتين هما إيران وتركيا اللتان انخرطتا في الصراع بشكل مباشر ومكثف، حاملتين طموحات ترتكز على الإرث التاريخي والديني، بهدف إعادة رسم الإقليم بأكمله بما يناسب مصالحهما.
تصريحات المسؤولين الروحيين والسياسيين الإيرانيين لا تحتاج إلى تفسير، وآخرها فاتورة العشرين مليار دولار التي تحدث عنها النائب الإيراني والتي أنفقتها بلاده في سورية. إيران ستستخدم كل الوسائل للحفاظ على النظام، لأنها استثمرت كثيرًا في الدفاع عن بقائه، ولأنها لا يمكن أن تحصل على نظام يخدم مصالحها أكثر منه، تركيا كذلك التي اتسعت معاركها الإقليمية ووصلت إلى ليبيا، لم يعد سرًا أنها تسعى لاستعادة زعامة العالم الإسلامي السنّي، ولو أن بشار الأسد قبِل عرض داوود أوغلو في 2011 للاعتراف بالإخوان المسلمين وإشراكهم في السلطة؛ لكانت تركيا الآن في مكان آخر، هي تريد وتسعى لرحيل النظام، ولكنها تريد أيضًا أن تضمن في مكانه نظامًا يوافق تطلعاتها. هذا التشابك في المصالح والتطلعات ما زال يعقّد القضية السورية ولا حلّ له إلا في توافق روسي – أميركي، بدأنا نسمع أنه في طور الظهور، تدعمه أوروبا بقوة ويكون موضع قبول غالبية السوريين.
– بالحديث عن إمكانية التوصل إلى حل سياسي في سورية، برأيك، ما هي آليات الحل التي تضمن تحقيق سلام مستدام في سورية المستقبل؟
هذا هو مربط الفرس “الآليات”، وهو ما يجب أن يقوم عليه التوافق الروسي – الأميركي. القرار 2254 يتحدث بوضوح عن “عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف، وذلك بسبلٍ منها إنشاء هيئة حكم انتقالية”، وطالما أننا تحدثنا عن الآليات فإن عبارة “بسُبلٍ منها” قد تفتح الباب للبحث عن سبل أخرى غير هيئة الحكم الانتقالية، وهذا أمر يحتاج إلى التوافق الروسي – الأميركي، ولكن في غضون الشهرين القادمين، وقبل أن تبدأ الانتخابات الأميركية. ترامب يحتاج إلى ذلك، كأحد إنجازاته، وبوتين أيضًا يحتاج إلى ذلك، لأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن نجاح ترامب في الانتخابات القادمة ليس مضمونًا، وهذا يعني الكثير لروسيا ولغيرها.
– بالعودة إلى حراك السويداء الذي أشرتَ إليه قبل قليل، برأيك ما هي رمزية هذا الحراك، بعد أن تحولت سورية إلى ساحة مواجهة عسكرية بين أطراف متعددة؟ وهل من الممكن أن نعتبر أن النظام فشل في إخماد ثورة الشعب السوري، على الرغم من كل أساليب القمع والإجرام التي اتبعها منذ 10 سنوات؟
لم يفشل النظام في إخماد الثورة وحسب، بل في حماية الوطن والدولة، حيث سخرهما ليدفعا ثمن بقائه، وكان ثمنًا باهظًا. وما شهدته مدينة السويداء هو دليل على ذلك، ودليل على أن النظام لم ينتصر ولن ينتصر، إلا إذا اعتبرنا أن حكم بلد مدمر ومنقسم ومعزول فيه ملايين الأيتام هو نصرٌ!
– هل تعتقد أن بشار الأسد سيرشح نفسه للانتخابات القادمة؟ وفي حال ترشحه، ما هي الأسس التي يرتكز عليها وتدفعه للترشح وسط هذا الانهيار الذي تعيشه سورية؟
لا شك في أنه يطمح إلى أن يحكم سورية حتى آخر يوم في حياته أو في حياة سورية، ولا شك أنه وزوجته ينظران إلى ابنهما حافظ على أنه حاكم سورية القادم. أسماء الأخرس باتت تلعب دورًا بارزًا في حكم سورية، وهو دور يتصاعد بنصيحة واستشارات من طرف خارجي، وهناك تكهنات بأنها قد تتقدم لتحتل منصب الرئاسة، من خلال انتخابات صورية، لكني استبعد نجاح ذلك، بالرغم من معرفتي بأن كل شيء بات ممكنًا في سورية. في كل الأحوال، هي ستسعى -إن بقي النظام- لتكون في مركز القرار وتحكم من وراء ستار. أما الأساس الذي تقوم عليه هذه الطموحات فهو -مرة ثانية- الشعار الذي عنون استراتيجيتهم “الأسد أو لا أحد”، وكأن لسان حالهم يقول: “لن تأخذوا سورية منّا، وإذا أردتم أن تأخذوها فخذوها محطمة”.
