عن ايران -مقالات مختارة-
ايران في سورية ما دام الأسد في السلطة/ عبد الباسط سيدا
العلاقة بين النظامين، السوري والإيراني، عضوية، تعود إلى الأيام الأولى لإعلان “الجمهورية الإسلامية” في إيران على أنقاض نظام الشاه عام 1979. بدأت مصلحية وظيفية، ولكنها تنامت عبر العقود، حتى غدت في يومنا هذا علاقة تماهٍ واندماجٍ تستعصي، استناداً إلى المعطيات الراهنة، على أي فصل، ما لم تحدث تحولاتٌ نوعيةٌ في المنطقة، تعيد ترتيب التحالفات والمعادلات بصورة جذرية، لتنسجم مع التحولات الكبرى التي لا يُستعبد حدوثها في المنطقة، خصوصا على صعيد المفاهيم والأولويات والممارسات.
وقد بدأت هذه العلاقة بفعل رغبة حافظ الأسد في امتلاك مزيد من الأوراق لمواجهة المخاطر الجدّية التي كان نظام صدام حسين في العراق يجسدها على حكمه في سورية. وقبل وصول الخميني إلى الحكم، كان حافظ الأسد قد تمكّن من نسج العلاقات الوثيقة مع حركة أمل التي أسسها موسى الصدر عام 1975 بهدف تشكيل تنظيم عسكري سياسي للشيعة في لبنان. أما الغطاء فقد كان باستمرار هو شعار مناصرة القضية الفلسطينية، وتحرير القدس، وذلك بعد أن كان الأسد قد تمكّن من تحجيم كل القوى الأخرى، اليسارية منها واليمينية المحافظة، الإسلامية والمسيحية، اللبنانية والفلسطينية، وكان يعتبرها كلها مناوئة لحكمه، وتمثل خطراً عليه. ولم يكن في مقدوره فعل ذلك، لولا الضوء الأخضر الأميركي – الإسرائيلي الذي سمح له بالدخول إلى لبنان، وترتيب الأمور فيه بشكلٍ يأخذ الأمن الإسرائيلي بعين الاعتبار. وقد تمكّن، مع الوقت، من إضعاف الجميع بإحداث الانشقاقات، وإبراز بعضها، ودعم الموالين، وهذا ما أدّى، في نهاية المطاف، إلى هيمنته على الوضع، ووضع بذلك حدّاً لجهود خصمه اللدود، صدّام حسين، في الساحة اللبنانية. واستفاد حافظ الأسد كثيراً بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، الغزو الذي أسفر عن اجتياح الجيش الإسرائيلي بيروت، وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات من لبنان.
ونتيجة التقاء مصالح حافظ الأسد، في ذلك الحين، مع مشروع النظام الإيراني الذي ارتكز دائماً على حيوية موقع سورية الجيوسياسي، تم التوافق على تشكيل حزب الله عام 1982، ليكون مستقبلاً المهيمن في الساحة اللبنانية بعد احتكار ملف المقاومة، وإسكات المعارضين أو تغييبهم، سيما في الوسط الشيعي؛ ومن ثم استثمار نتائج جهود الترويض التي مارسها نظام الأسد، عبر جيشه وأجهزة مخابراته، مع جميع الأطراف اللبنانية. واستمراراً منه في خطة امتلاك الأوراق الإقليمية، عمل حافظ الأسد على تشجيع الانشقاقات الفلسطينية، واحتضن الفصائل العراقية المناهضة لحكم صدّام حسين. وعمل، في الوقت ذاته، عبر منظمات فلسطينية قريبة منه، على الاستثمار في الورقة الكردية في تركيا، وبنى العلاقات مع فصائل كردية عدة، ولكنه، في النهاية، تبنّى حزب العمال الكردستاني (تأسس عام 1978) بزعامة عبدالله أوجلان الذي دخل إلى سورية عام 1979 (باسم مستعار هو علي)، الأمر الذي كان يشي، منذ ذلك الحين، ببراغماتية أوجلان، على الرغم من أنه كان يقدّم نفسه النسخة الكردية عن الزعيم الماركسي اللينيني الستاليني. وبناء على التشارك في المصالح والتوجهات، سمح حافظ الأسد لأوجلان ببناء العلاقات مع النظام الإيراني منذ بداية الثمانينات، ليتحوّل، منذ ذلك الحين، إلى أداة من أدوات مشروع النظام الإيراني في المنطقة، وهو المشروع الذي يرتكز على احتكار ورقة المرجعية المذهبية في الوسط الشيعي. أما في الوسط الكردي، فقد حاول النظام المعني الاستفادة من جهود حزب العمال، وذلك لمعرفته بصعوبة، إن لم نقل استحالة تسويق المذهبية الشيعية ضمن الوسط الكردي السني بصورة عامة، سواء في إيران نفسها أم في المنطقة ككل. ولكن ما حصل أن حافظ الأسد لم يتمكّن من الهيمنة بصورة كاملة على الساحتين، الفلسطينية والعراقية، وذلك بفعل عوامل عدة، في مقدّمتها وجود تنظيمات سياسية قوية على الأرض، لديها تأييد واسع ضمن وسطها الشعبي. بينما تمكّن في الساحة اللبنانية من تعزيز سلطته، عبر قناة حزب الله الذي بات، مع الوقت، القوة العسكرية السياسية الأكثر قوة وتنظيماً في لبنان.
