قرار تنظيم مخيم اليرموك وتداعياته الاجتماعية والسياسية/ سحر حويجة
تعرّف مخيمات اللاجئين بأنّها مكان إقامة وعيش مؤقت طارئ، حيث يبنى المخيم عادة بطريقة يسهل تفكيكه، مع رغبة من يعيش فيه تركه والعودة إلى وطنه، غير أنّ مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، التي تجاوز عمرها 70 عاماً، تعتبر أقدم مخيمات للاجئين في العالم، بنيت على أساس متين يصعب تفكيكها، تتميز بعمق تاريخي نضالي في عملية الربط بين الماضي، النكبة، والاستمرار بالنضال حتى العودة. مخيم اليرموك
حيث تجمع بها اللاجئون على أساس الروابط الاجتماعية التي حملوها معهم من المناطق والأحياء التي غادروها، وحاولوا إعادة بناء ما يشابه مناطقهم، وأطلقوا عليها أسماء قراهم ومدنهم، وفي كل مرة عند تدمير مخيم، تبرز أهميته بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين، وحصل ذلك، عندما تم تدمير مخيم نهر البارد، خلال المعارك التي دارت ما بين الجيش اللبناني والمسلحين الإسلاميين، حيث طالب اللاجئون الفلسطينيون فوراً بإعادة إعمار المخيم بشكل مطابق تماماً للشكل الذي كان عليه في السابق، وتكرّر الأمر كذلك بعد الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين في عام 2002، حيث طالب اللاجئون بإعادة بنائه على الشكل الذي كان عليه قبل التدمير، وتعاد الحكاية في مخيم اليرموك، بصورة أكثر جلاء، منذ خروج المسلحين عام 2018، بعد ما يسمى معركة تحرير مخيم اليرموك، و على الرغم من تدمير 60 بالمائة من المخيم، كان لسان حال اللاجئين يقول: نعود إلى اليرموك ونعيد بناءه أفضل مما كان.
على الرغم من الوعود الكثيرة التي قطعتها الحكومة السورية وممثليها، على أنّه لا تنظيم لمخيم اليرموك، وإن حصل سيكون تعديلاً طفيفاً لمخطط مخيم اليرموك التنظيمي، المصدّق رئاسياً منذ عام 2004، غير أنّه في نهاية حزيران 2020، أقرّت محافظة دمشق المخطط التنظيمي رقم 105 لمخيم اليرموك.
تتوالى ردود الأفعال ضدّ هذا المخطط التنظيمي من الفلسطينيين، في داخل سوريا وخارجها، ومن قبل قوى وشخصيات مدنية وسياسية، ومن قبل فعاليات ومؤسسات قانونية تدعو إلى إلغائه لعدم قانونيته، وبدأت الدعوة إلى رفع دعاوى أمام المحاكم لإثبات عدم قانونية هذا المخطط، فما هو مصير مخيم اليرموك وتداعيات المخطط التنظيمي على مستقبل الوجود الفلسطيني في سوريا؟
نبذة عن مخيم اليرموك:
تبلغ مساحة مخيم اليرموك 2.11 كم مربع، تذكر المصادر الفلسطينية أنّ المخيم أُنشئ بين سنوات 1954 و1957، حيث قامت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، التابعة لوزارة الداخلية، باستئجار الأرض، ووزعتها على اللاجئين، وشكلت في عام 1964 بلدية لإدارة شؤون المخيم، وتقديم الخدمات الضرورية للاجئين، بتنسيق مع الأونروا والهيئات الرسمية السورية المعنية. تتبع بلدية اليرموك إلى وزارة الإدارة المحلية، وليس إلى محافظة دمشق.
قبل الأزمة السورية، قدّرت الإحصائيات عدد اللاجئين الفلسطينيين، من سكان مخيم اليرموك بـ112,550 ألف لاجئ مسجل، يعيشون في اليرموك، في حين تجاوز الرقم الفعلي لعدد اللاجئين بالمخيم 220 ألفاً، يُضاف إليهم حوالي نصف مليون سوري على الأقل.
