سياسة

جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الاميركية والوضع في سورية والشرق الأوسط، واقتحام الكابيتول والنتائج المترتبة عن ذلك

جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الاميركية والوضع في سورية والشرق الأوسط، واقتحام الكابيتول والنتائج المترتبة عن ذلك.

كيف نقرأ اختيار أميركا لـ جو بايدن رئيسًا؟!

ترجمة علي كمخ

تتمثل المسألة الرئيسية التي ستركّز عليها إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة الأميركية، في إيقاف عجلة الخراب والدمار الذي شهدَته البلاد في السنوات الأربع الماضية. وهو ما يعني تحوّل أميركا إلى الداخل، والبدء بعملية إعادة البناء الداخلي.

هذه انتخابات رئاسية ليس لها شبيه في التاريخ الأميركي. وعلى الرغم من عدم وقوفنا على نتائج قطعية للانتخابات؛ فإن العالَم (ومن ضمنه تركيا بالطبع) ظلّ طوال خمسة أيام حابسًا أنفاسه منتظرًا ما ستسفر عنه هذه الانتخابات.

من حيث النتيجة، استخدمَت أميركا أصواتها الانتخابية لمصلحة الديمقراطيين، أي مع جو بايدن وكامالا هاريس (أوّل امرأة أميركية، كنائب رئيس، سوداء من أصول آسيوية جنوبية)، حيث شهدت هذه الانتخابات سابقات لم يعرفها التاريخ الانتخابي الأميركي من قبلُ؛ إذ بلغ عدد المشاركين في الانتخابات الحد الأقصى حتى الآن: نحو 150 مليون ناخب، فيما حطم المرشح الرئاسي بايدن الرقم القياسي بحصوله على ما يقرب من 74 مليون صوتًا.

في هذه الانتخابات، لم يكن الأميركيون ينتخبون رئيسَهم فحسب، بل كانوا يتخذون قرارهم لتحديد مستقبلهم ومستقبل البلد الذي يريدون أن يعيشوا فيه. لذلك، استخدمت وسائل الإعلام عناوين كـ “الخيار الأميركي” و”انتخابات أميركا”، في وصفها للانتخابات. وبعيدًا من الانتخابات، شاهدنا خيارًا يتعلق بالمستقبل والمصير. اختارت أميركا الديمقراطيين؛ ففاز الثنائي بايدن – هاريس، هذا صحيح، ولكننا في الأصل شاهدنا انتخابات هُزم فيها ترامب، إذ إن هذا الخيار كان يريد في جوهره أن يقول: توقفْ يا ترامب!

ويبدو أن ترامب غير قابل بالنتائج، وهناك من الجمهوريين من يقف خلفه.. فهم لا يرغبون في ترك السلطة والنفوذ. ولكن آمل عندما تعلن “هيئة الانتخابات” النتائج النهائية، في 12 كانون الأول/ ديسمبر، أن يتصرف بما يمليه القانون والأخلاق. وبهذا تكون بداية العهد الرئاسي لـ بايدن الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، قد اكتسبت في 20 كانون الثاني/ يناير عام 2021 الصفة الرسمية في البيت الأبيض.

أميركا؛ منقسمة، ممزقة، متضعضعة، فاقدة لفاعليتها!

أدخلت فترة ترامب الرئاسية، التي امتدت أربع سنوات، أميركا في عملية تخريب وفشل، شملَت مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. فبعد الهزيمة الكبيرة أمام وباء كورونا، مرت فترة الأربع سنوات في أميركا كحقبة أخذت فيها العنصرية بعدًا منهجيًا، وتعمقت مشكلات البطالة وانعدام الأمن وعدم الاستقرار. ولوحظ مدى ضعف وعجز المؤسسات الموثوقة، وبدأ يظهر استخدام مفهوم “الدولة المنهارة” لإدارة الدولة، وتعززت فكرة أميركا المنقسمة إلى شطرين، في العديد من الكتب والمقالات الجادة. وبإمكاننا القول إن عهد ترامب أحدث “تخريبًا” مدمرًا، في جميع مجالات الحياة، ظهر في خمس نقاط على الأقل:

أولًا؛ دخلت أميركا في عهد ترامب مرحلة استقطاب غير مشهودة، تحوّلت إلى عملية هدامة بشكل لا يمكن تصوره. ولم يحدث هذا الاستقطاب في البعد السياسي فقط، بل سرى في المجالات الاجتماعية وحتى “العاطفية” أيضًا. فقد وضعت الثنائيات والمعارضات بصمتها على السنوات الأربع الأخيرة في أميركا التي انقسمت إلى قسمين: “أميركتين.. واشنطنين.. هويتين”، (قادة لا يصغون إلى بعضهم البعض.. حتى إنهم يكرهون بعضهم البعض.. وسائل إعلام منقسمة في الهوية والعواطف والآراء والمواقف)، وكان ترامب الزعيمَ الذي غذى الاستقطاب وحرّض على الانقسام.

ثانيًا، أضعفت سنوات حكم ترامب الأربع مبادئ “فصل السلطات” و”استقلالية القضاء” و”أهمية المؤسسات واستقلالها”، ومبدأ “الجدارة تسبق الولاء”، بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما نسميه بـ “نظام الضوابط والتوازنات”. وباتت أميركا تشهد يومًا بعد يوم حالة تردي المبادئ والمفاهيم التي تقول: “إن للنظام أولوية على مصالح الفاعلين ويجب حمايته”، والتي كانت تتفاخر بها دائمًا. وبالوقوف حتى ضد حزبه، أراد ترامب أن يحكم أميركا بالكامل، انطلاقًا من فكر الزعيم ورأي الزعيم والولاء للقائد.

ثالثًا، إن التناقض في السياسة الخارجية الأميركية، في ظل رئاسة ترامب وتحركاتها الموجهة تمامًا من محور القائد، وكذلك “ضعف قدرة الدولة” الأميركية في المجال الطبي خلال فترة (كوفيد -19)، ألحقا أضرارًا جسيمة بالقيادة العالمية لأميركا، وبتأثيرها العالمي. وقد عانت أميركا في هذه المرحلة انحدارًا كبيرًا، في محور النفوذ والخطاب والرضا والقوة المغيرة، أو لنقل: في محور القوة الناعمة والصلبة، على صعيد الهيمنة العالمية، وتعززَت في منطقة شاسعة تمتد من الصين إلى روسيا.. ومن فرنسا إلى ألمانيا.. ومن إيران إلى تركيا، النظريةُ القائلة “باقتراب نهاية القيادة الأميركية العالمية في مواجهة القوى العالمية والإقليمية”.

رابعًا، ساهم عهد ترامب في المقياس العالمي في تسريع العملية التي حدثت تحت عناوين “الركود الديمقراطي”، و”الديمقراطية الاستبدادية”، و”الشعبوية الاستبدادية” أو “الاستبداد التنافسي”. وقد أسدى ترامب، من خلال الإشارة إلى عصر القادة الأقوياء، وعهد الزعماء، وسياسة القادة، وما إلى ذلك من رسائل، خدمةً كبيرة لتعزيز وانتشار مفهوم السياسة التي انتهجها القادة الذين تميزوا واختلفوا حتى عن الأحزاب التي ينتمون إليها. ولهذا السبب، فإن إعادة انتخاب ترامب كانت ستسرع من وتيرة موت الديمقراطية على مستوى العالم، والفكرة التي مفادها أن عدم انتخاب ترامب سيسهم في تعزيز احتمالات “إعادة الدمقرطة” قد زادت من أهمية هذه الانتخابات على الصعيد العالمي.

خامسًا، كشفت رئاسة ترامب عن ظاهرة وتصور مختلف لـ “البيت الأبيض”، إلى درجة لم يسبق لها مثيل قبل عهد ترامب. إذ ظهر “بيت أبيض” يعمل بشكل منغلق على نفسه.. على خلاف مع مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام.. مقتصر على الزعيم وبالولاء له أولًا، وبعلاقته بوسائل التواصل الاجتماعي، بعيد كل البعد عن العمل والتعاون مع مراكز الفكر والمجتمع المدني، في حالة تغيير دائمة حتى لطاقمه القريب. حيث كشفت الكتب والمقالات والبيانات التي أدلى بها موظفون مقربون من ترامب، بعد استقالتهم أو طردهم، أن البيت الأبيض الذي يُعدّ أحد أهم مؤسسات النظام الأميركي يعيش حالة خراب كبير.

في هذه المجالات الخمسة الحساسة، أحدث عهد ترامب دمارًا كبيرًا وتصدعًا خطيرًا في السياسة العالمية والسياسة الداخلية. إذ باتت أميركا وجهًا لوجه مع مشكلات وأخطار كـ “الاستقطاب الهدام” و “أميركا المنقسمة إلى نصفين” و “التقويض المؤسسي المنهجي” و”فقدان القيادة العالمية” و”موت الديمقراطية الأميركية” و “انهيار البيت الأبيض”.

هذه هي الأجواء التي أجريت فيها الانتخابات! وانتخبت أميركا الديمقراطيين، واختارت رئاسة بايدن، لحلّ هذه المشكلات الخطيرة. أتفقُ مع التعليقات العامة التي قالت: “إن بايدن لم يفز بالانتخابات.. ترامب هو من خسر”. لكن أميركا قالت كلمتها بأن أوقفت ترامب وإدارته، والفهم السياسي الذي يمثله. ولهذا السبب، لن يكون من السهل أبدًا في عهد بايدن تحقيق النجاح في البداية، فهو سيطلق عملية تهدف إلى تصحيح الخراب الذي أحدثه ترامب، وإعادة بناء أميركا على أسس المنظومات والمؤسسات.

توحيد أميركا وشفاؤها

تركّز خطاب بايدن -في التصريح الذي أعلن فيه فوزه في الانتخابات- وتأسس على هاتين العبارتين: التوحيد والشفاء. فهل ستنجح أميركا في معالجة مشكلة الاستقطاب المدمّر؟ وهل يمكن تحقيق الوحدة والانسجام الاجتماعي في ظل الاختلافات القائمة؟ وهل سيتحقق النجاح في مكافحة (كوفيد-19)؟ وهل ستبدأ المعركة ضد العنصرية المنهجية؟ وهل ستكون هناك حلول لمشكلات البطالة وانعدام الأمن وعدم الاستقرار؟ باختصار: هل سيكون ثمة إمكانية للعودة عن الانحدار الذي حدث في كل مجال، والتماثل للشفاء؟

يبدو ذلك صعبًا جدًا. صحيح أن ترامب قد خسر، لكن السياسات التي يمثلها والموجهة إلى الاستبدادية والشعبوية والاستقطاب و”شيطنة المعارضة.. وبعبارة مختصرة: سياسة وظاهرة “الترامبيزم“، ما زالت مستمرة. فأميركا تحتاج إلى العودة من الاستقطاب المدمّر داخلها إلى الوضع الطبيعي، وإعادة تقوية المؤسسات ونظام الضوابط والتوازنات، ودعم التعاون بين مؤسساتها. وعليها إعادة تأسيس “الديمقراطية القادرة على الإدارة”، وعليها أيضًا، في سياق العلاقات الدولية والسياسة العالمية، العملُ لاستعادة موقعها الريادي العالمي مرة أخرى، أو على الأقل الاحتفاظ بموقع مقبول نفوذًا وتأثيرًا. وهذا يعني أن هناك مرحلة صعبة، نسبة احتمالات النجاح فيها ليست عالية، بانتظار بايدن!

إن أول عمل ستقوم به إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة الأميركية، سيكون موجهًا إلى إيقاف عجلة الخراب المدمر الذي شهدته البلاد خلال السنوات الأربع الماضية. وهو ما يعني تحول أميركا إلى الداخل والبدء بعملية إعادة البناء وترتيب البيت الداخلي.

فقد رسم ترامب، بأخطائه ومناوراته غير المتسقة، في السياسة الخارجية لوحة هزيلة لأميركا في العالم متعدد الأقطاب، فبدأ تأثيرها في القضايا والتحديات العالمية والإقليمية يضعف تدريجيًا. إضافة إلى تدهور العلاقات بين أميركا وكل من أوروبا والمؤسسات الدولية وعطالتها في هذه المرحلة. فحقبة ترامب التي اختزلت السياسة الخارجية في العلاقات ما بين القادة والقادة، خلفت أضرارًا جسيمة على صعيد الهيمنة الأميركية وسياستها الخارجية، وكذلك في أفكار الغرب والتحالف عبر الأطلسي أيضًا. إن مبادرات إعادة بناء القيادة الأميركية، على الصعيدين العالمي والإقليمي (والتي تفتقر إلى فرص النجاح الكبيرة في الوقت الراهن) تفرض تحسين العلاقات مع الدول والمؤسسات النشطة والصديقة، سواء في الميدان أو على الطاولة أو في التصور.

مختصر الكلام: إن إدارة بايدن-هاريس مضطرة إلى إعادة تأسيس الدور الأميركي العالمي البنّاء، من خلال النجاح في محور الوحدة والتعافي والديمقراطية القادرة على الإدارة في الداخل، وبالانتقال من البنية السياسية التي تختزل العلاقات الخارجية بين القائد – القائد، إلى مفهوم السياسة التي تعطي الأولوية للدبلوماسية والقيم والتحالفات والمؤسسات، خارجيًا.

وعند هذه النقطة، تبدأ المعضلة الحقيقية لرئاسة بايدن، فقد يتعرض إلى فقدان فاعليته الداخلية بينما هو يحاول التركيز على الخارج. وقد يفقد تأثيره الخارجي، بينما يولي تركيزه على الداخل. أيْ إن على بايدن أن ينتهج أسلوب إدارة يقوم على “التركيز على الداخل دون انغلاق، وأن يكون استباقيًا في الخارج دون نسيان الداخل”. إننا نتحدث عن أسلوب عمل، يظهر طبيعة النشاط البناء ويهتم بالداخل والخارج معًا: بايدن تنتظره مرحلة صعبة، النجاح فيها غير مضمون.

العلاقات التركية-الأميركية

حسنًا، كيف ستسير العلاقات التركية-الأميركية في مرحلة رئاسة بايدن؟ يبدو أنها ستكون سلبية، وهذا أمر واقعي! فمن الصعب القول إن هذه العلاقات السلبية أصلًا ستتغير مع مجيء بايدن. ومع ذلك؛ أعتقد -على الرغم من كل المشكلات والسلبيات التي تعتري هذه العلاقات- أن رئاسة بايدن ستكون أكثر فائدة لتركيا، من ولاية ترامب الثانية.

ستستمر السلبية في العلاقات التركية-الأميركية، في السنة الأولى من ولاية بايدن على الأقل. كان الرئيس أردوغان بلا شك يفضل استمرار ترامب في الرئاسة. إذ لم يكن الرئيس من بين القادة المهنئين الأوائل بفوز بايدن.. مع أنه شكر ترامب من أجل العلاقات خلال السنوات الأربع الماضية. وإننا نعلم -من الكتب والتصريحات التي صدرت عن الدائرة المقربة من ترامب- أن الرئيس ترامب كان أكثر إعجابًا وتأثرًا بالرئيس أردوغان من بين القادة. إذ إن الزعيمين يودان بعضهما، وعلاقتهما رائعة، بغض النظر عن السبب! فهما يريدن حل المشكلات العالقة فيما بينهما. فكلا الزعيمين لا يحبذ آليات الضوابط والتوازنات، ولا يؤمن كثيرًا بدور المؤسسات، بل يتبنيان مفهومًا في السياسة الخارجية مختزلًا بشخص القائد، ويعتبران أن الولاء للقائد يأتي بالدرجة الأولى في الأهمية.

فقد اختزلت العلاقات التركية-الأميركية، في السنوات الأربع الماضية، بعلاقة الزعيمين “أردوغان – ترامب”. لكنني أود التأكيد أن هذا النهج لم يأتِ في الفترة المذكورة بفائدةٍ، لا لتركيا ولا لأميركا أيضًا. بل على العكس من ذلك، ساهم في أن تغدو روسيا والصين من الدول ذات النفوذ الواسع على ساحة الهيمنة الإقليمية. ودخلت العلاقات التركية-الأميركية، في فترة رئاسة ترامب، في دوامة سلبية مؤسساتيًا واجتماعيًا، فكانت أسوأ فترة في تاريخ هذه العلاقات. فبوصول ردة الفعل المعادية لأميركا، على صعيد المجتمع والدولة، في تركيا إلى أبعاد خطيرة، لم تسع أميركا للتقارب من تركيا مطلقًا كدولة صديقة تربطهما علاقات تحالف، في أي قضية كانت؛ من مسألة فتح الله غولن إلى المسألة السورية.. ومن قضية شرق المتوسط إلى ليبيا.

وأثقل الإهانات التي وُجّهت إلى تركيا كانت من ترامب، عبر خطاباته وتعليقاته. لذلك، قد تمنح ولاية بايدن تركيا فرصة إعادة النظر في سياستها الخارجية التي وصلت إلى طريق مسدود، وتجديدها. فتركيا هي أيضًا تحتاج، كما أميركا، إلى عملية ترميم في الداخل والخارج، فعند مباشرة أميركا برئاسة بايدن، بإطلاق عملية إعادة البناء والتحسين في سياستها الداخلية والخارجية، ستتبنى أسلوب حركة يعتمد على نقاط:

أولًا، على التعاون بين القيادة والمؤسسات، لا على القائد فقط.

ثانيًا، على تعزيز علاقاتها مع أوروبا.

ثالثًا، على التعامل في العلاقات الإقليمية والعالمية، انطلاقًا من شعار تعددية الأطراف، وليس الأحادية.

ورابعًا، على أسلوب التحرك الذي يرتكز على الإدارة العالمية، من منطلق محور “الدولة الوطنية- المؤسسات الدولية والمجتمع المدني”.

إن هذا الأسلوب رباعي الأبعاد سيأتي مضادًا للفهم السياسي الخارجي الذي يحمل شعار الأحادية، المختزل بعلاقة ترامب-أردوغان. إلى جانب أن سياسة تركيا الخارجية، يمكنها أن تستفيد من هذا التضاد، فتعود إلى “القواعد والمؤسسات القائمة على التعددية” التي ستعود بالفائدة عليها. وإن ولاية بايدن قد تخلق هذه الفرصة، لأن بايدن يعرف تركيا جيدًا، منذ مدة طويلة. وسيسير بالعلاقات مع تركيا في فترة ولايته، عبر الذين يعرفون تركيا عن كثب؛ إذ ستبرز إلى الواجهة في هذه المرحلة كوادر تعرف تركيا جيدًا، كمستشار بايدن للسياسة الخارجية أنتوني بلينكين، وسوزان رايس، وويليام بيرنز، ونيكولاس بيرنز، وفيليب جوردان، وأماندا سلوت. ومراكز الفكر والأبحاث القريبة من الديمقراطيين (Brookings, Carnegie, Center for American Progress)، كمركزي بروكينغز وكارنيجي، ومركز التقدم الأميركي، ولا شك في أن القرار بيد من يدير تركيا.. وسنرى!

اسم المادة الأصلي Amerika’nın Joe Biden Tercihi Nasıl Okunmalı?

الكاتب فؤاد كيمان- FUAT KEYMAN

المصدر وتاريخ النشر موقع بريسبيكتيف أونلاين- prespektif online 11.11.2020

رابط المادة https://bit.ly/36Sz4dQ

المترجم قسم الترجمة- علي كمخ

مركز حرمون

————————-

بايدن في سوريا ولبنان/ مهند الحاج علي

يدور العديد من النقاشات حول التغيير المرتقب في السياسة الأميركية بالمنطقة بعد تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، وهو نائب للرئيس السابق باراك أوباما وسيناتور لسنوات طويلة. بإنتظار اختيار الرئيس المنتخب فريقه في السياسة الخارجية، بالإمكان الاستناد الى ملاحظات أو خطوط أساسية سيكون لها تأثير خلال الفترة المقبلة.

أولاً، سيتراجع الشرق الأوسط في قائمة أولويات الإدارة الأميركية المقبلة. ذاك أن المنطقة لعبت دوراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية نتيجة استثمار إسرائيلي-عربي في الإدارة السابقة وصقل علاقات متينة معها. هذا لن يتواصل، بل من الواضح أن ما بدأه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، من تراجع في المنطقة، سيُعاود حضوره خلال الفترة المقبلة. لا يعني ذلك انسحاباً أميركياً كاملاً، لكن الإدارة المقبلة لن تنشغل بحياكة عقوبات على ايران وحزب الله كل شهر أو حتى كل أسبوع، كما جرت العادة خلال السنتين الماضيتين. لكن ذلك قد يتغير في حال فرضت دولة فاشلة أو أزمة أو حرب نفسها على الأجندة الأميركية.

ثانياً، هناك سياسات عابرة للأحزاب، أشبه بعناوين عامة، مثل دعم الجيش اللبناني وفرع المعلومات، مواصلة الضغط على “حزب الله” ومحاولة احتوائه، الاستمرار في شرق سوريا، ولو ضمن أعداد صغيرة. الموقف من العملية السياسية في سوريا، والتمسك بمرحلة انتقالية، هذه السياسات ستستمر، وهذا واقع يتعايش معه بعض الساسة، مثل وزير الخارجية الحالي جبران باسيل.

ثالثاً، هناك العلاقة بإيران وبروسيا، كمؤثر مباشر في التعاطي مع الملفين السوري واللبناني. الإدارة المقبلة، رغم أنها أعلنت نيتها العودة إلى الاتفاق النووي مع الجانب الإيراني، ستُفاوض وستعمل بجد للوصول الى اتفاق أفضل. ذاك أن هناك متغيراً مهماً في السياسة الأميركية الداخلية، علينا أخذه في الاعتبار. لن يخرج الرئيس الحالي دونالد ترامب من البيت الأبيض الى اعتزال السياسة. الرجل مصمم على العودة للرئاسة من بوابة المظلومية التي صاغها، ومن خلال نقد سياسات الإدارة المقبلة وتبيان اخفاقاتها بشكل متواصل. لذا، من المتوقع أن تأخذ إدارة بايدن هذا النقد السياسي المتواصل واحتمالاته في الاعتبار، مع العودة للاتفاق الإيراني.

بالنسبة للدور الروسي، سيكون لأي توتر بين واشنطن وموسكو انعكاس على السياسة الأميركية في لبنان على سبيل المثال، حيث هناك تنسيق بين روسيا وفرنسا لتطبيق المبادرة الفرنسية. المبادرة معنية ليس بدعم قوى الاحتجاج البديلة، بل بإعادة انتاج النخبة السياسية بشروط اقتصادية ومالية. لهذا قد نرى موقفاً مغايراً لإدارة بايدن، وتشدداً قد نرى فيه استمراراً لسياسة نبذ الطبقة السياسية. إدارة ترامب نبذت الطبقة السياسية اللبنانية وعزلتها بصفتها امتداداً لنفوذ “حزب الله”. بايدن سيواصل السياسة ذاتها، حتى لو بحدة أقل وبعنوان آخر هو دعم الديموقراطية والقوى البديلة في لبنان. السياسة لن تختلف جذرياً، لكن العنوان مختلف وأقرب للمثل الأميركية ومقاربة الرئيس المنتخب وحزبه.

وأخيراً، نسمع مقتطفات عن “ندم” من الفريق الأوبامي في إدارة بايدن، ومنهم طوني بلينكن المرشح لأحد منصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي. بلينكن يتحدث بوضوح عن ضرورة عدم تكرار أخطاء أوباما في سوريا. كما قد يكون ترامب أو الفريق الجمهوري الممثل له بالمرصاد لأي تلكؤ لإدارة بايدن في هذا المجال. لهذا السبب، من المتوقع أن لا تتساهل إدارة بايدن مع أي استئناف للقتال في سوريا. وهذا يتطلب دعماً لتركيا وتعاوناً معها في سوريا خلال الفترة المقبلة، لكن مع الحفاظ على توازن العلاقة بالأكراد.

في نهاية المطاف، لن تختلف السياسة الأميركية كثيراً. لم تعد العقوبات مهمة بالقدر ذاته، إذ استنزفها الرئيس ترامب لدرجة لم تعد معها فاعلة. إلا أن إدارة بايدن ستبني على أي فوائد حملتها السياسة الأميركية في العهد السابق، ولن تُسارع الى نقدها دون تفكير.

باختصار، قد لا يتغير الكثير العام المقبل، وقد يعي المنتظرون في المنطقة، ومنهم “حزب الله” وحلفاؤه وخصومه في لبنان، أن كثيراً من الوقت قد ضاع، ومعه فرص محلية لا تُعوض.

المدن

————————–

بايدن وشطرنج الشرق الأوسط/ علاء بيومي

منذ الفشل الذي منيت به في حرب العراق، وتحديدا منذ عام 2005، والولايات المتحدة حريصةٌ على رفع يديها تدريجيا من لعبة الشرق الأوسط عالية التكلفة. ولولا النفط وإسرائيل لأهملت أميركا المنطقة كثيرا. ولكن حفاظا على تدفق النفط وعلاقتها القوية بإسرائيل، قرّرت أميركا تخفيف وجودها أو رفع يديها تدريجيا عن المنطقة تخففا من أعباء التدخل العالية، وفي مقدمتها الحروب والصراعات المزمنة. وهي سياسةٌ بدأت مع جورج دبليو بوش، والذي دعا بقوة إلى التركيز على اكتشافات النفط الصخري الداخلية، لتقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. واستمرت مع خلفه الرئيس أوباما، والذي دعم الربيع العربي بخجل، قبل أن يغض الطرف عن الثورة المضادة. وترسخت مع الرئيس ترامب، والذي طالب بعض دول الخليج علانية بتحمّل تكاليف الحماية الأميركية بشراء مزيد من أسلحة بلاده، واستثمار عائدات النفط فيها. كما حرص ترامب على سحب القوات الأميركية من سورية والعراق، ولم ينسَق إلى حرب في إيران، على الرغم من كل استفزازاته العلنية لها واغتياله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إذ حرص على عدم الدخول في صراع مسلح جديد في المنطقة، مفضلا سلاح العقوبات الاقتصادية. وهي استراتيجية يُتوقع استمرارها مع الرئيس المرتقب، جو بايدن، والذي يعاني داخليا أكثر من سابقه، حيث يرث بلدا منقسما بشدة، تنتشر فيه نظريات المؤامرة، وتقتنع فيه نسبة لا بأس بها من اليمينيين المتشدّدين بأنه فاز بالتزوير أو سرق الانتخابات. كما يرث بايدن تبعات جائحة كورونا، واقتصادا يعاني، وتحالفاتٍ دولية تحتاج لترميم، ومنافسة اقتصادية وسياسية أكبر مع الصين.

سيرث بايدن أيضا رقعة شطرنج شرق أوسطية أشد تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما منذ أربع سنوات. خلال حكم ترامب، عزّزت روسيا وجودها في سورية وتوغلت في ليبيا، وزوّدت تركيا بمنظومات دفاع جوي متقدمة، وتعاونت معها في أكثر من ملف شرق أوسطي. كما توغلت الصين أكثر في الشرق الأوسط من خلال استثماراتها وقروضها، كما هو الحال في مصر. وخلال السنوات الأربع الأخيرة أيضا، زاد الدور الذي تلعبه دول الثورة المضادّة الخليجية، كالإمارات السعودية، في البلدان العربية المختلفة، حيث توغلت هاتان أكثر في حرب اليمن، وعملتا على تقسيم البلد من خلال دعم قوى الجنوب الانفصالية. كما فرضت هذه الدول (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) حصارا على قطر، ودعمت حرب اللواء المتقاعد المتمرد، خليفة حفتر، على طرابلس، وتقاربت مع إسرائيل، وقام بعضها بالتحالف العلني معها، كما استمرّت هذه الدول في هجومها على قوى التغيير والديمقراطية في المنطقة، وفي دعم النظم الاستبدادية، والتي رسخت حكمها بشكل كبير. في الوقت نفسه، قوت قطر وتركيا من تحالفيهما، وبات للقوات التركية قاعدة عسكرية في قطر. هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه تركيا في سورية وليبيا، وفي الصراع على موارد الطاقة شرق المتوسط. وهذا يعني أن بايدن سيواجه برقعة شطرنج جديدة، وأكثر تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما.

وقبل اللعب أو محاولة تغيير رقعة الشطرنج، لا بد أن يبدأ بايدن بترميم تحالفاته، وخصوصا مع الدول الأوروبية التي تريد العودة، قدر الإمكان، إلى رقعة عام 2016 من خلال استعادة الاتفاق النووي مع إيران، والوحدة الخليجية، وحل الدولتين في فلسطين، والخطاب الداعم للحريات والديمقراطية، والتأكيد على الاستقرار ووقف الحروب الأهلية التي تجتاح المنطقة.

ولعل قطعة الشطرنج الأكبر التي سيحاول بايدن تحريكها هي استعادة الاتفاق النووي مع إيران. وهي خطوة لن تكون سهلة بأي حال، فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق، ضاعفت إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصب اثنتي عشرة مرة، ورفعت نسب التخصيب، وربما نقلته إلى مواقع جديدة، كما تتهمها الوكالة الأممية، هذا بالإضافة إلى توسّع المليشيات المتحالفة مع إيران في سورية واليمن، وترسيخ أقدامها هناك. لذا لا بد وأن يساوم بايدن إيران على الملفات السابقة، وأن يحاول تهدئة مخاوف دول الخليج وإسرائيل. ولا شك في أن عودة (أو إعادة) دمج إيران دبلوماسيا، وانفتاح إدارة بايدن عليها، سوف يؤثران على ملفات كثيرة، في مقدمها الحرب في اليمن التي انتقدها بايدن بقوة. وربما ترحب دول التحالف السعودي الإماراتي نفسها بوضع حد لها بسبب تكاليفها الباهظة وصعوبة حسمها. وهذا يعني أن المنطقة قد تشهد نشاطا دبلوماسيا مكثفا لإعادة دمج إيران من ناحية، ووضع نهاية لحرب اليمن، وحلحلة الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية، وتحقيق بعض الاستقرار والاستقلالية في العراق، وربما التخفيف من حدّة الأزمة السورية، وكذلك التأثير على الأزمة الخليجية نفسها، فمن شأن التقارب الدبلوماسي بين أميركا وإيران التأثير على ملفات عديدة، وإعادة توزيع موازين القوى الإقليمية.

سيحاول بايدن كذلك وقف التمدّد التركي في الإقليم والحدّ منه، وفكّ التقارب الروسي التركي، وسيواجه بتحالف تركيا مع روسيا، وبرغبة دول أوروبية، كألمانيا، بعدم خسران تركيا والحفاظ على التحالف معها. كما سيواجه أيضا بالتمدّد الكبير الذي حققته تركيا في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، بفضل الانسحاب الأميركي نفسه، والذي ترك مساحات فراغ واسعة، وبفعل سياسة الرئيس أردوغان التي لا تتردّد في المواجهة. وقد يدفع التفاوض الأميركي مع تركيا إلى حلحلة بعض الملفات، كالأزمتين، الليبية والسورية، وربما أيضا الأزمة الخليجية، حيث سيطالب الأتراك بايدن بالضغط على الأطراف الأخرى في هذه الأزمات لتقديم تنازلات مماثلة.

سيسعى بايدن أيضا إلى العودة إلى اللغة الدبلوماسية الدولية، وحل الدولتين للقضية الفلسطينية. وربما يعيد افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ويستأنف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، ويحاول الوقوف ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ولكنه قد لا يحاول إعادة بث الروح في مفاوضات السلام نفسها، والتي عجزت عن التقدم منذ أوائل التسعينيات.

ومن شأن عودة بايدن إلى الخطاب الأميركي المطالب بالديمقراطية والحريات في المنطقة، وخصوصا بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها إلى النظامين، السعودي والمصري، خلال حملته الانتخابية، أن تساعد في حلحلة المواقف الداخلية في عدة دول، ودعم الأصوات المعارضة وتخفيف الضغوط المفروضة على النشطاء السياسيين والحقوقيين. ولا بد أن يواجه بايدن معارضة قوية من تلك النظم وتهديدات بالتقارب أكثر مع روسيا والصين، ومحاولات لاستخدام العلاقة مع إسرائيل، والتقارب معها كورقة للضغط على بايدن وسياساته.

وهذا يعني أن الرئيس الأميركي الجديد سوف يواجَه بشرق أوسط أكثر تعقيدا وتشابكا، ونظمٍ توسعت كثيرا خلال عهد ترامب، تسعى إلى تعظيم مصالحها، ولن تتردد في مساومة الولايات المتحدة على مختلف الملفات، وفي مقدمها العلاقة مع إيران والاستقرار الإقليمي والديمقراطية. ولكن ذلك لا يعني ان إدارة بايدن ستقف عاجزةً بلا تأثير، فتدخلها في مختلف الملفات، وفي مقدمها الملف الإيراني، سيوجد مساحاتٍ واسعة للغاية للعمل والتغيير، فإعادة دمج إيران تكفي وحدها لتحريك مياه كثيرة راكدة في أكثر من ملف رئيسي في المنطقة. وهذا يعني أن رقعة شطرنج الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات هامة وعديدة، وأن الفرصة متاحة أمام مختلف القوى لتعظيم مصالحها. ولعل في هذا دعوة إلى الدول والجماعات المعنية بالإصلاح السياسي في المنطقة لإعادة تنظيم صفوفها، والتفكير في سبل تعظيم مكاسبها.

سوف يستمر بايدن في استراتيجية الانسحاب التدريجي من المنطقة، ولن يخوض صراعاتٍ مكلفة، ولكنه لن يقف صامتا أمام ما يحدث، ولا بد أن يتدخل لتحريك ملفات عالقة، في مقدمها الأزمة الإيرانية. وسيؤدي التحرّك الأميركي إلى إيجاد مساحات وفرص جديدة للحركة. ويبقى السؤال الأهم هو عن مدى استعداد مختلف القوى لتعظيم مصالحها، مستفيدة من تحرّكات بايدن المتوقعة؟

العربي الجديد

—————————–

بدايات متواضعة لمقاومة “جمهورية لترامب”/ هشام ملحم

يتعرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لنكسات شبه يومية في محاكم لجأ إليها في عدد من الولايات التي خسرها في الانتخابات، وطالبها بتعطيل أو نقض النتائج، مدعيا وجود عمليات تزوير خلال الاقتراع أو فرز الأصوات.

ولكن اعتماده هو وحملته على نظريات المؤامرة و/أو اتهامات غريبة مثل القول إن فرز أصوات الناخبين في ولاية ميتشغان “يتم في ألمانيا من خلال شركة فنزويلية يملكها حلفاء لرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو وسلفه هيوغو شافيز” الذي توفي في 2013، جعل هذه الدعاوى موضع انتقادات لاذعة وتأنيب محرج من القضاة والحقوقيين.

وعلى الرغم من رفض المحاكم لعشرات الدعاوى والطعون التي لا تدعمها الأدلة، لا يزال ترامب وفريقه القانوني، الذي يتقلص عدده باستمرار، يصرون على المضي على هذا الطريق المسدود. ولكن ما يجعل جهود ترامب وفريقه خطيرة هو أنها، إضافة إلى انها تشكك بجوهر صدقية قوانين الانتخابات الأميركية ونزاهتها، قد نجحت، حتى الآن على الأقل، في وقوف معظم قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، ومعظم الحكام الجمهوريين وراء محاولات الرئيس ترامب لتحدي نتائج الانتخابات في المحاكم، ورفضه التعاون مع الرئيس المنتخب جو بايدن، خلال المرحلة الانتقالية الحساسة.

ويوم السبت مني ترامب وحملته بنكسة قضائية كبيرة حين رفض قاض فدرالي في ولاية بنسلفانيا طلب حملة ترامب عدم التصديق على نتائج الانتخابات في الولاية التي فاز بها المرشح الديمقراطي بايدن. وتضمن قرار القاضي الذي جاء في 37 صفحة نقدا لاذعا للحملة “التي استخدمت حججا قانونية مختلقة ودون أساس واتهامات تخمينية”.

وقال القاضي، ماثيو بران، “في الولايات المتحدة هذه (الحجج) لا يمكن أن تبرر إلغاء صوت ناخب واحد، فكيف يمكن الادعاء بأنها كافية لإلغاء أصوات الناخبين في سادس أكبر ولاية” في البلاد. وأظهر الفرز النهائي للأصوات في بنسلفانيا أن بايدن تفوق على ترامب بأكثر من 81 ألف صوت. وسوف تصدق الولاية رسميا على هذه النتائج، اليوم الاثنين.

وعلى الرغم من أن الرأي السائد في الأوساط الحقوقية والسياسية هو أن هذه المحاولات العبثية من المستحيل أن تغير أو تقلب نتائج الانتخابات، فإن ترامب، الذي لا يزال يحظى بدعم عدد كبير من المشرعين الجمهوريين، يريد مواصلة هذه التحديات في محاولة يائسة لإيصالها إلى المحكمة العليا، حيث يعتقد أن الأغلبية المحافظة فيها سوف تحكم لصالحه، وهو أمر مستبعد أيضا.

ويرى العديد من المحللين السياسيين والمسؤولين في حملة الرئيس المنتخب، أن ترامب يدرك استحالة سرقة الرئاسة من بايدن، إلا أنه يريد إطالة فترة انعدام اليقين خلال الفترة الانتقالية الهامة، لإضعاف الرئيس المنتخب حتى قبل دخوله إلى البيت الابيض. ولا يزال ترامب يرفض السماح للأجهزة الحكومية التنسيق مع فريق الرئيس المنتخب، ما يعني حرمان بايدن وفريقه من الحصول على المعلومات الضرورية والقيمة، لكي يبدأ مهمته الرئاسية بطريقة فعالة فور إدلائه بقسم اليمين ظهر العشرين من يناير المقبل. وهذا يعني عمليا حرمان الرئيس الجديد وفريقه من الاطلاع على قضايا عديدة، مثل ما تخطط له الأجهزة المسؤولة عن تلقيح ملايين الأميركيين ضد فيروس كورونا، أو آخر التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد وخاصة في مناطق النزاعات العسكرية مثل أفغانستان والعراق، وآخر مستجدات العلاقات الاقتصادية والسياسية المتوترة بين الولايات المتحدة والصين.

ما يفعله الرئيس ترامب في هذا المجال غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الأميركية، وهذا يسرى على الرؤساء العشرة الأميركيين الذين أخفقوا في التجديد لأنفسهم لولاية ثانية. جميع هؤلاء الرؤساء تعاونوا مع المرشحين الذين هزموهم خلال الفترة الانتقالية.

ترامب يحاول إساءة استخدام القضاء الأميركي، واللجوء إلى أساليب الترهيب والترغيب للضغط على المسؤولين الجمهوريين المحليين في الولايات التي لم يفز بها، للالتفاف على قوانين هذه الولايات ورفض إرادة الناخبين فيها. هذه الأساليب شملت الاتصال شخصيا بهؤلاء المسؤولين واستدعاء بعضهم إلى البيت الأبيض للضغط المباشر عليهم لتعديل أو نقض نتائج الانتخابات.

وهذا ما فعله يوم الجمعة، حين استدعى مسؤولين جمهوريين من ولاية ميتشغان من بين أعضاء الفريق الذي سيصدق على نتائج الانتخابات إلى البيت الأبيض. ولكن المسؤولين أصدرا بيانا بعد اجتماعهما بالرئيس ترامب أكدا فيه أنهما لا يعلمان بأي انتهاكات يمكن أن تغير من نتائج الانتخابات، وأنهما سوف يلتزمان بقوانين الولاية، ما يعني أن جهود ترامب لتقويض انتخابات ميتشغان وصلت إلى طريق مسدود. وكان المسؤول (الجمهوري) عن إدارة الانتخابات والتصديق عليها في ولاية جورجيا قد تعرض لضغوط كبيرة من قادة الحزب في الولاية لكي لا يصدق على النتائج التي لم تكن لصالح الرئيس ترامب، ولكنه رفض هذه الضغوط وانتقدها علنا، كما ندد بتهديدات القتل التي وصلته.

وفور صدور قرار القاضي الفدرالي بدحض دعوى حملة ترامب في بنسلفانيا، أصدر السناتور الجمهوري عن تلك الولاية، بات تومي، بيانا جاء فيه أن ترامب “قد استنزف كل خياراته القانونية لتحدي نتائج الانتخابات في بنسلفانيا”. وبعدها هنأ السناتور تومي الرئيس المنتخب بايدن ونائبته كمالا هاريس على فوزهما، وأثنى على سجلهما في الخدمة العامة. وختم تومي بيانه بالقول “على الرئيس ترامب أن يقبل بنتائج الانتخابات، وأن يسهل عملية الانتقال الرئاسي”.

دعم معظم القادة الجمهوريين لتحديات ترامب القانونية، تظهر مدى السيطرة الكبيرة التي فرضها ترامب على الحزب الجمهوري خلال السنوات الماضية، كما تعكس خوف العديد من المشرعين الجمهوريين من تحدي أو انتقاد ترامب علنا، لأن ذلك سيعرضهم لردود فعله الانتقامية، مثل التجريح بهم عبر شبكة تويتر أو دعم منافس جمهوري ضدهم في الانتخابات الحزبية.

وحتى الآن هنأ خمسة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الرئيس المنتخب بايدن على فوزه، ويعتبر السناتور مت رومني (ولاية يوتاِ) من أبرزهم وأكثرهم شجاعة في انتقاد جهود ترامب لتقويض الديموقراطية الأميركية. ويوم الخميس الماضي أصدر رومني بيانا شجب فيه محاولات ترامب للتلاعب بنتائج الانتخابات جاء فيه ” من الصعب تخيل أسوأ خطوة، وأقلها ديمقراطية يتخذها رئيس أميركي، لفرض ضغوط علنية على المسؤولين المحليين في الولايات لتقويض إرادة الشعب”. وخلال الأسبوعين الماضيين، رفض عدد من المسؤولين الجمهوريين في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وميتشغان وجورجيا الخضوع لضغوط حملة الرئيس ترامب أو أنصاره لتأخير الإعلان عن نتائج الانتخابات أو رفض التصديق عليها، الأمر الذي عرضهم لانتقادات من جمهوريين آخرين، وحتى إلى تهديدات باستخدام العنف ضدهم.

حتى الآن لا يزال هؤلاء يشكلون أقلية في الحزب الجمهوري، ولكن مع اقتراب الولايات القليلة التي فاز بها الرئيس المنتخب بايدن مثل بنسلفانيا وميتشغان وأريزونا من التصديق الرسمي على نتائج الانتخابات، سوف تتبخر فرص ترامب في تحدي صدقية الانتخابات في المحاكم، وسوف تنحسر معها قدرته على ترهيب المسؤولين الجمهوريين في الولايات. هذه التطورات سوف تفرض بدورها ضغوطا جديدة على المشرعين الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، لقبول شرعية انتخاب الرئيس بايدن ونائبته كمالا هاريس، والبدء بالابتعاد عن الرئيس ترامب الذي عزل نفسه في الأسبوعين الماضيين في البيت الأبيض للتفرغ إلى جهود تعطيل وتقويض نتائج الانتخابات.

هذا لا يعني أننا سنرى رفضا جمهوريا هاما لدونالد ترامب حتى عندما يصبح رئيسا سابقا، لأن نفوذه في صفوف الناخبين الجمهوريين سوف يبقى كبيرا. وسوف يشير ترامب إلى حصوله على حوالي 74 مليون صوت في الانتخابات على أنه تأكيد كبير على شعبيته الواسعة في الحزب والتي سيترجمها في السنوات المقبلة، لتحدي وإضعاف خلفه الرئيس بايدن، ولكن أيضا لصيانة نفوذه وعائلته في الحزب الجمهوري وترهيب منافسيه من داخل الحزب.

موقع الحرة

———————–

فريق بايدن والضغط على تركيا/ محمود سمير الرنتيسي

بعد إعلان فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية بدأ المحللون والمختصون بالشأن التركي في مراجعة مواقفه سواء خلال فترتي أوباما من 2009 وحتى 2016 أو بعد ذلك خلال حملته الانتخابية، ومع أهمية ذلك وخبرة بايدن في التعامل مع تركيا فإنه من المهم الاطلاع أيضاً على الفريق المحيط ببايدن لفهم مواقفهم أيضاً فيما يتعلق بتركيا.

عند المرور على كامالا هاريس مرشحة بايدن لمنصب النائب فهي تبدو أقرب للتركيز على الشأن الداخلي، من قبيل مواضيع تطبيق القانون وقضايا العنصرية ومكافحة الجريمة ومع ذلك فقد أبدت بعض المواقف التي تفهم على أنها ليست صديقة لتركيا. ومنها تأييدها لإدانة تركيا في ملف مذابح الأرمن.

ولعل الأهم من هاريس فيما يتعلق بتركيا هو فريقه للسياسة الخارجية وتحديداً للشرق الأوسط وهنا يأتي أنطوني بلينكن مستشار بايدن للسياسة الخارجية في المقدمة، وسوف نركز في السطور القادمة على مواقف بلينكن الذي عمل أيضاً بجوار بايدن في إدارة أوباما ورافق بايدن في زياراته لتركيا.

يبدو بلينكن من خلال تحليل محتوى خطابه مدركاً للمخاطر الأمنية التي تتعرض لها تركيا فقد تفهم التوتر التركي بسبب الصراع في سوريا والذي وصف أنه تسبب “بأسوأ أزمة نزوح بشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”. يبدو بلينكن متفهماً لتهديد حزب العمال الكردستاني لتركيا حيث وصفه بالتهديد الإرهابي الخطير، وغير المبرر.

على الجانب الآخر يقر بلينكن بضرورة التعامل مع التصور القائل بأن تركيا والولايات المتحدة تتباعدان وتتبعان نماذج مختلفة من الحكم والقيادة.

يتعامل بلينكن مع تركيا بدبلوماسية احترافية عندما يقول “لدينا نصيب من الخلافات ولكننا نناقشها بصراحة كما يفعل الشركاء ونحن نقف إلى جانب صديقتنا تركيا وحليفتنا في الناتو ونشجعها على ضمان حماية سيادة القانون والحريات الأساسية”.

اعتبر بلينكن في حديث له في 2016 أن المحاولة الانقلابية كانت إهانة مؤسفة للشعب التركي وقد كان بلينكن زار مقر البرلمان التركي الذي تم قصفه في ليلة انقلاب 15 تموز وأبدى تأثره من الوضع. علماً أن بلينكن كان قد رافق بايدن في زيارته لأنقرة قبل 6 أشهر من الانقلاب والتي أثارت بعض علامات الاستفهام.

يتفق بلينكن مع الرأي القائل بضرورة العمل عن كثب مع تركيا في مواجهة داعش في كل من سوريا والعراق والإشادة بدور تركيا في التصدي للتهديد على حدودها ومشاركة المعلومات حول هويات المقاتلين الأجانب. ولكن مع تراجع تهديد داعش لم تعد هناك أهمية كبيرة لمثل هذا التعاون.

ولكن بالرغم من هذا يدرك بلينكن أن النجاح في تدمير داعش بالكامل يتطلب حل الحرب الأهلية في سوريا، وهنا فإن بلينكن يعتقد أن الحروب الأهلية تنتهي إما بانتصار أحد الطرفين وهذا غير مرجح حالياً أو عندما يستنفد الطرفان وهذا يحتاج وقتاً طويلاً أما الثالثة فتكون بتدخل القوى الخارجية لكنه يمكن أن يصب الزيت على النار ويمد في عمر الصراع. ولذلك يريد أن يكون تدخل تركيا في إطار الجهود الأميركية وفي الحقيقة هو يلقي باللوم هنا أكثر على نظام الأسد وروسيا.

مع كل هذا اختفى الوجه الدبلوماسي لبلينكن في حديث له مع إحدى المؤسسات الأميركية في بداية فترة ترامب عندما انتقد مستشار الأمن القومي حينها مايكل فلين بأنه يمثل المصالح التركية وليس المصالح الأميركية وألمح إلى أنه قد يكون يعمل لصالح تركيا.

قد يكون بلينكن أحد الأسماء المرشحة لمنصب وزير الخارجية أو مستشار الأمن القومي وهذا يشير إلى أنه مهما بدا دبلوماسيا ومنصتاً للأخير فستكون مهمة تركيا صعبة معه.

من الأسماء المحيطة ببايدن أيضا تأتي سوزان رايس وهي اسم مرشح لوزارة الخارجية أيضاً وكانت مستشارة الأمن القومي من 2013 إلى 2017 وعملت سفيرة في الأمم المتحدة وباحثة في بروكنجز وقد كان أوباما يريد أن يعينها وزيرة للخارجية في 2012.

لعل أبرز النقاط التي تربطها بتركيا هي إحباطها لمبادرة تركيا والبرازيل في 2010 لاتفاق نووي مع إيران. فضلاً عن أن شخصية رايس تعرف بأنها مواجهة و”معتدة” فإن مهمة تركيا معها أيضاً لن تكون سهلة.

من بين الأسماء السفير السابق في اليونان نيكولاس بيرنز وتربطه علاقات بأعضاء من تنظيم غولن لم يقم بقطعها بعد المحاولة الانقلابية بل عمل على تأكيدها من خلال نشر الصور وهذه تعتبر نقطة استفزازية جداً لدى الحكومة التركية.

لم تتضح بعد أسماء وزراء بايدن للخارجية والدفاع ومبعوثه للشرق الأوسط وسفيره إلى أنقرة ولكن يبدو من خلال السيرة الذاتية للأسماء المرشحة أن مهمة تركيا لن تكون بالسهلة.

لعل أبرز مثال على الطريقة التي سيتعامل بها بايدن وفريقه مع تركيا هو ما عبر عنه مستشار آخر للسياسة الخارجية وهو مايكل كارنتر الذي قال، إن الولايات المتحدة لا تسعى لانهيار الاقتصاد التركي عن طريق حشر تركيا في الزاوية أو فرض العقوبات عليها بل هناك طرق أخرى للضغط على تركيا لتغيير سلوكها. يشير كل ما سبق إلى أنَّ الضغط سيكون الكلمة المفتاحية في علاقة تركيا مع إدارة بايدن وسيرتفع درجة درجة وصولاً للعقوبات طردياً مع تحدي أنقرة لمطالب الإدارة.

تلفزيون سوريا

باحث متخصص بالشأن التركي

——————————–

سياسة بايدن في الشرق الأوسط بكلماته الشخصية: فهم الأولويات للإدارة الجديدة/ منقذ داغر

انقسمت شعوب منطقتنا مرة أخرى حول الانتخابات الأميركية التي جرت مؤخراً. فالمساندون لترامب يعتقدون أن بقاءه سيضمن تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة وربما إسقاط النظام نفسه. أما المناصرون لبايدن، فهم يرون أن إزاحة ترامب سيفيد القضية الفلسطينية ويقوّي “محور” المقاومة (إيران، وسوريا، وحزب الله) من خلال رفع العقوبات المفروضة على إيران، والعودة للاتفاق النووي. والخبر السيء لكِلا الفريقين انهما سيصابان بالإحباط من سياسة بايدن في المنطقة، كما لا يبدوا انه سيكون هناك تغييرات كبيرة في موقف الإدارة الامريكية المقبلة من ملف مكافحة الإرهاب وتواجد القوات الامريكية في المنطقة.

أن أفضل من يمكنه توقع سياسة بايدن الخارجية هو بايدن نفسه، حيث نشر الرئيس المنتخب مقالاً في مجلة الشؤون الخارجية، في ربيع هذه السنة لخص فيه سياسته الخارجية إذا تم انتخابه. جاء المقال تحت عنوان (لماذا يجب على أمريكا أن تقود ثانيةً، إنقاذ سياسة أميركا الخارجية بعد ترامب).

وتحليلي هذا سيستند غالباً على ما قاله بايدن في هذا المقال، فبقدر ما يبدو من مقالته، فإن سياسة بايدن الخارجية ستستند إلى مجموعة معينة من المبادئ. لكن يجب التنبيه أولا الى أن ذِكرْ هذه المبادئ لا يعني إيماني أنها ستطبق كما قالها حرفياً، فبايدن هو أحد أنصار المدرسة البراغماتية ويؤمن بالواقعية. لذلك هو يبتدأ مقاله بالقول أن ” الرئيس القادم عليه أن يتعامل مع الواقع كما هو عليه في عام 2021، ويحاول لمّ شتات ما خلفته الرئاسة السابقة”.

سياسة بايدن الخارجية واضحة

سيسعى بايدن الى إعلاء قيم الديمقراطية والليبرالية كمحور للعلاقات مع الدول الأخرى، حيث كتب قائلا، “كرئيس سأقوم بخطوات فورية لتجديد الديمقراطية الأميركية وحلفاءها، فقد أدى انتصار الديمقراطية والليبرالية على الفاشية والاستبداد إلى خلق عالمًا حرًا “. ومن الواضح أن إدارة ترامب ستجعل معيار تطبيق الديمقراطية أساسا حاكماً في علاقاتها مع الدول. لذا يمكن توقّع سياسات تدخلية في الدول التي ستصنف أنها معادية للديمقراطية، على هذا الأساس. إن الدول التي تشهد مزيداً من الاحتجاجات والمظاهرات (كالعراق ولبنان وإيران) عليها أن تتوقع ضغوط أمريكية أكبر مستقبلاً، وان تطبيق مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد سيكون مفتاح علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وقد كان بايدن واضحاً في ذلك حين قال: “من هونغ كونغ إلى السودان، ومن تشيلي إلى لبنان، يذكّرنا المواطنون، مرّة أخرى، بالتوق المشترك إلى الحكم الرشيد، والبغض العالمي للفساد الذي وصفه بأنه “وباء خبيث، يؤجّج القمع، ويقوّض كرامة الإنسان، ويزود القادة الاستبداديين بأداة قوية لتقسيم الديمقراطيات وإضعافها في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن ترامب ينتمي إلى الفريق الآخر، ويأخذ كلام المستبدّين بينما يظهر ازدراء الديمقراطيين، من خلال ترؤسه أكثر الإدارات فسادًا في التاريخ الأميركي الحديث، فقد منح الرخصة للفاسدين في كل مكان”.

السياسة لا الاقتصاد هي من ستقرر سياسية بايدن الخارجية، حيث تميزت حقبة ترامب بتقديم الاقتصاد ومنافعه على السياسة ومبادئها. أما بايدن فأن سياسته الخارجية ستقوم على اعتبار مبادئ السياسة-كما يؤمن بها-هي التي تقود لازدهار اقتصادي، لذا فهو يقول “أن الديمقراطية هي ليست أساس المجتمع الأمريكي بل هي أساس قوة أمريكا. أنها تعزز من قيادتنا للعالم لإبقائه آمناً. أنها المحرك الأساس الذي يقود الاقتصاد المزدهر”.

وهذا لا يعني بالضرورة إهمال الاقتصاد بل يعني كما يعتقد بايدن ازدهار اقتصادي أكبر لكن من خلال مقاربة مختلفة قوامها العولمة من جهة والسياسة التي تعزز دور الطبقة الوسطى والإبداع من جهة أخرى. وفى هذا الصدد، كتب بايدن قائلا (أن إدارتي ستهيأ أمريكا للتقدم في مجال الاقتصاد الدولي مع تركيز السياسة الخارجية على تعزيز دور الطبقة الوسطى. وللفوز بالمنافسة الاقتصادية مع الصين، لذلك، يجب على الولايات المتحدة شحذ قدرتها الابتكارية وتوحيد القوة الاقتصادية للديمقراطيات حول العالم لمواجهة الممارسات الاقتصادية التعسفية وتقليل عدم المساواة”. واضح أن المنافسة مع الصين ستكون لها أولويه أيضا في عهد بايدن لكن من خلال مقاربة مختلفة تقوم على مبادئ الليبرالية والقيادة بالإبداع، وليس مبادئ سياسات الحماية والحرب الاقتصادية.

وتمشيا مع هذا النهج الأقل عدائية، ستقود الولايات المتحدة العالم من خلال العولمة لا الأمركة. لقد قامت سياسة ترامب على شعار أميركا أولاً والذي ترجمته إدارته بمزيد من الإجراءات الإغلاقية. لذا فقد تلقت العولمة ومبادئها ضربة قاسية على يد ترامب. ويبدو الحال معكوس تماماً في زمن بايدن الذي يبشر بالعودة الى السياسات الأميركية المعولمة والتي تقود فيها الولايات المتحدة المنظومة الدولية بدلاً من التنكر لتلك المنظومة والانسحاب من منظماتها واتفاقاتها الواحدة تلو الأخرى. وفى هذا الإطار يقول بايدن “أجندتنا الخارجية ستركز على عودة أمريكا إلى المقدمة من جديد لتعمل مع الشركاء والحلفاء لتعزيز العمل المشترك ضد التهديدات الدولية… إعادة تحالفاتنا القديمة وتعزيز دور الولايات المتحدة في الناتو. أن دور أمريكا في الناتو مقدس ويكمن في قلب وصميم الأمن القومي الأمريكي”.

من المتوقع أن تأخذ الدبلوماسية الأولوية وفقا لنهج العولمة الذي يتبناه بايدن، حيث انتقد الإفراط في استخدام إدارة ترامب للقوة الخشنة المتمثلة بقوتها العسكرية. وفي الوقت الذي لا يستبعد فيه بايدن استخدام القوة العسكرية كإحدى أدوات السياسة الخارجية فهو يشدد على إيلاء الدبلوماسية القدح المعلى في السياسة الخارجية لذا فهو يقول ” لقد اعتمدت سياسة ترامب الخارجية على التفوق العسكرية وبشكل وحيد وإهمال عناصر القوة الامريكية الأخرى واهمها إهمال دور الدبلوماسية”.

لكن على الرغم من تركيز بايدن على أهمية التواصل والدبلوماسية العالمية، إلا أن حديثة عن عودة أجواء الحرب الباردة كان لافتاً في أكثر من موقع في مقاله على روسيا باعتبارها (تحت قيادة بوتين) مناهضة لكل القيم التي يؤمن بها. وإذا أخذنا بالاعتبار دعم بايدن وأبنه لأوكرانيا فيمكن أن نفهم هذا التشدد في موقفه تجاه روسيا والذي يعيدنا الى أجواء الحرب الباردة وتداعياتها.

ومن ثم، يؤكد بايدن على أهمية إعادة النشاط لحلف شمال الأطلسي ودور أميركا في قيادته وهذا ما يتناقض مع السياسة التي اتبعها سلفه طيلة السنوات الأربع الماضية. وفى هذا الإطار، كتب بايدن قائلا” يجب فرض كلف وتبعات حقيقية على روسيا لانتهاكها المعايير الدولية ونقف مع المجتمع المدني الروسي…إن بوتن يحاول إقناع نفسه والأخرين أن فكرة الليبرالية قد انتهت صلاحيتها، لكنه يفعل ذلك لأنه يعلم أنها أكبر تهديد لسلطته”. كما أكد بايدن على(قدسية) دور حلف الناتو الذي تأسس لمجابهة التهديد السوڤيتي كدليل آخر على احتمال العودة لأجواء الحرب الباردة. ويبدو أن روسيا تعلم ما ينتظرها في عهد بايدن لذا نجد أنها (والصين أيضا) من بين دول قليلة لم تبارك لبايدن فوزه بالانتخابات.

خلاصة القول فأن السياسة الخارجية لأمريكا في عهد بايدن ستتحرك في مثلث متساوي الأضلاع رسمه بايدن لنفسه: “أن أولويات السياسة الخارجية الأميركية سيحكمها مدى التزام أي دولة في مجالات ثلاث هي: مكافحة الفساد، محاربة الحكم التسلطي، وتعزيز حقوق الإنسان داخل وخارج تلك البلدان”.

بايدن والشرق الأوسط

يبدو أن ملفات الالتزام بالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد (بالمفاهيم البايدنية) ستحكم سياسته في الشرق الأوسط أيضا. لذا وعلى الرغم مما قاله لي أحد مستشاري حملة بايدن بخصوص الشرق الأوسط من إنه لن يعير أهمية كبرى لهذه المنطقة وأنها لن تكون في قمة أولوياته، أقول بالرغم من ذلك، ومما لا شك فيه أن الملفات أعلاه ستحظى باهتمام واضح بخاصة في تلك الدول التي ستشهد عودة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدها خريف2019 وشتاء 2020 وأقصد بها العراق، ولبنان وإيران، والتي ربما تنضم لها دول أخرى مستقبلاً. وستتعرض تلك الدول لضغوط أمريكية متزايدة لضمان حرية التعبير ومكافحة الفساد ومراعاة حقوق الأنسان.

إضافةً لذلك فقد ركز بايدن في مقاله على أربع ملفات مهمة له في المنطقة هي: مكافحة الإرهاب، أمن إسرائيل، إيران، والعلاقة مع السعودية.

سيبقى القضاء على التنظيمات المتطرفة في قمة أولويات السياسة الخارجية الامريكية. ونظراً للعلاقة التي ستتحسن بين أوربا وأمريكا فيتوقع ألا يقل اهتمام إدارة بايدن بمحاربة القاعدة وداعش عن أسلافه، لكن وفق مقاربة عسكرية يعتقد بايدن أنها أكثر ذكاءً. “يجب إعادة معظم قواتنا من أفغانستان والشرق الأوسط وإعادة تعريف مهمتنا هناك وبشكل أضيق لتكون دحر القاعدة وداعش … إن بإمكاننا أن نكون أقوياء وأذكياء في ذات الوقت. هناك فرق كبير بين إرسال وحشد قوات عسكرية كبيرة ولمدى مفتوح وبين استخدام بضع مئات من القوات الخاصة والاستخبارات لدعم شركاءنا المحليين ضد عدونا المشترك”.

واضح من هذا النص أن بايدن لن ينشر أي قوات إضافية في المنطقة بل انه سيستمر في سياسة ترقيق القوات الأميركية التي بدأها سلفه. ولا تبدو سياسة بايدن مختلفة عن ترامب، فهو أيضا يميل الى الاحتفاظ بأعداد قليلة من القوات الخاصة وجهد استخباري أمريكي يمكنه أن يساعد الشركاء المحليين على محاربة التنظيمات المتطرفة.

أما في الملف الإسرائيلي، فأن بايدن مصنف تقليدياً بأنه واحد من أكثر الساسة الأمريكان تشدداً في الدفاع عما يعتقده أمن إسرائيل. لذا فقد شدد على ذلك بوضوح في مقاله حين قال “يجب التشديد على حماية أمن إسرائيل”. لذا فأن الفرح الذي أظهره كثير ممن يُسمَّون بأنصار (محور المقاومة) لا يبدو مبرراً إطلاقاً. ولا يبدو أن الإدارة الجديدة ستكون اقل حماساً تجاه إسرائيل من سلفها. لذا نجد أن نتنياهو وبرغم علاقته الممتازة مع ترامب كان من بين أوائل من هنئوا بايدن بفوزه. وان الأنباء الراشحة من حملة بايدن تشير الى عدم وجود نية لدى الإدارة الجديدة للعودة عن قرار نقل السفارة الامريكية الى القدس وهو القرار الذي كان يعتبره أنصار (محور المقاومة) أكبر دليل على انحياز إدارة ترامب لإسرائيل.

أما في الملف الإيراني فيبدو بايدن عازماً على إعادة الحياة للاتفاق النووي لوقف سعي إيران لامتلاك سلاح نووي وهو ما يعتقده أولوية قصوى لإدارته، حيث قال “وكرئيس للولايات المتحدة، سأجدد التزامنا بالحد من التسلح في عهد جديد. حيث كان الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما-بايدن قد منع إيران من الحصول على سلاح نووي. ومع ذلك، وبتهور شديد انسحب ترامب من الاتفاق، مما دفع إيران إلى إعادة تشغيل برنامجها النووي وأصبحت أكثر استفزازاً، مما زاد من خطر اندلاع حرب كارثية أخرى في المنطقة، … يجب أن تعود طهران إلى الامتثال الصارم للاتفاق “.

ومع ذلك يجب الانتباه الى أن استئناف المفاوضات سيكون مهمة صعبة مع إيران في عام 2021، فقد يطالب المفاوضون الإيرانيون قبل بدء المفاوضات برفع جميع العقوبات الأمريكية، حتى تلك التي لا علاقة لها ببرنامجها النووي والتي تتعلق بالإرهاب والفساد وحقوق الإنسان وقضايا أخرى. وقد تكافح إدارة بايدن للتعامل مع مثل هذا الطلب وذلك في ظل تأكيدها المستمر على حقوق الإنسان.

كما ستكافح إدارة بايدن أيضًا لإحداث أي تأثير على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو أنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وذلك على الرغم من الخطر الكبير الذي تشكله هذه التهديدات. وفى ظل بيئة عدم الثقة الذي تشوب العلاقات بين البلدين، سيتعين على الإدارة الجديدة التعامل مع كل هذه القضايا. وحتى لو أثمرت الجهود المبذولة عن التوصل لاتفاق مبدئي بين الطرفين إلا أن هناك عقبة كأداء متوقعة وهي إصرار الجانب الإيراني هذه المرة على أخذ ضمانات من إدارة بايدن بان الاتفاقية لن يتم إلغائها من قبل أي رئيس أمريكي قادم. وحتى لو وافقت إدارة بايدن على هذا الطلب فأن ذلك سيتطلب بالتأكيد موافقة الكونغرس الذي يسيطر فيه الجمهوريون على مجلس الشيوخ مما يجعل موافقتهم شبه مستحيلة.

الملف السعودي. يبدو واضحاً أن بايدن لديه مواقف سلبية مسبقة من السعودية تتمحور حول ملفي حقوق الإنسان والحرب في اليمن. فقد ذكر بايدن في احدى المقابلات أثناء حملته الانتخابية انه سيجعل السعودية تدفع ثمن اغتيالها الصحفي جمال خاشقجی، لذا اعتبرت خطيبة خاشقجی أن فوز بايدن هو هدية من السماء لتحقيق العدالة في مقتل خطيبها. كما أن بايدن انتقد في مقاله الحرب التي تقودها السعودية ضد اليمن وقال (ويجب أن نوقف دعمنا للسعودية في حربها في اليمن.

مع ذلك وبناءً على الواقعية التي يؤمن بها بايدن فأن من المثير رؤية ما إذا كانت إدارته ستضحي بتحالفها الممتد لقرن من الزمن مع السعودية فضلاً عن مصالحها الاقتصادية الهائلة من أجل الانتصار للمبادئ التي يؤمن بها بايدن!! هذا فضلاً عن الدور المحوري الذي تقوم به السعودية الآن في تطبيع العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل وبناء تحالف جدي ضد إيران. هذا الدور سيضع بالتأكيد كوابح مهمة على أي تفكير لاتباع سلوك أمريكي متشدد في مواجهة السعودية. ويبدو أن إدراك السعودية لعمق المصالح المتبادلة مع أميركا، ودورها المحوري في المنطقة هو الذي دفعها لتكون من بين المهنئين لبايدن على الرغم من علاقاتها المميزة مع ترامب، والتذكير في برقية التهنئة بالتحالف القائم بين البلدين لقرنٍ من الزمن.

ختاماً، وعلى الرغم من أن من المبكر إعطاء حكم نهائي على سياسة إدارة بايدن في العالم، لكنها وان كانت ستشهد تغييرات كبيرة في ملفات دولية أساسية، فأنها لن تشهد على الأرجح، تغييرات كبرى في الملفات الأساسية الثلاث في الشرق الأوسط (مكافحة الإرهاب، أمن إسرائيل والملف الإيراني). أما فيما يخص السعودية فيبدو أننا سنشهد مزيجاً من الواقعية السياسية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان عند التعامل مع هذا الملف.

الدكتور منقذ داغر هو مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعضو مجلس إدارة مؤسسة جالوب الدولية.

———————————-

السياسة الخارجية لإدارة بايدن .. المقاربة الفكرية والملامح الرئيسة

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مع حسم المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن، سباق انتخابات الرئاسة الأميركية، على الرغم من رفض المرشح الجمهوري، الرئيس دونالد ترامب، الاعتراف بالهزيمة حتى الآن، وتشكيكه في نتائجها، فإن “الرئيس المنتخب” سيجد نفسه يوم تنصيبه، في العشرين من كانون الثاني/ يناير 2021، أمام مهمة صعبة تتطلب إعادة بناء مكانة الولايات المتحدة واستعادة صدقيتها ونفوذها العالمي.

مقاربة بايدن للسياسة الخارجية وأولوياتها

قدّم بايدن الإطار العام لسياسته الخارجية في ورقة موسعة نشرها في مجلة فورين أفيرز في نيسان/ أبريل 2020، بعنوان: “لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى: إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب”. وبحسبه، فإن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تملك الإمكانات العسكرية والاقتصادية والمنظومة القيمية، فضلًا عن القدرة على حشد “العالم الحر”، لقيادة العالم. ولكن هذا يتطلب أولًا أن تستعيد صدقيتها ونفوذها بين خصومها وحلفائها على السواء. وتؤكّد مقاربة بايدن أن نهج ترامب الفوضوي وغير المنسجم في السياسة الخارجية، وفشله في دعم المبادئ الديمقراطية الأساسية حول العالم، قادا إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة، وقوّضا تحالفاتها الديمقراطية، وأضعفا قدرتها على الحشد لمواجهة هذه التحدّيات. واتهم ترامب بالتخلي عن الحلفاء وإظهار الضعف أمام الخصوم؛ ما أضرّ بقدرة الولايات المتحدة على مواجهة تحدّيات الأمن القومي إزاء كوريا الشمالية وإيران وسورية وأفغانستان وفنزويلا وغيرها. كما اتهمه بشن حروب تجارية غير حكيمة، ضد أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء، على نحوٍ أضرَّ بمصالح الشعب الأميركي. ويرى أيضًا أن التحدّيات التي تواجه الولايات المتحدة والعالم، من تغير المناخ والهجرة الجماعية إلى التهديدات السيبرانية والأمراض المعدية، أصبحت أكثر تعقيدًا وإلحاحًا، وسيكون على الرئيس القادم إنقاذ السمعة الأميركية، وإعادة بناء الثقة بقيادتها، لمواجهة التحدّيات الجديدة في أسرع وقت.

أما في سياق الدفاع عن المصالح الحيوية الأميركية، فعلى الرغم من أن بايدن يشدّد على أنه لن يتردّد في استخدام القوة العسكرية عند الضرورة لـ “حماية الشعب الأميركي”، فإن ذلك يجب أن يكون الملاذ الأخير، وليس الأول، “حيث تستخدم القوة للدفاع عن مصالحنا الحيوية فقط عندما يكون الهدف واضحًا وقابلًا للتحقيق، وبموافقة الشعب الأميركي”. وبناء على ذلك، يؤكّد أن إدارته ستوقف الدعم “للحرب التي تقودها السعودية في اليمن”، لأنها لا تقع ضمن أولويات الولايات المتحدة.

ويرى بايدن ضرورة إنهاء “الحروب الأبدية” في أفغانستان والشرق الأوسط التي كلفت الولايات المتحدة دماءً وأموالًا كثيرة، والتركيز بدل ذلك على مهماتٍ عسكريةٍ محدّدة، بأعداد قليلة من القوات الخاصة، وبتقديم معلومات استخباراتية ودعم لوجيستي لقوات حليفة للتصدّي لخطرَي تنيظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش). ويشدّد على أن الولايات المتحدة مطالبةٌ بأن تركز على مكافحة الإرهاب، ولكن المراوحة في صراعاتٍ لا يمكن كسبها يستنزف القدرة الأميركية على القيادة في قضايا أخرى تتطلب اهتمامها، ويمنعها من إعادة بناء أدوات القوة الأخرى. ويدعو إلى تعزيز الدبلوماسية بوصفها أداةً لقيادة الحلفاء، عبر مؤسسات دولية، وتحالفات، كحلف شمال الأطلسي (الناتو)، “وتعزيز التعاون مع الشركاء الديمقراطيين خارج أميركا الشمالية وأوروبا، والوصول إلى شركائنا في آسيا لتعزيز قدراتنا الجماعية ودمج أصدقائنا في أميركا اللاتينية وأفريقيا”. ويرى أن الولايات المتحدة تحت إدارته ستعود إلى ممارسة دورها بوصفها قوة رائدة في إرساء قواعد العلاقات الدولية، وصياغة الاتفاقات، وتنشيط المؤسسات التي تضبط العلاقات بين الدول وتعزز الأمن الجماعي والازدهار.

ملامح متوقعة

بناء على هذه المقاربة الفكرية، يتعهد بايدن بالعودة إلى الانخراط الفعال في الملفات الدولية المهمة، ولكن هذا يتطلب أولًا إصلاح العلاقة مع الحلفاء، وتحسين صورة الولايات المتحدة واستعادة “قوة النموذج” الذي تمثله. ومن ثمّ، ستعيد إدارته التشديد على أهمية حلف الناتو، ضمن مساعيها لاحتواء روسيا، مع الإصرار على ضرورة زياد أعضائه لإنفاقهم الدفاعي. كما ستعود واشنطن إلى الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية اللتين انسحبت منهما إدارة ترامب. وستتبع إدارته نمطًا مختلفًا من العلاقات مع الأنظمة التي تصفها واشنطن بالاستبدادية، وهذا يشمل دولًا، مثل مصر والسعودية، وسيكون هناك تركيز من جديد على حقوق الإنسان والحريات. ولكن من غير الواضح إلى أي مدىً سوف تذهب في هذا المجال، وكيف ستوازن بين النقد والضغط في هذه المجالات والعلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء؟ وهل ستكتفي بقلب سياسة ترامب، أم أنها ستستفيد أيضًا من أخطاء إدارة باراك أوباما؟ وسوف تعود الإدارة إلى التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ضمن المقاربة التقليدية الأميركية القائمة على حل الدولتين. وسيلغي بايدن أيضًا قرار حظر سفر مواطني دول إسلامية إلى أميركا الذي وقّعه ترامب.

هناك أربعة ملفات رئيسة قد تطرأ تغييرات تجاهها أيضًا في سياسة الولايات المتحدة:

القضية الفلسطينية

لا يُخفي بايدن انحيازه المطلق لصالح إسرائيل، وينصّ الجزء الخاص في برنامج سياسته الخارجية صراحة على “التزام صارم بأمن إسرائيل”. كما أن البرنامج الوطني للحزب الديمقراطي رفض وصف الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بـ “المحتلة”، على الرغم من أنه يتحدث عن حل الدولتين. ولكن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ستجد نفسها مع ذلك أمام مقاربةٍ مختلفةٍ عن التي اعتادت عليها في عهد ترامب. ويشمل ذلك العودة إلى السياسة التقليدية للولايات المتحدة التي تقوم على أن أي حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ينبغي أن يكون تفاوضيًا، ويقوم على معادلة “الأرض مقابل السلام”، وحل الدولتين.

وكانت إدارة ترامب عملت خلال السنوات الأربع الماضية على محاولة حسم قضايا الصراع المركزية، مثل القدس واللاجئين والسيادة والأرض والمستوطنات، لصالح إسرائيل، بفرضها أمرًا واقعًا من دون الحاجة إلى الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين. وعندما رفض الفلسطينيون، عاقبهم ترامب بقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ثمّ أوقف المساعدات الإنسانية عنهم، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعمل على تهميشهم في سياق اتفاقات تطبيع عربية – إسرائيلية، تحت عنوان “اتفاق أبراهام”.

لن يعمل بايدن على إعادة السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب، ولكنه سيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، لتعود إلى ممارسة دورها بوصفها قناةَ تواصل مع الفلسطينيين. كما أنه يعارض قرار ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية وبناء مستوطنات جديدة أو توسيع القائمة منها من دون اتفاق مع الفلسطينيين. وسيعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. وفي الوقت نفسه، ربما يشجع على استمرار تعزيز العلاقات وتوسيعها بين إسرائيل ودول عربية قبل حل القضية الفلسطينية، ولكن ليس بحماس ترامب، ومن دون محاولة ابتزازها للقيام بذلك، كما حصل مع السودان، حيث كان التطبيع مع إسرائيل شرطًا لرفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء العقوبات المفروضة عليه. وفي كل الأحوال، لن يكون حل القضية الفلسطينية أولويةً بالنسبة إلى إدارة بايدن، خصوصًا في ظل تحدّيات كبرى تواجهها الولايات المتحدة الآن.

إيران

يؤكد بايدن أن إدارته مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إذا التزمت الأخيرة ببنوده وشروطه. لكنه يشدّد أيضًا على أنها ستبقى تتصدّى لأنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة على نحو أكبر. ويرى أن هناك طريقة ذكية لمواجهة التهديد الذي تشكّله إيران للمصالح الأميركية، وأخرى تقود إلى هزيمة ذاتية. وعلى الرغم من أنه يعتبر قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق، الذي صفّته إدارة ترامب مطلع عام 2020، شخصًا خطيرًا، فإنه يقول إن ذلك عزّز من إصرار إيران على الإفلات من القيود الصارمة التي فرضها الاتفاق النووي عليها. وقد تكون أمام بايدن فرصة للتوصل إلى اتفاقٍ جديد مع إيران، مستفيدًا من الأوضاع الصعبة التي تعانيها طهران، بسبب العقوبات القاسية التي فرضتها عليها إدارة ترامب، لكن هذا لن يكون سهلًا، بسبب الضعف الشديد الذي اكتنف أنصار الاتفاق في إيران، بسبب الفشل في تحقيق ثمار مهمة منه، وانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، وتوقّع فوز المحافظين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرّرة في حزيران/ يونيو 2021.

الصين

تمثل العلاقة مع الصين المعضلة الاستراتيجية الأبرز لأي إدارة أميركية؛ فالصين هي المنافس الجيوسياسي للولايات المتحدة اقتصاديًا وتكنولوجيًا، وهي تهدّد الهيمنة الأميركية عالميًا، وتعزّز سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، وتستمر في بناء قوتها العسكرية، وتمدّ نفوذها في شرق آسيا وفي مناطق أخرى كثيرة من العالم. وتحت إدارة ترامب، تدهورت العلاقات بين الدولتين إلى أدنى درجاتها، ويرى بعضهم أنها دخلت مرحلة حرب باردة جديدة، خصوصًا في ظل الخلافات المتصاعدة حول التجارة والتعريفات الجمركية وقرصنة التكنولوجيا الأميركية وهونغ كونغ وتايوان ووضع المسلمين الإيغور، فضلًا عن اتهام ترامب بكين بالمسؤولية عن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19). ولكن سجالات ترامب لم تضعف الصين، بل ربما عزّزت موقفها مع تخلي إدارة ترامب عن الدعم المطلق للحلفاء في شرق آسيا، و”الغزل” مع زعيم كوريا الشمالية، كما أن الميزان التجاري مع الصين لم يتغير على الرغم من كثرة الكلام.

لا ينكر بايدن وجود تحدّيات كبرى في العلاقة مع الصين، إلا أنه يرى أن إدارة ترامب أدارتها بطريقة متهورة؛ ذلك أنها عزلت نفسها عن حلفائها وشركائها الأقرب، مثل كندا والاتحاد الأوروبي، عبر شنّ حروبٍ تجارية معهم، تمامًا كما فعلت مع الصين، على نحو أضعف القدرة الأميركية على التصدّي للصين واحتوائها. ويشدّد بايدن على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون صارمةً مع الصين، ولكن الطريقة الأنجع لفعل ذلك تكون عبر استراتيجية “العصا والجزرة”، وبناء جبهة موحدة من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، في الوقت ذاته الذي يتم فيه السعي إلى التعاون مع بكين في القضايا التي تتلاقى فيها المصالح، مثل تغير المناخ، وعدم انتشار الأسلحة النووية، كما في كوريا الشمالية وإيران، والأمن الصحي العالمي. وتقوم مقاربة بايدن على أن الولايات المتحدة بمفردها تمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعندما تتحد القوة الاقتصادية الأميركية مع القوة الاقتصادية للديمقراطيات الغربية والآسيوية الأخرى، كاليابان وكوريا الجنوبية، فإن الصين لن يكون في مقدورها تجاهل أكثر من نصف الاقتصاد العالمي.

روسيا

لطالما أكد بايدن أنه سيتخذ موقفًا أكثر تشدّدًا مع روسيا من ترامب الذي كان معجبًا بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وداوم على التشكيك في المعلومات الاستخباراتية الأميركية حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وكانت إدارة أوباما التي كان بايدن نائبًا للرئيس فيها قد فرضت عقوباتٍ قاسية على موسكو بسبب ضمّها شبه جزيرة القرم عام 2014. ويشدّد بايدن على ضرورة “فرض تكلفة حقيقية على روسيا بسبب انتهاكاتها للمعايير الدولية، ودعم المجتمع المدني الروسي، الذي وقف بشجاعة مرارًا وتكرارًا ضد نظام الرئيس بوتين”. كما يرى أن تعزيز القدرات العسكرية لحلف الناتو سيكون ضروريًا لمواجهة “العدوان الروسي”. وعلى الرغم من توقّع مراقبين عديدن تصاعد التوتر بين واشنطن وموسكو في ظل إدارة بايدن، فإن الحد من التسلح النووي قد يكون أحد المجالات للتعاون بين الطرفين؛ ذلك أن معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية “ستارت” START الموقعة عام 2010 تنتهي في شباط/ فبراير 2021.

ويرى بايدن أن هذه المعاهدة “ركيزة للاستقرار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا”. ولذلك، لا عودة إلى الحرب الباردة، ولكن إلى سياسةٍ أكثر تشدّدًا مع روسيا وذات التزام أكبر بأمن الحلفاء.

خاتمة

لن يكون هدف بايدن المعلن في استعادة المكانة والموثوقية الأميركية بين حلفائها مهمةً سهلة، فالانقسامات الدولية عميقة، كما أن شكوك حلفاء الولايات المتحدة في نظام دولي يتمركز حولها تتزايد. ويرى كثيرون في أوروبا أن مردود علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين لا تقل أهمية عن تلك مع الولايات المتحدة. والواقع أنه لا يمكن تصوّر وضع تستطيع فيه واشنطن اليوم احتواء قوتين كبيرتين، مثل روسيا والصين، وحدها، خصوصًا في ظل التردّد الأوروبي. والأهم من ذلك كله حجم الضرر الذي ألحقه ترامب بسمعة الولايات المتحدة وصدقيتها، باعتبارها أهم ديمقراطيات العالم وأعرقها، وذلك الشرخ العميق في المجتمع الأميركي ومؤسساته السياسية الذي أبانت عنه الانتخابات الرئاسية الحالية.

العربي الجديد

—————————–

المخاطر والآفاق بعد سقوط ترامب/ مصطفى البرغوثي

أحدث سقوط دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية شعوراً عالمياً ومحلياً بالارتياح، فما من رئيس في العصر الحديث أثار هذا القدر من الاستفزاز، وتبنّى سياسات عنصرية، وتطاول على القانون الدولي، وأشاع استقطابات حادّة في المجتمعين، الأميركي والدولي، مثلما فعل ترامب. وما من رئيس في العالم أساء للقضية الفلسطينية، وجعل من إدارته غلافاً وحاضنة لأسوأ مخططات اليمين العنصري الإسرائيلي المتطرّف لتصفية الحقوق الفلسطينية، كما فعل في “صفقة القرن”. ولكن ذهاب ترامب ونجاح منافسه جو بايدن لن يعنيا اختفاء الصفقة ومخاطرها على القضية الفلسطينية، لأن صاحبها الحقيقي هو نتنياهو والحركة الصهيونية العنصرية. وقد بدأ نتنياهو وأنصاره محاولة إدخال أفكار “صفقة القرن” وأهدافها إلى الإدارة الديمقراطية الجديدة، كضم المستعمرات الاستيطانية تحت عنوان “تبادل الأراضي”.

وإذا كانت إدارة بايدن، كما أعلنت نائبته كاميلا هاريس، ستعيد في واشنطن فتح ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية التي أغلقها ترامب، وستعيد تمويل السلطة الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فذلك لا يمثل تغييراً جوهرياً، بقدر ما هو عودة إلى ما كان قائماً قبل عصر ترامب من تحالف استراتيجي مع إسرائيل وانحياز كامل لها، بدليل أن بايدن أعلن أنه لن يخرج السفارة الأميركية من القدس، وقد تكرّرت تصريحاته (ونائبته) المؤكدة على دعم إسرائيل وعمليات التطبيع معها، من دون أن نسمع موقفاً صارماً تجاه الاستعمار الاستيطاني المتواصل، والذي يمثل ضماً تدريجياً للأراضي المحتلة وإسفينا ينسف إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. وليس مستبعداً أن يُطالب الفلسطينيون منهما مقابل العودة إلى الماضي بتنازلات جديدة، من منطلق الواقعية، والمرونة، والحاجة لتقبل ما أحدثته إسرائيل من تغييرات على أرض الواقع.

هناك أربعة مخاطر، قد تحملها الفترة المقبلة: أن تتعرّض السلطة الفلسطينية لضغوط لإعادتها إلى دائرة المفاوضات الطويلة بلا نتائج، أي إعادة العربة إلى دائرة عملية السلام بديلا للسلام، وأن تصبح المفاوضات بحد ذاتها هدفاً بديلاً لإنهاء الاحتلال وللحل. أن يستمر الاستيطان خلال المفاوضات من دون رادع سوى بيانات وإدانات لا تسمن ولا تغني من جوع، ما يعني السماح بتواصل عملية ضم تدريجي للأراضي الفلسطينية المحتلة في عهد بايدن بديلا عن الضم الفوري في عهد ترامب. أن تُمارس الضغوط لتعطيل عملية المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، وجعلها تذبل، بعد أن تباطأت خطواتها مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية. تواصل محاولات إسرائيلية ودولية لإلغاء الصفة السياسية والوطنية للحقوق الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد قضية اقتصادية، وإنسانية، أي مصادرة حق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير، واستبدالها بمجرد تحسين لأحوال المعيشة.

وهذه المخاطر الأربعة هي في الواقع الوجه الآخر “لصفقة القرن”. ولذلك لا بد من وضع الإدارة الأميركية ومختلف الدول أمام التحديات التي لا يمكن شطبها، أي المطالبة بموقف واضح يرفض مبدأ الضم المخالف للقانون الدولي، بما في ذلك موقف صريح برفض ضم القدس والجولان المحتل، وأي جزءٍ من الأراضي المحتلة. والمطالبة بموقفٍ لا يكتفي بمعارضة الاستيطان الاستعماري ، بل يمارس ضغوطاً، تملك الإدارة الأميركية والدول الأوروبية الكثير من أدواتها إن أرادت، لوقف الاستيطان بالكامل، فلا معنى للمفاوضات وعملية السلام مع استمرار الاستيطان، لأن المفاوضات، في هذه الحالة، كما جرى طوال الثلاثين عاماً الماضية، ستصبح غطاءً للاستيطان ولعملية تدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. ولا بد من مطالبة المجتمع الدولي، بما في ذلك الإدارة الأميركية، بتأييد حق الفلسطينيين في الوحدة الوطنية، وإجراء انتخاباتٍ ديمقراطية حرّة، وقبول نتائجها، حتى لا نعود إلى محاولات فرض الشروط والإملاءات الإسرائيلية بغلاف أميركي أو دولي.

لا حظ لأي مفاوضات، ما دام ميزان القوى مختلا لغير صالح الفلسطينيين. ولذلك، تقتضي الحكمة أن يتعمق الفهم الفلسطيني بأن المراهنة يجب ألا تكون على بايدن، أو غيره من حكام العالم، بل على ما يستطيع الشعب الفلسطيني أن يفعله بنضاله وكفاحه، وتحالفاته مع قوى الحرية والتغيير في العالم، لتغيير ميزان القوى. ولن يلتفت العالم إلى القضية الفلسطينية، ما لم تتصاعد المقاومة الشعبية الموحدة، وما لم ير العالم قيادة موحدة واستراتيجية موحدة للفلسطينيين.

القوى التقدمية في الحزب الديمقراطي، برئاسة ساندرز وأعضاء الكونغرس ككورتيز وإلهان عمر ورشيدة طليب، كانت من أهم القوى التي ساهمت في إسقاط ترامب، بالإضافة إلى شباب الحزب الذين تظهر استطلاعات الرأي أن 40% منهم أميل إلى تأييد الفلسطينيين، وحركة السود ذوي الأصل الأفريقي والحركات الاجتماعية النسائية والشبابية، والمهاجرين اللاتينيين والمسلمين، وتمثل كل هذه القوى حليفاً محتملاً ومهماً للفلسطينيين، إن تم توسيع الجهود للتواصل معهم، لإيجاد قوة ضغط داخلية في الولايات المتحدة في مواجهة اللوبي الصهيوني. كما أن الأغلبية الديمقراطية الصغيرة في مجلس النواب الأميركي تجبر صانعي السياسة في الحزب الديمقراطي على احترام آراء الجناح التقدّمي فيه.

باختصار، لن يكون طريق الشعب الفلسطيني إلى الخلاص في العودة إلى الماضي والمراهنة على المفاوضات، بل في التقدّم إلى الأمام بتصعيد الكفاح الفلسطيني الموحد، وتطوير تحالفات مع كل قوى التقدّم في العالم، والتمسك بصلابة ومبدئية بالحقوق الوطنية الفلسطينية في الحرية الكاملة.

العربي الجديد

——————

بايدن والشرق الأوسط .. لا تتفاءلوا كثيراً/ خليل العناني

تسود حالة من التفاؤل في الشارع العربي، منذ الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، الأسبوع الماضي. وهو تفاؤل، وإن كان له ما يبرّره، خصوصاً في ظل ما شهدته وعايشته المنطقة العربية من كوارث ومآسٍ سياسية في السنوات الأربع الماضية التي حكم فيها دونالد ترامب أميركا، إلا أن ثمّة إفراطاً فيه، على الأقل لدى بعضهم، بأن المنطقة سوف تشهد تغيراً جذرياً يقطع فيه بايدن مع إرث ترامب الثقيل. ولذلك، من المهم تفكيك الملفات المختلفة المتوقع أن يشتبك معها بايدن في السنوات الأربع المقبلة، من أجل معرفة ما إذا كنا سنشهد بالفعل قطيعة مع إرث ترامب أم لا.

قبل ذلك، تجب الإشارة إلى أن من غير المتوقع أن تحتل المنطقة العربية أهمية كبيرة في توجهات السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن بوجه عام. ومردّ هذا الأمر إلى أسباب عديدة، يتعلق بعضها برؤية بايدن، والتي لا تختلف كثيراً عن رؤية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، للساحة العالمية، ولمساحات الصراع الدولي وملفاته، والتي تعطي آسيا والمحيط الهادئ أولوية على كل ما عداها. ومنها أيضاً ما يتعلق بالمسألة الصينية التي باتت تمثل ملفاً مهماً على طاولة أية إدارة أميركية، جمهورية كانت أو ديمقراطية، فالصعود الصيني المخيف يمثل تهديداً أمنياً وجيواستراتيجياً لأميركا، وذلك بشهادة كل أجهزة الاستخبارات الأميركية عن هذا الخطر منذ أكثر من عقد. وهو ما جعل أوباما، ومعه أيضاً وزيرة خارجيته في فترته الرئاسية الأولى هيلاري كلينتون، يغيّرون بوصلة السياسة الخارجية الأميركية طوال سنوات حكم أوباما نحو الصين ومنطقة المحيط الهادئ، باعتبارها منطقة صراع ونفوذ بين البلدين. لذا لن يختلف جو بايدن كثيراً عنهما، وستظلّ الصين قضية ذات أولوية ملّحة على سلم أولوياته خارجياً. ويزداد الأمر إلحاحاً بعدما فعله ترامب مع الصين طوال السنوات الأربع الماضية، وقدرته على وضع حد لما يراه المواطن الأميركي العادي زحفاً صينياً وهيمنة على الأسواق العالمية بشكل يأتي على حساب أميركا. وسوف يقارن هذا المواطن بين أداء بايدن وسلوكه مع الصين بما فعله ترامب معها، والذي يراه بعضهم قد حقق انتصاراً تاريخياً عليها، من خلال فرض الجمارك والرسوم على صادراتها إلى أميركا. وتكاد المسألة الصينية تكون من المسائل التي عليها إجماع بين الأميركيين على اختلاف توجهاتهم، من حيث أهميتها وخطورتها، وإن كان هناك اختلاف في كيفية مقاربتها والتعاطي معها، فبينما يستخدم الجمهوريون، خصوصاً مع ترامب، أسلوب المواجهة من خلال استراتيجية “الضغط الأقصى”، يفضّل الديمقراطيون الحوار والتعاون مع بكين.

وبالعودة إلى المنطقة العربية، الملفات الثلاثة التي قد تسيطر على أجندة بايدن: العلاقة مع إيران، العلاقة مع إسرائيل، العلاقة مع الأنظمة السلطوية العربية، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات. بالنسبة للملف الأول، ربما نشهد تحولاً مهماً في السياسة الأميركية تجاه إيران، خصوصاً ما يتعلق بمسألة العقوبات التي فرضها ترامب طوال السنوات الماضية، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التضييق والضغط على طهران بعد الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني قبل عامين ونصف، فمن المتوقع أن يعيد بايدن الولايات المتحدة إلى الاتفاق، ولكن مع فرض شروط جديدة، لضمان عدم تخصيب إيران اليورانيوم خلال العامين الأخيرين، وذلك مقابل رفع العقوبات عنها ولو جزئياً. وهذا بالطبع ما لم توجّه إدارة ترامب، بالتحالف مع إسرائيل والسعودية والإمارات، ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض خلال الشهرين المقبلين، على نحو ما يتردد حالياً في وسائل الإعلام المختلفة.

وفيما يخص ملف العلاقة مع إسرائيل، خصوصاً مسألة حل الدولتين والتطبيع مع الدول العربية. من غير المتوقع أن يكون هناك دور أميركي حاسم أو مختلف في المسألتين، فعلى الرغم من تبني بايدن مسألة حل الدولتين ورفضه المحاولات الإسرائيلية فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، خصوصاً ما يتعلق بالضفة الغربية، إلا أنه من غير المتوقع أن يتخذ بايدن إجراءات فعليه تردع إسرائيل أو تمنعها من تنفيذ خطتها بضم أجزاء من الضفة الغربية التي توقفت قبل شهور نتيجة محاولة إسرائيل الاستفادة منها في تبرير التطبيع مع الدول العربية. وفيما يخص المسألة الأخيرة، ربما يتراجع الضغط الأميركي على مزيد من البلدان العربية كي تقوم بالتطبيع مع إسرائيل، على نحو ما فعلت إدارة ترامب مع البحرين والسودان، لكن هذا لا يعني أن إدارة بايدن سوف تعرقل مثل هذا التطبيع إن حدث. بالعكس، فقد رحب بايدن قبل شهرين بتطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل. ومن نافلة القول إن مسألة أمن إسرائيل وتفوقها النوعي هي محل اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولا يمكن لأحد أن يتصور أن هذا سيتغيّر تحت إدارة بايدن.

وفيما يخص ملف العلاقة مع السلطويات العربية، خصوصاً ما يرتبط بمسألة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية. على الرغم من أن بايدن قد لا يدعم انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات، إلا أنه أيضاً من غير المتوقع أن يمارس ضغوطاً كبيرة عليها إذا ما استمرت هذه الانتهاكات، فلا يتوقع مثلاً أن تقطع إدارة بايدن المعونة العسكرية عن مصر، أو أن توقف مبيعات السلاح للسعودية أو الإمارات، اعتراضاً على حرب اليمن، أو لسجّلهما المزري في مسألة حقوق الإنسان، وذلك على الرغم من تعهد بايدن بذلك في أثناء الحملة الانتخابية. ربما تخرج بيانات وإدانات من وقت إلى آخر، ولكن من الصعب أن تترجم في شكل سياسات وأفعال حقيقية. صحيحٌ أن بايدن لن يعتبر شخصاً مثل السيسي “ديكتاتوره المفضّل”، على غرار ما يفعل ترامب، ولكن الصحيح أيضاً أنه لن يقطع العلاقة معه، أو يعاقبه، بشكل جدّي، على انتهاكاته الفاضحة لحقوق الإنسان في مصر.

لذا، ربما على المتفائلين في العالم العربي أن يحذروا من المبالغة في تفاؤلهم من إدارة بايدن، وما يمكن أن تقوم به في المنطقة. فإذا كان صحيحاً أن عدد الأشرار في العالم سوف ينقص بسبب رحيل ترامب عن السلطة في الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الأخيار سوف يزدادون مع وصول بايدن إلى السلطة.

العربي الجديد

—————————-

كي لا يفاجئنا بايدن في سوريا/ سمير صالحة

لا توجد سياسة معلنة وواضحة من قبل جو بايدن الرئيس الأميركي الجديد تجاه سوريا. المعلومات تجمع من تصريحات ومواقف صادرة عن بايدن أو عن فريق عمله في الأعوام الأخيرة حول الملف. لا حديث عن روسيا وإيران وسياستهما هناك وكيف سيتم التعامل معهما. الانتقادات في غالبيتها هي لتركيا ومواقفها حيال “قسد” حلفاء واشنطن في شرق الفرات وشركاء المواجهة مع داعش.

السوريون ينتظرون من بايدن وفريق عمله خطوات سريعة جريئة وحاسمة في التعامل مع الملف السوري وضرورة الإطاحة بالنظام فهل يعطيهم ذلك؟

بايدن قد يطالب بمنحه بعض الوقت للإعلان عن سياسته السورية لكننا لا نعرف ممن سيطلب ذلك؟ من الروس والإيرانيين والأتراك؟ أم من حلفائه المحليين والإقليميين؟ أم من قبل ناخبيه الذين تختلف أولوياتهم تماما عن أولويات الشعب السوري؟ موسكو وأنقرة لن ينتظراه مطولا خصوصا إذا ما كانت المؤشرات الأولى حول طريقة تشكيل فريقه الذي سيتابع الشأن السوري غير مشجعة والأرجح أن هذا ما سيجري.

وعد بايدن الشعب الأميركي باسترداد المبادرة من روسيا والصين واستلام دفة القيادة في سفينة الإبحار بالعالم نحو المزيد من الحريات والديمقراطية والمساواة والعدالة. البداية لن تكون من سوريا حتما فهناك أولويات أخرى أهم تنتظر في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية. الرهان إذا على مفاجأة سياسية عسكرية كبيرة يقودها بايدن في التعامل مع الملف السوري قد تحمل معها خيبة أمل أكبر بعد شهرين عندما يتسلم مهامه في البيت الأبيض.

توني بلينكن أقرب اعوان بايدن والمرشح الأقوى لمنصب مستشار الأمن القومي الجديد أوجز لنا خطط ومشاريع الدبلوماسية الأميركية في سوريا: أميركا حاليًا ضعيفة في سوريا وليس لها الوجود المطلوب. بايدن سيحتفظ بوجود عسكري أميركي شمال شرقي سوريا لدعم مشاريع قسد ولتأمين حقول النفط وللضغط على النظام في دمشق كي لا يذهب بعيدا وراء المغامرات الروسية والإيرانية. إحياء مفاوضات جنيف لن تحدث إلا إذا زادت الولايات المتحدة النفوذ على الأرض. بلينكن مع بقاء القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا. يريد معاقبة الأسد طبعا لكنه قد يساوم على “قانون قيصر” إذا ما وجد تعاونا من قبل النظام في تجاهل حراك قسد نحو بناء الكيان الكردي والتخلي عن علاقته بطهران في سوريا.

في العلن بايدن هو ديمقراطي. وعادي جدا أن يتحرك باتجاه الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ومواجهة التنظيمات المتشددة وتسهيل بناء سوريا الجديدة. لكن ما لم يقله بلينكن أن بايدن هو من قاد مشروع التفتيت في العراق عام 2003 وهو من اقترح عام 2006 دولة كردية على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا وأن يكون الحسم في سوريا عسكريا وليس سياسيا.

كامالا هاريس التي ستكون في منصب نائب الرئيس انتقدت إدارة ترامب بعد سماحها لتركيا شن عملية “نبع السلام” ضد “قسد”. وهي التي دعمت الضربة الأميركية ضد النظام في الشعيرات ردا على

استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. لكنها تعرف تماما أن بايدن لن يذهب وراء خطط الإطاحة بنظام الأسد بالقوة، وسيعمل باتجاه إجباره سلميا على الانتقال السياسي. جو بايدن، لم يكن من المؤيدين في إدارة أوباما لفكرة تزويد فصائل المعارضة السورية بالأسلحة، لكنه كان بين الداعمين لإرسال السلاح والعتاد إلى مجموعات قسد تحت ذريعة محاربة مجموعات داعش.

أولويات بايدن في سوريا هي حتما غير أولويات فصائل المعارضة السورية. هذا ما حدث مع باراك أوباما ثم مع دونالد ترامب فلماذا يأخذ شكلا مغايرا جديدا مع جو بايدن؟

الحليف المحلي هو قسد في شرق الفرات والهدف هو توفير الحماية اللازمة لمشروعه في سوريا الجديدة. الحليف الإقليمي هو إسرائيل وضرورة الأخذ بمصالحها في جنوب سوريا بعين الاعتبار. بين الأهداف أيضا المساومة مع طهران التي تنتظر “الفرج النووي” بعدما حاصرها ترامب في الزاوية الإقليمية. تنازلات تقدمها إيران في سوريا والعراق ولبنان وعدم الاقتراب من الشركاء الخليجيين مقابل تخلي واشنطن عن العقوبات والمحاصرة وتضييق الخناق على سياساتها ومصالحها. ثم ترك الأمور على ما هي عليه في سوريا وتبني بايدن بالتالي لشعار “الأسد أو نحرق البلد”. طالما أن استمرار الأزمة في صلب المصلحة الأميركية الإسرائيلية المدعومة من قبل بعض العواصم العربية والأوروبية والهادفة لاستنزاف ثلاثي الأستانا هناك.

تقارير كثيرة لا تتوقع أن تبدل واشنطن من نهجها تجاه سوريا. الذي قد يتغير هو طريقة لعب الإدارة الأميركية الجديدة للملف وسبل تجييره لصالح تحالفات وإعادة تموضع جديد في التعامل مع مسائل إقليمية. إطالة عمر نظام الأسد في السلطة بين الخيارات المتوقعة التي قد يطرحها فريق عمل بايدن على إيران وروسيا إرضاء لحلفاء محليين وإقليميين بانتظار انحسار الخلافات حول ملفات تقلق شركاء أميركا وتعزز موقع إسرائيل ونفوذها في المنطقة مثل: إنجاز المزيد من خطوات التطبيع العربي الإسرائيلي، تفاهمات ترسيم الحدود البحرية بين كل من إسرائيل ولبنان وسوريا وإضعاف النفوذ التركي في المنطقة. العقبة الأهم التي يريد بايدن التعامل معها سريعا قد تكون إضعاف النفوذ التركي في شمال شرقي سوريا فمع من وكيف سيفعل ذلك؟

بطريقة أخرى خيارات بايدن قد تكون العمل على تعقيد الملف السوري أكثر فأكثر والحؤول دون حدوث التفاهمات إذا ما شعر أن الأمور ستكون على حساب واشنطن وحلفائها المحليين والإقليميين في المنطقة. متى وأين سيفعل الرئيس الأميركي ذلك؟ عندما يتأكد من حدوث التفاهمات الروسية التركية حول ضرورة تسريع عملية الحل السياسي في سوريا لقطع الطريق على الاختراقات الأميركية المحتملة باتجاه تشبيك الأمور في سوريا. نجاح موسكو وأنقرة في قره باغ قد يتحول إلى سلسلة تفاهمات أوسع في قرقزستان وجنوب القوقاز وأوكرانيا وشرق المتوسط. سوريا قد تكون مجددا على الطاولة الثنائية وهي المادة التي ستقلق بايدن أكثر من غيرها كونها حجر عثرة أمام منظومة التحالفات الجديدة التي قد يريد تأسيسها على حساب النفوذ الروسي والتركي الإقليمي.

بايدن يميل إلى إبقاء القوات الأميركية حتى بعد القضاء على داعش وفلولها لأن الهدف الحقيقي هو توفير الحماية لنشاطات وانتشار وتمدد نفوذ قسد في شرق الفرات وتسهيل ولادة الكيان الكردي وإعلانه في اللحظة المناسبة. الإدارة الأميركية الجديدة ستسعى للعب دور أكبر باتجاه تأمين الغطاء السياسي والقانوني والدبلوماسي للدويلة الكردية في سوريا والتفاوض على تثبيت ذلك في دستور سوريا الجديد، وهي ستذهب باكرا وراء توفير التعبئة والشحن السياسي الإقليمي والدولي لهذا المشروع. الأرضية اليوم قد لا تكون مؤهلة لذلك المطلوب إذا افتعال أزمة أكبر في سوريا عبر اشعال جبهات عسكرية جديدة بين النظام وقسد أو بين الأكراد والعرب لتكريس الخرائط وتثبيتها جغرافيا. الذي سيساعد بايدن على تحقيق ذلك هو إسرائيل وحلفائها الجدد في العالم العربي.

المواجهة المرتقبة ستكون بين اصطفافين جديدين في المشهد السوري في إطار معادلات وتوازنات محلية وإقليمية جديدة تحمل العديد من المفاجئات. الكثير من حلفاء بايدن الإقليميين يطالبون بعدم انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات وزيادة الدعم المقدم لقسد ويجاهرون في وقوفهم إلى جانب مخطط تقسيم سوريا. ما يقال يتطابق مع ما يريده بايدن وهو سيفعل ذلك تحت عنوان إرضاء الحلفاء والأصدقاء أيضا.

بقي التذكير بأن مشكلة بايدن الحقيقية في تنفيذ مثل هذا المخطط هي تمدد النفوذين التركي والروسي في سوريا وأن عليه الاستعداد لمفاجآت من قبل الشريكين الجديدين في أكثر من ملف إقليمي إذا ما حاول عرقلة ما تم إنجازه في سوريا حتى الآن والاقتراب من أحجار الدومينو التي شيدت هناك بحساسية بالغة. أما أن يقبل بايدن بأن يكون شريكا في اللعبة التي حددت معالمها بعلم ترامب وقبوله الضمني أو أن يقبل تحمل ارتدادات ما قد يجري في سوريا على حساب أميركا ونفوذها.

قال معاون وزير خارجية النظام في سوريا أيمن سوسان، إن دمشق تستعد هي الأخرى لبايدن المطلوب منه أن يتعلم من أخطاء أسلافه. ما هو موقف قوى المعارضة السورية وكيف تستعد هي الأخرى لبايدن رئيسا، هل ستكتفي بما قاله لها وهو مرشحا؟

تلفزيون سوريا

—————————–

ما سيرثه بايدن من ترامب مفيد للسياسة الخارجية الأميركية/ راغدة درغام

يكاد يُجمِع العالم على أن لا مجال لاحتفاظ الرئيس دونالد ترامب بالبيت الأبيض لولاية ثانية، إنما هذا لا يُطبَّق على جزء كبير من الـ71 مليون شخصاً انتخبه أو على ترامب نفسه، وبالتالي الأرجح ألاّ تنتهي رئاسته الفعلية قبل 20 كانون الثاني (يناير) المقبل سوى بقدرٍ لا يُستهان به من المفاجآت. لذلك عادت القيادات العالمية الى طاولة الحسابات لتقدِّر كلفة مواقفها ولتقرأ بين سطور ما قد تتخذه إدارة ترامب من إجراءات قد تُكبّل إدارة الرئيس المفترض جو بايدن، وفي طليعتها إيران.

الصين تتأهّب لنقلةٍ ليست بالضرورة نوعية. روسيا تراقب بحذرٍ وهي تقلق مما قد تفعله إدارة بايدن أكثر من قلقها من مفاجآت إدارة ترامب. أوروبا تلبس ثوب العيد احتفاءً ببايدن لكنها ترتجف بإزاء مجرّد التفكير، إما بإجراءات ترامب قبل تسليمه البيت الأبيض أو بعقابه لها إذا بقي رئيساً. الدول العربية منقسمة الى معسكرٍ يحتفي بالتخلّص من ترامب ومعسكرٍ آخر يخشى عودة فريق الرئيس الأسبق باراك أوباما الى صُنع السياسة الخارجية الأميركية المتراخية مع إيران والمتشدّدة مع الدول الخليجية العربية. أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن الجناح المتشدّد فيها يتخبّط بين تجنّب الاستفزاز خوفاً من إجراءات إضافية انتقامية يخشى أن تشمل عملية عسكرية ضد مواقع أميركية، وبين عدم التحرّك بإزاء وضوح عزم إدارة ترامب على تقييد أيادي إدارة بايدن بعقوبات كي يكون مشوار العودة الى الاتفاقية النووية JCPOA مكبّلاً بالعراقيل والشروط التعجيزية.

كل المؤشّرات تفيد بأن إدارة ترامب ستصعّد العقوبات على إيران وحلفائها وأدواتها ليس في الملف النووي وإنما في ملفات الصواريخ، ودعم الإرهاب، والتسلّح، والاضطهاد الداخلي. والسبب هو أن في وسع إدارة بايدن إلغاء العقوبات إذا ارتبطت بالملف النووي عندما يعيد إحياء الاتفاقية النووية. أما العقوبات الأخرى، لا سيما تلك التي دعمها الكونغرس وأصدر تشريعات نحوها، فإنها تُكبّل أيادي بايدن وتجعل شبه مستحيل له استئناف العلاقات الأميركية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما كانت عليه في زمن إدارة أوباما.

زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وقبلها زيارة المبعوث الأميركي المكلّف ملفَّي إيران وفنزويلا اليوت أبراهامز الى منطقة الشرق الأوسط ليست بعيدة من هذه الأجواء. الهدف الرئيسي هو استكشاف مدى جاهزية الدول المعنية لهضم أولاً، المزيد من العقوبات على إيران، وثانياً، توجيه إدارة ترامب ضربة عسكرية على مواقع إيرانية قبل تسليمها السلطة الى بايدن – إذا سلّمتها. ففي رأي إدارة ترامب، أن الوقت ما زال يُتيح لها شن مثل هذه العملية. وهي ترى أن هناك حاجة الى إجراءات استباقية لمشروع بايدن بالعودة الى الأحضان الإيرانية، بحسب رأيها. إسرائيل مهمّة جداً في هذا المسعى، وكذلك دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط قد تتأثّر جذرياً بإعادة عقارب العلاقات الأميركية – الإيرانية الى ما كانت عليه في عهد أوباما – بايدن. لذلك فإن زيارة بومبيو تشمل الى جانب فرنسا وجورجيا كلاً من إسرائيل وتركيا والإمارات والسعودية وقطر. هدفها بالدرجة الأولى هو احتواء أي شغفٍ لدى فريق بايدن للقفز بابتهاج الى إحياء الاتفاقية النووية.

إنما ليس مؤكداً أن فريق بايدن جاهز للقفز العشوائي الى إعادة تبنّي الاتفاقية النووية، بالرغم من المؤشرات التي بعثها بعضه الى طهران بأن هناك استعداداً للقاءات واتصالات بين إدارة بايدن والحكومة الإيرانية – مع عدم وضوح أي شطر منها: معسكر الحكومة المدنية برئاسة حسن روحاني أو العسكرية منها التي تتولّى السياسة الخارجية الإقليمية والتي يمثلها “الحرس الثوري” الإيراني. ذلك أن كلام فريق بايدن عن “الامتثال” الإيراني يزداد، وما قاله طوني بلينكن، نائب وزير الخارجية السابق في عهد أوباما، حول استخدام اتفاقية JCPOA “كمنصة، سويّةً مع شركائنا ومع حلفائنا” من أجل “التفاوض على صفقة أطول عمراً وأقوى” إنما هو مثير للانتباه.

الدول الأوروبية بمعظمها متحمّسة جداً لرئاسة بايدن لأنها تزيل التوتّر في العلاقة الأميركية – الأوروبية وفي صفوف حلف شمال الأطلسي التي ترى أن دونالد ترامب مسؤول عنه. إنما هناك شوط قطعته الدول الأوروبية في اطار مواقفها من إحياء الاتفاقية النووية بات ينطوي، فعلياً وعملياً، على إعادة التفاوض على الاتفاقية النووية JCPOA بما يشمل الصواريخ والسلوك الإقليمي. بكلام آخر، إن المطروح هو التفاوض على اتفاقية جديدة وليس مجرد إحياء الاتفاقية التي وقّعتها إدارة أوباما وبريطانيا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا عام 2015. وكذلك الكونغرس الأميركي بشقّيه الديموقراطي والجمهوري، فهو أيضاً ليس مستعداً أو جاهزاً لتبنّي الإحياء التلقائي لتلك الاتفاقية. فريق بايدن يدرك ذلك. إنما فريق ترامب لا يثق بذلك الإدراك وهو مصّر على تطويقه مسبقاً.

السفير الألماني السابق لدى الرياض وواشنطن ونائب رئيس “مؤتمر ميونيخ الأمني”، بوريس روج، قال أثناء مشاركته في الحلقة المستديرة الافتراضية الـ22 لقمة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي (https://m.youtube.com/watch?v=hrJM1d-eiHM) إن “على إدارة بايدن ألا تبدو متساهلة أو ليّنة مع إيران، فيما الكونغرس الأميركي – بما فيه الديموقراطيون – انتقد انتقاداً شديداً حينذاك اتفاقية JCPOA ولم يدعمها بالضرورة”. وأضاف أن “هناك مساحة للأوروبيين لضمان استمرار الاتفاقية ريثما تدقّق الولايات المتحدة في خياراتها إنما مع التواصل الأميركي مع الأوروبيين للتطرق الى مختلف أوجه السلوك الإيراني الذي يثير المشكلات”.

اللافت في الأمر هو الرأي الروسي بعزم إدارة بايدن على إحياء اتفاقية JCPOA. فيودور لوكيانوف، مدير البحوث في نادي فالداي valdai ورئيس هيئة مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسية الذي شارك في الحلقة المستديرة عبّر عن مخاوفه من استبعاد روسيا عمداً عن مفاوضاتٍ أميركية – إيرانية حول إحياء اتفاقية JCPOA. وقال إن “لا مجال اطلاقاً للعودة الى الصفقة كما كانت عليه عام 2015. بالطبع ستحاول الولايات المتحدة وإيران التفاوض على شيء جديد. وسيكون لافتاً جداً أن نرى إنْ كانت روسيا ستُدعى للمشاركة أم لا. فأنا لا اعتقد أن إدارة بايدن ستكون متحمّسة لذلك”. وأضاف: “أن الإيرانيين قد يحبّذون أن ينخرطوا بصورة أقرب ومكثفة أكثر مع إدارة بايدن متوقعين أن – في مرحلة ما بعد ترامب ونظراً لما عبّر عنه بايدن مرات عدّة حول أداء مختلف عن أداء ترامب – أن إدارته ستكون مستعدّة لاتخاذ مواقف مختلفة”. وقال أيضاً، إن بين روسيا وإيران “الشراكة مضطربة troubled… وهي علاقة معقّدة”. إنما “عندما يتعلق الأمر بالمصالح المتطابقة، تتوصل روسيا وإيران الى وسائل لضمانها”.

لافت أيضاً ما قاله الأمير حسن بن طلال، رئيس ومؤسس “منتدى الفكر العربي” أثناء مشاركته في الحلقة التي ضمّت أيضاً بول برينكلي، المدير العام لشركة “سيربيروس كابيتال” والنائب السابق لوكيل وزارة الدفاع الأميركية. قال الأمير حسن في معرض الكلام عمّن يشارك أو لا في مفاوضات مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران إن “من الضروري أن يتلقى العرب – أقلّه كأية قومية أخرى في المنطقة – نوعاً من المؤشر على ماذا يُبحَث وعماذا يتحدّث في شأنه أعضاء مجلس الأمن في الأشهر القليلة المقبلة، للبدء بالتفكير معاً”.

بول برينكلي توقّع “أن تُغيّر الإدارة الجديدة نغمتها فوراً وأن يكون هناك تحوّل فوري. فهناك عدد كبير من قادة الإدارة الجديدة كانوا لاعبين أساسيين في خلق اتفاقية JCPOA، وبالتالي لديهم التعاطف الطبيعي مع إحيائها”. لكنه أضاف: “إنما التحدي للجميع يكمن عند النظر في سلسلة التصعيد والأفعال المخيّبة داخل النظام، وازدياد قوّة العناصر المتطرّفة داخل النظام والتي ستجعل من الصعوبة البالغة إعادة عقارب الساعة الى الوراء”.

في وسع فريق بايدن أن يستفيد من تركة فريق ترامب من أجل المصلحة الأميركية القومية كما من أجل أوراق التفاوض مع إيران ومع الصين وغيرهما. رئاسة بايدن لن تتمكن من الطلاق التام مع سياسة ترامب في ما يخص الصين، وبحسب المعلومات، فإن خبراء فريق بايدن استنتجوا التالي: أولاً، يجب ألا يطرأ تغيير راديكالي على العلاقة وإنما يجب تخفيض نسبة التوتر السياسي والعسكري. ثانياً، يجب على بايدن استئناف المفاوضات التجارية والحوار إنما شرط ألا يكون في عجلة من أمره. ثالثاً، يجب التركيز على مسألة خروق حقوق الإنسان إن كان في هونغ كونغ أو معسكرات الاعتقال. رابعاً، تعيين مبعوث أميركي خاص مكلّف ملف الصين كي لا يبقى الحوار مرتبطاً حصراً بلقاءات القمة بين الرئيسين.

ما سيرثه بايدن من ترامب هو رزمة كبيرة من العقوبات الأميركية القاسية على الصين بسبب هونغ كونغ – الأمر الذي سيصعب على بايدن تجاهله. سيرث أيضاً رزمة عقوبات معقدة ومتراكمة على إيران وشركائها، مالية وعلى أفراد وفي إطار تصدير النفط وعقاباً على صفقات السلاح، كما سيرث حشداً جدّياً للجمهوريين ولإسرائيل بهدف زجّه في الزاوية عند تعامله مع إيران.

قد يستفيد جو بايدن من هذا الإرث إذا أحسن البناء عليه لتحسين أوراقه التفاوضية مع الصين ومع إيران كما مع روسيا، وكذلك في إطار العلاقات الأميركية مع الدول العربية – من منطقة الخليج الى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لعلّ في ذهن فريق بايدن، مثلاً، التمييز بين ما قامت به إدارة أوباما في سوريا وما ستقوم به إدارة بايدن هناك. هذا يتطلب التدقيق بفوائد سياسات ترامب والبناء عليها مثل فرض العقوبات على القيادة السورية بموجب قانون قيصر وقانون ماغنيتسكي مع حشر روسيا في “خانة الييك” والضغط على “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني في الساحة السورية.

كذلك في ما يخص لبنان، الأرجح ألاّ يسرع فريق بايدن الى الانحراف عن مسار فرض العقوبات على مسؤولين لبنانيين بتهمة التورط في الفساد المتفشي أو بتهمة تأمين الغطاء الى “حزب الله” ليهيمن على البلاد. هذه سياسة الدولة الأميركية والإجراءات تُتخذ على أساس قوانين شرّعها الكونغرس الأميركي.

أخيراً، من الضروري لفريق بايدن ألاّ يسمح بتكرار تلبية إصرار إيران على استثناء سلوكها الإقليمي عند البحث في إحياء الاتفاقية النووية بحجة أن الأمرين منفصلين. لا، انهما مرتبطان جداً وهذا ما أثبتته السنوات الخمس الماضية وأثبتت كذلك فشل رهان إدارة أوباما على تغيير في سلوك إيران الإقليمي نتيجة الاتفاق النووي، بل أثبتت أن الإفراج عن الأموال مكّن “الحرس الثوري” الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان وترك وراءه إرثاً دموياً ومزرياً.

النهار العربي

——————————

بايدن بين إيران وإسرائيل/ فاطمة ياسين

تتابع حكومات دول العالم نتائج الانتخابات الأميركية باهتمام بالغ، من دون أن تخفي رغبتها برؤية أحد المرشحَين رئيسا في البيت الأبيض، لاعتقادها بأن هذا الخيار سيكون في صالحها، والدول العربية في قائمة هذه الدول، فأميركا منغمسة في مسائل المنطقة العربية حتى أنفها، وهناك تحالفاتٌ فوق الطاولة وتحتها، وتعاونٌ يمتد أو ينحسر بحسب اللون السياسي لساكن البيت الأبيض، وقد تكون بعض الدول العربية دفعت بالفعل إلى عقد معاهداتٍ واتفاقاتٍ معينة، ظنا منها بأن هذه السياسة قد تساعد مرشحا بعينه، وهي تتطلع إلى مزيدٍ من العمل معه في المستقبل. ولكن في النهاية لا بد من التعامل مع الواقع الذي أظهر أن دونالد ترامب لم يحظَ بعدد كاف من الأصوات تجعله قادرا على إدارة دفة السياسة الأميركية، وعليه تسليمها لشخص آخر، وعلى تلك الدول العربية التعامل معه في السنوات الأربع المقبلة، انطلاقا من النقطة التي تم التوقف فيها مع ترامب.

كان ترامب شديد الصرامة مع إيران، ويعود جانب من صرامته إلى التزامه بأمنه القومي، كما قال، وكذا مقدار التهديد الذي تشكله إيران في منطقة الخليج، الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة، ففيها تحالفاتٌ عميقةٌ جرى إعادة بنائها على أسس جديدة، قد تكون هي ما جعلت أنظمة في الخليج تهرول بعلاقاتها التطبيعية مع إسرائيل، وتتهاون أخرى في الرد على استخدام إسرائيل مجالها الجوي لعدة أغراض. وفي جانب آخر كان تشدد ترامب مع إيران حمايةً لإسرائيل التي ترفع إنذار خطورة النظام الإيراني عليها إلى درجةٍ قصوى، وقد يكون موقف ترامب الصارم ضد النظام في سورية متعلقا، في واحدٍ من وجوهه، بمعاداته الشديدة لإيران. هذا هو الإرث الذي تركه ترامب، وعلى الورثة التعامل معه، إذ ليس بالإمكان الرجوع إلى الوراء، ولكن التقدّم يمكن أن يكون حذرا وبطيئا، فالأمر يتعلق بإدارة جديدة لديها قاعدة انتخابية تفضل وضعية الهدنة مع إيران، ولديها حذر من الانخراط العميق مع النظم العربية التي تحالف معها ترامب.

أظهر جو بايدن، خلال تاريخه السياسي، إعجابا بإسرائيل، وكان قد ترشح لمنصب الرئاسة مرتين في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية. وقد أبدى خلال حملته الانتخابية الماضية، وفي أكثر من مناسبة، التزامه بأمن إسرائيل. وتقليديا، يقدّم الديمقراطيون دعما مختلفا لإسرائيل. وبالتأكيد، لن يكون بايدن نشازا بتكوينه السياسي، وبالتزامه بسياسات الحزب الديمقراطي. وعليه أن يجد نقاط التقاء بين شكل علاقته التي يراها مستقبلا مع إيران وهذا الالتزام مع إسرائيل، خصوصا وقد أصبحتا طرفين يجذب كل منهما عددا من دول المنطقة بطرق مختلفة. ولكن على بايدن أن يستخدم شروط البدء التي وضعه فيها ترامب، فأميركا الآن خارج الاتفاق النووي، وتطبّق عقوبات إضافية على إيران طالب ترامب الأممَ المتحدة بعدم رفعها.

أما إيران، وهي دولة على الرغم من مظهرها الثيوقراطي، تتمتع بقدر كبير من البراغماتية، فيمكن أن تتمدّد أو تتقلص لتتخذ الوضع السياسي المتاح، فقد استطاعت خلال السنوات السابقة التكيف مع سياسات ترامب تجاهها. وعلى الرغم من خروجه المتحدّي من اتفاقه النووي معها، إلا أنها أبقت على التزامها بالاتفاق، واستطاعت أن تبقي دول أوروبا فيه، واستطاعت كذلك أن تلتف جزئيا على عقوبات ترامب، وتجد لها متنفسا هنا أو هناك. ويمكن ملاحظة تقلصها النسبي في سورية، وتراجعها في لبنان، لكنها قد تمارس اليوم مع بايدن اللعبة ذاتها التي مارستها مع باراك أوباما الذي فضّل أن يكون مهادنا إلى درجة الفشل الأميركي الذي أدّى إلى تمدّدها. قد لا يكون بايدن هو أوباما، لكننا بالتأكيد سنشهد علاقاتٍ من نوع جديد مع إيران، قد تكون أكثر حدّة من علاقات أوباما، ولكن حتما ستكون أكثر جدّية وواقعية من علاقات ترامب معها.

العربي الجديد

———————

“بشائر” بايدن/ حسام كنفاني

منذ الإعلان، غير الرسمي إلى الآن، عن فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بانتخابات الرئاسة الأميركية، بدأنا نشهد العديد من التحولات السياسية العالمية، سواء في المواقف أو الأفعال. تحولات قائمة على تصور طبيعة الحكم الجديد في الولايات المتحدة، وتفاعله مع القضايا العالمية، وهو حكماً قاد إلى أن تغييراً كبيراً سيطرأ على السياسة الأميركية بعد السنوات الأربع التي عاث فيها الرئيس الخاسر دونالد ترامب فساداً في أكثر من ملف. فساد لم يكن حكراً على قضايا المنطقة العربية، بل تنقل من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي إلى التحريض البريطاني على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بدون اتفاق، وصولاً إلى الحرب التجارية مع الصين. وهي قضايا لا يبدو أنها ستنتهي قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض.

ما يهمنا أكثر هو قضايا المنطقة العربية، إذ صدر عدد من الإشارات إلى تعديلات في مشهد التحالفات والعداوات القائمة في المنطقة، والتي كان لترامب دور كبير في تغذيتها أو اللعب على تناقضاتها. يمكن النظر مثلآً إلى الخصومة الحالية بين السعودية وتركيا، وما يمكن أن تشهده من تطورات في المرحلة المقبلة. فبعد الإعلان الإعلامي عن فوز بايدن، وخلال أقل من ساعات أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمراً “بتقديم مساعدات عاجلة للأشقاء في تركيا للتخفيف من آثار زلزال أزمير”. قد يكون الإعلان طبيعياً في حال جاء في ظل ذروة مأساة الزلزال الذي عاشته تركيا، إلا أن اللافت أنه جاء بعد نحو أسبوعين من ذلك، وبعد إزالة غالبية تداعيات الزلزال. مثل هذا الإعلان قد يأتي في سياق رسالة ضمنية من السعودية إلى تركيا، ومن خلفها إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عن استعداد المملكة لسحب فتيل التوترات في المنطقة. الأمر الذي قد ينطبق على المصالحة الخليجية، وعلى حرب اليمن، لكن بانتظار ما قد تحمله الإدارة الأميركية الجديدة من مطالب وشروط وسياسات.

في السعودية أيضاً، وفي إطار الإشارات على تخفيف القبضة الحديدية في الداخل، خصوصاً بعد الحماية التي أمّنها ترامب للمملكة بعد جريمة قتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، صدرت مؤشرات في الأيام الماضية، خصوصاً بعد التأكد من حتمية فوز بايدن واتجاه ترامب إلى الاستسلام، لإمكان إطلاق ناشطات سعوديات معتقلات، وذلك على ما يبدو في استباق لطريقة تعاطي بايدن مع ملف حقوق الإنسان في السعودية، ولا سيما أنه أطلق خلال حملته الانتخابية تهديدات تتعلق بالتعاطي بشدة مع المملكة، خصوصاً على خلفية جريمة قتل خاشقجي. الأمر الذي من المؤكد أنه لن يحدث، فالكلام الانتخابي شيء، والفعل السياسي شيء آخر، خصوصاً عند النظر إلى كمية المصالح الأميركية مع دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، والتي لا تتغير مع تغير رئيس، بل هي راسخة ضمن منظومة الحكم بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض وانتمائه. مع ذلك، فإن مطالبة السعودية بإظهار “حسن نية” تجاه الإدارة الأميركية في ملف حقوق الإنسان وغيرها من الملفات ستكون أولوية لدى الرئيس الأميركي، وهو ما قد تبدأ المملكة فعله قريباً.

الأمر نفسه يمكن أن ينسحب على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أو “الديكتاتور المفضل” بالنسبة إلى دونالد ترامب. فهذه “الأفضلية” لن تكون موجودة مع الإدارة الجديدة، والقاهرة ستكون مطالبة بـ “مبادرات حسن نية” أيضاً في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وهو ما بدأ النظام المصري فعلياً التفكير به عبر الحديث عن إمكان إطلاق بعض المعتقلين.

هذه المؤشرات، وغيرها، قد تكون جيدة، لكنها ليست “بشائر” انقلاب كامل في السياسة الأميركية، بل هي “عمليات تجميلية” اعتادت الإدارات الديمقراطية القيام بها، وبايدن لن يحيد عن هذا الخط.

العربي الجديد

————————-

بايدن والشرق الأوسط والكونفدرالية/ رستم محمود

قبل تسلمه لأي منصب حكومي بارز، فإن الرئيس الأميركي المرتقب، جوزيف بايدن، عُرف في منطقة الشرق الأوسط اعتباراً من العام 2007، حينما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية داخل مجلس الشيوخ الأميركي، وقاد حملة سياسية وإعلامية شاملة وقتئذ، بما في ذلك الاتصال بالدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ترويجاً للخطة غير الملزمة التي تبنها مجلس الشيوخ الأميركي في خريف ذلك العام، التي كانت تدعو إدارة الرئيس جورج بوش الابن لـ”تقسيم” دولة العراق إلى ثلاثة كونفدراليات سياسية، تشغل كل واحدة منها أغلبية أهلية ما، شيعية جنوباً وكردية في الشمال وسُنية في الوسط، وأن تتحد الكونفدراليات الثلاث لتشكل دولة العراق الحديثة، تكون تلك الصيغة حلاً للحرب الأهلية العراقية، التي كانت في أوجها وقتئذ.

في ذلك العام، كانت الإدارة الأميركية تعيش ذروة تعرقل/فشل مشروعها السياسي الموعود للعراق، وتالياً للمنطقة، بعد نجاح سريع لخطة غزوها العسكري للعراق في ربيع العام 2003. فبعد الحرب مباشرة، أثبتت النخب السياسية العراقية سريعاً عدم قابليتها لأن تكون تنظيمات وقوى سياسية حداثوية، تكرس نظاماً سياسياً عراقياً مدنياً وديمقراطياً، يخلق من العراق نموذجاً كان متخيلاً في خطابات المحافظين الأميركيين الجدد، شيء شبيه بما جرى قبل قرابة نصف قرن في كُل من ألمانيا واليابان. بل على العكس تماماً، فقد كانت نُخبة الحُكم العراقية آلة عُظمى للنهب العام، إلى جانب ولاء إيديولوجي وسياسي لدولة خارجية –إيران- فاق بكثير أي ارتباط روحي أو سياسي لها ببلادها، الأمران اللذان حضراً الأرضية المناسبة تماماً لاندلاع الحرب الأهلية الطائفية، التي أغرقت العراق في بحر من الدماء، وما يزال.

جزء وفير من النُخب السياسية الأميركية، بالذات عبر المؤسسات التشريعية الأميركية، كانت ترى في مشروع الكونفدرالية حلاً معقولاً لإنقاذ العراق، وتالياً إخراج الولايات المتحدة من أوحال تلك المنطقة. فمشروع بايدن وقتئذ لم يكن يتناقض مع النزعة الانسحابية للولايات المتحدة من الحروب العالمية، والتي كان الحزب الديمقراطية يرفعها لوائها منذ أعوام كثيرة، التي كرسها الرئيس أوباما بالانسحاب العسكري شبه الكامل من العراق، بعد اتفاق الإطار الاستراتيجي لعلاقة للصداقة والتعاون بين الولايات المتحدة والعراق. لكن أفكار بايدن كانت تدعو لانسحاب مسؤول، لا يترك فراغاً جيوسياسياً غير محسوب العواقب، وهم ما لم يلتزم به الرئيس أوباما، بالرغم من أن بايدن كان نائبه، لكن الرئيس فضل الالتزام الحرفي بما عرضه خلال حملته الانتخابية.

لم تكن إدارة الرئيس أوباما وحدها من حالت دون تنفيذ المشروع الكونفدرالي، بل أن تحالفاً سياسياً ثلاثياً شديد الصلابة، أعاق ذلك جوهرياً.

فالقوى السياسية الشيعية العراقية المركزية الحاكمة، كانت تتطلع إلى لحظة الخروج العسكري والسياسي الأميركي من العراق، لتكرس نظام حاكم مركزي، يغدو العراق بكله جزء من فضاء حُكمها وحدها. كانت تلك القوى الشيعية تخطط لذلك، وتعتبر الكونفدرالية مضاداً نوعياً لنزعاتها المركزية تلك.

القوى الشيعية تلك، كانت تتلقى دعماً مفتوحاً من قِبل إيران، التي كانت تمني النفس بملء الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة في العراق، وأن تكون هيمنتها كاملة، دون أية أعاقة سياسية أو دستورية، تلك الهيمنة التي يمكن للنظام الكونفدرالي أن يعرقلها تماماً.

شكلت القوى والنخب السياسية السُنية العراقية رديفاً مباشرة لقوة الممانعة تلك. ففرط الحس الإيديولوجي القومي والطائفي المكتنز في ذوات تلك القوى والنخب السُنية، كان يحول بينها وبين الاعتراف بالوقائع العراقية المباشرة، التي كانت مفتوحة على مذبحة كبرى.

لم يُترجم مشروع بايدن إلى أي واقع سياسي قط. بمعنى أوضح، انتصرت قوى الممانعة المركزية على أية رؤية تعترف بالوقائع وتحاول أن تضع حلولاً مناسبة. لكن، وغالباً لأجل ذلك بالضبط، جرى كل ما جرى منذ ذلك الوقت. بقي العراق غارقاً في حروب أهلية مفتوحة، منقسماً بشكل شاقولي، طائفياً وعرقياً ومناطقياً، وموطئاً لنهب عام دون حد وحساب، تعرض لغزوات وحشية وخاض حروباً حطمت مدنه وحواضره التاريخية، تراجعت فيه كل أشكال الحياة المدنية وأسس الديمقراطية، وأولاً بلداً محكوماً من مليشيات طائفية من خارج القانون.

اليوم، تبدو منطقتنا غارقة تماماً في الكثير مما كان عليه العراق وقتئذ. فمن إيران إلى لبنان، مروراً بسوريا وتركيا والعراق، وحتى أبعد الكيانات التي مثل السودان وليبيا، تبدو المركزية السياسية والإيديولوجية منبعاً وعتبة أولية لتكريس الفشل وصرعات “الأخوة الأعداء” ضمن البلد الواحد، المركزية المستندة على تراث مريع من الخطابات القومية والوطنية والدينية والمذهبية، والتي هي في جوهرها نزعات لتكريس هيمنة واحدة من الحساسيات الأهلية ضمن هذه الكيانات، على حساب حقوق باقي المكونات الأهلية. وهي نفسها المركزية التي تنتج عملياً أنظمة شمولية تعتمد على الزبائنية وتحويل الأطراف والجهويات إلى مجرد مستعمرات داخلية، موردة للمواد الخام والعاطلين عن العمل فحسب، نحو المدن المركزية المتخمة بالعشوائيات.