كردياً، اتخذ حافظ الأسد من حزب العمال الكردستاني أداة لتهميش الأحزاب الكردية السورية التي تعرّضت مع الوقت لانشقاقاتٍ أحدثتها، في معظمها، جهود أجهزة مخابرات النظام وخططه. ولم يقتصر استغلال الأسد الحزب المذكور على الداخل السوري، بل امتد ليشمل الجوار الإقليمي، خصوصا تركيا التي استطاعت، في وقت لاحق، إجبار الأسد على إخراج أوجلان من سورية، والتوقيع على اتفاقية أضنة الأمنية عام 1998.
وما يسجل لحافظ الأسد، في تعامله مع النظام الإيراني، أنه كان يتعامل معه بصورة ندّية، ويحرص، في الوقت ذاته، على علاقاته العربية، سيما مع السعودية. وذلك على عكس ما فعله وريثه بشار في ما بعد الذي اعتمد على الإيراني بصورة شبه مطلقةٍ لمواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية، خصوصا في لبنان والعراق. وقد أسهمت تصريحات بشار وسلوكياته، والاغتيالات التي كان وراءها، في تعكير صفو العلاقات مع الدول الخليجية، الأمر الذي أحدث خلخلةً في التوازن، وكانت النتيجة دخول النظام بصورة كاملة ضمن الحظيرة الإيرانية، وتحوّل إلى عاملٍ متكاملٍ لتنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة، وقد بدا ذلك واضحاً في كل من العراق ولبنان.
ومع بداية الثورة السورية، استعان بشار بحزب الله وحزب العمال، بالتنسيق مع النظام الإيراني صاحب المشروع التوسعي في المنطقة. وعلى الرغم من كل المتغيرات التي حدثت لاحقاً، سواء من جهة اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على القوات التابعة للاتحاد الديمقراطي، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني؛ ودخول الروس إلى جانب النظام في حربه على السوريين منذ أيلول/ سبتمبر 2015، يلاحظ أن علاقة نظام بشار مع إيران ظلت كما كانت عليه، فالنفوذ الإيراني في سورية هو هو على الرغم من كل القصف الإسرائيلي، والتصريحات الأميركية والإسرائيلية، بل هناك بوادر لتغيير قواعد اللعبة في لبنان ليتمكّن حزب الله، رأس الحربة في المشروع الإيراني، من تجاوز الضغوط الشعبية والدولية. ويشار هنا إلى المفاوضات الخاصة بعمليات ترسيم الحدود مع بين لبنان وإسرائيل، وهي مفاوضاتٌ لم يكن في الإمكان البدء بها في ظل عدم وجود حكومة، وفي أجواء الانهيار الاقتصادي، لولا موافقة حزب الله الذي بات بمثابة الدولة العميقة في لبنان. كما يشار، في السياق ذاته، إلى التواصل الذي تم مع الجانب الأميركي من اللواء عباس إبراهيم، المحسوب على حزب الله وحركة أمل، من أجل عقد صفقةٍ تتضمن الإفراج عن مواطنيْن أميركيين في سورية. وما يستنتج من هذا أننا سنشهد، في خضم التصعيد الإسرائيلي الأميركي ضد الوجود الإيراني في سورية، اتصالات عديدة، وربما صفقات.