بحلول نهاية عام 2014، انخفض عدد سكان المخيم إلى 20,000 شخص فقط، وبعد أن فشلت المصالحات ما بين النظام والمعارضة المسلحة، تحت حجج واهية، حتى اجتاح تنظيم الدولة مخيم اليرموك، في نيسان 2015. وفي أيار 2018، استعاد الجيش السوري السيطرة على المخيم بكامله، وبعد قصفه بالأسلحة المدمرة، يشار إلى أنّ مخيّم اليرموك، قد احتل المركز السابع في تصنيف أكثر المناطق دماراً في سوريا، وفق مسح أجرته وكالة الأمم المتحدّة للتدريب والبحث، قُتل ألف و563 لاجئاً من أبناء مخيم اليرموك على الأقل خلال الأحداث، وهاجر مئتا ألف فلسطيني إلى خارج سورية.
ووفق إحصائيّة صدرت عن مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا في عام 2017 ، منذ بداية الثورة تم اعتقال حوالي 12 ألف و402 فلسطيني، بينهم حوالي 789 طفلاً، وقضى تحت التعذيب 475 معتقلاً فلسطينياً.
ضوء على المخطط التنظيمي والموقف منه:
بموجب المخطط؛ يقسّم المخيم إلى ثلاثة وحدات عقارية، بخلاف المخطط التنظيمي لعام 2004، الذي يعدّه وحدة عقارية واحدة، ويتعامل معه كحيّ دمشقي، لا كمخيم فلسطيني.
قسّمت مساحة المخيم وفق المخطط التنظيمي البالغة 2 كيلو متر إلى ثلاثة مناطق، المنطقة الأولى، صنفت عالية الأضرار، تبلغ مساحتها 93 هكتاراً، يتضمن إعادة بنائها تشييد أبراج سكنية وتوسع الشوارع وإنشاء حدائق وأبنية تجارية أخرى استثمارية، إضافة الى منشآت رياضية وثقافية، وتشمل المناطق المراد إزالتها، أحياء وشوارع مركزية، كشارعي عطا الزير ونوح إبراهيم، ومنطقة حديقة الطلائع، ومحيطها، وشارع المنصورة، ومنطقة شارع القدس وجامع فلسطين، إضافة الى أجزاء أخرى سيجري قضمها بتوسيع الشوارع، تهدّد مصير ممتلكات 60 بالمائة من سكان المخيم. المخطط سيتيح إعادة الأهالي إلى المناطق الأقل ضرراً، البالغ نسبتهم 40 بالمائة، إلى منطقة متوسطة الأضرار، مساحتها 48 هكتار، والثالثة خفيفة الأضرار مساحتها 79 هكتار.
سيطبق المخطط وفق القانون “رقم 23” لعام 2015، الذي ينصّ على تنظيم عملية تهيئة الأرض للبناء، وفق المخطط التنظيمي العام، والمخطط التنظيمي التفصيلي في المخططات التنظيمية المصدقة كافة بأحد الأسلوبين التاليين، التقسيم من قبل المالك، أو التنظيم من قبل الجهة الإدارية، ويشترط المخطط التنظيمي إثبات الملكية العقارية، وهو أمر شبه متعذّر؛ نظراً لفقدان الأغلبية الوثائق نتيجة الحرب. إضافة الى أنّ جزءاً كبيراً من السكان السابقين للمخيم، هم خارج سورية، ويصعب قدومهم في هذه الظروف، ما يهدّد ممتلكاتهم.
ولا يتحدث المخطط عن كيفية تعويض أصحاب المحلات التجارية، التي ستقتطع توسعة الشوارع من مساحتها، وأجمعت الآراء أنّ النظام يخطط للاستيلاء على مخيم اليرموك، من خلال المخطط التنظيمي الجديد، تحت ذريعة أنّ أرض المخيم تعود ملكيتها للدولة، واستغلال غياب اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا البلاد.
يقوم المخطط على بناء أبراج سكنية، سيمنح فيها بعض اللاجئين الفلسطينيين، ممن يستطيعون إثبات ملكيتهم _وهم قلة_ شققاً في هذه الأبراج، بينما تعود ملكية بقية العقارات إليه، وإلى الشركات المكلفة بإعادة الإعمار، وهي شركات روسية وإيرانية، غالباً. وسيؤدي هذا إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في المخيم، عبر إحلال سكان جدد مكان اللاجئين الفلسطينيين.