لكن في نفس الوقت الذي ما تزال فيه أوضاع منطقتنا هكذا تفصيلاً، فأن قوى الممانعة الثلاثة المذكورة سابقاً، ما تزال بكامل صحتها السياسية والإيديولوجية. فالنظام السياسي الإقليمي يمانع تماماً أي مشروع نحو كونفدراليات رحبة، تؤيده داخلياً قوتان سياسيتان ضخمتان، واحدة تعتبر المركزية أداة لهيمنتها على كافة حساسيات البلاد، وأخرى رومانسية مأخوذة بخطابات عصر الناصرية السياسية. في كلا الحالتين، يشكل البعثيون والإخوان المسلمون، وفي كل دولة حسب تنظيماتهما الخاصة، القوى الأكثر شبهاً بذلك الجوهر الناصري، وهي مستندة إلى دعم مطلق من قِبل القوى الإقليمية، أمثال ملالي طهران وسلاطين أنقرة.

لأجل ذلك بالضبط، فأن الإدارة الأميركية أمام حلين قطبيين، فإما الانخراط التام في ملف هذه المنطقة “الموبوءة” ووضع حلول من مثل تلك الكونفدراليات، التي تضع حداً معقولاً لمنابع كل أشكال القيح الراهنة. أو أن تنسحب من ملفاتها، وتالياً تتحمل ما قد يترتب عن ذلك من آثار، وعلى كل بقعة في العالم.

الحرة

————————————

====================

تحديث 25 تشرين الثاني 2020

————————-

بين ترامب وبايدن… من الجهة الإيرانية/ موفق نيربية

لن يستطيع أحد منع نتائج ما جرى وسوف يجري في الولايات المتحدة، من خلال مسار انتخاباتها، وما سيبقى منها فاعلاً في المرحلة المقبلة علينا وعلى منطقتنا وقضايانا. ونعرض هنا لتأثير ذلك على ما يتعلّق بإيران: من حيث الاتفاق النووي وسياقاته، وتفاعلها السلبي في محيطها، من خلال تصديرها لثورتها بمضامينها الطائفية والعنيفة، ومن ثم دفعها الآخرين باتجاه إسرائيل، خصوصاً متابعتها قيادة الثورة المضادة لوأد الربيع العربي بآفاقه وآماله المصيرية.

استطاع دونالد ترامب أن يضعف الولايات المتحدة، ليس في إمبرياليتها وطغيانها الدوليين، بل في ديمقراطيتها وقيمها الدستورية، وكذلك في فعالية دورها في قيادة الغرب، أمام الشمولية الصينية باقتصادها الزاحف على بطون أبنائها، وأمام مسرحية الديمقراطية الروسية، التي تنهل من مَعين التاريخ القيصري، وغيرها.

لا يقوم ترامب بأيِّ فعل لا تسمح له به قواعد عمل المجتمع الرأسمالي، ولكنه يذهب بها إلى حيث لم يذهب أحد قبله أبداً. هو يلعب لعبة سيادة القانون حتى شكلانيّتها المطلقة؛ ويراوغ حتى لا يسلّم بفوز خصمه الانتخابي، حتى يجبره ويجبر أمريكا على اللعب حسب الطريقة التي جاء بها من حقل تجارة العقارات.. إنه يكسر حدود الدستور الأمريكي وقواعد المنافسة حوله، إلى حيث تقوده طموحاته وارتجالاته، بحيث يجعل من قواعد عمل النظام الدولي في الحرب الباردة أفقاً مرغوباً، بعد أن تهلهل حتى بَلِيَ ومضى زمنه. هذا يجعل هنري كيسنجر، ومعه مترنيخ، يضحكان، أحدهما على شفا القبر والثاني في أعماقه.

لن تكون الطغمة الإيرانية الحاكمة محاصرة أكثر مما هي الآن أبداً، ولن تضطر إلى التراجع عن سياستها بخصوص الاتفاق النووي. إن ذلك الاتفاق المدعوم من قبل أوروبا وروسيا والأمم المتحدة، سوف يصبح أكثر هشاشة وحضوراً، بترجمته الفارسية إلى منطق المرشد الأعلى وصحبه.. ولن تستطيع إدارة بايدن أن تضغط باتّجاه تحجيم سياسة تطوير واستخدام الصواريخ الباليستية، ولا التدخل المتصاعد في عمق نسيج المنطقة، انطلاقاً من العراق ولبنان واليمن وسوريا- وغيرها بعد ذلك – ولا حتى باتجاه تفعيل وتطوير المراقبة على الأنشطة النووية الإيرانية.. وأوروبا ستعود إلى صراخها، لتحاول لجم انفلات الأزمة أو المأزق.

على الأقل، ستكون عناصر المنطقة – بإسرائيلها وعربها- أمام خيارين لم يكن الاختيار بينهما على ذلك القرب والضرورة: رفع إيقاع الرقص أكثر من حافة الحرب، أو التراجع خطوة أو خطوتين إلى الوراء. وليس هنالك من مؤشّر على أن الطغمة الإيرانية، الدينية الطائفية الشمولية المتطرفة، يمكن أن تتراجع ولا تجد منفذاً إلى الفوضى، هو الأقرب إلى مصالحها قبل أيديولوجيتها.

وحين ينظر المرء قليلاً خلف السور الإيراني، يرى انتخابات رئاسية مهمة بعد خمسة أشهر من الاستلام والتسليم في البيت الأبيض، في يونيو. هنالك لن تكون نتيجة ما فعله وسيفعله ترامب إلّا تدعيم الاتجاهات الأكثر تشدداً، التي ستكون مواجهتها لخصومها في الداخل أكثر سهولة وأفضل تسويقاً. وإذا كانت شراسة الحرس الثوري، وتحكمه بقيادة خامنئي بجوانب تزداد اتسّاعاً وحرية، في السياسة والاجتماع والاقتصاد في إيران، قد استطاعت تحويل خصومها من الإصلاح الذي يقوده أمثال خاتمي وموسوي، إلى الاعتدال الذي يقوده رفسنجاني وروحاني؛ فربما ستستطيع – بمساعدة ترامب وتحديثاته للسياسة الأمريكية – أن تعزل حتى الجناح المعتدل، وتنجح بتحويل إيران إلى جبل «ألموت» معاصر.

في الجانب الآخر، يُلاحظ مؤخراً غلبة اتجاه مريح للحوثيين في اليمن، يطالب بوقف تسليح من يقصفهم، والاعتراف باليمن الذي رسموا معالمه في الأعوام الماضية، كأمر واقعٍ لا بدّ من مراعاته. وبغضّ النظر عن الموقف من التدخّل الخارجي، ومدى صحته وصحة ما يريده لليمن أو يفعله به، أو حتى مدى مفارقته لأحكام القانون الدولي والقانون الإنساني؛ فإن ذلك سوف يصبّ في النتيجة في طاحونة الطغمة الإيرانية وسياساتها، ليساعدها على تحقيق أهدافها أيضاً.

ومن نافل القول، إن مفاجآت ترامب في ما يخصّ القوات الأمريكية في الخارج، وقيامه في الوقت الضائع الذي لم يكن معتاداً أن يقوم به رئيس أمريكي بما يعقّد حياة الإدارة المقبلة بعده، ويجعلها تخسر زمناً، لا يضرّ بها وحدها، بل بالولايات المتحدة عموماً من خلالها.. مثل أوامره بسحب قواته – كلها أو بعضها- من العراق وإضعاف الكاظمي لمصلحة الجناح الإيراني في الحشد الشعبي، واضح وجليّ.. يُضاف إليه مباشرة ما سوف يثيره من رياحٍ مفاجئة مثل ذلك في سوريا، التي تنتظر فيها روسيا وكلّ جماعة أستانة تلك الهدايا المجانية.

في مساحة ثالثة أو رابعة، لطالما كانت الأولى قديماً، فإن لسياسة ترامب تأثيراتها حتى لو تنحّى جانباً بعد قليل، من خلال ارتباك الاستراتيجية الأمريكية، واستمرار عجز أو مراوحة القدرة الأوروبية، وتقدّم العدوانية الإيرانية المفترض؛ سوف تضمن تطوير الأمور لغير مصلحة الفلسطينيين، أو على حسابهم، وربما كانت في علم الحساب خسارة مهمة ومحدقة، ولو كان في علم الرياضيات أو الرياضيات الحديثة شيء مختلف، كما يريد البعض أن يقولوا، ولا يفصحون كثيراً، لأن الإمساك بيد الخصم، حتى لو بدا الأمر تخلّصاً من خصمٍ أشدّ، وأكثر عتوّاً وراهنية، ليس قراراً سهلاً، ولا يمكن اتّخاذه بارتجال أو استعجال أو من دون عقابيل تاريخية.. وربّما كانت للأمر حلولٌ أخرى يمكن إبداعها وتفعيلها، لو لم يكن هنالك ترامب ونتنياهو ومصالحهما الانتخابية.

من حيث ظواهر الأمور وعواملها الميكانيكية، كان طبيعياً أن يكون لأبناء المنطقة من جماعتنا موقف مؤيدّ لترامب وحريص علي رضاه. فهو مناط استمرار قوة عظمى رئيسة، تقف من خلاله بحزم أمام المطامع والسياسات الإيرانية، التي تقوم بالتخريب في كلّ مكان حولها. وهو يضمن بدوره وقوف القوة الأعظم الثانية في المنطقة موقفاً على شفا الحرب مع إيران، يرى فيه بعض العرب ضماناً وأماناً في بؤسهم، خصوصاً من يخشون كونهم» في بوز المدفع».

حتى العراقيون والسوريون واليمنيون واللبنانيون، الذين يعانون من الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران والحرس الثوري، ومن حزب الله والحوثيين؛ فقد اندفع الكثيرون منهم للتعلّق بحملة ترامب وترقّب نتائجها الرابحة، بسبب إحساسهم بالعجز عن تغيير معادلاتهم بأيديهم، أمام قوةٍ عاتية وعاصفة تجعل من المذهب أيديولوجيا هي الأكثر قدرة على توليد العواصف والأعاصير، بالأفعال المباشرة أو بردود الأفعال المتولّدة، لدى المتطرفين لدى أهل المذهب، أو المتطرّفين في المذهب المقابل له. ذلك جانب وحسب من جوانب عاصفة أثارها ترامب، لا يعطي لجو بايدن ولا لميوله المريحة للأوروبيين والروس- والإيرانيين- أية أفضلية جوهرية. ولا ننسى أنه كان» نائب» أوباما لثماني سنوات، الذي جرّبنا التعلّق بوعيده لطاغيتنا، حين رسم خطه الأحمر ثمّ قفز من فوقه.. وذلك أحرى بأن يزيدنا اقتناعاً بتحديث رؤانا إلى منطقة أقرب من العالمية أو الكونية، ونتأنّى في أحكامنا، وننطلق من أن ما سيكون مفيداً لشعب من الشعوب، هو المفيد للإنسانية بغض النظر عن التفاصيل والتعقيدات.

والشعب موضوعنا هنا هو الشعب الأمريكي الفاعل المهم بقيمه وقوته وريادته، الذي – إذ تنقلب حياته على أعقابها- سوف يجعل حياة البشر أجمعين جحيماً.. والوباء الذي يهاجم البشرية الآن واستراتيجية ترامب حياله، مثالُنا الأقرب، الأكثر حساسية وتأثيراً.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

مستقبل العلاقات التركية الأميركية بعد فوز بايدن/ عمر كوش

تنتظر الأوساط السياسية التركية باهتمام بالغ ما ستؤول إليه العلاقات التركية الأميركية بعد انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، في ظل توقعات بتعامل مختلف منه حيال تركيا، على خلفية تصريحاته العدائية ضد سياساتها، وانتقاداته المتكرّرة لسياسة الرئيس دونالد ترامب تجاهها في ملفات وقضايا عديدة، الأمر الذي يثير مخاوف كبيرة لدى الساسة الأتراك في أن تنعكس مواقفه سلباً على مستقبل العلاقات التركية الأميركية.

مواقف وتوجسات

ولعل تهنئة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المتأخرة لجو بايدن تعكس بعض ذلك التخوف والتوجس التركي الذي يُبنى على خلفية تصريحات ومواقف سابقة لبايدن، وخصوصا خلال حملته الانتخابية، أبدى فيها انتقاداتٍ حادّة للرئيس التركي، وتحدّث فيها عن ضرورة دعم الولايات المتحدة المعارضة التركية لإطاحته، ولاقت ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية التركية، وحتى في أوساط قادة أحزاب المعارضة. إضافة إلى موقفه المناهض لشراء تركيا منظومة الصواريح الروسية “إس -400″، ومطالبته إدارة ترامب بالضغط عليها “للامتناع عن ممارسة مزيد من الأعمال الاستفزازية ضد اليونان، بما في ذلك التهديد باستخدام القوة، وتهيئة الأجواء لإنجاح الجهود الدبلوماسية”، فضلاً عن موقفه المناهض قرار إعادة آيا صوفيا مسجداً، واتهامه تركيا بتأجيج الصراع في القوقاز، وتحميلها مسؤوليته، ودفاعه عن تقسيم العراق وإنشاء كيان كردي في شماله، وموقفه الداعم قوات سورية الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية في مناطق شمالي سورية، ومعارضته انسحاب القوات الأميركية منها، وسوى ذلك.

غير أن مواقف بايدن التي أبداها، خلال حملته الانتخابية، تجاه تركيا، قد لا يترجمها على أرض الواقع بعد تسلمه الحكم في الولايات المتحدة، بالنظر إلى اعتبارات وحيثيات سياسية عديدة، خصوصا وأنه يعرف تركيا جيداً، حيث زارها عدة مرات، عندما كان نائباً للرئيس السابق، باراك أوباما، وأكد خلالها على أهمية العلاقات التركية الأميركية. وبالتالي لن يحاول القفز على تاريخية هذه العلاقات الاستراتيجية، كونه يعي جيداً أهمية تركيا وقوتها وأدوارها في منطقة الشرق الأوسط والبلقان. ولكن أوساطا تركية تتوجس من نظرته إلى تركيا، بوصفها أحد مقوّضات السياسة الأميركية في المنطقة، ومن إمكانية اتباعه النهج نفسه الذي تعاملت به واشنطن مع أنقرة إبّان ولاية أوباما، مع أن من الصعب التكهن بأن يستنسخ بايدن سياسات أوباما نفسها.

في المقابل، ترى أوساط تركية أخرى أن تركيا لم تعد ذاك البلد الذي يتأثر بسياسات القادم الجديد إلى البيت الأبيض، وتتوقع حدوث انفراجةٍ في العلاقات التركية الأميركية، على خلفية دعوة الرئيس أردوغان بايدن إلى فتح قنوات الدبلوماسية والمصالحة في المنطقة، وتطبيع العلاقات مع الغرب، وذلك في ظل تطورات ميزان القوى في العالم، وسياسات الإدارة الأميركية الجديدة التي ستتبعها في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتوقع أن يتحرّك بايدن من أجل تمكين حلف شمالي الأطلسي (الناتو) في مواجهة روسيا. لذلك تطالب هذه الأوساط بالاعتراف بالدور التركي النشيط في الملفات الإقليمية والدولية واعتماد نهج واقعي، بما ينعكس إيجاباً على مستقبل العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة المثقلة بالأعباء منذ سنوات عديدة.

تاريخية العلاقات

تعود العلاقات التركية الأميركية إلى أكثر من ستة عقود خلت، اتسمت بفترات طويلة من الشراكة الاستراتيجية خلال فترة الحرب الباردة، وبدأت مع انضمام تركيا إلى حلف الناتو عام 1952، ثم تعزّزت باتفاق واشنطن مع أنقرة على استخدام القوات الأميركية قاعدة إنجرليك الجوية التركية الموقع في عام 1954.

وشكلت تركيا عنصراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية في مناطق الشرق الأوسط وأوراسيا، لكن علاقات الدولتين تعرّضت إلى أزمةٍ كبيرةٍ مع التدخل العسكري التركي في القسم الشمالي من جزيرة قبرص عام 1974، حين اعترضت الولايات المتحدة بشدّة على التدخل العسكري التركي، وفرضت حظراً على بيع الأسلحة الأميركية إلى تركيا، ولم تعد الأمور إلى مجاريها إلا في عام 1980 الذي شهد توقيع البلدين اتفاقية للتعاون العسكري والاقتصادي، قضت بالسماح للقوات الأميركية باستخدام 26 منشأة عسكرية تركية، مقابل حصول تركيا على أسلحة ومعدّات عسكرية أميركية حديثة. بعدها شاب العلاقات التركية الأميركية توتر على خلفية رفض البرلمان التركي تقديم مساعدات لوجستية للقوات الأميركية إبّان الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.

وشهدت العلاقات التركية الأميركية، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في أنقرة عام 2002 فترات من التوتر والتأزم، لكنها لم تصل إلى حدّ القطيعة، حيث تعاونت تركيا مع الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا الدولية، وحاول الساسة الأتراك القيام بعمليات ترميم للعلاقات مع الولايات المتحدة، وخصوصا عندما زار أردوغان واشنطن في العام 2006، وكان رئيساً لوزراء تركيا، ووقع آنذاك على “اتفاقية الرؤية المشتركة والحوار المؤسساتي” التي نصّت على تبني رؤية مشتركة بين الدولتين من خلال “ترويج السلام والاستقرار في الشرق الأوسط الكبير من خلال الديمقراطية، ودعم جهود تسوية دائمة للنزاع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي على أساس حلّ الدولتين، وتعزيز الاستقرار في عراق موحد”.

توترات وخلافات

ظهرت في السنوات اللاحقة خلافات جديدة في التوجهات والمصالح الأميركية والتركية في ملفات إقليمية عديدة خلال فترة رئاسة باراك أوباما، على الرغم من زيارة الأخير إلى تركيا في عام 2009، وتأكيده على أهميتها دولة حليفة وصديقة، لكن المواقف تباينت من الثورات العربية، وخصوصا الثورة السورية، نتيجة دعم واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في سورية ومليشياته المسلحة والإدارة الذاتية التي شكلها في مناطق الجزيرة السورية، وتعتبرها تركيا خطراً عليها. ثم تعمّقت الخلافات والتوترات بين الطرفين، عندما اتهمت تركيا إدارة الرئيس أوباما بدعم المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في منتصف يوليو/ تموز 2016، وطالبتها بتسليم الداعية فتح الله غولن الذي اتهمته أنقرة بالوقوف وراءها، لكن واشنطن رفضت الطلب التركي.

وحاول الطرفان، التركي والأميركي، خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، تصحيح ما شاب علاقاتهما من توتراتٍ وخلافات في عهد أوباما، كونها لم ترتق إلى مستوى التحالف المعلن بينهما، وعضوية كل منهما في حلف الناتو، إذ لم تسفر زيارات المسؤولين ولقاءاتهم في كلا البلدين إلى تحسينها، على الرغم من العلاقة الشخصية الطيبة بين كل من الرئيسين، أردوغان وترامب، حيث تكرست خلافات جديدة، بعد أن نشبت أزمة جديدة بين البلدين في أعقاب احتجاز السلطات التركية القس الأميركي، أندرو برونسون، في 9 من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أي بعد انقضاء ما يقارب الثلاثة شهور على محاولة الانقلاب الفاشلة، وإطلاق الرئيس ترامب تهديداتٍ بفرض مزيد من العقوبات على تركيا التي أطلقت سراحة في 12 من أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

وطالب مسؤولون أتراك إدارة ترامب بإنقاذ علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة وتحسينها، عبر النظر بجدّية إلى الدور التركي في المنطقة، وإلى مخاوف تركيا الأمنية في شمالي سورية والعراق، لكن الأمور لم تتغير، على الرغم من اعتبار الرئيس أردوغان “أن الإدارة الأميركية، برئاسة ترامب، قد تكون أكثر ترحيباً بالأطروحات والحلول التركية لمشكلات المنطقة، ومن وصف ترامب، خلال لقائه أردوغان بالبيت الأبيض في 16 مايو/ أيار 2017، بأن “بيننا علاقة رائعة وسنجعلها أفضل”، وقول أردوغان إن زيارته ستكون “نقطة تحول تاريخية”، وثنائه على “العلاقات الرائعة بين البلدين العضوين في حلف الناتو”.

ويمكن القول إن فترة ترامب شهدت نوعاً من اختزال العلاقات التركية الأميركية بعلاقة الرئيسين الشخصية، لكن هذا النهج لم يعد بالفائدة لكلتا الدولتين، حيث دخلت هذه العلاقات في حلقة سلبية على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية، انعكست على شكل ردة فعل معادية، وغير مسبوقة، للولايات المتحدة في المجتمع والدولة التركية، وأفضت إلى تفاقم الخلافات بينهما، بالتزامن مع تغير وجهة السياسة التركية نحو التفاهم والتنسيق مع روسيا في ملفات المنطقة، وشرائها منظومة الصواريخ “إس ـ 400”.

في التجارة والسياسة

ولعل التركيز على المحدّدات والاتجاهات السياسية والاقتصادية التي توّجه تحرّكات كل من تركيا والولايات المتحدة وفق مصالحهما يُمكّن من استشراف مستقبل علاقاتهما المتغيرة، ومقارنة كيفيات تلاقيها وتعارضها، خصوصا وأن عالم السياسة الدولية لا يفترق كثيراً عن عالم الاقتصاد، حيث شهدت العلاقات التجارية بين الدولتين زيادة مطردة، على الرغم من جائحة كورونا، مع ارتفاع حجم التجارة بينهما بنسبة 3.5% هذا العام، حسبما أعلن نائب وزيرة التجارة التركية، رضا تونا توراغاي، إذ كان حجم تجارة تركيا مع الولايات المتحدة 6.4 مليارات دولار في عام 2002، في حين بلغ حجمها هذا العام 21.1 مليار دولار.

وسجّلت صادرات تركيا إلى الولايات المتحدة، وفق إحصاءات جمعية المصدّرين الأتراك، ارتفاعاً بلغت نسبته 5.4% بين يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول من هذا العام، لتصل إلى حوالي 6.14 مليارات دولار.

وبصرف النظر عن الخلافات السياسية بين تركيا والولايات المتحدة، جرى ربط السياسة والاقتصاد في تركيا بالغرب الأوروبي والأميركي منذ زمن بعيد، حيث ما يزال الاقتصاد التركي يعتمد، في قطاعات كثيرة منه، على المستثمرين الأجانب. ويحتل المستثمرون الأميركيون مكانة كبيرة بينهم، لذلك يدرك الساسة الأتراك أهمية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول الغرب، وأن القطيعة معها ستكلفهم ثمناً باهظاً، وتنعكس سلباً على الاقتصاد التركي ومعيشة الأتراك، لذلك يعملون على الدوام على موازنة علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بما يخدم مصالح بلادهم الوطنية.

على الطرف الأميركي، كتب بايدن في مجلة فورين أفيرز في أبريل/ نيسان 2020 عن كيفية “إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب”، وذلك في سياق تصوّره سياسته الخارجية التي تنهض على قيادة أميركا للعالم مرة أخرى. لذلك تحتاج إدارته إلى وضع استراتيجية طويلة الأجل، بغية ترميم العلاقات مع تركيا، بما يفضي إلى إطلاق مبادراتٍ يمكنها الحفاظ على التعاون والالتزام بالمصالح المشتركة للدولتين، والإسهام ببناء شراكة موثوقة، لاستعادة دور تركيا باعتبارها حليفا وشريكا يمكن الاعتماد عليه، إقليمياً ودولياً، بوصفها إحدى الدول المهمة في مناطق الشرق الأوسط والبلقان وآسيا الوسطى.

ومن المعروف تماماً أن أي قطيعة أو أي افتراق بين تركيا والولايات المتحدة وتركيا سيسعد الساسة الروس الذين سيملأون الفراغ الناتج عنه، خصوصا بعد التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على خلفية أزمة الصراع على مصادر الطاقة مع اليونان في شرقي البحر المتوسط. ولما كان بايدن سيعمل على استرجاع مكانة الولايات المتحدة وموثوقيتها في العالم، فإن بلوغ هذا الهدف لا ينسجم مع توتير العلاقات مع الحليف التركي. ولذلك سيتوقف مستقبل العلاقات التركية الأميركية على مقاربة جديدة، تنخرط فيها الدبلوماسية الأميركية بمرونة، من أجل قيادة التحالفات، عبر المؤسسات الدولية، خصوصا وأن تركيا تمتاز بمكانة هامة على الصعيدين، الإقليمي والدولي، ولا يمكن القفز عليه، وهي لم تعد مجرّد دولة وظيفية، تلعب فقط دور شرطي أميركي في المنطقة، ولدى ساستها طموحات وتطلعات لدور فعال ومؤثر في المنطقة، وهذا يتطلب نظرة جديدة ومختلفة من الولايات المتحدة حيالها، وتقرّ بدورها ومكانتها الإقليمية والدولية.

العربي الجديد

—————————

ترامب.. من الرئاسة إلى الزعامة/ أحمد ناجي

لم يعترف ترامب بهزيمته الانتخابية، حتى الآن، وعلى الأغلب لن يعترف حتى تُعلن النتيجة رسمياً من قبل المجمع الانتخابي. موقف توقعه الجميع قبل الانتخابات، لكن ما لم يتوقعه أحد هو موقف الحزب الجمهوري الذي كانت قيادته قد التزمت الصمت وأعلن بعضها تأييده لجهود حملة ترامب في الطعن في نتائج الانتخابات في عدد من الولايات.

الحزب الجمهوري مُختطف من قبل “الترامبية” الجديدة، وحتى الآن يجد نفسه مجبراً على الاحتفاظ بالثوب “الترامبي”، على الأقل حتى يناير/كانون الثاني المقبل. الموقف حالياً أن الحزب الجمهوري لا يملك الغالبية في الكونغرس. خسروا انتخابات الرئاسة، أما في مجلس الشيوخ فالنتيجة إلى الآن هي التعادل بين الحزبين، لكن يُنتظر أن تجري إعادة الانتخابات في ولاية جورجيا، والحزب الذي سيفوز بمقعدى جورجيا هو الحزب الذي سيضمن السيطرة على مجلس الشيوخ. لذا، لا ترغب قيادات الحزب الجمهوري في التنصل من ترامب والترامبية، لأن الحزب في حاجة، حتى يناير/كانون الثاني المقبل، لذلك الدعم، والزخم، والهستيريا الترامبية. لكن، في الوقت ذاته، تهدد الادعاءات بتزوير الانتخابات، التي يطلقها ترامب وحملته، العملية الديموقراطية التي أدت إلى فوز العدد من ممثلي الحزب الجمهوري.

تجري الانتخابات الأميركية في ورقة واحدة. فالورقة التي تختار فيها رئيس الولايات المتحدة، هي نفسها تختار فيها قضاة المحاكم المختلفة في مقاطعتك، ممثلي المجلس المحلى، النائب العام، أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس، وأي انتخابات أخرى يصادف موعدها مع موعد انتخابات الرئاسة. بعض الولايات حيث فاز جو بايدن، هي ولايات جمهورية فاز فيها نواب وممثلون للحزب الجمهوري. لذا، فإن طعن حملة ترامب في شرعية الانتخابات في تلك الولايات، هو أيضاً طعن في شرعية فوز نواب الحزب الجمهوري الآخرين.

عدد من رموز الحزب الجمهوري، بدأ مبكراً، وحتى من قبل الانتخابات، في التنصل من ترامب. حتى روبرت مردوخ، صديقه وامبراطور الاعلام ومالِك شبكات “فوكس نيوز”، ظهر قبل الانتخابات بأسبوعين وصرح بأن الرئيس المقبل سيكون ديموقراطياً في الأغلب، وانتقد بشدة تعامل ترامب مع جائحة الكورونا. لذا، لم يكن غريباً، أثناء الانتخابات، الانحياز والانقلاب المفاجئ لشبكة “فوكس نيوز” لصالح بايدن، حتى أنها كانت من أوائل الشبكات التي أعلنته فائزاً بالانتخابات.

لكن ترامب لن ينتهى. فهو ليس سياسياً تقليدياً، ما إن يخسر الانتخابات، حتى يذهب للعتمة ويمارس الرسم مثل جورج بوش. لن يتوقف عن الصياح وكتابة التغريدات والإدلاء بتصريحات جنونية وشتم الآخرين. كما أنه سيخرج من البيت الأبيض ومعه 70 مليون ناخب أميركى صوّتوا له، ويرونه منقذ أميركا والزعيم الذي أتى ليبعث الحياة في روح الجنس القوقازى الأبيض.

تنتاب الحزب الجمهوري موجة قلق من المستقبل، ومما قد يفعله ترامب، فهو لن يتوقف، وسيسعي للترشح في 2024، وإذا قاومه الحزب أو حاول التنصل منه، فقد يعلن ببساطة خروجه منه آخذاً معه جزءاً كبيراً من قاعدة الحزب الانتخابية والشعبية.

يعلم ترامب أن الحزب الجمهوري سيبيعه، وأن الشبكات الاخبارية والإعلامية ستنتقم منه بالتجاهل، والنبذ، وعدم بث أخباره. لذا، فأول المشروعات التي أعلن عنها هو تأسيس شبكة قنوات ومنصات إعلامية تعبّر عن اليمين الأميركى “الحقيقي”، بعد اكتشاف خيانة “فوكس نيوز” التي ما عادت تعبّر عن توجهات اليمين هذا.

شهدت الأسابيع الماضية، ظهور مواقع وقنوات تلفزيونية كانت شبهه مغمورة، لكن ترامب وجماعاته يشترون تلك المنصات ويستثمرون فيها فترتفع أرقام مشاهدتها. ما يعنى أنه، بعد خروجه من المكتب البيضاوي، سيستمر ترامب في استخدام الإعلام لنشر نظريات المؤامرة، والعنصرية، ومجمل الأفكار الفاشية البيضاء الأخرى التى كانت تختبي في الحديقة الخلفية للحزب الجمهوري ستخرج للواجهة مع ترامب الجديد. والسؤال هنا: ما الذي سيفعله الحزب الجمهوري؟ هل سيمتلك الجرأة للوقوف في وجه ترامب وآلته الإعلامية التي يبنيها الآن؟ أم سيفتح ذراعيه لتلك التيارات، التي لم تعد تكتفي بالجهاد الإلكترونى في المنتديات الالكترونية، بل سيخرجون إلى الشارع ويحملون السلاح ويشاركون في الانتخابات ويفوزون بمقاعد برلمانية لصالح الحزب؟

من الصعب التكهن، لأن المشهد السياسي في حالة سيولة وإعادة تشكيل، والجميع يتحرك ضد ومع الجميع. وفي الوسط، ترامب، الذي اكتسب الكثير من الأعداء خلال فترة رئاسته، ويواجه العديد من القضايا والاتهامات بداية من التهرب الضريبي وصولاً إلى التحرش. ومهما وضعنا من سيناريوهات، فقد نُفاجأ، بعد مغادرته الرئاسة، بصدور حكم عليه بالسجن، أو هروبه خارج البلاد.

المدن

———————–

أزمة الحزب الديمقراطي.. هل نجحت الليبرالية الأميركية في هزيمة دونالد ترامب؟/ شريف مراد

عبر أعلى نسبة أصوات في تاريخ الولايات المتحدة، استطاع مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن إزاحة دونالد ترامب، في حدث وُصِف بأنه لا يُمثِّل انتصارا للحزب الديمقراطي فحسب، بل للقيم الليبرالية والتعددية التي تُمثِّلها أميركا على حساب العنصرية والشعبوية اليمينية التي مَثَّلها ترامب.

ما بدا لافتا هذه المرة أن حملة جو بايدن استطاعت تشكيل شبكة تحالفات واسعة بين قوى اجتماعية وسياسية مختلفة ومتباينة لتحقيق نتيجة واحدة: هزيمة ترامب. وبحسب مراقبين، كان هذا هو أوسع تحالف سياسي تشهده أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، والأهم هنا أن ما يجمع هذا التحالف هو العداء لترامب أكثر من كونه التفافا حول بايدن نفسه بوصفه مرشحا سياسيا، إذ صُوِّر ترامب بوصفه عدوا لكل قيم العالم الحديث: الليبرالية السياسية والاجتماعية، التضامن مع الأقليات العِرقية والجنسية، مراعاة البيئة. الجدير بالانتباه هنا أنه رغم حملات الهجوم الشرس على ترامب من مختلف الشرائح طوال فترة حكمه، ورغم شيوع خطاب الكوارث الذي يُشير إلى التهديد الجذري الذي يُمثِّله ترامب لمستقبل أميركا وقيمها، فقد استطاع الرجل زيادة شعبيته والحصول على نسبة أصوات أعلى من الانتخابات الماضية التي أتت به إلى الرئاسة.

الأسئلة الأساسية هنا هي؛ ما طبيعة الأيديولوجيا الحاكمة لهذا التحالف الكبير، حيث يُقدِّم خطابا ليبراليا يحتفي بالتنوع والتعددية في الوقت نفسه الذي يصف خصمه السياسي بأنه عدو وجودي وخطر جذري على البلد كله، وأن أنصاره مجموعة من المتعصبين قليلي الحظ والتعليم والثقافة، فهل انتصرت الليبرالية الأميركية على أعدائها فعلا؟ السؤال الأهم ما مدى تماسك هذا التحالف الذي من المفترض به أن يقف في وجه أي موجة شعبوية عنصرية قادمة؟

في التقرير الماضي “الشعبوية ضد الدولة.. لماذا يرفض ترامب الاعتراف بالهزيمة؟”، انتهينا إلى أن إحدى المقاربات غير الليبرالية في تعريف السياسة هي أنها “ممارسة فن تحديد العدو”، وهذا الشكل من الممارسة السياسية هو سر نجاح ترامب، حيث استطاع حشد قطاعات واسعة من الأميركيين ضد النُّخَب والمؤسسات السياسية الحاكمة باعتبارهم أعداء للشعب الأميركي.

هذا الخطاب السياسي، وهذا النوع من الممارسة السياسية غير الليبرالية، هو بالضبط الذي استخدمته القوى الليبرالية وخاصة التقدمية في مواجهة ترامب وأنصاره، فصُوِّر بوصفه الشيطان السياسي، وجُمعت فيه عناصر من كل ما يكرهه خصومه، على اختلافهم، يمكن هنا ببساطة تتبع الحملة التي قادها بيرني ساندرز ضد ترامب منذ بداية حكمه(1)، حيث صُوِّر ترامب بوصفه عدوا لأميركا كلها، أميركا هنا بوصفها فكرة وتاريخا يحمل التعددية والليبرالية في القلب منها. تبدو شيطنة الخصم السياسي، وسلبه الأهلية الاجتماعية والأخلاقية، واعتباره مصدر كل الشرور، فعلا غير عقلاني، ويعكس تفكيرا كنسيا مطلقا، وهو نقيض الادعاءات الليبرالية عن نفسها بوصفها فكرا عقلانيا نسبيا، لا يؤمن بالمطلقات، ويحتفي بنسبية المعرفة، والتعددية السياسية والثقافية.

إلا أن المفارقة أن هذا التكتيك الشعبوي غير الليبرالي هو سر نجاح الليبراليين والتقدميين في أميركا في هزيمة ترامب، فشيطنة ترامب، وتقديم تحالف بايدن لنفسه بوصفه مُمثِّلا لكل ما هو جميل وخيّر وإنساني أمام ترامب “إله الشر” الذي يسكن البيت الأبيض في واشنطن، وله أنصار أشرار يشبهونه، ساهم بالفعل في تشكيل تحالف واسع ومتماسك ضد ترامب لم يكن ممكنا بدون ترامب نفسه، “بهذا المعنى فإن شيطنة ترامب، رغم عدم عقلانيتها، فعل سياسي نافع، إذا وافقنا على تقديم تعريف غير ليبرالي للسياسة بوصفها تمييزا بين العدو والصديق، يعتمد على أساطير مؤسّسة عن الذات والآخر”(2).

في كتابه “مفهوم السياسي”(3) يميز شميت بين الليبرالية وغيرها بالتركيز على أن المفهوم المحافظ للعداء السياسي يتحول في الفكر السياسي الليبرالي الكلاسيكي إلى منافسة بين شركاء في جماعة وكيان واحد، حيث من الممكن عقد التسويات والصفقات والتنازلات المتبادلة لمصلحة الكيان أو الجماعة الأم، أما في الأفكار غير الليبرالية، اليساري منها واليميني، “فالعدو هو الآخر الغريب، حيث يكفي لاكتمال ماهيته كعدو أن يكون -بالمعنى الوجودي- شيئا مغايرا وغريبا، بحيث تغدو النزاعات معه في الحالات القصوى ممكنة”، يبدو غريبا على أيديولوجيا وتحالف سياسي يحتفي بالتنوع وباحتضانه للقيم الإنسانية أن يتبنّى ممارسة سياسية هي بالأساس عكس ما يُنادي به، لكن هذا تحديدا ما يكشف أزمة الحزب الديمقراطي الأميركي.

يحوي تحالف بايدن طيفا واسعا من الشرائح الاجتماعية والهوياتية، وهي القاعدة الاجتماعية الرئيسية للحزب الديمقراطي التي تُمثِّل بحسب بول كروغمان(4) سكان المدن الكبرى من الشرائح العليا للطبقة الوسطى الأميركية من ذوي الدخل المرتفع والتعليم الجامعي الجيد والموقع القوي داخل سوق العمل، ثم من الأميركيين من أصل أفريقي، الذين هم في العادة من المُصوّتين للحزب الديمقراطي، هذه القاعدة الاجتماعية للحزب الديمقراطي هي التي قام ترامب من أجل مواجهتها عام 2016 واستطاع هزيمتها، مما اضطرها للدخول في تحالف جديد أوسع نطاقا من أجل رد الهزيمة له.

بحسب الباحث سامي الكيال(5) فإن قوام هذا التحالف الجديد هو ما يُعرف في العلوم الاجتماعية بـ “التقاطعية”، حيث يُجمَع عدد من الصراعات السياسية التي تجري في مواقع مختلفة في موقع واحد. وبذلك، كان نجاح معسكر بايدن في شيطنة ترامب يقوم بشكل أساسي على خلق تقاطع اجتماعي وسياسي رئيسي تتجمّع فيه كل المظلوميات السياسية وتُوجَّه نحو عدو واحد؛ ترامب. فهناك استغلال طبقي من الطبقة الثرية التي يُمثِّلها ترامب ضد الفقراء، وتمييز عِرقي ضد الملونين من المواطنين من أصل أفريقي والأقليات من أصل لاتيني آسيوي وعربي، وتمييز ثقافي ضد المسلمين، وتمييز جندري وجنساني بنيوي ضد النساء والمثليين والمتحولين جنسيا، يعاني من كل هذا العديد من أفراد المجتمع الأميركي، حسب موقعهم في هرمية الضحايا، وبذلك فإن ترامب وناخبيه يُمثِّلون العدو، أي باعتبارهم مُمثِّلين للرأسمالية الذكورية البيضاء التي سبّبت كل تلك الجراح والمظلوميات.

وبالاستمرار مع سامي الكيال(6) فإن أزمة الحزب الديمقراطي اليوم تكمن في بنائه ذاتا سياسية جمعية، قائمة أساسا على تفسير أغلبية المشكلات الاجتماعية والسياسية بوجود شخص غبي وعنصري على سدّة الحكم، يتّبعه جمهور أبيض جاهل يشبهه، مما أخفى تناقضات هيكلية في التحالف المُعادي لترامب، “فتنوع هرمية الضحايا تسمح لمعظم الأفراد، مهما بلغ نفوذهم وامتيازهم، أن يُدرجوا أنفسهم فيها، أصحاب الملايين يمكن أن يكونوا نساء أو مثليين، أو من أصول غير بيضاء، أو حتى شبابا لم يتلوثوا بتراث “الرجال البيض العجائز”، دعك من أن كثيرا من أشد المتحمسين ضد الذكورية البيضاء يتمتعون بكل الامتيازات الكلاسيكية لـ “الرجل الأبيض” لدرجة يمكن القول معها إن معاداة الرجل الأبيض هي آخر صيحة بين مَن هم اجتماعيا في موقع الرجال البيض، على اختلاف أعراقهم وأجناسهم وميولهم الجنسية. تحالف بورجوازية المدن الكبرى الكوزموبوليتية مع “مهمشي” الأقليات، وهو أساس الائتلاف المعادي لترامب، قد يجعل مهاجرا مكسيكيا فقيرا يجد نفسه في معسكر واحد مع رب عمله التقدمي الذي يُشغّله بأبخس الأجور. ووقائع استغلال العمال المهاجرين في الولايات التي يحكمها ديمقراطيون، التي أعلنت نفسها مفتوحة للهجرة نكاية بترامب، معروفة وموثقة “.

في سبيل مواجهتها لشعبوية ترامب المستندة إلى الهوية البيضاء البروتستانتية، أسّست حملة بايدن لتحالف واسع من مواقع اجتماعية متباينة حتى التناقض، في محاولة لتقديم صورة جديدة مختلفة عن أميركا التي يتحدث عنها ترامب ويحلم بها أنصاره، تحالف قائم على هوية مضادة للهوية البيضاء الأميركية التقليدية، ما يُفسِّر بشدة حِدَّة الاستقطاب السياسي الذي تعيشه أميركا في لحظتها الراهنة.

يعيش الروائي المصري أحمد ناجي المهاجر حديثا إلى الولايات المتحدة في إحدى الولايات المتأرجحة (swing states) بين الجمهوريين والديمقراطيين، يحكي ناجي في العديد من مدوناته عن حياته في أميركا، وعن حجم التنوع الضخم الذي يعيشه هو وعائلته في حياتهم اليومية في ولاية نيفادا: “أحسد سينا ابنتي، لأنها لم تتجاوز سنواتها الثلاث، وتأتي كل يوم إلى هذا المكان تلهو وتلعب مع أطفال من كل الأعراق والخلفيات الدينية والثقافية. في الحضانة، يتحدثون الإنجليزية والإسبانية، لكنّ هناك أطفالا من أصول آسيوية وأفريقية، ومرة سمعت الإيطالية بين أب وابنه. كل هذا ونحن لا نعيش في مدينة كبيرة، ولا نذهب لحضانة دولية، وكل هؤلاء رغم تباين ألوانهم وألسنتهم وأديانهم، مثل سينا، هم على الأرجح أطفال أميركيون، وطبقا للعبارة الإنشائية الشهيرة، هم مستقبل أميركا”(7).

إلا أن ناجي(8) يستدرك موضحا أن كل هذا التنوع الضخم ليس بلا ثمن، وليست أميركا هي مجرد فردوس أرضي ليبرالي حيث الجميع مُرحب به: “هذا كله جديد، حتى على الأميركيين أنفسهم. يفخر الأميركيون بأنهم أمة من المهاجرين المتنوعين. لكن حتى الستينيات من القرن الماضي، كان هذا التنوع مجرد تنويعات على الهويات القومية للرجل الأبيض. فالبلد غالبية تركيبته السكانية من أصول أوروبية بيضاء، يفتخرون بالتنوع، فهُم من أصول فرنسية وألمانية، كاثوليكية بروتستانتية… لكنّ مياهًا كثيرة جرت تحت الجسر منذ ذلك الزمن، بداية من حركة الحقوق المدنية التي رفعت بعض القيود عن المرأة والسود، وصولا إلى زيادة معدلات الهجرة من كل مكان في العالم. ومع الوقت، بدأت هذه الأقليات الجديدة تسعى إلى تمثيل سياسي يناسب حجمها. في خلال العقدين الأخيرين، تصاعد دور الأقليات في المشهد السياسي الأميركي، حتى وصلنا إلى ما حدث منذ بضعة أيام بوصول أول امرأة ملونة للبيت الأبيض بعد باراك أوباما أول رئيس ملون للولايات المتحدة”.

ثم يستكمل ناجي تدوينته المعنونة بـ “أميركا.. صراع الهويات لا السياسات” بأن كل هذه الأقليات تتعايش بسلام اجتماعي، ما عدا الغالبية المحافظة البيضاء التي تشعر بالخطر والتهديد، وترى أن أميركا التي تعرفها تختفي أمام أعينها، كما أسلفنا سابقا هذا الشعور بالخطر والتهديد هو الذي أتى بترامب إلى السُّلطة قبل أربعة أعوام لإعادة البلد إلى أصحابها الحقيقيين، فالخلاف السياسي في أميركا جوهره عِرقي وهوياتي.

ما وصل إليه ناجي خلال انطباعاته عن الحياة في أميركا وصل إليه بشكل مختلف، سامي الكيال في تحليله الرصين لطبيعة الأيديولوجيا التي هزمت ترامب قبل أيام في الانتخابات، حيث شكَّل الحزب الديمقراطي تحالفا وأيديولوجيا “تُحدِّد العدو بوصفه “الرجال البيض” غير التقدميين وعائلاتهم، أي نحو نصف الشعب الأميركي”، لكن ترامب كان مستعدا لأخذ حالة العداء السياسي إلى أقصاها كونه سياسيا أكثر راديكالية من كل خصومه، فبدأ في سياسة التضييق على المهاجرين، وانتقل من وضع فقراء العمالة اللاتينية في الأقفاص إلى منع الشركات التقنية من تعيين غير الأميركيين، بل وتهديد الجامعات بترحيل الطلاب الأجانب، فضلا عن مشروعه المُجهَض ببناء الحائط الذي يفصل بين المكسيك وأميركا.

يُعرَف أنصار بايدن من يمين ويسار الوسط والتقدميين أنفسهم باعتبارهم طرفا شديد الليبرالية، لا يمكنهم الموافقة نظريا بالتأكيد على ممارسة سياسية تقوم على تحديد العدو وتجريمه، تمهيدا لإلغائه سياسيا وثقافيا، في الوقت الذين يقومون فيه بتعبئة سياسية مستمرة ضد هذا العدو، أي ضد كل أبيض ذكوري محافظ.

خلال تظاهرة ضخمة مؤيدة لترامب في واشنطن، جاءت من كل أنحاء الولايات المتحدة، عقب ادّعائه سرقة الانتخابات، كان الصحافي المصري عبد الرحمن يوسف في القلب منها، حيث لاحظ عبد الرحمن(9) أن “التجمعات أكبر من مجرد تظاهرة سياسية لأنصار سياسي أو مرشح تقول النتائج الرئيسية إنه خسر في الانتخابات، بل كانت مظاهرة ثقافية واجتماعية ودينية أيضا، مظاهرات قدّمت وجها آخر لأميركا”، خلال التظاهرات كان هتاف “USA.. USA” متكررا، وحين سأل بعض المتظاهرين: “ما معنى هذا الشعار وما علاقته بالانتخابات؟ قالوا إن هذا هتاف لأميركا لأن الديمقراطيين والليبراليين يريدون أن يسرقوا أميركا منا”. قادت هذه الإجابة العامة عبد الرحمن لتوجيه أسئلة أكثر خصوصية، فسأل المتظاهرين: “لماذا أنت هنا اليوم؟”، أحدهم قال إنه هنا من أجل منهاج التعليم، أنا سئمت من مناهج التعليم الليبرالية ولا أريدها لأولادي، وآخر تحدَّث عن عدم رغبته في تدريس نظرية التطور لأولاده، شخص آخر تحدَّث عن السلاح، وأن هذا حق دستوري لكنّ الديمقراطيين يريدون أن يُقوِّضوا هذا الحق، في حين يرى أن السلاح هو الضمانة الرئيسية لحماية الأفراد من تغوُّل الحكومة عليهم، ويرى أن الحرية هي وجود دور أقل لصالح الحكومة، وضرائب أقل، وأن هذا البلد “بُنيَ على مواجهة الحكومة وليس الخضوع لها”، وهذا ما يريد أن يهدمه الديمقراطيون.

يروي عبد الرحمن أن الغالبية ممن حضروا يبدو عليهم أنهم ينتمون للطبقة الوسطى أو أقل، وأن كثيرا منهم رفع شعارات الانتماء للريف أو الزراعة، لا يحبون واشنطن ولا أهلها، وينظرون إليهم بوصفهم أُناسا مستعلين ومغرورين، ولا يعبرون عن أميركا الحقيقية، وسط اعتقاد سائد بأن الديمقراطيين هم مجرد شيوعيين أو اشتراكيين في أحسن الأحوال يحتقرون أميركا البيضاء المحافظة البروتستانتية.

هذه الوضعية السياسية وهذه الأيديولوجية التي تبنّاها الحزب الديمقراطي بسياستهم التجييشية ضد خصومهم البيض، اللا أخلاقيين، الأغبياء، أدّت إلى نمط من الحرب الأهلية الباردة الدائمة، لا يمنع تحوّلها إلى حرب ساخنة إلا قوة مؤسسات السلطة التنفيذية في الدول الغربية، يتذكّر(10) أحمد ناجي كيف أن هذا التنوع وهذا الصراع السياسي يُخفي وراءه “غضبا نلمسه بوضوح في الكثير من التفاصيل، غضبا مكبوتا لدى الجميع تجاه الجميع، الفقراء ضد الأغنياء، الأغنياء ضد الفقراء، والأعراق والأصول المختلفة ضد العِرق الأبيض، أذكر العام الماضي، بعد انتهاء التدريب في “الصالة الرياضية”، جلست في الجاكوزي وبجواري شاب أبيض وآخر أفريقي، يتحدثان عن مزايا الأسلحة الشخصية المختلفة. سألني أحدهما عن رأيي في مسدس ما، فقلت إني لا أفهم في الأسلحة، فنظرا إليّ بدهشة، فسألتهما: ولماذا أهتم؟ فاندهشا أكثر، وردّا على سؤالي بسؤال آخر: لكن ماذا لو قامت الحرب الأهلية قريبا، ماذا ستفعل؟ ابتسمتُ ولم أُعلِّق”.

من المستبعد أن تتجاوز أميركا حالة الاستقطاب الحاد، أو الحرب الأهلية الباردة، وتصل إلى حالة من العنف الأهلي الواسع، نظرا لقوة السلطة التنفيذية الأميركية، لكن الشاهد هنا أن الولايات المتحدة دخلت في منعطف سياسي خطير، بدأ بصعود ترامب إلى السُّلطة، ويزداد خطورة مع إستراتيجية الحزب الديمقراطي لإزاحة ترامب عن السُّلطة، وإلى أن تتلاشى أسباب الشعبوية الهوياتية التي ضربت الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يبدو أن القوة الغاشمة للحكومة الأميركية هي كل ما يجمع الأميركيين الآن.

—————————————————————————-

المصادر:

SEN. BERNIE SANDERS ADDRESSES THE NATION: TRUMP’S THREAT TO OUR DEMOCRACY

سقوط ترامب أو عندما تفقد الثقافة السائدة شيطانها، محمد سامي الكيال، جريدة القدس العربي

مفهوم السياسي، كارل شميت، ترجمة سومر المير محمود، مركز مدارات للأبحاث والنشر

ضمير شخص ليبرالي: الاقتصاد السياسي لتطور الحياة السياسية والحزبية الأميركية، بول كروجمان، ترجمة مجدي صبحي، المركز القومي للترجمة

سقوط ترامب أو عندما تفقد الثقافة السائدة شيطانها، محمد سامي الكيال، جريدة القدس العربي

المصدر السابق

أميركا.. صراع الهويات لا السياسات، احمد ناجي، المدن

المصدر السابق

تدوينة الصحفي عبد الرحمن يوسف عن التظاهرات المؤيدة لترامب

مصري في تظاهرة أميركية.. أو كابوس الهزيمة مرة أخرى، أحمد ناجي، المُدن

——————————–

من هو أنتوني بلينكن؟/ أليكس راول

أثار خبر تعيين أنتوني بلينكن وزيراً مقبلاً للخارجية الأميركية انقساماً في أوساط الحزب الديمقراطي، بين الليبراليين والوسطيين الذين رحّبوا به على اعتباره عودةً إلى الكفاءة والفعالية الدبلوماسية والحكومية، وإلى الانفتاح على العالم بعد أربع سنين من إدارة الرئيس دونالد ترامب المعروف بشعاره الانعزالي «أميركا أولاً»، وبين طرف إلى اليسار، يشمل منتقديْ مواقف بلينكن السابقة المؤيدة للتدخل العسكري في العراق عام 2003، وليبيا عام 2011، وسوريا فيما بعد، الذين يصنفونه «متدخلاً ليبرالياً» وداعماً حازماً لإسرائيل.

والواقع أن بلينكن، البالغ من عمره 58 عاماً، وصاحب الخبرة المهنية في مجال السياسة الخارجية منذ زمن الرئيس بيل كلينتون في تسعينات القرن الماضي، قد شغل مناصب بارزة في إدارة الرئيس باراك أوباما السابقة، كنائب مستشار للأمن القومي بين 2013 و2015، ثم نائب وزير الخارجية بين 2015 و2017، إلا أنه لطالما كان أقرب إلى الرئيس المنتخب الحالي جو بايدن، منذ أيامه الأولى في لجنة مجلس الشيوخ الأميركي للعلاقات الخارجية في أوائل الألفينات. في الانتخابات الرئاسية عام 2008، كان بلينكن يعمل لصالح حملة بايدن غير الناجحة وليس في حملة أوباما الفائزة، كما أنه عمل لاحقاً مستشاراً للأمن القومي خصيصاً لبايدن (الذي كان نائب الرئيس وقتئذ) بين 2009 و2013. لا شك بالتالي أن رؤية بلينكن السياسية تختلف عن رؤية أوباما على عدة أصعدة، ليس الشأن السوري أقلّها.

«ارتكبنا خطأ»

فيما يخص سوريا، من اللافت أن بلينكن كان من أشد الداعمين الديمقراطيين لفكرة ضرب نظام الأسد بعد المجزرة الكيماوية الكبرى في غوطتي دمشق الشهر آب (أغسطس) عام 2013، واشتهرت مقولته حينها بأن «القوى العظمى لا تهدد كذباً»، إشارةً إلى الرئيس أوباما الذي توعّد الأسد بالمعاقبة العسكرية في حال استخدم الأسلحة الكيميائية ولم يفعل. في السنوات التالية، عبّر بلينكن عن أسفه لعدم توفير المعارضة السورية بالمزيد من الدعم، قائلاً: «في سوريا (…) ارتكبنا خطأ عدم القيام بما يكفي (…) واليوم نرى النتائج، في مئات الآلاف من المدنيين الموتى، والملايين من اللاجئين الذين قد زعزعوا استقرار أوروبا، والنفوذ المتزايد لكل من روسيا وإيران وحزب الله».

وفي حديث جرى في شهر أيار (مايو) من العام الراهن، شرح بلينكن أفكاره ومقترحاته تجاه سوريا بالمزيد من التفاصيل: «هذا أمر يؤثر عليّ بشكل شخصي، كما على أيٍ منّا – وأبدأ مع نفسي – الذين كان لنا أي مسؤولية عن سياستنا بخصوص سوريا (…) لقد فشلنا في منع خسارة مروعة للأرواح. فشلنا في منع نزوح عدد هائل من الناس داخل سوريا، وطبعا خارجها كلاجئين. وهذا شيءٌ سآخذه معي طوال بقية أيامي. إنه شيء أشعر به بقوة».

من ناحية الخيارات المتاحة للولايات المتحدة اليوم، يضيف بلينكن: «أعتقد أنّا لا نزال نمتلك قدرة على المحاولة لتحصيل بعض التطورات الإيجابية. لا يزال لدينا عدد صغير من القوات الخاصة في شمال شرق سوريا (…) يجب ألا نتخلى عن ذلك مجاناً. أيضاً، لنا قدرة أكبر من أي بلد آخر على حشد الآخرين للمساعدة في إعادة بناء سوريا وإعادة إعمارها في الوقت المناسب. علينا أن نتأكد من أنه، إن كنّا سنلعب هذا الدور فعلاً، فيجب أن نؤمّنَ شيئاً ما للشعب السوري في المقابل. على سبيل المثال، إذا كانت إدلب محاصرة، فذلك يجب أن يتوقف. إذا كانت المساعدات الإنسانية لا تدخل البلد، فذلك يجب أن يحصل. وعلينا أن نستخدم كل إمكانياتنا للحرص على أن يحدث نوعٌ ما من الانتقال السياسي الذي يعكس رغبات الشعب السوري».

ولذلك، اختتم حديثه بالقول إنه «يكاد أن يكون مستحيلاً أن أتخيل» أن إدارة بايدن ستطبّع العلاقات مع نظام الأسد.

أمّا بالنسبة للدول العربية الأخرى، يبدو أن بلينكن سيشجّع الرئيس بايدن على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في أكثر من بلد، حيث انتقدَ الاعتقالات الأخيرة في مصر عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر نهار الجمعة الفائتة. فيما يخص الخليج، سبق وأعلن بايدن نفسه، في مناسبة مرور عامين على اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أن حكومته «ستعيد النظر في علاقتنا مع المملكة (السعودية)، وتوقف الدعم الأميركي لحرب السعودية في اليمن، وتتأكد من أن أميركا لا تتخلى عن قيمها لبيع الأسلحة أو شراء النفط. التزام أميركا بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان سيكون أولوية حتى مع حلفائنا الأقرب».

العودة إلى طهران

في الوقت نفسه، وعلى سيرة الأولويات، تقول جريدة ذا واشنطن بوست إن أحد الطموحات الثلاثة الكبرى لدى إدارة بايدن في مجال السياسة الخارجية على المدى القريب هو إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب الرئيس ترامب منه، وهو الهدف الذي لن يتناغم بسهولة مع مواجهة «محور المقاومة» الذي تقوده إيران إقليمياً، المتمثل في سوريا بنظام الأسد ذاته.

ومن ناحية أخرى، من المفيد الانتباه إلى أن الهدفَين الإثنين الرئيسيَّين الآخرَين لدى إدارة بايدن سيكون مسرحُهما خارج الشرق الأوسط، فهُما إعادة الوجود والدور الأميركي في كل من اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. وقد لمّح بلينكن أكثر من مرة إلى أن التحديات الخارجية الأساسية للولايات المتحدة في السنوات القادمة ستكمن في مواجهة القوى الصاعدة عالمياً كالصين وروسيا، ما يتطلب المزيد من الاهتمام والتشابك في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، وليس المنطقة العربية، كما قال في حوار في شهر تموز (يوليو) الماضي:

«مع إدارة بايدن، سنرى المزيد من الاهتمام بمنطقة المحيط الهادئ والهندي، وبمنطقتنا نحن، إضافةً لبعض التشابك المستديم مع إفريقيا. وبالتأكيد تبقى أوروبا حليفاً أساسياً بالنسبة للتعامل مع التحديات التي نواجهها. إذن، على صعيد تخصيص الوقت وأولويات الموازنة، أعتقد أنّا سنعمل أقل وليس أكثر في الشرق الأوسط».

موقع الجمهورية

https://www.cbsnews.com/news/transcript-joe-biden-foreign-policy-adviser-antony-blinken-on-covid-shortfalls-failures-in-syria

https://www.washingtonpost.com/gdpr-consent/?next_url=https%3a%2f%2fwww.washingtonpost.com%2fopinions%2famerica-first-is-only-making-the-world-worse-heres-a-better-approach%2f2019%2f01%2f01%2f1272367c-079f-11e9-88e3-989a3e456820_story.html

———————————

ماذا بعد نجاح بايدن؟/ حيان جابر

وضَع انتصار بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، حدًا لفترة ترامب الرئاسية الحافلة بالإثارة والجدل، نظرًا لمضمون خطاب ترامب وممارساته العنصرية والفوقية. لكن هل ستعكس فترة بايدن مضامين أو مظاهر مختلفة عمّا أشاعته مرحلة ترامب؟ وما هي أبرز سمات مرحلة بايدن المتوقعة في الأشهر المقبلة؟

كانت مرحلة رئاسة ترامب مليئة بالقرارات المثيرة للجدل، على الصعيدَين الإقليمي والدولي، مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووقف تمويل (أونروا)، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية ومن مجلس حقوق الإنسان، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتقويض عمل المحكمة الجنائية الدولية، والعديد من القرارات الأخرى التي تعبّر عن تغيّر في طبيعة الدور الأميركي عالميًا؛ اذ اعتبر ترامب أن الوقت قد حان كي يدفع حلفاء أميركا ثمن تدخّل الولايات المتحدة الأميركية لتنظيم شؤون العالم، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. أي إن ترامب سعى إلى ربط الدور الأميركي الخارجي بمكتسبات أميركية واضحة ومباشرة وسريعة، اقتصاديًا وسياسيًا وإعلاميًا، وكأن تدخلاتها السابقة كانت مجانية وذات دوافع أخلاقية وإنسانية!

طبعًا، يعلم العالم أجمع حجم المكاسب الأميركية من تدخلاتها الخارجية المباشرة، كما نعلم حجم مكاسبها السياسية والاقتصادية، من كونها الداعم الأكبر والأهمّ لمعظم برامج الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها وبغيرها من التحالفات الدولية والإقليمية كالناتو، مثلًا. لذا لم تكن قرارات ترامب بدافع البحث عن ثمن التدخل الأميركي، كما لم تكن تعبيرًا عن طمع بمزيد من المكاسب فحسب، فهي سهلة التحقيق بوسائل أخرى، إنما تعكس هذه القرارات جانبين: الأول تغيّرات في الرغبة والقدرة الأميركية، فرضتها الوقائع الأميركية الداخلية ولا سيّما تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الأميركية في السنوات الأخيرة؛ والثاني تغيّرات في طبيعة وشكل وتوجهات القوى الدولية المسيطرة العميقة، ولا سيما الشركات الاحتكارية العابرة للقارات، كالشركات الناشطة في المجالات المالية والأمنية والسيبرانية، التي تسعى إلى لعب دور بارز ومباشر في صياغة السياسات الدولية، من أجل تلبية مصالحها المتنامية عالميًا.

وبناء على ذلك؛ لا بدّ من التمييز بين معطيَين مختلفين، لفهم قرارات الرئيس الأميركي ترامب: أحدهما يعبّر عن ثوابت جديدة تسعى أميركا إلى فرضها عالميًا؛ والثاني مستمدّ من شخصية ترامب الهجومية والصدامية المتطرفة. ويتجلى المعطى الثاني في مدى تطرف القرارات الترامبية، وتجاهله المطلق لأبسط قواعد العمل الدبلوماسي، ورفضه المطلق لنهج التغيير المتدرج، لذا شهدنا قرارات حاسمة وصادمة في جذريتها، كوقف تمويل منظمات أممية، والتماهي المطلق مع سياسات اليمين الصهيوني العنصرية والاستعمارية.

ويوحي المعطى الأول بجوهر إستراتيجي غير شخصي، يعبّر عن توجّه أميركي عام؛ إذ لم يُقابل برفض صريح ومطلق من دوائر صنع القرار الأميركية، حتى على المستوى الحزبي، فقد دعم الجمهوريون جميع قرارات ترامب، في حين عبّر الرفض الديمقراطي عن خلاف حول أساليب ترامب الفجّة من ناحية، وعن مناكفة حزبية من ناحية ثانية، لا أكثر. وبناءً على ذلك؛ قد لا نشهد تبدّلًا أميركيًا جذريًا وكاملًا في عهد بايدن المقبل، بقدر ما سنشهد تراجعًا تكتيكيًا منمقًا ومحدودًا في معظم الملفات، مثل العودة عن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع الإيرانيين، بشرط تضمينه أبعادًا جديدة تتعلق بضمان السيطرة الأميركية على قدرات ودور إيران في المنطقة، وهو ما يفهم من تصريحات بايدن الخاصة بهذا الملف. وكذلك الحال بخصوص التماهي مع سياسات اليمين الصهيوني، حيث لن تتراجع الإدارة الأميركية الجديدة عن أي منجز صهيوني ميداني، في مقابل عودة خطاب سياسي تمويهي منمّق، يتمسّك بحلّ الدولتين، ويتجاهل التصدي للمتغيرات الميدانية الصهيونية التوسعية والإجرامية بحق الشعب والأرض الفلسطينية والعربية. وعلى صعيد الدعم والدور الأميركي العالمي، أعتقد أن من الصعب (وربما من المستحيل) العودة إلى ما قبل المرحلة الترامبية، واستعادة الدعم الأميركي دوليًا وأمميًا، ماليًا وسياسيًا وعسكريًا، من خلال عودة مشروطة ومحدودة الحجم، ماليًا وسياسيًا، انسجامًا مع إستراتيجية التغير المتأنية التي تضمن لأميركا قدرتها على ضبط ردّات الأفعال المحتملة والحد من تأثيراتها المباشرة.

وبذلك؛ غالبًا ما سوف تجسّد سياسات وقرارات بايدن معادلة أميركية جديدة، تتمثل في أن الولايات المتحدة الأميركية هي الطرف الأقوى عالميًا، اقتصاديًا وعسكريًا وماليًا فقط، أي بمعزل عن ممارسة دورها التاريخي كقطب وحيد مهيمن ومسيطر على العالم، الذي تجسد في المرحلة التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفياتي؛ إذ تفسح الولايات المتحدة المجال اليوم أمام تولي قيادة عالمية جديدة للعب هذا الدور، وفق قواعد جديدة لمّا تظهر ملامحها بعد، قيادة غير تقليدية تعكس مصالح الشركات العابرة للقارات المسيطرة اليوم على أهمّ المفاصل الحيوية الاقتصادية والاجتماعية. الأمر الذي يستدعي إفشال الآليات والمؤسسات والنظم الدولية المعمول بها منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما عكسته سياسات ترامب الصادمة في السنوات القليلة الماضية.

ويساهم نموّ الاقتصاد الصيني المتواصل وتشعّب علاقاتها واستثماراتها الخارجية، في تزايد التكهنات حول قدرتها على استغلال التراجع الأميركي عن قيادة العالم، عبر ملء الفراغ الأميركي دوليًا. ولكن الصين تفتقر إلى جملة من العوامل الضرورية لملء هذا الفراغ في الأمد المنظور، مثل عدم سيطرتها اقتصاديًا أو عسكريًا على أهمّ المفاصل والثروات والقطاعات الحاسمة في العصر الراهن، كالقطاعات المالية؛ السيبرانية؛ مصادر الطاقة التقليدية وتلك المتعلقة بتكنولوجية قطاع الطاقة البديلة، فضلًا عن غياب السيطرة العلمية، ومحدودية المساهمة البحثية، وثانوية المساهمة في الابتكارات الحيوية الطبية والتكنولوجية؛ إضافة إلى افتقار الصين إلى نموذج حضاري أو إنساني جاذب عالميًا، يجعلها مثالًا يُحتذى على المستوى الدولي والشعبي.

ويبدو لي أن الصين ذاتها تدرك عدم قدرتها الحالية على ملء الفراغ الأميركي، وقد تبدى ذلك في تجنبها ملء الفراغ الأميركي الذي أحدثته سياسات ترامب الصادمة، في السنوات القليلة الماضية. وهو ما يجعل الساحة الدولية مهيئة لتلاعب أميركي في عهد بايدن أيضًا، في ظل غياب العوائق الجدية أمام محاولات صياغة نظام ومنظومة ومؤسسات وقيم دولية جديدة، تعبّر عن جشع واستغلال وغرائزية رأس المال الأكثر توحشًا، كالتي تجسدها الشركات الاحتكارية العابرة للقارات ذات الأدوار العسكرية والسياسية المتنامية عالميًا.

مركز حرمون

————————–

سوريا في صراع العلاقات التركية – الأميركية/ رضوان زيادة

على الرئيس بايدن اتخاذ قرار فيما يتعلق بالعلاقات التركية الأميركية وخاصة فيما يتعلق بسوريا، فإذا كان بايدن يريد اتخاذ موقف متشدد من روسيا كما هو المتوقع، فروسيا تحتفظ بوجود عسكري ضخم في سوريا دعما لنظام بشار الأسد، كما أن تركيا لديها وجود عسكري قوي يتمثل في الشمال السوري بعد عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات ومعركة عفرين التي تمكنت من خلالها من السيطرة على المدينة بعد طرد قوات الحماية الكردية المشكلة من قوات حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا شرسة مع الحكومة التركية على الأراضي التركية والعراقية والآن السورية.

وبالتالي على الولايات المتحدة أن تختار من سيكون حليفها في سوريا. روسيا كما هو الحال في إدارة ترامب التي لم تتحدَ الوجود العسكري في سوريا أبدا واعتبرته جيدا فيما يتعلق بالفضاء على الإرهاب، أم تركيا التي تحاول حماية إدلب وجوارها من عملية عسكرية محتملة من قبل النظام وروسيا وأعتقد هذا سيكون مصدر خلاف تركي أميركي قادم وسيجبر الرئيس بايدن على بناء استراتيجيته المحتملة فيما يتعلق بسوريا.

فالعلاقة التركية – الأميركية وصلت إلى مستوى متدهور للغاية ولذلك بالرغم من تصريحات بايدن السلبية تجاه أردوغان خلال الحملة الانتخابية فإن إمكانية تحسين هذه العلاقات وخروجها من الإطار الشخصي في عهد ترامب إلى علاقات تقوم على المصالح المتبادلة في عهد بايدن وهو ما من شأنه أن يقوي الموقف التركي في سوريا.

بيد أن القضية الرئيسية التي ستعقد العلاقات التركية الأميركية هي موقع قسد في الخريطة السورية، حيث ترغب وتسعى تركيا إلى إنهاء وجود قسد على الحدود السورية – التركية كما فعلت في عمليتها العسكرية غصن الزيتون وهو ما دفع بقسد إلى التراجع نحو الرقة والقامشلي ومناطق شمال شرق سوريا، حيث مناطق وجود القوات الأميركية، لكن قسد لا تحظى بأي دعم شعبي سوري وهو ما يجعلها دوماً محط انتقادات من القبائل العربية الموجودة هناك، وهو ما يسبب إحراجا للقوات الأميركية هناك، بيد أن قسد في الوقت نفسه تحظى بدعم قوي من داخل الكونغرس من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بوصفها حليفة الولايات المتحدة في حربها على داعش في سوريا، وهو ما يضع الرئيس الأميركي القادم بايدن أمام خيارات صعبة في الاختيار وفي تحديد استراتيجيته القادمة في سوريا وكيف سيكون موقع قسد فيها.

إن سياسة بايدن المحتملة في سوريا تعتمد بشكل رئيس على الموقع الذي يمكن أن تحتله سوريا في سياسة بايدن الخارجية القادمة، بالتأكيد سيكون تركيز بايدن على القضايا الداخلية وخاصة القضاء على فيروس كورونا وإنعاش الاقتصاد، لكن في الوقت نفسه عليه أن يضع أولوياته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط وما هو موقع سوريا ضمنها، وكيف سينظر إلى الجانب الإنساني والعسكري والسياسي المعقد في سوريا، وهو ما يدفعنا بعد ذلك لتقدير مدى الانخراط التي يمكن أن تقدمه إدارة بايدن القادمة في الأزمة السورية.

وفي الوقت نفسه يجب أن لا ننسى أن الأزمة السورية لن تكون منفصلة عن السياسة الأميركية التي ستتبعها إدارة بايدن تجاه روسيا وإيران، وهو ما يجعل القضة السورية أيضا رهينة الصفقات الدولية والإقليمية التي يمكن أن تجري على حساب إنهاء الأزمة السورية.

وفي الوقت نفسه فإن هذه الأولويات تعتمد أيضا على الفريق الذي يختاره بايدن للسياسة الخارجية والأمن القومي، وعلى ردة فعل الإدارة على الأحداث المتكررة على الأرض السورية، كل ما نستطيع أن نأمله هنا هو أن ينظر بايدن إلى الأزمة السورية بعيون مستقلة عن إدارة أوباما السابقة وأن يعمل على ترتيب الأولويات الإقليمية والدولية لصالح ترتيب حل سياسي في سوريا ينهي عشر سنوات من الألم المزمن الذي يعيشه السوريون. ومع اختيار بلينكن لوزارة الخارجية تزيد مساحة التفاؤل نظرا للموقع والتصريحات التي عبر فيها عن خيبة أمله من السياسة الأميركية في سوريا خلال عهد أوباما وانتظاره الفرصة كي يقوم بتصحيح الأخطاء، وأعتقد أن وقت الفرصة قد حان مجدداً.

تلفزيون سوريا

———————————–

========================

تحديث 29 تشرين الثاني 2020

—————————–

مقاربة بايدن الإيرانية/ بسام مقداد

كانت إيران بين الدول، التي تابع مواطنوها الإنتخابات الأميركية “خطوة خطوة وولاية ولاية”، كما كتب على موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية باحث إيراني زائر في جامعة أوراسيا في كازاخستان. وتشير مواقع التواصل الإجتماعي الإيرانية على تويتر وإنستغرام، حسب أحمد فخشيته، بأن إيرانيين كثر لم يناموا الليل وهم يتابعون التنافس بين ترامب وبايدن، الذي شطرهم، كما الأميركيين، وإن كانت قيادتهم تفضل فوز جو بايدن، ويتساءل الكاتب كيف يمكن تفسير هذا التأثير المباشر للإنتخابات الأميركية على الوضع في إيران، ولماذا كان سعر صرف العملة الإيرانية مقابل الدولار وسعر النقود الذهبية يتغير وفق تبدل مواقع المتنافسين في عملية فرز الأصوات، فكان يرتفع سعر العملة الإيرانية تجاه الدولار والنقود الذهبية مع تقدم بايدن، وينخفض مع تقدم ترامب.

وقبل أن يحاول الرجل الإجابة عن تساؤلاته، سرد مطولاً تطور العلاقات الأميركية الإيرانية بعد الثورة الإسلامية العام 1979، وكيف تطور إنقسام الإيرانيين إلى راديكاليين بزعامة المرشد الأعلى خامنئي متمسكين بشعار الثورة “لا شرق ولا غرب، عاشت الثورة الإسلامية”، وإصلاحيين بزعامة روحاني حالياً يدعون إلى التقارب مع الغرب. لكن وصول ترامب إلى البيت الأبيض ومن ثم إنسحابه من الإتفاقية مع إيران، غير قواعد اللعبة الإيرانية، وبدل تصور الإصلاحيين المثالي عن الغرب، ووضع الرئيس روحاني في مأزق، لم ير مخرجاً منه سوى في اتخاذ خطوات تستند إلى أيديولوجية الثورة الإسلامية في التوجه نحو الشرق، مما كان يتوافق مع إستراتيجية خامنئي في السياسة الخارجية. وقد ساعد هذا التكتيك حكومة روحاني، من جهة، على كسب الوقت حتى الإنتخابات الرئاسية الأميركية الحالية والمراهنة على فوز بايدن، ومن جهة أخرى على ضمان دعم جميع أجهزة الدولة في الإحتجاجات المحتملة بسبب الصعوبات الإقتصادية، وهو ما أثبت فعاليته في احتجاجات خريف العام 2019 ضد ارتفاع أسعار البنزين.

ويعتبر الباحث أن ثمة ثلاث مفارقات في مقاربة إيران للعلاقة مع الولايات المتحددة، تتمثل أولاها في أن المجموعات الطلابية الراديكالية، التي احتلت السفارة الأميركية في طهران في 4 تشرين الثاني/نوفومبر العام 1979، هي نفسها، التي تدعو اليوم لتوسيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وتسمي التوجه نحو الشرق (روسيا والصين) “توجهاً خاطئاً”. وتقوم المفارقة الثانية على أن القيادة الروحية لإيران تفترض، من جهة، أن الولايات المتحدة ضعيفة حيال إيران، وليس بوسعها القيام بأية عمليات ضد الجمهورية الإسلامية، وأن ليس للعقوبات الأميركية تأثير مهم على إيران القوية لدرجة، أن بوسعها تدمير إسرائيل عند الضرورة. ومن جهة أخرى، في كل مرة تبرز فيها صعوبات إقتصادية جدية وتتسع حركة الإحتجاجات، يسمون الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” ومصدر جميع المشاكل الإيرانية. أما المفارقة الثالثة فتتمثل في قيام القيادة الإيرانية والحكومة كل عام في سنوية إحتلال السفارة الأميركية بطقوس إحراق العلم الأميركي في المبنى القديم للسفارة. لكن بدل هذه الطقوس كان الإيرانيون في 4 تشرين الثاني/نوفومبر هذه السنة يتابعون الإنتخابات الأميركية، وكأنها إنتخاباتهم الرئاسية، لأنهم واثقون من أن فوز ترامب أو بايدن سيكون له تأثير مختلف، إنما مباشر، على حياتهم. وحين أُعلن فوز بايدن انخفض سعر الدولار من 300 ألف ريال إلى 240 ألفاً (خلال رئاسة ترامب ارتفع سعر الدولار من 35 ألف ريال إلى أكثر من 300 ألفاً، حسب الكاتب).

ويفترض الكاتب، أن رئاسة بايدن ستوفر عدداً من الشروط لعودة أميركا إلى الصفقة النووية مع إيران، يتمثل أولها في إنتقاد بايدن وإدانته لمقاربة ترامب لإيران، مما سيمهد الطريق لإقامة العلاقات معها بروحية سلوك أوباما الديموقراطي. وستقوم الولايات المتحدة مجدداً بإعادة تقويم ميزان التهديدات بين إيران والبلدان العربية، وستولي الكثير من الإهتمام للسعودية.

إضافة إلى هذين الشرطين، اللذين ستوفرهما رئاسة بايدن، يفترض الكاتب، أن إدارة بايدن ستنتهج سياسة التقارب مع الصين وتخفيض دور موسكو وتأثيرها في طهران، وكذلك تخفيض أهمية الشراكة الإيرانية الروسية في معالجة قضايا الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى عزل روسيا.

ولا يستبعد الكاتب أن فوز بايدن، وبسبب الصداقة القديمة، التي تربطه مع جواد ظريف، ستتوفر لهذا الأخير حظوظ مرتفعة في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة، وقد يصبح المرشح الرئيسي للتيار الإصلاحي و”منقذ” إيران في الخروج من مأزق العزلة الدولية.

وكالة تاس، من جانبها، نشرت نصاً حول سلوك الولايات المتحدة المحتمل حيال إيران في ظل رئاسة بايدن. وهي ترى، أن إدارة ترامب، وخلال الأيام المتبقية لها، بوسعها أن تزرع ألغاماً مؤقتة قد تتعثر بها إدارة بايدن. فقد أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو “برنامجاً داهماً” للعقوبات على إيران، كان أولها ما أعلنه من عقوبات جديدة على المنظمة الخيرية “مستضعفان” ووزير المخابرات محمود علوي. ويقول كاتب النص، بأن فرض العقوبات أسهل بكثير من رفعها، وسيتعين على بايدن التعامل مع تركة ترامب، وشرح ما الذي حصل عليه مقابل رفع كل عقوبة. وستتطلب هذه العملية وقتاً طويلاً، والكثير من العقوبات لن ترفع، في حين أن الوقت يعمل لتعزيز الصراع، حيث ستجري العام 2021 إنتخابات عامة في إيران، قد يفوز بها المتشددون المعارضون بشدة لأي تقارب مع أميركا.

الهدف الإستراتيجي لإدارة ترامب بقوم في جعل مقارباتها تعمل في ظل إدارة الديموقراطي بايدن أيضاً. ويشمل هذا الهدف السياسة الشرق أوسطية، حيث النقاشات بين الجمهوريين والديموقراطيين تتعلق بمستوى دعم إسرائيل، العلاقات مع السعودية والتدابير الآيلة للحؤول دون صنع إيران للسلاح النووي. وأهداف إدارة ترامب بشأن إيران تبقى غير واضحة، إلا أنها أكثر ما تذكّر بمحاولة جعل السلطات الإيرانية تبلغ حافة الإنهيار، أو الإستسلام دون قيد أو شرط، حسب ما أعلن لوكالة تاس خبير معهد واشنطن لبلدان الخليج علي الفونة.

سياسة “الضغط الأقصى”، التي اتبعتها إدارة ترامب حيال إيران، استهلتها بالخروج من الصفقة النووية، التي عقدت في عهد نيابة رئاسة بايدن، وركزت منذ البداية على تصدير النفط الإيراني ـــــ البند الرئيسي في مداخيل إيران، مما أسفر عن إنخفاض الناتج الإجمالي الإيراني العام 2019 بمقدار 7,6%. لكن هذا الضغط على تصدير النفط ليس أقصى العقوبات الممكنة، إذ أن العقوبات يمكن أن تطاول، حسب الخارجية الأميركية، أي مؤسسة إيرانية مرتبطة ببرنامج الصواريخ البالستية، أو بدعم الحركات الشيعية في الشرق الأوسط.

وتقول تاس، بأن مهمة بايدن لن تكون سهلة في الشرق الأوسط، حيث التشابك المعقد لمصالح جميع الأطراف فيه. فأي تنازل لأحد الأطراف، سوف يعني مباشرة تعزيز مواقع الطرف الخصم. فإذا ما رفع بايدن العقوبات عن إيران، سوف يؤدي ذلك إلى تحسين وضعها الإقتصادي، مما سيؤدي حتماً إلى تعزيز موقع الحوثيين ضد السعودية، ومواقع حزب الله وحماس ضد إسرائيل. وفرض العقوبات على إيران في العام 2018 أدى إلى زعزعة مواقع حكومة الإصلاحيين، وتعزيز مواقع المتشددين الداعين إلى العزلة عن العالم. وفوز بايدن واحتمال الإنفراج المقبل مع الولايات المتحدة هو نبأ مشؤوم بالنسبة لهؤلاء. وتنقل “تاس” عن صحيفة “كيهان” المغرقة في محافظتها قولها، بأن “عداء أميركا لإيران لم يبدأ مع ترامب، ولن ينتهي مع بايدن … وثمة في الحكومة من دأب منذ ثلاث سنوات على تفسير جميع مصاعب البلاد بفسخ الصفقة النووية، وسوف يستخدمون الآن نتائج الإنتخابات الأميركية لصالح أهدافهم السياسية”.

الباحث الإيراني المذكور أعلاه يؤكد أنه، بغض النظر عن تفضيل القيادة الإيرانية والحكومة لوصول بايدن، وعدم تصريح ترامب عن رغبته في إسقاط النظام الإيراني، إلا أن وسائل التواصل الإجتماعي تشير إلى أن الغالبية العظمى من الإيرانيين كانوا يرغبون في فوز ترامب، الذي كان يحاول ممارسة أقصى الضغط على الجمهورية الإسلامية وإنهاء الحكم الديني للبلاد.

المدن

————————————

في عهد بايدن.. هل ينفذ وعيده الانتخابي أو يُقرّ بأهمية تركيا ومصالحها؟/ محمود سمير الرنتيسي

تتناول هذه الورقة المحاور الأساسية التي ستشكِّل ملف العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة في عهد جو بايدن بعد فوزه في الانتخابات الأميركية. وفي حين أن التصور الغالب هو عدم ارتياح أنقرة لفوز بايدن بسبب مواقفه السابقة؛ حيث توعد تركيا في أكثر من ملف منها إس400 والمعارضة التركية. وتأمل أنقرة في التفاهم مع إدارة بايدن التي يُرجَّح أنها تريد تقوية الناتو مجددًا، لكن هذه الآمال لا تُسقط احتمال التوتر في ظل تعدد الملفات الخلافية وتعارض المصالح.

على مدار آخر عمليتين انتخابيتين في الولايات المتحدة كانت طبيعة العلاقة العملية مختلفة قليلًا عن التوقع الأولي لمسار العلاقة، فبالرغم من توقع علاقة متوترة جدًّا بين أنقرة وواشنطن في بداية فترة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسبب تصريحاته ووعوده خلال حملته والتي اعتُبرت عدائية في سياق الإسلاموفوبيا، إلا أن أنقرة وجدت فترة ترامب مختلفة عن أوباما الذي استبشرت بفوزه بفترة ثانية، لكنه زاد من دعم وحدات الحماية، وشهدت تركيا خلالها انقلاب 15 يوليو/تموز 2016.

وبعد السنة الأولى لترامب، نجح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في فتح قناة اتصال مع إدارة ترامب استطاع من خلالها التأثير على قناعات الرئيس الأميركي في بعض الأمور من جهة ومنع تعميق الأزمة في قضايا أخرى على الأقل، ومع ذلك كان هناك العديد من القضايا التي بقيت عالقة والتي اعتُبرت انعكاسًا لسياسة الدولة أكثر منها سياسة الرئيس. وقد تواصل ترامب وأردوغان من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وحتى أغسطس/آب 2020 فيما مجموعه 48 مرة منها 10 مرات وجهًا لوجه بمعدل مرة شهريًّا خلال 4 سنوات(1).

بقيت قناة الاتصال بين ترامب وأردوغان فعالة حتى الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري والتي فاز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بها حسب النتائج غير الرسمية. وبسبب هذه القناة وفعاليتها من جهة وبسبب مواقف وتصريحات غير إيجابية تجاه تركيا من جو بايدن وفريقه خلال الحملة، نشأ تصور بأن تركيا كانت ترغب في فوز ترامب في مواجهته مع المرشح الديمقراطي، جو بايدن. وبالنظر إلى تأخر أردوغان عن بقية دول المنطقة حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني في تهنئة بايدن بالفوز الأوَّلي وفي نفس الوقت إرساله رسالة شكر لترامب، وكون أول رسالة تهنئة لبايدن اصادرة من تركيا لم تكن من الحكومة بل كانت من رئيس أكبر حزب معارض فإنه لا يمكن تخطئة هذا التصور (2).

ومع ذلك، لا يمكن القول بأن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية من عهد الرئيس، دونالد ترامب، كانت علاقة جيدة بالمطلق، فقد شهدت العلاقة العديد من الأزمات ولوَّح ترامب خلالها بتطبيق عقوبات اقتصادية على تركيا أكثر من مرة أبرزها قضية الراهب برونسون، كما استمر الدعم الأميركي لوحدات الحماية في شمال سوريا، وجرى إخراج تركيا من برنامج مقاتلات إف35.

وعلى الصعيد الإقليمي، كان ترامب حليفًا قويًّا للدول المنافسة لتركيا في المنطقة مثل السعودية (قضية خاشقجي) والإمارات ومصر وإسرائيل، وقد بدا داعمًا لمحور التطبيع، ومن جهة أخرى بدا مباركًا للترتيبات التي قامت بها مجموعة من الدول التي شكَّلت منتدى شرق المتوسط وحرصت على استبعاد تركيا منه رغم أنها صاحبة أطول ساحل عليه.

بالنظر إلى النتائج الأولية للانتخابات الأميركية والتي أظهرت فوز جو بايدن، وبالرغم من عدم استسلام ترامب لهذه النتيجة حتى كتابة هذه السطور، فإن هذه الورقة سوف تتناول مواقف بايدن من تركيا خلال السنوات الماضية وخلال حملته الانتخابية والسيناريوهات المحتملة للعلاقات التركية-الأميركية في عهده، وهل سيتحرك بايدن بناء على مواقف مسبقة من تركيا أم سيتصرف ببراغماتية واقعية تجاه تركيا كقوة إقليمية لابد من كسبها ومراعاة مصالحها وأمنها.

مواقف بايدن القديمة تجاه تركيا

تفيد قراءة توجهات وسلوك بايدن تجاه تركيا خلال الفترة السابقة في فهم موقفه المبدئي من تركيا وفي تحليل سياسته القادمة نوعًا ما، ولكن مع ذلك ينبغي أخذ التطورات التي حصلت في عهد ترامب بالاعتبار، والتصاعد في قوة تركيا والفارق بين الأيديولوجية والسلوك البراغماتي كعوامل مؤثرة أيضًا.

عمل بايدن لفترة 8 سنوات نائبًا للرئيس، باراك أوباما، كما خدم لأكثر من ثلاثة عقود في مجلس الشيوخ وترأَّس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس. ومن هنا، فإن أبرز النقاط التي خشيت منها تركيا لدى بايدن تمثلت في دعمه لتقسيم العراق إلى ثلاث دول، إحداها كردية، عندما كان في مجلس الشيوخ في بداية الألفية الثانية، وهو الأمر الذي رأته تركيا تهديدًا لها(3).

أما خلال عمل بايدن كنائب لأوباما فقد شهدت الفترة الأولى علاقات جيدة مع تركيا بينما ساد التوتر في الثانية، ويمكن الإشارة لهذا المسار من خلال زيارات بايدن حيث زار بايدن تركيا، خلال فترتي أوباما منذ 2009 وحتى 2017، أربع مرات فقط (2011، 2014، يناير/كانون الثاني 2016، أغسطس/آب 2016) كما لعبت الاتصالات الهاتفية بين أردوغان وبايدن دورًا مهمًّا في التعامل مع حالات التوتر هذه، خاصة في الأوقات التي تعذر فيها التواصل بين أردوغان وأوباما وتحديدًا في فترة برود العلاقات بين أردوغان وأوباما بعد 2014.

بالرغم من حديث بايدن عن صداقة تربطه مع أردوغان بُعيد كل زيارة كان يقوم بها، إلا أن أزمة نشأت بينهما بعد الزيارة الثانية(4)، في 2014، عندما ادَّعى بايدن أمام طلبة من جامعة هارفارد أن تركيا قدَّمت دعمًا للتنظيمات الإرهابية في سوريا ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أثارت تصريحات بايدن حينها استياء أردوغان الذي طالبه بالاعتذار عنها وبالفعل قدَّم بايدن اعتذاره إلى الرئيس التركي. وقال بيان للبيت الأبيض: “إن بايدن اتصل بأردوغان وأبلغه اعتذاره عن تصريحاته في جامعة هارفارد، وأضاف البيت الأبيض أن نائب الرئيس “اعتذر عن هذه التصريحات التي يُفهَم منها تلميحه باتهام تركيا بدعم الإرهاب في سوريا”(5).

كانت الزيارتان اللتان أجراهما بايدن لأنقرة بعد ذلك، في يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2016، تحملان أهمية كبيرة فقد توسطهما حصول محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز، وقد جاءت زيارة بايدن، في أغسطس/آب 2016، بعد قرابة شهر ونصف على المحاولة الانقلابية في يوليو/تموز 2016 متأخرة في نظر الأتراك الذين كانوا قد تشكَّلت لديهم قناعات بتورط واشنطن في دعم المحاولة الانقلابية، وقد استُقبل بايدن في أنقرة بفتور من قِبل نائب والي أنقرة في المطار وترافق الاستقبال مع عتب على تأخر الزيارة وتحفظ على عدم صدور موقف صريح داعم لتركيا في مواجهة المحاولة الانقلابية أو حتى التعاون في تسليم فتح الله غولن، المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية.

كان ملحوظًا أن زيارة بايدن جاءت متزامنة مع إطلاق تركيا لعملية درع الفرات شمال سوريا، في 24 أغسطس/آب 2020، والتي أظهرت بوادر التنسيق بين أنقرة وموسكو في سوريا بعد المحاولة الانقلابية. حاول بايدن تنفيس غضب أنقرة خلال زيارته حيث وجَّه عدة رسائل إلى تركيا، من بينها:

تفهم الشعور التركي تجاه غولن والاستعداد للعمل على المتطلبات القانونية واحترام اتفاقية تسليم المطلوبين.

إدانة المحاولة الانقلابية.

الإشادة بشجاعة الرئيس أردوغان والشعب التركي في مواجهة الانقلاب.

الاستعداد لتوفير مساعدات لتركيا في مسيرتها لتعزيز الديمقراطية.

الإعلان عن أن واشنطن لم يكن لديها أية معرفة سابقة بمحاولة الانقلاب.

التأكيد على الوقوف مع الحكومة والشعب التركي “ليس لديكم صديق أهم وأقرب من الولايات المتحدة”(6).

وبالعودة إلى زيارة بايدن الأولى، مطلع 2016، فقد كشفت التحقيقات التركية في ملابسات الانقلاب بعد ذلك وخاصة مراسلات تطبيق “بايلوك” بين أعضاء تنظيم غولن عن أن بايدن كان على علم بمحاولة الانقلاب، ووفقًا للمراسلات كان بايدن خلال زيارته لتركيا قبل الانقلاب، في يناير/كانون الثاني 2016، قد أبلغ نجل “جان دوندار” وهو صحفي معارض متهم بإفشاء أسرار الدولة، بأن البلاد ستشهد انقلابًا؛ حيث قال له حرفيًّا: “هذا الرجل (أي أردوغان) لا يستمع إلينا، وهناك رائحة ستفوح من القوات التركية”(7).

مواقف بايدن وفريقه خلال الحملة الانتخابية

لم تكن مواقف بايدن تجاه تركيا خلال حملته إيجابية، فقد توعد حكومة الرئيس أردوغان في أكثر من ملف وساوى خلال الحملة الانتخابية بين تركيا وروسيا وكوريا الشمالية على أنها تحكمها أنظمة مستبدة، كما أبدى نيته في دعم المعارضة التركية لتغيير الحكم في تركيا، وجعل تركيا تدفع ثمن الحصول على منظومة إس 400. وفيما يلي الملفات التي يتوقع حصول توتر بين أنقرة وإدارة بايدن حولها:

التدخل في الشأن الداخلي التركي

أثارت تصريحات جو بايدن، التي أدلى بها في ديسمبر/كانون الأول 2019 والتي نُشرت في أغسطس/آب 2020، انتقادات شديدة من تركيا؛ حيث دعا بايدن فيها لنهج مختلف يدعم ويشجع معارضي الرئيس التركي، ليكونوا قادرين على مواجهة أردوغان ليس عن طريق الانقلاب بل عن طريق العملية الانتخابية. وقد أشار بايدن إلى ضرورة أن يدفع أردوغان ثمن ما فعله(8).

وفي المقابل، انتقد أكثر من مسؤول تركي تصريحات بايدن، ووصف المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، تصريح جو بايدن بـ”الجهل والنفاق”، وشدَّد على أن “أيام إعطاء التعليمات لتركيا ولَّت، وإن كنتم تعتقدون أن بإمكانكم المحاولة، تفضلوا وستدفعون الثمن”، وأضاف أن تحليل بايدن وتصريحاته ينمَّان عن “جهل مطلق وغطرسة ونفاق”(9).

ويتصل مع هذا رفض بايدن لقرار تركيا بتحويل آيا صوفيا من متحف إلى جامع؛ حيث قال بايدن: “آيا صوفيا هي مكان مقدس ثمين للغاية وأعجوبة معمارية للجميع، وقد شعرت بحزن عميق لقرار الحكومة التركية بتحويل (آيا صوفيا) إلى مسجد. أدعو الرئيس أردوغان إلى العودة عن قراره والاحتفاظ بهذا المكان القيم كمتحف”(10).

مع فوز بايدن، جاءت أول تهنئة من داخل تركيا له من كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض. وبدت رسالة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، التي وجهها باللغة الانجليزية قبل أيام في أحد المنتديات حول الديمقراطية على أنها شكوى بحق تركيا للغرب ورسالة للإدارة الأميركية الجديدة(11). ولكن، نشير هنا إلى أن الشعب التركي لديه حساسية سلبية تجاه الولايات المتحدة وستكون لأية محاولة واضحة للتدخل في الشأن الداخلي نتائج عكسية وستستفيد منها حكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان.

دعم وحدات الحماية شمال سوريا وتنظيم غولن

تعتمد رؤية بايدن للحل السياسي في سوريا على دعم حلفاء الولايات المتحدة وفي مقدمتهم وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكِّل العصب الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبرها أنقرة ميليشيات انفصالية إرهابية ترتبط بحزب العمال الكردستاني. وبالتالي، سيكون من المنطقى أن تُواجَه أي عمليات عسكرية تركية ضد وحدات الحماية شمال سوريا باعتراض أميركي.

وقد عانت تركيا في هذا الملف من مراوغة إدارة أوباما كما عانت أيضًا في ذلك مع إدارة ترامب وإن كان بشكل أقل، وقد قال الرئيس أردوغان في 2018: إن “أوباما خدع تركيا بمسألة القوات الكردية في منبج، واليوم ترامب على نفس خُطى سلفه يخدع تركيا مجددًا من خلال وعود كاذبة يقول فيها: إن القوات الكردية لا يمكنها البقاء في المدينة وعليهم التوجه إلى شرق نهر الفرات”(12). ومع ذلك، كان بايدن قد أكد، في 2016، أن “الأكراد لن يحصلوا على دعم بلاده إذا لم يحافظوا على التزاماتهم”(13).

إس 400

نظرًا لوجود ترجيحات بأن المواجهة مع روسيا ستكون إحدى أولويات إدارة بايدن فإن ملف منظومة إس 400 سيكون أحد الملفات الحاضرة، وبينما أبدى ترامب تفهمًا نسبيًّا، ولم يتجه لتطبيق العقوبات واكتفى بقرار إخراج تركيا من برنامج إف35، وحمَّل إدارة أوباما مسؤولية توجه تركيا نحو شراء إس 400 برفضها بيع الباتريوت لها، فإن بايدن يبدو أكثر حزمًا نحو عقاب تركيا خاصة مع توجه الكونجرس للموافقة على قانون الدفاع الوطني والذي يتضمن فرض عقوبات على تركيا.

وإزاء هذا التطور يبدو أن تركيا ستستمر في محاولة إيجاد حلول فنية للأزمة، وقد عبَّر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، خلال مناقشة ميزانية وزارته لعام 2021، عن استعداد أنقرة لتبديد المخاوف الفنية للولايات المتحدة فيما يتعلق بتوافق منظومة “إس 400” مع مقاتلات “إف35″، كما أوضح أكار أن تركيا ستستخدم منظومة “إس 400” مثلما يستخدم بعض أعضاء الناتو منظومة “إس 300” داخل نطاق الحلف. وفيما وراء إس 400 لا يزال هناك طموح لدى تركيا بالعودة إلى برنامج إف35؛ حيث أشار أكار إلى أن تركيا ليست مجرد دولة تشتري مقاتلات “إف35″، بل هي شريك في صناعتها(14).

تشير تصريحات أكار ومن قبلها تصريحات أردوغان وبقية المسؤولين الأتراك إلى أن تركيا ليست بصدد التخلي عن المنظومة الروسية، وأكد الرئيس التركي، في 2019، أن تركيا لا يمكنها “التخلي عن منظومة إس 400 والتوجه إلى الباتريوت”، وأبلغت الطرف الأميركي برغبتها في شراء الأخيرة أيضًا إلى جانب الاحتفاظ بالأولى، وأن “تركيا تسعى لأن تكون الولايات المتحدة وروسيا صديقتين لتركيا”(15).

يبدو أن ملف إس 400 سيكون أحد أكبر العثرات في العلاقة، وربما يكون عدم تفعيل المنظومة هو أقل حلٍّ ستقبل به واشنطن، وقد أجَّلت أنقرة التفعيل سابقًا في ظل أزمة كورونا ومن المرجح أن تلجأ لهذا الخيار خلال الأشهر الأولى من عهد بايدن.

ملفات أخرى

بالإضافة إلى ما سبق، لا تزال هناك جملة من الخلافات منها أزمة بنك خلق التركي والتي يُتوقع عودتها للسطح مع موعد القضية في المحاكم الأميركية، في مارس/آذار 2021. وعلى مستوى المنطقة تمتد الخلافات من شرق المتوسط وحتى كاراباخ حيث اتهم بايدن ومرشحته لمنصب نائب الرئيس، كامالا هاريس، تركيا بتأجيج الصراع في قرة باغ، عبر إرسال السلاح لأذربيجان. كما أدلى بايدن الذي يُعتقد أنه يدعم موقف اليونان بتصريحات اتهم فيها تركيا بإثارة التوتر في شرق المتوسط، داعيًا أنقرة لأن تتوقف عن أعمالها شرق المتوسط. وفيما لم يتبين بعد كيف سيكون سلوك إدارة بايدن تجاه تركيا في شرق المتوسط وهل ستدعم اليونان أم ستسعى لحل بينهما في إطار الناتو فإن دعم إدارة بايدن لأوروبا سيكون ضاغطًا على الموقف التركي.

فريق بايدن

بالإضافة إلى بايدن ونائبه، كمالا، فإن بعض أعضاء فريقه لهم خبرة طويلة بتركيا مثل مستشاره للشؤون الخارجية، أنطوني بلينكن، وسوزان رايس (تعتبر مرشحة لحقيبة الخارجية، وقد كان لها دور سابق في إفشال مبادرة تركية/برازيلية لاتفاق نووي إيراني قبل 2015)، وغيرهم لديه بعض المواقف السلبية من تركيا، وفي هذا السياق فقد أعلن أنطوني بلينكن على حسابه الرسمي على تويتر، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن أسفه للموقف التركي الداعي لحل الدولتين في قبرص(16)، كما انتقد ،في مارس/آذار 2017، الجنرال فلين (مستشار الأمن القومي في فترة ترامب حتى فبراير/شباط 2017) على تبنيه للموقف التركي في سوريا حيث دافع بلينكن عن تسليح بي واي دي لتحرير الرقة من داعش فيما دافع فلين عن العمل مع تركيا(17).

التفاؤل الحذر

بالرغم من المواقف المسبقة لبايدن والتي تُصنَّف سلبيًّا في أنقرة، فإن هناك مجالات جديدة يمكن أن تتوافق معها مصالح أنقرة ويمكن أن تكون مداخل إيجابية للتفاهم حول ملفات أخرى، ومنها:

الإنهاء المحتمل للدعم غير المحدود الذي قدمه ترامب لكل من السعودية والإمارات.

السعي لإنهاء حصار قطر.

الموقف المؤيِّدة نسبيًّا لسياسات تركيا في ليبيا (من خلال دعم حكومة الوفاق).

موقف الإدارة الجديد من العودة للاتفاق النووي مع إيران.

إعادة الأمل إلى حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية.

ويمكننا النظر هنا إلى أول التصريحات بعد فوز بايدن؛ حيث صرح مايكل كاربنتر، مستشار السياسة الخارجية الرئيسي لبايدن، بأن الإدارة الأميركية الجديدة “لا تنوي دفع تركيا إلى الزاوية” من خلال فرض العقوبات: “لا نريد أن نفرض عقوبات على تركيا ولا نسعى إلى خلق نوع من الانهيار الاقتصادي أو العواقب التي تجعل النظام يعتمد بشكل أكبر على التكتيكات العدوانية والخطاب العدواني”(18).

مواقف أنقرة الأولية من فوز بايدن

أبدت أنقرة توازنًا خلال عملية الانتخابات؛ ففي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أكد وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” أن بلاده ستعمل عن كثب مع من يفوز في الانتخابات وأن بلاده تتمتع بعلاقة جيدة مع الحكومات الأميركية السابقة بقيادة كل من الجمهوريين والديمقراطيين.

وبعد تبيُّن تقدم بايدن، أظهرت تصريحات فؤاد أُقطاي نائب الرئيس التركي في حديث تليفزيوني، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الاستمرار على خط التوازن مع التأكيد على مصالح تركيا حيث أشار إلى استمرار القنوات الرسمية مع الولايات المتحدة، مع الأمل في استمرار “التواصل الصحي” بين أردوغان والرئيس الأميركي الجديد مؤكدًا على نقطتين مهمتين من وجهة نظر تركيا؛ إحداهما رغبة تركيا بوقف الإدارة للعمل مع المنظمات الإرهابية الإرهابية ( غولن وبي واي دي)، والثانية تكمن في ابتعاد الإدارة عن الأساليب أحادية الجانب والتي تستبعد تركيا.

ولعل الأهم هي رسالة أردوغان لبايدن والتي جاءت ربما متأخرة عن بقية دول المنطقة؛ حيث أكد أردوغان لبايدن “تصميمه على العمل عن كثب مع الإدارة الأميركية في الفترة المقبلة”، وأن “التحديات التي نواجهها اليوم على المستوى العالمي والإقليمي تتطلب منَّا مواصلة تطوير وتعزيز هذه العلاقات على أساس المصالح والقيم المشتركة”. ولم ينس أردوغان الإشارة إلى الجانب الإيجابي في علاقته مع بايدن عندما كان نائبًا للرئيس؛ حيث قال: “كما تباحثنا أثناء توليكم منصب نائب الرئيس في مناسبات عدة، فإن العلاقات التركية-الأميركية تحمل طبيعة استراتيجية تستند إلى أسس متجذرة”(19).

مستقبل العلاقات التركية-الأميركية في عهد بايدن

هناك عدة مسارات يمكن أن تسير فيها العلاقات التركية-الأميركية في عهد بايدن:

مسار التوتر

يتحقق هذا المسار إذا ما عمل بايدن وفريقه على تطبيق تصوراتهم خلال الحملة تجاه تركيا، وهنا يوجد أكثر من قضية قد تكون هي بداية المسار على رأسها عقوبات (إس 400)، ودعم وحدات الحماية، ودعم اليونان في شرق المتوسط على حساب تركيا، والتدخل في الشأن الداخلي التركي، ويضاف لها قضايا أخرى مثل إدانة تركيا في مذابح الأرمن وقضية بنك خلق. ويعد أحد مؤشرات هذا المسار المحتملة ضعف التواصل بين أردوغان وبايدن والاكتفاء بالعمل من خلال المؤسسات ومن خلال المواقف المسبقة وهو ما قد يعقِّد الموقف.

المسار البراغماتي

ينبني هذا المسار على علاقات براغماتية بين الطرفين في ضوء رغبة بايدن بتقوية الناتو وإعادة الاستقرار الإقليمي، وإدراك أهمية تركيا في أي توازنات دولية من جهة، وفي رغبة تركيا بتجنب أي عقوبات، قد تجر لمواجهة مع واشنطن من جهة أخرى. ولعل أحد مؤشرات هذا المسار توجيه كل من الإدارة الجديدة وتركيا رسائل باتجاه الرغبة في فتح صفحة جديدة. وقد ذكرت بعض المصادر التركية أن أنقرة فتحت حوارًا مع فريق بايدن، وهناك من يرى أن بايدن يريد فتح صفحة جديدة(20).

فترة ترقب قبل الدخول لمسار التوتر

ينبني هذا المسار على وجود ضرورة ملحَّة حاليًّا أمام بايدن لترتيب الأوضاع الداخلية بعد أزمة فيروس كورونا ولإصلاح الأضرار الداخلية التي تسبب فيها ترامب قبل التوجه لتطبيق الأجندة الخارجية، وربما تعود الإدارة الجديدة لتطبيق سياسة الإلهاء مع تركيا والتي استخدمتها خلال فترة أوباما الثانية، ولكن قوة تركيا المتصاعدة والمستعدة للتحدي خاصة في الملفات المتعلقة بأمنها وبجوارها المباشر قد تكون أسرع في الاستجابة من المرة السابقة، ولكن مع ذلك سوف يعطي الطرفان فترات ليست طويلة لاختبار النوايا.

لا يُرجَّح أن تدخل العلاقات في مسار متوتر مباشرة حيث ستدخل العلاقات في حالة اختبار ومباحثات لتحديد أجندات العمل بمسارات أكثر ليونة، وترجح هذه الورقة أن يبذل الطرفان جهدًا لمنع التوصل إلى التوتر ولكن يبدو أن التناقض في المصالح والمواقف سيصل بهذه العلاقات إلى التوتر بعد فترة ربما تكون بعد السنة الأولى من حكم بايدن.

خاتمة

مع وجود استياء نسبي من فوز بايدن نظرًا لمواقفه التي تُعتبر متحاملة في أنقرة فإنه حتى فوز ترامب لم يكن ليُعتبر فوزًا لتركيا ولا خسارة بايدن خسارة لخصم تركيا. ومع هذا، فإن الراجح أن أنقرة أعدَّت نفسها لسيناريو فوز بايدن ومن المحتمل أن يكون هناك خطوات تركية باتجاه صفحة جديدة للعلاقات في ظل وجود توجهات قد تريح الموقف التركي، وكذلك خطوات وقائية ضد سياسات الإدارة التي يمكن أن تستهدف تركيا، وتأمل تركيا في أن يجعل موقع الرئاسة بايدن متحليًا بقدر أكبر من الحكمة يجعله لا يتصرف وفق خطاب حملته. ويرجح أن الإدارة الجديدة ستحاول التعامل بطريقة أكثر ليونة مع تركيا ولكن دون إسقاط خيار العقوبات ولكنها ستعطي وقتًا جيدًا للمباحثات قبل اللجوء إليه.

وحتى لو تبنَّت الإدارة الجديدة خطًّا براغماتيًّا مع تركيا فإن الخلافات لن تنتهي؛ فتركيا منخرطة بقوة في أكثر من ملف إقليمي سواء في شرق المتوسط أو في جوارها في سوريا والعراق وحتى في الخليج. ومن بين الملفات كلها سيكون للتطور في ملفي إس 400 واحتمال التدخل الأميركي في الشأن الداخلي التركي أثر كبير على مسار العلاقات.

محمود سمير الرنتيسي

باحث متخصص في الشأن التركي .

مراجع

Okan Müderrisoğlu, Sabah, 05 Kasım 2020, ABD seçimleri… Ekonomi, ekonomi, ekonomi… 5 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/2Kgbe4d

Cumhurbaşkanı Erdoğan, ABD’de başkan seçilen Biden’a tebrik mesajı gönderdi, BBC, 10 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bbc.in/35GRpeH

Giorgio Cafiero, İnside Arabia, What Biden’s Presidency Could Mean for US-Turkey Relations, 13 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3pz9Da1

كانت الزيارة الأولى لأردوغان في بيته في إسطنبول، في 2011، حيث كان أردوغان خارجًا لتوِّه من عملية جراحية.

باسم دباغ، بايدن يعتذر لأردوغان على اتهامه بدعم “داعش”، العربي الجديد، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2014، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3kDlGPM

بايدن: لا نحمي غولن ونبحث مع أنقرة تسليمه، الجزيرة نت، 24 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3lznXwx

تركيا..رسائل خطيرة تفضح علاقة بايدن بمحاولة الانقلاب الفاشل، يني شفق، 18 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3lIjfgg

ماذا قال بايدن عن تركيا وآيا صوفيا والأكراد؟، تركيا الآن، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2KfbdOd

الحساب الرسمي للناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، على تويتر، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2HfOa4A

الحساب الرسمي لأنطوني بلينكن على تويتر، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2UBZ7AD

İBB Başkanı İmamoğlu’nun İngilizce konuştuğu video sosyal medyada tartışma konusu oldu, SonDakika, 14/11/2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3nwzUE3

أردوغان: أوباما وترامب غير وفيين، سبوتنيك، 7 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2IHIW22

بايدن من أنقرة: أبلغنا القوات الكردية بعدم العبور إلى جرابلس، دويتشه فيله، 24 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2UrGCP6

تركيا: مستعدون لتبديد مخاوف واشنطن حيال “إس 400″، الأناضول، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020):https://bit.ly/3ptVpap

أردوغان: مقترح إلغاء صفقة “إس 400” مساس بحقوقنا السيادية، الجزيرة نت، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3f3XB3G

الحساب الرسمي لأنطوني بلينكن، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/36LjQYn

Tony Blinken: “This administration has turned our traditional openness into weakness”, Washington Post, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/38Q44y1

Arıana Ferentınou, Hürriyet daily news, How Biden could change Turkey’s ties with Greece, EU, 13 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3feaBDU

أردوغان يهنئ بايدن برئاسة أميركا ويبعث برسالة شكر إلى ترامب، الجزيرة نت،10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/32NMeb9

Hande Fırat, Amerakanin Seçimi, Hürriyet, 6 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3f8UmrD

———————————

أي عالم ستقوده أميركا بايدن؟/ غازي دحمان

في أول كلمة له، يمكن وصفها بالرسمية، بعد سماح الرئيس المهزوم، دونالد ترامب، ببدء العمل بنقل السلطات إلى الإدارة الجديدة، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، أن الولايات المتحدة جاهزة لقيادة العالم، فيما بدا تقديما لوزير خارجيته، أنتوني بلينكن، الذي تحتفي به أوساط الحزب الديمقراطي بوصفه المفتاح الذي ستستطيع من خلاله إدارة بايدن فتح الأبواب التي أغلقتها إدارة ترامب في علاقات أميركا الدولية. ولكن، هل مشكلة أميركا، في علاقاتها مع العالم، تنحصر أساسا بالأدوات، أو حتى بالمناهج المتبعة في إدارة هذه العلاقات؟ وهل يستطيع بايدن، بنيّاته وإرادته فقط، إعادة أميركا إلى موقع القيادة العالمي؟

العالم الذي يقصده بايدن هو الذي كان عشية فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008. وأن المعايير التي يتخذها (بايدن) للحكم على قدرة أميركا على قيادة العالم وقبول هذا العالم بهذه القيادة، هي قدرة تلك الإدارة على إنجاز تسوياتٍ تحوز على رضى مختلف الأطراف، مثل الاتفاق النووي مع إيران 2015، واتفاق نزع سلاح بشار الأسد الكيميائي، مع روسيا، 2013، وتفاهمات كيري – لافروف 2016، التي أعطت الضوء الأخضر لروسيا لتدمير المعارضة السورية بمختلف الوسائل والطرق.

تعتقد إدارة بايدن، وهذا واضح من تصريحات فريقه في أثناء الحملة الانتخابية، أن المشكلة تكمن في بعض سلوكيات ترامب التي افتقدت للدبلوماسية، في غالب الأحيان، غير أن ترامب أيضاً كان يعتمد على فريقٍ يمتلك خبرة سياسية رفيعة، وجميع أعضاء فريقه كانوا من أبناء المؤسسات الأميركية، من وزراء خارجيته، ريكس تيلرسون ومايك بومبيو، إلى مستشاره للأمن القومي، روبرت أوبراين. كما أن فجاجة ترامب ونزقه كان سببهما، بدرجة كبيرة، الأعطاب التي خلفتها إدارة أوباما في السياسات الداخلية والخارجية، وعبّر عنها من خلال إلغائه اتفاقياتٍ كثيرة عقدتها إدارة أوباما العسكرية والتجارية التي رأى أنها ليست في مصلحة بلاده.

وتعتقد إدارة بايدن أنها في المبالغة بالدبلوماسية، وتنصيب بلينكن المعروف بدماثته وروحه المرحة، وكذلك بأنه من أشد مؤيدّي التعدّدية، تستطيع إنهاء حرد العالم من أميركا، وفتح صفحة جديدة في العلاقات، ومن ثم العودة إلى المقعد الأول في قيادة العالم، الذي لم يزل محفوظاً، وفي انتظار بايدن وفريقه.

ما يشجع إدارة بايدن على هذا الاعتقاد أنه في فترة ابتعاد واشنطن عن قيادة العالم، واتخاذ إدارة ترامب سياساتٍ شبه انعزالية، لم تظهر قوّة دولية، ولا حتى محور دولي، يتفوّق على القوّة الأميركية، أو حتى يوازيها ويقترب منها، ولا توجد مؤشّرات على ظهور هذه القوّة في وقت قريب، على الرغم مما يقال عن الصعود الصيني والتمرّد الروسي، إلا أنه ما زالت ثمّة مسافة كبيرة تفصل الصين عن الحلول محل الولايات المتحدة الأميركية، تؤكدها المعطيات الاقتصادية، ويعزّزها عدم جاذبية النموذج الصيني، وكذلك ادعاءات روسيا المزيفة عن قدراتها العسكرية والتقنية.

غير أن ذلك ليس مبرّراً مكتفياً بذاته، لتعتقد إدارة بايدن أن الزمن الدولي ما زال يقف مكانه منتظراً عودة أميركا إلى قيادته، حيث تشكّلت، منذ بداية الألفية الجديدة، زمن حكم المحافظين الجدد أميركا، توجهاتٌ عالميةٌ جديدةٌ وأوضاعٌ مغايرةٌ أثبتت فشل رؤية فرانسيس فوكوياما، عن سيادة النمط الأميركي عالمياً، وإغلاق التاريخ صفحاته عند هذه الواقعة، وكانت هذه الرؤية قد أبهرت المحافظين الجدد، وجعلتهم ينامون على وسائد من حرير، مطمئنين على تسيدهم العالمي في كل الأحوال والظروف.

ما لم تنتبه إليه النخب الأميركية، من ديمقراطيين وجمهوريين، أن العالم لم يجلس، طوال السنوات السابقة، ينتظر عودة أميركا إلى رشدها، على ما يحاول الديمقراطيون، بقيادة بايدن، تصويره، باعتبار أن ترامب كان يتصرّف خارج سياق المنطق والعقلانية، حيث طوّرت دول ومحاور عديدة بدائل لقيادة الولايات المتحدة، وحتى التي كانت ترتبط بواشنطن باتفاقيات أمنية وعسكرية، مثل أوروبا وجنوب شرق آسيا، بدأت بتطوير مقاربات جديدة لتجاوز هذه الإشكالية، وفي الغالب الاعتماد على بدائل محلية، مثل الجيش الأوروبي الذي بدأ الحديث يتزايد عنه للحلول مكان القوات الأميركية في أوروبا.

وحتى في الشرق، يمكن ملاحظة زحمة التحالفات القائمة في المنطقة، وقد قطعت شوطاً لا بأس به من التنسيق والتعاون وصناعة الأطر والهياكل التحالفية، وجميعها بمثابة بدائل عن الوجود الأميركي، وتجد فيها أطرافها الفعالية، كما تجنّبها ابتزاز الإدارات الأميركية ومزاجياتها، وهنا يمكن الحديث عن تحالفات قطر وتركيا، وإسرائيل وبعض دول الخليج.

ومؤكّد أن سياسات الإدارات الأميركية، على مدار العشرين سنة الأخيرة، تسببت بتراجع المكانة الرمزية لأميركا، ولم يعد ممكناً إصلاح هذا العطب، لا باللياقة الدبلوماسية المبالغ بها، ويسعى الديمقراطيون إلى تجريبها، ولا بالفظاظة المبالغ بها أيضاً، والتي جرّبها الجمهوريون وقائدهم ترامب. وفي الغالب، تغيّر العالم كثيراً، بحيث لم تعد هذه الآليات وحدها كافية لتعلقه بأميركا والسير خلفها، وسيكتشف الكهل بايدن أن جاهزية أميركا لن تجد الصدى المطلوب للسير خلفها.

العربي الجديد

———————-

إيران و”مقامرة” ترامب/ حسام كنفاني

لم يكن توقيت اغتيال العالم الإيراني، محسن فخري زادة، والطريقة التي نفذ بها، اعتباطياً أو مفصولاً عن الحديث خلال الأيام الأخيرة عن مغامرة، أو مقامرة، قد يُقدِم عليها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخاسر في الانتخابات، قبل مغادرته البيت الأبيض، وخصوصاً أنه لا يزال غير قادر على الاعتراف بهذه الخسارة.

تسريبات كثيرة نشرت قبل أيام، وتحديداً بعد اقتراب ترامب من التسليم بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، أشارت إلى أن ترامب طلب من مسؤولي وزارة الدفاع دراسة استهداف منشآت نووية إيرانية، وهو ما قوبل برفض من القادة العسكريين الأميركيين. لكنّ هذا يبدو أنه لم يقنع الرئيس الساعي إلى توريط خلفه، وبات يبحث عن ذريعةٍ لتنفيذ ما يدور في رأسه، وهو ما يبدو يجري بالتنسيق مع إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو، الخائفة أساساً من الطريقة التي يمكن أن يتعامل بها جو بايدن مع إيران، وما إذا كان سيلجأ إلى إعادة العمل بالاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب. الأمر الذي يوحّد أهداف ترامب ونتنياهو في قطع الطريق على بايدن في إعادة التواصل مع إيران، أو توريطه في صراع عسكري معها.

الذريعة قد تكون عبر استفزاز إيران، وإجبارها على ردة فعل تفتح الباب أمام تدخل أميركي مباشر أو تنفيذ ضربة عسكرية كبيرة على غرار اغتيال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني الماضي. اغتيال محسن زادة يقع ضمن هذه الخانة، إذ إن الأخير لا يقل عن سليماني أهمية بالنسبة إلى المشروع النووي الإيراني، فهو كان يشغل منصب رئيس منظمة البحث والابتكار في وزارة الدفاع الإيرانية، وسبق أن ذكره نتنياهو بالاسم في خطاب عن برنامج إيران النووي في شهر مايو/ أيار عام 2018. إضافة إلى أهمية الشخصية، فإن طريقة تنفيذ الاغتيال من المفترض أن تثير الحفيظة الإيرانية، خصوصاً أنه لم يأت عبر تفجير، كما كانت تجري عمليات الاغتيال السابقة لعلماء إيرانيين، بل بهجوم مسلح على أطراف العاصمة الإيرانية طهران. هجوم نفذه مسلحون، يبدو أنهم أخذوا كل وقتهم في تنفيذه، خصوصاً وسط المعلومات التي نشرت عن استهداف سيارة الإسعاف التي حاولت نقل فخري زادة، والذي لم يمت مباشرة بالرصاص الذي استهدف سيارته. هذه الحرية في تحرّك منفذي الاغتيال، وإن صحّت الاتهامات أنهم تابعون للموساد، تؤشّر إلى مدى هشاشة المنظومة الأمنية الإيرانية، ومستوى الاختراق الذي تمكنت منه إسرائيل للداخل الإيراني، الأمر الذي من شأنه أن يستدعي ردّة فعل من قادة الجمهورية الإسلامية، لإعادة الاعتبار إلى ما كان يعتبر “قبضة حديدية” للنظام الأمني في الداخل، وهو ما يبدو أن المنظومة المنفذة للاغتيال تراهن عليه.

اللافت أول من أمس كان دخول ترامب بشكل مباشر على خط الاغتيال، عبر إعادة تغريد تغريدة لصحافي إسرائيلي حول العملية، والتي ذكر فيها الصحافي أنّ فخري زادة “كان رئيس البرنامج العسكري السري لإيران وكان مطلوباً لسنوات عديدة من الموساد”، وأن “وفاته ضربة نفسية ومهنية كبيرة لإيران”. خطوة ترامب جاءت وكأنها تسعى إلى تأكيد الدور الإسرائيلي في عملية الاغتيال، وأن هذا “الإنجاز” جاء بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، على الرغم من رفض وزارة الدفاع (البنتاغون) التعليق.

الترقب اليوم هو لردة الفعل الإيرانية، وإلى أي مدى قد تذهب إيران بعيداً في “إعادة الاعتبار”، وهو ما يترقبه ترامب، وهو ما جعل إسرائيل تعلن حالة الاستنفار في كل سفاراتها في الخارج. لا شك في أن إيران تحتاج إلى رد ما على الجريمة، لكنها تدرك في الوقت نفسه ما يدور في رأس ترامب، وأي مقامرة يرغب بها في نهاية ولايته، وتعلم أيضاً أن هناك فرصة كبيرة لإعادة إحياء الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات التي أرهقت طهران، مع تولي بايدن الرئاسة. الأمر الذي قد يجعل من الرد الإيراني مؤجلاً، أو محدوداً عبر وكلاء، في العراق على سبيل المثال، من دون المخاطرة في منح الذريعة التي يريدها ترامب.

العربي الجديد

——————————–

حصاد سياسات ترامب تجاه إيران/ عروة خليفة

لا تزال سياسات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب تجاه إيران تثير الجدل حتى اليوم، خاصةً بعد إعلان الرئيس المنتخب جوزيف بايدن عزمه إطلاق مسار سياسي لاستعادة الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقعته واشنطن في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2015 عندما كان بايدن نائباً للرئيس.

قبل عامين، في الخامس من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2018، دخلت عقوبات أميركية جديدة حيز التنفيذ، استهدفت قطاعات اقتصادية متنوعة لأحد أكبر مصدري النفط في العالم. تلك العقوبات، التي اعتبرتها الإدارة الأميركية الأقسى من نوعها حتى ذلك الوقت، صُمِّمَت بشكل رئيسي لمنع طهران من تصدير النفط، ما يحرمها المورد الأهم للعملة الصعبة وأحد أبرز عوائدها الاقتصادية. لم تؤدِ السياسات الأميركية إلى تصفير صادرات النفط الإيراني، لكنها استطاعت تخفيض تلك الصادرات إلى ما دون النصف مليون برميل منتصف العام 2019، في حين لا تتجاوز تلك الصادرات حسب التصريحات الرسمية الإيرانية في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي 700 ألف برميل من النفط الخام يومياً. قبل ذلك، كانت طهران تصدر ما يزيد عن 2.5 مليون برميل يومياً في العام 2018 قبل انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي في شهر أيار من العام نفسه.

ركّزت العقوبات الأميركية خلال العام 2019 على الجهود الرامية إلى الضغط على المشترين الكبار للنفط الإيراني من أجل استبدال مصادرهم من الطاقة، وفي هذا الإطار قامت الولايات المتحدة بإيقاف تجديد الإعفاءات التي أعطتها لعدد من الدول مثل الصين والهند وتركيا، بعد ستة أشهر من بدء العقوبات في نوفمبر، وهو ما أدى عملياً إلى انخفاض الصادرات الإيرانية من النفط إلى أدنى مستوياتها منذ أعوام، في وقت كانت الميزانية الرسمية تتوقع تصدير مليون برميل من النفط يومياً، ما أدى إلى خلق عجز كبير في تلك الميزانية وأثَّرَ بشكل مباشر على قدرات الدولة الإيرانية الاقتصادية.

ثم كان للاضطرابات في أسواق النفط خلال ربيع العام 2020 أثر سلبي للغاية على قدرة إيران على تصدير نفطها إلى مشترين يرغبون بأسعار رخيصة رغم خطر العقوبات، إذ أدى الانهيار في أسواق النفط العالمية، نتيجة امتلاء المخزونات الأميركية من النفط في شهر نيسان (أبريل) 2020، إلى تراجع في سوق النفط العالمي ومعه أي فرصة حقيقية لطهران لتجاوز العقوبات الأميركية المشددة عليها في ذلك الوقت.

وبعد التراجع الكبير في أرقام صادرات إيران من النفط، توجه تركيز الولايات المتحدة خلال العام 2020 إلى القطاعات المالية والمصرفية، التي كانت ضمن حزم العقوبات الأولى. وقد أدت عقوبات أميركية مباشرة على المصرف المركزي الإيراني، وعلى عدد من المؤسسات المالية الرسمية والخاصة الإيرانية، إلى انهيار في أسعار صرف العملة الإيرانية إلى مستويات اعتُبِرت الأسوأ في تاريخها.

بالمحصلة، أدى عامان من العقوبات الأميركية المشدّدة إلى تراجع كبير في مؤشرات الاقتصاد الإيراني إلى مستويات بالغة الصعوبة، فقد ارتفعت نسبة التضخم في البلد في العامين الماليين 2018-2019 و2019-2020 إلى 26.9% و34.8% على التوالي، بعد أن كان المعدّل 9.6% في العام المالي 2017-2018. فيما تمّ تسجيل تراجع في الناتج المحلي الإيراني بمقدار 7.6% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2019-2020.

الرد الإيراني على تلك الإجراءات كان إطلاق العنان لتحرشات عسكرية وأمنية خطيرة في منطقة الخليج العربي، استهدفت سفناً وناقلات نفط عبر عمليات تخريب وتفجير، ما أدى إلى توتير الأجواء إلى مستويات خطيرة. ثمّ سبَّبت ضربات بطائرات درون إيرانية أضراراً كبيرة في منشآت نفطية سعودية، واستمرّت هذه التحرشات وصولاً إلى محاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد من قبل محسوبين على إيران، وهو ما أعقبه رد واشنطن الشهير باغتيال قاسم سليماني، الأمر الذي وضع المنطقة على شفا مواجهة عسكرية فعلية.

لم تندلع الحرب في الخليج، لكنّ طهران لم تحصل أيضاً على ما تريد، إذ لم يرجع ترامب إلى طاولة المفاوضات، ولم تساعدها دول خليجية في ملفّ العقوبات كما كانت تأمل.

على صعيد نفوذها الإقليمي، كان واضحاً أنّ الضغوط التي أنتجتها العقوبات الأميركية أدّت إلى دخول طهران في مساومات لم يكن ممكناً تصورها قبل ذلك، منها تعيين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من خارج الأطر السياسية الموالية لإيران، لكن ليس بسبب العقوبات وحدها فقط، بل وبالتزامن مع أجواء شعبية مناهضة لها خاصةً في العراق. وبالنسبة لسوريا، كان واضحاً كيف أنّ طهران بدأت تترك الملف السياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما تمثَّلَ باتفاقات ثنائية بين موسكو وتركيا كان آخرها اتفاق موسكو في شهر آذار (مارس) 2020 الذي أوقف المعارك في إدلب.

خلال العام الماضي، بدأت طهران تنأى بنفسها عن الواجهة في الملفات التي كانت تتزعمها إقليمياً، دون أن يعني هذا انحسار جدياً النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث لا تزال ميليشيات وجماعات مسلحة تابعة لإيران تتمتع بنفوذ واسع في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وإن تراجعت قدرتها على تحريك قوات كبيرة والدخول في معارك واسعة. رغم ذلك، فإن الاستجابة المتمثلة بالتراجع السياسي تعطي مؤشراً على ما يمكن أن تؤدي إليه عقوبات أميركية مشدّدة، على نظام رفض سابقاً أن يتراجع في كثير من الملفات السياسية، وعلى رأسها الملفّ العراقي، رغم كل المصاعب والضغوط السياسية التي واجهته.

بالنتيجة، فإنّ عامين من العقوبات المشددة على طهران أَديا إلى تراجع كبير في قدراتها الاقتصادية، وتراجع ملحوظ في فعاليتها العسكرية ونفوذها السياسي في المنطقة، وسيكون للاستراتيجية التي ستعتمدها واشنطن خلال عهد جوزيف بايدن دور حاسم ورئيسي في استمرار تلك الضغوط التي قد تقود إلى إخضاع إيران سياسياً، أو انعكاسها كما حصل عام 2015 بعد الإتفاق النووي، وهو ما أعطى طهران في ذلك الوقت فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها بشكل كبير في المنطقة.

موقع الجمهورية

——————————–

اختيار بلينكن للخارجية يُظهر مدى اختلاف حُكم بايدن عن ترامب

ترجمة أحمد عيشة

قبل أربعة أعوام، اختار دونالد ترامب (الرئيس المنتخب) ريكس تيلرسون (الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل) وزيرًا للخارجية، بعد مقابلته مرة واحدة فقط. وبسبب معارضة مؤسسة واشنطن الحاكمة، اختار الرئيس الوحيد في التاريخ الأميركي (الذي تولّى منصبه من دون خبرة سابقة في الحكم أو في الجيش) شخصًا ليس لديه خبرة سابقة في الحكم أو في الشؤون العسكرية، ليكون رئيس الدبلوماسية في البلاد. لكن الأمور لم تكن له كما أراد.

يوم الثلاثاء، يعتزم جو بايدن الرئيس المنتخب ترشيح أنتوني بلينكن لمنصب وزير الخارجية، في إحدى الفعاليات. وسيُعين أيضًا جيك سوليفان، مستشارًا للأمن القومي، وليندا توماس غرينفيلد، سفيرة لدى الأمم المتحدة. الثلاثة هم تلاميذ سابقين في إدارة أوباما. وفوق ذلك، هم -من الناحية الأسلوبية والتجريبية- على النقيض من الأشخاص الذين عيّنهم ترامب لتلك الأدوار.

بعد العمل مع الرئيس بيل كلينتون، أصبح بلينكن مدير فريق عمل بايدن، في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عندما كان رئيسها، ثم مستشاره للأمن القومي عندما أصبح نائب الرئيس. بعد ذلك، أصبح بلينكن نائب مستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، والشخصية الثانية في وزارة الخارجية، بعد جون كيري.

يستعدّ بلينكن (58 عامًا) للحصول على المنصب الأعلى، على الأقلّ جزئيًا، لأن بايدن لا يملك الجرأة لخوض معركة تأكيدية صعبة لتثبيت سوزان رايس وزيرةً للخارجية. يقول ثلاثة أشخاص مقربون من دائرة بايدن إنه بدا غير مهتم ومستعد لمعركة شاملة مع مجلس الشيوخ، الأمر الذي وقف ضد تعيينها، على الرغم من وجود مخاوف أخرى، من ضمنها أنها فكرت علانية في الترشح ضد السناتور سوزان كولينز (جمهورية، ولاية ماين)، وهي من المعتدلين الذين ربما كانت بحاجة إلى أصواتهم. كما أن بايدن حذّر بشأن تبديد رأس المال السياسي المحدود، ويبدو أنه يخشى أن يعوق الجمهوريون في مجلس الشيوخ رايس، بعد استخدام العملية لإعادة التقاضي في ما يخص مأزق بنغازي [الهجوم الذي وقع عام 2012، وقُتل فيه أربعة أميركيين، وسبب خلافات حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس].

في المقابل، تلقى ترامب تحذيرًا من أن تثبيت تيلرسون سيكون صعبًا. قامت إكسون بأعمال واسعة النطاق في روسيا، وحصل تيلرسون على وسام الصداقة الخاص من فلاديمير بوتين عام 2013، لكن ترامب كان يستمتع بالمعارك مع الكونغرس لإثبات هيمنته في العلاقة، وكان على ما يرام للضغط على المشرعين المتمردين. ولم تُزعج جلسة التثبيت المثيرة للجدل الرئيس القادم.

بعد أن حصل تيلرسون على المنصب، لم ينسجم قط مع ترامب. والأسوأ من ذلك أن الرئيس قام، مرارًا وتكرارًا، بتقويض وزير خارجيته الأول. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بينما كان تيلرسون يزور بكين ويحاول إقامة حوار مع كوريا الشمالية، غرّد ترامب بأن تيلرسون كان “يضيع وقته”.

وجدت الحكومات الأجنبية في كثير من الأحيان أنها تستطيع تجاوز وزارة الخارجية، من خلال التواصل مع ترامب مباشرة أو جاريد كوشنر، صهره. إن التصور السائد بين الحلفاء والخصوم على حد سواء أن ترامب كان لا يبالي بتيلرسون بل لم يكن يصغي له. في آذار/ مارس 2018، أقال ترامب تيلرسون بتغريدة على (تويتر)، بينما كان وزير الخارجية في أفريقيا يحاول إزالة الضرر الناجم عن تعليقات الرئيس المهينة حول “الدول القذرة”.

لن يشكَّ أحد في أن بلينكن سيتحدث باسم بايدن، عندما يسافر حول العالم. إذ كان هذا الأمر عنصرًا رئيسًا في نجاح شاغلي الوظيفة السابقين، مثل جيمس بيكر في عهد الرئيس جورج بوش (الأب)، أو كوندي رايس في عهد الرئيس جورج دبليو بوش (الابن). كان بلينكن في كثير من الأحيان إلى جانب بايدن، خلال حملة هذا العام، وساعد في بناء مؤسسته بعد مغادرته البيت الأبيض.

كان سوليفان أيضًا عنصرًا أساسيًا إلى جانب بايدن خلال الحملة، حيث أخذ زمام المبادرة في صياغة خططه “إعادة البناء بشكل أفضل” للتعافي من أزمات الصحة العامة والاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا (كوفيد -19). وكان المواطن من ولاية مينيسوتا (البالغ من العمر 43 عامًا) قد شغل منصب مستشار للأمن القومي لـ بايدن في مكتب نائب الرئيس. وتولى هذا المنصب بعد أن شغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون. كان سوليفان (وهو حاصل على منحة رودس للدراسة في جامعة أكسفورد) أحدَ كبار مستشاري السياسة لحملة كلينتون لعام 2016، ودرّس بعد ذلك في جامعة (ييل) ما تعلّمه (كتب غريغ جافي ملفًا شخصيًا ممتازًا لجيك سوليفان قبل ثلاثة أعوام).

