المعارض السوري هشام مروه: التوازنات الدولية الجديدة ستقرّر بقاء الأسد والأزمة الاقتصادية ستمهّد لـ”ثورات” من البيئة الحاضنة
حاورته: رلى موفّق
لعل أبرز ما يؤكده المعارض السوري هشام مروه، عضو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” أن الجمهوريين والديمقراطيين يتطابقان في موقفهما حول الأزمة السورية، ما يعني أن إعادة الإعمار في سوريا ووقف العقوبات الاقتصادية المطبّقة على النظام راهناً وعلى مَن يتعاون معه مرتبطة ارتباطاً مباشراً بمسار الحل السياسي، وهذا لن يتغيّر مهما كانت هوية “سيّد البيت الأبيض”.
هو لا يرى جدّية في الدور الروسي حيال دفع الأسد إلى الانخراط بالعملية السياسية، لكنه يعتبر أن التوازنات الدولية هي التي ستحدد بقاء الأسد ونظامه. وليس مؤتمر اللاجئين المزمع انعقاده في دمشق برعاية موسكو إلا شكل من أشكال البروباغندا غير المنتجة ومحاولة لتأهيل الأسد. غير أن الأزمة الاقتصادية، في رأيه، والتي تُفاقمها العقوبات، ومنها قانون قيصر، ستؤدي إلى تأجيج بيئته الحاضنة التي ستثور، وسيحصل الانفجار في النهاية.
مروه مقتنع بأن المعارضة السياسية السلمية التي أطلقت الثورة لا تزال موجودة، وهي عبارة عن شعب يُريد التغيير وتحقيق وضع أفضل، أي دولة قانون وديمقراطية، ومؤسسات خالية من الفساد والاستبداد، وتعمل بأطيافها المختلفة بشكل مكثف داخل سوريا وخارجها لتعزيز شرعيتها. ومن انتهى هو الفصائل المسلحة التي عملت على “عسكرة” الثورة، مؤكداً أن القرار السياسي الذي تأخذه قوى المعارضة هو قرار يُعبّر عنها، وقد استطاعت خلق توازن داخلي، حتى لو ظهر أحياناً أن “الائتلاف الوطني” محسوب على جهة، و”هيئة التنسيق” محسوبة على جهة أخرى. وفي ما يأتي نص الحوار.
*مع خبر إطلاق الرئيس السوري بشار الأسد حملته للانتخابات الرئاسية 2021 يشعر المراقب أن النظام السوري يتعامل وكأن لا شيء دولياً مطلوباً منه على مستوى العملية السياسية التي يُفترض أن تنتج دستوراً جديداً في مسار الحل للأزمة السورية؟
**من وجهة نظرنا، كمعارضة، الأسد لا يحترم القرارات الدولية ولا ينظر إلى تأثيراتها عليه. هو يستخف بها، خصوصاً في ما يتعلق بالحل السياسي، واللجنة الدستورية، والإفراج عن المعتقلين، ووقف القصف حتى على المناطق الآمنة التي كانت فيها روسيا طرفاً، أي “مناطق خفض التصعيد”. القصف يحدث بشكل يومي، وعلى ما يبدو أن إيران حريصة جداً على أن تُبقي هذا الملف ساخناً، بمعنى أن تترك نقطة توتر في العلاقات التركية-الروسية، من دون أن يعني ذلك أن روسيا لا تستفيد من هذا التصعيد بترتيب علاقاتها مع تركيا في الشمال الغربي بناء على التقدّم، أو حسب درجة العلاقة التي تنشأ بين الأتراك والأمريكان بخصوص الملف المتعلق بشرق سوريا.