ولعل من المفيد أن يُشار هنا إلى أن ما يساعد الإيرانيين على تمرير مشروعهم، على الرغم من كل الاعتراضات والعقبات والعقوبات، هو هشاشة القوى المتضرّرة من هذا المشروع التوسعي، وتفككها، وانشغالها بخلافاتها البينية، ففي لبنان، مثلاً، لم تتمكّن القوى السياسية خارج دائرة النفوذ الإيراني من تنسيق المواقف في ما بينها، ولم تتعامل مع الوضع جبهة متماكسة، بل باتت تراهن على إدارة الأزمة وتدويرها.
أما في العراق فلا تبدو في الأفق أي بوادر مطمئنة لنجاح مشروع حكومة مصطفى الكاظمي، بل يستمر النظام الإيراني في شدّ عصب مليشيات “الحشد الشعبي” ودعمها، وما الاعتداء أخيرا على مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد سوى خطوةٍ من الخطوات المستمرة في هذا الاتجاه. كما يدعم النظام الإيراني، من جهة أخرى، جهود حزب العمال الكردستاني في دفع الأمور نحو عدم الاستقرار، بل وتفجيرها في إقليم كردستان العراق. أما سورية فقد تفكّكت أرضاً وشعباً، وتشتت ناسها، وبات من الصعب جداً لملمة أجنحة المعارضة نتيجة التدخلات الإقليمية والدولية، وعدم وجود أحزاب قوية مؤثرة.
تحولات ومتغيرات كثيرة جرت في منطقتنا على مدى العقدين المنصرمين، وهناك متغيرات قادمة، ولكن الثابت يظل، وحتى إشعار آخر، متمثلاً في العلاقة العضوية بين نظام وريث الجمهورية وولي الفقيه، وقد بلغت هذه العلاقة مستوى تغلغل النظام الإيراني في مفاصل الدولة والمجتمع السوريين. وفي الأثناء، تواجه دول منطقتنا تحدّيات كبرى. ملايين المهجرين، ومجتمعات مفكّكة، وانهيارات اقتصادية كبرى بفعل الحروب والفساد اللامحدود، والأزمات المستعصية المفتوحة؛ ويتزامن ذلك كله مع حالة من الغموض تخيم على أولويات الموقف الأميركي.
الكل في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، ولكن التجارب السابقة علمتنا أن الأولويات الأميركية تفرضها المصالح الأميركية، لا تضحيات وتطلعات الشعوب المغلوبة على أمرها.
ما تحتاجه دول المنطقة، قبل كل شيء، هو ترميم نسيجها المجتمعي، والتركيز على أولوياتها الوطنية بعيدا عن المشاريع الإقليمية العابرة للحدود، وهي المشاريع التي لم تجلب لمنطقتنا سوى الحروب والقتل والخراب واليباب.
العربي الجديد
—————————–
إيران تستعد لمرحلة إعادة إعمار سوريا..وما بعد الأسد/ مصطفى محمد
تتميز التحركات الإيرانية الأخيرة في سوريا، بالتركيز على الاستثمارات، متأثرة بسببين، حضورها الضعيف في المشهد الاقتصادي مقارنة بالحضور الروسي، وارتفاع الأصوات الداخلية المطالبة باستعادة جزء من الأموال التي أنفقتها طهران، في سبيل تثبيت النظام السوري.
وتخطط إيران لوضع يدها في كل المجالات الاستثمارية المتاحة، حتى لو لم تكن بالحجم المطلوب، وهذا ما بدا واضحاً من خلال الإعلان عن افتتاح مركز تجاري لها، في المنطقة التجارية الحرة، في دمشق.
كما تخطط إيران إلى تسهيل إمكان التواصل مع غرف التجارة والصناعة والزراعة في المدن السورية المهمة، مثل دمشق وحلب واللاذقية وحمص، وفق تصريحات كيوان كاشفي رئيس الغرفة التجارية الإيرانية-السورية المشتركة، التي أوردتها وكالة “فارس” الإيرانية.
