عن “المعركة المبكرة والصامتة” بين روسيا وأميركا على الانتخابات الرئاسية السورية -مقالات مختارة-
حلفاء بشار في واشنطن/ عمر قدور
من المحتمل جداً أن يكون أصدقاء لبشار الأسد في واشنطن قد بادروا إلى التواصل مع فريق الرئيس جو بايدن قبل انتخابه، وهذا مباح كما نعلم وفق التقاليد السياسية الأمريكية التي تعتمد فكرة “اللوبي”، وكانت جماعات الضغط السورية المناهضة لبشار قد تواصلت مع مستشاري بايدن، إنما تحت الأضواء لا خلفها. على أية حال، يصعب حالياً أن تظهر في واشنطن شخصيات مؤثرة تجهر بتأييدها لبشار، من دون استبعاد وجود هذا الاحتمال في الكواليس، لكن الأشدّ تأثيراً قد يكون هؤلاء الذين يقدّمون أفكاراً تظهر بريئة وحيادية تماماً، أفكاراً تظهر صائبة “تقنياً”، لتصب في مصلحته من دون التصريح بذلك.
روبرت فورد، آخر سفير لأمريكا في دمشق، واحد من أولئك الدبلوماسيين الذين يحرصون على إظهار أفكارهم منطقيةً وحيادية، مع لمسة إشفاق “لا بد منها” على المدنيين السوريين. آراء الرجل يتم تداولها بوصفه خبيراً في الشأن السوري، وهو تشبّث بقوة بهذه المكانة إلى درجة ننسى معها خدمته الدبلوماسية السابقة في العديد من الدول العربية، ومنها العراق في وقت حساس بين عامي 2004 و2006. تقاعدَ فورد من وظيفته في نهاية شباط2014، ونُقل عنه حينها انتقاده سياسة إدارة أوباما، إلا أنه كذّب الكلام المتداول على لسانه، وكان عقب مغادرته دمشق في تشرين الأول2011 قد تعهد بمواصلة العمل مع زملائه في واشنطن على دعم “الانتقال السلمي للحكم”.
شهد فورد عن كثب، أثناء تسلّمه الملف السوري، كيفية تعامل إدارة أوباما مع مجزرة الكيماوي التي ارتكبها بشار، وكيف تراجعت إدارته عن خطّها الأحمر، من دون أن يُقدِم على بادرة احتجاج من نوع الاستقالة، وحتى عندما أتت الأخيرة بعد أشهر فقد كان مرشّحاً ليكون سفيراً في القاهرة، ما يكشف عن الرضا الذي كان يحوزه في إدارة أوباما. فورد أيضاً لا يحمل إحساساً بالذنب تجاه السوريين، فهو قد وجّه بعد تقاعده في بعض المناسبات انتقادات خفيفة لإدارته، مقابل انتقادات أقسى للمعارضة السورية التي لم تستوعب التوجهات الفعلية لإدارة أوباما، فضلاً عما تستحقه من نقد على مجمل أدائها.
تنصّلَ فورد من المعنى العميق للاعتذار بالإيحاء بأنه مجرد موظف ينفّذ سياسة حكومته، بل إنه “لعميق حرصه على السوريين” تجاوز حدود تفويضه بأن حاول إفهام المعارضة السورية أن لا تعوّل على دعم حاسم من واشنطن. ومع الإقرار بأنه لم يكن ليستطيع رسم سياسة أوباما إزاء سوريا، وارتباطها بمفاوضاته مع طهران، فإن هذا لا يعفي فورد لأنه لم يمتلك شرف محاولة تغيير تلك السياسات، ولم يمتلك روح القتال ليرتقي من موظف صغير إلى مدافع عن قضية، ولو فعل لم يكن سيسجل سابقة في العمل الدبلوماسي الذي يحفظ تاريخه شخصيات ناصرت بقوة قضايا محقة مع تمثيلها مصالح بلادها.
مقال فورد بعنوان “هل اقتربت أمريكا من الانتصار في سوريا؟”، نُشر في جريدة الشرق الأوسط 16/12/2020، نموذجٌ يكاد يختصر العقلية التي يمثّلها صاحب المقال ونظراؤه، ورغم أنهم لا يرسمون مباشرة السياسات الكبرى إلا أنهم يساعدون في الإعداد لها، أو في التسليم بها كخيار وحيد أو أمثل. يكتب فورد بانتظام في الجريدة المذكورة، ولا يغيب الشأن السوري عن كتاباته، لكن للمقال الأخير مغزى أكثر خصوصية، إذ يأتي مع تهيئة الرئيس بايدن فريقه الرئاسي، ومع الانتقال المفترض من سياسة خارجية جمهورية إلى ديموقراطية، ليكون المقال خاصاً أيضاً لجهة استعراضه ما فعلته إدارة ترامب وما يمكن لإدارة بايدن فعله، أو يتوجب عليها ذلك.
يبدأ فورد مقاله من تفنيد تصريح أمام إحدى لجان الكونغرس لمسؤول في وزارة الخارجية، يقول فيه أن الهزيمة التامة لداعش وانسحاب القوات الإيرانية، مع الوصول إلى تسوية سياسية في سوريا، باتت جميعاً في المتناول. أما تعليق فورد الذي يليه مباشرة فهو أنه لا يلمس أية إنجازات تساعد الجانب الأمريكي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء. بعد الاستهلال سنكون إزاء نقد لمجمل سياسات إدارة ترامب، مثل العلاقة مع قسد والعقوبات بموجب قانون قيصر، وصولاً إلى تكذيب زعم الانتصار على داعش، بما أن الأخير استأنف مؤخراً عملياته العسكرية ضد قوات الأسد.
في تفاصيل المقال؛ لدينا سياسة أمريكية فاشلة، إذ لا تموّل قسد وتجعلها تعتمد على العائدات النفطية، فضلاً عن أن سيطرة القوات الأمريكية على آبار النفط تزيد من الضغوط المالية على سلطة الأسد. هنا يربط فورد بين هذا الجانب والعقوبات الأخرى بموجب قيصر وطوابير السوريين من أجل شراء الاحتياجات الأساسية التي لا يمكن اعتبارها نجاحاً للسياسة الأمريكية، مع تنويهه بأن سلطة الأسد لا تقبل الإصلاح أو المساءلة. من دون أن نكون في موقع المساند لعقوبات تهدد لقمة المدنيين؛ يتعمد فورد تجاهل رغبة ترامب “التي عبّر عنها مرات عديدة” في الانسحاب من سوريا، واستدعى إقناعه بالبقاء أن يكون بلا تكلفة مالية، أي أن تتموّل قسد من إيرادات النفط، ومن المعلوم أن تجارة النفط الأساسية لقسد هي مع سلطة الأسد نفسها بترخيص من إدارة ترامب، ما يدحض فكرة الحصار الخانق.
أما تكذيب الانتصار على داعش فهو يدخل أولاً في باب الدحض الشكلاني، فالانتصار التام غير موجود بما أن التنظيم ينشط في أماكن أخرى، حتى إذا كانت هذه الأماكن خاضعة لموسكو بموجب خريطة تقاسم النفوذ، وحتى إذا كانت الأخيرة لا تتولى مسؤوليتها كما يجب في مكافحته. لقد رأينا مثلاً غارات أمريكية استهدفت قادة على صلة بتنظيم القاعدة في إدلب، وهذا ما لا تستطيع فعله في أماكن سيطرة موسكو ومجالها الجوي. لا يقفز فورد فقط عن عدم قيام قوات الأسد وموسكو بمحاربة داعش جدياً على منوال محاربتهما مع طهران باقي الفصائل، بل يبدو كأنه يدفعنا خفية إلى استنتاج لا يريد التصريح به، وهو ضرورة تعاون هذه الأطراف من أجل إنزال الهزيمة التامة بداعش.
هو يعتبر أن تهديد داعش الغربَ سواء بسواء أينما وجد، وإذ ينوّه بزيادة العمليات التي تشنّها قوات الأسد ضده مؤخراً فهو يعود إلى العقوبات الاقتصادية، بعد إسهاب في الحديث عن آثارها المعيشية، ليقول أنها “تقلل من الموارد المتاحة أمام الحكومة السورية لمحاربة تنظيم داعش”. إننا، من طرف خفي، أمام دعوة لرفع حتى العقوبات التي تؤثر على “المجهود الحربي” لقوات الأسد تحت زعم الحرب على داعش، والحق أن هذا المنسوب من التسهيل أو الدعم أعلى مما يطمح إليه بشار موسكو حالياً.
لا ينسى فورد الهجمات التي تشنها قوات الأسد على إدلب وتتسبب بمقتل المدنيين. “إنه نظام وحشي مسؤول عن الكثير من جرائم الحرب والمجازر المدنية. ولكن، ليس هناك في سوريا ما يمكن وصفه باليسير أو البسيط”. هذه الفقرة من نهاية المقال يجوز لنا اختصارها بـ”ولكن” وما يليها، إلا أنه “تأكيداً على عدم وجود ما هو بسيط أو سهل” يستأنف بأن الإجراءات الأمريكية الرامية لإجبار الأسد على تقديم تنازلات سياسية، ووقف الهجمات على المدنيين، هذه الإجراءات تلحق الأذى بالمدنيين، وتعقّد مجريات القتال ضد الإرهاب! ثم يضع هذه الخلاصة صراحة أمام إدارة بايدن، لتقرر بناء عليها ما يمكن وما لا يمكن لها إنجازه في سوريا.
إننا مع مثل هذا المقال نكاد نصل إلى ضرورة وأولوية تمكين بشار الأسد لرفع المعاناة المعيشية عن السوريين، وأيضاً لهزيمة الإرهاب! ومع أمثال فورد، نكاد نغفر لأوباما سياساته، لا لصوابها أو عدمه وإنما أيضاً لأنها تعبّر عن تيار دبلوماسي أمريكي، تيار قد يتجاوز الانقسام بين ديموقراطيين وجمهوريين، ففورد نفسه كان سفيراً في عهد الجمهوري جورج بوش الابن وفي عهد الديموقراطي أوباما، وها هو كأنما يعرض بضاعته على الإدارة المقبلة. هذا النمط من التفكير، الموجود في العديد من دوائر الدبلوماسية الغربية هو خير حليف لبشار وأمثاله من طغاة المنطقة، فهو لا يتقنّع فقط بمنطق انتقائي يقود إلى دعمهم، بل يتمتع بمستوى من الصلافة والعجرفة بحيث يطرح ذاته الصواب الوحيد، وعلينا نحن خاصة “أبناء المنطقة وضحايا الطغاة وحلفائهم” أن نتخذ في المقابل منه وضعية التلميذ الذي لا يدرك مصلحته بقدر ما يدركها هؤلاء. كأن روبرت فورد، على نحو خاص، استمرأ وضعية الأستاذ التي أتيحت له مع قياديين في المعارضة السورية، ويعزّ عليه التفريط بهذا المجد.
المدن
—————————
الأسد اللاشرعي/ بشير البكر
عملية ترشيح بشار الأسد لولاية رئاسية في منتصف العام المقبل باتت مفتوحة في صورة رسمية، ودخلت مرحلة تبادل الضغوط بين الأطراف الدولية المعارضة، وبين روسيا وإيران كطرفين راعيين للقضية. وكانت أول مهمة قام بها وزير خارجية النظام الجديد فيصل المقداد هي الحج إلى طهران، لطلب موافقة المرشد علي خامنئي على الأمر. وطرح المقداد خلال اللقاء أن نظام الأسد سيجري انتخابات الرئاسة العام المقبل، معرباً عن أمله في “أن يواصل أصدقاء سوريا وقوفهم إلى جانبنا بقوة”. ولم يعد المقداد خالي الوفاض، وصدرت الموافقة خلال وجوده هناك على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أعرب عن أمله في إجراء “انتخابات عامة في سوريا خلال العام المقبل، ليبدي فيها الشعب وجميع القوى السياسية رأيهم”. وحمل المقداد الإجابة الإيرانية وطار بها إلى موسكو في السابع عشر من الشهر الحالي كي يحصل على تصديق الوصي الروسي، ذلك أن المباركة الإيرانية لا تكفي وحدها. وبالفعل لم يتأخر الرد الروسي الذي يتبنى الترشيح بوصف الأسد خيار موسكو الذي لا بديل عنه حتى الآن. لأنه من جهة الضامن لمصالح روسيا في سوريا، وورقة المساومة الروسية مع أميركا من جهة أخرى.
الولايات المتحدة لا تفوت فرصة خاصة بسوريا منذ عدة أشهر، من دون أن تثير مسألة ترشح الأسد، وتبدي اعتراضها عليها، وفي كل مرة تؤكد أن الأمر مرفوض، بل أن الانتخابات المزمع تنظيمها في منتصف العام المقبل غير شرعية، وصدرت مواقف بهذا الخصوص من السفير جيمس جيفري مبعوث الولايات المتحدة السابق للشأن السوري ونائبه جويل رايبورن ومن كيلي كرافت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، والتي شددت في آخر جلسة عقدها المجلس حول سوريا الأربعاء الماضي على أن الانتخابات التي يزمع نظام الأسد تنظيمها العام المقبل، هي غير شرعية في عرف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، متوعدة بفرض مزيد من العقوبات على النظام وداعميه. وقالت إن “واشنطن ستواصل فرض العقوبات على نظام الأسد والدول الداعمة له لإعاقتهم التقدم في العملية السياسية والتطلعات الشرعية للشعب السوري”، مشددة أن ذلك “سيتم بالتوافق مع الحفاظ على المساعدات الإنسانية للمحتاجين.” وكانت المواقف ذاتها صدرت منذ حوالي شهرين عن سفراء كل من الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا. وأكد هؤلاء أن بلدانهم لن تعترف بالانتخابات الرئاسية في سوريا، وستتعامل مع نتائجها على أنها غير شرعية. وذلك في الوقت الذي تشدد فيه واشنطن العقوبات على الأسد وداعميه حسب قانون قيصر.
معركة الانتخابات الرئاسية وترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة، سوف تتحدد ملامحها النهائية حين تستقر الإدارة الأميركية الجديدة وتباشر العمل. ومن المتوقع أن تقف إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بصرامة أكثر ضد إعادة تعويم الأسد من خلال انتخابات رئاسية جديدة. وصدرت تقديرات من أوساط على معرفة بتوجهات فريق الخارجية الأميركية في الإدارة المقبلة تفيد، بأن هناك توجها لإصلاح الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس السابق باراك أوبوما في سوريا، والتي ترتب عليها إطالة أمد معاناة السوريين، والسماح للأسد وروسيا وإيران بمواصلة ارتكاب المجازر وتهجير الشعب السوري وتدمير مرافقه الحيوية بلا محاسبة.
ومن المرتقب أن يشهد اجتماع اللجنة الدستورية في دورتها الخامسة، والمقرر أن ينعقد في الخامس والعشرين من الشهر المقبل لمناقشة “المبادئ الأساسية للدستور”، مواجهة حول جملة من القضايا تدور حول الانتخابات الرئاسية. والواضح من سلوك روسيا والنظام أنهم يريدون المماطلة في كتابة أو تعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي لا يلقى موافقة من المعارضة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية. ويصر هؤلاء على عدم شرعية ترشح الأسد سواء تم إنجاز الدستور قبل موعد الرئاسية أو بعده، ويسود الاعتقاد أن تتقدم هذه الدول بصيغة إلى الأمم المتحدة من أجل انتخابات رئاسية لا يكون الأسد من بين المرشحين لها، وهذا مرهون بتبني إدارة بايدن للمسألة بقوة.
تلفزيةن سوريا،
—————————–
الرئاسة السورية..معركة محتدمة باكراً/ ساطع نور الدين
في الافق ما يوحي بأن معركة إنتخابات الرئاسة السورية المقررة بعد ستة أشهر، قد بدأت بالفعل، وبشكل مبكر وغير مألوف في ظل النظام الاسدي. وهي حتى الآن لا تزال من دون مرشحين جديين ومن دون ناخبين مسجلين، وربما تجرى من دون صناديق إقتراع شرعية..
إشارة الإنطلاق لتلك المعركة كانت بالتحديد في مؤتمر إعادة اللاجئين الذي نُظِم في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني الماضي، والذي شهد تصعيد النزاع الروسي الاميركي على تلك الكتلة البشرية المقدرة بأكثر من نصف عدد السوريين، والموزعة في مختلف أنحاء العالم، وحقها في التصويت لإختيار إسم الرئيس المقبل، حسب قرارات وتوجهات الشرعية الدولية، التي نصت على وجوب أن تشمل الانتخابات جميع اللاجئين السوريين من دون إستثناء، في مراكز إقتراع تفتح لهم في مراكز هجرتهم وتخضع لإشراف ومراقبة الامم المتحدة.
في ذلك المؤتمر، قالت موسكو ان اللاجئين ليسوا في رصيد أميركا ولا سواها من الدول المضيفة، وهم بالتالي لن يسمح لهم بأن يصنفوا ككتلة ناخبة لمصلحة المرشح الرئاسي المفترض لتلك الدول، وذكّرت بأن الحرب السورية إنتهت وباتت الابواب مفتوحة لعودة اللاجئين.. ولم تأبه للشروط التي حددها الرئيس بشار الاسد، للسماح بعودتهم، ومنها ضمان السيطرة الكاملة للنظام على جميع الاراضي السورية لاسيما المنطقة الشمالية، وتوفير مليارات الدولارات لتغطية نفقات معيشتهم وإعادة بناء مساكنهم ومشافيهم ومدارس أولادهم.
وفي حينه جددت واشنطن الموقف الذي تتبناه الامم المتحدة بمختلف مجالسها ووكالاتها، لا سيما تلك التي تعنى بشؤون اللاجئين السوريين، حول ضرورة توفير شروط العودة الطوعية والآمنة للاجئين، والكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين لاسيما الذين غامروا بالعودة، في العامين الماضيين الى المناطق الآمنة نسبياً، والذين يقدر عددهم بما يزيد على ثلاثين ألفاً، أضيفوا الى نحو 150 ألف معتقل او مفقود منذ العام 2011 وحتى اليوم.
على هامش مؤتمر دمشق كررت موسكو تمسكها بإجراء الانتخابات الرئاسية السورية في موعدها، وهو موقف تتبناه طهران رسمياً أيضاً، وقد أبلغه الرئيس الايراني حسن روحاني قبل أيام الى وزير الخارجية السورية فيصل المقداد في طهران.. بغض النظر عن حصيلة إجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي لا تزال تدور في حلقة مفرغة، من دون أي أمل في ان تصل يوماً الى صياغة دستور سوري جديد، أو حتى الى تفاهم على آليات العملية السياسية في المرحلة المقبلة.
وكان من أهم نتائج مؤتمر دمشق، إعلان الحكومة اللبنانية عن نيتها إستضافة الجولة المقبلة من ذلك المؤتمر في بيروت، في موعد أقصاه نهاية الشهر المقبل، من أجل تأكيد شراكة لبنان في ذلك الجهد السياسي الروسي-السوري، لضمان الاحتفاظ بورقة اللاجئين السوريين في لبنان، وإسقاطها في صناديق الاقتراع السورية التي ستفتح في موعد الانتخابات الرئاسية، لتتلقى نحو نصف مليون صوت سوري، لصالح الأسد، على غرار ما جرى في العرس الديموقراطي الاخير في العام 2014، عندما كانت حافلات النظام وحلفائه تنقل الناخبين السوريين من جميع المناطق اللبنانية، الى السفارة السورية في اليرزة، لتعلن الفوز الساحق للأسد على جميع منافسيه، غير المعروفين.
المشهد نفسه يجري التحضير له منذ الآن، كمقدمة للقيام بخطوات روسية-سورية مشابهة في بلدان اللجوء السوري، لا سيما الاردن والعراق، وربما تركيا وألمانيا، حيث بدأ التواصل مع الحكومات، ومع المفاتيح الانتخابية السورية، ومع الناخبين السوريين المحتملين، للمشاركة في تلك “المعركة الديموقراطية”.. سواء بالعودة الى الوطن والتصويت داخله، او البقاء والتجاوب مع دعاية النظام وضغوطه وتهديداته.
الائتلاف السوري المعارض الذي شعر كما يبدو بتلك الحركة الروسية-السورية، بادر، بناء على نصيحة غربية مباشرة، ومتسرعة، الى تشكيل هيئة للانتخابات، تتولى التواصل مع الناخبين في بلدان اللجوء وتوجيههم وتدريبهم على خوض مثل هذه التجربة، أو على الأقل تحذيرهم من محاولات النظام لإختراق صفوفهم. لكن ذلك القرار المتسرع سقط على الفور تحت وطأة ضغوط الجمهور السوري المعارض، الذي لم ولن يتقبل أبداً فكرة المشاركة في عملية إنتخابية بوجود الاسد في السلطة.. والاهم من ذلك أنه ليس مستعداً لتحمل فكرة أن سقف المجتمع الدولي إنحدر الى مستوى دعوة اللاجئين الى الإدلاء بأصواتهم في الخارج، على وعدٍ بأن يتم إسقاط الأسد من خلال فرز تلك الاصوات!
وبناء على ذلك، تحرك عدد من أعضاء مجلس النواب الاميركي قبل أيام من أجل الدفع بمشروع يدعو إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن الى عدم الإعتراف بشرعية نظام الاسد وحقه في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، في الوقت الذي يبدو فيه ان الادارة الاميركية الجديدة تتجه نحو زيادة الضغوط على الروس والنظام، من أجل توفير قاعدة ملائمة لتسوية ثنائية تؤدي الى إنهاء الحرب السورية.
التراشق السياسي بين موسكو وواشنطن يتصاعد يوماً بعد يوم، تحت عنوان معركة الرئاسة السورية، وما إذا كان يمكن، أو يجب إشراك اللاجئين في عملية التصويت، وما إذا كانت الامم المتحدة مؤهلة لتنظيم تلك العملية في بلدان اللجوء، عدا لبنان طبعا، حيث أصبحت النتائج جاهزة من اليوم، مثلها مثل النتائج المضمونة في مناطق سيطرة النظام.
وهي أسئلة مطروحة جدياً الآن، وإن كان لا يزال يسبقها سؤال جوهري، حول ما إذا كان يحق للاسد الترشح، وهل يمكن العثور على مرشحين منافسين له في الخارج..من بين أولئك المعارضين السوريين، الذين بدأوا يحلمون بالعودة الى حضن الوطن على حصان رئاسي..
هي معركة أسابيع، أو أشهر قليلة، لكي يُبتّ أمرُ الرئاسة السورية، ويُمنع “الفراغ الدستوري”!
المدن
——————————
«معركة مبكرة وصامتة» بين روسيا وأميركا على الانتخابات الرئاسية السورية/ إبراهيم حميدي
شروط غربية صارمة للاعتراف بـ«شرعية الاقتراع»… وبيدرسن يتراجع عن «العدالة التصالحية»
اندلعت «معركة صامتة ومبكرة» بين روسيا وحلفائها من جهة، وأميركا وشركائها من جهة ثانية حول الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة قبل انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد في منتصف يوليو (تموز) المقبل.
وستكون الانتخابات، الأولى بعد الوجود العسكري الروسي والتغييرات الميدانية وثبات «خطوط التماس» بين «مناطق النفوذ» الثلاث وسط أزمة اقتصادية وعقوبات و«عزلة دبلوماسية»، إضافة إلى أنها ستحصل في الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
وتريد موسكو، ومعها دمشق وطهران، أن تجري الانتخابات بموجب دستور 2012 بعيداً عن الإصلاحات في جنيف بموجب القرار 2254 ومناسبة لـ«طيّ صفحة» وبدء الأطراف الإقليمية والدولية للتعامل مع «الحكومة الشرعية».
في المقابل، تتجاهل واشنطن «الرئاسية» بحيث أنها «لن تعترف بأي انتخابات لا تتم بموجب 2254». أما حلفاؤها، فهم منقسمون، فالبعض يريد تجاهل الانتخابات، فيما يقترح آخرون دعم مرشح للمعارضة أو وضع معايير لـ«الاعتراف بأي انتخابات».
وكانت فرنسا قد صاغت «لا ورقة» حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، تضمنت شروطاً كي تحظى الانتخابات بـ«الشرعية»، بينها «إشراف منظمة الأمم المتحدة». وقال دبلوماسي غربي إن «البيانات الروسية للفصل بين الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية تثير قلقاً عميقاً وتُلحق ضرراً بالعملية السياسية وإجماع مجلس الأمن».
على صعيد آخر، تراجع المبعوث الأممي غير بيدرسن عن استخدامه مصطلح «العدالة التصالحية» في خطابه الأخير أمام مجلس الأمن، بعد انتقادات واسعة من معارضين سوريين.
—
موسكو تريدها نقطة انعطاف لـ«فتح صفحة جديدة» مع الأسد… ودول غربية تقترح معايير صارمة لـ«شرعنة أي اقتراع»
الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا هي ساحة لـ«معركة مبكرة وصامتة» بين موسكو وحلفائها من جهة، وواشنطن وشركائها من جهة أخرى، خصوصاً أنها ستكون الأولى بعد الوجود العسكري الروسي والتغييرات الميدانية الكبيرة وثبات «خطوط التماس» بين «مناطق النفوذ» الثلاث في سوريا لنحو سنة وسط أزمة اقتصادية عميقة وعقوبات اقتصادية غربية و«عزلة دبلوماسية وسياسية»، إضافة إلى أنها ستحصل في الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن.
رسالة واضحة
موسكو، ومعها دمشق وطهران، تريد أن تكون هذه الانتخابات بموجب الدستور السوري الحالي لعام 2012 بعيداً عن الإصلاحات المرتقبة في جنيف بموجب القرار 2254 ومناسبة لـ«طي صفحة» وبدء الأطراف الإقليمية والدولية للتعامل مع الأمر الواقع و«الحكومة الشرعية».
عقدت اللجنة الدستورية أربع جولات في جنيف، وستعقد في نهاية الشهر المقبل جولة خامسة مخصصة لملف الدستور على عكس سابقاتها التي بحثت في «المبادئ الوطنية». لكن دمشق أرسلت رسالة واضحة بأن الإصلاح الدستوري لن يحصل قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام المقبل. كما أن موسكو دعمتها برسالة أوضح من أنه «لا جدول زمنياً» للإصلاح الدستوري، وأن «الانتخابات الرئاسية شأن سيادي سوري».
عملياً، هذا يعني عدم حصول أي إصلاح دستوري قبل الانتخابات المقبلة قبل نهاية ولاية الرئيس بشار الأسد في منتصف يوليو (تموز)، بحيث تجري هذه الانتخابات بموجب دستور عام 2012، الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ويدشن ولاية ثالثة للأسد، ويحدد معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، بينها: الإقامة عشر سنوات متواصلة قبل التقدم للترشح، والحصول على موافقة 35 نائباً في البرلمان.
وكانت «الجبهة الوطنية التقدمية» التي تضم تحالف أحزاب مرخصة بقيادة «البعث» الحاكم قد فازت بـ183 مقعداً (بينهم 166 بعثياً) من 250 مقعداً في انتخابات البرلمان في يوليو الماضي، ما يعني أن قرار الترشح الرئاسي بأيدي الحزب الحاكم وتحالف الأحزاب المرخصة.
بالنسبة إلى دمشق وموسكو وطهران، فإن الإصلاح الدستوري مُرجأ إلى بعد 2021، أي بعد فوز الرئيس الأسد بولاية جديدة مدتها سبع سنوات، على أن يطبَّق الإصلاح في أول انتخابات برلمانية مقبلة في 2024 ما لم يقدَّم موعدها.
نقطة الخلاف بين موسكو ودمشق، هي أن الأولى تريد مشاركة آخرين في الترشح للانتخابات، وهي جسّت نبض شخصيات معارضة بدرجات. لكنّ هناك عقبات أمام ذلك، بينها عدم رغبة شخصيات أساسية بالدخول في «سباق تجميلي»، إضافةً إلى وجود عقبات في الدستور الحالي تتعلق بوجوب إقامة أي مرشح لعشر سنوات في البلاد وتوفر كتلة له في البرلمان من 35 نائباً. لذلك، لم تكن صدفة أن صحافية روسية سألت خلال زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف، لدمشق، في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن احتمال إلغاء شرط توفر عشر سنوات لأي مرشح رئاسي. لكن موقف دمشق، كان ولا يزال كما أعلنه وقتذاك وزير الخارجية الراحل وليد المعلم: «ستجري انتخابات رئاسية في موعدها. أما ما يتعلق بإلغاء شرط الإقامة (10 سنوات في سوريا)، فهذا شأن اللجنة العليا للانتخابات، لكن من حيث المبدأ كل من تتوفر له شروط الترشيح بإمكانه أن يترشح». للعلم، إن شروط الترشح هي شأن دستوري وليس من صلاحية اللجنة العليا للانتخابات.
وتدعم طهران هذا الاتجاه، الأمر الذي عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال لقاءاته مع زوار أجانب في الأيام الأخيرة، بل أشار إلى أن «الحكومة السورية شرعية ومتعاونة جداً في العملية السياسية والإصلاح الدستوري». أما موسكو، فهي لا تزال تبحث عن آليات لجعل الانتخابات المقبلة «بداية لانعطاف» غربي وإقليمي في التعاطي مع دمشق على أمل «فك العزلة والمساهمة في الإعمار وتطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية». قد يكون مفتاح ذلك، تعديل في الدستور الحالي لعام 2012 يسمح بـ«لون آخر» في الانتخابات.
مشاورات هادئة
تُجري الدول الغربية مشاورات هادئة بعيداً من الأضواء لاتخاذ موقف موحد من كيفية التعاطي مع الانتخابات: أميركا، تريد تجاهل «الرئاسية» كما حصل مع الانتخابات البرلمانية السابقة، بحيث إنها «لن تعترف بأي انتخابات لا تتم بموجب القرار 2254» الذي نص على انتخابات، لم يحددها رئاسية أو برلمانية، بإدارة الأمم المتحدة ومشاركة السوريين بمن فيهم المخولون في الشتات، أي اللاجئين. أما حلفاء واشنطن، فهم منقسمون. البعض يريد تجاهل الانتخابات، فيما يقترح آخرون دعم مرشح للمعارضة… أو وضع معايير واضحة بموافقة أممية لـ«الاعتراف بأي انتخابات».
حاول بعض الدول دفع المبعوث الأممي غير بيدرسن، لإعلان موقف من الانتخابات. لكنه قال إن هذه الانتخابات لا تتعلق بصلاحياته المنصوص عليها في القرار 2245، واكتفى بتعيين «مستشار انتخابي». لذلك، برز اقتراح أن تجري عملية صوغ مبادئ ومعايير الاعتراف بالانتخابات، على أن تصدر باسم الأمم المتحدة.
وكانت فرنسا قد صاغت «لا ورقة» تحدد المعايير الخاصة بالانتخابات. وتضمنت الـ«لا ورقة»، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، تأكيد أنه «في حال كونها انتخابات حرة، ونزيهة، ومحايدة، وتُجرى في بيئة آمنة حيث يمكن لجميع فئات الشعب السوري بمن فيهم النازحون واللاجئون المشاركة فيها من دون عائق، يمكن للانتخابات المقبلة في سوريا الإسهام الفعلي والحقيقي في إرساء المؤسسات المستقرة ذات الشرعية في البلاد بوصفها جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية الأوسع نطاقاً بموجب 2254، كما يمكن أن تشكّل أحد العناصر الرئيسية المعنية بالتسوية الدائمة للنزاع الراهن. وفي غياب هذه الشروط، يمكن التلاعب بها في محاولة لاستعادة الشرعية الموهومة لنظام حكم الأسد في مرحلة ما بعد الصراع، مع ردع اللاجئين السوريين في الخارج عن التفكير في الرجوع إلى الوطن».
وبالنسبة إلى هذه الوثيقة، يمكن أن تشكّل أحكام القرار الدولي 2254 «الأسس والمبادئ التوجيهية التي يُسترشد بها في المناقشات المقبلة بشأن الانتخابات، وذلك حتى يتسنى التأكد من أن الانتخابات لن تُعد ذات شرعية إلا تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وبما يتفق مع أعلى معايير الشفافية والمساءلة الدولية، وحيث تكون طوائف الشعب السوري كافة، بما في ذلك النازحون واللاجئون في الخارج».
شروط الشرعية
عليه، وضعت الوثيقة، التي تخضع حالياً للتعديل، شروطاً صارمة لقبول نتائج الانتخابات. واقترحت أن تستند «الرسالة» الغربية إلى أربعة شروط «كي تحظى بالشرعية»، هي:
«أولاً، إرساء تدابير بناء الثقة على أرض الواقع بهدف تهيئة الأجواء والبيئة الآمنة والمحايدة قبل، وفي أثناء، وعقب انعقاد الانتخابات، وذلك لضمان تمتُّع العملية الانتخابية بالمصداقية في ظل الشروط الأمنية الكافية مع حماية حقوق الأطراف كافة. وهذا الشرط هو الأكثر أهمية: إجراء الانتخابات في بيئة لا تتسم بهذه الشروط لن تكون ذات مصداقية، ولن تكون مستحِقة للدعم الدولي، أو مشاركة أو إشراف منظمة الأمم المتحدة.
ثانياً، وجود الضمانات القوية التي تؤكد مشاركة ووصول النازحين واللاجئين إلى مراكز الاقتراع (…) في ظل وجود 12 مليون لاجئ خارجي ونازح داخلي في سوريا، فمن الأهمية البالغة أن يتمكن كل المواطنين السوريين في الشتات من التصويت مع حيازتهم لحق الترشح أيضاً في الانتخابات.
ثالثاً، الشروط القانونية والعملية الميسرة لإجراء الاقتراع التعددي، أي وجود ضمانات للاقتراع المفتوح والمتعدد يعني وجود إصلاح انتخابي ملائم، بما في ذلك إصلاح المادتين (84، و85) من الدستور السوري، وتشكيل لجنة مستقلة تحت إدارة الأمم المتحدة معنية بمراجعة الترشيحات للانتخابات.