وكما أن بلينيكن هو عكس تيلرسون تمامًا، من نواحٍ عديدة، فإن سوليفان مختلفٌ قدر الإمكان عن مستشار الأمن القومي الأول لترامب مايكل فلين، الذي أجبره أوباما على الخروج من وكالة استخبارات الدفاع، وبقي 24 يومًا فقط في البيت الأبيض في عهد ترامب. اعترف فلين لاحقًا بأنه مذنب، لأنه كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي بخصوص محادثاته مع الروس خلال الفترة الانتقالية، لكنه حاول التراجع عن اعترافاته السابقة، وقد ناورت إدارة ترامب لإبقاء فلين بعيدًا عن المأزق.

قبل أربع أعوام، اختار ترامب نيكي هيلي، حاكمة ولاية ساوث كارولينا آنذاك، لتكون سفيرة لدى الأمم المتحدة. تتمتع هيلي بشخصية ملهمة باعتبارها ابنة لمهاجرين من السيخ، لكنها لم تكن تمتلك خبرة في السياسة الخارجية. لقد استخدمت وظيفة الأمم المتحدة لتعزيز ملفها الوطني، واستخدمت الأعوام التي انقضت منذ مغادرتها نيويورك لإرساء الأساس لخوض انتخابات الرئاسة المحتملة في 2024.

بينما قام ترامب بتشويه سمعة الموظفين الحكوميين، كجزء مما يشير إليه بازدراء باسم “الدولة العميقة”، وبتهميش الخبراء بشكل روتيني داخل الحكومة، اختار بايدن موظفًا محترفًا في السلك الدبلوماسي، ليكون ممثلًا للبلاد في الأمم المتحدة. ترقّت ليندا توماس غرينفيلد، لتصبح مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في ولاية أوباما الثانية، بعد أعوام قليلة من قيامها بمهمة السفير في ليبيريا، في فترة رئاسة جورج دبليو بوش (الابن). وكانت في رواندا إبّان الإبادة الجماعية عام 1994، حيث وجدت نفسها تحت تهديد السلاح، وتمكّنت من إقناع المسلّح بألا يقتلها. تربّت ونشأت في الجنوب المنفصل عنصريًا، والتحقَت بجامعة ولاية لويزيانا، في الوقت الذي كان فيه ديفيد ديوك (الذي سيدير لاحقًا منظمة كو كلوكس كلان) هناك، وقد تحدثت ضمن سلسلة (Ted Talk) مدة 10 دقائق، حول هذه التجارب، العام الماضي.

حتى الآن، كان كلّ ما يفعله بايدن منذ فوزه في الانتخابات متوقعًا، ويمكن التنبؤ به. منذ إعلان فوزه، لم يقل أو يفعل أي شيء مفاجئ للمراقبين السياسيين. وهذه هي الطريقة التي يريدها تمامًا: يسعى بايدن إلى توقع أنه سيُحكم السيطرة على دفّة الدولة، بعد أربع أعوام من التقلب تحت قيادة ترامب، التي تميزت بتحركات محيرة لطاقم الحكم، وعمليات تسريح غير منتظمة، وعملية متشنجة في صنع السياسات.

من الناحية الموضوعية، يأمل بايدن أيضًا التراجع عن أكبر قدر ممكن من سياسة ترامب الخارجية. لقد وعد بالانضمام إلى اتفاقية باريس بخصوص تغيّر المناخ، والتراجع عن خروج الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، والانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتعهّد بتدعيم التحالفات العالمية، بدءًا من حلف شمال الأطلسي، لاتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه روسيا، وإعادة التأكيد على حقوق الإنسان كأولوية عليا في السياسة الخارجية.

بينما وُصف بلينكن بأنه يمتلك وجهة نظر وسطية عن العالم، فقد دعم أيضًا المواقف التدخلية. لقد ابتعد ذات مرة عن بايدن، ودعم العمل العسكري في ليبيا على سبيل المثال. وإبّان إدارة أوباما، دافع عن عمل أميركي في سورية (تقرير آني لينسكي ومات فيزر وجون هدسون). وأشيرَ إلى أن بلينكن شارك في تأسيس شركة إستراتيجية سياسية، مع ميشيل فلورنوي، التي هي مرشحة رئيسة لشغل منصب وزير دفاع في إدارة بايدن، وقد تكون أول امرأة تقود البنتاغون.

تشكلت نظرة بلينكن للعالم بشكل لا يُمحى من قبل زوج والدته، صموئيل بيسار، الذي نجا من أوشفيتز وداخاو [معسكرات اعتقال نازية]، حيث قال بيسار لصحيفة واشنطن بوست عام 2013: “عندما أتفكر اليوم في الغازات السامة في سورية، فإني أتذكر حتمًا الغاز الذي قضى على عائلتي بأكملها”.

في أيار/ مايو، أثناء ظهوره في برنامج “مواجهة مع الأمة Face the Nation”، على قناة CBS، أعرب بلينكن عن أسفه لـ “فشل” إدارة أوباما في سورية، وقال إن ترامب خلق “وضعًا مروعًا” أسوأ من قبل، من خلال قراره بسحب القوات الأميركية من البلاد، حيث قال إنه أهدر المزايا الممكنة. وقال بلينكن: “على الإدارة الأخيرة أن تعترف بأننا فشلنا، ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح. وفشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخليًا في سورية، وبالطبع في الخارج كلاجئين. وهو شيء سيبقى معي طوال حياتي. إنه أمرٌ أشعر به بقوة”.

كان بلينكن مناصرًا رئيسًا في أثناء إدارة أوباما، للسماح لمزيد من اللاجئين بدخول الولايات المتحدة. وعندما غادر وزارة الخارجية عام 2017، كان لدى الحكومة غطاء وسعة لـ (110) آلاف من اللاجئين الجدد الذين سيسمح لهم بالاستقرار هنا كل عام. خفض ترامب هذا العدد إلى (15000). وكمرشح هذا العام، وعد بايدن بزيادة عدد اللاجئين والترحيب بهم.

لقد طرح بلينكن قضية السماح بدخول المزيد من اللاجئين أمام كلّ من يهتم. في عام 2016، ظهر في برنامج الأطفال “شارع سيسيم Sesame Street”، ليتحدث مع غروفر (الدمية الزرقاء) حول هذا الموضوع: “غروفر، هل يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة مغادرة منزلك؟ … مع الأسف، يتعين على اللاجئين ترك كل شيء وراءهم: المجتمعات والمدارس والأصدقاء، حتى الأشياء المفضلة لديهم، وعلى الرغم من أنهم يأتون من أماكن مختلفة، فإنهم مثلي ومثلك تمامًا. … لدينا جميعًا ما نتعلمه ونكسبه من بعضنا البعض”.

اسم المقالة الأصلي The Daily 202: Picking Blinken for State previews how differently Biden will govern than Trump

الكاتب جيمس هوهمان، James Hohmann

مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020

رابط المقالة https://wapo.st/33JIGqX

مركز حرمون

———————————

=========================

تحديث 02 تشرين الثاني 2020

——————————–

سورية: بايدن يستكمل إنجازات ترامب/ حسين عبد العزيز

لم يُدلِ جون بايدن، ولا المقرّبون منه، في حملته الانتخابية، بتصريحات كثيرة بخصوص الملفّ السوري، إنما اكتفوا بإطلاق تصريحات عامة لا توضّح اتجاه الرياح السياسية الأميركية المقبلة. وقد فهم بعض المراقبين أن قلة التصريحات تدل على عدم اهتمام بايدن بالملف السوري، وأن هذا الملف لن يكون أكثر من ملف صغير ضمن ملفات أكبر وأكثر تعقيدًا، في حين ذهب آخرون إلى أن قلة التصريحات لا تعبّر عن توجهاته المقبلة في سورية.

بغض النظر عن هذه المقولات، لا يحتاج الملف السوري إلى تصريحات بارزة وقوية من بايدن، لعدم وجود حاجة إلى ذلك، فالوضع السوري يفتقر إلى الخطورة، بعدما أصبح في حالة “ستاتيكو” على الصعيدين السياسي والعسكري. هذه هي المعادلة الثابتة التي تُبنى عليها الإستراتيجية الأميركية تجاه سورية، أيًا كان من يشغل منصب الرئاسة.

وسبق أن عبّر المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، في تصريحات له، عن الموقف الإستراتيجي للدولة الأميركية أو لـ “الدولة العميقة”، عندما قال، قبل نحو عشرين يومًا: “إن فرض حالة الجمود، وعرقلة التقدم في بعض الأحيان، مع الاحتواء قدر الإمكان في أحيان أخرى، ليست بالأمر السيئ البتة”، وأضاف -وهذا هو المهم- أن “الجمود الراهن في الملف السوري يساوي الاستقرار في تلك القضية الشائكة”.

هنا يكمن الهدف الأميركي، سواء أكان ترامب في السلطة أم بايدن، حيث لا يوجد قرار أميركي إستراتيجي بإزاحة النظام عبر الأدوات العسكرية، ما يعني أن السياسة الأميركية المقبلة حيال سورية ستكون مبنية على التراكمات التي ترسخت في عهد ترامب، ولن تكون انقلابًا عليها.

على خطى ترامب

سيستكمل بايدن ما أنجزه ترامب في الملفات الرئيسية:

1- العقوبات الاقتصادية: ستستمر إدارة بايدن في فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، وقد كشف تأجيل الدفعة الأخيرة من العقوبات، إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، أن إستراتيجية العقوبات الاقتصادية هي إستراتيجية ثابتة للولايات المتحدة.

2- القوات العسكرية: الوجود العسكري الأميركي في سورية أمرٌ محسوم، عند كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن دون هذا الوجود، ستفقد واشنطن أداة الضغط الأقوى لديها على النظام السوري وإيران وروسيا، وقد كشف أنتوني بلينكن (كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن) أن الولايات المتحدة، في ظل رئاسة بايدن، ستحتفظ بوجود عسكري في شمال شرق سورية كوسيلة ضغط ضد الأسد.

بطبيعة الحال، سيظل العنوان العريض للوجود الأميركي منوطًا بمحاربة تنظيم (داعش)، ليس فقط لأنها قد تشكل تهديدًا، بل لأنها تشكل حجة قانونية لبقاء القوات الأميركية في سورية.

3- إعادة الإعمار: الموقف الأميركي من إعادة الإعمار في سورية هو مسألة إستراتيجية فوق حزبية، لا تخضع لاختلاف الإدارات الأميركية في البيت الأبيض، فرفض إعادة الإعمار، قبيل نضوج التسوية السياسية، هو موقف ثابت في الولايات المتحدة.

وفي لقاءٍ مع الجالية السورية في واشنطن، قال أحد مستشاري حملة بايدن، مطلع تشرين الثاني/ نوفمر الماضي: إن إدارة بايدن في حال تشكلها ستوضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يمكن أن يكون هناك دعم أميركي أو أوروبي لإعادة إعمار سورية، في ظل غياب إصلاح سياسي، ولا بد أن يكون ذلك الإصلاح ذا مغزى مع حركة موثوقة بشأن القضايا الإنسانية والمساءلة الرئيسية.

4- عودة اللاجئين: مسألة عودة اللاجئين إلى سورية مسألة محسومة في الولايات المتحدة، عند كلا الحزبين، حيث لا عودة إجبارية قبل نشوء مناخ محايد وآمن، وهو مناخ لن يحصل قبيل حدوث تغيرات سياسية كبيرة.

وكذلك ستبقى العناوين العريضة الثلاثة للتحرك الأميركي في سورية هي ذاتها: محاربة تنظيم “داعش” ومنعه من تشكيل أي تهديد جديد؛ منع إيران من التمدد والضغط لإخراجها مع الميليشيات التابعة لها من الجغرافية السورية؛ إيجاد حل سياسي وفق القرار الدولي 2254.

لن يطرأ أي تغيير في سياسة بادين تجاه سورية، حيال هذه المسائل، إلا إذا حصلت متغيرات كبيرة مفاجئة على الأرض، أو إذا حدثت متغيرات دولية طارئة، من شأنها أن تدفع واشنطن إلى تغيير أولوياتها داخل سورية.

دعم “الإدارة الذاتية”

تشير المعطيات القائمة على الأرض من جهة، وتصريحات بايدن حول دعمه للأكراد من جهة أخرى، إلى أن أهمية حالة الاستقرار التي تحدث عنها جيفري، تستدعي تعزيزًا للعلاقة مع “الإدارة الذاتية”، على المستويين السياسي والعسكري، بما يؤدي إلى تقوية النفوذ الكردي في مواجهة النظام وتضييق الخناق عليه أولًا، ومواجهة الحضور العسكري التركي في الشمال السوري ثانيًا.

قبل نحو أربعة أشهر، نشر موقع حملة بايدن الانتخابية إطارًا لسياسته تجاه المنطقة، تحت عنوان “جو بايدن والمجتمع العربي الأميركي: خطة شراكة”، جاء فيها أن بايدن سيعيد الالتزام بالوقوف مع المجتمع المدني والشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض في سورية. والمقصود بـ “الشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض” الأكرادُ المنضوون تحت مشروع “الإدارة الذاتية”، بكل أفرعها السياسية والعسكرية والإدارية، وليس المقصود فصائل المعارضة التي تحمل سمات إسلامية في أغلبها.

ولذلك، فإن الجديد في جعبة بايدن، حيال الملف السوري، سيكون مركزًا على دعم الأكراد، كحامل عسكري، قادر على المحافظة على “الستاتيكو” القائم الذي تحدث عنه جيفري من جهة؛ وكحامل اقتصادي يمنع النظام من الاستفادة من خيرات الجزيرة السورية من جهة ثانية؛ وكحامل سياسي، يمكن أن يحدث فرقًا، إذا ما انخرط الأكراد التابعون لحزب “الاتحاد الديمقراطي” في التسوية السياسية، كحليف للمعارضة، من جهة ثالثة.

أولوية بايدن تجاه الأكراد ستؤدي إلى قطع الطريق المترنح بين “الإدارة الذاتية” من ناحية، وروسيا والنظام السوري من ناحية أخرى، لكنها بالمقابل ستدفع الأكراد إلى الاستقواء على تركيا، وربما التفكير في شن هجمات عسكرية، لدفع المعارضة السورية والجيش التركي إلى الانسحاب من المنطقة الواقعة بين تل أبيض شمال غرب الرقة ورأس العين شمال غرب الحسكة، وإن كان هذا الاحتمال بعيدًا.

يعتقد بايدن أن المتغيرات الدولية والمتغيرات الإقليمية، خلال العقدين الآخيرين، دفعت تركيا نحو أماكن من شأنها أن تهدد المصالح الأميركية، وكلما ازدادت تركيا قوة في الداخل والخارج، شقّت لنفسها مسارات بعيدة عن العباءة الأميركية. ولذلك، سيذهب الرئيس المقبل إلى رفع مستوى التصعيد تجاه تركيا، لكن هذا التصعيد سيبقى محكومًا بعوامل عديدة، أهمّها مدى استعداد المؤسسات الأميركية الحاكمة للذهاب مع بايدن نحو تصعيد العلاقة مع تركيا، في ظل المخاطر التي قد تترتب على هذا التصعيد.

عند هذه النقطة، ستعود مسألة الموازنة بين أولوية المصالح الأميركية الإستراتيجية بعيدة المدى، والمصالح التكتيكية قريبة المدى من جديد، وهو النقاش الذي دار في الأوساط الأميركية، في عهد ترامب الذي حسم المسألة بدعم التوجه التركي في الشمال السوري للمحافظة على المصالح الأميركية الإستراتيجية.

تفرض الجغرافية السياسية سطوتها على الجميع، حتى في أشد اللحظات التاريخية حرجًا، حين يتجاهل البعض قوتها وكينونتها. ووفقًا لذلك، لن يكون الضغط الأميركي على تركيا من داخل الملف السوري، وإنما من خارجه (العلاقة التركية – اليونانية، العلاقة التركية – الروسية)، ذلك أن أي ضغط أميركي قوي تجاه تركيا داخل الساحة السورية سينعكس بشكل قوي على المعارضة، وهو ما لا يريده بايدن الذي أكد نيته مواصلة الضغوط على النظام السوري، ودعم مقومات المجتمع المدني.

مركز حرمون

————————–

خيارات بايدن في سوريا/ رضوان زيادة

لدى الولايات المتحدة وجود عسكري ليس كبيراً في سوريا ما يعادل 200 إلى 300 جندي يتمركزون في شرقي سوريا لكنه استراتيجي إذ تسيطر القوات الأميركية على المناطق التي كانت يوماً ما تحت سيطرة داعش، وهي مناطق غنية بالنفط وتسمح الولايات المتحدة حاليا لما يسمى بقوات قسد بالاستفادة من عائداتها النفطية بشكل غير مشروع من أجل تمويل عملياتها في المنطقة.

وبالرغم من الجدل الكبير الذي أعقب تصريح الرئيس ترامب في عام 2019 عن انسحاب القوات الأميركية من سوريا ثم وضع جدول زمني لذلك لا يتجاوز ستة أشهر، وأعلن الرئيس الأميركي إبقاء القوات الأميركية هناك لكنه أعلن أن الدول الإقليمية ودول الخليج يجب أن تتحمل كلفة بقاء هذه القوات إذا كانت ترغب في مقارعة الوجود الإيراني ومنع تمدد نفوذه. ولذلك ساهمت المملكة العربية السعودية بمبلغ يفوق عن 100 مليون دولار في تمويل عمليات قسد في شمال شرقي سوريا.

هذا الموقف أغضب تركيا التي تتقاسم أكثر من 600 ميل حدودي مع سوريا وبالتالي ترى أي تدخل لدعم قوات قسد المشكلة من حزب العمال الكردستاني تهديداً لها، ولذلك دخلت الولايات المتحدة في صراع سياسي مع تركيا وصل حد التهديد بعقوبات اقتصادية على حليف رئيسي في الناتو. فضلا عن شراء تركيا منظومة الصواريخ الروسية 400 والتي تعترض الولايات المتحدة بشدة على تشغيلها بالرغم من وجودها في دول أعضاء في الناتو أيضا مثل اليونان.

ربما يكون الموقف الأول الذي سيعلنه بايدن في سوريا هو الحفاظ على عديد القوات الأميركية هناك وربما زيادتها إلى بضعة مئات أخرى مع ازدياد عمليات تنظيم الدولة داعش في البادية السورية وبالتالي لا يمكن أن يكرر بايدن خطأ أوباما بسحب القوات من العراق قبل ضمان الانتهاء كليا من تنظيم داعش في سوريا الذي بدأ بتجميع قواه في ظل عدم اكتراث النظام السوري لتمدده والتركيز على التحضير لعملية عسكرية في إدلب.

لكن وجود القوات الأميركية في سوريا يجب أن يكون ضمن خطة استراتيجية وأهداف واضحة وليس مجرد الحفاظ على النفط كما كان ترامب يردد، يجب أن تتضمن الخطة أيضا دعما من حلفاء الولايات المتحدة في الناتو، ولذلك يمكن أن يخلق وجود هذه القوات ميزة استراتيجية للولايات المتحدة في التفاوض مع روسيا حول الانتقال السياسي في سوريا وإجبار نظام الأسد على قبول القرار 2254 الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة، لذلك على الرئيس المنتخب بايدن أن يعزز القوات الأميركية في سوريا وربطها ضمن خطة استراتيجية أوسع تتضمن حلا سياسيا في سوريا.

ثانياً الانتقال السياسي في سوريا:

لا يتوقع أن تغير روسيا من سياستها في سوريا وهي التظاهر بالرغبة في الحل السياسي لكن دعم الأسد عسكريا على الأرض من أجل القضاء على كل جيوب المعارضة وحمايته سياسيا في مجلس الأمن الدولي حيث استخدمت روسيا حق النقض الفيتو أكثر من 15 مرة من أجل منع إدانة نظام الأسد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق السوريين المدنيين، وقد حاولت مؤخرا إجبار نظام الأسد على تنظيم مؤتمر شكلي من أجل اللاجئين السوريين مني بفشل ذريع بعد تسريب مقطع صوتي لمنظميه يسخرون من المؤتمر وحضوره وأهدافه وعليه يجب أن تدرك إدارة بايدن القادمة أن الموقف الروسي لن يتغير طالما بوتين بقي في الحكم في روسيا طالما أنه استثمر كثيرا في الحرب السورية ولا يتوقع أن يغير استراتيجيته هناك فالنظام السياسي الروسي اليوم شبيه تماما بالنظام السوري فيما يتعلق بآليات السيطرة والتحكم داخل المجتمع الروسي، فكل الإعلام الروسي تحول إلى بروبوغاندا دعائية للكرملين في حربه في سوريا ضد “الإرهاب فهناك موقف موحد بأن ما يفعله بوتين في سوريا هو الصحيح وأن الغرب لا يريد لروسيا النجاح في سوريا وكل سوري يعارض الموقف الروسي يصبح ببساطة “إرهابياً”.

أعتقد أن بايدن هناك سيكون مختلفا عن الرئيس أوباما وبالطبع ترامب الذين تجاهلا الانتقال السياسي في سوريا وقاما بالتركيز في القضاء على تنظيم داعش وإهمال الوضع الإنساني والاقتصادي المزري للسوريين في الشمال السوري وفي مناطق النظام، على الولايات المتحدة هنا أن تنشط دبلوماسيتها السياسية بحدها الأقصى لبناء أو إعادة بناء تحالف أصدقاء سوريا بهدف زيادة الضغوط على روسيا ونظام الأسد من أجل القبول بحل سياسي يضمن تطبيق القرار 2254 وربما مدخل إدارة بايدن هنا بعد فشل المفاوضات السياسية في جنيف وأستانا هو الدفع باتجاه انتخابات رئاسية وبرلمانية في سوريا تحت إشراف كامل من الأمم المتحدة كما ينص القرار 2254 ، على أساس أن الانتخابات هي وحدها من يسمح بولادة حكومة تمثيلية تسمح ببسط سيادتها على كل الأراضي السوري وتدفع باتجاه خروج كل الميليشيات الأجنبية وعلى رأسها الميليشيات الإيرانية.

وفي الوقت نفسه يجب على الولايات المتحدة أن تفعّل قانون قيصر بفرض عقوبات على الشركات والمصالح الروسية التي تقوم بانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا وعدم اقتصار العقوبات على الشركات والأفراد السوريين والإيرانيين فمن المهم أن تدفع روسيا ثمن جرائمها في سوريا وأن تفكر جديا في جدوى استمرار دعمها لنظام الأسد مع تحول سوريا إلى دولة فاشلة بالكامل مع انعدام كل مقومات الحياة الأساسية من انعدام للغاز والوقود ومياه الشرب والكهرباء فضلا عن تقنين رغيف الخبز عبر ما يسمى البطاقة الذكية بسبب انخفاض محصول القمح وعدم قدرة النظام على شراء القمح لانعدام العملة الصعبة لديه.

كما من المهم على إدارة بايدن اشتراط إعادة الإعمار بالانتقال السياسي، فلا يمكن لنظام الأسد أن يحصل على عائدات جرائم الحرب التي ارتكبها بحق السوريين عبر ما يسمى إعادة الإعمار، والضغط على الدول العربية التي تفكر في تطبيع العلاقات معه بفرض المزيد من العقوبات عليها وعلى الشركات التي تحاول مساعدة نظام الأسد في حربه ضد الشعب السوري.

تلفزيون سوريا

—————————–

مواجهة مبكرة بين بايدن وإردوغان/ جويس كرم
يتولى الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، مهام البيت الأبيض بعد 47 يوما، وبداية الرحلة الشرق الأوسطية، تلّوح بخلاف جذري مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وعقوبات أميركية لا مهرب منها على أنقرة حول صفقة “أس-400”.
ليل الخميس صوت الكونغرس، وبأكثرية من الحزبين قادرة على تخطي أي فيتو رئاسي، على الموازنة الدفاعية الأميركية للعام 2012، والتي تتضمن كأحد أبرز تعديلاتها عقوبات إلزامية على تركيا لاستحواذها المنظومة الدفاعية الروسية “أس-400”. هذه العقوبات حاول تأجيلها الرئيس دونالد ترامب لعلاقته القريبة بإردوغان، إلا أنها باتت اليوم تحت سقف قانوني تشريعي من الكونغرس.
ترامب قد يكون بإمكانه ركل الكرة أسبوعين وتأجيل العقوبات مرة أخيرة، بيد أن الواقع السياسي والتشريعي في 20 يناير، سيفرض على بايدن الأقل قربا من إردوغان، تنفيذ العقوبات.
في 2016، راهن إردوغان على فوز ترامب كرجل أعمال معروف في أنقره وكشخصية قابلة للتفاوض ومرنة في أمور تحمي تركيا خارجيا وفي المعترك الأميركي. ونجح إلى حد كبير في نيل تفويض البيت الأبيض رغم معارضة البنتاغون، لدخول سوريا، وعبر توظيف التشنج بين ترامب والأوروبيين، أبرم صفقة الـ”أس-400″، ونجح في التوسع في شرق المتوسط، ودخول ليبيا والانخراط بنزاع أذربيجان وأرمينيا.
اليوم، ومع تحذيرات حلف شمال الأطلسي “ناتو” لأنقرة حول صفقة الـ”أس-400″، ونزاع شرق المتوسط، بات تمادي إردوغان الإقليمي عبئا ثقيلا على الغرب. وفي حين سيحاول بايدن الحفاظ على المصالح المشتركة مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب والتبادل التجاري والخروج من أفغانستان، فالتصعيد لا مهرب منه بعد اختيار أنقرة تحدي واشنطن والمس بثوابت أمنية دفاعية في تركيا والمنطقة.
رهان إردوغان على خلق توازن في تحالفاته بين روسيا شرقا وأميركا والناتو غربا يتضعضع اليوم أمام خسارة تركيا عضويتها في تحالف طائرات الأف-35 وتأزم علاقتها مع الكونغرس. فتركيا التي كانت الدولة الشرق الأوسطية الوحيدة في هذا التحالف منذ 2002 إلى جانب كندا، الولايات المتحدة، أستراليا، الدنمارك، بريطانيا والنروج، كانت تنتظر تسلم مئة طائرة الأف-35 بعد صرف ملياري ونصف الدولار على منظومة روسية تتضارب دفاعيا واستخباراتيا مع النظم الدفاعية الغربية.
عقوبات قانون “كاتسا” الذي يلاحق التبادلات التجارية الضخمة مع روسيا ستضع بايدن في مواجهة مبكرة جدا مع إردوغان، إلا إذا تخلى الزعيم التركي عن منظومة “أس-400” وما هو غير متوقع. هذه العقوبات إطارها واسع جدا من حجب تأشيرات لمسؤولين تركيين إلى وقف الصادرات إلى حجب التعاملات المصرفية.
إردوغان حاول في الأسابيع الأخيرة إغواء بايدن بالحديث عن إصلاحات اقتصادية وديمقراطية في تركيا، إنما هذا الكلام لا ينفع أمام قوانين الكونغرس. وبايدن ليس ترامب وليس لديه أي مصالح تجارية شخصية مع تركيا. لا بل الرجل له علاقة طويلة مع الأكراد في سوريا والعراق، ووزير خارجيته طوني بلينكن انتقد سياسة ترامب بالانسحاب من الشمال السوري وفتح المعترك أماما تركيا. فضلا عن ذلك، علاقة بايدن الأقرب للأوروبيين من ترامب والأكثر تشددا مع روسيا ستفرض إعادة ترتيب لأسلوب التعامل مع أنقرة.
حتى الساعة ينتظر أردوغان مكالمة هاتفية من بايدن كما كان الحال مع ترامب الذي اتصل به في 9 نوفمبر في 2016 أي بعد يوم على الفوز. مضى أكثر من شهر على فوز بايدن وهو أجرى اتصالات مع قيادات دولية ومع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، إنما “الهاتف لم يرن” في أنقرة.
تركيا وإردوغان أمام واقع جديد في البيت الأبيض في 20 يناير مع بايدن ستكون فيه الأولوية للمصالح الاستراتيجية والدفاعية الأميركية وليس لمناقصات شخصية أو كلام معسول، ردده الزعيم التركي لترامب في السنوات الأربع الأخيرة.
جويس كرم
الحرة

—————————-

الإخوان المسلمين والحزب الديمقراطي الأميركي/ عمران سلمان
لا أعرف شخصيا كيف ومتى ومن أطلق الفكرة الغريبة بأن الحزب الديمقراطي الأميركي يدعم أو يفضل أو يتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين، لكن من الواضح أن هذه الفكرة شائعة اليوم في أوساط عربية كثيرة، ولدى بعضها هي من المسلمات، رغم افتقارها إلى أي دليل حقيقي يدعمها، ما يجعل مسألة فحصها أمرا ضروريا.
أصل الفكرة
أتصور أن الجذر الرئيسي لهذه الفكرة يعود إلى عام 2011 فيما بات يعرف بـ “ثورات الربيع العربي”، وإلى حقيقة أن إدارة أوباما اختارت التعاطي الواقعي والاعتراف بنتائج عملية التغيير التي جاءت بها تلك “الثورات”، بما في ذلك في مصر. مع أن هذه الإدارة ولا سيما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون آنذاك، تمسكت بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك حتى آخر لحظة، ولم تقر بالوقائع على الأرض إلا قبل أيام قليلة فقط من سقوطه.
لكن قرار الإدارة اللاحق بالتعامل مع نظام الإخوان المسلمين والذي جاء به المصريون أنفسهم في انتخابات حرة ونزيهة، وكذلك وقوفها إيجابيا من “الثورات” العربية الأخرى، والتي تصدر واجهتها الإسلاميون بحكم الأمر الواقع، خلق الانطباع بأن إدارة أوباما تشجع الإخوان المسلمين أو تقف إلى جانبهم أو تفضلهم.
والحقيقة هي أن الولايات المتحدة وجدت نفسها في وضع صعب في تلك المرحلة. فمن جهة كانت السياسات الأميركية التقليدية هي الوقوف إلى جانب الحكومات القائمة، والنظر بعين الشك والريبة تجاه أي تغيير راديكالي وتفضيل التحولات السلمية، وفي الوقت نفسه كانت الأنظمة العربية تسقط واحدا بعد الآخر، فيما تموج الشوارع العربية بالتظاهرات المطالبة بالتغيير.
وكان الوقوف ضد حركة التغيير بمثابة انتحار سياسي، فيما المغامرة بإبداء دعم واضح لما يجري في الشارع كان يعني أيضا السير نحو المجهول.
اعتقد أن التقييم المنصف سيجد أن إدارة أوباما عموما فضلت الوقوف في منتصف الطريق، وإن مالت في بعض الأحيان لجهة الشارع.
رسائل كلينتون
لكن بعض الحكومات العربية فسرت التحرك الأميركي على أنه تخل عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وخيانتهم. وفاقم من حساسيتها أن الخطاب الأميركي استمر في الدعوة التقليدية الى إقامة أنظمة حكم ديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، ما أدى إلى شيوع فكرة أن إدارة أوباما كانت لها يد مباشرة فيما يحصل في المنطقة.
وفيما بعد وجدت هذه الحكومات مصلحة في ترسيخ وترويج هذه القناعة، ولدعمها جرى تصيّد كل ما يصدر في واشنطن من تقارير أو مذكرات رسمية أو خاصة.
وفي هذا الصدد اكتسبت الرسائل التي أفرجت عنها إدارة الرئيس دونالد ترامب، من البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أهمية خاصة. فقد استخدمت هذه الرسائل بمثابة حجة ودليل على التواطؤ الأميركي المزعوم مع الإخوان المسلمين والعمل على تمكينهم.
وقد كان لدي ما يكفي من الفضول للبحث في هذه المسألة، بحيث قضيت وقتا لا بأس به في مطالعة أهم هذه الرسائل وما كتب عنها في الصحافة العربية. والخلاصة التي توصلت لها هي التالي:
لا يوجد في هذه الرسائل أو الإيميلات ما يشير من قريب او بعيد إلى أي تورط أو نشاط أميركي بدعم الإخوان المسلمين أو أي جماعة إسلامية أخرى.
مضمون هذه الرسائل هو عبارة إما عن تقييمات أميركية للوضع الذي كان سائدا في مصر وقتها، أو أخبار وتسريبات من مصادر خاصة داخل جماعة الإخوان المسلمين أو مؤسسة الجيش بشأن الوضع السياسي، أو مقتطفات من الصحف تتحدث عن نشاط هاتين المؤسستين. وفي أحيان قليلة جدا كانت هناك عروض أميركية بالمساعدة في إرساء الديمقراطية ونظام حكم القانون.
هذه الرسائل هي جزء طبيعي من عمل أي سفارة أجنبية في أي بلد في العالم. وليس فيها ما يشي إلى مخططات أو اتفاقات أو أي شيء من ذلك.
العديد من وسائل الإعلام العربية لم تخرج من هذه الرسائل بأي نص أو مقتطف يفيد بالادعاءات المذكورة، واكتفت باستخدام هذه الرسائل على نحو عشوائي وفوضوي لتأكيد فرضيتها المسبقة.
سوء فهم
هناك أيضا في سياسات الحزب الديمقراطي بالداخل الأميركي، ما يغري على تصوير الأمر على أنه تسامح أو تشجيع للإسلاميين، وهذا أبعد ما يكون عن الدقة.
فالحزب الديمقراطي له موقف إيجابي من الأقليات عموما، بما في ذلك المسلمين. وهذا الموقف يمتد إلى احترام الخصوصيات الدينية والثقافية والإثنية لهذه الأقليات، على النحو الذي لا نرى له مثيلا في الحزب الجمهوري مثلا. وهذا الاحترام يشمل الرموز الدينية للمسلمين بما في ذلك ارتداء الحجاب والتعاطف معهم في وجه التمييز والانتهاكات التي قد تلحق بهم. ومن هذا الباب يجري التعامل مع المنظمات الأميركية المدافعة عن حقوق المسلمين أو الناشطين في هذا المجال.
طبعا هذه المنظمات ربما يكون لها صلات بالإخوان أو جماعات الإسلام السياسي الأخرى، لكن هذا لا يعني أن الحزب الديمقراطي يتعاطف مع هذه الجماعات. الحقيقة أن الموقف من المسلمين يمتد أيضا إلى الأميركيين غير المسلمين، خاصة الذين يكونون هدفا للتمييز على أساس ديني أو عرقي أو يتعرضون للاضطهاد في بلدانهم الأصلية مثل البهائيين أو الأيزيديين أو الطائفة الاحمدية أو ما شابه.
أجندة غير دينية
من الناحية النظرية فإن برامج وأفكار الحزب الديمقراطي هي الأبعد ما تكون عن أيديولوجية الإخوان المسلمين أو الإخوان المسيحيين، لأنها برامج يغلب عليه الطابع الليبرالي، واللاديني في الكثير من الأحيان. فالديمقراطيون هم المناصرون التقليديون لقضايا النساء وحقهن في الأجر المتساوي وفي التصرف بأجسادهن، بما في ذلك مسألة الإجهاض، وهم أيضا المدافعون عن المثليين والمهاجرين والفئات الضعيفة في المجتمع.

والمدن التي يحكمها ديمقراطيون، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس وواشنطن العاصمة وغيرها هي المدن الأكثر ليبرالية في أميركا.
هذه الخلفية تجعل الديمقراطيين بالضرورة هم الأبعد عن جماعة الإخوان المسلمين التي تمقت الليبرالية والعلمانية أو عن أي جماعة تقوم على أساس الدين.
والواقع أن غالبية “المسلمين المحافظين” في أميركا كانوا، لهذه الأسباب بالذات، ولوقت قريب يصوتون إلى الحزب الجمهوري لأنهم يجدون قيمه تتناسب أكثر مع قيمهم. وقد صوتوا بكثافة للمرشح الجمهوري جورج بوش الإبن خلال انتخابات عام 2000. بعد ذلك حدث تحول في توجهات المسلمين، نحو الحزب الديمقراطي. والسبب هذه المرة سياسي وليس ديني. فعلى الرغم من موقفهم السلبي دينيا من الديمقراطيين، إلا أنهم شعروا بأن الجمهوريين، وخاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد اتجهوا كثيرا نحو اليمين، والكثير منهم كان له موقفا سلبيا من الحربين في العراق وأفغانستان. والبعض اعتبر ذلك استهدافا للمسلمين.
انزعاج حكومي
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية لا يوجد دليل على أن الإدارات الديمقراطية كان لها موقف يدعم أو يحابي الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية. صحيح أن هذه الإدارات، لا تظهر ميلا نحو/أو تتبنى المواجهة الأيديولوجية مع الإسلاميين، لأن منطلقاتها سياسية وليست عقائدية أو أيديولوجية دينية كما هو الحال مع الإدارات الجمهورية (حيث يشكل اليمين المسيحي جناحا رئيسيا في الحزب الجمهوري)، لكنها كانت الأكثر شراسة حينما يتعلق الأمر بتنظيمي القاعدة وداعش وغيرهما من الجماعات المسلحة. وقد شهدت فترة أوباما نشاطا غير مسبوق، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيرة، في استهداف زعماء ونشطاء هاتين المجموعتين.
خلاصة القول هي أن افتراض وجود صلة أو تعاون بين الحزب الديمقراطي الأميركي وجماعة الإخوان المسلمين، هي مجرد تصورات بنيت في أفضل الأحوال على حالات ظرفية، ولا يوجد ما يثبتها أو يدل عليها، وفي العديد من الأحيان هي ليست أكثر من انعكاس لانزعاج بعض الحكومات العربية إما من رفض الديمقراطيين الدخول في حروب أيديولوجية مع الإسلاميين، أو من الانتقادات التي يوجهونها فيما يتصل بحقوق الإنسان وغياب الديمقراطية.

==============================

=========================

تحديث 06 تشرين الثاني 2020

————————-

استراتيجية إدارة بايدن:الضغط الاقصى على الأسد..حتى رحيله

ترى مجلة “ناشونال انترست” الأميركية أن استراتيجية الرئيس المنتخب جو بايدن في سوريا ستتميز باستخدام أقصى الضغوط ضد نظام بشار الأسد، مع توسيع محتمل للتواجد العسكري الأميركي في سوريا.

وتستبعد المجلة في تقرير لمارك إيبسكوبوس بعنوان: “هل ستعرقل سياسة أوباما الفاشلة تجاه سوريا خطط إدارة بايدن للشرق الأوسط؟”، أن تعترف إدارة بايدن بالأسد لكنها ترى أن الأسلوب النهائي للاستراتيجية في سوريا لم يكتمل بعد.

وتسأل: بعد أربع سنوات من محاولة فك الارتباط في عهد الرئيس دونالد ترامب، هل ينذر الانتقال المقبل لإدارة جو بايدن بالعودة إلى استراتيجية الضغط الأقصى ضد حكومة الأسد؟

في مقابلة أجريت في أيار/مايو 2020، أقر المرشح جو بايدن لوزارة الخارجية، أنطوني بلينكن، بأن سياسة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجاه سوريا “فشلت”. ولدى سؤاله عن نهج بايدن تجاه سوريا، أجاب بلينكن: “في الإدارة الأخيرة، على المرء أن يعترف بأننا فشلنا ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا. لقد فشلنا في منع وقوع خسارة مروعة في الأرواح. لقد فشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخلياً في سوريا، وبالطبع خارجياً كلاجئين. وهو شيء سآخذه معي لبقية أيامي. إنه شيء أشعر به بقوة”.

لكن ما هو بالضبط فشل سياسة إدارة أوباما؟ وما هي الدروس التي يبشر بها وزير الخارجية المستقبلي؟ وما الذي كان يمكن أن يفعله البيت الأبيض خلال عهد أوباما بشكل مختلف لتفعيل بعض النتائج الإيجابية في سوريا؟

لا يقدم بلينكن، وهو دبلوماسي مخضرم ومسؤول كبير في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، إجابات واضحة. في مقابلة قديمة، بدا أن بلينكن يلقي باللوم على مجموعة كبيرة من القوى الخارجية: “أعتقد أن هناك الكثير من اللوم الذي يجب أن ننتقل إليه، بدءاً من السوريين أنفسهم، إلى إيران وروسيا ورعاة آخرين للنظام، إلى كل الدول العربية والدول المجاورة الأخرى”. لكن بلينكن أضاف “لدينا مسؤولية أيضاً”، متحسراً على “عبء حرب العراق” و”التدخل الصعب في ليبيا” لتبرير عدم وجود الحماسة للتدخل العسكري الأميركي في الحرب الأهلية السورية.

يبدو أن بلينكن يأسف للنتيجة، وليس للاستراتيجية الأساسية لإدارة أوباما المتمثلة في زيادة الضغط الدولي والعسكري للتفاوض على إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، بحسب المجلة. في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2015، أكد بلينكن دعم إدارة أوباما لتغيير النظام في سوريا: “لدى روسيا الآن حافز ونفوذ أكبر لدفع الأسد والنظام نحو الانتقال. هناك اعتراف من جميع الأطراف بأنه لا يوجد حل عسكري في سوريا ، وهذا اعتراف ينمو الآن لدى الروس”. وعندما طُلب منه توضيح ما إذا كان رحيل الأسد شرطاً أساسياً لإجراء مفاوضات جوهرية، أجاب بلينكن: “ليس شرطاً مسبقاً، ولكن العملية التي سيتم إطلاقها يجب أن تؤدي إلى رحيل الأسد”.

وتقول “ناشونال انترست” إنه بعد خمس سنوات، هناك اعتراف متزايد داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة الأسد. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن يكون الصراع الدائر في سوريا على رأس أولويات السياسة الخارجية للإدارة القادمة. عزّز الأسد قبضته على السلطة بثبات الدعم الروسي، والمعارضة السورية “المعتدلة” التي روجت لها إدارة أوباما تُعتبر عاملاً سياسياً غير فاعل في عام 2020، وتم احتواء التهديد المتزايد لتنظيم “داعش” على الأراضي السورية بنجاح في السنوات السابقة.

إذن ماذا الآن؟ إن الاعتراف بحكومة الأسد، حسب بلينكن، لا يزال غير وارد. وعندما سُئل عما إذا كان بإمكان إدارة بايدن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، قال: “من المستحيل عملياً أن أتخيل ذلك”.

على الرغم من أن احتمالات تغيير النظام على الطريقة الليبية في سوريا قاتمة للغاية، إلا أن هناك مؤشرات على أن إدارة بايدن ستكون مهتمة بتنفيذ استراتيجية الضغط الأقصى ضد الأسد. وضع بلينكن الخطوط العريضة لهذا النهج في مقال رأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2017 قال فيه: “الآن، تتمتع إدارة ترامب بنفوذ يجب أن تختبره مع نظام الأسد وروسيا لتقييد القوات الجوية السورية، ووقف أي استخدام للمواد الكيماوية أو الأسلحة البيولوجية، وتنفيذ وقف إطلاق نار فعال في الحرب وحتى التحرك نحو التفاوض على انتقال السلطة -وهي الأهداف التي استعصت على إدارة أوباما”.

يتمثل العنصر الثاني من استراتيجية بلينكن المقترحة في سوريا في استخدام الأسد كوكيل لغرض أوسع يتمثل في مواجهة روسيا: “يجب على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحاسبها على تصرفات الأسد في المستقبل، وحشد الآخرين للقيام بذلك.. وشن المزيد من الضربات إذا لزم الأمر”، كما دعا إلى فرض تكاليف على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعمه العسكري والسياسي المستمر لحكومة الأسد.

لن يحافظ البيت الأبيض في عهد بايدن على عقوبات إدارة ترامب على الأسد فحسب، بل ربما يوسعها. يشمل هذا النهج، بشكل شبه مؤكد، الحفاظ على وجود عسكري نشط في سوريا لدعم الأكراد كإسفين دائم ضد كل من الأسد والكرملين. من المرجح أيضاً أن تلعب إدارة بايدن دوراً أكثر نشاطاً في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وربما تدفع باتجاه إصلاحات سياسية من شأنها أن تمنح الفصائل المناهضة للأسد صوتاً محمياً في المجتمع المدني السوري.

يبدو أن الرئيس المنتخب قد اعترف أمام مجلس العلاقات الخارجية في 2018 بأن جهود أوباما لحشد دعم الكرملين ل”انتقال السلطة” بعيداً عن الأسد قد أثمرت القليل، وبدلاً من ذلك طرح ما يبدو أنه ترتيب “مجالات نفوذ” مع موسكو: “أعتقد، -هناك طرق يمكننا من خلالها، في الواقع، العمل مع روسيا لأخذ أجزاء من البلاد بشكل أساسي- ستكون دولة مقسمة لفترة طويلة… ليس هناك مبدأ موحد في سوريا من وجهة نظري”. وقال بايدن: “هكذا يمكنني أن أرى أين يمكنك العمل في مكان يوجد فيه ملاذ آمن بشكل أساسي لأجزاء معينة من ذلك البلد، ويمكنك تقليل عدد الأشخاص الذين يتم تهجيرهم وقتلهم بشكل كبير. لقد حاولنا ذلك أيضاً، ولم يلعبوا بشكل عادل هناك”.

وتختم المجلة قائلة: “لا يزال يتعين على الإدارة القادمة أن تحدد استراتيجيتها النهائية ضد حكومة الأسد، ولكن هناك أمراً واحداً واضحاً: الضغط الأقصى -ومعه التوسع المحتمل للوجود العسكري الأميركي في سوريا- موجود ليبقى”.

المدن

———————————

بايدن يواجه المهمة الصعبة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي/ شريف عثمان

بعد فشل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب في إقناع المحاكم في ولايات مختلفة بما يقرب من أربعين دفعاً تقدم بها لتعطيل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة التي تمت قبل شهر، بدا طريق جو بايدن ممهداً للوصول إلى البيت الأبيض، الأمر الذي حَوَّل التساؤلات خلال الفترة الحالية إلى ما يمكن أن يقوم به رئيس، تعهد بزيادة الضريبة على الدخول المرتفعة، ولا يحتفظ حزبه بمشاعر طيبة مع ممارسات كبرى الشركات الأميركية، وفي ظل كونغرس شديد الانقسام، لإحياء اقتصاد يتعثر من تبعات وباء ما زالت معدلات انتشاره في ازدياد.

وبعد شهور تعثرت فيها جهود الاتفاق على حزمة جديدة لإنقاذ الاقتصاد ومساعدة المواطنين، أعلن قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس استعدادهم لتخفيض المبلغ الضخم الذي تمسكوا به قبل الانتخابات من 2.4 تريليون دولار إلى 908 مليارات دولار، تشكل النسبة الأكبر منها تعويضات بطالة لمن فقدوا وظائفهم خلال الشهور الماضية لفترة تصل إلى أربعة أشهر، يكون أساساً لاستئناف المفاوضات ويزيد من احتمالات التوصل إلى اتفاق ينقذ ملايين المواطنين ويساعد آلاف الشركات التي ما زالت تعاني تبعات الجائحة.

وتأكيداً على الصعوبات التي ستواجهها إدارة الرئيس المنتخب خلال العامين القادمين على أقل تقدير، وقبل موعد انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ في 2022، ورغم عرضهم قبل عدة أسابيع حزمة إنقاذ تقدر قيمتها بنحو 1.8 تريليون دولار، أكد قادة الحزب الجمهوري أنهم والبيت الأبيض (الحالي) يفضلون حزمة تم عرضها من قبل لا تتجاوز قيمتها 519 مليار دولار، ولا توفر التمويل المطلوب تقديمه للولايات والحكومات المحلية.

ويوم الأربعاء، قال ستيفن منوشين، وزير الخزانة، إن الرئيس (يقصد دونالد ترامب) سيوقع على الحزمة التي اقترحها ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، بينما غابت أية تعليقات من البيت الأبيض على الحزمة التي اقترحها الديمقراطيون.

ولا يبدو أن جو بايدن يعبأ كثيراً بما سيتم الاتفاق عليه خلال الفترة الانتقالية الحالية، حيث قال يوم الأربعاء إن أية حزمة سيتم إقرارها ستكون بمثابة دفعة مقدمة لما سيحدث العام القادم، مؤكداً أن فريقه الانتقالي “يعمل بالفعل حالياً على ما سأقوم بطرحه في الكونغرس المقبل لمعالجة الأزمات المتعددة التي نواجهها، خاصة ما يخص الأزمة الاقتصادية والوباء”.

وسيكون على بايدن إرضاء قياديي حزبه الذين يعتبر البعض أنهم أصحاب الفضل الأكبر في فوزه في انتخابات الرئاسة، خاصة في ظل عدم تمتعه بكاريزما تشبه تلك التي تميز بها كل من خصمه ترامب وسلفه أوباما، من خلال الإسراع بتنفيذ أجندتهم التقدمية أو اختيار من على شاكلتهم في إدارته الجديدة.

وفي لقاء مساء الأربعاء مع محطة “سي أن أن” الإخبارية، طالب المرشح الرئاسي الأميركى السابق بيرني ساندرز بالإسراع في رفع الحد الأدنى للأجر، وتوفير تأمين صحي منخفض التكلفة لكل الأميركيين، وتخفيض أسعار الدواء.

وفي الوقت الذي كانت الأخبار العاجلة تتوالى على هواتف وحواسب المواطنين الآلية في أميركا، معلنةً تجاوز عدد من أصيبوا بالفيروس واضطروا لدخول المستشفى يوم الأربعاء مائة ألف مواطن للمرة الأولى منذ ظهوره في البلاد، كان عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي يضغط لتنفيذ أجندته التقدمية، ويطالب رئيسه المنتخب باختيار الأشخاص المؤيدين لها ضمن إدارته، بينما تعلل بايدن بأنه لا يرغب في التخلي عن مقعد أو أكثر في المجلس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية بسيطة، ويطمع الديمقراطيون في السيطرة عليه.

وعلى نحوٍ متصل، وفي حين قدرت بعض النماذج ما ستدره خطة رفع الضرائب على الأشخاص مرتفعي الدخول والشركات الكبرى التي يتبناها بايدن من إيرادات للخزانة العامة بما يقرب من 2.5 تريليون دولار على مدار السنوات العشر القادمة، حذر البعض من تأثيرها على تعطيل استعادة الاقتصاد لانتعاشه، وهو ما حاول ترامب استغلاله خلال حملته الانتخابية، قبل أن يفشل ويختار الناخب الأميركي بايدن.

وفي حين يرى بايدن أن الزيادات الضريبة خلال الفترة الحالية يمكنها التسريع بالنمو، من خلال توفير التمويل اللازم للعديد من خطط الإنفاق التي من شأنها أن تفيد الاقتصاد، مثل مشروعات تحسين البنية التحتية والاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة، كانت الرؤية لدى العديد من مراكز الأبحاث المحافظة أن تلك الخطط سيكون تأثيرها متواضعاً فيما يخص محاولات الإنعاش.

وخلال الحملات الانتخابية، حذر ترامب من تأثير خطط بايدن لزيادة الضرائب على الشركات الكبرى على دفع تلك الشركات لتصفية أعمالها في الولايات المتحدة، بينما أصر بايدن، رداً على سؤال أحد الصحافيين، على أهمية الإسراع بتنفيذ خطته، نافياً أن يكون الوقت الحالي، وما يشهده من ركود اقتصادي، دافعاً لتأجيل التطبيق.

وأيد بعض الاقتصاديين موقف وخطة بايدن، طالبين منه عدم التمهل في زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى. وقال أوستان جولسبي، الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض، والأستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاغو حالياً، في لقاء مع محطة سي أن أن الإخبارية إن “الركود الحالي تميز بالتفاوت الكبير في تأثيره على المواطنين والشركات، والكثير من أصحاب الدخول المرتفعة والشركات الكبرى لم يتعرضوا لأية مشكلات على الإطلاق خلال الفترة الماضية”.

وفي ذات الاتجاه، قدرت شركة الخدمات المالية موديز أناليتيكس قبل فترة حجم الاقتصاد الأميركي في نهاية فترة رئاسة بايدن الأولى بما يزيد بنحو 960 مليار دولار عما كان يمكن أن يكون عليه بنهاية فترة رئاسية ثانية لترامب.

العربي الجديد

———————————–

ترامب وإيران في 45 يوماً/ بشير البكر

يأخذ العالم على محمل الجد كل السيناريوهات الممكنة في الوقت المتبقي من ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والذي لا يزيد عن 45 يوما. وكلما ضاق الوقت حبس العالم أنفاسه بانتظار مفاجآت. وأكثر ما يثير الاهتمام هو توجيه ضربة عسكرية لإيران. وربطت قراءاتٌ عملية اغتيال العالم النووي، محسن فخري زادة، بسيناريو أكبر يتم حبكه بعناية، لاستدراج إيران إلى معركة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع ترامب إلى القيام بعمل على درجة عالية من الخطورة، قبل أن يترك البيت الأبيض بقليل؟

هناك أكثر من سببٍ يبرّر لترامب القيام بعمل عسكري ضد إيران، يختتم به ولايته، ويدخل التاريخ من هذا الباب. والسبب الأول تقديم خدمة لمشروع التحالف بين الإمارات وإسرائيل الذي يعد أحد إنجازات ترامب، وكان الدافع من ورائه هو تطويق إيران، ومنعها من تحقيق مشاريعها الاستراتيجية، وفي المقام الأول المشروع النووي. ولذلك يعد اغتيال زادة بمثابة دفعةٍ على الحساب، وليس كل العملية، وربما كان محاولةً لاستدراج طهران للرد بتوجيه ضربة لإسرائيل أو أبوظبي، وساعتها يصبح الرد الكبير عليها مبرّرا. ولهذا السبب، تم استقدام القاذفة الاستراتيجية الأميركية بي 52 التي درجت العادة أن تشارك في حروب كبيرة، كما حصل في الحربين على العراق 1991 و2003.

السبب الثاني لسيناريو الحرب على إيران توريث الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، تركة ثقيلة، لن يكون عليه من السهل تجاوزها، وفتح صفحة جيدة مع طهران، يعود بمقتضاها إلى سياسة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، وبشكل خاص إحياء الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب، وطرح شروطا للتفاوض على اتفاق جديد. وهذا الهدف طلب سعودي إماراتي، وهو ما يفسّر سر القلق الذي يسود في الأوساط الإماراتية السعودية من مجيء بايدن وإدارته، وهناك مخاوف فعلية في الرياض وأبوظبي من أن تنقلب المعادلة الراهنة، وتميل الكفة لصالح طهران. ولذلك توظفان كل الأوراق من أجل قطع الطريق على هذا الاحتمال، ومنعه من التحقق. ويكمن السبب الثالث في الرد على الضربات التي تعرّضت لها المصالح الأميركية في العراق من المليشيات المحسوبة على طهران، وكانت السبب وراء اتخاذ ترامب قرار تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد في الثالث من يناير/ كانون الثاني الماضي.

والهدف البعيد بالنسبة لإدارة ترامب وإسرائيل وأبوظبي والسعودية هو خنق إيران، ومنعها من أن تتنفس، أو تستفيد من الجو الجديد الذي يمكن أن تشيعه الإدارة الأميركية الجديدة. وتعمل هذه الأطراف كل ما في وسعها كي تبقى العقوبات المفروضة على إيران، ويستمر التوتر الحالي، وعدم تطبيع العلاقات معها، بل نقل المعركة إلى داخل أراضيها، وهذا أمر واضح من خلال العمليات التي تستهدفها، مثل اغتيال زادة، وضرب مفاعل نطنز النووي في يوليو/ تموز الماضي، والذي ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، في حينه، إن التخطيط له استغرق أكثر من عام، وإن حديثا يروج لدى بعض المسؤولين عن إستراتيجية أميركية إسرائيلية تتطوّر إلى سلسلة ضربات سرّية لا تتسبب في اندلاع حرب، يكون هدفها القضاء على أبرز جنرالات الحرس الثوري، وكذلك إبطاء عمل المنشآت النووية لإيران.

يسعى ترامب، قبل مغادرة البيت الأبيض، إلى زرع مجموعة من الألغام في طريق العلاقات الأميركية الإيرانية، ليس من السهل تفكيكها، وذات كلفة باهظة، وتتطلب وقتا طويلا، ومن شأن ذلك أن يخلق وقائع جديدة في المنطقة، تصب في طريق إضعاف إيران وإنهاكها، وهذا ما كان ترامب يعمل عليه طيلة سنوات ولايته.

العربي الجديد

————————

كيف قرر ماهر وبشار اللعب بالسارين؟/ عمر قدور

ما ورد في التحقيق المشترك لدويتشه فيلهDW ومجلة ديرشبيغل الألمانيتين حول مجزرة الكيماوي في الغوطة “21 آب2013″ ليس بالجديد علينا نحن السوريين، أهمية التحقيق الذي نُشر قبل خمسة أيام في صدوره عن جهتين إعلاميتين غربيتين، استناداً إلى تحقيق الادعاء الألماني بموجب الولاية القضائية الدولية، وكانت ثلاث منظمات حقوقية قد تقدمت بالشكوى أمام القضاء الألماني في السادس من شهر تشرين الأول. يُصادف أيضاً أن يُنشر التحقيق الصحفي بينما يتهيأ جو بايدن إلى دخول البيت الأبيض، وهو الذي كان في منصب نائب الرئيس عندما أبرم أوباما صفقة الكيماوي المشينة، مع خشية نسبة كبيرة من السوريين أن تكون سياسة بايدن تجاه سوريا ظلاً لسياسة أوباما.

باختصار، ذهب تحقيق دويتشه فيله وديرشبيغل إلى تحميل بشار وماهر الأسد، بشكل شخصي، مسؤولية تنفيذ الهجوم الكيماوي على الغوطة، مستنداً إلى القرائن التي تثبت تعذر حصول الهجوم إلا على هذا المستوى القيادي. هذا ما يعرفه ويتداوله معظم السوريين، حتى من مؤيدي الأسد، منذ شن الهجوم. في الغرب، سبق لخبراء أن أشاروا إلى توفر وثائق إدانة ضد سلطة الأسد لم تتوفر من قبل في أية قضية مشابهة، من حيث الحجم والتفاصيل الدالّة على عمل السلطة وآليات اتخاذ القرار، والشطر الأعظم منها ينتظر قراراً دولياً بمحاكمة الأسد ليُفرج عنه من مخابئ سرية أو من عهدة أجهزة المخابرات الدولية.

لكن، من بين كل الجرائم الوحشية التي ارتكبها ماهر وبشار تبقى لمجزرة الكيماوي مكانتها الخاصة والمحورية، ويمكن الجزم بأن ما قبلها لم يكن كما بعدها. أقل ما يُقال فيما قبلها أن أحداً لم يكن يتوقع من الأسد تحدي واشنطن التي أعلن رئيسها أوباما استخدام الكيماوي خطاً أحمر لن يتساهل معه إطلاقاً، ولن يبلغ الشطط بأحد ليتنبأ بأن تكون نتيجتها لصالح الأسد الذي حصل ضمناً على إقرار أمريكي ببقائه كمكافأة على اختراقه الخط الأحمر!

لم يكن بشار وماهر جالسين في حديقة القصر الرئاسي، بما أنه الصيف، وبسبب شعورهما بالضجر من استخدام البراميل وراجمات الصواريخ والصواريخ الثقيلة بادر ماهر إلى القول: ما رأيك بأن نلهو قليلاً بالسارين؟ فأجابه بشار: كنت للتو أفكر بجرعات عالية ومركزة من غاز الكلور، لكنك تقترح دائماً ما هو أشد وحشية. ثم يضحك الاثنان وتُسدل الستارة. ليس هذا ما يحدث في الواقع، لكننا على بعد سنوات مما حصل ربما نستطيع اقتراح مسار مختلف، يلتقي فيه بشار وماهر ليتفقا على تفاصيل ضربة الكيماوي، وهما مطمئنين إلى نجاتهما من العواقب، والنجاة لها معنى لن يخفى على أحد.

إننا نربط عادة بين مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني والموقف الأمريكي من الهجوم الكيماوي، ولعل هذا الربط العمومي يحتاج المزيد من القرائن كي لا يبقى مجرد تخمين، ولعل إعادة بناء المؤثرات التي سبقت الجريمة وتلتها أفضل ردّ على أوباما الذي يخوض هذه الأيام حملة علاقات عامة مع نشر مذكراته التي يظهر من جزئها الأول انعدام حساسيته كقائد أقوى دولة إزاء معاناة السوريين. تحديداً، ما الذي حدث بين خريف2012 وصيف2013؟

يصادف أن يذكّرني الفايسبوك بما كتبته على صفحتي في 29 تشرين الثاني2012 عن المعركة التي تدور أمام بيتي بين قوات الأسد والجيش الحر؛ كنت أقيم حينها في بناية تطل على طريق مطار دمشق الدولي، وفي حي صار كشبه جزيرة، خاضع للأسد ضمن محيط سيطرت عليه فصائل المعارضة، وقد رأيت بعيني طائرتين لقوات الأسد يتم إسقاطهما. كانت آنذاك السيطرة على مئات من الأمتار الإضافية فقط ستهدد سيطرة الأسد على دمشق بأكملها، لكن الوضع الميداني انقلب خلال أيام، لا بسبب دعم طهران وحزب الله الموجودين من قبل وإنما بسبب انقطاع الإمدادات عن الفصائل المهاجمة أو خضوعها لأوامر داعمين تطلب منها التوقف. بين خريف2012 وصيف2013، كانت قوات الأسد وحلفائها قد وضعت الغوطتين تحت الحصار، وزال الخطر العسكري عنها في دمشق، مع بروز التأكيدات وتكرارها عن عدم وجود حل عسكري لـ”الأزمة” السورية، اللازمة التي عنت منذ إطلاقها عدم إسقاط الأسد عسكرياً. بعبارة أخرى، لم يكن الأسد مضطراً لاستخدام السلاح الكيماوي على نحو يغامر فيه برد أمريكي صاعق.

أقيلت هيلاري كلينتون من منصبها كوزيرة للخارجية في بداية شهر شباط2013، وخروجها من الوزارة أتى تتويجاً لخلافات بينها وبين أوباما للسياسة في منطقتنا قسط وافر منها، ومن ذلك الخلاف حول التعاطي مع طهران وأثره على المسألة السورية. لم تكن هيلاري متحمسة للمفاوضات مع طهران، كانت خاصةً مترددة ومتشككة تجاه قناة التفاوض السرية في مسقط، بخلاف جون كيري الذي كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والذي سيخلفها في المنصب. أوباما كان مولعاً بفكرة الوساطة، بحسب ما كتبه في نيويورك تايمز مراسلها في البيت الأبيض مارك لاندر2016، وأرسلت هيلاري وفداً للتفاوض في مسقط لتقطع طريق التنازلات على جون كيري المسنود بولع ولهفة رئيسه.

إبعاد هيلاري والإتيان بكيري أذن بانطلاق قناة التفاوض السرية، من دون التحفظات السابقة لوزارة الخارجية، ومع رئيسٍ اختار أن يكون الملف النووي الإيراني إنجازه الفريد في السياسة الخارجية. فكرة الوساطة كانت قد انطلقت في كانون الأول2010، لكن كلينتون أعربت عن شكوكها وتحفظاتها خلال زيارة سرية لمسقط في الشهر التالي، بينما كان جون كيري يقوم بأكثر من زيارة ويلتقي لأكثر من مرة بمستشار السلطان، على الأرجح بتنسيق مع أوباما وتشجيع منه. كما هو متوقع وشبه مؤكد، لم تكن المفاوضات السرية تقتصر على الملف النووي وإنما تتناول ولو مواربةً التمدد الإيراني في المنطقة، وسوريا أهم نقاطه الساخنة حينئذ. كإعلان متأخر، سيصرح أوباما بأن الأمر يعود لقادة طهران، فإما أن يصرفوا الأموال التي كانت محتجزة بموجب العقوبات على شعبهم أو على مغامراتهم العسكرية الخارجية، ذلك التصريح يوضح موقف أوباما بل انعدام حساسيته إزاء ضحايا التدخل العسكري الإيراني.

في صيف2013 نفترض أن المفاوضات السرية قد بلغت مستوى ما مبشراً بالنجاح، ربما لم تكن طهران واثقة تماماً من النوايا الأمريكية الإيجابية، وربما اقتضى التأكد اختباراً ما. الافتراض الوحيد الذي له نصيب من المنطق أن تكون طهران عند عتبة من تلك المفاوضات قد أوعزت إلى الأسد باستخدام الكيماوي، وكان لديها ما يطمئنها بنسبة كبيرة إلى أن الأمر سيمر بلا عواقب، ولا يُستبعد بالطبع أن تكون موسكو على دراية بما سيحدث أو بجانب منه.

صحيح أننا لن نتمكن من التأكد من الفرضية السابقة ما لم يكشف لنا أحد من الأطراف الفاعلة بالتفصيل عما كان يحدث حينها، ومثل هذه الأسرار لا تُكشف إلا بعد عقود، إلا أن انتفاء الحاجة العسكرية إلى الكيماوي يضع استخدامه في مسار تفاوضي ما، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك سوى مسار مسقط. لقد كان مضموناً إلى حد كبير ألا تقدم إدارة أوباما على رد انتقامي، وكان مفهوماً أن تخوف الإدارة الأمريكية من السلاح الكيماوي متصل أساساً بالاعتراضات الإسرائيلية عليه.

من وجهة نظر مغايرة قليلاً للسائد، ها هو بشار الأسد يستخدم السلاح الكيماوي ضد السوريين، هو وأبوه من قبل صنّعا هذا السلاح ضد السوريين لا ضد تل أبيب. فهو كما نعلم لم يرد إطلاقاً على أي اعتداء إسرائيلي، ولو كان رداً رمزياً لحفظ ماء الوجه، بينما أفرط في استخدام الأسلحة ضد السوريين ومنها الكيماوي الذي لم يكن مضطراً لاستخدامه. هذه الرسالة ضرورية للتنصل لاحقاً من الالتزام بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة الكيماوية التي كان التوقيع عليها ثمناً رمزياً يدفعه، فالتحايل على المعاهدة وعدم تسليم المخزون كله أو تصنيع كميات جديدة كانت ترتكز جميعاً على إخلاص الأسد لاستخدامها داخلياً فقط، وتحظى بالصمت الدولي بناء عليه.

ثمة رسالة أخرى لم يتوقف الأسد وحلفاؤه عن التلويح بها، هي اتهام فصائل معارضة أو إسلامية باستخدام السلاح الكيماوي. هنا تلويح مزدوج، فإسقاط الأسد وسيطرة تلك الفصائل على مخزونه الكيماوي فيه مخاطرة قد تتعدى الحدود، لا لأن تلك الفصائل ستبادر إلى محاربة إسرائيل ولكن لأن سيطرتها قد لا تكون محكمة كسيطرة الأسد. المعنى الآخر أن تصنيع الكيماوي واللعب به لن يكون صعباً، وفي وسع الأسدية التصرف كتنظيم فالت عند الضرورة.

عندما أعلن أوباما خطه الأحمر الشهير كان الإعلان ذاته مستغرباً، إذ يضع سقفاً للأسد يبيح له استخدام ما دونه من أسلحة، وكان مستبعداً أيضاً إقدامه على استخدام الكيماوي إلا إذا وصل إلى حالة متقدمة جداً من اليأس. لم يكن في الحسبان أن يتحول الكيماوي من سلاح إبادة إلى سلاح يُستخدم لأغراض سياسية تكتيكية، رغم اتفاقنا على لاأخلاقية معظم السياسات الدولية. وتحوّلُ السلاح الكيماوي إلى أغراض سياسية تكتيكية يثير المخاوف، فقد رأينا اختباراً في عهد ترامب الذي كان همه إثبات حزمه واختلافه عن سلفه ترامب، وقد يتكرر الاختبار مع الرئيس الأمريكي المقبل، بتشجيع من ماضيه كنائب لأوباما، أو بتشجيع من اتصالات ومفاوضات سرية مع طهران لا نعلم ما إذا كانت قد بدأت أو في طور التحضير أو النوايا. الإشارة الإيجابية الوحيدة أن وزير الخارجية المقبل أنتوني بلينكن كان من أنصار معاقبة الأسد، لأن الدول العظمى تفي بوعودها. ربما علينا أن نرى ما إذا كان الوزير الجديد سيبقى وفياً لرأيه، وما إذا كان رئيسه سيبقى أو سيخرج من جلباب أوباما. في الانتظار، من المؤكد أن بشار الأسد وشقيقه ماهر جاهزان ومتلهفان لأية إشارة، من طهران أو موسكو، لممارسة هوايتهما في استخدام الكيماوي.

المدن

————————-

بايدن ليس أوباما: 2021 للانتقام من حزب الله/ منير الربيع

لم يأت مؤتمر الدعم الإنساني للبنان بخلاف ما كان متوقعاً. وخلاصته: لا مساعدات من دون إصلاحات. فالرؤية الدولية تتبلور أكثر فأكثر عن الطبقة السياسية اللبنانية: لا تريد أو قاصرة عن تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية. والنتيجة: الانهيار سيستمر إلى أن ينتهي كل شيء، ليبدأ البحث عن نموذج جديد يؤدي إلى حلول وإصلاحات.

سياسة الأحقاد

وما ينطبق على المعضلات الإدارية والمالية والاقتصادية لا ينفصل عن المعضلة السياسية. والقوى الدولية الخبيرة بالشأن اللبناني صارت عليمة بأن لا سياسة في لبنان، بل أحقاد سياسية، وشهية السياسيين مفتوحة على حروب تصفية الحسابات.

أحقاد وتصفية حسابات تجري على مرأى العالم، وعلى وقع عقوبات أميركية قاسية على القوى السياسية، وحصار مطبق يعانيه لبنان، الذي لن يحصل بعد اليوم سوى على مقومات غذائية وطبية تقي شعبه الجوع. وعدا ذلك الضغوط الدولية مستمرة، ومعارك السياسيين الداخلية مستعرة على كل شيء: من تشكيل الحكومة، إلى الخلاف على الصيغة السياسية وتركيبة النظام وإرساء نموذج سياسي – اقتصادي جديد. فلبنان الطائف وما قبله معرض للانهيار، ولا بد من إعادة التفكير في تركيبه وبنائه مجدداً.

وفي انتظار ذلك تستمر الضغوط الخارجية والعقوبات الأميركية. وتفتح القوى السياسية الداخلية المتفسخة مزيداً من ملفاتها ومعاركها. ولا هدف لكل منها سوى استهداف خصومه: في المصرف المركزي والمصارف، في الوزارات والإدارات والمصالح المستقلة..

جبهات ومتاريس

كلٌ يحاول أن يقتطع جزيرة وعنواناً أو مسألة مطلوبة دولياً وعالقة (التحقيق المالي الجنائي، ترسيم الحدود، المبادرة الفرنسية، تشكيل الحكومة) للحصول على غطاء دولي. فعون مثلاً يحمل لواء التدقيق الجنائي المطلوب أميركيا وفرنسياً. وخصومه يطالبون بتدقيق في وزارة الطاقة. وآخرون يشددون على لعبة استفادة حزب الله من المصرف المركزي والقطاع المصرفي للإلتفاف على العقوبات.

في هذا الإطار يستمر فتح ملفات ضباط سابقين في المؤسسة العسكرية، للتذكير بأفكار جرى التداول بها سابقاً: إحتمال لجوء الولايات المتحدة الأميركية إلى فرض عقوبات على ضباط سابقين في الجيش، لتحذير الضباط الحاليين من استمرار تعاونهم وتنسيقهم مع حزب الله.

الأمر نفسه ينطبق على المصرف المركزي، بعد رسائل تحذير كثيرة جاءت من الخارج، ورفض الأميركيين تولي أي شخص محسوب على حزب الله وزارة المالية. ويندرج في هذا السياق الهجوم الذي شنته صحف أميركية على مصرف لبنان وحديثها عن أن بعض العاملين فيه نجحوا في الالتفاف على العقوبات الأميركية وتمرير مصالح حزب الله المالية. وهذه سيكون لها تبعات كثيرة مستقبلاً، وقد يكون ذلك مقدمة لفرض عقوبات على مسؤولين في المصرف المركزي.

وليس من تحرك على خطّ تشكيل الحكومة. الجميع يراهن على مغادرة الإدارة الأميركية الحالية ومجيء إدارة جو بايدن، لعلّها تخفف الضغوط وتسمح للقوى اللبنانية في تمرير تشكيلة حكومية واقعية لا تستدعي رد فعل أميركية تفرض عقوبات جديدة

هذا كله يحصل فيما تشهد المنطقة توتراً وتصعيداً في الأسابيع المقبلة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وسط مخاوف من استمرار العمليات الأمنية النوعية المتفرقة.

انتقام من حزب الله

طهران ومن خلفها حزب الله يراهنان على إدارة جو بايدن لتخفيف الضغوط والعودة إلى الاتفاق النووي. لكن معطيات أخرى من واشنطن تفيد أن السياسة الأميركية القائمة لن تتغير.

وتكشف معلومات أن مسؤولين أميركيين في مؤسسات عديدة، كانوا متشددين في لقاءاتهم مع الرئيس المنتخب جو بايدن، لئلا يكرر ما فعله أوباما مع إيران، لان المسألة تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

وتكشف معلومات أيضاً أن هؤلاء المسؤولين حصلوا من بايدن على تعهد يتعلق باستمرار التشدد مع حزب الله. وأكثر من ذلك يقول هؤلاء إن العام 2021 سيكون عام “الانتقام من حزب الله” بمفعول رجعي بناء على مواقف أطلقها مسؤولون أميركيون، بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو ضد الحزب، مذكرين بتفجير المارينز في العام 1983 في بيروت.

—————————

هل ستعرقل سياسة أوباما الفاشلة تجاه سوريا خطط إدارة بايدن

خبراء: بعد خمس سنوات هناك اعتراف متزايد من مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة الأسد.

ثمة اعتراف متزايد بين مؤسسة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزاحة بشار الأسد، فبعد أربع سنوات من المحاولات العقيمة خلال عهد الرئيس دونالد ترامب في هذا الملف، تراود المحللين هواجس حول قدرة إدارة جو بايدن بالعودة إلى إستراتيجية الضغط الأقصى التي اتبعها الرئيس باراك أوباما، ولم تنجح.

واشنطن – في مقابلة قديمة، أقر أنتوني بلينكين المرشح لمنصب وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، بأن سياسة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجاه سوريا “فشلت”.

ولدى سؤاله عن نهج بايدن تجاه سوريا، أجاب “في الإدارة الأخيرة، على المرء أن يعترف بأننا فشلنا ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا، لقد فشلنا في منع وقوع خسارة مروعة في الأرواح، لقد فشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخليًا في سوريا، وبالطبع في الخارج كلاجئين وهو شيء سآخذه معي لبقية أيامي.. إنه شيء أشعر به بقوة”.

ولكن، ما هو بالضبط فشل السياسة من جانب إدارة أوباما، وما هي الدروس التي يمكن الاستفادة منها في السياسية الخارجية المستقبلية؟ وما الذي كان يمكن أن يفعله البيت الأبيض بشكل مختلف لتفعيل بعض النتائج الإيجابية في سوريا؟

من الواضح وبحسب مارك إيبسكوبوس مراسل للأمن القومي في مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية أن بلينكين، وهو دبلوماسي مخضرم ومسؤول كبير في الأمن القومي في إدارة أوباما، لا يقدم إجابات واضحة.

بدا بلينكين خلال المقابلة في مايو الماضي وكأنه يلقي باللوم على مجموعة كبيرة من القوى الخارجية حينما قال “أعتقد أن هناك الكثير من اللوم الذي يجب أن ننتقل إليه، بدءًا من السوريين أنفسهم، وبدءًا من إيران وروسيا ورعاة آخرين لنظام الأسد بدءا من كل الدول العربية والدول المجاورة الأخرى”.

لكن وزير الخارجية الأميركي، الذي سيكون على رأس مهامه نهاية يناير المقبل، أكد أن “لدينا (الولايات المتحدة) مسؤولية أيضا”، متحسرا على عبء حرب العراق والتدخل الصعب في ليبيا لشرح عدم وجود الحماس المحلي للتدخل العسكري في الحرب الأهلية السورية.

أنتوني بلينكين: الكثير من اللوم علينا تحمله بسبب ما يحصل في سوريا أنتوني بلينكين: الكثير من اللوم علينا تحمله بسبب ما يحصل في سوريا

ومن وجهة نظر إيبسكوبوس، يبدو أن بلينكين يأسف للنتيجة، لكن ليس للإستراتيجية الأساسية لإدارة أوباما المتمثلة في زيادة الضغط الدولي والعسكري للتفاوض على إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، ففي أواخر أكتوبر 2015، أكد دعم إدارة أوباما لتغيير النظام في سوريا.

ولدى روسيا الآن حافز ونفوذ أكبر لدفع الأسد والنظام نحو الانتقال، وهناك اعتراف من جميع الأطراف بأنه لا يوجد حل عسكري في سوريا، وهذا اعتراف ينمو الآن لدى الكرملين، لكن يبدو أن الولايات المتحدة لا ترى في رحيل الأسد شرطا لإجراء مفاوضات جوهرية، ولكن العملية التي سيتم إطلاقها يجب أن تؤدي إلى مغادرته.

وبعد خمس سنوات، هناك اعتراف متزايد بين مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة الأسد، وعلاوة على ذلك فمن غير المرجح أن يكون الصراع الدائر في سوريا على رأس أولويات السياسة الخارجية للإدارة القادمة.

وعزز نظام الأسد قبضته على السلطة بثبات بدعم روسي، والمعارضة السورية “المعتدلة”، التي روجت لها إدارة أوباما تعتبر عاملا سياسيا غير فاعل طيلة العام الجاري، وقد تم احتواء التهديد المتزايد لداعش على الأراضي السورية بنجاح في السنوات السابقة.

ويطرح إيبسكوبوس تساؤلا حول هذه الوضعية المعقدة حيث لا يزال الاعتراف بحكومة الأسد، بحسب بلينكين، غير وارد، وعندما سئل عما إذا كان بإمكان إدارة بايدن تطبيع العلاقات مع دمشق، قال “من المستحيل عمليًا أن أتخيل ذلك”.

وعلى الرغم من أن احتمالات تغيير النظام على النمط الليبي في سوريا قاتمة للغاية، إلا أن هناك مؤشرات على أن إدارة بايدن ستكون مهتمة بتنفيذ استراتيجية الضغط الأقصى ضد الأسد.

ووضع بلينكين الخطوط العريضة لهذا النهج في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2017 حيث كتب يقول “الآن، تتمتع إدارة دونالد ترامب بنفوذ يجب أن تختبره مع نظام الأسد وروسيا لتقييد القوات الجوية السورية، ووقف أي استخدام للمواد الكيميائية أو الأسلحة البيولوجية، وتنفيذ وقف إطلاق النار الفعال في الحرب الأهلية في سوريا وحتى التحرك نحو التفاوض على انتقال السلطة وهي الأهداف التي استعصت على إدارة أوباما”.

ويتمثل العنصر الثاني من إستراتيجية بلينكين المقترحة في سوريا في استخدام الأسد كوكيل لغرض أوسع يتمثل في مواجهة روسيا، حيث يرى أنه يجب على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحاسبها على تصرفات الأسد في المستقبل، وحشد الآخرين للقيام بذلك وشن المزيد من الضربات إذا لزم الأمر.

ويعتقد المحلل إيبسكوبوس أن إدارة بايدن لن تحافظ على العقوبات، التي سلطتها إدارة ترامب على الأسد فحسب، بل ربما توسعها وتشمل هذا النهج، بشكل شبه مؤكد، الحفاظ على وجود عسكري نشط في سوريا لدعم الأكراد كإسفين دائم ضد كل من الأسد والكرملين.

ومن المرجح أيضًا أن تلعب إدارة بايدن دورا أكثر نشاطا في إعادة الإعمار الجارية في سوريا، وربما تدفع باتجاه إصلاحات سياسية من شأنها أن تمنح الفصائل المناهضة للأسد صوتًا محميًا في المجتمع المدني السوري.

وكان الرئيس الأميركي المنتخب قد اعترف في حدث لمجلس العلاقات الخارجية في العام 2018 بأن جهود أوباما لحشد دعم الكرملين لـ”انتقال السلطة” بعيدا عن الأسد قد أثمرت القليل، وبدلا من ذلك طرح ما يبدو أنه ترتيب “مجالات نفوذ” مع روسيا.

العرب

—————————–

ترامب التالي: من محفة كاليغولا إلى قيثار نيرون/ صبحي حديدي

حوليات التاريخ الغربي، العسكري والسياسي والإمبراطوري على وجوه أخص، وحوليات التاريخ الروماني القديم بصفة خاصة، تحفل بحفنة غير قليلة من أباطرة جمعوا الطموح الشخصي المفرط، إلى هذا المستوى أو ذاك من مظاهر الهستيريا وجنون العظمة وبُغْض الديمقراطية. في طليعة هؤلاء، كما يًجمع المِؤرخ البريطاني الراحل شون لانغ، يعثر المرء على أمثال تايبيريوس (14ـ37 م)، غايوس كاليغولا (37ـ41)، نيرون (45ـ68)، كومودوس (180ـ192)…

وقد تعترض غالبية من أنصار الرئيس الأمريكي المنتهبة ولايته، دونالد ترامب، على تمثيلات يمكن أن تضعه في لائحة عنوان هذا العمود، بالنظر إلى أن أمريكا الراهنة ليست روما القديمة (وهذه مسألة فيها نظر، غنيّ عن القول)؛ أو إلى أنّ الديمقراطية الأمريكية، اليوم، ليست النظام السياسي الذي تسيّده وقاده الأباطرة أولئك؛ أو، ثالثاً، لأنّ ترامب لم يعطّل المنظومة، بدليل أنّ الانتخابات الرئاسية جرت في نهاية الأمر ورغم الشكوك الكثيرة حول احتمال بلوغها برّ الأمان، ويستزيد هؤلاء من واقع أنهم ليسوا محض أنصار للرئيس الأمريكي المنصرف بل هم جمهوره الذين تغذوا على أفكاره: ألم يحصل ترامب على أقلّ قليلاً من 53 مليون ناخب في التصويت الشعبي خلال انتخابات 2016، وها أنه في الانتخابات الأخيرة يحصد ما يقلّ قليلاً عن 74 مليون صوت؟

والحال أن السهولة التي يجدها المؤرخ الغربي لجهة احتساب حفنة الأباطرة المشار إليهم في الفقرة الأولى، ليست البتة ناجمة عن ضعف جماهيريتهم إذْ كان العكس هو الصحيح في الواقع، أو لأنّ هذا أو ذاك بينهم لجأ إلى ممارسات شاذة أو غير منطقية (مثل الصورة السائدة عن غايا في أنه كان يستهوي إهانة مجلس الشيوخ (قال إنّ حصانه، إذا ترشح ذات يوم، سيكون أفضل أعضاء المجلس)، أو خرافة لجوء نيرون إلى العزف على القيثار مستمتعاً بمشاهدة روما تحترق)؛ بل لأسباب أخرى أشدّ تعقيداً وعمقاً وتتصل بحُسن أو سوء تدبير شؤون السلطان الإمبراطوري، وعقلانية بعض القرارات الفاصلة والمفصلية ذات الأثر التخريبي المباشر على حياة الإمبراطورية وشعوبها.

ويخطر لي شخصياً أنّ ترامب ساعة مغادرة البيت الأبيض إلى مستقبل آت، قد يقدّر أنّ أبسط خياراته أن يترشح للرئاسة في انتخابات 2024، ولكن هذا خيار دونه خرط القتاد لأسباب عديدة سوف يبدأ أهمها من حقيقة الموقع الذي سيحتفظ به في صفوف الحزب الجمهوري، ومدى استعداد الجمهوريين، أعضاء عاديين أو ناخبين أو أعضاء نواب وشيوخ، في الاصطفاف المطلق خلفه كما فعلوا طوال أربع سنوات مضت. أسباب ليست أقلّ أهمية ستنبثق من معارك القضاء الأمريكي التي ستحيط بترامب إحاطة السوار بالمعصم، حيث لا حصانة رئاسية هنا أو مناعة قضائية بل استشراس وإلحاح في الترصد وإحقاق قضايا تمّ السكوت عنها أو تأجيلها بسبب سلطة سيد البيت الأبيض طوال الفترة السابقة.

كذلك يخطر لي أن ترامب إذا غادر محفة الإمبراطور غايوس كاليغولا (الذي أدمن إهانة مجلس الشيوخ لسبب أو بلا سبب، وأصدر أمراً إلى جنوده بطعن الأمواج بالسيوف لأنه بذلك يهين الإله البحري نبتون)؛ فسوف يختار قيثار كاليغولا من دون سواه، رغم أنّ الأسطورة كذبت حين نسبت إليه الحريق والقيثار وهو منهما بريء كما يقول التاريخ الفعلي خارج الأسطورة. كان نيرون يتلذذ بالعزف على خرائب روما، وهكذا بات ترامب بعد اتضاح نتائج الانتخابات الأخيرة، إذْ لم يعد عنده هاجس أكثر طغياناً من إلحاق المزيد من الخرائب في بنية الديمقراطية الأمريكية ونظامها الانتخابي الشائخ على وجه التحديد.

ولأنّ “الحقيقة صعبة، والضحالة سهلة”، كما يستخلص الآلاف من أنصار ترامب، فإن”رئيسهم الذي انتخبوه بحماس إنجيلي في سنة 2016، وتشبثوا بنظرية التآمر عليه في صناديق الانتخابات سنة 2020، سوف يثبت خلال سنوات 2021ـ 2024 أنه قادر على العودة، بعزيمة أكثر صلابة وقوّة أكثر رسوخاً: “هل كان رونالد ريغان أو جورج بوش الابن أعلى في المستوى الفكري من رئيسهم؟” يتساءل الغلاة من أنصاره، وفي هذا الصدد تليق بهم إجابة واحدة: نعم، وأيم الله! كانوا، وبما لا يُقاس من الدرجات!.

القدس العربي

———————————

الملف الإيراني وقرارات ترامب الأخيرة/ صادق الطائي

مثل الملف الإيراني عقدة محورية في الكثير من سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب الخارجية، إذ اعتبر هذا الملف الكفة الأولى التي تقابلها كفة الأمن القومي الإسرائيلي، وعبر توازنات هاتين الكفتين رسمت سياسة ترامب كل الخطوات والقرارات التي أتخذها طوال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض.

وفي البدء مثل الملف الإيراني أحد المحاور الأساسية في حملة دونالد ترامب الانتخابية عام 2016 فقد أطلق حينذاك مجموعة تعهدات في مقدمتها الخروج من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع مجموعة دول “5+1” الذي نزع فتيل أزمة التوتر النووي في الشرق الأوسط. وقد أدان دونالد ترامب سلوك إدارة الرئيس أوباما واتهمها بتقديم تنازلات كبيرة وغير ضرورية لإيران، الأمر الذي مكن إيران من تملك القوة والنفوذ للتوسع في منطقة الشرق الأوسط وفرضها توازنا قلقا يهدد بالانفجار في عدة محاور أهمها بلدان الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في الخليج وإسرائيل.

بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في آيار/مايو 2018 ابتدأ ترامب بإطلاق حزم العقوبات الاقتصادية على إيران، والغاية تنفيذ سياسة تصفير تصدير البترول مما يعني موتا محققا للنظام الحاكم في إيران، إذ يشكل البترول العصب الرئيسي في الاقتصاد الإيراني. ومع صمود وتحمل الخسارات الكبيرة التي مني بها الإيرانيون من دون ان ينهار النظام ويجلس لطاولة المفاوضات مع إدارة ترامب، تصاعد التوتر بين الطرفين ليصل إلى حافة الحرب الشاملة، عندما أسقط الإيرانيون طائرة أمريكية مسيرة في حزيران/يونيو 2019 وقد توقع العالم ردا عسكريا من إدارة ترامب عبر توجيه ضربة عسكرية لمواقع إيرانية، لكن هذه الضربة أوقفت بأمر من ترامب شخصيا في اللحظات الأخيرة.

حزم العقوبات

التوترات أخذت بالتصاعد من مطلع العام الجاري، إذ اغتالت القوات الأمريكية الجنرال قاسم سليماني ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس مطلع شهر كانون الثاني/يناير بضربة بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد، مما أدى إلى توتر الصراع وتصاعده والنتيجة كانت توجيه ضربة صاروخية إيرانية للقواعد الأمريكية في العراق في محافظتي الأنبار وأربيل، كما اتهمت إيران بالوقوف وراء مهاجمة حركة الحوثيين اليمنية للمنشآت النفطية في السعودية وناقلات البترول في الخليج، مما أدى إلى تصاعد التوترات عدة مرات والتهديد بتوجيه ضربات صاروخية لإيران، إلا إنها توقف في اللحظة الأخيرة.

تصاعد التوتر بشكل كبير بين الولايات المتحدة وإيران مع فرض حزم العقوبات، وقد بدا إن غاية إدارة ترامب وضع أكبر قدر من العراقيل في وجه الإدارة المقبلة في حال عدم فوز ترامب بولاية ثانية، وهذا ما حصل فعلا، فمنذ إعلان نتائج الانتخابات واتضاح تقدم وفوز جو بايدن، ابتدأت إدارة ترامب تسرع في اتخاذ خطوات غايتها رفع مستوى التوتر مع إيران إلى الحد الذي طلب فيه الرئيس من مستشاريه النصح في امكانية توجيه ضربة عسكرية لموقع نطنز النووي الذي تقوم فيه إيران بتخصيب اليورانيوم الذي تجاوز الحدود المسموحة بها بحسب تقارير مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن وحسب تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الذي ذكرت فيه أن رد مستشاري ترامب كان رفض فكرة الرئيس، وأنهم حاولوا اقناعه بعدم المضي قدما في تنفيذ ضربة على منشآت إيران النووية بسبب المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى إثارة نزاع أقليمي موسع في الأسابيع الأخيرة من رئاسته.

كما ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعد خطة لفرض سيل من العقوبات الإضافية على إيران، قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير المقبل، ونقل الموقع عن مصدرين إسرائيليين أن إدارة ترامب تنسق في هذا الشأن مع حكومات في المنطقة الخليجية، ومع إسرائيل.

العودة للاتفاق النووي

من جانبه أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن بوضوح في مقال له في أيلول/سبتمبر الماضي “إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات” وستُرفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران.

ويشير توماس فريدمان في مقال له في صحيفة “نيويورك تايمز” بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس المنتخب بايدن، إلى أنه من الواضح أن الإيرانيين يأملون في عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران. إذ قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر تعليقا على هذا الأمر؛ إن “عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق يمكن أن يحدث تلقائيًّا، ودون حاجة إلى مفاوضات جديدة”.

مسألة عودة الرئيس بايدن للاتفاق النووي مثلت ازعاجا حقيقيا للرئيس ترامب وحلفائه في الخليج وإسرائيل، ويظهر أن كل الحلفاء قد لعبوا أدوارا في دفع الأزمة إلى مديات متقدمة لتكريس العقبات في طريق عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي. فكانت الضربة الأخطر في سيناريو التصعيد والمتمثلة باغتيال كبير علماء الطاقة الذرية الإيرانية محسن فخري زاده، في عملية متقدمة جدا من حيث جمع المعلومات وطريقة التنفيذ، والتي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تنفيذها حتى الآن، إلا ان الجهات الرسمية الإيرانية اتهمت الموساد الإسرائيلي وبالتعاون مع الأمريكان بالوقوف وراء التخطيط للعملية وتنفيذها.

في مقال لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية سلط الضوء الأسبوع الماضي على التصعيد ضد إيران، إذ بعث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو برسالة واضحة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مفادها؛ “سنعارض الجهود الأمريكية للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني”. وقال نتنياهو في التأبين السنوي لذكرى وفاة أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون؛ “لا تعودوا إلى الاتفاق النووي الإيراني السابق، يجب أن نلتزم بسياسة لا هوادة فيها لضمان عدم تطوير إيران أسلحة نووية”. ولفتت الصحيفة إلى؛ أن “بايدن وإيران تلقيا رسالة قوية يوم الجمعة 27 تشرين الثاني/نوفمبر، إذ استُهدف محسن فخري زاده، كبير علماء إيران النوويين، باغتيالٍ مُحكم بالقرب من طهران”.

والهدف الواضح من هذا التصعيد هو محاولة جر إيران للرد على هذه الضربة العنيفة، وبالتالي ايصال التوتر إلى حدود الانفجار دون إعلان الحرب من الطرف الأمريكي أو الإسرائيلي بشكل رسمي، وبذلك سيكون من الصعب على إدارة بايدن الرجوع بسلاسة إلى الاتفاق النووي.

لكن الرد الإيراني بحسب المراقبين لن يكون شاملا أو ضمن حرب إقليمية، إذ يتوقع الخبراء العسكريون تنفيذ جهات محسوبة على طهران ضربات في المحيط الإقليمي لإيذاء حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل في الخليج أو اليمن أو العراق أو سوريا، لكن هذه الردود المحدودة بالتأكيد ولن يكون لها صدى الضربة التي أصابت المشروع النووي الإيراني إصابة بالغة باغتيال الرجل الذي يعرف بأنه “ابو القنبلة الذرية الإيرانية”.

وقد أطلق الإيرانيون تهديدات سابقة موجهة لدولة الإمارات في حال الكشف عن تورطها في نشاطات عدائية إسرائيلية ضد إيران، لكن إدارة ترامب تحسبت للتوتر بإرسال قطع بحرية إلى الخليج، إذ كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية عن تحريك حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” إلى منطقة الخليج العربي، مع سفن حربية أخرى. وتم الأمر في نفس يوم اغتيال محسن فخري زاده، وحسب شبكة “سي إن إن” فإن “تحريك حاملة الطائرات سيوفر دعما قتاليا مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان” وإن “تحريك حاملة الطائرات إلى الخليج، كان مقررا قبل ورود خبر اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده” إلا إن ذلك لا يعني، أو لا يخفي احتمال التنسيق بين الأطراف الثلاثة أي الإسرائيليين والأمريكيين والخليجيين.

وتناولت بعض التسريبات الصحافية اللقاء الذي ضم محمد بن سلمان ومايك بومبيو وبنيامين نتنياهو في مدينة نيوم السعودية، إذ اعتبر هذا اللقاء نقطة تحوّلٍ تاريخيةٍ في العلاقات الإسرائيلية-السعودية. وقد تحدّثت تقارير عن أنّ الأطراف ناقشت الملف الإيراني بوصفه ملفاً رئيسياً على طاولة الاجتماع، ففي الوقت الذي أكدّ نتنياهو بأنّ موقفه من إيران لن يتغيّر بتغيّر الحكومة الأمريكية، جاء الردّ السعودي بأن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام إيران، وجاءت عملية اغتيال فخري زاده ضمن هذا السياق بعد أيام، مما أثار شكوكاً حول توقيته وأهدافه.

إسرائيل تتوقع ردا إيرانيا محدودا قد يتمثل بتوجيه ضربات لبعثاتها الدبلوماسية، أو مصالحها المنتشرة في دول العالم، لذلك أصدرت خارجيتها تعليمات مشددة لبعثاتها بتوخي الحذر الشديد، لكن من جانب آخر يرى بعض المراقبين أنّ الموقف الإيراني سيتجه إلى مفهوم “الصّبر الاستراتيجي” الذي يُطلق عليه الإيرانيون “صبر راهبردي” والذي سيصل بالفعل إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ بوصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض. وعندها سيكون الانفراج في الوضع الإيراني ردا مناسبا يوجه لإسرائيل ومن طبع معها من دول الخليج.

القدس العربي

——————————

ترامب في متاهته الأخيرة: زرع الفوضى وإضعاف الديمقراطية والحلم الواهن بالعودة إلى البيت الأبيض/ إبراهيم درويش

من الباكر الحديث عن نهاية حقبة دونالد ترامب لأنه لا يزال يسيطر على الحزب الجمهوري وأكثر شخصية فيه تحظى بشعبية وسيواصل لعب دور في سياسة الحزب خلال الأعوام المقبلة، ومن ضمن ذلك ما رشح من معلومات أنه يريد تنظيم حفلة موازية لحفلة تنصيب الرئيس المنتخب جوزيف بايدن في 20 كانون الثاني/يناير ويعلن عن ترشيح نفسه للحملة الانتخابية في 2024 وهو أمر وصفته ابنة أخية ماري ال ترامب بمقابلة مع مجلة “فانيتي فير”(2/12/2020) بالمضحك. ودعت إلى محاكمته وأولاده على ما أحدثوه من ضرر على النفسية الأمريكية. فترامب لم يعترف بعد بهزيمته ويواصل حملاته القانونية لتغيير نتيجة الانتخاب مع أنه يعرف أن مصيره قد انتهى خاصة بعدما سمح بالعملية الانتقالية ومنح الرئيس المنتخب وطاقمه الفرصة للحصول على الدعم الفدرالي لنقل السلطة إلى إدارة ديمقراطية. ويعرف ترامب أن أيامه في السلطة باتت معدودة ولكنه يحاول إحداث أكبر ضرر لعرقلة مهمة الإدارة المقبلة لفتح صفحة جديدة مع الشعب الأمريكي الذي أثار النعرات العنصرية الكامنة لدى أقلية منه ضد أمريكا متحولة ومتنوعة من جهة وتصحيح مسار العلاقة مع العالم وإعادة بناء التحالفات التي عملت أمريكا على بنائها بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونشأ منها النظام الدولي.

تقويض الديمقراطية

وفي داخل أمريكا لا يكف المعلقون الحديث عن الأضرار التي أحدثها ترامب على النظام الديمقراطي وتشكيكه بنزاهة العملية الانتخابية وتهديده المسؤولين المحليين الذين يديرون العملية الانتخابية بطريقة توافقية، حيث بدأ بعضهم بتلقي التهديدات بالموت لأنه سمح بـ “سرقة الانتخابات”. ورغم رفض القضاة الجمهوريون الإذعان لمطالب ورغبات ترامب بتغيير نتيجة الانتخابات وفضلوا اتباع القانون إلا أن محاولاته كشفت عن ضعف المؤسسات الديمقراطية التي سمحت للرئيس بممارسة سلطة أوسع من الرئيس المنتخب. وبدا هذا في قائمة العفو التي أصدرها عن رجاله خاصة مايكل فلين، مستشاره الأول للأمن القومي، رغم اعتراف هذا بجرمه وتواصله مع الروس. وتفكيره كما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” بالعفو عن نفسه وأبنائه والمقربين منه. ويرى فريد زكريا في “واشنطن بوست” (3/12/2020) أن هجمات ترامب المتكررة على الديمقراطية وبطرق عدة كشفت عن الحاجة لتقويتها بحيث تصمد أمام أي سياسي يشبه ترامب أو هو نفسه بعد أربعة أعوام. وبحسب ألكسندر كيرشنر وكلوديا لوبيز كوريرا بمقال نشرته صحيفة “الغارديان” (4/12/2020) فمناورات ترامب بمرحلة ما بعد الانتخابات هزت ثقة وإيمان الأمريكيين بالديمقراطية. ومن هنا يجب منعه ودستوريا من الترشح مرة ثانية للانتخابات لأن من يحاولون تقويض الديمقراطية وأظهروا نزعات مستبدة يجب نزع الأهلية عنهم لتولي المركز مرة ثانية، أسوة في فرنسا التي تمنع المواطن الفرنسي الذي يحاول التقليل من العملية الانتخابية من حق استخدام السلطة لعدة سنوات.

البحث عن المال

والسؤال المطروح وبعيدا عن خطط ترامب في الرئاسة مرتبط بما سيفعله بعد خروجه من البيت الأبيض، وبات هذا الخروج محتوما؟ وقد ناقش المعلقون الأمريكيون هذا الأمر كثيرا وضرورة منح بايدن الأولوية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الذي كان سبب هزيمة ترامب والرغبة بعودة الحياة إلى طبيعتها، والمهم في الأمر أن ترامب وأولاده بعد فقدانهم السلطة لن يصبحوا مهمين وسيفقدون الحماية من المصارف الكبرى التي سترفض ضمان ترامب كما في الماضي. وسيواجهون ملاحقات قضائية ستظهر ملامحها لاحقا، وبتصرفات ترامب الفظيعة في مرحلة ما بعد الانتخابات فقد جعل من محاسبته أمرا ضروريا، وكيف ستتم محاسبته أو جره للمحاكم يترك لوقته، لكن الرئيس في لحظاته الأخيرة يحاول أن يعمل ما لم يعمله رئيس من قبل وهو عقد صفقات بالملايين مع الحكومات والشركات الأجنبية لدعم تجارته الخاصة. وبحسب موقع “بوليتكو” (1/12/2020) فإن شركة ترامب للعقارات تخطط استئناف مشاريعها، ربما في مجال الفنادق الراقية في وقت تعاني فيه من تشوه للماركة في داخل الولايات المتحدة وحاجتها لدفع مئات الملايين من الدولارات للمقرضين. وقال المسؤولون في الشركة إنهم سينظرون إلى مشاريع في الهند ويعيدون النظر في المشاريع التي بدأوا فيها بالصين وتركيا والبرازيل وكولومبيا قبل دخول ترامب البيت الأبيض. وتعرضت الترتيبات للانتقاد باعتبارها محاولة للحصول على مقابل جراء السياسات التي قام بها ترامب أثناء فترة حكمه ودعم فيها حكومات أجنبية. وتعرض عدد من الرؤساء السابقين لانتقادات مماثلة من خلال الخطابات العالية الأجر والعقود المالية الضخمة لكتابة كتب وجمع الملايين من التبرعات الأجنبية لبناء مكتبات تذكارية باسمهم. وكان بيل كلينتون عرضة للنقد لجمعه ملايين الدولارات لجمعية العائلة الدولية. لكن عودة ترامب إلى مجال الصفقات التجارية في الخارج يطرح أسئلة أخلاقية لم تواجه أي رئيس سابق. فشركته أو منظمة ترامب هي مؤسسة واسعة وتضم 500 شركة أخرى بما فيها فنادق ومنتجعات ونوادي غولف حول العالم. ولأنها ليست جمعية خيرية أو شركة مساهمة محدودة فماليتها غير معروفة. وأكثر من هذا فهو مضطر لأن يبحث عن تمويل في الخارج لأن قلة من الشركات المالية الأمريكية مستعدة لإقراضه. وكان قرار ترامب الحفاظ على علاقته مع شركته رغم تنازله عن الإدارة اليومية لأولاده مدعاة للحديث عن تضارب للمصالح. واستطاع ترامب التهرب من أية محاسبة للكونغرس له بشكل وصف بأنه إساءة استخدام السلطة ثم رفض الكشف عن سجله الضريبي.

كوشنر والعلاقات الشخصية

وهذا يقودنا إلى علاقة ترامب بالشرق الأوسط وجولة صهره ومستشاره جاريد كوشنر في المنطقة فيما أطلق عليها محاولة أخيرة لحل الأزمة الخليجية-الخليجية، لكن صحيفة “واشنطن بوست” (3.12/2020) تساءلت عن المنافع الشخصية التي سيجنيها كوشنر من آخر رحلة رسمية له إلى المنطقة. وقالت إن كوشنر لن يكون قادرا على حل الأزمة الخليجية في رحلة عاجلة، مضيفا إلى سجل إنجازات ترامب في المنطقة انتصارا جديدا. ولكنه سيحافظ على علاقاته مع قادة دول الخليج، خاصة ولي العهد السعودي الذي كانت علاقته معه محلا للتدقيق والنظر. وفي الوقت الذي ساعد فيه كوشنر على تأمين اتفاقيات تطبيع بين دول عربية وإسرائيلية هذا الخريف إلا أنه فشل في تحقيق اتفاقية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال أرون ديفيد ميللر من وقفية كارنيغي إن كوشنر كان واضحا في حديثه معه في الفترة ما بين 2017 و 2018 أنه وترامب يريدان “تطوير علاقات شخصية واستراتيجية مع السعوديين والإماراتيين”. وقال ميللر الذي عمل في الخارجية الأمريكية سابقا “أضمن لك أنها ليست الرحلة الأخيرة التي يقوم بها إلى السعودية”. وقال “هذه علاقات مهمة جدا لو كنت مهتما بالمال وأن تظل مهما للعلاقات العربية-الإسرائيلية وأعتقد أنه مهتم”. وقال المحلل السابق في “سي آي إيه” والزميل في معهد بروكينغز بروس ريدل “أجد من الصعوبة التصديق أن هذه الرحلة هي عن قطر فقط” و “أشك أن هناك أسبابا أخرى، فعلاقة عائلة ترامب ومحمد بن سلمان ستظل حتى بعد 21 كانون الثاني/يناير ويتطلعون لتقويتها”. وقبل انضمامه للإدارة كان لكوشنر حصة في شركة عائلته العقارية. وقال مصدر “العلاقة التي بنوها مع أشخاص مثل محمد بن سلمان؟ لا تقلل منهماـ وسيواصلون ما بنوه ويسافرون ويصبحون جزءا من هذا المشروع الدولي”. وفي تقرير لمجلة “بوليتكو” يقول “لن ترضي تجارة عقارات العائلة رغبة كوشنر”. واحتفظ كوشنر بأسهم وملكية جزئية من شركة العقارات التي تملكها العائلة بالإضافة إلى الموارد التي كانت تدرها أعماله عليه وهو يعمل مع الرئيس. وفي الوقت الذي كان يقوم فيه كوشنر بلقاءات مع دول مثل السعودية والصين كانت العائلة تبحث عن فرص استثمارات في مجال العقارات. وفي 2017 كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن شقيقة جاريد، نيكول ماير عرضت مشروعا بقيمة 150 مليون دولار لتمويل مركز تطوير سكني في نيوجيرسي على 100 مستثمر صيني اجتمعوا في فندق ريتز-كارلتون في بيجين. وهو ما فتح الباب أمام انتقاد وتهم بتضارب مصالح، فهو وإن تخلى عن الإدارة اليومية لأعماله إلا أن الترتيبات أثارت انتقاد خبراء النزاهة الحكومية.

مزاج جديد أمام السعوديين

وبالنسبة للسعوديين فتغير الحرس في واشنطن سيضعهم أمام حقيقة جديدة وإمكانية إعادة ترتيب العلاقة مع واشنطن وتحولها لمنبوذة كما قال بايدن، عندما كتب في ذكرى مقتل جمال خاشقجي الثانية. كما وسيعيد بايدن ملف العلاقة مع إيران. ففي مقابلة مع توماس فريدمان من “نيويورك تايمز” أكد بايدن التزامه بالعودة إلى الإتفاقية النووية ووقف العقوبات التي فرضها ترامب على إيران. وقال ريدل إن السعوديين الذين رحبوا بإلغاء ترامب الاتفاقية النووية سيواجهون “برودة حقيقية بين الولايات المتحدة ومحمد بن سلمان وستكون شبه مجمدة” بعد مغادرة ترامب المكتب. ويضيف “نستطيع الحصول على نفط بسعر 45 دولارا للبرميل، ومن يحتاج السعودية؟ خاصة رئيس التغيرات المناخية، سيحتاجهم أقل”. وهناك إشارات أن محمد بن سلمان يتطلع لمرحلة ما بعد ترامب حيث تردد في التطبيع مع إسرائيل بعد لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي. و”تراجع محمد بن سلمان عن الصفقة حسب مستشارين سعوديين ومسؤولين أمريكيين بسبب نتائج الانتخابات الأمريكية” حسبما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”. وعلى العموم تركت إدارة ترامب بصماتها على الشرق الأوسط، فالرئيس جاء بشعار من يريد إنهاء الحروب اللانهائية سيترك منطقة على حافة الحرب، بل وطلب الشهر الماضي من مستشاريه منحه خيارات ضد إيران وبرنامجها النووي. وهناك من يرى أن ترامب هو من أعطى الضوء الأخضر لقتل عالم الذرة الإيراني محسن فخري زاده في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. وكشف موقع “ديلي بيست” )1/12/2020) أن ترامب فوض وزير خارجيته مايك بومبيو باستخدام كل ما لديه من وسائل للضغط على إيران طالما تجنب إشعال حرب عالمية ثالثة. وعبر لمساعديه كما قالت صحيفة “واشنطن بوست” (3/12/2020) عن استعداده لضرب إيران حالة قتلت أمريكيين في العراق. وقرر تخفيض طاقم العاملين في السفارة الأمريكية وتخفيض عدد القوات العاملة في العراق إلى 2.500 بحلول 15 كانون الثاني/يناير. ونفس الأمر فعله في أفغانستان والصومال التي أعلن عن سحب القوات منها. ومن المتوقع تشديد الضغط على حلفاء إيران في اليمن، وتصنيف الحركة الحوثية كجماعة إرهابية أجنبية، رغم مناشدة الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة الإنسانية لوزير الخارجية بومبيو وتحذيره من مفاقمة الكارثة الإنسانية، خاصة أن الكثافة السكانية العالية موجودة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. قيل الكثير خلال السنوات الماضية عن حب ترامب للديكتاتوريين الذين أطلق لهم العنان، حمى محمد بن سلمان في جريمة قتل خاشقجي وتغاضى عن دور الإمارات العربية المتحدة في حروب المنطقة الأهلية وترك ديكتاتوره “المفضل” عبد الفتاح السيسي يقمع الحريات ويسجن دعاة حقوق الإنسان. ودعم الاستيطان الإسرائيلي وصادق على احتلالها للقدس الشرقية والجولان. والمهم أن سجله الآن سيكون أمام التاريخ والمحللين وبالتأكيد فلن يكون معه رحيما، حيث ظل يمارس لعبة الغولف المفضلة له ومئات الألوف من الأمريكيين يصابون بفيروس كورونا ويموتون منه. والداهية هي أن ترامب يجمع الأموال الآن باسم “سرقة الانتخابات” للجولة المقبلة التي تقول “فايننشال تايمز” (5/12/2020) أنها ستكون تحضيرا لعام 2024 بطريقة ستقطع الطريق على الموالين له لترشيح أنفسهم مثل نيكي هيلي، السفيرة السابقة في الأمم المتحدة وبومبيو، وزير الخارجية الحالي. وقالت إن حملته جمعت 207 مليون دولار منذ انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر. في وقت واصل فيه استغلال المظالم ونشر نظريات مؤامرة عن دور الرئيس الفنزويلي الميت هوغو تشافيز في تزوير الانتخابات الأمريكية. وقالت إن “خزينة الحرب” هذه ستساعده على تضخيم صوته على منصات التواصل الاجتماعي لنشر التضليل والحملات الزائفة، وتعطيه في الوقت نفسه صوتا مؤثرا في ترشيحات الحزب الجمهوري. وسيظل ترامب يعترف حتى النهاية بأنه لم يهزم، فهذه صفة النرجسي، وسيظل محاميه رودي جولياني الذي باع تاريخه كعمدة نيويورك يدافع عنه ويحاول تقديم أدلة عن تزوير في الانتخابات. وسواء نجح ترامب في العودة للحلبة السياسية بعد أربعة أعوام رهن بالتغيرات السياسية، واستمرار الانقسام الأمريكي الذي استغله وحرك ناره، وقدرته على المواصلة، فالعمر له أحكام، ومثلما استهزأ بجوزيف بايدن لأن عمره 78 عاما ووصفه بالكسول والغافي سيواجه نفس النقد. وفي السياسة كما قال رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون “أسبوع هو وقت طويل في السياسة” فما بالك بسنوات. وقلة خسروا السلطة وعادوا إليها، وعادة ما يعودون على ظهر الدبابة، وقد يكون ترامب فكر بعمل كهذا، لكنه يظل “كلبا ينبح ولا يعض”.

القدس العربي

———————————

أميركا – الصين: هل يلحق “خبث” بايدن بضغوط ترامب؟

كلّ الطرق تؤدي إلى الصين بالنسبة إلى الأميركيين. فمواجهة العملاق الآسيوي، قد تكون أولوية للحزبين الجمهوري والديمقراطي، اليوم، وهذه الثابتة، تجعل الصينيين من أشدّ القلقين، من وصول جو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما، رافع شعار “التوجه شرقاً”، إلى البيت الأبيض. لم يحد الرئيس الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، دونالد ترامب، عن هذا الخطّ، وإذا كان الأسلوب مختلفاً، فلن يكون “الجوهر” كذلك، على الأرجح. سيكون على بكين أن ترصد جيداً “خبث” بايدن، والعودة ربما إلى “القوة الناعمة”، التي استخدمها أوباما مع بكين. من جهته، لم يخف الرئيس المنتخب، في مقابلته مع توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” أخيراً، والتي رسمت عناوين عريضة لسياسته الخارجية، “أولويته” الصينية، وخطوطه الأساسية، في سياسته معها.

بانتظار ذلك، كثّفت إدارة ترامب، ضغوطها على الصين، في الشهرين الأخيرين من ولايته. وكان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قد قام بجولات خارجية مكوكية في الأشهر الأخيرة، شملت دولاً عدة في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، لم تكن الصين بعيدة أبداً عن مضمونها. فلجم التمدد الصيني، الاقتصادي والتجاري والسياسي، مادة تجد ظلالها في أي مباحثات يجريها الأميركيون في الخارج. وقد أبدى الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، أخيراً، استعداده للتعاون مع إدارة بايدن، للعودة إلى صياغة تحالفات دولية، لاسيما مع “الحلفاء التقليديين” لواشنطن، لبناء استراتيجية واضحة لمواجهة العملاق الآسيوي، وهي سياسة تقليدية يعتمدها الغرب مع القوى الصاعدة، فيما بدأ اسم الحزب الشيوعي الصيني، يُقحم أكثر فأكثر في منظومة “العقوبات الأميركية”. بالنسبة إلى الأميركيين، تبدو كل الوسائل مشروعة لمواجهة الصين، التي ستكون من دون شك العنوان العريض لسياسة الولايات المتحدة الخارجية في المرحلة المقبلة، والطرف الثاني في “الحرب الباردة” الجديدة.

إجراءات قياسية

ووصف رئيس الاستخبارات الوطنية الأميركية، جون راتكليف، الخميس الماضي، الصين بأنها تشكل “أكبر تهديد للديمقراطية والحرية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية”، بينما فرضت واشنطن قيوداً مشددة على منح تأشيرات السفر لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني. وفي مقال رأي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، اتهم راتكليف الصين بسرقة أسرار الأعمال وتكنولوجيا الدفاع الأميركية. وكتب إن “جمهورية الصين الشعبية تمثل أكبر تهديد للولايات المتحدة اليوم، وأكبر تهديد للديمقراطية والحرية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية”، متحدثاً عن عمليات استخدم فيها عملاء صينيون الضغط الاقتصادي للتأثير على المشرعين الأميركيين أو إضعاف مكانتهم. وكتب راتكليف أن “القيادة الصينية تسعى إلى إخضاع حقوق الفرد لإرادة الحزب الشيوعي”.

وفي الوقت نفسه، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن أعضاء الحزب الشيوعي الصيني “معادون للقيم الأميركية” ويشاركون في “نشاطات مضرة”. وبموجب القواعد الجديدة التي تدخل حيّز التنفيذ فوراً، ستظل التأشيرات الصادرة لأعضاء الحزب وأسرهم المباشرة صالحة لمدة شهر واحد فقط بعد الإصدار ولدخول لمرة واحدة، فيما كانت في الماضي بعض التأشيرات تسمح بالدخول غير المحدود، ويمكن أن تظل صالحة لمدة تصل إلى 10 سنوات. ونقلت “نيويورك تايمز” عن متحدث باسم وزارة الخارجية، أنه “على مدى عقود، سمحنا لأعضاء في الحزب الشيوعي الصيني بالدخول بشكل حرّ، ومن دون عراقيل إلى المؤسسات والشركات الأميركية، رغم أن هذه الامتيازات لم تقدم أبداً بشكل حر إلى المواطنين الأميركيين في الصين”. وقالت الصحيفة إن القيود الجديدة يمكن أن تطبق نظرياً على نحو 270 مليون شخص.

تكنولوجيا

كيف ستؤثر الصين على مستقبل التكنولوجيا؟

وصعّدت الحكومة الأميركية نزاعها مع بكين أيضاً بشأن الأمن، بإضافة البنتاغون أكبر مُصنّع لرقائق المعالجات في الصين، وعملاق نفط مملوكاً للدولة، إلى قائمة سوداء تحد من الوصول إلى التكنولوجيا والاستثمار الأميركيين. وأضاف البنتاغون أربع شركات، بما في ذلك المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري، إلى قائمة الكيانات التي تعتبر جزءًا من جهود الصين لتحديث جيش التحرير الشعبي، الجناح العسكري للحزب الشيوعي الحاكم، ما يرفع العدد الإجمالي للشركات المدرجة في القائمة السوداء إلى 35 شركة.

إلى ذلك، أقر الكونغرس الأميركي قانوناً من شأنه أن يغلق البورصات وأسواق المال الأميركية أمام الشركات الصينية. ويمكن إحالة “قانون مساءلة الشركات الأجنبية” إلى مكتب ترامب للموافقة النهائية عليه. وهذا الإجراء الذي قدّمه في عام 2019 السيناتور الجمهوري جون كينيدي، يفرض على الشركات الأجنبية المدرجة في بورصات الولايات المتحدة، التقيد بشروط المحاسبة لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. والعديد من الشركات الأجنبية تلتزم بذلك المعيار، لكن ليس الشركات الصينية. إضافة إلى ذلك سيتعين على مجموعات صينية مدرجة في الأسواق المالية الأميركية الكشف عما إذا كان أحد أعضاء مجلس إدارتها، أو أكثر، ينتمون للحزب الشيوعي الصيني. وقال محللون سياسيون، بحسب ما نقلت عنهم وكالة “رويترز”، إن ترامب من المرجح أن يتخذ إجراءات أخرى قبل أن يتولى بايدن منصبه في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل. ورداً على ذلك، اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونغيينغ، إن “بعض القوى المتطرفة المعادية للصين في الولايات المتحدة، تقوم مدفوعة بانحياز أيديولوجي وعقلية الحرب الباردة المتجذرة، باضطهاد سياسي للصين”، مؤكدة “معارضة” بلادها بشدة لذلك.

وأعلن بايدن، أخيراً، أنه يعتزم الإبقاء في الوقت الحاضر على الرسوم الجمركية المشددة التي فرضها ترامب على الصين في سياق الحرب التجارية بين البلدين. وقال بايدن، في مقابلته مع فريدمان إن “أفضل استراتيجية صينية، أظن، هي واحدة تجعل كل واحد من حلفائنا- أو من كانوا حلفاءنا (في إشارة إلى ابتعاد ترامب عن الحلفاء التقليديين)، على نفس الموجة. سيكون ذلك أولوية كبيرة لي خلال الأسابيع الأولى من ولايتي”. وأكد بايدن أنه لن يعمد مباشرة إلى إلغاء ضريبة الـ25 في المائة التي فرضها سلفه على حوالي نصف ما تورده الصين إلى الولايات المتحدة، أو المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين ترامب وبكين، الذي يجبر الأخيرة على شراء إضافي مقداره 200 مليار دولار من الخدمات والمنتجات الأميركية خلال العامين 2020 و2021، والذي لم تلتزم به الصين”.

بايدن: أكثر خبثاً؟

وفي الواقع، بلغت العلاقات الأميركية الصينية مستوى متدنياً جداً في عهد ترامب، الذي فتح حرباً تجارية ضروساً مع العملاق الآسيوي، تركز خصوصاً، على فرض الضرائب. لكن هل كان الصينيون ممتعضين فعلاً من الرئيس الجمهوري؟ قد تبدو حرب ترامب الصينية، توطئة لما قد تحمله الأشهر المقبلة، على صعيد العلاقة بين البلدين. وإذا كان بايدن قد أكد أنه لن يتراجع عن خطوات ترامب، إلا أنه في اعتقاده أن مواجهة الصين لن تكون ناجحة من دون العودة إلى التحالفات التقليدية، لا سيما مع استعداد الصين لذلك جيداً، عبر تشريع نفسها اقتصادياً كسوق استهلاك، بعدما ظلّت لعقود مصنفة كدولة منتجة بأسعار رخيصة، ومورداً أول لعدد كبير من دول العالم. وقد عمدت الصين إلى بناء اتفاقات أولية، مع دول تدور في الفلك الأميركي، كاليابان وكوريا الجنوبية، للاستيراد منها. وإذا كان هدف بايدن فعلياً ليس فقط أخذ السلع والاستثمارات من درب الصينيين، كما أراد ترامب، فهو يعتبر أن سياسة سلفه المتهورة، أو حتى الخرقاء، قد حالت دون بناء تحالفات متينة لمواجهة التمدد الصيني. ولذلك، فإن أولى الخطوات على الأرجح، ستكون على الصعيد الدولي، العودة إلى الاتفاقات الدولية، وإلى المجتمع الدولي، ومنها العودة إلى اتفاق المناخ الشهير، الذي تتمدد آثاره للصين. ويرى فريق بايدن، أن فرض الرسوم الجمركية، وسياسة العقوبات، على الطريقة الترامبية، لا تكفي، بل إن محاصرة الصين فعليا، هي التوسع في سياسة أوباما، ومنها التخلص من بعض الأزمات الجانبية، كالبرنامج النووي الإيراني مثلاً، وجعلها أكثر “خبثاً”. وكان بايدن أيضاً واضحاً في مقابلته حين تطرق إلى ثلاث مسائل مباشرة يجب العمل عليها، وهي دفع الصين إلى احترام الملكية الفكرية، ووقف دعم الحكومة الصينية للشركات الكبرى الصينية، كما تفعل مع “هواوي”، ووقف الرواتب المنخفضة للعاملين في الصين. وإذا كانت هذه المطالب، هي التي يرفعها الغرب دائماً في وجه كل القوى الصاعدة، فإن بايدن ينظر إلى استعادة التحالفات الأميركية، كأساس للقدرة على المضي في هذه الضغوط، بالإضافة إلى تحصين الداخل، والتوافق الحزبي. وقال بايدن صراحة في مقابلته إنه للنجاح، يجب أن يكون لنا “سطوة”. ومن منظوره، فنحن لا نمتلكها بعد. ومن هذا المنطلق، يرى الرئيس المنتخب أن نظرية “أميركا أولاً”، التي يعتبر أن سلفه لم يطبقها، قد تنفع ليكون لنا “سياسة إنتاجية تقليدية جيدة”، و”استثمار حكومي في قطاعات الصناعة والبنى التحتية والأبحاث، للتنافس بشكل أفضل مع الصين”.

تقول مجلة “إيكونوميست”، إن ترامب وفريقه مارسوا ضغوطاً كبيرة على بايدن خلال حملة الانتخابات، واصفين الأخير بأنه “ساذج” بالنسبة إلى الصين. وبينما جعل ترامب الصين و”الفيروس الصيني”، عنواناً لحملته، ردد بايدن أنه “ليس علينا أن نصور الصينيين وكأنهم يسرقون طعامنا”. ويقول دبلوماسيون أن الرئيس المنتخب احتاج إلى “إعادة برمجة” حول الملف الصيني، خلال الحملة، ليعود ويطلق على الرئيس الصيني شي جين بينغ صفة “البلطجي”. بين هذا وذاك، ترى المجلة أن سياسة الصين بالنسبة لبايدن، ستكون خليطاً من الترامبية والأوبامية، فهل ينجح؟ وما هو الرد الصيني؟

العربي الجديد

—————————-

عقدة الانتقام لدى فريق بايدن/ راغدة درغام

الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن اتخذ قراره واختار احتواء الانتقام الإيراني في طليعة تسلسل تناوله للعلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع إقرانه بالتراجع عن سياسة الضغوط القصوى التي تبنّاها سلفه دونالد ترامب. فعل ذلك اقتناعاً بأن هذه السياسة تنزع الفتيل وان ارضاء طهران ليس ممكناً بدون فصل الأولوية النووية كشرط مُسبق عن مسألة الصواريخ الدقيقة وعن المشاريع الإيرانية الإقليمية في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها. القيادات الإيرانية اختارت تأجيل نزعتها للانتقام لاغتيال العَالِم المسؤول عن البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده وأَمْلَتْ على شركائها ووكلائها العودة الى “الصبر الاستراتيجي” اقتناعاً منها ان إدارة بايدن ستحرّرها من العقوبات وتكلّلها بالقدرات المالية لإنجاز المشروع الإقليمي للنظام في طهران. هوس بايدن وفريقه بالأولوية النووية القاطعة يهدّد بنسف كل ما مارسته إدارة ترامب من ضغوط اقتصادية للتأثير في عزم طهران الدائم على سلوك إقليمي “خبيث” – حتى في تعريف فريق بايدن. رأي هذا الفريق هو أن التعويض عن تلك السياسة وارد في توسيع حلقة المشاركين في صفقة جديدة مع إيران ليشمل دولاً عربية كالسعودية والإمارات اضافة الى الدول الست التي وقّعت على الاتفاقية النووية JCPOA- الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا.

هذا تطوّر جديد ومهم ويجب تطويره لضمان فعاليته وتأمين المشاركة الجديّة، وليس التجميلية، للدول العربية– الأمر الذي ستُقاومه طهران. أما إذا كان في ذهن فريق بايدن مجرد التزيين، فإن خطورة ما ينوي القيام به تتفاقم وذلك في ضوء عزمه على تلبية الشروط الإيرانية بالعودة الأميركية الأوتوماتيكية الى الاتفاقية النووية بانقلاب تام على كل ما فعله فريق ترامب وبغض النظر عن إنجازات مفيدة للمفاوضات الجديدة على اتفاقية أخرى تماشياً مع متطلبات 2021 مقارنة مع 2015 عندما صاغ رجال فريق بايدن تلك الاتفاقية حينذاك بِقبعات رجال الرئيس الأسبق باراك أوباما.

خطورة هرولة فريق بايدن الى إحياء اتفاقية 2015 انتقاماً من تمزيق فريق ترامب لها عام 2018 إنما يجعل رئاسة بايدن ضائعة بين انتقامين. وهذا ليس حكيماً عند صنع سياسات مصيرية ليس لمنطقة الشرق الأوسط وحدها، وإنما للمصالح القومية الأميركية.

في حديث مهم أجراه الزميل توماس فريدمان مع جو بايدن توضّحت معالم السياسة نحو إيران انطلاقاً من التزام بايدن بالعودة الى الاتفاقية كنقطة انطلاق، تليها المفاوضات. وهذا تماماً ما تمناه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف – العودة “الأوتوماتيكية” الى اتفاقية JCPOA “بدون حاجة للتفاوض”. رأي بايدن وفريقه هو الانطلاق تلقائياً من استئناف التزام الطرفين بالاتفاقية النووية، ثم بعد ذلك تبدأ جولة المفاوضات على مسألة الصواريخ ونشاطات إيران الإقليمية عبر وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن بما في ذلك استخدام وتصنيع الصواريخ الدقيقة المحظورة.

الرئيس بايدن قال لفريدمان بوضوح “انظر، الكلام كثير عن الصواريخ الدقيقة وعن مختلف الأمور الأخرى التي تسبب اللااستقرار في المنطقة”. انما الواقع هو “ان الوسيلة الأفضل لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة” هي في تناول “البرنامج النووي”. قال أيضاً أن أمام إدارته، في حال عدم تعاون طهران في مجال الصواريخ والسلوك الإقليمي، أمامها خيار تطبيق ما يسمى ميكانيزم Snap back أي آلية اعادة فرض العقوبات.

واضح ان الرئيس المُنتخب لا يضع مسألة الصواريخ الدقيقة وسلوك إيران الإقليمي كأولوية متساوية مع الاتفاقية النووية. واضح أيضاً أن المسألة النووية، على أهميتها، ليست الأولوية للدول العربية التي تتلقّى تداعيات السماح للحرس الثوري الإيراني القائم على تنفيذ السياسة الإيرانية الإقليمية بالمضي في سياساته “الخبيثة”. وهنا تكمن المفارقة الوجودية.

الخبير الإيراني كريم سادجادبور، الزميل الأقدم في مؤسسة “كارنغي” شارك في الحلقة المستديرة الافتراضية الخامسة والعشرين لقمة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي سوياً مع السفير البريطاني الأسبق توم فلتشر والمدير التنفيذي لمؤسسة ك.ك.آر العالمية فانس سيرشوك، والخبيرة التركية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلا ايدن تاشباش.

رأي سادجادبور هو ان لا مجال لابرام ما يسمى بالصفقة الكبرى Grand Bargain بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس لعدم رغبة الولايات المتحدة بمثل تلك الصفقة وإنما “لأن العداء نحو الولايات المتحدة هو جزء أساسي من هوية النظام الإيراني”. وبالتالي “ان استمرار النزاع مع الولايات المتحدة هو خطر وجودي existentialist لإيران أكبر بكثير من خطر التقارب rapprochement مع الولايات المتحدة”. ولذلك ان ما يتداوله البعض عن تلك الصفقة الكبرى “ليس وارداً”. أشار سادجادبور أيضاً الى “مفهوم خاطئ شائع حول النزاعات الطائفية في الشرق الأوسط” مشيراً الى “الميزة غير المتكافئة لإيران فوق منافسيها السُنَّة مثل السعودية ذلك لأن كل الراديكاليين الشيعة عملياً على استعداد للمحاربة والقتل من أجل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بينما كل الراديكاليين السُنّة، فعلياً، مثل القاعدة وداعش، يريدون الانقلاب على الحكومة في السعودية”.

توم فليتشر، مدير كلية هيرتفورد في جامعة أوكسفورد، رأى ان “في ظل عدم قدرتنا على إبرام الصفقة الكبرى الإقليمية مع إيران، الأفضل أن نقتطف جزءاً منها لعلنا نتمكن من التقاط هذا الجزء وخلق الأجواء للبقية لاحقاً”. مساوئ هذا الموقف يكمن في تشجيع فريق بايدن على هذا النمط من التسلسل الذي يُعرّض المنطقة العربية لمخاطر وجودية. فليتشر يعتقد أن إدارة بايدن “ستُركّز على اعادة جمع الفتات (من الاتفاقية النووية) التي يشعرون انها قابلة للإصلاح بالسهولة الأكثر. وهنا يبرز الإطار النووي، ضمن مجموعة تحديات صعبة جداً، كالحلقة الأسهل”. ولكن، تابع فليتشر ان تأخير المرحلة الثانية لفترة طويلة لن يكون ممكناً “لأن حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين سيطالبون بوتيرة أسرع لتحقيق التقدم على المسائل الأخرى”، وقال ان فريق بايدن العائد الى السلطة بعدما كان فريق أوباما “يدرك ان عليه أن يتعاطى مع السلوك الإيراني الأوسع في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وغيره”.

إنما الأمر ليس عائداً قطعاً أو حصرياً الى الرئيس الأميركي وفريقه المعروف بتعاطفه التلقائي مع إيران واعتقاده ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدّة لإصلاح منطق النظام القائم على التوسّع خارج الحدود الإيرانية كأحد أهم أُسس عقيدته. التحدّي الأكبر آتٍ من الطرف الإيراني وبالذات “الحرس الثوري” الذي ينظر الى عودة إدارة بايدن الى الاتفاقية النووية ورفع العقوبات عن إيران بأنه انتصار له سيّما لأن الأموال التي سيُفرج عنها ستموّل سياساته في لبنان والعراق وسوريا واليمن وستمكّنه من تطوير قُدرات الصواريخ الدقيقة بدقة أكبر. فإعادة إحياء الاتفاقية النووية تلقائياً مع رفع العقوبات يقع في مصلحة المتشدّدين في طهران وليس في صالح المعتدلين، كما يطيب للبعض أن يسوّق.

“في اعتقادي، أن إحدى المسائل الثابتة التي شهدناها عبر السنوات هي ضرورة عدم التقليل من شأن قدرة الحكومة الإيرانية على تخريب أفضل الخيارات أمامها” قال فانس سيرشوك. وأضاف ان الانتخابات في السنة المُقبلة ستكون امتحاناً لنسبة “المرونة والإبداع لدى الجانب الإيراني بغض النظر عن الغرائز والرغبات الآتية من واشنطن”.

غريزة قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تنحاز عن عقيدتها، وكذلك الأمر في غريزة قيادة تركيا اليوم التي يُمثلها الرئيس رجب طيب أردوغان. كلاهما يصرّ على التوسّع كأساس للأمن القومي لبلاده، وأردوغان مقتنع أن استعادة موقعه الإقليمي يتطلّب قطعاً أن تكون “آثار أقدامه العسكرية خارج حدود بلاده”، بحسب قول أصلا ايدن تاشباش. رأيها أن هناك حاجة للتدقيق في هذا المنطق من أجل المصلحة القومية التركية وتقول “بكلام آخر، ان اغلاق أو تطويق الحدود التركية (مع سوريا) بالمجموعات الجهادية لن يجعل تركيا أكثر أماناً كما يُعتقد… فهذه ليست تركيا التي نتمناها”.

رأيها أن مستقبل التفوق العالمي لن يكون في المغامرات العسكرية خارج الحدود وإنما هو في الإبداع وفي اكتشاف اللقاح للوباء. لكن استعادة البلاد التي اختطفتها القيادات التركية والإيرانية التوسعية لن يكون سهلاً سيّما في عهد إدارة أميركية مهرولة خوفاً من الانتقام.

النهار العربي

—————————-

جيفري: إدارة ترامب عجزت عن تحقيق ثلاثة أهداف في سورية

عجزت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، عن تحقيق ثلاثة أهداف لها في سورية، بحسب ما صرح به المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية، جيمس جيفري.

وحدد جيفري، في مقابلة نشرتها اليوم الأحد صحيفة “تايمز أوف إسرائيل“، الأهداف الثلاثة وهي “ضمان انسحاب كافة القوات الإيرانية من سورية، وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بالكامل وإيجاد حل سياسي للنزاع الذي يدخل عامه العاشر”.

واعتبر جيفري أن كل ما فعلته إدارة الرئيس الأمريكي هو وقف تقدم قوات الأسد، وحرمان رئيس النظام الذي وصفه بالديكتاتور، بشار الأسد، من السيطرة على مكاسب إضافية.

وقال جيفري إن “الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي الذي تقوده في سورية، لا تحارب تنظيم داعش فحسب بل وتمنع الأسد من كسب الأرض”.

وأضاف أن “القوات التركية تفعل نفس الشيء في إدلب بالشمال السوري، فيما يهيمن سلاح الجو الإسرائيلي في السماء”، في إشارة إلى الضربات الإسرائيلية التي تشنها تل أبيب ضد قوات الأسد والإيرانية المتواجدة في سورية.

وحول الغارات الإسرائيلية اعتبر جيفري أن الحل الوحيد لإيقافها هو “انسحاب القوات الإيرانية والمدعومة إيرانيا من سورية”.

وحول الموقف الروسي في سورية، اعتبر المبعوث الأمريكي السابق أن موسكو ورثت “دولة فاشلة في حالة مستنقع، وسوف تضطر من أجل الخروج من هذا المأزق إلى التفاوض وتقديم تنازلات”.

وأكد أنه في حال فشل واشنطن بالتوصل إلى حل وسط يشمل انسحاب إيران من سورية، فلا بد من وضع “استراتيجية مؤقتة تكمن في منعهم من الانتصار”.

وكان جيفري استقال من منصبه كمبعوث أمريكي إلى سورية، عقب فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بانتخابات الرئاسة الأميركية ورفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب نتائجها ورفع دعاوى قضائية في عدة ولايات بدعوى التزوير.

وكان جيفري قدم نصائح لإدارة الرئيس الجديد تتعلق بالسياسة الأمريكية الخاصة بالملف السوري، في المرحلة المقبلة، وترتبط بالسياسة السابقة التي كان يسير فيها دونالد ترامب، والمرتكزة على “الجمود السياسي والعسكري”، من أجل المحافظة على الاستقرار.