*الانتخابات ليست قراراً مرتبطاً بالأسد لوحده، هو لا يمكنه التصرّف بمعزل عن راعيه الروسي؟
** أتفق معك. لا جدية لدى الروس باتجاه دفع النظام للحل السياسي، ولذلك يقوم النظام بالتصعيد ويستخدم أحياناً ميليشيات إيران، أو تقوم إيران بالدفع باتجاه التصعيد، إما بالتنسيق مع الروس أو برضاهم. الروس يستفيدون من هذا التصعيد باتجاه ترتيب الوضع السوري مع الجهات التي اتفقوا معها عندما دخلوا إلى سوريا. اتفاقات تمّت بين الروس والأمريكان والمجتمع الدولي الذي تغاضى عن الدخول الروسي إلى سوريا الذي كان مطلوباً منه مهمات معينة. لافروف و(جون) كيري توافقا في ذلك الوقت على إنهاء ما يُسمى بالفصائل العسكرية والتمهيد لعملية انتقال سياسي والقرار 2254. الروس لم يكونوا صادقين في هذا الأمر. مع وصول دونالد ترامب إلى الحكم، أعطوا انطباعاً مزيفاً للرأي العام بأنهم حريصون على دفع الأمور باتجاه الحل السياسي. حصلت يومها لقاءات مع بعض أطراف المعارضة السورية، كالشيخ معاذ الخطيب في الدوحة، وبرهان غليون أو بعض المعارضة في باريس، وبعض قيادات الائتلاف الوطني في إسطنبول، لكنهم لم يكونوا جديين. هم يحاولون بسط سيطرة الأسد على كامل سوريا، بما فيها إدلب وشرق سوريا، لكن الأمريكان منعوا تدخلهم في منطقة شرق سوريا، فعندما حاولت قوّة تقدّر بالمئات من مجموعة “فاغنر” التقدّم، أبادتها الطائرات الأمريكية، وكانت رسالة واضحة للروس أنه لا يمكن أن تدخلوا هذه المنطقة إلا بتوافقات معينة. وكذلك عندما أراد النظام مدعوماً من الروس والإيرانيين التقدّم نحو إدلب عام 2018 كان هناك موقف واضح من الإدارة الأمريكية بمنع دخول الروس والنظام إليها.
الأسد لا يشعرُ بجدّية الروس في دفعه باتجاه الحل السياسي، هو يريد أن تبقى الأمور في خانة المراوحة، وينتظر نتائج الانتخابات الأمريكية وموقف الإدارة الجديدة من الوجود الروسي في سوريا وموقفها من الملف السوري عموماً ومن الإيرانيين. موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من العلاقة مع إيران، والاتفاق النووي الإيراني، ستنعكس ظلاله بكل تأكيد على المشهد السياسي في سوريا، فالأسد يرى أن عليه الآن أن يُعيد إنتاج شرعيته ويظهر بشكل المنتصر.
*إذن ما الذي سيجبره على التغيير والقبول بالامتثال للحل السياسي؟
**الذي سيدفع الأسد للدخول في الحل السياسي هو أن سوريا مدمّرة وتحتاج إلى إعادة إعمار، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام وعلى شخصيات سورية. هذه العقوبات انعكست أزمة اقتصادية حقيقية في الداخل السوري.
*وهل فعلاً يهتمّ الأسد لجوع الشعب السوري؟
** هذا الأمر لا يهمّ الأسد، لكن المشهد بشكل عام والضغوطات الدولية عليه، والوجود الروسي، وعدم انتهاء الأزمة، كلها عوامل يمكن لها أن تُؤجج الأزمة مرة أخرى. توقّف دعم المعارضة، وتوقّف الضغط السياسي والعسكري على الأسد جعلاه ينحو بهذا الاتجاه. لكن مَن قال إنه لا يمكن ترتيب وضع المعارضة بشكل أو بآخر؟ وهل نستبعد أن يرفع الروس أيديهم عن المشهد السوري إذا لم يستجب الأسد لمخططاتهم؟
التوازنات الدولية هي التي ستطرح نفسها لبقاء الأسد ونظامه. والأزمة الاقتصادية التي تسود سوريا ستمهد لثورات من البيئة الحاضنة ومن البيئة التي تتعرَّض لكل هذه الضغوطات الاقتصادية. في النهاية سيحصل الانفجار، نعم هو يُحكم قبضته العسكرية والأمنية… لكن إلى متى؟ ثم أن المجتمع الدولي والأمريكان والاتحاد الأوروبي يطالبون الروس بدور في العملية السياسية، هذه الأمور تضغط على الأسد أيضاً.