وقال كاشفي إن مساحة المركز تبلغ 4 آلاف متر مربع، ويقع في المنطقة التجارية الحرة في قلب دمشق، مضيفاً أن المركز في منطقة التجارة الخارجية في دمشق، ويتميز بموقع ممتاز يخدم الشركات الإيرانية وأنشطتها الاقتصادية.
وتتطلع إيران إلى رفع مستوى صادراتها إلى سوريا، بواقع مليار دولار حتى نهاية العام الجاري، إلا أن الكاتب والباحث بالشأن الإيراني ضياء قدور شكّك بقدرة إيران على تحقيق هذا الرقم قائلاَ: “المواطن السوري لا يجد في البضائع الإيرانية منخفضة الجودة وعالية التكلفة في الوقت ذاته ، ما يجذبه، فضلاً عن انخفاض قوته الشرائية أصلاً، نتيجة انهيار العملة السورية لمستويات غير مسبوقة”.
واعتبر في حديث ل”المدن”، أنه لا يمكن فهم الخطوة الإيرانية، إلا في سياق الاستهلاك الإيراني الداخلي. وما يبدو واضحاً بالنسبة له، هو أن الخطوة تكشف عن حصة إيران الصغيرة والمتواضعة من الاقتصاد السوري، مقارنة بما تمّ إبرامه من اتفاقيات اقتصادية ضخمة بين روسيا ونظام الأسد.
بدوره، يضع الباحث الاقتصادي يونس الكريم المشروع المملوك للتجار الإيرانيين الأعضاء في الغرفة التجارية السورية المشتركة، في إطار منافسة الاستثمارات الروسية، وتحديداً في قلب العاصمة دمشق.
وقال ل”المدن”، إن “دخول إيران إلى قلب دمشق، يمثل تحولاً جديداً في فصول التجاذبات الروسية-الإيرانية، إذ لم تشهد دمشق، كما هو حال الساحل السوري، سباقاً روسيا-إيرانياً، كما هو الحال الآن”.
أهداف استراتيجية
ويفرض وقوع المركز التجاري في “المنطقة الحرة” في دمشق، قيوداً على دخول البضائع الإيرانية إلى الأسواق السورية، ما يقلل من الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، وبذلك، لا تنحصر الأهداف الإيرانية بتحقيق مكاسب اقتصادية في المدى القريب، وإنما تتعدى ذلك، إلى تثبيت وجودها في المناطق الحرة والأسواق الحرة، تحضيراً لحصولها على دور اقتصادي مهم في مرحلة إعادة الإعمار.
وحول ذلك، يوضح الكريم أن تثبيت إيران وجودها في المناطق والأسواق الحرة، يأتي في إطار الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، إذ يساعدها ذلك على استقدام خطوط إنتاج للمواد اللازمة لمرحلة إعادة الإعمار، من دون دفع ضرائب، وليس مستحيلاً في ما بعد أن ترغم طهران النظام على إقرار قانون يعفي شركاتها من الضرائب، لدخول الأسواق السورية.
وفي سياق مناقشته للأهداف الإيرانية من وراء تثبيت الوجود في المناطق والأسواق السورية الحرة، حدّد الكريم هدفاً اعتبره في غاية الأهمية قائلاً: “تخطط إيران لتحويل المناطق الحرة السورية، إلى منصة لتصدير بضائعها، مستكملة بذلك مشروعها الذي بدأ مع حصول رجل الأعمال الكويتي الموالي لها عبد الحميد الدشتي، على عقود استثمار الأسواق الحرة في سوريا”.
وكانت مصادر متطابقة أكدت في آب/أغسطس 2020، منح نظام الأسد عقد تشغيل “الأسواق الحرة” إلى شقيق رامي مخلوف، إيهاب مخلوف، وشريكه رجل الأعمال الكويتي عبد الحميد دشتي. ويعد دشتي أحد أكبر الداعمين لنظام الأسد، وإيران في المنطقة.
ومن المؤكد، أن تحركات إيران الاقتصادية في سوريا، تأتي في إطار إظهار أنها طرف قوي الحضور، وقادر على منافسة روسيا، والتعامل مع أكثر من سيناريو، حتى تلك التي تتجاوز الأسد.