تعفيش المخيم وسرقته ونبش القبور:
تعرّض المخيم منذ لحظة خروج داعش واستيلاء النظام عليه، إلى عملية نهب منظمة وممنهجة، واسعة وشاملة، لكل ما تحتويه المنازل، ليس من تجهيزات وأدوات منزلية فحسب، بل تم حفر ونزع البلاط والرخام وسحب الأسلاك والحديد، أي استكمال عملية التدمير، وما زالت أعمال النهب جارية، حتى اليوم. يضاف إلى ذلك نبش القبور وسرقة شواهدها، وحرق المقابر، حيث يوجد في اليرموك مقبرتان كبيرتان:
الأولى، تقع جنوب جامع فلسطين، أنشئت في بداية الستينات من القرن الماضي، وبعد اشتداد العمل الفدائي، أقيم قسم خاص للشهداء، وتقع الثانية على امتداد شارع اليرموك، تسمى المقبرة الجديدة، أنشئت في بداية الثمانينات بعد أن امتلأت المقبرة القديمة، خصص قسم كبير منها للشهداء، حيث دفن فيها الآلاف من الشهداء. وفق تقارير عديدة صادرة عن مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا، أفادت أنّ قوات النظام والقوات الروسية قامت بعمليات نبش القبور، في مقبرة الشهداء القديمة في مخيم اليرموك، بحثنا عن رفات جنود إسرائيليين قتلوا في معركة السلطان يعقوب عام 1982، وقد تم الإعلان عن تسليم رفات الجندي الإسرائيلي “زخاريا باومل” بعد العثور على رفاته في المقبرة القديمة، وما زال البحث جارياً عن رفات جنود آخرين. ومن المفارقات الغريبة في التعامل مع قبور الشهداء الفلسطينيين، أنّه تم نصب الحواجز أمام المقبرة ومنعت الوفود والأهالي من زيارة قبور شهدائهم.
التداعيات السياسة للمخطّط التنظيمي:
لم تكن عمليات التدمير والنهب والتخريب المتعمد للبيوت والمقابر، سوى توطئة وتهيئة لمشاريع دولية، تقوم على إرضاء ميول إيران ومساعيها للسيطرة على جنوب دمشق، ومساعي روسيا لكسب ود إسرائيل في تحقيق مطالبها، بإعادة رفات جنود إسرائيليين قضوا، في الوقت ذاته، إهانة الفلسطينيين بتدمير قبور شهدائهم دون أدنى اعتبار لهم ولذويهم، كل ذلك يؤدي الى تقويض الوجود الفلسطيني في سوريا، وتشتيته، وإلى إضعاف النضال الفلسطيني وحقّ العودة.
أما النظام السوري الذي انكشفت ألاعيبه في استخدام الفضية الفلسطينية كورقة مساومة، بما يخدم مصالحه، يبدو النظام في قضية التعاطي مع المخيم وسكانه، تدميراً وتعفيشاً وتنظيماً، كأنّه اتخذ قراراً بمعاقبة سكان مخيم اليرموك على مواقفهم ضد النظام، على الرغم من الدعم العسكري والسياسي الذي تلقّاه من القوى الفلسطينية التابعة له، القيادة العامة وفيلق القدس وجيش التحرير الفلسطيني، في قتالهم إلى جانب النظام على كل الجبهات في سوريا، وليس على جبهة مخيم اليرموك فحسب، بل على العكس، لم تبذل هذه القوى جهداً، ولم يضغطوا على النظام من أجل تحرير المخيم، بل كانوا تحت إمرة النظام وإشارته، يلتقي النظام السوري والقوى الفلسطينية المرتهنة له، على معاقبة الفلسطينيين، سكان المخيم، وفق تصريح لخالد جبريل، المسؤول الأمني والعسكري، في الجبهة الشعبية، القيادة العامة، “إنّ من باع مخيم اليرموك ليست محافظة دمشق، بل أهالي مخيم اليرموك، ومن هاجر إلى أوروبا”، وفي كلامه الصريح هذا إشارة واضحة إلى كل من اتخذ موقفاً مستقلاً وحراً، وكل من خالف النظام السوري.
ليفانت – سحر حويجة