رابعاً، يضمن إشراف منظمة الأمم المتحدة على الانتخابات توافر الحياد الصارم في العملية الانتخابية. بناءً عليه، لا بد للأمم المتحدة توجيه ومراقبة العملية الانتخابية برمّتها (إصلاح قانون الانتخابات، وإرساء الأدوار الانتخابية، والاقتراع، ومراكز التصويت، والبنية التحتية الانتخابية المناسبة، والتسجيل، وما إلى ذلك) حتى يتسنى إثبات مصداقيتها الكاملة.
وكان دبلوماسي بريطاني قد قال: «من واقع القرار 2254، من الواضح أنه ينبغي صياغة الدستور الجديد قبل الشروع في إجراء الانتخابات الجديدة. وعلى النحو المذكور، فإن البيانات الروسية الأخيرة التي تشير إلى إمكانية الفصل بين الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية تثير قدراً عميقاً من القلق، إذ إنها تُلحق الأضرار بالعملية السياسية وإجماع الآراء المتفق عليها في هذا المجلس».
ورفضت الدول الغربية الاعتراف بالانتخابات البرلمانية في 2012 و2016 و2020 والرئاسية في 2014، وربط الاتحاد الأوروبي «استعداده التام للاضطلاع بإعمار سوريا بوجود عملية انتقالية سياسية شاملة وحقيقية على أساس القرار 2254». وتفرض واشنطن عقوبات بموجب «قانون قيصر» على دمشق وعزلة سياسية ودبلوماسية عليها، إلى حين لعب دور إيجابي في تنفيذ القرار 2245 وإخراج إيران، وتنفيذ مطالب أخرى.
خلفية تاريخية
وتمثل الانتخابات الرئاسية المقبلة رقم 18 منذ عام 1932، حيث جرت أول انتخابات رئاسية بها. ورغم إجراء الانتخابات تحت وطأة الانتداب الفرنسي، كانت الأكثر تنوعاً في تاريخ سوريا، ذلك أنه شارك فيها ستة مرشحين تنافسوا على منصب الرئيس، ما يمثل أكبر عدد من المتنافسين في انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد. كان اثنان من المتنافسين حاكمين سابقين للبلاد، هما حقي العظم وصبحي بركات، واثنان أحدهما رئيس الوزراء الحالي والسابق وقتذاك، تاج الدين الحسني ورضا الركابي. أما المرشحان المتبقيان فأصبحا في وقت لاحق أول وثاني رئيس لسوريا: محمد علي العابد وهاشم الأتاسي.
ولم يولِ المؤرخون السوريون انتخابات عام 1932 أهمية كبيرة بوصفها جرت في ظل الحكم الفرنسي، مقابل اهتمام أكبر بانتخابات 1955 التي تنافس خلالها شكري القوتلي وخالد العظم. أما باقي الانتخابات جميعاً، فكانت إما استفتاءات وإما انتخابات يخوضها منافس لا يواجهه فيها أحد. ويكشف التنوع والتنافسية اللذان تميزت بهما انتخابات عام 1932 إلى أي مدى كانت الديمقراطية الناشئة في سوريا واعدة في ثلاثينات القرن الماضي، وكيف كان يمكنها الازدهار لولا الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة التي عصفت بالبلاد بدءاً من عام 1949.
الشرق الأوسط
——————————–
هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟/ روبرت فورد
أفاد مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأميركية أمام إحدى لجان الكونغرس في الأسبوع الماضي، بأن الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، وانسحاب القوات الإيرانية من هناك، مع الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، باتت جميعها في «متناول الأيدي». وعندما فكرت ملياً فيما قاله ذلك المسؤول الكبير، مع مقارنة ذلك مع المقابلات الصحافية التي أجريت مع زميلي الأسبق السفير جيمس جيفري الذي تقاعد لتوه من مهام منصبه، فإنني أرى ضغوطاً متزايدة في الوقت الذي لا ألمس فيه أي إنجازات تساعد الجانب الأميركي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء.
وصرح مسؤولان أميركيان بصورة غير مباشرة بأن الوجود العسكري الأميركي في شرق سوريا لم يعد في حقيقة الأمر يتعلق بمحاربة تنظيم «داعش» كما هو معلن. فلقد قال السيد جيفري بكل وضوح: «لقد أسقطنا (داعش) ولم نغادر أماكننا هناك». ولا تزال القوات الأميركية تسيطر على حقول النفط السورية الصغيرة في محافظتي الحسكة ودير الزور في شرق سوريا من أجل مواصلة الضغوط المالية على حكومة بشار الأسد في دمشق، كما ترغب الحكومة الأميركية من الميليشيات الكردية السورية التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» أن تستفيد من العائدات النفطية هناك. فهل تلاحظون حالة عدم الالتزام السياسية لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب في دعم وتمويل قوات سوريا الديمقراطية؟
ومما يُضاف إلى ذلك، صرح الفريق الرئاسي التابع للرئيس ترمب بأن العقوبات الدولية على النظام السوري، بما في ذلك «قانون قيصر» للعقوبات الأميركية، تزيد من وطأة الضغوط الاقتصادية على النظام السوري مما يعتبر مؤشراً واضحاً على النجاح الأميركي هناك. ولا أفهم – في حقيقة الأمر – لماذا يعتبر اصطفاف المواطنين السوريين في طوابير طويلة ومرهقة من أجل شراء الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والوقود من إنجازات ونجاحات الولايات المتحدة، فإن كان الغرض من وراء ذلك هو إجبار بشار الأسد على تقديم تنازلات، فإن الحقيقة تعكس بوضوح أنه لا يزال يرفض تنفيذ الإصلاحات السياسية الجادة. وفي نهاية الأمر، فإن نظام الأسد وزمرته الفاسدة لا يمكنهم بحال قبول إملاءات الإصلاح والمساءلة. وتأمل الحكومة الأميركية في أن ينبع التغيير من داخل النظام السوري نفسه. غير أن انسحاب رامي مخلوف من الزمرة السورية المقربة من الرئيس ينبغي أن يعتبر درساً واضحاً تتلقاه واشنطن. وفي نهاية الأمر، فإن الطوابير الطويلة من أجل شراء الخبز تعني المزيد من معاناة المدنيين السوريين، ولكن مثل هذه الصفوف الممتدة لا تعني أبداً أن هناك صفقة سياسية وشيكة أو انتصاراً أميركياً بات «في متناول الأيدي»!
تساند أغلب الطبقة السياسية في واشنطن فرض العقوبات على النظام السوري، غير أنهم يسارعون في نفس الوقت إلى الزعم بأن العقوبات الاقتصادية غير ذات تأثير على المدنيين السوريين العاديين. وبطبيعة الحال، فإن سوء الإدارة الاقتصادية هي من المشكلات السورية العريقة، بيد أن العقوبات الأميركية تزيد من وطأة المشاكل الاقتصادية على المواطنين السوريين وتحيل أوضاعهم المعيشية من سيئ إلى أسوأ. أولاً، تحول تلك العقوبات تماماً دون الاستثمار في البلاد. وفي غياب المشاريع الجديدة وإعادة البناء والإعمار، لن يتمكن المواطن السوري العادي من العثور على وظائف جديدة، فضلاً عن تدهور الخدمات الرئيسية المهمة مثل المياه والكهرباء. ثانياً، تعيق العقوبات الأميركية التجارة في البلاد مع عرقلة قدرة الحكومة السورية على تلقي القروض الأجنبية ورؤوس الأموال اللازمة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية مع رفع أسعار الواردات الأساسية مثل النفط والمواد الغذائية. ينبغي على المعسكر المؤيد للعقوبات الاقتصادية في واشنطن أن يلتزم المصداقية بأن العقوبات تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية. إذ تعكس التقارير الواردة في الصيف الماضي عن منظمة «أوكسفام» البريطانية للمساعدات الإنسانية وعن البروفسور جوزيف ضاهر، أن العقوبات الاقتصادية تُرهب المصارف حتى تُحجم عن المجازفة بتحويل الأموال لصالح مشاريع المساعدات الإنسانية في سوريا.
ماذا عن تنظيم «داعش» الإرهابي؟
مما يؤسف له، هناك فجوة كبيرة في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة «داعش» في سوريا. فلقد أصبح التنظيم الإرهابي أكثر ضعفاً ووهناً إلى شرق الفرات الذي تسيطر عليه القوات الأميركية وشركاؤهم من قوات سوريا الديمقراطية. وبلغ الضعف بذلك التنظيم أنه لا يستطيع السيطرة على الأراضي هناك، وذلك وفقاً إلى تقرير صادر عن مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية في الشهر الماضي. (وهكذا يستمر وجود القوات الأميركية في سوريا ليس لحماية حقول النفط من عناصر (داعش) فحسب، وإنما للحيلولة دون استيلاء الروس ونظام بشار الأسد عليها). ومع ذلك، فإن قوات «داعش» إلى غرب الفرات هي أقوى من شرقه، وتواصل شن الهجمات على القوات الموالية لبشار الأسد هناك، حتى أن عناصر التنظيم الإرهابي نجحت في اغتيال جنرال روسي كبير في منطقة الجزيرة في شهر أغسطس (آب) الماضي.
إذا كان وجود «داعش» إلى شرق الفرات يمكن أن يشكل تهديداً ضد المصالح الغربية في المستقبل، فإن قوات التنظيم الأقوى إلى غرب الفرات تشكل مثل هذا التهديد سواء بسواء. وليس لدى الحكومة الأميركية من رد واضح على هذا التحدي. ويفيد تقرير مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية بأن القوات العسكرية الموالية لنظام الأسد قد رفعت من معدلات العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في الصيف الماضي. ومن المفارقات الواضحة أن العقوبات الاقتصادية الأميركية تقلل من الموارد المتاحة أمام الحكومة السورية لمحاربة تنظيم «داعش».
كما يواصل النظام السوري أيضاً الهجوم على محافظة إدلب مع مقتل المزيد من المدنيين السوريين بصورة يومية. إنه نظام وحشي مسؤول عن الكثير من جرائم الحرب والمجازر المدنية. ولكن، ليس هناك في سوريا ما يمكن وصفه باليسير أو البسيط. ففي نهاية الأمر، تؤدي الإجراءات الأميركية الرامية إلى إجبار نظام الأسد على تقديم التنازلات السياسية ووقف الهجمات على المدنيين إلى إلحاق المزيد من الأضرار بالمدنيين السوريين أنفسهم، فضلاً عن تعقيد مجريات القتال ضد التنظيم الإرهابي هناك.
مع بدء فريق الرئيس المنتخب جوزيف بايدن في العمل اعتباراً من الشهر المقبل، فإنهم في حاجة إلى التفكير العميق في حقيقة الأولويات الأميركية في سوريا، والآثار المترتبة على سياسات إدارة الرئيس ترمب هناك، وحقيقة ما يمكن – وما لا يمكن – للولايات المتحدة إنجازه على أرض الواقع في سوريا.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»
——————————-
روبرت فورد والبحث عن إكمال المهمة/ يحيى العريضي
لم ألتق روبرت فورد، لكنني أعتقد أنه مِن بين أكثر الأشخاص الذين ألحقوا الأذى بالثورة السورية؛ وخاصة تلك الزيارة التي قام بها باكراً إلى مظاهرة حماة الشهيرة متعمداً وبخبث، وربما بتيسير وقصدية من منظومة الاستبداد، كي يتم وصم انتفاضة سوريا بالارتباط بأميركا العدو التقليدي لسوريا؛ حيث كان نظام الاستبداد يترك له الحبل على الغارب، ليشرّق ويغرب ويغرد في سوريا، ليثبت مقولة “المؤامرة الكونية”، وعلى رأسها أميركا. ولا بد أن تقاريره من سوريا ساهمت بتشكيل سياسة إدارة “أوباما” تجاه القضية السورية.
صعب على السوريين أن ينسوا عبارة أطلقها روبرت فورد بعد شهرين من انطلاقة الانتفاضة السورية زارعاً بذور إعطاء الصراع صفة الطائفية أو “الحرب الأهلية”، وهي: “لن نسمح بإبادة العلويين” في سوريا. ولم يعر اهتماماً بتوصيف بلده بالمخادع، إمعاناً بزرع الإحباط والهزيمة في نفوس السوريين المنتفضين على الاستبداد والفساد، عندما كتب يوماً: “أميركا والغرب أوهموا المعارضة بإسقاط النظام خلال أيام”. وحقنا أن نسأل هاهنا: إذا كان فورد يعلم ذلك، لماذا شارك بهذا الإيهام؟
بعد خروجه من وظيفته تحول “فورد” إلى بوق من السموم الإحباطية والتشويهية لقضية السوريين. فكل أسبوع يطالعنا بمقال له في صحيفة “الشرق الأوسط”، يمزج فيه السم بالدسم. آخر مساهماته كان مقالاً بعنوان: “هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟” حيث يفنّد بمرافعة عصماء إحاطةً حول سوريا قدمها “جويل ريبيرن” أمام لجنة في الكونغرس الأميركي، تركّزت حول دحر داعش، واقتلاع إيران من سوريا، وتأثير “قانون قصر”؛ والتي أضحى جناها وتأثيرها، كما قال “ريبيرن”، في “متناول الأيدي”. وفي كل هذه القضايا، يرى فورد في مقاله أن إدارة ترامب فشلت.
إذا كانت ادارة “ترامب” قد فشلت؛ فبالتأكيد مَن أسس لهذا الفشل هو إدارة رئيسه “أوباما”، ومساهمة نصائحه واقتراحاته. ليس هذا هو المهم في فشل أو نجاح أميركا بمقاربتها للقضية السورية؛ بل الرؤية التي يقدمها فورد تجاه هذه المسائل الثلاث، والتفسيرات للإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب بخصوصها، ومقترحاته حول مرتكزات هذه السياسة.
بالنسبة لداعش يرى “فورد” بأنها ضعيفة شرق الفرات بحكم الوجود الأميركي؛ وأقوى غرب الفرات؛ ولكن الوجود الأميركي شرقاً ليس بسببها، بل لحماية آبار النفط. وتصل به الأمور للقول إنه بإمكان أميركا أن تدعم نظام الأسد عسكريا حيث يحارب داعش غرب الفرات. عملياً الذريعة التي دخل تحتها التحالف الدولي، وعلى رأسه أميركا، كان لمحاربة داعش؛ وكذلك كان التدخل الروسي. وبطرحه هذا؛ وكأننا نسمع بوقاً روسياً أو أسدياً.
لو كان فورد صادقاً فعلاً، لقال إن حجة النظام والروس وأميركا بداعش لم تعد قابلة للبيع. يعزز فورد تأثير داعش في الصراع في سوريا، ويكاد يحصر خطرها على نظام الأسد تحديداً؛ وأن من يقاومها فقط هو نظام الأسد؛ ومن هنا يقترح دعماً في مقاومتها غرب الفرات. المهم أن يقول إنها لاتزال خطراً، وعلى النظام حصراً. وأميركا لا تقول الحقيقة بهذا الشأن. وكأننا أمام ناطق باسم منظومة الأسد.
بخصوص إيران، يريد فورد أن يزيد من إحباط السوريين تجاه بقاء إيران متغلغلة ببلادهم، لأن كل محاولات إخراجها المتناقضة مع دفع سوريا “فرق عملة” في الاتفاق النووي الأوبامي-الإيراني (والذي ساهم بإخراجه) تبوء بالفشل. ففصل نظام الأسد عن نظام الملالي كفصل توءم سيامي. وما التبجح الأميركي بالضغط لإخراج إيران إلا حالة عبثية تلعبها وتدّعيها أميركا. بالمختصر، يريد أن يقول إن سياسة إدارة ترامب بهذا الصدد كانت فاشلة. ولا يضيره بهذا الصدد رشق بعض الأوصاف للنظامين الأسدي والإيراني بأنهما متشابهان بدكتاتوراتهما وقمعيتهما لذر الرماد في العيون. الشيء الوحيد الذي لم يقله فورد بصراحة فجّة، ولكن أراد إيصاله مواربة لإدارة “بايدن” القادمة- التي يتطلع أن يكون له مكان فيها- هو ضرورة خروج أميركا من الشمال الشرقي السوري، وتمكين الثلاثي الإيراني الأسدي من غزو غرب الفرات وإدلب تحت يافطة إغراقهم أكثر بالمستنقع السوري؛ الأمر الذي يفيد أميركا في المحصلة النهائية حسب التفكير السائد.
العجب العجاب نقرأه بمرافعة فورد حول “العقوبات الأميركية”، واعتراضه عليها؛ والتي تشبه تماماً اعتراضات موسكو. فهي برأيه لا تجدي. يقول بسخرية إن إدارة ترامب تعتبر الطوابير في سوريا إنجازًا سياسيا لها، معتقدة بأن ذلك الضغط سيجبر الأسد على الانخراط بالعملية السياسية؛ وهذا برأيه وهم. نعم قد يكون وهماً، فالطوابير والحاجة قبل القانون. الأمر الذي لم يقله، هو أن روسيا هي التي لا تسمح بفتح معابر لوصول المساعدات الإنسانية. حتى منظومة الكذب الاستبدادية ترفّعت عن ذكر تأثير عقوبات قانون قيصر على الوضع الاقتصادي لسوريا من باب التحدي والمكابرة، إلا أن روبرت فورد كان أكثر صراحة بهذه المسألة، وهدفه تبرير تنويم قانون قيصر في أدراج الإدارة التي خدم فيها؛ وكأننا بروسي أو إيراني يرافع عن النظام ومنظومات الاحتلال. فبرأيه، تلك العقوبات تعرقل الاستثمار في سوريا وتمنع ورود الأموال؛ ثم يسعى لذر الرماد في العيون ثانية بوصف النظام الأسدي بأوصاف قبيحة كي يظهر “حياديته”، ويثبّت أن النظام لا يستجيب بالقوة بل من خلال السماح بتدفق المساعدات، متغافلاً عن أن منظومة الأسد تضع يدها على المساعدات وتحرم مستحقيها منها، وتحولها إلى أداة لقتلهم أو إذلالهم.
أخيراً، كم هي كبيرة ومجزية تلك الخدمات الاستخبارية التي قدمتها منظومة الاستبداد لكثير من الدول وعلى رأسها أميركا، كي يتجنّد ممثل لدولة عظمى في خدمة هذه المنظومة الاستبدادية، التي تصافق على بلدها وشعبها، وتستمر بادعاء السيادة والمقاومة والممانعة! وكم هو رخيص ذاك الذي يبحث عن موقع له في الإدارة الأميركية القادمة، لإكمال مهمته في حماية المستبد؛ حتى ولو استلزم ذلك سحق حقوق الإنسان التي يتشدق بها.
تلفزيون سوريا
—————————-
الطريق إلى دمشق/ حسن إسميك
تُوصف “اللحظة المهمة، والتي عادة ما تؤدي بصاحبها إلى تحول جذري في الموقف أو المعتقد” بالإنكليزية بأنها The Road to Damascus (طريق دمشق)، وهو مصطلح مبني على لحظة اعتناق بولس الرسول المسيحية، وذلك أثناء توجهه من القدس إلى دمشق التي انطلقت منها دعوات المحبة والتسامح والسلام والتعايش.
واليوم، يبدو طريق دمشق لأطراف كثيرة ضبابياً، ففي حين بدأت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وتونس تعيد العلاقات الديبلوماسية مع سورية، لا تزال دول عربية أخرى تعتقد بأن الأخيرة لم تقدم ما يكفي لاستعادة عضويتها في جامعة الدول العربية.
وغيابُ الإجماع هذا يُبقي دمشقَ وحيدة معزولة عن بيئتها العربية التي لطالما كانت هي من أركانها المتينة.
إن استمرار وضع سورية على ما هو عليه وبقاءها خارج المنظومة العربية ليس في مصلحة أي طرف بما في ذلك الحكومات العربية والغربية. وقبل هذه وتلك، لا ننسى ما تسببه هذه الحالة من عذابات للشعب السوري المنهك والمُحاصر.
والواقع أن تطبيع علاقات سورية مع محيطها العربي لا ينطلق من النوايا الحسنة والأخوة العربية فقط، على رغم أهمية هذين العاملين، بل من مجموعة ضرورات سياسية واقتصادية تلعب وستلعب دوراً كبيراً في حاضر المنطقة ومستقبلها. وهذا يستدعي من الجامعة العربية أن تبادر إلى التواصل مع دمشق، لطي صفحة الصراع والحرب بأسرع ما يمكن، وبدء صفحة جديدة من التعاون المشترك، بما يمكّن سورية من النهوض من تحت الأنقاض، ويسمح بالحفاظ على أرواح المدنيين، والقضاء على ما تبقى فيها من الجماعات الإرهابية، ويمنع تحولها إلى هدف سهل أمام أطماع الهيمنة الإقليمية، سواء كانت إيرانية أم تركية.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل موقف الغرب أولاً فهو سيلعب دوراً كبيراً في إعادة إعمار سورية عند تحليل العوامل الخارجية التي تؤثر على دخول سورية من جديد في المنظومة العربية. ستواجه الدول العربية، وفي مقدمها دول الخليج العربي الراغبة في تطبيع العلاقات مع دمشق، تحديات قوية، لأن خطوتها ستتعارض مع العقوبات الأميركية، كما ستصطدم بمواقف الكيانات السورية الرئيسة المختلفة والمتباينة.
وفي المقابل فان استمرار هذه العقوبات، وسياسة الضغط عموماً، لن يؤتي ثماراً في سورية بل سيزيد فقط من معاناة أهلها. وقد أشرنا في مقال سابق إلى أن التعاطي مع سورية يجب أن يراعي خصوصيتها، فلا يجري التعامل معها كإيران مثلاً.
لقد ارتكبت الإدارات الأميركية السابقة عدة أخطاء في سورية، ما سمح إلى حد كبير بانتشار تنظيمات إرهابية من جهة، وتدخل مليشيات مدعومة من إيران من جهة ثانية، وساهم من ناحية ثالثة في تمكين تركيا من احتلال أراض واسعة شمال سورية، لتحقيق مطامعها بتحويل هذا البلد العربي إلى عمق استراتيجي لها، وتنفيذ مخططها للهيمنة على شرق المتوسط برمته ونشر “الإسلام السياسي”. لذلك تتحمل إدارة الرئيس جو بايدن مسؤولية مراجعة الاستراتيجية الأميركية في سورية، وإعادة صياغتها بما يناسب المصالح العربية والأميركية في المنطقة.
على هذا الصعيد، ينبغي أن تدرك الولايات المتحدة أن كلّ يوم تضيعه بوقوفها عائقاً أمام عودة سورية إلى المنظومة العربية، يوفر فرصة إضافية أمام إيران لتعزيز تغلغلها في سورية ويزيد بالتالي من صعوبة الحد من نفوذ طهران هناك، أي يساهم في عرقلة تحقيق واحد من أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وهو احتواء الخطر الإيراني.
كما يجب على واشنطن أن تضع في حسبانها أن زيادة انخراط دمشق مع العالم العربي الأوسع، والمشاركة الاقتصادية العربية الكبيرة في مشاريع التعافي السورية، ستجعلها بلا شك ومع مرور الوقت أكثر اعتدالاً، وإن لم تدفعها إلى التخلي عن معسكرها مباشرة. وهذا هدف ثانٍ لطالما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيقه في المنطقة.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه ألسنة اللهب في لبنان الغارق في أزمة متفاقمة ذات وجوه متعددة يبدو أنه لم يستطع الإفلات من براثنها منذ أشهر عدة، يجدر بواشنطن وسدنة العالم الغربي الذين يؤكدون قلقهم المتزايد على لبنان، أن يدركوا أن لا خلاص له من مشكلاته العميقة في معزل عن سورية. بعبارات أخرى، ليس من قبيل المبالغة القول إن سورية ولبنان صنوان، وما يصيب أحدهما يشتكي منه الآخر. ومن يعرف البلدين وعلاقاتهما التاريخية المتشابكة على أكثر من صعيد، يعرف حق المعرفة أن دمشق لاعب رئيس لا بد منه لإيجاد الدواء الناجع لآلام لبنان.
فالتغيرات الدراماتيكية التي جرت أخيراً في المنطقة العربية، أفرزت نمطا” جديداً من العلاقات العربية-الإسرائيلية آخذاً في الزيادة والإتساع. ولدعم مسار هذه العلاقات لا بد من العمل على إعادة سوريا الى الصف العربي وايجاد حل لقضية الجولان بهدوء وروية، بعيداً عن الخطابات الطنانة الرنانة التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع على امتداد نصف قرن. لقد كان موضوع الجولان دائماً ذا حساسية خاصة منذ عام 1967إذ كان بؤرة الخلاف وأس المشكلات، فكل طرف يتمسك بموقفه منه ويسعى لتكريسه. لذلك لا بد من بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى حل عادل يُرضي الأطراف كلها. ومن ينظر الى الأمر بعين الحكمة يرى أن استعادة سورية موقعها الطبيعي في قلب المنظومة العربية والإقليمية ستعني بالضرورة أنها ستصبح مهيأة وقادرة من حيث المبدأ للعمل على تحرير المنطقة من الإسلام السياسي عامة ومن الإرهاب الذي فتك بها على وجه الخصوص.
هكذا يبدو مفتاح حلّ قضية الجولان في يد واشنطن، فلتسرع بقيادة الرئيس المنتخب جو بايدن حين يدخل البيت الأبيض في الشهر المقبل بإنهاء عزلة سوريا على الصعيدين العربي والعالمي، حتى تجد المشكلة المستفحلة خواتيمها بمباركة الأطراف ذات العلاقة كلها.
لكن من الخطأ تحميل أميركا وحدها تبعات تفاقم الأوضاع في سوريا، فقد حان الوقت كي تصحح الدول الأوروبية أيضاً أخطاءها في سورية. فهي ما زالت “تتباكى” بدموع التماسيح على محنة “المدنيين” في محافظة إدلب، التي يسيطر عليها إرهابيون من بقايا التنظيمات التي انتشرت في مرحلة سابقة في سورية، وعلى رأسها تنظيم “جبهة النصرة” التابع لتنظيم “القاعدة”، رغم إنكاره ذلك. والمفارقة أن هذه الدول نفسها تغضّ الطرف عن التدخل العسكري التركي عبر قوات برية حكومية ومقاتلين مناهضين للحكومة الشرعية في دمشق، كما تشيح بوجهها بعيداً عن الدمار والتهجير والضحايا التي يخلّفها الغزو التركي وراءه، كرداً كانوا أم عرباً.
ورغم ذلك… لم تتضح، حتى الآن، الكيفية التي ينوي الاتحاد الأوروبي التعامل من خلالها مع مستقبل سورية، مع العلم أن هذه الدولة تعتبر ملفاً حساساً للغاية بالنسبة للأمن والهوية والمصالح السياسية والاقتصادية الحيوية لأوروبا، إذ يعيش نحو مليون من أبنائها كلاجئين في دول القارة العجوز، ويرضخ الاتحاد في حالات كثيرة للضغط التركي خوفاً من أن تنفذ أنقرة تهديداتها بإغراق دول أوروبية باللاجئين الجدد إذا ما فتحت الباب أمام نحو 3.6 مليون لاجئ سوري يقيمون على أرضها. لذا يجدر بأوروبا، وعوضاً عن مواصلة الجهود لعزل دمشق، وعرقلة المبادرات التي من شأنها إعادة الاعتبار للحكومة السورية على المسرح الدولي، أن تخفف الضغط على دمشق ما سيسمح لها بإنهاء التنظيمات الإرهابية العاملة على أرضها، بما فيها تلك التي تضم الإرهابيين الأوروبيين الذين تخشى دول الاتحاد عودتهم إليها. والواضح أن إعادة الإعمار الحقيقية ستوفر الفرصة لكثير من اللاجئين، لاسيما أولئك الذين يعيشون في المخيمات التركية كي يعودوا إلى سورية. وعليه فإن من مصلحة أوروبا أن تساعد سورية على تطبيع علاقاتها الدولية، لا أن تبقيها حبيسة أسوار العزلة الخانقة.
في سياق الحديث عن الأطراف المعنية، لا يمكننا إلا أن نؤكد على ضرورة الوقوف عند هواجس دمشق، لأن عودتها وانخراطها في المجتمع العربي والدولي عموماً تتطلب منها تقديم الكثير من الضمانات، ترتبط بالحدّ من النفوذ الإيراني في سورية، وضمان أمن وسلامة اللاجئين الراغبين بالعودة وعدم استهدافهم بأعمال انتقامية. بالإضافة إلى هذا كله، ستتكفل دمشق بإنفاق أموال إعادة الإعمار بشكل نظيف وحماية هذه المخصصات من الفاسدين. ومن المهم أيضاً أن تكون المفاوضات والاتفاقات هي الوسيلة التي يجري من خلالها تلبية مطالب الأطراف كلها، فالإملاءات لم تكن يوماً أداة صالحة للتخاطب مع دمشق.
ويبدو أن القيادة الإماراتية كانت سبّاقة إلى إدراك هذه الحقيقة، الأمر الذي حملها على إعادة مد جسور التقارب وفتح سفارتها في دمشق أواخر العام 2018. وانطلقت الإمارات في خطوتها الشجاعة تلك من قناعتها بأن الحوار، وليس الإقصاء، هو سبيل الحل. وهذا ما عكسته تغريدة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي قال فيها إن “الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي، وتسعى الإمارات اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة وأن تساهم إيجاباً تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري”.
وباعتبار أن ما يربو على عشر دول عربية تقيم علاقات سياسية ومباشرة مع اسرائيل، يجب استثمار هذه العلاقات، وفتح الأبواب مجدداً أمام دمشق بهدف الوصول الى سلام مع اسرائيل. وفي هذا السياق يجب العمل وبشكل سريع لإعادة أراضي شرق الفرات الى السيادة السورية الأمر الذي يُعجل في حل الأزمة الخانقة التي تعاني منها دمشق حالياً من ناحية، ويُشجع السلطات السورية على التخلي عن الدعم الإيراني من ناحية أخرى.
وإذا ما أدى العرب دورهم في هذا الملف بالشكل الصحيح، فإن ذلك سيمثل خطوة كبيرة على طريق إعادة إحياء العمل العربي المشترك، ودليلاً على أن العرب ما زالوا قادرين على اجتراح الحلول واتخاذ القرارات المتعلقة بمشكلاتهم وتطبيقها، وإن بدعم ومساعدة الأصدقاء. فالأزمة السورية هي من أعقد الأزمات التي شهدتها البلاد العربية في التاريخ المعاصر، وقد ثَبُت أن حلها لن يكون ممكناً إلا بتضافر الجهود الإقليمية والدولية. وعليه فإن إنقاذ السوريين وتوفير حل سياسي لأزمتهم، التي تفاقمت عقب انتهاء معظم الأعمال العسكرية، يعزز الثقة بالعمل الديبلوماسي العربي، ويزكي شعلة الأمل لدى الشعوب العربية بأنها ما زالت قادرة على تحقيق مستقبل أفضل.
ومن هنا ادعو أبو ظبي كدولة واسعة النفوذ والتأثير لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية العرب بدعم من أميركا واسرائيل يدعى اليه وزير الخارجية السوري لبدء جلسة حوار جدية مفتوحة لرسم معالم حل المسألة السورية من جوانبها كافة.
لهذا كله، أما آن للأطراف كلها، العرب، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وحتى سورية نفسها، أن تجد “الطريق إلى دمشق”؟
النهار العربي
——————————–
لماذا بقي بشار الأسد/ خالد المطلق
“لا أخطر على الإسلام من أن تشوه معانيه وأنت تلبس رداءه وهذا ما فعله الإخوان المسلمون” كان هذا جزء بسيطا من خطاب حافظ الأسد 1982 بعد قتل قرابة 40 ألف مواطن سوري في 30 يوماً وتسوية أحياء كاملة في مدينة حماه بالأرض، المدينة التي كانت أحداثها بداية لإعلان دولة والرعب وسلطة النار والحديد التي جعلت سوريا مزرعة لحاكمها، فأصبحت تسمى سوريا الأسد نسبة إلى قائدها الخالد والذي بعد ثلاثين عاماً من الحكم مات!. في هذه الأثناء كان هناك شاب يدرس الطب في بريطانيا عاد إلى بلاد الجمهورية ليحكمها بالوراثة عن أبيه بعد تعديل دستوري على مقاسه تم في ربع ساعة، ضنه الكثيرون مجرد صبي غير متمرس ووصفه الإسرائيليون بالعجينة غير المخبوزة، فكل صفات القيادة التي زرعها حافظ بابنه الأكبر باسل والذي مات عام 1994 في حادث سير غامض لم يرها أحد في بشار لكن إحدى عشرة سنة من الانتظار كانت كافية للدرس الكبير والكبير جداً، بعدها بدء الزرع يأتي أُكله بعد انفجار الشعب السوري في ثورة سلمية عارمة لتتحول من سلمية إلى مسلحة بفعل بطش السلطة وينشق الجيش على نفسه وتتحول البلاد بأسرها إلى ساحة حرب مفتوحة ويخسر الأسد خلال عامين ثمانون بالمئة من جغرافيا البلاد، وبدا أن مصير معمر القذافي ينتظر بشار الأسد لكن الحظ والظروف وقليلاً من الدهاء حول كل شيء فجأة إلى صالح الوريث القاتل ليصمد وتترسخ له السلطة مجدداً ليكون الحاكم العربي الوحيد في الثورات العربية الذي لم يُقتل أو يهرُب أو يُسجن، وهنا السؤال العريض كيف صمد بشار الأسد؟ ولمعرفة الجواب على هذا السؤال لابد أن نعرف العلويون وتماسك الخوف الذي اعتراهم، فالطائفة العلوية تمثل عشرة بالمئة من مجموع عدد سكان سوريا لكنهم يمسكون زمام الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وأظهر الربيع العربي أنهم معبؤون أيديولوجيا وعقائديا للموت دفاعا عن عرش الأسد ونظامه، الذي أقنعهم بأن إضعافه يعني تعرضهم لجحيم انتقامٍ طائفيٍ على يد الغالبية السنية، وزرع في عقولهم أن ثمن المقاومة هو أقل بكثير من ثمن الاستسلام، لهذا تطوع شباب الطائفة المقدر عددهم بربع مليون شخص للقتال ضمن صفوف الجيش من جهة أو ضمن تشكيلات فرعية غير رسمية مثل الدفاع الوطني وما يعرف اصطلاحاً “الشبيحة” وخسر العلويون من خلال هذه التشكيلات ثلث شبابهم في السنوات الخمس الأولى من الحرب.