المدن
———————-
ايران بين الايديولوجيا والبراغماتية/ حسن فحص
على وقع الامتار الاخيرة للانتخابات الامريكية، تزداد حدة التنافس بين معسكر النظام ومعسكر السلطة التنفيذية التيار المؤيد او الداعم لها من إصلاحيين ومعتدلين في ايران. ولعل ما يتعرض له الرئيس حسن روحاني من هجوم واسع وشديد من قبل التيار المحافظ، خاصة البرلمان الذي يسيطر عليه هذا التيار بكل اطيافه بالكامل، يشكل مؤشرا واضحا على عمق الازمة والصراع بينهما. وما اللجوء الى ادراج استجواب رئيس الجمهورية على جدول اعمال البرلمان، مبدئيا، سوى احد التعابير السياسية لما وصلت اليه هذه المواجهة. وهي تأتي على العكس او متجاوزة لتوصيات المرشد الاعلى الذي ذهبت ارادته قبل اشهر الى نصيحة النواب الجدد المتحمسين لاخراج موضوع استجواب الرئيس من التداول، مؤكدا ان على الحكومة ان تتولى وتقوم بمسؤوليتها حتى اخر يوم من عمرها الدستوري.
عودة القوى المحافظة، خاصة البرلمان الذي نسيطر عليه، وعدم الالتزام بالتوجيه الذي صدر عن المرشد الاعلى، يدخل ايضا في اطار حسم الامور في الامتار الاخيرة قبل الانتخابات الامريكية، اي محاولة هذه القوى استجماع الاوراق والقبض عليها قبل معرفة هو الرئيس الامريكي المقبل، من خلال سلب روحاني اي شرعية دستورية وقوة قانونية تسمح له القيام بأي خطوة على صعيد المفاوضات مع المجتمع الدولي في الاشهر الثمانية الاخيرة من رئاسته. ما يعني ان هذه القوى ومعها غرفة القرار في الادارة العميقة للنظام تسعى للحفاظ على “الستاتيكو” القائم حاليا في العلاقة مع الولايات المتحدة بغض النظر عمن سيصل الى البيت الابيض، بانتظار حسم الرئاسة الايرانية التي باتت جميع القوى الايرانية من جميع الاطياف على شبه يقين انها ستكون من نصيب مرشح القوى المحافظة، الامر الذي يعطي هذه القوى حصرية الذهاب الى التفاوض تحت غطاء دستوري وشرعي وايديولوجي كامل وشامل وبالتناغم والتنسيق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ومباركة من القيادة العليا، تدعمها براغماتية عالية تعتمد مسوغ “الحفاظ على بقاء واستمرار النظام” مقابل بعض التنازلات التي يستدعيها “الدفاع عن بيضة الاسلام” حسب التعبير الفقهي والشرعي.
وبات من المعروف لدى كل الاطراف الايرانية والامريكية ان اي مفاوضات مقبلة بين الطرفين ستدور حول ثلاثة ملفات اساسية هي اعادة انتاج اتفاق حول الملف النووي والبرنامج الصاروخي وما يشكل من تهديد لحلفاء واشنطن في منطقة الشرق الاوسط، والملف النفوذ الاقليمي لايران ودورها في العديد من بلدان المنطقة والأذرع التي تتحالف معها. الا ان اي ادارة امريكية متجددة مع ترمب او جديدة مع الديمقراطي جو بايدن، ستضع ملفا محورا على طاولة المفاوضات هذه المرة، هو ملف تطبيع العلاقات بين الطرفين، أي ان واشنطن ستذهب باتجاه الضغط على طهران والنظام لانهاء حالة التردد والتعنت في اعادة فتح العلاقة المباشرة الدبلوماسية والسياسية بينهما، خاصة وان المفاوضات السابقة التي قادتها ادارة الرئيس السابق باراك اوباما حققت خطوات متقدمة في هذا الاطار تولى القيام بها وزير خارجيته جون كيري مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف، ولم تتطور طبيعتها الى خطوات عملية لاستكمال آلية بناء الثقة المتبادلة بينهما، الا ان القيادة الايرانية عرقلت هذا المسار وتطويره واكتفت بالحصول على الاتفاق النووي كمرحلة انتقالية بانتظار اختبار جدية واشنطن في التخلي عن مواقفها من النظام وسياسة تغييره او ازاحته.