عندما تقتنع روسيا بوجوب الضغط عليه للسير في الحل السياسي لا بد أن تفعل ذلك لإنجاز المهمة التي حضرت لتنفيذها، وهي أن تُعيد انتشار قواتها ونفوذها وهذا هدفها الخاص، وأن تفاوض الأوروبيين والأمريكيين على مصالح استراتيجية لها في أماكن أخرى في أوروبا وشرق آسيا، وفي الوقت نفسه الورقة السورية مفيدة لها، لذلك نراها تلعب دوراً في هذا الإطار، لكن متى وكيف؟ هذا يتوقف على نتائج الانتخابات الأمريكية ودور الإدارة الأمريكية الجديدة في الضغط باتجاه إيجاد الحل السياسي. الإدارتان الأمريكيتان، الجمهورية والديمقراطية، تتمسكان بمشروع إعادة الاستقرار إلى سوريا وإعادة إعمارها المرتبطة بالحل السياسي. لذا فإن إعادة الإعمار في سوريا ووقف العقوبات الاقتصادية المطبّقة على النظام وعلى مَن يتعاون معه مرتبطة ارتباطاً مباشراً بعملية الحل السياسي.
*في رأيك هناك تطابق كلي بين الديمقراطيين والجمهوريين بالنسبة لسوريا؟
** هناك تطابق بين الجمهوريين والديمقراطيين في ملفات قانون قيصر وإعادة الإعمار ودعم الحل السياسي والانتخابات على أساس دستور جديد. ثمَّ أن من الأمور الواضحة بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة هي حل المشاكل الموجودة فيها، وإيجاد إطار ومناخ سوري جديد تعمل عليه أمريكا، لذلك أبقت على قواتها في المنطقة الشرقية من سوريا حتى تلعب دوراً في رسم الخريطة بالطريقة التي تراها مناسبة، ومنع دخول الروس والنظام، بشكل أو بآخر، إلى منطقة الشمال الغربي التي هي الآن تحت سيطرة الأتراك، أو ما يسمى بمناطق خفض التصعيد، وأيضاً أبقت الباب مشرعاً من أجل أن يكون لها ترتيب في المستقبل القريب وفق المعطيات التي تفرضها، سواء الانتخابات أو المفاوضات التي تجري مع الأطراف وعلى الأخص الروس والأتراك.
أما الاختلاف الآن فيتمحور حول الدور الإيراني وحجمه في المنطقة. إدارة ترامب اتخذت عقوبات قاسية أثرت على إيران. قد يكون هناك تخفيف لهذه العقوبات مقابل تنازلات إيرانية في مناطق معينة مثل سوريا أو في الأداء الإقليمي. ربما هذا أحد الأهداف التي تعمل عليها إيران للاستفادة من التغيير في الإدارة الأمريكية. فحتى ترامب كان بصدد توقيع اتفاق نووي مع إيران في محاولة لإيجاد صيغة حل. هذه تصريحات فريقه الانتخابي، ولكن بالتأكيد لن تكون الإدارة الإيرانية بنفس الأريحية بالتعامل مع المشهد في حال بقي ترامب أو جاء فريق سبق أن تعاملت معه خلال الاتفاق النووي، وهو الفريق الذي كان إلى جانب أوباما والمرشح الآن لأن يقود المشهد السياسي مع وصول الديمقراطيين إلى الحكم.
معظم الأمور مُتفق عليها، فالتدخل العسكري مرفوض من الطرفين، واستمرار القوات العسكرية في المنطقة الشرقية مطلوب من الطرفين، لذلك بالنسبة لنا لا تغيير جوهرياً سوف يؤثر على الموقف الأمريكي.
*هناك توزّع في نفوذ القوى الإقليمية والدولية، ممكن أن يكون نهائياً، وربما تحصل عليه تبدلات، يدفعنا إلى التساؤل عن واقع سوريا المستقبل: أهي أقاليم أو مناطق حكم ذاتي أو دولة أو مشهد سوريا ما قبل 2011؟
**الفكرة الرئيسية أن الدستور أو الأوراق التي تقدَّم للحل السوري هي باتجاه أن يكون هناك نظام ليس لرئاسة الجمهورية فيه كل الصلاحيات التي تصنع ديكتاتوراً جديداً. هذه هي الورقة الدستورية التي يُعمل عليها، سيذكّرنا المشهد مستقبلاً بسوريا الخمسينيات وليس بسوريا ما قبل الـ2011.