– وسط هذا التعقيد الذي يعكسه المشهد السوري المنفتح على العديد من الاحتمالات والتوقعات، هل تعتقد أن المعارضة السورية قادرة على تحمّل تحديات المرحلة المقبلة؟
عندما نقول معارضة، فماذا نعني بذلك؟ هل نعني هيئة التفاوض واللجنة الدستورية؟ أم نعني التجمعات السياسية المختلفة؟ أم نعني فرسان مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي؟ بسبب طول مدة الصراع وحدّة الاستقطاب والطرق الملتوية التي انتهجتها سياسات الدول المؤثرة، صار بين هذه الكتل والكيانات والجماعات تباينات كبيرة، تدفع أحيانًا إلى اليأس والإحباط. اقرئي التعليقات على أي بيان أو تصريح، لأي كيان معارض أو أي شخصية معارضة، وستجدين أنها تتجاوز حدود شتم النظام، وتدخل بالمسائل الجوهرية، وستجدين ما أعنيه. ولكن إذا تحركت المياه الراكدة واكتمل التوافق الروسي الأميركي وتبلور الأمور؛ فإن الحلّ سيأتي مع آلياته، وهذا سيؤدي إلى ولادة مشهد جديد في سورية لا على صعيد النظام فقط، بل على صعيد المعارضة أيضًا.
– بالانتقال إلى شأن مختلف، ما رأيك في انتخابات نقابة الفنانين التي حصلت أخيرًا وفاز بها الممثل زهير رمضان بالتزكية، خاصة أن بعض الفنانين وصحف النظام وجدوا أن فوزه أثار جدلًا كبيرًا، خاصة بعد منع وسائل الإعلام من تغطية عملية الانتخاب.
رأيي معروف، منذ زمن بعيد، ولكن ما رأي أولئك الذين يدافعون عن النظام بدعوى أنهم يدافعون عن الوطن؟!! ثم لماذا أثار جدلًا؟!! ما الجديد في الأمر؟! ما جرى ويجري في انتخابات نقابة الفنانين هو صورة دقيقة ولكنها مصغرة عما جرى ويجري في سورية، وهذا هو جوهر الموضوع، أما زهير رمضان فهو تفصيل تافه في هذا المشهد المأساوي.
– على الرغم من وقوف عدد كبير من صناع الدراما السورية إلى جانب المعارضة، ووجودهم خارج سورية، فقد كان هناك شحّ في الأعمال الدرامية التي تخص المعارضة وتصوّر واقع السوريين في دول اللجوء، في المقابل استمر النظام في إنتاج أعمال درامية، واستخدمها لتمرير رسائله السياسية، فما رأيك في ذلك؟
النظام أعطى أوامره بالاستمرار في إنتاج الأعمال التلفزيونية، لأنه يعرف أن الدراما السورية كانت رسول سورية الوحيد إلى كل بيت في العالم العربي، طوال العقود الثلاثة المنصرمة. لذلك هو استغلها ليخلق انطباعًا بأن سورية بخير، وأن كل شيء على ما يرام.
أما بالنسبة إلى الدراما السورية المنفية أو المهاجرة، فقد رأينا بعض الأعمال التي تصوّر حال السوريين في دول اللجوء، ولكنها كانت محدودة. لقد استطاع صناعها -وهم أبطال حقيقيون- جمع ميزانياتها الإنتاجية المتواضعة من مؤسسات عدة معظمها ليست عربية، على الرغم من أن في حكايات اللاجئين السوريين كثيرًا من التشويق والمغامرة والعواطف والحب والخوف والإخلاص والخيانة والإصرار والضعف والأمل بعد يأس أو اليأس بعد أمل والانقلابات والتحولات النفسية والاجتماعية، وهي كلها من أجمل العناصر التي تقوم عليها الدراما، من زمن الإغريق إلى زمن هوليوود، فحكاية السباحة يسرا مارديني، وحكاية السيدة السورية التي جاءت لاجئة إلى مصر قبل ثماني سنوات، واستغلت خبرتها بصناعة “البرازق والغرَيبة”، وأعطتها إلى طفلها كي يبيعها في شوارع القاهرة (وهو اليوم يدرس في كلية الطب)، هي بعض من مئات الحكايات التي إذا أُنجزت بشكل لائق على أيدي أهل المهنة الحقيقيين، فستحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ولكن -مع الأسف- لا أحد في العالم العربي يريد أن ينتج أعمالًا عن السوريين في منافيهم، وإذا وُجد من ينتج أعمالًا كهذه، فلن نجد المحطات التي تريد عرضها.
__________
ولد جمال سليمان عام 1959 في مدينة دمشق، وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية – قسم التمثيل، اتبع دورة للفنون المسرحية في بريطانيا، ثم أكمل الماجستير في الإخراج المسرحي في جامعة ليدز في بريطانيا.
بدأ سليمان مسيرته المهنية بعد تخرجه في عام 1981. كانت بدايته في المسرح القومي السوري، حيث قدّم العديد من الأعمال، منها مشاركته في مسرحية “أربوزوف” بشخصية مارات، وفي مسرحية “قصة موت معلن” المُقتبسة من رواية ماركيز التي تحمل الاسم نفسه، وجسّد شخصية سانتياغو.
أمّا في السينما، فقد كانت لديه العديد من المشاركات البارزة، ولا سيّما في فيلم “المتبقي” عام 1985 الذي يحكي قصة اغتصاب “إسرائيل” لأرض فلسطين، وحصل على شهادة تقدير من لجنة تحكيم مهرجان دمشق السينمائي، ونال هذه الجائزة أيضًا عن أدائه في فيلم “الترحال” الذي صدر في عام 1997.
وفي التلفزيون، قدّم كثيرًا من الأعمال المميزة، كان أولها في عام 1989 بمسلسل “طرفة بن العبد”. ثم تتالت أعماله وتنوعت بين المسلسلات التاريخية والاجتماعية والدراما السورية والمصرية.
مركز حرمزن