كان الأسد الابن يعمل على مبدأ لن يسقط النظام عسكرياً حتى لو اُغتيل وزير الدفاع ونائبه ورئيس خلية الأزمة وثلة من كبار القيادات العسكرية إذا لم تسقط العاصمة، التي بقيت بعيدة عن ضجيج الحرب، وهذا ما ادركه الأسد جيداً، لذلك أحكم قبضته الأمنية والعسكرية على العاصمة دمشق المحاصرة أصلا من معسكرات الجيش وقوى الأمن، بل وتمكن من السيطرة على أغلب مراكز المدن السورية الأخرى بمقراتها السيادية كافة، ولم تخرج سوى مدينتين عن سيطرته بالكامل، وبذلك بقي الأسد ممثل الدولة الشرعي، وأخذ مناوئيه باتجاه السيطرة على الأرياف والضواحي، كانت هذه خطة عبقرية بالكامل فبشار عرف تماماً أن السيطرة على غير مراكز المدن لا تعني شيئاً في معادلة الواقع السياسي والعسكري، ومع الوقت قسم هذه المناطق وهادن مدينة وحاصر وجوع أختها، وتدريجياً يمكن أن يستعيد كل شيء، وبما أن عاصمته بخير فنظامه بخير.
في الضفة المقابلة لبشار ظهرت معارضة سياسية ضعيفة هزيلة وهذا يعود لأسباب موضوعية من أهمها أن حافظ الأسد ومنذ عام 1982 منع الأحزاب إلا المنضوية تحت عباءة حزب البعث الحاكم فيما يعرف بالجبهة الوطنية التقدمية ، وبعد انطلاق الثورة كان لابد من تشكل كيانات سياسية تمثل الشعب السوري مثل المجلس الوطني الذي أسس عام 2011، ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عام 2012، وهيئة التفاوض السورية عام 2017، هذه الكيانات فشلت فشلاً ذريعاً في تنظيم المقاتلين والحراك الثوري وتوحيدهم والسيطرة عليهم بل أخفقت حتى في السيطرة على أنفسهم، ففي عام 2014 انشق نصف أعضاء الائتلاف عنه وانقسمت هيئة التفاوض على نفسها، وبالمحصلة فشلت المعارضة السياسية في تقديم بديل واقعي للأسد، بينما كان المقاتلون في الداخل يقدمون أنموذج فريد للخلاف فيما بينهم عنوانه الاقتتال.
لقد كانت الفصائلية هي الداء الذي لم تشفى منه الثورة حتى الآن فالجميع يريد اقتسام الكعكة قبل الحصول عليها وكثرة القادة هي أكثر المشاكل التي عصفت بالثورة السورية منهم المتشددون التابعون للقاعدة، والسلفيون، والإخوان المسلمون ومن لف لفهم، والعلمانيون المدعومون من أمريكا والغرب، فصائل بالمئات لكل منها له مشروع سياسي مستقل أو بلا أي مشروع تقتتل بشكل شبه يومي.
عمل الأسد وحلفائه وأصدقائه بكل طاقتهم لاحتواء الثورة وتفكيك شيفرتها، وعندما تمكنوا من ذلك كانوا قد عرفوا من هي الشخصيات التي تتحكم بالثورة على المستوى العسكري والحراك السلمي وهنا بدأت الاغتيالات على كافة المستويات فقُتل الكثير من القادة في ظروف غامضة وغير غامضة، لاسيما الذين أفرزتهم الثورة في أيامها الأولى أمثال مشعل تمو والدكتور عدنان وهبه وعبد القادر الصالح وأبو فرات وغيرهم الكثير من القادة الأوائل وكانت أصابع الاتهام تشير إلى نظام الأسد وكأنه يريد أن يبقي نوعاً واحداً من المعارضين، النوع الذي يخشاه العالم ويمكن وسمه بالإرهاب بسهولة، والذي يتمثل في داعش والنصرة وبعض الفصائل الراديكالية وللحقيقة كان تنظيم الإخوان المسلمين الشريك الحقيقي للأسد في هذه المهمة من خلال شراء ذمم الكثير من قادة الفصائل وإبعاد كل من له تأثير حقيقي على الثورة وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة بالإضافة إلى تشكيل فصائل خاصة بهم حرصت أن لا تشارك في أي معركة حقيقية ضد قوات الأسد وحلفائه خاصة ضد الفصائل الإيرانية التي تتحالف وبشكل علني مع قيادات إخوان سوريا الطامحة لاستلام الحكم في سوريا أو حتى مشاركة الأسد في بضع وزارات حتى لو كانت وزارات غير سيادية وهذا ما أكده نائب المرشد السوري في احدى مقابلاته على أحد التلفزيونات العربية عندما صرح وبوضوح بأن نظام الملالي في طهران موافقين على تسليم السلطة للإخوان أو مشاركتهم الأسد الحكم في سوريا وإن هناك قواسم مشتركة عقدية تجمع بين الطرفين.
عوامل داخلية عديدة اجتمعت علويون متماسكون وعاصمة بأمان ومعارضة هزيلة لكن ما الذي كان يجري في الخارج ابتداءً من أمريكا في عهد أوباما الذي طعن الثورة السورية وأعطى الرخصة ليجتمع كل القتلة على الأرض السورية، كما نسي أوباما خطه الأحمر عندما استخدم الأسد السلاح الكيماوي ضد أهل الغوطة الشرقية قرب دمشق العاصمة، ونجى الأسد من جريمته وكان هذا إعلان انسحاب أمريكا من المشهد السوري والسبب أن أوباما لم يريد الاشتراك في أي حرب بعد سحب قواته من العراق، وبهذا قويت شوكت الأسد كما شجع هذا حلفاء الأسد الصادقين معه على التدخل بشكل أكثر فأكثر لصالحه، فالحليفان الرئيسان لبشار لا يستهان بهما، فالمرشد الإيراني أعطى الأوامر بوضع كل الخطط والبرامج لإبقاء الأسد، فتدخل حزب الله اللبناني بعشرين ألف مقاتل، وحضر الحرس الثوري الإيراني بأغلب قادته وقواته إلى أرض المعركة، ناهيك عن أربع وستون فصيلاً طائفياً جندهم الحرس الثوري الإيراني من كافة بلدان العالم تحت شعار الجهاد المقدس، وبالتوازي كان الحليف الروسي يستخدم الفيتو لتعطيل أي قرار أممي يوقف قتل الشعب السوري، ويقدم الدعم العسكري والفني لقوات الأسد، ومن ثم بدأ في زج طيرانه وقواته الجوية بشكل مباشر في المعركة ابتداء من نهاية أيلول عام 2015 ليقلب الموازين بشكل كبير، أدى هذا إلى إعادة سيطرة الأسد على معظم الأراضي التي خسرها طوال سنوات من القتال، وللحقيقة أقول أن القوة العسكرية الجوية الروسية لم تستطيع تحقيق كامل أهدافها العسكرية لولا التفاف الروس مع حليفهم الإيراني عبر مؤتمرات الاساتانا وسوتشي التي قسمت المناطق المحررة إلى أربع مناطق سرعان ما تم تسليمها وفق سيناريوهات متشابهة تقريباً اعتمدت على عاملين أساسيين الأول تخاذل قادة الفصائل العسكرية التابعين للإخوان المسلمين والفصائل الراديكالية الأخرى والتي شاركت في مؤتمرات الاساتانا، والعامل الثاني سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها الطيران الروسي والتي طالت أغلبها الأحياء السكنية والأسواق الشعبية والمستشفيات والتي كانت سبب رئيس في تهجير ما يقارب خمسة ملايين مواطن سوري من منازلهم وقراهم وبلداتهم.
كانت هناك أيضاً عوامل خارجية كثيرة ساعدت في بقاء الأسد كان من أهمها ضعف حلفاء الشعب السوري خاصة الدول العربية نتيجة تفرقهم وسعيهم لاقتسام الكعكة قبل الحصول عليها، مما زاد في تفرقة صفوف من استولوا على مؤسسات الثورة السياسية والفصائل العسكرية، والتي تطور الخلاف فيما بينها إلى درجة الاقتتال، مما أضعف جميع هذه الفصائل وخسرت الثورة من خلال هذه المعارك الكثير من خيرة شباب سوريا.
خلاصة القول إن ما حدث لسوريا والسوريين خلال تسع سنوات عجاف لم يكن يتوقعه أحد إذ خسرت سوريا اقتصادها لمدة لا تقل عن أربعين عاماً، كما خسرت جيشها للأبد وخسر السوريون جُل أملاكهم وأبنائهم، وصمد الأسد، أما سوريا فباتت أرضاً لكارثة القرن، ويبقى الأسد على رأس جيش تدمر بالكامل، وجغرافيا مقسمة بين القوى العظمى وغير العظمى لا يسيطر فيها إلا على 55% من مساحة البلاد، ويبقى الأسد كأسواء سمعة لحاكم حي على سطح الأرض، الحاكم الذي دمر جيشه بيده وابتدع أبشع الطرق الإجرامية لقتل شعبه، وضحى بأبناء طائفته بيده، ويبقى الأسد بكرسيه فقط ويبقى معه سؤال مهم جداً على من بالتحديد انتصر بشار الأسد؟!
( كلنا شركاء )
———————————-
بشار الأسد وابن خاله غينادي/ مهند الحاج علي
أنطون مارداسوف، أحد الكتاب الروس المتخصصين في السياسة السورية لموسكو، كتب في مقالة له عن مآلات التدخل بعد مضي خمس سنوات عليه، أن “سوريا باتت أكثر أهمية لروسيا، من روسيا لسوريا”. من الصعب تحليل السياسة الروسية في سوريا التي لا تقف عند حدود السياسة الخارجية، بل تتشابك فيها القطاعات المختلفة في عالم الأعمال، من الصناعات العسكرية الى شركات النفط والطاقة والاتصالات والصحة والغذاء والزراعة والسياحة والمال والتعليم والتنقيب والأمن وغيرها. ذُكرت أكثر من خمسين شركة روسية في الإعلام السوري إلى الآن، بما خص الاستثمارات أو العقود المحلية، والرقم إلى ازدياد، بما يدل على تشابك واسع النطاق.
ونشاط الشركات الروسية لا يتوقف في هذا القطاعات، وهي أساسية طبعاً، بل يتجاوزها بشكل متواصل، كما حصل الشهر الماضي في قطاع الكهرباء السوري، إذ فازت شركة “ستوري إكسبرت ميدل إيست” الروسية برخصتين لإنشاء محطتي كهرباء تعملان بالطاقة الشمسية.
لكن ماذا يعني ذلك بالنسبة لسوريا؟
أولاً، من الصعب الحديث عن ضغط روسي غير عادي من أجل إيجاد الحد الأدنى في أي عملية انتقالية ضمن مسارات التفاوض بين النظام والمعارضة. الاستثمارات الروسية في سوريا تتطلب ديمومة النظام ومساعدته في هذا المجال. الضغوط الروسية على النظام تكتيكية، ولا تنال من رأسه أو طبيعته الشمولية.
ثانياً، الأوليغارشية الروسية النافذة باتت جزءاً من السياسة السورية. وهذه دينامية جديدة لا بد من التدقيق فيها. أباطرة الاعمال والاحتكار في روسيا يتنافسون في ما بينهم، وأيضاً مع رجال أعمال محليين. هذا الصراع بشقيه قائم، وقد يكون وراء بعض الحملات على رجال الأعمال السوريين الموالين للنظام.
ثالثاً، مع مضي الوقت، وفي ظل التوتر المتزايد في العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، الأرجح أن أهمية سوريا كنافذة فرص ستزداد. ذلك أن الاتجاه الحالي يُظهر دوراً روسياً ناشطاً في إعادة الإعمار، وهذه ورقة أساسية بالنسبة لموسكو في سعيها لجذب استثمارات خليجية. عملياً، ورقة اللاجئين بالنسبة لروسيا اليوم، مفيدة في اطار التفاوض على الحل النهائي في سوريا والتفاوض. وفي حال حصول سوريا على استثمارات في عملية إعادة الاعمار، إما مباشرة من خلال الدول ذاتها، أو عبر رجال أعمال وشركات وسيطة، سيلعب رجال الأعمال الروس النافذين وشركاتهم العملاقة دوراً رئيسياً في تعويض موسكو عن استثمارها في الحرب السورية.
لن يكون هذا الدور أو النفوذ المالي للأوليغارشية الروسية بعيداً عن الوضع الداخلي لبلدهم. بيد أن “المكافآت” السورية جزء من عدة السيطرة البوتينية على هذه المجموعة، وإدارتها. كما أنها تُتيح اتساع دائرة المستفيدين، على طريقة “فتح الأسواق” إبان الحقبة الاستعمارية في القرون الماضية.
واللافت أن لكبار الأباطرة وشركاتهم ممثلين روس في دمشق، لا بد أن يكونوا على اتصال بالقوات العسكرية والأمنية الروسية في سوريا. ومع انحسار دور المحتكرين السوريين من رامي مخلوف الى الجيل الجديد من أمثال سامر فوز وأيمن جابر، علينا توقع نشوء طبقة أعمال روسية في سوريا. عملياً، سنرى نسخاً روسية من رامي مخلوف وجابر وفوز وغيرهم، لكنهم لن يكونوا مدعومين بالمحسوبية وعلاقات النسب القبلية، بل بقواعد عسكرية وأجهزة أمنية ومافيات وفيالق سورية دربتها موسكو.
عملياً، قد نتحدث مستقبلاً ولو على سبيل المزاح، عن بشار الأسد وأولاد خاله الروس، مثل غينادي تيموتشنكو (مالك شركة تحتكر الفوسفات السوري)، وغيره الكثيرين.
المدن
——————————-
سوريا: ثماني سنوات حرب/ عمر قدور
مع نهاية عام2012 كانت سلطة الأسد قد نجت من الخطر الذي يهدد سيطرتها على دمشق، بل كانت قواتها “مع ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني” قد أخذت زمام المبادرة في الهجوم، ومن ثم فرض حصار على مناطق في غوطَتي دمشق. عملياً انتهت معركة العاصمة، على الصعيد العسكري بانكفاء الفصائل المهاجمة إلى وضعية الدفاع خلال السنوات اللاحقة، ورمزياً بما كانت تحمله هذه المعركة من وعد بإسقاط النظام.
منذ ذلك التاريخ صار المعنى الحقيقي لتشجيع فصائل محسوبة على المعارضة، وأحياناً فصائل غير محسوبة عليها، هو عدم تسليم سوريا كاملة لبشار الأسد كي ينكّل بالمناطق المُستَرجعة وبفكرة الثورة من أصلها. لسان حال جمهور الثورة كان أن لا يربح بشار، وأن تكون الثورة قد تسببت بخسارته رغم فشل الخيارين السلمي والعسكري. أي أن الافتراق بدأ، منذ ذاك الوقت، بين الخيار العسكري والحرب لصالح منطق الأخيرة وحساباتها غير المبدئية في معظم الأحيان، وحتى القذرة في الكثير من الأحيان.
سيتضح، مع مرور قليل من الوقت، أن إدارة أوباما قد أعطت الإشارة بتحول سوريا إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي تحت مسمّى “لا وجود لحل عسكري في سوريا”. تلك كانت العبارة التي راح يتناوب على تكرارها مسؤولو إدارته، ثم جرى تردادها من مسؤولين غربيين آخرين بحكم الأمر الواقع. فحوى العبارة هو عدم إسقاط بشار، أو ليس قبل أن تُستنزف إمكانيات هذه الساحة وأن تُمتحن قدرات المنخرطين فيها. استكمالاً لما سبق، لن يمر وقت طويل قبل بدء الحديث عن “تصفير بشار”، أي جعل قيمته صفراً في الصراع الدائر بدل أن يكون مركزه وفق الثورة عليه، وهو ما سنراه جلياً مع التدخل الإيراني ثم الروسي لحمايته، وإلحاح الروسي منهما على إبراز تلك القيمة المعدومة.
كما نذكر كان الحديث عن “أسلمة الثورة” قد بدأ، مع انتباه أقل من أصحابه إلى التدخل الإيراني “عبر حزب الله والحرس الثوري أولاً”، وبشعارات مذهبية كان يمكن وضعها في خانة استفزاز الجانب المقابل لو لم تكن وظيفتها الأولى والأصلية شدّ عصب الجمهور المحلي. على أية حال، لم تكن جولة ما سُمّي “الصراع الشيعي-السني” بعيدة عن “لا وجود لحل عسكري في سوريا”، إنها أول ترجمة “إقليمية” للتوجه الأمريكي. لم تختر الدول الخليجية الداعمة العروبة كمدخل للصراع مع النفوذ الإيراني، والعصب العروبي لم يكن من عدّتها يوماً بل كان دائماً من عدة أنظمة ساقطة أو قيد السقوط، بخلاف التيارات الإسلامية الصاعدة، وأيضاً بخلاف المزاج الخليجي العام ونظيره الرسمي الذي لم ينقلب بعد ليصم الربيع العربي كله بالأسلمة.
تحت لافتة “الصراع الشيعي-السني” دارت أول حرب خارجية في سوريا، وانتهت عملياً إلى خسارة الطرفين الإقليميين، فلا المحور الخليجي الذي كان داعماً استطاع إحراز انتصارات يُعتدّ بها، ولا طهران وميليشياتها التي أصبحت تعدّ بالعشرات تمكنت من السيطرة على سوريا. لم يكن تفصيلاً هامشياً في هذه الجولة توافد جهاديين من تنظيمات معروفة سابقاً أو اصطناع تنظيمات جهادية جديدة، خاصة بعد الهجوم الكيماوي على الغوطة والتسامح الأمريكي معه، فاستدراج الجهادية السنية كان في صميم الرغبة الأمريكية، وإلى حد ما رغبة دول أوروبية، للتخلص من متطرفي الطرفين، الأمر الذي عبّر عنه أوباما بصراحة في حديث تلفزيوني بعد نحو عامين.
كان أيمن الظواهري قد دعا في شباط2012 إلى الجهاد في سوريا، وسبقه بشهر الإعلان عن إنشاء جبهة النصرة بقيادة الجولاني، إلا أن تمكن الجهاديين وسيطرتهم على مساحات واسعة “على حساب الفصائل التي حررتها من الأسد في كثير من الأحيان” أتى لاحقاً، ليشتد إثر الهجوم الكيماوي. وفي أفصح تجلّ لمفهوم الساحة، سيأتي الجهاديون الشيشان والإيغور كأنهم يخوضون في سوريا الحرب ضد موسكو وبكين المساندتين لبشار الأسد، بينما سيأتي جهاديون غربيون غاضبون أيضاً من السياسات الغربية، ويحمّلونها مسؤولية العديد من مشاكل المنطقة وصولاً إلى مسؤولية الغرب عن بقاء بشار في الحكم.
لعل أهمية تحويل بلد إلى ساحة هي أيضاً بمقدار ما تتسع الساحة لأهداف متباينة، فضلاً عن تفريغ فائض العنف الكامن في أماكن أخرى بتكلفة أقل. لقد رأينا مثلاً زعيم حزب الله في خطاب علني يدعو خصومه اللبنانيين إلى ملاقاته للتحارب في سوريا، بمعنى أن يُحلّ الصراع الداخلي اللبناني في ساحة أقل كلفة، وهو معنى كامن أيضاً في التحالف الدولي ضد داعش، إذ كانت الحرب على الأخير في جانب منها حرباً على مقاتلين آتين من دول التحالف ذاتها ومن “المستحسن” قتلهم في أرض لا محاكمات فيها ولا قوانين تمنع عقوبة الإعدام. على سبيل المثال، عبّر 89% من الفرنسيين عن قلقهم من عودة المتطرفين إلى البلاد، بينما رفض 67% حتى عودة القاصرين المولودين من أبوين جهاديين، وفق استطلاع أجري في شباط2018، بينما كان الموقف الرسمي ينص على محاكمة أولئك المتطرفين في المكان الذي ارتكبوا فيه جرائمهم مع تكرار موقف السلطات الفرنسية الرافض عقوبة الإعدام المطبّقة هناك!
في نهاية أيلول2015 أسدل التدخل الروسي الستار رسمياً على حقبة “الصراع الشيعي-السني”، ثم “على مراحل” طويت حرب استنزاف قوات الأسد والحليف الإيراني، أبرزها كان قبل أربع سنوات مع تسليم حلب. موضوعياً، كان لطي تلك الحقبة أن يبرز صراعات جديدة، فتل أبيب مثلاً صارت بحاجة أكثر من قبل إلى استهداف القوات الإيرانية في سوريا، والانسحاب الخليجي من سوريا “بالتزامن مع التدخل الروسي وربما التنسيق معه” أعقبه انسحاب من لبنان، ليبرز لاحقاً الصراع الداخلي اللبناني متحرراً من مظلة الصراع الشيعي-السني، ومن انتظار مآل الصراع على سوريا. تركيا التي لم تكن قد دخلت مباشرة في الحرب ستصبح رسمياً طرفاً فيها، وسيعلو ضجيج الصراع السني-السني ثم الانقسام الخليجي بأقوى مما كان عليه سلفهما.
إن تحويل أي بلد إلى ساحة صراعات متشابكة ومعقدة يقتضي تنحية الصراع الداخلي، ويعني غالباً تحويل عناصر ذلك الصراع إلى أدوات للصراعات الخارجية. ثم “كخاتمة” قد يصبح السيناريو الأسوأ هو رحيل المتحاربين الخارجيين عنه، وتركه لصراعه الأصلي الذي بدل أن يتقدم خطوة تراجع خطوات، وهذا الاحتمال يلوح مع استنفاذ قيمة البلد “المضيف” كساحة، ومع تصفير قيمته الاستراتيجية والمعنوية للمتحاربين. لا يطل الآن السيناريو الأسوأ، ولا بدائل أخرى تنهي الحرب. لقد قام التدخل الروسي على الضد، أي بالإعلاء من القيمة الاستراتيجية لسوريا والتهويل من شأن الانتصارات الروسية فيها، بينما اكتفت واشنطن ببخس التدخل والانتصار قيمتهما بوضعهما ضمن حدودهما الواقعية جغرافياً واقتصادياً ومعنوياً، أما ردم الفجوة بين القيمتين فيبقى قراراً أمريكياً. في حال تخلت عن سلبيتها، تبقى واشنطن الأقدر على تقرير قيمة الركام السوري، بما فيه بشار الأسد، وعلى إيجاد ممولين لدفع الثمن.
المدن
———————————–
نصر الحريري:لإحباط معركة إدلب..والانتخابات الرئاسية
قال رئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري، إن هناك إصراراً من قبل النظام السوري وحلفائه مدفوعين بأطراف أخرى لبدء عملية عسكرية في إدلب.
وأوضح الحريري في حديث لوكالة “الأناضول”، أنه “رغم كل الجهود والاستعدادات هناك تحديات جمة، منها الانتخابات الرئاسية الهزلية غير الشرعية التي يقوم بها النظام، وينبغي على الدول الداعمة للحل السياسي عدم الاعتراف بها سياسياً وقانونياً لنهز شرعية النظام”.
وأضاف الحريري أن “التحدي الآخر هو إصرار النظام وحلفائه مدفوعين بأطراف أخرى لبدء عملية عسكرية في إدلب متذرعين بمحاربة الإرهاب”. وتابع: “لدينا شك كبير في أن النظام وإن طال الوقت سيفكر بهذه العملية، ومن أولى الأوليات أن نحمي المنطقة ومنع سقوطها بيد النظام، ونحن مؤمنون بأنه أهم تحديات العام 2021 في ظل غياب الحل السياسي”.
ورداً على سؤال حول التطورات بمنطقة شرق الفرات، وعمليات الجيش الوطني بمحيط مدينة عين عيسى، قال الحريري: “قسد لم تتخلَّ عن ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني، ولم تتخلَّ عن ممارستها تجاه الشعب السوري، ولم تقبل بأن تغير رؤيتها للوضع في سوريا وعن الكينونات الفيدرالية”. وحذر من أنه “إن لم تنسحب قسد من هذه المناطق، فإن الوضع مفتوح على كل الخيارات، والعملية العسكرية ستتوسع في الأيام المقبلة”.
وعن زيارة الائتلاف الأخيرة لقطر، قال الحريري: “قطر كانت ولا تزال من أول الدول التي دعمت مطالب الشعب السوري في مختلف المجالات وكانت هناك نقاشات عن الوضع الراهن ومآلات العملية السياسية، والوضع الإنساني، وطرق دعم قوى الثورة، والحفاظ على وحدة المعارضة، والتفاعل مع المتطلبات الإنسانية”.
وأكد أن المعارضة حريصة على علاقتها مع كل الدول العربية، و”خاصة التي تدعم الشعب السوري ولدينا سفارة في قطر، وكنا ولا زلنا نتمنى ان تقوم بقية الدول الداعمة للشعب السوري بهذه الخطوة”.
وحول اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف مؤخراً، قال الحريري: “ما نقرأ في اللجنة الدستورية هو التعطيل منذ تأسيسها والمسؤول روسيا والنظام”. وأوضح أن “روسيا عندما رأت اللجنة الدستورية تبتعد عن المرامي التي ابتغتها، عملت على تمييعها، فهي لا تريد لجنة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة، والقرار 2254، ويتم فيها انتقال سياسي، بل تريد ما يشبه لجنة مصالحة كما جرى على الأرض بقوة السلاح”.
وأضاف “نحن قلقون بأن نرى العملية تسير وراء ما يريده الروس باعتبارها فاعلة على الأرض، والمجتمع الدولي منشغل، فنرى الجهود الأممية تميل للرؤية الروسية”.
وعن الجدل الحاصل حول طرح الأمم المتحدة مصطلح “العدالة التصالحية”، قال الحريري: “هذا المصطلح مرفوض نريد عدالة انتقالية يتبعها عملية تعويض للمتضررين، بعد تشكيل الحكم والدستور، والعدالة الانتقالية يمكن أن تهيئ لمصالحة وطنية”.
وشدد على أن “الحجر الأساس في عملية بناء العملية السياسية في سوريا تبدأ عبر الحكم الانتقالي، حتى لو تم التوصل لمسودة دستور، ومن دون الحكم الانتقالي لا يمكن عودة ملايين اللاجئين، ولا يمكن مكافحة الإرهاب بظل وجود النظام الحالي”.
وأضاف أن “تصريح المبعوث الأممي غير بيدرسن، باستخدام العدالة الترميمية غير موجودة في مفردات الحل السياسي، والعدالة الانتقالية وجبر الضرر يمكن التعبير عنه كما هو بتعويض المتضررين”.
وفي ما يتعلق بتأثير الانتخابات الأميركية على الملف السوري، قال الحريري: “ما سمعناه من الإدارة الأميركية أن نهج أميركا وسياساتها في الشرق الأوسط وسوريا لم يتغير، وأولوياتها محاربة داعش وإخراج إيران من سوريا، ودعم عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة”.
وحذر من أن “أي مفاوضات أو اتفاق جديد مع إيران لن يكون مفيداً ويؤدي لزيادة نفوذ إيران بسوريا ولن يساهم في العملية السياسية”.
المدن
———————————
ريبورن واثق بقرب الحل في سوريا:نظام الأسد يضعف
أكد المبعوث الأميركي للشأن السوري جويل ريبورن أن “الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتنفيذ حملة متواصلة من الضغط الاقتصادي والسياسي لمنع نظام الأسد وأكبر مؤيدين له من حشد الموارد لشحذ حربهم ضد الشعب السوري”.
وقال ريبورن في إيجاز صحافي بمناسبة مرور عام على توقيع قانون “قيصر”، إن “العقوبات التي نفرضها تظهر عزمنا على الحد من قدرة الجهات المؤيدة للنظام -بما في ذلك القادة العسكريين والنواب في البرلمان السوري والكيانات التابعة لنظام الأسد ومموليه- على استخدام مواقعهم لإدامة حرب بشار الأسد الوحشية والعقيمة”.
وأوضح أن العقوبات التي فُرضت على والد أسماء الأسد ووالدتها وشقيقها الذين يعيشون في المملكة المتحدة، تُظهر أن “الولايات المتحدة ستعاقب من يرتكبون الانتهاكات ويدعمون نظام الأسد بطريقة مادية، بغض النظر عن مكان تواجدهم”، مؤكداً أن قانون “قيصر لن يقتصر على المتواجدين داخل سوريا فحسب.
ودعا إلى “عدم التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية”، معتبرا أنه “يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جدا مع مرور الوقت”. وقال: “أعتقد أن ما نراه الآن، وقد مضت ستة أشهر على دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، أنه ليس لنظام الأسد وحلفائه رداً عليه. ليس لديهم أي رد على الضغط الاقتصادي والعزلة السياسية بموجب قانون قيصر”.
وجدّد ريبورن التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تقوم ب”تطبيع العلاقات مع النظام السوري ولن تساعد الأسد في إعادة بناء ما دمره، وذلك حتى يتم إحراز تقدم ملموس في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″. ووصف القرار بأنه “وثيقة عبقرية ومصدر إلهام”. وقال: “لقد تمتع صائغوه برؤية واضحة جداً لعملية سياسية يستطيع الشعب السوري أن يعبر من خلالها عن صوته ورغبته في من يريدونهم أن يحكموا سوريا وبأي شكل وبأي نوع من النظم”.
وقال رداً على سؤال حول كلام وزير خارجية النظام حول أنه لا يجب القلق بشأن مفاوضات جنيف، قال ريبورن: “فيصل المقداد ليس مجلس الأمن الدولي. يستطيع فيصل المقداد أن يقول ما يشاء تماماً مثل سلفه المعلم. يتحدثون كثيراً، وأعتقد أنهم يتحدثون في الغالب إلى شعبهم وأنصار نظامهم ويحاولون طمأنة مؤيديهم وحثهم على عدم قراءة الأخبار بشأن الضغط على نظام الأسد والقول إن هذه المحادثات في جنيف لا تعني شيئاً. لكن في نهاية المطاف، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما المسؤولان عن العقوبات على سوريا، وسنواصل فرض هذه العقوبات وسنواصل العزلة السياسية، ولن يتمكن فيصل المقداد في اتخاذ أي قرار بهذا الشأن. نحن لا نهتم لأي شيء يقوله”.
وأعرب ريبورن عن ثقته باقتراب حل الصراع في سوريا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 4 سنوات، معتبراً أن “العام 2020 قد أظهر حدود قوة نظام الأسد وحلفائه، بما في ذلك روسيا وإيران”. وقال: “لم يتمكنوا من التغلب على الضغط العسكري التركي في إدلب. لم يتمكنوا من تجاوز الضغط العسكري الإسرائيلي على النظام الإيراني. لم يتمكنوا من التغلب على الضغوط الاقتصادية والسياسية… وعلى عكس ذلك، يتزايد نفوذ الولايات المتحدة والأوروبيين وغيرهم شهراً بعد شهر بينما نستمر في فرض ضغوط اقتصادية جديدة وعزلة سياسية”.
ورأى أننا “ندخل مرحلة يضعف فيها نظام الأسد وحلفاؤه بشكل مضطرد بمرور الوقت، بينما يتزايد نفوذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وأضاف “أنا متفائل بأن النظام وحلفاءه قد قاموا بأفضل ما لديهم ولم يتمكنوا من هزيمتنا. ما زلنا صامدين ونزداد قوة بمرور الوقت”.
المدن
————————-
سورية .. طريق الحل المسدود/ مروان قبلان
مع انتهاء المواجهات العسكرية الكبرى في سورية، واستقرار خطوط التماس (على الرغم من احتمال حصول معركة في إدلب)، تجد أطراف الأزمة في سورية نفسها بعد عقد من الصراع أمام طريق مسدود. النظام الذي يشعر بأنه انتصر، بمعيار النصر الوحيد لديه، وهو استمراره وبقاؤه، يجد نفسه من جهة، وهو يحكم على خراب، معزولا، ومحاصرا بعقوباتٍ دوليةٍ قاسيةٍ، تجعله عاجزا عن تأمين أبسط احتياجات السكان الذين يحكمهم، من غذاء ودواء ووقود وكهرباء وغيرها من مقومات الحياة الأساسية. ومن جهة أخرى، تبقى مساحات واسعة من البلاد خارجة عن سيطرته في الشمال والجنوب، وفي الشرق خصوصا، حيث حقول الغاز والنفط والقمح، وهو يعرف أنه لا يستطيع الصمود طويلا بدونها، كما لا يستطيع استعادتها، في وجود قوات أميركية وتركية تسيطر عليها.
من جانب آخر، دخلت المعارضة مرحلة انعدام الوزن، مع خسارتها أكثر أوراق القوة التي كانت يوما تمتلكها، وفقدانها كليا تقريبا هامش الاستقلال المحدود الذي كانت تتمتع به أمام الدول والجهات التي تموّلها، فأخذت انقساماتها تتزايد، على وقع الهزيمة والفشل وتبادل الاتهامات بالمسؤولية، وتحوّل جزء كبير من نشاطها السياسي إلى نقاشات سفسطائية لا تنتهي على وسائط التواصل الاجتماعي، ازدادت حدّتها، أخيرا، نظرا إلى سهولة الاتصال وعقد الاجتماعات الافتراضية التي وفرتها تقنيات وبرامج ازدهرت في ظل وباء كورونا. وقد أخذت المعارضة، كما النظام، تفقد مصادر شرعيتها المحلية، تستند بدلا من ذلك، في بقائها واستمرارها، إلى إرادة دولية وتحالفاتها الخارجية، ما عمّق افتراقها عن الشارع الذي تدّعي تمثيله. هذا الشارع الذي يشعر بالخيانة والخذلان، بعد كل التضحيات التي قدّمها، باتت معركته، هو الآخر، أصعب من أي وقت مضى، اذ أصبح جزءٌ منه ينادي بإسقاط النظام والمعارضة معا، بعد أن كانت معركته محصورة بالنظام، وهو لا يملك أي وسيلة لتحقيق ذلك. ودوليا، تبدو سورية آخر قضية يمكن أن يفكر بها العالم، المنكوب اليوم بأزمة كورونا وتداعياتها التي طاولت كل شيء تقريبا.