ما تتطلع إليه المعارضة السورية هو أن تعود سوريا إلى وضع ديمقراطي ونشاط سياسي يسمح بإنتاج أوضاع أفضل. تجزئة سوريا وبروز دويلات في المنطقة توجّه مرفوض حتى من قبل الدول الإقليمية. المناخ ليس مناسباً لولادة دويلات إقليمية، وانخفاض صوت المعارك حالياً لا يشي بأن هناك توجهاً قادراً على فرض حلول عسكرية تؤدي إلى تفكيك سوريا.
*عملياً، نحن ننتظر إما موازين قوى خارجية تفرض نفسها وتجلب الجميع إلى الطاولة مجدداً وتضغط على الأسد للسير في العملية السياسية، وإما عوامل داخلية لا يمكن أن تكون إلا من خلال ضغط الأزمة الاقتصادية. برأيك هل الضغوطات الاقتصادية ممكن أن تدفع الأسد نحو السير بحل سياسي؟
** الأسد أصبح خارج إطار التأثر بمحيطه، فالأولوية لديه هي الحرص على الاستمرار، لكن الضغوطات الاقتصادية تشكّل ضغطاً حقيقياً على بيئته وعلى الجهات المرتبطة به، لذلك نراه يحاول إعادة تشكيل الأوضاع الاقتصادية، مما يُشير إلى حجم الضغط الاقتصادي الذي يُمارس عليه.
*إلى أي حد ساهم قانون قيصر في الضغط الاقتصادي؟
** بالتأكيد، قانون قيصر له دور مهم، وهو واحد من العقوبات التي تعمل عليها الإدارة الأمريكية للضغط على الأسد وعلى حلفائه من أجل الدخول في العملية السياسية. العقوبات القاسية لعبت دوراً لكن ليس فقط على الأسد، إنما أيضاً على حاضنته الشعبية وعلى حلفائه. إيران وروسيا تعانيان اقتصادياً وستعانيان أكثر إذا استمرتا في دعم النظام السوري. المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لهذه الدول لا تسمح بأن تضحّي بمصالحها، كما أن تغيير الأسد أو الضغط عليه من أجل القبول بالعملية السياسية أسهل عليهما من معاناة أزمة اقتصادية أو سياسية حقيقية في بلادهما.
*كعضو في فريق متابعة قانون قيصر في الائتلاف، هل القانون يفعل فعله على مستوى البيئة الحاضنة؟
** نعم هو يفعل فعله ويؤثر على البيئة الحاضنة. لكن هل هو قادر على إسقاط النظام وعلى إقناع الأسد؟ بالتأكيد لا. فالوضع صعب جداً في سوريا ولبنان وإيران بفعل قانون قيصر الذي لم يصل تنفيذه إلى الحدود القصوى. ومحاولات التهرّب من تطبيقه عبر “الالتفافات” التي تقوم بها شركات لبنانية وعربية وروسية وإيرانية توحي بأن هناك مشكلة يحاولون مواجهتها.
قانون قيصر ترك الباب مفتوحاً للنظام في حال أوقف القصف وأفرج عن السجناء وانخرط في الحل السياسي، من خلال إعادة النظر في بعض العقوبات أو تجميدها، بمعنى أنه ربط هذه المسائل بالإدارة الأمريكية وبالرئيس الأمريكي وخوّله اتخاذ إجراءات تساهم في تخفيف العقوبات إذا كان هناك عمل إيجابي. أي وفق منطق “العصا والجزرة”، مع العلم أن أمريكا تنفذه بشكل مباشر، وليس سراً القول إنه لولا الموقف الأمريكي الرافض لإعادة تأهيل النظام لأعيد إلى الجامعة العربية.