وقال جيفري في مقابلة مع وقع “ديفينس ون“، الشهر الماضي، “أنصح الإدارة المستقبلية الجديدة بمواصلة سياسات إدارة ترامب بشأن الشرق الأوسط”.

وأضاف جيفري أن “ترامب قد حقق نوعاً من الجمود السياسي والعسكري في عدد من الصراعات الباردة والساخنة المختلفة، مما أدى إلى وضع أفضل ما يمكن لأي إدارة أن تأمل فيه، في مثل هذه المنطقة الفوضوية والمتقلبة”.

—————————-

=====================

تحديث 14 كانون الأول 2020

—————————–

شرق أوسط لا ينتظر بايدن!/ محمد قواص

حين مالت إدارة باراك أوباما إلى خيارات، بعضها إسلامي الهوى، لمقاربة ما أسمي “ربيعا” عربيا، خيّل أن قرار واشنطن هو قضاء وقدر. بيد أن ذلك لم يحدث. اكتشفت عواصم المنطقة خلال العقود الأخيرة، وخصوصا بعد الحملة العسكرية الأميركية لإسقاط نظام صدام حسين في العراق (وحتى قبل ذلك) أن الولايات المتحدة ما زالت تجهل المنطقة، وأن ما تملكه مؤسساتها الاستراتيجية من معطيات هو تبسيطي متعجل على النحو الذي أظهره التخبط بعد ذلك في العراق وأفغانستان مثلا، كما في الهرولة إلى تسطير اتفاق نووي مع إيران ستعمل واشنطن والعواصم الكبرى على ترميمه وتصويبه وجعله، مع اتفاقات أخرى، أكثر اتساقا مع شروط الأمن الدولي.

الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في تقرير مصير ملفات كثيرة في المنطقة، لكنها لم تعد تملك وحدها سلطة الأمر بقرار يصدر عن البيت الأبيض أو الكونغرس أو البنتاغون. يكفي تأمل الملفات الساخنة في سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين، لاستنتاج مستويات الارتباك التي أظهرتها إدارات واشنطن، بما في ذلك إدارة دونالد ترامب، والتي ما زال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة جو بايدن ستكون قادرة على إصلاح ما أفسده العطارون، وخصوصا في سوق واشنطن نفسها.

ليس مهما كيف ستقارب إدارة بايدن مسائل المنطقة بقدر ما هو مهم أن يعترف الرئيس الجديد وفريقه الحاكم بأن العالم تغير. بات على واشنطن أن تأخذ علماً بالهوامش التكتيكية والاستراتيجية التي اكتسبتها دول مثل إسرائيل وتركيا وإيران ومصر ودول الخليج بسبب رمادية مواقف الإدارات الأميركية خلال العقود الأخيرة.

بات لإسرائيل ميدان مناورة تمارس من خلاله، في سوريا والعراق وإيران، ضربات وصولات وجولات. وبات لتركيا، برعاية أميركية أو غياب المانع في واشنطن، سياسات تدخلية خطيرة في العراق وسوريا وليبيا، ناهيك بمناوراتها شرق المتوسط وفي أذربيجان.

ورغم الصخب الذي أثاره انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وعقوباته “التاريخية” ضد إيران، ورغم الضربات النوعية التي تلقتها إيران في الداخل والخارج، فإن طهران استمرت في أن تبقى مزعزعة لاستقرار المنطقة داخل “هلالها” الشهير وصولا إلى الخليج واليمن، واستمرت في استدراج شهية مصالح دول كبرى وإبقاء شبكة تحالفات ومصالح لها شرقا وغربا.

سيجد بايدن أن مصر لم تعد تعول على حصرية تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ولم تعد قلقة على مصير “المعونة” الأميركية. تجاوزت القاهرة عقائد كامب دايفيد وباتت لها خرائط دولية أخرى تفسر تنوع خيوط علاقاتها مع روسيا وفرنسا واليونان وقبرص وغيرها، كما تنشيطها لمحاور إقليمية تجمعها مع دول الخليج وتجمعها أيضا مع العراق والأردن، من دون الحديث عن تلك الأفريقية منها. وسيجد بايدن أن الدينامية الأميركية التي حركت الملف الليبي ما زالت قاصرة عن إنتاج تسوية لا تشارك بها دول الجوار كما دول المصالح القريبة والبعيدة.

روسيا بوتين باتت في قلب المنطقة، تنسج مع إيران وتركيا داخل “آستانا” تحالفا معقداً سرياليا متعدد المنافع والتناقضات. باتت موسكو رقما مهما في ليبيا البعيدة ورقما مفصليا في سوريا. صحيح أن لا حل روسيا في سوريا من دون بركة واشنطن ورعاية أوروبا، لكن الصحيح أيضا أن لا تسوية في سوريا من دون التسليم بالواقع الروسي في هذا البلد.

سيكون على جو بايدن الذي تولت تصريحاته قصف الصين وروسيا وتركيا، ووعد إيران بسياسات أخرى، والغمز من قناة مصر وبعض دول الخليج، أن يقرأ جيدا ما طرأ على سطور هذا العالم، وأن يتأمل مليا ما تبنيه عواصم المنطقة من خنادق وأسوار، لكن أيضا ما تدفع به من وصل بيني لافت، ربما كانت اتفاقات السلم مع إسرائيل واجهة دلالاته.

ولئن كان لكل عاصمة في المنطقة مرشحها المفضل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن تلك العواصم، المتفائلة منها والمتوجسة من القادم الجديد إلى البيت الأبيض، أعادت التبشير بولايات متحدة لها مصالحها وثوابتها التي يفترض (نظريا) أن لا تنقلب وفق مزاج شخص الرئيس.

لن يكون سهلا على بايدن العبث كثيرا برقعة لعب في المنطقة اجتهد اللاعبون في رسم قواعدها. سيكون الرئيس الأميركي الجديد مضطرا لمخاطبة بلدان المنطقة وفق رؤى جديدة تقر بالقلق المتنامي من طموحات “السلطان” في تركيا و “ثورة” الولي الفقيه المستمرة إنتاجا وتصديرا في إيران، وتقر أيضا بفشل صفقة ترامب الوهمية في فرض تسوية تاريخية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الأكثر تعقيدا في العالم.

حين قررت إدارة باراك أوباما تشجيع ارتقاء “الإخوان المسلمين” ودوائر الإسلام السياسي إلى السلطة في بلدان عصفت بها القلاقل، وحين قررت الإدارة نفسها رعاية اتفاق مع إيران يتجاهل مصالح بلدان المنطقة وهواجسها، وحين استفادت أنقرة من رمادية لدى إدارة ترامب في التعامل مع الحالة الاردوغانية فراحت تعبث في شؤون الإقليم، لم تنتظر المنطقة تبدل مزاج أميركا وأهواء رئيسها، بل أقامت دفاعاتها الذاتية مستحدثة خرائط تحالفات باتت ثوابت تكافح أي متغير في واشنطن.

النهار العربي

—————————————

العرب يموّلون تقلبات السياسة الأميركية/ أحمد جابر

ينتظر العالم الإدارة الأميركية الجديدة وسياساتها، مع انتقال الإمرة إلى الرئيس الجديد، جو بايدن، الذي يظهر عزماً مبكراً، على مخالفة سياسة سلفه دونالد ترامب، في مفاصل مهمة منها. لكن بين إعلان العزم السياسي، من قبل المسؤول الأميركي الأول، وبين الوقائع المصلحية العنيدة، التي تؤمن استمراريتها “الإدارة الأميركية العميقة”، تتبدل نوايا كثيرة، وتدوّر زوايا عديدة، وتبتكر “نظريات” تسوِّغ ما هو قائم، وتشرح مدى التبديل الذي يجب أن يصيبه، أو حدود التعديل الضرورية التي يجب أن يخضع لها.

أميركا وإيران

تحتل إيران البند الأول على مفكرة السياسة الأميركية، ارتباطاً بملفها النووي، هذا الذي جعله الرئيس أوباما درّة إنجازاته، عندما حاز توقيع “الخصم الإيراني”، وعندما أوقف العمل به، الرئيس ترامب، وجعله نقطة ارتكاز سياسته الهجومية العالمية.

انطلاقاً من القراءة الاسترجاعية لظروف توقيع الاتفاق، ولعناصر الانسحاب منه، يجب القول إن سياسة الإدارتين الأميركيتين، الديمقراطية والجمهورية، تتحملان مجتمعتين المسؤولية الأولى عن السماح بتمدد النفوذ الإيراني، في العراق وأفغانستان، وفي اليمن وسوريا ولبنان، ففي كل هذه البلاد، كانت إيران “حليفاً موضوعياً”، للسياسة الأميركية التي استهدفت الأكثرية العربية، من خلال جعلها أكثرية مذهبية سنية أولاً، ومن خلال شيطنتها بالجملة، عندما جعلتها منتجاً وحاضناً للإرهاب العالمي. لقد واءم التصنيف الأميركي، السياسة الأميركية الإيرانية التي توسّلت المذهبية كسلاح لانتشارها، وكمادة لتثبيت نفوذها، بين من يشبهها مذهبياً، فيقول قولها سياسياً. الخلاصة من السياسة الأميركية كانت إعلان هجوم “أممي”، ضد “الأممية الإسلامية” الإرهابية، والخلاصة من السياسة الإيرانية كانت، إعلان “أممية مذهبية” في ثوبٍ إسلامي فضفاض، ضد ذات الأممية المذهبية المستهدفة أميركياً.

وعلى ذات السياق السياسي الأميركي، لم يتجاوز التهديد الذي كان يوجه إلى إيران، حدود مطلب تعديل سلوك النظام، وليس تغييره. لقد حمل التهديد هذا دائماً، عنصر طمأنينة للنظام الحاكم في إيران، وترك له المجال فسيحاً، ليبادل الإدارة الأميركية لعبة شدّ الحبال، ولعبة عضّ الأصابع، وفي مضماري اللعبتين، كانت الأثمان تدفع من أرواح المواطنين العرب، ومن استقرار بلدانهم، ومن خزائن ثرواتهم. الخلاصة المشتركة التي تجمع بين سياستي أميركا وإيران هي: منع الاستقرار في الديار العربية، ومن مدخل هزّ الاستقرار، تبقى الدول المستهدفة موضوعاً للابتزاز السياسي والجغرافي والديمغرافي والمالي، مما يجعل من هذه البلاد ملحقاً وتابعاً، يقرَّر مصيره الأخير على طاولة التفاوض الإقليمي، الذي يجلس إليها أكثر من شريك ظاهر، ويقف خلفها أكثر من شريك مستتر.

أميركا وتركيا

تتحرك تركيا كشريك واضح في تقرير مصير خريطة توزيع النفوذ في “الإقليم”، وتتبع سياسات نشطة تخالف بعض جوانب سياسات حلفائها القدامى، وترسل رسائل ذات معانٍ عديدة، إلى من يمكن أن تختارهم كأصدقاء جددٍ.

لا ترضي السياسة التركية تماماً، حليفها الأميركي، وتصل إلى حدود تلامس التوتر مع شركائها في حلف الناتو، خاصةً الأوروبيين منهم، وتقترب من السير على “حافة السقوط” عن الحبل المشدود، مع الروسي الذي يقترب منها في مكان، ويميِّز سياساته عنها في مكان آخر، هذا لأن الروسي يسير هو الآخر على خط “سيرك” مفرد، ويخشى السقوط على أرض إدارة الظهر للأميركي، أو وضع السقوط في أحضان الطامح التركي، أو السقوط في وهده الجفاء مع المنافس الإيراني. هذه “النقزة” تتحكم بالسياسة التركية، حيث الميادين مشتركة، وحيث الشريك والمنافس المتربِّص، يدير كل منهم سياساته التركية، متسلحاً بالحذر اللازم، وبالتحرك المتوازن، و”بالتقية” المقصودة.

معاينة السياسة الأميركية حيال تركيا، تظهر بوضوح اختلاف المعايير التي يعتمدها المسؤول الأميركي حيال كل من حليفته الأطلسية، وحيال إيران، التي يصنفها كخصم إقليمي، وكمسؤول عن جانبٍ من الأعمال الإرهابية. المعايير تظهر تناقضاً، إذا ما قيست على التصنيف الأميركي لكل من تركيا وإيران، فالسياسة حيال الحليف المفترض، الذي هو التركي، تقوم على طلب ضبطه وتحجيمه، وعلى دعوته إلى الالتزام بموجبات انتمائه الأطلسي، هذا من دون الأخذ في الاعتبار، أن الموجبات الأطلسية جرى العبث بها من قبل السياسي الأميركي قبل غيره، وحيال أوروبا مجتمعة التي تشكل المجموعة الأهم على إحدى ضفتي الأطلسي.

في مقابل المشاغبة على التركي مباشرة، شاغبت السياسة الأميركية على الإيراني بالواسطة، فذهبت إلى ميادين نفوذه بدلاً من أن تذهب إلى قواعد ارتكازه الداخلية، هكذا استهدفت شعوب وبلدان كبدل عن “ضائع”، مع أن الضائع أميركياً، معروف عالمياً، ويشار إليه بالبنان. خلاصة الأمر، أن السياسة الأميركية، وهي تعيد قصّ وتفصيل وخياطة الأدوار الإقليمية، ما زالت توجه “االرعاية” الأعلى “لعدوها”، وما زالت تستهدف “بالتنبيه” الأعلى، شريكها المفترض في المواجهة التي تخوضها. لماذا هذا؟ وهل في الأمر تخبط سياسي أميركي؟

الأقرب إلى الواقع القول، إن أميركا إذ تفعل ذلك، فإنها تبني نصها السياسي المفترض، على النص السياسي الوظيفي الواقعي، الذي تريده لكل من تركيا وإيران، وعلى دور كل منهما الذي يقيم على تماس مع المنطقة العربية من جهة، ومع أفغانستان، وآسيا الوسطى من جهة أخرى، وهذا ما يلخصّه القول باستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية العالمية، التي لا تغمض عينها عن موسكو، عندما تخاطف أنقرة، ولا تشيح ببصرها عن بكين، وهي تكثر الحديث عن طهران.

أميركا والمنطقة العربية

مما تقدَّم، لا يخفى أن المستهدف بالخسارة هو “العربي” قبل غيره، ومما هو معلوم، أن البلاد العربية عاشت وتعيش، في أجواء كارثية جراء هذا الاستهداف، ومما هو غريب وغير مألوف، أن الهجوم الأميركي هذا مغلَّف بعناوين الصداقة، والتحالف ضد الإرهاب، والرؤى المستقبلية المشتركة، والتعاون على صعيد دولي عام!!

المبادرة إلى تحديد الاستهداف، وبالإسم وبالسياسة، يطرح على “العرب” عموماً، وعلى الخليج العربي ومصر خصوصاً، التنبُّه لما قد تكون عليه “منوعات” السياسة الأميركية في ظل رئاسة جو بايدن، ولما قد يستمر من “الترامبية” فيها، خاصةً في ميدان الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الميدان الإيراني. لن يكون مفارقاً للواقع القول، إن دول الخليج ومصر، ستظل مطالبة بتسهيل السياسة الأميركية، فيكون التطبيع المتوالي مع إسرائيل على حساب المصالح العربية عموماً، وعلى حساب القضية الفلسطينية خصوصاً. كذلك سيكون الطرفان مطالبين، بعدم عرقلة سبل الاتفاق مع إيران، من خلال إحياء الاتفاق النووي القديم، أو من خلال اعتماده معدَّلاً. إلى ذلك، فإن دول الخليج سيُلقى على عاتقها “واجب” دفع المال اللازم على كل جبهات التقدم الأميركي، في “هجومه” الهادئ الجديد، مثلما كان مطلوباً منها التغطية المالية، عندما كان الهجوم الأميركي صاخباً في السابق.

لعلَّ من أولى المهمات التي تواجه العرب عموماً، هي المبادرة إلى وضع حدّ للخلافات البينية، أو تأجيلها على الأقل، والمبادرة إلى إعادة صياغة أسس عمل عربي مشترك، لتشكيل درع وقاية من التبدُّلات المرتقبة، بحيث إذا لم يفلح الدرع في صد كل الأخطار، فليكن قادراً، أقلِّه، على الحدّ من تداعياتها.

يتبدَّل العالم سريعاً، وعندما يجري قطار الزمن، لا يمكن التخلف طويلاً في قاعات الانتظار.

المدن

————————————

ترامب ونهاية البيريسترويكا الأميركية/ حسين عبد العزيز

لم يشهد التاريخ الأميركي الحديث معركة شرسة بهذا الحجم، كما حدث في الانتخابات الرئاسية أخيرا بين الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب والرئيس الفائز جو بايدن. لا يتعلق الأمر فقط بخلافاتٍ بين رئيسين ينتميان إلى حزبين مختلفين، وبتبايناتٍ حول البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يتعلق الأمر فحسب بشخصية ترامب غير المتزنة وسلوكه الفجّ واندفاعاته الحمقاء، ولا بخطابه الشعبوي ونزعته العنصرية التي تذكّرنا بالاستعارات المناهضة للكاثوليك من البروتستانت نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر.

الصراع مع الدولة العميقة

مع أهمية الأسباب السابقة وخطورتها، تكمن أهمية الانتخابات الرئاسية التي انتظمت الشهر الماضي (3 نوفمبر/ تشرين الثاني) في أنها شكّلت فرصة تاريخية لإنهاء الصراع بين الرئيس و”الدولة العميقة”، صراع نجم عن محاولة ترامب (في سابقة لم يعهدها التاريخ الأميركي المعاصر) القضاء على سلطة “الدولة العميقة”، وهي محاولةٌ ليست تعبيرا عن حالة متفردنة (ترامب) بقدر ما هي انعكاس لتيار واسع يضم حركة الشاي المتجذّرة في الحزب الجمهوري المكونة من شعبويين يمينيين ونشطاء محافظين من جهة، واليمين المسيحي (البروتستانت الإنجيليون البيض) المتحالف مع اليمين اليهودي من جهة ثانية، واليمين البديل الداعم لسيادة البيض من مجموعات الكراهية في اليمين المتطرّف من جهة ثالثة.

عمل ترامب مع هذا التيار على إضعاف النموذج التقليدي الذي ساد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية للأمن القومي الأميركي، عبر إضعاف المؤسسات التي تمثل هذا التقليد (وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، مجلس الأمن القومي، المخابرات المركزية، البنك الفيدرالي الاحتياطي). وقام لأجل ذلك بخطوات عملية، تمثلت في منع مسؤولين مهنيين من الاطلاع على مذكرات المحادثات التي كُتبت بعد تحدّث كبار المسؤولين مع الزعماء الأجانب، وكانت هذه المذكّرات تستخدم تقليديا لمساعدة صغار المسؤولين على إصدار التوجيهات لموظفي السفارات في العالم. ثم عيّن عشرات الشخصيات من خارج المؤسسات الخمس على أساس الولاء له، الأمر الذي ترتّبت عليه هجرة جماعية، خصوصا في الخدمة الخارجية. ولهذه المؤسسات قوة هائلة في صناعة السياسات الخارجية والداخلية ورسمها، ولديها قدرة كبيرة على موازنة طموحات البيت الأبيض التي قد تتعارض مع المصالح العميقة للولايات المتحدة. وتمتلك هذه المؤسسات نخبة واسعة جدا من المسؤولين الحكوميين والمفكرين الاستراتيجيين وأساتذة جامعات ومراكز بحوث وجنرالات متقاعدين.

محاولة إضعاف مؤسسات “الدولة العميقة” وتهشيمها نوع من إجراء قطيعة سياسية ـ بيروقراطية مع تقليد لم يعد في الإمكان تجاوزه. ومن هذا المنطلق، كشر رجالات “الدولة العميقة” عن أنيابهم في وجه ترامب، وبدأوا حربهم الهادئة أولا بتسريبهم معلوماتٍ سرّية محرجة للبيت الأبيض، وثانيا من خلال الالتفاف على قرارات الرئيس، مثل مواصلة الجيش الأميركي إجراء مناورة عسكرية مع كوريا الجنوبية كان ترامب قد ألغاها، ومفاوضات الدبلوماسيين الأميركيين مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) من دون علم ترامب، والتوافق بين مسؤولي الوكالة الخارجية للمساعدات مع الكونغرس، لتجاوز قرار ترامب تجميد المساعدات الخارجية. بل وصل الأمر إلى حد تعطيل إنتاج لقاح مضاد لكوفيد ـ 19، ما دفع ترامب إلى اتهام أعضاء من “الدولة العميقة” في إدارة الغذاء والدواء بالعمل على إبطاء اختبارات اللقاحات، وتأخيرها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وقد دفعت هذه الهجمات العنيفة التي بدأت منذ نحو عامين ترامب في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى كتابة تغريدة على “تويتر” يدعو فيها إلى وقف الانقلاب الذي قامت به “الدولة العميقة” لعزله قبل انتهاء مدة ولايته.

إقالات واستقالات

شكلت الإقالات والاستقالات الجماعية لكبار المسؤوليين سابقة من نوعها منذ تأسيس الدولة الأميركية، ودليلا على الخلافات الحادّة التي يمكن إبراز تجلياتها:

ـــ سعى ترامب إلى إعادة بناء الاقتصاد الأميركي وفق شعار “أميركا أولا”، بمعنى اتخاذ قرارات اقتصادية على الصعيد الخارجي، تخدم الولايات المتحدة، بغض النظر عن المصالح المتشابكة بين الولايات المتحدة والدول الاقتصادية الكبرى في العالم، مثل الصين التي فرض على وارداتها رسوما جمركية. وتركيز ترامب على الاقتصاد الصناعي ـ التجاري للولايات المتحدة بدلا من الاقتصاد المالي جعله يدخل في صراع مع قرارات البنك الفيدرالي الاحتياطي في رفع معدل الفائدة، وهو البنك الذي يتمتع باستقلال في اتخاذ قراراته. كما جعله يدخل في صراع مع البنوك الكبرى على خلفية قراره فرض رسوم جمركية جديدة على واردات الصلب والألمنيوم، ما دفع مستشاره الاقتصادي والرئيس السابق لبنك الاستثمار غولدمان ساكس إلى ترك منصبه.

ـــ استئثار ترامب باتخاذ قرارات على مستوى السياسة الخارجية يخالف التقليد الأميركي في صناعة القرار، وكانت استقالة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، تعبيرا عن التوتر بين الخارجية والبيت الأبيض حيال التعاطي مع ملفات خارجية حساسة، مثل إيران وكوريا الشمالية.

ـــ سحب ترامب التصريح الأمني من مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون برينان، ومنعه من الوصول إلى بعض الوثائق السرية، ثم طرد مدير المخابرات الوطنية، دان كوتس، في منتصف أغسطس/ آب 2019، بسبب اختلاف الرؤى حول ملفات خارجية.

ـــ استقالة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، من منصبه بعد يوم على قرار ترامب المفاجئ الانسحاب العسكري من سورية.

ـــ شهد مكتب الأمن القومي استقالة ثلاثة مستشارين له: استقالة مايكل فلين مطلع 2017 بعد 22 يوما من عمله مستشارا للأمن القومي، ثم استقالة خلفه هربرت ماكماستر بعد مدة وجيزة، ليعين محله جون بولتون الذي استقال في سبتمبر/ أيلول 2019 بسبب الخلاف حول طريقة التعامل مع حركة طالبان، ليحل محله روبرت أوبراين.

ولم تكن هذه الإقالات والاستقالات وغيرها مجرد خلافات عابرة، بقدر ما هي انعكاس لخلافات عميقة بين من يريد أن يربط الاقتصاد بالقوة العسكرية الأميركية (الدولة العميقة) ومن يريد أن يفكّ الترابط بينهما والاكتفاء بالتفوق السيبراني (ترامب)، بين من يريد المحافظة على مكانة المحكمة العليا ضامنا للديمقراطية والليبرالية والعلمانية (الدولة العميقة)، ومن يريد إضعاف المحكمة لصالح المؤسسات الدينية (ترامب)، بين من يريد المحافظة على الدولة الإدارية (الدولة العميقة)، ومن يريد تفكيكها (ترامب)، بين من يعتبر روسيا هي العدو (الدولة العميقة)، ومن يعتبر الصين هي العدو (ترامب).

ينتج عن هذه الاختلافات بالضرورة تغيير استراتيجي في السلوك الأميركي، الداخلي والدولي، من شأنه أن يغير من موضعة الولايات المتحدة على الخريطة العالمية.

البروتستانت البيض

اللغة الشعبوية التي ميزت خطاب ترامب لا تخرج كذلك عن هذا الصراع، بل هي أحد تعبيراته العنصرية، بين من يريد إبقاء البلاد مكانا للعقول من الجنسيات والأديان والأعراق المختلفة (الدولة العميقة) ومن يريد إعادة النقاء البروتستانتي الأبيض للولايات المتحدة (ترامب). وقد عرّف المستوطنون الأوائل أميركا بلغة العرق والإثنية والثقافة والدين، على ما يقول المفكر الأميركي، صموئيل هنتنغتون، ثم كان عليهم أن يعرفوها في القرن الثامن عشر أيديولوجيا لتبرير استقلالهم عن مواطني بلدهم الأصلي إنكلترا. وظلت هذه المكونات الأربعة جزءا من الهوية الأميركية في معظم القرن التاسع عشر، القرن الذي أنشأ فيه الإنجيليون هيمنة اجتماعية وثقافية للبروتستانتية في الولايات المتحدة، بحيث شمل التأثير البروتستانتي عالم التربية والتعليم الديني، وامتد إلى وسائل الإعلام والجمعيات والحركات المطالبة بالإصلاح الأخلاقي والاجتماعي. وكانت ذروة البروتستانتية شبه المؤسسة بين عامي 1815 ـ 1860، قبل أن تتراجع نتيجة تحدّيات عدة، أهمها تزايد أعداد المهاجرين الكاثوليك.

حاول الإنجيليون الحفاظ على الهيمنتين، الاجتماعية والثقافية، البروتستانتيتين، لمنع الكاثوليك من الهيمنة، لكن تطوّر مؤسسات الدولة والتطور المجتمعي وظهور اقتصاد مفتوح، جعلت المكون الإثني يتسع نهاية القرن التاسع عشر ليشمل الألمان والأيرلنديين والاسكندينافيين. وبحلول الحرب العالمية الثانية، واندماج مهاجرين أوروبيين كثيرين في المجتمع الأميركي، اختفت الإثنية بوصفها مكونا محدّدا في الهوية الوطنية، ليبقى الصراع بين البيض والسود قائما حتى ستينيات القرن الماضي مع إنجازات حركة الحقوق المدنية ومرسوم الهجرة لعام 1965.

بعد إنهاء أزمة السود تلاشى المكون العرقي، وأخذت الهوية الأميركية تعرف بلغة الثقافة والميثاق بحلول سبعينيات القرن العشرين، لكن مشكلة أخرى ظهرت، تتعلق بالمهاجرين الذين ما يزالون يحافظون على هوياتهم السابقة، ولم يندمجوا في الثقافة الأميركية، الأمر الذي دفع صموئيل هنتنغتون عام 2004 إلى تأليف كتاب بعنوان، “من نحن؟”.

من نحن؟

ظهور نزعة تفكيكية تسعى إلى تعزيز مكانة المجموعات الفرعية في المجتمع الأميركي ظاهرة متوقعة بالنسبة لهنتنغتون، لكن الغريب، من وجهة نظره، أن هذه النزعة اللاشعورية عند العامة تحولت إلى نهج سياسي عند القادة السياسيين والحكوميين الذين شجّعوا الإجراءات التي تستهدف إضعاف الهوية الثقافية الميثاقية لصالح الهويات الفرعية، إنها إحدى سوابق التاريخ الإنساني أن يعمد فيه القادة إلى تفكيك الأمة.

لا يقتصر بروز التفكيكية والهويات الفرعية على دور النخب السياسية الحاكمة، بل ثمّة سببان موضوعيان لهذه الظاهرة: أولا، انتهاء الحرب الباردة التي ألغت السبب القوي لإعطاء الأولوية للهوية القومية على حساب الهويات الفرعية الأخرى. وثانيا، الحطّ من المشروعية الرسمية للعرق والإثنية مكونين للهوية القومية في قوانين الحقوق المدنية.

وإذا كان هنتنغتون لم يجب على سؤاله، “من نحن؟”، فقد تطلب الأمر مرور نحو 15 عاما إلى حين وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ليجيب على هذا السؤال. بالنسبة لترامب، تمثل الـ “نحن” فقط الأميركي الأبيض البروتستانتي الإنجيلي، صاحب البلاد الحقيقي والمُنشئ الفعلي لهذه الأمة. أما الآخرون فليسوا سوى دخلاء، سمحت لهم القوانين أن يصبحوا جزءا من المجتمع الأميركي ويتمتعوا بحقوق مدنية وسياسية، وهذه الحقوق بالنسبة لترامب كافية لهم، ولا يجب أن تتطوّر لتصل إلى حد المطالبة بالمناصب العليا في البلاد.

بدأت خطوات ترامب بتضييق الهجرة في الأسابيع الأولى من وصوله إلى الرئاسة، ثم انتقل إلى ممارسة الضغوط على الشركات لمنع توظيف غير البيض، ثم انتقل إلى التهديد بترحيل الطلاب الأجانب، وانتهى بإضفاء الشرعية على ممارسات الشرطة العنصرية بحق السود، أو غيرهم ممن هم ليسوا من البيض. وقد شكلت هذه الخطوات رعبا للديمقراطيين ولسياسيين من الحزب الجمهوري وللمؤسسات الأميركية الحاكمة وللنخبة الأكاديمية وللرأسماليين على السواء. ووفقا لذلك، لم يكن مصادفة أن يصوّت الإنجيليون لصالح ترامب، حيث يلتقون معا في دعم إنفاذ القانون وأمن الحدود، ومعارضة احتجاجات حركة “حياة السود مهمة”، والحذر من المهاجرين، والفهم القومي المسيحي لأميركا.

تقول المؤرخة الأميركية، كريستين دي ميز، المتخصصة في علاقة التيارات المسيحية الأميركية بالشؤون السياسية، إن الإنجيليين المحافظين يرغبون بالقيادة الأبوية، ما يطلق عليه “جزء من خطة الله للبشرية”، وقد أصبح كثيرون يعتقدون أن الرجولة الخشنة التي يغذّيها هرمون التستوستيرون مطلبهم الرئيس لممارسة تلك القيادة في عالم غادر. وقد لعب ترامب على الوتر الديني كثيرا لاستمالة الإنجيليين، من خلال تعيين باولا وايت مستشارة روحية، وهي التي قالت “إن لدى ترامب علاقة شخصية مع الرب يسوع.. وحين أطأ أرض البيت الأبيض، فإن الرب يطأ أرض البيت الأبيض، ولديّ كامل الحق والسلطة لأعلن البيت الأبيض أرضا مقدّسة، لأنني كنت أقف هناك، وكل مكان أقف فيه هو مكان مقدس”.

مع انتهاء مرحلة ترامب، تكون البيريسترويكا الأميركية التي حاول تطبيقها قد انهارت لصالح “الدولة العميقة”، على الأقل مؤقتا، لكن تأثيرات هذه المحاولة ستظل باقيةً بانتظار متغيرات كبيرة قد تعيدها بقوة مرة أخرى على يد شخص آخر.

لقد أظهرت الانتخابات الرئاسية أخيرا انقساما حادا ومتساويا في المجتمع، بحيث لا يجب النظر إلى أرقام المصوتين لترامب ولبايدن من منظور التصويت الانتخابي، وإنما من منظور القضايا الاجتماعية: في الحالة الأولى، تشكل الملايين الخمسة الفارقة بين ترامب وبايدن رقما كبيرا في لغة الانتخابات، لكنها تشكل تساويا في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا هو السبب الذي دفع صحيفة واشنطن بوست إلى القول إن “الترامبية فكرة لا تموت ولو فاز بايدن”، والذي دفع كاس موده وكريستوبل كالتواس إلى القول إن تأثير حركة “حزب الشاي”، التي دعمت ترامب عام 2016، سيبقى قائما.

وإذا كانت نهاية الحرب الباردة سببا في غياب الهوية القومية أو إضعافها، كما ذكر أعلاه، فإن البحث عن عدو خارجي قد يبدو ضروريا للولايات المتحدة في مرحلةٍ ما، وسيكون من المفارقة أن الديمقراطيين هم من سيعلنون الحرب على العدو المقبل، لا الجمهوريين، بسبب رغبتهم في توحيد الأميركيين أمام عدو خارجي، سيكون له الفضل في إعادة تفعيل بوتقة الصهر الثقافية للأميركيين.

العربي الجديد

——————————-

الوجود الأمريكي المعقد في سوريا/ مزن مرشد

بات محسوماً للجميع أن لا نية للإدارات الأمريكية المتلاحقة حتى الآن، بإزاحة الأسد من حكم سوريا، ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض نقف أمام سؤال ضروري: هل سينجح في جعل النظام السوري يتغير؟ في خضم التدخل الأمريكي العسكري في سوريا، فإن أعداد الجنود الأمريكيين المتواجدين على الأرض السورية، يعتبر الأقل مقارنة بأعداد القوات الإيرانية، والتركية وحتى أقل من عناصر ميليشيا حزب الله، ولكنه يتمركز في مناطق النفط، ويفرط سيطرته الكاملة على كامل إنتاج الآبار، مانعاً على النظام استخدام عائدات النفط السورية في حربه ضد الشعب السوري، ولضمان عدم وقوعه في يد داعش واستمرار محاربة التنظيم في ذات الوقت. وبالطبع تدخل روسيا دائماً على خط الصراع، محاولة الوقوف على الجهة المقابلة لأمريكا، في محاولة إثبات نفسها كوريث للقطب السوفيتي الند للولايات المتحدة في الحرب الباردة منذ منتصف القرن الماضي، فتلعب دور تعديل كفتي الميزان، في ضبط الضغط على النظام من قبل أعدائه- حلفاؤها في ذات الوقت- وتتأرجح تركيا بين الحليف الروسي صديق النظام، والذي ترتبط به بعلاقات اقتصادية وعسكرية جيدة، لا سيما شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400، والذي لم يلق قبولًا من قبل حلف الناتو -الذي يضم تركيا- وحليفها الأمريكي عدو النظام، فهل هي صديق أو عدو كونها في المنتصف بين الروس والأمريكان؟ وهكذا تهيمن الولايات المتحدة على عدة مواقع لحقول النفط والغاز في سوريا، وتدعم قوات سوريا الديمقراطية، وتخلصت بمساعدتهم من داعش في منطقة الجزيرة، لتتمركز شرق الفرات.

كل ما يتعلق بسوريا والعراق يكتسب أهمية متزايدة بالنسبة لأمريكا، فقط في مواقع النفط، ولا تُعنى الإدارة الأمريكية بشؤون الثورة، أو مطالب الشعب، أو مجازر النظام، رغم كل ما يمكن أن يصدح به الإعلام الأمريكي.

والآن ونحن على مشارف نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب الذي توسمنا به خيراً، في مساعدة الشعب السوري بالخلاص من النظام، نستطيع أن نجزم أن فترته كانت فترة أقوال لا أفعال، وأنه لم يحرك ساكناً في سياسته ضد النظام، أما قانون قيصر والعقوبات فهي جزء من سياسة مؤسسة الرئاسة ولا ترتبط بشخص، ومع ذلك لا تكفي للإطاحة بالأسد وإنهاء الصراع في المدى المنظور.

في شهر كانون الثاني /يناير من العام الجديد 2021 سيبدأ الرئيس الأمركي المنتخب أعماله، ونحن كالعادة منتظرون كيف ستكون إدارته للملف السوري… بدأنا نتلمس أطراف خيط مضيء من أمل، خاصةً بعد طرح مجلس النواب الأمريكي مشروع قرار جديد يرسم السياسة المقبلة لإدارة الرئيس المنتخب اتجاه سورية.

وأول خطوة في مشروع هذا القانون هو عدم الاعتراف بنظام الأسد كحكومةٍ سورية شرعيّة، أو الاعتراف بحق بشّار الأسد في الترشح في أيّة انتخابات مستقبلية في سورية، وهذا جيد -إن أُقر القانون سريعاً ونُفذ أيضاً- إضافة إلى فرض عقوبات قصوى لم يشهدها النظام حتى الآن، ليس فقط على نظام الأسد، بل على المصارف التي تربطها علاقات مع الأسد في لبنان والأردن والإمارات والخليج والصين وأية دولة أجنبية أخرى تقدم أي مساعدة للنظام السوري.

أما ما يهمنا في جوهر المشروع فهو أن يؤدي بالسياسة الأمريكية إلى الإطاحة بالأسد، ودعم السوريين في تحقيق هذا الأمل، بعيداً عن العقوبات والخطوط الحمراء والضربات الخلبية التي شبعنا منها في السنوات العشر الماضية. ولم ننس بالطبع أن جو بايدن شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي رسم خطوطاً حمراء لنظام الأسد، تجاوزها الأخير بكل بساطة باستخدام السلاح الكيماوي، دون أي رد فعل من قبل الإدارة الأمريكية.

وتغيب تصريحات بايدن عن الإعلام الأمريكي حول نواياه فيما يخص سياسته في سورية، لكن من الواضح أنه يدرك أخطاء أوباما جيداً بتمييع التعاطي مع الحرب السورية، ويدرك ضرورة إصلاح نهج الولايات المتحدة تجاه سورية.

وهذا تماماً ما ذكرته صحف أمريكية بأن إدارة بايدن تعد بالانخراط في قضية سورية دبلوماسياً، وستزيد الضغط على الأسد وتمنع الدعم الأمريكي لإعادة إعمار سورية حتى يوافق الأسد على وقف فظائعه وتقاسم السلطة.

ويبقى الوقت عدو السوريين الأول، وصديق موتهم، فقانون قيصر استغرق خمس سنوات من التداول والدراسة حتى أقر أخيراً. ولا ندري كم نحتاج من وقت لنرى تأثيره الحقيقي على النظام. فلم نشاهد حتى الآن إلا المزيد من التردي الاقتصادي الذي يهدد السوريين بمجاعة حقيقية على الأبواب، ولم يتأثر النظام ولو ظاهرياً، ففي العراق مثلاً استمرت العقوبات الأمريكية لثلاثة عشر عاماً، بما عرف “النفط مقابل الغذاء” تردت خلال تلك السنوات أوضاع العراقيين، وسادت الفوضى والتفجيرات، واستمر القتال ولم يسقط صدام حسين، إلا حين قرر بوش الابن اقتلاعه، فاقتلعه بيد، وسلم البلاد لإيران باليد الأخرى، وهذا ما لا نريده بالتأكيد، فخروج إيران من بلادنا مطلباً موازياً لمطلبنا برحيل الأسد، واليوم سوريا في مرحلة العقوبات.

ثلاث فترات رئاسية أمريكية منذ بداية الثورة السورية، تقاسمها أوباما وترمب، كلاهما حاول أن يؤثر بالملف السوري، وكلاهما استخدمه كورقة انتخابية، الأول عقد صلحاً مع إيران، مطلقاً يدها في سوريا، سواء بقصد أم بغير قصد، والثاني ضرب الأسد ضربة ًأشبه بكف خفيف على يد ولد شقي، متباهياً بضربته، وسحب بعض قواته من البلاد محافظاً على تواجده في مناطق النفط فقط، وبقيت سوريا في مشهد سوريالي لبلد مقسم بين قوات غريبة، يرأسه سفاح.

ويبقى السؤال قائماً: هل سيستطيع بايدن إخراج إيران والميليشيات المتعددة الجنسيات من سورية، والإطاحة بالأسد؟ وهل سيكون مشروع هذا القانون المطروح في الكونغرس نافذاَ قبل أن ينقرض السوريون؟ هو عامل الوقت إذاً … الوقت فقط، هو المقياس اليوم بتحديد الصديق من العدو.

“زمان الوصل”

——————————-

حصاد إدارة ترامب في الشرق الأوسط/ عريب الرنتاوي

أيام معدودات، قبل أن تطوي الولايات المتحدة، صفحة لتبدأ أخرى…هنا والآن، في الشرق الأوسط، تجد عواصم المنطقة، نفسها في “مراجعةٍ” لحصاد أربع سنوات لدونالد ترامب في البيت الأبيض، وتسعى لاستشراف ما تُخبئه السنوات الأربع القادمة، لولاية بايدن – هاريس…على أن السؤال الأبرز الذي ما انفكّ يطرق العقول والأذهان: هل باتت المنطقة أقرب للسلام مما كانت عليه قبل أربع سنوات، كما يفترض فريق ترامب الخاص بالشرق الأوسط؟…وما الذي يعنيه بعض أركان هذا الفريق، بحديثهم عن حاجة المنطقة، لـ “قيادة أمريكية قوية”، كما ورد مرارا على لسان جارد كوشنر؟

إن كانت إيران، هي التحدي الأبرز الذي واجه إدارة ترامب، وتحديدا بعد قرارها الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي، فإن ثمة ما يشبه الإجماع بين المراقبين والخبراء في الإقليم، على أن سياسة “الضغوط القصوى” لم تعط أكلها، برغم شدتها وشمولها وقسوتها المفرطة…لم يهرع أي مسؤول إيراني إلى هاتفه للاتصال بالبيت الأبيض، والمكالمة التي انتظرها الرئيس بفارغ الصبر، لم تحدث أبدا…وكلما طال الانتظار، قلَّ صبر الرئيس، ولجأت إدارته إلى التوسع في العقوبات والاغتيالات، ولكن من دون جدوى…”القيادة الأميركية القوية”، لم تنجح في طي صفحة الملف النووي الإيراني، بل زادته تعقيدا، ولم تَحُل دون طهران وتعزيز دورها الإقليمي، فيما برنامجها الصاروخي، “المثير للقلق”، لم يتوقف لحظة عن العمل.

وليس أفضل من جيمس جيفري، عند عرض “حصاد” سنوات أربع من السياسة الأميركية في سوريا: لم يُقض على “داعش” و”الإرهاب…لم يُنه الوجود الإيراني في سوريا…لم تنجح جهود إرغام موسكو وطهران على ممارسة ضغوط على نظام الأسد، لدفعه للانخراط في عملية سياسية ذات مغزى…ما الذي تحقق إذن، غير إفساح المجال للاعب آخر، مثير للقلق، للدخول على مسرح الأزمة السورية: تركيا، بأحلامها وطموحاتها المعروفة، وأدواتها الخشنة، من ميليشيات وأصوليات وحرب لا هوادة فيها على القضية الكردية.

وما دمنا في الملف السوري، فإن قرار إدارة ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وزيارة بومبيو للهضبة، شجع حكومة نتنياهو على التوسع في زرع المستوطنات والمستوطنين، وتطوير خطط طموحة لإسكان ربع مليون إسرائيلي في الهضبة خلال السنوات القادمة…صفحة السلام بين إسرائيل وسوريا، طويت إلى الأبد، فما من حكومة أو حكم في سوريا، سيكون بمقدوره إقامة سلام مع إسرائيل، من دون استرداد الجولان، حتى وإن أمكن لواشنطن، زرع نظام مطواع وموال لها في دمشق.

في الملف الفلسطيني، كادت “صفقة القرن” أن تُفضي إلى “انهيار السلطة”، أحد طرفي معادلة السلام والازدهار، ولو قُيّض لإدارة ترامب أن تحظى بولاية ثانية، لكان “سيناريو الانهيار” يقرع أبوابها هذه الأيام…السلطة على ضعفها وعجزها، لم تخضع لضغوط إدارة ترامب وإغراءات “سلامها الاقتصادي”…ولو أفسح في المجال أمام حكومة اليمين في إسرائيل، لترجمة بقية بنود الصفقة، لكان الإعلان عن دفن حل الدولتين، قد صدر منذ أشهر، ولكان الفلسطينيون، ومن خلفهم الأردن والأردنيون، يحصدون اليوم، الأشواك التي ستنمو كالنبت الشيطاني على هامش الاعتراف بالقدس “الموحدة” عاصمة لإسرائيل، وضم ما يقرب أو يزيد عن ثلاثين بالمئة من مساحة الضفة الغربية…ولعل هذا ما يفسر مشاعر الارتياح والانتشاء، التي اجتاحت عمّان ورام الله، ما أن أعلنت وسائل الإعلام الأميركية عن فوز بايدن بالرئاسة الأميركية.

أما في الحقل، الذي تفاخر إدارة ترامب، بإنجازاتها “التاريخية” فيه، والمقصود به حقل “التطبيع” بين بعض العرب وإسرائيل، فذلكم ملف آخر، “مفخخ” بدوره، ويضع المنطقة على عتبات مرحلة جديدة، من التوتر والتصعيد، بدلا من السلام والازدهار، إن لم يكن بين إسرائيل و”الدول المطبعة”، فبين هذه الدول وجيرانها، أو بين قادتها وشعوبهم، ولنأخذ نماذج ثلاثة لتوضيح ما نود قوله:

ولنبدأ من السودان، حيث أصرت إدارة ترامب على الزج بشرط التطبيع لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مع أن الملفين منفصلين ولا صلة لأحدهما بالآخر…السودان، تحت قيادة البرهان / حميدتي قطع شوطا على هذا الطريق، ومن المرجح أن يُرفع اسمه من تلك القائمة، باهظة الكلفة…لكن العلاقة لن تستقر بعد ذلك، بين جناحي الحكم الانتقالي، المدني والعسكري…جنرالات الجيش و”الجنجويد”، باتوا يستشعرون “فائض قوة”، يمكنهم من الانقضاض على “المرحلة الانتقالية” بكل عناوينها وأهدافها ومؤسساتها، فلم يكن رفع اسم بلادهم من القائمة المذكورة، هو الهدف الأوحد، أو حتى الأسمى، لعسكر الخرطوم، بل الحصول على “بوليصة تأمين”، تمكنهم من البقاء في سدة الحكم…التطورات في الخرطوم تدفع على القلق، البرهان يحمل على الحكومة ومجلس السيادة، توطئة لتعزيز قبضة الجيش على الحكم، والجنرالات يرفضون تشكيل مجلس تشريعي انتقالي، بأغلبية مدنية كما نصت الوثيقة الدستورية، وهو يروجون لمجلس “الشركاء” بديلا عنه، حيث سيكون بمقدورهم التعدي على صلاحيات الحكومة والحد من نفوذ التيار المدني…ثورة الشعب السوداني، تتعرض لانقلاب عسكري متدحرج، ينفذه جنرالات “لاذوا بالتطبيع” كشبكة أمان، وضمنوا دعم إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، حتى أن تقارير إسرائيلية، تحدثت عن قيام اللوبي الإسرائيلي في واشنطن بالعمل لصالحهم لتسريع رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتوفير “حصانة سيادية” له…السودانيون يسددون ثمن التطبيع من “كيس” حقوقهم ومستقبل ثورتهم ومصائر انتقالهم الديمقراطي، فأي سلام ذاك الذي يبشر بها فريق ترامب، بين دولتين لا حرب بينهما، وأية “قيادة قوية” تلك التي تحتاجها المنطقة؟

ولنمر بدول خليجية، قيل لها أن “التطبيع مع إسرائيل” هو أقل “هدية” يمكن تقديمها لإدارة ترامب بالنظر لما حظيت به أنظمتها من دعم وإسناد في قمعها لشعوبها، أو في مغامراتها خارج حدودها…وقيل لها كذلك (من بومبيو وكوشنر مؤخراً)، بأن التطبيع هو تذكرة عبورها الأهم، لإدارة بايدن في حال تأكد فوزها في الانتخابات…لا أحد في فريق ترامب، أبدى اهتماما بوقف الحرب على اليمن، أو محاسبة مقترفي جرائم الحرب هناك…لا أحد يُسائِل المسؤولين في واشنطن عن التحريض على “حصار قطر”، وتداعياته السياسية والأمنية والإنسانية…لا أحد فكّر بمحاسبة المسؤولين عن مقارفة واحدة من أبشع الجرائم ضد الصحافة والصحفيين في قنصلية إسطنبول…لا أحد انتصر جديا لناشطات حقوقيات سلميات، يحاكمن اليوم، وفقا لقانون “محاربة الإرهاب”…ما الأثمان التي دفعتها، وستستمر في دفعها، شعوب هذه الدول، ودائما على “مذبح التطبيع”، الذي بات مبتدأ الجملة الأميركية وخبرها، طيلة عهد إدارة ترامب؟

وصولاً إلى المغرب، والقرار الأميركي الأخير الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية، نظير تطبيعها مع إسرائيل، من دون أن يجهد أي مسؤول أميركي في شرح الرابط بين المسألتين، بل ومن دون اكتراث لا بالقانون الدولي ولا بالأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي…المهم أن تقبل الرباط بالتطبيع مع إسرائيل، الذي يسمى “سلاما”، ومرة أخرى بين دولتين لا حرب بينهما، حتى وإن أدى “سلام” كهذا، إلى تصعيد حدة التوتر، وزرع بذور مواجهات جديدة بين الجزائر والمغرب، أو بين المغرب وجبهة بوليساريو…السلام مع إسرائيل مطلوب حتى وإن كان ثمنه حرب مع الجوار…أي سلام “هنا” ذاك الذي سيتسبب في قرع طبول الحرب “هناك”؟…لو أن السلام هو غاية الإدارة وهدفها، لكانت رمت بكامل ثقلها خلف المبادرات الأممية والأفريقية للوصول إلى حل توافقي لأزمة الصحراء، واستنقاذ أمن المنطقة المغاربية واستقرارها.

حين تنظر الإدارة للإقليم على اتساعه، بعين واحدة، وحين يجري معالجة مختلف ملفات المنطقة الملتهبة، من منظور “اليمين الإسرائيلي” فقط، فمن الطبيعي أننا سنكون أمام “فِيَلة في حوانيت الزجاج والخزف”، وليس أمام موفدي سلام ورسل حل نزاعات…حصاد السنوات الأربع الفائتة، كان وبالا على المنطقة، وآثاره لن تزول قريبا، وقد لا تزول أبدا…يكفي أن صورة “الدولة الأعظم”، ومنظومتها القيمية والأخلاقية (الديمقراطية وحقوق الإنسان) قد أصيبت في مقتل، هيهات أن تنجو منه، لسنوات، وربما لعقود قادمة.

———————————-

دول الشرق الأوسط تحضّر لانسحاب أميركا/ هشام ملحم

تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وآخرها المغرب في الأسبوع الماضي له أسباب مختلفة، تتراوح وتتباين بين دولة عربية وأخرى. في حالة كل من المغرب والسودان كانت هناك مكافآت هامة: موافقة واشنطن على سيادة المغرب على الصحراء الغربية، ومكافأة السودان بحذف اسمه عن قائمة الإرهاب وإنهاء مطالب مواطنين أميركيين بتعويضات مالية لأن عنف تنظيم القاعدة طال أفراد من عائلاتهم حين كان أسامة بن لادن مقيما في السودان، ولحاجة السودان لدعم مالي أميركي.

ولكن هناك سبب أهم، نادرا ما يناقش علنا، وهو قلق بعض حلفاء واشنطن في المنطقة مثل إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر وغيرها مما تراه هذه الدول عن حق، الانسحاب الأميركي البطيء والتدريجي العسكري وحتى السياسي من المنطقة الممتدة من جنوب آسيا، مرورا بالخليج وشرق المتوسط ووصولا إلى شمال أفريقيا. هذه الدول وفي طليعتها الإمارات وإسرائيل وتقف ورائها دول مثل السعودية ومصر تقوم الآن بإنشاء تحالفات سياسية واستخباراتية وعسكرية فيما بينها لمواجهة خصوم وأعداء مزمنين مثل النظام الإسلامي في إيران، وخصوم وأعداء جدد مثل تركيا وقطر والحركات الإسلامية والجهادية المتطرفة المتعاونة معها.

في حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو في الواقع إعطاء الغطاء الدبلوماسي لعلاقات موجودة على الأرض منذ سنوات بين البلدين وخاصة في مجال التعاون الاستخباراتي. أما في حالة المغرب، فالعلاقات تعود لعقود طويلة وهي تغطي مختلف المجالات الاستخباراتية والاقتصادية والثقافية، وهذه العلاقات متطورة أكثر بكثير من علاقات مصر وإسرائيل على سبيل المثال. وحين الإعلان عن إنشاء إسرائيل في “فلسطين التاريخية”، كان هناك أكثر من 250 ألف مواطن مغربي يهودي، شكلّوا جزءا من النسيج الإنساني والثقافي والسياسي المغربي. ولكن الأكثرية الساحقة منهم هاجرت في العقود اللاحقة إلى إسرائيل، حيث يصل عدد الإسرائيليين المتحدرين من يهود المغرب أكثر من 700 ألف نسمة.

ولليهود في المغرب جذور عميقة تعود لقرون قبل الفتح العربي. آخر موجات المهاجرين اليهود الى المغرب جاءت من الأندلس في أعقاب دورات الاضطهاد الدموي التي تعرضوا لها على أيدي مختلف القادة الكاثوليك خلال الفترة الطويلة المسماة: Reconquista، أي “إعادة غزو” الأندلس، أو حرب “استرداد” الأندلس من العرب والبربر واليهود، والتي انتهت في 1492 بطرد ما تبقى من اليهود والعرب والمسلمين من إسبانيا.

ولهذه الأسباب فإن “تطبيع” العلاقات بين المغرب وإسرائيل يختلف جذريا عن تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل. توقيت الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين المغرب وإسرائيل، يعود لموافقة الرئيس دونالد ترامب على الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ انسحاب إسبانيا من مستعمرتها السابقة في 1976. اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، والذي يتنافى مع سياسة مختلف الإدارات الأميركية منذ بداية النزاع والتي احترمت قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى تنظيم استفتاء شعبي في المنطقة لتقرير مصيرها، مماثل لاعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة والذي يتناقض مع أسلافه من الحزبين لأن الجولان وفقا للقانون الدولي، أرضا سورية احتلتها إسرائيل في حرب 1967.

مخاوف أصدقاء وحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط من المضاعفات البعيدة المدى للانسحاب الأميركي التدريجي من المنطقة، تأكدت أكثر عقب قرارات الرئيس ترامب الأخيرة بسحب نصف عديد القوات المنتشرة في أفغانستان، على أن يتم سحب جميع القوات في منتصف 2021 إذا تم التوصل إلى اتفاق في المفاوضات بين حركة طالبان والحكومة في كابل، والتي ترعاها واشنطن.

كما خّفض ترامب من عديد القوات المنتشرة في العراق، ولاحقا أعلن عن سحب جميع القوات الأميركية تقريبا من الصومال. وكان ترامب يريد سحب جميع القوات الأميركية من سوريا، ولكنه عدل عن ذلك حين تم إقناعه بأن هذه القوات تحرس بعض آبار النفط، ولهذا السبب قال في السنة الماضية إن القوات باقية باسم السيطرة على النفط.

الانسحاب الأميركي السياسي (والاستخباراتي) من سوريا خلال الولاية الثانية لباراك أوباما، خلق فراغا كبيرا سارعت موسكو إلى ملئه عسكريا في 2015، ولحقتها تركيا في السنتين الماضيتين حين اجتاحت مناطق واسعة شمال سوريا للقضاء على التنظيمات الكردية المسلحة التي لعبت دورا بارزا في قهر تنظيم ما سمي بـ”الدولة الإسلامية” (داعش) وضد طموحات الأكراد السياسية بالحكم الذاتي او الاستقلال. كذلك الانسحاب الأميركي السياسي والعسكري من ليبيا، أيضا خلال ولاية الرئيس أوباما، خلق فراغا مماثلا سارعت روسيا وتركيا إلى ملئه، ما دفع بالإمارات ومصر لتعميق تورطهما في ليبيا لردع تركيا. وسوف يؤدي الانسحاب الأميركي من الصومال إلى توسيع دائرة التنافس العسكري بين تركيا التي بنت لقواتها قواعد جوية وبحرية، وبين دولة الإمارات التي لها أيضا وجود عسكري على الأرض في الصومال. ولتركيا اليوم قواعد عسكرية في مياه الخليج، في قطر، وفي البحر الأحمر، وفي البحر المتوسط، وذلك للمرة الأولى منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية.

وتقوم دولة الإمارات بمواجهة تركيا سياسيا وعسكريا في ليبيا والصومال، وهي مع إسرائيل ومصر تواجه نفوذ وسياسيات الترهيب التي تعتمدها تركيا تجاه قبرص واليونان في النزاع معهما حول التنقيب عن مصادر الغاز في البحر المتوسط في مناطق تعتبرها قبرص واليونان تابعة لهما. في سوريا تتدخل إسرائيل عسكريا بشكل دوري عبر غاراتها على القوات الإيرانية وقوات حزب الله التي تعمل تحت مظلتها.

قبل نهاية ولايته، طلب الرئيس السابق أوباما من جميع دول الخليج أن يشاركوا المنطقة فيما بينهم، كما طلب من دول الخليج العربية أن تتحمل المزيد من مسؤولية حماية أمنها. هذا الموقف، استخدمته السعودية ودولة الإمارات على أنه موافقة أميركية على تصعيد العمليات العسكرية ضد تنظيم الحوثيين في اليمن الذي احتضنه النظام الإسلامي في طهران ودعمه بالسلاح بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون بشكل عشوائي ضد العمق السعودي.

في البداية، ساعدت إدارة أوباما، ولاحقا إدارة ترامب في الحرب ضد الحوثيين من خلال توفير المعلومات الاستخباراتية عن الحوثيين ومن خلال الدعم اللوجستي للطيران السعودي الذي ساهمت غاراته العشوائية بقتل الآلاف من المدنيين، ومن بينهم عدد كبير من الأطفال. الإدارة الرديئة للحرب في اليمن ساهمت في إطالة معاناة اليمنيين لأكثر من 5 سنوات، وهي مسألة كان يمكن للولايات المتحدة أن تمنعها لو تدخلت بشكل فعال ولم تترك الفراغ الذي لم تستطيع الدول التي تهددها حركة الحوثيين وإيران ملئه بفعالية.

عملية الانسحاب الأميركي البطيء من المنطقة بدأت خلال ولاية الرئيس أوباما، وهي سياسة أراد ترامب أن يكملها بسرعة أكثر، لو لم يجد معارضة من وزارة الدفاع والأهم من الجمهوريين في الكونغرس. أوباما تحدث عن ضرورة “التحول” إلى شرق آسيا، المنطقة الأهم للولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا، بمعنى التصدي للنفوذ الصيني المتزايد ولسياسات الصين العدائية، تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة.

لا أحد يتحدث عن انسحاب أميركي كامل من المنطقة، ولكن ما هو واضح ومؤكد أن تخفيض الوجود العسكري في المنطقة سوف يستمر بغض النظر عن الحزب الحاكم في البيت الأبيض في السنوات المقبلة. وهناك إرهاق أميركي من أطول حربين في تاريخ الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وهناك معارضة متنامية للكلفة المالية لهذا الوجود العسكري الواسع، الذي لم يعد مبررا باسم حماية المنطقة من طرف خارجي كما كان الحال خلال وجود الاتحاد السوفياتي. كما أن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج لم يعد مسألة حيوية واستراتيجية لأن الولايات المتحدة أصبحت الآن الدولة الأكثر إنتاجا للطاقة في العالم. وعلى سبيل المثال صدّرت السعودية خلال شهر أكتوبر 73 ألف برميل نفط في اليوم فقط إلى المصافي الأميركية، وهي أقل كمية نفط تصدرها إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود. نفط الخليج لا يزال مهما لحلفاء واشنطن، ولكنه فقد أهميته الاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة.

أخطأت الولايات المتحدة عندما تصرفت بعنجهية وفوقية حين سعت إلى تغيير الأنظمة المارقة في المنطقة، وبناء الديمقراطية الجيفرسونية على ضفاف نهري دجلة والفرات وفي دول أخرى في المنطقة. ولكن بدايات الانسحاب من المنطقة خلال ولاية الرئيس السابق أوباما، والتجاهل المطلق لحقوق الإنسان كما رأيناه خلال ولاية الرئيس ترامب، كان له انعكاسات سلبية. لا التشدد في الإملاءات السياسية، ولا الحضور العسكري المكثف والخانق يخدم مصالح الولايات المتحدة وأصدقائها في المنطقة. تخفيض الحضور العسكري الضخم هو أمر ضروري سياسيا وعسكريا وماليا، ولكن ذلك يجب أن يتم بطريقة تأخذ بعين الاعتبار عدم خلق فراغ أمني يستغله أعداء الولايات المتحدة. كما أن ترك أمن المنطقة كليا لدولها، لا يعني أن هذه الدول سوف تتصرف بحكمة ولن تدخل في مغامرات وتحالفات عسكرية مكلفة. هذه هي الحقائق العسكرية والسياسية المعقدة التي ستواجهها إدارة الرئيس جوزف بايدن في الشرق الأوسط.

———————————

======================

تحديث 16 كانون الأول 2020

———————————–

هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟/ روبرت فورد

أفاد مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأميركية أمام إحدى لجان الكونغرس في الأسبوع الماضي، بأن الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، وانسحاب القوات الإيرانية من هناك، مع الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، باتت جميعها في «متناول الأيدي». وعندما فكرت ملياً فيما قاله ذلك المسؤول الكبير، مع مقارنة ذلك مع المقابلات الصحافية التي أجريت مع زميلي الأسبق السفير جيمس جيفري الذي تقاعد لتوه من مهام منصبه، فإنني أرى ضغوطاً متزايدة في الوقت الذي لا ألمس فيه أي إنجازات تساعد الجانب الأميركي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء.

وصرح مسؤولان أميركيان بصورة غير مباشرة بأن الوجود العسكري الأميركي في شرق سوريا لم يعد في حقيقة الأمر يتعلق بمحاربة تنظيم «داعش» كما هو معلن. فلقد قال السيد جيفري بكل وضوح: «لقد أسقطنا (داعش) ولم نغادر أماكننا هناك». ولا تزال القوات الأميركية تسيطر على حقول النفط السورية الصغيرة في محافظتي الحسكة ودير الزور في شرق سوريا من أجل مواصلة الضغوط المالية على حكومة بشار الأسد في دمشق، كما ترغب الحكومة الأميركية من الميليشيات الكردية السورية التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» أن تستفيد من العائدات النفطية هناك. فهل تلاحظون حالة عدم الالتزام السياسية لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب في دعم وتمويل قوات سوريا الديمقراطية؟

ومما يُضاف إلى ذلك، صرح الفريق الرئاسي التابع للرئيس ترمب بأن العقوبات الدولية على النظام السوري، بما في ذلك «قانون قيصر» للعقوبات الأميركية، تزيد من وطأة الضغوط الاقتصادية على النظام السوري مما يعتبر مؤشراً واضحاً على النجاح الأميركي هناك. ولا أفهم – في حقيقة الأمر – لماذا يعتبر اصطفاف المواطنين السوريين في طوابير طويلة ومرهقة من أجل شراء الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والوقود من إنجازات ونجاحات الولايات المتحدة، فإن كان الغرض من وراء ذلك هو إجبار بشار الأسد على تقديم تنازلات، فإن الحقيقة تعكس بوضوح أنه لا يزال يرفض تنفيذ الإصلاحات السياسية الجادة. وفي نهاية الأمر، فإن نظام الأسد وزمرته الفاسدة لا يمكنهم بحال قبول إملاءات الإصلاح والمساءلة. وتأمل الحكومة الأميركية في أن ينبع التغيير من داخل النظام السوري نفسه. غير أن انسحاب رامي مخلوف من الزمرة السورية المقربة من الرئيس ينبغي أن يعتبر درساً واضحاً تتلقاه واشنطن. وفي نهاية الأمر، فإن الطوابير الطويلة من أجل شراء الخبز تعني المزيد من معاناة المدنيين السوريين، ولكن مثل هذه الصفوف الممتدة لا تعني أبداً أن هناك صفقة سياسية وشيكة أو انتصاراً أميركياً بات «في متناول الأيدي»!

تساند أغلب الطبقة السياسية في واشنطن فرض العقوبات على النظام السوري، غير أنهم يسارعون في نفس الوقت إلى الزعم بأن العقوبات الاقتصادية غير ذات تأثير على المدنيين السوريين العاديين. وبطبيعة الحال، فإن سوء الإدارة الاقتصادية هي من المشكلات السورية العريقة، بيد أن العقوبات الأميركية تزيد من وطأة المشاكل الاقتصادية على المواطنين السوريين وتحيل أوضاعهم المعيشية من سيئ إلى أسوأ. أولاً، تحول تلك العقوبات تماماً دون الاستثمار في البلاد. وفي غياب المشاريع الجديدة وإعادة البناء والإعمار، لن يتمكن المواطن السوري العادي من العثور على وظائف جديدة، فضلاً عن تدهور الخدمات الرئيسية المهمة مثل المياه والكهرباء. ثانياً، تعيق العقوبات الأميركية التجارة في البلاد مع عرقلة قدرة الحكومة السورية على تلقي القروض الأجنبية ورؤوس الأموال اللازمة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية مع رفع أسعار الواردات الأساسية مثل النفط والمواد الغذائية. ينبغي على المعسكر المؤيد للعقوبات الاقتصادية في واشنطن أن يلتزم المصداقية بأن العقوبات تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية. إذ تعكس التقارير الواردة في الصيف الماضي عن منظمة «أوكسفام» البريطانية للمساعدات الإنسانية وعن البروفسور جوزيف ضاهر، أن العقوبات الاقتصادية تُرهب المصارف حتى تُحجم عن المجازفة بتحويل الأموال لصالح مشاريع المساعدات الإنسانية في سوريا.

ماذا عن تنظيم «داعش» الإرهابي؟

مما يؤسف له، هناك فجوة كبيرة في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة «داعش» في سوريا. فلقد أصبح التنظيم الإرهابي أكثر ضعفاً ووهناً إلى شرق الفرات الذي تسيطر عليه القوات الأميركية وشركاؤهم من قوات سوريا الديمقراطية. وبلغ الضعف بذلك التنظيم أنه لا يستطيع السيطرة على الأراضي هناك، وذلك وفقاً إلى تقرير صادر عن مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية في الشهر الماضي. (وهكذا يستمر وجود القوات الأميركية في سوريا ليس لحماية حقول النفط من عناصر (داعش) فحسب، وإنما للحيلولة دون استيلاء الروس ونظام بشار الأسد عليها). ومع ذلك، فإن قوات «داعش» إلى غرب الفرات هي أقوى من شرقه، وتواصل شن الهجمات على القوات الموالية لبشار الأسد هناك، حتى أن عناصر التنظيم الإرهابي نجحت في اغتيال جنرال روسي كبير في منطقة الجزيرة في شهر أغسطس (آب) الماضي.

إذا كان وجود «داعش» إلى شرق الفرات يمكن أن يشكل تهديداً ضد المصالح الغربية في المستقبل، فإن قوات التنظيم الأقوى إلى غرب الفرات تشكل مثل هذا التهديد سواء بسواء. وليس لدى الحكومة الأميركية من رد واضح على هذا التحدي. ويفيد تقرير مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية بأن القوات العسكرية الموالية لنظام الأسد قد رفعت من معدلات العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في الصيف الماضي. ومن المفارقات الواضحة أن العقوبات الاقتصادية الأميركية تقلل من الموارد المتاحة أمام الحكومة السورية لمحاربة تنظيم «داعش».

كما يواصل النظام السوري أيضاً الهجوم على محافظة إدلب مع مقتل المزيد من المدنيين السوريين بصورة يومية. إنه نظام وحشي مسؤول عن الكثير من جرائم الحرب والمجازر المدنية. ولكن، ليس هناك في سوريا ما يمكن وصفه باليسير أو البسيط. ففي نهاية الأمر، تؤدي الإجراءات الأميركية الرامية إلى إجبار نظام الأسد على تقديم التنازلات السياسية ووقف الهجمات على المدنيين إلى إلحاق المزيد من الأضرار بالمدنيين السوريين أنفسهم، فضلاً عن تعقيد مجريات القتال ضد التنظيم الإرهابي هناك.

مع بدء فريق الرئيس المنتخب جوزيف بايدن في العمل اعتباراً من الشهر المقبل، فإنهم في حاجة إلى التفكير العميق في حقيقة الأولويات الأميركية في سوريا، والآثار المترتبة على سياسات إدارة الرئيس ترمب هناك، وحقيقة ما يمكن – وما لا يمكن – للولايات المتحدة إنجازه على أرض الواقع في سوريا.

* خاص بـ«الشرق الأوسط»

——————————-

صورة ترامب الأخيرة/ وائل السواح

.. وإذن، بغض الطرف عن محاولات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وفريقه اليائسة، لوقف عجلة التاريخ ومنع تنصيب الرئيس المنتخب، جو بايدن، في 20 يناير/ كانون الثاني، فالحقيقة الثابتة أن ترامب سيغادر في ذلك التاريخ إلى بيته الجديد في فلوريدا، ليلعب الغولف، ويستعيد لحظاته السعيدة في البيت الأبيض. وسيذكر التاريخ ترامب واحداً من أكثر الرؤساء الأميركيين استهتاراً بمنصب الرئاسة، ويصوّره شخصاً قدّم مصالحه الشخصية على مصلحة الوظيفة والأمة والعالم. وسيُذكَر ترامب دوماً باعتباره الرئيس الذي شجّع العنصرية والتطرّف اليميني، ومنعَ مواطني سبع دول من القدوم إلى الولايات المتحدة فقط لأنهم مسلمون، وأنه أمضى كلّ يوم من أيام حكمه يحاول تقويض التأمين الصحي لملايين الأميركيين الذين لا تأمين لهم، وحارب المناخ بكل قوته إكراماً لشركات الطاقة الأحفورية، وصادق طغاة العالم، وأسهم في دفع موجة من القادة الشعبويين على غراره في كلّ العالم.

ولكن الأميركيين سيتذكرون أيضاً، وطويلاً جداً، صورة ترامب، وهو يغادر البيت الأبيض بدون تكريم أو كرامة، وهو متشبّث بالحكم بدون أي جه حق، فإن تخلّف عن اصطحاب خلفه إلى المحكمة العليا لحضور مراسم التنصيب، فسيكون أول رئيس يفعل ذلك منذ عام 1837. ولن يستطيع العالم إلا أن يقارن الصورة الكاريكاتورية لترامب وهو يغادر الحكم بصورة آل غور نائب الرئيس الأميركي الأسبق ومنافس جورج دبليو بوش في انتخابات 2000. لقد مرّت الانتخابات في تلك السنة بما يشبه انتخابات 2020، حين أُعلِن فوز آل غور، قبل أن يطعن بوش بالنتيجة، وتحكمَ المحكمة العليا لمصلحته. كان على الكونغرس أن يعلن النتيجة الرسمية بعد تصويت المجمع الانتخابي وحكْم المحكمة العليا. وكان آل غور، بصفته نائب الرئيس كلينتون، رئيس الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ. وحين ثار بعض النواب الديمقراطيين على قرار المحكمة إعطاء البيت الأبيض لبوش، على الرغم من أنه حصل على أصواتٍ أقلّ من آل غور، استخدم الأخير مطرقته عدّة مرّات لإسكات أنصاره، قبل أن يعلن النتيجة لنفسه. وعادة ما يكون تصديق الكونغرس على تصويت الهيئة الانتخابية سريعاً وروتينياً. ولكن لم يكن هناك شيء عادي في انتخابات 2000 التي أدّت إلى أداء السيد بوش اليمين الدستورية، باعتباره أول رئيس منذ بنيامين هاريسون في عام 1888 يفوز بالهيئة الانتخابية، لكنه يخسر التصويت الشعبي. ولمدة 20 دقيقة تقريباً، حاول عشرات الأعضاء من الديمقراطيين، من دون جدوى، منع فرز الأصوات الانتخابية الخمسة والعشرين في فلوريدا، احتجاجاً على حرمان الناخبين السود حق التصويت. كانت الأصوات الانتخابية المتنازع عليها في فلوريدا حاسمة في فوز بوش بعد معركة قانونية وسياسية طويلة عقب انتخاباتٍ غير حاسمة. ثمّ تلا آل غور الأرقام التي أظهرت هزيمته في الهيئة الانتخابية، حيث حصل منافسه على 271 مقابل 266، وقال إن الأصوات “ستعتبر إعلاناً كافياً” لانتخاب السيد بوش ونائبه ديك تشيني، ثمّ صاح بصوت ثابت: “فليبارك الله رئيسنا الجديد ونائب الرئيس الجديد، وليبارك الله الولايات المتحدة الأميركية”. وشارك في تنصيب خلفه بعد ذلك بأيام، قبل أن يتقاعد في بيته. تقابل هذه الصورة صور ترامب ونائبه مايك بنس والناطقة باسمه كيلي مكناني ومحاميه رودي جولياني، وهم يطلقون الأكاذيب والاتهامات التي لا يساندها أي دليل، ويبذلون كلّ جهد لإلغاء ملايين الأصوات الشرعية، من أجل إبقاء رجل عنصري موتور في البيت الأبيض.

لقد رفض كل قاضٍ أميركي، بلا استثناء، قبول دعاوى ترامب وفريقه، ومعظم هؤلاء القضاة محافظون، عيّنهم أساساً رؤساء جمهوريون. وفي آخر مسعى في هذا المجال، رفضت المحكمة العليا، المؤلفة من ستة قضاة محافظين وثلاثة ليبراليين فقط، الدعوى القضائية التي أقامتها ولاية تكساس لإلغاء نتائج انتخابات الرئاسة في أربع ولايات، خسرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام بايدن، في إطار سعيها إلى إلغاء الآثار المترتبة عن نتيجة الانتخابات. ويعطينا هذا الموقف من القضاة بعض الأمل في أن المؤسّسة الديمقراطية والتقاليد الديمقراطية لا تزال قادرة على الصمود في الأزمات الكبرى. وقد صوّت القضاة الثلاثة الذين عيّنهم ترامب نفسه في المحكمة العليا ضدّه، ما يعني أن الأمل لم يُفقد بعد بتصحيح الديمقراطية لنفسها.

في المقلب الآخر، لا يمكن أن ننسى أن 106 نواب جمهوريين و17 ولاية يقودها جمهوريون قد استمرّوا حتى اللحظة الأخيرة مصمّمين على قلب نتائج الانتخابات، وحرمان ملايين الناخبين حقّهم في التصويت. لا يخجل هؤلاء السياسيون من تحويل بلدهم إلى جمهورية موز أخرى، أو إلى بلد من العالم الثالث، حيث ينجح الزعيم فيها دوماً بالنسبة التي يريد. ولا يختلف هؤلاء النوّاب عن النوّاب السوريين الذيم يهتفون في مجلس الشعب السوري “بالروح، بالدم، نفديك يا بشار”. ولا يختلفون عن ذلك النائب الذي هتف تحت القبة: “قلتها في حماة واليوم أن الوطن العربي قليل عليك وأنت لازم تقود العالم يا سيادة الرئيس”.

إنها الشعبوية في أسوأ أشكالها وأكثرها انحطاطاً. لا يوجد تعريف للشعبوية يصف بالتفصيل جميع الشعبويين. ذلك لأن الشعبوية أيديولوجية هشّة، تركّز فقط على جزءٍ صغيرٍ جداً من الأجندة السياسية”، من دون أن تتمتّع بنظرة شاملة لكيفية تنظيم السياسة والاقتصاد والمجتمع ككل، بل تدعو ببساطة إلى طرد المؤسسة السياسية باعتبارها “نخبوية”، ولكنها لا تحدّد ما الذي تريد أن تحل محلها. ولذلك تراها تقترن عادة بأيديولوجيات يسارية أو يمينية، مثل الاشتراكية أو القومية.

يقسّم الشعبويون المجتمع إلى مجموعتين متجانستين ومتعاديتين: الشعب الطاهر من جهة، والنخبة الفاسدة من جهة أخرى. وبينما تقوم الديمقراطية على التعدّدية السياسية، وتأخذ بالاعتبار وجود مجموعات مختلفة لها مصالح وقيم مختلفة، وجميعها شرعية، تجد الشعبوية، على النقيض من ذلك، ترفض التعدّدية ويتعاملون مع “الشعب”، باعتباره كلّاً موحداً، بغض الطرف عمّا يوحده.

رأينا ذلك في شعبوية جمال عبد الناصر والبعثيين في سورية والعراق، ورأيناه قبل ذلك في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. ثمّ رأيناها أخيراً في الولايات المتحدة في حكم الرئيس ترامب، الذي نجح في تقسيم الأميركيين إلى فئتين: نحن (الشعب) وهم (النخبة التي تريد سحب الأسلحة من الأفراد ودعم حق المرأة في الإجهاض وحماية المناخ وسيادة القانون وتأمين الرعاية الصحية والعليم للجميع مجاناً). وينظر الشعبويون إلى مهمتهم على أنها “أخلاقية في الأساس”. إن “التمييز بين النخبة والشعب لا يعتمد على مقدار الأموال التي لديك أو حتى نوع المنصب الذي لديك. إنها تستند إلى قيمك.

ونظراً إلى تأطيرهم الأخلاقي، يستنتج الشعبويون أنهم وحدهم يمثلون “الشعب”. قد لا يفوزون بنسبة 100% من الأصوات، لكنهم يطالبون بنسبة 100% من دعم “الأشخاص الطيبين” الذين يعملون بجد، واستغلتهم المؤسسة. ولكن الحال أن قيادة الشعبوية غالباً ما تكون انتهازية، وهي تستخدم المشاعر الدينية والاجتماعية لبعض المواطنين والتطرّف والعنصرية عند بعضهم الآخر من أجل تقديم مصالحها الشخصية الضيّقة. وفي معظم الأحوال، تغلق المشاعر الهوجاء والتعصّب الديني عيون هؤلاء عن رؤية الحقيقة. كما أغلقت عيون آخرين في أربعة أصقاع المعمورة.

وجماع القول أن الديمقراطية تخلّصت مؤقتاً من محاولة جديدة للاغتيال، ولا ندري متى تكون المحاولة المقبلة.

العربي الجديد

—————————-

فورين أفيرز: التأثير الإيراني في سوريا باق.. كيف ستتعامل معه إدارة بايدن؟

إبراهيم درويش

نشر موقع مجلة “فورين أفيرز” مقالا مشتركا للباحثين إليزابيث دينت من معهد الشرق الأوسط وأريان طبطبائي الزميل الباحث في جامعة كولومبيا قالا فيه إن “تأثير إيران في سوريا سيبقى” وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة أن تأخذ هذا بعين الاعتبار في خططها.

وأشارا لإعلان المسؤولين العراقيين في الأسبوع الماضي عن مقتل قائد في الحرس الثوري الإيراني في 29 تشرين الثاني/نوفمبر بعد دخوله سوريا من العراق مع شحنة من الأسلحة. وجاءت الأخبار بعد اغتيال محسن فخري زادة الذي اعتبر العقل المدبر وراء المشروع النووي الإيراني الأول قرب طهران. ورغم صمت إسرائيل على العملية إلا أن مخابراتها هي المشتبه الأول الذي نفذ العملية. وفي الوقت الذي سارع فيه المسؤولون الإيرانيون لاتهام الموساد الإسرائيلي باغتيال فخري زادة وتعهدوا بالانتقام له، رفضوا الاعتراف بمقتل قائد بارز في الحرس الثوري قرب الحدود العراقية- السورية بل حتى حدوث عملية من هذا النوع. وبعد يوم من جنازة فخري زادة التي بثت على التلفزيون الحكومي عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية عن سخرية من التقارير التي تحدثت عن مقتل قائد عسكري بارز في الحرس الثوري واعتبرها “دعاية إعلامية”.

ولدى إيران أسباب جيدة لإنكار مقتل قائد عسكري بارز، فهي دائما ما قللت من دورها في الحرب الأهلية السورية. وهي معنية بعدم لفت الانتباه إليها في وقت ركزت فيه التحليلات وآراء الخبراء عما يمكن أن تفعله ردا على مقتل فخري زادة وأثره على الاتفاقية النووية التي تعهدت إدارة جوزيف بايدن بالعودة إليها.

ولكن تورط إيران مع نظام بشار الأسد يعتبر خطرا على الاستقرار بالمنطقة، وربما تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران إلى درجة تجبر فيها إدارة بايدن على التدخل هناك. وظلت إسرائيل وعلى مدى السنوات الماضية تستهدف أرصدة إيرانية في سوريا. وزادت في الأشهر الأخيرة من غاراتها ضد أهداف إيرانية ثمينة بشكل يعكس التوتر الأمريكي- الإيراني.

وكشفت تقارير إعلامية أمريكية عن منح الرئيس دونالد ترامب وزير خارجيته المتشدد مايك بومبيو “صكا مفتوحا” للضغط على إيران طالما لم يؤد إلى “حرب عالمية ثالثة”. ولم يؤكد البيت الأبيض هذه التقارير لكنها غذت القلق الإيراني عن منح واشنطن الضوء الأخضر لأفعال إسرائيل بل وقيامها بالتحرك ضدها. وعبرت إدارة بادين عن تعهدها بمواجهة التأثير الإيراني في المنطقة. فالوجود هذا يؤثر على الاستقرار، ذلك أن طهران تدعم نظام الأسد الذي يقمع شعبه وتزود الجماعات من غير الدول في العراق وسوريا ولبنان بالسلاح والمال.

وحددت إدارة ترامب المشكلة وبدقة لكنها اتبعت سياسة شاملة أو لا شيء وبالغت من تقدير نفوذها على إيران. وأدى هذا النهج لتحصين وتوسيع التأثير الإيراني في سوريا. ومن أجل حرف مسار الموجة للاتجاه الآخر، على فريق بايدن العمل مع الشركاء بالمنطقة وأوروبا والاعتراف بأن إيران بالتأكيد ستمارس نوعا من التأثير الدائم في سوريا. ويظل النفوذ الأمريكي محدودا في سوريا لكنه يشمل على القوة الجوية في شمال- شرق سوريا والسيطرة على منابع النفط هناك بالإضافة لتخفيف العقوبات الذي تحتاجه كل من سوريا وإيران بشكل ملح. ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979 اتسمت العلاقات السورية- الإيرانية بالتقلب، ففي أثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980- 1988) كان نظام حافظ الأسد هو الوحيد بين الأنظمة العربية الذي دعم إيران ضد صدام حسين. وظل ابنه وخليفته بشار الأسد على علاقة موالية للجمهورية الإسلامية.

وعندما اندلعت الاضطرابات في 2011 قدمت طهران الدعم لدمشق. لكن ما اعتقدت طهران أنه دعم سريع سرعان ما تطور لحرب شاملة واضطرها لإرسال قوات من الحرس الثوري. ثم قامت وبشكل تدريجي بتعبئة جماعاتها الموالية لها من الميليشيات أو الجماعات من غير الدول. ومن الصعب تقدير عدد القوات الإيرانية والموالية لها الموجودة في سوريا نظرا لعدم توفر المعلومات. لكن عددا كبيرا منها غادر سوريا بعد تقوية الأسد سيطرته على معظم البلاد. وبقي القادة العسكريون البارزون من أجل مواصلة دعم المصالح الإيرانية والإشراف على العمليات المستمرة.

وتنظر إيران إلى سوريا كجزء مهم من “محور المقاومة” ونقطة عبور للسلاح والمساعدات لحزب الله في لبنان. وربما رغب الموالون للأسد بتأثير إيراني قليل والحصول على دعم من الدول السنية مثل السعودية، لكن إيران ترى في سوريا حيوية لبقائها وقوتها. وعلى مدى السنوات الأربع تبنت إدارة ترامب سياسة غير متماسكة أثرت على مصداقية الولايات المتحدة وخدمت إيران. وأعلنت واشنطن أكثر من مرة عن سحب قواتها أو تخفيض عددها في سوريا والتحلل من التزاماتها تجاه شركائها من قوات سوريا الديمقراطية في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وناقضت هذه الإعلانات خطاب ترامب المتشدد من إيران واقترحت أن مواجهتها ليست أولوية.

وعلى إدارة بايدن الاعتراف أن خياراتها في سوريا محدودة، لكنها تستطيع اتخاذ بعض الخطوات المباشرة، مثل السماح لقوات سوريا الديمقراطية التواصل مع نظام الأسد عبر الوسيط الروسي. وإذا كان هناك طرف في سوريا يعارض الوجود الإيراني فهي قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية والتي تصادمت مع الميليشيات الإيرانية في وادي الفرات وعانى سكان دير الزور والقامشلي من تصرفات الميليشيات الموالية لإيران. ولو تفاوضت قوات سوريا الديمقراطية مع الروس فإنها ستزيح هذه الميليشيات من المناطق التي تحاول الولايات المتحدة وغيرها تحقيق الاستقرار فيها. وتقضي السياسة الأمريكية الحالية بعدم التواصل مع نظام الأسد الوحشي، لكن هناك دولا عربية تحاول إعادة وضعية النظام بموافقة أو بدون موافقة أمريكية. فقد أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق قبل فترة، مثلما أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية قبل ذلك بعام. وربما أثرت إيران على الدور الخليجي والقنوات الخلفية التي فتحتها مع نظام دمشق. وأقامت أمريكا علاقات مع روسيا في سوريا، ويجب عليها والحالة هذه مواصلة التعاون طالما دعت المصلحة، مع الاعتراف أن قدرة روسيا واستعدادها لمواجهة إيران تظل محدودة.

وتحاول إيران وروسيا إعلان انتصار الأسد واستثماره، ويمكن للولايات المتحدة استخدام التباين بين طهران وموسكو في سوريا. ويمكن للولايات المتحدة الضغط على روسيا للمساعدة في إخراج الميليشيات من المناطق في وادي الفرات والقريبة جدا من إسرائيل. ومقابل ذلك يمكن أن تقدم واشنطن لموسكو محفزات مثل الانسحاب من مناطق ليست مهمة للوجود الأمريكي في سوريا ولكنها حيوية لإعادة سيطرة الأسد على البلاد، مثل قاعدة التنف.

وعلى الولايات المتحدة التعاون مع أنقرة وموسكو لحشر إيران. وواحد من خيارات التعاون هو حوار ثلاثي بشأن إدلب والجماعات المسلحة في آخر معاقل المعارضة السورية والتي يوجد فيها عناصر من تنظيم الدولة والقاعدة وجماعات العنف الأخرى. ولن يكون التعاون مع تركيا سهلا، خاصة أن العلاقات معها متدهورة وأظهر الرئيس أردوغان أنه قادر على استفزاز حروب في شرق سوريا وشمال أفريقيا. كما وتختلف روسيا وتركيا حول الجماعات التي يجب تصنيفها بالإرهابية. ومع ذلك يمكن للولايات المتحدة العمل ضد الخلايا الإرهابية وإدخال نفسها كلاعب مهم في المحادثات الدبلوماسية في المستقبل. ويجب استمرار تعاون الولايات المتحدة مع إسرائيل وضمان حريتها في إزاحة كل الخلايا الإرهابية القريبة من حدودها. وربما استخدمت علاقتها مع كل من روسيا وإسرائيل كنقطة انطلاق لمحاسبة موسكو على أي خرق لوعد من وعودها. وسترث إدارة بايدن ملفا معقدا للشرق الأوسط ليس بسبب التوتر بين إيران وإسرائيل في سوريا، بل لأن السياسة الأمريكية التي تحاول معالجة التأثير الإيراني في سوريا تبالغ بتأثير واشنطن وقدرتها على منع طهران من مواصلة دورها. وعلى الإدارة الحالية الاعتراف، على الأقل مؤقتا، أن إيران لن تغادر سوريا بشكل كامل أو تتخلى عن تأثيرها هناك. وسياسة تدريجية تعني محافظة الولايات المتحدة على تأثيرها وقدرتها على تخفيف التوترات وتقليل خسائرها.

القدس العربي

—————————–

هل اقتربت ضربة أميركية لإيران؟/ غازي دحمان

تعيش إيران، في هذه الأيام، حالة من القلق الاستراتيجي، لا تكفي استراتيجية “الصبر الاستراتيجي” التي تعتمدها القيادة الإيرانية للخروج من مأزق تصمّمه إدارة دونالد ترامب في أيامها الأخيرة، لوضعها على سكّة مآزق قد تكون طويلة الأمد، وقد تشكل نهاية لفعاليتها وأدوارها في المنطقة، وربما بداية النهاية لنظامها السياسي.

لم تكن عملية اغتيال المهندس محسن فخري زادة سوى خطوة على طريق صعب، يُراد لإيران السير عليه في قادم أيامها، حيث وضعتها عملية الاغتيال أمام خيارين سيئين: ابتلاع المهانة والصبر على الجراح إلى حين رحيل إدارة ترامب، أو الرد والمغامرة بإمكانية فتح حوار مع إدارة بايدن التي لم تخف تحمّسها لإعادة التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، بما يعنيه ذلك من رفع العقوبات الاقتصادية المنهكة عنها، وتفرّغها تالياً لصيانة حلقات نفوذها، وصولاً إلى إعلان المنطقة بين طهران وبيروت منطقة إيرانية خالصة.

مع أن الأيام الباقية من عمر إدارة ترامب قليلة بحسابات صانع القرار الإيراني، وقد لا تساوي عدد أيام حياكة سجّادة فارسية، إلا أن ترامب يمكنه فعل أشياء قد تجعل طهران تعيش تحت مظلة ارتداداتها الكارثية سنين طويلة، إذ تكفي أيام قليلة، لا تتجاوز أصابع اليد، لإحداث أضرارٍ ثقيلة وطويلة الأمد على إيران، بدليل التحشيد الهائل لأكثر أدوات التدمير الأميركية فعالية في المنطقة، من أساطيل وطائرات. وواضح أن إدارة ترامب لن تكتفي بمقدار الألم الذي سبّبته لطهران، بل هي ستستثمر استراتيجية إيران في “الصبر الاستراتيجي” إلى أبعد الحدود، وتكيل لها الضربات إثر الضربات، ما دام هذا الفعل يحقق لها أمرين على غاية الأهمية: ضمان إغراق إيران فترة طويلة في مصائبها، مع تعطيل أدوات فعاليتها في المنطقة، وهذا هدفٌ إسرائيلي لن يتوانى ترامب عن تقديمه هديةً لجماعات الضغط اليهودية في واشنطن، خصوصا أنه ينوي الترشّح للانتخابات الرئاسية 2024. إرباك إدارة بايدن، وإلزامها ضمن مسار واحد في تعاملها المستقبلي مع إيران، وهو المسار الذي رسمه ترامب، وإلا فإن بايدن، ومن خلفه الحزب الديمقراطي، سيظهران بمظهر من يفرّط بالمصالح الأمنية والاستراتيجية للولايات المتحدة.

ولكن إلى أي مدى تستطيع إيران الصبر، وما الضامن ألا يذهب ترامب إلى حد حرق أوراق إيران، عبر تدمير أصولها ومرتكزات قوتها؟ وما البديل عن سكوتها وصبرها؟ وماذا لو أن المؤسسات الأمنية والعسكرية الأميركية أعادت تقييم فعالية إيران، ووجدت أنها لم تعد تستحق التفاوض معها بعد المعطيات الجديدة التي أوجدتها ضربات ترامب قبل رحيله؟

يشكّل ترحيل الدبلوماسيين الأميركيين من العراق وإغلاق السفارة في المنطقة الخضراء مؤشّراً على نيات ترامب الذي يعرف، من خلال خبرة سنوات حواره العسكري مع إيران في العراق، أن السفارة والدبلوماسيين الأميركيين في بغداد كانوا دائما نقطة ضعف القوّة الأميركية تجاه إيران، إذ لطالما عملت المليشيات التابعة لإيران على استهداف السفارة الأميركية بعد كل عملية ضد المصالح والمليشيات الإيرانية في المنطقة. والآن ترامب يقول لإيران إنه يقلص خياراتها إلى أبعد الحدود، حيث يتزامن هذا الأمر مع احتمال انسحاب للقوات الأميركية من أفغانستان.

لا يبقى أمام إيران، في هذه الحالة، سوى خيارين سيئين: ضرب دول الخليج المتحالفة مع واشنطن، أو ضرب إسرائيل من خلال وكلائها في لبنان وسورية، والخياران ليسا أكثر من وصفة انتحارية، تدرك طهران حجم مخاطرهما عليها. وفي المقابل، تسعى إيران إلى تحويل المخاطر إلى فرص، من خلال تقديم نفسها لإدارة بايدن طرفا ملتزما ومنضبطا وخاضعا للقوانين والأعراف الدولية، وطرفا يستحق المشاركة في الترتيبات التي تريد إدارة ترامب صناعتها في المنطقة، كيف لا وهي قد حظيت بتعاطف أغلب دول العالم معها، الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا ودول عربية كثيرة شجبت عملية اغتيال زادة؟

تحاول إيران، قدر الإمكان، عبور هذه المرحلة الصعبة، إلى أن ينهي ترامب المتهور ولايته، لذا طلبت من جميع وكلائها الهدوء والتروّي، بل طلبت من قادة مليشيات تابعة لها، على ذمة مصادر عراقية، الاختباء، وأن يقللوا في المرحلة المقبلة من وجودهم العلني، تحسباً لحملة “قطع رأس” قد تطاولهم في آخر أيام الجنون الترامبي. ولكن، من غير المتوقع نفع هذه الترتيبات الإيرانية، أو قدرتها على ردع ترامب الذي يصغي جيداً، في هذه المرحلة، لقادة إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم أمام فرصة لن تتكرّر، وأن أي ضرر يلحقوه بالقوّة الإيرانية سيكون مكسباً مهماً، خصوصا أن أكلافه صفرية، في ظل إصرار إيران على نظرية “الصبر الاستراتيجي”.

في وقتٍ تتباهى فيه إيران بقدرتها على التحمّل والصبر في سعيها إلى تحقيق أهدافها، يبدو أن خصومها يريدون استثمار صبرها حتى آخر نقطة، وتدمير ركائز قوتها. وطالما أنه ليس لصبرها حدود، فإن طموحاتهم في إضعافها إلى أبعد الحدود ليس لها حدود أيضاً، وقد يتذرّع ترامب بأي ذريعةٍ لشن حرب على إيران، بدأت مؤشّراتها تتكاثر.

العربي الجديد

————————————

عن “الأميركي الهادئ” جو بايدن/ عبد اللطيف السعدون

لو لم نكن نعرف أن الروائي البريطاني، غراهام غرين، نشر روايته “الأميركي الهادئ” منتصف الخمسينيات، ولم يكن جو بايدن الصاعد إلى البيت الأبيض يومها قد تجاوز مرحلة الفتوة، لخامرنا شكٌّ في أن غرين حاول أن يستنطق حياة بايدن، وأن يضعها في قالب روائي من خلال شخصية بيل، رجل وكالة الاستخبارات الأميركية المعروف بهدوئه وتحفظه التي شكلت، مع شخصية المراسل الحربي فاولر، ثنائية البطولة في الرواية المذكورة التي كان ميدانها الهند الصينية أيام احتلال الفرنسيين لها.

كان بيل يرى أن أميركا تتحمّل مسؤولية تاريخية لنشر الديمقراطية هناك. ولذلك سعى إلى دعم مجموعة انشقت عن الجيش الفرنسي، تثير الاضطرابات وتنشر الفوضى، وتنفذ أعمال عنف بما يمكن أن يظهر الفرنسيين عاجزين عن مواجهة ما يحدث، وتفتح الطريق لأن يرثهم الأميركيون. وهناك من نظر إلى الرواية على أنها نبوءة سوداء بتورط أميركا في الحرب الفيتنامية بعد عقد، وإن كان غرين قد أنهى روايته على نحو لم يتوقعه القارئ، فقد قتل بيل على يد صديقه الصحافي فاولر، على خلفية علاقتهما العاطفية مع عشيقة مشتركة، وانتهى كل شيء.

يبدو لنا بايدن نسخة منقحة من “الأميركي الهادئ” الذي رسم غراهام غرين شخصيته، وكان صرّح غير مرة بأنه يريد عالما يقوم على القيم الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن على أميركا مسؤولية التبشير بهذا الهدف. وعلى الرغم من دعوته تلك، فقد أيد قرار غزو العراق وتبناه، بزعم أنه كان يريد الضغط على صدّام حسين وعزله دوليا، لكن الرئيس بوش استغل ذلك للذهاب إلى الحرب. وفي آخر مقارباته الانتخابية، قال إنه لا يريد أن ينطلق في سياسته الخارجية من “نموذج القوة العسكرية”، وإنما من “قوة النموذج الذي يعتمد على القيم الإنسانية”. وما يجمع بايدن وبيل أن كلا منهما رجل تسويات، وليس رجل مواجهات، ويريد تشكيل رؤية أميركا للعالم على أساس الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذه الرؤية لا تمنعهما من اعتماد القوة على قاعدة “الغاية تبرّر الوسيلة”، لكن هدم ما بناه ترامب يحتاج إلى أكثر من ولاية واحدة، وربما لا يطمح بايدن الثمانيني إلى أن يعيش أكثر من إكمال ولايته الحالية بسلام، وقد يظهر ترامب لينال ولايته الثانية بعد سنوات أربع، كل هذا يعني أن النزعة الترامبية الفظّة للاستحواذ على العالم ستظل ترافق حظوظنا!

ما الذي يمكن لبايدن إذن أن يفعله لنا؟ عراقيا، سيمضي في خطة الانسحاب العسكري، لكنه سيبقي على وجودٍ مؤثر وفاعل يضمن لبلاده تدفق النفط، ويتيح المجال للشركات الأميركية الاستثمار في العراق، والمشاركة الأساسية في خطط إعماره، وسوف تضغط واشنطن للتخفيف من الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي العراقي، ولن تجد إيران ضيرا في ذلك، لأن التوغل الإيراني في العراق عبر الصلة المذهبية والمرتكزات الديمغرافية التي صنعتها على مدى 17 عاما، لن تستطيع واشنطن كبحه، وهي ليست في وارد التعرّض له. وسيظل بايدن مصدر قلق لدى العراقيين الذين في ذاكرتهم خطة تقسيم بلادهم التي رسمها في حينه.

الإيرانيون، من جانبهم، سيجدون الفرصة سانحة لالتقاط أنفاسهم، ثم الانطلاق في مسيرة تجاوز الألغام التي زرعها ترامب، وبناء علاقة براغماتية مع واشنطن، وسيستثمرون العلاقة بين بايدن نفسه وشخصياتٍ نافذة في القرار السياسي الإيراني، منهم وزير الخارجية، جواد ظريف، الذي عرف بصلته الدافئة بالغرب، وعندما يتقدّم بايدن خطوة نحو إيران سيتقدم الإيرانيون خطوتين.

خليجيا، ليس في خطط بايدن ما كان يريده الخليجيون من ترامب، وهو غير مستعدٍّ للصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانهم، كما فعل سلفه، كما أنه لن يضع ثمنا لحماية حكامهم، لأنه مطمئنٌ إلى أن حصيلة ثرواتهم لن تحطّ، في النهاية، سوى في خزائن بلاده!

فلسطينيا، قد يعمد بايدن إلى تبني سياسة “تصالحية” مع الفلسطينيين، أبرز خطوطها معارضة التوسع الاستيطاني، وتقديم بعض المال لبعض المؤسسات الخدمية للسلطة الفلسطينية، لكنه سيظل الداعم الأول لإسرائيل، وستظل إسرائيل صاحبة الحظوة الأولى لدى واشنطن، وليس أمام الفلسطينيين سوى اللهاث وراء فتاتٍ مغموسةٍ بالدم، إذ لم تعد بيدهم أوراق كثيرة، بعد أن ارتفعت رايات التطبيع عربيا!

وبالمختصر المفيد، لا يبدو أن “الأميركي الهادئ” كتب في أجندته صفحةً منصفة للعرب على أي صعيد .. تلك حقيقة قد لا يرغب بعضهم في سماعها، لأنهم، كما يقول نيتشه، لا يريدون أن تتحطم أوهامهم!

العربي الجديد

——————————–

اصطفافات مرحلة بايدن/ مروان قبلان

حتى قبل استلام إدارته السلطة بشكل رسمي في العشرين من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني)، أخذت تداعيات فوز الرئيس المنتخب، جو بايدن، تظهر في العالم على شكل إعادة اصطفافات وتغير في سلوك الدول والحكومات. وعلى الرغم من أن التحول في المزاج الذي أحدثه فوز بايدن عالمي الطابع، أخذاً بالاعتبار موقع الولايات المتحدة ومكانتها قوة عظمى، إلا أن مظاهره تبدو أبرز في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، حيث تستمد الدول والحكومات الكثير من قدرتها على البقاء والاستمرار من عوامل خارجية، وتنضح من شرعياتٍ غير محلية. في الخليج، تسارعت خطوات طي صفحة الأزمة الخليجية، وإنهاء مظاهر حصار قطر استعداداً لتنصيب إدارة أميركية جديدة، بعد أن فشلت قبل ذلك كل الجهود التي بذلت خليجياً (الكويت) ودولياً لإنهائها منذ انطلاقها في يونيو/ حزيران 2017، علماً أن الأزمة نفسها بدأت بمتغير أميركي/ دولي، تمثل بوصول الرئيس ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، وأجّجتها العلاقة الشخصية التي بنتها دول المقاطعة، خصوصاً الإمارات والسعودية، معه ومع عائلته، تحديداً صهره جاريد كوشنر. ومن الملفت أن الكونغرس قرّر، هذا الأسبوع فقط، فتح تحقيق بشأن مزاعم عن ارتباط مواقف إدارة الرئيس ترامب من الأزمة الخليجية بمصالح مالية خاصة به وبصهره.

ولأن وصول ترامب إلى الحكم شكل حافزاً أساسياً لاندلاع الأزمة الخليجية، من الطبيعي أن يؤدي خروجه إلى حدوث تغيير في دينامياتها وصولاً إلى حلها، على الأقل بين قطر والسعودية التي تجد نفسها في وضع أكثر صعوبةً مع إدارة بايدن من بقية دول المنطقة. ليس هذا فحسب، بل يؤذن خروج ترامب بنشوء خلافاتٍ بين دول تحالف حصار قطر، وبروز اختلافٍ في استراتيجيات تعاملها مع متغير وصول إدارة جديدة أكثر تمسّكاً بتقاليد السياسة الخارجية الأميركية ومقاربة العمل المؤسساتي. ففي وقتٍ اختارت فيه الإمارات تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، والوصول بها إلى مرحلة التحالف لمواجهة تركيا وإيران، وحماية نفسها من التغيرات في السياسة الأميركية، وتأثيراتها المحتملة على علاقاتها الثنائية معها، تميل السعودية إلى حلٍّ خلافاتها مع قطر والتهدئة مع تركيا، التي تجد، هي الأخرى، نفسَها على طريق صدامٍ محتملٍ مع إدارة بايدن، أخذاً بالاعتبار تصريحات هذا الأخير المعادية لها خلال حملته الانتخابية، وفرض إدارة ترامب، في أيامها الأخيرة، عقوباتٍ على أنقرة، بسبب شراء منظومات صواريخ إس 400 الروسية وتشغيلها، وهو اتجاهٌ يرجّح أن يستمر ويتصاعد مع إدارة بايدن.

وفيما تتطيّر أنقرة والرياض من بايدن وسياساته، تسود أجواء أكثر تفاؤلاً في طهران، مع توقع عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، واحتمال رفع بعض العقوبات عن إيران، خصوصاً المتصلة بتصدير النفط. بدأت انعكاسات هذا الأمر تظهر على العلاقات التركية – الإيرانية، إذ يتوقع أن تتقلّص حاجة إيران إلى تركيا اقتصادياً، بعد أن كانت أنقرة تشكل رئةً لها خلال فترة الحصار الأميركي، خصوصاً أن واشنطن استمرّت في إعفائها من الحظر المفروض على استيراد الغاز الإيراني. ولا تُخفي طهران أيضاً غبطتها بقرب انتهاء فترة السماح التي منحتها واشنطن لتركيا في عهد ترامب، للعمل بحريةٍ في تعزيز وجودها وتثبيت مصالحها من القوقاز إلى ليبيا، مروراً بسورية وشرق المتوسط. يتوقع بناء عليه أن يتصاعد التوتر في العلاقات الإيرانية – التركية، كما حصل أخيراً في ردة فعل إيران الحادّة على بيتي شعر ألقاهما الرئيس أردوغان في احتفالات النصر ضد أرمينيا في أذربيجان، والذي عدّه نصراً له أيضاً، وردة فعل تركيا في المقابل على استدراج إيران رئيس فرع السويد “لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز” إلى إسطنبول واختطافه منها.

انفتاح السعودية على تركيا وابتعاد هذه عن إيران قد يؤدّي إلى خلخلة التحالف السعودي – الإماراتي، وقد لوحظ خلال الأسابيع الأخيرة تراجع الدعم السعودي للقوى الكردية الفاعلة في شمال شرق سورية، فيما تستمر الإمارات في الاستثمار فيها وسيلة لإغضاب تركيا ومحاصرتها. قد نشهد أيضاً برودة في علاقات السعودية بمصر، وتقارباً أكبر بين هذه وكل من الإمارات وفرنسا وإسرائيل في مواجهة تركيا. كل هذا وأكثر يحصل، ولمّا يستلم بايدن بعد مقاليد الحكم في واشنطن، فماذا لو استلم وذهب أبعد قليلاً مما نقدّره حتى الآن؟

—————————

خيارات بايدن لإخراج إيران من سوريا أو تقليص نفوذها

في مطلع الأسبوع الماضي أعلن مسؤولون عراقيون عن قيام غارة جوية باغتيال قائد في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني عند دخوله سوريا من العراق في 29 تشرين الثاني/نوفمبر حاملاً معه شحنة من الأسلحة.

وقد ظهرت تلك الأنباء بعد مرور أيام على اغتيال ضابط رفيع في الحرس الثوري وهو محسن فخري زاده الذي تعتبر وكالات الاستخبارات بأنه العقل المدبر لبرنامج الأسلحة النووية الخفي السابق في إيران، حيث تمت عملية الاغتيال بالقرب من طهران. وبالرغم من أن إسرائيل التزمت الصمت بشكل لافت، إلا أن شكوكاً كبيرة تدور حول مؤسستها الاستخبارية وبأنها وراء عمليتي الاغتيال هاتين.

وقد سارع المسؤولون الإيرانيون لاتهام إسرائيل باغتيال فخري زاده مع توعدهم بالثأر، غير أنهم رفضوا الاعتراف بوقوع هجوم على قوات الحرس الثوري بالقرب من الحدود العراقية-السورية، ناهيك عن ذلك الهجوم الذي قتل فيه القائد المهم.

وقالت “فورين أفيرز” الأميركية في تقرير ترجمه موقع “تلفزيون سوريا”، إن”لدى إيران سبباً وجيهاً يدفعها لتجنب لفت الأنظار تجاه نشاطاتها في سوريا، إذ لطالما قلّل النظام الإيراني من شأن دوره في ذلك النزاع. ولكن خلال الأيام الماضية، ركز محللون أميركيون بشكل كبير على الثأر لمقتل فخري زاده الذي توعدت به إيران، وهل يمكن لذلك أن يحبط آمال الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في إحياء الاتفاق النووي مع إيران”.

نفوذ محدود

على مدار بضع سنين، تعودت إسرائيل أن تقوم بين الفينة والأخرى بضرب مواقع إيرانية في سوريا. وخلال الأشهر القليلة الماضية، استهدفت إسرائيل مقاراً إيرانية رفيعة المستوى بضربات تسببت بتصعيد التوتر بين إيران والولايات المتحدة.

بايدن أشار إلى أن مجابهة الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا سيكون أولوية بالنسبة لإدارته. فطهران تواصل زعزعة استقرار المنطقة عبر دعمها للنظام في دمشق الذي يقمع شعبه بشكل وحشي، وكذلك عبر تهريبها للأسلحة والمعدات لحلفائها وشركائها الذين لا يمثلون الدولة في العراق ولبنان وسوريا.

وقد حددت إدارة ترامب المشكلة بشكل صحيح لكنها سعت وراء سياسة كل شيء أو لا شيء التي بالغت بإظهار نفوذ واشطن مقارنة بنفوذ طهران، بيد أن هذا النهج لم يتسبب إلا بترسيخ وتوسيخ نفوذ الجمهورية الإسلامية في سوريا. ولتغيير مسار الأمور نحو الوجهة الأخرى، يحتاج فريق السياسة الخارجية لدى بايدن، بحسب “فورين أفيرز”، أن يتعاون مع الشركاء في المنطقة وفي أوروبا كما لابد له من الاعتراف بأن إيران ستحافظ بكل تأكيد على نفوذ لها في سوريا ضمن حدود معينة.

إيران وسوريا

عندما بدأت الثورة في سوريا في عام 2011، قدمت إيران لنظام الأسد يد العون لقمعها. إلا أن ما ظنته إيران حملة سريعة في بداية الأمر سرعان ما تحول إلى تدخل عسكري شامل تورط فيه -مع وصول النزاع لذروته -عناصر من الحرس الثوري الإيراني بالإضافة إلى قوات الجيش الإيراني التقليدية.

وتعتبر إيران سوريا الجزء الحساس من محور المقاومة التابع لها، كما أنها طريق مهم لتوريد السلاح والعتاد لحزب الله. ولهذا فإن الحكومة التي ستأتي بعد الأسد قد لا يعجبها النفوذ الإيراني، كونها قد تعتمد في تركيبتها على عناصر أكثر من السنّة، ولهذا يمكن أن تتحالف مع منافسي إيران في المنطقة وعلى رأسهم السعودية. إذ بوجود عدد قليل من الحلفاء في المنطقة، تعتبر إيران وجود حكومة صديقة لها في سوريا جزءاً أساسياً من بقائها وقوتها.

الاستعانة بكل القنوات

على مدى السنوات الأربع الماضية، سعت إدارة ترامب لتطبيق سياسة غير متماسكة حيال سوريا أضرت بصدقيّتها وكل ذلك صبّ في مصلحة إيران. إذ أعلنت الولايات المتحدة مرات عديدة عن سحب الجنود وتقليل عددهم، كما استهانت بالتزاماتها تجاه قوات سوريا الديمقراطية (قسد). هذه القرارات وغيرها التي اتخذت حيال سوريا أتت مناقضة لخطاب ترامب المتشدد وأعطت انطباعاً بأن الوقوف في وجه إيران هناك لم يكن أولوية بالنسبة للرئيس.

وترى “فورين أفيرز” أنه يتعين على إدارة بايدن المقبلة أن تتقبل فكرة محدودية خياراتها لمحاربة النفوذ الإيراني في سوريا، إلا أنه ما يزال بوسعها أن تتخذ بعض الخطوات الفورية، فمثلاً، تخضع قوات سوريا الديمقراطية حالياً لأوامر قاطعة صدرت عن واشنطن لمنعها من مخاطبة النظام. ولهذا يجب على الإدارة الجديدة أن تزيل تلك العقبة وأن تسمح بحالة تشارك أكبر بين قسد وروسيا بوصفها وسيطاً. إذ لو كان هنالك عنصر إقليمي فاعل واحد يقف ضد النفوذ الإيراني في سوريا بشدة فلا بد أن يكون قسد.

وتقوم السياسة الأميركية الحالية على رفض تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، إلا أن الكثير من الدول العربية سعت لإحياء علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، بمباركة أميركية أو بدونها. إذ قامت عُمان مؤخراً بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وقبلها بسنة أعادت الإمارات فتح سفارتها هناك. ولهذا بوسع الولايات المتحدة أن تحاول التأثير على تلك المفاوضات عبر الدول الخليجية التي ستشارك فيها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها ستسامح تلك الدول على فتح قنوات خلفية مع النظام السوري، بحسب المجلة.

ولقد حافظت الولايات المتحدة على قناة دبلوماسية مع روسيا في ما يخص سوريا، وفي الوقت الذي ستعترف فيه الولايات المتحدة بنفوذ روسي محدود وبمشاركة إيران، يتعين عليها أيضاً أن تواصل تعاونها مع روسيا حيث تلتقي مصالح الدولتين. إلا أن كلاً من موسكو وطهران تسعيان لإعلان انتصار الأسد والاستثمار في ذلك، وهنا يجب على الولايات المتحدة أن تستفيد من الهوة التي يزداد اتساعها بين روسيا وإيران.

كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعاون مع أنقرة وموسكو لإبعاد طهران، ومن الاحتمالات المطروحة في هذا السياق إجراء مباحثات ثلاثية حول الخلايا الإرهابية في إدلب. وهذه المهمة لن تكون سهلة، وذلك لأن العلاقات الأميركية-التركية قد ساءت، كما أن موسكو وأنقرة تختلفان بشكل جوهري على الجماعات التي يمكن أن توصف بأنها إرهابية.

وكذلك على الولايات المتحدة أن تواصل العمل عن كثب مع إسرائيل لضمان حرية إسرائيل بالقضاء على الأخطار التي تقترب من حدودها مع سوريا، إلى جانب ضمان وجود مصلحة لها في أي مفاوضات ستجري حول إيران والجهات المرتبطة بها، بحسب “فورين أفيرز”.

وأخيراً يمكن القول بإن إدارة بايدن سترث ملفاً معقداً بالنسبة للشرق الأوسط، ولا يعود ذلك فقط للتوتر بين إيران وإسرائيل، بل أيضاً لوجود سوريا ضمن هذا الملف. إذ تبالغ السياسة الأميركية الحالية التي تقف في وجه الدور الإيراني في سوريا في تقدير نفوذ الولايات المتحدة وقدرتها على دحر إيران من سوريا. ولهذا يجب على الإدارة الأميركية الجديدة أن تتقبل حالياً فكرة عدم رحيل إيران عن سوريا بشكل كامل، وعدم تخليها عن نفوذها في سوريا تماماً. إلا أن اتباع سياسة واقعية متدرجة في سوريا لا بد أن يساعد الولايات المتحدة على تخفيف الضغوط والتقليل من خسائرها.

المدن

——————————

=====================

تحديث 21 كانون الأول 2020

—————————–

أميركا..فرص القيادة العالمية/ أحمد جابر

كتب زبيغنيو بريجنسكي كتابه “الفرصة الثانية” – ترجمة دار الكتاب العربي في بيروت – قبل الانتخابات الأميركية الحالية بإعوام، وحاول استشراف مستقبل دور بلاده، من خلال مناقشة السمات البارزة التي طبعت عهود ثلاثة رؤساء سابقين، فدمج بين الوقائع العالمية التي واجهت صانعي القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وبين طرائق الاستجابة لهذه الوقائع، ثم أدلى بدلوه في أداء أولئك الرؤساء الثلاثة الذين قادوا البلاد في تلك الأعوام الحرجة، بدءاً من جورج بوش الأب الى بيل كلينتون، وصولاً الى الرئيس، جورج بوش الابن… ليخلص في النهاية، الى ما يجب ان تكون عليه أميركا في عهد الرئيس الجديد.

يخترق تحليل بريجنسكي هاجساً ثقيلاً، هو الخيط الناظم لأوصال “الفرصة الثانية”، هذا السؤال هو: هل تمارس الولايات المتحدة الأميركية مسؤولياتها القيادية العالمية؟ للإضاءة على الإجابة المحتملة، وقبل الدخول في استعراض تجربة الرؤساء الأميركيين الثلاثة، يشير بريجنسكي الى ثلاثة مهمات مركزية، يجب النجاح فيها، لانتداب النفس لمهمات القيادة العالمية. المهمة الأولى، هي “إدارة علاقات القوة المركزية في عالم متغير… لنمو نظام عالمي أكثر تعاوناً، والثانية، احتواء النزاعات وإنهاؤها، بديلاً من انتشارها، والثالثة، التعامل مع تزايد انعدام المساواة في الشروط الإنسانية، لصياغة رد مشترك على ما يهدد خير البشرية…”… قاعدة هذه المهمات الثلاث، صيانة “الأمن القومي للشعب الأميركي”، الذي يشكل بدوره، قاعدة احتضان الخيارات السياسية الخارجية، فيزيد من فرص إنجاحها، أو يضع العراقيل “الأنانية” الداخلية، في وجهها، فيمنع إنفاذها. يطل بريجنسكي من هذه النقطة على واقع الاجتماع الأميركي الذي يجده ناقص المعرفة والاطلاع… على هذا الصعيد يقع في باب الصدمة ان تشير دراسة في العام 2002 الى ان “85 في المئة من الشبان لم يتمكنوا من تحديد العراق وأفغانستان على الخريطة، و60 في المئة منهم لم يستطيعوا العثور على بريطانيا، و29 في المئة من المستطلعين، لم يفلحوا في الإشارة الى المحيط الأطلسي…”. هذا الجهل بالعالم، يشكل سبباً مانعاً أساسياً أمام مشاطرة الرأي العام الأميركي، بقية العالم همومه، في ما يتجاوز، جوهرياً، ثقافة المواطن الأميركي العادي، التي تكاد تكون محصورة بين أرقام البورصة، ومعدلات سلة الاستهلاك وأنماطه. يقترب بريجنسكي هنا، من الجهر بالقول، أن لا ثقافة “عابرة” تقلق المواطن الأميركي على صعيد خاص، لذلك يجد الكاتب نفسه مدفوعاً الى التعميم بالسؤال: “ما الهدف الكبير لمواطن الغرب اليوم؟” وعلى هذا التساؤل يبني تساؤلاً آخر “ما الدافع الأخلاقي الذي يرشد السياسات، وهو محفوز بالشواغل الإنسانية؟”… هذا ليخرج بعلامة استفهام، مصاغة في قالب تحذيري مستقبلي، تطرح تشكيكاً في “إمكانية بقاء ثقافة ما، طويلاً، اذا ظلت هذه الثقافة بلا بوصلة أخلاقية”. من المؤكد ان بريجنسكي يستقي خلاصاته من واقع العالم المتغير، لذلك يرى الحاجة ماسة الى “وجهات نظر جديدة تحل مكان الفرضيات المتقادمة، حول السلوك الأميركي”… هذا الجديد الذي يرغب به الكاتب، يقيسه على “الأدوات المفترضة لقيادة العالم”، وهو يسأل بإلحاح في هذا المجال: “هل تمتلك أميركا أدوات القيادة العالمية حقاً؟”… يعتقد مستشار الأمن القومي السابق، ان “ثلاثة رؤساء أميركيين كانت لهم فرصهم للإجابة عن هذا السؤال، من خلال الخيارات السياسية، وليس من خلال التجريد الفلسفي”… لكن كيف تعامل كل من هؤلاء القادة مع تحدي القيادة العالمية لبلاده؟ أين أخفق، وأين اصاب نجاحاً؟ وما الشعار المركزي الذي قاد رؤية كل رئيس على حدة؟

يبدأ بريجنسكي مع جورج بوش الأب بالقول: إنه كان رئيساً ذا خبرة واسعة في الشؤون الدولية، لكنه كان بلا رؤية جريئة في لحظة غير عادية. لقد قطف بوش هذا، ثمار انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه، وأخذ عن آخر رئيس لهذا الاتحاد، غورباتشوف، كلامه حول الحاجة الى إقامة نظام عالمي جديد… لكن ما أقدم عليه من خطى لاحقة، وما مارسه من سياسات، جعل كل إنجازاته ناقصة… عليه أدار “بوش الأزمات، ولم يقدم رؤية استراتيجية هادية مرتبطة بأهداف نهائية واضحة، وذات اتجاه مستقبلي محدد المعالم…”. لقد أخفق الرئيس الأميركي هنا، في “تحويل روسيا” بعد تفكك المنظومة الشيوعية، واهتم كثيراً بتعزيز “المركز القوي لموسكو”، منعاً لمرافقة الاضطراب “للتفكك السوفياتي”، أما التقاطه لإشارات المخزون القومي والعاطفي للدول المشكلة للاتحاد السوفياتي السابق، فقد ظل ضعيفاً. لقد بدا انه مقتنع، لوهلة، “بتكون هوية سوفياتية جامعة”، ما جعله متردداً في ملاقاة “التوق الأوكراني الى الاستقلال…” هذا على سبيل المثال. وأما المساعدات الضخمة، التي أغدقت على روسيا، فلم تربط ببرنامج “للنهوض الإصلاحي”… مما بدا معه، ان “التخطيط ظل غير كافٍ”، للانتصار غير المتوقع الذي أحدثه الانهيار السوفياتي، بهذا المعنى ظل النصر الأميركي ناقصاً على جبهة الثنائية القطبية التي زالت بزوال احد قطبيها.

الإخفاق الثاني الذي جناه بوش الأب كان في العراق، حيث تمخض النصر العسكري الحاسم على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، عن قصور سياسي، ببقاء المسؤول العراقي الأول في سدة رئاسته. وإلى هذين الإخفاقين، أضيف إخفاق العجز عن تحقيق اختراق في عملية السلام في الشرق الأوسط، من خلال الضغط لفرض تسوية مقبولة، تتمتع بالحد المعقول من “الواقعية السياسية”، التي تجعلها قابلة للحياة، لدى العرب والفلسطينيين وإسرائيل. لقد رافقت رئاسة جورج بوش الأول آمال عريضة، خصوصاً بعد عقد مؤتمر مدريد، لكن تبين ان القيود التي تكبل السياسة الأميركية حيال اسرائيل، ليست خارجية، بقدر ما هي خيارات داخلية، ومن ثم خارجية، تتعلق بموقع اسرائيل في قلب “المنظومة الفكرية والسياسية والأخلاقية… والاستراتيجية” الأميركية، اكثر مما تتعلق بأي امر خارجي آخر… هذا ما سيشكل “قيداً” على الرئيسين اللاحقين، وفي الوقت نفسه، يلقي ضوءاً، حسياً، على جدل العلاقة الأميركية-الإسرائيلية.

مع الرئيس بيل كلينتون، تقدم شعار العولمة، الى منطقة الصدارة، فالعولمة عنده، “مكافئ اقتصادي لقوة طبيعية مثل الرياح والماء…” وعلى “كونية العولمة”، يصير لزاماً على “اميركا ان تجدد نفسها لتكون الأمة التي لا يستغني عنها العالم…”، اما في ما يتجاوز ذلك، فقد رأى كلينتون، ان “السياسة الخارجية، هي امتداد للداخل” لذلك فإن “العولمة صيغة ملائمة للدمج بين الصعيدين”. لقد تراجع هم السياسة الخارجية، كهم رئاسي أول، في عهد كلينتون، وبدا ان مداولات السياسة هذه اشبه “باجتماع لتناول القهوة وتبادل الحديث”، خصوصاً في الحقبة الرئاسية الأولى… إلا ان الداخل الأميركي، لم يستجب تماماً “للثمن المطلوب للقيادة العالمية، والمتمثل في درجة من نكران الذات” كذلك، فإن العالم الأوسع “كان أقل لطفاً مما تنطوي عليه افكار كلينتون عن الحتمية البهيجة للعولمة… التي يدفع منطقها الصلب التاريخ، نحو آثار حميدة”.

لقد توافرت، بحسب بريجنسكي، لكلينتون ثلاث فرص مهمة بعد انهيار السوفيات، هي: الحد من سباق التسلح من خلال مبادرات متعددة مع روسيا، واختفاء الثنائية القطبية لمصلحة نظام عالمي أوسع، وإمكانية نشوء أوروبا موسعة، لها دور القلب المنشط، سياسياً واقتصادياً، للتعاون العالمي المسؤول… لقد بدا لاحقاً ان اهم منجزات كلينتون أثراً، كامن في توسيع حلف شمال الأطلسي ليضم بلداناً أخرى خرجت من فلك “الظاهرة السوفياتية” المنهارة. لقد رمز توسيع الحلف، وما شهدته أوروبا من خطوات نحو “اتحادها” الى ذروة دور ايجابي للغرب في الشؤون العالمية، لكن كل ذلك لم يكن كافياً “لتنفيذ جدول عالمي بنّاء منسجم مع رؤية كلينتون عن العولمة، فتقاعس عن مساندة جهد “العالم” حول قضية “الاحترار العالمي” مثلما تردد في التورط في النزاعات التي اندلعت في اكثر من مكان مبدياً على سبيل المثال، لا مبالاة حيال حرب الشيشان، وعدم تقدير لانبعاث النزعة القومية الروسية… اما في الملفات الأخرى الخارجية، فقد رعى كلينتون مراوحة في العراق، وانسداداً في ميدان العلاقات مع إيران، ولم يحقق اختراقات في الميدان الصعب، ميدان العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، بل ان الأمر انتهى من “سياسة الالتزام، غير المنحاز بالتسوية، الى تأييد للرؤية الإسرائيلية” واقتراحاتها حول الحلول الممكنة والمقبولة، إسرائيلياً، لمعضلة الصراع التاريخي في المنطقة. لقد توصل بريجنسكي، في ختام عرضه لحقبة كلينتون الرئاسية، الى خلاصة مفادها: ان ميراث كلينتون غير حاسم، ويفتقر الى المنعة، لذلك فهو لم يترك بصمة تاريخية كبيرة، وتغلبت عيوبه وحتميته وحدود استجابة الداخل الاميركي على نواياه.

يقدم بريجنسكي لولاية بوش الابن، بالتعبير: إنها قيادة كارثية، تحكمها سياسة الخوف. لقد ترافق حكم بوش، مع تبلور رؤى المحافظين الجدد، وتكرّس نفوذ هؤلاء خصوصاً بعد الهجمات التي ضربت اميركا في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. صارت الحرب على الإرهاب، ومفهوم الجبهة المركزية ضده، مؤشراً على سياسة بوش واستراتيجيته. حمل شعار مطاردة الإرهاب، محتوى استراتيجياً عكس معادلة مثلثة الأضلاع: مسألة السيطرة على الخليج، وتعزيز أمن إسرائيل، والقضاء على العراق، في سبيل تحقيق ذلك. كان من شأن اجتياح أفغانستان والنجاح فيها، ان يصيبا فريق بوش “الاستراتيجي” بالغرور، فلم يتردد هؤلاء في القول: “إنهم سيصنعون التاريخ ويتركون للآخرين دراسة ما يقومون هم به”. النتيجة “الأولية” لعقيدة سياسية كهذه، تمثلت في تراجع التضامن الدولي مع أميركا، على غرار ما توافر لها ايام بوش الأب، مثلما ادى مسلكها القتالي المتعالي الى استنزافها، والى استثارة العداوات ضدها، في اكثر من مكان. لقد أخطأ بوش الابن عندما أصمّ سمعه، وقسم العالم قسمة “مانوية”، واعتبر أحداث الحادي عشر من ايلول “تجلياً شخصياً يلامس الرسالة الإلهية”.

لقد انعزلت اميركا في العراق، وتراجع بوش عن تعهده بإقامة دولة فلسطينية، وتواطأ مع اسرائيل على تدمير المبادرة العربية للسلام، التي أقرها اجتماع القادة العرب في بيروت، وتصاعد النزاع مع إيران، وحدثت شروخ في العلاقة مع اوروبا، ولم تستقر الحال مع روسيا والصين. لقد أخطأ بوش عندما استمع الى مقولات المحافظين الجدد الذين اعتبروا ان “الإرهاب في الشرق الأوسط عدمي وغير مرتبط بنزاعات سياسية أو تاريخ… وأن ثقافة العرب تحترم القوة… وأن الديموقراطية تفرض من الخارج، على الآخرين”. لقد أدخلت هذه الأفكار اميركا في “مستنقع البلقان العالمي”، الممتد من السويس في مصر الى كسنجيانغ في الصين، دخولاً يصعب الخروج منه. يقدر الكاتب، ان الفشل في العراق، كان له فضل وحيد: دفن أـحلام المحافظين الجدد، أما ابعد من ذلك، فإنه أضر بموقف أميركا في أوروبا والشرق الأقصى، مما يجعل الأمر مفتوحاً على تداعيات سياسية كثيرة.

كاستخلاص يرى بريجنسكي، ان النفور العالمي من اميركا تصاعد، كذلك الشكوك بقيادة بوش، وان الخوف الشعبي أذكاه الأداء الرسمي، مما حول الأميركيين “الى أمة يدفعها الخوف” بديلاً من الثقة القومية، ومع هذا وذاك، برز احتقار عالمي للسياسة الأميركية وخوف منها، مما اضر بموقعها وعرّضها للخطر!

اذا كانت هذه هي اللوحة مع الرؤساء الثلاثة، الذين لم يستجيبوا لشروط القيادة الأميركية للعالم، فما هو المطلوب ممن سيخلف أولئك الرؤساء، وسياساتهم؟ يرى بريجنسكي، ان “مهمة أميركا هي ان تجسد للعالم فكرة حان وقتها” ويجد ان ذلك متضمن في السعي “وراء الكرامة الإنسانية الشاملة التي تجسد الحرية والديمقراطية، وتحترم التنوع الثقافي وتقر بوجوب معالجة المظالم الإنسانية”.

وفي اعتقاد الكاتب، ان “الكرامة هي التحدي المركزي المصاحب لظاهرة اليقظة السياسية” التي تعم العالم اليوم، وهي أي اليقظة، متآلفة مع “التكنولوجيا مما يسرّع التاريخ السياسي…”. من إشارات “اليقظة” هذه ان عصر الامبراطوريات-التقليدية انتهى، وأن السيطرة الخرقاء لدولة واحدة لا تدوم تاريخياً. يقرر بريجنسكي، انه مطلوب استغلال “الفرصة الثانية” من قبل أميركا التي لا غنى عنها للعالم، فهي المرشحة للقيادة العالمية، وبديلها الفوضى، لكن في الطريق الى الإمساك بالفرصة هناك عوائق “الفرضيات الأميركية” الخاصة، والنموذج الاجتماعي القائم، والإصرار على ممارسة مسلك إمبريالي، في ظل “نهاية عصر الامبريالية” فهل سينجح الرئيس الجديد في تخطي هذه العوائق؟!.

المدن

—————————-

خامنئي والتفاوض مع واشنطن: الأمر لي/ حسن فحص

لا شك ان الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب سيغادر البيت الأبيض في قلبه حسرة كبيرة، فالاوقات التي أمضاها إلى جانب هاتفه في المكتب البيضاوي بانتظار رنينه وسماع الطرف الآخر يتحدث باللغة الفارسية او بالانكليزية بلكنة فارسية لم تتحقق. وستزداد حسرته أكثر عند استماعه لتصريحات الرئيس الجديد جو بايدن وأعضاء فريقه ومنهم وزير الخارجية المقترح جيك سوليفان يكررون على مسامع العالم عن نية واشنطن العودة الى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، وكل العقوبات والحصار الاقتصادي الذي فرضه على النظام الإيراني وكل الاستهدافات التي قام بها مباشرة لرأس مشروعها الاقليمي او تلك التي لم يعترض عليها باستهداف رأس مشروعها النووي باتت في مهب رياح قرار العودة لبايدن.

يمكن القول ان الرئيس الاسبق باراك اوباما، بجهد ذاتي او بفعل فريق من المستشارين يعرفون كنه التركيبة الايرانية ونظامها، كان الرئيس الأمريكي الأقدر على فهم الحساسيات الايرانية. بالتزامن مع دخوله الى البيت الابيض 2008 وضع النظام الإيراني أمام واحد من خيارين، إما التفاوض وأما العقوبات، ولتأكيد جديته في هذين المسارين، عمد إلى إلغاء كل الشروط المسبقة التي سبق ان وضعها سلفه جورج دبليو بوش امام الايراني، وبالتالي استطاع إسقاط الذرائع المحورية التي بني عليها الموقف الايراني المتشدد والمتصلب من التفاوض مع واشنطن.

ولعل الخطوة الرئيسة التي قام بها اوباما وشكلت الضمانة الحقيقية لنجاح مشروعه في جر ايران لطاولة التفاوض، كانت الرسائل التي وجهها بشكل غير معلن واكثرها عبر الوسيط العماني الى القيادة الايرانية وشخص المرشد الاعلى بالذات، واضعاً رهانه على انجاح المسار التفاوضي بقدرته على اقناع المرشد الاعلى الذي يمتلك القدرة على تمرير وتسويغ هذا القرار الاستراتيجية وكسر المحرمات الايديولوجية بعد ان كانت تقوم في السابق بناء على القاعدة الشرعية والفقهية التي تقول “الضرورات تبيح المحظورات”، الامر الذي يرفع احتمال التوصل الى نقاط مشتركة، ويساعد في التوصل الى تفاهم جدي حول النشاط النووي يؤسس لعلاقة متوازنة بين الطرفين في المستقبل.

ما بين حنكة اوباما في دفع ايران للدخول في المسار التفاوضي، واستعراضية ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو في رفع مستوى التحدي للنظام الايراني بشروط عالية السقوف من دون تقديم اي تعويض، دفعت النظام وقيادته للانسحاب والتمترس خلف جدران انعدام الثقة والتمسك بالتشكيك بالنوايا الامريكية التي لا تقف عند حدود المعلن، بل تمتد الى تهديد اساس النظام واستقراره واستمراره داخليا وامتداداته اقليميا.

استعراضية ترمب لم تنجح ايضا في سياسة الرسائل االتي اعتمدها مع القيادة الايرانية، ولعل الكلام الذي سمعه رئيس الوزراء الياباني خلال زيارته لطهران بمهمة امريكية وحمل فيها رسالة ترامب الى المرشد، شكل نقطة فاصلة في موقف طهران من هذه العراضة الترمبية، عندما رفض خامنئي استلام الرسالة انطلاقا من عدم وجود مسائل ذات اهتمام مشترك بين ايران والادارة الامريكية، والمُرسل ليس بذي شأن يدفعه لتلقي رسالته واستلامها، ناهيك عن قراءتها والرد عليها. وكذلك فعل خامنئي في كبح رغبة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لترتيب لقاء بين روحاني وترامب على هامش قمة اوساكا، وكبح ايضا اندفاعة وزير الخارجية محمد جواد ظريف لاحداث خرق في جدار التوتر مع واشنطن بجهود فرنسية ايضا على هامش قمة السبع التي عقدت في مدينة بياريتس الفرنسية.

امساك المرشد بمفاتيح القرار على رأس النظام والسلطة، خاصة ما يتعلق بالملفات ذات التأثير الجيوسياسي والجيو استراتيجي ومنها البرنامج النووي والتفاوض مع جهة خارجية دولية او اقليمية، واصرار روحاني وفريقه على دفع الامور لإحداث خرق في الموقف المتشدد للمرشد، انتهت الى تعطيل وشل السلطة التنفيذية ودور روحاني وفريقه في قيادة عملية التفاوض وما يمكن ان ينتج عنها من آليات تخرج ايران من الازمات التي تعانيها جراء مضاعفات العقوبات الامريكية والتي تحولت الى دولية غير معلنة. وجعلت هذه السلطة عرضة للهجوم والمحاصرة من جميع اركان النظام والمعسكر المحافظ، الى الحد الذي أُزيحت عن الواجهة وغُيب دورها في معالجة الازمات التي شهدتها ايران من سيول وفيضانات وكورونا لصالح مؤسسة حرس الثورة العسكرية التي ظهرت وكأنها الجهة التي تتحمل عبء سد الفراغ الناتج عن غياب المعالجات الحكومية الجدية، فضلا عن إتهامها (للحكومة) بالتركيز فقط على موضوع التفاوض مع واشنطن كخشبة خلاص لايران ونجاة النظام.