وفي هذا الاطار، فان اوساطاً ايرانية تعتقد بامكانية التوصل الى تفاهم مع الرئيس دونالد ترمب في حال فوزه بالانتخابات والتجديد له في البيت الابيض، فهو يريد استثمار النتائج التي ترتبت على حزم العقوبات التي فرضها على ايران. اي الانتقال من حالة الهجوم الى مرحلة توظيف وترجمة النتائج، وهذا يستدعي منه فتح منافذ أمام الطرف الايراني للانتقال من حالة المواجهة الى القبول بالتفاوض والجلوس على طاولة المباحثات وفتح جميع الملفات.
في المقابل، فان المراهنين على خروج ترمب وانتقال السلطة الى الديموقراطيين ستكون في الشكل اقل احراجا للنظام الايراني خاصة في ما يتعلق بالشرط الاساس الذي وضعته القيادة الايرانية لاي عملية تفاوض ويتلخص بعودة واشنطن عن قرارها الانسحاب من الاتفاق. الا ان ما بعد هذا الشرط سيكون اكثر احراجا في المضمون للقيادة الايرانية، اذ لن يكون لطهران الافضلية في تحديد تفاصيل اللائحة الطويلة من المطالب والشروط التي سيضعها بايدن امام اي مفاوض ايراني وتمس الكثير من الجوانب التي رفضت طهران على مدى العقود الماضية ان تقترب من مجرد البحث حولها، وتقاوم أي مقاربة لهذه الملفات من اي جهة داخلية او خارجية، وفي مقدمتها موضوع تطبيع العلاقات.
الا ان المسلمة التي قد تشكل اجماعات لدى جميع المكونات الايرانية الاصلاحية والمحافظة، ولدى النظام والمعارضين له في الداخل والخارج، هي ان النظام الاسلامي سيكون امام واحد من خيارين، ولا بد له ان يتحمل المسؤولية التاريخية والانسانية في القرار الذي سيتخذه والاتجاه الذي سيسير به بناء على الخيار الذي سيعتمده. فاما ان يبقى اسير الماضي، اي الاستمرار في حالة العداء والمواجهة مع واشنطن، خاصة في حالة التجديد لترمب في الرئاسية، اي اللعب على حبل رفيع بين الانهيار والانفجار الداخلي وما فيه من مخاطر وتهديدات تطال جوهر وجوده، او الذهاب للتمسك بسياسة الصمود امام العقوبات الاقتصادية والاثار المدمرة لها على الوضع الداخلي وحياة المواطن اليومية وهي ايضا تضعه أمام خيار الانفجار.
اما الخيار الاخر، الذهاب الى السلام من اجل الجميع، وهو الخيار الذي يضمن للنظام المقومات الاساسية للاستمرار والبقاء وقطع الطريق على جميع احتمالات الخطر التي تهدد وجوده، فإنه سيفتح الطريق امام الدخول في تسويات شاملة لا تقف عند حدود الملفات الخلافية المطروحة على الطاولة للتفاوض، ما يساعد ايران على تجاوز كل التحديات التي تواجهها ويساعد على عودتها الى المجتمع الدولي كعنصر فاعل وقادر على لعب دور وشراكة تحت غطاء من المجتمع الدولي. وهي مسارات على النظام الايراني ان يختار بينها بكثير من الجرأة وما فيها من مسؤوليات.
المدن
—————————
إيران تؤجل تسلحها/ بسام مقداد
ما أن رفع مجلس الأمن الدولي الحظر عن تسلح إيران في 18 من الشهر الجاري ، حتى سارع الإعلام الروسي إلى مناقشة إمكانيات إيران لتجديد “ترسانات سلاحها المتهالكة” ، ومن هي الدول ، التي ستتحدى العقوبات الأميركية وتبيع إيران ما تحتاجه من السلاح الثقيل . ومن جهتهم ، اعتبر الإيرانيون قرار مجلس الأمن نصراً حققوه على الولايات المتحدة ، إذ كان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد صرح عشية اتخاذ القرار ، بأن الولايات المتحدة فعلت ما بوسعها لتمنع حلول هذا اليوم ، “لكنها هُزمت بفضل صمود شعبنا وجهود دبلوماسيينا” ، وقال بأن إيران بدءاً من هذا التاريخ ستتمكن من بيع السلاح لمن تريد ، وتشتريه ممن تريد . لكن وزير خارجيته محمد جواد ظريف صرح في جلسة لمجلس الأمن الدولي في 20 من الشهر الحالي ، أن بلاده “لا تنوي الإنخراط في سباق تسلح في المنطقة ، على الرغم من رفع قيود مجلس الأمن” ، وشكر معظم أعضاء مجلس الأمن لوقوفهم ضد محاولات الولايات المتحدة الحؤول دون رفع الحظر ، حسب الموقع الروسي “الربيع الأحمر” .