إلى أين تتجه الأمور أمام هذا الواقع الذي لا تنفع أي محاولة لتجميله؟ تبدو استراتيجية النظام واضحة، وهو لا يبذل جهدا في إخفائها، ففيما هو يلهي المعارضة بلعبة اللجنة الدستورية، ويُغرقها في متاهة التفاصيل التي يتقنها، يحضّر بهدوء لانتخاباتٍ رئاسيةٍ يحين أجلها خلال ستة أشهر، تماما كما فعل في الانتخابات البرلمانية الصيف الماضي، وهو يلقى في ذلك دعم حلفائه. وإذا كان الموقف الإيراني غير مهم هنا، باعتباره أكثر تطرّفا من موقف النظام نفسه، خصوصا في سلوك مليشياته على الأرض، ورفضها إعادة بعض المهجّرين إلى قراهم وبلداتهم، فإن الموقف الروسي الذي طرأ عليه تغير عميق يعدّ مركزيا، وخصوصا أنه صاحب فكرة مؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية. ففي زيارته إلى دمشق في سبتمبر/ أيلول الماضي، فجر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قنبلة في وجه الجميع، عندما قال إن عمل اللجنة الدستورية غير مرتبط بإجراء الانتخابات الرئاسية، وإنه ليس هناك حد زمني لإنهاء أعمالها. ويراهن النظام على تغير الرياح لمصلحته مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد بايدن، حيث يتوقع أن يصبح، كما في عهد إدارة أوباما، المستفيد الأكبر في حال حصول تقاربٍ بين واشنطن وطهران.
ما هي استراتيجية المعارضة في المقابل؟ لا يجافي المرء الحقيقة إذا قال إنه لا توجد لديها أي استراتيجية، خلا استمرار الرهان على وهم أن تنتج اللجنة الدستورية توافقا حول دستور يسمح لها بالقول إن انتقالا سياسيا يحصل من خلاله ويتجسّد بمشاركتها في السلطة التي ستنتج عنه، علما أن الرهان هنا يرتبط كليا بقدرة العقوبات الأميركية على إحداث تغييرٍ في سلوك النظام على هذا الصعيد.
بالنتيجة، النظام ذاهب نحو انتخابات شبيهة بانتخابات 2014 يدّعي من خلالها شرعية الاستمرار في حكم أنقاض دولةٍ ومجتمع. المعارضة مستمرة في لعبة اللجنة الدستورية، وتأمل من خلالها في تغيير النظام. العالم مستمر في تجاهل الموضوع السوري، والاعتياد على العيش مع دولة فاشلة أخرى في المنطقة. أما سورية فسوف تستمر في التحلل، حتى تظهر نخبة سورية مسؤولة في المعسكرين قادرة على التعاون لاجتراح خطةٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
العربي الجديد
—————————-
هل يدفع السّوريون مجدداً ثمن اتفاق أميركي- إيراني؟/ بسام بربندي
لا يحمل السّوريون الكثير من الذكريات الإيجابية من فترة الرئيس السابق باراك أوباما وفريقه. فخلال فترة ولايته، استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية مرات عدة، متحدّياً الخط الأحمر الذي وضعته الإدارة الديموقرطية، كما شهدت تلك الفترة أكبر موجة نزوح بشري منذ الحرب العالمية الثانية، وتدخلت إيران وروسيا عسكرياً
مع نظام الأسد ضد شعب أعزل بغالبيته، وشهدنا تغييراً ديموغرافياً في الكثير من المناطق السورية وغيرها من المآسي الكثيرة المعروفة والموثقة.
والسوريون مقتنعون بأنهم دفعوا ثمن الاتفاق الإيراني – الأميركي – الدولي في الملف النووي. وعوضت الإدارة غياب أي سياسة حازمة تجاه الأسد بتقديم مساعدات إنسانية كبيرة للنازحين واللاجئين السوريين، وعملت على دعم المجتمع المدني الذي يخدم أجندتها في بلد يشهد صراعاً تشارك فيه جيوش دول عدة ولا صوت فيه للعقل ولا للمجتمع.
برغم عدم وضع إدارة الرئيس ترامب الأزمة السورية على سلّم أولوياتها، إلا أن سياستها تجاه إيران وممارستها الضغوط الكبيرة والمتنوعة عليها، واعتبار الأسد إحدى الميليشيات الإيرانية الواجب وضع حد لها، أثارت أملاً لدى الكثير من النازحين والمهجرين السوريين بأن العودة الى بيوتهم وأراضيهم لم تعد حلماً، وأن الضغط يمكن أن يدفع للتقدم في الحل السياسي.
وساهمت العقوبات بإظهار الهشاشة الاقتصادية والإدارية للنظام، وساهم القصف الإسرائيلي لمواقع تابعة للميليشيات الإيرانية بإظهار هشاشة جيش النظام وعدم رغبة روسيا بمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
انتصار الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية مؤخراً، أعاد للسوريين هواجس إدارة أوباما. والسؤال الذي يطرحونه هو: هل سندفع الثمن مرة ثانية!! فالقيم الأميركية من حرية وديموقراطية وحقوق إنسان تبقى داخل حدود الولايات المتحدة، أما في الخارج فهي مصالح الولايات المتحدة أولاً وأخيراً، والمآساة السورية أكبر مثال على ذلك.
ومما ساهم بزيادة هذه الهواجس هو ما ورد عن سوريا في الورقتين السياسيتين اللتين طرحتهما الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي جو بايدن، حيث أشارت الى نقطتين:
الأولى: تشجيع إعادة الإعمار في سورييا كرسالة الى روسيا، والثانية: دعم المجتمع المدني وقوات سوريا الديموقراطية (قسد).
ولم تشر الورقتان الى طريقة التعامل مع نظام الأسد أو اللاجئين أو قرارات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا أو غيرها من الأمور البديهية، بل أشارت الى أهمية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
المصاعب الداخلية التي واجهت الإدارة الحالية وهي نفسها ستواجه الإدارة القادمة، مثل كورونا والبطالة والاقتصاد وانقسام المجتمع الأميركي، ما قد يعني عدم القدرة على التركيز على السياسة الخارجية كأولوية على الأقل في الأشهر الأولى من الإدارة القادمة.
ويترافق ذلك مع: أولاً الانتخابات الرئاسية الإيرانية في منتصف العام المقبل، ما يعني أن الإيرانيين يفضّلون الانتظار إلى ما بعد الانتخابات لإجراء أي مفاوضات جدية مع الجانب الأميركي، وثانياً انتخابات الرئاسة في سوريا.
وهنا يوجد مجال للعمل.
بما أن سوريا ليست موضوعاً خلافياً بين الإدارة الحالية والإدارة المقبلة، فيمكن الإدارة الحالية والمقبلة التركيز على إعادة ترتيب المعارضة السورية بشكل تكون قادرة على مواجهة الانتخابات المقبلة، وذلك عن طريق العمل مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا ومصر ودول الخليج على إجراء انتخابات سورية وتوفير تمثيل حقيقي وشرعي للشعب السوري في مؤسسات المعارضة من ائتلاف واللجنة الدستورية بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والمحاصصة بين منصات سياسية لا تشكل أي تمثيل شعبي، بل هي وجدت لتخدم مصالح الدول التي تستضيفها وتحمل اسمها.
ما قام به الائتلاف مؤخراً بإنشاء هيئة للانتخابات، ثم ما طرحه وفد المعارضة في اللجنة الدستورية من أفكار على وفد النظام، تتضمن إنشاء هيئات لضمان عودة النازحين ولإطلاق سراح المعتقلين، واعتباره أن الانتخابات هي الطريق لتحديد مواضيع الدستور يبدو أقرب الى الأفكار الروسية والنظام وبعض الدول الإقليمية منها الى ما يطلبه الجزء الأكبر من الشعب السوري عندما قام بالثورة.
ولنجاح هذه الخطوة، يجب أن يشارك فيها أكبر عدد من السوريين الموجودين خارج مناطق النظام، والذين يتجاوز عددهم تسعة ملايين سوري مغترب ومهجر ونازح يمثلون كل مكوّنات الشعب السوري عرقياً ودينياً. وتحقيق هذا الأمر سيعطي المجتمع السوري والدولي ورقة قوة مفقودة الآن لمواجهة تمدد الدول الإقليمية في سوريا وإعادة القضية السورية للسوريين وعدم استخدامها كجائزة ترضية في الاتفاقات الإقليمية التي قد يتم التوصل اليها مع الإدارة الأميركية القادمة.
أما الاكتفاء باعتبار أن الانتخابات المقبلة غير شرعية، فهذا لن يغيّر من واقع الأمور، كما أن رشوة الأسد ليقوم بإصلاحات مقابل رفع بعض العقوبات عنه، فهذا عملياً ما يتمناه هو وداعموه.
يجب إعادة القضية السورية إلى السوريين، وعلى الدول مساعدتهم لا المقايضة على قضيتهم، وهذا ما يجب العمل عليه في خلال الفترة المتبقية من الإدارة الحالية ومع الإدارة المقبلة.
النهار العربي
—————————————-
تأملات مبعوث للملف السوري: لحظات مظلمة قبل الفجر/ مارتن لنغدن
لا يتحدث الدبلوماسيون دوماً بوضوح، وينبع حرصنا في استخدام اللغة من سبب وجيه، فالتوجه غير المباشر غالباً ما يكون مفيداً على نحو أكبر في رسم حدود اتفاق ما أو تمهيد الطريق أمام جهود التعاون الدولي. غالباً، وليس دائماً.
ويتطلب حجم وحدة الأزمة القائمة في سوريا منا جميعاً التحدث بجلاء وصدق أكبر حول الواقع الذي تتكشف ملامحه أمامنا، والخطيئة الكبرى وراء الاستمرار في رفض عمل ما يجب عمله إذا كانت هناك رغبة حقيقية في إنقاذ سوريا من كارثة أكثر فداحة.
بطبيعتهم، يتحلى الدبلوماسيون بالتفاؤل، ذلك أننا متمرسون في إيجاد حلول مبتكرة لقضايا شائكة. بيد أنه في الوقت ذاته يتعين علينا التحلي بالواقعية والصدق. في الحقيقة، حجم الدمار الذي لحق بسوريا يعني أن إعادة تأهيل البلاد سيكون دوماً مهمة صعبة. لكن رفض نظام الأسد المشاركة بجدية في عملية إصلاح سياسي، حسبما يطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع استمراره في الوقت ذاته في سلوكه القمعي، الذي يؤتي بنتائج عكسية، أطال أمد شقاء الكثيرين وأهدر وقتاً ثميناً. وفي يومنا هذا، أصبح الوقت – مثل الغذاء والوقود – سلعة توشك على النفاد داخل سوريا.
وغالباً ما قيل، إنه رغم أن الاحتمالات تشير إلى أن النظام سيفوز في الحرب في سوريا، فإنه سيواجه صعوبات جمة في «الفوز» بالسلام، بمعنى أن النصر العسكري للنظام لن يكون باستطاعته أبداً إصلاح أي من الأسباب الجوهرية للأزمة الراهنة، أو تحقيق استقرار حقيقي أو توفير الأمن والرخاء للشعب السوري.
اليوم، تقف سوريا على حافة الهاوية. وتشكل الأزمة الاجتماعية – الاقتصادية التي ألمت بالبلاد تهديداً خطيراً ومتفاقماً للسوريين. من جهتها، حذرت الأمم المتحدة هذا الشهر تحذيراً صادماً من أن مليوني سوري إضافيين الآن أصبحوا في حاجة ملحة لمساعدات إنسانية، ليرتفع الإجمالي إلى 13 مليوناً. وتتصدر سوريا اليوم القائمة العالمية لمتطلبات التمويل الإنساني.
ومع زيادة المسار السلبي الخطر الذي يتبعه النظام سوءاً من أسبوع لآخر، هل لا يزال من الممكن وقف هذا التردي والتحرك نحو علاجه؟
في حال الاستمرار في النهج الحالي للنظام السوري، فإن الإجابة بالقطع لا. ومع اقتراب الشتاء، تحتشد صفوف المواطنين الذين تعتمل نفوسهم بيأس متزايد طلباً للحصول على الوقود والخبز، في الوقت الذي تبدو خطابات النظام حول «عودة الأوضاع إلى طبيعتها» أكثر خواءً يوماً تلو آخر. الواضح أن النظام وداعميه، يفتقرون إلى الموارد اللازمة لإصلاح هذه السفينة التي تحدق بها الأخطار، لكن في كل الأحوال يتركز اهتمامهم حصراً على ضمان البقاء لهم وللنخب المتآكلة.
وبدلاً عن الانخراط بجدية في العملية التي صاغتها الأمم المتحدة، وهي عملية بمقدورها بالفعل نقل سوريا إلى وضع أفضل وخلق مساحة أمام الدعم المالي الدولي والمصالحة الوطنية، تسعى دمشق حصراً لتعطيل أي تحرك نحو الأمم. ويأمل النظام السوري في أن تفلح الانتخابات المقررة العام المقبل، والتي بالطبع لن يسمح للكثير للغاية من السوريين بالمشاركة فيها، في خلق فرصة للبدء من جديد وقلب الصفحة. لكن كيف يمكن أن تأمل في قلب صفحة بينما الكتاب نفسه تلتهمه النيران؟
الواضح أن سوريا بحاجة إلى مساعدات اقتصادية ضخمة – وبسرعة، لكن هذه المساعدة لن تأتي من موسكو. في الواقع، قدمت روسيا حداً أدنى من المساعدات المالية لسوريا، ذلك أن حلفاء النظام يأخذون من سوريا، ولا يعطونها. في المقابل، نجد أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وشركاء أوروبيين يقدمون النصيب الأكبر من الدعم المالي للسوريين، عبر كامل أرجاء البلاد وما وراء ذلك.
لكن يجب أن تكون تلك مساعدات إنسانية في الجزء الأكبر منها، بحيث تركز على تلبية الاحتياجات القصيرة الأجل، بما في ذلك الطعام والمأوى والتعليم الأساسي، وليس مساعدات اقتصادية بمعنى أوسع. وتبقى المملكة المتحدة وحلفاؤها واضحين وعاقدي العزم على عدم توفير دعم لإعادة إعمار سوريا إلا في إطار حل سياسي. ولا يعكس هذا موقفاً يقوم على المبادئ فحسب، وإنما بصراحة، يعكس كذلك حدود ما يمكننا فعله من أجل خلق اختلاف إيجابي.
في جوهرها، تحمل القضايا التي خلقت وتُبقي على الأزمة السورية، طابعاً سياسياً. أما التداعيات الاقتصادية، فليست سوى عرضية (وإن كان ذلك عرضياً فتاكاً) لذلك الداء الأوسع. ومن دون حدوث تغيير حقيقي في سلوك النظام، وتوفير بيئة آمنة لعقد انتخابات حرة ونزيهة بحق، لن تتمكن أي مساعدات اقتصادية مهما بلغ حجمها إعادة الاستقرار لسوريا، وتمكين اللاجئين من العودة إلى منازلهم والسماح بإقرار مصالحة وطنية وإعادة بناء البلاد.
في الواقع، لقد خضنا نضالاً مستمراً لضمان عدم تغيير مسار المساعدات الإنسانية الأساسية التي يجري تمريرها عبر قنوات الأمم المتحدة في دمشق على يد النظام واستغلالها لخدمة أجندته السياسية. وعليه، فإنه في وقت تحتاج سوريا بشدة إلى اقتصاد يوفر الوظائف والدخل للناس، لماذا يتعين على الدول الغربية المانحة المخاطرة بملء جيوب النظام وتعزيز محاباة الأقارب والفساد الذي استوطن في مفاصل الدولة السورية وأصابها بالعفن؟
الحقيقة أن كل المعنيين بهذه الأزمة يقفون في مواجهة اختيار بسيط وواضح: إما أن نعمل معاً بسرعة وتصميم لتحقيق حل سياسي ينهي حالة عدم الاستقرار، ويفتح الباب أمام الدعم المالي، وإما نتبع المسار الوحيد البديل – الذي أخشى أننا نسير عليه بالفعل في الوقت الراهن – حيث تدفع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وغياب المستوى الأساسي من الأمن سوريا من على حافة الهاوية. النظام وأعوانه يقفون في مواجهة هذا الاختيار اليوم، بينما تقترب لحظة الحسم واتخاذ القرار.
لقد سبق أن قلت إن الدبلوماسيين كائنات تتميز بالتفاؤل بطبيعتها، وثمة أسباب تدعو لعدم اليأس. في الواقع أكثر اللحظات ظلاماً تلك التي تسبق بزوغ الفجر مباشرة، ولا يزال من الممكن أن نعاين أمامنا سبيلاً بمعاونة الأمم المتحدة والممثل الخاص لها غير بيدرسون للخروج من نفق هذه الأزمة.
على الصعيد الدولي، ليست هناك دولة تستفيد حقاً من وجود سوريا محطمة وغير مستقرة، وينبغي أن نسعى للاتفاق حول توجه مشترك لتحقيق تسوية تحترم المصالح الوطنية لجميع الأطراف المعنية. وداخل سوريا، يتعين على داعمي النظام أن يدركوا أنه من المتعذر استمرار الوضع القائم حالياً، خاصة أن التكاليف التي يتحملونها، وهم وراء دعم نظام فاشل، تتفاقم يوماً بعد آخر. في الواقع ما كان يوفر لهم الحماية ذات يوم أصبح الآن عبئاً.
وتبقى هناك رؤية بديلة: سوريا موحدة ومزدهرة وذات سيادة تمثل التركيب المتنوع بداخلها ويجري حكمها بما يخدم مصالح جميع السوريين، وليس أقلية قليلة للغاية. لقد تشرفت من خلال عملي هذا بمعرفة سوريا وشعبها، وأنا على ثقة من أنه حال إعطائهم الحرية وبدعم دولي، باستطاعة الشعب السوري، بصلابة السوريين وقوتهم وطاقتهم وعزيمتهم وإنسانيتهم وروحهم، إعادة بناء وطنهم الممزق وتحقيق كامل إمكاناته. وآمل من صميم قلبي أن يقدم أصحاب النفوذ الأكبر على صانعي القرار في دمشق أخيراً على فعل كل ما هو ضروري للسماح بإنجاز ذلك، قبل فوات الأوان.
* المبعوث البريطاني إلى سوريا
الشرق الأوسط
——————————-
هل أصبحت سوريا «ملحقاً» بملفات أخرى؟/ إبراهيم حميدي
لا تكتفي الأطراف المعنية بالملف السوري بالانتظار إلى حين تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مقاليد الحكم في نهاية الشهر المقبل. كل طرف يحاول خلق وقائع جديدة، يجدها فريق بايدن أمامه، من دون أن تصل إلى خطوات استفزازية للرئيس الأميركي الجديد. كان بين هذا إعلان القاهرة وعمان قبل أيام من اجتماع عربي رباعي ضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، بهدف البحث عن تنسيق «الدور العربي» في حل الأزمة السورية. المشاورات غير المعلنة والعلنية ترمي إلى المساهمة في صوغ «استراتيجية عربية» تتضمن عناصر رئيسية، بينها الدفع لحل سياسي وفق القرار 2254 والحفاظ على أمن سوريا و«ووحدتها وسيادتها»، والمطالبة بخروج «جميع القوات والميليشيات الأجنبية»، حسبما نُقل عن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وزاد منسوب القلق العربي من الدورين التركي والإيراني في سوريا و«أثر التدخلات الإقليمية على وحدة سوريا»، باعتبار أن أنقرة تسيطر عبر فصائل موالية أو بشكل مباشر على أكثر من 10% من مساحة الأراضي السورية البالغة 185 ألف كلم. وتحاول توسيع نفوذها في الشمال. كما أن طهران تعمّق تغلغلها تحت غطاء موسكو أو بالتحالف مع دمشق في جنوب سوريا وشرقها.
وتبلغت روسيا رسمياً من أطراف عربية، «تسهيلها» الوجودين التركي والإيراني في سوريا، بل إن المبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينييف سمع في عمان ملاحظات لعدم وفاء بلاده بالاتفاق المبرم في منتصف 2018 وقضى بـإبعاد تنظيمات إيران عن جنوب سوريا مقابل عودة القوات الحكومية السورية وتخلي حلفاء المعارضة عن فصائلها في «مثلث الجنوب»، أي أرياف درعا والقنيطرة والسويداء.
وضمن التفكير بـ«الدور العربي»، أفكار كثيرة، بينها دعم تكتل جديد للمعارضة السورية يقابل «هيئة التفاوض» أو «الائتلاف» اللذين يُنظر إليهما من أطراف عربية على أنهما تحت النفوذ التركي خصوصاً بعد عدم حل «عقدة المستقلين» في «الهيئة». أيضاً، طرح معارضون فكرة توسيع «الفيلق الخامس» الذي تدعمه قاعدة حميميم، ليضم آلاف المقاتلين والنهل من «الخزان البشري» الذي يضم 70 ألف متخلف عن الجيش السوري، تحاول طهران جذبهم عبر «إغراءات وإعفاءات». تُضاف إلى ذلك أمور تخص المسار السياسي والإعمار.
وتسعى أطراف عربية إلى تشكيل «كتلة عربية» خصوصاً أن هناك كتلتين أخريين: الأولى، هي «المجموعة المصغرة» وتضم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن. والأخرى، «مجموعة آستانة» وتضم روسيا وإيران وتركيا.
«المجموعة الصغيرة» استعادت التشاور بينها وعقدت اجتماعاً وزارياً قبل أسابيع تضمن التنسيق بين الدول الغربية والعربية إزاء الحل السياسي واللجنة الدستورية ومقاطعة مؤتمر اللاجئين الذي رعته موسكو في دمشق منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتدفع واشنطن إلى استمرار بقاء «دمشق في صندوق العزلة» عبر عدم التطبيع الثنائي والجماعي العربي وفرض عقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية وربط الإعمار بتحقيق تقدم في العملية السياسية، إضافة إلى دعم الضربات الإسرائيلية لـ«التموضع الإيراني».
ضمن هذا، فإن المبعوث الأميركي الجديد جويل روبرن، زار أنقرة والقاهرة، لهدفين: الأول، الحفاظ على خطوط التماس الحالية في سوريا وعدم قيام تركيا بعملية شرق الفرات بعد تردد معلومات عن نية الرئيس رجب طيب إردوغان استقبال بايدن بواقع جديد ضد الأكراد السوريين القريبين لقلب الرئيس الأميركي الجديد وفريقه. والآخر، عدم التطبيع العربي مع دمشق وعدم فك العزلة عنها. و«النصيحة» التي قدمها مسؤولو الملف السوري في إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى فريق بايدن، هي: الحفاظ على الجمود الحالي وخطوط التماس بين «مناطق النفوذ» الثلاث، لحرمان موسكو وطهران ودمشق من «الانتصار السياسي» وإبقائها في «المستنقع» ما لم تحصل تنازلات جيوسياسية وداخلية.
في المقابل، واصلت أطراف «مجموعة آستانة» التنسيق بينها. موسكو وطهران تحاولان إقناع دمشق بأن «مسار آستانة لصالحها». وكان هذا مضمون الكلام الذي سمعه فيصل المقداد من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في أول زيارة لطهران لوحظ حجم الحفاوة الإيرانية بالوزير السوري الجديد، بعدما سمعت دمشق من الروسي سيرغي لافروف، أن «مسار آستانة حقق مكاسب لدمشق ووسّع مناطق السيطرة التابعة لها». دمشق، لها رأي آخر، فيه رغبة بالعودة إلى إدلب والقامشلي، اللتين تقف موسكو وواشنطن أمام تحويلهما إلى واقع. ما لم تقله طهران، أنها ربطت الملف السوري باحتمال مفاوضاتها مع واشنطن، كما هو الحال مع موسكو وتوقعاتها الأميركية. وبين تحركات «الكتل» المعنية بالملف السوري، استعاد المبعوث الأممي غير بيدرسن، فكرته القديمة، وهي خلق مجموعة اتصال جديدة أو التنسيق بين «الكتل». سابقاً، كان فيتو أميركا ضد الجلوس مع إيران على طاولة واحدة أحد أسباب عدم الدمج بين «ضامني آستانة» و«المجموعة الصغيرة». رهانه أن هذا قد يتغير مع إدارة بايدن. لكن الواضح أن «الملف السوري» بات ملحقاً بملفات دولية وإقليمية أخرى ولم يعد منفصلاً بذاته.
الشرق الأوسط
—————————
حصيلة 2020 السورية: خمسون الطاغية وعشرون وريثه/ صبحي حديدي
الأرجح أنّ المصادفة المحضة لم تكن وراء ابتداء العام 2020 في سوريا بلقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رأس النظام السوري بشار الأسد، احتضنته في دمشق الكاتدرائية المريمية، مقرّ كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، واقترن بجولة بوتين في الجامع الأموي؛ وأن يُختتم العام بعودة الأسد إلى رياضة التفلسف المفضلة عنده، ولكن ليس من أيّ منبر خطابي سياسي أو حزبي أو إعلامي، بل من جامع العثمان خلال المشاركة في الاجتماع الدوري الموسع الذي تعقده وزارة أوقاف النظام ويحضره «السادة العلماء والعالمات». بركات البطريركية الأرثوذكسية الروسية لم تخلف وعداً مع بوتين، ولم تبخل بدعم أو تزكية مقابل حرص الكرملين على تحويل هذه العلاقة إلى تحالف صريح يطمح إلى تمثيل 300 مليون مسيحي أرثوذكسي على نطاق العالم؛ وكان أمراً طبيعياً أن يجسد بوتين هذه الصياغة في دمشق تحديداً، وعلى أنوار الشموع الكنسية التي ألقت المزيد من الأضواء على تفقّد القائد بوتين لقوّاته العسكرية المرابطة هنا وهناك لمدّ النظام السوري بأسباب البقاء.
من جانبه افتقد الأسد، طوال العام، فرصة سانحة لممارسة التفلسف الذي أدمنه منذ الأشهر الأولى لتدريبه على وراثة أبيه، فاغتنم اجتماع وزارة الأوقاف هذا كي يشرّق ويغرّب، ابتداءً من الفارق بين «القضايا المعيشية والأمنية» مقابل «القضايا الفكرية»؛ مروراً بـ»وضعنا في العالم الإسلامي بشكل عام»، حيث افترض الأسد أنه «لا يوجد مخفر شرطة لأنه لا يوجد قانون دولي ولا توجد مؤسسات تضبط»؛ وليس انتهاء بالعلمانية والليبرالية و»الليبرالية الحديثة» والزواج المثلي والمخدرات وفصل الدين عن الدولة. لم تغب عن جلسة التفلسف هذه تأملات حول اللغة العربية، مثلاً: «حامل الفكر والثقافة بشكل عام قبل أن تكون لغة القرآن.. هي الحامل الطبيعي.. عندما تندثر هذه اللغة أو تتراجع أو تضعف وهذا الشيء كلنا نراه في المجتمع بشكل واضح وبشكل خطير ومخيف فيجب أن نعرف أن هناك حاجزاً وهناك غربة بين الإنسان وثقافته».
بين الكنائس والمساجد كانت الاحتلالات الخمسة التي تخضع لها سوريا، إسرائيلياً وإيرانياً وروسياً وأمريكياً وتركياً، تواصل اشتغالاتها دون كلل أو ملل؛ مع تواطؤ وتكامل تارة، ثنائياً أو ثلاثياً أو رباعياً أو حتى خماسياً، أو تعارض وتباين يعقبه غالباً توافق وتفاهم واقتسام تارة أخرى. ولم تكن مصادفة عابرة، هنا أيضاً، ألا يُختتم العام من دون بدعة «العدالة التصالحية» التي تفتق عنها ذهن غير بيدرسون، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، في إحاطته الأحدث إلى مجلس الأمن الدولي، وعجزت الترجمة إلى العربية عن تغطية عيوبها الاصطلاحية قبل تلك القانونية والدلالية. ذلك لأنّ الأريحية التي قادت بيدرسون إلى سلوك كهذا لم تكن تضيف بُعداً خاصاً إلى واقع الاحتلالات والاستهانة بإرادة البلد وشعبه ومآلات انتفاضته، على يد المبعوث الأممي هذه المرّة، فحسب؛ بل كانت، على قدم المساواة، تؤشر على إدقاع فريق في «المعارضة» يواصل اجترار أوهام تمثيله للسوريين عبر خرافات شتى أحدثها اللجنة الدستورية، ويرتكب استطراداً المزيد من الحماقات والموبقات والتنازلات.
لكنّ المصادفة شاءت، وكانت بليغة المغزى وعالية التوافق هنا تحديداً، أن يسجّل العام 2020 الذكرى الخمسين لانقلاب حافظ الأسد على رفاقه وحزبه، في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، المسمّى بـ»الحركة التصحيحية»؛ وأن يسجّل أيضاً الذكرى العشرين لتنصيب الوريث بشار الأسد، في 17 تموز (يوليو) 2000 بعد رحيل الطاغية الأب في 10 حزيران (يونيو) من العام ذاته. ولقد توجّب أن تمرّ الذكرى الأولى وحصاد الطاغية الوريث لا يقلّ خراباً ودموية عن حصاد أبيه، لاعتبار جوهري أوّل هو أنه امتداد مطابق لنهج الطاغية الأب، على الأصعدة كافة في واقع الأمر وبصرف النظر عن فوارق هنا وهناك تخصّ أسلوب الأب وتجربته وحصيلته السياسية والعسكرية والاجتماعية والعشائرية، التي كانت لنشأته التربوية تأثيراتها الكبرى في سلوكه وخياراته وشخصيته إجمالاً.
صحيح، بصدد النشأة تلك، أنّ إطلاق صفة «العلوي» على النظام الذي شيده الأسد الأب بعد انقلابه ليس دقيقاً، بالمعاني السياسية أو السوسيولوجية أو حتى الاصطلاحية المجردة، لسبب جوهري أوّل هو أنّ مكوّنات النظام، سواء في الأجهزة الأمنية أو الجيش أو الحزب أو مجلس الوزراء أو الإدارات الكبرى، ضمّت السنّة والدروز والإسماعيليين من الطوائف المسلمة، والكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت من المسيحيين. وهذا راجع إلى طبيعة التركيب التعددي للمجتمع السوري ذاته، أولاً؛ كما يعود، ثانياً، إلى أن الأسد سعى إلى إقامة صيغة من التواطؤ بين الأقليات، في مواجهة الأغلبية السنية (أكثر من 70% من سكان سوريا)، التي جُرّد معظم أبنائها من الفاعلية في الأجهزة الأمنية والجيش، وحُرموا من الدخول إلى حلقة القرار الفعلية الأضيق في قلب النظام. وفي المقابل، عقد النظام تحالفات وثيقة مع كبار تجّار السنّة في دمشق وحلب والمهاجر بصفة خاصة، ودخل بعض كبار الضباط والمسؤولين العلويين في شراكات معهم (رفعت الأسد، شقيق الأسد الأب، كان أحد أبرز الأمثلة).
عن الذكرى الثانية، تنصيب الوريث، لعلّ الذاكرة السورية الحديثة والمعاصرة لن تملّ في أيّ يوم من استعادة «الكرنفال» الذي شهدته أروقة السلطة وما يُسمّى «مجلس الشعب» لتتويج الأسد الابن، على نقيض من سلسلة مواضعات وأحكام «دستورية» كان الأسد الأب قد وضعها بنفسه. حلقات المسلسل بدأت بعد أسابيع قليلة أعقبت مقتل الوريث المكرّس، باسل، في حادث سيارة سنة 1994؛ فانقلب الشقيق بشار من طبيب إلى ضابط عسكري تخرّج من الكلية الحربية برتبة نقيب، رغم أنّ القوانين المرعية تنصّ على تخرّجه برتبة ملازم. بعد شهرين جرى ترفيع النقيب إلى رائد، وكان طبقاً للقانون يحتاج إلى أربع سنوات قبل الترفيع؛ ثمّ انقضى عام يتيم قبل أن يُرفّع الرائد إلى عقيد، متجاوزاً رتبة المقدّم؛ ثمّ، بعد ساعات أعقبت وفاة أبيه، إلى فريق أوّل، وقائد عامّ للجيش والقوات المسلحة. خارج الجيش، وعلى صعيد مدني، بات الفتى أميناً عاماً قطرياً لحزب البعث الحاكم، من دون المرور بعضوية القيادة القطرية؛ ثمّ أميناً عاماً قومياً، حتى من دون انعقاد المؤتمر القومي للحزب؛ ومرشحاً لرئاسة الجمهورية، بعد اجتماع كرنفال «مجلس الشعب» وتخفيض سنّ الـ40 كشرط للترشيح…
ومن عجائب المصادفات أنّ العام 2020 شهد، أيضاً، رحيل عبد الحليم خدام، الذي كان نائباً للأسد الأب ساعة رحيل الأخير، وكان وراء غالبية القرارات التي نقلت الأسد الابن إلى سدّة الترفيع وقيادة الجيش والترشح للرئاسة والتنصيب. بذلك فإنّ خدّام لم يكن صانع سياسة خارجية بقدر ما كان منفّذاً بارعاً طيّعاً مطيعاً، كما في الملفّ اللبناني منذ 1975 بصفة خاصة، حين عُرف بصفة رجل الأسد الأشدّ غطرسة وعنفاً لفظياً وهوساً باستخدام الهراوة الغليظة. ولقد ظلّ قريباً من موقع القرار السياسي الخارجي، محاصِصاً في دائرة الفساد الأضيق، متعبداً للفرد الأسد، مؤمناً بسلطة سلطة الحزب الواحد، وعاشقاً للأحكام العرفية ومحاكم أمن الدولة. وهكذا كان «الانشقاق» الذي لجأ إليه أواخر 2005 بمثابة فرار من مركب آيل إلى غرق، وليس اعتراضاً على سياسات النظام في أي حال.