الليونة “الحسنية” ( نسبة الى صلح الامام الثاني لدى الشيعة الحسن بن علي بن ابي طالب مع معاوية بن ابي سفيان) التي ظهرت في مواقف المرشد في الاسبوع الفائت، ان كان في موضوع تمديد او اعادة النظر في النقاشات حول معاهدة FATF المتعلقة بمكافحة تمويل الارهاب وغسيل الاموال، او في الموقف الذي أعلنه عن امكانية الذهاب الى خيار التفاوض بهدف إلغاء العقوبات شرط التركيز على جهود ابطال مفاعيلها داخليا، تعتبر نقلة نوعية في مواقف المرشد المتشددة في هاتين المسألتين، خصوصا وان تعطيل اقرار بنود المعاهدة المالية لإخراج ايران عن اللوائح السوداء للتعامل المالي و إقرار البرلمان لقانون “الخطوة الاستراتيجية لإلغاء العقوبات” لم تكن لتحصل من دون موافقته، وهما مسألتان ضربتا مصداقية موقع روحاني على الصعيد الدولي واظهرته وكأنه يغرد خارج سرب النظام. الامر الذي يدفع الى الاعتقاد بان هذا التحول لدى المرشد لم يأت نتيجة الواقع الاقتصادي الذي يقف على حافة الانهيار، من دون التقليل من اهمية هذا العامل في خلفية هذا التغيير، بل يأتي من المتغير الحاصل في الادارة الامريكية ووصول الرئيس الجديد جو بايدن الى البيت الابيض، وما يدور من حديث عن مفاوضات خلف الكواليس جرت مع فريق بايدن لادارة الملفات الخارجية. وبالتالي فانه اوصل رسالة واضحة لكل الاطراف الداخلية بان التلهي بالصراعات والنزاعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لا يصب في مصلحة النظام والحري بهم الحوار بين بعضهم لحل الخلافات في وقت يسعون للحوار مع الخارج، لان القرار في الحوار مع الخارج لا يدخل في دائرة صلاحياتهما او صلاحية اي جهة اخرى في النظام، وهي فقط من اختصاص المرشد الذي لم يتردد في التأكيد لهم بأن “الامر لي”.

المدن

—————————–

لماذا لا يستطيع بايدن نبذ الرياض؟

ترجمة – Foreign Policy

إذا ما أصرّت إدارة بايدن على التعامل مع السعوديّة باعتبارها دولة منبوذة، فمن غير المرجّح أن يتغيّر سلوك المملكة نحو الأفضل.

تباطأ وليّ العهد السعوديّ، الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يهنِّئ الرئيس الأميركيّ المنتخب، جو بايدن، على فوزه بالانتخابات الأخيرة. لم يكن هذا من قَبيل المصادفة، فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، قاد وليّ العهد حملةَ قصف في اليمن باءت بالفشل، وربّما أفلتَ من جريمة قتل من دون عقاب، وبدأ برنامجاً سرّيّاً بالتعاون مع الصين لمعالجة اليورانيوم. كلُّ ذلك سيدفع قريباً الأعضاء التقدميّين في “كتلة الحزب الديمقراطيّ الأميركيّ” في الكونغرس إلى حثِّ بايدن على التخلّي عن التحالف الأميركيّ مع المملكة العربيّة السعوديّة، ولكن على بايدن أن يقاوم هذه الدعوات، فالتخلّي عن الحلفاء نادراً ما يدفعهم إلى تغيير سلوكهم نحو الأفضل. بل يتعيّن على بايدن بدلاً من ذلك أن يُشكّل ائتلافاً من الحلفاء الغربيّين ودول الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة، ما يعطي الولايات المتّحدة مزيداً من النفوذ لمنع المملكة من حيازة الأسلحة النوويّة وانتهاك حقوق الإنسان.

الدول التي تعتبرها الولايات المتّحدة منبوذة -على غرار سوريا وإيران وكوريا الشماليّة وكوبا- تُعَدّ من بين أسوأ الدول على وجه الأرض في مجال حقوق الإنسان . لذا فإنّ اعتبار تلك الدول منبوذةً لم يغيِّر من سلوكها، ومن المتوقّع أيضاً ألّا يغيِّر ذلك من سلوك السعوديّة.

يبدو أنّ أعضاء الكونغرس الجمهوريّين والديموقراطيّين، على حدٍّ سواء، ضاقوا ذرعاً بالمملكة العربيّة السعوديّة. ففي العام الماضي، استخدم الرئيس دونالد ترامب حقّ النقض (الفيتو) لإحباط مبادرة تشريعيّة باسم الحزبين لمنع صفقات بيع الأسلحة إلى السعوديّة ردّاً على حملة القصف التي شنّتها في اليمن. فقد حاز مشروع القانون تأييد جميع الديموقراطيّين في الكونغرس الذين صوّتوا عليه، ولكنّه حاز تحديداً تأييد حلفاء ترامب مثل السيناتور الأميركيّ الجمهوريّ البارز ليندسي غراهام. في حين تجاوز بايدن في انتقاده السعوديّة ما فعله معظم أعضاء الكونغرس. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أثناء مناظرة تمهيديّة للحزب الديموقراطيّ، قال بايدن “أوَدّ أن أوضِح أنّنا، في الواقع، لن نبيع المزيد من الأسلحة لهم، بل سنجعلهم يدفعون الثمن، وسنجعلهم، في الواقع، منبوذين”.

قد يكون من المنطقيّ إخضاع المملكة العربيّة السعوديّة للمساءلة بسبب سعيها إلى حيازة الأسلحة النوويّة وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. بَيد أنّ السؤال الأهمّ هو كيفيّة القيام بذلك. إذ إنّ التعاطي مع المملكة باعتبارها دولة منبوذة لن يحدّ من طموحاتها وسعيها نحو امتلاك أسلحة نوويّة، ولن يخفّف من انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان.

في حال أرادت واشنطن الإصلاح في الرياض، فعليها أن تفكّر في أكثر ما يُقلق السعوديّة، وهو الخوف من تخلّي الولايات المتّحدة عنها. ينبثق هذا الخوف الذي بات يقضّ مضجع الحكومة السعوديّة من ثورات الربيع العربيّ، التي اندلعت منذ نحو عقد مضى. في ذلك الوقت، دعمت إدارة الرئيس الأميركيّ آنذاك، باراك أوباما، المتظاهرين المؤيّدين للديموقراطيّة في مصر، بَينما تشبَّث حليف الولايات المتّحدة -والديكتاتور- حسني مبارك بالسلطة. حينها أدرك أفراد من العائلة المالكة السعوديّة أنّ من الممكن أن يتعرّضوا هم أيضاً للخيانة.

ومنذ ذلك الحين، تفاقمت المخاوف السعوديّة. فقد نظر البعض داخل السعوديّة إلى الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ الذي عُقِد عام 2015 على أنّه محاولة من الجانب الأميركيّ لخيانة المملكة وإقامة علاقات صداقة مع إيران. فضلاً عن أنّ الرياض تفضّل ترامب على أوباما، ويعود ذلك جزئيّاً إلى أنّ ترامب تجاهل انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان، واتّضح أنّه يتبنّى نهجاً أكثر عدوانيّةً ضدّ إيران. ولكن حتّى ترامب نفسه تهكّم على الملك سلمان بسبب اعتماد بلاده على الولايات المتّحدة، حين صرّح عام 2018 أنّه قال للملك السعوديّ “إنّنا نحميك؛ وقد لا تبقى هناك (في السلطة) لمدّة أسبوعين من دوننا”.

لم تُسفِر الضغوط الأخيرة التي مارسها الكونغرس لوقف مبيعات الأسلحة إلى السعوديّة، إلّا عن تعزيز مخاوف الرياض من تخلّي الولايات المتّحدة عنها. إذاً، ليس من قبيل المصادفة أن يُطلق وليّ العهد برنامجاً نوويّاً سرّيّاً مدعوماً من الصين، وأن يعتبر النفوذ الإيرانيّ المستمرّ في اليمن تهديداً وجوديّاً. إذ إنّه -فضلاً عن الكثير من النخب السعوديّة- يشعر على نحو متزايد بأنّ العلاقة مع الصين -وبخاصّة تلك التي تسمح للمملكة بشراء ترسانة أسلحة نوويّة خاصّة بها- تبدو مفيدة ومنطقيّة أكثر من الاعتماد المستمرّ على واشنطن.

وإذا لم تُقدِم الولايات المتّحدة على صوغ نهجٍ جديد، فإنّ هذا السيناريو قد يُعجِّل بسهولة حدوث أزمة نوويّة إقليميّة: ستوجّه فيها الأسلحة النوويّة السعوديّة صَوب إيران، وفي المقابل ستصوَّب الأسلحة النوويّة الإيرانيّة نحو السعوديّة. أمّا تركيا ومصر فلديهما القدرة على تصنيع التقنيات النوويّة الخاصّة بهما، في حين ستراقب إسرائيل متأهّبةً بتوتّر ترسانتها النوويّة.

وإذا ما أصرّت إدارة بايدن على التعامل مع السعوديّة باعتبارها دولة منبوذة، فمن غير المرجّح أن يتغيّر سلوك المملكة نحو الأفضل؛ حتّى وإن لم تحصل على قنبلة نوويّة على الفور. إذ إنّ الدول الأخرى التي تعتبرها الولايات المتّحدة منبوذة -على غرار سوريا وإيران وكوريا الشماليّة وكوبا- تُعَدّ من بين أسوأ الدول على وجه الأرض في مجال حقوق الإنسان (ونشر الأسلحة النوويّة). لذا فإنّ اعتبار تلك الدول منبوذةً لم يغيِّر من سلوكها، ومن المتوقّع أيضاً ألّا يغيِّر ذلك من سلوك السعوديّة.

وإذا لم تنجح الولايات المتّحدة، من خلال التخلّي عن السعوديّة، في تهدئة طموحاتها في مجال تطوير الأسلحة النوويّة أو الحدّ من انتهاكاتها حقوق الإنسان، فإنّ إظهار التزامها طويل الأجل تجاه المنطقة قد ينجح في ذلك. قد يكون ممكناً تخفيف الشعور بعدم الأمان لدى السعوديّة، من خلال تشجيع الرياض على الانضمام إلى رابطة جديدة تضمّ دولاً غربيّة وشرق أوسطيّة، تقوم على التعاون متعدّد الأطراف في ما يخصّ الشؤون العسكريّة والطاقة والاقتصاد والتنمية الاجتماعيّة.

وحتّى لو بدأ التحالف صغيراً إلى حدٍّ ما (فلا يضمّ سوى الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبّيّ والمملكة العربيّة السعوديّة ودولاً عربيّة صغيرة، كالأردن وعُمان والإمارات والبحرين وتونس)، فسوف يُثبِت ذلك التحالف أنّ الولايات المتّحدة وحلفاءها الغربيّين لن يتركوا المملكة بعد فترة تحت رحمة إيران أو غيرها من القوى الخارجيّة. وهذا وحده كفيل بتهدئة مخاوف الرياض بالقدر الكافي لتعزف عن طموحها في حيازة الأسلحة النوويّة وتزهد في حملات القصف العشوائيّ.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.
الرابط تضمين
ألصق رابطًا للمحتوى الذي تريد عرضه على موقعك.
معرفة المزيد حول التضمينات(يُفتح في علامة تبويب جديدة)
عذرًا، لا يمكن تضمين هذا المحتوى.

درج

———————————-

عن الترامبية والماكرونية .. وأزمة الليبرالية/ سامي حسن

في دفاعهم عن الليبرالية وقيمها، يميل ليبراليون إلى النأي بها عمّا باتت تعرف بالليبرالية الجديدة وسياساتها المتوحشة، واعتبار الأخيرة نتوءاً عارضاً على جسد الليبرالية الأصلانية التي سرعان ما ستلفظه وتستعيد عافيتها. ويقولون إن الديمقراطيات الغربية لا تتوافق، ولا يمكنها التعايش، مع الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الداخلية منها والخارجية، لليبرالية الجديدة والمتوحشة. يفهم من هذا الكلام أن ثمة عصرا ذهبيا مرّت به تلك الديمقراطيات، سادت فيه العدالة والمساواة، وغاب عنه النهب والاستغلال، فكانت أنظمة الحكم منحازة للسلم والسلام، ولقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم! الحقيقة أن التوحش والاستغلال، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وشن الحروب واستعمار الشعوب ونهب ثرواتها، والتحالف مع أنظمة الاستبداد، كانت قد وسمت بميسمها الأنظمة الليبرالية منذ نشأتها. وما يحصل اليوم ما هو إلا طبعة جديدة من سياسات قديمة. قد يكون متغيرها الأبرز، وربما الوحيد، هو الفجاجة والوقاحة في التعبير عنها. ولنا في الترامبية مثال نموذجي لها، وكذلك الماكرونية لمن شاء.

قبل أربع سنوات، تمكّن دونالد ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض، ببرنامج انتخابي، كانت تفوح منه رائحة الاستغلال والجشع والإفقار، والعنصرية تجاه الملونين، والعنجهية تجاه الشعوب الأخرى! خلال حكمه، دعا ترامب الجيش إلى النزول إلى الشوارع، لمواجهة التظاهرات التي شهدتها المدن الأميركية في أعقاب مقتل الأميركي الزنجي، جورج فلويد، على يد أحد رجالات الشرطة. لحسن الحظ، لم يستجب أصحاب القرار في المؤسسة العسكرية حينها لطلبه. ولكن السؤال هو: لو أن ترامب فاز بفترة رئاسية ثانية، فما الذي كان سيحول دون وجود من هم على شاكلته في قيادة المؤسسة العسكرية؟ وفي حال خرجت تظاهرات، لسبب أو لآخر، من كان سيضمن، ألا ينفذ الجيش، هذه المرة، أوامر الرئيس بقمع تلك التظاهرات؟

بعد مقتل الصحفي السعودي عدنان خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وهي جريمة واضحة مكتملة الأركان، واصل ترامب سياسة ابتزاز الأموال ممن يفترض أنهم أصدقاء وحلفاء، وغرّد متباهيا بذلك، من دون اكتراث بما يسببه لهم من حرج وإهانة. ووصلت الفجاجة به حد القول في مديح وزير الخارجية السابق في إدارته، ريك تيلرسون، “كان يدخل دولة ويأخذ نفطها ثم ينتقل إلى الدولة التالية”!

أما فرنسا الماكرونية، فقد شهدت، خلال العام الماضي، تظاهراتٍ عارمة نظمتها حركة السترات الصفراء، احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية، واتساع الفروق الطبقية بين الفرنسيين. واليوم، تستمر التظاهرات في المدن الفرنسية، احتجاجاً على قانون الأمن الشامل الذي يهدف إلى شرعنة القمع وتوسيعه، والحد من حرية الصحافة. وقد واجهت السلطات الفرنسية، بأذرعها الأمنية والشرطية، كل تلك التظاهرات بالقمع، واستعارت من أنظمة الاستبداد خطابها المعهود لتبرير قمعها لشعوبها، فقسّمت المتظاهرين إلى فئتين، السلميين ذوي المطالب المشروعة والمندسين الذين يمارسون العنف ويثيرون الشغب!

يبدو واضحاً أن هناك تقاطعات كبيرة بين الترامبية والماكرونية، على صعيد السياسات الداخلية والخارجية. ولذلك، لا يجب الاستغراب، من أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، هو الديكتاتور المفضل، ليس في نظر ترامب فقط، بل أيضاً بالنسبة للرئيس ماكرون الذي فرش لطاغية مصر في زيارته أخيرا فرنسا السجاد الأحمر، وقلده وسام “جوقة الشرف”، وهو أرفع وسام فرنسي، غير آبهٍ بما يتعرّض له الشعب المصري من قمع وتنكيل وتجويع على يد نظام السيسي. وأعلن الرئيس الفرنسي، بوضوح، إنه يجب الفصل بين ملف حقوق الانسان في مصر وملف المصالح الاقتصادية بين البلدين. وأن بيع السلاح لن يمنعه أن المتربع على كرسي الرئاسة المصرية ديكتاتور لن يتوانى عن استخدام السلاح الفرنسي في قمع شعبه.

في محاضرة له بعنوان “في الحرية”، يعرّف الفيلسوف، كارل بوبر، الديمقراطية بأنها القدرة على إزاحة الحاكم من دون إراقة دماء. لكن ماذا، إذا ترتب على إزاحة الحاكم، ترامب نموذجا، إراقة الدماء في بلدان أخرى؟ لقد بيّنت الانتخابات الرئاسية الأميركية وتداعياتها أن الرئيس الأميركي، وأعدادا لا يستهان بها من قيادات الحزب الجمهوري، مستعدون لفعل أي شيء، حفاظاً على سلطتهم ومصالحهم، بما في ذلك الانقلاب على ديمقراطية صندوق الاقتراع، وإشعال حروبٍ خارجية، وإراقة دماء كثيرة، قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، فهل يصح الاستمرار في وصف هذه الأنظمة بالديمقراطية؟ أو ليست الدماء التي تسفك على يد المستبدّين والطغاة، بغطاء ورعاية وحماية، من تلك الأنظمة دماء أيضاً، أم أن “دم عن دم بيفرق”؟!

يقول بوبر “التخلي عن الحرية هو بمثابة التخلي عن أن تكون إنساناً”. ويتابع “أزعم إن العالم الغربي الديمقراطي، ليس أفضل العوالم السياسية الممكنة منطقيا، أو التي يمكن تصوّرها، ولكنه أفضل العوالم السياسية التي عرفنا بوجودها تاريخيا”. هذا صحيح. ولكن، إذا كانت الحرية هدفا بحد ذاته، وهي كذلك كما أظن، إلا أنها ليست الهدف الوحيد للبشر، ويجب أن تترافق مع العدالة، وفق تعبير آيزايا بيرلين في كتابه “الحرية”.

قد يكون الوصول إلى ما وصلت إليه الديمقراطيات الغربية هو الهدف الذي تنشده، اليوم، البلدان المبتلاة بأنظمة مستبدّة، ومنها بلداننا العربية. أما بالنسبة للدول التي أنجزت ثورتها الديمقراطية، كأوروبا وأميركا، فواقع الحال فيها لا يقول فقط إنها تعاني من أزماتٍ على مستوى الاقتصاد والمجتمع والثقافة والهوية، بل يشي بأن الديمقراطية نفسها باتت في خطر. وعليه، فإن المهمة التي تطرح نفسها على البشرية اليوم رفض الواقع الراهن، والتصدّي له، والعمل من أجل عالم أكثر إنسانية وديمقراطية وعدالة.

العربي الجديد

————————-

كيف ستكون سياسة جو بايدن في سورية وتركيا؟/ مروة شبنم أوروج

بينما يستعدّ الرئيس الأميركي الجديد للاستقرار في المكتب البيضاوي، ينتاب العالم فضولٌ بشأن ماهية السياسة الخارجية التي سيتبعها جو بايدن بعد دونالد ترامب، ومن ضمنها موقفه تجاه المسألة السورية.

انتهت فترة ولاية جو بايدن، كنائب للرئيس باراك أوباما، قبل أربع سنوات؛ ومع ذلك، ما تزال الأزمة في سورية وحولها مستمرة. وعلى الرغم من أن بايدن يرفض التعليقات القائلة بأن رئاسته ستكون الولاية الثالثة لأوباما، فإن فريق السياسة الخارجية الذي بدأ تشكيلَه، يتكوّن من أشخاص عمل معهم باراك أوباما الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، وهذا ما ينفي الصدقية عما يقوله بايدن.

كانت قراءة سياسة ترامب في سورية أكثر صعوبة من قراءة سياسة أوباما؛ إذ لم يكرر ترامب مقولة أوباما: “على الأسد أن يرحل”، ولم يتوان عن تنفيذ هجمات جوية ضد نظام الأسد، لاستخدامه السلاح الكيمياوي في 2017 و2018، ومع أن تلك الهجمات لم تلحق ضررًا جسيمًا بنظام الأسد، فقد كان هناك إجراء ما على الأقلّ. من ناحية أخرى، على الرغم من عدم انزعاج ترامب من الوجود الروسي في سورية، لم يستطع تكرار عبارته “فلنترك سورية لبوتين، ليهتم بها هو”، كما فعل قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وذلك لأن معظم الهجمات التي تعرّض لها في واشنطن كانت بسبب ارتباطه بروسيا. ومع ذلك، قطعَ تمويل برنامج CIA ضد الأسد، ومن ناحية أخرى، لم يتردد في فرض عقوبات قيصر.

على الرغم من أن ترامب ليس لديه مشكلة مع روسيا، فإنه أضعف أنشطة إيران (الداعم الآخر للنظام في سورية)؛ حيث إن انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات على إيران التي أصبحت قويةً بعد تعاون أوباما معها بشكل غير مباشر، وضعا إيران في موقف صعب جدًا، خاصةً بعد مقتل قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني)، حيث كان مقتل زعيم التوسعية الإيرانية الذي كان مسؤولًا عن مقتل الآلاف من السوريين أكبرَ ضربةٍ تتلقاها إيران.

مما لا شك فيه أن سيطرة YPG الذراع السوري لـ PKK على مدينة الرقة، بدعم من الولايات المتحدة، ومقتل زعيم تنظيم (داعش) أبو بكر البغدادي، هما من أهم النجاحات التي حققها ترامب في سورية. ومع ذلك، نجد أن الصحافة الدولية التي بدأت تُظهر صورة الأسد على أنه “أهون الشرّين”، من خلال تسليط الضوء على هجمات (داعش) الوحشية ابتداءً من 2013، فضّلت عدم تضخيم مقتل البغدادي أكثر من اللازم. بالطبع، كان للبيان الصحفي السخيف للرئيس الأميركي تأثيرٌ على ذلك؛ لكن الأهم هو أن مقتل البغدادي سيكون ذريعة لترامب لسحب القوات الأميركية من سورية، وهو الأمر الذي كان يريده منذ مدة طويلة. وفي الواقع، بدأ ترامب يذكر ذلك الانسحاب، مرارًا، مواجهًا البنتاغون ووزارة الخارجية.

في النهاية، قرر الرئيس الأميركي سحب القوات الأميركية، قبل عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في 2019، وهي العملية البرية التركية الثالثة، حيث استهدفت بها عناصر YPG التي تشكل تهديدًا على حدود تركيا، شرق الفرات. لاقى هذا القرار ردات فعل في واشنطن وفي بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا. وانتُقد ترامب بشدة حتى من مؤيديه، كـ السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام. ومن الواضح أن ترامب لم يكن يبدي أي تعاطف تجاه PKK الذي يحاول إضفاء الشرعية على نفسه، تحت اسم “قوات سوريا الديمقراطية”: (قسد). لكن تصوير حزب PKK على أنه ممثل عن الأكراد جعلَ الأمر صعبًا، باختصار، لم يتحمل ترامب الضغط، وقرر الإبقاء على بعض الجنود الأميركيين، ودعم عناصر PKK/YPG بدعوى حماية النفط السوري.

اتُّهم دونالد ترامب بأنه أصبح تحت تأثير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك لأن الدعم الأميركي لـ PKK كان أقلّ مما كان عليه في فترة أوباما. وفي عهد ترامب، لم تكن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في مرحلة شهر العسل، بدءًا من سورية كان الخلاف بين الحليفين في الناتو في تزايد، لكن قياسًا بفترة أوباما الثانية، كان الوضع أكثر هدوءًا، بالرغم من حصول بعض التوترات بين الحين والآخر. على سبيل المثال، أخّر ترامب تمرير قرار فرض العقوبات على تركيا: العقوبات المعروفة بـ “قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات”، وكان مجلس الشيوخ الأميركي قد فرضها ردًا على شراء تركيا منظومة S400 من روسيا.

إن كثرة الأحاديث عن “قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات”، في الأيام الماضية، في الوقت الذي تتجهز فيه واشنطن للبدء بفترة جديدة مع بايدن، تعطينا فكرة عن كيفية العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في الفترة المقبلة. مهما اُدعي أن العقوبات المفروضة على تركيا هي بسبب شرائها المنظومة الدفاعية من روسيا، فإننا نرى أن خلفياتها تحيلنا إلى الملف السوري.

باختصار: إن أولوية تركيا في شراء نظام دفاع جوي بعيد المدى في المناقصة التي أطلقت في 2013، هي منظومة باتريوت الأميركية، لكن الشركات المنتجة مثل Raytheon وlockheed Martin رفعت السعر أربعة أضعاف، ورفضت شروط أنقرة، التي كان من ضمنها شرط نقل التقنيات والمشاركة في الإنتاج.

وبينما كانت عملية الشراء مستمرة، قررت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا عام 2015، في أوج التهديدات الموجهة من سورية نحو تركيا، سحب منظومة باتريوت التي نصبت عام 2013 على حدود حليفتهم تركيا، فأثار ذلك صدمةً كبيرة. أما تصريحات الحلفاء فقد كانت لا تُصدّق، حيث إنهم باتوا يرون أن “التهديدات السورية الموجهة نحو تركيا قد زالت”، وبدت تصريحاتهم مضحكة كأنها نكتة، وفي ذلك الوقت، كان تنظيم (داعش) وتنظيم PKK يهاجمان تركيا، من خلال عبور الشريط الحدودي، وكان نظام الأسد في أوج قوته، وكانت تركيا تدعم المعارضة العدو الأكبر للأسد، أما روسيا فكانت قد سيطرت فعليًا على سورية، وأحكمت السيطرة على مجالها الجوي أيضًا، وبينما كان يتم سحب منظومة باتريوت من الحدود التركية-السورية في خريف عام 2015، بدأت روسيا اختراق المجال الجوي لتركيا. وبعد اختراقات عدة، عدّلت أنقرة قواعد الاشتباك، وهنا كانت البداية، حيث أسقطت تركيا مقاتلة روسية اخترقت المجال الجوي التركي، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وأدى إسقاط الطائرة إلى تصاعد التوتر بين أنقرة وموسكو سريعًا، وكان الحديث عن نشوب حربٍ بين روسيا وتركيا يدور، في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لبدء أولى عملياتها البرية في سورية، أما حلفاء تركيا في الناتو، وعلى رأسهم أميركا، فلم يتحرّكوا ولم يحركوا ساكنًا.

في تلك الفترة، عاشت تركيا أشهرًا عصيبة، وبعد 15-20 يومًا، من تحسّن العلاقات التركية الروسية التي بدأت بعد تصريحات السابع والعشرين من حزيران/ يونيو 2016؛ أصبحت تركيا في مواجهة أخطر هجوم عليها في 15 تموز/ يوليو 2016: محاولة الانقلاب التي نفّذها عناصرُ من تنظيم FETÖ تغلغلوا في الجيش التركي، وهم تابعون لفتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة.

بعد الـ 15 من تموز/ يوليو، أظهرت تصريحات واشنطن مدى أسفها من فشل محاولة الانقلاب، وقد استدعت زيارة بايدن إلى الحليفة في الناتو تركيا، لتقديم التعازي باستشهاد المئات من الأتراك في محاولة الانقلاب، الانتظارَ أربعين يومًا. وفي لحظة وصول طائرة بايدن إلى مطار أنقرة، أعلنت تركيا بدء عملية (درع الفرات)، وكانت تلك رسالة شديدة لإدراة أوباما.

على عكس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، كان جو بايدن دائمًا مشككًا في الحرب الأهلية السورية. ومن المعلوم أنه لا يميل إلى تسليح المعارضين ضد النظام. وقد قال مرارًا إن المتطرفين في صفوف المعارضة سوف يصبحون أقوى. كما كان أحد المدافعين الرئيسيين عن دعم PKK، بذريعة أنهم يحاربون تنظيم (داعش). إن امتعاض جو بايدن من تركيا معروفٌ طوال سنوات عضويته الأربعين في مجلس الشيوخ، وواضح أيضًا ازدياد ذلك مع بدء الحرب الأهلية في سورية.

إن سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا في المرحلة القادمة باتت معروفة، من خلال (قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات). في الواقع جاء القانون إلى جدول الأعمال مع بدء تركيا إجراء محادثات مع روسيا، بشأن منظومة S400 عام 2017، وتمت قوننتها بالتوازي مع المحادثات؛ وهذا يعني أن الهدف الأساسي من قانون العقوبات هو تركيا.

في مقابلةٍ أُجريت مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، حديثًا، قال: “يجب على الولايات المتحدة التعامل مع تركيا، كما تعاملت روسيا معها بعد إسقاطها المقاتلة الروسية عام 2015″، وقال أيضًا إن “الولايات المتحدة الأميركية جاهزة لسحق تركيا، اقتصاديًا”، ومن المرجح أن تتزايد الضغوط على تركيا في مرحلة جو بايدن، وذلك بالتزامن مع احتمالية إجراء اتفاق نووي إيراني جديد، مع زيادة الدعم لـ PKK. باختصار: على المعارضة السورية أن تستعدّ للمرحلة القادمة، كما تفعل تركيا.

ترجمة فارس جاسم

مركز حرمون

———————–

الشّرق الأوسط ينتظر بايدن أيضاً/ أسعد عبود

تترقّب دول العالم دخول الرئيس الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، طاوياً حقبة عاصفة من رئاسة الجمهوري دونالد ترامب. وكل دولة لها حساباتها للمرحلة المقبلة، لا سيما روسيا والصين واليابان والاتحاد الأوروبي. بعضها يشعر بالقلق وبعضها الآخر بالارتياح، ويعد ملفاته في انتظار ما هو قادم.

ومع أن العالم مليء بالتحديات، من فيروس كورونا المستجد وتداعياته، إنسانياً واقتصادياً، إلى الإرهاب بكل وجوهه، إلى مسألة المناخ، والعمل المتعدد الأقطاب، فإن الشرق الأوسط يزدحم بسلسلة من الأزمات التي يتعيّن على الرئيس الأميركي المقبل التعامل معها.

من فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن إلى ليبيا وإيران، أزمات تتفرع منها مآس تثقل على كواهل هذه الدول. ومن الممكن أن يبني بايدن على سياسة ترامب في معالجة هذه الملفات، أو أن يبادر إلى وضع سياسات جديدة للتعامل معها. ومن المسلّم به، أن الرئيس الديموقراطي سيمضي في تشجيع الدول العربية على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. لكن ربما تكون لديه مقاربة أخرى للمشكلة الفلسطينية، غير “صفقة القرن” التي اقترحها ترامب، وتالياً قد يعود الرئيس الأميركي الجديد، بمؤازرة الأوروبيين، إلى تفعيل “حل الدولتين”، والسعي إلى إعادة الفلسطينيين وإسرائيل إلى طاولة المفاوضات المباشرة برعاية أميركية.

ومن المؤكد أن بايدن لن يتراجع عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس ولا عن الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. لكنه قد يعاود المساعدات للسلطة الفلسطينية، ويعيد المساهمة الأميركية في وكالة “الأونروا”، ويعيد القنصلية الأميركية إلى القدس، ويفتح مجدداً مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وهذه خطوات من شأنها إعادة الثقة إلى العلاقات الأميركية – الفلسطينية التي تضرّرت بشدة في سنوات ترامب، وتالياً تجعل الفلسطينيين يوافقون على العودة إلى المفاوضات.

وبالنسبة إلى سوريا، لا يبدو أن بايدن سيتراجع عن “قانون قيصر” الذي وضعه ترامب موضع التطبيق في حزيران (يونيو) الماضي، فهو حصيلة توافق جمهوري وديموقراطي في الكونغرس. ويرجح أن يتخذ بايدن من هذا القانون ومن الوجود العسكري الأميركي في سوريا، رافعتين للضغط على دمشق كي تعود إلى العملية السياسية في جنيف. وسيعزز أيضاً من علاقات التحالف مع أكراد سوريا، ويرسم خطاً أحمر أمام محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قضم مناطقهم في شمال شرقي سوريا، ولن يغض الطرف – كما فعل ترامب – عن عمليات عسكرية تركية جديدة في سوريا، وخصوصاً إذا كانت تستهدف الأكراد.

وفي العراق، لا مؤشرات الى أن بايدن في طريقه إلى إدخال تعديلات جوهرية على السياسة التي انتهجها ترامب هناك خلال السنوات الأربع الماضية. وتبقى مسألة التصدي للنفوذ الإيراني في هذا البلد من ثوابت السياسة الأميركية، بصرف النظر عن هوية سيد البيت الأبيض. وإلى التصدي لنفوذ إيران، قد يكون بايدن أكثر ميلاً إلى الضغط على بغداد لتعزيز التوافق السياسي مع السنّة والأكراد، متخذاً من ذلك منطلقاً لمنع أي ثغرات يمكن أن يستغلها تنظيم “داعش” للعودة إلى اكتساب النفوذ في العراق، على غرار ما حصل عام 2014.

وفي اليمن، من المرجح أن يعمل بايدن على وقف الحرب، وسيلة لمنع تمدد النفوذ الإيراني في اليمن عبر دعم الحوثيين.

أما في ليبيا، فمن المتوقع أن يكثّف بايدن التنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لإعطاء دفع للعملية السياسية التي انطلقت في الأشهر الأخيرة.

ويبقى الملف الإيراني الأكثر تفجراً. وحتى الآن، أوحى بايدن برغبة في العودة إلى الاتفاق النووي. لكنها، لن تكون عودة غير مشروطة. فالرئيس الأميركي الجديد، لن يكون في إمكانه إلا الأخذ في الاعتبار هواجس دول المنطقة من ثلاث قضايا: البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية ونفوذ طهران في المنطقة. وسبق لبايدن أن لمّح إلى الحاجة إلى التطرق للقضايا الثلاث، في مقابل الاستعداد من جانبه للعودة إلى الاتفاق النووي.

وبرغم انشغال الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، بملفات محلية ودولية أخرى، فإن الشرق الأوسط لا يمكن التغاضي عنه، لأنه يبقى منطقة متفجرة وقابلة للاشتعال في أي لحظة.

وإدراكاً لهذا الواقع، لا يمكن التأخر في المبادرة إلى التعاطي مع الملفات الساخنة في منطقة لم تسقط بالكامل من دائرة الاهتمام الأميركي.

النهار

——————————

تحركات في الملف السوري قبيل وصول بايدن للرئاسة/ حسين عبد العزيز

أن يعقد نحو 25 شخصا من “مؤتمر القاهرة” للمعارضة السورية اجتماعا لتنشيط دور ممثلي المؤتمر في “الهيئة العليا للمفاوضات” وفي “اللجنة الدستورية”، فهذا أمر طبيعي في إطار تنشيط وتطوير العمل السياسي.

لكن أن يأتي الاجتماع بصيغته الأحادية بمعزل عن الأطراف الأخرى الفاعلة في المؤتمر من جهة، وبعد اجتماع الرباعي السعودية والإمارات والأردن ومصر لبحث تطورات الوضع السوري الذي جرى نهاية الشهر الماضي من جهة ثانية، فهذا يشير إلى أن ثمة جهودا إقليمية لإجراء ترتيبات داخل “مؤتمر القاهرة” بما يتسجيب مع مصالح هذه الدول في سوريا.

تزامن ذلك مع أنباء عن محاولات لتشكيل منصة جديدة للمعارضة السورية خاصة بمناطق شمال شرق سوريا، يجري العمل عليها مع بداية العام القادم بدعم من الولايات المتحدة.

من الواضح أن السعودية والإمارات ومصر تعمل على إعادة ترتيب المعارضة السورية بما يضعف الحضور التركي الوازن في المعارضة السورية، ولم يكن كلام خالد المحاميد، المقرب من الإمارات وروسيا بعيدا عن هذا الطرح وإن جاء تحت عنوان استعادة القرار السوري، “حان الوقت ليظهر جسم جديد يعبّر عن طموح وآلام السوريين بعيدا عن الأجندات الدولية والإقليمية، ويستعيد القرار السوري ويدفع بالحل السياسي وفق القرارات الأممية”.

كلمات عامة ومبهمة تخفي في ضمنها أجندات إقليمية راغبة في ضرب الدور التركي في سوريا، ليس فقط على مستوى استئثار تركيا بالحضور السياسي في الملف السوري، بل يتعدى الأمر إلى إعادة ترتيب تحالفات سياسية تنعكس على الأرض في شمال سوريا، وهذا يتطلب تشكيل جسم سياسي معارض يكون ندا للائتلاف الوطني من جهة، ويكون مدخلا لإطلاق مبادرة سياسية للحل في سوريا بعيدا عن مواقف الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات واللجنة الدستورية من جهة ثانية.

ولكي يكتب لهذه اللعبة الإقليمية النجاح وتحظى بدعم أمريكي مقبل، لا بد من إدخال الأكراد فيها، وهذا هو سبب تزامن التصريحات عن إطلاق منصة كردية في شرق الفرات مع اجتماع القاهرة.

يتماشى ذلك مع المواقف التي أطلقتها حملة الرئيس الأمريكي المقبل جو بايدن خلال الأشهر الماضية، من أن الموقف الأمريكي مع الإدارة الجديدة سيركز على دعم الأكراد في مشروعهم الديمقراطي على الأرض من جهة وعلى إدخالهم في المفاوضات السياسية من جهة ثانية.

بالنسبة للرياض وأبو ظبي والقاهرة، يعتبر الموقف الأمريكي هذا فرصة مهمة لإعادة تفعيل “منصة القاهرة” عبر تعزيز الروابط مع القوى الكردية في سوريا المقربة من النظام، مع توسيع التحالف ليشمل “منصة موسكو”، ليتكون بذلك تحالف إقليمي-دولي مواز ومكافئ لـ “الائتلاف الوطني”، ينعكس حضوره في “الهيئة العليا للمفاوضات” وفي “اللجنة الدستورية”، بحيث لا يكون الائتلاف هو القوة الفاعلة في هاتين الهيئتين.

كما تهدف الدول الإقليمية إلى ضرب الحوار الكردي-الكردي الذي يجري برعاية أمريكية، لأن من شأن نجاح هذا الحوار أن يسحب حزب “الاتحاد الديمقراطي” نحو المعارضة، أو على الأقل يضع تفاهمات ميدانية وسياسية تمنع “الاتحاد الديمقراطي” من الانجرار نحو تحالفات جانبية.

لكن مشكلة التوجه الإقليمي لهذه الدول، تصطدم في الموقف الأمريكي المتشدد من النظام، فإذا كانت الدول الإقليمية الثلاث (السعودية، الإمارات، مصر) تتقاطع مع الموقف الأمريكي في ضرورة إضعاف الدور التركي في سوريا، فإن بينهما خلافات عميقة، فهذه الدول وتحديدا الإمارات ومصر، تعملان على إعادة الشرعية لنظام الأسد من خلال دعمهما لانفتاح سياسي إقليمي تجاهه، الأمر الذي يتعارض مع التوجه الأمريكي الساعي إلى مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على الأسد، والتي كان آخرها منع واشنطن لـ “قوات سوريا الديمقراطية” من بيع النفط للنظام السوري.

أيضا، ستمانع الإدارة الأمريكية المقبلة في نشوء أي تحالف في سوريا تكون روسيا جزءا منه، فقد أعلنت حملة بايدن أن روسيا ما تزال العدو الاستراتيجي للولايات المتحدة وليست الصين كما كان الأمر مع إدارة ترامب.

وفقا لهذه المعطيات، لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة انفتاح الأكراد على قوى عربية داعمة لنظام بطريقة أو بأخرى، بقدر ما سيكون لها مصلحة في انفتاح كردي-تركي، يخفف من اندفاعة الأخيرة في الجغرافية السورية من جهة، ويفتح آفاقا للأولى في الملف السياسي من جهة ثانية.

كاتب وإعلامي سوري

——————————

الأسد اللاشرعي/ بشير البكر

عملية ترشيح بشار الأسد لولاية رئاسية في منتصف العام المقبل باتت مفتوحة في صورة رسمية، ودخلت مرحلة تبادل الضغوط بين الأطراف الدولية المعارضة، وبين روسيا وإيران كطرفين راعيين للقضية. وكانت أول مهمة قام بها وزير خارجية النظام الجديد فيصل المقداد هي الحج إلى طهران، لطلب موافقة المرشد علي خامنئي على الأمر. وطرح المقداد خلال اللقاء أن نظام الأسد سيجري انتخابات الرئاسة العام المقبل، معرباً عن أمله في “أن يواصل أصدقاء سوريا وقوفهم إلى جانبنا بقوة”. ولم يعد المقداد خالي الوفاض، وصدرت الموافقة خلال وجوده هناك على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أعرب عن أمله في إجراء “انتخابات عامة في سوريا خلال العام المقبل، ليبدي فيها الشعب وجميع القوى السياسية رأيهم”. وحمل المقداد الإجابة الإيرانية وطار بها إلى موسكو في السابع عشر من الشهر الحالي كي يحصل على تصديق الوصي الروسي، ذلك أن المباركة الإيرانية لا تكفي وحدها. وبالفعل لم يتأخر الرد الروسي الذي يتبنى الترشيح بوصف الأسد خيار موسكو الذي لا بديل عنه حتى الآن. لأنه من جهة الضامن لمصالح روسيا في سوريا، وورقة المساومة الروسية مع أميركا من جهة أخرى.

الولايات المتحدة لا تفوت فرصة خاصة بسوريا منذ عدة أشهر، من دون أن تثير مسألة ترشح الأسد، وتبدي اعتراضها عليها، وفي كل مرة تؤكد أن الأمر مرفوض، بل أن الانتخابات المزمع تنظيمها في منتصف العام المقبل غير شرعية، وصدرت مواقف بهذا الخصوص من السفير جيمس جيفري مبعوث الولايات المتحدة السابق للشأن السوري ونائبه جويل رايبورن ومن كيلي كرافت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، والتي شددت في آخر جلسة عقدها المجلس حول سوريا الأربعاء الماضي على أن الانتخابات التي يزمع نظام الأسد تنظيمها العام المقبل، هي غير شرعية في عرف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، متوعدة بفرض مزيد من العقوبات على النظام وداعميه. وقالت إن “واشنطن ستواصل فرض العقوبات على نظام الأسد والدول الداعمة له لإعاقتهم التقدم في العملية السياسية والتطلعات الشرعية للشعب السوري”، مشددة أن ذلك “سيتم بالتوافق مع الحفاظ على المساعدات الإنسانية للمحتاجين.” وكانت المواقف ذاتها صدرت منذ حوالي شهرين عن سفراء كل من الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا. وأكد هؤلاء أن بلدانهم لن تعترف بالانتخابات الرئاسية في سوريا، وستتعامل مع نتائجها على أنها غير شرعية. وذلك في الوقت الذي تشدد فيه واشنطن العقوبات على الأسد وداعميه حسب قانون قيصر.

معركة الانتخابات الرئاسية وترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة، سوف تتحدد ملامحها النهائية حين تستقر الإدارة الأميركية الجديدة وتباشر العمل. ومن المتوقع أن تقف إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بصرامة أكثر ضد إعادة تعويم الأسد من خلال انتخابات رئاسية جديدة. وصدرت تقديرات من أوساط على معرفة بتوجهات فريق الخارجية الأميركية في الإدارة المقبلة تفيد، بأن هناك توجها لإصلاح الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس السابق باراك أوبوما في سوريا، والتي ترتب عليها إطالة أمد معاناة السوريين، والسماح للأسد وروسيا وإيران بمواصلة ارتكاب المجازر وتهجير الشعب السوري وتدمير مرافقه الحيوية بلا محاسبة.

ومن المرتقب أن يشهد اجتماع اللجنة الدستورية في دورتها الخامسة، والمقرر أن ينعقد في الخامس والعشرين من الشهر المقبل لمناقشة “المبادئ الأساسية للدستور”، مواجهة حول جملة من القضايا تدور حول الانتخابات الرئاسية. والواضح من سلوك روسيا والنظام أنهم يريدون المماطلة في كتابة أو تعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي لا يلقى موافقة من المعارضة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية. ويصر هؤلاء على عدم شرعية ترشح الأسد سواء تم إنجاز الدستور قبل موعد الرئاسية أو بعده، ويسود الاعتقاد أن تتقدم هذه الدول بصيغة إلى الأمم المتحدة من أجل انتخابات رئاسية لا يكون الأسد من بين المرشحين لها، وهذا مرهون بتبني إدارة بايدن للمسألة بقوة.

تلفزيون سوريا

———————————

=======================

تحديث 22 كانون الأول 2020

—————————-

سورية في شعار بايدن “عودة أميركا”/ رانيا مصطفى

يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، وفريقُه، قيادة البيت الأبيض رسمياً في العشرين من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني)، من دون مؤشرات على تغييرات جوهرية في السياسة الأميركية تجاه سورية؛ فشعاره “عودة أميركا” محكومٌ بواقع تعترف فيه واشنطن بأنّها لم تعد المتحكّم الأوحد في عالم رأسمالي بات متعدّد الأقطاب، مع صعود الصين الاقتصادي وحلفائها، وأن على واشنطن أن تستعين بشركاء لتطبيق سياساتها الرأسمالية في العالم، ومنها الشرق الأوسط. على هذا الأساس، كان اتفاق جنيف في العام 2012 بين الرئيسين، الأميركي أوباما، والروسي بوتين، تعترف فيه واشنطن بأن سورية منطقة نفوذ روسي، وأن على الأخيرة أن تقود الحل السياسي بإقرار مرحلة انتقالية، من دون حسم ما إذا كان بشار الأسد سيقودها أم لا.

متغيرات كثيرة جرت لاحقاً، أهمّها التوغل الإيراني في سورية، والذي غضّت عنه موسكو النظر، وواشنطن أيضاً، في مقابل دور المليشيات الإيرانية المفصلي في دعم النظام ومنعه من السقوط. وتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية من العراق إلى الشام، وما ترتب على ذلك من تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته، فيما فشلت السياسة الروسية في سورية في اختيار مساراتٍ أخرى تراهن عليها، غير إعادة تدوير نظام الأسد. وقد مكّنت هذه المتغيرات واشنطن من امتلاك أوراق ضغط قويّة تجاه موسكو، عبر سيطرتها على شرق الفرات، حيث تتركّز منابع الطاقة والثروات الزراعية؛ إضافة إلى ورقة العقوبات الأميركية على رجالات النظام السوري، وعلى كل من يدعمه، وفق قانون قيصر، وعرقلة أي مساعٍ روسية لإعادة الإعمار من دون حل سياسي يحقق الشروط الأميركية. لكن فريق بايدن لم يقل الكثير عن سورية سوى مزيد من التشدّد في محاصرة النظام، عدا عن تصريح المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة عن عدم شرعية انتخابات الأسد التي يزمع إجراءها العام المقبل.

تميل السياسة الأميركية إلى إعطاء مناطق الإدارة الذاتية بعض الاستقلالية، وعرقلة المساعي الروسية بعودتها إلى حضن النظام. وأربك قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سورية قبل عامين الإدارة الأميركية التي عملت على تجاوزه، عبر الاكتفاء بالسيطرة على الحدود العراقية – السورية، لمراقبة تحرّك المليشيات الإيرانية، وعلى قاعدة التنف على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وعلى حقول النفط والغاز شرق الفرات. لكن هذا الانسحاب غير المدروس ارتبط بسيطرة تركيا على شريط “نبع السلام”، وتمركز روسيا في مواقع القواعد الأميركية المنسحبة، وزاد من وتيرة تواصلها مع قيادات الإدارة الذاتية الكردية والعربية.

تسعى السياسة الأميركية في الفترة الأخيرة إلى المصالحة بين “قوات سورية الديمقراطية” والمجلس الوطني الكردي، وتهدئة مخاوف تركيا، بالعمل على إبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني من الواجهة، وهناك عقد استخراج النفط من حقول شرق دير الزور الذي وقعته شركة دلتا الأميركية مع “مجلس سورية الديمقراطية”. ويصبّ ذلك كله في استمرار دعمها استقلالية الإدارة الذاتية، لكن ضمن صيغة تبقي على مركزية ما في سورية.

تصريحات المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (المستقيل)، جيمس جيفري، أخيرا عن استمرار الدعم الأميركي لتركيا في إدلب، وأن النظام لن يعود إليها، تؤكّد على السياسة الأميركية المتّبعة حيال ملف إدلب، وهي تعزيز مناطق النفوذ منذ مارس/ آذار الماضي، حيث دعمت واشنطن إنزال تركيا جيشها واستخدامه الأسلحة الثقيلة، ومنع تقدم النظام وحلفائه. وعلى الرغم من أن هذا الجيب الحدودي مع تركيا حول إدلب لا تسيطر عليه تركيا تماماً، وهو محكومٌ من هيئة تحرير الشام، المصنّفة إرهابية في القوائم الأميركية والدولية؛ لا يبدو أن محاربة “الهيئة” ضمن أولويات واشنطن، على عكس ما فعلته مع تنظيم حرّاس الدين، الموجود في الشمال السوري؛ فـ”الهيئة” لا تشكل خطراً حالياً خارج سورية، وهي تقوم بما يقوم به النظام من قمع المواطنين، وتتولى مهمة ضبط الجهاديين في المنطقة، ومنهم مهاجرون، كما أن استمرار التوتر مع النظام ومليشيات إيران يشكل استنزافاً لكل الأطراف.

وقد وافقت واشنطن على كلّ اتفاقات التسوية والمصالحة التي قامت بها موسكو مع تركيا، واستعادة سيطرة النظام على مناطق واسعة، بل كانت عرّاب اتفاق الجنوب، برفقة الأردن والإمارات، وبدعم إسرائيلي. وبالتالي هي تدعم السيطرة الروسية على تلك المناطق، وكذلك لا تعارض معظم مسارات الحل الروسي بشأن مؤتمر سوتشي مطلع 2018، ومسار أستانة مع تركيا وإيران، ومسار اللجنة الدستورية، لكنها عارضت الهراء الروسي عن مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق، من دون حل سياسي. ولم تقل معظم التصريحات الأميركية الرسمية بشرط التخلي عن الأسد، بل قالت إن عليه تغيير سلوكه، على الرغم مما ارتكبه من مجازر. تركّز الولايات المتحدة الآن على تقليص الوجود الإيراني في سورية، وتعمل على إضعاف إيران في سورية ولبنان والعراق، والضغط عليها في ما يتعلق بشروط جديدة عن إعادة العمل بالاتفاق النووي، وتريد إرضاء إسرائيل بمنع تشكّل “حزب الله” سورياً في الجنوب، وإرضاء الحلفاء من العرب، الرافضين للنفوذ الإيراني في المنطقة. لكن الدور الإيراني في سورية خدم السياسات الأميركية في تعزيز الطائفية في المنطقة، حيث تتوغل إيران داخل المجتمع السوري في دير الزور ودمشق وحلب؛ وواشنطن لم تمنع مليشيات إيران من المرور على بعد عدة كيلومترات من قاعدة التنف الأميركية.

في المجمل، لا يمكن أن تدعم السياسات الأميركية، مهما تغيّر وجه حكامها، ثورات الشعوب، هي تدعم كل ما يقمعها، من أنظمة ومن تطرّف إسلامي، ومن صراعات طائفية وقومية وغيرها. للنظام دور في هذه السياسات، هو تدمير سورية، وهي تضغط على الحليف الروسي، لكي يؤدي الدور الذي قامت به هي في العراق، أي تحطيم سورية بترسيخ تقسيماتها إلى كانتونات بطابع طائفي أو قومي. هي ليست مؤامرة على سورية، كما يدّعي النظام ومحور المقاومة، بل مؤامرة على مجمل العالم العربي، حيث الخوف من نهوض هذه الشعوب وإسقاط أنظمتها والتقائها في مشتركات قوة. ومن هنا، كان لا بد من نماذج سيئة، كسورية واليمن وليبيا وقبلها العراق ولبنان، لإخافة بقية الشعوب العربية من الثورات ..

لن تخرُج “عودة” بايدن عن هذه السياسات، بل قد تسرّع عجلة التطبيع العربي – الإسرائيلي، وربما يُغلق الملف السوري في هذا السياق.

العربي الجديد

—————————–

بايدن والأزمة السورية.. 10 قضايا أساسية بانتظار دعم الإدارة الأميركية

يرى المعهد أن سياسة الوضع الراهن في سوريا ستستمر

لا تزال سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الأزمة السورية غامضة نسبيا، في وقت لم تشكل فيه سوريا أولوية سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مقارنة بوقف البرنامج النووي الإيراني.

ويقول معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن الولايات المتحدة فقدت نفوذا كبيرا في سوريا بسبب سياسات إدارتي أوباما وترامب.

فعندما واجهت عملية تركية عبر الحدود السورية في الشمال الشرقي أواخر العام الماضي، انسحبت القوات الأميركية جزئيا، مما أدى إلى طمس الخطوط الأمامية المستقرة سابقا بين القوات الروسية والتركية والأميركية.

كما لفت المعهد إلى إشادة الرئيس المنتخب جو بايدن بوضع القوة الأميركية “الخفيف” في شمال شرق سوريا. وقد يشير هذا إلى الاستعداد للاحتفاظ بوحدة صغيرة على الأرض لدعم الشركاء المحليين.

وذكر المعهد أنه “عندما أقر المشرعون الأميركيون قانون قيصر العام الماضي، قاموا ببناء آليات تهدف إلى مقاومة تغييره من قبل الإدارات المستقبلية. لذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف نظام بشار الأسد”.

ويرى المعهد أن سياسة الوضع الراهن في سوريا ستستمر رغم “تمتع واشنطن بنفوذ أكبر مما تدركه”.

ويقترح معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى اقترح أن تتحلى الإدارة المقبلة بما وصفه بـ”الصبر الاستراتيجي”، وأن تشارك حلفائها في عشر قضايا أولية.

أولى هذه القضايا هي تحديد موعد نهائي للجنة الدستورية التي تهدف لصياغة ميثاق سوري جديد لتمهيد الطريق أمام انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة، تنفيذا لقرار معطل أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2015.

ثانيا: حث الأمم المتحدة على إعداد آلية مراقبة قوية لانتخابات سوريا 2021، بالإضافة إلى خيارات آمنة ومحايدة لمشاركة السوريين في الخارج. ثالثا: تسريع المصالحة الكردية. رابعا: الضغط على تركيا لاحتواء الجهاديين.

خامسا: إشراك قوات سوريا الديمقراطية في عملية الأمم المتحدة كجزء من المعارضة السورية. سادسا: تحسين العمل الإنساني وزيادة المساعدات. سابعا: النظر في مشاريع “التعافي المبكر” في مناطق سيطرة النظام ومزيد من جهود الاستقرار في الشمال.

ثامنا: إعادة التأكيد على شروط إعادة الإعمار. تاسعا: تعزيز التعاون ضد مجرمي الحرب. وعاشرا: تذكير النظام بالإجراءات قصيرة المدى التي يمكن أن تكسر الجمود.

الحرة / ترجمات – دبي

——————————

الموقف الأمريكي الناشئ من الدول العربية المعتدلة

يثير اقتراب دخول “جو بايدن” البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021 قلقا شديدا بين القادة في الدول العربية السنية المصنفة على أنها معتدلة. وينبع قلقها المباشر من التزامه المعلن علنا بإعادة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. ويعني هذا تضمين رفع العقوبات المفروضة على إيران من قبل إدارة “ترامب” المنتهية ولايتها باعتبارها “نقطة انطلاق لمفاوضات تابعة”.

ووفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”، في خبر بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، يعتقد “بايدن” أن العودة إلى الاتفاق ستكون “أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة”.

علاوة على ذلك، عمل وزير الخارجية الأمريكي القادم “أنتوني بلينكين”، ومستشار الأمن القومي القادم “جيك سوليفان”، ومبعوث المناخ “جون كيري”، عن كثب مع المسؤولين الإيرانيين خلال عامين من المفاوضات التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو/تموز 2015.

وأظهرت السياسة الخارجية لإدارة “ترامب” الدعم للأنظمة السنية الرائدة، ولا سيما السعودية ومصر، وفقا لنهج السياسة الواقعية القائم على المصالح العملية.

وبالتالي، فإن عودة الإدارة الديمقراطية إلى واشنطن تعتبرها الرياض والقاهرة كابوسا. وتستحضر مؤشرات العودة المتوقعة للقيم “السياسية الصحيحة” إلى مركز أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك التأكيد على حقوق الإنسان والمطالب المحتملة لإرساء الديمقراطية كشرط للحفاظ على العلاقات الخاصة مع واشنطن، “العصر المظلم” لإدارة “أوباما” من وجهة نظر القادة في البلدين.

وفي محاولة للتأثير على الرئيس المنتخب “بايدن” وفريقه، قال “عبدالله المعلمي”، مبعوث الرياض لدى الأمم المتحدة، إنه لا ينبغي لأحد أن يكون “ساذجا” بحيث يعيد الدخول في الاتفاق النووي الإيراني السابق. وفي مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أكد الدبلوماسي السعودي أن العالم شهد فشل الاتفاق ولا ينبغي العودة إلى هذا الترتيب القديم.

ودعا “المعلمي” إلى اتفاق مختلف، اتفاق يشمل السعودية ولا يقتصر على كبح جماح الطموحات النووية الإيرانية، ولكنه يتناول أيضا برنامجها الصاروخي والدعم المادي للجماعات التي تعمل لصالحها بالوكالة.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان”: “ما نتوقعه هو أن تتم استشارتنا بشكل كامل، وأن تتم استشارتنا نحن وأصدقائنا الإقليميين الآخرين بشكل كامل فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران”.

وكان الصوت الأكثر مباشرة في هذه القضية هو صوت رئيس المخابرات السعودية السابق، الأمير “تركي الفيصل”، الذي حذر “بايدن” مباشرة، قائلا: “أيها الرئيس المنتخب، لا تكرر أخطاء ونواقص الاتفاق الأول. فأي اتفاق غير شامل لن يحقق السلام والأمن الدائمين في منطقتنا”.

وقال “تركي الفيصل” في خطاب ألقاه أمام المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية في المنامة، في 6 ديسمبر/كانون الأول، إن السلوك الإيراني التخريبي الإقليمي في العراق وسوريا واليمن ولبنان والسعودية من خلال مهاجمتها بشكل مباشر وغير مباشر للمنشآت النفطية، يمثل نفس القدر من التهديد الذي يمثله برنامجها النووي”. وحذر “بايدن” من تكرار “أخطاء” الماضي، وأوصى بشدة بأن يتضمن أي اتفاق جديد جميع القضايا ذات الاهتمام، ما يعني أن أصدقاء واشنطن وحلفاءها يجب أن يكونوا جزءا من المفاوضات.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن مكانة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، التي غالبا ما كانت توصف بأنها القوة الكامنة وراء عرش والده “سلمان”، متزعزعة. ويُعتبر على نطاق واسع متورطا لدوره في اغتيال الصحفي في واشنطن بوست والمعارض السعودي “جمال خاشقجي” في تركيا عام 2018، ومن المرجح أن تعامله إدارة “بايدن” كمنبوذ. وعلى العكس، خلال إدارة “ترامب”، كان “محمد بن سلمان” يُعتبر شخصية أساسية في سياسة الولايات المتحدة في الخليج العربي.

ويستجلب مجيء الإدارة الجديدة في واشنطن حالة تأهب قصوى للرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” كذلك. فالسيناريو الذي يثير أكبر مخاوفه هو عودة التعاطف الأمريكي مع “الإخوان المسلمون” في مصر. وسيكون هذا بمثابة بعث لروح إدارة “أوباما” التي دعمت رئاسة “محمد مرسي” بعد خلع “حسني مبارك”.

ومن المؤشرات الواضحة على عدم ارتياح مصر العمود الخاص الذي نُشر في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 في صحيفة “الأهرام ويكلي”، التي تعتبر ناطقة بلسان النظام. وكان كاتب العمود، “عزت إبراهيم”، مراسل الصحيفة في واشنطن عندما اندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر خلال “الربيع العربي”.

وتعبيرا عن أفكار “السيسي”، أعرب “إبراهيم” عن مخاوفه من أن تحاول جماعة الإخوان، بعد تنصيب الرئيس الجديد للولايات المتحدة، تقديم نفسها من جديد للإدارة الديمقراطية القادمة من خلال اللعب على فكرة أن الأحداث الجارية في مصر تقوض “التيارات المعتدلة” داخل الجماعة وتضعفها، باعتبارها “جدار حماية ضد التطرف”.

وذكّر القراء بأنه تم استقبال مجموعة من ما يسمى بائتلاف الشباب الثوري المصري تضم شخصيات معروفة من الثورة في واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بما في ذلك في وزارة الخارجية. وكان هذا جزءا من سياسة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هيلاري كلينتون” لتعزيز الحوار مع “الإخوان المسلمون”.

واختتم “إبراهيم” مقالته بتحذير صارخ: “إذا نجحت جماعة الإخوان في الترويج لمثل هذه الأفكار الزائفة، فلن يؤدي هذا إلا إلى تعزيز الإرهاب وتعزيز التعصب والانفصال داخل المجتمعات المسلمة في الغرب”.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام المصري الحالي كان وراء مبادرة السيناتور الجمهوري الأمريكي “تيد كروز” لإعادة تقديم مشروع قانون في الكونجرس هذا العام لتصنيف جماعة “الإخوان المسلمون” منظمة إرهابية في الولايات المتحدة ومطالبة وزارة الخارجية بتقديم أدلة لإدراج الجماعة على قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب.

واعتبارا من اليوم، يبدو أن “بايدن” ملتزم بمشروع لعكس مواقف السياسة الخارجية لـ”ترامب” و”بومبيو” بغض النظر عن الحقائق على الأرض. وبينما يدعي “بايدن” أنه يريد سياسة خارجية تتطلع إلى المستقبل، وليس الماضي، فإن مستشاريه حريصون على إقناعه بإعطاء الأولوية للعودة الأمريكية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.

وهم يناقشون احتمال توقيع “بايدن” على أمر تنفيذي رئاسي يلغي أمر “ترامب” التنفيذي لعام 2018 ويمنح وزيري الخارجية والخزانة الضوء الأخضر للشروع في رفع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي.

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موجيريني”، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني: “لدينا بضعة أشهر فقط بين يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني والانتخابات الرئاسية في إيران في منتصف يونيو/حزيران”. وقالت إن كلا من إيران والإدارة الأمريكية الجديدة سيحتاجان إلى العمل ضمن عملية متعددة الأطراف بدلا من العمل كل في جانبه.

وأعربت المفاوض النووي الأمريكية البارزة السابقة “ويندي شيرمان” عن قلقها الشديد من أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران 2021 قد تجلب رجل دين متشددا إلى القمة، ما يمكن “خامنئي” من السيطرة الكاملة على القيادة في طهران. وترى أنه من الضروري الاستفادة من الوقت الضيق المتاح للتأثير على شعور الشعب الإيراني.

وتوجد مؤشرات متزايدة على أن السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة ستعطي الأولوية للشرق الأوسط. ويبقى من المبالغة التفكير في أن “بايدن” قادم لعكس جميع سياسات “ترامب”، لكن من الواضح أن الدول العربية المعتدلة الرئيسية، السعودية ومصر، لن تتمتع بعد الآن بالتفويض المطلق الذي منحته لهما إدارة “ترامب”. ولمخاوف هذه الدول الحليفة تقليديا للولايات المتحدة ما يبررها. ويجب على قياداتها الشروع في حوار عاجل مع الإدارة الأمريكية القادمة من أجل حماية مصالحهم الحاسمة في المنطقة.

————————–

سوريا في عهد رئاسة بايدن إن أقلع/ وليد فارس

اللوبي الأول الذي سيؤثر في إدارة الرئيس المنتخب حيال دمشق هو “الإيراني”

طبعاً الخلاف الانتخابي المستمر بين الحزب الديمقراطي الذي يعترف بالرئيس المنتخب جو بايدن وأكثرية الجمهوريين الذين يرفضون نتائج الانتخابات في ست ولايات، ويعتبرون الرئيس دونالد ترمب المنتصر، لا يزال يخُضّ أميركا، حتى حسم الموضوع في بداية 2021، إلا أن كثيرين من أصحاب القرار والرأي في الشرق الأوسط يهيئون لما بعد 20 يناير (كانون الثاني) المقبل أياً كانت النتائج العملية، وكل قيادة قومية تجري حسابات دقيقة لتأثير السياسة الأميركية الجديدة، ومعظمها “يحسب” على أساس إدارة بايدن، مع إبقاء أنملة احتمال لدور لترمب. وفي سيناريو بايدن، هناك اتجاهان متناقضان، الأول صورة تفرضها الصحافة الغربية، وهي استتباب الاستقرار بحلول بايدن، السناتور المخضرم، رئيساً جديداً على الولايات المتحدة، ويشرع أصحابه بالتنبؤ بأن بايدن “الخبير في السياسة الخارجية” ستكون له مقدرة في إيجاد الحلول المطلوبة وسيعيد “هيبة” أميركا على الساحة العالمية، ولا سيما في الشرق الأوسط، إلا أن أصحاب هذه المقولة لا يقولون كيف سيتم ذلك، ربما لأن ليست هناك أجوبة جاهزة لما يمكن فعله بعد.

الاتجاه الآخر في حلقات بايدن، واقع يفرض نفسه بسلاسة، وهو التحاق كوادر تيار الرئيس السابق باراك أوباما بالإدارة الانتقالية لبايدن ما يعطي فكرة واضحة عن اتجاه الملفات الخارجية والشرق أوسطية، إذا انطلق عهده طبيعياً، وبسبب الاتجاهين المتناقضين، بات صعباً على الأوساط المتابعة للسياسة الخارجية الأميركية في واشنطن وأوساط القيادات الإقليمية في الشرق الأوسط أن ترى بوضوح ملامح سياسة بايدن حيال الأزمات الإقليمية، وسيبقى هذا اللاوضوح حتى تنجلي الأمور الدستورية تماماً في أميركا، بطريقة أو أخرى.

لكن، للعارفين بدقائق الأمور والمحللين المخضرمين في واشنطن، تقديرات لما ستؤول إليه سياسة إدارة الرئيس المنتخب المحتملة في بقاع عدة من المنطقة، انطلاقاً ممن سوف يؤثر في قراراتها. لنأخذ الملف الأصعب، سوريا، ماذا ننتظر، ومن هي قوى الضغط التي قد تؤثر في سياسة بايدن، وما هدفها؟

“اللوبي الإيراني”

اللوبي الأول الذي سيؤثر في إدارة بايدن حيال سوريا هو “الإيراني”، أو إذا كنا دقيقين أكثر، لوبي الاتفاق النووي الإيراني، أي مجموعة المصالح المالية والاقتصادية التي ستستفيد من العودة إلى الاتفاق الذي أنجزه أوباما في 2015. هذه الكتلة لها القدرة الكبرى في الضغط على أية مجموعة عمل تابعة لأوباما داخل حلقات بايدن. وأهمها، المصالح التي تربط قطاعات اقتصادية أميركية وأوروبية بالأسواق التي قد يفتحها الاتفاق الراجع، وهذا يعني أن نفوذها سيكون الأكبر، ومن مؤشرات هكذا تأثير، ترشيح رأس “اللوبي الإيراني” تريتا بارسي إلى مركز مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بغض النظر إذا عُيّن أم لا، من هنا، فإن تأثير طهران سيكون قوياً في الملف السوري، ما يعني أنه بغض الطرف عن الصورة السلبية للرئيس الأسد ونظامه في أوساط الديمقراطيين ولدى هيئات حقوق الإنسان والليبراليين، فإنه سيصعب على إدارة بايدن أن تشنّ حملة شاملة على النظام كما فعل أوباما ضد القذافي في 2011. أضف إلى ذلك، الوجود الروسي العسكري الكبير في سوريا، وتحالفه مع إيران، لذا، المتوقع أن الاتفاق النووي سيحمي، مرة أخرى، نظام الأسد، سنوات أربعاً آتية.

“الإخوان المسلمين”

اللوبي الثاني، هو كتلة ضغط “الإخوان المسلمين”، التي تساندها قطر وتركيا، ففي عهد أوباما، تمكّن من الحصول على دعم معيّن “للجيش السوري الحر” لبضع سنوات، تحوّل تدريجاً إلى الميليشيات “الإسلاموية” على الرغم من تواصلها مع مجموعات تكفيرية (معروفة بالجهاديين في الغرب)، ليلتحم مع مصالح “حكومة العدالة” التي يقودها الرئيس أردوغان، بالتالي دعم الميليشيات الإخوانية في الشمال السوري، و”الإسلامويين” وأردوغان في أيام أوباما، ونجح خلال عهد ترمب أيضاً، على الرغم من أن الرئيسين اختلفا في كل السياسات الخارجية.

إن تشكلت إدارة بايدن، فالمنتظر أن يستمر لوبي الإخوان بالقوة نفسها، لا سيما أن المنظمات الإخوانية التي دعمت بايدن، كمنظمة “كير” “CARE”، ونواب، كعضو المجلس إلهان عمر، وسيكون لها تأثير في عهده. لذا سيستمر التواصل مع المحور الإخواني، ما ينعكس على سياسة واشنطن حيال سوريا.

اليسار الماركسي

اللوبي الثالث، هو مجموعات الضغط اليسارية الراديكالية، الشيوعية و”التقدمية” التي تتواجد تحت جناح السيناتور ساندرز، ويتجسد بعضها في منظمتَي “أنتيفا”، و”BLM” ولها خبرة محدودة في الشرق الأوسط، وعلاقات مع رموز قديمة ماركسية في المنطقة، وحيال سوريا تقف مع من تعتبرهم “ماركسيي سوريا والعراق” لا سيما منظمة الـ PKK (حزب العمال الكردستاني)، ويعتقد البعض أن الجناح الماركسي هذا سيقف مع من هم امتداد لهذه المنظمة في شمال سوريا، أي الـ “YPG” الكردي (وحدات حماية الشعب) على الرغم من أن هذا الأخير ليس بوارد أن يقيم هكذا علاقات علنية مع أقصى اليسار الأميركي كي لا يخسر اليسار المعتدل والمحافظين. قوات سوريا الديمقراطية “التي تضم أكراداً، وعربا،ً ومسيحيين سريان وآشوريين، لن تريد الدخول في محاور سياسية داخلية في أميركا. “أنتيفا” والـ “BLM” سيكون لهما تأثير نضالي جماهيري في بايدن ليس سياسياً واسعاً. لذا، سيلعب هذا اللوبي دوراً في حماية دور الـ “PKK” في سوريا في واشنطن، ما سوف يعقّد الأمور أكثر للسياسة الأميركية تجاه المعضلة السورية.

“ستاتيسكو”

إضافة لهذه اللوبيات الثلاثة، ستستمر جمعيات الليبراليين ويسار الوسط في أميركا، العديدة في واشنطن، في التواصل مع جمعيات المجتمع المدني السوري داخل البلاد وخارجها، كما فعلت منذ اندلاع الثورة السورية منذ عقد تقريباً، غير أن تأثيرها سيبقى في أوساط وزارة الخارجية وبعض الوكالات الإنسانية. كان من الممكن أن تحصل هذه القوى على دعم واسع من إدارة أوباما بين 2011 و 2016، إلا أن اللوبيات الإيرانية والإخوانية حصدت الأوراق منها. والليبراليون لم يحصلوا على دعم إدارة ترمب بسبب ضغط اللوبي القطري ما بين 2000 و2017. أما القوى السنية العربية، القريبة من التحالف العربي، فهي أيضا تم استبعادها من قبل اللوبي الإيراني تحت أوباما، واللوبي الإخواني تحت ترمب. ولم تحصل إلا على دعم أميركي محدود في مناطق “قسد” بالشمال الشرقي.

إذاً، مع هكذا قوى متناقضة، كيف يمكن لسياسة بايدن أن تُحدث اختراقاً في حل الأزمة السورية؟ إذاً، لن تعمل إدارته على إسقاط نظام الأسد لأنها ستعقد صفقة مع النظام الإيراني، ولن تتمكن من تفكيك الميليشيات التكفيرية والإخوانية في سوريا بسبب اللوبي الإخواني في واشنطن، ولن تدعم الأكراد والأقليات فيها للوصول إلى استقلال ذاتي، ولن تذهب أبعد من مساعدات محدودة لليبراليين السوريين ليغيروا النظام. فإلى أين ستصل؟

البعض يقول إنها ستسعى إلى العودة إلى المفاوضات السياسية للوصول إلى حل سياسي، ونحن نقول هذا صحيح، أي أنها “ستسعى إلى العودة” وستبقى في معادلة “المساعي” كما كانت السياسات أيام أوباما، إذ إنه ما لم يغير فريق بايدن موقفه من اللوبيين الإيراني والإخواني في واشنطن ستبقى سياسة أميركا في سوريا كما هي عليه، أي سياسة الـ “ستاتيسكو” “الساعية” أي السنوات الأربع الجديدة من الثماني الـ “أوبامية” السابقة.

تبقى التفجيرات الإقليمية، والمفاجئات، وما لم يؤخذ في الاعتبار، وذلك يحسب له عندما يحدث، وتتجسد إدارة بايدن في الواقع يوم 20 يناير 2021.

الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية

اندبندنت عربي

——————————

========================

تحديث 23 كانون الأول 2020

————————–

السياسة الأمريكية تجاه سورية في عهد إدارة بايدن

تمهيد

منذ توليه الرئاسة مطلع عام 2017، وحتى الآن، واجه الرئيس ترامب انتقادات متكررة بسبب افتقاره إلى سياسة خارجية متماسكة تجاه سورية، وازدرائه الواضح للدبلوماسية التقليدية1 .

لكن الانتقادات التي وجهت لترامب، تشبه في أحد صورها ما واجهه الرئيس السابق باراك أوباما، والذي افتقر أيضًا إلى سياسة متماسكة تجاه سورية2 . فرغم استقبال إدارة أوباما لمطالبات المعارضين السوريين بدعم جهودهم ضد النظام السوري بالترحيب والتعاطف، إلا أن أوباما رفض التدخل إلى جانبهم؛ وحرص على تجنّب الدخول في الصراع على الأرض، وظل اهتمامه منصبًا على مساعي منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لتكون استجابته بمثابة ضوء أخضر للنظام السوري وداعميه الإيرانيين والروس. وفي غضون ذلك، تعرض مئات الآلاف من السوريين للقتل والاعتقال، وملايين آخرين للتشريد داخل سورية وخارجها، وقاسى أكثر 80% ممن بقي داخل سورية المعيشة تحت خط الفقر، ودمر أكثر من 50% من البنية التحتية الحيوية.

نأت إدارة أوباما بنفسها عن الدخول في الصراع في سورية، لكنها حافظت على خطوط اتصال ودعم للمعارضة السورية على الأرض، خاصة بعد تأسيس “جبهة النصرة” في عام 2012 كفرع رسمي لتنظيم القاعدة في سورية. حينها بدأت إدارة الرئيس أوباما جهودًا ملموسة من خلال برامج لدعم ما وصف بـ”المعارضة السورية المعتدلة” التابعة للجيش السوري الحر.

وقد أوكلت الإدارة الأمريكية في عام 2013 مهمة إدارة هذه البرامج إلى وكالة الاستخبارات المركزية، بمخصصات سنويّة قُدرت بمليار دولار على شكل دعم غير قاتل3 .

أوصلت الوكالة منذ نيسان 2014 كميات صغيرة من الأسلحة إلى عدد محدود من مسلحي المعارضة السورية، مثل صواريخ “التاو” التي وصلت إلى أيدي مقاتلي “حركة حزم”4 . وفي تموز 2014، نفذت القوات الأمريكية الخاصة بالتعاون مع قوات أردنية عملية إنقاذ فاشلة لعناصر أمريكان يعتقد أنهم كانوا عند تنظيم داعش5 . وفي أيلول 2014، أطلقت الإدارة برنامج تدريب وتجهيز الثوار السوريين ضد تنظيم داعش6 . لكن الرئيس ترامب ألغى كل هذه البرامج، وأنهى الدعم الأمريكي للمعارضة السورية.

ورغم تأكيد ترامب منذ توليه الرئاسة على اختلاف سياسته الخارجية عن سياسة سلفه أوباما، إلا أنه تلاقى معه في أن محصلة سياسته تجاه سورية كانت تصبّ لصالح إيران وروسيا.

وقد أعلن ترامب نيته الانسحاب من سورية أكثر من مرة، وأمر بسحب جزء من القوات الأمريكية من شمال شرق سورية لعدم رغبته بالتزام عسكري طويل الأمد، بالرغم من نصح فريق الأمن القومي له بإبقاء القوات لفترة أطول قليلًا.

قورنت هذه السياسة الانسحابية التي مارسها ترامب في سورية بالسياسة المماثلة التي مارسها الرئيس أوباما عندما قرر سحب 10 آلاف جندي أمريكي من العراق في عام 2011 7، وهو القرار الذي يُعتقد أنه أدّى إلى ترك فراغ ساعد في صعود تنظيم داعش لاحقاً.

كما ذكّرت سياسة ترامب بتجاهل الرئيس أوباما لنصائح مستشاريه بتدخل أكبر في سورية قبل التدخل الروسي بثلاث سنوات، تجنباً لما يمكن أن يؤدي إليه التدخل العسكري الإيراني والروسي في سورية من أضرار بشرية ومادية واستراتيجية، فانسحاب ترامب كان سيصب لمصلحة إيران وروسيا تمامًا كما كان تراجع أوباما عن التحذير الذي وجهه للأسد، فضلًا عن أنه أظهر عدم وجود رغبة لديه في تحدي الوجود الإيراني والروسي هناك.

إلا أن ترامب أظهر تميزه عن أوباما من خلال عدّة قرارات، كان الأول في سورية من خلال توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد ردًا على استخدامه أسلحة كيميائية في إدلب، إلا أن الضربة كانت رمزية للغاية، وبدا أن المستهدف الأساسي منها كان إدارة أوباما أكثر من نظام الأسد، أما القراران الآخران فكانا مرتبطين بإيران، إلا أنهما تركا آثاراً على الدور الإيراني في سورية، حيث كان الأول هو وقف الاتفاق النووي مع إيران، والثاني هو الأمر باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بداية عام 2020 (8) (9) .

والحقيقة أن أفضل من وصّف سياسة ترامب في سورية هو ترامب نفسه حين قال إنه لا يرغب بالتورط بالملف السوري الذي خسرته الولايات المتحدة عندما تخلى عنه أوباما قبل سنوات حين لم يفعّل خطّه الأحمر، ولم يبق فيها سوى “الموت والرمال”. ترامب قال بوضوح إن الدعم الأمريكي للأكراد هو ما ساعدهم في القتال على الأرض، وإن الولايات المتحدة قاتلت داعش نيابة عن روسيا وإيران ونظام الأسد10 . لذلك تخلى ترامب عن المعارضة السورية بإلغاء برنامجي دعم المعارضة المسلحة، بما في ذلك غرف العمليات المشتركة في الشمال والجنوب11 ، ووقف برنامج التدريب والتجهيز التابع للبنتاغون، وإيقاف برامج وزارة الخارجية الأمريكية في شمال سورية12 ، وتعليق الدعم المالي الذي تعهدت به الولايات المتحدة لجهود الاستقرار في سورية13 ، حتى أنه ألغى قبول اللاجئين السوريين حتى إشعار آخر14 .

لكن رؤيته التي تقدّم مصلحته الشخصية جعلته لا يتردد في الإقدام على محاولات للتفاوض مع نظام الأسد لإطلاق سراح أسرى أمريكان15 ، والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان16 .

أولاً: محددات سياسة بايدن في سورية

1. إرث السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

تَمثَّل الفشلُ الرئيسي لإدارة أوباما وترامب في سورية بعدم الإقرار بالمصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة في استقرار سورية، لذلك لم تضع الإدارتان الملف السوري في سلم أولوياتها، ولكنهما استخدمتا هذا الملف كورقة مرتبطة بملفات أخرى في المنطقة مثل مواجهة إيران ومكافحة الإرهاب. وقد تُرجم هذا الفشل على شكل تقدّم استراتيجي لكل من روسيا وإيران في سورية والمنطقة ككل.

أ- إرث أوباما

تُمثّل الأزمة السورية واحدة من النقاط السوداء في إرث أوباما. وقد عبّر هو وآخرون من إدارته عن عدم الرضا أو حتى المرارة عما آلت إليه الأزمة، وما يعنيه ذلك من إخفاق لإدارة أوباما في التعامل معها. وقد لخّص أنتوني بلينكن الذي اختاره بايدن وزيرًا للخارجية في الإدارة الجديدة، هذا الشعور بقوله إن على إدارة أوباما الاعتراف بفشلها في منع الخسائر في الأرواح والنزوح الجماعي داخل وخارج سورية، وقوله إنه لن ينسى هذا الفشل حتى آخر أيامه17 .

ولا شكّ أنّ هذا الأمر يُلازم بايدن هو الآخر، باعتبار أنه كان عضواً رئيسياً في إدارة أوباما. لكن ذلك قد ينعكس سلباً على موقفه في سورية، إذ سيسعى إلى انتهاج سياسة حذرة للغاية، كي لا يتورّط في تقديم وعود لن يتمكن من الإيفاء بها.

ب- السياسة الأمريكية تجاه إيران

أقرت إدارة الرئيس أوباما في وقت مبكر بعد انطلاق الثورة في سورية، بالدعم الإيراني لنظام الأسد المتمثل بنقل أساليب القمع المستخدمة في إيران18 ، وبأن انهيار نظام الأسد سيكون أكبر خسارة لإيران خلال ربع قرن19 .

وقد كانت الإطاحة بنظام الأسد تُمثل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، ولكنها رُبطت منذ ذلك الحين بالمصلحة الأمريكية في الحيلولة دون امتلاك إيران سلاحًا نوويًا.

في آب 2012، أطلق الرئيس أوباما تحذيره لنظام الأسد من أن استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبه خط أحمر غير مقبول، لكنه لم ينفذ تهديده بعد هجوم قوات الأسد بالأسلحة الكيميائية على المدنيين في الغوطة، والذي حصل بعد عام ويوم واحد على تصريح أوباما الشهير20 .

وبعد شهر من تنصيب حسن روحاني رئيسًا لإيران، أجرى أوباما أول اتصال لرئيس أمريكي مع رئيس إيراني منذ عام 1979 21، أعرب فيه عن أمله في أن التقدم المنشود في الملف النووي سيؤثر إيجابًا على ملفات أخرى مثل سورية22 .

والحقيقة أن أوباما أعلن منذ ذلك الحين ضمناً أن الملف السوري بات ورقة في المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وهي ورقة ضاعت في أدراج الإدارة الأمريكية خلال المفاوضات حتى توقيع الاتفاق في تموز 2015 ولم يعثر عليها أحد حتى الآن.

ورغم أن الهجمتين اللتين أمر بهما الرئيس ترامب على منشآت الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد قد تُقرآن خارج هذا الإطار، إلا أنهما كانتا ضربتين ارتجاليتين23 ذواتي بُعد رمزي في الشأن الداخلي الأمريكي أكثر من دلالاتهما في الحالة السورية، خاصة بعد توثيق هجمات من نظام الأسد بالأسلحة الكيميائية بعد الغارتين الأمريكيتين24 .

بدت إدارة الرئيس أوباما في أثناء المفاوضات مع إيران أكثر رغبة في التوصل إلى اتفاق من طهران نفسها، ولذلك لم يمنع الاتفاق إيران من مواصلة دعم حلفائها في المنطقة وأهمهم النظام السوري، ومنحها رفع العقوبات بموجب الاتفاق مزيدًا من الموارد للسعي وراء الهيمنة الإقليمية. لكن عمر الاتفاق لم يطل حتى أطلق الرئيس ترامب منذ توليه الرئاسة اتهامات لإيران بانتهاكه ووصفه بالاتفاق الكارثي، وانسحب منه في أيار 2018.

فرضت الإدارة الأمريكية مرة أخرى سلسلة من العقوبات على طهران بلغت أقصى مدى يمكن أن تصله هذه العقوبات، وغادرت الشركات الأوروبية من إيران، وقطعت عدة دول علاقاتها التجارية معها استجابة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وفرضت عقوبات على شركات صينية وروسية لم تقطع هذه العلاقة.

كثفت إدارة ترامب هجماتها الإلكترونية والعسكرية على النظام الإيراني، وجعلت رفع العقوبات على إيران أمرًا مستحيلًا دون تقديم تنازلات ملموسة، لكنها لم تترجم هذه الضغوط إلى استراتيجية للحد من الهيمنة الإيرانية في المنطقة25 .

ج- مكافحة الإرهاب ومبررات الوجود العسكري الأمريكي

كانت مكافحة الإرهاب البوابة الرئيسة لدخول القوات الأمريكية إلى الأرض السورية، وذلك من خلال التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. ولكن تَحقُق هدف هذا الوجود بالقضاء شبه الكامل على تنظيم داعش، أثار تساؤلات بشأن مبررات وجود القوات الأمريكية في سورية مثل التأكد من القضاء على التنظيم ودعم الشركاء الذين اختارتهم الولايات المتحدة لهذا الغرض وهم في هذه الحالة قوات سورية الديمقراطية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، والمحافظة على الوجود الأمريكي في قاعدة التنف ذات الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود العراقية والأردنية على الممر الواصل بين طهران ودمشق26 .

في عام 2020، زادت هجمات تنظيم داعش في سورية والعراق زيادة ملحوظة تظهر قدرة التنظيم واستعداده لاستعادة السيطرة على الأراضي والموارد. ومع انتشار وباء كوفيد-19 الذي عزّز انكفاء الإدارة الأمريكية إلى إدارة أزمة فيروس كورونا محليًا، بالإضافة إلى تراجع القوات الأمريكية في سورية، اتسعت الفجوات الأمنية بما سمح لمقاتلي داعش بالحركة بحريّة أكبر، والهجوم على السجون لإخراج عناصرهم، وشن هجمات أكثر تنظيمًا، وتهريب مقاتليهم بين العراق وسورية. وفي الوقت ذاته، زادت الدعوات إلى عدم حصر السياسة الأمريكية في المنطقة بإيران، والالتفات إلى ملف مكافحة الإرهاب ذي الأهمية الملحّة27 .

د- العلاقة مع تركيا

بنيت العلاقات الأمريكية مع تركيا على أساس مؤسسي28 منذ الحرب العالمية الثانية. واستفادت تركيا من الدعم الأمريكي في إطار خطة مارشال، وانضمت إلى حلف الناتو مطلع الخمسينيات، وشاركت إلى جانب الولايات المتحدة في الأزمة الكورية، ثم اكتسبت بموقعها الاستراتيجي مكانة مهمة في الجهود الأمريكية لمواجهة تمدد الاتحاد السوفييتي.

طورت الولايات المتحدة علاقاتها العسكرية بالجيش التركي من تأسيس قاعدة إنجرليك الاستراتيجية التي تحتضن حتى الآن قنابل نووية أمريكية، إلى تقديم الدعم العسكري للجيش التركي ولقطاع الصناعات الدفاعية في تركيا الذي بدأ تصنيع طائرات أف16 منذ ثمانينيات القرن الماضي، وضم تركيا إلى البرنامج المشترك لتطوير الطائرات المقاتلة الذي أنتج طائرة أف35.

شمل الإطار المؤسسي للعلاقة بين واشنطن وأنقرة تعاونًا على المستوى العسكري بالدرجة الأولى، لذلك تدخل في إدارة هذه العلاقة وزارة الدفاع الأمريكية من خلال القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا، ووزارة الخارجية. لكن هذه العلاقة امتدت إلى الجانب الاقتصادي في العقد الماضي مع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في أنقرة، لتصير تركيا في المرتبة الثامنة والعشرين بين الدول المستوردة للبضائع الأمريكية، وفي المرتبة الثالثة والثلاثين بين الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة29 .

ازداد تعقيد العلاقة بين واشنطن وأنقرة خلال العقد الماضي بعد الخلاف في الرؤية تجاه ما رأته أنقرة تهديدًا لأمنها القومي على الجانب السوري من حدودها الجنوبية الشرقية، تمثل بتأسيس وحدات حماية الشعب كيانًا يسعى للحكم الذاتي ويشاطر حزب العمال الكردستاني المناهض للحكومة التركية أهدافه. من وجهة النظر الأمريكية، وبالتحديد وزارة الدفاع الأمريكية، مثل هذا الكيان شريكًا في الحرب ضد تنظيم داعش. لكن الرئيس ترامب، وانطلاقًا من نهجه غير المؤسسي في إدارة السياسة الخارجية، أكد أنه لا ينوي الإبقاء على الالتزام الأمريكي في شمال شرق سورية إلى أجل غير مسمى من خلال إعلانه نيته سحب القوات30 . ومن هذا المنطلق أيضًا، ماطل ترامب في التجاوب مع تحذيرات وزارة الدفاع الأمريكية من إقدام الحكومة التركية على شراء منظومة الصواريخ الروسية أس400، لكنه قرر في فترة الانتقال الرئاسي فرض عقوبات على أنقرة لهذا السبب31 .

شابت العلاقات الأمريكية مع تركيا أيضًا خلافات بسبب سياسة حكومة العدالة والتنمية تجاه إيران وإسرائيل. فيما يخص إيران، أوجدت دوائر اقتصادية قريبة من الحكومة التركية ثغرة في العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران خلال العقدين الماضيين، تمكنت من خلالها من تزويد طهران بسيولة مالية مما أغضب الولايات المتحدة وإسرائيل. وما زالت مخلفات هذه العملية موجودة حتى الآن من خلال القضية المرفوعة ضد المصرف التركي “هالك بانك” (HALKBANK)، التي أوجدت لها إدارة ترامب مخرجًا قانونيًا يُجنّب المصرف التركي الإدانة القانونية من خلال دفع غرامة والإقرار ببعض المخالفات32 .

أما تجاه إسرائيل، فقد تبنت الحكومة التركية موقفاً متشددًا تجاه سياسات الاستيطان الإسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وغذى الصراع الأخير حول موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط الخلاف مع إسرائيل33 .

هـ- العلاقة مع روسيا

أدت سياسة الرئيس أوباما تجاه سورية إلى تقدم استراتيجي لروسيا في سورية والمنطقة. وقد أدت سياسة ترامب في هذا الصدد إلى استمرار التقدم الروسي في ساحات أخرى في المنطقة مثل ليبيا34 . لكن علاقة الرئيس ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما زالت أكثر العلاقات غموضًا.

عجز الديمقراطيون عن إثبات تواطؤ الحملة الانتخابية لترامب في 2016 مع موسكو رغم إثبات أجهزة الاستخبارات الأمريكية حدوث اختراق روسي للعملية الانتخابية. وقد عاد هذا الملف للظهور مؤخرًا بعد ما وًصف بأنه أكبر اختراق إلكتروني شمل 18 ألف جهة أمريكية من بينها أجهزة حكومية أمريكية35 ، وإصرار ترامب على تبرئة روسيا مسبقاً من هذه العملية، ومحاولة توجيه الاتهامات بدلاً من ذلك إلى الصين36 .

2. الواقع الميداني

مع دخول الصراع في سورية عقده الثاني عند تنصيب إدارة بايدن، تغيرت موازين القوة وباتت روسيا وإيران تقودان دفة الصراع على الأرض في مواقع سيطرة النظام السوري التي تمثل معظم مناطق سورية من جنوب البلاد إلى محافظة إدلب في الشمال الغربي، ومعظم محافظة حلب في شمالي البلاد، وأجزاء من محافظتي الرقة ودير الزور في شمال وشمال شرقي سورية، باستثناء المنطقة الحدودية المحيطة بقاعدة التنف الأمريكية في الجنوب الشرقي التي تسيطر عليها القوات الأمريكية وقوات المعارضة السورية.

وما زال النظام يملك تواجدًا إداريًا وعسكريًا في محافظة الحسكة. بينما تُسيطر فصائل المعارضة على محافظة إدلب في شمالي البلاد، وأجزاء من محافظة حلب وحماة والرقة والحسكة. في حين تسيطر قوات سورية الديمقراطية في منطقة تواجد القوات الأمريكية شمال شرقي البلاد التي تشمل محافظة الحسكة وأجزاء من محافظات دير الزور والرقة وحلب37 .

ويحدّ هذا الواقع من الخيارات المتاحة أمام إدارة بايدن، على خلاف الوضع في عهد إدارة أوباما، حيث كانت المعارضة في فترة من الفترات تُسيطر على ثلثي البلاد38 ، بما يعني أن إسقاط الأسد كان متحققاً لو توفرت الإرادة لدى البيت الأبيض.

3- المدافعون عن الأسد في واشنطن

تضم هذه الفئة الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي يمثل أفكار اليسار الغربي تجاه ثورات الربيع العربي، والذي أيّد النظم الدكتاتورية العربية، ومن بينها نظام بشار الأسد، في مواجهة ما وصفه بالإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة39 .

لكن بايدن ونائبته كمالا هاريس لا ينتميان لهذه الفئة، وقد انتقدت هاريس تولسي هابرد، المرشحة التقدمية لبطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واصفة إياها بـ”المدافعة عن الأسد” 40. لكن هذا الجناح صاعد في صفوف الحزب الديمقراطي، سيمثل تحديًا لسياسة بايدن تجاه سوريا.

وفي السياق نفسه، أثار وجود بعض الموظفين الذين يصنفون في فئة المدافعين عن الأسد، في الحملة الانتخابية لبايدن حفيظة المعارضين السوريين. ومنهم ستيفن سايمن أحد مستشاري الحملة لشؤون الشرق الأوسط الذي كان مسؤولًا في إدارة أوباما، وبعد ترك منصبه سافر إلى دمشق في عام 2015 في زيارة سرية للقاء بشار الأسد الذي كان يسعى لبناء علاقات في واشنطن تمكنه من كسب مزيد من النفوذ41 . سايمن حاجج مؤخرًا ضد زيادة الضغوط على الأسد من قبيل فرض مزيد من العقوبات، لكن مسؤولين في حملة بايدن قالوا إنه واحد من بين مائة مستشار، وإن آراءه لا تعكس آراء بايدن أو الحملة42 . ومنهم أيضًا متطوعة في حملة بايدن هي ناشطة سورية مسيحية مؤيدة للأسد ومعارضة للدعم الأمريكي للمعارضة السورية في وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم توبيخ الحملة لها على منشوراتها في وسائل التواصل، إلا أنها أبقتها في موقعها في الحملة.

وجود هؤلاء الأشخاص أثار تساؤلات كثيرة حول موقف الإدارة الجديدة تجاه سوريا. حملة بايدن ذكرت في أحد تصريحاتها أنها تنوي حثّ دول أخرى على دعم إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي يعني مباشرة عدم وجود جدية في إنفاذ “قانون قيصر” الذي فرض أكبر عقوبات اقتصادية على نظام الأسد. لكن الموقف النهائي سيظهر بعد انتهاء فوضى الحملة الانتخابية ووصول الإدارة إلى البيت الأبيض43 .

4- ميزات لصالح إدارة بايدن

لن يكون بناء استراتيجية شاملة للسياسة الأمريكية في سورية أمرًا سهلًا، إلا أن إدارة بايدن تحظى بميزات عن سابقتيها بزمن الصراع في سورية. فبعد سنوات من إساءة إدارة الاقتصاد وتجاهل كثير من جوانب إدارة البلاد لصالح تمويل الجيش، حفر بشار الأسد بنفسه قبر الاقتصاد السوري، وزرع بذور الانهيار المالي وبدأ يحصد ثمارها.

أدى هذا الانهيار إلى حدوث اضطرابات في القاعدة السياسية الداعمة للنظام وحتى ضمن عائلة الأسد نفسه.

وأخيرًا ستحظى إدارة بايدن بعشر سنوات من خبرة التعامل مع سورية تميزها عن سابقتيها44 .

ثانياً: الملامح المتوقعة لسياسة بايدن في سورية

1. فريق بايدن للسياسة الخارجية

حاول بايدن في اختياراته لمسؤولي إدارته الموازنة بين العودة إلى الساحة الدولية وبين الحذر تجاه التدخل في مزيد من الصراعات العسكرية. وأفضل مثالين لتوضيح ذلك تعيين وزيري الخارجية والدفاع اللذين سيكونان أبرز مسؤولين إلى جانب الرئيس عن السياسة الخارجية. ففي حين أن وجود بلينكن قد يكون محفزًا لتصحيح الأخطاء السابقة في سورية، فإن وجود أوستن في الفريق نفسه ربما يُقلل الحماس بشأن أي سياسة أكثر إيجابية تجاه سورية. ولذلك صحّت تسمية هذا الفريق بـ”الفريق الصحيح في الوقت الخطأ” بالنسبة للمعارضة السورية.

يدلّ تعيين أنتوني بلينكن وزيرًا للخارجية على وجود نية لدى إدارة بايدن بالعودة إلى نهج ليبرالي يعزز القيم الديمقراطية في السياسة الخارجية مع إدراك الأخطاء السابقة. رغم تجنب بايدن للحديث عن سورية، إلا أن بلينكن أقر بخطأ إدارة أوباما ودعا إلى دعم شركاء الولايات المتحدة في شمال شرق سورية، ومواصلة الضغط على نظام الأسد، والانخراط في مسار دبلوماسي للحل45 .

لكن هذا التعيين قد يدل أيضًا على عزم بايدن تكرار تجربة أوباما، فقد كان بلينكن عضوًا في فريق السياسة الخارجية طوال فترة رئاسة أوباما حين تدرج في المناصب من مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس، إلى نائب مستشار الأمن القومي للرئيس، ثم إلى نائب وزير الخارجية. لذلك ما من شك في أن بلينكن أدى دورًا في تشكيل السياسة تجاه سورية التي وصفت بالفشل الذريع، وقد أقر بذلك هو نفسه.

لكن هناك تعيينًا آخر قد يكون أكثر إحباطًا للسوريين وهو تعيين لويد أوستن وزيرًا للدفاع، فبصفته قائد القيادة المركزية الأمريكية، خطّط الجنرال المتقاعد أوستن ونفّذ الحملة العسكرية التي قضت على تنظيم داعش، لكن من المرجح أن قراءته للمشهد السوري كانت من أسباب الإحجام الأمريكي عن التدخل للحد من مأساة السوريين. ففي جلسة استماع شهيرة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2015، وفي إجابة على سؤال رئيس اللجنة السيناتور الراحل جون ماكين، أكد أوستن أنه لا ينصح بفرض حظر جوي في سورية لوقف انهمار براميل نظام الأسد المدمرة على السوريين، بإنشاء منطقة عازلة يلجأ إليها النازحون. ماكين ردّ بأنّ إجابة أوستن وزميليه الآخرين من إدارة أوباما، أكثر إجابات انفصالًا عن الواقع سمعها في مثل هذه الجلسات، ووصف سياسة إدارة أوباما في سورية بالفشل المريع46 .

لكن هناك اعتقادًا بأن أوستن لا يتحمل جزءًا كبيرًا من تركة أوباما في سورية بسبب طبيعته الهادئة البعيدة عن الأضواء والأميل إلى تنفيذ الأوامر منها إلى اقتراح السياسات والمنازعة عليها.

كان لشارك أوستن مع بايدن في كثير من المواقف السياسية الفاصلة دور مهم في تعيينه. فقد شارك أوستن بايدن تحفظه تجاه إبقاء القوات الأمريكية في العراق عام 2011، وتجاه التدخل للقضاء على تنظيم داعش في سورية عام 2014 47.

تواجه سياسة بايدن تجاه سورية محددًا آخر هو وضع الملف السوري في سياق “الحروب التي لا نهاية لها”48 على نحو متزايد في واشنطن مؤخرًا، مما يجعل من الصعب وضع سياسة ملموسة وذات تأثير أكبر على الملف.

مع تقدم القوى المناهضة للحرب والجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، زادت التحفظات تجاه الحديث عن دور أمريكي قيادي في السياسة الدولية. لذلك تواجه الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تحديًا لا يقتصر على مواجهة مجلس النواب الديمقراطي ومجلس الشيوخ الجمهوري، بل يمتد إلى صفوفها الداخلية التي تحمل رؤىً متباينة تجاه السياسة الخارجية.

2. التواجد الأمريكي في سورية

الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سورية وفي جنوب شرقها بقاعدة التنف، هو واحد من أهم الأوراق التي تملكها إدارة بايدن في التعاطي مع نظام الأسد وحلفائه الذين كسروا كل اتفاقية وقعت معهم بشأن سورية خلال عشر سنوات. لذلك يرجح أن تحافظ الإدارة الجديدة على هذا الوجود وتعززه أكثر49 .

وقد كان تأكيد بايدن عزمه إبقاء القوات في شمال شرق سوريا بعد انتقاده الحاد لسحب ترامب بعض هذه القوات من المواقف القليلة المعلنة لبايدن عن سوريا في الشهور القليلة الماضية50 .

3. سياسة بايدن تجاه الأكراد

حافظ بايدن على موقف داعم للأكراد خلال العقود الأربعة الماضية، منذ انتقاده لتهاون الرئيس بوش مطلع التسعينيات الذي أدى إلى استعادة القوات العراقية السيطرة على مناطق ذات غالبية كردية في شمال العراق.

في عام 2002، أكد بايدن في تصريح أمام “برلمان كردستان العراق” تأييده للإدارة الذاتية بأربيل بقوله: “الجبال ليست صديقتكم الوحيدة”. كما اقترح بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 تبني نموذج فدرالي يخفف التوترات الطائفية ويضمن للأكراد إدارة ذاتية. وفي أيار 2015، أبلغ بايدن مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق في ذلك الحين بمشاركته إياه آماله باستقلال الإقليم حين قال: “سنرى كردستان مستقلة في حياتنا”. وفي عام 2019، كان بايدن من أشد المنتقدين لسحب ترامب جزءًا من القوات الأمريكية من شمال شرق سورية مما سمح للقوات التركية بالسيطرة على الأراضي التي كانت تتواجد فيها.

لكن وجود بايدن في البيت الأبيض سيحدّ من آماله الشخصية في إطار الأجندة الأمريكية الأوسع في الشرق الأوسط، كما حدّ منها كونه نائب الرئيس أوباما.

في عام 2010، طلب بايدن وأوباما من الرئيس العراقي جلال طالباني التخلي عن منصبه لصالح رئيس غير كردي. هذا الطلب كان غير معقولاً؛ نظرًا لأن المتوافق عليه في العراق أن هذا المنصب مخصص للأكراد. وفي عام 2014، دعم بايدن رئيس الوزراء العراقي في حينها نوري المالكي حين خفض الميزانية المخصصة للإقليم وأخرج عناصر كردية من الجيش العراقي. لذلك رغم وعده للبرزاني بأنه سيرى “كردستان مستقلة” في حياته، إلا أن بايدن يدرك عواقب هذه الخطوة. وقد حذر في عام 2007 القادة الأكراد من السعي وراء الاستقلال حين قال إن الأتراك والإيرانيين “سيأكلونكم وأنتم أحياء، وسيهاجمونكم، وستكون حربًا شاملة”، وأكد في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على دعمهم.

وإذا أضفنا إلى ذلك دعوة وزير الخارجية الأمريكية المقبل توني بلينكن في وقت سابق لأن يكون الدعم العسكري الأمريكي لوحدات حماية الشعب مشروطًا بالتزام الوحدات بعدم استخدام هذه الأسلحة ضد تركيا، وتسليم مدينة الرقة بعد السيطرة عليها للقوات المحلية، واحترام سلامة الأراضي السورية، وإعلان الانفصال عن حزب العمال الكردستاني51 ، فإن من المرجح أن يحافظ بايدن على دعم محدود للأكراد في سورية يحميهم من الأطراف المحيطة، ولا يذهب بعيدًا إلى درجة دعم استقلالهم أو حتى سيطرتهم على مزيد من الأراضي، وربما يضغط للتوصل إلى اتفاق بينهم وبين الجانب التركي52 .

4. سياسة بايدن تجاه المعارضة السورية

يميل كل من بايدن ونائبته كمالا هاريس إلى لوم إيران وروسيا على ما آلت إليه الأمور في سوريا، دون البحث عن أعذار للنظام السوري كما يفعل الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، كما يتبنى بايدن نهجًا مؤسسيًا في الإدارة من شأنه أن يعزز الجهود الأمريكية لمواجهة التمدد الإيراني والروسي في سوريا خصوصًا والمنطقة عمومًا، خلافًا للإدارة العفوية وغير المتوقعة للرئيس دونالد ترامب. ومن هذا المنطلق، يرجح أن تدعم الإدارة الجديدة بالتعاون مع أنقرة والمعارضة السورية، وقف إطلاق النار الهش في محافظة إدلب وتحول دون سيطرة قوات النظام السوري وحلفائه عليها دون تدخل عسكري أمريكي مباشر.

لكن وصول بايدن إلى الرئاسة بحد ذاته كان من مخاوف شريحة كبيرة من المعارضين السوريين. تخشى المعارضة السورية من أن يؤدي تجديد بايدن للاتفاق النووي إلى فتح قناة دعم مالي جديدة لإيران ونظام الأسد الذي يعتمد عليها اقتصاديًا. وقد أكد وزير الخارجية الذي اختاره بايدن توني بلينكن مؤخرًا أن “قانون قيصر” الذي مرره الكونغرس وفرض أقصى العقوبات الاقتصادية حتى الآن على نظام الأسد، هو “أداة مهمة للغاية” لمحاولة الحد من قدرة النظام السوري على تمويل قمعه للسوريين، والضغط عليه لتغيير سلوكه. لكن هناك محاذير في قانون قيصر تتعلق باستثنائه للدعم الإنساني الذي وصل في السنوات السابقة عبر القنوات الرسمية للأمم المتحدة إلى نظام الأسد الذي استحوذ عليه ووزعه على أساس الولاء. وهناك غموض أيضًا إزاء موقف القانون من التبادلات التجارية عبر الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته.

تخشى المعارضة السورية أيضًا من اتخاذ إدارة بايدن موقفًا أكثر تشددًا تجاه تركيا ممثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية، التي تعد أبرز الحلفاء الدوليين المتبقين للمعارضة السورية. تستضيف تركيا جزءًا كبيرًا من المعارضة السورية وهيئاتها الرئيسة خارج البلاد، وتملك وجودًا عسكريًا في آخر المحافظات السورية الخارجة عن سيطرة النظام السوري أو وحدات حماية الشعب. ومن أهم مباعث القلق لدى المعارضة أيضًا، زيادة الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب بما يضمن لها تعزيز قبضتها على شمال شرق سوريا، رغم وجود مؤشرات على عدم الاستقرار في تلك المنطقة بسبب الأخطاء الإدارية من جهة وهجمات النظام السوري وتنظيم داعش من جهة أخرى. هذا الدعم وصل في عهد أوباما حسب رواية الحكومة التركية إلى آلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة53 .

يرجح أن يتميز الرئيس بايدن عن أوباما بكونه أكثر حسمًا في اتخاذ القرارات تجاه الملف السوري، وعن ترامب بكونه أكثر اهتمامًا بالملف54 . لذلك يتوقع عودة توافق دولي يشبه الائتلاف الدولي لأصدقاء سوريا، خاصة مع نفض الإدارة الجديدة الغبار عن التحالفات الدولية السابقة التي تجاهلتها إدارة ترامب وغادرت كثيرًا منها. هذا التوافق سيكون أكثر ميلًا لإحياء عملية سياسية بشأن سوريا في أطر الأمم المتحدة، لكنه سيواجه تحدي التفاهم مع تركيا، والضغط على روسيا لدفع النظام السوري إلى القبول بانتقال سياسي. لكن المحذور هنا هو استباق كل هذه الافتراضات بتخلي الإدارة عن المعارضة السورية في أثناء مفاوضاتها مع إيران كما فعلت إدارة أوباما.

خلاصة

شكّلت القضية السورية معضلة أساسية بالنسبة لإدارة أوباما، الحاصل بشكل مسبق على جائزة نوبل للسلام، فرغم أن الإدارة ناقشت فكرة إسقاط النظام في أكثر من مرحلة55 ، إلا أن أوباما كان يرفض في النهاية التوصيات التي تقدم له من أطراف داخل الإدارة الأمريكية نفسها، أو من دول صديقة، إن كانت هذه التوصيات تنتهي بإسقاط النظام أو القيام بعمل عسكري ضده.

وفي الواقع، فإنّ تصريحات الرئيس أوباما التي تتحدّث فيها عن وجوب سقوط الأسد لم تكن بمثابة إعلان عن خطة أمريكية لإسقاطه، بقدر ما كانت محاولة من الرئيس وقتها لتثبيت موقف قبل سقوط الأسد الذاتي الوشيك، حتى يكون الموقف الأمريكي على “الجانب الصحيح من التاريخ”.

إلا أن إدارة أوباما أدركت في عامها الأخير أن سقوط الأسد لن يحصل بشكل تلقائي، ولذا قامت بتعديل سياستها، وتوقفت عن مناقشة خطط إسقاط النظام، واعتمدت بدلاً من ذلك رغبتها في تغيير سلوكه56 أو محاربة الإرهاب الذي لم ينشأ في الواقع إلاّ نتيجةً لسلوك النظام.

وقد تبنّت إدارة ترامب عملياً هذه السياسة بالكامل، مع تكثيف لها، حيث غابت انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان عن أدبيات البيت الأبيض، انسجاماً مع تغييب البعد الحقوقي في كل الملفات، كما تراجعت أهمية القضية السورية على أجندة واشنطن بشكل كبير، على خلاف الوضع في عهد أوباما، حيث كان وزراء الخارجية في عهده (جون كيري وهيلاري كلينتون) منشغلان بهذه القضية إلى حد كبير.

وعلى ما يبدو، فإنّ إدارة بايدن سوف تتابع إلى حدّ كبير في سياسة الرئيس ترامب من حيث محدودية أهمية الملف السوري في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث يواجه الرئيس الجديد عدداً من المعطيات التي تحدّ من قدرته ورغبته في التدخل، أهمها الوضع الميداني الجديد، والمختلف بالكامل تقريباً عما كان عليه الوضع إبان وجود بايدن نائباً للرئيس، والضغوط المتزايدة من التيار التقدمي في الحزب الديموقراطي، حيث يميل هذا التيار في معظمه إلى دعم الأسد، بالإضافة إلى الضغط الذي يمثله إرث أوباما على الرئيس الجديد، والذي يخشى من تورطه في وعود لا يقوى على تنفيذها.

وبالعموم، فإنّ من المرجّح أن يتميز الرئيس بايدن عن أوباما بكونه أكثر حسمًا في اتخاذ القرارات تجاه الملف السوري، وعن ترامب بكونه أكثر اهتمامًا بالملف. كما يرجح أن يعمد إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية للضغط على النظام وروسيا من أجل التوصل إلى حل سياسي متوازن.

لكن الإشكال الأكبر بالنسبة للقضية السورية سيكون في موقف الإدارة الجديدة من طهران، إذ أن إعادة إحياء التفاوض على الاتفاق النووي، يعني عودة الملف السوري إلى كونه ورقة تفاوضية أخرى بين الطرفين، وهو الأمر الذي كرّسه أوباما أصلاً في مكالمته الشهيرة مع روحاني عام 2013.

كما أن الإشكال الآخر يكمن في التوافقات الروسية-الأمريكية المحتملة، والتي قد تشمل إدماج النظام ضمن صفقة أكبر في المنطقة، ربما تشمل التطبيع مع إسرائيل، والذي قد يكون مفتاح الحل لكسر الحصار الدبلوماسي العربي والدولي المفروض على الأسد منذ عام 2011.

الهوامش:

1. How Trump Can End the War in Syria, Foreign Affairs, 26-4-2020:https://fam.ag/34AUzQ7

2. Obama’s Syria failure is a perfect case study in how bad foreign policy is made, Vox, 16-3-2016: https://www.vox.com/2016/3/16/11244980/obama-syria-policy

3. Secret CIA effort in Syria faces large funding cut, New York Times, 12-6-2015: https://wapo.st/2KuYQOd

4. After A Long Wait, Syrian Rebels Hope The Weapons Will Now Flow, npr, 17-9-2014: https://n.pr/3perEt1

5. The failed US mission to try and rescue James Foley from Islamic State terrorists, The Telegraph, 21-8-2014: https://bit.ly/3rmgJ2e

6. House grudgingly approves arms for Syrian rebels, New York Post, 17-9-2014: https://bit.ly/3mzC6ty

7. Trump wants out of Syria, but don’t say ‘timeline’, Inquirer, 6-4-2018: https://newsinfo.inquirer.net/980565/trump-wants-out-of-syria-but-dont-say-timeline

8. Trump’s reckless Middle East policy has brought the US to the brink of war, Brookings, 6-1-2020: https://brook.gs/3pcmyh2

9. Trump’s Foreign Policies Are Better Than They Seem, Council on Foreign Relations, April 2019: https://www.cfr.org/sites/default/files/report_pdf/CSR%2084_Blackwill_Trump.pdf

10. USA: Trump describes Syria as ‘sand and death’ in defence of US withdrawal, Ruptly, 2-1-2019: https://www.youtube.com/watch?v=9itxV4gcf5g

11. Trump ends CIA arms support for anti-Assad Syria rebels: U.S. officials, Reuters, 20-7-2017: https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-usa-syria-idUSKBN1A42KC

12. US ends Syria stabilization funding, cites more allied cash, Associated Press, 17-8-2018: https://apnews.com/article/31eaa3ca51ed480f90ef6363156b710e

13. Trump Freezes Funds for Syrian Recovery, Signaling Pullback, Wall Street Journal, 30-3-2018: https://on.wsj.com/3nFiPZ6

14. Trump suspends US refugee programme and bans Syrians indefinitely, BBC, 28-1-2017: https://www.bbc.com/news/world-us-canada-38777437

15. Top White House Official Went to Syria for Hostage Talks, Wall Street Journal, 18-10-2020: https://on.wsj.com/3nFxfIJ

16. Golan Heights: Trump signs order recognising occupied area as Israeli, BBC, 25-3-2019: https://www.bbc.com/news/world-middle-east-47697717

17. Transcript: Joe Biden foreign policy adviser Antony Blinken on COVID shortfalls, failures in Syria, CBS news, 20-5-2020: https://cbsn.ws/2WyuL2K

18. A Statement by President Obama on Syria, Obama White House, 22-4-2011: https://obamawhitehouse.archives.gov/blog/2011/04/22/statement-president-obama-syria

19. Obama’s Iran and Syria muddle, Washington Post, 10-6-2012: https://wapo.st/3mFkeO2

20. Inside the White House During the Syrian ‘Red Line’ Crisis, The Atlantic, 3-6-2018: https://bit.ly/3mHyWnq

21. Obama, Iran’s Rouhani hold historic phone call, Reuters, 28-9-2013: https://www.reuters.com/article/us-un-assembly-iran-idUSBRE98Q16S20130928

22. Obama Says He Spoke On The Phone With Iranian Leader, npr, 27-9-2013: https://n.pr/3nIgTie

23. The Making and Unmaking of Syria Strategy under Trump, The Century Foundation, 29-11-2018: https://tcf.org/content/report/making-unmaking-syria-strategy-trump/?agreed=1

24. في ذكرى إحياء ضحايا الحرب الكيميائية، الشعب السوري أكثر ضحايا الأسلحة الكيميائية في القرن الحالي، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 30-11-2020: https://sn4hr.org/arabic/2020/11/30/12873/

25. Trump’s Foreign Policies Are Better Than They Seem, Council on Foreign Relations, April 2019, p39-p40: https://www.cfr.org/sites/default/files/report_pdf/CSR%2084_Blackwill_Trump.pdf

26. How to salvage Syria and protect US troops, Brookings, 18-11-2019: https://brook.gs/3pfOoc8

What Biden’s Syria policy might look like, TRT World, 24-11-2020: https://www.trtworld.com/opinion/what-biden-s-syria-policy-might-look-like-41758

27. US POLICY AND THE RESURGENCE OF ISIS IN IRAQ AND SYRIA, Middle East Institute, October 2020, p3: https://bit.ly/37CAUkT

28. US-Turkey ties under Biden: confrontation or conciliation?, Al-Monitor, 23-11-2020: https://bit.ly/2WBNTNo

29. U.S. Relations with Turkey, U.S. Department of State, 28-7-2020: https://bit.ly/3hajsat

30. Trump Administration Sanctions Turkey’s Military Procurement Agency for 2017 Purchase of Russian Missile System, Gibson Dunn, 18-12-2020: https://bit.ly/3nID5sF

31. Turkey: Background and U.S. Relations In Brief, Congressional Research Service, 9-11-2020: https://fas.org/sgp/crs/mideast/R44000.pdf

32. Turkish Bank Case Showed Erdogan’s Influence With Trump, New York Times, 29-10-2020: https://www.nytimes.com/2020/10/29/us/politics/trump-erdogan-halkbank.html

33. What could a new ambassador mean for Turkey-Israel relations?, Aljazeera, 16-12-2020: https://bit.ly/37DWXHH

34. In Syria and Libya, Trump Is Torn Over 2 Wars, and 2 Strongmen, New York Times, 27-2-2020: https://www.nytimes.com/2020/02/27/world/middleeast/trump-syria-russia-libya.html

35. US govt agencies among 18k hit by suspected Russian hacking, The Strait Times, 16-12-2020: https://bit.ly/3nIDgEl

36. Trump downplays government hack after Pompeo blames it on Russia, The Guardian, 19/12/2020: https://bit.ly/37Fm8K3

37. خريطة النفوذ العسكري في سورية 01-12-2020، جسور للدراسات، 1-12-2020: https://bit.ly/3nFxQtX

38. Assad regime ‘controls less than a third of Syria’, claims former premier, The Independent, 14/8/2012: https://bit.ly/37CUMEy

39. سورية واليسار الأنتي إمبريالي الغربي، الجمهورية، 24-2-2017: https://bit.ly/2Kj63Bb

40. Kamala Harris rips into Tulsi Gabbard as being an Assad apologist and Fox News regular who criticizes her own party, Business Insider, 21-11-2019: https://bit.ly/3h966eu

41. Assad Is Reaching Out to Washington Insiders, Bloomberg, 22-12-2015: https://bloom.bg/3pcnMJa

42. The Pointless Cruelty of Trump’s New Syria Sanctions, Foreign Affairs, 17-8-2020: https://fam.ag/3h6NLyW

43. Biden must fix Obama’s biggest foreign policy failure, Washington Post, 4-9-2020: https://wapo.st/38prEzQ

44. The Biden Administration Can And Should Rectify America’s Failures In Syria, Hoover Institution, 8-12-2020: https://hvr.co/3rl6jjp

45. Limited and constrained: The Biden administration and the prospects of a Syria policy, Atlantic Council, 3-12-2020: https://bit.ly/3rh0tzD

46. U.S. Strategy Against ISIS, C-span, 16-9-2020: https://bit.ly/3mOfWnD

47. Lloyd Austin’s qualities may have worked for him as a general, but not as defense secretary, Washington Post, 9-12-2020: https://wapo.st/3rn4TVY

48. What Is an ‘Endless War’?, National Review, 24-10-2019: https://bit.ly/37Hguay

49. The Biden Administration Can And Should Rectify America’s Failures In Syria, aforementioned.

50. Biden says Trump’s decision to withdraw from Syria is ‘most shameful thing’, USA Today, 15-10-2019: https://bit.ly/3hac7rF

51. To Defeat ISIS, Arm the Syrian Kurds, New York Times, 31-1-2017: https://nyti.ms/3hcMypU

52. What Biden can and cannot do for the Kurds, Aljazaeera, 2-12-2020: https://bit.ly/34C7xNL

53. Syrian opposition figures see cause for optimism in Joe Biden’s election, The National News, 10-11-2020: https://bit.ly/3nHrsSW

54. Biden Has a New Opportunity in Syria, Arab Center Washington DC, 7-12-2020: http://arabcenterdc.org/policy_analyses/biden-has-another-opportunity-in-syria/

55. Stymied at U.N., U.S. Refines Plan to Remove Assad, The New York Times, 21-7-2012: https://cutt.us/vdbst

56. المبعوث الأمريكي إلى سورية: هدفنا ليس إسقاط النظام بل تغيير سلوكه”، روسيا اليوم، 23-11-2018، https://cutt.us/sCQ3M

للحصول على نسخة الكترونية حمل الملف

https://www.jusoor.co/public/content_images/users/4/contents/1316.pdf

جسور للدراسات

——————————-

شرق سوريا: احتمالات الحرب قبل تسلم الرئيس بايدن مهامه/ منهل باريش

تجدد القصف المدفعي التركي على منطقة عين عيسى شمالي محافظة الرقة السورية، وبدأت المدفعية باستهداف محيط عاصمة الإدارة الذاتية ليل الخميس، وبدأت فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة باستهداف نقاط تمركز قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال قرية مشيرفة الواقعة على طريق عين عيسى- الحسكة/M4 والتي تعتبر إحدى بوابات عين عيسى من الجهة الشرقية. وتقدم اللواء 123- أحرار الشرقية التابع للفيلق الأول في الجيش الوطني وسيطر على قريتي الجهبل ومشيرفة على طريق M4 وحصلت “القدس العربي” على شريط مصور لعناصر في أحرار الشرقية على طريق M4.

في حين نفت وسائل إعلام تابعة لقسد سيطرة الجيش الوطني على قرية مشيرفة، وادعى الطرفان سقوط عدد كبير من القتلى من الطرف الآخر، في حين أشارت صفحات مستقلة لسقوط عشرة قتلى من الجانبين. وانسحبت قسد من القرية من دون مقاومة أو دفاع، فجر الجمعة، مع بدء تقدم كتائب الفيلق الأول، ما يرجح عدم سقوط قتلى في الاشتباكات.

على المحور الغربي، من منطقة نبع السلام، سيطرت فصائل الجيش الوطني، ليل الجمعة، على قرية تينة شمال غرب عين عيسى وهي تحاذي طريق حلب- الحسكة/M4.

في السياق، تظاهر عدد من الأفراد أمام القاعدة الروسية المتمركزة في مدرسة علي بن أبي طالب في الحي الشرقي من عين عيسى. في حين كانت قذائف المدفعية التركية تتساقط في المنطقة القريبة من عين عيسى، على مرآى ومسمع الضباط الروس.

واستقدمت قسد تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المدينة من الرقة، وبدأت الإدارة الذاتية ومجلس عين عيسى العسكري بعمليات حفر وتحصين غربي البلدة وشمالها، شملت رفع السواتر الترابية وحفر انفاق أفراد على عدة خطوط تحسبا من وقوع الأسوأ بالنسبة لقسد. وقام المجلس العسكري بالتعاقد مع عدد من عمال الحفريات بهدف سرعة التنفيذ. ولم يقتصر التحصين الهندسي على حفر الخنادق بل شمل توسيع شبكة الأنفاق في داخل البلدة ومحيطها. وتعتمد قسد على شبكات الأنفاق التي ورثتها من تنظيم “الدولة” في أغلب المدن، وهو ما تبين في تل أبيض. وحافظت قسد كذلك على شبكة أنفاق منبج وأعادت تأهيلها وفعلت الأمر نفسه في منطقة الجزيرة وكامل حواضر وقرى الضفة اليسرى على نهر الفرات في محافظة دير الزور.

وعقد مجلس عين عيسى العسكري التابع لقسد والضباط الروس وضباط في جيش النظام جلسة مفاوضات، الأربعاء، لإيجاد حل لوضع عين عيسى. وعلمت “القدس العربي” من مصادر مقربة من مجلس عين عيسى العسكري، أن الروس حاولوا تدوير الزوايا مع قسد، بعد رفضها بشكل قاطع تسليم المدينة للنظام السوري. واقترحوا تسلميها للشرطة العسكرية الروسية، وان تنسحب قوات النظام خارج المدينة وتنتشر على طريق حلب- الحسكة/M4 وان تتراجع قسد عن المدينة إلى حدود 4 كم، بشرط أن تسلم المؤسسات الحكومية إلى حكومة النظام بشكل كامل، وان تدخل الشرطة المدنية فقط، من دون إنشاء مربع أمني أو مفارز أو أقسام أمنية تتبع لمخابرات النظام السوري.

رسائل ضغط

رفضت قسد، ممثلة بالمجلس العسكري في عين عيسى المقترح الروسي مجددا، وعرضت نشر الشرطة العسكرية الروسية وإعطائها مزيدا من المقرات داخل المدينة، وإنشاء ما تريد من المعسكرات، بشرط عدم دخول قوات النظام إلى البلدة.

وفضلت روسيا الصمت على الهجوم المحدود في محيط عين عيسى، وكذلك فعلت تركيا، وقيادة الجيش الوطني، وقائد الفيلق الأول الذي يتبع له تجمع أحرار الشرقية. وقال مصدر عسكري في أحد الفصائل التابعة للفيلق الأول “أرسل العميد معتز رسلان قائد الفيلق رسالة نفى فيها بدء عملية عسكرية، وان قيادة الجيش والفيالق لم تتلق أي إشارة أو تعليمات من تركيا من أجل الاستعداد لعملية” مكتفيا بالقول “لا يوجد عمل عسكري”. وأصبحت المناوشات عبارة عن رسائل ضغط من كل الأطراف على قسد من أجل تسليم البلدة للنظام السوري. فبعد مضي ثلاثة أسابيع على المفاوضات الثلاثية بين روسيا والنظام وقسد، وامتناع الأخيرة عن تقديم أي تنازل بخصوص عين عيسى، فمن غير المستبعد أن تطلق روسيا يد فصائل الجيش الوطني السوري في محيط عين عيسى وتركها تسيطر على عدة نقاط على طريق M4 كما حصل الجمعة، بهدف إجبار قسد على تقديم التنازلات.

على صعيد المفاوضات، تفيد التجارب السابقة التي خاضتها وحدات حماية الشعب الكردية مع روسيا أنها رفضت تسليم النظام السوري منطقة عفرين، خلال المفاوضات التي حصلت في حلب مطلع 2018 ودفعت الوحدات ثمنها غاليا بسماح روسيا لتركيا شن عملية غصن الزيتون التي أسفرت عن سيطرة تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها على عفرين، وحصر نشاط قسد في جيب صغير شرقي عفرين، أطلقت عليه “الإدارة الذاتية” اسم منطقة الشهباء.

في نهاية صيف 2019 رفضت قسد مجددا الانسحاب إلى 30كم خارج المنطقة الحدودية، وخاضت مواجهة غير متكافئة مع الجيش التركي والجيش الوطني السوري، أدت لخسارتها مناطق واسعة من محافظة الحسكة والرقة، تمتد من تل أبيض غربا إلى حدود تل تمر شرقاً.

لكنها نجحت في تخفيف الغضب التركي في موافقتها على اتفاقي تركيا المنفصلين، مع أمريكا وروسيا، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وسمحت لقوات النظام السوري بالانتشار رمزيا في مناطق التماس مع الجيش التركي، بهدف منعه من توسيع منطقة عملياته. وامتصت الغضب التركي بتسهيل عمل الدوريات الروسية التركية المشتركة.

وتتسابق الأطراف في شمال الرقة لفرض واقع جديد، خلال 30 يوما، قبل تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جوزيف بايدن صلاحياته في 20 كانون الثاني (يناير) 2021. ففي حال انقضت الثلاثون يوما دون تغيير في خريطة السيطرة، فمن المرجح عدم تغيرها خلال ولاية الرئيس الأمريكي الجديد، مدة أربع سنوات مقبلة. وهذا ما يشجع تركيا لتستغل الفترة الضيقة والبحث عن الخواصر الرخوة في مناطق سيطرة قسد. وتنظر إلى عين عيسى على أنها أضعف النقاط باعتبار أن جيشها يقف على مشارفها من الجهة الشمالية وتقع على تحت مدى نيران رشاشات فصائل الجيش الوطني. وهي في الوقت ذاته، تعتبر العاصمة السياسية للإدارة الذاتية، ومركز هيئاتها. وتتوسط عين عيسى مناطق سيطرة قسد الممتدة من ريف حلب الشمالي وصولا إلى الحدود العراقية، وانتزاعها من يد قسد يعني خسارة طريق M4 الذي يربط بين منبج والحسكة، وهو أهم الطرق الحيوية على الإطلاق في شمال وشرق سوريا.

يشير إخفاق المفاوضات إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري “وحدات حماية الشعب” يقاومان الضغط الروسي على وقع نيران المدافع التركية والرشاشات الثقيلة للجيش الوطني، حتى مع السيطرة على عدة قرى. فهي تدرك أن الضغط العسكري التركي يصب في مصلحة الجانب الروسي ومصلحة النظام في نهاية الأمر. وهذا لا تمانعه أنقرة بطبيعة الحال حيث تهدف إلى تحطيم سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره ذراعا سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابيا منذ 35 عاماً.

مع تعقيدات ملف عين عيسى تتراجع احتمالات الهجوم التركي، فهو يحتاج إلى موافقة روسية يبدو أنها غير متوفرة حتى اللحظة بسبب الاتفاق الروسي التركي الذي يخول روسيا بالإشراف على طريق M4 إلا إذا حصل توافق عبر الخط الساخن بين أنقرة وموسكو يقضي ببدء تركيا لعملية عسكرية تطرد فيها وحدات حماية الشعب من عين عيسى ومناطق أخرى، ومن ثم تقوم بتسليمها لروسيا شريطة عدم السماح لقسد بالدخول إليها. ورغم غرابة هذا السيناريو فهو غير مستبعد في جنون الحرب السورية، وفي ظل المخاوف التركية الكبيرة من أجل حماية أمنها القومي، وسيخلق في صفوف جمهور الثورة والمعارضة انقساما كبيرا مرة أخرى حول أولويات فصائل الجيش الوطني وتوجهاتها وولائها المطلق لتركيا.

————————-

أجندة دبلوماسية قصيرة المدى لِلُغز السوري/ تشارلز ثيبوت

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة. وإذا أراد الرئيس المنتخب جو بايدن خلق نفوذ إضافي قبل محاولة إجراء مفاوضات صعبة مع روسيا، فسوف يحتاج إلى التحلي بالصبر الاستراتيجي من خلال الشراكة مع الحلفاء بشأن عشر قضايا أولية.

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب جو بايدن إزاء سوريا. وقد ترسم معالمها خمسة عوامل متناقضة.

أولاً، لم تكن سوريا قط في الواقع من أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويبدو أن تجديد الإطار الدولي لوقف البرنامج النووي الإيراني هو الهدف الأول لبايدن في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أدى التعهد المتكرر بـ “إنهاء الحروب التي لا نهاية لها” إلى خلق توافق آراء أمريكي واسع النطاق ضد وجود بصمة أكبر في الخارج، وستؤدي جائحة الفيروس التاجي إلى مزيد من التقليل في النطاق الترددي للبيت الأبيض فيما يتعلّق بسوريا.

ثانياً، فقدت الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في سوريا بسبب سياسات إدارتي أوباما وترامب. على سبيل المثال، عندما واجهت عملية تركية من عبر الحدود في الشمال الشرقي من البلاد أواخر العام الماضي، انسحبت القوات الأمريكية جزئياً، مما أدى إلى عدم وضوح الخطوط الأمامية التي كانت مستقرة سابقاً بين القوات الروسية والتركية والأمريكية.

ثالثاً، أشاد بايدن بموقف القوة المحدود الذي تتخذه الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. وعلى عكس الديمقراطيين البارزين الآخرين، يعتبر أن استراتيجية “عبر، ومع، ومن خلال” المستخدمة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تزال نموذجاً جيداً عن عمل الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. وقد يشير ذلك إلى استعداده للاحتفاظ بوحدة صغيرة على أرض الميدان لدعم الشركاء المحليين.

رابعاً، تحدّثت شخصيات بارزة في حملة بايدن – بمن فيها مرشحه الحالي لوزير الخارجية، توني بلينكين، ومرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان – علناً عن الأخطاء التي ارتُكبت في سوريا خلال إدارة أوباما. ويجدر بالذكر أن بلينكين كان قد صرّح بأنه لا يستطيع تخيّل اعتماد سياسة إعادة التعامل مع بشار الأسد.

خامساً، عندما أقر المشرّعون الأمريكيون “قانون قيصر” في العام الماضي، عملوا على بناء آليات تهدف إلى مقاومة التغيير من قبل الإدارات الأمريكية المستقبلية. لذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف نظام الأسد.

للوهلة الأولى، لا يبدو أن هذه العوامل تترك مجالاً كبيراً لاستراتيجية جديدة بشكل خاص تجاه سوريا، مما يشير إلى أن سياسة الوضع الراهن ستستمر. ومع ذلك، تتمتع واشنطن بنفوذ أكبر مما تدركه، طالما أنها مستعدة للتخلي عن منطق الانهزام الذاتي الذي ساد في السنوات الأخيرة.

كيف يمكن لبايدن تغيير الوضع الراهن في سوريا؟

إن أحد الشروط الأساسية لكسر الجمود الدبلوماسي هو الإقرار بأن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل أو الطموح لحل الأزمة السورية بمفردها، سواء من خلال التدخل العسكري أو عقد صفقة كبرى مع روسيا وتركيا. ومع ذلك، يمكن لواشنطن أن تحقق أهدافاً أكثر تحديداً، مثل تحسين الوضع الإنساني، وإعادة تشكيل إطار الأمم المتحدة للمفاوضات بين الأطراف السورية، ومنع الأعمال العدائية الجديدة في شمال البلاد.

ويتمثل الشرط الثاني بالجمع بشكل أفضل بين المصادر المتباينة للنفوذ الأمريكي. فالمشهد السياسي في سوريا مجزأ للغاية، لذلك سيتعين على فريق بايدن تقديم أداء أفضل من خلال الجمع بين الأمور المالية والقانونية والدبلوماسية والسياسية التي كان يتمّ التعاطي معها سابقاً بشكل منفصل أو تم تجاهلها.

الشرط الثالث هو إعادة إدخال بعض الطاقة الدبلوماسية في السياسة السورية. لقد تعهد بايدن باستعادة القيادة الأمريكية، وإعادة بناء التحالفات، والعمل بشكل أوثق مع الشركاء الأجانب بشكل عام، وأحد الأشكال الواضحة للقيام بذلك في سوريا هو ما يسمى بـ “المجموعة الصغيرة”، التي تضم بريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والمملكة العربية السعودية. وقد اجتمعت هذه المجموعة بانتظام، لكن إدارة ترامب كانت مترددة في الاستثمار فيها، محرزة القليل من التقدم الملحوظ في تنسيق جهد قوي رفيع المستوى لإصلاح عملية الأمم المتحدة أو التعامل مع روسيا وتركيا وإيران.

أجندة قصيرة الأجل لـ “المجموعة الصغيرة”

يجدر بـ “المجموعة الصغيرة” الاجتماع بسرعة بعد إقرار تعيين وزير الخارجية الجديد في إدارة بايدن. وفي ذلك الاجتماع الأول، من الضروري أن يعمل المسؤولون على تقييم مسؤولية روسيا وإيران وتركيا عن الوضع الميداني الراهن وجمود الأمم المتحدة. وبعد ذلك، عليهم منح الأولوية للصبر الاستراتيجي، والتركيز في الوقت الحالي على تأكيد المواقف المشتركة التالية بدلاً من محاولة صياغة استراتيجية جديدة كبرى لسوريا:

1. تحديد موعد نهائي للجنة الدستورية. بعد أكثر من عام على قيام هذه اللجنة بقيادة الأمم المتحدة لم تسفر [أعمالها] عن نتائج ملموسة. وعلى الرغم من النواقص التي تشوبها وفرص نجاحها المحدودة، كانت فكرة إنشاء اللجنة تستحق التجربة ولو كان ذلك فقط لمنع روسيا من استغلال العملية الدبلوماسية وإعادة نظام الأسد إلى حالته الطبيعية دون معالجة أي من الأسباب الجذرية للحرب. ومع ذلك، عرقل النظام السوري باستمرار جهود اللجنة لعدة أشهر على أمل أن يتمكّن الأسد من “الفوز” في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بموجب الدستور الحالي. وما لم تحقق اللجنة تقدماً كبيراً خلال جلستها المقبلة (المقرر عقدها في 25 كانون الثاني/يناير)، سيكون من الحكمة أن تحدد الولايات المتحدة وحلفاؤها تاريخ انتهاء مهمتها، والدعوة إلى حلها إذا لم تتوصل إلى نتائج ملموسة في غضون بضعة أشهر.