صحيفة “NG” الروسية علقت على رفع الحظر الأممي عن تسلح إيران بمقالة بعنوان “إيران تؤجل سباق التسلح حتى الإنتخابات الأميركية” ، وقالت بأنه على الرغم من رفع الحظر عن استيراد السلاح الثقيل ، إلا أن طهران لن تجدد ترسانتها من السلاح . إلا أن الولايات المتحدة ، برأيها ، لم تستسلم للهزيمة ، واستبقت رفع الحظر ، وعمدت في ايلول/سبتمبر الماضي إلى فرض عقوباتها الخاصة على تجارة الأسلحة مع إيران ، وعممت العقوبات على تلك الدول والهيئات ، التي تغامر بمثل هذه التجارة . وهذه هي العقبة الرئيسية ، التي تعترض إعادة تسليح الجيش الإيراني .
العقبة الثانية تتمثل في وضع الإقتصاد الإيراني ، حيث يستعر التضخم ، ويتسارع انهيار قيمة الريال الإيراني . وتنقل الصحيفة عن فلاديمير ساجين الباحث في معهد الإستشراق الروسي قوله ، بأنه يمكن تحديد ثلاثة عوامل تفضي إلى انهيار الإقتصاد الإيراني : العقوبات الأميركية ، وباء فيروس الكورونا ، تراجع النشاط الإقتصادي وانخفاض اسعار النفط . وجميع هذه العوامل تفضي إلى الإحتجاجات الشعبية ، التي لم تنشط حتى الآن ، ولا تزال قليلة .
الحرب في ناغورني كاراباخ أصبحت عاملاً إضافياً لزعزعة الوضع في إيران، برأي المستشرق . طهران لا تستطيع تجاهل الإثنية الأذرية ، التي يبلغ تعدادها حوالي 30 مليون من أصل 82 مليون تعداد سكان إيران . من جانب آخر ، لا تستطيع طهران غض النظر عن الدور ، الذي يلعبه 200 الف أرمني في اقتصاد البلاد ، وفي اتصالاتها مع الغرب . ويستنتج الكاتب من هذا الواقع الإيراني ، ان الإحتمال كبير ، في أن تضطر طهران للتركيز على معالجة القضايا الداخلية ، وتخصيص موارد الدولة وماليتها لهذه القضايا.
من جانب آخر، حاجة الجيش الإيراني إلى إعادة التسلح كبيرة جداً . وينقل الكاتب عن مطبوعة عسكرية أميركية قولها ، بأن إيران تزمع تجديد كل أسطولها الجوي العسكري . وبعد أن يعدد أنواع الطائرات الحربية ، التي تحتاجها إيران ، والتي “لن تشتريها إلا من روسيا” ، ويشير إلى حاجات الأسطول الحربي البحري ، يقول بأن الجيش وفيلق الحرس الثوري سوف يمارسان ضغوطاً كبيرة على القيادة الإيرانية لزيادة الإنفاق على متطلبات الدفاع .
لهذه الأسباب كلها ، يرى الكاتب أنه لن تكون هناك عقود إيرانية فورية لاستيراد الأسلحة ، وسوف يتعين على روسيا والصين وإيران إنتظار نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية . فإذا وصل بايدن إلى البيت الأبيض ، سوف تكون لدى إيران خيارات ما ، ليس لأن الديموقراطيين موالون لإيران ، بل لأن سياستهم أكثر براغماتية من الجمهوريين .