خمسون الطاغية الأب وعشرون وريثه الطاغية الابن، وحصيلة من الدم والدمار والخراب وهيمنة الاحتلالات؛ حيث لا يتوجب أن يغيب عن هذا المشهد السوري إدقاع المعارضة، في تسعة أعشار تمثيلاتها ومؤسساتها.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
———————————-
القرار الأممي 2254 بعد 5 سنوات عجاف…/ أكرم البني
يحتدم الجدل اليوم بين السوريين، وخاصة في أوساط المعارضة وناشطي المجتمع المدني، حول التمييز بين العدالة التصالحية والعدالة التعويضية، وبينهما وبين العدالة الانتقالية، وأساساً لرفض مصطلح العدالة التصالحية الذي أورده المبعوث الدولي بيدرسون على لسان بعض ممثلي المجتمع المدني خلال الإحاطة التي قدمها، منذ أيام، لمجلس الأمن حول سير أعمال اللجنة الدستورية؛ حيث سارع هؤلاء لتوضيح ما حصل، وأن ثمة مغالطة وتفسيراً خاطئاً لمطلبهم بضرورة تعويض المتضررين، وأنهم لم يتطرقوا أبداً لفكرة العدالة التصالحية التي تعفي المرتكبين من المساءلة والمحاكمة، بل يتمسكون بالعدالة الانتقالية بصفتها عملية سياسية واجتماعية وقانونية متكاملة لمعالجة مخلفات الصراع الدموي السوري، ما أكره بيدرسون على التراجع والتأكيد على أن ما عرضوه فعلاً هو ما سماه «العدالة التعويضية» في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية!
لكن، وبغض النظر عن حقيقة ما جرى فإنه يشير إلى الدرك الذي وصلت إليه حالة الاستهانة والاستهتار بحقوق السوريين، والأهم بما حل بالقرار الأممي 2254 الذي أصدره مجلس الأمن في مثل هذه الأيام منذ 5 أعوام، وتحديداً في 18 يناير (كانون الثاني) 2015 والذي يفترض أن يعمل المبعوث الدولي على تنفيذه.
هي 5 سنوات عجاف، مرت على خريطة الطريق التي رسمها المجتمع الدولي لإخماد النار السورية، وتضمنت من حيث الجوهر، وقفاً لإطلاق النار والبدء بعملية سياسية تبدأ بتشكيل هيئة للحكم الانتقالي ذات صدقية خلال 6 أشهر، تحدوها صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في مدة لا تزيد على سنة ونصف سنة، وتتخللها مهام ذات طابع إنساني كإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين وعودة اللاجئين.
هي 5 سنوات عجاف مرت على اللحظة التي رفضت فيها المعارضة السورية هذا القرار لأسباب كثيرة، أهمها تهربه من تحديد موقف واضح من مسؤولية رموز السلطة عما حصل وضرورة إبعادهم عن المشاركة بمستقبل البلاد، كما على اللحظة التي بدأ فيها النظام وحلفاؤه في طليعة المدافعين عن القرار، قبل أن يتضح أن سلطة دمشق وحكومة طهران تمسكتا به كمناورة لربح الوقت ووقف التغيير الحاصل على حسابهما في توازنات القوى، بينما تقبلته موسكو، كي تمرر، بأقل ردود فعل، تدخلها العسكري المستجد في سوريا (سبتمبر/ أيلول 2015) بدليل أن الأطراف الثلاثة توسلت مختلف المناورات لتعطيل القرار الأممي وعرقلة أي محاولة، مهما بدت متواضعة، لوضعه موضع التنفيذ..
أولاً، عبر التسويف والمماطلة وإغراق مفاوضات جنيف، المعنية بتنفيذ القرار الأممي، بتفاصيل وتفسيرات واشتراطات مضحكة ومربكة في آنٍ، لإفراغ هذا القرار من محتواه، ربطاً بتسعير العنف والقصف والاجتياح الذي مكنهم من الاستيلاء على مدينة حلب ومساحات واسعة من أرياف حمص ودمشق ودرعا، وفرض هدن وتسويات مذلة وتهجير قسري على المناطق المحاصرة.
ثانياً، عبر المبادرات التي قادتها روسيا لخلق مسارات تفاوضية جانبية تمكنها من التحكم في مصير الصراع السوري ومستقبله، ويمكن أن ندرج في هذا السياق «إعلان موسكو» (يناير 2016) الذي أصدرته روسيا وإيران وتركيا بعد عام تماماً من القرار الأممي، تلاه ما عرف باجتماعات الآستانة بعد عام آخر (يناير 2017) والتي إن حققت بعض النتائج الميدانية وفرضت ما عرف بمناطق خفض التصعيد، لكنها أخفقت في التقدم، وإن كان بخطوات بسيطة، في العملية السياسية، ما شجع قيادة الكرملين، بعد عام جديد (يناير 2018) على عقد مؤتمر سوتشي، عساه يشكل طوق نجاة سياسياً يُخرج الوضع السوري من حالة التفسخ والاستنقاع.
5 سنوات كانت خلالها مفاوضات جنيف تعاني الأمرين، وبدت بجولاتها الكثيرة، عقيمة ومملة وتسير في طريق مسدودة، بسبب استراتيجية التعنت والاستهتار والمماطلة التي اتبعها النظام وحلفاؤه، وبسبب استمرار السلبية المقيتة للمجتمع الدولي في التعاطي مع قراره الأممي، الأمر الذي شجع المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا على الاجتهاد لتحريك المفاوضات عبر تقسيمها إلى 4 سلال (مارس/ آذار 2017)، هي الحكم الانتقالي غير الطائفي، والدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وسلة رابعة حول مكافحة الإرهاب أضافها ممثلو النظام، لكن ذاك الاجتهاد لم يثمر سوى منح السلة الدستورية الأولوية والتعويل عليها كمفتاح للحل، الأمر الذي استبعد السلال الأخرى، وأطاح الجداول الزمنية المقررة تباعاً، وحصر المفاوضات في مساحة ضيقة، تقتصر على إنجاز مشروع دستور جديد عبر لجنة توافقية، تمثل النظام والمعارضة والمجتمع المدني، استغرق تثبيت أسمائها عامين كاملين، فكيف الحال وقد عيل صبر الجميع قبل أن تعقد هذه اللجنة اجتماعها الأول، بالتزامن مع استقالة المبعوث الأممي ديمستورا وتعيين بدلاً منه غير بيدرسون، الذي نجح نسبياً في نقل هموم السوريين إلى مستوى ما لمسناه مؤخراً، إلى الجدل حول الفوارق بين العدالة التصالحية والعدالة التعويضية، من دون أن ينبس بحرف واحد عن الإجراءات التي تتخذها السلطة السورية لتجديد نفسها، كالانتخابات البرلمانية التي جرت، والانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الصيف المقبل، ومن دون أن يعترض على سلوكها الذي يتناقض مع خطة الطريق الأممية، أو يفند ادعاءاتها عن أن الانتخابات شأن سيادي لا علاقة لها بالقرار 2254 أو بأعمال اللجنة الدستورية.
لم تنجح أي جولة من المفاوضات في التقدم خطوة واحدة نحو الحل السياسي، بل عجزت عن توفير الحد الأدنى من مطالب السوريين المنكوبين، وخاصة في الجانب الإنساني المتعلق بإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين والمختفين قسرياً وضمان شروط آمنة لعودة المهجرين، وبينما اتسم موقف النظام وحلفائه بالتشدد وربح الوقت والأرض، بدت المعارضة السورية ضعيفة ومستعدة لتقديم التنازل تلو التنازل، حتى الاستسلام لمناقشة الدستور وفق اشتراطات النظام نفسه، والأنكى الغرق في موجات تفسير عما قاله المبعوث الدولي وعما يريده!
كلنا يتذكر ما حل بالقرار الأممي الشهير 242 الذي لم تبق منه سوى إشارة شكلية وصورية بأنه الأساس لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، والأرجح، مع حفظ الفوارق، أن يصل القرار الأممي 2254 إلى الحالة ذاتها، ويغدو مجرد إشارة شكلية وصورية بأنه الأساس لمعالجة المأساة السورية.
الشرق الأوسط
——————————-
==============================
تحديث 20 كانون الأول 2020
——————————–
النظام السوري والمعارضة: مراوحة في المكان/ حسين عبد العزيز
أن يعلن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد أن “الانتخابات الرئاسية” المقبلة (المقرر إجراؤها منتصف 2021) ستجري في موعدها، بغضّ النظر عن أي شيء آخر، سواء أكان ما يتعلق بالقرار 2254 أم بمسار اللجنة الدستورية؛ فهذا موقفٌ ليس بجديد من حيث المضمون، لأنه يعبّر عن الموقف الحقيقي للنظام الرافض أي تسوية تؤدي إلى تنازلات سياسية، مهما كانت بسيطة. لكن تصريح المقداد حمل دلالات عدة، من حيث الزمان والمكان:
1 – اختار النظام السوري، ممثلًا بالمقداد، موسكو ليطلق هذه التصريحات، ولم يختر طهران التي كانت محطته الخارجية الأولى له بعد تسلّمه مهام وزير الخارجية.
لا يتعلق الأمر في كون موسكو هي المعنية بالمستوى السياسي فحسب، بقدر ما يتعلق بتوجيه رسالة إلى روسيا، من داخل عاصمتها، مفادها أن المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة شيء، وما يجري على الأرض في سورية شيء آخر تمامًا. بتعبير آخر: لن يقدّم النظام تنازلات سياسية مهما كانت، ولن يقبل بتقاسم للسلطة مع أي طرف آخر، وعلى روسيا أن تصحح مسار بوصلتها السياسية، في الشأن السوري، وأن تنهي فكرة ممارسة ضغوط على دمشق للقبول بتسويات سياسية.
تتقاطع تصريحات المقداد مع ما سرّبته الصحفية اللبنانية راغدة درغام، إذ كتبت في صحيفة (النهار)، نقلًا عن مصادر موثوقة من روسيا، أن المقداد أبلغ المسؤولين الروس بأن الأسد ليس راغبًا ولا جاهزًا للرحيل، وأنه مستمرٌ في موقعه مهما كانت الظروف والنتائج. ويشير ذلك إلى أن النظام يعمل على دفع موسكو إلى العمل في سياقات أخرى غير السياق السياسي، ويمكن للنظام أن يقدّم للروس تنازلات فيها، مثل العلاقة مع إيران وفق شروط معينة، والعلاقة مع إسرائيل، والعلاقة مع تركيا (إدلب)، والعلاقة مع الأكراد (شرق الفرات).
2 – حملت تصريحات المقداد رفضًا واضحًا للقرار الدولي 2254 الذي ما يزال يشكّل المرجعية القانونية-السياسية للحل في سورية.
وقد جاءت عبارته حول القرار الدولي 2254 مقحمةً في سياق حديث المقداد عن “الانتخابات” المقبلة، للتأكيد أن النظام السوري يرفض نصّ هذا القرار الذي جاء انعكاسًا لواقع لم يعد موجودًا الآن، وبالتالي فإن النظام في حِلّ من هذا القرار، دون أن يقول ذلك بشكل مباشر ورسمي.
3 – عدم ربط “الانتخابات الرئاسية” المقبلة بنجاح اللجنة الدستورية يعني، بالتحديد، عدم وجود ربط بين مسار جنيف من جهة، والعملية السياسية التي يجريها النظام منفردًا من جهة ثانية.
لم يربط المقداد بين “الانتخابات” وعمل اللجنة الدستورية، وإنما ربط بين “الانتخابات” وبين نجاح اللجنة الدستورية، أي أن الواقع السياسي على الأرض لن يكون انعكاسًا لنتائج اللجنة الدستورية، وإنْ نجحت في التوصل إلى صيغة دستورية جديدة. واللافت للانتباه أن أول تصريح يؤكد عدم وجود ربط بين “الانتخابات الرئاسية” في النظام السوري وبين اللجنة الدستورية، جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في أثناء زيارته لدمشق في مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي.
4 – حالة الارتياح السياسي التي يعيشها النظام الآن مقارنة بـ “الانتخابات الرئاسية” التي جرت منتصف عام 2014، حيث جرت “الانتخابات” السابقة، في وقت كان المجتمع الدولي متفقًا على صيغة بيان “جنيف 1” الذي دعا إلى تشكيل هيئة حكم ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، أما “الانتخابات” المقبلة، فهي تأتي بعد انزياحات سياسية دولية، تجاوزت فعليًا نصّ بيان “جنيف 1″، لتستقر على الصيغة التي جاءت في الفقرة الرابعة من القرار الدولي 2254: “عملية سياسية بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”.
تأتي “الانتخابات” المقبلة، في ظل غياب الضغط العسكري على النظام، مقارنة بعام 2014، وفي ظل تراجع عدد من الدول العربية عن معارضتها للنظام. بعبارة أخرى: إن الواقع القانوني-السياسي الدولي الآن هو أكثر ارتياحًا للنظام، مقارنة بعام 2014. وليس معروفًا إلى الآن ما ستؤدي إليه العقوبات الاقتصادية الأميركية خلال الأشهر المقبلة، بالرغم من أن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جويل ريبرون قال، في حديث خاص إلى صحيفة (العربي الجديد)، إنه “لا يجب التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية، إذ يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جدًا مع مرور الوقت”. ولم يكتف ريبرون بذلك، إذ تحدث عن “بعض الأدوات الأخرى التي يمكن للولايات المتحدة استخدامها، والتي تنوي استخدامها، على سبيل المثال يتم اتخاذ بعض إجراءات إنفاذ القانون الآن، وكذلك بعض إجراءات العدالة الجنائية”.
المراوحة في المكان
في ظل اقتصار الضغوط الدولية على الجانب السياسي والاقتصادي، منذ نحو عامين؛ أصبح المسار التفاوضي محصورًا في مسار اللجنة الدستورية، وهو مسار يصبّ في مصلحة النظام، إذ لا توجد سقوف زمنية للوصول إلى صيغة نهائية للدستور أو إلى إعلان دستوري.
ويترتب على ذلك أمران: الأول أن المعارضة أصبحت أسيرة لعمل اللجنة الدستورية، بعدما خسرت كثيرًا من الأوراق، سواء على المستوى العسكري الميداني، أم على المستوى القانوني السياسي، بعدما تجاوزت تطورات الأوضاع في سورية نص القرار الدولي 2254 الذي طالب بوضع جدول زمني لصياغة دستور جديد. ويُخشى في هذا الإطار أن تنزلق المعارضة دون أن تدري إلى تقديم تنازلات سياسية تدريجية، تنتهي إلى إفراغ اللجنة الدستورية من محتواها، كما جرى خلال الجولة الأخيرة، حين جاء في الورقة التي قدّمها وفد المعارضة: “يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده، عن طريق صناديق الاقتراع، بدون تدخل خارجي”. والأمر الثاني امتلاك وفد النظام القدرة على تعطيل عمل اللجنة، بإضافة مبادئ وفقرات متنوعة تخضع للنقاش، مثل ورقة اللاجئين، ومن ثم إدخال الأمم المتحدة ووفد المعارضة في متاهات لا سبيل إلى حصرها. هكذا، اختزل الصراع التفاوضي في اللجنة الدستورية وحدها، لكن بينما تفتقر المعارضة إلى أدوات الضغط، يستغل النظام غياب الأسقف الزمنية للحل من أجل تثبيت نفوذه على الأرض، وهكذا أصبح الطرفان (المعارضة، النظام) يعولان على المراحل الزمنية، على أمل أن تحدث متغيرات تصبّ في مصلحة كلّ طرف.
مركز حرمون
——————————-
هل من أحد يريد الحل في سوريا؟/ كمال شاهين
لم يعنِ تطويق العنف (بشكل جزئي)، وعمل اللجنة الدستورية (البطيء للغاية)، أن وضع السوريين ككل قد بات أفضل. بل على العكس، فقد وجد الناس أنفسهم أمام مزيد من اﻷزمات الضاغطة على حياتهم الكارثية أصلاً. فمع استمرار تقطع أوصال البلاد، والموت السريري للعمليات الاقتصادية، جاءت العقوبات الغربية كي تكمل المشهد المتأزّم.
بالتزامن مع مرور خمس سنوات على التصويت باﻹجماع في مجلس اﻷمن الدولي على القرار رقم 2254 الخاص بحل اﻷزمة السورية، ومرور عام أيضاً على بدء تطبيق “قانون قيصر” اﻷميركي، فَرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على البلاد، استهدفت هذه المرة مصرف سوريا المركزي، وعدداً من الأفراد والكيانات، منهم زوجة الرئيس، وبعض أقربائها وشركائها، وشخصيات عسكرية وأمنية. وكان سبقها على مدار العام الماضي (والحالي) عقوبات مماثلة طال أهمها الشركة السورية للنفط.
تزعم اﻹدارة اﻷميركية، تبعاً لما ورد على موقع وزارة خزانتها، أن هدفَ العقوبات “دفع حكومة الرئيس بشار الأسد للعودة إلى المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية التي بدأت قبل نحو عشر سنوات”، حيث ستواصل الولايات المتحدة “السعي إلى مساءلة أولئك الذين يطيلون أمد هذا الصراع”، وستبقى وزارة الخزانة تبعاً لوزيرها “عازمة على مواصلة فرض ضغوط اقتصادية على نظام الأسد وأنصاره بسبب القمع الذي يمارسه”.
منذ صدور القرار السابق وحتى اليوم، تضاعفت العقوبات اﻷميركية على حكومة دمشق دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير حقيقي في مسار العملية السياسية التي كان مفروضاً أن يطلقها اﻹجماع الدولي حول ذاك القرار. كما أن أعمال اللجنة الدستورية لم تحقق نتيجة تذكر بعد ثلاث سنوات على بدء اجتماعاتها. وعلى العكس مما كان متوقعاً، فقد زاد تعنت مختلف اﻷطراف ـ وليس دمشق وحدها ـ وصار تنفيذ مضمون القرار، مثل سواه من القرارات الاخرى الكثيرة، في عالم الغيب.
مدى قوة القرار الدولي
قرار مجلس الأمن ذاك، كان، وما يزال، نقطة مرجعية رئيسية للدبلوماسية الدولية بشأن حل الصراع السوري، خاصة أن تبنيه كان باﻹجماع. فقد صوتت لصالحه مجموعة دول “أصدقاء سوريا” (وهي مؤلفة من 14 دولة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وتركيا وقطر)، وكذلك فعلت روسيا وإيران. وقد كانت موسكو حريصةً على الانخراط في عملية سياسية لها شرعيتها الدولية بعد وقت قصير من تدخلها العسكري المباشر في سوريا (آب/أغسطس 2015).
أعاد قرار مجلس الأمن الدولي، الذي اعتمد رسمياً في كانون الاول/ ديسمبر 2015، التأكيد على الحاجة إلى التنفيذ الكامل لبيان جنيف للعام 2012، ووضع خارطة طريق “للانتقال السياسي” تحت رعاية الأمم المتحدة، نصت على “إجراء انتخابات حرة ونزيهة في غضون ثمانية عشر شهراً، وصياغة دستور جديد للبلاد، مع استمرار مكافحة الإرهاب”.
السّلال اﻷربعة السابقة ضمت تصورات الحل لغالبية الفاعلين في اﻷزمة السورية، بمن فيهم اللاعبين الإقليميين والدوليين، وقد أُقرّت بعد توافق روسي أميركي، وترى فيها قوى معارِضة سورية في الداخل بوابة الحل الحقيقي للأزمة، “وأنّ الحل سياسي حصراً، أدواته الحوار والتوافق بين السوريين، وغايته تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه عبر إنهاء التدخلات الخارجية والقضاء على الإرهاب”، حسب تعبير “منصة موسكو للمعارضة” (1).
في حين تشكك سائر قوى المعارضة بمصداقية دمشق في العمل على وضع القرار موضع التنفيذ، خاصة بعد مضي خمس سنوات على إقراره، لم تقدم خلالها على أية إجراءات استباقية للحل، فلم يطلق سراح معتقلي الرأي، ولا توقفت عمليات الاعتقال في مناطق المصالحات السابقة مثل درعا، كما أنّ عودة المهجّرين إلى مناطقهم ما زالت محكومة بالموافقات اﻷمنية المسبقة، وما تزال القوات العسكرية جاهزة لشن حملات على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، عدا عن جو الاحتقان العام الذي ما يزال مخيّماً على البلد.
نقاط الضعف في القرار الدولي
المشكلة الحقيقية، واﻷبرز، أن القرار اﻷممي يحتمل تفسيرات تسمح بقراءته وفق رؤية كل طرف للمسألة. وفي أماكن عدة من نص القرار هناك “غموض بنّاء”، (ربما كان مقصوداً أو لعله الممكن فقط). فالعموميات تغلب على النص في مواقع كان يجب أن تكون فيها في عين الوضوح، كما هو الحال عند الحديث عن الانتقال السياسي، وهو ما ظهر الشهر الحالي في اجتماعات اللجنة الدستورية، حين استخدم ممثل اﻷمم المتحدة “غير بيدرسون” مصطلح “العدالة التصالحية” بدلاً من “العدالة الانتقالية”، وهما مفهومان مختلفان، وأثار بذلك عاصفة من الانتقادات من قبل كل اﻷطراف، علماً أنه لا يوجد أي ذكر للعدالة الانتقالية في القرار 2254.
عدم ذكر مسألة العدالة الانتقالية كان بناء على رغبة موسكو ودمشق، وحتى لا يفتح ذلك الباب لتحقيقات أممية في قضايا حقوق اﻹنسان والمفقودين والمعتقلين. يعني هذا الاغفال استحالة تحقيق “الانتقال السياسي” المذكور في نص القرار عبر “خريطة طريق استناداً إلى بياني جنيف وفيينا اللذان يدعوان إلى مفاوضات بين ممثلي دمشق والمعارضة على مسار الانتقال السياسي”، وهو ما دعا إليه اﻷمين العام للأمم المتحدة وقتها في العام 2016.
ما ذُكر بديلاً عن “العدالة الانتقالية” كان تشكيل “هيئةِ حكمٍ انتقالي جامِعة تُخوَّل سلطات تنفيذية كاملة”، دون تحديد الجهة صاحبة الحق في هذا التخويل. ويحتمل هذا اﻷمر تفسيرات عديدة، منها بقاء الرئيس في منصبه مع “احتمال” تحويل النظام الرئاسي إلى آخر نصف رئاسي تكون رئاسة مجلس الوزراء فيه لشخصية من المعارضة أو تشكيل حكومة وحدة وطنية (كما طرحت طهران ذلك).
أيضاً، غاب عن القرار تحديد آليات إلزام واضحة للأطراف المشاركة في التنفيذ لمراقبة وقف إطلاق النار ومسار العملية التفاوضية، كما أنّ توصيات القرار غير ملزمة ودون عقوبات، فضلاً عن أنّ إيقاف العمليات العسكرية مرهون بالتوقف عن خرق وقف إطلاق النار، اﻷمر الذي تكرر حدوثه عشرات المرات، وهو ما يجعل البنية التنفيذية للقرار هشة وسهلة التجاوز.
وعلى مدار السنوات السابقة، أثارَت مسألةُ تحديد “القوى والتنظيمات اﻹرهابية” ـ التي بقيت من صلاحيات اللجنة الرباعية الدولية (روسيا وإيران واﻷردن وفرنسا) ـ جدلاً دائماً لم ينته حتى اﻵن، إذ أنّه ليس هناك معايير دقيقة لتحقيق الفرز بين القوى “المعتدلة” والقوى “اﻹرهابية”، والتوافق بهذا الشأن مرهون بالمصالح وحسابات الدول وتوازنات القوى، عدا عن أن عملية التصنيف هذه، التي لم تغلق نهائياً، ستبقى ضمن أدوات الابتزاز، سواء للجماعات المسلحة من قبل الدول الفاعلة (كما فعلت تركيا مع “جبهة النصرة” فدفعتها لتغيير اسمها)، ما يحملها على المزيد من التطرف والتشدد أو على الرضوخ لرغبات تلك الدول، كما هو “بازار” بين الدول نفسها يجري فيه تبادل للمصالح ومواقع التأثير في اﻷزمة السورية.
ماذا فعل القرار على أرض الواقع؟
إجمالاً، كان من الواضح أن القرار نجاحٌ للرؤية الروسية في هندسة اﻷزمة السورية، باستخدام سياسات التطويل والتقصير. فحتى اﻵن كان الحديث عن الانتقال السياسي والانتخابات خجولاً جداً وخاضعاً للتأثير اﻹقليمي، بدون وجود رغبة حقيقة في نقله إلى مستوى مسألة اﻹرهاب التي دُفعت إلى الواجهة وباتت نقطة توافق دولي وإقليمي، خاصة بين روسيا وتركيا، ودول أخرى مثل فرنسا، على الرغم من أن هذا التوافق لم يساهم حتى اﻵن في تغيير خرائط الصراع بين القوى المحلية واﻹقليمية، التي ما زالت تراوح عند تفاهمات “أستانا” للعام 2017، التي قلّصت العمل العسكري كثيراً داخل البلاد.
صحيح أن “مسار أستانا” استطاع تطويق وتحجيم العمليات العسكرية بين الجيش السوري وجماعات المعارضة المسلحة منذ العام 2017 وحتى 2019، ولكن هذا لم يعن توقفاً نهائياً للقتال، إذ ما زالت المعارك قائمة بين قوات الاحتلال التركي ومناصريها من قوى المعارضة المسلحة (ما يسمى “الجيش الوطني السوري”) من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وآخرها القرار التركي بدخول “عين عيسى” حيث مقر “اﻹدارة الذاتية” الكردية، وهو قرار استعاد جدلاً مماثلاً لجدل دخولها “عفرين” حيث رفضت اﻹدارة الذاتية الكردية تسليم إدارة المنطقة للجيش السوري.
وعلى صعيد اللجنة الدستورية المشكّلة مثالثةً بين دمشق والمعارضة والمجتمع المدني، فهي لا تمتلك صلاحيات إقرار دستور في حال إنجازها له، بل إن عليها تقديمه إلى مجلس الشعب الموجود حالياً. و وهذا اﻷخير لا يضم أيّاً من شخصيات المعارضة، مما قد يؤدي إلى فشل عملها بشكل كبير.
بالمثل، فإن مسألة الانتخابات الرئاسية المتوقع أن تُجرى العام القادم، هي حتى اللحظة محكومة باﻵليات المعمول بها في مناطق سيطرة دمشق، في حين أن المذكور في القرار هو “انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي”. وهذا اﻹشراف الدولي، يتوقع أن تكون روسيا عرابته، وبالتالي، فإن دور “الهيئة العليا للمفاوضات” (المعارِضة) التي انبثقت عن “مؤتمر الرياض” قبل خمس سنوات أيضاً، سيكون ضعيف الفاعلية، مع الإشارة إلى أن ثقلها مرتبط بشكل رئيسي بالدور التركي في اﻷزمة السورية.
أين السوريون من القرار؟
لم يعنِ التطويق الجزئي للعنف، وعمل اللجنة الدستورية البطيء، أن وضع السوريين ككل قد بات أفضل، بل على العكس، فقد وجدوا أنفسهم أمام مزيد من اﻷزمات الضاغطة على حياتهم الكارثية أصلاً. فمع استمرار تقطع أوصال البلاد، والموت السريري للعمليات الاقتصادية، جاءت العقوبات الغربية كي تكمل المشهد المتأزّم. واليوم بات مشهد الطوابير الطويلة على الخبز والمواد الغذائية والوقود مألوفاً على الرغم من انتشار جائحة كوفيد ـ 19 والتصاعد اليومي بأعداد المصابين.
لا تتحمل العقوبات الغربية وحدها المسؤولية عما يجري في البلاد، فهناك طبقة كبيرة من الفاسدين وتجار الحرب من مختلف الأطراف، وفي مختلف المناطق، تتشابك مصالحهم معاً ويسيطرون على مقدرات البلاد ويتعاونون معاً على نهبها، يساعدهم في ذلك أن البنية المسيطرة في قلب النظام، كما المعارضة، هي بنية لا وطنية مرهونة للمشاريع اﻹقليمية والدولية، ولا تمتلك مشروعها الوطني خارج البروباغندا اﻹعلامية التي تغرق بها جمهورها.
الوضع السوري ككل، بعد خمس سنوات على القرار 2254 أكثر خطورة مما كان عليه قبله. فهناك دولياً، شبه تثبيت لحالة “تقسيم اﻷمر الواقع” عبر دعم كل طرف سوري على حساب اﻵخر، ومنع ما يمكن أن يفتح اﻷبواب المغلقة بينها، بما يبدو تنفيذاً معلناً لما قاله جيمس جيفري “الجمود هو الاستقرار في الحالة السورية”، و”تحويل سوريا إلى مستنقع”، وبما يحقق فعلياً تحوّل سوريا من دولة “فاشلة”، “رخوة”، لا تملك من قرارها الوطني شيئاً، كما لا تملك من سمات الدولة إلا القمع والنهب.
داخلياً، وإذ تتحمل اﻷطراف السورية كافةً، بدرجات متفاوتة، مسؤولية غياب استشراف المستقبل والارتهان للمشاريع اﻹقليمية والدولية على حساب الشعب السوري، فإنها في الوقت نفسه، لم تزل متمترسة خلف رؤى ضيقة فشلت في تحقيق اﻹجماع الوطني. وليس أدلّ على ذلك من القرار السابق نفسه، الذي بدا فيه واضحاً وجود رغبة دولية بالتخلص من عبء المشكلة السورية وتسليم إدارتها إلى الجانب الروسي، نتيجة لسوء أداء النظام السوري في إدارة البلاد والعباد، كما سوء أداء قوى المعارضة السورية على كل الصعد. فقد ظهر ـ مثلاً ـ فساد هذه الاخيرة المالي بدرجات عالية لا تختلف عن فساد النظام الذي تطالب بالحلول مكانه، ويكفيها أنه مضى على وجودها عقد كامل تقريباً لم تتمكن فيه من بلورة رؤية وطنية جامعة للخروج من اﻷزمة، عدا عن انقساماتها التي لا تعد ولا تحصى، ولا تتوقف.
مختصر مفيد
تقتضي الواقعية السياسية القول بأن أيّ حل ﻷي مشكلة مرهون بإرادة أطرافها، مهما تكاثرت القرارات الدولية ـ واﻹقليمية ـ وظهرت لهذه اﻷطراف على أنها حلول حقيقية لمشكلاتها، وهو ما ينطبق على الحالة السورية عموماً وإلى اليوم. فالخروج من عنق الزجاجة السورية مرهون بهذه اﻹرادة الوطنية.
على هذا، يمكن القول إن التفكير بحل جذري خارج عن السياق المعتاد في ادارة الأزمة السورية، ليس وارد أياً كان: الأطراف السورية المتنازعة، وبالضرورة اﻷطراف الإقليمية والدولية التي من مصلحتها استدامة سرقة ونهب المقدرات السورية، وتحويل البلاد إلى مستنقع. عدا عن أن أي حلول تُبنى على التوازنات اﻹقليمية والدولية ستبقى مرهونة بهذه التوازنات حتى لو اكتسبت صيغة “قرار دولي”. فعند أي تغيير سياسي ستتحول هذه القرارات إلى متحف التاريخ كما تحولت عشرات القرارات المماثلة لها.
______________
1- نشأت “منصة موسكو” وكذلك “منصة القاهرة” للمعارضة خلال عام 2014، على إثر بدء اجتماعات جنيف التفاوضية، وهما تجمعان لتيارات وشخصيات سياسية لا تنضوي تحت لواء “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة”، وغالباً ما تُعرّف ب”تهذيب” موحي، بانها تمثل “معارضة الداخل” لأن ابرز أسمائها كانوا في مناصب حكومية حتى مغادرتهم سوريا منذ سنوات قليلة. ومن المعروف أن هناك تشظياً هائلاً في خارطة القوى السورية المعارضة، واستقطابات اقليمية ودولية فاعلة فيها.
السفير العربي
——————————
انتخابات الأسد بلا شرعية محلية ولا دولية/ عماد كركص
قبول النظام السوري المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية لم يكن سوى مضيعة للوقت وزيادة في تعطيل جهود الحل السياسي، لا سيما مع التصريحات الأخيرة لوزير خارجيته فيصل المقداد، بأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها، منتصف العام المقبل، من دون أن يكون لمخرجات اللجنة الدستورية علاقة بها، وهو بذلك يكرر موقفاً سبق أن أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وينتظر كثر ردود الفعل الدولية على هذه الخطوة، قبيل وعند حدوثها، لا سيما أن التصريحات الغربية أخيراً صبّت باتجاه عدم منح الشرعية للانتخابات المقبلة، مع عدم قبول نتائجها، إن لم تكن وفق دستور جديد وتحت إشراف الأمم المتحدة.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن المقداد، الذي زار موسكو أخيراً، قوله حول إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية في حال فشل اللجنة الدستورية في التوصل إلى اتفاق، إنه “من الواضح جداً أننا جميعاً سنعمل على أساس الدستور الحالي حتى نضع دستوراً جديداً، وهذا أمر تعرفه اللجنة الدستورية جيداً”. وشدّد على أن “الانتخابات ستجرى بحسب ما ينص عليه الدستور الحالي”. كذلك أكد المقداد أنه “لن يكون هناك ربط بين عمل اللجنة الدستورية الحالية والانتخابات المقبلة التي يجب إجراؤها بالضبط في الوقت المحدد بموجب الدستور الحالي”.
وبالنسبة لعمل اللجنة الدستورية، أشار المقداد إلى أن “اللجنة جاءت كنتيجة لمخرجات مؤتمر سوتشي، ونحن بالفعل اتخذنا الإجراءات اللازمة للمساهمة في إنجاح هذه الجهود، وشكّلنا الوفد الوطني”. وأضاف: “نحن نعلم أن الأشخاص الذين تم تعيينهم يجب أن يأخذوا في اعتبارهم مصالح سورية، التي يجب أن تكون مستقلة وذات سيادة، وأن تؤسس دستوراً يخدم سلامة أراضي ووحدة الشعب السوري”. وأشار كذلك إلى أنه “من المبكر الآن الحديث عن نجاح أو فشل اللجنة الدستورية، ولكننا نأمل نجاحها”.
وتشير تصريحات المقداد إلى أن النظام وضع جدولاً زمنياً طويلاً للعملية الدستورية، إذ لا يزال من المبكر، بالنسبة له، الحديث عن نجاح وفشل اللجنة الدستورية بعد عام من أعمالها. ما يعني أن سياسة الإغراق بالتفاصيل التي وضعها وزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم، ستستمر ربما حتى بعد إجراء الانتخابات لزيادة التعطيل في المسار الدستوري كسباً للوقت.