2. حث الأمم المتحدة على إعداد آلية مراقبة محكّمة للانتخابات السورية في 2021، بالإضافة إلى توفير خيارات آمنة ومحايدة للسوريين في الخارج لكي يشاركوا في الانتخابات. من غير المرجح أن يوافق النظام السوري على مراقبة الأمم المتحدة للانتخابات، لكن إعداد مثل هذه الآلية أمر مهم لتوضيح ما تعنيه النتيجة. أي أنه إذا رفض النظام المراقبة، فإن ذلك سيقوّض شرعية “الفوز” المفترض للأسد؛ أما إذا سَمح بها، فمن المحتمل أن توضح النتائج المسجلة أن الانتخابات كانت مزورة.

3. تسريع المصالحة الكردية. في الآونة الأخيرة، انخرط مقاتلون أكراد سوريون في اشتباكات حدودية مع القوات الكردية العراقية. وتُظهر مثل هذه الحوادث أن تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا لن يكون ممكناً إلا من خلال بذل جهود على مستوى رفيع لحل الخلافات بين الفصائل الكردية المتناحرة واستبعاد الأعضاء غير السوريين في «قوات سوريا الديمقراطية». وقد أرسلت فرنسا والولايات المتحدة مبعوثين خاصين بشكل منفصل للوساطة بين «قوات سوريا الديمقراطية» و «المجلس الوطني الكردي» المدعوم من تركيا، لكن من الضروري [الاتفاق على] المزيد من التنسيق والضغط السياسي. وقد بدأ الوقت ينفد نظراً لخطر قيام تركيا بشن هجوم آخر، لذلك على “المجموعة الصغيرة” أن توضح لقادة «قوات سوريا الديمقراطية» أنه يتعين عليهم الامتثال في وقت قريب. ومن بين الضرورات الأخرى، يعني ذلك منح أنقرة ضمانات أقوى بأنها ستفصل «قوات سوريا الديمقراطية» عن «حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا.

4. الضغط على تركيا لاحتواء الجهاديين. في وقت سابق من هذا الشهر، أفادت بعض التقارير أن الجهادي البارز المرتبط بتنظيم «القاعدة» عبد الله بن محمد المحيسني التقى مع جماعة «فيلق الشام» المدعومة من تركيا في منطقة عفرين في شمال غرب سوريا. ومثل هذه الحوادث يجب أن تحفز “المجموعة الصغيرة” على معارضة أي تواطؤ بين شركاء تركيا والعناصر الجهادية بشكل علني؛ وخلاف ذلك، فمن الممكن أن تصبح أجزاء كبيرة من شمال سوريا ملاذات آمنة لمنتسبي تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية».

5. إشراك «قوات سوريا الديمقراطية» في عملية الأمم المتحدة كجزء من المعارضة السورية. بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 2254، يميل المسؤولون إلى المساواة بين “المعارضة” و “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي يهيمن عليها «الائتلاف الوطني السوري». وقد دفعت هذه المقاربة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى استبعاد «قوات سوريا الديمقراطية» من العملية الدبلوماسية التي ترعاها الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن «الائتلاف الوطني السوري» و«قوات سوريا الديمقراطية» بحاجة ماسة إلى التوصل إلى ترتيب يمكنهما بموجبه استعادة نفوذهما الدبلوماسي والإقليمي، وفي الوقت نفسه منع دمشق وموسكو من إرغام «قوات سوريا الديمقراطية» على عقد صفقة مع نظام الأسد. وقد سبق أن استضافت مصر محادثات بين «قوات سوريا الديمقراطية» وما يسمى بـ “مجموعة القاهرة”، وهي فصيل أقلية ضمن «الائتلاف الوطني السوري». كما تم أيضاً إشراك أفراد من المعارضة. بإمكان جهد مشترك من قبل دول “المجموعة الصغيرة” أن يساعد في تنشيط هذه العملية.

6. إصلاح إطار العمل الإنساني وزيادة المساعدات. إن [الدول] الأعضاء في “المجموعة الصغيرة” هي من بين أكبر الجهات المانحة الإنسانية للسوريين المحتاجين، لذلك لديها نفوذ كبير للضغط على المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة في دمشق لمواجهة اختطاف النظام للمساعدات. عليها أيضاً إعداد بدائل مشتركة لإطار عمل الأمم المتحدة في حالة عدم تجديد القرار الخاص بالدعم الإنساني عبر الحدود في تموز/يوليو 2021. وعلى افتراض أن يتم إصلاح الإطار، يجب تشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على توفير تمويل إضافي للعمليات الإنسانية (حتى الآن لم يتم تحقيق سوى 40 بالمائة من هدف التمويل لعام 2020). بالإضافة إلى ذلك، من شأن التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة الإنسانية أن يساعد على التخفيف من مشكلة امتثال المصارف المفرط للعقوبات. وعلى الرغم من أن “قانون قيصر” والإجراءات المماثلة تستهدف مسؤولي النظام وتشمل العديد من الاستثناءات الإنسانية، إلّا أن المؤسسات المالية الدولية غالباً ما تخطئ عندما يتعلق الأمر بالحذر والإفراط في الامتثال لهذه القيود، مما يخلق بصورة غير مباشرة عقبات خطيرة للعمليات الإنسانية.

7. النظر في السماح بمشاريع “التعافي المبكر” في المناطق التي يسيطر عليها النظام وبذل المزيد من الجهود لإرساء الاستقرار في شمال سوريا. بدلاً من أن تركز الجهات المانحة حصراً على الإغاثة في حالات الطوارئ، عليها زيادة إمكانية تقديم الأموال إلى مشاريع أخرى استناداً إلى وضع كل منطقة. على سبيل المثال، إذا أثبتت “المجموعة الصغيرة” قدرتها على التوسّط لإحراز تقدم بين «قوات سوريا الديمقراطية» وتركيا، بإمكان الأعضاء الأوروبيين القيام بالمثل من خلال تعزيز مساهماتهم في جهود تحقيق الاستقرار في شمال سوريا، والتي تشمل الأراضي التي تسيطر عليها تركيا. وبالمثل، يمكن للأعضاء عرض تمويل إصلاحات البنية التحتية الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها النظام إذا وافقت دمشق على تقليل هجماتها العسكرية وتدخلها في العمليات الإنسانية. وقد يكون هذا حافزاً جذاباً بشكل خاص للنظام في الوقت الذي حتى جمهوره الموالي يعاني من الأزمات الاقتصادية والصحية.

8. إعادة التأكيد على شروط إعادة الإعمار. لطالما اشترطت الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” تمويلهما لمشاريع إعادة الإعمار على إحراز تقدم ملموس في العملية السياسية، لكن روسيا تضغط على الدول الأوروبية لتغيير هذه السياسة. ولذلك ينبغي على”المجموعة الصغيرة” أن تجدد التزامها بالشروط.

9. تعزيز التعاون ضد مجرمي الحرب. تثبت قضايا المحاكم الأخيرة في ألمانيا أن بإمكان السلطات العثور على المسؤولين السوريين السابقين المتهمين بارتكاب جرائم حرب ومحاكمتهم. وبالمثل، قررت هولندا تحميل دمشق المسؤولية القانونية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بموجب “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”. وفي المرحلة القادمة، يجب على أعضاء “المجموعة الصغيرة” تعزيز التعاون القضائي وتوسيع الدعم للمنظمات غير الحكومية السورية التي تركز على جمع الأدلة ومساعدة الضحايا.

10. تذكير النظام بالإجراءات قصيرة المدى التي يمكن أن تكسر الجمود. على الرغم من أنه من غير المرجح أن ينخرط الأسد في عملية بناء ثقة تدريجية نحو إجراء مفاوضات محتملة، إلّا أنه مع ذلك يتعيّن على “المجموعة الصغيرة” أن توضح الخطوات التي يمكن أن يتخذها للإشارة إلى اهتمامه [بقرار] آخر غير الحل العسكري الفعلي والعزلة الدولية المستمرة. وتشمل هذه الخطوات إطلاق سراح السجناء السياسيين، ووقف اعتقالات اللاجئين العائدين، وإنهاء الضربات الجوّية ضد المنشآت المدنية.

وفي النهاية، فإن التوصل إلى حل وسط مع روسيا هي الطريقة الوحيدة لتحقيق نتيجة تفاوضية في سوريا، بما أن موسكو اكتسبت تأثيراً كبيراً من خلال إطار “عملية أستانا” وعلاقاتها الثنائية مع تركيا وإيران. وحالما تعزز “المجموعة الصغيرة” نفوذها من خلال تنفيذ جدول الأعمال قصير المدى الموصوف أعلاه، [فعندئذ] يمكنها متابعة الهدف متوسط المدى المتمثل في دمج جهودها مع صيغة “عملية أستانا”. وقد يساعد ذلك المجموعة على فتح مفاوضات أكثر عالمية، وتنشيط عملية الأمم المتحدة، وتقييم ما إذا كانت مستعدة وقادرة على استضافة محادثات جوهرية بين السوريين أنفسهم. ويمكن للتطورات على الجبهات الأخرى – ربما من خلال البرنامج النووي الإيراني – أن تسهل هذه العملية.

وستتطلب جميع هذه النقاط إجراء مفاوضات صعبة، لذا لا يمكن تحقيق تقدم سوى من خلال وجود قيادة أمريكية قوية قائمة على عملية حقيقية متعددة الأطراف. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه واضحة، وتتمثل باستخدام الزخم الذي منحه حفل التنصيب القادم للرئيس الأمريكي المنتخب للتأكيد لدمشق وموسكو وطهران بأن استراتيجيتها الحالية المتمثلة بانتظار تبلور الأمور في الولايات المتحدة لن تنجح.

تشارلز ثيبوت هو زميل زائر في معهد واشنطن.

——————————–

======================

تحديث 24 كانون الأول 2020

————————–

الشرق الأوسط… معركة بايدن ضد موسكو وبكين/ محمد قواص

اعتبر دونالد ترامب خلال الأربع سنوات المنصرمة أن الصين هي الخصم الأول لأميركا، فيما يبدو أن الخصم الأول بالنسبة الى جو بايدن هو روسيا. يرى الأول أن “أميركا أولاً” تعني استهداف “الآخرين”، حتى لو كانوا تقليدياً من الحلفاء في أوروبا والأطلسي والمنظومة الغربية. ويرى الثاني أن بلاده زعيمة هذا العالم، ومن قواعد الزعامة وضع خط واضح بين الحلفاء وغير الحلفاء، وعليه يعيد الاعتبار للمنظومة الغربية المتأسسة أصلاً على تحالف استراتيجي بنيوي بين ضفتي الأطلسي.

مع دونالد ترامب بات فلاديمير بوتين صديقاً شخصياً حميماً. لا تعرف أميركا حتى الآن حقيقة ما دار في اجتماعهما الثنائي الشهير في هلسنكي في تموز / يوليو 2018. لم يقبل ترامب استنتاجات مؤسسات الأمن في بلاده حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وحين قبل تلك الوقائع بشق النفس، أفتى بأن ذلك التدخل ليس وراء نجاحه في تلك الانتخابات. وحتى حين لمّحت وكالات الاستخبارات الأميركية هذه الأيام الى أن وراء الهجوم السبراني الأخير جهة سيادية في موسكو، واتهم وزير الخارجية مايك بومبيو روسيا علناً، قلل ترامب من الأمر واعتبره مبالغة إعلامية.

يعيد بايدن تصويب الشعيرة نحو روسيا. يعيد تطبيع العلاقات مع أوروبا. يعيد بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ. وينخرط وفق ما تنخرط به بلاده منذ عهد باراك أوباما في مواجهة التحدي الصيني. ووفق الأعراض الأولى لما هو معلن في استراتيجيات الرجل الدولية، فإن ذلك من شأنه رسم ملامح ما تخطط له الإدارة الديموقراطية الجديدة في الشرق الأوسط.

لا تعتبر واشنطن، وفق مؤسسات التفكير المحيطة بفريق بايدن، أن كوريا الشمالية هي ملف مستقل عن ملف العلاقة مع الصين. لن يهرول بايدن لالتقاط صورة مشتركة مع كيم جون أون. ففك العقد الكبرى، وفق عقيدة البزنس التي تباهى بها دونالد ترامب، بدت ساذجة طرب لها الزعيم الكوري الذي رُفع من خلال مقاربة ترامب إلى مصاف الشخصيات الدولية الكبرى التي تقرر مسارات السلم والحرب.

وفق خرائط بايدن، واهتمامه الواضح بإعادة الدور إلى أميركا في قيادة العالم، سيتعامل الرئيس الأميركي الجديد مع ملفات المنطقة. يقر الرجل بأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية وشبكة نفوذ طهران وسلوكها في الشرق الأوسط يطرحان إشكالية خطيرة داهمة مهددة للسلم ومزعزعة للاستقرار في المنطقة. لكنه، وهو على حق، يرى أن الأولوية هي التعامل مع البرنامج النووي وضبط شططه. فمن يملك القنبلة النووية، يملك حماية الصواريخ البالستية وتمدده الخبيث خارج الحدود.

يضيف بايدن الى خطط الولايات المتحدة، منذ سنوات، لوقف الصعود الأفقي والعمودي للصين، مهمة عاجلة لمواجهة الدور الروسي في العالم.

وعلى هذا فإن مقاربة المسألة الإيرانية تحمل في ثناياها أعراض مواجهة واشنطن بكين وموسكو معاً. فإذا ما كانت طهران قد لوّحت باتفاقية القرن العملاقة مع الصين، فإن الشراكة الروسية الإيرانية، سواء في عملية استانا بشأن سوريا، أو داخل ملفات مشتركة في القوقاز، أو مصالح البلدين المتبادلة، لا سيما في قطاعي الطاقة والسلاح، تشكل عاملاً رافداً وداعماً لطموحات بوتين الإقليمية والدولية.

على أن إدارة الصراع بين المنظومة الغربية وروسيا تتطلب، إضافة إلى تناغم أميركي أطلسي أوروبي (كان مفقوداً في عهد ترامب)، رؤية مشتركة للتعامل مع الحالة الشاذة التي تمثلها تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان. وفيما أشاد دونالد ترامب بالعلاقة الشخصية الممتازة بأردوغان، كان بايدن عنيفاً، أثناء حملته الانتخابية، في الهجوم على الزعيم التركي والوعد بدعم أي انقلاب ضده (قال لاحقاً مصححاً إنه انقلاب عبر صناديق الاقتراع).

ولئن استفاد أردوغان من تشجيع أميركي ضمني لاحتواء طموحات بوتين في ليبيا وسوريا وحتى في أذربيجان، فإن واشنطن لم تتعامل بالحسم المطلوب مع أنقرة في ملف شرق المتوسط إلا متأخرة، على نحو أوحى بأن الرئيس التركي مستفيد من تقاطع مزاج بوتين وترامب في كره الاتحاد الأوروبي وطموحات بعض بلدانه في مياه المتوسط.

يتيح استكشاف خريطة الأمن الاستراتيجي لإدارة الرئيس الجديد، استشراف الكيفية التي ستدار بها ملفات الشرق الأوسط. والواضح أن بوتين قرأ جيداً المشهد الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية، ويسرّع الخطى لتدعيم إمساكه بخيوط اللعبة في سوريا. يستند سيد الكرملين الى نفوذه في دمشق، وحاجة طهران لدعمه، وتفاهماته، القديمة الجديدة، مع إسرائيل. والواضح أيضاً أن أردوغان الذي تلقى صفعة غربية موجعة، من خلال عقوبات أوروبا وواشنطن الأخيرة، يعيد التموضع وفق المعطى الأميركي الجديد. فجأة يُظهر مرونة ورشاقة، ويمهد الطريق لعلاقات من نوع جديد مع بايدن، من خلال الوعد بـ”فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي”، وفق محادثاته أخيراً مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.

والظاهر أن “الجبهات” تتحرك تحسباً لدخول رجل أميركا الجديد إلى البيت الأبيض في الـ20 من الشهر المقبل. في المقابل، تراقب إيران بقلق ضبابية البت في ملفها، وتستنج أن أميركا، التي وعد رئيسها الجديد بالعودة إلى الاتفاق النووي، تستنزف إرث ترامب في هذا الصدد، وتأخذ علماً بما صدر عن الأوروبيين، وما يكرره الخليجيون، وما بات محسوماً لدى دوائر الأمن الاستراتيجي في الولايات المتحدة، من أن لا عودة إلى الاتفاق النووي كما هو عليه الآن، إلا إذا تقيّدت إيران بالتزاماتها، وذهبت إلى طاولة مفاوضات لتطويره وبحث ملف الصواريخ البالستية وسلوك إيران في المنطقة.

وإذا ما كانت الصين خجولة في التهليل لاتفاق القرن مع إيران (الذي بالغت طهران في التطبيل له)، فذلك أن بكين تعرف أن أي اتفاق إيراني أميركي (غربي) محتمل سيوهن حماسة إيران نحو الصين، ناهيك عن أنه ثبت خلال العامين الماضيين أن مفاتيح السوق الإيراني تمسك بها واشنطن، ولا طائل من الرقص في عرس إيراني متخيل.

النهار العربي

————————–

العقوبات الأميركية على النظام السوري: رهان على الوقت/ عماد كركص

بعد مرور عام على إقرار الإدارة الأميركية “قانون قيصر” لمعاقبة النظام السوري، بعد مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه في 19 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، ومرور ستة أشهر على دخوله حيّز التنفيذ الفعلي في 17 يونيو/حزيران الماضي، يتواصل فرض حزمات العقوبات على هذا النظام لتصل إلى ست مساء أول من أمس الثلاثاء، ولتصبح شاملةً 110 أفراد وكيانات من النواة الصلبة للنظام، أو الداعمين له بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى الرغم من أن القانون صمّم لإجبار النظام على الانخراط جدياً في المسارات السياسية الرامية لإيجاد حل للأزمة السورية، من خلال حصاره عبر العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، إلا أن الواقع، حتى الآن على الأقل، يشير إلى عدم تجاوب النظام مع كل هذه الضغوط وما سبقها من عقوبات أميركية وغربية. إذ لا يزال، وبدعم من حلفائه، لا سيما الروس والإيرانيين، يماطل في الانخراط الحقيقي بأي عملية سياسية. وقد برز ذلك بشكل رئيسي من خلال تعاطيه السلبي مع مسار اللجنة الدستورية. وتبقى الأسئلة حول الخيارات الأخرى لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وما إذا كان لديهم المزيد من الأدوات الأخرى، غير العقوبات الاقتصادية والسياسية، لإحداث خرق أو تغيير حقيقي في سلوك النظام، يجبره على الجلوس جدياً إلى طاولة التفاوض وصياغة الحل النهائي للأزمة السورية.

هذا السؤال طرحته “العربي الجديد” على الممثل الأميركي الخاص للتواصل بشأن سورية، جويل ريبرون، خلال إيجاز هاتفي مع الصحافيين خصصه للحديث عن الحزمة الأخيرة (السادسة) من العقوبات فور صدورها مساء أول من أمس الثلاثاء. وأشار ريبرون في معرض رده على السؤال إلى أنه “لا يجب التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية، إذ يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جداً مع مرور الوقت”. وتابع ريبرون: “مضت ستة أشهر على دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، ونرى أنه ليس لنظام الأسد وحلفائه رد عليه، بمعنى ليس لديهم أي رد على الضغط الاقتصادي والعزلة السياسية التي فرضت بموجب هذا القانون، وأعتقد أنه يمكن مراقبة ما سيحصل في الأشهر المقبلة لنرى أنه سيكون لهذا الضغط تأثير أكبر لناحية تقييدهم وإجبارهم على التوصل إلى حل سياسي، والتخلي عن سعيهم لغزو عسكري في نهاية المطاف”.

إلا أن ريبرون أشار إلى أنّ هناك “بعض الأدوات الأخرى التي يمكننا استخدامها، والتي نعتزم استخدامها”، موضحاً إياها بالقول: “ثمة الكثير من أدوات المساءلة (المحاسبة)، على سبيل المثال يتم اتخاذ بعض إجراءات إنفاذ القانون الآن، وكذلك بعض إجراءات العدالة الجنائية، وأود أن أشير مثلاً إلى المحاكمات التي تقوم بها ألمانيا لبعض الأعضاء الرئيسيين والسابقين في نظام الأسد بسبب الفظائع التي يُزعم أنهم شاركوا فيها. وأعتقد أنكم ستشهدون على المزيد من الأمور المماثلة، ولكن المحصلة النهائية هي أنه ثمة نطاق واسع من الضغط”.

وشملت الحزمة السادسة من العقوبات الأميركية والتي صدرت مساء الثلاثاء، حوالي 18 فراداً وكياناً من الداعمين للنظام، في مقدمتهم أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام بشار الأسد وعدد من أفراد عائلتها. كما شملت العقوبات لينا محمد نذير الكناية وهي مسؤولة في مكتب رئاسة الجمهورية، وزوجها محمد همام مسوتي لكونهما يديران أنشطة تجارية لصالح أسماء الأسد وزوجها. وطاولت العقوبات كذلك اللواء كفاح ملحم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السورية، إلى جانب عدد من الشركات الاقتصادية المهمة، على رأسها البنك المركزي، وتلك التي يستخدمها النظام في تعاملاته المالية والاحتيال على العقوبات الغربية.

وعلى الرغم من أنّ أسماء الأسد كانت في طليعة من شملتهم العقوبات بموجب قانون “قيصر” خلال حزمته الأولى، إلا أنّ الإدارة الأميركية أعادت زج اسمها في الحزمة الأخيرة إلى جانب والدها وعدد من أقاربها الذين تستخدمهم في إدارة أنشطة تجارية لصالحها وصالح زوجها بشار الأسد. وترمي الإدارة الأميركية من ذلك إلى زيادة الحصار على أسماء الأسد الباحثة عن دور قيادي داخل النظام، بعد تحجيم دور متنفذين تقليديين ضمن الدائرة الضيقة للنظام، لا سيما رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وعدد من المقربين منه.

في السياق، رأى الصحافي السوري أيمن عبد النور، وهو باحث وعضو المجلس الاستشاري عن سورية في “معهد الشرق الأوسط” بواشنطن، أنّ هناك “مروحة من الأدوات التي يمكن استخدامها للضغط على النظام في المرحلة المقبلة”، معتبراً في حديث مع “العربي الجديد” أنّ “تعيين جويل ريبرون كمبعوث أميركي خاص لسورية حرك الملف السوري بشكل كبير على أصعدة عدة، بعد أن كان أصابه الكسل في ظلّ إدارته من قبل السفير جيمس جيفري. والآن العقوبات أصبحت أعمق، إذ طاولت المصرف المركزي والعديد من أفراد عائلة أسماء الأسد”.

وتابع عبد النور: “يضاف إلى ذلك، تحريك الدعاوى القضائية، ولا سيما تلك التي قدمتها منظمات سورية أمام القضاء الألماني، وهذه سياسة جديدة، وستستمر ليس فقط في ألمانيا، وإنما في دول أوربية أخرى، إذ نتوقع أن تتكرر هذه الخطوة في كل من النمسا والنرويج والسويد. كما يتم التنسيق بين 45 دولة لمقاضاة النظام ومحاسبته بسبب ارتكابه جرائم باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين”. ورأى عبد النور أنّ “هذه المروحة الكبيرة من الأدوات كفيلة بزيادة الضغط على النظام، ولا سيما عند تحريك قضايا الجرائم الكيميائية”، مشيراً إلى أن “هناك 64 حالة استخدام سلاح كيميائي مثبتة على النظام. وبالنسبة للقضاء في الدول الأوروبية، فمن الممكن أن نرى في المستقبل ملاحقات للكثير من أفراد النظام، علاوة على الضغوطات المالية والاقتصادية وعدم قدرته على تلقي المساعدات حتى من حلفائه، وهذا كله سيجعله يعيد حسابته، فإما ينهار داخلياً أو يقبل بتطبيق القرار الأممي 2254 (المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية) مرغماً”.

وإلى الآن، يبدي النظام عدم اكتراث بالعقوبات الأميركية والغربية المفروضة عليه، سواء بموجب “قانون قيصر” أو ما سبقه من عقوبات أميركية وأوروبية، إذ لا يزال يراوغ في سبيل التملص من الدخول جدياً في مسارات الحل السياسي، وذلك بالرهان على الحسم العسكري. ما يعني أن على الإدارة الأميركية المقبلة أن تفكر في وسائل ضغط أخرى لإجبار النظام على الذهاب للمفاوضات، في حال أرادت إنهاء الصراع.

العربي الجديد

—————————–

==========================

تحديث 28 كانون الأول 2020

——————————-

أيتام ترامب/ وائل السواح

بينما يتنفّس عديدون من قادة العالم الصعداء، مع اقتراب نهاية عهد دونالد ترامب، يشعر حلفاؤه وأشقاء روحه الشعبوية العنصرية في كل أصقاع المعمورة باليتم والفقد، من البرازيل إلى بولونيا وهنغاريا وسلوفينيا والشرق الأوسط وأماكن أخرى. لم يكن الرئيس الأميركي، ترامب، أوّل الشعبويين المتطرّفين، ولن يكون آخرهم. سبقه منذ عقود الفاشيون والنازيون والستالينيون والناصريون والبعثيون، وسبقته، منذ سنوات، الأحزاب اليمينية المتطرّفة في أوروبا من ماري لوبين في فرنسا إلى جاروسلاو كاتشينسكي في بولونيا. ولكن الدور الذي لعبه باعتباره أقوى رجل في العالم ورئيس أكبر ديمقراطية على هذا الكوكب كان الملهم والداعم والمبشّر لهم جميعا.

اليوم، وقد أقصى الأميركيون رئيسهم، بسبب فساده وعنصريته وإساءته للقيم الديمقراطية، بات القادة الشعبويون في العالم من دون نصير قوي. ولا يعني هذا، في أي حال، أن نهاية رئاسة ترامب هي مقدّمة لزوالهم، ولكنها بالتأكيد سوف تجرّدهم من دعم معنوي قوي، كان يعزّز مكانتهم، ويقوّي مناعتهم أمام التغيير. ومن المتوقّع، إلى ذلك، أن تغيّر الرياح الدولية مسارها بعد سقوط ترامب، وقد كانت في السنوات الأخيرة تسير في ركابهم. وليس من المستغرب إذن أن تكون نتيجة الانتخابات الأميركية المفصلية دليلاً آخر على أن “الموجة الشعبوية” التي كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة قد تبدأ بالانحسار.

ولنذهب بداية إلى البرازيل، حيث لم يعترف الرئيس اليميني الشعبوي الذي استلهم كثيرا من سياسات ترامب، جاير بولسونارو، بفوز الرئيس المنتخب جو بايدن إلا بعد ستة أسابيع من انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني. ولا مشاحة في أن هزيمة ترامب ستُرخي بثقلها على الزعيم البرازيلي الذي كانت شعبيته في ازدياد، على الرغم من الكوارث التي تحيق ببلده، وعلى الرغم من سوء إدارته أزمة وباء كورونا، فمن المرجّح أن يتخذ بايدن موقفًا أكثر صرامة تجاه برازيليا في مجالات مثل البيئة وحقوق الإنسان والتجارة، ما يجعل بولسونارو اليميني المتطرّف أكثر عزلة على الساحة العالمية، ما سينعكس على شعبيته داخل البلاد.

كان بولسونارو يراهن حقًا على فوز ترامب، وقد صدمته النتيجة الساحقة التي ستدفع بترامب خارج البيت الأبيض. ونقل عن الرجل قوله ما بين الجدّ والهزل إنه ليس أمامه الآن خيار سوى أن يرمي خبير السياسة الخارجية المؤيد لترامب، فيليبي مارتينز، من نافذة الطابق الثالث إلى قارعة الطريق. وقد مثّلت نتيجة الانتخابات ضربة لمحاولة بولسونارو تأسيسَ اتجاه بولسوناروي، وهو مشروعٌ سياسيٌّ يميني متطرّف تم تصميمه بشكل وثيق على غرار الترامبية، والذي سوف يفقد على الأرجح الآن بعضا من زخمه، منهيا بالتالي ما أسمته المعلقة السياسية البرازيلية البارزة، إليان كانتانهيد، بأنه “حلم جنون العظمة” لبولسونارو لقيادة حملة صليبية يمينية دولية.

ثم لننحدرْ إلى أوروبا، فنتوقّف قليلا في هنغاريا التي يتزعّمها رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، الذي وصفه الخبير الاستراتيجي السابق لترامب، ستيف بانون، ذات مرّة بأنه “ترامب الذي سبق ترامب”. لقد جمع كل بيضه في سلّة واحدة وأعطاها لترامب. وقف أوربان بقوة وراء الرئيس الحالي قبل التصويت، قائلاً إنه ليس لديه خطة بديلة في حالة خسارة ترامب. وأضاف في مكان آخر: “أنا مقتنع بأن الرئيس ترامب أنقذ أميركا المحافظة، وأصبح أحد أعظم الرؤساء الأميركيين؛ نتمنى له ولنا النجاح الكامل في انتخابه”. ويدل هذا الموقف، أوّل ما يدلّ، على خرق الزعيم المجري الأصول الدبلوماسية، حيث يحاول الزعماء النأي بأنفسهم، ولو شكليا، عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبخاصّة الانتخابات. ولكنه يدلّ أيضا على موقف سياسي أخرق في المراهنة على رجلٍ أحرق كلّ مراكبه في مغامرةٍ سياسيةٍ كانت نهايتها واضحة لكثيرين. وتأكيدا لحماقته السياسية، قال أوربان إن دعمه ترامب يرجع جزئيًا إلى أن بلاده سئمت من تلقي المحاضرات من السياسيين الديمقراطيين في مجال حقوق الإنسان، مضيفا: “لم يعجبنا ذلك، ولا نريد مساعدتهم ثانية”.

ولا غروَ أن البيت الأبيض في عهد ترامب قد قدّم دعمًا ضمنيًا حينا، وعلنيا حينا آخر، لحركات اليمين المتطرّف وقادته في هنغاريا. وقد أوفد ترامب صديقًا قديما له، هو قطب المجوهرات، ديفيد كورنستين، ليكون سفيراً في بودابست، وليتملّق نزوات أوربان، في وقت كان سفيره في ألمانيا، ريتشارد غرينيل، يخطط لـ “تمكين” قوى اليمين في جميع أنحاء أوروبا، ما أثار حفيظة مضيفيه الألمان، وكان أن اضطر للاستقالة في الصيف الماضي.

ويبدو من الطبيعي أن أولئك الزعماء الذين لا يريدون أن يتلقوا تقريعا بشأن سياساتهم في مجالات البيئة واللاجئين وحقوق الإنسان من الرئيس القادم، جو بايدن، يحتضنون الرئيس ترامب بقوة، ولا يرغبون في رؤيته يغادر البيت البيض.

انتظر معظم القادة الشعبويين النتائج أطول فترة ممكنة، قبل أن يهنئوا بايدن على مضض، أو ببساطة يظلوا هادئين. تأخّر أوربان في تهنئة بايدن خمسة أسابيع، كان خلالها تلفزيون حكومته يعيد ويزيد في اتهامات ترامب التي لا أساس لها إن الديمقراطيين سرقوا الانتخابات. وذهب رئيس وزراء سلوفينيا، يانيز يانشا، إلى أبعد من ذلك، حين أعلن صبيحة الأربعاء التالي ليوم الانتخابات في 3 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني) فوز ترامب في الانتخابات لأربع سنوات جديدة. وكرّر ذلك على “تويتر” مرّات، وهو في ذلك يشبه ترامب، أو يتشبّه به، في عشقه الخاص هذه المنصة، بل إنه ساهم في نظرية المؤامرة، حين شكّك في توقيت الإعلان عن نجاح اللقاح الأميركي، ووصفه بأنه “مريب”، ولم يستبعد أن يكون قد تمّ حجبه عمداً حتى ما بعد الانتخابات.

وفي بولونيا، راهنت الحكومة بكل ما لديها على الحصان الخطأ. حزب القانون والعدالة، القومي البولندي، الذي يتولى السلطة منذ عام 2015، وثيق الصلة بسياسات ترامب فيما يخصّ الهجرة والعولمة، وكان سعيدا جدّا حين كانت إدارة ترامب تغضّ الطرف عن تفكيك هذا الحزب النظامَ القضائي البولندي بشكل ممنهج وقمع حرية التعبير في البلاد. وفي الآونة الأخيرة، شارك مئات آلاف من البولنديين، احتجاجا على القيود الحكومية المشدّدة على الإجهاض، في أكبر مظاهرات مناهضة للحكومة منذ سقوط الشيوعية. وسوف يُضعف رحيل ترامب من تماسك هذه الحكومة تجاه هذه القضايا كلّها. يقول الرئيس المنتخب، بايدن، إنه ملتزم بإعادة بناء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا سيعني أن حكومة بولندا معرّضة لخطر تركها على جانب الطريق، إذ لم يعد لديهم صديق في البيت الأبيض الآن، ولا يوجد الآن شخصٌ يشبههم يتولّى مقاليد الأمور هناك. ولن يكون من الممكن لهم بعد الآن بناء شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة من خلال السياسة التي ينهجونها في بولندا، ما سيجعل حياتهم أكثر صعوبة، ومستقبلهم أكثر مدعاة للشكَ.

في منطقتنا نحن الكثير، ويمكن كتابة مقالات عن رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووولي عهد السعودية محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وغيرهم. يستثير الأول، بشعبويته البغيضة، أسوأ ما في المواطن الإسرائيلي من نزعات عدائية تجاه الآخر الفلسطيني. والرئيس ترامب كان عونا وسندا للرجلين في مغامراتهما المريعة. ويبقى السيسي نسيج وحده في استخدامه شعبوية زائفة، لا أساس لها، في اعتدائه المستمرّ على الحريات الرئيسية وحقوق الإنسان.

يقول معهد الأبحاث السويدي تيمبرو (Timbro) إن الشعبويين الأوروبيين ضاعفوا حصتهم من الأصوات الانتخابية في جميع أنحاء أوروبا من 11.8٪ في عام 2001 إلى 22.3% في عام 2018. وليس من المبالغة القول إن نجاح ترامب وفلسفته في الحكم قد أسهما في السنتين الأخيرتين في زيادة هذه النسبة، ولكنّ هنالك بالطبع أسبابا أخرى قوية، منها البطالة المرتفعة واللامساواة في الدخل اللتان تنتجان أرضًا خصبة للأحزاب الشعبوية، فعسى أن تكون هزيمة ترامب حجر الدومينو الأول الذي قد انقلب، والذي ربما يوقع الأحجار التالية التي تتكئ عليه. لا جوابَ أكيداً اليوم، ولكن غدا لناظره قريب.

العربي الجديد

———————————–

في “الوصايا العشر”.. من الإصلاحيين العرب إلى إدارة بايدن/ عريب الرنتاوي

لم تُظهر قوى الإصلاح والتغيير “فائض حماسة” لفوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية، مع أنها لم تخفِ سعادتها، برحيل إدارة ترامب، صديقة الأنظمة الديكتاتورية، التي منحتها “شيكاً على بياض” لتعيث قمعاً وتنكيلاً بشعوبها وشعوب الجوار… أما الأسباب الكامنة وراء مظاهر “الفتور” التي استقبل بها الإصلاحيون العرب، إدارة بايدن – هاريس، فيمكن إيجازها على النحو التالي:

(1) الطعنة النجلاء التي وجهتها إدارة ترامب لقيم حقوق الانسان ومبادئ الديمقراطية، في الداخل الأميركي، كما في السياسة الخارجية.

(2) الخشية من أن تكتفي الإدارة الجديدة، بإطلاق الوعود والتعهدات اللفظية، من دون أن تقرن أقوالها بالأفعال.

(3) التجربة المرة زمن إدارة أوباما – بايدن، حيث انطلق الربيع العربي وانتكس في عهد تلك الإدارة، من دون أن تقوى على تقديم شبكة أمان للملايين من الشباب العربي الشجعان الذين تدفقوا إلى الشوارع والميادين.

لكن ذلك، لم يمنع الإصلاحيين العرب، من إبداء قدر من “التفاؤل الحذر” بمقدم الإدارة الجديدة، وثمة في الخلفية، نوع من “التفكير الرغائبي”، الذي يتطلع لأن تلعب هذه الإدارة، دوراً مفارقاً للأدوار التي لعبتها الإدارة المرتحلة، ودوراً أكثر حضوراً وفاعلية، مما حصل في السنوات 2010 – 2017، أي منذ انطلاق أولى شرارات الربيع العربي، وحتى اليوم الأخير لإدارة أوباما – بايدن.

يمكن تلخيص انتظارات الإصلاحيين العرب من الإدارة الجديدة، واختصارها بما يمكن تسميته “الوصايا العشر” لإدارة بايدن:

الأولى؛ أن تعمل هذه الإدارة بجدية قصوى، لإعادة ترميم منظومة القيم الأميركية، التي جرى انتهاكها على نحو فج وسافر، من أول قرار لإدارة ترامب، وحتى مراسيم العفو الأخيرة التي صدرت عن البيت الأبيض، وتشمل سارقين وكذابين ومتلقي رشى وقتلة الأبرياء في العراق… صورة الديمقراطية في الولايات المتحدة، تعرضت لاهتزاز هو الأخطر من نوعه منذ قرن مضى، ومهمة ترميمها، بحاجة لوقت وجهد استثنائيين.

الثانية؛ أن تعتمد هذه الإدارة “الشَرْطية – Conditionality “، في علاقاتها مع الأنظمة العربية، “لا شيكات على بياض بعد اليوم”، ولا شبكات أمان لأنظمة الفساد والاستبداد… لا غزل ولا صكوك غفران توزع ذات اليمين وذات الشمال… نظرية “ديكتاتوري المفضل” يجب أن تسقط مرة واحدة وإلى الأبد، فلا ديكتاتور مفضل أبداً، معهما أسرف في تقديم الخدمات وعرض الصفقات المجزية… الديكتاتورية مرذولة، هكذا كانت، وهكذا يجب أن تبقى.

الثالثة؛ لا يجب أن ينظر للتطبيع مع إسرائيل بوصفه عملاً “يجُبُّ ما قبله”، أو يغفر لأنظمة السلالات والجنرالات ما تقدم من ذنبها وما تأخر… لا عسكر السودان وجنجويدها، يستحقون الدعم والاعتراف بـ”ِشرعيتهم” لمجرد أنهم أظهروا استعداداً للتطبيع مع إسرائيل، ولا أنظمة السلالات في بعض دول الخليج، تستحق كل هذا المعاملة التفضيلية لمجرد أنها أبدت الاستعداد لتشريع أبوابها وأجوائها للإسرائيليين، أو لأن “دفاتر شيكات” بعض شيوخها، من النوع “الثقيل” الذي يحتمل الأرقام الفلكية.

الرابعة؛ يتعين على إدارة بايدن تنشيط برامج دعم المجتمع المدني والحركات الشبابية والنسائية في المنطقة برمتها، وتنسيقها مع دول الاتحاد الأوروبي، لتفادي الأضرار والخسائر التي ترتبت على سنوات “الانكفائية” و”الانعزالية” التي صاحبت صعود اليمين والشعبوية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سواء بسواء.

الخامسة؛ ولا ينبغي لإدارة بايدن أن تجاري حلفائها في “معسكر الاعتدال العربي”، بتبني نزعاتهم الاستئصالية للحركات الإسلامية جميعها، ومن دون تمييز فيما بينها… “المدرسة الاستئصالية” تسببت في انتاج كوارث لشعوب المنطقة ومجتمعاتها، وهي ما زالت تتهددها بالمزيد… لا يعني ذلك عدم التفريق بين مدارس الإسلام السياسي وفرقه المختلفة، فهذا التمييز ضروري وحاسم الأهمية، كما لا يعني ذلك تجنب “الشَرْطية” في التعامل مع هذه الحركات كذلك، و”الشَرْطية” هنا، تملي اقتراب هذه الحركات في الفكر المدني ومنظومة حقوق الانسان وقيم الديمقراطية، حتى وإن استندت في تبنيها لهذه القيم، إلى مرجعيات دينية.

السادسة؛ إن أخطر ما يمكن أن تواجهه موجة ثالثة من موجات الربيع العربي، محتملة، بل ومرجحة في مرحلة “ما بعد كورونا”، هو هذا الحلف الذي رعته إدارة ترامب بكل حماسة، واستثمرت فيه مليارات الدولارات، بين إسرائيل من جهة، وبعض الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية من جهة ثانية… على إدارة بادين أن تكون شديدة الوضوح وهي تفصل بين ملفين ومسارين…”التطبيع” ليس وصفة سحرية لتعطيل مسارات الإصلاح والتحول الديمقراطية، ويتعين عليها، ألا تصغي لتحالف جماعات الضغط العربية – الإسرائيلية في واشنطن، التي دأبت مؤخراً على تسويق هذا النظام المستبد أو تسويغ ذاك… هذه سياسة قصيرة النظر، ستفضي إلى إجهاض مسارات التحول الديمقراطي، من دون أن تنجح في استجلاب السلام العادل والدائم والشامل لدول المنطقة وشعوبها.

السابعة؛ على إدارة ترامب، أن تنبذ سياسة “المعايير المزدوجة” التي طالما اعتمدتها إدارات أميركية سابقة، إن لجهة التعامل مع قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي، بانحيازها المطلق، ومن دون قيد أو شرط، لإسرائيل، أو لجهة تعاملها مع ملفات المنطقة… فالديكتاتوريون ملّة واحدة، سواء أكانوا أعضاء فيما يسمى “معسكر الاعتدال العربي” أو كانوا أعضاء في “معسكر المقاومة والممانعة”…الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، “قيم عليا”، لا يجب أن تخضع لتقلبات السياسة وسيولة التحالفات.

الثامنة؛ حق تقرير المصير، يقع في قلب المنظمة العالمية لحقوق الإنساني، حق أساسي، ومتطلب وجودي، والشعب الفلسطيني له كامل الحق في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية ومرجعيات عمليات السلام، وبخلاف ذلك، ستبقى علامات الاستفهام والاستنكار الكبرى، تحوم فوق رأس واشنطن وصدقية منظومتها القيمية… وللشعب الكردي في أمكان تواجده، حقوقاً ثقافية ووطنية يجب الاعتراف بها، دون المس بوحدة دول المنطقة وخرائطها، ودون مركزية مفرطة، تعيد انتاج الفساد والاستبداد و”الشوفينية” القومية، عربية كانت أم تركية أو فارسية…وحقوق الأقليات الاثنية والدينية يجب ان تصان، وتحديداً في المشرق العربي، فلا معنى لهذا المشرق ولا لون أو طعم أو رائحة، من دون أقلياته، ومن دون أن تحظى هذه الأقليات، بحقوقها في ممارسة شعائرها والاستمتاع بثقافتها وتدبير شؤونها.

التاسعة؛ بعد أن عانت المنطقة، ما عانت، جراء “الأحادية” و”الانعزالية” التي ميّزت سلوك الإدارة المرتحلة، فإن مستقبل شعوبها، يعتمد إلى حد كبير، على قدرة هذه الإدارة على تنظيم عمل دول منسق، متعدد الأطراف، لاستنقاذ شعوبها، من براثن الفساد والاستبداد والفشل التنموي، وتجفيف تربة التطرف والغلو، وإغلاق أية نافذة، يمكن للإرهاب أن يعاود التسلل من خلالها إلى مجتمعات هذه المنطقة وشعوبها، فيكفي ما تسبب به من خراب ودمار، للبشر والشجر والحجر، خلال سنوات سبع عجاف، وليس من مصلحة واشنطن ولا بروكسيل أو أي من دول المنطقة، أن تعاود اختبار هذا “الكابوس” من جديد.

العاشرة؛ لا يمكن للولايات المتحدة أن تكتفي بإدارة ظهرها للمنطقة، وأن تعارض في الوقت ذاته، سعي دول أخرى، إقليمية وعالمية، لملء فراغها، فالمجتمعات كما الطبيعة، تكره الفراغ… لا أحد بمقدوره أن يأكل نصف الرغيف ويحتفظ به كاملاً… هنا، لا بد من إطلاق مبادرات لبناء منظومات إقليمية للأمن والتعاون: الخليج بما يشمل العراق واليمن، البحر الأحمر والقرن الأفريقي، منطقة الشمال الأفريقي… من دون وجود أطر فاعلة للتعاون الإقليمي، ستبقى أبواب هذه المنطقة، مشرعة لكل أشكال التنافس والصراع الدوليين، ونظرية “من بعدي الطوفان”، لا يمكن أن تكون صالحة في زمن “القرية الكونية الصغيرة الواحدة”… لقد رأينا كيف ملأت القوى الإقليمية الفراغ بالمليشيات والجماعات المسلحة، وكيف نجح الإرهاب في التسلل إلى عمق المنطقة، من شقوق صراعات محاورها الإقليمية والدولية، وتابعنا هجرة الملايين من سكانها إلى أوروبا ومختلف دول العالم، بما شكل ويشكل تهديداً لأمنها واستقرارها ونسيجها الاجتماعي… إدارة الظهر ليست خياراً، وعلى الولايات المتحدة، أن تدرك أن استقرار الإقليم، بل والاستقرار العالمي، رهن بقدرة دوله وشعوبه على انتاج الصيغ والأطر الكفيلة بحفظ أمنها واستقرارها وتعظيم ثمار تعاونها.

قناة الحرة

—————————————–

===================

تحديث 29 كانون الأول 2020

————————–

سورية والمنطقة في انتظار الاستراتيجية الأميركية الجديدة/ عبد الباسط سيدا

ونحن على أعتاب العام الجديد، 2021، نرى أن الوضع السوري قد بات جزءأ من الوضع العام للمنطقة، وذلك نتيجة الاندماج الذي تم بينه وبين المشاريع الإقليمية والحسابات الدولية، والاصطفافات التي تبلورت شيئاً فشيئاً، وتحدّدت ملامحها بصورة واضحة في يومنا الراهن، بعد مرور نحو عشرة أعوام على انطلاقة الثورة السورية في مارس/ آذار 2011. فمن جهة النظام، لا يمكن الحديث عن أي تحول أو تغيير أو تعديل في السلوك، وفق المطلب الأميركي، يمكن أن يحصل، من دون أخذ العاملين الروسي والإيراني بعين الاعتبار. ومن جهة المعارضة، أو على صعيد المناطق الخارجة بهذه الدرجة أو تلك عن سيطرة النظام، فالتأثير موزّع بين الأميركان في منطقة شرقي الفرات والأتراك في المناطق الشمالية الواقعة إلى الغرب من الفرات حتى حدود المنطقة الساحلية حيث النفوذ الروسي مع النظام. أما المنطقة الجنوبية، فهي غير مستقرة، على الرغم من الصفقات التي تمت بوساطة روسية؛ وذلك مردّه تأثير الفاعل الإسرائيلي، مع مراعاة الوضع الأردني. هذا إلى جانب صعوبة إقناع السكان هناك بالعودة الكاملة مجدّداً إلى حظيرة الاستبداد الأسدي.

إلا أن الجميع في انتظار الاستراتيجية التي ستعتمدها الإدارة الأميركية الجديدة، الإدارة الديمقراطية برئاسة بايدن، الأكثر خبرة من الرئيسين السابق والأسبق، والأكثر معرفةً بأحوال المنطقة وعقدها المستعصية؛ ومن بينها موضوع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والموضوع الكردي، والمشاريع الخاصة بكل من إيران وتركيا، ونزوعهما نحو التوسع، بهدف استخدام ورقة الانتصارات الخارجية في حسابات الداخل.

منطقتنا بأسرها في انتظار تبلور ملامح الاسترتيجية الأميركية الجديدة، وذلك بعدما تفاقمت الأزمات في معظم دولها، وانسدت الآفاق في مختلف الأنحاء، فالمشروع الإيراني الذي اعتمد سياسة استغلال المذهب، للتوسّع في مجتمعات المنطقة، بلغ ذروته، بعدما أوجد جدراناً من الهواجس والشكوك والترقب بين الشيعة ومجتمعاتهم الوطنية في كل دولة في المنطقة. وقد جاءت المظاهرات التي شهدتها مدن جنوب العراق وبغداد، أي المناطق التي يمثل الشيعة فيها الأغلبية الساحقة، لتؤكّد عودة الروح الوطنية العراقية، وعدم الرغبة في الاستمرار مع المشروع الإيراني الذي لم يجلب للعراق عموماً، وللمناطق الشيعية على وجه التخصيص، سوى التخلف والفاقة والمشكلات الخدمية، والتراجع الشمولي في كل شيء.

أما في لبنان، فالوضع الكارثي ما زال سيد الموقف، على الرغم من الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس الفرنسي ماكرون، وفي انتظار الزيارة الثالثة التي يبدو أن كورونا لم توافق عليها، وعلى الأرجح ستكون هي الأخرى عديمة الجدوى، طالما أن كل طرفٍ متمترسٌ في خندقه، ينتظر ما سيقدم عليه سيد البيت الأبيض الجديد.

وتركيا بعدما نسّقت مع الروس والإيرانيين في مسار أستانا الذي مكّن النظام من العودة إلى معظم المناطق السورية، تدرك الآن أن المطلوب منها هو إدلب، وهي ليست مستعدّة للتخلي عن هذه الورقة القوية التي ما كان لها أن تحتفظ بها لولا الضوء الأخضر والرغبة الأميركيان، تماماً مثلما كان عليه الحال بالنسبة إلى دخولها إلى مناطق الباب، وأعزاز، وعفرين، وتل أبيض، وسري كانيي/ راس العين، وغيرها. والأمر ذاته بالنسبة لدورها في كردستان العراق، وتواصلها مع القوى السنّية العراقية، وهجماتها المستمرّة على قواعد حزب العمال الكردستاني هناك.

وما نعتقده في هذا المجال هو أن هذا الدور أيضاً يتم بناء على ضوء أخضر أميركي، في سياق ضبط توازن المعادلات في المنطقة. ولكن هل سيستمر مفعول الضوء الأخضر الترامبي في عهد بايدن، أم أن قواعد اللعبة ستتغير، وذلك تبعاً لموقع تموضع تركيا من الاستقطابات الدولية والإقليمية في المنطقة، واستناداً إلى أولويات الإدارة الأميركية الجديدة؟

أما روسيا التي يبدو أنها قد حصلت على ضوء أخضر أميركي – إسرائيلي بالبقاء في سورية، فهي تدرك أن المهمة ليست سهلة، وتعرف جيداً أن معادلات المنطقة تشمل سورية أيضاً. لذلك تستعد، هي الأخرى، لمعرفة توجهات الإدارة الأميركية الجديدة، وهي تخشى، في الوقت ذاته، من أن يشغلها الموضوع السوري أكثر من اللازم، في وقتٍ تشتد فيه المنافسة بين القوى الدولية حول مناطق أخرى هامة من العالم، الأمر الذي قد يجعلها في قائمة المتأخرين.

ومن بين المنتظرين إسرائيل أيضاً، على الرغم من علاقتها العضوية مع الولايات المتحدة، ومعرفتها اليقينية بأن أمنها، ومهمة الدفاع عنها، يأتيان على رأس قائمة أولويات كل رئيس أميركي، فهي قد حققت نتائج متقدّمة على صعيد التطبيع مع دول عربية عديدة، ولكنها لم تتمكّن بعد من تجاوز أزماتها الداخلية، وهي تدرك أن موضوع السلام مع الفلسطينيين استحقاق سيواجهها باستمرار، مهما تجاهلت وسوّفت؛ كما أن موضوع النووي الإيراني يظل الهاجس الذي يؤرّقها؛ لذلك تظل في حاجةٍ ماسّة إلى معرفة توجهات كل إدارة أميركية جديدة وأولوياتها.

ماذا عن السوريين أنفسهم؟ وماذا عن بلدهم الذي توزّع بين مناطق نفوذ متعدّدة الجنسيات، وبات مرتعاً للجيوش الأجنبية، والمليشيات الوافدة المتعدّدة الألوان والمشارب والأهداف، وتتعرّض موارده البشرية والمادية للاستنزاف هنا وهناك؟ هنا تتباين المواقف، وتكثر التحليلات المنسجمة مع رغبة هذه الجهة أو تلك، فمنهم من يرى أن إدارة بايدن ستنفتح على الإيرانيين، وهذا ما سيمكّن هؤلاء من الاستمرار في مخطّطاتهم التوسعية في المنطقة. ومقابل هؤلاء هناك من يرى العكس، ويعلن أن المهمة التي نفذتها إيران، تحت شعارات المقاومة والممانعة، قد بلغت مداها الأقصى، بعدما تمكّنت من خلخلة مجتمعات المنطقة ودولها؛ وساهمت في دفع دول المنطقة نحو شراء الأسلحة بمليارات الدولارات، وشرعنت عمليات التطبيع بالنسبة إلى دول عربية عديدة. لذلك ربما يكون الوقت قد حان لإعادتها إلى دائرة الاحتواء المضمون، مع بعض جوائز الترضية التي لا تمنحها كل ما تريد، ولكنها لا تصادر دورها ضمن حدود المسموح به؛ وهو دور يبدو أنه سيكون مطلوباً من حين إلى آخر.

السوريون في معظمهم، بعدما خذلهم الأصدقاء والأشقاء، كلٌّ لحساباته وهواجسه الخاصة، باتوا أصحاب “عقلية مسيانية”، ترى في انتظار القادم الأميركي ملاذها وأملها. هذا مع المعرفة المسبقة لهذا المعظم بأنه ما لم يكن هناك حدٌّ أدنى من التوافق والتماسك بين السوريين المناهضين لاستبداد نظام بشار وفساده، فإن هذا الأخير سيتمكّن، بدعم مستمر من حلفائه الثابتين، من تجاوز عنق الزجاجة، والاستمرار في الحكم المستبد. كما أن النظام ذاته يستمد العون والمساندة من الدعوات المطالبة بالانفتاح العربي عليه، ودعم مشاريعه في ميدان إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين. وهي مشاريع مفصّلة وفق مقاساته ومقاسات راعيه الروسي، الذي يمنّي النفس بالاستثمارات في سورية، وحتى في الدول العربية الغنية، لقاء الدور الذي قام، ويقوم به في سورية.

الواقع الحالي للمعارضات الرسمية، والتراجعات، إن لم نقل الانهيارات المستمرّة التي تتعرّض لها لأسباب ذاتية في المقام الأول، لا يوحي، بكل أسف، بأي إمكانية لمواجهة ما يجري. وخارج إطار هذه المعارضات، هناك مناقشة وحوارات كثيرة يجريها السوريون في الداخل والمهاجر، ولكنها لم تؤدّ بعد إلى النتائج المرجوّة. نحن في حاجةٍ ماسّةٍ إلى أفكار جديدة من خارج الصندوق، وفي حاجة إلى نواة صلبة متماسكة، متمسكةٍ بأولويات السوريين، مع حرصها على بناء أفضل العلاقات مع الجميع، على أساس تبادل المصالح والاحترام.

العربي الجديد

———————————-

بايدن يرث «أميركا مختلفة» غيّرتها سنوات ترمب بعد 4 أعوام مليئة بالجدل والصخب/ هبة القدسي

لم يشهد تاريخ الرؤساء الأميركيين رئيساً مثيراً للجدل ومحطماً للتقاليد والأعراف الراسخة مثل الرئيس الأميركي الخامس والأربعين دونالد ترمب. فقد تمكن هذا الرئيس المنتهية ولايته من تغيير كثير من ملامح الحياة السياسية في الولايات المتحدة، وأثار الجدل والخلاف والانقسام بشكل غير مسبوق في الحياة الحزبية، كما أشعل معارك وخصومات، وعمق انقسامات عرقية وثقافية، كما قوض، بحسب ما يقول معارضوه، الإيمان بالقيم والأعراف والتقاليد التي لم يخرج عنها الرؤساء الأميركيون السابقون. لكن مؤيديه، وهم بالملايين الذين صوتوا له في الانتخابات الأخيرة، يرون صورة مختلفة تماماً، ويشيدون بسياساته التي وضعت «أميركا أولاً».

وعندما يتولى الرئيس المنتخب جو بايدن سدة الحكم في يناير (كانون الثاني) المقبل سيرى، بلا شك، أن ترمب حقق خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض تغييرات كثيرة في المجتمع الأميركي وفي علاقات أميركا نفسها مع دول العالم. فما هو إرث ترمب الذي سيرثه بايدن الآن؟

لقد اتسمت سنوات حكم دونالد ترمب بصخب كثير وبتغريدات وإقالات وتعيينات وإخفاقات، لا سيما في التعاطي مع أسوأ أزمة صحية واجهتها الولايات المتحدة في تاريخها الحديث مع تفشي وباء «كورونا» الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 330 ألف أميركي. ومع انتهاء السنة 2020، تمسك ترمب برفض الاعتراف بالهزيمة أمام جو بايدن، مروجاً لنظريات مؤامرة واحتيال وسرقة وتزوير.

ويقول مؤرخون إن الرئيس ترمب قدم خلال ولايته صورة مغايرة لتصرفات الرؤساء وتصريحاتهم، وقد نجح في أسر الملايين من المريدين والأنصار بخطاباته الشعبوية غير التقليدية، وتصريحاته التي كثيراً ما أثارت أعصاب الحلفاء والأعداء على حد سواء في الداخل والخارج. وستظل الشعبوية والاستقطاب سمتين مميزتين للسنوات الأربع في حكم دونالد ترمب الذي أرسى أسلوباً جديداً في التعامل مع وسائل الإعلام وفي إطلاق الألقاب على خصومه السياسيين، واستخدام «تويتر» كوسيلة للتواصل مباشرة مع متابعيه البالغ عددهم 85 مليوناً، بعد أن اتهم وسائل الإعلام بنشر الأخبار المزيفة وأقنع مناصريه بأن وسائل الإعلام معادية له بلا هوادة.

وتقدم صحيفة نيويورك تايمز ومقالات كتابها صورة واضحة تؤكد أن ترمب أحد أسوأ الرؤساء الأميركيين. أما متابعو شبكة «سي إن إن» فيكونون صورة عن ترمب بوصفه مرتكب أخطاء وجرائم لا حصر لها. في المقابل، يرى متابعو شبكة «فوكس» ومواقع «اكسيوس» وغيرها من المواقع اليمينية المؤيدة لترمب أن الأخير كان ضحية مؤامرات كونية، رغم جهوده وإنجازاته في مجال تقليص معدلات البطالة وخفض الضرائب وتقليص الروتين الحكومي وتسريع عمليات التوصل إلى لقاح والتصدي للبيروقراطية. وفي مقابل الهجوم والانتقادات لأداء ترمب في مواجهة الوباء، يتساءل الجمهوريون هل لو كانت هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة – أو أي ديمقراطي آخر – لتحقق النجاح في منع وباء فرض نفسه على كل دول العالم. ويسلط مؤيدو ترمب الضوء على قدراته في تحقيق اقتصاد مزدهر، مع معدل بطالة منخفض، وسوق مالية مزدهرة، مع ربحية متزايدة للشركات الأميركية وللأسهم. وفي عهده ارتفع الدخل الحقيقي للطبقة المتوسطة للمرة الأولى منذ عشرين عاما. وأوضح تقرير حديث لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن سياسات ترمب الاقتصادية أدت إلى زيادة الثروة وارتفعت القيمة الصافية للثروة إلى 128 تريليون دولار.

ولقد حقق ترمب نجاحات في ملف السياسة الخارجية، تمثل أبرزها في اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. كما فرض «حملة قصوى» استمرت لسنوات على إيران، تميزت بموجات متعاقبة من العقوبات الأميركية ضد القطاعات الاقتصادية الرئيسية للنظام الإيراني. أراد ترمب أن يحقق إنجازاً تاريخياً مع كوريا الشمالية، مستخدماً سلاح الهجوم ضد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون، ثم أساليب الثناء والتقارب معه، وعقد القمم الرئاسية معه. لكن الملف الكوري تجمد مع عدم قبول كوريا الشمالية التخلي عن برنامجها النووي، وإقدامها على تجارب تسلحية متطورة، في تحد واضح للمساعي الأميركية.

بدأ ترمب سنواته بالتقرب من الصين، لكنه سرعان ما أشعل حرباً تجارية شعواء معها أدت إلى توتر العلاقات، خاصةً مع اتهاماته لاحقاً للصين بالمسؤولية عن تفشي وباء كورونا والاتهامات المتبادلة بالقرصنة السيبرانية. وربما سيذكر التاريخ أن ترمب نجح بشكل ما في تقويض طموحات الصين في الظهور كقوة عالمية وإرساء جيل جديد من التنافس الاقتصادي والاستراتيجي.

واجتهد ترمب في تحقيق تقارب مع روسيا وفي إظهار علاقات ودية مع الرئيس فلاديمير بوتين رغم اعتراضات الأجهزة الاستخباراتية التي وجهت أصابع الاتهام إلى الكرملين وموسكو بالتدخل في الانتخابات عام 2016 وفي القرصنة السيبرانية على عدد من الأجهزة والوزارات الأميركية. وغير ترمب من أساليب الدبلوماسية الدولية التقليدية مع الانسحاب من معاهدات الحد من التسلح مع روسيا.

وتوترت العلاقات في عهد ترمب مع الحلفاء الأوروبيين على خلفية هجومه على عمل وتمويل حلف الناتو وانتقاداته لزعماء أوروبيين مثل أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون. واتبع ترمب إجراءات حمائية على المستوى التجاري وإجراءات انعزالية، خاصةً مع بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ووقف التمويل لكل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأونروا لغوث اللاجئين الفلسطينيين. وأشعل ترمب اضطرابات على المسرح العالمي بسياساته التي اتبعت شعار «أميركا أولا» وتحركاته الأحادية لسحب القوات الأميركية من أفغانستان والصومال والعراق وسوريا. أما في السياسة الداخلية فلم تشهد الولايات المتحدة مظاهرات عرقية غاضبة منذ ستينات القرن الماضي، مثلما شهدت احتجاجات ومظاهرات غاضبة خلال العام الجاري، حيث عمت المظاهرات مدناً وولايات أميركية كثيرة بعد مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد. وكتب جورج باكر المحلل السياسي بمعهد أتلانتيك ما أسماه «نعياً سياسياً» للرئيس ترمب قائلاً إن الولايات المتحدة أصبحت في عهد ترمب أقل حرية، وأقل مساواة، وأكثر انقساماً، وأكثر انعزالاً، وأعمق مديونية، وأكثر مرضاً وهماً. ويصف المحلل السياسي شخصية ترمب بـ«النرجسية المغرورة» التي تتبنى الأكاذيب كحقائق بديلة عن الحقائق على أرض الواقع.

أما المؤرخ الرئاسي مايكل بيشلوس فيقول إن ترمب عمل طوال أربع سنوات على توسيع سلطاته الرئاسية إلى ما وراء حدود القانون وغير شكل الرئاسة الأميركية وشكل السياسة. وقد يكون أبرز ملامح ارث ترمب هو استخدامه لسلطات منصبه كرئيس في تقويض آراء الأميركيين في خصوص مؤسساتهم الحكومية. ويقول: «منذ اللحظة الأولى لمجيئه إلى سدة الحكم، شن ترمب هجوماً على البيروقراطية الفيدرالية ورفع شعار (جففوا المستنقعات في واشنطن) وألقى بالشبهات على مسؤولي الحكومة الذين اعتبرهم جزءاً من الدولة العميقة، وزعزع ثقة الأميركيين في موظفي الحكومة واعتبر التحقيقات في التدخل الروسي في الانتخابات حملة من الساحرات لتقويض رئاسته وطارد وكالات الاستخبارات ووزارة العدل والمحققين مثل روبرت مولر». وفي رأي ريتشارد ووترمان أستاذ السياسة والتاريخ الرئاسي بجامعة كنتاكي أضر هجوم ترمب على الأسس الديمقراطية والانتخابية بالبيت الأبيض وخلق نموذجاً من الشك العميق في الانتخابات المستقبلية ووصمت إدارة بايدن القادمة بعدم الشرعية.

وربما يكون ملف الاقتصاد وخفض الضرائب هو الملف الأكثر بروزاً في إنجازات ترمب إلى أن ضرب وباء «كوفيد 19» أركان الاقتصاد الأميركي وأدى إلى إفلاس شركات كبرى وتسريح الملايين من العمال الأميركيين. وهناك من يقول إن خسارة ترمب في الانتخابات الرئاسية تعود في شكل كبير إلى تفشي الوباء وتداعياته الاقتصادية السلبية على الأميركيين.

الشرق الأوسط

—————————–

أجندة دبلوماسية قصيرة المدى لِلُغز السوري/ تشارلز ثيبوت

تحليل موجز

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة. وإذا أراد الرئيس المنتخب جو بايدن خلق نفوذ إضافي قبل محاولة إجراء مفاوضات صعبة مع روسيا، فسوف يحتاج إلى التحلي بالصبر الاستراتيجي من خلال الشراكة مع الحلفاء بشأن عشر قضايا أولية.

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب جو بايدن إزاء سوريا. وقد ترسم معالمها خمسة عوامل متناقضة.

أولاً، لم تكن سوريا قط في الواقع من أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويبدو أن تجديد الإطار الدولي لوقف البرنامج النووي الإيراني هو الهدف الأول لبايدن في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أدى التعهد المتكرر بـ “إنهاء الحروب التي لا نهاية لها” إلى خلق توافق آراء أمريكي واسع النطاق ضد وجود بصمة أكبر في الخارج، وستؤدي جائحة الفيروس التاجي إلى مزيد من التقليل في النطاق الترددي للبيت الأبيض فيما يتعلّق بسوريا.

ثانياً، فقدت الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في سوريا بسبب سياسات إدارتي أوباما وترامب. على سبيل المثال، عندما واجهت عملية تركية من عبر الحدود في الشمال الشرقي من البلاد أواخر العام الماضي، انسحبت القوات الأمريكية جزئياً، مما أدى إلى عدم وضوح الخطوط الأمامية التي كانت مستقرة سابقاً بين القوات الروسية والتركية والأمريكية.

ثالثاً، أشاد بايدن بموقف القوة المحدود الذي تتخذه الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. وعلى عكس الديمقراطيين البارزين الآخرين، يعتبر أن استراتيجية “عبر، ومع، ومن خلال” المستخدمة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تزال نموذجاً جيداً عن عمل الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. وقد يشير ذلك إلى استعداده للاحتفاظ بوحدة صغيرة على أرض الميدان لدعم الشركاء المحليين.

رابعاً، تحدّثت شخصيات بارزة في حملة بايدن – بمن فيها مرشحه الحالي لوزير الخارجية، توني بلينكين، ومرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان – علناً عن الأخطاء التي ارتُكبت في سوريا خلال إدارة أوباما. ويجدر بالذكر أن بلينكين كان قد صرّح بأنه لا يستطيع تخيّل اعتماد سياسة إعادة التعامل مع بشار الأسد.

خامساً، عندما أقر المشرّعون الأمريكيون “قانون قيصر” في العام الماضي، عملوا على بناء آليات تهدف إلى مقاومة التغيير من قبل الإدارات الأمريكية المستقبلية. لذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف نظام الأسد.

للوهلة الأولى، لا يبدو أن هذه العوامل تترك مجالاً كبيراً لاستراتيجية جديدة بشكل خاص تجاه سوريا، مما يشير إلى أن سياسة الوضع الراهن ستستمر. ومع ذلك، تتمتع واشنطن بنفوذ أكبر مما تدركه، طالما أنها مستعدة للتخلي عن منطق الانهزام الذاتي الذي ساد في السنوات الأخيرة.

كيف يمكن لبايدن تغيير الوضع الراهن في سوريا؟

إن أحد الشروط الأساسية لكسر الجمود الدبلوماسي هو الإقرار بأن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل أو الطموح لحل الأزمة السورية بمفردها، سواء من خلال التدخل العسكري أو عقد صفقة كبرى مع روسيا وتركيا. ومع ذلك، يمكن لواشنطن أن تحقق أهدافاً أكثر تحديداً، مثل تحسين الوضع الإنساني، وإعادة تشكيل إطار الأمم المتحدة للمفاوضات بين الأطراف السورية، ومنع الأعمال العدائية الجديدة في شمال البلاد.

ويتمثل الشرط الثاني بالجمع بشكل أفضل بين المصادر المتباينة للنفوذ الأمريكي. فالمشهد السياسي في سوريا مجزأ للغاية، لذلك سيتعين على فريق بايدن تقديم أداء أفضل من خلال الجمع بين الأمور المالية والقانونية والدبلوماسية والسياسية التي كان يتمّ التعاطي معها سابقاً بشكل منفصل أو تم تجاهلها.

الشرط الثالث هو إعادة إدخال بعض الطاقة الدبلوماسية في السياسة السورية. لقد تعهد بايدن باستعادة القيادة الأمريكية، وإعادة بناء التحالفات، والعمل بشكل أوثق مع الشركاء الأجانب بشكل عام، وأحد الأشكال الواضحة للقيام بذلك في سوريا هو ما يسمى بـ “المجموعة الصغيرة”، التي تضم بريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والمملكة العربية السعودية. وقد اجتمعت هذه المجموعة بانتظام، لكن إدارة ترامب كانت مترددة في الاستثمار فيها، محرزة القليل من التقدم الملحوظ في تنسيق جهد قوي رفيع المستوى لإصلاح عملية الأمم المتحدة أو التعامل مع روسيا وتركيا وإيران.

أجندة قصيرة الأجل لـ “المجموعة الصغيرة”

يجدر بـ “المجموعة الصغيرة” الاجتماع بسرعة بعد إقرار تعيين وزير الخارجية الجديد في إدارة بايدن. وفي ذلك الاجتماع الأول، من الضروري أن يعمل المسؤولون على تقييم مسؤولية روسيا وإيران وتركيا عن الوضع الميداني الراهن وجمود الأمم المتحدة. وبعد ذلك، عليهم منح الأولوية للصبر الاستراتيجي، والتركيز في الوقت الحالي على تأكيد المواقف المشتركة التالية بدلاً من محاولة صياغة استراتيجية جديدة كبرى لسوريا:

1. تحديد موعد نهائي للجنة الدستورية. بعد أكثر من عام على قيام هذه اللجنة بقيادة الأمم المتحدة لم تسفر [أعمالها] عن نتائج ملموسة. وعلى الرغم من النواقص التي تشوبها وفرص نجاحها المحدودة، كانت فكرة إنشاء اللجنة تستحق التجربة ولو كان ذلك فقط لمنع روسيا من استغلال العملية الدبلوماسية وإعادة نظام الأسد إلى حالته الطبيعية دون معالجة أي من الأسباب الجذرية للحرب. ومع ذلك، عرقل النظام السوري باستمرار جهود اللجنة لعدة أشهر على أمل أن يتمكّن الأسد من “الفوز” في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بموجب الدستور الحالي. وما لم تحقق اللجنة تقدماً كبيراً خلال جلستها المقبلة (المقرر عقدها في 25 كانون الثاني/يناير)، سيكون من الحكمة أن تحدد الولايات المتحدة وحلفاؤها تاريخ انتهاء مهمتها، والدعوة إلى حلها إذا لم تتوصل إلى نتائج ملموسة في غضون بضعة أشهر.

2. حث الأمم المتحدة على إعداد آلية مراقبة محكّمة للانتخابات السورية في 2021، بالإضافة إلى توفير خيارات آمنة ومحايدة للسوريين في الخارج لكي يشاركوا في الانتخابات. من غير المرجح أن يوافق النظام السوري على مراقبة الأمم المتحدة للانتخابات، لكن إعداد مثل هذه الآلية أمر مهم لتوضيح ما تعنيه النتيجة. أي أنه إذا رفض النظام المراقبة، فإن ذلك سيقوّض شرعية “الفوز” المفترض للأسد؛ أما إذا سَمح بها، فمن المحتمل أن توضح النتائج المسجلة أن الانتخابات كانت مزورة.

3. تسريع المصالحة الكردية. في الآونة الأخيرة، انخرط مقاتلون أكراد سوريون في اشتباكات حدودية مع القوات الكردية العراقية. وتُظهر مثل هذه الحوادث أن تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا لن يكون ممكناً إلا من خلال بذل جهود على مستوى رفيع لحل الخلافات بين الفصائل الكردية المتناحرة واستبعاد الأعضاء غير السوريين في «قوات سوريا الديمقراطية». وقد أرسلت فرنسا والولايات المتحدة مبعوثين خاصين بشكل منفصل للوساطة بين «قوات سوريا الديمقراطية» و «المجلس الوطني الكردي» المدعوم من تركيا، لكن من الضروري [الاتفاق على] المزيد من التنسيق والضغط السياسي. وقد بدأ الوقت ينفد نظراً لخطر قيام تركيا بشن هجوم آخر، لذلك على “المجموعة الصغيرة” أن توضح لقادة «قوات سوريا الديمقراطية» أنه يتعين عليهم الامتثال في وقت قريب. ومن بين الضرورات الأخرى، يعني ذلك منح أنقرة ضمانات أقوى بأنها ستفصل «قوات سوريا الديمقراطية» عن «حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا.

4. الضغط على تركيا لاحتواء الجهاديين. في وقت سابق من هذا الشهر، أفادت بعض التقارير أن الجهادي البارز المرتبط بتنظيم «القاعدة» عبد الله بن محمد المحيسني التقى مع جماعة «فيلق الشام» المدعومة من تركيا في منطقة عفرين في شمال غرب سوريا. ومثل هذه الحوادث يجب أن تحفز “المجموعة الصغيرة” على معارضة أي تواطؤ بين شركاء تركيا والعناصر الجهادية بشكل علني؛ وخلاف ذلك، فمن الممكن أن تصبح أجزاء كبيرة من شمال سوريا ملاذات آمنة لمنتسبي تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية».

5. إشراك «قوات سوريا الديمقراطية» في عملية الأمم المتحدة كجزء من المعارضة السورية. بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 2254، يميل المسؤولون إلى المساواة بين “المعارضة” و “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي يهيمن عليها «الائتلاف الوطني السوري». وقد دفعت هذه المقاربة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى استبعاد «قوات سوريا الديمقراطية» من العملية الدبلوماسية التي ترعاها الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن «الائتلاف الوطني السوري» و«قوات سوريا الديمقراطية» بحاجة ماسة إلى التوصل إلى ترتيب يمكنهما بموجبه استعادة نفوذهما الدبلوماسي والإقليمي، وفي الوقت نفسه منع دمشق وموسكو من إرغام «قوات سوريا الديمقراطية» على عقد صفقة مع نظام الأسد. وقد سبق أن استضافت مصر محادثات بين «قوات سوريا الديمقراطية» وما يسمى بـ “مجموعة القاهرة”، وهي فصيل أقلية ضمن «الائتلاف الوطني السوري». كما تم أيضاً إشراك أفراد من المعارضة. بإمكان جهد مشترك من قبل دول “المجموعة الصغيرة” أن يساعد في تنشيط هذه العملية.

6. إصلاح إطار العمل الإنساني وزيادة المساعدات. إن [الدول] الأعضاء في “المجموعة الصغيرة” هي من بين أكبر الجهات المانحة الإنسانية للسوريين المحتاجين، لذلك لديها نفوذ كبير للضغط على المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة في دمشق لمواجهة اختطاف النظام للمساعدات. عليها أيضاً إعداد بدائل مشتركة لإطار عمل الأمم المتحدة في حالة عدم تجديد القرار الخاص بالدعم الإنساني عبر الحدود في تموز/يوليو 2021. وعلى افتراض أن يتم إصلاح الإطار، يجب تشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على توفير تمويل إضافي للعمليات الإنسانية (حتى الآن لم يتم تحقيق سوى 40 بالمائة من هدف التمويل لعام 2020). بالإضافة إلى ذلك، من شأن التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة الإنسانية أن يساعد على التخفيف من مشكلة امتثال المصارف المفرط للعقوبات. وعلى الرغم من أن “قانون قيصر” والإجراءات المماثلة تستهدف مسؤولي النظام وتشمل العديد من الاستثناءات الإنسانية، إلّا أن المؤسسات المالية الدولية غالباً ما تخطئ عندما يتعلق الأمر بالحذر والإفراط في الامتثال لهذه القيود، مما يخلق بصورة غير مباشرة عقبات خطيرة للعمليات الإنسانية.

7. النظر في السماح بمشاريع “التعافي المبكر” في المناطق التي يسيطر عليها النظام وبذل المزيد من الجهود لإرساء الاستقرار في شمال سوريا. بدلاً من أن تركز الجهات المانحة حصراً على الإغاثة في حالات الطوارئ، عليها زيادة إمكانية تقديم الأموال إلى مشاريع أخرى استناداً إلى وضع كل منطقة. على سبيل المثال، إذا أثبتت “المجموعة الصغيرة” قدرتها على التوسّط لإحراز تقدم بين «قوات سوريا الديمقراطية» وتركيا، بإمكان الأعضاء الأوروبيين القيام بالمثل من خلال تعزيز مساهماتهم في جهود تحقيق الاستقرار في شمال سوريا، والتي تشمل الأراضي التي تسيطر عليها تركيا. وبالمثل، يمكن للأعضاء عرض تمويل إصلاحات البنية التحتية الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها النظام إذا وافقت دمشق على تقليل هجماتها العسكرية وتدخلها في العمليات الإنسانية. وقد يكون هذا حافزاً جذاباً بشكل خاص للنظام في الوقت الذي حتى جمهوره الموالي يعاني من الأزمات الاقتصادية والصحية.

8. إعادة التأكيد على شروط إعادة الإعمار. لطالما اشترطت الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” تمويلهما لمشاريع إعادة الإعمار على إحراز تقدم ملموس في العملية السياسية، لكن روسيا تضغط على الدول الأوروبية لتغيير هذه السياسة. ولذلك ينبغي على”المجموعة الصغيرة” أن تجدد التزامها بالشروط.

9. تعزيز التعاون ضد مجرمي الحرب. تثبت قضايا المحاكم الأخيرة في ألمانيا أن بإمكان السلطات العثور على المسؤولين السوريين السابقين المتهمين بارتكاب جرائم حرب ومحاكمتهم. وبالمثل، قررت هولندا تحميل دمشق المسؤولية القانونية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بموجب “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”. وفي المرحلة القادمة، يجب على أعضاء “المجموعة الصغيرة” تعزيز التعاون القضائي وتوسيع الدعم للمنظمات غير الحكومية السورية التي تركز على جمع الأدلة ومساعدة الضحايا.

10. تذكير النظام بالإجراءات قصيرة المدى التي يمكن أن تكسر الجمود. على الرغم من أنه من غير المرجح أن ينخرط الأسد في عملية بناء ثقة تدريجية نحو إجراء مفاوضات محتملة، إلّا أنه مع ذلك يتعيّن على “المجموعة الصغيرة” أن توضح الخطوات التي يمكن أن يتخذها للإشارة إلى اهتمامه [بقرار] آخر غير الحل العسكري الفعلي والعزلة الدولية المستمرة. وتشمل هذه الخطوات إطلاق سراح السجناء السياسيين، ووقف اعتقالات اللاجئين العائدين، وإنهاء الضربات الجوّية ضد المنشآت المدنية.

وفي النهاية، فإن التوصل إلى حل وسط مع روسيا هي الطريقة الوحيدة لتحقيق نتيجة تفاوضية في سوريا، بما أن موسكو اكتسبت تأثيراً كبيراً من خلال إطار “عملية أستانا” وعلاقاتها الثنائية مع تركيا وإيران. وحالما تعزز “المجموعة الصغيرة” نفوذها من خلال تنفيذ جدول الأعمال قصير المدى الموصوف أعلاه، [فعندئذ] يمكنها متابعة الهدف متوسط المدى المتمثل في دمج جهودها مع صيغة “عملية أستانا”. وقد يساعد ذلك المجموعة على فتح مفاوضات أكثر عالمية، وتنشيط عملية الأمم المتحدة، وتقييم ما إذا كانت مستعدة وقادرة على استضافة محادثات جوهرية بين السوريين أنفسهم. ويمكن للتطورات على الجبهات الأخرى – ربما من خلال البرنامج النووي الإيراني – أن تسهل هذه العملية.

وستتطلب جميع هذه النقاط إجراء مفاوضات صعبة، لذا لا يمكن تحقيق تقدم سوى من خلال وجود قيادة أمريكية قوية قائمة على عملية حقيقية متعددة الأطراف. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه واضحة، وتتمثل باستخدام الزخم الذي منحه حفل التنصيب القادم للرئيس الأمريكي المنتخب للتأكيد لدمشق وموسكو وطهران بأن استراتيجيتها الحالية المتمثلة بانتظار تبلور الأمور في الولايات المتحدة لن تنجح.

تشارلز ثيبوت هو زميل زائر في معهد واشنطن.

معهد واشنطن

—————————————

========================

تحديث 01 كانون الثاني 2021

—————————-

بايدن والمحافظون الجدد: عود على بدء؟/ صبحي حديدي

ثمة فرضية واسعة الانتشار في أوساط اليسار الأمريكي بصفة خاصة، ترافقت مع صعود نجم جو بايدن وتكريسه كمرشح للحزب الديمقراطي؛ مفادها أنه، على نقيض المنطق المألوف للانقسامات الإيديولوجية الأمريكية، الشخصية المفضلة لدى «مؤسسة الأمن القومي» لأطوار ما بعد دونالد ترامب. وهو، استطراداً، الحاضنة الأكثر ملاءمة لما تبقى من شخوص وتنظيرات تيار عريض بالغ التأثير عُرف في زمن جورج بوش الابن وغزو العراق تحت مسمى «المحافظين الجدد».

ويذكّرنا جيمي سكاهيل، صحافي التحقيقات المتميز ورئيس تحرير الموقع الإخباري الهامّ Intercept، أنّ رحيل ترامب سوف يجرّد تيارات اليمين العنصرية المختلفة من حليف كان يتربع على هرم القرار الأعلى في الولايات المتحدة، وأنّ عدداً غير قليل من سياسات ترامب التي تدغدغ تلك التيارات سوف تتبدّل على نحو أو آخر في عهد بايدن. كلّ هذا صحيح، ولكن ما يتوجب أن يبقى في الذهن هو أنّ انتصار الديمقراطيين تحقق بسبب أرقام الوفيات المرعبة جراء جائحة كوفيد ــ 19 وإدارة ترامب الإجرامية، ولم يتحقق بسبب حماس الناخبين لسياسات بايدن وأفكاره أو سجّله في الوظيفة العامة على مدار نصف قرن: «بالنسبة إلى ملايين الناخبين، لم يكن الخيار بين بايدن وترامب، بل كان تصويتاً على ترامب، واسم بايدن على ورقة الاقتراع كان بمثابة لا رافضة».

لسنا، في المقابل، بحاجة إلى مَنْ يذكّرنا بأن أكثر من 73 مليون ناخب أمريكي صوتوا من أجل إبقاء ترامب أربع سنوات إضافية في البيت الأبيض، رغم معرفتهم بفساد إدارته وعجز سياساتها والتدبير الخطيرة التي اتخذتها، فضلاً عن تشجيع العنف والتيارات العنصرية والكراهية والتفرقة الاجتماعية والإثنية؛ وأنّ الحزب الجمهوري كان، في المقابل، مجرّد صدى يردد أقوال ترامب من دون أيّ وفاء للحدّ الأدنى من القيم التي يرفعها الحزب ويتفاخر بها. الفارق بين بوش الابن وترامب ينحصر، حسب يقين سكاهيل، في أنّ الأوّل سعى إلى جعل الحزب غطاء أو ستاراً أو مرجعية عامة، واكتفى الثاني بتحويل الحزب إلى جمهرة من النوّاب وأعضاء مجلس الشيوخ المصفقين الراضخين الخانعين.

الأسابيع القليلة المقبلة سوف تضع هذه الفرضية، وسواها من آراء تسير على المنوال ذاته، أمام محكّ السياسات الفعلية في ميادين عديدة لعلّ قضايا الشرق الأوسط سوف تكون في طليعتها. ونعرف، سلفاً في الواقع، أنّ رهط المحافظين الجدد، الذين سوف يلتفون حول بايدن من زاوية دفعه إلى إحياء النظرية القديمة بصدد فرض الديمقراطية على شعوب الشرق الأوسط عن طريق القوّة إذا اقتضى الأمر؛ لن يتنازلوا عن قاعدة أخرى مقترنة بهذا الخيار، أي «الغسل الثقافي» لتلك الديمقراطية المصدّرة، على صعيد التراثات والأديان والعقائد، بما يكفل تطهيرها من سلسلة «أدران تاريخية» خلقت نزوعات العداء للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب عموماً. في عبارة أخرى، جرت على لسان كبار المحافظين الجدد: إذا توجّب أن تبلغ بلدانُ الشرق الأوسط مستوى في الديمقراطية متقدّماً ومقبولاً ومعترفاً به في الغرب، فإنّ على صندوق الاقتراع ألا يمثّل قناعات المقترعين الفعلية، بل تلك التي تتناسب مع القناعات التي يقبل بها «العالم الحرّ» و»المجتمع الدولي»، تحديداً وحصراً!

وهكذا فإنهم، من جديد وعلى منوال القديم، سوف يطالبوننا بأن نعيش مرحلة الـ»ما بعد» في كلّ شيء، وعلى طول الخطّ: ما بعد الحداثة، ما بعد المجتمع الصناعي، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الإيديولوجيا، ما بعد الشيوعية، ما بعد التاريخ، ما بعد السياسة، ما بعد «القاعدة» و»داعش» وأسامة بن لادن و»الخليفة البغدادي»… وتلك حال يتوجب أن تبدو أقرب إلى عالم أحادي تماثل وتشابه وتعاقب على ذاته ومن أجل ذاته، حتى بات من المحال ــ وربما من المحرج ــ الحديث عمّا هو سابق لهذا الراهن وذاك اللاحق، عن الـ»ما قبل» أياً كانت الظواهر التي سبقته. كأنّ كل شيء حدث لتوّه، كما يستغرب الباحث الأمريكي دافيد غريس في كتابه المثير «دراما الهوية الغربية»: العالم يخلع أرديته واحدة تلو الأخرى، من العقلانية والرومانتيكية والثورية، إلى تلك الرجعية والوثنية والمحافظة، مروراً بالليبرالية والرأسمالية والاشتراكية والشيوعية.

ولكن، أليس من المشروع إعادة طرح التساؤل القديم، الذي حرّض عليه أقطاب المحافظين الجدد من أمثال كوندوليزا رايس، ديك شيني، إرفنغ كريستول، ريشارد بيرل، بول ولفوفيتز، دوغلاس فيث، ودافيد ورمستر: ألا يصحّ أنّ هذه الديمقراطية المستجلبة، أو أشباهها من ديمقراطيات مفروضة قسراً بفعل الشرط العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي الخارجي، هي بدورها حاضنة شروخات مجتمعية مستندة إلى انحيازات إثنية ومذهبية وطائفية وعشائرية؟ ألا يجوز الافتراض بأنها، أو كأنها، استعادة/ طبق الأصل لكلّ أحقاب الـ»ما قبل» في السرديات الكبرى للحضارة الغربية، من اليونان القديم، إلى روما القديمة، إلى رحلة كريستوفر كولومبوس، إلى عصر الأنوار والحداثة؟

ومن جانب آخر، وحين تقترن هذه المشاهد بما يشبه إصرار الغرب على استحالة المطابقة بين ديمقراطية صندوق الاقتراع وحرّية اليقين الشخصي، ألسنا نشهد اهتزازاً عميقاً في الرؤية الراسخة التي اعتنقها وبشّر بها الغرب معظم القرن الماضي، أو قبله بعقود كذلك؟ ألم تنهض تلك الرؤية على ثلاثة أقانيم جوهرية: الرأسمالية واقتصاد السوق، وحقوق الإنسان كما تقترن وجوباً بالشكل الليبرالي (الغربي ــ الأمريكي) من الديمقراطية العلمانية، وإطار الأمّة ــ الدولة كصيغة هوية معتمدة في العلاقات الدولية؟

وهذه الأقانيم بالذات، الم تكن تكتسي بهيئة مختلفة تماماً حين يتعلق الأمر بمجتمعات وثقافات العالم غير الغربي، أو هي كانت تأخذ أكثر من صيغة توتّر وتناقض مع أية مجموعة من القيم غير الغربية، الأمر الذي ظلّ يفتح باب الاجتهاد حول تصارع حضاري ــ ديني، على طريقة صمويل هنتنغتون؛ أو توتّر هيلليني ــ آسيوي، على طريقة برنارد لويس؛ أو ولادة «الأيديولوجية التالية»، على طريقة غراهام فوللر؟ ألم تنجلِ الأقانيم ذاتها عن هيئة مختلفة حتى في قلب أوروبا، على مبعدة أمتار قليلة من قواعد الحلف الأطلسي، في البلقان الدامي دون سواه؟

فوللر، من جانبه/ لا يغفل الإشارة إلى التهديد الذي تتعرض له الثقافات الوطنية بفعل التعميم القسري للقِيَم الغربية، بوسائط تبادل لا قِبَل لتلك المجتمعات بمقاومتها، مثل ذلك التصدير الأخطبوطي الجبّار للسلعة الثقافية (الكتاب والفيلم والأغنية ونوع الطعام واللباس والدواء)؛ وصناعة الرمز الثقافي الأعلى الأشبه بالأسطورة في ذلك كله (بحيث تتحوّل شطيرة الـ»بيغ ماك» إلى رمز للجبروت الأمريكي السياسي والاقتصادي والعسكري، ليس في بلدان مثل الهند وماليزيا ومصر فحسب، بل حتى في بلد مثل فرنسا أيضاً). ونتذكّر في هذا الصدد أنّ صدام الحضارات، كما شخّصه هنتنغتون في البدء، لا يدور بين يسوع ومحمد وكونفوشيوس، بل حول التبادل غير المتكافىء للقوّة والثروة والنفوذ، وتهميش الأطراف لصالح المركز (الغربي بالضرورة) وتحويل الثقافة إلى وسيط للتعبير عن الأزمة بدل أن تكون سبباً فيها.

الثابت، في خلاصة القول، أنّ تيار المحافظين الجدد لم يجد في حماقات ترامب ما يشفي غليله، ونفر من مقدار الشعبوية التي اكتنفت التنظير والتبشير قبل السياسة والاقتصاد، والأرجح أنه انتظر عوداً على بدء؛ في شخص بايدن كما يراهن مراقبون كثر، ولا عزاء للمراهنين في العالم العربي على تحولات ملموسة لخيارات البيت الأبيض المقبلة، فكيف بانعطافات كبرى فارقة.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————

عام الكورونا الأميركي/ بشير البكر

مثلما كان الحال في التقويمات الشعبية القديمة هناك أعوام تحمل أسماء غريبة كعام الجراد أو النمل الأبيض، فإن الاسم الذي يليق بـ 2020 هو عام الكورونا. هذا الوباء الذي دهم البشرية فجأة، ليضرب كل الأجندات بلا استثناء، وعلى مستوى العالم ككل، من الدول الصغيرة والفقيرة حتى الإمبراطوريات العظمى صاحبة الجيوش والاقتصادات الترليونية. الجميع سواسية في حالة عجز أمام هذا الفيروس الذي لا تزال البشرية غير قادرة على تحديد منشئه العضوي، ولا الوسائل الناجعة للخلاص منه. وإلى حين ظهور أولى اللقاحات، بدت الأضرار اللاحقة بأهم قوة كونية، أي الولايات المتحدة، أعظم منها في حال أي بلد آخر. وعلى الرغم من التقدّم العلمي الهائل، فإن أميركا لم تكن سباقة إلى اكتشاف اللقاحات المضادّة للفيروس، وسبقتها إلى ذلك ألمانيا التي أنتجت لقاح فايزر – بيوتنيك الذي يتصدّر اللقاحات العالمية، بينما لا يزال لقاح موديرنا الأميركي لم يعرف طريقه إلى التسويق الواسع على مستوى الولايات المتحدة والعالم.

ومن المفارقات هنا أن هذا الفيروس تدخل في صميم الحياة الأميركية، كما لم يحدث في أي بلد آخر، ووصل إلى لعب الدور الرئيسي في خسارة الرئيس دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية. وبعد أن كان ترامب يعوّل على أدائه الاقتصادي المتميز، جاء فشله في إدارة أزمة الفيروس منذ لحظة ظهوره، ليضيع عليه فرصة الفوز بولاية ثانية. والمشكلة لا تقف عند أداء ترامب في مواجهة الجائحة فحسب، بل تتعدّاها إلى نظرة الرئيس الأميركي إلى قضية الصحة، بوصفها مسألة أساسية من الأساسيات التي يتوقف تقدّمها على نهوض الدولة بها، مثل شؤون الدفاع التي لا يمكن خصخصتها وتلزيمها إلى شركات من القطاع الخاص. ويجدر التوقف هنا عند موقف ترامب من نظام الرعاية الصحية الذي أنشأه الرئيس الأسبق، باراك أوباما، عام 2010، وكان الهدف منه تأمين ضمان صحي لكل أميركي بتكاليف قليلة، كما في فرنسا. وأول ما قام به الرئيس الأميركي الحالي أنه قاد معركة في الكونغرس، من أجل إلغاء هذا النظام المعروف باسم “أوباما كير”، وحين فشل في ذلك لجأ إلى قانون معدل، يشكل خطوة هامة لإلغاء قانون أوباما.

يضاف إلى ذلك عدم جدّية ترامب في مواجهة وباء كورونا. منذ البداية، اتسمت مواقفه وردود أفعاله بلا مبالاة، وأعطى مثالا سيئا في ما يتعلق بالإجراءات الاحترازية، مثل عدم ارتداء الكمامة. وعمم هذا الموقف المستهتر على فريق من مساعديه ومستشاريه، وأدّت النظرة التبسيطية إلى إشاعة سلوك في بعض الأوسط ساهم في تفشّي الوباء على نطاق واسع. ومن هنا، ليست الأرقام العالية في الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة مصادفة أو سوء تخطيط، بل هي أمر يتعلق، بالدرجة الأولى، بالنظام الصحي، وعلاقة الدولة بهذا النظام الذي تبين أنه يعاني من مشكلات بنيوية كبيرة، وهذا ليس سرا، بل يكاد يكون من القضايا الأساسية التي تدور من حولها الحملات الانتخابية. ومعلومٌ أن النسبة العالية من الوفيات في أميركا كانت في أوساط الفقراء الذين لم يتمتعوا بنظام صحي عادل، وبالتالي تعايشوا مع أمراض مزمنة، وذات كلفة علاج عالية، وهذه الشريحة هي الأكثر تضررا من الفيروس.

هزيمة ترامب ليست النتيجة الوحيدة لأزمة كورونا، بل إن الفيروس يطرح على أميركا تحدّيات كبيرة، تتعلق بإعادة بناء النظام الصحي الأميركي الذي تعرّض لاختراق كبير من كورونا. وواضحٌ أن الإدارة القادمة التقطت الرسالة، ويتوقف أحد أهم أسباب نجاحها على العمل بها بسرعة، من أجل هزيمة الوباء، واستعادة ما تبدّد من هيبة أميركا.

العربي الجديد

—————————–

التايمز: سياسة بايدن من الشرق الأوسط ستكون استمرارا لترامب وإهمالا متزايدا لمشاكله/ إبراهيم درويش

في افتتاحية بعنوان “رأي التايمز بجوزيف بايدن والشرق الأوسط: منطقة مضطربة”، قالت الصحيفة البريطانية إن “هناك مناطق قليلة في العالم تتحسر على رحيل الرئيس ترامب مثل الشرق الأوسط”. ففي السعودية بدأ أول رحلة خارجية له، في حفلة واستعراض مبهرج وبريق صمم لمداهنة الرئيس الجديد. وكانت ناجحة، فقد تبنى الرئيس ترامب ولي العهد محمد بن سلمان وحمى الأمير الشاب من مسؤولية قتل المعارض السعودي في المنفى جمال خاشقجي.

وأكدت الولايات المتحدة التزاماتها بأمن السعودية والخليج. وتخلت عن الاتفاقية النووية مع إيران وزادت من العقوبات على طهران. واستخدمت إدارة ترامب علاقاتها الجيدة مع إسرائيل حيث “حقق انتصارا دبلوماسيا نادرا: فتح العلاقات الرسمية بين إسرائيل ودولتين خليجيتين هما الإمارات العربية المتحدة والبحرين”.

ونتيجة لهذا فستواجه إدارة جوزيف بايدن المقبلة مواقف متشككة وعدوانية من بعض حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين لو حاول الرئيس المنتخب، كما لمح، العودة للاتفاقية النووية مع إيران. وقالت الصحيفة إن هناك أمرين يعقدان مهمة بايدن، الأول هو استئناف إيران برنامجها النووي وسيطرة التيار المتشدد على الأمور. أما الثاني، فقد بات العالم العربي يتعامل مع إيران كعدوه الأكبر وليس إسرائيل.

ورغم الدبلوماسية المكثفة لحل المسألة الفلسطينية من قبل الإدارة الديمقراطية السابقة، فسيجد بايدن أن العالم العربي لم يعد يركز على القضية الفلسطينية. وبدلا من ذلك يريد التزاما أمريكيا بأمن الخليج ووقف محاولات فك العلاقة مع المنطقة وإظهار العضلات العسكرية التي وجدت الأنظمة العربية أن إدارة باراك أوباما ليست مستعدة لإظهارها في مجالات مثل مواجهة نظام بشار الأسد في سوريا.

وأضافت الصحيفة أن إدارة بايدن ستتعرض لضغوط من الداخل لعمل المزيد والقليل، فهي ستواجه مطالب باتخاذ مواقف متشددة من السعودية فيما يتعلق بحربها في اليمن، ومطالب بالتشدد مع تركيا بسبب تدخل رئيسها في ليبيا والمواجهة مع اليونان وقرار شراء منظومة أس-400 من روسيا.

لكن بايدن سيجد صعوبة في عكس سياسات وإلغاء قرارات اتخذها ترامب مثل نقل السفارة من القدس إلى تل أبيب. وستواصل عمليات الانسحاب وتخفيض القوات وإن بشكل بطيء من أفغانستان والعراق. ولن تكون قادرة على فرض دور أمريكي في المسألة السورية المعقدة أو مواجهة فاعلة ضد التأثير الصيني والروسي بالمنطقة. وإلى جانب هذا، فالولايات المتحدة تنتج نفطها الذي تحتاجه من الشرق الأوسط الذي لم يعد مهما لها من الناحية الإستراتيجية.

لكن المشاكل ستتفاقم، ورغم الأعباء التي يشكلها اللاجئون السوريون على دول المنطقة فمن غير المحتمل عودتهم إلى بلادهم. أما الحرب ذات الوتيرة البطيئة فستتواصل في ليبيا وكذا الأزمة الاقتصادية في لبنان والمجاعة في اليمن والجمود السياسي في الجزائر والقمع في مصر، في وقت تحاول فيه أوروبا الحذر في علاقاتها مع المنطقة وروسيا التي تريد الاستفادة من الفراغ. ورغم هزيمة التطرف الإسلامي في ساحة المعركة إلا أنه لا يزال قوة تحت الأرض وربما عاد وبدأ حملة من الجرائم.

وكما اكتشفت الإدارة الديمقراطية السابقة فلعب دور صانع السلام قد يكون محبطا. وربما تابع بايدن سياسة إدارة ترامب: إهمال متزايد للشرق الأوسط وتركيز على تحديات أخرى.

القدس العربي

—————————–

واشنطن وطهران لا تفكران بالحرب..ما سبب الحشد العسكري؟

قالت شبكة “سي إن إن” الأميركية إن هناك انقساماً بين المسؤولين في البنتاغون بشأن خطر شن هجمات محتملة من قبل إيران وحلفائها الإقليميين قبيل ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

ونقلت الشبكة في تقرير الخميس، عن مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون قوله إن الخطر الذي تشكله إيران بلغ الآن أرفع مستوى منذ اغتيال سليماني في الثالث من كانون الثاني/يناير 2020.

وأشار مسؤولون في البنتاغون إلى وجود تقارير استخباراتية جديدة مفادها أن إيران والفصائل المتحالفة معها في العراق قد تخطط لشن هجمات على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، وتشمل هذه الاستعدادات نقل طهران صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى البلد المجاور، ما دفع واشنطن إلى نشر قوات إضافية في المنطقة.

في المقابل، أبدى مسؤولون آخرون في البنتاغون للشبكة قناعتهم بأن المخاوف المتعلقة بالتهديد الإيراني المزعوم “مبالغ فيها”. وأكد مسؤؤل ثانٍ رفيع المستوى في وزارة الدفاع وهو منخرط مباشرة في المناقشات بشأن الموضوع، غياب أي معلومات استخباراتية تشير إلى أن هجوماً من قبل إيران قد يكون وشيكاً.

وذكر مسؤول دفاعي آخر ل”سي إن إن”، أن رئيس الأركان المشتركة في الجيش الأميركي مارك ميلي يتابع الوضع بعناية مكثفة، موضحا أن “العسكريين لا يعتقدون أن هناك خطر هجمات وشيك لكنهم يتخذون كافة الاستعدادات لضمان ردع إيران وحماية القوات الأميركية”.

وأشارت “سي إن إن” في هذا الصدد إلى إعلان القيادة المركزية الأميركية الأربعاء، عن تحليق قاذفات استراتيجية نووية من طراز “بي-52” إلى الشرق الأوسط للمرة الثانية منذ بداية الشهر.

في الوقت نفسه، أكد المسؤول الرفيع الثاني أن قرار وزير الدفاع الأميركي بالوكالة كريستوفر ميلر إخراج حاملة الطائرات “نيميتز” من الخليج جاء على الرغم من مطالب قائد القيادة المركزية كينيث ماكينزي بتمديد مهمة السفينة في المنطقة.

ووصف المسؤولون التحركات العسكرية الأخيرة في المنطقة بأنها “استعراض عضلات” يهدف إلى تحذير طهران من اتخاذ أي إجراءات عدائية ضد القوات الأميركية في المنطقة قبيل ذكرى اغتيال سليماني.

وشدد المسؤولون على غياب أي خطط واستعدادات تمهيداً لاتخاذ إجراءات هجومية ضد إيران في المنطقة، مضيفين أن كافة الخطوات المتخذة مؤخرا في سبيل تعزيز التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط تهدف إلى ردع هجمات محتملة وليس تنفيذ ضربات استباقية.

في المقابل، قال وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الخميس، إن إيران لا تسعى إلى الحرب لكنها ستدافع فوراً وبكل الوسائل عن شعبها وأمنها ومصالحها الحيوية. وأضاف في تغريدة، أن هناك معلومات استخباراتية من العراق تشير إلى وجود “مخطط أميركي لاصطناع ذريعة” لشن حرب ضد طهران.

Instead of fighting Covid in US, @realDonaldTrump & cohorts waste billions to fly B52s & send armadas to OUR region

Intelligence from Iraq indicate plot to FABRICATE pretext for war.

Iran doesn’t seek war but will OPENLY & DIRECTLY defend its people, security & vital interests.

— Javad Zarif (@JZarif) December 31, 2020

المدن

—————————

العام 2021: مفاوضات أميركا وإيران وترتيب علاقات المنطقة/ جويس كرم

العام 2020 كان عاما تحولياً بكل معنى الكلمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: اتفاقات سلام بين أربع دول عربية وإسرائيل، اغتيال قاسم سليماني وغرق لبنان بجائحة الفساد والانهيار الاقتصادي.

تحولات ستؤسس بشكل أو بآخر لما سيحمله العام المقبل الذي يبدأ عنوانه من تبدل في سدة الحكم في الولايات المتحدة ورئاسة جوزيف بايدن مع خروج دونالد ترامب وفريق الصقور بينهم جاريد كوشنر ومايك بومبيو من الحكم.

رئاسة بايدن ورؤيته الشرق الأوسطية تختلف جذرياً عن سلفه ترامب. فليس هناك العنصر الآيديولوجي والانتخابي للذهاب بعيدا في مغازلة إسرائيل كما فعل ترامب بنقل السفارة إلى القدس في 2018 والاعتراف بضم الجولان في 2019، وفي نفس الوقت لن يعادي بايدن إسرائيل وهو من قال في قاعة الكونغرس في 1986 أنه “لو لم يكن هناك إسرائيل لكان على أميركا اختراع دولة إسرائيل لتحمي مصالحها”. هناك أيضاً توجسٌ من بايدن من الغرق بوحول الشرق الأوسط، وهو كان أيد الانسحاب من العراق والمرشحين لوزارتي الدفاع والخارجية في إدارته لويد أوستن وتوني بلينكن أشرفوا على الانسحاب في 2011 قبل العودة في 2014 لمحاربة داعش.

وعليه تلوح هذه الأولويات الأربع في العام الجديد كمحرك لأميركا في الشرق الأوسط”

– أولاً مفاوضات إيرانية-أميركية: بغض النظر عن عمق الأزمة بين واشنطن وطهران، التي سيرثها بايدن من ترامب، فالظروف ناضجة لمفاوضات إيرانية-أميركية محورها الأبرز هو الملف النووي. إيران تسعى لهذه المفاوضات وبايدن لا يعارضها، ومجموعات الضغط بدأت تحضر لأجندة عملية لها تجعلها وبخلاف مفاوضات باراك أوباما مع طهران شاملة شكلا ومضمونا لقضايا تتخطى التخصيب والعداد النووي. أقله محور هذه المفاوضات سيشمل الصواريخ الباليستية، وهو بات مطلب تؤيده ألمانيا كما فرنسا وبريطانيا وتدفع باتجاهه دول إقليمية. حتى الساعة تعارض إيران دمج هذا الملف بمفاوضاتها النووية، إنما عصا العقوبات التي يحملها بايدن يرتبط شق كبير منها بالبرنامج الباليسيتي وتؤجل أي انفراج اقتصادي لطهران من دون رفعها. هناك أيضا إصرار إقليمي تقوده الإمارات والبحرين للمشاركة في المفاوضات المقبلة مع إيران وليكون لها إطار إقليمي يجعل مصيرها مقبولا في المنطقة ومن الكونغرس الذي جعل أي اتفاق مع إيران معاهدة يصعب على أي رئيس أميركي مقبل الخروج منها. فريق بايدن يدرك أهمية المفاوضات مع إيران ووقف الساعة النووية، وهو كان قادها سرا في سلطنة عمان في 2011. هذه المرة، هناك صورة دولية وإقليمية أكثر تعقيدا تفرض توسيع إطارها وطاولتها للوصول لاتفاق لا يطيحه رئيس أميركي مقبل.

– ثانياً ترتيب العلاقة مع كل من السعودية وتركيا: النقلة من ترامب إلى بايدن تعني رؤية مختلفة أيضا في تحالفات قادها ترامب في المنطقة. فالعلاقة القريبة بين ترامب والرياض -أول عاصمة يزورها في 2017 – وصداقته الشخصية مع رجب طيب أردوغان حددت إطارا استثنائيا للعلاقات الثنائية. هذا الإطار سيسعى بايدن لاستبداله بآخر أكثر برودة ويتعاطى مع أولويات أميركية ومطالب الكونغرس. مع السعودية هذا يعني تركيز فريق بايدن على إنهاء الحرب في اليمن، الإفراج عن السجينات الناشطات، وتعزيز فرص التواصل بين إسرائيل والسعودية. أما مع تركيا، فلا رفع للعقوبات الجديدة من دون تجميد أنقرة لمنظومة صواريخ أس-400 التي اشترتها من روسيا. كما سيسعى بايدن للضغط على أردوغان في سورية وخصوصا في العلاقة مع الأكراد، الوجود التركي في الشمال ومستقبل العلاقة مع قوات سوريا الديموقراطية.

– ثالثاً تركيز على الحد من نفوذ روسيا والصين: الحد من نفوذ الصين وروسيا سيكون أولوية بارزة لدى إدارة بايدن في تعامله مع كافة اللاعبين بمن فيهم في الشرق الأوسط. فصفقات الأسلحة من تركيا إلى مصر إلى ليبيا مع روسيا هي نقطة خلاف مع الولايات المتحدة، كما هو تغلغل الصين الاقتصادي في قطاع المواصلات والزراعة والإعلام في الخليج وشمال إفريقيا. في عالم متحول وأمام صعود “النمر النائم” في بكين، هناك قلق أميركي من منافسة في المنطقة.

– رابعاً الحد من المغامرات العسكرية الأميركية في المنطقة: كل هذه الأولويات تصب في إعادة توجيه بايدن البوصلة الأميركية نحو آسيا وأوروبا بدل الشرق الأوسط. فدير الزور والتنف وقاعدة عين الأسد هي اليوم ليست بأولوية خطر زحف الصين واحتلالها تايوان. وبالتالي سيكون توجيه القوة العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية الأميركية بعيدا عن مغامرات الشرق الأوسط والتنافس مع إيران، وصوب آسيا لحماية التفوق الأميركي. هذا لا يمكن أن يتم من دون رص التحالف الأطلسي والذي يهدده اليوم اتفاق الاتحاد الأوروبي الاستثماري مع الصين.

العام 2021 تحمل بوادره بداية مفاوضات إيرانية-أميركية، نقلة لجوزيف بايدن في رؤيته للعلاقة مع تركيا والسعودية وإعادة رص أولويات الولايات المتحدة بعيدا عن نزاعات الشرق الأوسط ونحو الحد من نفوذ الصين.

جويس كرم

الحرة

—————————-

تركيا وإيران بين ترامب وبايدن/ هشام ملحم

سوف يرث الرئيس المنتخب جوزف بايدن من الرئيس دونالد ترامب علاقات متوترة مع دول شرق أوسطية محورية مثل إيران المعادية، وتركيا الحليف غير الموثوق به. وحتى العلاقات مع أصدقاء قدامى مثل إسرائيل والسعودية قد تشهد “مراجعة” من الإدارة الأميركية الجديدة. ولكن العلاقات المتوترة والمعقدة مع إيران وتركيا قد ترغم الرئيس بايدن على اعطائها اهتماماً كبيراً ومبكراً مع أن أولويات الرئيس الجديد هي داخلية بامتياز مثل مكافحة فيروس كورونا ومساعدة ضحاياه، وإنعاش الاقتصاد وإخراجه من أسوأ أزماته منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي.

خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض، تغاضى الرئيس ترامب عن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العدائية في سوريا والعراق واستفزازاته ضد اليونان وقبرص في شرق وجنوب البحر المتوسط حيث يريد التنقيب عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها. لا بل إن ترامب، الذي كان دائماً يبدي إعجابه بأردوغان وأسلوبه الاوتوقراطي، لم ينتقد تركيا حين انتهكت القانون الأميركي الذي يحظر على الحلفاء شراء الأسلحة الروسية، بعدما اشترى أردوغان منظومة الصواريخ أس– 400، وأغضب أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” في أوروبا. ترامب رفض توصيات مستشاريه ومن بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو فرض عقوبات على أنقرة لشرائها هذه الصواريخ الروسية.

في المقابل اعتمد ترامب أسلوب “الضغوط القصوى” ضد إيران بعد أن أعاد فرض العقوبات الاقتصادية القاسية عليها، والتي كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قد رفعتها عن طهران، بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا في 2015، والذي انسحب منه ترامب في 2018. ترامب اكتفى بفرض الضغوط القصوى على إيران، ولكنه لم يفعل ذلك في سياق استراتيجية سياسية، وكأن سياسته تجاه إيران بفرض الضغوط الاقتصادية والسياسية القصوى هو من أجل فرضها فقط، وليس لتحقيق أهداف سياسية ملموسة كما يفترض. وهو كان يقول بين وقت وآخر إنه يريد التفاوض مع إيران للتوصل الى اتفاق نووي أفضل، ولكن جميع ممارساته ومواقفه أظهرت أنه لم يكن جدياً، ولم يحاول التعامل في شكل واقعي ومن خلال التعاون مع الحلفاء في أوروبا مع التحديات التي تمثلها إيران.

من جهته، أعرب الرئيس المنتخب بايدن عن أمله باستئناف المسار الديبلوماسي مع إيران لبحث إمكان إحياء وتطوير الاتفاق النووي اذا كانت إيران مستعدة لذلك. وكان بايدن قد انتقد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات ضد إيران واعتبر ذلك “إخفاقاً خطيراً”، قائلاً إن “هناك وسيلة ذكية لاعتماد سياسة قوية تجاه إيران”. وتعهد بايدن في مقال نشره في أيلول (سبتمبر) الماضي أنه “اذا اختارت إيران المواجهة فأنا مستعد للدفاع عن مصالحنا الحيوية وعن جنودنا”، وأضاف: “ولكنني مستعد للسير على الطريق الديبلوماسي اذا اتخذت إيران الخطوات التي تؤكد أنها أيضاً مستعدة لذلك”.

في المقابل، من المتوقع ان يعتمد الرئيس المنتخب بايدن، سياسة أكثر تشدداً تجاه الرئيس التركي أردوغان الذي وصفه “بالأوتوقراطي” بسبب انتهاكاته حقوق الإنسان وترهيبه للصحافة. وحتى إذا أراد بايدن أن لا يستعجل باتخاذ الإجراءات العقابية ضد تركيا لأنه يريد تحسين العلاقات مع حلف “الناتو”، وتركيا هي عضو في الحلف، فإنه سيجد أن الاستياء من تركيا في الكونغرس الأميركي وفي أوساط الحزبين قد وصل الى مستويات غير معهودة ربما منذ الغزو التركي لشمال قبرص في 1974، حين فرض الكونغرس حظراً على تزويد تركيا بالأسلحة. وكان كل من مجلسي النواب والشيوخ قد ألحق بميزانية وزارة الدفاع عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة صواريخ أس-400 التي فرض الرئيس ترامب الفيتو ضدها، والتي سارع مجلس النواب الى إلغاء الفيتو الرئاسي بما يزيد على أكثرية الثلثين المطلوبة. ومن المتوقع أن يتخذ مجلس الشيوخ قراراً مماثلاً.

المسؤولون الذين عينهم الرئيس المنتخب جوزف بايدن في المناصب الأمنية والعسكرية لا يتحدثون عن سياسة الإدارة الجديدة حول تركيا، ولكن أصدقاء بايدن في الكونغرس ومن بينهم السناتور الديموقراطي كريس فان هولن، يقولون بصراحة إن أردوغان قد خسر محاميه في واشنطن حين انتخب الأميركيون جوزف بايدن رئيساً. وقال فان هولن لصحيفة “النيويورك تايمس”: “على مدى بضع سنوات وفّر الرئيس ترامب شخصياً الحماية لأردوغان وتركيا”. وأضاف ان الرئيس بايدن سيفرض القيود على “جهود أردوغان لتوسيع نفوذه على حسابنا، وبطريقة تضر بمصالحنا”.

القضايا الخلافية بين أردوغان وإدارة بايدن عديدة وتبدأ بحقوق الإنسان في الداخل، وتشمل التدخل التركي السلبي في سوريا، وصواريخ أس– 400 واستفزازات أنقرة لكل من اليونان وقبرص بشأن مصادر الطاقة في البحر المتوسط وطموحات تركيا العسكرية. وكانت تركيا في السنوات الماضية قد أقامت قواعد عسكرية في قطر والصومال والعراق وسوريا وليبيا، ما أعطاها القدرة على نشر قواتها الجوية والبحرية والبرية في مناطق بعيدة من حدوها، لفرض نفوذها في مياه الخليج والقرن الأفريقي والبحر الأحمر وفي شمال أفريقيا. هذا الانتشار العسكري أثار استياء مجموعة كبيرة من الدول مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العرببية السعودية ومصر وإسرائيل واليونان وقبرص وفرنسا.

ولكن بايدن، قد يجد في الأيام المقبلة، وقبل تسلّمه السلطة بأقل من عشرين يوماً، أن العلاقات المتوترة بين إيران وادارة الرئيس ترامب مرشحة لأن تتحول الى مواجهة ساخنة. وكان الرئيس ترامب قد ناقش في اجتماع عقده بعد الانتخابات مع كبار مساعديه لشؤون الأمن القومي، إمكان استخدام القوة العسكرية ضد بعض المنشآت النووية الإيرانية بعد أن كشفت وكالة الطاقة النووية أن إيران قد انتهكت بعض بنود الاتفاق النووي “الذي انسحب منه ترامب” لجهة زيادة كمية اليورانيوم المخصب والتي قالت الوكالة إنها تفوق الكمية المسموح بها وفقاً للاتفاق. ولكن كبار مساعدي ترامب أقنعوه بأن سلبيات الضربة العسكرية تفوق حسناتها.

وفي الأسابيع الماضية، ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للغارة التي أمر بها الرئيس ترامب في الثالث من كانون الثاني (يناير) 2020 والتي قتلت قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس أحد أبرز قادة قوات “الحشد الشعبي” العراقي الموالية لإيران، قرب مطار بغداد الدولي، ازداد التوتر بين الطرفين. وازدادت وتيرة الهجمات الصاروخية ضد موقع السفارة الأميركية في بغداد وضد القواعد التي تنتشر فيها القوات الأميركية في العراق. وفي العشرين من الشهر الجاري تعرضت السفارة الأميركية الى رشق صاروخي اعتبر الأكثر كثافة وخطورة خلال العقد الأخير، الأمر الذي دفع بالرئيس ترامب الى تحذير إيران، من أن في حال أدت الهجمات الى قتل جندي أميركي واحد فإنه سيحملها مسؤولية هذا العمل، داعياً القادة الإيرانيين للتفكير ملياً بهذا التحذير.

وفي الأسابيع التي سبقت وتلت التحذير، قامت الولايات المتحدة بتعزيز قواتها الجوية والبحرية في منطقة الخليج من خلال إرسال طائرات استراتيجية قاذفة من طراز “ب 52” التي كانت تنطلق من قاعدتها في ولاية نورث داكوتا لتحلق لمدة 36 ساعة من دون توقف بما في ذلك قرب سواحل إيران مع طائرات مقاتلة، قبل أن تعود الى قاعدتها، في تحذير واضح لإيران. وتزامن ذلك مع الإعلان عن إرسال غواصة مسلحة ومجهزة بصواريخ توماهوك، وإبقاء حاملة الطائرات نيميتز قرب مياه الخليج.

وقبل أيام قال الجنرال كينيث ماكينزي قائد القوات المركزية التي تشرف على القوات الأميركية في الشرق الاأوسط أن الولايات المتحدة تواصل نشر قدراتها القتالية في المنطقة “لردع أي خصم محتمل، ولكي نوضح للجميع أننا مستعدون وقادرون على الرد ضد أي عدوان موجه ضد الأميركيين أو ضد مصالحنا”.

وفي اليومين الماضيين قال مسؤولون أميركيون في أيجازات خلفية إنهم لاحظوا اتصالات متزايدة بين مسؤولين في “فيلق القدس” وقادة عراقيين في قوات “الحشد الشعبي”، كما لاحظوا وصول شحنات جديدة من الأسلحة الى قوات “الحشد” عبر الحدود الإيرانية. ويحذر هؤلاء المسؤولون من أن الأخطار التي تهدد الأميركيين في العراق حقيقية وهي الأكثر جدية منذ قتل قاسم سليماني. هذا التقويم الاستخباراتي الأميركي دفع بواشطن الى تقليص عديد العاملين بسفارتها في بغداد، وهو قرار تزامن مع مواقف لمسؤولين عراقيين اعربوا فيها عن مخاوفهم من أن يتحول العراق الى مسرح لمواجهة جديدة بين القوات الأميركية والميليشيات العراقية المدعومة من إيران.

بعض المعنيين بالعلاقات الأميركية – الإيرانية يقولون إن الاتصالات بين الإيرانيين وقوات “الحشد الشعبي” قد تهدف لاتخاذ إجراءات احترازية تحسباً لضربة عسكرية أميركية، ويشيرون في هذا السياق الى اجتماع البيت الأبيض والذي ناقش فيه ترامب احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. ويضيف هؤلاء أن النظام الإيراني، يأخذ تحذيرات ترامب على محمل الجد، ولذلك فإن مصلحته تقضي بعدم استفزاز ترامب الذي ستنتهي ولايته خلال أسابيع، وانتظار ما سيفعله الرئيس الأميركي الجديد. وسوف يراقب الرئيس المنتخب بايدن بقلق، مثله مثل ملايين الأميركيين الى أين سيصل التوتر الحالي بين الطرفين، وما اذا كان سيرث أزمة سياسية حادة، أم نزاعاً ساخناً، لا يريده.

النهار العربي

—————————-

====================

تحديث 02 كانون الثاني 2021

————————–

ماذا لو بقينا في2020؟/ عمر قدور

اتفق البشر على لعنها كما لم يتفقوا على أمر آخر، مع لهفة إلى اللحظة الرمزية التي تعلن نهايتها هنا وهناك بفارق التوقيت المعروف بين مختلف أنحاء العالم. إلا أن استثنائية السنة المنقضية قد تقلل من رمزية لحظة منتصف الليل تلك، بقدر ما تضفي عليها من أهمية. بل يجوز، لاستثنائيتها، الظن بأننا غادرناها قبل تلك اللحظة، أو أننا ما زلنا مقيمين فيها.

إذا كانت تؤرَّخ بـ”سنة كورونا” نستطيع تأريخ نهايتها بمستهل الأسبوع الثاني من ديسمبر، عندما بدأت بريطانيا حملة التلقيح ثم تبعتها الولايات المتحدة بعد أسبوع، وما بينهما قليل من الدول الصغيرة الثرية. لبريطانيا تحديداً، هي نهاية حافلة؛ الشروع في ما بعد كورونا، ثم طي قرابة نصف قرن من عضوية الاتحاد الأوروبي مع الدقيقة الأولى لعام 2021.

فارق التوقيت سيكون مديداً على توقيت اللقاح، فبعض التقديرات يشير إلى أن دولاً فقيرة قد لا تحصل عليه قبل عام 2023، بينما دولة مثل الولايات المتحدة اشترت كمية كافية لتلقيح كل سكانها ست مرات. دول الاتحاد الأوروبي نفسها ليست على الموجة ذاتها، فهناك دول أنهت مبكراً استعداداتها الإدارية واللوجستية لتقديم اللقاح، بخلاف دول ستكون وتيرتها بطيئة لافتقادها الديناميكية المطلوبة، وأيضاً لا يُستبعد أن يكون بعض التمهّل متعمداً في انتظار لقاح أوكسفورد الذي لا يتطلب مشقة خاصة بالمقارنة مع لقاحي فايزر ومودرنا.

وفق توقيت كورونا، وبموجب التقديرات الحالية لتوزيع اللقاح، لن تدخل دول الاتحاد الأوروبي عام 2021 قبل انقضاء الأشهر الستة الأولى منه، ومَن ليس لهم أولوية تلقيه عليهم الانتظار طويلاً في عام 2020. ذلك قد لا يكون بلا أثر سلبي على مكانة الاتحاد، إذا أنجزت بريطانيا “الخارجة منه” حملتها بسرعة شديدة، وكذلك فعلت الولايات المتحدة ودول ثرية نسبياً وقليلة السكان، ولن يكون بلا أثر على حكومات أخفقت في التعامل مع الجائحة أو تعمدت الاستهانة بها.

الصين، بتوقيت الحزب الشيوعي، سبقت الجميع بالقفز إلى العام الجديد، أي منذ العاشر من آذار، عندما زار الرئيس الصيني مدينة ووهان ليعلن منها السيطرةَ على الوباء. بعد ذلك الإعلان، لن تسجل الصين رسمياً وفيات جراء الفيروس، والقليل من الإصابات سيُنسب معظمه إلى حالات وافدة! بصرف النظر عن مصداقية الأرقام المعلنة، نجح الحزب الشيوعي في السيطرة “الديكتاتورية” على الوباء، بعد نجاحه في التكتم عليه حتى انتشر عالمياً. المفارقة المرّة، التي لا يُلام عليها المواطنون العاديون، أن تكتظ ساحات ووهان بالمحتفلين برأس السنة بينما تخلو ساحات العالم. لقد ضحك قادة الحزب أولاً، في انتظار معرفة من سيضحك أخيراً، وما إذا كان التكتم الشيوعي على الوباء سيمر بلا عواقب على الاستثمارات الغربية في الصين حين تسترد الاقتصاديات الكبرى أنفاسها.

لدينا توقيت مقبل، يجوز أيضاً اعتباره استهلالاً متأخراً لسنة 2021. في العشرين من هذا الشهر سيُنصّب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، والحدث استثنائي لدى متطلعين كثر حول العالم إلى نهاية ولاية ترامب. الأخير، منذ ترشحه حتى يغادر البيت الأبيض، لا يقل خطورة عن كورونا من وجهة نظر خصومه، وسيكونون سعداء لا بالخلاص منه فحسب وإنما بمرور ولايته من دون تحقق أسوأ الكوابيس المتوقعة منه.

إنه كما نعلم ليس توقيتاً داخلياً أمريكياً، الأنظار ستكون متجهة إلى واشنطن لمعرفة السياسات الجديدة، والتطلعات المتفائلة جداً قد تُفرمل كما أُعيقت من قبل نزوات ترامب. الأهم أن الخلاص من الأخير لن يكون على النحو المشتهى من قبل، فهو لن ينتهي كطفرة عابرة ألمت بالحزب الجمهوري. الترامبية باقية بصيغة أو أخرى، وستتغذى من خصومها إذا لم يكن من جديد لديهم سوى الاستثمار في الخوف منها.

فارق التوقيت بين البلدان موجود منذ آلاف السنين، موجود بتعاقب الحضارات والإمبراطوريات وأفولها، وموجود أيضاً ضمن البلد الواحد بسبب فوارق طبقية أو اجتماعية أو فكرية. فقط على توقيت كورونا ظهر العالم واحداً بمخاوفه، ليعود إلى الافتراق كما هو عهده دائماً إذا أخذنا جانب التفاؤل، أو ليعود أسوأ مما كان إذا أخذنا جانب التشاؤم الذي لا يفتقد الواقعية.

لن تقتصر الفوارق على فرص النجاة من كورونا، رغم آثارها النفسية، وما ستولّده من أحقاد قد تؤدي لاحقاً إلى العنف ضمن بعض البلدان، أو ذلك العابر الحدود. الناجون أولاً، الحكومات الثرية التي اضطرت إلى تمويل برامج اجتماعية أو اقتصادية بسبب سياسة الإغلاق تتحفز إلى استرداد المبالغ الضخمة، وهذا سيلقي بثقله على النخب السياسية فيها، وربما على طرائق التفكير السياسي. إذا كان هناك من يردّ جزءاً من أسباب صعود الشعبوية إلى الأزمة المالية لعام 2008، لنا أن نتخيّل الآثار المحتملة لأزمة ربما تعادل أزمة الكساد الكبير 1929 وأزمة 2008 معاً، مع التذكير بأن آثار الأولى منهما تعتبر مما مهّد للحرب العالمية الثانية.

ما عُدّ سلوكاً أنانياً في التسابق على شراء كميات فائضة من لقاح كورونا، من المرجح أن يكون نسخة لطيفة من السياسات التي سنشهدها للقوى الكبرى التي تتهيأ الآن لعالم ما بعد كورونا. مثلما تراودنا كأفراد نوايا تعويض الحياة التي فاتنا عيشها في عام 2020، هناك قوى كبرى “سياسية واقتصادية” تفكر في تعويض خسائرها، ولا تعوّل على انتعاش تدريجي بطيء، بل ستستعجل التعويض بشتى السبل داخلياً وخارجياً. هناك أيضاً نزاعات دولية وإقليمية تم تجميدها بسبب كورونا، ويعِد العام الجديد بالتعويض واستئناف تلك الاستحقاقات المتبقية من العام الفائت مع نظيراتها المستجدات.

الخبر المؤسف أن جراح عام 2020 ستبقى معنا، مع الافتقار إلى ما يسند الأمل بعالم أكثر تضامناً. نخطئ إذا نسبنا لكورونا مهمة الواعظ الناجح، وإذا نسبنا لعموم البشرية سعياً إلى عالم أكثر إنصافاً. منطقتنا تحديداً قد تكون المثال على خيبة الأمل، بأثريائها الجاهزين دائماً لدفع ثمن سياسات القوى العظمى، وبأناسها العاديين الذين يُراد إرجاعهم إلى ما قبل عام 2011 محمّلين بثقل كورونا فوق إخفاقات العقد الأخير كله. سوريا، اليمن، ليبيا، وأخيراً لبنان؛ هذه جميعاً أمثلة على الاستحقاقات التي تفصلنا عن عام 2021.

المدن

————————–

التنسيق الروسي التركي وتحدي الإدارة الأميركية الجديدة/ رستم محمود

ترافق العام الأول من حُكم الرئيس الأميركي المنتهي ولايته دونالد ترامب (2017) مع تغير دراماتيكي في العلاقة الروسية التركية، بالذات العلاقة بين رئيسي البلدين، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.

فبعدما كانت العلاقة في أعلى مستوياتها توتراً خلال العام 2015، بعدما أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة حربية روسية في الأجواء السورية وقتئذ، تبدلت المجريات بالتقادم، من مصالحة وتفاهمات وتبادل للمصالح والحساسيات، شكلت مؤتمرات سوتشي العديدة وتفاهمات الأستانة تعبيراً عن تلك العلاقة التكاملية.

في وقت ما من العام 2016، وبعدما استخدمت تركيا كامل عدتها الدعائية والعسكرية والسياسية في الملف السوري، ولم تتمكن من تحقيق أي من مراميها الاستراتيجية، اكتشفت بأن الحضور السياسي والدور العسكري الروسي في سوريا أصعب من أن يتم مواجهته. خصوصاً في ظلال غض نظر الإدارة الأميركية عن ذلك، وانشغالها بمحاربة التنظيمات الإسلامية الأكثر تطرفاً، دون أي اهتمام بالملف السوري كحالة سياسية عامة.

اعتباراً من ذلك الفهم، صارت تركيا تغير من نمط مقاربتها للعلاقة العسكرية والسياسية مع روسيا في الملفات الإقليمية، ليكون تنسيقياً وتكاملياً. أخذت تلك الصيغة شكلها النهائية في أوائل عهد حُكم إدارة الرئيس دونالد ترامب، فالطرفان استفادا من نزعة الانسحاب العسكرية والسياسي من الملفات المعقدة التي قادها الرئيس ترامب، والتي أدخلت الكثير من المناطق في مساحة الفراغ الجيوسي، وكذلك من نمط العلاقات والقرارات الشخصية التي كان الرئيس ترامب ينتهجها ويتخذها الرئيس ترامب أثناء سنوات حكمه، وكان واضحاً أن تلك العلاقة الشخصية من طرف ترامب كانت ودية مع الرئيسين بوتين وأردوغان.

خلال أربع سنوات من ذلك التنسيق، شهدت خمسة مناطق إقليمية تكاملاً عسكرياً وسياسياً بين الطرفين، لكنه كان تحالفاً ثنائياً محطماً للأمن الإقليمي والسلام الدولي، لأن طبيعة النظام الحاكم للبلدين، وشكل نزعات الهيمنة التي كانا يقودانها، لا تراعي تلك المفاهيم والقيم العالمية.

في سوريا تبادل الطرفان مناطق الهيمنة والنفوذ، على حساب الجماعات السياسية والأهلية السورية، فروسيا كانت تطلب عوناً تركياً للسيطرة العسكرية على مناطق ومدن محررة، وتمنح تركياً أذناً بمحاربة أية تطلعات كردية سورية. الأمر نفسه جرى في ليبيا والحرب الأذرية الأرمينية وشرق المتوسط وأوكرانيا، وكل ذلك عبر تنافس وتصارع ظاهري، لكن بتنسيق وتكامل ضمني متفق عليه، واستفادة من فراغ جيوسياسي استراتيجي للولايات المتحدة.

إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، وعبر ما أظهرته من ملامح أولية لتوجهاتها الاستراتيجية، تُظهرا اختلافاً جذرياُ في كل ذلك.

فهي لن تسمح لروسيا بأن تملأ الفراغ في الدول والمناطق التي تشهد حروباً أهلية، بطريقة تدفع روسياً لأن تغير من أسس الأشياء والديموغرافيات، فقط لتفرض في المحصلة شروطها السياسية المطلقة، كما تحاول أن تفعل في سوريا منذ أربعة سنوات. كذلك فإنها لن تكون متسامحة مع سلوك تركيا الذي يوحي بأنه ما يزال جزء من منظومة حلف الناتو، بينما يطبق على الأرض كل ما يمس ويهز استقرار تلك المنظومة ومصالحها الحيوية، عبر مساعدة المتطرفين ورفع سوية الشعبوية ونشر قيم الكراهية الدينية.

هذه التوجهات للإدارة الأميركية المنتخبة، ستخلق تحدياً جوهرياً لحالة التنسيق والتقاسم التي كانت بين الطرفين، والتي يمكن رصد ملامحها الأولية في ثلاثة توجهات مباشرة.

فالإدارة الجديدة سوف تحفز الجهود الدولية، الأوروبية منها بالذات، لإيجاد مخارج حقيقية لحوار الأطراف الليبية. هذا الأمر الذي سيعني حتماً دعوة كافة الميليشيات الأجنبية للخروج من الأراضي الليبية، وتالياً خروج ليبيا كمنطقة مساومة بينهما.

كذلك فإن الإدارة الأميركية سوف تتخذ تحولاً استراتيجياً في الملف السوري. فهي سوف تحمي حلفائها من قوات سوريا الديمقراطية إلى أبعد حد، ولن تسمح بمزيد من الخروقات والحروب التركية المناهضة لهم وللمناطق التي تسيطر عليها هذه القوات. كذلك فأنها سوف تحفز تطبيق القرار الأممي 2254، الأمر الذي يعني بأن المسألة السورية لن تنحل عبر تنسيق وتبادل للمصالح بين تركيا وروسيا، بل عبر رؤية تعتبر بأنه ثمة مسألة سياسية تتعلق بنظام الحُكم في هذا البلد.

الأمر ينطبق تفصيلاً على منطقة شرق المتوسط، حيث ستحفز الإدارة الأميركية تعاوناً عسكرياً مع اليونان، سيكون كعقوبة عسكرية غير مباشرة لتركيا، قد تهدد مستقبلاً بنقل قاعدة أنجيرليك العسكرية إلى اليونان، وتضاف للعقوبات العسكرية المباشرة التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا هذا الأسبوع.

هذه الخطوة الأميركية العقابية عبر اليونان، ستكون حسماً لمستقبل التعاون العسكري التركي الروسي. فتركيا أما مجبرة للتخلي التام عن المنظومة الدفاعية العسكرية لحلف الناتو، وتالياً الاندماج في نظيرتها الروسية، أو العكس. وفي الحالتين خسارة جميع ميزات قدرتها على الجمع بين الموقعين، والتي أتبعتها تركيا طوال السنوات الأربعة الماضية، وهو ما لم يعد ممكناً مع الإدارة الأميركية الجديدة.