* مع انطلاق الثورة كان هناك مناخ داعم بقوة لقوى المعارضة مما أعطاها زخماً مؤثراً، لكن مع مرور الوقت اضمحلت وفقدت فعاليتها… إلى أي حدٍ هي حاضرة اليوم؟
** المعارضة السياسية السلمية التي أَطلقتْ الثورة ما زالت موجودة، وهي عبارة عن شعب يريد التغيير وتحقيق وضع أفضل، أي دولة قانون وديمقراطية، ومؤسسات خالية من الفساد والاستبداد. التطوّر الذي حدث أن الفصائل العسكرية، التي لم تكن مطلباً للمعارضة السياسية، هي التي انتهت. الجهات السياسية والشعب الذي خرج بالتظاهرات ما زال موجوداً رغم ما قدَّمه من تضحيات ومعتقلين ودمار. ما زالت تجسّدات المعارضة السياسية التي واكبت الحراك السياسي وليس العسكري موجودة، الائتلاف موجود، والقوى الوطنية التي نشأت موجودة، وقد بلورت هذه القوى دورها وتخوض الآن مشاورات موسعة. الائتلاف يعمل في الداخل المحرر، ويعمل مع القوى السياسية في الخارج لتعزيز شرعية المعارضة السياسية التي انطلقت.
هناك انتفاضات في درعا وإدلب والمنطقة الشرقية، وحتى في مناطق النظام، كما أن السويداء التي كانت في مرحلة معينة خارج إطار الحراك السياسي انضوت الآن وبقوة. النظام هو الذي عمل على عسكرة الثورة وألصق بها صفة الإرهاب لتبرير ارتكاباته. أما القوى السياسية الوطنية الحريصة والتي فعلاً طرحها سياسي، بدءاً من “ربيع دمشق” وما تلاه من أنشطة وطنية وحراك سياسي تبلور من خلال ثورات الربيع العربي فهي موجودة، وتعمل من أجل تحقيق أهداف هذا التغيير.
*لكن هذا بحاجة إلى “مأسسة” فعلية؟
** الائتلاف يقوم بلقاءات تشاورية شبه أسبوعية مع قوى وطنية وتشكيلات اجتماعية، المعارضة بأطيافها المختلفة تعمل بشكل مكثف لم تشهده الساحة السياسية السورية سابقاً. داخل سوريا وخارج سوريا هناك أنشطة وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام هناك عمل من قبل معارضة الداخل، وحتى المعارضة التي داخل هيئة التفاوض. “هيئة التفاوض” هي إطار جامع لأكثر فصائل المعارضة السورية وتضم كل المعارضين. والائتلاف يعمل على ضم شريحة أكبر من المعارضين وهو على تواصل مع هيئة التفاوض. هدف الائتلاف هو جعل المعارضة بمستوى مقبول ومقنع للشعب السوري وللمجتمع الدولي. القيادات السياسية موجودة ولم تختف، هذه القيادات التي كانت في “ربيع دمشق” والتي أمضت نصف عمرها في المعتقلات ما زالت موجودة وتعمل فعلاً من أجل تحقيق هذه الأهداف سياسياً وهي معروفة ويتم التواصل معها من قبل الجهات الدولية.
أما مَن يدعم المعارضة؟ فمعظم الدول تدعمها. قد تكون لبعض الدول مصالح وتوجهات إقليمية معينة تحاول أن تتجاوز هذه الأزمة لكنها تصطدم بعقبة المجتمع الدولي الرافض لإعادة تأهيل النظام أو إعادة الإعمار أو إعادة اللاجئين أو حتى إعادة النظام إلى الجامعة العربية. هناك إرادة دولية في هذا الموضوع، وهذه تساعد وتؤكد وجود مناخ فاعل. الدول العربية داعمة وتحتضن هيئة التفاوض، المملكة العربية السعودية تحتضن هيئة التفاوض ودول الخليج بشكل عام وتركيا، والدول الداعمة هي أكثر من غير الداعمة لكن هل مستوى الدعم قادر على عمل عسكري؟ بالتأكيد لا، ونحن لا نحرص عليه. العسكرة دفع باتجاهها النظام وللأسف لم تأت آثارها بالخير على الشعب السوري.