وعن ذلك، توقع عضو القائمة الموسعة للجنة الدستورية عن المعارضة، إبراهيم الجباوي “ألا يعترف المجتمع الدولي بشرعية الانتخابات المقبلة، فيما يصر النظام ومن خلال تصريحات المقداد على إجراء الانتخابات في موعدها وهذا انفصال عن الواقع”. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أنه “إذا كانت الانتخابات ستجرى في موعدها، ستكون بموجب دستور 2012، الذي لا نعترف به نحن كمعارضة ولا المجتمع الدولي. والمجتمع الدولي يشدد على إجراء انتخابات بموجب دستور جديد من خلال اللجنة الدستورية، للبدء بعملية سياسية حقيقية وانتقال السلطة. لكن النظام لا يزال يعطل الحل السياسي والانخراط جدياً بالعملية السياسية، وهمه الوحيد هو إبقاء بشار الأسد في السلطة بأي شكل على الرغم من الدمار الذي طاول البلاد، وضياع مقدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
ورأى الجباوي أن “النظام غير جدي في العملية السياسية ويعتبرها مضيعة للوقت، بدليل أنه لم يذهب للجنة الدستورية إلا مرغماً بفعل الضغط الروسي، فروسيا تريد أن تظهر للعالم اهتمامها بالعملية السياسية وهذا بعيد عن الواقع أيضاً. ورأينا وفد النظام خلال الجولات الأربع من عمل اللجنة الدستورية أنه لم يأت إلا للتعطيل، من خلال الزج بمواضيع وطروحات ليس لها علاقة بالدستور في عمل اللجنة”. وأوضح أن “النظام يريد من كل ذلك كسب عامل الوقت لتحقيق حسم عسكري في البلاد، فالخروقات في إدلب، وإن كانت بشكل محدود، لم تتوقف، على الرغم من وقف إطلاق النار، لكن الحسم العسكري غير مقبول دولياً، ولو كان مقبولاً لكنا نحن كمعارضة حسمنا الأمر لصالح الثورة قبل عام 2015، وكان ذلك متاحاً. إلا أن التدخل الدولي والتدخل الروسي العسكري والسياسي حالا دون ذلك، ومنذ ذلك الحين يصبّ التوجه الدولي في سياق الحل السياسي”.
وتبقى الأسئلة مطروحة حول المشاركين في الانتخابات المقبلة، سواء على مستوى الجغرافيا أو الأفراد، إذ تنقسم البلاد إلى ثلاث مناطق نفوذ. الأولى يسيطر عليها النظام مع الروس والإيرانيين، وتضم دمشق والساحل ومحافظتي حماة وحمص وسط البلاد، مع أجزاء صغيرة من محافظتي دير الزور والحسكة. أما الثانية فهي تحت سيطرة المعارضة وتمتد مما تبقى من محافظة إدلب إلى جانب مساحات مكتظة بالسكان في ريف حلب الشمالي، جرابلس والباب وعفرين ومحيط كل منها. كذلك تسيطر المعارضة على المنطقة الممتدة من تل أبيض بريف الرقة إلى رأس العين بريف الحسكة، التي سيطر عليها “الجيش الوطني السوري” المعارض، بالمشاركة مع الجيش التركي أواخر العام الماضي. أما الثالثة فتضم مناطق شمالي شرق سورية، الواقعة تحت حكم “الإدارة الذاتية” الكردية بسيطرة عسكرية من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وتشمل كامل محافظة الرقة تقريباً باستثناء مناطق جنوبي وغربي المحافظة، وثلث محافظة دير الزور شمالي نهر الفرات ومحافظة الحسكة بالكامل، باستثناء مربعين أمنيين وسط كل من مدينتي الحسكة والقامشلي يخضعان شكلياً لسيطرة النظام، إلى جانب عين العرب ومنبج وتل رفعت ومحيط كل منها في ريف حلب الشمالي.
أما على مستوى السكان، فمعظم سكان البلاد باتوا خارج مساكنهم الأصلية، سواء من خلال النزوح الداخلي أو اللجوء إلى بلدان خارج سورية. في السياق، تشير إحصائية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أنها سجلت حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 5,570,382 ملايين لاجئ سوري، يتوزعون على 3,626,734 ملايين لاجئاً في تركيا، و879,529 ألفاً في لبنان، و659,673 ألفاً في الأردن، و242,704 آلاف في العراق، و130,085 ألفاً في مصر، و31,657 ألفاً في دول شمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، السودان)، وهذا بحسب الإحصائيات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط. في المقابل، تقول الدول المضيفة إن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك، إذ لا يزال هناك جزء كبير من اللاجئين غير مسجل.
ولا تشمل هذه الإحصائية اللاجئين في أوروبا، كونهم يقعون تحت حماية الدول الأوروبية المستضيفة لهم، ويفوق عدد اللاجئين هناك المليون لاجئ، إذ تستضيف ألمانيا بمفردها نحو 600 ألف لاجئ سوري. هذا عدا عن النازحين داخلياً والمهجرين قسراً، الذين تبلغ أعدادهم حوالي 6 ملايين نازح ومهجر، ما يعني أن نصف السوريين اليوم بعيدون عن مساكنهم الأصلية، وغير قادرين على الاقتراع.
كل ذلك قد يدعم التوجه الغربي لعدم الاعتراف بالانتخابات، وربما التحرك لجهة اتخاذ إجراءات حيال تعطيل نتائجها، إذ كانت فرنسا وألمانيا قد عبّرتا قبل حوالي شهرين عن عدم اعترافهما بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع مواصلة النظام عرقلته لجهود الحل السياسي. كان ذلك خلال جلسة لمجلس الأمن استمع فيها مندوبو دول المجلس لإحاطة مقدمة من المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، التي أشار فيها إلى وجود عراقيل من قبل النظام لتعطيل المسار الدستوري. ونال الموقف الفرنسي – الألماني دعماً من الولايات المتحدة التي طالبت الأمم المتحدة بتسريع تخطيطها لضمان صدقية الانتخابات الرئاسية المقبلة في إطار نتائج اللجنة الدستورية. وكان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، قد أشار في يونيو/ حزيران الماضي إلى أن قبول الانتخابات الرئاسية في سورية عام 2021 مرتبط بإجراء الانتخابات وفق دستور جديد وبموجب القرار الأممي 2254.
ومطلع الشهر الحالي، أعرب الممثل الخاص للتواصل بشأن سورية جويل ريبرون، عن موقف بلاده صراحة من الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالقول إن “أي انتخابات يجريها النظام السوري عام 2021 لن تتمتع بالشرعية وهي انتخابات مزيفة، في حال كانت خارج إطار قرار مجلس الأمن 2254”. وشدّد على أن “الانتخابات تخص السوريين ويجب أن تكون تحت رعاية وضمان الأمم المتحدة، وبمشاركة الجميع بغض النظر عن مكان وجودهم”، موضحاً أن “غير ذلك يعد مضيعة لوقت الجميع ولن يغير أي شيء”. هذا الموقف نابع عن إدارة الرئيس الخاسر دونالد ترامب، بانتظار موقف إدارة جو بايدن، بعد تسلمها مقاليد الحكم في البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.
العربي الجديد
—————————–
===========================
تحديث 31 كانون الأول 2010
——————————–
تحليل آخر للمشهد السياسي السوري على عتبة السنة الجديدة/ بكر صدقي
قيل وكتب الكثير بخصوص فشل تجارب أحزاب وتيارات سياسية نشأت بعد اندلاع الثورة في العام 2011، ليضاف إلى فشل سابق لأحزاب معارضة سورية موجودة منذ الاستقلال أو بعده بسنوات قليلة، فشلها في تكوين أكثريات اجتماعية قادرة على إحداث تغيير. ولم يقتصر الأمر على أحزاب وتيارات منفردة، بل شمل أيضاً محاولات ائتلافية أو تحالفات ضمت عدداً من الأحزاب والتيارات، كالتجمع الوطني الديمقراطي في ثمانينيات القرن الماضي، وإعلان دمشق الذي ظهر في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، أو المجلس الوطني السوري أو وريثه الائتلاف الوطني أو خلاصة هذا وذاك في «الهيئة العليا للمفاوضات» التي انخرطت في مفاوضات عبثية مع «لا أحد» تحت المظلة الروسية. من نافل القول إنها جميعاً في الطرف المعارض للنظام الكيماوي، أما بالنسبة للطرف الموالي، فتحليله يختلف تماماً، ولا يمكن تطبيق الأدوات نفسها في الحالتين، فهو إذن خارج اهتمامات هذا المقال.
أول ملاحظة يمكن التوقف عندها هي أن القوى الفاعلة، بدرجات وأشكال متفاوتة، تقع خارج اللوحة السياسية المعارضة برمتها. وإذا استثنينا الدول المنخرطة في الصراع السوري، سيبقى لدينا تياران كبيران فاعلان في الحقل السياسي السوري هما الإسلاميون والقوى الكردية، يملك كل منهما سلطة مسلحة على قسم من الأرض، ويدور صراع متناوب الاحتدام بينهما من جهة، وبين كل منهما و»عدوه الخاص» من جهة أخرى. فعدو التيار الإسلامي هو النظام وحلفاؤه، إضافة إلى القوى الكردية؛ في حين أن عدو هذه الأخيرة هو تركيا والتيار الإسلامي.
ما أسميته بـ»اللوحة المعارضة» هي واجهة سياسية بلا قوة فاعلة على الأرض، ويمكن اعتبار حركة الإخوان المسلمين بتفرعاتها المتعددة وشخصياتها «المستقلة» حالة بين بين، فلا هي موجودة كقوة مسلحة على الأرض، ولا هي غائبة عنها تماماً بسبب صلاتها الوثيقة بتشكيلات مسلحة إسلامية، كما بوجودها الرمزي كإيديولوجيا إخوانية. لكن الالتحاق التام للتيار الإخواني بالأجندة التركية قد يدخلها في تصنيف آخر يوحدها سياسياً مع الفصائل المسلحة الملحقة بالاحتلال التركي في مناطق الشمال، وهو ما يخرجها عملياً من «اللوحة المعارضة».
ولكن ما الذي يبقى من اللوحة المذكورة إذا نحن أخرجنا التيار الإسلامي منها؟
تبقى «شخصيات» وتيارات صغيرة لا وزن لها يمكن جمعها تحت مظلة «الإيديولوجيا الوطنية السورية» وهي إيديولوجيا لأنها تفتقر إلى أي أساس متين بخلاف ادعاءاتها الكبيرة.
كأننا عدنا إلى المنطلق نفسه، أي ما اصطلح على تسميته بـ»أزمة الهوية الوطنية السورية» تلك الهوية غير القائمة على أي أسس موضوعية، ومكملها الموضوعي المسمى «تدويل المشكلة السورية» أي كف يد السوريين عن تقرير مصير سوريا. وهذا ينطبق ليس على المشهد المعارض وحده، بل كذلك على مقابله لدى النظام وبيئته الاجتماعية.
من المحتمل أن قليلين هم من يمكن أن يختلفوا مع هذا التشخيص، مهما بدا عالياً أصوات المنادين بسوريا ديمقراطية لكل السوريين، ومن باب أولى المنادين بسوريا الأسدية الأبدية.
هناك عامل إضافي دخل على المشهد السياسي السوري في السنوات الماضية بضجيج أقل ولكن بثبات، هو «المجتمع المدني» بمنظماته وشخصياته ومصادر تمويله. هو عامل مثير للجدل إن لم نقل إنه مرذول عموماً، سواء لدى بيئة الثورة أو بيئة النظام، يشبه في ذلك «العامل الكردي» الذي يشترك معه في نقطة أخرى هي أنهما مدعومان من «المجتمع الدولي» وبالذات من الولايات المتحدة. ولكن لا يمكن القول إن كلاً من منظمات المجتمع المدني و»قوات سوريا الديمقراطية» أو مجلسها السياسي، هما ممثلان لأجندة أمريكية أو غربية، على غرار القوى الملتحقة بالأجندة التركية، لا بسبب تعففهما عن ذلك، بل ببساطة لأن الغرب أو الولايات المتحدة ليست لديهما أجندة، بل حتى سياسة متسقة بشأن سوريا، إلى الآن على الأقل. في فترة سابقة، أيام الحرب على داعش لعبت قوات سوريا الديمقراطية دور مخلب القط المحلي لقوات التحالف، لكنها مرحلة انتهت، لذلك بات مصير «الإدارة الذاتية» في مهب الريح، وبخاصة بعد سماح إدارة ترامب لتركيا بغزو منطقة «نبع السلام» في الشمال الشرقي.
المبعوث الأممي السابق ستافان دي مستورا أدخل «ممثلي المجتمع المدني» إلى مسار المفاوضات العبثية، وبات هذا أمراً واقعاً يصعب التراجع عنه، في حين أن روسيا فشلت في إقناع تركيا برفع الفيتو الخاص بها على أي تمثيل كردي في مسارات التفاوض، على عبثيتها. نلاحظ، هنا أيضاً، ما يؤكد من جديد على انتزاع القضية السورية من أيدي السوريين وإمساك الدول المنخرطة بمصير سوريا بها.
أعلنت الهيئة العامة للمفاوضات الشهر الماضي عن تأسيس ما أسمته بـ»الهيئة العليا للانتخابات». كانت خطوة مفاجئة أثارت ردود فعل سلبية واسعة لدى الرأي العام المعارض الذي اتهم «الهيئة العامة» بأنها تستعد، بتلك الخطوة، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي سيجريها النظام لانتخاب بشار الأسد لولاية جديدة من سبع سنوات. لا نعرف بصورة يقينية ما إذا تم سحب هذا المشروع تحت ضغط الرأي العام كما يقال، أم أنه تم بإشارة خفية من الراعي التركي أو لسبب آخر. ذلك لأن الجسم المعارض المذكور قلما أبدى اهتماماً بالانتقادات الموجهة إليه من قبل جمهوره المفترض. ما يتصل من هذه الحادثة بموضوع هذا المقال هو أن هناك تفكيراً لدى مختلف الأطراف باليوم التالي على نهاية الصراع، وربما تسرعت الهيئة بفكرة إنشاء هيئة الانتخابات من هذا المنطلق، فالصراع واللا-حل قد طالا أكثر مما يجب، وهناك مستجد عالمي لا بد من حسبان حساب انعكاساته المحتملة على الصراع السوري وآفاق نهايته، ألا وهو التغيير السياسي الذي حدث في واشنطن، وما تثيره التوقعات المختلفة من آمال أو مخاوف لدى مختلف الأطراف.
بصرف النظر عن نوع ومدى التأثير المحتمل للإدارة الأمريكية الجديدة بشأن سوريا، يمكننا القول إن حدود تأثير الإسلاميين على مصير سوريا تكاد تتطابق مع تأثير العامل التركي، في حين يبقى العامل الأكثر تأثيراً هو روسيا المتمسكة ببقاء النظام، وتتحدد «الحصة الأمريكية» إن كانت واشنطن مهتمة، في «ثلث المجتمع المدني» المقوى بقوات سوريا الديمقراطية. وهذا ما لا يترك شيئاً تقريباً للتيارات السياسية الممثلة للأيديولوجيا الوطنية السورية.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————–
عروض روسية لتفاهمات سورية – إسرائيلية – إيرانية/ راغدة درغام
عرضت روسيا على سوريا صفقة تؤدي الى إزالة المشاكل القائمة بين سوريا وإسرائيل ترعاها موسكو وتقوم على تنازلات من الطرفين من أجل تفاهمات متبادلة تشمل إقناع إيران بتخفيض حجم تواجدها العسكري، بالذات حول دمشق، وبذلك تكون طرفاً رابعاً في صفقة التفاهم الروسي- الإيراني- السوري- الإسرائيلي. فموسكو تريد استخدام الوضع الراهن لتحسين ظروفها داخل سوريا بعدما اتضح لها ان عملية “استانا” التي تضم روسيا وتركيا وإيران- للتفاهم في سوريا اصطدمت بالحائط نتيجة تدهور العلاقة الروسية- التركية بالذات بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. وروسيا ترى ان في وسعها ان تلعب لعبةً جديدة في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية أساسها عزل تركيا وتخفيض النفوذ الإيراني في سوريا بترتيبات أمنية تُرضي إسرائيل وتفتح باباً جديداً تُمسك موسكو بمفاتيحه الأساسية، يتطلّب، من وجهة نظر موسكو، التمسّك ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.
الرسالة الأساسية التي نقلها وزير الخارجية السوري الجديد فيصل المقداد الى نظيره الروسي سيرغي لافروف في زيارته لموسكو هذا الأسبوع هي ان الرئيس الأسد يريد استعجال الأمور speed up the process الى ترتيبات ضرورية للاستقرار في سوريا. وبحسب مصادر مطّلِعة على أجواء اللقاء المُهم، اتفق الطرفان على انعدام اللغة المشتركة واستحالة التوصل الى صفقة مع تركيا حول ادلب حتى ولو بذلت موسكو قصارى جهدها. وبالتالي، اتُفق على أن ادلب باتت “وجع رأسٍ” لا مناص من اقتلاعه منتصف عام 2021.
هذا يتطلّب قراراً روسياً استراتيجياً لن يكون سهلاً أبداً نظراً للعلاقات المُتوتِّرة بين موسكو وأنقرة في أكثر من ملف ومكان بالرغم من انفراجٍ هنا ورسالة وديّة هناك. فقرار حسم ادلب عسكرياً يشكّل مشكلة كبيرة جداً لموسكو. أما دمشق فإنها تدفع الى الاستعجال في هذا الحسم العسكري بدون أخذ تركيا في الحساب لأنه مصيري للنظام ولسوريا.
رأي روسيا وسوريا، كما نقلته المصادر المطّلِعة على أجواء اللقاء بين لافروف ومقداد، هو ان “استانا” باتت عملية لا حاجة اليها الآن بعدما تعدّاها الزمن- أقلّه بشقّها التركي. هذا يترك العلاقات الروسية- الإيرانية- السورية في مكانٍ جديد ويضع الحديث في لغةٍ ومرتبةٍ مختلفة، لكنه لا يخفي ولا ينفي المعضلة التركية الكبيرة للثلاثي في سوريا.
الرسالة الأخرى الفائقة الأهمية التي حملها المقداد الى موسكو تمحورت حول ديمومة بشار الأسد مهما كانت الظروف داخل سوريا وحولها. فالأسد لن يترك السُلطة مهما حصل إذ انه ليس راغباً ولا جاهزاً للرحيل تحت أي ظرف كان. انه مقتنع بأن مستقبل سوريا السياسي مبني حصراً حول الأسد مهما حاصرته الضغوط المحلية والدولية. وهو جاهز للقاءات مع المعارضة في جنيف ولكن ليس لإبرام صفقة المشاركة في السلطة مع المعارضة. يرضى بتغيير هيكلي structure عبر البرلمان أو الانتخابات طالما حصيلته تكون بقاء الأسد عنصراً حاسماً في السلطة.
هذه هي رسالة بشار الأسد الذي قد يقوم بزيارة الى موسكو مطلع العام المقبل. ما يريده ويتمناه من موسكو يرتكز أولاً على اعتباره حجراً رئيسياً ومركزيّاً في استقرار سوريا، وثانياً، انه يريد من روسيا أن تحضّ الدول العربية على تغيير نهجها وموقفها وسلوكها نحو سوريا وأن تتأقلم مع بقاء الأسد حجر أساس.
الرسالة الأساسية التي بعثها الرئيس السوري عبر المقداد الى روسيا هي: يجب عدم خسارة فرصة فرض الاستقرار في سوريا (والاستقرار لغة تحلو تقليدياً لروسيا) وذلك عبر تغيير طفيف في النظام السياسي وتوسيع أرضية الدعم للأسد داخل سوريا ومن خارجها.
في الموضوع الإيراني، نقلت المصادر الوثيقة الاطلاع ان الموقف الذي حمله المقداد هو ان التعاون السوري- الإيراني سيستمر وسيزداد “لأن إيران باتت شريكاً حقيقياً وشريكاً ثابتاً”، إنما ليس بعيداً عن التنسيق مع موسكو. بكلام آخر، تنوي دمشق أخذ رأي روسيا دائماً وبصورة متماسكة عندما يتعلق الأمر بما تريده الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا، وهي لن تنفذ مئة في المئة المطالب الإيرانية تلقائياً قبل استطلاع المواقف الروسية منها.
الرسالة الروسية التقليدية التي سمعها المقداد من لافروف هي ان موسكو مستمِرّة في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لسوريا وهي مُتمسِكة بالأسد. الجديد فيها هو ان روسيا مستعدّة لإبرام صفقة تزيل المشاكل ما بين سوريا وإسرائيل وهي جاهزة لخطوات في هذا الاتجاه قريباً. ولأن موسكو تفهم تماماً مدى النفوذ الإيراني في سوريا والعلاقة العضوية بين النظامين في دمشق وطهران، ترى ان من الضروري ان تكون إيران جزءاً من الصفقة بصورة أو بأخرى.
وعليه، ولأن لدى روسيا أوراق ثمينة يمكن لها ان تستخدمها للتأثير على المواقف الإيرانية مثل صفقات الأسلحة ودورها المهم في مصير الاتفاقية النووية JCPOA، ينوي وزير الخارجية الروسية القدير في استخدام الأوراق الثمينة أن يطلب من إيران تخفيض حجم وجودها العسكري بالذات حوالى دمشق كي يكون في إمكان روسيا رعاية التفاهمات السورية- الإسرائيلية- الإيرانية.
فالقرار في موسكو هو نفض القلق من وضع روسيا في سوريا والانتفاض على فكرة التلقّي لاستبدالها بفكرة المبادرة لاستخدام سوريا كمدخل لدور بنّاء لروسيا داخل سوريا وفي الشرق الأوسط.
ليس واضحاً ان كانت الأفكار الروسية المتعلّقة بإسرائيل وتفاهماتها المُحتملة مع الأسد وإيران قد تمت مناقشتها مُسبقاً بتفاصيل مع الأطراف الإسرائيلية المعنيّة. إنما معالم الفكرة الأساسية لا بد أن بحثتها روسيا مع إسرائيل قبل عرضها على سوريا.
أدوار الجمهورية الإسلامية الإيرانية داخل سوريا قد يُمليها مصير العلاقة بينها وبين إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن. فعلى ضوئها تُقرّر إسرائيل هامش التفاهمات بينها وبين طهران، والعكس بالعكس. إنما الرعاية الروسية لتفاهمات سورية- إسرائيلية- إيرانية تبقى ذات أهمية. فموسكو تبحث عن لغة مشتركة مع إدارة بايدن، والرسالة المعنيّة بالسياسة الخارجية التي سعى فلاديمير بوتين أن يبعثها أثناء مؤتمره الصحفي المطوّل هذا الأسبوع كان عنوانها: الاعتدال واعتزام روسيا أن تبحث عن وتلعب أدوار بنّاءة في مواجهة مشاكلها العديدة.
أثناء الدائرة الافتراضية الأخيرة لهذا العام لقمة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي طغى مصير العلاقة الأميركية- الإيرانية على مصير الشرق الأوسط واختلفت الآراء حول تسلسليّة التفاوض وكيفية استخدام أوراق النفوذ مثل مصير العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. شارك في الحلقة خمس نساء من صنّاع القرار في المؤسسات الفكرية العريقة هن: السفيرة تاتيانا غفولر، لينا الخطيب، إلي جيرانمايا، فلورانس غاوب، وكارين يونغ.
غفولر انتقدت سياسة فرض العقوبات الأميركية “بالذات على روسيا بسبب الوضع في أوكرانيا” ودعت الى التعاون بدل العقاب. جيرانمايا دعت الى تلبية حاجة إيران الى “جهود عاجلة” من إدارة بايدن لإثبات عزمها على رفع العقوبات من أجل تحقيق “استقرار رشيق” swift stabilizationللصفقة النووية ضمن أسلوب المرحلتين بحيث تنصب المرحلة الأولى على المسألة النووية ثم على ضوئها تتحوّل pivot المفاوضات الى المسائل الأخرى ومن بينها “جهود نزع الفتيل” de-escalation efforts.
رأي لينا الخطيب اختلف كليّاً إذ دعت الى استخدام الاتفاقية النووية “كجزرة متدلّية” الى حين انتهاء عملية المفاوضات التي يجب أن تشمل برنامج الصواريخ والمسائل الإقليمية، واعتبرت ان عام 2020 أسفر عن تغيير راديكالي في الضغط على إيران بسبب سياسة الضغوط القصوى “التي يجب أن تبقى مستمرّة” لأنها ستُعيد إيران الى الطاولة الديبلوماسية. رأيها ان “إيران وحلفاءها في المنطقة ليسوا في تلك الدرجة من الارتياح التي يودّون لنا أن نعتقد” لأن سياسة العقوبات أضعفتهم جدّيّاً مشيرة الى أثر العقوبات الواضح في سوريا.
فلورانس غاوب اعتبرت “ان الديبلوماسية الأوروبية لا قيمة لها بدون الدعم الأميركي” في مختلف المسائل بما في ذلك اتفاقية JCPOA، “ولا أعتقد ان لنا دوراً حاسماً في اللعبة الشرق أوسطية” في هذا المنعطف.
كارين يونغ توقعت أن “تمضي ادارة بايدن باستخدام أدوات العقوبات التي شاعت في إدارة ترامب لأنها ستجدها ذات فاعلية”، كما لفتت الى الانتخابات الإيرانية المُرتقبة في حزيران (يونيو) واعتبرت ان الستة أشهر الأولى من إدارة بايدن لن “تجد النجوم، بالضرورة، بمحاذاة الديبلوماسية الجيدة”.
النهار
——————————–
رسائل خارج سياق التطبيع تنقلها روسيا بين دمشق وإسرائيل نورث برس
استبعد إيال عاليما، وهو صحفي إسرائيلي مختص بالشأن العسكري، الخميس، أن يكون المناخ الحالي متاحاً للتطبيع بين سوريا وإسرائيل بوساطة روسية.
وقال “عاليما” في حديثه لنورث برس، إن روسيا تلعب دوراً دائماً في سياق نقل رسائل متبادلة بين دمشق وإسرائيل “لمنع تفجّر الأمور.”
وأضاف أن العامل الروسي يُعتَبَرُ هاماً بالنسبة لإسرائيل، “ليس فقط عسكرياً بل للاستقرار أيضاً.”
ونسبت صحيفة إيلاف السعودية إلى مصدر عسكري إسرائيلي، قوله إن “النظام السوري بعثَ رسائل عبر موسكو إلى إسرائيل، تشترط أموراً لتحقيق السلام بينهما.”
وأشارَ “عاليما” إلى أن “الحديث من هذا القبيل غير واقعي، في هذه المرحلة على الأقل، ذلك أن إسرائيل تعتبر أن سوريا جزءاً من المحور الإيراني، لأن سوريا “مدينة” لإيران التي أنقذت حكومة الرئيس بشار الأسد.”
وقال الصحفي الإسرائيلي إن هناك تنسيقاً مستمراً بين إسرائيل والروس، وأن ثمة اتصال مباشر بين قاعدة حميميم الروسية والقيادة العسكرية الإسرائيلية، “ويتم من خلالها نقل رسائل بشكل غير مباشر بين إسرائيل ودمشق.”
وكشفَ عن أن إسرائيل تسعى من خلال الدور الروسي، إلى أن “تستثني كثيراً القوات السورية من الاستهداف، إلا إذا كانت منخرطة تماماً بأنشطة إيران. وهذا ما يُفسّر أن الغارات تستهدف الإيرانيين.”
وقال “عاليما”: “لو سألنا الرئيس السوري إذا كان معنيّاً بتفاهمات التهدئة مع إسرائيل، لكان الجواب إيجابياً، لأنه ليس هناك أيُّ فوائد من الاحتكاك، ولكنَّ الأمر ليس بيده، فإيران وميليشياتها ليست تحت سيطرته.”
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أجرى، الاثنين الماضي، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كان الموضوع السوري ضمن النقاش بينهما.
وذكر بيان صادر عن مكتب نتنياهو أن “المحادثة بينهما تطرّقت إلى آخر تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، والخطوات الضرورية لزيادة الاستقرار الإقليمي، والتعاون في مجال مكافحة فيروس كورونا.”
وقال مسلم شعيتو، رئيس المركز الثقافي الروسي-العربي في سان بطرسبرغ، إن تسريب المعلومات بشأن رسائل منسوبة لسوريا حول السلام مع إسرائيل، “يُقصَد به تعجيل عربة التطبيع العربي.”
واعتبر “شعيتو” أن ما نشرته صحيفة إيلاف السعودية بهذا الشأن، غير صحيحٍ مئة بالمئة، على حدِّ قوله.
ورأى “شعيتو”، في حديثٍ لنورث برس، أن سوريا أعلنت موقفها لروسيا، وأن “العلاقة مع إسرائيل مرتبطة بالانسحاب من الجولان، وحلّ الصراع العربي والفلسطيني-الإسرائيلي، وعودة اللاجئين الفلسطينيين.”
وأضاف أن روسيا تحترم هذا الموقف السوري، وأنها رفضت مطالبات إسرائيل خلال نقاشاتهما المستمرة، باعتراف موسكو بسيطرة إسرائيل على الجولان.”
وأشار في الوقت ذاته، إلى أن روسيا تقوم بنقل رسائل من الجميع، خلال نقاشاتها، وربما تنقل رسائل من دمشق إلى إسرائيل وبالعكس، “لكنها تتعلّق دائماً بأحداث وعمليات قصف واشتباكات وليس سلام وتطبيع.”
واستبعد رئيس المركز الثقافي الروسي-العربي في سان بطرسبرغ أن تركن دمشق إلى علاقة “حياد وتهدئة” رسمية مع إسرائيل كبديل عن السلام في هذا التوقيت، “لأن هذا يعني أن يكون خياراً بديلاً لموقف دمشق الذي تعلنه لموسكو.”
إعداد: أحمد إسماعيل – تحرير: محمد القاضي
———————————-
“نوفوستي” الروسية: الآفاق المستقبلية للانتخابات الرئاسية في سوريا “غير واضحة“
قالت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، في تقرير لها سلطت فيه الضوء على الأحداث الأكثر توقعاً في العام المقبل، إن الآفاق المستقبلية للانتخابات الرئاسية في سوريا، المقرر إجراؤها منتصف العام المقبل، لا تزال “غير واضحة”.
وأوضحت الوكالة الروسية، أن انتخابات الرئاسة السورية المقرر تنظيمها في صيف العام 2021، ستجري بينما “لا تسيطر الحكومة المركزية على بعض المناطق في شمال البلاد”، وسبق قال “بشار الأسد” في لقاء سابق مع الوكالة، إنه سيتخذ قراره بشأن المشاركة بالانتخابات الرئاسية، مطلع العام المقبل.
وأضافت أن “المجموعات الموالية لتركيا تحكم على وجه الخصوص محافظة إدلب، ويخضع الجزء الشرقي من البلاد، ما يسمى شرقي نهر الفرات، لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة”.
وتساءلت الوكالة: “هل سيتم تنظيم مراكز الاقتراع هنا؟ وهل ستعترف (قسد) بنتائج الانتخابات المقبلة؟”، مضيفة أن ذلك لا يزال غير واضح حتى الآن، وكان وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل مقداد، قال إن الانتخابات الرئاسية السورية ستجري في موعدها، على أساس الدستور الحالي (2012).
وبحسب “نوفوستي” فإن الأسد، الذي يشغل منصبه منذ 17 من تموز لعام 2000، فاز بالانتخابات غير التنافسية (استفتاء) في العامين 2000 و2007، أما الانتخابات التنافسية للعام 2014، فحصل فيها، وفقا للبيانات الرسمية، على 88.7% من الأصوات، ولكن دولاً كثيرة رفضت الاعتراف بهذه الانتخابات، والتي لم تشمل أجزاء واسعة من سوريا.
ويعطي دستور عام 2012، صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، ويحدد عدداً من معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، بينها: الإقامة عشر سنوات متواصلة قبل التقدم للترشح، والحصول على موافقة 35 نائباً في البرلمان.
وكانت حذرت واشنطن من أن النظام السوري “يؤخر عمل اللجنة الدستورية السورية لكسب الوقت”، بينما يستعد لإجراء انتخابات رئاسية “زائفة” في عام 2021، و”يغسل يديه” من العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.
وقالت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، إن بلادها والمجتمع الدولي “لن يعترفوا بالانتخابات السورية على أنها شرعية إذا لم تتماش مع القرار الدولي 2254″، مؤكدة “لن يسمح المجتمع الدولي لنظام الأسد بفرض نصر عسكري على الشعب السوري بانتخابات رئاسية غير شرعية بدون الإصلاحات السياسية”
————————————-
بشار الأسد بطل 2020/ عدنان عبد الرزاق
لا أعتقد أن هناك منازعا أو منافسا لإنجازات بشار الأسد على مستوى العالم هذا العام، فأقرانه بالإنجازات، جرفتهم سيول الربيع العربي، ولم يبق إلا هو متربعاً على كرسي أبيه ونقل السوريين من إنجاز إلى آخر ومن تقدم إلى بحبوحة، حتى بلغت سورية ذيل الترتيب العالمي، ربما بجميع مؤشرات الحرية والتنمية والفقر والبطالة والعيش الآمن.
ولأن الإنجازات أكثر من أن تحصى، سنبدأ من دون تقديم وشرح، لحالة باتت مؤرقة ربما للعالم بأسره، وليس للسوريين والمنطقة فحسب، بعد أن تطاير شرر الحرب السورية لقارات الأرض جميعها، ولم تبق دولة حول العالم، لم تستقبل لاجئاً سوريا أو تعاني أو تستفيد أو تتورط، جراء تبعات حرب الأسد على الثورة وتطلعات السوريين إلى الحرية والكرامة.
البداية من الإنسان، فهو حامل التنمية ويعي الأسد هذه الحقيقة بدليل استغلال كافة إمكانات الطاقة البشرية، فقام بتهجير أكثر من 7 ملايين سوري إلى نحو 44 دولة حول العالم، ليحتل المركز الأول بنسبة من هجرهم إلى لاجئي العالم 8.25%.