سكاي نيوز

—————————–

أنقرة بين موسكو وواشنطن/ عمر كوش

تشهد العلاقات التركية الأميركية حالة غير مسبوقة من التردّي، وصلت إلى درجةٍ فرضت فيها الولايات المتحدة عقوباتٍ على مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، على خلفية شراء تركيا منظومة الصواريخ الدفاعية إس 400 الروسية، على الرغم من أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأن سلاح العقوبات لا يتماشى مع طبيعة العلاقات بين الدول الأعضاء في هذا الحلف.

وإن كانت العقوبات الأميركية على تركيا، بموجب قانون “مكافحة خصوم الولايات المتحدة عبر العقوبات” (كاتسا)، فردية وليست مشدّدة، إلا أن احتمال اتخاذ واشنطن خطواتٍ إضافية ضد تركيا ما يزال قائماً، خصوصاً مع تسلّم إدارة الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، مفاتيح صنع القرار في واشنطن التي عليها تقييم سياساتها العالمية، ومنها سبل تعاملها مع تركيا.

ويبدو أن الساسة الأتراك فضّلوا عدم التصعيد مع الولايات المتحدة حيال إعلانها فرض عقوباتٍ على بلادهم، إذ دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة وأوروبا خلال العام الجديد 2021، مؤكّداً أن “علاقات التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري متعدّد الجوانب التي تبنيها تركيا ليست بديلاً عن الروابط المتجذّرة مع الولايات المتحدة”، وأعرب عن اعتقاده بأن بايدن سيولي الأهمية المطلوبة للعلاقات التركية الأميركية، و”عدم وجود أي أحكام مسبقة وعداوة وخصومة لأحد لديهم”. غير أنه في السياسة الدولية الراهنة يصعب على أنقرة الموازنة في علاقاتها مع كل من واشطن وموسكو، لأن علاقتها مع روسيا يختلط فيها التعاون مع المنافسة، وليست قابلة للتطبيق مع الولايات المتحدة. إضافة إلى تنافر استراتيجيات كل روسيا والولايات المتحدة ومصالحهما، وسعيهما إلى توسيع مناطق النفوذ والسيطرة العالمية، كما أن غاية ساسة موسكو، في علاقاتهم مع أنقرة، استمالتها نحوهم، وإبعادها عن المحور الأميركي، بينما ترى واشنطن أن اقتراب أنقرة من موسكو يعني دخولها في حلفٍ مناهض لها، لذلك ترى الأوساط السياسية التركية أن واشنطن تريد من أنقرة الابتعاد عن موسكو سبيلاً لتطبيع العلاقات معها.

وبالنظر إلى تنامي العلاقات التركية الروسية في السنوات القليلة الماضية، فإن أنقرة باتت غير مستعدّة للتضحية بعلاقات التعاون والشراكة التي بنتها مع موسكو في ملفات إقليمية عديدة، من أجل إرضاء واشنطن، خصوصاً أنّ كلّاً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، يريد الحفاظ عليها، ويتطلّع إلى مزيد من التعاون والتنسيق المشترك.

وانعكس تنامي العلاقات التركية الروسية في انتقالها إلى مستوياتٍ جديدة، منذ طوت الدولتان أزمة إسقاط طائرة السوخوي الروسية في عام 2015، إذ توسّعت مجالات الشراكة والتعاون بينهما على المستوى الاقتصادي، وخصوصاً في مجال الطاقة. وعلى المستوى السياسي، توصّلت الدولتان إلى بناء تفاهمات واتفاقيات في ملفات إقليمية عديدة، بدءاً من سورية ومروراً في ليبيا ووصولاً إلى ناغورني كاراباخ. وفي المجال العسكري، تتوّجت في صفقة الصواريخ الدفاعية إس 400، غير أن المشكلة في العلاقات التركية الروسية اعتمادها على العلاقة الشخصية بين الرئيسين، أردوغان وبوتين، بالنظر إلى القواسم المشتركة بين شخصية كل منهما، وإلى ما يسميه بعضهم “الكيمياء السياسية” للزعيمين، إذ وصف الرئيس الروسي نظيره التركي بأنه “رجل يلتزم بكلمته ويفعل كل ما بيده من أجل بلاده”، وبدوره اعتبر أردوغان أنه “منذ أول لقاء معه، عرفته رجلاً ذا كلمة، يتمتع بأمانة كبيرة، ويحافظ على كل تعهداته”.

وإن كان المديح المتبادل بين بوتين وأردوغان يُراد منه توجيه رسائل إلى واشنطن وسواها، إلا أنه يجسّد أيضاً سعيهما نحو تطوير علاقات بلديهما، على الرغم من أن ذلك لا يخفي الخلاف والتنافس بينهما في ملفات عديدة، لكن علاقات الزعيمين حالت دون تطوّرها إلى مشكلات في المناطق التي تختلف فيه المصالح، وتمكّنا من إدارتها في كل من سورية وليبيا والقوقاز. والأمر نفسه تقريباً ينطبق على العلاقات التركية الأميركية في فترة الرئيس دونالد ترامب، من جهة اختزالها بالعلاقة الشخصية بين أردوغان وترامب، والإعجاب المتبادل بينهما، إذ أشاد ترامب بأردوغان في أكثر من مناسبة، فيما أثنى أردوغان على ترامب، واعتبر أن الإدارة الأميركية برئاسته أكثر ترحيباً بالأطروحات والحلول التركية لمشكلات المنطقة، لكن ذلك لم ينعكس إيجابياً على تحسن العلاقات بين الدولتين، بل اضطر ترامب إلى توقيع قانون العقوبات على تركيا تحت ضغط الكونغرس الأميركي، فضلاً عن أن علاقات البلدين دخلت في فتراتٍ من التوتر والتردّي على مختلف المستويات السياسية والعسكرية، وأفضت إلى بروز ردة فعل معادية للولايات المتحدة في الأوساط السياسية والاجتماعية التركية.

لا ينطبق الأمر نفسه على حال روسيا التي يحكمها رئيس واحد وحزبه، ولا توجد مؤسسات أو مجموعات ولوبيات ضاغطة على بوتين في صنعه القرار الروسي، كما هي الحال في الولايات المتحدة. وهذا لا يمنع بعض الأوساط الروسية من أن تتوجّس من السلوك التركي والمنافسة في بعض الملفات، مثل الموقف التركي الرافض ضم شبه جزيرة القرم وتوطد علاقة تركيا بأوكرانيا، وحديث أوساط روسية عن توجه تركيا نحو مشروع “طوران العظيم”، وأن تأثيرها ودورها بات يتجاوز الحدود التي رسمتها موسكو، وبما يشكل مشكلة للمصالح الروسية طويلة الأجل.

والواقع أن بوتين يدرك تماماً أن الغاية من فرض العقوبات الأميركية على تركيا تخليها عن صفقة الصواريخ الروسية، ووقف انتشار مبيعات الأسلحة الروسية في الأسواق العالمية. ولذلك يبذل ما في وسعه من أجل ألّا يتراجع الساسة الأتراك عنها. أما هؤلاء فيرون أنه في ظل رفض بيع الولايات المتحدة منظومة صواريخ باتريوت لبلادهم، فإنهم لن يتخلوا عن الصفقة الروسية، وفي الوقت نفسه، يحاولون التوصل إلى طريقةٍ لتحسين علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة.

وتبدو أنقرة، وفق المعطيات السياسية الراهنة، غير مستعدّة للتضحية بعلاقتها مع موسكو بغية إرضاء واشنطن، لأن المعيار الرئيسي للساسة الأتراك بات مرهوناً بالمصالح الاستراتيجية لتركيا على المديين المتوسط والبعيد المدى. ولذلك يطالبون إدارة بايدن المقبلة بأن تقرّ بالحسابات الخاصة لتركيا، وتتفهّم دورها الجديد في ضوء مصالحها في المنطقة والعالم. ولكن من غير المرجح أن تغير الولايات المتحدة مواقفها حيال ملفات المنطقة، خصوصاً في سورية وليبيا والصراع في شرقي المتوسط، ولا يعني ذلك أن إدارة بايدن ستعامل تركيا وفق ما كانت عليه إبّان فترة ولاية باراك أوباما.

العربي الجديد

———————–

صونيا دريدي في “جو بايدن الرهان على أمريكا المعارضة لترامب”: سيعود إلى الاتفاق النووي مع إيران والعلاقة مع إسرائيل قد تتأثر بيسار الحزب الديمقراطي/ سمير ناصيف

في بعض الأحيان تختلف أهمية أحد الكتب السياسية الطابع بالنسبة للقراء في منطقة من العالم بالمقارنة مع أهميته بالنسبة إلى منطقة أخرى.

إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على كتاب صدر مؤخراً بالفرنسية بعنوان “جو بايدن، الرهان على أمريكا المُعارضة لترامب” كتبته الخبيرة صونيا دريدي، المراسلة في واشنطن لعدة مؤسسات إعلامية فرنسية، والذي اعتمدت فيه على مقابلات مع كبار معاوني الرئيس الأمريكي المنتخب والذي يتسلم منصبه في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري.

سبب الاهتمام الكبير بهذا الكتاب هو أن معظم سكان وقادة العالم (في قاراته المختلفة) يودون معرفة كيف سيتعامل بايدن مع ما “ارتكبه” الرئيس السابق الخاسر دونالد ترامب من تعقيدات سياسية واقتصادية وإنسانية في أمريكا والعالم، وهل سيعيد الرئيس الجديد بلاده إلى اتفاقيات سياسية وغير سياسية انسحبت منها الولايات المتحدة في عهد ترامب أو يبقيها كما كانت أو يعدلها؟ وهل ستكون سياسات بايدن نسخةً طبق الأصل عن سياساته عندما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما في رئاستيه بين عامي 2008 و2016؟

الأمر اللافت هو أن بايدن، وقبل اختيار أوباما له كنائب للرئيس، عمل كسيناتور في مجلس الشيوخ ممثلاً ولاية ديلاوير (تقع في وسط البلاد) منذ أن كان في الثلاثين من عمره، وهو الآن في الثامنة والسبعين. وتسلَم مناصب هامة جداً في قطاعي العدل والسياسة الخارجية في الكونغرس ممثلا الحزب الديمقراطي الأمريكي قبل أن يوكل أوباما إليه التركيز على الشؤون الخارجية، بما في ذلك قضايا الشرق الأوسط كنائب للرئيس، علماً ان أحد أسباب فوز أوباما بالرئاسة للمرة الأولى عام 2008 كان دوره في معارضة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بقيادة الرئيس جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني وأعوانهما من المحافظين الجدد.

وبالتالي، أعطى أوباما لنائبه مهمة من أصعب المهمات، لم يكن من السهل عليه تنفيذها بنجاح كامل، حسب المؤلفة، وهي مهمة ترتيب الأوضاع في العراق بعد فوضى الغزو الأمريكي له.

تقول دريدي، في الفصل السابع عشر من الكتاب، إن بايدن الذي يمثل الجناح المحافظ في الحزب الديمقراطي الأمريكي صوّت في عام 2002 كسيناتور في مجلس الشيوخ مع شن الحملة العسكرية الأمريكية ضد العراق مقتنعاً بأن العراق (بقيادة لرئيس صدام حسين) كان يملك أسلحة الدمار الشامل ولكنه بدأ بالتحفظ إزاء هذا الموقف في عام 2004 واقترح في عام 2006 تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات مستقلة، أحدها سني الأكثرية والثاني شيعي والثالث كردي. ولكن معاوني باراك أوباما الآخرين تحفظوا إزاء هذا المشروع بعد وصول الحزب الديمقراطي إلى الرئاسة في عام 2008 بقيادة الرئيس أوباما لصعوبة تحديد تلك الكيانات جغرافياً وإنسانياً ولمشكلة اختيار الجهة التي ستقوم بمثل هذا التقسيم المعقد بعدالة وخبرة وتوازن.

وقد قام بايدن بزيارات عديدة إلى العراق منذ عام 2009 والتقى القادة هناك بصفته نائبا للرئيس، لكن مساعد السفير الأمريكي في بغداد آنذاك (بين 2008 و2010) روبرت فورد انتقد دعم بايدن بقاء المسؤول العراقي نوري المالكي في منصبه كرئيس للحكومة حتى بعد خسارته (أي المالكي) للانتخابات التشريعية لعام 2010. وبقي المالكي في هذا المنصب حتى عام 2014.

كما تعرض بايدن للانتقاد على اقتراحه لأوباما بسحب 45 ألف جندي أمريكي من العراق عام 2011 مما اعتبرته بعض الجهات تسهيلاً لعمليات المنظمات الجهادية الإسلامية المتطرفة المسلحة في توسيع سيطرتها في العراق وسوريا (ص 289 ـ 291).

وقد عارضَ وتحفظ على خطوات بايدن في العراق سياسيون أمريكيون مخضرمون كوزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، وأشاروا إلى أن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق يشكل خطراً على المنطقة برمتها. وهذا أمر لم تتفق عليه حتى الساعة جميع القيادات العراقية والإقليمية ولا كل الجهات الأمريكية والدولية.

وحالياً، يتساءل كثيرون كيف سيتصرف بايدن في سياساته الخارجية في العراق وسوريا وفلسطين إسرائيل ومع إيران؟

تقول المؤلفة إن كبار معاوني بايدن السابقين في فترة رئاسة أوباما ونيابته للرئاسة تم تعيينهم في الفريق الرئاسي الديمقراطي الجديد: وأبرزهم طوني بلينكن الذي عينه بايدن وزيراً للخارجية بعدما كان مستشاره للشؤون الخارجية عندما كان نائباً للرئيس وبعدما كان الرجل الثاني في “مجلس الأمن القومي” في عهد أوباما. وهناك أيضاً جايك ساليفان الذي شارك هو وبلينكن ووليام بيرنز (نائب وزير الخارجية السابق) في المفاوضات النووية مع إيران التي تمخضت عنها اتفاقية “الدول الخمس + واحد” في صيف عام 2015 والتي انسحبت الولايات المتحدة (بقيادة ترامب) منها عام 2018.

حسب ما قاله طوني بلينكن للمؤلفة في مقابلة معها جرت في صيف عام 2020 فإن بايدن سيعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران ولكن ذلك لن يزيل حذر أمريكا إزاء التعامل الخشن للنظام الإيراني مع خصومه في الداخل وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً وخلقه حالة من عدم الاستقرار فيها. وأضاف بلينكن “إذا إمتثلت إيران لتعهداتها في شأن الاتفاق النووي سنمتثل بدورنا لذلك” (ص 298).

أما بالنسبة إلى العلاقة مع إسرائيل لن يقوم بايدن بتغييرات راديكالية، ولكنه سيكون أكثر انتقاداً لبعض سياساتها. ومع أنه سيتبع السياسة التقليدية للحزب الديمقراطي الأمريكي المؤيدة لحل الدولتين في فلسطين وإسرائيل، فانه سيُطعّم هذه السياسة بمواقف الجناح الشبابي اليساري للحزب إزاء فلسطين وبطروحات عضوات عربيات الأصل في الكونغرس حول هذا الموضوع كإلهان عمر ورشيده طليب. وأضاف: “كان بايدن صديقاً لنتنياهو في السنوات الماضية، ولكنه الآن، وفي عام 2020 شعر بخيبة أمل بسبب تصاعد سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية التوجه في كل المجالات وانتقد التأييد الأعمى والمتسرع وغير المشروع من ترامب لنتنياهو وسعي ترامب المبالغ فيه لجذب العدد الضخم من الناخبين الإنجيليين الأمريكيين المتعاطفين مع إسرائيل لتأييده في الانتخابات الرئاسية. وهذا الأمر يضر (برأي بايدن) بمصلحة أمريكا” (ص 299).

وأضاف بلينكن: “كان بايدن يفضل عدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، من دون اتفاقية سلام شاملة، ولكنه لن يلغي خطوة النقل تلك بل سيركز على أهمية إعادة إحياء مشروع الدولتين وإزالة ما يجعل ذلك صعب التحقيق وسيفتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية وسيعارض توسيع وزيادة الاستيطان خصوصاً في مناطق حساسة ومرتبطة بالأردن” (ص 299 و300).

أما بالنسبة إلى العلاقة مع المملكة العربية السعودية، فأكد بلينكن بأن نظام بايدن: “لن يتصرف وكأن شيئاً لم يحصل ضد حقوق الإنسان في منطقة الخليج، فبايدن نجح بدعم من بيرني ساندرز واليزابيث وارن وغيرهما من يساريي الحزب الديمقراطي، وهؤلاء يشجبون التعديات على الشعب اليمني واغتيالات أصحاب الرأي الآخر كاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في خريف عام 2018. وسيُضبطُ تسليح بعض الدول الخليجية بأسلحة أمريكية عندما ترتكب هذه الدول سياسات قمعية في اليمن وغيرها مما قد يغير علاقة الحماية التقليدية للسعودية وبعض الدول الخليجية التي قدمتها الولايات المتحدة لها منذ أيام الرئيس فرانكلين روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية (ص 295).

وأكد بلينكن للمؤلفة بأن بايدن سيعيد مصداقية أمريكا في العالم وسيتحفظ إزاء التعاون مع قادة عالميين وشرق أوسطيين ديكتاتوريين على حساب القادة الديمقراطيين، وسيتجنب التخلي عن الحلفاء من بين القادة الملتزمين حقوق الإنسان وسيحاول عدم إضعاف هؤلاء بعدما قوّى ترامب خصومهم. وقبل ذلك سيحاول بايدن إعادة الديمقراطية إلى بلدنا (أمريكا) التي تلاشت نسبياً مع ترامب” (ص 297).

عن سوريا، قال بلينكن “من الخطر اعتماد سياسات متقلبة إزاء الوجود العسكري الأمريكي في شرق البلد بحسب أهواء الرئيس (كما في عهد ترامب) ومن الأفضل دعم مصالح جميع الفئات السياسية والاثنية والدينية هناك لكي لا تنشأ الصراعات الميدانية الحادة فيما بينها” (ص 298). وشدد على ضرورة إعادة تعزيز الروابط مع أوروبا وعلى العودة إلى المنظمات الإنسانية الدولية التي انسحب ترامب منها. أي ان بايدن، في رأي بلينكن، سيعتمد الحلول الدبلوماسية لمعالجة مشاكل الشرق الأوسط والعالم.

من المفيد لدى مراجعة هذا الكتاب العودة إلى فصوله الأولى، التي تناولت الحياة الشخصية لبايدن. فقد واجه صدمات إنسانية موجعة وهو في قمة عمله إذ فقد زوجته الأولى نيليا وابنته ناعومي (13 شهرا) في حادث سير مروع في الفترة التي انتُخب فيها سيناتوراً للمرة الأولى وهو في الثلاثين من عمره. وقرر آنذاك الانسحاب من السياسة لولا دعم عائلته الكاثوليكية الوثيقة الروابط وبعض رفاقه في الحزب الديمقراطي كالسيناتور تيد كينيدي. وبعد ذلك، وفي مرحلة تالية، فُجعَ بفقدان ابنه المفضل “بو” بعد إصابته بسرطان دماغي. ولكنه عاد واستمر في عمله ممثلا الرجل الأمريكي العادي المعتدل من الطبقة الوسطى.

وقد ساهم دعم باراك أوباما له في استقطاب الأكثرية الساحقة من الناخبين الأفارقة الأمريكيين. ولولا دعم أوباما لما اختير لتمثيل الحزب الديمقراطي، إذ لو اختار الحزب مرشحاً أكثر راديكالية لربما خسر أمام ترامب، فمؤيدوه من الطبقة الوسطى صوتوا ضد ترامب ولإسقاط ترامب وليس مع اعتدال بايدن فحسب.

صونيا دريدي: “جو بايدن، الرهان على أمريكا المعارضة لترامب”.

دار نشر “روشيه” (ROCHER)

مجموعة “إليديا” (Elidia)

إمارة موناكو، عام 2020

324 صفحة.

القدس العربي

———————————-

============================

تحديث 04 كانون الثاني 2021

———————————-

هدايا ترامب لإيران/ مهند الحاج علي

في الذكرى السنوية لاغتيال قائد فرقة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، لم يعد السؤال هو عن الرد الإيراني من عدمه، بل عن “الفشل الأميركي” في تحقيق الأهداف أو عدمه. هل فشلت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها من اغتيال سليماني؟ وما هو الهدف؟

قبل عام، تحدث بيان الخارجية الأميركية في أعقاب الاغتيال، عن تخطيط “الجنرال سليماني بفاعلية للاعتداء على دبلوماسيين وعسكريين أميركيين في العراق والمنطقة”، لافتاً الى أن “هذه الضربة هدفها ردع مخططات الاعتداء الإيرانية مستقبلاً، والولايات المتحدة ستواصل اتخاذ أي خطوات ضرورية لحماية شعبها ومصالحها أينما كانت في أنحاء العالم”.

باختصار، أعلنت واشنطن أن هدف الاغتيال ردع طهران ووقف الاعتداءات على الأميركيين والمصالح الأميركية. وبالتالي، فإن الإجابة عن السؤال تتطلب إحصاء الاعتداءات على المصالح الأميركية في المنطقة، والأهم من ذلك عدد الضحايا الأميركيين لهذه الهجمات. باستثناء عمليات القصف المتكررة والعشوائية على السفارة الأميركية في بغداد (وهذه تستهدف السيادة العراقية أولاً)، ليست القائمة بالطويلة. وقد تكون واشنطن نجحت بالفعل في ردع ايران عن تنفيذ مثل هذه الاعتداءات المفترضة. لكن سؤال الردع أوسع من قتل أميركي هنا أو هناك. ومن الضروري احتساب استهداف دول خليجية محمية أميركياً، للمرة الأولى، والاعتداء على منشآت نفطية حساسة. هذه الاعتداءات كسرت حواجز ردع قديمة في المنطقة أيضاً.

وفي الميزان الأوسع للأمور، كان اغتيال سليماني أكبر من تصفية قائد ميداني يُخطط لاعتداءات. هناك رمزية خاصة في أن تتولى واشنطن نفسها، وبشكل علني، اغتيال قائد إيراني مثل سليماني. والقيادة الإيرانية لم يفتها ذلك على الإطلاق، وما زالت تجتهد لاستخدام ذلك في آليتها الدعائية، من عروض جوالة الى فيديوهات ولوحات الكترونية والقائمة تطول. وهذا الوعي الإيراني لرمزية الاغتيال كان واضحاً في خطاب مرشد الثورة علي خامنئي وكلام أمس للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

بعد خامنئي، لاحظ نصر الله أهمية الحشد الهائل في جنازة سليماني، وما تبعها من جهود لتخليد الذكرى وتحويل الرجل الى أسطورة لم تنته فصولها بعد، وسنكتشف المزيد عنها على مدى السنوات المقبلة. وفقاً لنصر الله، “من الساعة الأولى لهذه الحادثة العظيمة، وإلى اليوم في الذكرى السنوية الأولى، شهدنا مظاهر كبيرة ومهمة من الوفاء. وعلى سبيل المثال، في إيران مستوى التفاعل الشعبي الهائل والكبير مع الحادثة والاندفاع إلى الساحات في الكثير من المحافظات والمدن وفي استقبال جثمان الشهداء وتشييعهم الذي كان تاريخياً … ما شهدناه حتى اليوم تعبير عالي عن الوفاء، هذا درس لنا جميعاً كيف يجب أن نتعاطى مع شهدائنا وكيف يجب أن نكرمهم ونحترمهم ونمجدهم”. الدعاية والتسويق الداخلي بالنسبة لهذا النوع من الأنظمة، وأتباعها، أهم بكثير من الردود ومعادلات الردع الوهمية أو الفضفاضة، في ظل عدم تكافؤ رهيب في موازين القوى.

قد يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب نجح في اظهار قدرة الردع الأميركية، وهي واقع، لكن لاستخدام القوة بهذا الشكل الفظ، أثماناً بعيدة المدى. وهذا عنوان يصلح لكل السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الحالية، لجهة استخدامها المفرط لسلاح العقوبات، بحيث فقد هو أيضاً جزءاً من قدرته على الردع، واستُهلك وبات أقل تأثيراً في إيران، وربما في لبنان أيضاً. كما للكلام الصريح لترامب عن حاجة الحلفاء العرب لواشنطن وضرورة أن يدفعوا فاتورة الدعم المستمر، أثر طويل الأمد قد نتعرف اليه لاحقاً. الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، يُظهر أيضاً اختلال السياسة الأميركية في المنطقة، ويُفيد أعداء واشنطن في تأكيد أن دورها مُكمل للاحتلال. إسرائيل تحتل، تستوطن، ومن ثم واشنطن تعترف.

أي رئيس أميركي قادر على محو هذه الوقائع؟

لهذا السبب وغيره، إيران أمام مهمة دعائية هائلة لاستيعاب مرحلة ترامب بكامل خطواتها، من العقوبات ونقل السفارة الى القدس المحتلة، والاعتراف بالجولان، والتصريحات الفظة، وخطة “صفقة القرن” الفاشلة، وحصار الفلسطينيين، إلى الاغتيال. كانت حقبة ترامب مملوءة بالكنوز للدعاية الإيرانية، ومن هذه النقطة بالذات، قد يكون اغتيال سليماني أكثر فائدة لطهران من مجرد خسارة قائد ميداني. وقد تكون ايران قد بدأت للتو بفتح صناديق هدايا ترامب.

المدن

————————-

واشنطن بوست: تحذير لترامب بعدم التلاعب بالجيش وزجّه في لعبة الانتخابات/ إبراهيم درويش

حذّر وزراء دفاع أمريكيون سابقون من ديمقراطيين وجمهوريين من مخاطر زج المؤسسة العسكرية في الخلاف حول الانتخابات. وقال الوزراء العشرة في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن أي محاولة كهذه ستكون دخولا في منطقة خطرة.

وجاء في المقال الذي شارك فيه كل من أشتون كارتر وديك تشيني وويليام كوهين ومارك إسبر وروبرت غيتس وتشاك هيغل وجيمس ماتيس وليون بانيتا وويليام بيري ودونالد رامسفيلد: “كوزراء دفاع سابقين، لدينا موقف مشترك حول الواجبات الرسمية للقوات الأمريكية المسلحة ووزارة الدفاع. وأقسم كل واحد منا قسم دعم والدفاع عن الدستور ضد كل الأعداء، خارجيين ومحليين. ولم نقسم الولاء لفرد أو حزب”.

وأضافوا أن “الانتخابات الأمريكية والنقل السلمي للسلطة التي تنتج عنها هي علامات مهمة لديمقراطيتنا. وباستثناء واحد أدى إلى خسارة أرواح الأمريكيين أكثر من كل الحروب التي خاضتها أمريكا مجتمعة، شهدت الولايات المتحدة سجلا متصلا لعملية نقل السلطة هذه منذ 1789 بما في ذلك وقت الخلاف الحزبي، الحرب، الأوبئة والكساد الإقتصادي، ويجب ألا يكون هذا العام استثناء”.

وقالوا: “حدثت الانتخابات وتم عدها وتدقيقها. وتم معالجة الاعتراضات المناسبة في المحاكم. ووافق حكام الولايات على النتائج، وصوّت عليها المجمع الانتخابي. ومضى وقت الاعتراض على النتائج. وحان وقت حسبة أصوات المجمع الانتخابي كما ينص عليه الدستور والقانون. وكما لاحظ مسؤولو وزارة الدفاع، فلا دور للجيش الأمريكي في تحديد نتائج الانتخابات. وأي جهد لتوريط الجيش الأمريكي لحل الخلافات المتعلقة بها سيأخذنا إلى طريق خطير وغير قانوني وغير دستوري. وتجب محاسبة المسؤولين العسكريين والمدنيين الذي يصدرون أوامر بهذا الشأن بما في ذلك فرض عقوبات جنائية عليهم نظرا للتداعيات الخطيرة لتصرفاتهم على الجمهورية”.

وعلقوا قائلين إن “عمليات نقل السلطة التي عشناها جميعا هي جزء حيوي من عملية النقل الناجحة. وعادة ما تجري في أوقات عدم الوضوح الدولي بشأن سياسة الأمن القومية الأمريكية والموقف. وقد تكون في وقت تكون الأمة عرضة للخطر من الأعداء الذين يحاولون الإستفادة من الوضع”. و”بناء على هذه العوامل، خاصة عندما تكون الولايات المتحدة تجري عمليات عسكرية حول العالم، فمن الواجب أن تجري عملية الانتقال بطريقة كاملة وتعاونية وشفافة. ويجب على القائم بأعمال وزير الدفاع كريستوفر ميلر والمسؤولين المعينين والضباط والجهاز المدني تسهيل عملية دخول الإدارة المقبلة، حسبما يشترط عليهم القسم والقانون والعرف، وعمل هذا بشكل دائم. وعليهم الابتعاد عن اتخاذ أي تحرك سياسي يؤثر على نتائج الانتخابات أو يعيق نجاح الفريق الجديد. ونطلب منهم وبعبارات شديدة القيام بهذا كما فعلت أجيال من الأمريكيين قبلهم. وهذا العمل الأخير هو جزء من التقاليد والحرفية العالية للقوات الأمريكية وتاريخ عمليات النقل الديمقراطي للسلطة في بلدنا العظيم”.

ويأتي تحذير المسؤولين السابقين الذين خدم بعضهم في وزارة الدفاع في السبعينات من القرن الماضي، وسط التسريب الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” لمكالمة طويلة بين الرئيس دونالد ترامب وسكرتير ولاية جورجيا، وطلب فيها منه العمل على قلب نتائج الانتخابات قبل التصويت المقبل على نتائج المجمع الانتخابي يوم الأربعاء.

وأعلن عدد من النواب الجمهوريين عن نيتهم تحدي نتائج المجمع الانتخابي. مع أن محاولات الرئيس لتحدي نتائج الانتخابات قد فشلت. وجاءت الرسالة وسط قلق من محاولة ترامب اللجوء إلى الجيش للبقاء في البيت الأبيض رغم خسارته في الانتخابات.

وعبّر المقال عن رأي مسؤولين سابقين اختلفوا حول الكثير من قضايا الأمن القومي. ووُلد المقال من محادثة بين السفير الأمريكي السابق إريك إديلمان، ووزير الدفاع ونائب الرئيس السابق ديك تشيني حول كيفية استخدام الجيش في الأيام المقبلة.

ورغم نفي ترامب مناقشة إعلان حالة الطوارئ لتغيير نتائج الانتخابات، إلا أن مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين، قال في مكالمة تلفزيونية إن على ترامب إعلان حالة الطوارئ ودعوة الجيش لعقد انتخابات.

ودعا ترامب أنصاره للتظاهر في واشنطن يوم تأكيد النتائج، وطلب منهم الحضور بقوة. وكان إديلمان واحدا من الجمهوريين الذين دعموا الرئيس المنتخب جوزيف بايدن ضد ترامب، وقد ناقش فكرة المقال مع تشيني واستشار وزراء الدفاع السابقين وقام بكتابة مسودة للمقال مع إليوت كوهين، مسؤول الأمن القومي السابق وعميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جونز هوبكنز.

وطلب بعض الوزراء الجمهوريين السابقين مراجعة للمقال، لكن ذلك لم يمس جوهره كما قال كل من إديلمان وكوهين. وقال تشاك هيغل، الجمهوري الذي خدم وزيرا للدفاع في إدارة باراك أوباما، إنه سأل عن المقال وإن كان ردا على أمر، ولكنه قرر التوقيع لتذكير المسؤولين الحاليين بأهمية التحول السلمي للسلطة.

وقال: “هذا عنصر رئيسي في ديمقراطيتنا ويتحمل مسؤوليتها المسؤولون في وزارة الدفاع”. وقال كوهين الذي عمل وزيرا للدفاع في عهد بيل كلينتون إن الحديث عن استخدام قانون الطوارئ أثار قلقه، خاصة بعد استخدام ترامب الجيش لفض المحتجين خارج البيت الأبيض في حزيران/ يونيو.

وأشار وزير الدفاع، السابق لاستخدام الشرطة الفدرالية لفض المتظاهرين في بورتلاند، بولاية أوريغون وأشكال أخرى لإساءة استخدام السلطة. وفي الوقت الذي أكد فيه على قدرة الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان وقادة الجيش على الالتزام بالقانون إلا أنه عبر عن مخاوف من عنف قد يندلع بسبب أنصار ترامب مثل “براود بويز” في الأيام المقبلة “إنه طريق خطير ويجب وقفه قبل حدوثه”.

ولم يعلق بقية الوزراء على قرارهم المشاركة في المقال، إما لتعذر الاتصال معهم أو لرغبتهم بترك المقال يعبر عن موقفهم.

القدس العربي”

——————————

بلومبرغ: استراتيجية بايدن تجاه ترامب الذي لن يرحل بسهولة هي “تجاهله”

نيويورك: يستعد الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، لمواجهة تحديات تاريخية بعد دخوله البيت الأبيض في 20 من كانون ثاني/ يناير الجاري، حيث تتنوع تلك التحديات بين التصدي لجائحة فيروس كورونا المتفاقمة، ومعدلات البطالة المرتفعة بصورة دائمة، ووجود توترات مع دولتي الصين وروسيا، بالإضافة إلى سلفه الذي يبدو أنه لن يرحل بسهولة.

وذكرت وكالة “بلومبرغ” للانباء أنه إدراكا من بايدن لحجم الفوضى والإرباك اللذين أثبت الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، أنه قادر على إحداثهما، فقد أعد الرئيس المنتخب ومستشاروه استراتيجية يعتقدون أنها الطريقة الوحيدة لتحييد ذلك التهديد، وهي “تجاهله”.

وهناك آراء ترى أن أحد الدروس المستفادة من حملة بايدن الرئاسية التي كللت بالفوز، هو وجود حافز ضئيل للعمل مع ترامب.

ومن المتوقع أن يصل التوتر إلى ذروته في السادس من كانون ثاني/ يناير، عندما يقر الكونغرس رسميا بفوز بايدن، حيث يشن أنصار ترامب احتجاجات في شوارع واشنطن – بتشجيع من الرئيس – وداخل مجلسي الشيوخ والنواب.

ومن جانبها، قالت مستشارة البيت الأبيض، كيت بيدينجفيلد، إن بايدن “يصر على أننا لن ننحدر إلى حد الابتذال مع دونالد ترامب في كل يوم”.

وتضيف: “أنه ليس كذلك، وهذا ليس ما يريد الشعب الأمريكي رؤيته في الرئيس”.

إلا أن الإدارة المقبلة سوف تواجه مشاكل أثناء تجاهلها لترامب، الذي على استعداد أن يظل – على الأقل – مصدر إزعاج بالنسبة لبايدن، بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبرغ” للأنباء.

وبعد أن رفض ترامب الاعتراف بهزيمته وإعلانه أن الانتخابات التي خسرها كانت غير شرعية، أوضح أنه لا يخطط للانسحاب بهدوء، وأخبر مساعديه أنه سوف يرشح نفسه للرئاسة مرة أخرى في عام 2024.

ويشار إلى أن الرؤساء الأمريكيين قاموا على مدار أجيال، بترك مناصبهم وتسليم السلطة لخليفة آخر لهم ينتمي للحزب المعارض، بهدوء.

إلا أن سلوك ترامب تسبب في انتقال السلطة بالصورة الأكثر إرباكا في تاريخ أمريكا الحديث، كما أنه يهدد بإعاقة بايدن أثناء مواجهته لقائمة طويلة من الأزمات، بحسب “بلومبرغ”.

ومن جانبه، قال ستيف إسرائيل، وهو عضو ديمقراطي سابق في الكونغرس عن ولاية نيويورك، ومدير معهد السياسة والشؤون العالمية في جامعة كورنيل، “إنها واقعة غير مسبوقة… فنحن لم يكن لدينا أبدا رئيس سابق يتفرغ لاقتراح فشل خليفته”.

ويرى الفريق الخاص ببايدن أن محاولات ترامب لقلب إرادة الناخبين – وهو ما يتضمن جهوده للاستعانة بنواب جمهوريين من أجل الطعن على تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات يوم الأربعاء المقبل – سوف تؤدي إلى المزيد من الضرر بالنسبة لإرث الرئيس المنتهية ولايته أكثر من بايدن.

كما يعتقد أفراد الفريق الخاص ببايدن أن هناك دلائل تشير بالفعل إلى أن أسلوب التنمر الذي يتبعه ترامب وقدرته على جذب انتباه الرأي العام، آخذان في التضاؤل، وهو ما يتضمن تراجع التغطية الإعلامية لأفعاله الغريبة المتعلقة بالانتخابات، واستعداد الجمهوريين في الكونغرس لمقاومة الرئيس في المعارك التشريعية الأخيرة.

وسوف يعارض أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين – بقيادة تيد كروز – التصديق على فوز بايدن، إلا أن استراتيجية بايدن من أجل حرمان ترامب من الحصول على الاهتمام، ستواجه اختبارات متكررة وفورية، على الأرجح.

وقد أمضى الرئيس المنتهية ولايته الأسابيع الأخيرة في تهديد النواب الجمهوريين الذين كانت لهم الجرأة على تجاوزه، بعد أن استشعر أن ما تبقى من سلطته تكمن في قاعدة لا تزال هائلة من المؤيدين.

وأكد ترامب مرارا على أنه حصل على 74 مليون صوت، وهو رقم قياسي بالنسبة لمرشح رئاسي مهزوم، وأكد أن وجوده في الانتخابات ساعد الجمهوريين على الفوز في الانتخابات وإعادة انتخابهم في المناصب الاتحادية، بحسب “بلومبرغ”.

وبعد أن اعترف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بفوز بايدن وشجع أعضاء فريقه على تجنب معركة فوضوية بشأن التصديق على التصويت، قام أحد المساعدين في البيت الأبيض بتوزيع رسم على النواب في الكونغرس، يشير إلى أن ماكونيل النائب عن ولاية كنتاكي حصل على فترة ولايته السابعة بفضل دعم ترامب.

يشار إلى أن الجاذبية التي يحظى بها ترامب تجاه الجمهوريين تم تعزيزها فقط من خلال جمع التبرعات بصورة قوية منذ يوم الانتخابات.

وقد أعلنت حملته الانتخابية أنها قد جمعت 5ر207 ملايين دولار في الشهرين التاليين لهزيمة الرئيس، وذلك بعد جمع ضعيف للتبرعات بالنسبة لبايدن قبل التصويت.

(د ب أ)

——————————————

ماذا قصد قاسم سليماني عندما قال: “يقيناً كلو خير”؟/ حازم الأمين

نحن في هذا الإقليم البائس مرة أخرى في مجرد أوراق يُنفخ بها فتتحول إلى هاشتغات يعقبها سجالات وتداس خلالها سيادة بلد بقدم جنرال لا يجيد اللبنانيون لفظ اسمه، ويقفز علينا في صفحاتنا الراحل المحتفى بشهادته بفيديو يقول فيه بالعربية وبلهجته الخرسانية، على ما كتب ابن عمتي على صفحته: “يقيناً كلو خير”…

افتُتِح العام 2021 على توتر وُصف بالحادّ بين واشنطن وطهران مسرحه العراق أولاً، ثم لبنان وسوريا بوصفهما ركنا مثلث النفوذ الإيراني في المشرق. لا ينتمي هذا الحدث إلى عائلة الوقائع الثقيلة التي شهدها العام السلف، أي العام 2020. فكلنا يعلم أن التوتر مزعوم، وأن طرفيه في غير وارده. طهران تكابد أزمات هائلة لا تتيح لها المغامرة بمواجهة مع واشنطن، والأخيرة تعيش مرحلة انتقالية بين إدارتين، وهذا يعيق تنظيم مواجهة. ثم أن عنوان التوتر لا قيمة سياسية له، فهو جرى بمناسبة الذكرى السنوية الأولى إقدام الولايات المتحدة الأميركية على اغتيال قاسم سليماني! للاغتيال نفسه قيمة سياسية طبعاً، لكن لذكرى مرور سنة عليه قيمة لا تزيد عن الرمزية، والاغتيال في لحظة حصوله لم يُشعل مواجهة، فكيف سيشعلها بعد انقضاء سنة على حصوله؟

التوتر المزعوم يشبه إلى حد كبير العراضة المضحكة التي أقدم عليها نائبان في البرلمان العراقي من تحالف “الفتح” هما يوسف الكلابي وحسن فدعم حين أقدما على التظاهر، وحيدين، أمام السفارة الأميركية في بغداد في ذكرى واقعة الاغتيال، وتليا بلسان متلعثم بياناً قالا فيه أن النصر على “داعش” ما كان ليتحقق لولا سليماني!

ولعل ما يبعث على الضحك والذهول، لصحافي مثلي غطى “الحرب على داعش”، أن الرجلان المتلعثمان ببيانهما أسقطا منه حقيقة أن “النصر على داعش” ما كان ليتحقق لولا تولي الجيش الأميركي المهمة الأهم في هذه الحرب، أي سلاح الطيران، بالإضافة إلى الخبراء الذين رافقوا الجيش العراقي خطوة خطوة. كنا هناك في الموصل في حينها، وأصابنا ذهول كبير من قيادة الأميركيين حرباً يشارك معهم بها عراقيون موالون لطهران!

لكن، وعلى رغم خلوه من مخاطر واقعية، يبقى أن للتوتر وظيفة في ظل حال الانتظار والحذر الذي تعيشه طهران قبل حلول لإدارة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض. فلطالما كان للسعار الأيديولوجي وظائف في سياق المواجهات الباردة. إيران تريد أن تذكر الإدارة القادمة بالأوراق التي بحوزتها قبل إجراء المقاصة بما يتعلق بالاتفاق النووي. أولى هذه الأوراق هي العراق الذي يلتبس على الجميع حقيقة وجوده بين النفوذين الأميركي والإيراني، وذلك في ظل وجود مصطفى الكاظمي على رأس حكومته. أما ثاني هذه الأوراق فهو لبنان، وهذا الأخير لا لُبس في حقيقة وجوده كاملاً بيد طهران. وفي هذا السياق كان نصيب لبنان من العراضة الأيديولوجية أشد وضوحاً، وان حملت احتمالات صدام أقل. فتمثال لقاسم سليماني في منطقة الغبيري، إحدى ضواحي بيروت، يمثل سابقة، خصوصاً أن من تولاها هو المجلس البلدي في تلك المنطقة، وكانت صورة رئيس الجمهورية ميشال عون خلف رئيس الجمهورية ميشال عون هذا المجلس أثناء إعلانه عن الخطوة.

طهران أصلاً لم تبد حذراً من إعلان لبنان والعراق نقطتان متقدمتان في مواجهتها مع واشنطن. خليفة سليماني لم يتردد في قول ذلك حرفياً بمناسبة مرور سنة على مقتل سلفه. فعل ذلك على رغم ما يشكله قوله من فضح لمحاولات حلفاء طهران في لبنان وفي العراق التخفيف من أثقال السمعة التي لحقتهم جراء تحولهم أذناباً لهذا النفوذ. ميشال عون، الرئيس اللبناني، أصدر بياناً لا يقل لعثمة عن بيان النائبين العراقيين، ألمح فيه إلى أن لبنان “سيد نفسه”. والمرء اذ يعرض هذا الادعاء على نفسه، ادعاء بأن “لبنان سيد نفسه” فما عليه إلا أن يداري قهقهته تفادياً لأن يتعرض لاستدعاء من دائرة المعلومات في قوى الأمن اللبنانية التي تتولى ضبط أي مواطن تتلبسه مقهقهاً على الرئيس.

أما في العراق فالوضع أقل وضوحاً لجهة حسم طهران بأنه ورقة يمكن طهران أن تعتمدها، فالانتشار الذي نفذته القوى الأمنية العراقية في محيط السفارة الأميركية في بغداد واقفال المنطقة الخضراء ومحاولة ضبط أي محاولة لإطلاق صواريخ عليها، في مقابل محاولات حلفاء طهران من الفصائل الولائية اقتحام مطار بغداد وبعض التظاهرات “الحشدية”، يكشف أن ثمة انقساماً وأن الأمر في بغداد ليس محسوماً لصالح طهران، على نحو ما هو محسوم لصالحها في بيروت.

اذاً نحن في هذا الإقليم البائس مرة أخرى في مجرد أوراق يُنفخ بها فتتحول إلى هاشتغات يعقبها سجالات وتداس خلالها سيادة بلد بقدم جنرال لا يجيد اللبنانيون لفظ اسمه، ويقفز علينا في صفحاتنا الراحل المحتفى بشهادته بفيديو يقول فيه بالعربية وبلهجته الخرسانية، على ما كتب ابن عمتي على صفحته: “يقيناً كلو خير”! ونحن اذ فهمنا العبارة العربية، إلا أننا لم نفهم أين الخير؟

درج

—————————-

ترامب العنيد: الجيش ينأى عن السياسة وتسجيل يكشف طبيعة الضغوط

عشرة وزراء دفاع أميركيين يطالبون بانتقال سلمي للسلطة في الولايات المتحدة.

واشنطن – عبر وزراء دفاع أميركيون سابقون عن غضبهم من أن تجد القوات المسلحة الأميركية نفسها جزءا من صراع سياسي يريده الرئيس دونالد ترامب أن يكون سببا في منع وصول الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، وأصبح أكثر وضوحا بعد تسريب تسجيل بين ترامب وسكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرجر يكشف مدى الضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي على كبار المسؤولين في الولايات المتحدة.

وعارض آخر عشرة وزراء دفاع أميركيين ما زالوا على قيد الحياة، أيّ انخراط للقوات المسلحة في عملية الانتقال السياسي الجارية في الولايات المتحدة حاليا، وذلك في مقال نشرته الأحد صحيفة “واشنطن بوست”.

ووجّه كلّ من أشتون كارتر وليون بانيتا وويليام بيري وديك تشيني وويليام كوهين ودونالد رامسفيلد وروبرت غيتس وتشاك هاغل وجيمس ماتيس ومارك إسبر، دعوة إلى البنتاغون في هذا المقال من أجل الالتزام بانتقال سلمي للسلطة.

ويأتي النداء الذي وجّهه وزراء الدفاع السابقون في وقت يستعد فيه الكونغرس الأربعاء للمصادقة على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، كما يأتي بعد تسريب مكالمة هاتفية بين ترامب ورافينسبرجر.

وقال الموقعون على المقال، وبينهم ماتيس وإسبر اللذان عيّنهما ترامب في البنتاغون، إنّ “الجهود لجعل القوات المسلحة الأميركية تنخرط في حل النزاعات الانتخابية ستقودنا إلى مكان خطير وغير قانوني وغير دستوري”، معتبرين أنّ المسؤولين الذين سعوا للقيام بذلك قد يواجهون عواقب مهنية وقضائية خطرة.

وأكد وزراء الدفاع السابقون أنّ الولايات المتحدة سجّلت في الماضي رقما قياسيا من التحوّلات السلميّة. وأضافوا أن “هذه السنة يجب ألا تكون استثناء”.

ولم يذكر موقّعو المقال على وجه التحديد السبب الذي دفعهم إلى التدخّل في شكل علني. لكنّ الطبقة السياسية في واشنطن شعرت في الآونة الأخيرة بانزعاج من تقارير وردت في وسائل إعلام أميركية أفادت بأنّ إمكانيّة فرض الأحكام العرفية قد أُثيرت خلال اجتماع في البيت الأبيض، وهي معلومات نفاها ترامب.

وأشار موقّعو النداء المنتمون إلى الحزبين السياسيّين الأميركيّين الرئيسيّين، إلى أنّ الطعون المقدّمة بشأن نتائج الانتخابات في ولايات عدّة قد رفضتها المحاكم وأنّ الأصوات قد تمّت المصادقة عليها من جانب حكّام الولايات.

ودعوا القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي كريستوفر ميلر وجميع مسؤولي وزارة الدّفاع إلى تسهيل الانتقال إلى إدارة الرئيس المنتخب بايدن. وقالوا “يتوجّب عليهم أيضا الامتناع عن أيّ عمل سياسي من شأنه تقويض نتائج الانتخابات أو تعريض نجاح الفريق الجديد للخطر”.

وبثت “واشنطن بوست” الأحد مقتطفات من المكالمة بين ترامب وسكرتير ولاية جورجيا، استمرت ساعة، طالبه فيها بالعثور على نحو 11 ألفا و779 صوتا لتجاوز الفجوة مع الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن وقلب النتيجة.

وقالت الصحيفة إن ترامب راوح في حديثه مع رافينسبرجر ما بين الإطراء والاستجداء والتهديد بعواقب جنائية غامضة في محاولة لتغيير خسارته في جورجيا أمام بايدن.

وتابعت أن رافينسبرجر ومستشار مكتبه رفضا طوال المكالمة تأكيدات ترامب وأبلغا الرئيس بأنه يستند إلى نظريات المؤامرة بشأن الانتخابات التي جرت بنزاهة ودقة.

وطبقا لمقتطفات من المكالمة التي نشرتها “واشنطن بوست” على موقعها الإلكتروني، قال ترامب “مواطنو جورجيا غاضبون.. الناس في البلاد غاضبون… ولا يوجد ما يمنع من القول، مثلما تعلم، إنك أعدت إحصاء (الأصوات)”.
الرابط YouTube
ألصق رابطًا للمحتوى الذي تريد عرضه على موقعك.
معرفة المزيد حول التضمينات(يُفتح في علامة تبويب جديدة)
عذرًا، لا يمكن تضمين هذا المحتوى.

وجورجيا واحدة من عدة ولايات حاسمة خسرها ترامب لصالح بايدن في انتخابات الرئاسة التي جرت في الثالث من نوفمبر الماضي.

وتابع ترامب في المكالمة المسجلة “انظر.. هذا كل ما أريد منك فعله. كل ما أريده هو إيجاد 11780 صوتا.. لأننا فزنا بالولاية”. وأصر على أنه “لا يمكن بأي حال” أن يكون قد خسرها.

وبعد تسريب المكالمة بساعات قليلة، أكد رئيس فرع الحزب الجمهوري بولاية جورجيا الأميركية ديفيد شيفر أن الرئيس ترامب رفع دعويين قضائيتين ضد سكرتير الولاية بسبب تسريب مكالمة هاتفية سرية بشأن نتائج الانتخابات.

وكتب شيفر عبر تويتر الأحد “قام الرئيس ترامب برفع دعويين قضائيتين – واحدة اتحادية وأخرى محلية – ضد سكرتير ولاية جورجيا براد رافينسبرجر. كان الاتصال الهاتفي الذي سجله رافينسبرجر سرا، بمثابة مناقشة تسوية سرية للتقاضي الذي لا يزال عالقا”.

ويطبق في كل من ولاية جورجيا وواشنطن العاصمة قانون “موافقة من طرف واحد”، مما يعني أن أي شخص طرف في محادثة هاتفية لا يحتاج إلى موافقة من المشارك الآخر لتسجيلها.

ومع ذلك، ادعى شيفر أن التسجيل الصوتي الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” حذف منه الشرط القائل بأن “جميع المناقشات كانت لغرض تسوية التقاضي وكانت سرية بموجب القانون الفيدرالي وقانون الولاية”.

وأثارت المكالمة الهاتفية المسربة ردود فعل غاضبة في الساحة السياسية بواشنطن حيث اعتبرها كبير مستشاري بايدن دليلا قاطعا على تهديد ترامب لمسؤول من حزبه لتغيير نتيجة الانتخابات ومحاولته إلغاء فرز أصوات قانونية بجورجيا لتلفيق أصوات أخرى، في حين دعا كبير الديمقراطيين بمجلس الشيوخ ديك ديربن إلى إجراء تحقيق جنائي بشأن مكالمة ترامب المسربة.

ونقلت صحيفة بوليتيكو عن رئيس لجنة الاستخبارات النائب الديمقراطي آدم شيف قوله “إن مكالمة ترامب المسربة أبشع إساءة لاستخدام السلطة، وقد تكون ذات طبيعة إجرامية”.

وقبل أن تنشر الصحيفة تقريرها عن المكالمة قال ترامب على تويتر الأحد إنه تحدث هاتفيا مع رافينسبرجر عن تزوير الانتخابات بجورجيا.

وأضاف ترامب أن رافينسبرجر لم يكن راغبا أو كان عاجزا عن الرد على أسئلة عن أمور مثل “بطاقات اقتراع تحت الطاولة، وتدمير أوراق الاقتراع، وأصوات الموتى وغير ذلك. لم تكن لديه إجابات”.

ورد رافينسبرجر على تويتر قائلا “مع احترامي لك سيادة الرئيس ترامب.. ما تقوله ليس صحيحا.. الحقيقة ستظهر”.

ودعا ترامب إلى مظاهرة مناهضة لنتائج الانتخابات في السادس من الشهر الجاري بالعاصمة واشنطن.

ولا يزال يصر على أن الانتخابات الرئاسية قد زُوّرت، وذلك رغم أنه خسر كل الدعاوى القضائية التي رفعها أمام المحاكم الأميركية، والتي يدعي فيها حدوث تزوير واسع النطاق.

وكان المجمع الانتخابي أقر مؤخرا فوز بايدن بالانتخابات، في حين تقول مصادر صحافية إن ترامب هدد بأنه لن يترك البيت الأبيض في يوم تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير الجاري.

العرب

——————————

هل من حرب قبل خروج ترمب؟/ عبدالرحمن الراشد

التحذيرات الأميركية المتكررة لإيران من أن تفكر في شن عمليات ستتسبب في اشتباك عسكري سيكون الأسوأ منذ سنوات، سببها ذكرى أبرز عملية نفذتها الولايات المتحدة ضد نظام طهران منذ 40 عاماً. هل سيكون الانتقام الإيراني عمليات عسكرية مباشرة ضد القوات الأميركية في مياه الخليج أو بره أو العراق، أو استهدافاً لمواقع مدنية أميركية عسكرية أو إسرائيلية، أم استهدافاً لدبلوماسيين أو سياسيين أميركيين أو عرب متحالفين؟

النظام الإيراني يريد تنفيذ عمل انتقامي قبل مقدم الرئيس الجديد جو بايدن ولا يريد إحراجه؛ حيث يعتبر فوزه فرصة أخيرة للتخلص من العقوبات الموجعة التي قد تقضي على نظام المرشد، لكن الفكرة في إشعال حرب قبل 20 يناير (كانون الثاني) مغامرة خطيرة قد تتسبب في اندلاع حرب مباشرة، إيران نفسها ليست مهيأة لها.

لم تفعل طهران شيئاً كبيراً للانتقام، وقد مرَّ عام على التخلص من الجنرال قاسم سليماني الذي كان في أعلى درجات الحكم هناك. سليماني لم يكن مجرد قائد سرايا كما يوحي عنوان وظيفته، بل كان موازياً للرئيس حسن روحاني، وله من السلطات ما يفوقه ويؤهله أن يوصف بالحاكم الفعلي لإيران، حتى بوجود المرشد الأعلى أو من يخلفه مستقبلاً. كان التخلص منه عملاً استراتيجياً أميركياً، وليس مجرد انتقام من نشاطات ميليشيات إيران في العراق وسوريا التي كانت تستهدف القوات الأميركية والدول الحليفة.

وقد أربك إخراجه، منذ لك الحين وإلى هذا اليوم، المشهد الإيراني، ويبدو مع مرور الأسابيع والأشهر، والقيادة الإيرانية تشعر بضغط داخلي وخارجي من أتباع سليماني، وتطالب بالانتقام له، وإعادة هيبتها التي كُسرت، وخاصة في داخل بلاده. التخلص منه يعني التخلص من زعيم إيران المستقبلي الأكثر خطورة على الإطلاق، وهو صاحب طموح إقليمي واسع، وله تجربة غنية في إدارة الحروب وإشعال الفوضى.

بغياب سليماني، احتدت المنافسة على قيادة «الحرس الثوري»، العمود الفقري للنظام منذ قيام الثورة. التخلص من سليماني ليس رغبة أميركية وحسب، بل لا بد أنها كانت أفضل خبر للإصلاحيين داخل النظام، الذين كانوا هدفاً لسليماني وقواته، الذي همَّش بشكل واضح صلاحيات روحاني، ما اضطر وزير خارجيته محمد جواد ظريف إلى الاستقالة قبل أقل من عامين، والتي كانت تعبر عن تضخم نفوذ سليماني وحرسه، الذي تبجح عندما أنكر عليه نواب إصلاحيون في البرلمان الأموال الطائلة، التي كان ينفقها على توسيع حجم «الحرس الثوري»، وقال إنه لم يكلف الخزينة الإيرانية شيئاً، بل إنه استطاع تدبر أمره، وكان يعني بذلك عمليات التمويل الضخمة من موارد العراق، وبيع المخدرات وغسيل الأموال الدولية. التخلص من سليماني خدم روحاني وحكومته في الداخل الإيراني إلى أن يظهر جنرال آخر يملك سلطة مطلقة.

عام مرَّ على اغتيال سليماني، تقلَّص خلاله نشاط إيران في الخارج، وفي المرة الوحيدة التي ردَّت على العملية أطلقت النار على نفسها، عندما أسقطت طائرة لشركة الخطوط الجوية الأوكرانية، بعد وقت قصير من إقلاعها من طهران مطلع العام الماضي، ما أدَّى إلى مقتل 176 شخصاً كانوا على متنها. أظهرت تلك الحادثة فشل المؤسسة العسكرية الإيرانية في إدارة معركة واحدة.

الشرق الأوسط

————————

بايدن وترامب في جورجيا عشية انتخابات حاسمة للسيطرة على مجلس الشيوخ

اتلانتا (الولايات المتحدة): ينتقل دونالد ترامب وجو بايدن الاثنين إلى ولاية جورجيا لدعم مرشحي حزبيهما في انتخابات حاسمة تشمل مقعدين في مجلس الشيوخ غداة نشر تسجيل صوتي للملياردير الجمهوري كان له وقع الصاعقة لكن يبقى تأثيره على نتيجة الاقتراع غير معروف.

فبعد شهرين على الانتخابات الرئاسية، يرفض دونالد ترامب حتى الآن الاعتراف بهزيمته أمام الديموقراطي جو بايدن رغم عمليات التدقيق بالأصوات وإعادة فرزها واحتسابها وقرارات كثيرة صادرة عن المحاكم.

وفي اتصال هاتفي أثار ذهولا، طلب دونالد ترامب السبت من مسؤول الانتخابات في ولاية جورجيا “إيجاد” الأصوات الضرورية لإلغاء هزيمته في هذه الولاية الرئيسية.

وأكد خلال الاتصال المسرب أن الانتخابات “سُلبت” منه جراء عملية احتيال واسعة النطاق لم يوفر حتى الآن أي دليل عليها.

ورغم التهديدات المبطنة، لم يذعن المسؤول وهو جمهوري أيضا لأوامر الرئيس المنتهية ولايته. ورد براد رافسنبرغر على ترامب قائلا “نعتبر أن أرقامنا صحيحة”.

ورأت نائبة الرئيس المقبلة كامالا هاريس أن ما قام به ترامب هو “استغلال فاضح للسلطة”. وقد تعالت أصوات قليلة في صفوف الجمهوريين منددة بما حصل.

إلا أن دونالد ترامب يحظى بدعم كبير في الحزب الجمهوري.

وتجنبت ميلي لوفلير العضوة الجمهورية في مجلس الشيوخ والتي تخوض الانتخابات في ولاية جورجيا الثلاثاء الرد على سؤال حول هذه الفضيحة، طرح عليها خلال نشاطات حملتها الانتخابية.

بعد شهرين على الاقتراع الرئاسي، استعادت جورجيا أجواء الحملة الانتخابية مع لافتات وحافلات المرشحين وتجمعات انتخابية وزيارات إلى المنازل تحضيرا لانتخابات الثلاثاء التي تشمل مقعدين في مجلس الشيوخ.

وتبلغ الحملة ذروتها مع زيارة يقوم بها كل من الرئيس المنتهية ولايته والرئيس المنتخب لجورجيا. ويظهر تزامن الزيارتين الأهمية الحاسمة لهذا الاقتراع الذي سيحدد الطرف الذي سيسيطر على السلطة في واشنطن في السنوات الأربع المقبلة.

لم تنتخب ولاية جورجيا أي ديموقراطي لمجلس الشيوخ منذ 20 عاما. وفي حال ظفر الديموقراطيون بالمقعدين سيمكن رافاييل وارنوك وجون أوسوف الحزب الديموقراطي من انتزاع الغالبية في مجلس الشيوخ ما يطلق يد جو بايدن في واشنطن.

وفي حال حصول كل من الجمهوريين والديموقراطيين على خمسين مقعدا سيعود إلى نائبة الرئيس المقبلة كامالا هاريس ترجيح كفة التصويت التي ستميل عندها لصالح الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه راهنا غالبية جمهورية.

وفي حال تم ذلك، سيصل جو بايدن إلى البيت الأبيض مع مجلسي نواب وشيوخ يسيطر عليهما الديموقراطيون ما سيسمح له بتطبيق برنامجه.

ولدعم الجمهوريين، يشارك دونالد ترامب مساء الاثنين بآخر تجمع كبير له قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير. ويتوقع أن يلقى ترامب في دالتون المنطقة الريفية المحافظة في شمال غرب جورجيا، استقبال الأبطال.

ففي الأرياف الأميركية لا تزال لافتات “ترامب 2020” الخاصة بحملة الرئيس المنتهية ولايته، كثيرة. وهي أكثر انتشاراً من تلك العائدة لعضوي مجلس الشيوخ كيلي لوفلير (50 عاما) وديفيد بردو (71 عاما).

وسيتواجد بايدن من جهته في اتلانتا عاصمة ولاية جورجيا. وسيشارك الرئيس الديموقراطي المنتخب في الحملة إلى جانب رافييل وارنوك وهو قس أسود يبلغ الحادية والخمسين وجون أوسوف وهو منتج في القطاع المرئي والمسموع في الثالثة والثلاثين.

وقالت كامالا هاريس خلال لقاء انتخابي في مدينة سافانا الكبيرة حيث شاركت في الحملة إلى جانب المرشحين الديموقراطيين “مستقبل بلادنا على المحك” في انتخابات الثلاثاء.

ويرى الجمهوريون أن مستقبل البلاد على المحك أيضا. وقالت كيلي لوفلير لانصارها في كارتسزفيل “نحن الحاجز الذي سيمنع الاشتراكية من الوصول إلى الولايات المتحدة”.

وتظهر استطلاعات الرأي منافسة محتدمة بين المرشحين. ويتواجه جون أوسوف مع ديفيد بردو ورافاييل وارنوك مع كيلي لوفلير.

وعلى الورق، يخوض الجمهوريون المعركة من موقع قوة فيما يعتمد المرشحان الديموقراطيان على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر وهو الأول لمرشح ديموقراطي في جورجيا منذ 1992.

وشدد تراي هوود الاستاذ في جامعة جورجيا على أن هذه العوامل تؤدي إلى “منافسة محتدمة يصعب في إطارها القيام بتكهنات” حول الفائز.

—————————–

أسبوع أميركي مفصلي/ هشام ملحم

الأسبوع الأول الكامل في شهر يناير يعد بأن يكون محوريا وربما تاريخيا على الصعيدين الداخلي والخارجي. التوتر الداخلي المستمر منذ الانتخابات الرئاسية مرشح للتفاقم أكثر خلال هذا الأسبوع، كما التوتر المستمر بين الولايات المتحدة وإيران مع مرور الذكرى السنوية الاولى للغارة الجوية التي أمر بها الرئيس ترامب لقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الثالث من يناير 2020 قرب مطار بغداد الدولي في العراق.

يوم الأحد، تراجع وزير الدفاع بالوكالة كريستور ميلر عن الأمر الذي أصدره قبل أربعة ايام بسحب حاملة الطائرات نيميتز من المنطقة المحيطة بإيران والعودة إلى قاعدتها في الولايات المتحدة، وأصدر أمرا جديدا بأن تواصل الحاملة عملياتها الدورية ” في منطقة عمليات القيادة المركزية ” التي تشمل مياه الخليج. وجاء في بيان رسمي باسم الوزير أن قراره “يعود للتهديدات الأخيرة الصادرة عن القيادات الإيرانية ضد الرئيس ترامب وغيره من المسؤولين الحكوميين”. وأنهى ميلر بيانه بالقول “يجب أن لا يشك أحد بتصميم الولايات المتحدة”.

وجاء بيان ميلر بعد أسبوع حفل بالرسائل الأميركية المتناقضة حول التوتر مع إيران، خاصة وأن قرار سحب نيمتز تزامن مع تحليق قاذفات استراتيجية من طراز ب – 52 قبالة السواحل الإيرانية ولكن في الأجواء الدولية، خلال تحليق جوي لمدة 36 ساعة دون توقف من وإلى قاعدة جوية في ولاية نورث داكوتا، لبعث رسائل تحذيرية واضحة لإيران. وقالت مصادر مطلعة على المداولات في وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي أن هناك تقويمات مختلفة للتوتر مع إيران حيث قال مسؤولون إن التهديدات الإيرانية، بما في ذلك التلميح بأعمال عنف داخل الولايات المتحدة جدية للغاية، بينما رأى آخرون أنها للاستهلاك المحلي، وأن الحشود الإيرانية داخل العراق، والاجتماعات بين ضباط الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات العراقية الممولة والمدعومة من إيران والمعروفة بقوات الحشد الشعبي تأتي في سياق التنسيق والإجراءات الاحترازية تحضيرا لأي مبادرات عسكرية أميركية، ولا تعني بالضرورة أن ايران تعتزم مهاجمة أهداف أميركية في العراق أو خارجه. وأشار هؤلاء إلى أن مصلحة القيادة الإيرانية تقضي بعدم استفزاز الرئيس ترامب في أيامه الأخيرة، لأنه لن يتردد برد عسكري مؤلم، وأنه من الأفضل انتظار استلام الرئيس المنتخب جوزف بايدن لصلاحياته الرسمية في العشرين من الشهر الجاري. محللون آخرون تكهنوا بأن قرار الوزير ميلر الأولي بسحب حاملة الطائرات من المنطقة المحيطة بإيران قد تم دون استشارة الرئيس ترامب، وأن الرئيس أراد بقاء الحاملة في المنطقة حتى إشعار آخر.

مرور الثالث من يناير دون أعمال عنف هو مؤشر إيجابي، ولكن ذلك لا يعني أن التوتر بين البلدين سوف ينحسر، لأن احتمال حدوث مواجهة مقصود او عرضية لا يزال واردا على الأقل حتى العشرين من الشهر الجاري.

داخليا بدأ الاسبوع بإدلاء جميع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لقسم اليمين لبدء الدورة الجديدة للكونغرس، كما انتخب النواب الديموقراطيون نانسي بيلوسي للمرة الرابعة رئيسة للمجلس. وحفل يوم الأحد بتطورات انتخابية عديدة كان كم أبرزها حصول صحيفة واشنطن بوست على تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية هزت الأوساط السياسية في واشنطن، بين الرئيس ترامب وبعض مساعديه، مع سكرتير ولاية جورجيا المسؤول عن الانتخابات براد رافينزبيرغر ومحاميه رايان جيرماني، حيث طلب الرئيس منهما العثور “على أصوات كافية لتغيير نتائج الانتخابات لصالحه” في حوار لا سابقة له لجأ فيه ترامب الى الترهيب والترغيب والرجاء وتوجيه الاتهامات والإهانات لسكرتير الولاية مثل تسميته “بالولد”. واستمع ملايين الأميركيين لرئيسهم وهو يخاطب براد رافينزبيرغر : “كل ما أريده هو ان تفعلوا التالي، كل ما أريده هو أن تعثروا على 11780 صوتا أكثر مما لدينا، لأننا ربحنا في الولاية.” وكان ترامب يتحدث بجمل مفككة، كانت أفكاره مبعثرة وتميز حديثه بالتكرار وترديد نظريات المؤامرة والادعاءات غير المدعومة بالأدلة والإصرار على القول “لا يمكن أبدا أن أكون قد خسرت جورجيا، هذا غير ممكن. لقد فزنا هناك بمئات آلاف الأصوات”.

وكان ترامب قد خسر جورجيا بأقل من 12 ألف صوت، وهو ما تم تأكيده بعد إعادة فرز الأصوات أكثر من مرة، وبعد أن أخفقت محاولات ترامب عبر المحاكم لتحدي هذه النتائج، كما أخفقت محاولاته في الولايات الأخرى. ولم يتردد ترامب في تهديد براد رافينزبيرغر والقول بأنه يقوم “باتخاذ مجازفة كبيرة” وأن الناخبين في جورجيا وفي البلاد غاضبون ” ولا يوجد هناك شيء سيء إذا قلت أنك قمت باعادة النظر بالأرقام”. ورد رافينزبيرغر بهدوء على الرئيس قائلا “السيد الرئيس التحدي الذي تواجهه هو أن معلوماتك غير صحيحة”. ورأى العديد من المحللين أن ما قام به ترامب يخالف القوانين الفدرالية المتعلقة بالانتخابات، ورأى بعضهم انه يستحق أن يحاكم مرة أخرى.

وفي تطور هام، حذّر عشرة وزراء دفاع سابقين من جمهوريين وديموقراطيين في مقال نشروه الأحد، من خطر زج القوات المسلحة بالانتخابات وطالبوا المسؤولين المدنيين والعسكريين في وزارة الدفاع بعدم تنفيذ أي أوامر سياسية تهدف إلى تغيير نتائج الانتخابات. وكان وزير الدفاع الأسبق ديك تشيني هو الذي اقترح فكرة العريضة، التي وقع عليها الوزيرين جيمس ماتيس ومارك أسبر اللذين خدما في حكومة ترامب، إضافة إلى روبرت غيتس الذي خدم في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، والرئيس أوباما ودونالد رامزفيلد وغيرهم. وجاء في العريضة أن “الجهود الرامية إلى توريط القوات المسلحة لحسم الخلافات الانتخابية سوف تأخذنا إلى مجالات خطيرة وغير قانونية ومخالفة للدستور. المسؤولون المدنيون والعسكريون الذين يأمرون أو ينفذون مثل هذه الاجراءات سوف تتم محاسبتهم، بما في ذلك مواجهة الأحكام الجنائية بسبب النتائج الخطيرة لإجراءاتهم على شعبنا”.

ويوم الثلاثاء سوف تقرر ولاية جورجيا، التي ستنتخب عضويين في مجلس الشيوخ في انتخابات فرعية من سيسيطر على هذا المجلس على الاقل للسنتين المقبلتين. وإذا فاز المرشحان الديموقراطيان، عندها سوف يكون هناك تعادل في الأصوات في المجلس : خمسين جمهوري وخمسين ديموقراطي سوف تكسره نائبة الرئيس كامالا هاريس لصالح الديموقراطيين. وإذا بقي مجلس الشيوخ في يد أكثرية جمهورية بسيطة، فإن ذلك سيخلق عقبات هامة أمام الرئيس بايدن لتمرير إجراءاته وسياساته، حيث سيواجه معارصة قوية من زعيم الأغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال، مماثلة لما واجهه الرئيس السابق باراك أوباما.

ولكن اليوم المحوري هذا الأسبوع هو يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي سيحسم فيه مجلسا الكونغرس في جلسة مشتركة يديرها نائب الرئيس مايك بينس لاتخاذ آخر خطوة رسمية في عملية انتخاب الرئيس الجديد، أي التصديق النهائي على تصويت المجمع الانتخابي الذي جرى في الرابع عشر من ديسمبر . عادة تمر هذه الإجراءات الإدارية بشكل عادي ولا تسبب أي جدل. ولكن السناتور الجمهوري جوشوا هاولي (له طموحات رئاسية) قد قال أنه سيتحدى نتائج الانتخابات في ولاية بنسلفانيا، كما أن عشرة أعضاء جمهوريين آخرين نظمهم السناتور تيد كروز (له طموحات رئاسية) أعلنوا أنهم لن يصدقوا على النتائج وطالبوا بتعيين لجنة تحقيق في الانتخابات تنجز أعمالها خلال ١٠ أيام قبل يوم التنصيب في العشرين من الشهر الجاري. وكان أكثر من مئة عضو جمهوري في مجلس النواب قد قالوا أنهم سيعترضون على النتائج. ويرى معظم المحللين والحقوقيين أن هذه المحاولات ستنتهي بالفشل لأن الأكثرية الديموقراطية في مجلس النواب سوف تصدق على النتائج، وأن هناك أكثرية من الديموقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ سترفض الاعتراضات.

ولكن الرئيس ترامب سوف يستخدم يوم الأربعاء الآلاف من أنصاره الذين طلب منهم أن يتظاهروا في شوارع واشنطن، للضغط على المشرعين في الكونغرس. هذه التظاهرات سببت القلق والمخاوف في الأوساط السياسية والأمنية في واشنطن، لأنها يمكن أن تتسبب باشتباكات مع فئات معارضة، أو مع الشرطة كما حدث في السابق، أو حدوث أعمال شغب أو تخريب للمحلات التجارية، لأن قاعدة ترامب معبأة ومشحونة سياسيا حيث أقنعها ترامب وحلفائه أن الديموقراطيين سرقوا الانتخابات منه، ولأنها ترى أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإبقاء ترامب في البيت الأبيض لولاية ثانية.

أسبوع أميركي مفصلي من مياه الخليج، إلى قاعات الكونغرس وشوارع واشنطن.

الحرة

—————————

=================

تحديث 05 كانون الأول 2021

———————

كيف يستعيد جو بايدن مكانة الولايات المتحدة في الخارج؟

الولايات المتحدة: تحديان كبيران يواجهان الولايات المتحدة في المستقبل القريب، وهما كبح جماح الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وعودة ظهور فيروس كورونا.

ومن المحتمل أن يستنفد ترامب كل المزاعم والسبل الممكنة في محاولة يائسة لإلغاء انتصار جو بايدن، وقد تتسبب هذه المحاولات في تأجيج اضطرابات مدنية. كما أنه من المحتمل أيضا أن يصدر العديد من أوامر العفو والأوامر التنفيذية بينما لا يزال يحتفظ بالسلطة للقيام بذلك. ورحيله المنظم عن البيت الأبيض ليس مضمونا بعد.

في غضون ذلك، سيستمر ترامب في إنكار خطورة وباء فيروس كورونا ومقاومة الإجراءات التي قد تساعد في احتوائه، مثل فرض ارتداء الكمامات والمزيد من الاختبارات المنظمة على مستوى الولايات المتحدة. وإلى أن يتم اتخاذ مثل هذه الخطوات وما لم يتم اتخاذ مثل هذه الخطوات، سيستمر فيروس كورونا في تعميق آثاره على الصحة العامة والاقتصاد والحالة النفسية الوطنية.

وقال الكاتب بول هير الزميل البارز في مركز “ناشيونال انتريست” والزميل غير المقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال انتريست” الأمريكية، إنه “بخلاف هذين التحديين الفوريين، يجب أن تكون عملية استعادة الوحدة الأمريكية والتفاؤل على رأس أولوياتنا الوطنية. وسيتطلب هذا الاعتراف ومواجهة الاتجاهات التاريخية التي كانت تتكشف حتى قبل رئاسة ترامب، والتي كانت أحد أعراضها. وبنظرة للماضي، كشفت الأزمة المالية 2009-2008 وتداعياتها العديد من نقاط الضعف المنهجية في الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية”.

وتسببت أسوأ مشكلة اقتصادية منذ الكساد الكبير في تقلص روح الازدهار والراحة الوطنية، وغذت التوترات العرقية والمناهضة للهجرة، والسياسة المستقطبة حيث تجنب كل من الديمقراطيين والجمهوريين خيارات السياسة الصعبة وعرقلوا أجندات بعضهم البعض. وتسببت سياسات ترامب في تفاقم كل هذا إلى درجة غير عادية.

واعتبر الكاتب بول هير أنه يجب على الدولة أن تجد طريقة لتخليص نفسها من تلك المشكلات وتنظيم شؤونها. وقال: “يجب علينا استدعاء الملائكة الأفضل في طبيعتنا وإظهار مرونة أمريكا وقدرتها على تحسين الذات. يجب أن نتغلب على الانقسامات الحزبية والعنصرية والعرقية لتبني هوية مشتركة وقضية مشتركة، ومواجهة الأولويات الوطنية. ويتعين على كل من الديمقراطيين والجمهوريين تجنب الوقوع مرة أخرى في مسابقة الفائز يأخذ كل شيء. يتعين على الديمقراطيين على وجه الخصوص ألا يرتكبوا نفس الخطأ الذي ارتكبه ترامب برفض و/أو تشويه سمعة نصف الناخبين. لن يؤدي هذا إلا إلى تأجيج حلقة دائمة من الانتقام السياسي والجمود”.

إن استعادة وحدة الهدف في البلاد ستكون شرطا أساسيا مسبقا لاستعادة أي وجه من أوجه مكانة الولايات المتحدة في العالم، والتي تآكلت بدرجة كبيرة خلال العقد الماضي، وخاصة خلال رئاسة ترامب. لقد تضاءلت مكانة أمريكا الدولية ومصداقيتها إلى حد كبير بسبب تأثير الأزمة المالية على نفوذها الاقتصادي العالمي، والتأثير المقابل لخلل السياسة الأمريكية على سمعتها العالمية؛ انسحاب ترامب من الدور المركزي الطويل الأمد لواشنطن في التعددية، وجفاءه وابتعاده المتراكم عن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في الخارج.

وقد عززت الاتجاهات الداخلية للولايات المتحدة التحولات التاريخية في ميزان القوى العالمي منذ نهاية الحرب الباردة التي تركت الولايات المتحدة في حالة تدهور نسبي. فلم يعد هذا عام 1945، عندما خرجت واشنطن من الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى وحيدة، أو حتى عام 1991، عندما تمتعت بلحظة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. منذ ذلك الحين، أدى صعود الصين، وعودة طموحات القوة العظمى لروسيا، وديناميكيات القوة المتغيرة عبر العالم النامي، والتحول الشامل في القوة الاقتصادية بين نصفي الكرة الغربي والشرقي، إلى الدخول في حقبة تاريخية جديدة تحتاج الولايات المتحدة إلى إدراكها والتكيف معها.

ويرى الكاتب أن هذا لا يعني أن أمريكا فقدت بشكل غير قابل للاسترداد جاذبيتها الدولية ودورها القيادي. لا تزال الولايات المتحدة أقوى دولة على وجه الأرض بمعظم المقاييس، فهي تحتفظ بقدرات وإمكانيات هائلة، والعديد من الدول الأخرى متعطشة لإحياء هذا الدور القيادي للولايات المتحدة. إلا أن الأمريكيين قد يحتاجون إلى التطلع إلى وضع أقل مما اعتادوا عليه في الأجيال القليلة الماضية.

فقد قللت التحولات في التوازن العالمي للقوة الاقتصادية والتأثير السياسي الناجم عنها – خاصة فيما يتعلق بالصين- من فرص أن تتمكن الولايات المتحدة بالكامل من استعادة التفوق العالمي الذي تمتعت به خلال النصف الأخير من القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تؤدي التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تواجه الولايات المتحدة إلى تقليص الموارد والاهتمام الذي يمكن أن تكرسه لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

سيكون الأمريكيون بحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام أكثر مما فعلوا في عقود عديدة لكي تتطابق أهدافهم الدولية مع أساليبهم ووسائلهم. قد يحتاجون إلى إعادة تقييم المصالح الاستراتيجية وأهداف السياسة الخارجية التي تعتبر حيوية حقا، وتلك التي تعد تفضيلات يمكن إعادة ضبطها أو التي يمكننا التنازل عنها. وهناك عنصر مهم في هذه المعادلة وهو صياغة تقييمات دقيقة لطبيعة ونطاق التحديات الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة- وخاصة عدم المبالغة فيها، كما كان الحال مع الصين.

واختتم الكاتب بول هير تقريره، بالقول: “مرة أخرى، يجب أن تكون أولوياتنا القصوى في الداخل. قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من إعادة بناء قوتها وتأثيرها الدوليين بشكل موثوق، يجب عليها أن تعالج نفسها من خلال السيطرة على فيروس كورونا، وإحياء الرخاء الاقتصادي وتجاوز السياسات المنقسمة المريرة أثناء رئاسة ترامب. لن تتمكن أمريكا من التنافس على الصعيد العالمي- خاصة ضد سعي الصين للحصول على الشرعية الدولية لنموذجها في الحكم والتنمية- إذا لم نتمكن من جعل نسختنا من الديمقراطية والرأسمالية ناجحة وجذابة مرة أخرى”.

(د ب أ)

القدس العربي

—————————–

متراوحاً بين ترامب وأوباما.. كيف يبدو الشرق الأوسط بقيادة بايدن؟

مع دخوله إلى البيت الأبيض سيكون بانتظار الرئيس بايدن كومة من المسائل الخارجية “المشتعلة”. ومثلما جسد في مقاله: “يجب أن تعود الولايات المتحدة إلى القيادة”، فإن بايدن يولي أهمية كبيرة للسياسة الخارجية، وقد أعلن عن تعيينات في وزارته في مجال الأمن القومي قبل أي مجال آخر، بما في ذلك الاقتصاد والصحة، كي ينقل هذه الرسالة.

ما خطط بايدن للشرق الأوسط؟ بأي دروس يتوجه إلى الموضوع؟ ماذا سيكون مكان منطقتنا في سلم أولوياته؟ ما هي التوترات والاضطرارات بين أهداف الولايات المتحدة ومصالحها وقيمها بالنسبة للشرق الأوسط، والتي ستضطر إدارة بايدن إلى المناورة فيها. وما المعاني التي تستخلصها إسرائيل؟

دروس الماضي

في مناصبه في الكونغرس والإدارة في العقود الثلاثة الأخيرة، تعرف بايدن عن كثب على إخفاقات الولايات المتحدة في إحداث تحولات إيجابية في الشرق الأوسط.

إن انهيار المفاوضات على التسوية الدائمة التي حاول الرئيس كلينتون العمل عليها أدى إلى انتفاضة مسلحة في “المناطق”، وكل جهود تحريك المسيرة السياسية فشلت وعمقت أزمة الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين.

سعى المحافظون الجدد في إدارة بوش لأحداث مسيرة تحول ديمقراطي في الشرق الأوسط. واصل الرئيس أوباما ذلك على خلفية أحداث الربيع العربي، وسعى لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران. وبعد إسقاط نظام صدام حسين انطلقت إيران كقوة إقليمية صاعدة؛ وأدت أحداث الربيع العربي إلى انعدام الاستقرار والهزات والحروب الأهلية، وانتشار عظيم لـ”داعش”، وعودة الحكام المطلقين إلى الحكم في غالبية دول المنطقة.

ماذا يقول بادين ورجاله عن مخططاتهم في الشرق الأوسط؟

على أساس برنامج الحزب الديمقراطي وتصريحات كبار المسؤولين الذين عينهم بايدن في حكومته، وأقواله ومقالاته نفسه، نرسم الخطوط الهيكلية التالية بالنسبة للشرق الأوسط.

ستنشأ سياسة الولايات المتحدة في المنطقة من مبادئ السياسة الخارجية الأوسع: إعادة بناء النظام الدولي الليبرالي – الديمقراطي، الذي بنته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية؛ وتعزيز الديمقراطية في أرجاء العالم “من هونغ حتى السودان، ومن تشيلي حتى لبنان”؛ والانتصار في المنافسة الدولية حيال الصين وروسيا.

رغم تعلقها المتقلص بالنفط في الشرق الأوسط، لا تزال للولايات المتحدة مصالح متواصلة في المنطقة، مثل: أمن إسرائيل، والتدفق الحر للطاقة، ومنع التحول النووي لإيران، والحرب ضد الإرهاب. كما تسعى الولايات المتحدة إلى مزيد من التوازن بين مستوى التزامها بالاستقرار والحرية والأمن في المنطقة وبين الغرق في المواجهات (التي لا يمكن الانتصار فيها) والتي تقضم من القوة الأمريكية.

إيران في سلم الأولويات، وتسعى الإدارة لاستئناف الدبلوماسية، وعدم التصعيد، وإلى حوار إقليمي مع طهران. إذا عادت إيران إلى الالتزام التام بالاتفاق النووي، ستنضم إليه الولايات المتحدة مجدداً، وسترفع العقوبات ضمناً. وبعد ذلك، ستدير الإدارة مع إيران مفاوضات على “تعزيز وتمديد المفعول” لبنود الاتفاق، وستواصل ممارسة عقوبات محددة ضدها على خرق حقوق الإنسان، ودعم الإرهاب وتطوير الصواريخ.

حيال دول الخليج سينفذ “إعادة بدء” و”إعادة فحص” للعلاقات. من جهة، ستواصل الولايات المتحدة ضمان أمنها في وجه التهديدات الإقليمية، ومن جهة أخرى لن تعطي “شيكاً مفتوحاً” لقمع حقوق الإنسان، ولخصومات داخلية وحروب “كارثية” عبر وسطاء (وعلى رأسها الحرب في اليمن).

ستعمل الولايات المتحدة على إحياء الديمقراطية في أرجاء المنطقة، بما في ذلك في مصر وتركيا، وستحرك جهداً دبلوماسياً لحل سياسي للأزمة السورية، والتقدم في إصلاح سياسي واقتصادي في لبنان.

ستعمل الإدارة على تقليص حجم القوات الأمريكية، وتنفيذ تغييرات في انتشارها تقلل المقدرات المستثمرة في المال وحياة الإنسان إلى مستوى مقبول، في صالح الدفاع عن العراق، وإيقاع الهزيمة بداعش، ومساعدة الأكراد.

وجود إسرائيل قوية في حدود آمنة هو مصلحة أمريكية، وإلى جانبها دولة فلسطينية قابلة للعيش. ستعارض الإدارة خطوات من طرف واحد مثل ضم وتوسيع المستوطنات، والتحريض والإرهاب. وستستأنف العلاقات الدبلوماسية (مكاتب م.ت.ف في واشنطن، قنصلية في شرقي القدس) والمساعدة الاقتصادية للسلطة ولغزة.

في عقدة التوترات

بين المثالية والواقعية – من جهة يصل بايدن إلى منصبه مع التزام معلن بأجندة وسلم قيم ليبرالي من الحرية والمساواة المدنية وبين الجنسين وحقوق الإنسان، من مدرسة التيار التقدمي المتعزز في الحزب الديمقراطي. من جهة أخرى، سبق لبايدن أن جرب “نتائج غير مخطط لها” لخطوات التحولات في الشرق الأوسط، التي تحفّظ على بعضها عندما كان نائب الرئيس. وإن من شأن أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تثير احتكاكاً حقيقياً بين الإدارة وحلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة وعلى رأسهم السعودية ومصر. وتشير تعيينات بايدن في مجال الأمن القومي (بلينكن، ساليبن) إلى أن الرئيس كفيل بأن يفضل الخط الواقعي في السياسة الخارجية الأمريكية.

بين جدول أعمال عالمي ومحلي – مثل إدارتي ترامب وأوباما قبله، المنافسة مع القوى العظمى الأخرى الصين وروسيا، والتي هي جزء من أجندة حفظ النظام العالمي الليبرالي، ستكون العنصر السائد في سياسة الخارجية الأمريكية. ولا يزال الشرق الأوسط هو إحدى المناطق التي تدور فيها هذه المنافسة. وقد تضطر إدارة بايدن إلى الاستثمار فيها وتبقي فيها وجوداً عسكرياً بل وتكون مستعدة لاستخدامها عند الحاجة كجزء من الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى. وذلك على نحو خاص في ضوء تجربة السنوات الماضية التي تدخل فيها روسيا إلى “الفراغ” في كل مكان تقلص فيه الولايات المتحدة تدخلها (سوريا، ليبيا، البحر المتوسط).

بين التقليص والتدخل والانجذاب – الشرق الأوسط في سلم أولويات ثانوي من ناحية إدارة بايدن بعد معالجة ملحة لـ “الأمراض” الاجتماعية – الاقتصادية الداخلية، والمنافسة مع القوى العظمى وترميم مكانة الولايات المتحدة في الساحة العالمية. وفي العقود الأخيرة، وبالذات عندما سعت الولايات المتحدة لتقليص وجودها في الشرق الأوسط، عادت لتجتذب إليه على خلفية أحداث 11 أيلول، والربيع العربي، وانتشار “داعش”.

في نظرة إلى الأمام يلوح التحول النووي الإيراني و”رفع رأس” محافل الإرهاب في الدول التي تقلص فيها الوجود الأمريكي، وعلى رأسها أفغانستان.

بين الدبلوماسية واستخدام الأدوات العسكرية – يعلن بايدن بأن الدبلوماسية ستكون الأداة المركزية في السياسة الخارجية الأمريكية. وقد يفهم بأن امتناع ترامب وأوباما عن استخدام القوة كلف الولايات المتحدة المس بمصداقيتها وقوتها. الشرق الأوسط يختبر سلوك بايدن لتشخيص الضعف، وقد يكتشف بأن الدبلوماسية وحدها، دون تهديد عسكري، لن تكفي لتحقيق الأهداف الأمريكية.

عقدة التوترات بين المصالح والقيم والأهداف في سياسة الإدارة الخارجية تنعكس في مسائل إقليمية ملموسة على جدول الأعمال.

إيران، وبايدن، إلى جانب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، هم من مهندسي الاتفاق النووي، ويؤمنون به ويسعون إلى العودة إليه. خطوة معناها رفع العقوبات. وفقدان رافعة العقوبات سيصعب على الإدارة تحقيق التزامها في تعديل مواضع خلل الاتفاق النووي. وهذا السلوك سيرفع إدارة بايدن إلى مسار احتكاك وتوتر مع حلفائها – الدول العربية وإسرائيل. وهذه سترى في العودة إلى الاتفاق مع رفع العقوبات والامتناع عن التهديد العسكري، خطوات تعزز مكانة إيران في المنطقة في ظل تجاهل سجل طهران في مجال الإرهاب وحقوق الإنسان.

اتفاق إبراهيم – يبدو أن استمرار ميل التطبيع يخدم مصالح الأطراف المشاركة، بما في ذلك السعودية الساعية لتقليص التوترات والاحتكاك مع الإدارة الوافدة. وستواصل إدارة بايدن الميل، ومعقول أيضاً ألا تسارع إلى الاستثمار في استئناف المسيرة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، التي تتدنى احتمالات نجاحها في هذه الظروف. وسيسعى بايدن إلى استعادة مكانة الولايات المتحدة كوسيط نزيه وإعادة حل الدولتين إلى الخطاب، وهو يتعرض لضغوطات في الموضوع الفلسطيني من الجناح اليساري في الحزب. وبالتالي، سيخلق صلات بين المراحل التالية للتطبيع وبين الالتزام العربي في السياق الفلسطيني، مثل اشتراط العلاقات بالامتناع عن خطوات من طرف واحد (المستوطنات؟).

بيع السلاح – وضعت مسيرة التطبيع مستوى عالياً من تورد السلاح الأمريكي المتطور للدول العربية. وستطلب السعودية وقطر ومصر ودول أخرى ما حصلت عليه الإمارات. وسيدخل بيع السلاح المليارات إلى الصندوق الأمريكي ويخلق آلاف أماكن العمل في فترة الانتعاش من الأزمة الاقتصادية. وبالمقابل، تعهدت إدارة بايدن بوضع حد للتدخل الأمريكي في حرب اليمن، تتماثل مع انتقاد الديمقراطيين للمس الواسع بالأبرياء وفي مواضيع حقوق الإنسان في دول الخليج، ملتزمة بالحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل. وفي ضوء الرفض الأمريكي لتزويد دول المنطقة بالسلاح المتقدم، قد تتوجه هذه إلى شرائه من روسيا مما يلزم بايدن قانونياً بفرض عقوبات عليها.

تركيا – وفقاً لتقديرات إدارة بايدن فإنها ستبدي خطاً حازماً أكثر تجاه أنقرة التي أصبحت لاعباً إشكالياً في الشرق الأوسط. وينتقد بايدن خطوات أردوغان المناهضة للديمقراطية وسياستها الإقليمية من حيث الخط الإسلامي المتطرف، وشراء منظومات S-400 من روسيا، واستعراض القوة في حوض البحر المتوسط، والمس بالأكراد في سوريا، وغيرها. وستسعى إدارته أيضاً إلى الامتناع عن الاحتكاك مع عضو في الناتو، وستحاول منع تقرب تركيا من روسيا التي وصفها بايدن نفسه كتهديد خطير.

إسرائيل وإدارة بايدن

ستضع إدارة بايدن استراتيجية وسياسة تجاه الشرق الأوسط، وسيضطر فيها إلى المناورة بين التوترات والمصالح المتضاربة والحذر من ألا تلتصق به صورة أوباما المتصالحة مع الأعداء والمغتربة عن الحلفاء. وسيختار بايدن خطاً وسطاً، فلن يتجاهل السلوك الإشكالي “للدكتاتوريين” كما فعل ترامب، ولكن سيضع أمامهم مطالب أقل من تلك التي وضعها أوباما.

قد تتخذ إدارة بايدن نهجاً واقعياً ولن يكون موضوع التحول الديمقراطي في المنطقة الوتد المركزي في سياسته. وستتأثر هذه بنهجه تجاه إيران التي يلوح كنقطة أرخميدس تحدد عمق التدخل الأمريكي وتصمم علاقاتها مع حلفائها في المنطقة.

وسيكون لموقف إسرائيل في هذا السياق وزن وتأثير على القرارات التي تتخذ والاتجاهات التي يتم اختيارها.

وفي هذا السياق، فإن خطوات أحادية الجانب من إسرائيل سيعتبرها بايدن تقييداً له، مما سيؤثر على قدرة إسرائيل في التأثير على عملية تصميم سياسته في الشرق الأوسط.

بقلم: أودي أفينتال

معهد السياسة والاستراتيجية IPS 4/1/2021

القدس العربي

—————————

الغارديان: ترامب يريد تقويض النظام الذي هزمه ويجب وقفه عند حده/ إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “الغارديان” افتتاحية علقت فيها على محاولات الرئيس دونالد ترامب تغيير النتائج الانتخابية والتحايل على الديمقراطية. وقالت إن الرئيس يحاول تقويض النظام الذي هزمه، و”في هذا الأسبوع سيقوم دونالد ترامب بدعم الزعم القائل إن الديمقراطي جوزيف بايدن لم يربح الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر. ويقتضي تسليم السلطة السلمي في الديمقراطية من المرشحين وأتباعهم الاعتراف بالهزيمة. ولكن الرئيس ترامب صنع جدلا للبقاء في السلطة وقلب نتائج انتخابات شرعية”.

وقالت إن المحاكم الأمريكية رمت مرارا وتكرارا حالات قدمها ترامب بدون أدلة، ولكن لم يمنع هذا المتواطئين مع الرئيس في الكونغرس. وقدم لهم نائب الرئيس مايك بنس دعما في محاولتهم يوم الأربعاء لتحدي انتصار بايدن وفرض نقاش بشأن التصويت في الكونغرس.

ويشير بعض الباحثين والمؤرخين إلى سابقة تاريخية تقدم فرصة ضئيلة ولكنها متلاشية باستمرار الكابوس. ولن يفوت ترامب أي فرصة لمناقشة وتحدي نتائج الانتخابات. ويجب إفشاله من أجل أمريكا ومصلحتها، ولأن البديل هو انهيار الأعراف السياسية واندلاع النزاع الأهلي. ويطالب ترامب الديماغوجي أتباعه بعدم احترام نتائج الانتخابات ورفض رئاسة جوزيف بايدن. وهناك مخاوف مشروعة من اندلاع الاحتجاجات، خاصة في ظل وجود مسلحين بين المشاركين. وربما استدعى ترامب الحرس الوطني أو أرسل العملاء الفدراليين للتعامل مع الوضع. وهذه فوضى يأمل من خلالها ترامب الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.

ويرفض ترامب الخسارة ولا يتحمل فكرة أنه هزم في انتخابات نزيهة. وعليه التخلي عن مزاعمه لكنه لا يرى سببا يقوده للاستسلام. ففي النهاية لم يعاقب على انتهاكاته للتقاليد والأدب والقانون بل وحصل بدلا من هذا على المكافأة. ويشعر أنه يستطيع الإفلات من العقاب ومن أي شيء. وما على الحزب الجمهوري إلا لوم نفسه واحتضانه الترامبية، وهي أيديولوجية طفيلية تهدد بالسيطرة على الضيف.

وتخلى ترامب عن حجة القوة واستبدلها بقوة الجدل في الانتخابات الأمريكية. وبمساعدة من منصات التواصل الاجتماعي قام الرئيس بتقسيم الناخب الأمريكي وبنى “جمهورية مضادة” على الإنترنت والتي أصبح فيها الغضب والخوف المحركيَن للمشاعر.

وفي هذا العالم أصبحت الولايات المتحدة تحت تأثير الليبرالية والاشتراكية. ويسوق ترامب معركته الخيالية على أنها ضرورة حتى لو تحايلت على الديمقراطية نفسها. وهو ما ساعده على تأطير رفض النتائج الانتخابية باعتبارها امتدادا لأساليب الجمهوريين المضادة للديمقراطية. وهذا هو بمثابة غش وقمع للأصوات من أجل ضبط وتحييد المعارضين السياسيين.

وقالت الصحيفة إن على الساسة في الولايات المتحدة التخلي عن فتنازيا ولاية ثانية لترامب. فالتشكيك بنتائج الانتخابات بدون أي دليل عن حدوث خطأ هو تهديد لفكرة الليبرالية الديمقراطية. وستجعل أمريكا أسيرة للأكاذيب في وقت تواجه فيه مشاكل واضحة. ولا أحد خارج فلك ترامب يعتقد أن واشنطن بحاجة إلى حفل تنصيب منافس في 20 كانون الثاني/يناير. وترامب لا يتبنى الفوضى للتعبير عن رفضه فقط، بل يحاول أيضا تقويض النظام الذي هزمه.

————————

واشنطن بوست: كادر ضخم من المتآمرين يساعدون ترامب في هجومه على الديمقراطية

إبراهيم درويش

لندن – “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للصحافية روث ماركوس قالت فيه إن دونالد ترامب بدأ رئاسته بمحاولة عرقلة العدالة وينهيها بمحاولة عرقلة الديمقراطية، مستعينا بكادر كبير لدرجة تثير القلق من المتآمرين.

وأشارت إلى أنه يتم تنفيذ بعض محاولات العرقلة هذه، كما يحدث غالبا مع ترامب، على مرأى من الجميع. فسلوك ترامب المناهض للديمقراطية صارخ ومتكرر لدرجة أننا اعتدنا على مدى كونه غير طبيعي وغير مقبول. وهكذا ادعى التزوير الجماعي دون دليل، وأطلق العنان لوابل من الدعاوى القضائية التي تفتقر إلى الحقائق والقانون لدعمه، وأثار مؤيديه للاشتراك في الوهم الجماعي بأن الانتخابات سُرقت منه.

وتضيف أن الأمور أسوأ وراء الكواليس، حيث يدفع مستشارو ترامب الأكثر جنونا الرئيس إلى السعي وراء احتمالات لا يمكن تصورها مثل إعلان الأحكام العرفية أو التذرع بقانون التمرد لإطلاق العنان للجيش لقمع العنف الذي سعى هو نفسه لإثارته.

ومن هنا فشعور وزراء الدفاع الـ 10 الأحياء بأنهم مضطرون للاجتماع معا في مقال رأي يدين أي استخدام للجيش في محاولة لمنع الانتقال السلمي للسلطة يبرز الخطر الحالي. وهؤلاء ليسوا مجرد معينين من الديمقراطيين – إنهم محافظون مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، والوزيرين اللذين عزلهما ترامب لعدم امتثالهما بشكل كاف، وهما جيمس ماتيس ومارك إسبر.

والآن، بفضل آمي غاردنر من صحيفة “واشنطن بوست” لدينا لمحة تقشعر لها الأبدان عن أسلوب لي الأذرع الذي انتهجه ترامب أثناء جنونه للتشبث بالسلطة. فقد حصلت غاردنر على تسجيل لمكالمة هاتفية أجراها ترامب يوم السبت مع سكرتير ولاية جورجيا براد رافنسبيرجر، وهو جمهوري، يحث رافنسبيرجر ويهدده في النهاية لإعادة النظر في استنتاجه المتكرر بأن جو بايدن فاز بالولاية.

قال ترامب لرافنسبيرجر: “لقد فزنا في الانتخابات، وليس من العدل أن تسلب منا بهذا الشكل.. وأعتقد أنه عليك أن تقول إنك ستعيد التدقيق، ويمكنك إعادة التدقيق، ولكن أعد التدقيق مع الأشخاص الذين يرغبون في العثور على إجابات، وليس الأشخاص الذين لا يريدون العثور على إجابات”. يعني إجابات ترضي ترامب.

وتقول الكاتبة إن ولاية جورجيا قامت بفرز أصواتها 3 مرات، مرة منها يدويا، لكن ترامب قال لرافنسبيرجر: “لا حرج في القول، كما تعلمون، أنك قد أعدت الحساب”. وحذر من أن رافنسبيرجر وكبير محاميه يواجهان “مخاطرة كبيرة” بالمسؤولية الجنائية من خلال عدم العثور على تزوير الانتخابات.

وأضافت أن ترامب هو نفسه الرجل الذي قاد لتحقيق المحقق الخاص وحث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) على “التعامل بلطف” مع مستشاره للأمن القومي السابق. كما أنه هو الرجل الذي أثار إجراءات توجيه الكونغرس تهما له من خلال الطلب من زعيم أجنبي لمساعدته في تشويه سمعة بايدن – هذا الرجل لن يتعلم أبدا.

وتقول: “حقا، ما الذي يجعله يفعل؟ لا توجد عواقب حقيقية”.

وهو ما يقودنا إلى المتآمرين المشاركين مع ترامب.

نائب الرئيس بنس، الملتزم دستوريا برئاسة الجلسة المشتركة للكونغرس للتصديق على فوز بايدن بالهيئة الانتخابية. وأصدر مارك شورت، كبير موظفي بنس، بيانا مساء السبت قال فيه إن بنس “يرحب” بجهود الكونغرس “لرفع الاعتراضات وتقديم الأدلة” في الجلسة. لكن من المفترض أن ينظر الكونغرس في شرعية الناخبين، وليس التحقيق في قضايا الاحتيال، والتي لم يتم تقديمها على أي حال.

والعشرات أو أكثر من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الحاليين والقادمين، الذين يحولون ما ينبغي أن يكون حدثا شكليا إلى سيرك دستوري. ويمكن للسيناتور جوش هاولي من ميسوري عند دفاعه عن تحركه للاعتراض على المصادقة أن يستحضر استخدام ولاية بنسلفانيا بطاقات الاقتراع عبر البريد بينما يتطلب دستور الولاية “الإدلاء بجميع الأصوات شخصيا، مع استثناءات قليلة”. أقر المجلس التشريعي للولاية قانونا يسمح بالتصويت عبر البريد بدون عذر. ورفضت المحكمة العليا في بنسلفانيا، دون الخوض في الوقائع، الطعن في القانون.

وقال هاولي وهو الرجل الذي يسمي نفسه “محاميا دستوريا” ومحافظا: “هذه مخالفات خطيرة للغاية، على نطاق واسع للغاية، في الانتخابات الرئاسية” وفي نظامنا الفيدرالي، يعود ما يحدث في ولاية بنسلفانيا إلى ولاية بنسلفانيا. ولكن الهيئة التشريعية تصرفت ورفضت المحكمة الطعن وأكدت الولاية فوز بايدن. لم يقدم هاولي أي دليل على التزوير. ما الذي يجادل به الآن، هل يجب إبطال أصوات أكثر من 2.5 مليون من سكان بنسلفانيا؟”.

وهناك السيناتور تيد كروز من تكساس، الذي يقوم مع 10 من زملائه، لتشكيل لجنة تجري تدقيقا طارئا خلال عشرة أيام في نتائج الانتخابات، مرة أخرى، دون أي دليل يبرر مثل هذه الخطوة في اللحظة الأخيرة.

بدلا من ذلك، يستخدم كروز، مثل هاولي، مخاوف الناخبين ذاتها التي رعاها ترامب بعناية وأثارها حلفاؤه لتبرير الحاجة إلى تدخل استثنائي. وفي حديثه إلى ماريا بارتيرومو من قناة فوكس نيوز، أشار كروز إلى “مزاعم غير مسبوقة بتزوير الأصوات” – وهي مزاعم صادرة عن ترامب وحلفائه – قال إنها “أنتجت شكوكا عميقة جدا في عمليتنا الديمقراطية في جميع أنحاء البلاد”. و”هذا هو المخرب الذي يستدعي إدارة الإطفاء لإخماد الحريق الذي أشعله”.

وقال كروز محاضرا: “أعتقد أننا في الكونغرس لدينا التزام للقيام بشيء حيال ذلك.. لدينا التزام بحماية سلامة النظام الديمقراطي”.

وتختم الكاتبة مقالتها برجاء إلى كروز: “أرجوك، لم يقم أي شخص خلال الأشهر الماضية بتقويض سلامة النظام الديمقراطي أكثر من ترامب وداعميه. وإذا كان كروز قلقا بالفعل بشأن نزاهة النظام الديمقراطي، فيمكنه أن يبدأ بالرئيس”.

———————-

أمريكا تحبس أنفاسها على وقع انتخابات ولاية جورجيا

أتلانتا: بعد حملة استثنائية شارك فيها حتى دونالد ترامب وجو بايدن، يتوجّه سكان جورجيا إلى صناديق الاقتراع الثلاثاء لاختيار عضوي الولاية في مجلس الشيوخ، في انتخابات فرعية سيكون لها تأثير حاسم على ولاية الرئيس الديموقراطي الجديد.

وسيتمكن الناخبون من التصويت بدءا من الساعة 07,00 بالتوقيت المحلي (12,00 ت غ) في هذه الولاية الواقعة في الجنوب الأمريكي. ومن المتوقع أن تكون النتائج متقاربة وقد لا تعرف بشكل نهائي قبل أيام.

تم إنفاق حوالي 500 مليون دولار في هذه الحملة الانتخابية، كما أن الرئيس المنتخب والرئيس المنتهية ولايته، توجها إلى الولاية لدعم مرشحي حزبيهما.

إذا تمكن المرشحان الديموقراطيان جون أوسوف ورافاييل وارنوك من هزم السناتورين الجمهوريين ديفيد بيردو وكيلي لوفلير، فسيكون مجلس الشيوخ الجديد تحت سيطرة الديموقراطيين.

وبالتالي، عند وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير، سيتمكن من الاعتماد على كونغرس ديموقراطي بالكامل لإنجاز برنامجه.

وأعلن بايدن الاثنين خلال تجمع انتخابي في أتلانتا: “هذه الولاية لوحدها يمكنها أن تغير المسار، ليس فقط للسنوات الأربع المقبلة بل للجيل القادم”.

ويثير هذا الاحتمال مخاوف كبرى لدى الجمهوريين الذين لوّحوا بقيام حكومة “راديكالية” و”اشتراكية” حتى الساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية التي اختتمت بإقامة مهرجان انتخابي حاشد لدونالد ترامب.

وقال الرئيس الجمهوري الذي ما زال يرفض الاعتراف بهزيمته بعد أكثر من شهرين على الانتخابات، مخاطبا مؤيديه، إن هذه الانتخابات الفرعية قد تكون “فرصتكم الأخيرة لإنقاذ أمريكا كما نحبها”.

ورغم الضغوط التي يمارسها ترامب وسخطه المستمر، يؤكد المسؤولون الجمهوريون في جورجيا أن فوز جو بايدن مثبت.

لكن في دالتون، المعقل الريفي والمحافظ في شمال غرب جورجيا، قال أنصار ترامب الذين قدموا لرؤيته مساء الاثنين إنهم مقتنعون بأنه فاز بالرئاسة ونددوا بعمليات تزوير واسعة النطاق لم يتم التحقق منها.

غير أن هذه المزاعم لن تمنعهم من التصويت الثلاثاء للسناتورين الجمهوريين، معتبرين أن التحديات جدية للغاية.

وقالت كيمبرلي هوري وهي محاسبة تبلغ من العمر 50 عاما جاءت من أتلانتا لرؤية دونالد ترامب: “جئت لأنني أؤمن بالحرية ولا أؤمن بالاشتراكية”.

ويخوض عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريان الانتخابات من موقع الأوفر حظا نظريا في هذه الولاية المحافظة.

ولو أنه لم يفز بالجولة الأولى، فقد حقق ديفيد بيردو نسبة أصوات قريبة من 50 في المئة ضد جون أوسوف. أما كيلي لوفلير فيمكن أن تستفيد من تجيير كبير للأصوات من منافس جمهوري قسم الدعم في الجولة الأولى ضد رافاييل وارنوك الذي حل أولا.

نتائج متقاربة

لكن الديموقراطيين يأملون في فوز مدفوع بانتصار جو بايدن في هذه الولاية في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، في سابقة منذ عام 1992.

وهم يأملون خصوصا بحشد كبير للناخبين السود، وهو أمر أساسي لفوز المرشحين الديموقراطيين. ويمكن أيضا أن يمتنع الجمهوريون المعتدلون أو الناخبون المستقلون عن التصويت بسبب كل هذه الاتهامات بالتزوير.

صوّت أكثر من ثلاثة ملايين ناخب من أصل ما يقرب سبعة ملايين ناخب مسجل مبكرا، وهو رقم قياسي لانتخابات فرعية لعضوية مجلس الشيوخ في جورجيا. وإذا كانت عمليات التصويت هذه تشير إلى تعبئة أكبر للديموقراطيين، فينبغي للجمهوريين التصويت بكثرة يوم الثلاثاء.

ومن الصعب بالتالي التكهن بنتيجة هذا السباق، ولا سيما في ظل استطلاعات نادرة تظهر أن النتائج متقاربة.

وعقب هذه الانتخابات الفرعية، سيجتمع الكونغرس لتسجيل تصويت الناخبين رسميا لصالح جو بايدن (306 مقابل 232 من أصوات كبار الناخبين).

وإن كانت نتيجة هذا الإجراء الدستوري الذي عادة ما يكون مسألة شكلية بسيطة، ليست موضع شك، إلا حملة دونالد ترامب سعيا لإبطال نتائج الانتخابات تضفي على هذا اليوم طابعا خاصا.

ورغم اعتراف بعض الشخصيات الجمهورية البارزة ومن بينها زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أخيرا بفوز جو بايدن، فما زال بإمكان ترامب الاعتماد على الدعم الراسخ لعشرات البرلمانيين.

في مجلس النواب كما في مجلس الشيوخ، وعد هؤلاء بالتعبير عن اعتراضاتهم الأربعاء، وإعادة طرح مزاعم التزوير داخل مبنى الكابيتول.

ووجه ترامب تحذيرا مبطنا إلى نائبه مايك بنس الذي يقع على عاتقه إعلان جو بايدن فائزا في الرئاسة الأمريكية.

وقال: “آمل ألا يخيب نائب رئيسنا العظيم آمالنا”. مضيفا: “إذا خيب آمالنا، فسأحبه بقدر أقل”.

في الشارع، يتم التخطيط لتظاهرة كبيرة لدعم ترامب في واشنطن.

(أ ف ب)

—————————–

====================

تحديث 06 كانون الثاني 2021

————————

هل تصبح تركيا حائط الدفاع عن الناتو ضد توسع الصين وروسيا أم تتقارب معهما؟ الإجابة عند بايدن

العلاقات بين تركيا وأمريكا واحدة من القضايا التي سيكون موقف الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن منها فارقاً، وقد تؤدي استجابته لتحديد شكل العلاقة بين البلدين لسنوات قادمة.

فرغم أن إدارة ترامب قوَّضت بشدة معالم التعاون الثنائي القائم منذ زمن بين أنقرة وواشنطن، من خلال فرض عقوبات على تركيا قبيل رحيله، من بين إجراءات أخرى، بيد أنَّ التعاون مع تركيا لا يزال يمثل أهمية كبيرة، وقد يكون ركيزة للاستقرار، ويدعم المصالح الأمريكية في المنطقة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

العلاقات بين تركيا وأمريكا تحوي مصالح مشتركة أكثر مما يبدو

وعلى الرغم من أنَّ تركيا اتبعت سياسة أكثر حزماً في السنوات الأخيرة تحت قيادة أردوغان، فالواقع أن نطاق مشاركتها كان محدوداً ويهدف بدرجة كبيرة إلى تحسين موقف تركيا ونفوذها في النزاعات والخلافات القائمة، بدلاً من خلق نزاعات جديدة، أو حل القضايا العالقة.

والحقيقة أنَّ تركيا وأمريكا لهما مصالح مشتركة في المنطقة، ويمكن أن تكون أنقرة تحديداً شريكاً قيّماً لبايدن نتيجة لسبيين:

أولاً، بينما تتطلع الإدارة القادمة إلى استعادة الاتفاق النووي مع إيران، ستحتاج الولايات المتحدة إلى كل الدعم الذي يمكنها حشده.

وفي ضوء المعارضة المحتملة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، فإنَّ تحسين العلاقة بين تركيا وأمريكا مما يؤدي إلى حشد دعم أنقرة للتفاهم الأمريكي الإيراني المحتمل تركيا سيكون أمراً بالغ الأهمية.

وبصفتها جارة لإيران، تسعى تركيا إلى الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع طهران وتعزيزها، وهو حافز قوي في حد ذاته لتركيا لدعم مثل هذه الصفقة.

ثانياً، تتطلب أية منافسة أمريكية محتملة مع الصين أو روسيا إبعاد تركيا عن علاقاتها المتنامية مع كلا البلدين.

العلاقة التركية مع روسيا مازالت معقدة.. فكيف ستستفيد منها أمريكا؟

تمثل صفقة الصواريح الروسية أس 400 ذروة الأزمة في العلاقات بين تركيا وأمريكا، والتي وصلت إلى فرض عقوبات على رئاسة مشتريات الدفاع التركية.

وتتجاهل الانتقادات الغربية لصفقة شراء تركيا لصواريخ إس 400 الروسية حقيقة أن الغرب عزف لسنوات عن تزويد أنقرة بنظام دفاع جوي ملائم بل سحبت دول الناتو صواريخ باتريوت الخاصة بها من الأراضي التركية خلال التوترات بين تركيا وروسيا بسبب اختراق طائرات الأخيرة للمجال الجوي التركي، وهي التوترات التي وصلت أوجها بإسقاط تركيا لطائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وقد اعترف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بنفسه بأن سلفه الرئيس باراك أوباما هو السبب في الأزمة بين تركيا وأمريكا بسبب رفضه تزويد أنقرة بصواريخ باتريوت.

العلاقات بين تركيا وأمريكا

وعلى الرغم من الخطاب القوي المناهض للولايات المتحدة والغرب الذي استخدمه أردوغان باستمرار، لا يزال أمام علاقات تركيا مع روسيا والصين الكثير لتصل إلى مستوى علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، والأهم من ذلك أنها تفتقر إلى المكونات الاستراتيجية العميقة.

على سبيل المثال، تعد تفاعلات تركيا المتزايدة مع روسيا بشأن سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ جزءاً من سلسلة من التعاملات المتبادلة؛ مما يعكس عدم الثقة طويل الأمد بين روسيا وتركيا.

إلى جانب ذلك، قد يخدم بحث تركيا عن استقلال أكبر في السياسة الخارجية المصالح الأمريكية في الحد من النفوذ الإقليمي الروسي.

تركيا مع الصين.. علاقة تعترضها أزمة الإيغور

وبالمثل، فشلت إيماءات تركيا تجاه الصين، إلى حد كبير في جذب مقابل في صورة استثمارات مالية كبيرة جديدة من بكين، التي يحتاجها اقتصاد تركيا بشدة.

وتركيا هي الدولة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة التي أدانت حتى الآن علناً معاملة الإيغور في الصين، واعتبرت وزارة الخارجية التركية بداية 2019 أنها تمثل “عاراً على الإنسانية”. لكن أنقرة خففت نقدها للصين لاحقاً.

هذه العلاقة المركبة بين تركيا من جهة والصين وروسيا من جهة، تتوقف على موقف الغرب من تركيا بالأساس.

يمكن أن تعزز أنقرة علاقتها مع موسكو وبكين، إذا واصل الغرب مواقفه السلبية تجاهها.

ولكن في المقابل، تركيا في وضع جيد يسمح لها بردع توسع روسيا والصين في الشرق الأوسط

وإلى جانب مصالحهما الجيوسياسية المتبادلة، يمكن لعلاقة ثنائية أوثق بين واشنطن وأنقرة تسهيل نوايا بايدن الصريحة لإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية في الخارج في تناقضٍ حاد مع ازدراء إدارة ترامب المنتهية ولايتها لمثل هذه الجهود.

وعلى الرغم من التغييرات التي حدثت في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، لا يزال النظام السياسي التركي يتسم بعناصر أساسية مثل المعارضة القوية، والالتزام بالسياسة الديمقراطية، والالتزام الخطابي بالتعددية.

وفي حين أنَّ الوضع الراهن ليس مثالياً، هناك مجال لواشنطن لحث تركيا في ما يتعلق بوضع الأقليات العرقية والدينية، وحرية الصحافة، وحقوق المرأة، حسبما يقول الموقع الأمريكي.

موقف أنقرة الحازم يمكن أن يكون أساساً لتحرك الناتو القادم

والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان يمكن إقناع أردوغان نفسه بالتحرك نحو التقارب مع الولايات المتحدة.

وهناك الكثير مما يمكن كسبه من ذلك. وكما هو مذكور أعلاه، يمكن أن يعمل الموقف الإقليمي الأكثر حزماً لتركيا، لا سيما داخل حلف الناتو، بوضوح لصالح واشنطن في مستهل عصر من “القوى العظمى المتنافسة” على حد وصف تقرير “الناتو 2030: متحدون لعصر جديد” الذي نُشِر مؤخراً.

لكن المكاسب الاقتصادية المحتملة من علاقة أمريكية-تركية مُحسَّنة قد تكون بنفس الأهمية على أقل تقدير، أو أكثر أهمية.

وقد أدت سنوات من السياسات الخارجية المستقلة التي اغضبت الغرب وعدم الاستقرار الإقليمي والشكوك حول التوجه الاستراتيجي لتركيا إلى مشكلات في اقتصادها المزدهر، وتحديات كبيرة في تأمين التمويل الخارجي المهم، على الرغم من جهود الحكومة للتغلب عليها من خلال جذب الاستثمارات الخليجية والصينية.

وعانت الليرة التركية من خسائر كبيرة في عام 2020، ولكنها اختتمت العام بتسجيل ارتفاع لافت، جعلها العملة الرئيسية الأكثر ارتفاعاً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بعد استبدال وزير اقتصاد ومحافظ البنك المركزي وقيامها بتخفيض سعر الفائدة.

المفارقة أن سياسات التيسير النقدي وخفض الفائدة التي انتقدها البعض أدت إلى تحقيق تركيا ثاني أعلى نمو اقتصادي في مجموعة العشرين بعد الصين، ولكن على حساب استقرار العملة والتضخم.

لكن الشكوك السياسية المحلية أسهمت أيضاً بدرجة مهمة في خلق المصاعب الاقتصادية لتركيا، وفي هذا المجال قد تكون إدارة بايدن، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، قادرة على إقناع أردوغان بالعودة إلى علاقة أوثق مع الغرب.

وبلا شك، يتمتع أردوغان أيضاً بنفوذ، خاصة في ضوء مبادرات تركيا الإقليمية الأخيرة.

وإذا تُرِكَت أنقرة خارج سياسة واشنطن في الشرق الأوسط بعد ترامب، فإن تركيا يمكن أن تمثل مشكلة للغرب.

فقد أظهر أردوغان مراراً وتكراراً قدرته على استخدام الخطاب المعادي لأمريكا وإسرائيل في تشكيل الرأي العام محلياً وإقليمياً. ببساطة، يمكن لإدارة بايدن تعزيز الدعم العام الإقليمي من خلال تأمين تأييد تركيا والتعاون المشترك بين الجانبين.

وقد تبدو العودة إلى الماضي غير مُجدِية ولا مرغوبة لكلا البلدين. لذا بدلاً من ذلك، يمكن للولايات المتحدة وتركيا اختيار التعاون لتحقيق المصالح المشتركة في اتفاق نووي جديد مع إيران والحد من النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.

وبالرغم من الاضطرابات الأخيرة في العلاقة، يمكن لإدارة بايدن تجنب مزيد من الخلاف مع تركيا نتيجة استبعادها من رؤيتها للشرق الأوسط الكبير، أو فرض عقوبات عليها في إطارها.

عربي بوست

—————————–

ترامب يصعّد ويزيد الأفخاخ أمام بايدن والحسم… غداً/ هشام ملحم

نقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس المنتخب جوزف بايدن معركتهما الانتخابية يوم أمس الاثنين الى ولاية جورجيا الجنوبية التي فاز بها بايدن، وهو فوز لا يزال ترامب يرفضه ويسعى الى تقويضه. الذهاب الى جورجيا هو محاولة أخيرة للتأثير في الانتخابات الفرعية لاختيار عضوين لمجلس الشيوخ عن الولاية المحورية التي ستقرر اليوم الثلثاء، ليس فقط أي حزب سوف يسيطر على مجلس الشيوخ على الأقل للسنتين المقبلتين، ولكن ايضاً ما اذا كان الرئيس المنتخب بايدن سيكون قادراً على تمرير مشاريعه وسياساته في المجلس. وإضافة الى ترامب وبايدن زار الولاية أيضاً نائب الرئيس مايك بينس، ونائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس. ووصلت تكلفة المعركة على المقعدين الى أكثر من 830 مليون دولار، وهو مبلغ مذهل.

انتخابات جورجيا الفرعية سوف تحدث عشية يوم غدٍ الأربعاء المرجح لأن يكون اليوم الأخير والأهم منذ انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين بدأ الرئيس ترامب هجومه المستمر على النظام الانتخابي الديموقراطي لتقويض فوز بايدن عبر التشكيك بنتائج الانتخابات واتّهام الديموقراطيين بممارسة الغش والتزوير. وسوف يجتمع مجلسا النواب والشيوخ في جلسة مشتركة يديرها نائب الرئيس لعد أصوات المجمع الانتخابي للمرة الأخيرة والتصديق عليها، في آخر خطوة في عملية انتخاب الرئيس الطويلة.

وفي مهرجان انتخابي مساء أمس الاثنين في شمال الولاية لم يتورّع ترامب عن الضغط علناً على نائبه بنس ليتلاعب بنتائج الانتخابات قائلاً: “علّيّ أن أقول لكم، أني آمل بأن يساعدنا نائب الرئيس العظيم…”، من دون أن يحدد بالضبط ما يتوقعه من بينس. وتابع في تهديد مبطن، “لأنه اذا لم يساعدنا، فإنني لن أبقى معجباً به”. وعاد ترامب الى الثناء على بينس “الرائع” و”الذكي” الذي “عليه أن يتعامل مع الموضوع بطريقة واضحة”. وبعكس ادّعاءات ترامب، دور نائب الرئيس هو إجرائي محض، وكل ما عليه أن يقوم به هو قراءة أرقام أعضاء المجمع الانتخابي عن كل ولاية، وتسجيل أي اعتراضات يمكن أن يتقدم بها أعضاء الكونغرس، والتي يقوم كل مجلس لاحقاً بالتصويت عليها. كما واصل ترامب هجماته ضد حاكم ولاية جورجيا الجمهوري برايان كيمب، الذي رفض كما غيره من المسؤولين الجمهوريين في الولاية الرضوخ لضغوط ترامب لقلب نتائج الانتخابات لصالح الرئيس. وقال ترامب للحضور إنه سيعود الى الولاية في عام 2022 لمساعدة خصم كيمب في الانتخابات.

وكان الرئيس المنتخب بايدن قد سبق ترامب الى جورجيا بساعات لمساعدة المرشحين الديموقراطيين في مهرجان انتخابي. وأشار بايدن ضمناً الى مكالمة ترامب الهاتفية حين قال: “معارضونا يدركون الآن أن السلطة تعطى من الشعب” مشدداً على أن السياسيين لا يستطيعون “الاستيلاء على السلطة”. وخاطب بايدن الحضور قائلاً: “السلطة حرفياً في أيديكم، ومن خلال انتخابكم لجون أوسوف والقس رافايل وورنوك تستطيعون أن تكسروا الجمود المسيطر على واشنطن”. وكان بايدن بذلك يشير الى أن انتخاب المرشحين الديموقراطيين، سوف يخلق تعادلاً في الأصوات في المجلس، “خمسون ديموقراطي في مقابل خمسين جمهوري”، وكسر هذا التعادل يتم عادة من خلال مشاركة نائب الرئيس بالتصويت.

زيارات ترامب وبايدن لجورجيا جاءت عقب تطورات سياسية وانتخابية هزت الأوساط السياسية في واشنطن، وكان أبرزها مكالمة هاتفية أجراها الرئيس ترامب مع سكرتير ولاية جورجيا، براد رافينزبيرغر يوم السبت الماضي، وكانت المكالمة الرقم 18 قبل أن يقبل سكرتير الولاية أن يتحدث مع الرئيس. استخدم ترامب في شكل فظ أساليب الترهيب والترغيب لإقناع رافينزبيرغر بالتلاعب بنتائج الانتخابات وإعلانه الفائز بالولاية. صحيفة “الواشنطن بوست” حصلت على التسجيل الصوتي وبثته ونشرت نص الحوار يوم الأحد الماضي. المكالمة كانت محاولة سافرة من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته لإقناع مسؤول انتخابي محلي بتغيير نتائج الانتخابات والتلاعب بالأرقام لقلب النتائج على رأسها واعلان ترامب الفائز في الولاية. ترامب كان “يتبضع” بضعة آلاف صوت. وصعق ملايين الأميركيين وهم يستمعون لصوت الرئيس وهو يقول: “كل ما أريده هو أن تفعلوا التالي، كل ما أريده هو أن تعثروا على 11780 صوتاً” لضمان فوزه قبل أن يعقب بعد نفاد صبره ما يمكن ترجمته للعامية العربية” خلصّوني بقا” Give me a break. وقال العديد من الحقوقيين إن ترامب قد انتهك قوانين فدرالية وأيضاً قوانين ولاية جورجيا عندما حاول استغلال منصبه للضغط بشأن تغيير نتائج الانتخابات. وقال الصحافي الاستقصائي المخضرم كارل بيرنستين الذي كشف مع زميله بوب وودوورد عن فضيحة ووترغيت التي أدت الى استقالة الرئيس ريتشارد نيكسيون في 1974، إن مكالمة ترامب تبين أن انتهاكاته هي أسوأ من انتهاكات نيكسون خلال فضيحة ووترغيت.

وتميز يوم الأحد الماضي أيضاً بقيام جميع وزراء الدفاع الأميركيين السابقين الأحياء وعددهم عشرة، بنشر رسالة غير مسبوقة حذروا فيها المسؤولين السياسيين والعسكريين في وزارة الدفاع من تنفيذ أي أوامر سياسية يصدرها ترامب وتهدف الى تعديل نتائج الانتخابات او لتحقيق أي هدف سياسي داخلي. وجاء في الرسالة التي نشرتها صحيفة “الواشنطن بوست”: “الجهود الرامية الى توريط القوات المسلحة لحسم الخلافات الانتخابية سوف تأخذنا الى مجالات خطيرة وغير قانونية ومخالفة للدستور. المسؤولون المدنيون والعسكريون الذين يأمرون او ينفذون مثل هذه الإجراءات سوف تتم محاسبتهم، بما في ذلك مواجهة الأحكام الجنائية بسبب النتائج الخطيرة لإجراءاتهم على جمهوريتنا”. اللافت أن فكرة صياغة الرسالة جاءت من ديك تشيني نائب الرئيس السابق جورج بوش الابن. ووقع الرسالة كل من الوزيرين السابقين جيمس ماتيس ومارك أسبر اللذين خدما في حكومة ترامب، اضافة الى ليون بانيتا ووليام بيري الديموقراطيين وروبرت غيتس ووليام رامسفيلد الجمهوريين وغيرهم.

ولكن اليوم المفصلي الذي ستتركز عليه أنظار الملايين من الأميركيين فهو يوم غد الأربعاء حين ينعقد مجلسا الكونغرس في جلسة واحدة للتصديق على انتخابات المجمع الانتخابي. عادة، هذا الاجراء، مثل عدّ اصوات المجمع الانتخابي الذي جرى في الرابع عشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هو اجراء لا يحظى باهتمام الأميركيين، وتذكره وسائل الإعلام في شكل عابر. ولكن المقاومة التي يشنها ترامب وأنصاره ضد الرئيس المنتخب ونزاهة النظام الانتخابي، دفعت بعدد من المشرّعين الجمهوريين للإعلان مسبقاً عن أنهم سوف يحتجون ويرفضون الاعتراف بشرعية النتائج. وأعلن السناتور الجمهوري جوشوا هاولي الذي لديه طموحات رئاسية، انه سيتحدى نتائج الانتخابات في ولاية بنسلفانيا. ولحقه السناتور تيد كروز، المرشح الرئاسي السابق والمتوقع في 2024 الى تعبئة 10 أعضاء في مجلس الشيوخ أعلنوا انهم سيرفضون التصديق على النتائج وسوف يطالبون بلجنة تحقيق بأي شوائب او انتهاكات في الانتخابات تنهي أعمالها خلال 10 أيام. وأعلن أكثر من مئة عضو جمهوري في مجلس النواب أنهم سيعترضون على نتائج الانتخابات. الممانعون هؤلاء يريدون تسجيل مواقفهم، وإحراج الرئيس المنتخب بايدن، وهم يعتقدون أنهم بحاجة الى تأييد القاعدة الانتخابية المتحمسة لترامب في معاركهم الانتخابية المقبلة، كما يدركون أنهم لا يملكون الأكثرية في المجلسين لتغيير أي شيء.

هذه المعارضة الجمهورية اعتبرت بمثابة حالة تمرد ضد زعيم الأغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال، الذي حض الأعضاء في السابق لأن يتفادوا تحدي نتائج الانتخابات، خصوصاً أنه هنأ في خطاب في قاعة المجلس الرئيس المنتخب بايدن بعد فوزه بأكثرية أصوات المجمع الانتخابي في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي. المعارضة الجمهورية التي تريد التشكيك بشرعية انتخاب بايدن، ساهمت في خلق معارضة مضادة من قبل أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ من أبرزهم السناتور مت رومني المرشح الرئاسي السابق عن الحزب الجمهوري، من الذين وجهوا انتقادات قاسية للمشككين بنتائج الانتخابات واتهموهم بانتهاك الدستور والأعراف وخدمة أهواء وطموحات الرئيس ترامب الشخصية والتغاضي عن انتهاكاته السافرة، وإلحاق الأضرار بالمؤسسات الديموقراطية الأميركية وبسمعة البلاد في العالم. وهذه هي المرة الأولى منذ سنوات عديدة يحدث فيها مثل هذا الاقتتال الجمهوري الداخلي علناً، ما دعا ببعض المعلقين لوصف هذه المناوشات بأنها “حرب أهلية” بين الجمهوريين تسبب بها الرئيس ترامب الذي يحاول البقاء في السلطة عبر أي وسيلة ممكنة.

خلال تاريخ الرئاسة الأميركية أخفق عشرة رؤساء “من بين 45 رئيساً، وآخرهم ترامب” في التجديد لأنفسهم لولاية ثانية. وعلى الرغم من استيائهم من النتائج، إلا أنهم احترموا نزاهة العملية الانتقالية والانتقال السلمي للسلطة من رئيس الى آخر. وحده دونالد ترامب لا يزال يمانع ويقاوم الاعتراف بشرعية انتخاب خلفه ويحاول كل ما في وسعه لقلب نتائج الانتخابات في محاولة انقلابية يقوم بها في وضح النهار ومن دون أي مبالاة بالقوانين والأعراف.

لا يزال أمام الرئيس ترامب 15 يوماً في السلطة، ومع مرور كل يوم تزداد مشاعر الخوف والقلق في الأوساط السياسية مما يمكن أن يقوم به الرئيس داخلياً وخارجياً للبقاء في السلطة، أو على الأقل نصب الألغام في طريق بايدن لإضعافه، وتفريغ المؤسسات الأميركية من مضمونها الديموقراطي.

النهار العربي

—————————-

=========================

تحديث 07 كانون الثاني 2021

——————————

النهاية المأساوية لـ”أعظم ولاية في تاريخ الرئاسة الأميركية” / هلا نصرالدين

أيام تفصلنا عن استلام الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن سدّة الرئاسة الأميركيّة، فهل تشهد واشنطن أعمال عنف أسوة بمشاهد متنوّعة رأيناها العام الفائت في ولايات عدة؟

نعم، الكونغرس الأميركي تعرّض لاجتياح… إحدى أهم المؤسسات في أهم دولة في العالم تمّ التعدّي عليها من قبل أنصار الرئيس “السابق” دونالد ترامب… نعم “السابق”… الكلمة التي يرفض ترامب الاعتراف بها وتقبّلها. الكلمة التي أودت بحياة 4 أشخاص في مشهد غير مسبوق على أميركا.

فإلى كلّ من كان يسأل في تشرين الثاني/ نوفمبر، لماذا هذا الاهتمام “المبالغ به” بالانتخابات الأميركيّة ونتائجها، ها هو الجواب يتجلّى أمامكم في أقبح صورة… صورة الديموقراطيّة الهشّة التي كان بإمكان ولاية 4 سنوات لرئيس أقلّ ما يقال عنه إنه “غير متوازن” أن تهزّها وتهدّد وجودها… الديموقراطيّة التي سعت الولايات المتّحدة الأميركيّة طويلاً إلى تكريسها في قوانين الدولة ومؤسساتها وسياساتها الداخليّة… ها هي اليوم تقف مكسورة على أعتاب الكونغرس الأميركي. هل أُنقذ الكونغرس؟ نعم أُنقذ ماديّاً وشكليّاً الّا أنّ الانتهاك الذي تعرّض له نكسة كبيرة للديموقراطيّة الأميركيّة، قد تكون الأكبر في العهد الحديث.

“مثل الكثير من الأميركيين، أشعر بالصدمة والحزن لأن دولتنا التي لطالما كانت منارة الضوء والأمل للديموقراطية قد وصلت إلى مثل هذه اللحظة المظلمة”. قال الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن.

يضاف ترامب اليوم إلى لائحة الرؤساء الذين سفكوا دماء شعوبهم. هو سيذهب، لكن الترامبيّة السياسيّة والأمنيّة باقية وتتكرّس في كلّ رئيس ينتهك الديموقراطيّة ويتشبّث بالسلطة غير آبه بدماء شعبه وبوجع أهالي وعائلات الضحايا. ولكن لحسن الحظّ الديموقراطيّة وحكم القانون استعادا زمام الأمور وبسطا سيطرتهما بحيث تمّ القبض على 52 شخصاً حتى هذه اللحظة.

المحاسبة القانونيّة

أمّا من الناحية القانونيّة، فبحسب خبراء قانونيّين أميركيّين وبناءً على تقرير صحيفة “واشنطن بوست“، وقعت مخالفات كثيرة في هذا الاجتياح، من التخريب المتعمّد إلى الفتنة والجنح والجنايات نتيجة الاعتداء على ضباط الشرطة والعثور على عبوتين ناسفتين. إضافة إلى ذلك، يمكن اتهام المعتدين بـ”الإيذاء المتعمّد للممتلكات الفيدرالية”. وقد يواجه الأفراد أيضاً تهماً أكثر خطورة تشمل الفتنة والتمرد ومحاولة الانقلاب، والذي يعاقب بالسجن لمدة قد تصل إلى 20 سنة.