*الائتلاف يأخذ من تركيا مقراً، هل الموازين ضمن قوى المعارضة قادرة على أن تكون منتجة أم أنها محكومة بصراع الدول الداعمة لها والمنقسمة بين قوى “اعتدال” في مواجهة قوى الإسلام السياسي؟
** بحكم انتفاء وجود الحالة العسكرية والتي استقرّت وفق توازنات دولية، فإن القرار السياسي الذي تأخذه قوى المعارضة هو قرار يُعبّر عنها، واجتماعات سوتشي مثال على ذلك. كان هناك ضغط روسي وتركي باتجاه أن يذهب الائتلاف إلى سوتشي، وكانت يومها لجنة التفاوض برئاسة الدكتور نصر حريري الذي صرح بأننا نرفض الذهاب لأن هيئة التفاوض أخذت قرارها بعدم الذهاب. هذا يعني أن قرار الائتلاف لم يتأثر بقرار الدول الإقليمية الداعمة والحريصة على ذلك. فالدور السياسي للمعارضة معروف، وهو أن تكون متقبلة للحل السياسي، وهذا الذي تحقق. الذي يرفض هو النظام وحلفاؤه. نحن كسبنا هذه النقطة، ولم نخسر أصدقاءنا ولم نكن تحت تأثير أي أحد من الأصدقاء لكن نحن نعمل معهم على الحل السياسي، أما أن ندخل في عملية سياسية لصالح الغير فهذا أمر مرفوض.
أمامنا معركة كبيرة لبناء سوريا ونحتاج إلى دعم الأصدقاء ولا نريد أن نوسّع دائرة الخصوم. معركة الحفاظ على الأصدقاء لبناء مستقبل سوريا هو أمر مطلوب، والمعارضة نجحت في هذا الشيء واستطاعت خلق توازن حتى لو ظهر أحياناً أن الائتلاف محسوب على جهة، وهيئة التنسيق محسوبة على جهة أخرى.
*اللاجئون السوريون يدفعون الثمن الباهظ، هل تتوقع حقيقة أن يعودوا يوماً إلى ديارهم؟
** الذين يقطنون المخيمات في المناطق المحررة والنازحون سيعودون بشكل مؤكد إلى مناطقهم، وقسم كبير من اللاجئين خاصة في لبنان والأردن سيعودون، وأيضاً من أوروبا لا سيما مع تزايد النفوذ السياسي لليمين المتطرف، لكن يجب أن تكون العودة طوعية وإلى أماكنهم السابقة وليس كما يفعل النظام من خلال دعوته لمؤتمر للاجئين في دمشق المقرر عقده في 11-12 الشهر الحالي، ومحاولة الروس اللعب على هذه الورقة.
*ماذا يمكن أن يخرج به هذا المؤتمر، ومَن الأطراف التي تتوقع منها أن تشارك؟
**عودة اللاجئين في هذه الظروف هي شكل من أشكال “البروباغندا” غير المنتجة. وبالتالي هي نوع من الدعم للأسد في عمليته الانتخابية أو في محاولته لتأهيل النظام أو لإعطاء انطباع للمجتمع الدولي وللروس بأننا نعمل لإنجاز ما وعدنا الناس به. هذا الأمر خطير في وجهه السياسي لأن المجتمع الدولي وعلى الأخص الإدارة الأمريكية لا يريان أن الظروف مناسبة للدعوة لمؤتمر اللاجئين. ما الذي تغيّر حتى يعود اللاجئون إلى مناطقهم؟ هناك مناطق وضعها سيّئ جداً وقرى أبيدت بالكامل. ما لا يقل عن 3 ملايين منزل مدمر فإلى أين سيعود هؤلاء؟ لا بد للمجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يعملان، وفق ما تفرضه اتفاقيات اللاجئين.
توقعاتي أن تشارك في هذا المؤتمر الدول التي تستفيد من انعقاده أو الحريصة على إدراج نوع من الدعم للأداء الروسي أو للنظام، في ظل وجود ترتيبات من أجل إعطاء إيجابيات للنظام والدعم لحملة الأسد الانتخابية، فهو يقول: “أنا أنهيت الأزمة ولم تعد هناك عمليات عسكرية والآن أعمل على إعادة اللاجئين”.
أعتقد أن تركيا لن تحضر، وكذلك أستبعد حضور لبنان الرسمي والأردن، وقد يُستعاض عنه بمنظمات وجهات غير رسمية، وأتوقع مشاركة بعض الدول التي أعادت علاقاتها مع النظام، مثل إحدى دول الاتحاد السوفييتي السابق، وكن لن يكون هناك من نتيجة.
القدس العربي