وتابع عبر القصف والتدمير لينزح أكثر من 6 ملايين عن منازلهم ويعيشوا بأسوأ مأساة بالعصر الحديث، بعد أن رفع الأشقاء والأصدقاء من أسوار حدودهم ورموهم بخيم العراء، يتلظون على جمر الحرمان وحر الشمس صيفاً وصقيع الوجع في الشتاء.
محل صرافة في بلدة سرمدا بمحافظة إدلب/ فرانس برس
وحيّد قبل التهجير، عبر القتل والاعتقال والإعاقة، زهاء مليون سوري بالداخل، ليترك من تبقى ضمن مناطق سيطرته، يعانون الفقر والإذلال، بعد ارتفاع الأسعار أكثر من 15 ضعفاً وتراجع سعر الصرف من 50 ليرة مقابل الدولار مطلع 2011 إلى نحو 3 آلاف اليوم، وتثبيت الأجور، لمن تبقى له أجر، عند حدود 60 ألف ليرة، في حين تكاليف معيشة الأسرة السورية 600 ألف ليرة شهرياً.
وبذلك التضييق والحرمان، رفع نظام بشار الأسد نسبة الفقراء داخل سورية إلى نيف وتسعين في المائة، لينال المركز الأول عالمياً، بعد أن تخطى المنافسين بنسبة البطالة التي تزيد عن ثمانين في المائة، فدفع السوريين تحت ضغط الحاجة، إلى التسول وركوب أمواج البحار، بل وانتشار المخدرات والرذيلة، بعد انعدام الأمن الغذائي لنحو 13 مليون سوري وانسداد الأفق من أي أمل يلوح بالمستقبل.
قصارى القول: من الصعوبة البالغة بمكان، إحصاء إنجازات نظام الأسد خلال حربه على السوريين منذ عشر سنوات، فهو من أوصل بلادهم إلى المرتبة قبل الأخيرة بين الدول الأقل أمناً بالعالم بحسب معهد الفكر الدولي للاقتصاد والسلام، ووضع سورية بآخر قائمة الأكثر فساداً بحسب منظمة الشفافية، وأوصل البلاد إلى المرتبة 188 من أصل 195 وفق مؤشر الأمن الصحي، والمرتبة 174 من أصل 180 كأخطر دولة على حرية الصحافة بعد أن تبوأ المركز الأخطر بالمنطقة.
ووصل الإنجاز بأن تخرج سورية بزمن حكم الأسد الابن إلى خارج التصنيف العالمي بجودة التعليم وفق منتدى “دافوس” بعد أن وصلت نسبة الأطفال خارج المدراس، وفق تقرير “يونسكو” إلى 39%.
وكل ذلك، من دون أن نأتي على استقدام الأسد لأربعة محتلين لسورية، يسيطرون على مقدراتها وفق “الواقعية” بعد أن زادت انجازاته بتأجير ورهن سورية لشركائه بالحرب، بموسكو وطهران، من التنافسية بين المحتلين، ليفكروا بأبعد من التقسيم أو اقتسام النفوذ.
نهاية القول: هل يحتاج بشار الأسد، بعد كل هذه الإنجازات، إلى حملة دعائية خلال ترشحه لفترة رئاسية وراثية رابعة مطلع العام المقبل، أم ما فعل كفيل بتخليده بسجل الأبطال وبقائه على كرسي أبيه وللأبد، طالما يحقق لمن يهمهم الأمر، جميع الأدوار الوظيفية الموكلة إليه.
العربي الجديد
————————–
معارض سوري يكشف عن خطة روسية جديدة بموافقة الأسد بشأن الانتخابات الرئاسية
تداول ناشطون سوريون معارضون، مؤخراً، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مقطع فيديو يتحدث فيه المعارض السوري كمال اللبواني، عن خطة روسية وافق عليها الرئيس السوري بشار الأسد، تتضمن مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتقول الخطة بحسب “اللبواني”، إن قسماً من المعارضة السورية سينشق عنها وسيشارك في الانتخابات، وسيفوز الأسد في تلك الانتخابات.
وستدخل المعارضة، الانتخابات كمنافس للأسد على أساس أنهم مرشحون ضده ولكنهم لن يفوزوا، بحسب ما كشف “اللبواني”.
وأشار “اللبواني” إلى أن الخطة تتضمن أيضاً أن يكون للمعارضة السورية حصة هي عبارة عن 4 وزارات في الحكومة السورية “كجائزة ترضية لهم.”
وستكون الوزارات الأربعة من نصيب منصتي موسكو والقاهرة، وشخصين رئيسيين في المعارضة وهما، جمال سليمان وخالد المحاميد.
وأشار المعارض السوري، إلى أن الخلافات بين صفوف المعارضة السورية في الوقت الحالي، بسبب ذلك التقسيم.
وشدد “اللبواني” على أن مشاركة هذه الأسماء في الانتخابات الرئاسية في سوريا، “ستعطي الشرعية لبشار الأسد.”
و”سينشق” عن المعارضة كل من هادي البحرة، نصر الحريري، بدر جاموس، عبد الأحد صطيفو، أنس العبدة وأحمد رمضان، إضافة لآخرين من الائتلاف السوري، ليشاركوا في الانتخابات الرئاسية.
وقال معارض سوري (فضل عدم ذكر اسمه) لنورث برس، إن “ما تحدث به اللبواني هو كلام خطير جداً، عن نية قسم من المعارضة والذهاب للمشاركة في الانتخابات منفردة.”
وبالتزامن مع كلام “اللبواني”، قال هادي البحرة الرئيس المشارك للجنة الدستورية عن وفد المعارضة السورية: “لنجعل هذا العام عام العمل لإنهاء المأساة، عام الانتقال نحو سوريا المستقبل والسلام.”
وجاء كلام “البحرة” بتصريح على صفحة هيئة التفاوض السورية التابعة لوفد المعارضة السورية على فيسبوك.
وقال المصدر المعارض تعليقاً على كلام “البحرة”: لا ندري عن أي سلام يتكلم السيد البحرة، “هل هو سلام الشجعان أم سلام الجبناء؟، مع العلم أنه لا فرق بينهما بالنسبة للنظام فكلاهما يؤديان للإبقاء عليه.”
وأضاف: “السلام لا يأتي بالتمنيات وبطاقات المعايدة بل ينتزع من براثن المجرمين المستبدين.”
وأشار إلى أن العملية السياسية لعام 2021، “لن يكون فيها جديد سوى الاستمرار في مسرحية تمرير الوقت عبر جوقة اللجنة الدستورية. فالهيئة هي الخنجر الذي طعن الثورة، تقول شيئاً وتفعل غيره.”
ولكن المعارض السياسي مأمون أبو عيسى لنورث برس، يرى أن هناك “فوائد عديدة من اللجنة الدستورية، وأهمها أنها مُشكّلة من الأمم المتحدة وتعقد في جنيف وليس في دمشق.”
وأضاف: “هي صاحبة القرار في صياغة مسودة الدستور الجديد وليس مجلس المصفقين، وأنها صاحبة القرار في الاستفتاء.”
وأشار “أبو عيسى” إلى أن قبول وفد الحكومة السورية جلوسه مع وفد المعارضة، يتضمن “اعترافاً صريحاً منه بها، وبالتالي إنهاء احتكار النظام السوري للشرعية.”
وقبل أيام، شدد معارضون سياسيون سوريون، على أنه يجب على وفد المعارضة السورية تجميد مشاركته في أي جولة مباحثات قادمة تتعلق باللجنة الدستورية.
وطالبوا بحذف مصطلح “العدالة التصالحية” الذي أطلقه المبعوث الأممي غير بيدرسن من وثائق الأمم المتحدة.
إعداد: سردار حديد ـ تحرير: معاذ الحمد
نورث برس
———————————
التمديد للأسد رئيساً… لماذا ومن أجل ماذا؟/ عبدالوهاب بدرخان
مطلع 2020 انصبّت التوقّعات في كل الدوائر الجدّية، وبعضٌ منها غير معادٍ لبشار الأسد، على أن نهاية مساره باتت قريبة، بل وشيكة، استناداً الى خيارات روسية، كما قيل. لكنه اجتاز عام الوباء، وها هو مطلع 2021 يجنّد ما تبقى من “دولته” في مهمّة وحيدة: إعادة انتخابه رئيساً لسبع سنوات تُضاف الى العشرين التي انقضت، وكان مرّر العشر الأولى منها بالكلام عن مشاريع إصلاح وهمية، وأمضى الثانية بالتقتيل والتدمير والتشريد والخطف والإخفاء والتصفيات المبرمجة تحت التعذيب، على ما شهدت به الصور التي التقطها “قيصر” وهرّبها.
لذلك يستدعي إصراره على استنخاب نفسه بداهة الأسئلة: لماذا البقاء في الحكم، ومن أجل ماذا، ما دام قد برهن على نحو مريع أنه استطاع صنع إحدى أفظع المآسي الإنسانية، ورفض أن يتعلّم شيئاً آخر غير أنه على حق وصواب في كل جرائمه… لم يعد أحدٌ ليصدّق أن سلاماً أهلياً يمكن أن يستقيم بوجوده، أو أن مَن هبط بسوريا الى قاع القاع هو مَن سينهض بها.
لم يحدث في التاريخ أن مَن هدموا البلاد هم الذين أعادوا إعمارها، وأن مَن مزّقوا نسيجها الوطني والاجتماعي هم المؤهلون لإعادة الوئام واللحمة بين أهلها. لكن كل ذلك لا يهمّ الأسد، فهو وأركان الحلقة الضيّقة المحيطة به لا يهجسون إلا بأمر واحد: “هذه الدولة لنا وستبقى لنا” أياً تكن الظروف. وبهذه العقلية يُقبلون بحماسة على التمديد للأسد، لإدامة سلطته وسلطتهم، مصلحته ومصالحهم.
بدأ الأسد منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ترتيب الفريق المكلف تنظيم حملته الانتخابية والخطوات “التجميلية” الضرورية للمرشح المعلن فوزه منذ الآن، باعتبار أن البيئة الموالية له تعاني اليوم الظروف المعيشية الأكثر سوءاً. لكن الأسد كان ينتظر موافقة موسكو، إذ أقلقه في أيلول (سبتمبر) الماضي أن الوفد الروسي الذي زاره، وفي عداده سيرغي لافروف، لم يتحمّس لحديثه عن الانتخابات بل طلب منه التريّث، لذا حرص وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، خلال مؤتمر صحافي متشنج مع الوفد، على تأكيد أن الانتخابات ستُجرى “في موعدها” و”بمعزلٍ” عن مسار اللجنة الدستورية (في جنيف).
لم تكن موسكو معارضة لإعادة ترشيح الأسد، بل كانت أولويتها لشروط ينبغي أن يلبيها، وأهمها مشروعها الاقتصادي المتضمّن تسعة عشر اتفاقاً نوقشت عام 2019 في سوتشي وتتعلق باستثمارات روسية في قطاعات الكهرباء والنفط والغاز والصناعة والقطاع الإنشائي.
مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وقّعت معظم الاتفاقات في موسكو، وفيها جدولة ديون مقرّرة بنحو 3 مليارات دولار ونقل ملكية مشاريع وعقارات استملكها النظام سابقاً على الساحل السوري. بعد ذلك، فرضت موسكو على النظام استضافة مؤتمر “عودة اللاجئين”، لا لإلزامه بإجراءات “تسهيل العودة الطوعية والآمنة”، بل لإبلاغ الجهات الإقليمية والدولية أن “ورقة اللاجئين” أصبحت عندها، مع علمها أن الأزمة المستمرّة بوجود النظام نفسه وممارساته هي العقبة الرئيسية أمام عودتهم.
بعد نقاش طويل، خلال زيارة وزير الخارجية الجديد فيصل مقداد، وافقت موسكو على ترشيح الأسد، وعلى انتخابات رئاسية تُجرى أواخر أيار (مايو) أوائل حزيران (يونيو)، لكنها وضعت شروطاً، منها تمكين آخرين (ترشحهم موسكو) من مشاركة شكلية في “المنافسة”، وأن يتخذ الأسد أو حكومته إجراءات، منها إسقاط شرطَي الترشيح (الإقامة داخل سوريا في الأعوام الـ 10 الماضية، وموافقة 35 عضواً في مجلس الشعب)، مع هندسة النتائج ليفوز الأسد بنحو 65 في المئة، ما يتيح لموسكو إعادة ترويجه كـ”رئيس شرعي”.
من الشروط أيضاً إصدار “قرارات عفو” وإطلاق معتقلين، الملف الذي لم يستطع الروس إحراز تقدمٍ فيه لاكتشافهم أن معظم المعتقلين لم يعودوا موجودين. هنا ابتكر النظام حلاً، بمضاعفته أخيراً حملات الاعتقال بمعدّل مئات يومياً ليفرج عنهم تعزيزاً للحملة الانتخابية. وفي الإطار نفسه تقول مصادر قريبة من الحلقة الضيّقة للنظام إن عمليات مكثّفة أجريت لتخزين الدولار والوقود، بهدف إعادة ضخّها وإحداث انفراج معيشي نسبي بالتزامن مع الإعلان عن موعد الانتخابات خلال شباط (فبراير) المقبل.
يراهن الأسد للبقاء في السلطة، ولعله محقّ، على أن القوى الخارجية لم تردْ يوماً رحيله، وأهمها تلك الاحتلالات العديدة التي اجتذبها طوعاً أو قسراً لتتوزّع الجغرافية السورية، فبعضٌ منها يتغطّى بـ”شرعيته” (روسيا وإيران) وشاركته في تدمير كبرى المدن وتشريد نصف الشعب السوري، وبعضٌ آخر استمدّ “شرعية” من الباطن الروسي (تركيا وإسرائيل)، أو من محاربة الإرهاب كما سوّغتها “الشرعية الدولية/ الأميركية”. زحمة “شرعيات” تعترف ببعضها بعضاً وتتصارع علناً وضمناً، وتبقي نافذةً لـ”شرعية” الأسد معتقدةً أن “توقيعه” ضروري على “الإصلاحات” الدستورية، بالأحرى متوهّمة أنه سيوقّع على خفض صلاحياته وضبط نزعة نظامه للبطش والتوحّش، أو حتى على “الاعتراف” بوجود شعب سوري له حقوق مشروعة وليس مجرّد مستَتبعين لطائفة واحدة.
الانتخابات الرئاسية المقبلة هي الأولى منذ صدور القرار 2254 عام 2015، الذي لو طُبّق في المهل الزمنية المحددة لكان غيّر منذ 2018 كل السيناريوات الأسدية. لكن النظام استطاع تمييع التنفيذ بتخطيط متواطئ من الإيرانيين، واستطاع إفراغ القرار من مضمونه بتكتيك متواطئ مع الروس، وأدخل مهمّتَي المبعوثَين الأمميين ستافان ديميستورا وغير بيدرسون في المتاهة، الى أن اختُزل 2254 بـ”اللجنة الدستورية” التي تحكّم الروس بتشكيلها ويتجاهلونها يومياً في مضيّهم الى “حل سياسي” أرادوه دائماً… في كنف “نظام الأسد”.
بقاء الأسد يعني شيئاً واحداً: سوريا والسوريون ممنوعون من الأمل. بلد مدمّر ومفلس ولا يملك رئيسه مبرّراً للاستمرار سوى أنه أعدم بدائله منذ زمن، ومكّنه “بعبع” البديل الإسلامي من إسكات الداعين الى رحيله. ما يساعده اليوم أكثر أن أميركا تستخدمه وسيلة لإغراق روسيا في سوريا، أما روسيا فتستخدمه لمنافسة أميركا بدفعه نحو صلح مع إسرائيل. التطبيع بالنسبة الى الأسد استحقاق ممكن، لكن… بعد الانتخابات.
النهار العربي
——————————–
موسكو ترفض تشكيك بعض الدول بانتخابات الأسد
قال نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين إن دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سوريا، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة.
وأضاف في حديث لوكالة “نوفوستي”، أنه “بالرغم من العوامل السلبية والقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، تواصل العمل في جنيف اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا”. وتابع: “في غضون ذلك، تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي الوقت نفسه يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”.
وشدد فيرشينين على أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، وقواعد عمل اللجنة الدستورية، “يفرضان بشكل مباشر، ضرورة الدفع قدماً بالعملية السياسية، التي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، من دون تدخل خارجي ومن دون فرض أطر زمنية مصطنعة”. وخلص إلى أنه “على هذا الأساس بالذات، يمكن التوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد في سوريا”.
من جهة ثانية، أشار فيرشينين إلى أن الوضع في منطقة شرق الفرات في سوريا يزداد توتراً مع عودة نشاط مسلحي “داعش” واستمرار الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل الموالية لأنقرة.
وقال فيرشينين إن “الوضع الميداني في سوريا إستقر، لكنه لا يزال متفجراً ومعقداً. ولا تزال التوترات قائمة في المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة دمشق”. وأضاف أن هناك مشاكل إنسانية واجتماعية واقتصادية حادة، “تفاقمت بفعل تشديد العقوبات أحادية الجانب وعلى خلفية وباء فيروس كورونا”.
وأشار إلى أن مناطق شرق الفرات تشهد تصعيداً لحدة التوتر في ظل عودة نشاط “داعش” والاشتباكات المتواصلة بين قسد والتحالفات العشائرية، وكذلك بين قسد وفصائل موالية لتركيا على طول حدود منطقة عملية “نبع السلام” وفي محيط مدينة عين عيسى.
——————–
واشنطن:الضغط على الأسد سيستمر..وتحرير الشام “إرهابية“
أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل ريبورن التزام الولايات المتحدة بالعمل مع الشركاء الدوليين في حملة الضغط الاقتصادي والسياسي ضد بشار الأسد ونظامه والأطراف التي تسعى لتمكينه.
وأوضح ريبورن في حديث إلى وسائل الإعلام خلال زيارته إلى الإمارات، أن الضغط والعقوبات هي بهدف إنهاء العنف ضد الشعب السوري من قبل نظام الأسد، ووقف عرقلة الجهود لإنهاء الصراع.
ويجري ريبورن جولة في المنطقة من 4 إلى 7 كانون الثاني/يناير، تشمل الإمارات والأردن، لإجراء محادثات مع الجهات الرسمية هناك، بالإضافة لقادة المجتمع المدني وشركاء تنفيذيين بشأن الوضع في سوريا.
وتوقع ريبورن أن يعود الهدوء إلى بلدة عين عيسى شمالي الرقة. وقال: “واثق أن كل الأطراف سترى أن من مصلحتها تهدئة الوضع وتخفيف التصعيد والعودة للهدوء في شمال شرقي سوريا”. وأضاف أن توتر الوضع العسكري في شمال شرقي سوريا ليس من مصلحة أحد سوى تنظيم “داعش” والنظام السوري والميليشيات الإيرانية والعراقية التي تدعمها إيران.
وحثّ كل الأطراف في الشمال الشرقي على تخفيف التصعيد، وقال: “نعتقد أن التصعيد هناك والمواجهة العسكرية لن تؤدي سوى لأذية الشعب السوري وستلهي عن المهمة الأساسية وهي قتال تنظيم داعش وتعزيز الاستقرار في المنطقة”. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحاول استخدام أدواتها ونفوذها الدبلوماسي لتخفيف التصعيد.
من جهة ثانية، استبعد ريبورن إزالة هيئة تحرير الشام عن قوائم الإرهاب. وقال: “أعتقد أن إزالة جماعة مثل (تحرير الشام) عن قوائم الإرهاب ما زال يمثل احتمالاً بعيداً”، بحسب ما نقل عنه موقع “عنب بلدي”.
وبرر ريبورن ذلك، قائلاً: “حتى الآن نرى أن بعض عناصرها يعتقلون الناس ويسجنون الآلاف، ولمَ ذلك؟ لا أسباب”. وأضاف أن “هناك جهات تحاكي تصرفات النظام السوري، وعليها تجاوز تلك التصرفات، لأن سكان إدلب عانوا بما يكفي، ولا يحتاجون إلى نظام جديد يقمعهم بالطريقة المماثلة التي حاولوا التحرر منها خلال الأعوام العشرة الماضية”.
————————-
====================
تحديث 06 كانون الثاني 2021
————————
عندما يبحث الأسد عن شرعية في صندوق الاقتراع/ سعد كيوان
تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة انتقالية ضبابية، ومحفوفة بالمخاطر، تتنازعها أكثر من ساحة قابلة للانفجار في أي لحظة، من سورية إلى لبنان وإلى إسرائيل، ومن فلسطين إلى العراق إلى اليمن. وهي كلها ساحاتٌ مفتوحةٌ تحرّكها إيران، مباشرة أو عبر أذرعها الممتدة، كالأخطبوط في ثنايا تركيبتها السياسية والاقتصادية والديموغرافية، وفي نسيجها الاجتماعي. إلا أن القيادة الإيرانية تنتظر بفارغ الصبر ولوج جو بايدن عتبة البيت الأبيض لتتنفس الصعداء، بعد أن أذاقها دونالد ترامب الأمرّين من الحصار الاقتصادي والعقوبات خلال سنوات عهده الأربع، وبالأخص في السنة الأخيرة، إذ سدّدت الإدارة الأميركية ضربتين قاصمتين لنظام الملالي، باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي كان يتنقل في طول العالم العربي وعرضه محرّكا مليشياته المتعدّدة الجنسيات لـ”تصدير الثورة الخمينية”، والثانية بتصفية أبي القنبلة النووية الإيرانية، محسن فخري زاده، في وضح النهار في قلب طهران نفسها. ولن يأمن الملالي شرّ ترامب، ما لم يتأكّدوا من مغادرته الرئاسة، إذ إنه مستعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، ولو في آخر يوم له في البيت الأبيض. وكان الرئيس الأميركي قد وضع نصب عينيه، منذ لحظة انتخابه، تحجيم نفوذ طهران الإقليمي، وإعادتها إلى داخل حدودها، قبل أي هدف آخر إقليميا ودوليا. وقد أعلن ترامب يومها أنه غير معني بإسقاط بشار الأسد، وإنما بإخراج القوات الإيرانية من سورية. ولكنه احتفظ بالقوات الأميركية في شمال سورية، وقام قبل أيام بتعزيزها على خط الحدود السورية – العراقية، عند معبر التنف الذي تسعى إيران إلى تكريسه طريقا استراتيجيا لعبورها إلى ضفاف المتوسط وصولا إلى بيروت. وقد تحوّل سلاح العقوبات خلال كل هذه الفترة إلى عامل ضغط سياسي واقتصادي ومالي وعسكري فتاك وموجع، وتم تعميمه على كل الساحات، من العراق إلى سورية إلى لبنان، وهو مستمر، على الرغم من الأسابيع القليلة المتبقية لترامب في البيت الأبيض، فقد فرضت أمس الخزانة الأميركية عقوباتٍ جديدة استهدفت هذه المرة البنك المركزي السوري، وأصابت كيانات وأفرادا من ضمنهم زوجة بشار الأسد التي تمكّنت، من موقعها رئيسة لمؤسسة الأمانة السورية للتنمية، من التسلل لتصبح عضوا في اللجنة الدولية للتحكيم واختيار المواقع الأثرية من التراث العالمي التي توضع على قائمة يونسكو، وقد اعتبرت هذه الخطوة بمثابة محاولةٍ لإضفاء نوع من الشرعية للنظام في المحافل الدولية.
أما وقد تحوّلت الساحة السورية إلى مجموعة ساحاتٍ للمواجهة، ليس فقط بين طهران وواشنطن، وإنما أيضا مع موسكو وأنقرة وتل أبيب، وتحسبا للنهج الذي سيسلكه الرئيس الأميركي المنتخب، بايدن، ولما سيتخذه من قرارات، وهو كان قد أعلن مواقف مناهضة للنظام السوري، وكذلك لتركيا أردوغان، فإن الأسد يسعى الآن إلى استباق التطوّرات، محاولا استخدام الحلفاء – الأوصياء عليه، لكي يفرض إعادة التجديد له رئيسا للمرة الرابعة منذ عام 2000 في الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في الربيع المقبل خيارا لإيران وأمرا واقعا لروسيا التي ما زالت تراهن عليه ورقة للتفاوض مع الولايات المتحدة، وللجم، في المقابل، اندفاعة الجار التركي اللدود في شمال سورية. وهذا يتناقض طبعا مع مضمون قرار جنيف الأممي 2254 الذي يلحظ عملية انتقال للسلطة، ثم إجراء انتخابات حرّة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، أي خروج الأسد من المشهد السياسي السوري. ولكن كيف يمكن إجراء انتخابات ذات حد أدنى من المصداقية، في ظل بلد محتل من خمسة جيوش تتنازعه وتتقاسمه عمليا إلى مناطق نفوذ وسيطرة برّية وجوية؟
يعيش الأسد حالة من الإنكار ويتصرّف وكأنه ما زال يمسك بالسلطة في عموم سورية، لا أسيراً لدى من يحميه ويبقيه على كرسي قصر المهاجرين في دمشق، لا سلطة له لا على الجنوب، ولا في الشمال. إنه يبحث اليوم عن شرعية مزعومة في صناديق الاقتراع، وليس عبر المبايعة أو الاستفتاء كما جرت العادة في سورية البعث، وفي ظل كل أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية عقودا، فهو الآن يجهد في تحضير حملته الرئاسية، مرتكزا على عوامل ثلاثة، أولها، بطبيعة الحال، الأمني، بإعادة تشكيل القطاعات العسكرية التي بات ولاء بعضها لإيران وبعضها الآخر لروسيا، وقام بتعيين قائد جديد للقوات الخاصة، مستعينا بأبناء الحرس القديم. والعامل الثاني هو الإعلام الذي يحاول استمالته وتوظيفه عبر الاستعانة بإعلاميين غير سوريين، وبخاصة لبنانيون يدورون في فلك محور الممانعة، في محاولةٍ لإبعاد شبهة تبعيتهم للنظام. والعامل الثالث الأهم والمفصلي هو خوف الأسد من أن تؤدّي الانتخابات الرئاسية التي يحاول أن يجدّد شرعيته منها، إلى أن تجعل منه رئيسا على جزء من سورية، في ظل عدد من مناطق النفوذ الخارجة عن سيطرته، كمناطق الإدارة الذاتية، وفي الشمال حيث تسيطر تركيا، وكذلك في الجنوب، فأرسل وزير خارجيته الجديد فيصل المقداد إلى موسكو، ليقنعها بمساعدته في منع إجراء الانتخابات في شمال غرب سورية وريف إدلب، وفي الجنوب، وفي المناطق الكردية التي تسيطر عليها وتديرها “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد). ويبدو أن النظام يحاول إغراء الوصي الروسي بأن يختار المرشح المعارض لمنافسة الأسد على الرئاسة، تمهيدا منه ربما بأن يصبح هذا المنافس رئيسا لمرحلة ما بعد الأسد.
ولكن أحلام الأسد ستبقى مجرد أوهام، هذا إذا لم تتحوّل إلى كوابيس، لأن حسابات القيصر الروسي بوتين مغايرة، لأنه لا يملك ترف إضاعة الوقت، بعد المغامرة الأكثر كلفةً بالنسبة لموسكو سياسيا وعسكريا وماديا واستراتيجيا، لتدخلها في الشرق الأوسط. كما أنه عندما قرّر التدخل العسكري قبل خمس سنوات لإنقاذ الأسد لم يكن يراهن عليه، ولا على نظامه المتهالك، وإنما كفرصة تسمح له في استعادة دور الاتحاد السوفييتي السابق، وتثبيت رجليه في بلد استراتيجي بالنسبة لنفوذه في المنطقة، فيما كان رئيس أعظم وأقوى دولة، باراك أوباما، يتردّد في خياراته، ثم يقرّر الانسحاب من أي دور في سورية، مفضلا توقيع الاتفاق النووي مع إيران في صيف 2015، أي قبل تدخل روسيا العسكري بشهرين. ثم جاء ترامب ليقلب الأمور رأسا على عقب، ويعيد الاتفاق النووي إلى نقطة الصفر، ويفرض واقعا جديدا ليس على بوتين فحسب، وإنما على خلفه في البيت الأبيض، فإيران اليوم محاصرة بالعقوبات واقتصادها ينزف، على الرغم من نفسها الطويل. وانتقل العراق، مع حكومة مصطفى الكاظمي، إلى تحت المظلة الأميركية، ولبنان، الذي يتخذ منه حزب الله قاعدة ومتراسا، مشلولٌ ومكشوفٌ من دون حكومة منذ نحو خمسة أشهر، وهو اليوم على شفير الانهيار. أما النظام السوري فهو محاصر بعقوبات وقوانين مقاطعة ومحاسبة تقطع أوصاله وتحبس أنفاسه بين “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات على الجهات والأشخاص الذين يتعاملون مع النظام أو يقدّمون له أي مساعدة، و”قانون ماغنيتسكي” الذي يخوّل الحكومة الأميركية فرض عقوباتٍ على منتهكي حقوق الإنسان. أما السيادة فهي برّا موزّعة بين روسيا وأميركا وتركيا وإيران، وجوا لإسرائيل. وقد أصبح الجزء الذي يحكمه بشار لا يوازن ثقل جولة من جولات التفاوض القادم بين موسكو وواشنطن التي تريد أن تضع ثقل الملالي في الميزان!
العربي الجديد
———————————-
نظام الأسد يحشد العشائر للانتخابات: التفاف على المقاطعة الدولية/ عماد كركص
تسعى روسيا لفرض نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام الحالي في سورية أمراً واقعاً، بالتجديد لبشّار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام، بحسب الدستور الحالي للبلاد، الذي جرى إقراره عام 2012، ولا يلقى اعترافاً دولياً. وعلى أساس هذا الدستور أيضاً، جرى التجديد للأسد لولاية رئاسية في العام 2014، تنتهي منتصف العام الحالي. بيد أن الروس باتوا يستشعرون خطر التحرك الغربي لعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات المقررة في منتصف العام الحالي، ليس فقط من خلال عدم الاعتراف بها وحسب، وإنما التحرك دولياً لإنهاء حكم الأسد، في حال لم تكن الانتخابات وفق دستور جديد، وبعد مرحلة انتقالية حقيقية، بحسب بيان جنيف 1، وقرار مجلس الأمن 2254. وبدأت التصريحات الروسية تصب في إطار الترويج لشرعية الانتخابات مع اقتراب موعدها، لجهة تعزيز موقف الأسد فيها، بذريعة الاستقرار.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، إن دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سورية، تقوّض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة. وأضاف فيرشينين، في حديث لوكالة “نوفوستي” الروسية، أنه “على الرغم من العوامل السلبية والقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، تواصل اللجنة الدستورية الخاصة بسورية العمل في جنيف. ومن المقرر عقد الجولة الخامسة من المشاورات بين الأطراف السورية في اللجنة خلال الفترة من 25 إلى 29 يناير/ كانون الثاني الحالي، وستتم خلالها مناقشة المبادئ الدستورية، وسيتعين فيها البحث بجدية عن حلول مقبولة للجانبين”. وأشار المسؤول الروسي إلى أنه “في غضون ذلك، تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي الوقت نفسه يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”.
وأظهر كلام نائب الوزير الروسي نوايا موسكو حول تمييع المسار السياسي وإطالة أمده، بإشارته إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وقواعد عمل اللجنة الدستورية، “يفرضان بشكل مباشر ضرورة دفع العملية السياسية قدماً، والتي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، من دون تدخل خارجي ومن دون فرض أطر زمنية مصطنعة”، وخلص إلى أنه “على هذا الأساس بالذات، يمكن التوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد في سورية”.
وفي إطار ذلك، يبدو أن النظام وحلفاءه باتوا في طور التمهيد لفرض الانتخابات أمراً واقعاً مع نتائجها، إلا أنهم باتوا متخوفين من ردّ الفعل الدولي، لا سيما مع تحايل النظام على مسارات الحل السياسي، وآخرها مسار اللجنة الدستورية. وتزايدت الضغوط الغربية، والأميركية على وجه الخصوص، لدفع النظام للانخراط جدياً في العملية السياسية، سواء من خلال العقوبات أو بالتحرك الدبلوماسي بالضغط عليه من خلال حلفائه، دون استجابة واضحة. غير أن واشنطن، من خلال إدارة دونالد ترامب، باتت تلوح بأدوات جديدة لفرض الحل السياسي، بيد أن ذلك بات يرتبط بما ستقدم عليه الإدارة الأميركية المقبلة برئاسة جو بايدن حيال صيغة الحل السوري، ولا سيما التعامل مع مسألة الانتخابات، والتجديد للأسد، كما هو متوقع.
داخلياً، أخذ النظام يحرك أدواته في سبيل الترويج للتجديد للأسد، وكان سابقاً غير مضطر لذلك مع تكفل الأفرع الأمنية بفرض نتائج الانتخابات بنسب مرتفعة. غير أن تحركات النظام حيال ذلك باتت تقوم على أسس ومعطيات جديدة، من خلال كسب دعم العشائر السورية المتحالفة مع النظام، أو التي يرتبط شيوخها بعلاقات طيبة مع الأسد والنظام. في خضم ذلك، جاء الملتقى العشائري الذي عقد في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي في محافظة حماة، وسط البلاد. وأشارت معلومات لـ”العربي الجديد”، إلى أن الشيخ نواف طراد الملحم هو عراب الملتقى بهدف كسب دعم عشائري للأسد خلال التجديد له في الانتخابات المقبلة، ولفتت المصادر إلى أن الملحم طرح خلال الملتقى فكرة أن يكون الأسد هو مرشح العشائر السورية خلال الانتخابات المقبلة.