BBC الناطقة بالروسية استبقت رفع الحظر بأيام ونشرت نصاً بعنوان “الحظر ينتهي . روسيا ستكون سعيدة ببيع إيران السلاح ، إذا وفرت إيران النقود” ، ونقلت عن خبير روسي قوله ، بأنه ، بعد رفع الحظر ، لن تكون هناك عقبات مبدئية لاستعادة بيع الأسلحة الروسية لإيران . لكنه مع ذلك ، يشير إلى وجود عقبتين جديتين تعترضان هذه المبيعات : قدرة إيران على الدفع والموقف الإسرائيلي من الأمر . وإذا كانت روسيا غير معنية بموقف الولايات المتحدة ، إلا أنها لن تتجاهل التفاهمات مع إسرائيل حول العديد من القضايا ، والعلاقات الشخصية بين بوتين ونتنياهو . ويتركز اهتمام إيران ، بشكل خاص ، على الطيران الحربي ووسائل الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية ، ويعتقد الخبير ، أن إيران سوف تشتري بين 12 و36 مقاتلة روسية من طراز سوخوي محدد ، وروسيا لا تخشى منافسة الصين في هذا المجال ، لأن صناعة الطيران الصينية تستخدم المحركات الروسية .
وكالة الأنباء الإقتصادية الروسية ” PRIME” استبقت أيضاً رفع الحظر بنص بعنوان “إيران بعد رفع الحظر سوف تعطي الأفضلية لروسيا” ، ونقلت عن وكالة نوفوستي فقرات من مقابلة مع برلماني إيراني. يقول هذا البرلماني ، أن إيران أصبحت حرة في عقد صفقات بيع وشراء السلاح مع من تريد ، وستكون أولويتها، الدول الكبرى ، مثل الصين وروسيا ، وكذلك الدول الصديقة وتلك، التي تعاونت جيداً مع إيران . ويذكر الرجل ، أن الشركاء المحتملين لإيران في صفقات الأسلحة من بين الدول الأخيرة ، هي سوريا والعراق ولبنان واليمن ، وحتى فلسطين ، ويقول بأن تحقيق الصفقات معها “سيكون سهلاً” .
وفي معرض حديثه عن حاجات إيران من السلاح ، يقول هذا البرلماني ، أن إيران بلغت الإكتفاء الذاتي في مجال الصواريخ . ويؤكد بأن لدى إيران أسلحة لم تعرضها حتى الآن ، “ونحن حاضرون لعرضها ، إذا رغب الأميركيون في ذلك” .
وكالة “تاس” الرسمية نشرت في اليوم التالي لقرار رفع الحظر نصاً بعنوان “ماذا يعني لإيران إلغاء الحظر على السلاح” ، وقالت بأن الحدث يمكن تسميته إنتصاراً لطهران في المجابهة مع الولايات المتحدة ، التي بقيت حتى اليوم الأخير متمسكة بمحاولة الحؤول دون رفع الحظر . إلا أنه ، وفي إطار مجمل سياسة دونالد ترامب لتقويض الصفقة النووية ، لايبدو الحدث الراهن أكثر من حلقة موفقة لا غير .
وتقول “تاس” ، ان إمكانيات إيران لشراء السلاح من الخارج ، كانت محدودة جداً طوال تاريخها منذ العام 1979 . وإذ أدركت طهران سريعاً عجزها عن الخروج إلى سوق إنتاج السلاح على جميع الإتجاهات ، ركزت على عدد من الإتجاهات ، التي حققت فيها نجاحات لا بأس بها ، وخاصة في حقلي الصواريخ والطائرات المسيرة . لكن إيران تبقى في عدد من الإتجاهات متخلفة عن منافسيها الإقليميين ، تركيا والسعودية وإسرائيل ، ورفع الحظر بوسعه ، نظرياً ، السماح لطهران بسد هذه الثغرات . كانت الصفقة النووية محاولة من قبل طهران للتضحية بجزء من طموحاتها الجيوسياسية لصالح الإزدهار الإقتصادي ، إلا أن ترامب دمر هذا السيناريو الإيراني . وبعد سنوات على عقد الصفقة النووية ، والتي كانت من أصعب السنوات في تاريخ البلاد، حققت إيران نصراً رمزياً ، بوسعه أن يكون سبباً لتفاؤل موزون وسط القيادة الإيرانية . إلا أن السؤال الرئيسي ــــــ كيف يمكن تطوير الإقتصاد في ظل العقوبات الأميركية ــــــــ يبقى سؤالاً معلقاً لا جواب عليه .
المدن
————————————-
======================