وتُشكّل العشائر نسبة جيدة من سكان البلاد، غير أن هناك الكثير من شيوخ العشائر والقبائل العربية في البلاد مع أبناء العشائر يعدون من صلب المعارضة السورية، ويشكلون نسبة كبيرة من الحاضنة الشعبية للثورة، مع رفضهم بقاء الأسد في السلطة. وأشار مصدر خاص لـ”العربي الجديد”، من السويداء، إلى أن الملحم حاول نقل فكرة الملتقى إلى محافظة السويداء، في إطار كسب الدعم المجتمعي والعشائري للأسد، والتقى في نهاية الشهر الماضي مع وجهاء وشيوخ من الطائفة الدرزية، من بينهم شيخ العقل يوسف جربوع، بحضور ممثلين عن العائلات ووجوه اجتماعية مختلفة ورجال دين في دار الطائفة بمدينة السويداء. وأشار المصدر إلى أن الملحم طرح فكرة ترشيح الأسد للانتخابات من قبل الوجوه الاجتماعية والعشائرية نيابة عن عائلاتهم وعشائرهم كما حدث في حماة، إلا أن المصدر أكد أن طرح الأخير لم يلقَ تجاوباً من قبل وجوه السويداء ومشايخها، ولم يحصل من خلال اجتماعه بهم على نتائج نهائية إيجابية.
وفي تعليق على تصريحات فيرشينين حول عدم الاعتراف الدولي بالانتخابات وأن مؤداه الدفع لعدم الاستقرار بالبلاد، أشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض، عبد المجيد بركات، إلى أن “قيام روسيا بدعم النظام بإجراء الانتخابات الرئاسية، يعد إجراءً أحادي الجانب، وعلى عكس ما صرح به نائب الوزير الروسي، فإن اللجوء لإجراء الانتخابات ودعمها من أي طرف سيؤدي إلى عدم الاستقرار في البلاد، وحتى بالنسبة للعملية السياسية، ولا بد من الإشارة إلى أن حلفاء النظام، لا سيما الروس والإيرانيون، غير جديين في التعاطي مع العملية السياسية بالمطلق”.
وأضاف بركات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أي انتخابات يقوم بها النظام، منذ الإعلان عن انطلاق اللجنة الدستورية، هي انتخابات خارج الولاية الدستورية لمؤسسات الدولة، وخارج ولاية مجلس الشعب (البرلمان)، فعندما قام النظام بالموافقة على الانخراط بمسار اللجنة الدستورية، كأحد مكوناتها الثلاثة، فمن المفترض أن يوقف العمل بالدستور حتى تنهي اللجنة أعمالها بوضع دستور جديد للبلاد تقوم على أساسه الانتخابات، وبذلك من وجهة نظر قانونية، فإن النظام لا يحق له إجراء انتخابات، حتى تنهي اللجنة أعمالها”، معلناً أنهم في المعارضة لن يكونوا طرفاً بأي عملية انتخابية يكون النظام فيها الطرف الآخر، وذلك لضلوع النظام وأركانه بجرائم حرب تتوجب المحاسبة عليها.
ولفت بركات إلى أن لديهم في المعارضة مؤشرات دولية واضحة لرفض العملية الانتخابية، مشيراً إلى أن “المجتمع الدولي يصر على تطبيق السلال الأربع في العملية السياسية، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، ومن المفترض أن تكون روسيا مشاركة في تطبيق هذا القرار وسلاله، لذلك سيتحتم عليها الالتزام، أو ستلاقي ضغطاً دولياً للتوقف عن دعم النظام”.
وكان وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، قد أعلن أخيراً أن الانتخابات ستجري في موعدها من دون أن تكون لمخرجات اللجنة الدستورية علاقة بها، وهو بذلك يكرر موقفاً سبق أن أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عند زيارته لدمشق خلال مؤتمر صحافي جمعه بوزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم. كذلك كان رئيس النظام بشار الأسد قد أشار في حديث صحافي، خريف العام الماضي، إلى أن “المفاوضات ستأخذ وقتاً طويلاً”، في معرض حديثه عن مسار اللجنة الدستورية، ممهداً كذلك للتملص من مخرجاتها، بالإشارة إلى أن الوفد المسمى من قبل النظام لا يمثل النظام، وإنما يمثل الدولة السورية، بحسبه. ويمكّنه هذا الأمر من التملص من مخرجات اللجنة ونتائجها إذا لم تتوافق مع رؤية النظام، والحفاظ على بقائه في السلطة.
العربي الجديد
————————
حتى لا يكون عام 2021 عام الأسد/ موفق نيربية
في اليوم الأخير من العام المنصرم لتوّه، جاء في صحيفة «الوطن» السورية التي كان يملكها رامي مخلوف، تايكون الاقتصاد الأسدي المطلق سابقاً، حتى صراعه مع رئيسه: «كعادته وكما عرفه السوريون حضر الرئيس بشار الأسد إلى جانبهم ومعهم، وهم يعملون من جديد على بناء ما دمره أعداؤهم، وهذه المرة عبر زراعة أرضهم، التي أحرقها مرتزقة لا ينتمون لها، مرسلاً المزيد من الرسائل عن الشجرة التي نغرسها في الوطن فتنبت حباً. الرئيس الأسد فاجأ الفرق التطوعية لطلبة سوريا، التي كانت تقوم بعمليات تشجير في حرش التفاحة بالدريكيش، وحضر برفقة عقيلته السيدة أسماء، وأبنائهما حافظ وكريم وزين الشام، ومعهم باسل شوكت ابن شقيقته، إلى مكان التشجير الذي سبق وتعرض للحرائق».
جاء ذلك الخبر بصيغة دعاية انتخابية، ما أعاد تذكيرنا بقوة بأهم ما يمكن أن يتعرض له السوريون – فوق ما حصل لهم حتى الآن – وهو انتخابات رئاسية لتجديد وتمديد رئاسة بشار الأسد، تتمحور حولها السياسات السورية والروسية منذ فترة من الزمن، مع الغياب الحالي للسياسة الكبرى. كان يمكن للمرء أن يتناول مع نهاية عام وبداية آخر، أهم ما كان أو ما يمكن أن يكون، وتغري كثيراً حالة الوباء وطغيانه، مع أخبار طفو المعركة الانتخابية الأمريكية فوق الوضع الدولي، وما شكّلته السياسات التي قادها دونالد ترامب من ظواهر تنذر بتشكيل عالم جديد، أو تدارك ذلك، ولو إلى حدود معقولة.
إلّا أن استفزاز مسألة الأسد يفرض علينا، نحن السوريين، على الأقل مواجهتها، ابتداءً من على الورق. ليس هنالك من شرعية لرئاسة الأسد منذ 2011 ومهما كانت مرجعيتها، سوف تتآكل حتى خيالاتها، في حالة مضيّه في إعادة ترشيحه وانتخابه. وهي مهما كانت شكلية لا تضيف جديداً إلى واقع الحال، كما يمكن أن يقول البعض؛ إلّا أنها أيضاً مهمة لصاحبها، وليس هنالك من لا يأبه بشرعية ما لسلطته وصورته، مهما كانت درجة طغيانه واستبداده بالأمر. قد تأتي الشرعية من التقاليد التي يحافظ الناس عليها، حين تستحكم بهم وتأسرهم بعد طول ممارسة للسلطة على نسقٍ محدّد، ومع أشخاص بعينهم، أفراداً أو عائلاتٍ أو نخبة أو فئة، عشيرة كانت، أم طائفة، أم عصابة معمّمة. ولا ريب في أن أيّ شيءٍ من هذا القبيل قد تبخّر في الأعوام الأخيرة، بعد أن أنهت الثورة أثر تلك التقاليد، وما يتداخل معها من» قوة العادة» والعجز عن احتمال التغيير، وصدمته المجهولة المفاعيل. ولكن ذلك أيضاً قد تلاشى، وصغرت تلك الدائرة المعرّضة لتلك الظاهرة، حتى لدى قريبين من مركزها ورئيسها.. وتدهورت الأحوال حتى بدأ البعض يقولون» لا يمكن لأيّ تغيير أن يؤدّي إلى الأسوأ، لأننا في الحضيض».
يمكن للتاريخ أن يهب بعض شرعية مطلوبة، حين تكون هنالك «منجزات» كبيرة وعملية، كخلق مكانٍ للبلد في المنطقة والعالم، أو النصر في حروب خارجية كبرى، تؤمّن الحماية للدولة والمجتمع من الأخطار الخارجية، أو بناء اقتصاد مزدهر، وتنمية لا تأكلها النيران – كما فعلت- وهنا، لو كان لأبيه شيءٌ من ذلك مهما اعترض معارضوه، فليس للابن منه إلّا الكاريكاتير والمسخرة.. وليست لديه في هذا حتى إمكانية تقديم الوعود.
وقد تأتي الشرعية للمستبدّ خصوصاً من كتب التاريخ ومن «الغلبة». وهذه منطقة أثيرة للنظام ومربط فرسه، منذ قال وزير دفاع الأب قديماً وبصراحة مذهلة: «لقد أخذنا البلاد بالبندقية، ومن كان قادراً على أخذها منّا بالبندقية فأهلاً وسهلاً» أو ما هو من هذا القبيل. وتكفي نظرة لتوزّع القوى، ليس في المناطق الخارجة تماماً عن سيطرته، كما في الشمال بشرقه وغربه، بل في مناطقه ذاتها، بعشرات أو مئات العصابات المنفردة – وأحياناً المنفلتة- وتشتّت الجيش «العربي السوري» وتهلهله إلى ما يشبه تلك العصابات.. إضافة إلى جماعات أكثر انضباطاً، ولكن لأوامر الغير في إيران، أو روسيا، أو أيّ مكان آخر.. ليس هنالك «غلبة» إلّا بمقدار ما تسمح تلك الفوضى لفلول النظام بالتسلّط واللصوصية والقمع أو القتل.. وليست تلك «غلبة» ابن خلدون، ولا هي خيالٌ لها. أمّا الشرعية «الرسمية» من حيث الاعتراف الدولي رسمياً بالنظام، فلن نعود له ولحساباته، إلّا لنقول إن عشرات الدول ربما تتحفّظ على سحب اعترافها، ولكن لنذكّر هنا بأن الجامعة العربية وأوروبا وشمال أمريكا، لا شائبة في اعتراضها على الأسد ونظامه، اعتراضاً ليس شكلياً أبداً، مهما جاءت أنباءُ مناقضة لذلك من هنا أو هناك. ولا يمكن اعتبار محاولات البعض للركوب على النظام حالياً لأهداف عابرة أمنية، أو مستقبلية تتعلق بعوامل جيواستراتيجية، أو بإعادة الإعمار؛ اعترافاً فعلياً به وبشرعيته.
ليست لدى بشار الأسد شرعية كذلك النوع القديم، كالذي تكوّن لدى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية – الولي الفقيه – علي خامنئي أيضاً، مهما اعترضنا على منطق الحقّ فيها: الشرعية الدينية، ولا ضرورة للتفصيل في افتقار بشار لذلك بأي شكلٍ وعلى أيّ الجانبين يميل. وبالطبع، ليس هنالك، ولن يكون، لبشار شرعية صندوق الاقتراع الحديثة، المعروفة العناوين والعناصر، وليترك اللاجئين والنازحين ينتخبون بحرية، وليترك أهله أنفسهم ينتخبون بحرية مع الناس العاديين البسطاء من دون إسار الرعب و»التشبيح».. وليترك للأمم المتحدة والمجتمع المدني الدولي أن يشرفا على الانتخابات.. مع أن ذلك قد «يخدش» السيادة الوطنية، وصلح ويستفاليا ومعاهدة فيينا، وحتى تفاهمات يالطا أيضاً. وربّما يكون واحداً من مصادر الشرعية، مهما كانت منقوصة أو جزئية، الاعتماد على ولاء أقلية عرقية أو عشائرية أو دينية أو طائفية، بشكلٍ متماسك عسكرياً ومدنياً وطائفياً غير متخلخل. وقد نجح هذا الرجل ببعثرة إرث أبيه، وَقلَب على نفسه طائفته التي كان أبوه سابقاً، وهو من بعده، يعتبرانها الحصن والملاذ.
لقد أدّت سياساته إلى خسارة «طائفته»- وليست كذلك على الإطلاق – لمئات الآلاف ربّما من شبابها، وهي في ذلك تختلف حتى عن خسارة «خصومه» لمئات الآلاف من كلّ الأعمار ومن الجنسين. لقد استطاع بشار أن يورّط من اج\تمعوا حوله، ويودي بهم إلى الدمار والهلاك، الذي لا يختلف كثيراً عن هلاك ودمار من ثاروا عليه ومن قاتلوه.. وفي ظروف العوز الخانق، ونزيف الدماء المستمر، واسوداد الأفق وانسداده، لم يبق لبشار مما كان لديه إلّا القليل، الجاهز للانفضاض عنه أمام أي عملية سياسية، وإسهام دولي لائق ومقنع فيها. ومع العقوبات الدولية التي زادت من ضيق الخناق على النظام، وحشرت محاولات شرعنته في الزاوية؛ ومع تطوّر المحاسبة الدولية وقضايا الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها، التي سوف تكون على أي طاولة يتمّ التحضير لها، خارج تلك الطاولات الحالية البائسة العاجزة، ومع تضييق «قانون قيصر» حتى على داعميه من بعد، وانهيار العملة وتحليق الأسعار التي سوف تعيد تخليق الشجاعة لدى الناس الموجودين في مناطق سلطته؛ ومع زيادة الضغوط للإفراج عن المعتقلين، وأعدادهم تقارب المئة ألف أو أكثر.. ومع ميزانية جديدة هي الأقل حجماً، والأكثر تدجيلاً في تاريخ سوريا الحديث.. مع ذلك كلّه ليس من شرعية لإعادة انتخاب الأسد، لا شكلاً ولا مضموناً.
وربما قبل أيّ شيء آخر، لا شرعية لحكومة عميلة لمحتلّ، إيرانياً كان أم روسيا ً(وهذا لا ينطبق على النظام وحده بالطبع، ولا على إيران وروسيا وحدهما أيضاً). ولا ننسى أيضاً كيف قوّض هذان المحتلان، ما كان للأسد من شرعية كاذبة، من خلال سيطرتهما على المرافق العامة، وكلّ ما للدولة من خصائص في استقلالها، ومن ذلك تكبيلها بعقود تمنع ذلك الاستقلال لعشرات السنين المقبلة، ولا تحترمها حتى كشريك أصغر. ونسمع منهما في الوقت نفسه تكريساً لشرعيته حين يتعلّق الأمر بشرعنة وجودهما ومستقبله، ونيلاً منها حين يكون الحديث عن دور كلّ منهما الحاسم في الحفاظ على النظام وضمان استمراريته.
تبقى مهمة النخب السورية المعارضة وغير المعارضة، الرسمية والشعبية والمدنية، هي جعل ذلك أكثر صعوبة، وإغلاق الأبواب على تمرير ذلك الأمر.. وكذلك لجم شهيّة الانتهازيين لانتهاز الفرص الرخيصة، على التعامل معه وكأنه باب إجباري لا بدّ من سلوكه.. وتشجيع حيائهم على الأقل، أو حذرهم وخوفهم من غضب الناس والتاريخ.
كاتب سوري
القدس العربي
=========================
تحديث 07 كانون الثاني 2021
——————————
الانتخابات بين هدف الدستور الجديد وشبح انقسام سوريا/ د.سميرة مبيض
يسعى الاسد جاهداً للتظاهر بأن شيئاً لم يتغير في العقد الماضي من الزمن، رغم أن مسار التغيير باتت بوصلته واضحة وتصب حتماً في مصلحة شعوب المنطقة جميعها وليس فقط الشعب السوري، الا أن حالة الانفصال عن الواقع والتشبث بالسلطوية والتمسك بكرسي الحكم لازالت من سمات الاسد في توافق كامل مع المنظومة الايديولوجية التي اوصلته لهذا الموقع واوصلت سوريا لهذا الخراب.
فنراه اليوم يعمل على التحضير لانتخابات رئاسية جديدة رغم أن القرار الدولي ٢٢٥٤ ينص بوضوح أن دعم الانتخابات في سوريا مرتبط بوجود دستور جديد، هذا القرار الدولي الذي توافقت عليه جميع الدول المنضوية بالعملية السياسية السورية بما فيها حلفاء النظام وضامنيه في العملية الدستورية، ووافق عليه النظام ايضاً بانخراطه والتزامه ضمن اللجنة الدستورية التي انطلقت تحت رعاية الامم المتحدة في جنيف وفق مسار الانتقال السياسي وارتكازاً على القرار الدولي ٢٢٥٤ والمتضمن لبند ينص على دعم انتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد، على عكس ما صرح ويصرح ممثلو النظام عبر عدة منابر بأن الانتخابات لا صلة لها بالعملية الدستورية، بل هي وفق القرار المعني مرتبطة بالوصول لدستور جديد.
ذلك يعني على اقل تقدير بأن أي انتخابات تجري قبل الوصول لدستور جديد لن تكون مدعومة من الدول التي توافقت على القرار المذكور مما يعني أيضاً، نظرياً على الاقل، أن الانتخابات، إن جرت وأفضت الى انتخاب الأسد لسبعة سنين عجاف اخرى، لن تلقى الشرعية من المجتمع الدولي ولا حتى من الدول الداعمة له.
لكن ذلك لا يعني ان الاسد لن يسعى لاجراء هذه الانتخابات بل وكما اعتاد على التلاعب لنصف قرن من الزمن سيعمل، ان اتيح له الامر، على التلاعب عبر عدة احتمالات أولها هو سعيه لوضع دستور معدل كنسخة موازية لدساتير ١٩٧٣ و٢٠١٢ دون اي تغيير جذري وفعلي يسمح بانتهاء حقبة الشمولية والقمع في سوريا والاعتماد على هذه النسخة لاعادة انتخابه، رغم ان هذا السيناريو صعب التحقق لكنه من غير المستبعد ان يسعى الأسد له اذا استطاع خلق حالة من التواطؤ حول هذا السياق مع بعض اطراف اللجنة الدستورية ويحاول عبر ذلك تفادي نقض شرعية انتخاباته المزعومة.
أما في حال لم ينجح بوضع دستور معدل يعيد تأهيله واجراء الانتخابات في موعدها فقد يعمد الى المتابعة بوضعية الرأس في الرمال مدعيًا ان لا صلة تذكر بين الدستور والانتخابات ويعيد تأهيل نفسه بناء على دستور عام ٢٠١٢ وهو الدستور المصاغ ليمنحه السلطة المطلقة والابدية والمركزية بالتحكم بكافة مفاصل وسلطات الدولة، وهو بهذه الحال مهدد بعدم الحصول على شرعية للانتخابات التي سيجريها وانعدام هذه الشرعية لن يكون على الصعيد الدولي وحسب بل على الصعيد الداخلي اي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والتي تقع تحت هيمنة قوى أخرى، هذه القوى في حال عدم اعترافها بشرعية انتخابات النظام يمكنها اعتبار أن المناطق الخاضعة تحت هيمنتها قادرة على التوجه بمسارات أخرى مفتوحة لتنظيم امورها وادارتها بشكل محلي.
هذه السيناريوهات أو سواها من محاولات التلاعب وحالة الانكار السياسي المتبعة في منهج الكذب الاسدي لن تؤدي الا لترسيخ واقع انقسام سوريا، فاليوم وعلى مساحة واسعة من المناطق الخارجة عن سيطرة الاسد والتي يعيش فيها ما يقارب نصف الشعب السوري تعتبر العودة لما قبل آذار ٢٠١١ أمر لا يرد في قواميس السياسيين ولا المواطنين ولا الفاعلين في المجتمع المدني بل هو بمثابة العودة لحكم الاعدام لمن استطاع كسر حواجز السجن والنجاة بحياته.
لا انتخابات شفافة ونزيهة منذ نصف قرن في سوريا ولمزيد من المصداقية فلا شرعية لاي انتخابات جرت خلال هذه الحقبة ولا انتخابات ممكنة في العام القادم او المستقبل السوري عموماً دون عقد اجتماعي جديد ينطلق من واقع سوريا اليوم ويأخذ بعين الاعتبار متطلبات التناغم المجتمعي المطلوب ومتطلبات تحقيق الامن والاستقرار لجميع السوريين ومتطلبات الحفاظ على وحدة سوريا من منطلق عدم امكانية اي جزء منها بالاستمرارية منفصلاً عن جواره أو معادياً أو محارباً له، ثوابت علينا احترامها لنضمن السير قدماً في عملية التغيير السياسي.
دستور جديد يحقق مطالب التغيير السياسي هو الهدف الذي يضمن تحقيق مطالب الثورة السورية وعدم الالتفاف عليها من اي جهة، فلا تغيير ممكن في ظل دستور يقيد السلطة بيد جهة شمولية ويلغي وجود شعب كامل، دستور جديد يتطلب بدوره تفعيل حقيقي لعمل اللجنة الدستورية بعد تقييم وتقويم آلية عملها التي اثبتت عدم فاعلية خلال العام المنصرم ولم تفضي الا الى اوراق تدور في فلك الدساتير السابقة، دون دستور جديد اي انتخابات يجريها الاسد لا شرعية لها الا في نطاق دائرة الاسد نفسه، الدائرة التي ارتكبت جرائم انتهاك للانسانية بحق الشعب السوري وفُرضت عليها عزلة سياسية واقتصادية مُحقة، شرعية هذه الدائرة لا تتجاوز حدودها أما سوريا فستبقى تحت وطأة الدمار والمعاناة الى أن يكتب السوريون عقدهم الاجتماعي الذي يعيد لها امكانية الحياة.
موقع نواة
—————————
أحلاهما مر..نظام الأسد أمام احتمالين بعد 90 يوماً
تحدث المحامي والحقوقي السوري عبد الناصر حوشان عن احتمالين أمام نظام الأسد بعد المهلة التي منحتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اليوم.
وأعلنت المنظمة أن المهلة هي 90 يومًا لإبلاغها عن مكان إنتاج الأسلحة الكيميائية المستخدمة خلال هجوم بلدة (اللطامنة) بريف حماه في آذار/ مارس عام 2017.
ورأى حوشان أن اعتراف نظام الأسد بوجود غاز السارين والكلور سيعني أنه وضع حبل المشنـــقة على رقبته وسيكون أمام خيارات كثيرة ستفضي إلى محاسبته وجاء ذلك في في لقاء مع شبكة شام.
أما في حال أصر النظام على عدم الاعتراف فستطبق بحقه المادة 21 من قرار مجلس الأمن /2118/ لعام 2013 التي تنص على وجوب تطبيق إجراءات تحت الفصل السابع.
وثمّن حوشان هذا التحرك بقوله إن تحــــريك ملف اســـــتخدام النظام للأسلحة الكيميائية سيؤدي حتما إلى محاسبة النظام الســــــوري.
يذكر أن في أبريل/نيسان الفائت، نشر فريق تحقيق دولي تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريرًا يثبت أن نظام الأسد هو المنفذ للهجوم الكيميائي على بلدة (اللطامنة) بريف حماة الشمالي.
———————
موسكو تهيّئ الأجواء لبقاء الأسد رئيساً في الانتخابات المقبلة
رهان على تقدم «دستوري» يسابق ضرورات «المحافظة على النظام»
رائد جبر
قد يكون تبلور الموقف الروسي النهائي حيال الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا واحداً من أبرز نتائج الخلاصات التي توصلت لها موسكو على صعيد سياستها السورية مع انتهاء عام 2020 وبداية العام الجديد.
وبدا أن العام المنصرم الذي شهد جهوداً روسية نشطة للضغط على الرئيس بشار الأسد، بهدف حمله على إطلاق عملية إصلاح شاملة على الصعيد الداخلي، وإبداء مرونة كافية لإنجاح تحركات موسكو في ملفي اللجنة الدستورية وعودة اللاجئين، أسفر في النتيجة عن إعادة ترتيب أولويات التحرك الروسي في هذا البلد، بما في ذلك على صعيد العمل لتهيئة الأجواء من أجل أن يبقى الأسد رئيساً لسوريا في الانتخابات المقبلة.
قبل ذلك، كانت موسكو على مدى سنوات تؤكد على موقف واضح مفاده أن أي استحقاق انتخابي في سوريا يجب أن يجري على أساس اتفاقات بين الحكومة السورية والمعارضة وبعد تبني دستور جديد للبلاد.
هذه العبارات قالتها حرفياً الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في 2016 تعليقاً على قرار دمشق تحديد موعد انتخابات برلمانية جديدة، وأعادت التشديد عليها أكثر من مرة لاحقاً في إطار الموقف نفسه الذي يشدد على «تمسك روسيا الكامل بالاتفاقات الخاصة بمضمون ومراحل عملية التسوية السياسية للأزمة السورية، بمراعاة قرارات مجموعة دعم سوريا والقرار الدولي رقم 2254». ورأت أن ذلك «يعني أننا سنواصل الإصرار على إطلاق مفاوضات كاملة النطاق وشاملة بين السوريين في جنيف وتحت رعاية الأمم المتحدة في أقرب وقت، بغية تشكيل الحكومة السورية والمعارضة هيئة إدارة مشتركة، ووضع دستور جديد في المرحلة اللاحقة، لتجري الانتخابات العامة على أساس هذا الدستور».
لكن مجريات 2020 عكست تبدلاً صريحاً ومعلناً في الموقف الروسي حيال ملفي الانتخابات والدستور، ارتبط بالدرجة الأولى، وفق خبراء روس، بثبات الوضع الميداني ومناطق النفوذ، وتعثر إطلاق عملية سياسية جادة تكرس «الانتصارات» الميدانية التي تحققت وموازين القوة على الأرض، فضلاً عن دخول ملف العقوبات المفروضة على سوريا وخصوصاً في إطار «قانون قيصر» على خط عرقلة أي سعي لحشد تأييد دولي لإطلاق عملية إعادة الإعمار.
في هذه الظروف جاء حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دمشق خلال زيارة نادرة في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن أهمية «عدم وضع أطر زمنية مصطنعة» تربط الاستحقاق الانتخابي الرئاسي بتحقيق تقدم على صعيد عمل اللجنة الدستورية. كانت تلك إشارة واضحة إلى منح موسكو ضوءاً أخضر للنظام لاستكمال ترتيباته لإجراء الانتخابات في موعدها.
واستهلت الدبلوماسية الروسية العام الجديد بتأكيد نائب الوزير سيرغي فيرشينين على رفض موسكو ما وصفها محاولات الغرب لـ«عرقلة تحقيق تقدم سياسي، من خلال الدعوات الصادرة إلى عدم الاعتراف بالانتخابات المقبلة في البلاد». وقال إن جهود «تقويض مؤسسات الدولة السورية ما زالت متواصلة». وأوضح أنه مع تواصل عمل اللجنة الدستورية في جنيف، التي من المقرر أن تعقد الجولة الخامسة من مشاوراتها في الفترة من 25 إلى 29 يناير (كانون الثاني) الجاري، «تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول ضرورة تسريع وتيرة تبني دستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم». وشدد على أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، وقواعد عمل اللجنة الدستورية، «يفرضان بشكل مباشر، ضرورة دفع العملية السياسية، التي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، من دون تدخل خارجي أو محاولات فرض أطر زمنية مصطنعة».
لكن هذا الموقف الذي باتت موسكو تدافع عنه بقوة، وجد تفسيرات متباينة في أوساط الخبراء الروس، وبينهم من رأى أن تلك الرسالة تصب في مواجهة التحركات الغربية وخصوصاً الأميركية، بانتظار جلاء الموقف حول سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا. في حين أشار بعضهم إلى أنه «من الطبيعي أن يرد الدبلوماسيون الروس على أسئلة الصحافيين بهذه اللهجة، لأن الجواب لا يمكن أن يخرج عن الالتزام بمبدأ سيادة البلد، ونحن ما زلنا نتعامل مع السلطة الشرعية الممثلة بالنظام الحالي، ونتقيد بنص الدستور القائم حالياً»، وفق مصدر دبلوماسي روسي. وزاد هذا المصدر أنه بالتوازي مع هذه الإشارات «واصلت موسكو التأكيد على الأهمية الكبرى لتنفيذ القرار 2254، ونأمل أن تتعاون الإدارة الأميركية الجديدة في هذا الشأن، وأن تدفع الأجواء الجديدة على المستوى العربي وفي الولايات المتحدة لتحقيق تقدم حقيقي وسريع في إطار عمل اللجنة الدستورية».
في الوقت ذاته، قال لـ«الشرق الأوسط» الدبلوماسي رامي الشاعر، المقرب من الخارجية الروسية، إنه «لا يمكن تجاهل أن النظام الحالي يضم 4.5 مليون موظف، بينهم 700 ألف مسلح، ما يعني أنه القوة الوحيدة المسلحة جيداً والمنظمة حالياً في البلاد». وأضاف أنه «لا يمكن عدم التعامل مع هذا الواقع، ما يعني أن هذه القوة لا بد أن يكون لها دور في مستقبل سوريا، وأي محاولة للتغاضي عن ذلك ستعني السماح بحرب أهلية جديدة مدمرة». وأوضح أن الدبلوماسية الروسية تنطلق من تلك الحقيقة، و«من الأهمية القصوى الحفاظ على الإنجاز الأكبر الذي تم تحقيقه حتى الآن وهو تثبيت وقف النار وميل الأوضاع إلى الاستقرار في غالبية المناطق، ما يعني ضرورة أن يبقى الوضع الحالي مع النظام، حتى تنضج الأمور عند السوريين، ويتم تحقيق تقدم جدي في عملية التعديل الدستوري وإطلاق العملية السياسية، لأن البديل كارثي».
الشرق ا|لأوسط
————————–
رئيسنا الشرعي… د. محمد الأحمد*/ د. محمد الأحمد
لا شك أبداً بأن رأس النظام و المنظومة الكاملة التابعة له- ما عدا من بات يفهم بالرياضيات داخلها – يخططون لمسرحية الانتخابات القادمة، ويبحثون الآن عن كومبارسات تقبل الترشح لتخسر. و لا بد أن يفهم هؤلاء أننا نعرف بأنهم سيجدون مثل هؤلاء الذين يرتضون الذل، إلا أن هذه المنظومة كلها تعتقد أن ما تفعله هو المطلوب الأساسي لبقائها في السلطة!
في جردة حساب بسيطة نقول لهؤلاء، إننا نستطيع أن ندرك أهم نقطة قوة تظنون أنها تنجيكم دائماً من السقوط وهي القوة العسكرية والحرب، الحرب الدموية أياً كانت الجبهات.
لكن القادم حتماً على كل هذه المعادلة -وهنا نقطة الضعف الرئيسية- هو ألا تقدر قاعدة تلك القوة الغاشمة أن تشتري أيا من لوازم الحياة، وألا يستطيع حتى الضباط امتلاك مقومات العيش!. فإذا كان لسان الحال (خلي الشعب يموت من الجوع لا مشكلة)، فإن ما نسبته 80% من القوة الغاشمة التي يستخدمها النظام في ما يظنه (بلاهة) قوة ! لا تستطيع الآن شراء الغذاء والدواء وأيّا من أساسيات الحياة!، بعد أن انتهى كل ما يمكن سرقته.
ففي الجيش حصة العسكري الآن حبة بطاطا مسلوقة ونصف بيضة مسلوقة لكامل النهار! ولا يستطيع أي جندي أن يحلم ببعض ضأن أو أي من أنواع اللحوم، أن لم يأخذ من أسرته مالاً أو طعاماً، والأسر أغلبها بالويل.
وللعلم فإن جزءاً من خطة التجديد خلال ألأشهر القادمة، هو التدخل لإحداث تغيير نقدي (مرحلي خادع) في الأشهر القادمة، عن طريق ضخ كم من العملة الأجنبية في السوق لتقوية الليرة، الأمر الذي يعني أن ما سيحصل بعد (مسرحية الانتخاب) هو انهيار كبير لليرة في مشهد يشبه ما يحصل مع مدمن المخدرات الذي سيبحث عن جرعة فلا يجدها.
ومع هذا كله وضارباً عرض الحائط بكل القيم، ودون أن يفكر حتى من بوابة (دعهم يجربون غيري مع أنني من لم تلد مثله الأمهات) أو (يكفي موتاً وجوعاً) أو (21 عاماً كفاية) أو حتى (ليجربوا غيري فيعرفون روعتي)!! مع هذا كله لا شغل لهذه المنظومة إلا مسرحية مطلع الصيف الانتخابية! ولا يعرف التاريخ الحديث كله ولا علم الدول، رئيساً يترشح للرئاسة بدون حتى برنامج انتخابي، يجيب فيه عن أهم الأسئلة المتعلقة بالدولة والشعب!
مثل قضية وحدة الأرض والشعب وقضية الجوع والضنك والبرد والحرمان، وقضية إعادة بناء البلاد، مع مئات القضايا الأخرى العالقة والتي تشكل مأساة الشعب ومأساة وجود الوطن والكيان السياسي كله، فليس حتى بعض ضمير.
وكم يبلغ السخف مداه عندما نقرأ أنصار (الكارثة) بالأمس وهم يتحدثون عما يحصل في الولايات المتحدة لإظهار (تشابه ما) بين الأزمة الأمريكية، وأزمتنا ! وهم ذاتهم أشبعونا بالحديث عن المؤامرة الأمريكية علينا.
فلقد امتلأ إعلامهم حبوراً وهم يرون المتظاهرين يقتحمون (الكابيتول) في مشهد لا يعدو كونه جزءاً من حياة البشرية الجديدة، حيث سنشهد في أغلب بقاع الأرض مشاهد شبيهة، لأن ما يحصل في العالم، بات بشبه (الديموقراطية المباشرة) في اليونان القديم، حيث يجتمع الناس في ملعب كبير، ويمارسون السياسة معاً شعباً ورئاسات، ولطالما حصل عراك بالأيدي حينها ! وليس بالمدافع والطيران والبراميل، وسيرى العالم كيف تنتصر المؤسسة على الزعران، عبر الديموقراطية وقيمها.
وبالعودة إلى قضيتنا نحن كسوريين، لا بد أن نبحث عن مستقبلنا وذلك بأن نجد أولاً عصبتنا الوطنية السورية الواحدة، ومن ثم الرد على استمرار منهجية الكارثة التي يقودها النظام، ليس بانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرته، ففي هذا خطر تقسيم مستقبلي، بل بانتخابات خارج البلاد، لجميع السوريين لن نعجز عن تنفيذها بأفضل المعايير، نقوم خلالها باختيار (رئيسنا الشرعي)، وليكن رئيساً لكل حر وقف في وجه النظام الآن ومن ثم نحن على يقين مطلق، بأننا وهو سنعود إلى أجمل وأغلى أرض لنبني الحياة.
========================