فضلاً عن ذلك، فإنّ أراضي مبنى الكابيتول الأميركي لها قانونها الخاص فمن غير القانوني أن يدخله أي شخص من دون تصريح رسمي أو “أن يخطو أو يتسلق أو يزيل أو يؤذي بأي شكل من الأشكال أي تمثال أو مقعد أو جدار أو نافورة أو أي تركيب أو ميزة معمارية أخرى، أو أي شجرة، أو شجيرة، أو نبات، أو عشب في الأراضي” كما يمنع استخدام “لغة صاخبة أو تهديدية أو مسيئة” بهدف تعطيل عمل الكونغرس.

أمّا عن ترامب، فلم تتّضح الصورة بعد حول إمكان محاكمته ولكن هناك مطالب شعبيّة لنائب الرئيس مايك بنس باستخدام التعديل الخامس والعشرين للدستور لإقالة ترامب من منصبه على الفور والذي ينصّ على: “إذا قرر نائب الرئيس وأغلبية المجلس، لأي سبب من الأسباب، أن الرئيس أصبح غير مؤهّل للقيام بصلاحيات المنصب وواجباته وقاموا بإرسال كتاب خطّي إلى الكونغرس بهذا الشأن، عندها يصبح نائب الرئيس هو الرئيس بالوكالة ويظلّ كذلك ما لم يرفض الكونغرس السماح بنقل السلطة له”.

أيام مفصلية

أيام تفصلنا عن استلام الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن سدّة الرئاسة الأميركيّة، فهل تشهد واشنطن أعمال عنف أسوة بمشاهد متنوّعة رأيناها العام الفائت في ولايات عدة؟ وهل قرار عمدة واشنطن بفرض حالة الطوارئ لمدّة 15 يوماً في الولاية هو لتجنّب أحداث مماثلة أو متوقّعة راهناً؟!

إنّما بعد تأكيد الكونغرس فوز جو بايدن رسمياً، قال ترامب إن القرار “يمثّل نهاية أعظم ولاية أولى في تاريخ الرئاسة”… ولاية شهدت أعمال عنف من قبل الشرطة لقمع التظاهرات الشعبيّة، ولاية قتلت جورج فلويد خنقاً، وانتهت بسقوط أربعة قتلى وبعمليّة اجتياح مبنى الكابيتول وخرق لهيبة الكونغرس للمرّة الأولى منذ الهجوم البريطاني عام 1814.

ولكنّ ترامب بالمقابل وعد بانتقال السلطة بطريقة منظّمة وسلميّة عقب الاعتراف الرسمي بفوز بايدن.

أبرز المواقف المندّدة

في خطاب مدروس ومؤثّر، أطلّ بايدن ليستنكر الحدث ويعتبره تمرّداً ومحاولة انقلاب لعرقلة العمليّة الديموقراطيّة طالباً من الرئيس ترامب الظهور على شاشة التلفزيون الوطني للوفاء بيمينه والدفاع عن الدستور والمطالبة بإنهاء الحصار.

“كلمة الرئيس مهمّة سواء كان هذا الرئيس جيّداً أم سيئاً. في أفضل حالاتها تكون كلمات الرئيس ملهمة، وفي أسوأ حالاتها تحريضيّة”، قال بايدن.

أمّا الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما فتوجّه بالحديث إلى القادة الجمهوريّين: “في هذا الوقت، لدى القادة الجمهوريين خيار واضح في غرف الديمقراطية التي تم تدنيسها. يمكنهم الاستمرار في هذا الطريق مع استمرار تأجيج الحرائق المستعرة. أو يمكنهم اختيار الواقع واتخاذ الخطوات الأولى نحو إطفاء النيران. يمكنهم اختيار أميركا”.

وأعلن نائب مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي مات بوتينغر استقالته. فيما استنكر معظم أعضاء مجلس الشيوخ، ومنهم الجمهوريون، أعمال الشغب والفوضى التي تسبّب بها أنصار ترامب، فقال كبير أعضاء مجلس الشيوخ الذي يشغل حالياً منصب زعيم الأغلبية في المجلس، الجمهوري ميتشل ماكونيل: “لقد حاولوا تعطيل ديموقراطيتنا، لكنهم فشلوا”. حتّى نائب الرئيس ترامب، الجمهوري مايك بنس، اعترض وأكّد أنّه “لن يتم التسامح والتساهل مع هذا الهجوم على مبنى الكابيتول”. في حين قال ليندسي غراهام الجمهوري: “مررت أنا وترامب برحلة طويلة لكن هذا يكفي.علينا إنهاء هذا”.

فيما صرخ أحد المحلّلين السياسيّين الجمهوريّن على قناة الـ CNN مستاءً ممّا حدث: “نحن حزب لينكون…! نعم حزب أبراهام لينكون، أحد أعرق الأحزاب السياسيّة في العالم، قد آلت به وبرئيسه الأحوال إلى رفض نتائج انتخابات ديموقراطيّة منبثقة عن الشعب الأميركي”.

ويبقى الموقف المندّد الأبرز والأغرب هو موقف “تويتر” الذي وفي خطوة غير مألوفة أغلق حساب ترامب لمدّة 12 ساعة.

ولكن في نهاية هذا الاجتياح العصيب الذي تسبّب بتأخير نحو 10 ساعات للتصديق على فوز بايدن ولكنه لم يوقفه نقول: مبارك للرئيس المنتخب جو بايدن على أمل أن تكون عمليّة انتقال السلطة هادئة ومنظّمة وعلى أمل أن تعيد الإدارة الأميركيّة الثقة بالأجهزة والأدوات الديموقراطيّة داخليّاً وعلى صعيد العالم.

ولترامب، لقد تركت للعالم وللولايات المتّحدة إرثاً مظلماً من الكراهيّة والعنصريّة والفوضى لن تتخطّاه الدولة في أي وقت قريب… ولكن أخيراً، حان وقت الرحيل.

ولجورج فلويد أقول… ربما قُتلت خنقاً ولكن الولايات المتحدة قد تستعيد أنفاسها قريباً!

درج

—————————-

أميركا كجمهورية موز/ ساطع نور الدين

للتذكير فقط، أن السياسة هي واحدة من أخطر المهن في أميركا، وأن واشنطن هي واحدة من أكثر المدن إزدراءً في أميركا، وأن مبنى الكونغرس بالذات، هو حصن المؤامرات والمناورات والصفقات، التي تتيح للحكومة الاتحادية التدخل المنبوذ في الحياة اليومية للاميركيين.

وللتذكير أيضاً أن أميركا هي قائدة “العالم الحر” حسب التعبير الذي شاع في أعقاب إسهامها الحاسم في النصر خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها لم تصبح قدوة أو مثالاً لأي من حلفائها في تلك الحرب، الذين ظلوا يعتمدون نماذجهم الخاصة المستمدة من التاريخ الاوروبي، ورددوا أكثر من مرة الإتهام بأن التجربة الاميركية هي أسيرة فلسفة القوة والسلاح ورهينة سطوة المال والفساد في الحياة السياسية.. عدا عن كونها فديراليتها المعقدة قائمة على قوانين إنتخابية عجيبة، لا يفهمها الناخب الاميركي نفسه.

وبناء على ما تقدم، لم تصمد طويلاً نظرية محاولة الانقلاب او التمرد التي ألصقت بمئات المتظاهرين الغاضبين، الذين أرسلهم الرئيس دونالد ترامب نفسه، وتمكنوا من إحتلال مبنى الكونغرس من دون مقاومة تذكر، فعاثوا به فساداً، وعطلوا لبضع ساعات عملية فيدرالية دستورية مهمة حساسة، قبل ان ينسحبوا عائدين الى منازلهم، ويسلموا مع رئيسهم بفوز منافسه جو بادين.

وعدا عن وسائل الاعلام الاميركية التي هالها مشهد إحتلال مبنى الكونغرس، فإن الجمهور الاميركي لم يبد إكتراثاً بما كان يجري في عاصمته الاتحادية، بل سخر من التظاهرة الهزيلة التي قادها ترامب نفسه، ولم يشعر بالحاجة الى تنظيم تظاهرات مضادة، ولا بالخوف على ديموقراطيته ومؤسساته، ولا طبعا على محفله التشريعي الأهم، الذي لم يكن تحت حراسة مشددة، ولا كان مهدداً بالحرق ولا بالتدمير.. من جانب ثلة من الرعاع الذين إدعوا أنهم طليعة نحو 75 مليون ناخب صوتوا لترامب، وعبروا عن غضبهم الشديد مما إعتبروه سرقة لنتائج الانتخابات.

لم ولن تكون تلك الليلة نقطة تحول في التاريخ الاميركي. كان كثيرون من الاميركيين يتوقعون أسوأ منها وأخطر، مثل تعطيل عملية التسليم والتسلم للرئاسة في العشرين من هذا الشهر. وبهذا المعنى خيبت واقعة إحتلال الكونغرس لبضع ساعات، توقعات، وربما آمال أميركية واسعة:هل هذا أقصى ما يمكن ان يفعله رئيس أخرق، صلف، نزق.. لعب ورقته الاخيرة، بطريقة مسرحية مثيرة، وفشل في تغيير النتائج وفي تأجيل رئاسة بايدن، وسلم بسرعة بالموعد الدستوري للتناوب على السلطة، وبحكم المؤسسة وقرارها النهائي.

ثمة فارق كبير بين القول إنها “ليست أميركا التي نعرفها بل هي أشبه بجمهورية موز..” وبين القول بأن “هذه هي أميركا التي شهدت تحولات جذرية على مدى العقود الاربعة الماضية، توجت بالاستقطاب الحاد الذي مثله ترامب بالذات”، بين أرياف يمينية عنصرية شعبوية، وبين حواضر رائدة في العلوم والثقافة والإقتصاد.

ما جرى بالامس كان عينة بسيطة، مثيرة بلا شك، مما ستشهده أميركا في المستقبل من عواقب ذلك الاستقطاب، الذي يمكن ان تخرقه بين الحين والاخر مسرحيات درامية جذابة، تضحك الاميركيين وتحبس أنفاس العالم، لساعات..من دون المس باللعبة الديموقراطية الفريدة، التي تتسامح مع مثل هذا الاداء، لكنها لا تزال تتمتع بضوابط خاصة، لحفظ التوازن الدقيق، الذي يمنع التسلط من جانب أي ولاية أو أي شريحة إجتماعية، على الحياة السياسية.. إلا بالمال، أو السلاح!

لم يكن هناك من داعٍ أبداً لذلك التفجع على الديموقراطية الاميركية التي لم تكن يوما الاكثر تقدماً او نزاهة من باقي الديموقراطيات الغربية، ولم تكن أبداً قبلة الديموقراطيين في العالم، ولا جمهوريتهم الفاضلة، بل ناشرة الاستبداد وحارسته في مختلف أنحاء العالم. ردود الفعل الاوروبية الغربية (عدا فرنسا) على الحدث الاميركي، حصرت الأمر بالعنف المدان، والرئيس الجامح، لا أكثر ولا أقل. من دون التعبير عن الخوف على تلك الديموقراطية التي لا تنفع لغير الاميركيين.

كانت ليلة مشوقة فعلاً. لكنها لم تكن غريبة عن أميركا، وتقاليدها السياسية الخطرة.

المدن

—————————-

اقتحام الكونغرس: دونالد ترامب إذ يذكرنا بهجوم 11 سبتمبر!/ رامي الأمين

ولاية ترامب الرئاسية أشبه بطائرة تحاول ضرب رمزية المؤسسات الأميركية، وتحاول أن تسقط برج الديموقراطية بطريقة انتحارية لا تخلو من جنون العظمة، مع فارق أساسي وخطير عن 11 أيلول: الكوميديا.

على خلاف كثيرين، لم يحلني الانطباع الأول لمشهد اقتحام الكونغرس الذي نفذه أنصار دونالد ترامب، اعتراضاً على نتائج الانتخابات وتنصيب جوزف بايدن، إلى مقارنة ساخرة مع الديكتاتوريات وسلوك شبيحتها في عالمنا العربي. ما فكّرت فيه مع صور الاقتحام الأولى، والتصريح الذي خرج عن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عن أن ما حدث في الكونغرس لا يليق إلا بـ”جمهوريات الموز”، هو 11 أيلول/ سبتمبر 2001. تذكّرتُ هذا اليوم وكيف تلقيتُ الصور الأولى عن تلفزيون أحد الدكاكين في أسواق مدينة النبطية (في جنوب لبنان) حيث تجمع الناس للمشاهدة، ولم يكن هنالك يومها لا هواتف خليوية ذكية ولا انترنت موصول عليها. كنّا مجرّدين من التكنولوجيا، وعلى جهاز تلفزيون قديم وصغير رحنا نشاهد البرجين وهما ينهاران بعد اصطدام طائرتين بهما. سمعتُ حينذاك من المتحلّقين حول التلفزيون من كبار السنّ الذين مرّت عليهم في منطقتنا حروب ونكسات ونكبات كلاماً مفاده أن هذا الهجوم سيكون نهاية “أمريكا”، وكان كثيرون يلفظونها هكذا، بتقديم الراء على الياء وتسكينها. كانوا يقولونها وفي عيونهم لمعة تجمع بين الشماتة بـ”أمريكا”، وبين الخوف من تبعات ما يحدث هناك، حتى ليخال المرء منا في النبطية أنه ينظر إلى أعلى، خوفاً من نزول ركام من مبنيي التجارة العالمية على رؤوسنا.

كانت “أمريكا” تلك عملاقة وبعيدة وما كانت لتظهر على شاشاتنا المحلية الصغيرة والكبيرة إلا من خلال الأفلام الهوليوودية أو الأخبار المصيرية التي تؤثر في السياسات الخارجية الأميركية، وبالتالي تؤثر في مصائرنا ومستقبلنا. تذكّرت 11 أيلول لأن متلقي هذا الحدث في منطقتنا، أدرجوه، لهول وقعه وفداحة خسائره على العملاق الأميركي، في سيناريو نهاية “الشيطان الأكبر”. وقرأت وسمعتُ مع اجتياح أنصار ترامب الكونغرس كلاماً مماثلاً عن نهاية الديموقراطية الأميركية وتفككها وانهيارها. والكلام نفسه، منذ ما يقارب العشرين عاماً، يتكرر اليوم من البيئة نفسها، بلغة مشبعة بالشماتة، يُراد لها أن تشبع تمنيات ليست في متناول اليد بتدمير الولايات المتحدة وهزيمتها، ولتستحيل هذه التمنيات، مع 11 أيلول إلى دمار ينتقل مع جنون جورج بوش إلى العراق عام 2003 لم تنته تداعياته إلى اليوم، ومع اقتحام الكونغرس إلى خيبة أمل كبيرة مع ظهور صلابة الديموقراطية الأميركية في حماية نفسها من الجنون الداخلي الذي فجّره دونالد ترامب بشخصيته المضطربة مع خسارته في الانتخابات الرئاسية.

لم تدمّر طائرات تنظيم القاعدة التي شنت الهجوم على برجي التجارة والبنتاغون “أمريكا”، وكان نظرنا إلى الأعلى في النبطية تحوّطاً من الشظايا التي يمكن أن تطاولنا ونحن على بعد آلاف الكيلومترات من الحدث في مكانه، إذ ما لبثت أن وصلت شظايا أحداث 11 أيلول إلينا في بيوتنا مع تداعيات حرب العراق المستمرة إلى يومنا هذا. مرّت “أمريكا” هذه منذ الـ2001 بمراحل وتغييرات وتحديات كبيرة كانت تزيد يوماً بعد يوم من تماسك ديموقراطيتها، على رغم حركة الصعود والهبوط في “بورصة” سياساتها الخارجية، وعلى رغم الأزمات الاقتصادية التي عصفت بها، والحروب التي خاضتها ضد الإرهاب وتورّطها في صراعات في غير مكان من الكرة الأرضية للحفاظ على نفوذها وسطوتها. ومع ذلك بقي 11 أيلول هو الحدث الأكثر رمزية والأكثر خطورة على صورة الجبروت الأميركية في الألفية الثالثة، وهو حدث يكاد يغطي على الحدث الأبرز الذي أيقظ المارد الأميركي في الحرب العالمية الثانية وهو الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر. في أجيالنا نحن، ستكون حاضرة لوقت ليس بقصير صورة 11 أيلول بما تمثله من ضربة قاسية لأميركا الحديثة. وسيكون هناك دونالد ترامب مع الصور التي طبعتها ولايته في الذاكرة. ولاية ترامب الأخيرة هي بمثابة 11 أيلول جديد امتد لأربع سنوات.

تذكّرت 11 أيلول لأن متلقي هذا الحدث في منطقتنا، أدرجوه،

لهول وقعه وفداحة خسائره على العملاق الأميركي،

في سيناريو نهاية “الشيطان الأكبر”.

ولاية ترامب الرئاسية أشبه بطائرة تحاول ضرب رمزية المؤسسات الأميركية، وتحاول أن تسقط برج الديموقراطية بطريقة انتحارية لا تخلو من جنون العظمة، مع فارق أساسي وخطير عن 11 أيلول: الكوميديا. في شخصية ترامب شيء من التداخل بين التهريج وجنون العظمة والعناد السياسي. وهذا على غرار ما خبرنا مع شخصيات مشابهة في عالمنا العربي، يبعث على الضحك، مع أنه في الآن عينه مصنع للقتل المجاني والتدمير. ألم نضحك طويلاً وكثيراً على سلوك معمّر القذافي وصدام حسين، فيما هما تركا مئات آلاف الضحايا الذين سقطوا في مجازر جماعية لإشباع جوعهما إلى الدماء والقتل؟ ألم ننسج هنا في لبنان آلاف النكات على سلوك رئيسنا ميشال عون، المعجب بصدام حسين ودونالد ترامب، والذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من نهايات تعيسة في عهده بسبب طموحاته السياسية التي لا تهتم لشيء سوى الوصول إلى الكرسي والالتصاق به؟ كان يفترض أن ينسج هذا المقال مقارنات ساخرة بين ترامب وسلوك جمهوره وبين ديكتاتورياتنا العربية وشبيحتها. لكن “المشهد مبكي هنا” على ما تقول جملة شهيرة نطقت بها على الهواء مراسلة تلفزيونية وهي تغطي التهام النيران الغابات والمنازل في نهاية عام 2019 في لبنان. “المشهد مبكي هنا”، في بلادنا ونحن نسخر من الديموقراطية الأميركية التي أوصلت ترامب إلى سدّة الرئاسة وجعلت من أميركا أضحوكة العالم في الأعوام الأربعة الماضية. المشهد ليس مضحكاً. لأن كثيرين هنا، ضحكوا وشمتوا بـ”امريكا” في 11 أيلول 2001 وتنبأوا بسقوطها الوشيك، فانتهى بنا الأمر في سقوط حر منذ ذلك التاريخ حتى تجاوزنا القعر في لبنان والدول العربية التي كان يحكمها أساتذة لدونالد ترامب في البلاهة والجنون. وكما الحال مع تداعيات 11 أيلول، ستتجاوز “أمريكا”، ولو ببطء، الدمار الذي خلّفه دونالد ترامب في بنيتها الدستورية والاجتماعية والاقتصادية. وسنكون نحن المتلقّين للحدث على شاشاتنا عرضة للتداعيات. ستلفظ الولايات المتحدة “التهاباتها” الداخلية لتنفّس عنها في الخارج بعد الشفاء من دونالد ترامب، كما فعل المحافظون الجدد في حربهم مع الإرهاب وفي اجتياحهم العراق وإسقاطهم صدام حسين. “المشهد مبكي هنا”، لكننا “مساكين بنضحك من البلوى”، على ما تقول أغنية للشيخ إمام من كلمات نجيب سرور. نضحك على “أمريكا” ونحن نشاهدها من خارج مدرّجات الجمهور، عبر هواتفنا “الذكية”، وننظر دائماً بحذر إلى أعلى، خوفاً من سقوط شظايا على رؤوسنا التي لا تقيها خيمة ديموقراطية ولا قبّة حديدية ولا من يحزنون!

درج

————————-

بعد الحظر الموقت… هل يطرد “تويتر” ترامب قريباً؟/ ميريام سويدان

يُعتبر دونالد ترامب أكثر الشخصيات مشاكسة على منصات التواصل الاجتماعي لجهة تغريداته المستفزة، والتي عرّضته أكثر من مرة لحذف محتوى، أو تلقيه إنذارات وصلت إلى تهديد بإقفال الحسابات الرسمية نهائياً.

يحيلنا تعليق حسابات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى سجال طويل حول معضلة هذه المنصات، لا سيما “تويتر” على اعتباره موقع التدوين الأول، وعلاقة ذلك بحرية التعبير، خصوصاً أن ترامب هو “رئيس الدولة الحرّة”. فهل كان على تويتر حجب ترامب فعلاً للحد من دعواته للعنف ونشر الأخبار الكاذبة، أم أن ذلك يعد سابقة قد تنعكس سلباً في حالات أخرى مماثلة؟

فعقب الاقتحام التاريخي الذي نفّذه أنصار ترامب في مبنى الكونغرس أثناء انعقاد جلسة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز جو بايدن ونائبه، الأربعاء 6 كانون الثاني/ يناير 2021، علقت منصات “تويتر” و”فايسبوك” و”إنستغرام”، حسابات دونالد ترامب موقتاً بسبب نشر تغريدات تحرّض على العنف، إذ أسفر اقتحام المبنى عن 4 قتلى واعتقال أكثر من 50 شخصاً، وتعليق اجتماع أعضاء الكونغرس لنحو 6 ساعات، قبل استئنافه لاحقاً، فيما نُشرت قوات من الحرس الوطني لوقف الاضطرابات، وفرض حظر تجوال ليلي في واشنطن.

ودافع ترامب عن تصرفات أنصاره وكتب في إحدى تغريداته على “تويتر” المنصة المحببة إليه، “هذه هي الأشياء والأحداث التي تحدث عندما تتم سرقة فوز ساحق مقدس في الانتخابات بشكل غير رسمي ووحشي من الوطنيين العظام الذين عوملوا معاملة سيئة وغير عادلة لفترة طويلة”، خاتماً تغريدته بدعوة أنصاره إلى “العودة إلى ديارهم بالحب والسلام”، وإلى “تذكّر هذا اليوم إلى الأبد”.

قوة نفوذ هؤلاء الأشخاص تجعل خطاباتهم قادرة على التحوّل إلى عنفٍ في الشارع، أو قد تتحوّل المعلومات الخاطئة التي ينشرونها إلى حقيقة عند كثر، وهو ما يُفسّر كتحدّ للسلطة القائمة من زعامات الدول، وليس كقمع لحرية التعبير.

وهو ما دفع إدارة كل من “فايسبوك” و”انستغرام” إلى إصدار بيانات توضيحية تؤكد فيها أن حسابي الرئيس محظوران حتى 24 ساعة بسبب مخالفات لسياسة المنصتين، أبرزها نشره تسجيلاً مصوراً واصل فيه تقديم مزاعم بلا سند، بأن الانتخابات قد زُوِّرت، وهو ما يُعد “ترويجاً للأخبار الزائفة”.

وأصدر “تويتر” بياناً يوضح فيه إعادة تفعيل حساب ترامب بعد مرور 12 ساعة، وذلك بعدما حذف 3 تغريدات بدعوى “خطر العنف”. كما هددت بغلق الحساب بصورة دائمة في حال واصل ترامب انتهاك قواعد الاستخدام المتعلقة بالنزاهة المدنية، وهي ليست المرّة الأولى التي يتلقّى فيها الرئيس الأميركي إنذارات من منصات التواصل الاجتماعي، إذ يعتبر ترامب من أكثر الشخصيات الرسمية إثارة للجدل على منصات التواصل الاجتماعي، حتى أنه مصدر أساسي لنشر الأخبار المضللة، لا سيما في ما يرتبط بالانتخابات الأميركية الأخيرة.

As a result of the unprecedented and ongoing violent situation in Washington, D.C., we have required the removal of three @realDonaldTrump Tweets that were posted earlier today for repeated and severe violations of our Civic Integrity policy. https://t.co/k6OkjNG3bM

— Twitter Safety (@TwitterSafety) January 7, 2021

واقعة الكونغرس أجّجت صراعاً داخلياً مستمراً منذ 4 سنوات في أروقة إدارة “تويتر”، أي منذ بداية ولاية دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، إذ إنه من اليوم الأول لتولّيه المنصب، طلب من شعبه ملاحقة حسابه على “تويتر”، حيث سيدوّن أفكاره وتعليقاته. وهو ما يُفسّر نشاطه على المنصة، وأحياناً استغلاله إياها لتحريك الرأي العام الأميركي. حتى أنه في حادثة الاقتحام الأخيرة، فضّل تحميل فيديو على حساباته، على أن يخاطب الشعب عبر بيانٍ أو أي وسيلة رسمية.

في هذا السياق، يؤكّد مدير منظمة “سمكس” للحريات والحقوق الرقمية محمد نجم، إنه “عند الحديث عن رؤساء دول لا يرتبط الأمر بحرية التعبير باعتبارهم أشخاصاً يعبّرون عن رأيهم بأي قضية، إنما هم شخصيات رسمية ومؤثرة ولهم ملايين المتابعين على حساباتهم، كما تدعمهم جماعات وأجهزة أمنية، وبمعنى آخر قوة نفوذ هؤلاء الأشخاص تجعل خطاباتهم قادرة على التحوّل إلى عنفٍ في الشارع، أو قد تتحوّل المعلومات الخاطئة التي ينشرونها إلى حقيقة عند كثر، وهو ما يُفسّر كتحدّ للسلطة القائمة من زعامات الدول، وليس كقمع لحرية التعبير”.

يقول الصحافي المتخصص بالتحقق من المعلومات محمود غزيّل لـ”درج”، إن “منصات التواصل هي مؤسسات أميركية ولا بدّ لها أن تتبنّى قوانين الدولة التي تنتمي إليها، فكما تحذف المواقع حساباتٍ بذريعة ممارسة الإرهاب أو نشر خطاب الكراهية، فهي بالتالي تمارس السياسة ذاتها مع الحسابات الأخرى التي تخرق معاييرها، أي نشر أخبار كاذبة أو محرّضة على الكراهية والعنف. خصوصاً أن التغريدات التي تُنشر على الصفحة الرسمية للرئاسة الأميركية تُؤرشف بشكل رسمي داخل مكتبة الكونغرس، وهو ما يحّتم الالتزام بمعايير محددة، كما أنه دلالة ضخمة على أن لا حرية مطلقة لأي شخصٍ كان”.

إلا أن اللافت هو ازدواجية المعايير المتّبعة من إدرة “تويتر”، فقد تحجب الأخيرة خبراً مضللاً نشره حساب الرئيس الأميركي، معتبرة أن ذلك يصبّ في المصلحة العامة، فيما تحجب أيضاً منشوراً عربياً يناهض الإرهاب، لمجرّد تضمّنه كلمة “إرهاب”.

وها ما يعيده غزيّل إلى الأهمية الأقل التي تمنحها تلك المنصات للدول المتحدثة باللغة العربية، إذ إن الرقابة الإلكترونية التي تفرضها المنصات مبنيّة على الذكاء الاصطناعي وبرمجيات محددة معدّة مسبقاً، وهي لا تميّز السياقات العامة التي يندرج تحتها الموضوع، بينما في الدول الأخرى تكون تحت إشراف أشخاص فعليين يتولون هذه المهمة.

حوادث سابقة تعزز احتمال حذف حساب ترامب على “تويتر”؟

يُعتبر دونالد ترامب أكثر الشخصيات مشاكسة على منصات التواصل الاجتماعي لجهة تغريداته المستفزة، والتي عرّضته أكثر من مرة لحذف محتوى، أو تلقيه إنذارات وصلت إلى تهديد بإقفال الحسابات الرسمية نهائياً. كما طرحت معضلة حقيقية لدى الإدارات نفسها، لا سيما إدارة “تويتر”، التي تفرض في سياستها المتعلقة بالشخصيات العامة والرسمية أن يتلقّى هؤلاء معاملة خاصة، وهو ما يفرض حساسية بالتعامل مع حساب ترامب.

سبق أن حذفت منصة “تويتر” تغريدات عدة لدونالد ترامب، منها تسجيل فيديو أعاد نشره في تموز/ يوليو 2020، وذلك بسبب “عدم امتلاكه حقوق النشر”، فقد غرّد ترامب بمقطع ترويجي لحملته الانتخابية يحتوي على مقطوعة غنائية لفرقة لينكين بارك (Linkin Park).

pic.twitter.com/bnQMEO2i9u

— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 30, 2020

كما حذفت المنصة ذاتها تغريدة أعاد ترامب نشرها في 30 حزيران/ يونيو الماضي، وهي تتضمن صورة له، وذلك عقب شكوى من صحيفة “نيويورك تايمز الأميركية” التي التقط أحد مصوريها الصورة التي أعاد الرئيس التغريد بها، كما نبّه “تويتر” في تعليق مرفق إلى أن التغريدة تنتهك معايير محاربة خطاب تمجيد العنف.

وهذه الحساسية في التعامل سبق أن طرحت لدى موقع “تويتر”، إذ كانت المنصة تتأرجح بشأن حظر مُنظِّر ما يعرف بـ”نظرية المؤامرة” أليكس جونز، بسبب تجاوزه المعايير المطروحة، إلى أن حُظر جونز أخيراً، بسبب “السلوك المسيء”. وهو ما يطرح أسئلة حول احتمال حذف ترامب، خصوصاً بعد تجّرده من منصبه مع استلام بايدن الرئاسة في 20 كانون الثاني/ يناير 2021، وبعد تمهيد موقع “تويتر” للأمر، عبر تغريدة يُشار فيها بطريقة غير مباشرة إلى إعادة النظر بحساب ترامب والتعامل معه كحساب مواطن أميركي عادي منذ التاريخ المذكور.

درج

—————————–

بايدن والسياسة الخارجية.. عودة أوباما/ رضوان زيادة

مع إعلان أسماء فريق السياسة الخارجية في إدارة بايدن يتضح عودة كل أسماء فريق أوباما للسياسة الخارجية تقريبا مع ترفيع لهم إلى مواقع سياسية أعلى، فـ أنتوني بلينكن عاد وزيرا للخارجية بعد أن كان مساعدا لوزير الخارجية وجاك سوليفان كان مستشارا للأمن القومي لنائب الرئيس فعاد الآن بوصفه مستشار الأمن القومي للرئيس، كما عادت سوزان رايس بوصفها منسقة الشؤون الداخلية وجون كيري بوصفه مبعوثا خاصا للرئيس فيما يتعلق بملف البيئة.

أما على مستوى مواقع وزارة الخارجية والدفاع ومكتب الأمن القومي فتقريبا تم ترقية كل الأشخاص الذين عملوا سابقا مع إدارة أوباما.

السؤال الآن: هل سيعيد هؤلاء الأشخاص المعينون حديثا السياسة الخارجية ذاتها في عهد أوباما، خاصة أنها حصلت على انتقادات كبيرة خاصة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، بالتأكيد أنها ستبني عليها بشكل كبير لكن ربما لن تتطابق معها.

إنها بشكل أو بآخر عودة للسياسة التقليدية مقارنة مع الفوضى التي جرت خلال سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض، الذي لم يكن له أية رؤية استراتيجية للسياسة الخارجية ربما باستثناء إيران، فلم يمتلك رؤية محافظية أو حتى رؤية تدخلية كما ميزت سنوات بوش الإبن الأخيرة في التدخل عبر العالم من أجل نشر الديمقراطية.

إن الدور القيادي الذي تحاول الولايات المتحدة الاضطلاع به يعود بشكلٍ كبير إلى غياب التأثير الجماهيري داخل الولايات المتحدة على قرار السياسة الخارجية الأميركية، بل إن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تنجح باستمرار في جعل مجتمعها يسير خلف سياستها القيادية عبر الاستخدام الأمثل للإعلام ولوسائط التأثير الجماهيري . وهذا بالضبط يشكل محور نظرية كيسنجر الذي يعتبر أن السياسة الخارجية يجب أن تبقى محصورة في العاصمة واشنطن ،دي ،سي لأنه بحكم الخلاف العرقي والطائفي والمذهبي والجنسي الكبير بين مواطني الولايات المتحدة، فإن نزاعهم الداخلي حول السياسة الخارجية ومستقبلها سوف يقصم عرى الروابط الاتحادية بين الولايات أو داخل الجماعات المشكلة لهذه التعدديات الكثيفة داخل الولاية ذاتها، فالانقسام على السياسة الخارجية سيخلق تفككاً داخلياً بكل تأكيد، ولذلك يبدو من الأفضل لأميركا أن تبقى سياستها الخارجية محصور ضمن ما يسمى “مجتمع السياسة الخارجية” الذي ينحصر وجوده داخل العاصمة الأميركية.

فإذا أراد أحد الرؤساء تعبئة الموارد الهائلة للدخول في حرب شعواء ضد خصم سياسي دولي فإن ذلك يتطلب تخطي الحواجز الانعزالية التي يمتاز بها المواطن الأميركي. إذ هو يتساءل لماذا يتوجب على جنود أمريكييين بذل أرواحهم في بلاد نائية لا يعرف أغلب المواطنين عنها شيئاً كثيراً، بل إنهم يجهلون غالباً أين تقع.

ومهمة الإقناع الصعبة هذه يمكن التغلب عليها فقط من خلال تبسيطات فظة، من مثل ضرورة التصدي لعدو خطر شرير صعب المراس، وهو ما حدث من خلال شيطنة صدام حسين، وهو ما دفع بعض المحللين إلى القول إن البناء النظري لعلم العلاقات الدولية في الولايات المتحدة يقوم غالبا ًعلى مفهوم “تقديس السهولة” وذلك عندما تظهر النظريات هذه البنية المانوية للأقطاب المتنافرة، وعندما تجد مثل هذه النظريات هذا التأييد في أوساط الصفوة السياسية كما عبر هارلك موللر.

بيد أن نفوذ المجتمعات يجب أن لا ينحصر فقط في تأثيرها على سياسة حكومتها الخارجية فقط، بل لابد أن تتضافر معاً متجاوزة الدولة ومصالحها الخاصة وهو ما يطلق عليه البعض بنهاية لدولة القوة وولادة ما يسمى الدولة التجارية، التي تتميز من خلال انفتاح الحكومة على الاقتصاد والاشتراك مع الجهات ذات الاهتمام وفي مقدمتها الاقتصاد في تشكيل أهداف سياسة خارجية تسعى إلى أولوية واضحة للعلاقات الاقتصادية في مقابل مسائل القوة والأمن، ومن خلال السعي نحو إنفاق في الحدود الدنيا على التسلح . فالدولة التجارية تتيح نشوء ما يسمى “بعالم المجتمع”.

ربما تكون المنظمات غير الحكومية العابرة للقوميات هي العلامات الأكثر جلاء لهذا التطور وهذا ما يحرّض على بروز القيم الإنسانية الموحدة والمشتركة، على رأسها الديمقراطية، إذ لم يعد يوجد بلد لا يُحكم ديمقراطياً يخلو من منشقين أو منظمات أو جماعات تطالب بالديمقراطية، والاتصالات العابرة للقوميات بوسائل الاتصال الحديثة تشجع هؤلاء لإجبار بلدانهم على دخول “العصر الديمقراطي”.

إن انتشار الديمقراطية اليوم هو واحد من أهم علامات التقارب بين الثقافات والفرص أمام حوار عابر للثقافات إن لم يكن أهمها إطلاقاً. لم يكن ترامب يكترث لفكرة نشر الديمقراطية، بل حد من الكثير من تمويل المنظمات الأميركية التي تسعى إلى نشر الديمقراطية في الخارج .

إن السعي لنشر الديمقراطية لا يعني أبداً أن كل دول العالم ستصبح ديمقراطية بين يوم وليلة، بل إن مسار الديمقراطية نفسه داخل الحضارة الغربية احتاج إلى صراعات وحروب أهلية وطائفية عدة حتى تم تجذره وحتى تحول إلى الصيغة السياسية التي لا رجعة عنها، وهو ما يفرض علينا الدخول في حوار ثقافي عبر الحضارات لتشجيع قيمها الإنسانية والديمقراطية و هو الأنموذج الأفضل لتحقيق ذلك.

فالديمقراطية اليوم تعد من أهم القيم الإنسانية المشتركة بالرغم من الاختلاف على معانيها ومسمياتها المختلفة، صحيحٌ أن الغرب تفرد في التأسيس النظري والمؤسسي لهذا المفهوم، لكن الحضارات والثقافات الأخرى تحمل بذوراً مشتركة تدور حول المفهوم ذاته وتتأسس عليه، إن الديمقراطية بمفهومها الإنساني العام هي التي تتيح للحضارات جميعها أن تتعايش بدل أن تتصادم وأن تتوافق على مفهوم ” القيم الكونية “.

ولذلك لابد لإدارة بايدن الجديدة أن تستعيد إرث الولايات المتحدة في التأكيد على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عنها عبر العالم.

تلفزيون سوريا

—————————

اختبار خطير وتاريخي للديموقراطية الاميركية/ هشام ملحم

تعرضت الديموقراطية الاميركية يوم أمس لأخطر امتحان داخلي في العصر الحديث حين قام مئات المشاغبين من افراد الميليشيات العنصرية والمتطرفين المؤيدين للرئيس ترامب باقتحام الصرح الديموقراطي الاهم في البلاد: المبنى الرئيسي للكونغرس المعروف بالكابيتول، لتعطيل جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ انعقدت بإشراف نائب الرئيس مايك بينس للتصديق على اختيار المجمع الانتخابي للرئيس المنتخب. وللمرة الاولى في تاريخ الولايات المتحدة يقوم رئيس اميركي لا يزال يرفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات وقبل اسبوعين من انتهاء ولايته بتحريض انصاره المتطرفين على اقتحام المؤسسة التشريعية التي تمثل الشعب الاميركي وجوهر الديموقراطية الاميركية في محاولة يائسة وعبثية لتغيير نتائج الانتخابات. وكان الرئيس ترامب قبل أسبوعين قد دعا انصاره للتجمع في واشنطن في السادس من يناير للاحتجاج على جلسة الكونغرس، واعدا اياهم بتظاهرة جامحة Wild.

وظهر أمس خاطب ترامب انصاره المتجمعين قرب البيت الابيض وحضهم على السير على جادة بنسلفانيا باتجاه مبنى الكابيتول قائلا انه سيسير معهم لاعطاء المشرعين الجمهوريين ” الاعتزاز والصلابة التي يحتاجونها لاستعادة السيطرة على بلادنا”. ما حدث بعد ذلك صعق الاميركيين والعالم، وهم يراقبون مئات المشاغبين باقتحام الكابيتول، ولحقهم الالاف الذين حطموا زجاج النوافذ وكسروا أبواب المبنى واحتلوا القاعة الرئيسية لمجلس الشيوخ ومكاتب المشرعين ومن بينهم مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. وبعد أكثر من ثلاثة ساعات من اعمال الشغب والاشتباكات بين رجال شرطة الكونغرس وشرطة مدينة واشنطن مع المتظاهرين، قتلت خلالها متظاهرة داخل المبنى برصاص شرطي، وتوفي ثلاثة متظاهرين حول المبنى في ظروف غير واضحة. ترامب كان صادقا بوعده بتنظيم تظاهرة “جامحة”.

اقتحام الكونغرس جاء بعد ساعات من الاعلان عن نتائج الانتخابات الفرعية في ولاية جورجيا، والتي اعطت الديموقراطيين انتصارا غير متوقعا حين اختار الناخبين المرشحين الديموقراطيين لعضوية مجلس الشيوخ، الذي اصبح منقسما بالنصف بين الحزبين: خمسين عضو لكل حزب، ما يعني ان الديموقراطيين سوف يسيطرون على المجلس، حين تشارك نائبة الرئيس كامالا هاريس في الجلسات التي تتطلب التصويت على مشاريع القوانين الهامة.

الاقتحام حدث خلال الساعة الاولى للجلسة المشتركة، التي بدت تعبيرا جديا عن الديموقراطية الاميركية، خاصة وان مثل هذه الجلسات تعتبر اجرائية وبسيطة ولا تحظى عادة باهتمام اعلامي او شعبي يذكر. وخلال دقائق تحول المشهد الديموقراطي بامتياز الى مشهد فوضوي وترهيبي وكأنه منقول على شاشات التلفزيون من عاصمة دولة اوتوقراطية في العالم الثالث. وشاهد الملايين في اميركا والعالم عملية الاقتحام واطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الدخانية، وشوهد رجال الشرطة السرية (المكلفين بحماية نائب الرئيس) وغيرهم من العناصر الامنية حاملين مسدساتهم الموجهة ضد الرعاع الذين كانوا يحاولون اقتحام قاعات المبنى. وسارعت الشرطة السرية بأخذ نائب الرئيس بينس الى مكان آمن، كما قامت العناصر الامنية الاخرى بمرافقة المشرعين الى الانفاق والقاعات الامنة في المبنى الى حين توقف اعمال الشغب قبل الساعة الخامسة مساء.

وعلى مدى أكثر من ثلاث ساعات التزم ترامب الذي كان يشاهد اجتياح الكونغرس من قبل رعاعه في البيت الابيض، بالصمت حتى بعد ان ناشده قادة الكونغرس من الحزبين على لجم انصاره ودعوتهم للتوقف عن انتهاكاتهم. وهذه هي المرة الاولى التي يتم فيها اقتحام الكابيتول من قبل الرعاع منذ 1814 خلال احتلال القوات البريطانية للعاصمة الاميركية. وللمرة الاولى في تاريخ البلاد شاهد الاميركيون انصار ترامب وهم يحملون ويلوحون بعلم الكونفدرالية الجنوبية التي انفصلت عن الاتحاد وتسببت بالحرب الاهلية قبل أكثر من 150 سنة، داخل قاعات الكابيتول. ويعتبر العلم رمزا للعنصرية والتمييز.

وعلى الرغم من الادانات الشاملة لاقتحام الكابيتول واعمال الشغب الصادرة عن الرئيس المنتخب بايدن والقيادات الجمهورية والديموقراطية في الكونغرس ومناشداتهم الخاصة والعامة لترامب لادانة اعمال العنف والشغب، الا انه رفض ذلك ووجه الاهانات لنائبه بينس –المعروف بتزلفه المقزز لترامب- قائلا ” لم يتحل مايك بينس بالشجاعة لكي يقوم بما كان يجب عليه ان يقوم به لحماية بلادنا ودستورنا وان يعطي الولايات الفرصة للتصديق على لوائح الناخبين البارزين الحقيقيين وليس على الاسماء المزورة التي صدقوا عليها”. وكان ترامب قد طلب من بينس ان يرفض قبول لوائح الاسماء التي قدمتها الولايات المتنازع عليها مثل بنسلفانيا ونيفادا وغيرها. وكان بينس قد ابلغ ترامب في لقاء معه وعلنا في بيان اصدره انه لا يتمتع بالصلاحيات الدستورية التي تعطيه هذه السلطة.

ولكن مع اقتراب اليوم من نهايته وبعد صمته الطويل وزع البيت الابيض شريطا لترامب موجها لانصاره قال لهم فيه انه يتفهم ألمهم وانه يحبهم ثم طلب منهم عدم استخدام العنف والعودة الى منازلهم، ولكنه جدد تضليله لهم حين قال ” لقد سرقوا الانتخابات منا”.

وكان الرئيس المنتخب بايدن قد سبقه الى ادانة الاقتحام واعمال الشغب وطالبه بلهجة قوية بان يطالب انصاره بالتوقف عن انتهاكاتهم للقوانين. ووصف بايدن الاقتحام بانه ” هجوم لا سابقة له” ضد الديموقراطية الاميركية، واضاف ” هذه ليست معارضة، هذا اخلال بالقوانين وفوضى تقترب من حدود الفتنة، ويجب ان تنتهي الان، وانا ادعوا هؤلاء الرعاع للانسحاب لكي تتقدم العملية الديموقراطية”. وأصدر جميع الرؤساء السابقين: جيمي كارتر وبيل كلينتون وجورج بوش الابن، وباراك اوباما بيانات ادانة قوية اللهجة ضد الرعاع. وقال اوباما ” سيذكر التاريخ عنف هذا اليوم في الكابيتول الذي حرّض عليه رئيس يواصل اكاذيبه ودعاءاته التي لا اساس لها من الصحة حول نتائج انتخابات قانونية، على انها لحظة عار كبيرة على بلادنا”.

ومساء الاربعاء استأنف مجلسي النواب والشيوخ عملية فرز اصوات المجمع الانتخابي والتصويت على اعتراضات بعض المشرعين الجمهوريين ، بعد ان انسحب منهم بعض المشرعين بسبب اعمال الشغب. وكانت هناك رغبة كبيرة في اوساط الحزبين حول ضرورة استئناف الجلسة باسرع وقت ممكن للتأكيد للاميركيين وللعالم ان المشرعين الاميركيين لن يسمحوا للرعاع واعمال العنف ان ترهبهم. وكان من اللافت ان نائب الرئيس مايك بينس بعكس ترامب ادان اعمال العنف بلهجة قوية، كما فعل زعيم الاغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال. ولكن بينس وماكونال وغيرهم من المشرعين الجمهوريين تفادوا ذكر ترامب بالاسم، بعكس القيادات الديموقراطية. الاستثناء الجمهوري الوحيد، – والاكثر بلاغة وشجاعة – كان السناتور مت رومني الذي قال “نحن هنا بسبب أنانية رجل يدعي انه مجروح، وبسبب فظاعات انصاره الذين يواصل التغرير بهم منذ شهرين، والذي حرضهم هذا الصباح”. وختم كلمته بالقول ” ما حدث هنا اليوم هو عصيان حرض عليه رئيس الولايات المتحدة”.

ويسعى قادة الحزب الديموقراطي الى انهاء عملية التصديق على انتخاب بايدن، التي استمرت الى ما بعد منتصف الليل، قبل ان يبدأوا جديا ببحث ما يجب ان يفعلوه لمحاسبة ترامب وضمان عدم قيامه باعمال خطيرة ومتهورة خلال الايام القليلة المتبقيه له في السلطة. وطرح بعض المشرعين مقترحات تراوحت بين محاكمة ترامب مرة أخرى، او محاولة اقالته (بالتعاون مع نائبه بينس، وان كان هذا الخيار غير مرجح) اضافة الى توجيه تأنيب برلماني له. وسارعت صحف اميركية الى المطالبة باقالة ترامب وكان من بينها صحيفة واشنطن بوست التي نشرت افتتاحية باسم اعضاء مكتب ادارتها جاء فيها ان ترامب ” اثبت ان بقائه في منصبه يشكل خطرا كبيرا على الديموقراطية الاميركية، ولذلك يجب اقالته”. وطالب حاكم ولاية الينوي الديموقراطي باقالة ترامب، كما طالب حاكم ولاية فيرمونت الجمهوري ايضا باقالته. جاءت هذه التطورات على خلفية تقارير صحفية ذكرت ان بعض المسؤولين في البيت الابيض سوف يستقيلون في الايام المقبلة من بينهم مستشار الامن القومي روبرت أوبرايان. وساهم تحريض ترامب لانصاره لاقتحام مبنى الكابيتول الى تعميق المخاوف في الاوساط السياسية والامنية من قيام الرئيس المحاصر في البيت الابيض باتخاذ اجراءات داخلية او خارجية يمكن ان تزج البلاد في ازمات خطيرة لمجرد انه يريد الانتقام من الجمهوريين الذين تخلوا عنه، ومن خلفه الرئيس المنتخب جوزف بايدن الذي الحق به هزيمة انتخابية قاسية لا يريد قبولها او الاعتراف بها.

النهار العربي

—————————-

انقلاب فاشل.. ديمقراطيون وجمهوريون في مواجهة ترامب بعد أحداث “الأربعاء الأسود”/ وائل قيس

قبل أقل من عام تقريبًا حذر النائب الديمقراطي آدم شيف مجلس الشيوخ من أن عدم التصويت بالموافقة على عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بسبب إساءة استخدام السلطة سيدفعه للاستمرار بذلك، وبالفعل صوت الجمهوريون الذين كانوا يشكلون غالبية المجلس حينها على براءة ترامب من التهم المنسوبة إليه، لكن هذه البراءة فُهمت من قبل الملياردير الجمهوري بأنها بطاقة لتنفيذ “تمرد”، كما وصفه الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية.

ديمقراطيون: ماحدث “محاولة انقلاب فاشلة”

عاش مبنى الكابيتول هيل في العاصمة واشنطن حالة من الفوضى لمدة 14 ساعة، بعدما اقتحم مناصرو ترامب المبنى لإيقاف عملية فرز أصوات المجاميع الانتخابية للرئاسة الأمريكية، والتي أفضت لفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مشهد تخلله رفع لأعلام اليمين المتطرف إلى جانب أعلام الولايات الكونفيدرالية الأمريكية التي ترتبط بتاريخ العبودية، مما دفع بحاكم ولاية نيويورك الديمقراطي أندرو كومو لوصف الأخبار القادمة من العاصمة بأنها “محاولة فاشلة للانقلاب”، قبل أن يضيف متهمًا ترامب بأنه “داس على الدستور وسيادة القانون في كل منعطف”.

We must call today’s violence what it actually is: a failed attempt at a coup.

We won’t let President Trump, those in Congress who enable him, or the lawless mob that stormed the Capitol steal our democracy.

The will of the American people will be carried out. pic.twitter.com/8DSeHJYzmN

— Andrew Cuomo (@NYGovCuomo) January 6, 2021

الأخبار الواردة عبر مراسلي مختلف وسائل الإعلام على المستوى العالمي بدأت بالتتابع اعتبارًا من مساء يوم الأربعاء، مشيرةً إلى اقتحام مناصري ترامب مبنى الكابيتول لتعطيل عملية فرز الأصوات، اقتحام كان تنفيذًا لدعوة من ترامب بدأت فعليًا منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما طالبهم بتنظيم “احتجاج كبير” أمام مبنى الكابيتول، ومن ثم كرر دعوته مجددًا الأربعاء أمام حشد من أنصاره بحثهم على “السير إلى مبنى الكابيتول” من أجل “القتال”.

وبعد ساعات من عملية الاقتحام العنيفة التي أسفرت عن مقتل أربعة محتجين، منهم امرأة برصاص شرطة الكابيتول، أكد المسؤول في مبنى الكابيتول بول إير فينغ تأمين المبنى بشكل كامل، مما يمهد لاستئناف جلسة فرز الأصوات التي أعلنت عنها لاحقًا زعيمة الكابيتول هيل نانسي بيلوسي، والتي انتهت بإعلان نائب الرئيس مايك بنس فوز بايدن بـ306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 لصالح ترامب، الأمر الذي دفع ترامب فيما يبدو للإعلان عن قبوله للنتائج عبر الحساب الرسمي لمساعده دان سكافينو على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي.

عمالقة التواصل الاجتماعي في مواجهة ترامب

كما كان متوقعًا اعتمد ترامب بشكل أساسي على منصات التواصل الاجتماعي في دعوته أنصاره بالتوجه سيرًا إلى “الكابيتول هيل” أو حتى في عديد التغريدات التي أطلقها بعدما دعاهم للعودة إلى منازلهم، بدون أن يتجاهل التأكيد على أن الديمقراطيين “سرقوا الانتخابات”، لكن هذا الاعتماد سرعان ما تبدد بعدما قامت منصة تويتر للتواصل الاجتماعي بحذف ثلاثة تغريدات إلى جانب حظر الوصول إلى ما يفوق خمسة تغريدات، قبل أن تقرر تعليق حسابه لمدة 12 ساعة “بسبب الانتهاكات المتكررة والخطيرة لسياسة النزاهة المدنية”.

وانضمت منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي إلى قرينتها تويتر بإعلانها تعليق حساب ترامب لمدة 24 ساعة بسبب ما وصفته بـ”انتهاك لقواعد” المنصة، بينما قالت منصة يوتيوب التابعة لشركة غوغل إنها حذفت مقطعًا مصورًا لترامب “ينتهك سياستها المناهضة للمحتوى” بزعم وجود “تلاعب واسع النطاق أو أخطاء قد غيرت نتيجة الانتخابات الأمريكية لعام 2020”.

تعليق منصات التواصل الاجتماعي وصول ترامب إلى حساباته دفعه باللجوء إلى حساب مساعده سكافينو لنشر سلسلة من التغريدات قال فيها: “على الرغم من أنني أختلف تمامًا مع نتيجة الانتخابات، والحقائق تؤكد ذلك، إلا أنه سيكون هناك انتقال منظم للسلطة في 20 (كانون الثاني) يناير الجاري”، مضيفًا بأنه “لطالما قلت إننا سنواصل معركتنا من أجل ضمان احتساب الأصوات القانونية فقط”، قبل أن يصف مصادقة الكونغرس على نتائج الانتخابات بأنها “نهاية أعظم ولاية في تاريخ الرئاسة”.

Statement by President Donald J. Trump on the Electoral Certification:

“Even though I totally disagree with the outcome of the election, and the facts bear me out, nevertheless there will be an orderly transition on January 20th. I have always said we would continue our…

— Dan Scavino—— (@DanScavino) January 7, 2021

إقالات للمسؤولين عن أمن الكابيتول

أثار مشهد اقتحام المحتجين لمبنى الكابيتول عاصفة من الانتقادات التي وجهها مسؤولون أمريكيون للمسؤولين عن أمن المبنى، بالأخص أن المقاطع التي جرى تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي أظهرت أحد الضباط يلتقط صورة سيلفي مع أحد الأشخاص الذين اقتحموا المبنى، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مضيفة بأن أحد المقاطع المصورة أظهر كذلك سماح ضباط الشرطة لمناصري ترامب بالاقتراب من المبنى بعدما أزالوا السياج الأمني الذي يفصلهم عنه.

CAUGHT ON VIDEO: The moment Police allow rioters to storm the US Capitol. #Washington #CapitolHill #DC #DCProtests pic.twitter.com/nxQsbNDdME

— Anthony Davis (@theanthonydavis) January 6, 2021

الانتقادات التي وجهت لحرس المبنى كانت في إطار عدم اعتقالهم مثيري الشغب منذ بداية الاقتحام، وهو ما برره أحد مسؤولي إنفاذ القانون المطلعين على الحادث بأنه لم يكن يوجد العدد الكافي من الحرس للقيام بذلك، لكن واشنطن بوست تقول إن هذا التعليق يتناقض مع الطريقة التي تعامل فيها حرس المبنى مع حادثة عام 2013، بعدما أطلق الرصاص على الأمريكية من أصول أفريقية ميريام كاري لزعمها اصطدام المرأة بالحاجز الأمني للكابيتول.

في حين قارنت النائبة الديمقراطية بوني واتسون كولمانما بين الطريقة التي تعامل بها حرس المبنى مع محتجي حركة “حياة السود مهمة” التي نظمت أمام مبنى الكابيتول في الصيف الماضي، وبين الطريقة التي تعاملوا بها مع مناصري ترامب أثناء اقتحامهم للمبنى، مشيرةً إلى أنه خلال احتجاجات الصيف التي خرجت ردًا على عنصرية قوات الشرطة اتجاه الأمريكيين من أصول أفريقية، لم يكن بإمكان المحتجين التحرك بسبب أعداد الشرطة، قبل أن تضيف متسائلة “أين كان (الحرس) اليوم؟”.

ومن المرجح أن تشهد الأيام القادمة إصدار قرارت إقالة متتالية للمسؤولين عن حرس المبنى، وفقًا لما أكده النائب الديمقراطي تيم ريان في حديثه للصحفيين، حيث “من الواضح أنه سيكون هناك عدد من الأشخاص بلا عمل” في القريب العاجل، بينما قال مسؤولين في وكالات إنفاذ القانون إن شرطة الكابيتول والوكالات الفيدرالية الأخرى قللت من التهديدات المحتملة لمناصري ترامب على الرغم من حالة القلق التي كانت تنتاب شرطة العاصمة.

خلال الأيام الماضية كثف ترامب من جهوده لعرقلة مصادقة الكابيتول على نتائج الانتخابات الأخيرة، بإصراره على “سرقة الانتخابات” من الديمقراطيين حتى بعد أحداث يوم الأربعاء، وكان استبقها بمحاولة الضغط على سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرغر لإيجاد أصوات تجعله يفوز بالمجاميع الانتخابية للولاية، ووفقًا لمقطع صوتي حصلت عليه واشنطن بوست يتضمن مكالمة هاتفية بين الاثنين، أظهرت تهديد ترامب للمسؤول الجمهوري بعواقب “جنائية غامضة”.

Audio: Trump berates Ga. secretary of state, urges him to “find” votes https://t.co/Pibw9gBt1A

— The Washington Post (@washingtonpost) January 3, 2021

المكالمة التي نشرتها الصحيفة الأمريكية كانت جزءًا من الضغوط التي مارسها ترامب لتحويل نتائج الانتخابات لصالحه، إلا أن الضغط الأكبر كان يتحمله نائبه بنس الذي حمله ترامب مسؤولية هزيمته في الانتخابات في تغريدته بالقول “لم يكن لدى مايك بنس الشجاعة لفعل ما كان يجب القيام به لحماية بلدنا ودستورنا، إعطاء الولايات الفرصة للتصديق على مجموعة من الحقائق المصححة، وليس المزورة أو غير الدقيقة التي طلب منهم التصديق عليها مسبقًا”، قبل أن يقوم تويتر بحذفها من المنصة.

يُعرف عن بنس وفقًا للصحافة الأمريكية بأنه من أكثر الداعمين لمواقف ترامب، ما برز بشكل واضح خلال التحقيق الذي قاده الديمقراطيون في الكابيتول تمهيدًا لعزل ترامب من منصبه، وتعد عدم موافقته مزاعم ترامب بـ”سرقة الانتخابات” واحدة من النوادر التي يخالف بها قرارات الرئيس، كما يُنظر إليه على أنه من أكثر المسؤولين الجمهوريين المحافظين،إلا أنه على الرغم من ذلك يؤمن بضرورة عدم تجاوز وثيقة الدستور الأمريكي التي وقع عليها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة.

ولعل ذلك يؤكد ما تداولته وسائل الإعلام الأربعاء عن مغادرته مبنى الكابيتول بعد اقتحامه من قبل مناصري ترامب، قبل أن تعود نافية ذلك بالإشارة إلى أنها معلومات مضللة للحفاظ على سلامته الشخصية، وأنه كان على اتصال مع المسؤولين من داخل المبنى، والتي استبقها في بيان صادر عنه يقول مضمونه إن”حكمي المدروس هو أن قسمي بدعم الدستور والدفاع عنه يمنعني من المطالبة بسلطة أحادية– لتحديد أي الأصوات الانتخابية يجب احتسابها وأيها لا ينبغي احتسابها”.

وبحسب ما نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية على لسان مسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية، بمن فيهم وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، فإن بنس لعب دورًا أساسيًا من خلال التنسيق مع وزارة الدفاع لتسهيل قرار حشد أعضاء الحرس الوطني لاحتواء العنف من قبل مناصري ترامب، في الوقت الذي كان الرئيس مترددًا من إصدار مثل هذا القرار، وقال ميلر إنهم قاموا “بتنشيط الحرس الوطني في العاصمة بشكل كامل لمساعدة تطبيق القانون الفيدرالي والمحلي”، بعد مكالمتين منفصلتين أجراهما مع بنس وبيلوسي.

هل تلجأ الحكومة الأمريكية للتعديل 25؟

يمكن القول إن الفترة التي قضاها رجل الأعمال الذي تحول من عالم الاقتصاد والمال إلى السياسة ستكون الأسوأ في تاريخ الحزب الجمهوري، ويأتي ملخصها فيما يمكن وصفه بـ”الأربعاء الأسود” للمسؤولين الجمهوريين، ليس فقط من ناحية محاولة تجاوز ترامب نتائج الانتخابات الأمريكية بالانقلاب عليها، إنما كذلك من جانب خسارتهم للأغلبية في مجلس الشيوخ بعد فوز المرشحين الديمقراطيين جون أوسوف ورافاييل وارنوك بالانتخابات الفرعية لعضوية المجلس عن ولاية جورجيا، ما يمنحهما سيطرة على مجلسي الشيوخ والكابيتول هيل معًا، إضافة لمنصب الرئاسة.

وتلوح أمام الجمهوريين فرصة لاستعادة قاعدتهم الشعبية – المتأرجحة – التي يمكن أن تتحول للديمقراطيين بعد أحداث العنف الأخيرة، إذا ما لجأوا للتعديل 25 من الدستور الأمريكي، بحسب ما نقلت شبكة سي إن إن على لسان مسؤولين ووزراء جمهوريين في الحكومة الأمريكية الحالية، وهو البند الذي يسمح لنائب الرئيس والنسبة الأكبر من أعضاء الحكومة بتفعيله إذا ما وجدوا أن الرئيس “غير قادر على تحمل أعباء منصبه”، مشيرةً إلى أن المسؤولين ناقشوا الفكرة بعدما وجدوا أن ترامب أصبح “خارجًا عن السيطرة”.

وأضافت الشبكة بأن نقاش اللجوء للتعديل 25 لا يزال جاريًا، إلا أنه من غير الواضح أن يكون هناك العدد الكافي من الوزراء لإقالة ترامب، فيما كان واضحًا عدم حصول ترامب على تأييد أبرز الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذين طالما كانوا يدافعون عن تصريحاته في وسائل الإعلام الأمريكية، بمن فيهم السيناتور ميت رومني الذي وصف ترامب بـ”الأناني”، فيما طالب السيناتور توم كوتون – أحد أبرز داعمي ترامب – بأن “يتوقف (ترامب) عن تضليل الشعب الأمريكي”.

في حين قالت واشنطن بوست في مقالها الافتتاحي إن ترامب “لم يعد صالحا للبقاء في مكتب الرئيس” لما تبقى له من فترة ولايته في البيت الأبيض، مشددةً على “كل ثانية يحتفظ فيها بسلطات الرئيس الواسعة سيظل خطرًا على الرأي العام والأمن القومي”، مطالبة أن يقوم نائبه بنس بصورة سريعة بـ”إعلان أن الرئيس ترامب لم يعد قادرًا على أداء واجبات مكتبه والسلطات الممنوحة له”، كما نقلت على لسان الرئيس الديمقراطي بايدن وصفه ما حدث بأنه “ليس احتجاجًا بل تمردًا”.

وهاجمت الصحيفة في افتتاحيتها الجمهوريين الذين أيدوا مزاعم ترامب المرتبطة بـ”سرقة الانتخابات”، وهو ما أدى لتأجيج حالة من الغضب لدى الجمهوريين الذين خدعوا بأحاديث ترامب بالقضية ذات الصلة، ومن بينهم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي رد على مزاعم ترامب بالقول “لا شيء أمامنا يؤكد عدم قانونية الاقتراع في أي مكان وعلى قاعدة واسعة، وبشكل يحرف ميزان الانتخابات، ولو قلبت نتائج الانتخابات بناء على هذه المزاعم فستدخل ديمقراطيتنا دوامة الموت”.

—————————–

عشش في جورجيا و”باض” في واشنطن: بعد محاولة الانقلاب.. هل تختفي آثار ترامب التدميرية برحيله؟

في الحملة التي يديرها ترامب منذ هزيمته في الانتخابات، وافق على دفع كل ثمن من أجل الحفاظ على رؤيته الذاتية كمنتصر. فقد قام بتخريب حملة حزب، مثلما أدرك الديمقراطيون هذا الأسبوع، في جورجيا. ولكن الأكثر من ذلك، عمل ترامب على هز ثقة المواطنين بطهارة الانتخابات. الكثيرون كانوا يأملون أن مفاجآته المدمرة ستختفي معه، لكن مواجهات واشنطن التي وصلت إلى محاولة انقلاب عنيفة، قدمت مثالاً واضحاً على ضرر طويل المدى يتوقع أن يتركه خلفه.

بدأ هذا مثل يوم دراماتيكي في الولايات المتحدة، الذي حدث فيه حادثتان سياسيتان كبيرتان. في الصباح كانت العيون شاخصة نحو جورجيا التي تواصل فيها فرز الأصوات في سباقين انتخابيين مصيريين لمجلس الشيوخ. والمرشح الديمقراطي رفائيل فيرنو، توج في السابق كفائز في أحد هذين السباقين، واعتبر انتخابه حدثاً تاريخياً لأنه الشخص الأسود الأول الذي انتخب لمجلس الشيوخ في هذه الولاية في الجنوب. وكانت المعركة الثانية متقاربة جداً، لكن يظهر فيها أيضاً أن هناك فوزاً للمرشح الديمقراطي جون أوسوف. وإذا فاز الاثنان فسيكون هناك توازن قوى في مجلس الشيوخ، 50: 50. ومع وجود نائبة الرئيس كمالا هاريس مرجحة لهذا التوازن، فستنتقل السيطرة فعلياً إلى أيدي الديمقراطيين، الأمر الذي سيمنح جو بايدن مجالاً أكبر للمناورة.

ولكن في موازاة الدراما السياسية التي تحدث في جورجيا، تستعد واشنطن لمعركة أخرى: جرت في الكونغرس عملية رسمية للمصادقة على تصويت المجمع الانتخابي لانتخاب الرئيس مثلما يقتضي الدستور. أخرى ومثل هذا يعتبر في أي جولة انتخابية حدثاً إجرائياً لم يكن ليحظى باهتمام الجمهور الواسع، وبصعوبة من قبل المشرعين أنفسهم. ولكنها بالنسبة لترامب كانت فرصة لاستغلال الإجراءات لصالحه. منذ خسارته وهو يستغل معظم الإجراءات الرسمية ويحاول تحويلها إلى حملة انتخابات بديلة. وبالنسبة له، كان التصويت أمس محاولة أخيرة للاحتجاج على إرادة الناخب.

12 سناتوراً جمهورياً و140 عضو كونغرس أعلنوا مسبقاً عن ولائهم لترامب، وأعلنوا بأنهم سيعارضون العملية، مع معرفة واضحة بأن هذه ليست سوى خطوة رمزية. ولم يفعلوا ذلك لاعتقادهم بإماكانية تغيير نتائج الانتخابات، بل العكس. وهم يستعدون الآن للانتخابات القادمة في العام 2022 أو 2024، وهذا يتعلق بالمنصب. وكل رغبتهم هي الوصول إلى يوم الناخب وهم في الطرف الجيد لمصوتي ترامب.

استجاب جمهور ترامب لدعوة الرئيس، وتجمع في مركز واشنطن ولم تشغله القضايا القانونية، رغم أن نتائج الانتخابات سبق وتحددت في تشرين الثاني وصادق عليها المجمع الانتخابي في كانون الأول، إلا أن ترامب أقنع الجمهور بأنها فرصة أخيرة لقلبها. ومثلما أوضح عشرات القضاة لكثير من محاميه، فليس لديه دليل على أن “اليسار المتطرف” زوّر الانتخابات، لكن المتظاهرين يؤمنون بذلك من أعماق قلوبهم.

استغل ترامب مسيرته التهديدية لتسوية الحساب مع كل من أدار ظهره؛ فقد أدخل إلى مربع “اليساريين المتطرفين” عدداً من السناتورات الجمهوريين مثل ميت رومني، وحاكم جورجيا براين كامب، ووزير الخارجية براد ريفنسبيرغر، الذي تم نشر تسجيل عن محادثاته معهم في “واشنطن بوست” جمهوريان متعصبان، لكن أثناء فرز الأصوات في ولايتهما فضل الامتثال للدستور وليس للطلبات غير الديمقراطية لزعيم حزبهما – وتم شطبهما.

انقض ترامب أيضاً على معظم الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب لأنهم لم ينضموا لجوقته، كل واحد لأسبابه الخاصة، وأقسم على النضال ضدهم عندما سيتنافسون لفترة ولاية أخرى. “جمهوريون ضعيفون”، كان أحد الصفات التي ألصقها بهم، “يثيرون الشفقة”، هذا كان وصفاً مهيناً آخر.

حتى النائب المخلص لترامب الذي تنازل في السنوات الأربع الأخيرة عن كرامته الشخصية وعن مبادئه لإرضاء الرئيس، وجد نفسه في الطرف غير الصحيح. “آمل أن يفعل مايك بينس الأمر الصحيح، لأنه إذا فعل سنفوز في الانتخابات”، قال ترامب، لكن تعابير وجهه أظهرت أنه لم يعد يثق به مثلما كان في السابق. قبل فترة قصيرة من المسيرة والتصويت في الكونغرس، أبلغت معظم وسائل الإعلام بأن بينس لا ينوي معارضة المصادقة على فوز بايدن.

من اعتقد أن الانقسام الداخلي للحزب الديمقراطي، والذي قاده ترامب في الأشهر الأخيرة سيبقى مقتصراً على منتخبي الجمهور، فقد خاب أمله. تجمع المتظاهرون الذين شاركوا في المسيرة في البداية قرب النصب التذكاري في واشنطن. ولكن بعد ذلك، اخترق المئات منهم حواجز الشرطة وبدأوا بالركض نحو تلة الكابيتول. بعد ذلك، اندلعت مواجهات بين المتظاهرين ورجال الشرطة وسيطرت الفوضى على مبنى الكونغرس.

حسب التقارير، بعض رجال الشرطة الذين قاموا بتأمين المنطقة لم يستطيعوا الوقوف أمام هذا الاندفاع العارم، ولم تساعدهم قنابل الدخان. نجح عدد من المتظاهرين في اجتياز الحماية واندفعوا إلى داخل المبنى، ثم دخلوا إلى اجتماع مجلس الشيوخ. الذعر الذي شعرت به واشنطن، وتردد صدى صور الانقلابات في دول أمريكا الجنوبية اشتد عندما أعلن رئيس البلدية عن حظر تجول عام ومنع سكان المدينة من الخروج إلى الشوارع من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحا. في هذه المرحلة، وعندما خرجت الأمور عن السيطرة، غرد ترامب لمؤيديه وطلب منهم الامتثال لرجال الشرطة. وبهذا حاول إبعاد نفسه عن الجمهور الذي هو نفسه أثار حماسته قبل فترة قصيرة من ذلك، وجهاً لوجه وبدون أقنعة.

ورغم بيانه التصالحي، بقي الخطر الذي يجسده ترامب كبيراً. لديه أسبوعان إلى حين أداء بايدن القسم، وهذا وقت يكفي ويزيد لزرع المزيد من الفوضى والتشويش. قوات الأمن في واشنطن، كما يبدو، ستستخلص الدروس في الأيام القريبة القادمة، لكن ترامب ومؤيديه ما زالوا غاضبين ويمكنهم الانقضاض. حتى لو أصبح الشر وراءنا وحتى إذا كان العنف في واشنطن مجرد تشنج آخر من تشنجات احتضار رئاسة ترامب، إلا أنه تذكار لتراث رعب الرئيس الـ 45. بايدن وزعماء الجمهوريين مثل السناتور مايك مكونال، أصبحوا يدركون أن ترامب يورثهم خطراً واضحاً وفورياً.

بقلم: نتنئيل شلوموبتس

هآرتس

القدس العربي

—————————–

ترامب يتعهد بـ”انتقال منتظم” للسلطة وسط صدمة عالمية بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول

واشنطن – في إقرار واضح بهزيمته في الانتخابات، تعهد دونالد ترامب الخميس بـ”انتقال منتظم” للسلطة في 20 كانون الثاني/يناير، غداة العنف الذي رافق اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول زارعين الفوضى والذعر ومثيرين صدمة في أمريكا والعالم.

وجاء ذلك بعد دقائق على مصادقة الكونغرس على انتخاب جو بايدن رئيسا، في آخر مرحلة قبل تنصيبه رسميا، في عملية كان يفترض أن تكون شكلية، لكن الصور التي لم يكن بإمكان أحد أن يتخيلها والتي التقطت من داخل مبنى الكابيتول العريق الذي يضم الكونغرس الأمريكي في واشنطن، ستدخلها التاريخ.

وفي ختام يوم قد يكون كارثيا لمستقبله السياسي، تعهد ترامب بمغادرة البيت الأبيض في نهاية ولايته، غير أنه استمر رغم ذلك في مزاعمه بحصول تزوير انتخابي.

وكتب في بيان “حتى لو كنت أعارض تماما نتيجة الانتخابات، والوقائع تدعمني، سيكون هناك انتقال منتظم في 20 كانون الثاني/يناير”.

وأضاف “إنها نهاية واحدة من أفضل أولى الولايات في تاريخ الرئاسة، لكنها مجرد بداية معركتنا من أجل أن نعيد لأمريكا عظمتها”.

وأعلن نائب الرئيس الجمهوري مايك بنس في منتصف الليل بالتوقيت الأمريكي وبعد رد اعتراضات عدد من النواب الجمهوريين، المصادقة على فوز بايدن، مؤكدا أن نتيجة تصويت الهيئة الناخبة صبّ لصالح هذا الأخير، بأصوات 306 من كبار الناخبين مقابل 232 لدونالد ترامب.

وكان النواب وأعضاء مجلس الشيوخ قطعوا جلستهم المشتركة لساعات عدة الأربعاء بسبب اقتحام أبر رموز الديمقراطية الأمريكية. واستأنفوها بعد إخلائه من المتظاهرين. ورفضوا اعتراضات قدمها الجمهوريون على فوز بايدن، فيما تراجع عدد من الموالين لترامب عن مواقفهم في أعقاب أحداث العنف.

وكان لمشاهد الأحداث داخل مبنى الكابيتول العريق في واشنطن وقع الصدمة. فقد اجتاز حشد من المتظاهرين الذين كانوا يلوحون برايات بعضها كتب عليه “ترامب رئيسي”، الحواجز الأمنية أمام مقر الكونغرس واقتحموا المبنى وخربوا مكاتب ودخلوا إلى قاعات والتقطوا صورا لهم فيها، مرددين أن الانتخابات الرئاسية مزورة.

وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع خلال عملية استمرت أربع ساعات لإخراج المتظاهرين من الكابيتول. وقالت الشرطة إن امرأة، يعتقد أنها من أنصار ترامب جاءت من جنوب كاليفورنيا، قضت إثر إصابتها بالرصاص وإن ثلاثة أشخاص آخرين لقوا حتفهم في المنطقة في ظروف لم تتضح بعد.

وانتشرت صورة لأحد أنصار ترامب يرتدي سروال جينز وقبعة بيسبول وهو جالس ورجله مرفوعة على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي حيث تُركت رسالة تنطوي على تهديد، في وقت تسلق متظاهرون آخرون منصات أقيمت لحفل تنصيب بايدن في كانون الثاني/يناير، ورفعوا لافتة كتب عليها “نحن الشعب سنخضع دي.سي (واشنطن). لدينا القدرة على ذلك”.

ووصف بايدن أحداث العنف بأنها “تمرد”. وقال بايدن من ولاية ديلاوير، مسقط رأسه، “نظامنا الديمقراطي يتعرض لهجوم غير مسبوق”.

وأضاف “هذا ليس اعتراضا. إنه إخلال بالأمن وفوضى. ويكاد يصل إلى الفتنة. ينبغي أن يتوقف الآن”.

وبعد وقت قصير على تصريحات بايدن، نشر ترامب تسجيلا مصورا دعا فيه أنصاره للمغادرة لكنه كرر اتهاماته التي لا تستند إلى أدلة عن تزوير الانتخابات.

وقال “يجب أن يحل السلام. لذا اذهبوا إلى بيوتكم. نحن نحبكم، أنتم مميزون جدا”.

وقالت صونيا فيتزجيرالد البالغة 34 عاما المناصرة لترامب من ولاية فلوريدا على درج الكابيتول “ستسمعون عن الأمر في كتب التاريخ”.

وفي إجراء غير مسبوق، حجبت منصات تواصل اجتماعي تسجيل ترامب معتبرة أنه يفاقم العنف. وعلق موقع “تويتر” حسابه، محذرا الرئيس من حظر دائم في حال عدم التزمه بقواعد النزاهة المدنية.

“دوامة قاتلة” للنظام الديمقراطي

وتزامنت الفوضى في الكابيتول مع فوز الديمقراطيين بمقعدين في مجلس الشيوخ في انتخابات فرعية في ولاية جورجيا، ما يكرس هيمنتهم على الكونغرس ويمهد الطريق أمام بايدن لتمرير تشريعات بدءا بمساعدات إغاثة في أزمة كوفيد-19.

ويقول المؤرخون إنها المرة الأولى التي يتم فيها اقتحام الكونغرس منذ عام 1814 عندما أحرقه البريطانيون خلال حرب 1812.

ولأكثر من عقدين، جرت الجلسات المشتركة للكونغرس بهدوء، وهي إجراء شكلي تتم فيه المصادقة رسميا على الفائز في الانتخابات، لكن ترامب حض أعضاء الحزب الجمهوري على الاعتراض على النتيجة.

ورفض الكونغرس الاعتراض الأول على فوز بايدن في أريزونا. كما رفض اعتراضا من الحزب الجمهوري على فوز بايدن في ولاية بنسلفانيا.

واعترض 121 نائبا من الحزب الجمهوري على النتيجة، بينما تراجع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن معارضتهم السابقة بسبب أحداث الكابيتول.

وقالت السناتور كيلي لوفلر التي خسرت الانتخابات الفرعية في جورجيا، “الأحداث التي حصلت اليوم أجبرتني على إعادة النظر. ولا أستطيع الآن بضمير حي أن أعترض على المصادقة”.

وتراجع أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ عن الاعتراض على فوز بايدن في جورجيا وميشيغن.

وسعى زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل الذي لطالما كانت مواقفه متناسقة مع ترامب خلال رئاسته، إلى منع الاعتراضات، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات ليست حتى متقاربة.

وقال قبل وقت قصير على أعمال العنف “الناخبون والمحاكم والولايات قالت كلمتها. إذا قمنا بنقضها فسنلحق الضرر بجمهوريتنا إلى الأبد”.

وأضاف “في حال أُبطلت نتيجة الانتخابات استنادا إلى مجرد ادعاءات من الخاسرين سيدخل نظامنا الديمقراطي في دوامة قاتلة”.

لكن السناتور جوش هولي الذي قاد جهود الاعتراض على المصادقة وينظر إليه كمرشح جمهوري مستقبلي طامح للرئاسة، تمسك بموقفه حتى بعد اقتحام الكابيتول.

وقال السناتور البالغ 41 عاما “التغيير لا يتحقق بالعنف”، مشددا على أنه يريد أن يعرض “عملية قانونية” تتيح لمؤيدي ترامب النظر في ادعاءاتهم بحصول تزوير في الانتخابات.

“عار”

أما السناتور ميت رومني، أحد أكبر منتقدي ترامب في الحزب الجهوري، فقال إن أفضل طريقة لاحترام الناخبين هي “بقول الحقيقة لهم”.

وقال “اولئك الذين يستمرون في دعم هذه المناورة الخطيرة … سيُعتبرون إلى الأبد متواطئين في هجوم غير مسبوق على نظامنا الديمقراطي”.

واعتبر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، المرجح أن يصبح زعيم الأكثرية في المجلس بعد انتخابات الثلاثاء، أعمال العنف بمثابة “محاولة انقلاب”. وقال إنها ستدخل التاريخ الأمريكي على غرار الهجوم الياباني على بيرل هاربور.

وأضاف “هذا الحشد في جزء كبير منه صنيعة الرئيس ترامب، حرضتهم كلماته وأكاذيبه”، مضيفا بأن ترامب سيلحق به “عار دائم”.

واعتبر الرئيس السابق باراك اوباما أعمال العنف “مخزية” لكنها ليست “مفاجئة”.

وأضاف “سنخدع أنفسنا إذا قلنا إنّ ما حدث كان مفاجأة تامّة”، ملقياً باللوم على قادة الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الموالية لهم لأنّهم “غالباً ما كانوا غير راغبين في إخبار أتباعهم بحقيقة” أن بايدن حقّق فوزاً كبيراً في الانتخابات.

وشنّ الرئيس الأسبق الجمهوري جورج دبليو بوش هجوماً عنيفاً على القادة الجمهوريين الذين أجّجوا حالة “التمرّد” التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تليق بـ”جمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية”.

في العالم، عبر حلفاء الولايات المتحدة عن صدمتهم. وندد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بما وصفه “مشاهد مخزية”، فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحداث “بالعمل المشين”. وأعربت المستشارة الألمانية عن “حزنها” و”غضبها” مؤكدة أن ترامب يتحمل قسما من المسؤولية.

في باريس، اعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون أن ما حصل في واشنطن “ليس أمريكيا بالتأكيد”.

أعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الخميس عن “حزنها” و”غضبها”، محملة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته قسما من المسؤولية.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أبرز حلفاء ترامب، الخميس أحداث مبنى الكابيتول في واشنطن “بالعمل المشين”، مضيفا “الديمقراطية الأمريكية ستنتصر كما كانت دائما. لطالما ألهمتني”.

وكان يتحدث إثر لقائه وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين الذي يزور القدس والذي قال بدوره إن أعمال العنف التي قام بها أنصار ترامب “غير مقبولة”، مضيفا “حان الوقت لكي تتحد أمتنا وتحترم العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة”.

أما خصوم واشنطن، فاستغلوا الظرف لانتقادها مجددا.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني الخميس إن الديمقراطية الغربية “هشة وضعيفة”، محذرا من صعود “الشعبوية”.

دعوات لتنحية ترامب

ولم يتبق سوى أسبوعين لترامب في البيت الابيض. ومع تراجع نشاطاته العامة منذ أسابيع وتقارير عن عدم قدرته على التعاطي مع الأمر الواقع، ذكرت وسائل إعلام أن الحكومة تبحث بتكتم مسألة عزله كونه غير أهل للمنصب، بموجب التعديل الـ25 للدستور.

وكتب جميع الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس النواب في رسالة إلى نائب الرئيس مايك بنس أن “استعداد الرئيس ترامب للتحريض على العنف والاضطرابات الاجتماعية لإلغاء نتائج الانتخابات يتطابق مع هذا المعيار”.

وكان ترامب حض أنصاره في كلمة غاضبة أمام البيت الأبيض، على السير نحو الكابيتول وطالب بنس بالتدخل لعكس مسار الهزيمة.

لكن بنس الذي بقي مخلصا لترامب طيلة أربع سنوات وصامتا خلال الانتخابات، قال في بيان في اللحظة الأخيرة إنه لن يفعل ذلك.

(أ ف ب)

——————————

فورين بوليسي: أمريكا شهدت يوم الأربعاء محاولة إنقلابية ضد السلطة التنفيذية

إبراهيم درويش

قال الباحث في العلوم السياسية بجامعة ماساشوستس أمهرست بول ماسغريف إن الهجوم على الكابيتال هيل هو انقلاب.

وأضاف أنه في صباح الأربعاء تابع الأخبار في الصحف المعروفة مثل واشنطن بوست وبوليتيكو وول ستريت جورنال حيث كان معظمها مشغولا بنتائج انتخابات الإعادة في جورجيا والوباء المستمر وغير ذلك. إلا أن مقالا لفت نظره في واشنطن بوست لديفيد ناكامورا تساءل فيه إن كانت التحضيرات للإحتجاجات أمام كابيتال هيل تدخل ضمن تعريف الإنقلاب.

واستند في مقالته على شهادات خبراء ومؤرخين قالوا إنها انقلاب، ولكن تطورات الثلاثاء التي تحدثت عنها تلك الصحف لم يكن ينطبق عليها بعد التعريف الأكاديمي للمحاولة الإنقلابية.

وبعد الخرق الأمني للكابيتال وتعليق جلسة عد الأصوات ودخول عصاة إلى مكاتب النواب وأعضاء مجلس الشيوخ فإن ما حدث يعطي صورة أن ما شهدته الولايات المتحدة كان محاولة إنقلابية، أي محاولة بالقوة للسيطرة على السلطة ضد إطار قانوني. وكان الرئيس هو مصدر الإرباك لعملية المصادقة على عملية ستؤدي إلى خروجه من السلطة. وبسبب هذا جرى تعليق آليات الحكومة الدستورية.

وحذر الباحث من إمكانية خسارة الأمريكيين حكومتهم الدستورية بمستوى لا مثيل له حتى أثناء الحرب الأهلية، الفترة التي لم تؤد العملية الإنفصالية نفسها إلى تأجيل الإنتخابات أو عملية نقل السلطة بين الرؤساء. وقال إن اللحظة التي تواجه الأمريكيين اليوم هي مشابهة لما جرى في روسيا آب/ أغسطس 1991 للإطاحة بالرئيس ميخائيل غورباتشوف كرئيس للإتحاد السوفييتي أو المواجهة المسلحة عام 1993 بين المشرعين الروس والرئيس بوريس يلتسين.

لكن وحتى هذه اللحظة هناك كورس من الأصوات يدعونا لعدم القلق.

ويرى الباحث أن السنوات الماضية كانت فترة إزدهار للباحثين السياسيين الذين يعملون على تحليل قضايا تتعلق بتحلل الديمقراطية والإنقلابات، ذكر مقال “واشنطن بوست” عددا منهم. وفي الوقت الذي دخلت فيه الولايات المتحدة مرحلة مجهولة من الديمقراطية توصل الصحافيون والقراء معا أن الصحافة التي تشبه تغطية سباقات الخيل لم تعد قادرة على تفسير السياسة.

وفي الوقت الذي زاد فيه التوتر حصل انقسام بين من يؤمنون بقدرة المؤسسات على حماية الأمريكيين وتفوق القيم الديمقراطية وبين من كانوا واضحين بحدوث مواجهة في أمريكا على قاعدة ضخمة.

والسؤال أين الخطأ؟ يجيب الكاتب أن هناك التزام مثير للإحترام لنزاهة البحث الأكاديمي، من ناحية التزامه بالقواعد. ويرى المركز للسلام المنظم في دليله عن الإنقلابات أن “الثورات الإجتماعية وانتصارات من قوى المعارضة في الحروب الأهلية أو انتفاضات شعبية قد تقود إلى تغيرات جوهرية في القيادة المركزية ليست انقلابات عسكرية”، وحتى يوم الأربعاء لم يحدث شيء من هذا القبيل. ولكن ما حدث في ذلك اليوم يمكن اعتباره انقلابا لأن دليل المركز وتعريفه للإنقلاب هو “السيطرة بالقوة على السلطة التنفيذية والرئاسة من قبل فصيل معارض أو منشق داخل النخبة الحاكمة والسياسية وتؤدي إلى تغير جوهري في القيادة التنفيذية وسياسات النظام السابق”.

و”نرى هذا أمام أعيننا الآن حيث حاول أنصار ترامب وبطريقة منظمة عرقلة عملية عد ومصادقة قانونية للإنتخابات بما في ذلك محاولة إجبار نائب الرئيس مايك بنس على اختيار الرئيس المقبل. ومن الصعب تحديد النية والقصد مع الغوغاء ومن يحرضونهم. ولكن المنظمين المؤيدين لترامب كانوا واضحين على منابر الإنترنت ورغبتهم بقلب نتائج الإنتخابات وإبقاء ترامب في السلطة وكذا تغريدات ترامب نفسه”.

وأنت لست بحاجة للقوة العسكرية كي تقوم بانقلاب مع أن مقال وزراء الدفاع الأحياء السابقين العشرة والذين حذروا من عدم زج الجيش في السياسة وإبقائه في الثكنات ما يدعو للقلق. وقال إن من يترددون باعتبار أحداث الأربعاء انقلابا نابع من تمسكهم بالنزاهة الأكاديمية التي تقوم على التكهن والتوقع الذي يريدون صحيحا وتجاهل ما يحدث في الحقيقة. ومعظم هؤلاء يركزون في دراساتهم على المقارنة التي تدرس السياسة الأجنبية لا الأمريكية، باستثناء مجموعة من المتخصصين في التطورات السياسية الأمريكية الذي يعرفون بتاريخ العنف في تاريخ البلاد السياسي.

وحتى يوم الأربعاء أقام الأمريكيون النتائج الإنتخابية على ما يحصل وليس إن كانت النتائج تهم أم لا. وتدخل الولايات المتحدة مرحلة خطيرة، فعملية نقل السلطة التي تستغرق أشهرا والتي يعرف الجميع أن الولايات المتحدة تكون فيه هشة وينظر إليها بمرحلة خطيرة. ويظل الرئيس في منصبه خلال فترة الإنتقال. ولو حدثت عملية تنصيب لجوزيف بايدن، فستعقد في مكان آمن وليس على درجات الكابيتال المقدسة.

—————————

أمريكا: إطلاق نار ومواجهات مسلحة بين الشرطة وأنصار ترامب خلال اقتحامهم الكونغرس في محاولة لمنع توثيق فوز بايدن

واشنطن – وكالات: نقلت قناة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية أنباء عن حصول مواجهة مسلحة عند باب قاعة مجلس النواب الأمريكي، وقال شهود إن السلطات حاولت إغلاق مبنى الكونغرس الأمريكي (الكابيتول) أمس الأربعاء إثر اختراق حشود تحتج على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن للحواجز الأمنية أثناء مناقشة المجلس للتوثيق الرسمي لفوزه على الرئيس دونالد ترامب.

وتوقف فجأة وبشكل غير متوقع عمل مجلسي الشيوخ والنواب، اللذين كانا يناقشان الاعتراضات المقدمة على فوز بايدن وغادر نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس مبنى المتظاهرين في حماية الشرطة.

وحسب مراسل نيويورك تايمز فإن السيناتور الجمهوري ميت رومني اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتسبب في هذا التمرد، فيما قال زعيم الجمهوريين في مجلس النواب في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” إن الاحتجاجات في مبنى الكونغرس لا تمت لأمريكا بصلة، مشيرا إلى أنه سمع خلال وجوده مع شرطة الكونغرس عبر جهاز لاسلكي إطلاق نار.

وطلبت شرطة الكونغرس من أعضاء مجلس النواب بالبقاء في أمكنة مغلقة وبأخذ أقنعة الغاز من تحت مقاعدهم وأن يكونوا مستعدين لوضعها، كما طالبت الصحافيين البقاء في المبنى والاستلقاء على الأرض. وقالت الشرطة إنها تتعامل مع بلاغات عن احتمال وجود عبوات ناسفة في مناطق متفرقة من واشنطن.

وفرضت عمدة واشنطن حظرا للتجوال على كامل المدينة اعتبارا من السادسة مساء بالتوقيت المحلي

اعتبر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الذين يعترضون على فوز جو بادين في الانتخابات يدعمون “محاولة انقلاب”.

وقال “للأسف يظن بعض عناصر الحزب الجمهوري أن استمراريتهم السياسية رهن بمشاركتهم في محاولة انقلاب”. وخلال جلسة خاصة مشتركة لمجلسي الكونغرس للمصادقة على فوز بايدن اعترض الأربعاء أعضاء موالون للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، على نتائج الانتخابات مكررين الادعاءات بحصول عمليات تزوير.

في هذه الأثناء تابع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إطلاق تصريحات تحريضية، وذلك خلال لقاء عام مع أنصاره في واشنطن، أعاد فيها مزاعمه حول حصول تزوير كبير في الانتخابات، وهاجم فيها المحكمة العليا، وسلطات الولايات الأمريكية، كما هاجم نائبه مايك بنس، الذي أعلن بشكل رسمي أنه لن يعارض المصادقة على فوز جو بايدن.

————————–

واشنطن بوست: ترامب خطرٌ على أمريكا ويجب تنحيته حالا

إبراهيم درويش

دعت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها إلى تنحية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الحكم، واتهمته بالوقوف وراء الهجوم على مبنى الكابيتول هيل في واشنطن.

وقالت الصحيفة إن رفض الرئيس ترامب القبول بنتائج الانتخابات وتحريضه المستمر لأنصاره، قاد يوم الأربعاء لشيء لم يكن أحد يتخيله، هجوم غوغاء متطرفين على الكابيتول في الولايات المتحدة والذين تغلبوا على الشرطة التي أخرجت المشرّعين من القاعة التي كانوا يناقشون فيها نتائج الانتخابات الرئاسية.

وأضافت أن “المسؤولية عن هذا الفعل من التمرد، يتحملها الرئيس الذي أظهر أن فترته في الحكم شكلت تهديدا خطيرا على الديمقراطية الأمريكية. ويجب تنحيته”، فقد شجع ترامب الغوغاء على التجمع يوم الأربعاء الذي اجتمع فيه الكونغرس للمصادقة على تعيين جوزيف بايدن رئيسا، وطلب منهم التصرف “بوحشية”. وبعد تكراره سلسلة من نظريات المؤامرة الغريبة، حثّ الجماهير على الزحف نحو الكابيتول “سنزحف إلى هناك وسأكون هناك معكم”. و”لن تستيعدوا بلدنا مرة أخرى بالضعف. وعليكم إظهار القوة وأن تكونوا أقوياء”.

لكن الرئيس لم ينضم للغوغاء، ولكنه راقب من مكانه الخاص عبر التلفاز عندما قام أنصاره بخرق حراسات الكابيتول هيل وتغلبوا على الشرطة التي تحرس المبنى. وأُجبر أعضاء مجلس النواب والشيوخ على الهرب. وأُطلقت الأعيرة النارية التي أدت إلى قتل شخص واحد على الأقل.

وبدلا من التصرف سريعا وشجب العنف والطلب من أنصاره التوقف، نشر ترامب تغريدة عادية طلب فيها منهم أن يتصرفوا بـ”سلمية”. وبعد مناشدات من كبار الجمهوريين، نشر ترامب أخيرا شريط فيديو طلب فيه من المتمردين العودة إلى بيوتهم، ولكنه زاد من أكاذيبه التي كانت وراء تصرفات جماعات فرض النظام بالقوة “نحبكم ونعاملكم بخصوصية”.

وبعد ذلك، برر ترامب تصرفات المتمردين عندما قال: “هذه أمور وأحداث تحدث عندما تتم سرقة انتصار ساحق مقدس بطريقة غير رسمية ووحشية”.

وقالت الصحيفة: “لم يعد الرئيس صالحا للبقاء في مكتب الرئيس خلال الأسبوعين المقبلين. وكل ثانية يحتفظ فيها بسلطاته الواسعة، سيظل خطرا على الرأي العام والأمن القومي. وعلى نائب الرئيس مايك بنس الذي سُحب على جناح السرعة من قاعة مجلس الشيوخ لحمايته، جمع أعضاء الحكومة البارزين واستحضار التعديل الـ25 من الدستور، وإعلان أن الرئيس ترامب لم يعد قادرا على أداء واجبات مكتبه والسلطات الممنوحة له”.

وتضيف: “يجب على الكونغرس المصادقة على التحرك في حالة مقاومة ترامب، ويتولى بنس السلطة حتى تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 كانون الثاني/ يناير. وفي حالة فشل هذا، يجب على كبار مسؤولي الحزب الجمهوري ضبط الرئيس”.

وجاء التمرد في وقت شجب فيه كبار مسؤولي الحزب ترامب، ومن بينهم السناتور ميتش ماكونيل الذي وجه خطابه إلى السناتور جوش هاولي والسناتور تيد كروز والنائب كيفن ماكارثي وستيف سكالايز الذين عبروا عن دعمهم لترامب في تغذية غضب من خدّرهم الرئيس وقادهم للاعتقاد أن الانتخابات مسروقة.

وكان ماكونيل واضحا في النهاية، أن زعم الرئيس لا أساس له: “لا شيء أمامنا يؤكد عدم قانونية في أي مكان وعلى قاعدة واسعة، وبشكل يحرف ميزان الانتخابات. ولو قلبت نتائج الانتخابات بناء على هذه المزاعم فستدخل ديمقراطيتنا دوامة الموت”.

وقالت واشنطن بوست، إن الرهانات بات واضحة، وعلى كل جمهوري بمن فيهم ماكونيل الذي يعدّ وغيره مسؤولا عن الأحداث التي وقعت يوم الأربعاء، واجب وقف ترامب عند حده، وإعادة الثقة بديمقراطيتنا.

وبدأت العملية ليلة الأربعاء باستئناف جلسات الكونغرس. وحاول عدد من المشرعين الاستفادة من الغضب بعد تأجيج ترامب للغوغاء، وتوقفوا عن مواقفهم المعارضة، مع أنهم سيحملون العار دائما لمساهمتهم في أحداث هذا اليوم المخجل.

وأكدت الفوضى مرة أخرى حكمة الناخب الأمريكي برفض ترامب وانتخاب جوزيف بايدن. وكان الرئيس المنتخب على قدر المسؤولية وتعامل بحسم مع اللحظة، عندما دعا الغوغاء للتوقف وفتح المجال أمام الديمقراطية لتقول كلمتها. وقال: “هذا ليس احتجاجا بل تمرد”. و”اليوم هو تذكير مؤلم أن الديمقراطية هشة”.

وتقول الصحيفة: “هو محق؛ لأن أعلى صوت في البلاد هو من حرض على الفتنة، ليس عبر التغريدات، ولكن دعا أنصاره للتحرك”.

وتختم واشنطن بوست بالقول: “ترامب خطر. وطالما ظل في البيت الأبيض، ستظل البلاد في خطر”.

———————-

استقالة مسؤولين في البيت الأبيض بعد اقتحام الكونغرس و”اف بي آي” يطلب المساعدة بالتعرف إلى المتورطين

ذكرت تقارير إعلامية أن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي مات بوتينغر استقال لينضم إلى عدد من المسؤولين المنسحبين من إدارة الرئيس دونالد ترامب، في أعقاب العنف في مبنى الكونغرس، فيما طلب مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” المساعدة بالتعرف إلى المتورطين في الاقتحام.

وذكرت قناة “سي.أن.أن” نقلاً عن شخص مقرب من بوتينغر، أنه استقال، مساء أمس الأربعاء، احتجاجاً على رد فعل ترامب على اقتحام مجموعة من أنصاره مبنى الكونغرس. وكانت وكالة “بلومبيرغ” أول من أعلن نبأ استقالة بوتينغر، الذي أدى دوراً رئيسياً في صياغة سياسة ترامب تجاه الصين.

وبوتينغر صحافي سابق في وكالة “رويترز” وفي صحيفة “وول ستريت جورنال”، وقد ترك الصحافة لينضم إلى مشاة البحرية الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة في 2001، وظل يعمل في البيت الأبيض منذ بداية رئاسة ترامب في 2017.

وتجيء الأنباء عن استقالة بوتينغر، الذي يتحدث اللغة الصينية بطلاقة، في وقت يشهد توتراً مع الصين.

ولم يعلق البيت الأبيض على الأمر حتى الآن، وإن كانت مصادر قد أبلغت “رويترز” بأن استقالة بوتينغر كانت متوقعة.

ولقي أربعة أشخاص حتفهم خلال أحداث العنف، منهم امرأة توفيت بعد إصابتها بطلق ناري، وثلاثة توفوا بسبب حالات طبية طارئة بعد اقتحام المئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس في محاولة لمنع التصديق على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.

وبينما كان أنصار ترامب يقتحمون مبنى الكونغرس، نشر ترامب تسجيلاً مصوراً على “تويتر” وصف فيه أنصاره بأنهم “مميزون”، وكرر مزاعمه بشأن تزوير انتخابات الرئاسة، لكنه حثّ أنصاره على المغادرة.

وأرجأت هذه الأحداث عملية التصديق على فوز بايدن لساعات. وسيجري تنصيب الرئيس الجديد في 20 يناير/ كانون الثاني.

وقالت مصادر مطلعة لـ”رويترز”، إن اثنتين من كبيرات مساعدي السيدة الأميركية الأولى ميلانيا ترامب استقالتا، أمس الأربعاء، في أعقاب العنف في مبنى الكونغرس، بينما يفكر روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي، في الاستقالة.

واستقالت ستيفاني غريشام، كبيرة موظفي السيدة الأولى.

وقالت غريشام في بيان: “تشرفت بخدمة البلد في البيت الأبيض. إنني فخورة للغاية بأني شاركت في مهمة السيدة (ميلانيا) ترامب لمساعدة الأطفال في كل مكان، وفخورة بالإنجازات الكثيرة لهذه الإدارة”.

ولم تذكر غريشام، التي أمضت عاماً في منصب المتحدثة الصحافية باسم البيت الأبيض قبل أن تصبح كبيرة موظفي السيدة الأولى، ما إذا كانت استقالتها رد فعل على العنف في العاصمة، لكن مصدراً مطلعاً على قرارها قال إن العنف كان القشة التي قصمت ظهر البعير.

وقال مصدران لـ”رويترز”، إن ريكي نيسيتا، السكرتيرة الاجتماعية للبيت الأبيض، استقالت أيضاً، وكذلك سارة ماثيوس، نائبة السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض.

وقال مصدر إن هناك أيضاً أحاديث داخل البيت الأبيض عن أن كريس ليدل، نائب كبير الموظفين، قد يستقيل.

من جهته، أطلق مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي “إف بي آي” موقعا إلكترونيا لجمع معلومات، وصورا فوتوغرافية ولقطات مصورة لأنصار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذين اقتحموا مبنى الكونغرس في واشنطن. وبحسب “الألمانية”، قال المكتب على الموقع، إن مكتب التحقيقات الاتحادي يقبل معلومات ومواد إعلامية رقمية تصور أعمال الشغب والعنف في مبنى الكونغرس الأميركي والمنطقة المحيطة به.

———————–

ثغرات أمنية خطرة سهلت اقتحام الكونغرس

دبت فوضى دامية في مبنى الكونغرس الأميركي (الكابيتول)، يوم الأربعاء، عندما داهمت مجموعة من الغوغاء أنصار الرئيس دونالد ترامب قوة الشرطة التي تحمي مقر الهيئة التشريعية في الولايات المتحدة، ما وصفه مسؤولون عن إنفاذ القانون بأنه “فشل كارثي” في الاستعداد للحدث.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في مجال إنفاذ القانون إن حصار الكونغرس، مقر مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، يمثل واحدة من أخطر الثغرات الأمنية في التاريخ الأميركي الحديث، إذ حوّل واحدا من أبرز رموز السلطة الأميركية إلى بؤرة للعنف السياسي.

وفي حين أن أحداثا مثل تنصيب رئيس جديد تنطوي على تخطيط أمني تفصيلي من جانب أجهزة أمنية عديدة، فقد قال المسؤولون إن التخطيط كان أقل بكثير لمهمة حماية الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس التي انعقدت يوم الأربعاء للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

وحدثت تلك الثغرة رغم علامات تحذيرية صارخة على احتمال وقوع أعمال عنف من جانب أنصار ترامب المتشددين، بعد أن ألهبت مشاعرهم اتهاماته التي لا أساس لها عن سرقة الانتخابات، وأمله في عرقلة تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.

وفي البداية، تولت التصدي للمتظاهرين بالكامل قوة شرطة الكابيتول المؤلفة من 2000 فرد، والمخصصة لحماية حرم الكونغرس الواقع على مساحة 126 فدانا.

ولأسباب لا تزال غير واضحة حتى صباح اليوم الخميس، لم تصل أفرع أخرى من أجهزة الأمن الاتحادية الضخمة بشكل واضح قبل ساعات، بينما حاصر مشاغبون مقر الكونغرس.

ويبعد مبنى الكونغرس مسافة قصيرة على الأقدام عن المكان الذي انتقد فيه ترامب في كلمته الانتخابات قبيل بدء الشغب، ووصفها فيها بأنها “اعتداء سافر على ديمقراطيتنا”، وحث فيها أنصاره على “التوجه إلى الكابيتول” وعلى “إنقاذ مسيرة أميركا”.

ولأسابيع سبقت قيام الكونغرس بفرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وهي في العادة عملية شكلية، ترددت تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي بأن احتجاجات مؤيدة لترامب يجري التخطيط لها قد تتطور إلى أعمال عنف.

وقال مسؤول كبير إنه رغم هذه المخاطر لم تطلب قوة شرطة الكابيتول دعما مسبقا لتأمين المبنى من الأجهزة الاتحادية الأخرى، مثل وزارة الأمن الداخلي.

ولم تتم تعبئة تعزيزات الحرس الوطني التي استدعاها رئيس بلدية المدينة لأكثر من ساعة، بعد أن اخترق المحتجون الحواجز الأمنية.

وعلى النقيض من ذلك، عمدت إدارة ترامب إلى نشر قوات تلك الأجهزة بكثافة، خلال الاحتجاجات على وحشية الشرطة في واشنطن ومناطق أخرى في الولايات المتحدة خلال الصيف الماضي.

ولم ترد شرطة مبنى الكابيتول على طلبات للتعليق.

وضباط شرطة الكابيتول مدربون على إبعاد المحتجين عن درجات السلم الخارجي الرخامية، لحماية المجمع وكأنه قلعة.

لكن تيرانس جينر، الذي كان قائدا لشرطة الكابيتول وأصبح فيما بعد أكبر المسؤولين عن إنفاذ القانون في مجلس الشيوخ الأميركي، قال إن العديد من النوافذ والأبواب في المجمع المبني في القرن التاسع عشر يتعذر الدفاع عنها.

ومع تدفق مجموعات من المشاغبين على قلب مؤسسة الحكم الأميركية شوهدوا على الكاميرات وهم يتجولون بحرية عبر القاعات التاريخية، البعض يتأرجح من شرفة وآخرون ينهبون مكتب نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، بل ومنهم من جلس على مقعد رئيس مجلس الشيوخ.

والتقط مصور لـ”رويترز” صورة لمشاغب يرفع علم القوات الكونفيدرالية في الحرب الأهلية الأميركية، وهو يتجول داخل الكونغرس.

وقال جينر: “عندي ثقة كبيرة في الرجال والنساء الذين يحمون الكونغرس. لكن من الضروري أن تحدث محاسبة كاملة”.

وعزا نواب داخل المبنى الفشل الأمني التاريخي إلى عدم الاستعداد للحدث. وقال النائب الديمقراطي فيسنت غونزاليس: “أعتقد أن الشرطة أدت مهمة رائعة في ظل الظروف، لكن من الواضح أنه لم يحدث تخطيط كافٍ”.

وكان بعض الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس، ممن أقلقهم احتمال وقوع أعمال عنف، قد حاولوا لأكثر من أسبوع الضغط على الأجهزة الحكومية للحصول على ما تعرفه من معلومات عن التهديدات وإجراءات التصدي لها وفقا لما قاله مصدر في الكونغرس.

عزا نواب داخل المبنى الفشل الأمني التاريخي إلى عدم الاستعداد للحدث. وقال النائب الديمقراطي فيسنت غونزاليس: “أعتقد أن الشرطة أدت مهمة رائعة في ظل الظروف، لكن من الواضح أنه لم يحدث تخطيط كافٍ”

لكن المصدر قال إنه لم يظهر أي مؤشر على أن أحدا يجمع معلومات جادة عن احتمال وقوع اضطرابات، أو يخطط للتصدي لها.

وقال مسؤول كبير بجهاز اتحادي من أجهزة إنفاذ القانون مطلع على التخطيط لحماية المواقع الاتحادية الأخرى، بما فيها المنطقة التي تحدث فيها ترامب، إنه ذُهل لأن شرطة الكابيتول لم تستعد بشكل أفضل.

وأضاف: “لم يكن يجب أن يحدث ما حدث. فقد كنا جميعا نعلم مقدما أن هؤلاء الناس قادمون، وأول عناصر عمل الشرطة هو أن تكون موجودة.. قوة شرطة الكابيتول هي في الأساس قوة حراسة، لذا من الصعب فهم سبب عدم استعدادها بشكل أفضل”.

ومنذ سنوات، تنعقد جلسات وتُرفع تقارير عن تحديات تأمين الكابيتول. فقد قال جينر إنه اقترح في 2013 إنشاء سياج يطلق عليه بوابة الكابيتول لمنع مثل هذا الاعتداء الواسع.

وأضاف أن الاقتراح لم ينفذ، لأن أعضاء الكونغرس أرادوا الحفاظ على حق الشعب في الوصول إلى الكونغرس، ورفضوا أن يبدو المجمع وكأنه حصن.

كان ترامب قد وعد، في تغريدة على “تويتر” بحدث “جامح” بهدف تغيير هزيمته في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، وبدا أنه يشجع أنصاره على التحرك.

وقال ترامب للجمع الحاشد يوم الأربعاء: “طفح الكيل ببلدنا، ولن نقبل بذلك بعد الآن. عليكم أن تظهروا قوتكم. وعليكم أن تكونوا أقوياء”.

ولم يرد البيت الأبيض على طلبات للتعليق على دور ترامب في التحريض على الاحتجاجات العنيفة أو انهيار الأمن في الكابيتول.

وبعد إلقاء الكلمة، عاد ترامب إلى البيت الأبيض واتجه المحتشدون إلى مبنى الكابيتول.

وقال مسؤولان أميركيان إن مسؤولي مدينة واشنطن كانوا يأملون في الأيام التي سبقت الاحتجاج تفادي أن يكون الرد ذا مظهر عسكري. فقد كانوا يخشون تكرار مشاهد الرد العنيف من الأجهزة الاتحادية على المظاهرات المناهضة للعنصرية التي حدثت أمام البيت الأبيض في يونيو/ حزيران الماضي.

وقال المسؤولان إنه من غير الواضح سبب تأخر قوة شرطة المدينة في الوصول إلى مبنى الكابيتول.

(رويترز)

العربي الجديد

—————————

حلفاء اميركا صدموا من المشاهد المخزية في الكونغرس

علّق القادة في جميع أنحاء العالم على أحداث الكونغرس من قبل حشد مؤيد للرئيس الأميركي دونالد ترامب بمزيج من الصدمة والحزن، ودعوا الرئيس إلى التراجع عن مزاعمه التي لا أساس لها حول تزوير الانتخابات وضمان انتقال سلمي للسلطة.

وقالت مجلة “فورين بوليسي” إن حلفاء الولايات المتحدة الذين كانوا ملهمين بالديمقراطية الأميركية، وجدوا فجأة أنفسهم يصدرون أنواعاً من البيانات المخصصة عادةً للاضطرابات في أكثر دول العالم هشاشةً من الناحية السياسية.

ووصف رئيس الوزراء بوريس جونسون ما حصل بأنه “مشاهد مخزية”، مطالباً بنقل السلطة سلميا إلى بايدن. وقال جونسون في تغريدة: “الولايات المتحدة تدعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ومن المهم الآن أن يكون هناك انتقال سلمي ومنظم للسلطة”.

أما وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب فقال في تغريدة: “الولايات المتحدة تفخر عن حق بديمقراطيتها، ولا يمكن أن يكون هناك مبرر لهذه المحاولات العنيفة لإحباط الانتقال القانوني والسليم للسلطة”.

وفي برلين، قالت المستشارة أنجيلا ميركل إنها كانت “غاضبة” و”حزينة” بسبب ما حدث في كواليس مبنى الكابيتول. وأضافت: “يؤسفني بشدة أن الرئيس ترامب لم يعترف بهزيمته منذ تشرين الثاني/نوفمبر”. وتابعت أن الشكوك التي أثيرت بشأن نتيجة الانتخابات “أجّجت الأجواء” التي أدّت إلى أحداث الأربعاء.

كذلك، دعا وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس أنصار ترامب إلى “التوقف عن الدوس على الديمقراطية”، وكتب: “على ترامب وأنصاره أن يقبلوا في نهاية المطاف بقرار الناخبين”، مضيفا أن أعداء الديمقراطية سيسعدون برؤية هذه الصور المروعة من واشنطن.

أما في فرنسا، فقد عبّر الرئيس إيمانويل ماكرون عن إدانته لمظاهرات اقتحام الكونغرس، قائلاً إن الاحتجاجات “لا تعكس الوجه الحقيقي للولايات المتحدة”، متجنباً أي ذكر لترامب.

وتابع: “أردت فقط أن أعبر عن صداقتنا وإيماننا بالولايات المتحدة. ما حدث في واشنطن ليس أميركياً. نحن نؤمن ، وإنه بقوة ديمقراطيتنا وبقوة الديمقراطية الأميركية”.

كذلك اعتبر وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول “مسّاً خطيراً بالديمقراطية”، مشدداً على “وجوب احترام رغبة الشعب الأميركي”.

من جهته، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في تغريدة: “مشاهد صادمة في واشنطن”، مضيفاً أن “نتيجة هذه الانتخابات يجب أن تُحترم”. فيما اعتبر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن ما حصل في الكابيتول “اعتداء على الديمقراطية الأميركية ومؤسساتها وسيادة القانون”. وكتب في تغريدة: “في نظر العالم، تبدو الديمقراطية الأميركية الليلة تحت حصار”.

إسرائيل كانت لها حصتها من الاستنكار على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تعرض لكمّ من الانتقادات بسبب تأخره في التعليق على أحداث الكونغرس. وقال ننتياهو في بيان الخميس، إن “اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن كان مشينا وينبغي استنكاره بشدة”. وأضاف “كانت الديمقراطية الأميركية، على مدار أجيال، مصدر إيحاء للعالم وإسرائيل. وشكلت الديمقراطية الأميركية دائما مصدر إيحاء لي. وأعمال الشغب العنيفة كانت النقيض للقيم التي يقدسها الأميركيون والإسرائيليون”.

بدوره، وقال وزير الخارجية الإسرائيلية غابي أشكنازي: “صُدمت من مشاهدة الهجوم على الكونغرس الأميركي، معقل الديمقراطية العالمي. وينبغي استنكار ذلك بحزم… وأنا واثق من أن الشعب الأميركي ومنتخبيه سيعرفون كيف يصدون هذا الهجوم والدفاع عن القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة والمهمة لنا جميعاً”.

وفي السياق، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ الخميس، أن الصين تأمل باستعادة الاستقرار والأمن في الولايات المتحدة في أقرب وقت. وقالت: “نحن واثقون من أن سكان الولايات المتحدة يأملون في الأمن والهدوء، خاصة وسط تفشي فيروس كورونا، كما نأمل أيضاً بأن يجد الأميركيون السلام والاستقرار والأمن في أسرع وقت ممكن”.

وفي أنقرة، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن بلاده تتابع بقلق ما تشهده الولايات المتحدة، والأمر ذاته جاء في بيان لوزارة الخارجية التركية، أوصى المواطنين الأتراك في الولايات المتحدة بالابتعاد عن الأماكن المزدحمة وأماكن التظاهرات.

كما دعا رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب الأطراف في الولايات المتحدة إلى التهدئة، مضيفاً في تغريدة “نؤمن بأن حل المشاكل سيتم دائما في إطار القانون والديمقراطية”.

———————————

بايدن رئيساً رسمياً..وترامب يتعهد بانتقال سلمي للسلطة

صدّق الكونغرس الأميركي على فوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة بأغلبية 306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتا للرئيس دونالد ترامب، رغم محاولات أنصار الآخير منع عملية التصديق عبر اقتحام الكونغرس الذي أوقع 4 قتلى.

وقال ترامب في أول تعليق على عملية التصديق: “رغم اعتراضي كلياً على نتائج الانتخابات، والحقائق تؤكد ذلك، سيكون هناك انتقال منظم للسلطة في 20 كانون الثاني/يناير”، موعد تنصيب جو بايدن وتسلمه مهام الرئاسة رسمياً. وأضاف: “قلت دائما إننا سنواصل معركتنا لضمان احتساب الأصوات القانونية فقط… في حين أن هذا يمثل نهاية أعظم فترة ولاية في تاريخ الرئاسة، إلا أنها مجرد بداية معركتنا لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.

وإثر استئناف الكونغرس جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات، ندّد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي يترأس مجلس الشيوخ، ب”أعمال العنف” التي شهدها مقر الكونغرس وعبًر عن أسفه لهذا “اليوم المظلم”. وقال بنس: “حتى بعد أعمال العنف والتخريب غير المسبوقين في مبنى الكابيتول هذا، ها هم ممثلو الشعب الأميركي المنتخبون يجتمعون مرة أخرى في اليوم نفسه للدفاع عن الدستور”.

من جهته، شدّد زعيم الأكثرية الجمهورية ميتش ماكونيل على أن المجلس “لن يتم ترهيبه”. وأضاف “لقد حاولوا تعطيل ديمقراطيتنا وفشلوا”.

بدوره، قال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إن ما جرى الأربعاء نتيجة “كلمات وأكاذيب” ترامب ستترك “وصمة لن تمحى بسهولة”.

وجاء تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات، بعد تظاهرة مؤيدة لترامب في العاصمة واشنطن، تحولت إلى أعمال شغب واقتحام للكونغرس، بعدما طلب ترامب من مناصريه التوجه إلى مبنى “الكابيتول هيل” مقر الكونغرس. ولم تنتهِ الأحداث التي استمرت لساعات، إلا بوصول الحرس الوطني الأميركي.

وأعلنت شرطة العاصمة الأميركية الخميس، أن اربعة أشخاص قد لقوا مصرعهم وجرى اعتقال 52 آخرين، خلال اقتحام أنصار ترامب لمقر “الكابيتول”. وأوضح قائد الشرطة في واشنطن روبرت كونتي أن من بين القتلى امرأة أصيبت برصاص الشرطة، فيما قضى ثلاثة آخرون جراء “حالات طوارئ طبية”.

وقالت الشرطة إن أنصار ترامب قذفوا “مواداً كيميائية مزعجة” أثناء اقتحام “الكابيتول” الذي استمر لساعات قبل أن تتمكن قوى القوى من إخراج المحتجين.

وقال مسؤولو شرطة العاصمة أيضاً إنه تم العثور على قنبلتين أنبوبيتين، إحداهما خارج اللجنة الوطنية الديمقراطية والآخر خارج اللجنة الوطنية الجمهورية. وعثرت الشرطة داخل الكابيتول على مبرد لسيارة (ثلاجة صغيرة) به مسدس وزجاجة مولوتوف.

وإثر هذه الأحداث، أعلنت عمدة واشنطن موريل باوزر الخميس، تمديد حالة الطوارئ لمدة أسبوعين، وهي المدة المتبقية للرئيس ترامب في الحكم.

——————————-

اقتحام الكونغرس:حلفاء ترامب ينقلبون عليه..ويبحثون عزله

قالت وسائل إعلام أميركية أن عدداً من الوزراء في إدارة الرئيس دونالد ترامب ناقشوا إمكانية تنحيته بعد أن اقتحم مئات من أنصاره مبنى الكابيتول لتعطيل جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي فاز بها جو بايدن.

ونقلت ثلاث شبكات تلفزيونية هي “سي إن إن” و”سي بي إس” و”إيه بي سي” عن مصادر أن الوزراء بحثوا إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي.

ويسمح هذا التعديل لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة أن يقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنه “غير قادر على تحمّل أعباء منصبه”، ولكن تفعيله يتطلب أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس للتصويت على قرار تنحية ترامب.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين جمهوريين أن الوزراء ناقشوا فكرة تفعيل التعديل الخامس والعشرين بعدما اعتبروا أن ترامب أصبح “خارج السيطرة”.

بدورها نقلت شبكة “إيه بي سي” عن مصادر متعدّدة أن مناقشات جرت بشأن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتّحدة. لكنّ شبكة “سي بي إس” أكدت أن الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث وأنه لم يتمّ تقديم “أي شيء رسمي” إلى بنس.

بدوره، ذكر موقع أكسيوس أن مسؤولين جمهوريين يدرسون خيارات عديدة ضد ترامب. ومن بين الخيارات المطروحة توجيه اللوم لترامب، أو إقالته، أو عزله عبر التعديل الخامس والعشرين.

ووفقا لمصدرين، فإن كبار المسؤولين في وزارة الخارجية يشجعون مناقشة التعديل الخامس والعشرين، مع مسؤولين آخرين في البيت الأبيض ووزارات أخرى. مع ذلك، اعتبر “أكسيوس” أنه من السابق لأوانه التكهن بنتائج مثل هذا التحرك فيما لم يبق سوى 13 يوماً في ولاية ترامب.

وانقلب العديد من حلفاء ترامب عليه بعد أن اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن إيماناً منهم بما يكرّره دوماً من أنّ الانتخابات الرئاسية “سُرقت” منه.

ودعا النائب الجمهوري تيدي ليو إلى عزل ترامب باستخدام التعديل الخامس والعشرين. وكتب في تغريدة إن “الاعتداء على الكابتيول محاولة انقلابية كل الضالعين فيها يجب أن يحاسبوا”.

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين إن ما فعله “الغوغائيون” في مجلس الشيوخ كان وصمة عار. وتابع: “لقد تحدثت مع أعضاء مجلس الشيوخ، هم يريدون العودة إلى المجلس وإدارة الأعمال.. هذه الرغبة هي من أرقى تقاليد جمهوريتنا”.

بدوره، قال السناتور ليندسي غراهام، الذي كان من أكثر المقربين لترامب، إنه حاول دعم الرئيس لكن “هذا يكفي علينا إنهاء الأمر (المصادقة على فوز بايدن)”.

من جهته، أكد السناتور الجمهوري كيفن كريمر إن ترامب “يتحمّل بعض المسؤولية” عن أعمال العنف في الكابيتول. وقال إن خطاب ترامب الانتخابي، بما في ذلك حثّ أنصاره على التجمع خارج مبنى الكابيتول ، كان “محرضاً” و “يصب الزيت على النار”.

وقالت النائبة ليز تشيني من الحزب الجمهوري لشبكة “فوكس نيوز”: “لا شك في أن الرئيس شكل المجموعات المجرمة، لقد حرض الرئيس للشغب. … وأشعل النيران”. وأصدر السناتور توم كوتون الجمهوري، الذي تحالف بشكل وثيق مع ترامب، بيانًا طالبه بالتنازل. وقال: “لقد حان الوقت لأن يقبل الرئيس نتائج الانتخابات، ويتوقف عن تضليل الشعب الأميركي”.

وعقب أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تخلّلها مقتل امرأة بالرصاص، دعا العديد من البرلمانيين وكتّاب الأعمدة في كبريات الصحف اليومية إلى اللجوء لهذا الخيار الدستوري حتّى وإن لم يتبقّ سوى أسبوعين لترامب في البيت الأبيض.

وأرسل جميع النواب الديموقراطيين الأعضاء في لجنة العدل النيابية رسالة إلى بنس يطالبونه فيها بتفعيل التعديل الخامس والعشرين “دفاعاً عن الديموقراطية”. واعتبر النواب في رسالتهم أن الرئيس المنتهية ولايته “مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج انتخابات 2020 وتقبّلها”.

والفكرة نفسها تكررت في افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست” التي قالت إن “المسؤولية عن هذا العمل التحريضي تقع مباشرة على عاتق الرئيس الذي أظهر أن بقاءه في منصبه يشكل تهديداً خطيراً للديموقراطية الأميركية. يجب عزله”.

وأضافت أن “الرئيس غير أهل للبقاء في منصبه للأيام ال14 المقبلة. كل ثانية يحتفظ فيها بالصلاحيات الرئاسية الواسعة تشكّل تهديداً للنظام العام والأمن القومي”.

—————————-

بايدن ورؤساء سابقون ينددون باقتحام الكونغرس:جمهورية موز

اعتبر الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن اقتحام أنصار الرئيس دونالد ترامب لمقر الكونغرس اعتداء على الشعب وعلى الديمقراطية وعلى من يحميها وعلى أقدس المؤسسات الأميركية.

وقال في كلمة وجهها للشعب الأميركي الخميس تعليقاً على اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس، إن هذا “اعتداء على ممثلي الشعب، الذين أدوا القسم لحماية المصلحة العامة ويشكلون قلب الديمقراطية”، مضيفا أن مشاهد الفوضى التي ظهرت خلال الاعتداء على المبنى “لا تعكس أميركا الحقيقية”.

وعبّر بايدن عن صدمته الكبيرة “لوصول أميركا رمز الديمقراطية إلى هذا الوضع”، معتبراً أن من قام بهذه الأفعال هم “متطرفون خارجون عن القانون”. ودعا الرئيس المنتخب، ترامب إلى التحلي بالمسؤولية، مؤكداً أن التصديق على نتائج المجمع الانتخابي يجب أن يكون مقدساً للديمقراطية الأميركية.

وأثار اقتحام الكونغرس صدمة لدى حلفاء ترامب وخصومه وفعّل موجة استنكار عارمة. وندد 3 رؤساء أميركيين سابقين باقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس. واعتبروا ما حدث تصرفاً لا يليق بالديمقراطية الأميركية.

وقال الرئيس السابق باراك أوباما إن أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول “مخزية” لكنها ليست “مفاجئة”. وأضاف في بيان، “التاريخ سيتذكر أعمال العنف التي حصلت اليوم في الكابيتول، بتحريض من رئيس كذب بلا هوادة بشأن نتيجة الانتخابات، باعتبارها لحظة خزي وعار على بلدنا”.

وأضاف “سنخدع أنفسنا إذا ما قلنا إن ما حدث كان مفاجأة تامة” ملقياً باللوم على قادة الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الموالية لأنهم غالباً ما كانوا غير راغبين في إخبار أتباعهم بحقيقة أن بايدن حقق فوزاً كبيراً في الانتخابات.

من جهته ندد الرئيس السابق بيل كلينتون باقتحام أنصار ترامب مقر الكونغرس، معتبرا ما حصل “اعتداء غير مسبوق” على المؤسسات الأميركية. وقال كلينتون في بيان: “لقد واجهنا اليوم اعتداء غير مسبوق على الكابيتول وعلى دستورنا وعلى بلدنا”، معتبرا أن هذا الهجوم غذته “4 سنوات من السياسات المسمومة” والتضليل المتعمد.

وأضاف أن “الفتيل أشعله ترامب وأشد الداعمين له حماسة، وكثيرون منهم في الكونغرس، بهدف إلغاء نتائج الانتخابات التي خسرها”.

الرئيس السابق الجمهوري جورج دبليو بوش شنّ أيضاً هجوماً عنيفاً على القادة الجمهوريين الذين أجّجوا حالة “التمرد” التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تليق ب”جمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية”. وقال بوش في بيان: “هكذا يتم الطعن بنتائج الانتخابات في جمهوريات الموز، لكن ليس في جمهوريتنا الديمقراطية”.

————————

ترامب يُطرد من وسائل التواصل الاجتماعي

افتتحت شركات التواصل الاجتماعي مسار العقاب للرئيس الاميركي دونالد ترامب بعد اقتحام انصاره لمبنى الكونغرس الاميركي، عبر فرض حظر اعلامي عليه بشكل مؤقت في “تويتر” و”فايسبوك” وتقويض انتشاره.

ووقعت مصادمات بين الأمن ومحتجين من أنصار ترامب داخل مبنى الكونغرس، بعد ساعات على دعوة ترامب خلال تظاهرة في واشنطن الأربعاء سبقت جلسة التصديق على انتخاب بايدن، أنصاره للمسير إلى مبنى الكونغرس ودعوة “النواب الشرفاء” إلى الاعتراض على نتائج انتخابات الرئاسة قائلا: “سنوقف سرقة الانتخابات ولدينا مزيد من الأدلة على فوزنا بتلك الانتخابات”.

واتخذت شركات التقنية خطوات سريعة لتقويض وجود ترامب في الفضاء الالكتروني، في خطوة لاحتواء اي تصعيد قد ينتج عن تصريحات له، علما ان الفضاء الالكتروني هو المنبر الاساس لترامب ويشكل حيثيته الاعلامية.

وحجب “تويتر” تغريدات لدونالد ترامب وجمّد حسابه لمدّة 12 ساعة وهدّد بغلق هذا الحساب بصورة دائمة في حال استمرّ الرئيس المنتهية ولايته في انتهاك قواعد الاستخدام المتعلّقة بالنزاهة المدنية، في إجراءات غير مسبوقة لجأ إليها موقع التواصل الاجتماعي بعد أعمال العنف التي شهدها الكابيتول الأربعاء.

وقال “تويتر” في منشور إنّه “نتيجة للوضع العنيف غير المسبوق والمستمرّ في العاصمة واشنطن، فقد طلبنا من دونالد ترامب إزالة ثلاث تغريدات نشرت في وقت سابق اليوم بسبب الانتهاكات المتكرّرة والخطيرة لسياسة النزاهة المدنية”، محذراً من أنّه “إذا لم تتم إزالة التغريدات، فسيظلّ الحساب مغلقاً”.

ونشر ترامب مقطع فيديو ناشد فيه أنصاره إثر اقتحامهم مقرّ الكونغرس “العودة إلى ديارهم” لكنّه كرّر مزاعمه بأنّ الانتخابات “سُرقت” منه. وحذف هذا الفيديو كلّ من “فايسبوك” و”يوتيوب”.

وأعلن فايسبوك أنّه حذف مقطع فيديو نشره ترامب لمخاطبة أنصاره إثر اقتحامهم مقرّ الكونغرس الأربعاء، معتبراً أنّ الفيديو يحضّ على العنف أكثر مما يدعو للهدوء.

وقال جاي روزن نائب رئيس وحدة النزاهة في فايسبوك إنّ “هذه حالة طارئة، ونحن نتّخذ إجراءات طارئة مناسبة، بما في ذلك حذف فيديو الرئيس ترامب”. وأضاف في تغريدة في “تويتر”: “لقد حذفناه لأنّنا نعتقد أنّه يساهم في تأجيج العنف بدلاً من تقليله”.

كذلك، حذا “فايسبوك” حذو “تويتر” في تجميد حساب ترامب بشكل مؤقت، إذ قال “فايسبوك” في تغريدة في “تويتر”: “لقد وجدنا انتهاكين لقواعدنا على صفحة الرئيس دونالد ترامب نجم عنهما تعليق حسابه لمدة 24 ساعة، مما يعني أنّه فقد القدرة على النشر على المنصة خلال هذه الفترة”.

—————————-

وداعاً دون: هل هي نهاية زمن سلوكيات ترامب إلى الأبد؟

ترجمة – The Guardian

لا يعني انتقاد سلوكيات ترامب التقليل من شأن بشاعة أفعاله، لأن قيمه ومعتقداته تتخللها جميعها.

اتّسم عصر ترامب بالقبح الشديد. تجلى هذا القبح في أقصى معانيه البالغة والمروعة -العنصرية والأكاذيب والقسوة – وتخطى ذلك إلى قبح حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ما جعل من السنوات الأربع الماضية، التي لم تكن أهميتها تضاهي أهمية تصرفات الرئيس، تبدو وكأنها اعتداء سافر على الحواس. بدت هذه الإدارة وكأنها لا تشبه أي إدارة أخرى، تماماً مثلما كانت تتصرف على نحو مغاير لأي من سابقتها. فقد تضاعفت وقاحة تصريحات ترامب بمراحل عدة بفعل لغته التي كانت أكثر إثارة للصدمة إلى حد كبير، على غرار التغريدات الصارخة والمكتوبة بأحرف كبيرة والمحشوّة بالأخطاء وعلامات التعجب، وكراهية النساء التي برزت من خلال السخرية والألفاظ النابية. والواقع أن كل ظهور علني له من دون كمامة كان بمثابة تذكير عميق بمدى التملص من المسؤولية والتقاعس عن أداء واجبه في مواجهة أزمة الصحة العامة.

لا يعني انتقاد سلوكيات ترامب التقليل من شأن بشاعة أفعاله، لأن قيمه ومعتقداته تتخللها جميعها. يبدأ الأمر من مظهره الخارجي، إذ لا يعكس لون ترامب المصطنع المستوحى من سمك السلمون غروره فحسب، بل يعكس أيضاً اعتقاده الخاطئ بأن سمرة البشرة بفعل التعرض للشمس خلال رحلة بحرية في الكاريبي لمدة ثلاثة أسابيع هو مظهر لائق لرجل مكلف بتولي أعلى المناصب وأكثرها جدية. تدل ربطة عنقه الطويلة وبدلاته الواسعة على الأنا المتضخمة لديه. لا يُخفي ترامب حقيقة الأهمية التي تمثلها المظاهر بالنسبة إليه. فعندما أعلن رسمياً عن ترشح مايك بنس كنائب له في الانتخابات في تموز/ يوليو 2016، أشار ترامب إلى أن السجل الاقتصادي لبنس بصفته حاكماً لولاية إنديانا كان “السبب الرئيس الذي جعلني أرغب في اختيار مايك، بخلاف أن مظهره جيد جد، غير أن لديه أسرة رائعة وزوجة وعائلة عظيمة”.

دونالد ترامب بعد رحلة بحرية في الكاريبي

يبدو أنه من الصعب أن نلقي نظرة على مظهر النساء الموجودات حول ترامب من دون أن نتحول إلى شكل من أشكال التمييز الجنساني. إذ لا مكانة أخلاقية رفيعة في السخرية من ضيق الفساتين أو درجة لون صبغة الشعر الأشقر الكلاسيكية. ومع ذلك، هناك أمر مزعج بشدة بشأن ملابس مذيعات قناة “فوكس نيوز” الإخبارية والتي تبدو متقاربة جداً لتلك الخاصة بالنساء اللواتي حول ترامب. إنها مظاهر تحارب فيها المرأة التي تُرضي المجتمع بصبيانيتها البريئة ضد الأفكار الفاسدة الراسخة، ما لا يترك أي مساحة للنساء لكي يظهرن على أنهن أشخاص بالغين بشكل طبيعي. فلنتأمل على سبيل المثال، تصفيفات الشعر الملفوفة والجاذبة لعدسات الكاميرا طوال الوقت، والتي تختلف ما بين مظهر ميدوسا وفتاة جميلة في حفلة عيد ميلادها السادسة عشر. وعلى الرغم من البريق الذي تبدو عليه، فإن ذلك لا يمس لتمكين المرأة بصلة بقدر ما يحاكي قيم النظام الذكوري، التي يبدو أنها تحظى بقبول على نحو واسع ويتم تقديمها مع ابتسامة.

في هذه الأثناء، مزقت ميلانيا ترامب دليل تنسيق أزياء السيدة الأولى واستبدلته بملابس تشبه بشكل غريب النمط العسكري على نحو لافت للأنظار. عادةً ما يخفف وجود السيدة الأولى من حدة الصور الرسمية الجادة للزوج الذي تقف بجواره، ولكن ليست ميلانيا. فقد التزمت بالقواعد في حفل التنصيب عام 2017. وكان القماش الكشمير ذو الوجهين في البدلة التي ارتدتها من تصميم رالف لورين أملس مثل كريمة سكر التزين، وأضاف اللون الأزرق الفاتح الذي يذكرنا بجاكلين كينيدي لمسة الحنين إلى الماضي. ولكنها تحولت بعد فترة وجيزة، إلى ارتداء الملابس ذات الطابع العسكري التي عززت من حدة أنغام الموسيقى التعبيرية القتالية حول ترامب.

ميلانا ترامب مرتدية سترة طبع عليها “أنا لا أهتم حقاً، هل تهتم أنت؟”

في حزيران/ يونيو 2018 تحولت الأجواء بغموض من الغلظة إلى القسوة، عندما ارتدت ميلانيا سترة من ماركة “زارا” طبعت عليها عبارة “أنا لا أهتم حقاً، هل تهتم أنت؟”، عند زيارتها ملجأ للأطفال المهاجرين المحتجزين. وأصبح اللونان الأسود والأخضر الزيتوني هما لونيها المميزة. لو لم تكن تعرف أن المرأة التي كانت تقف بجوار الرئيس هي زوجته، فلربما ظننت – عندما كانت ترتدي خوذة شبه حربية مصنوعة من اللباد أو بدلة ذات مظهر عسكري صارم من تصميم ألكسندر ماكوين باللون الأخضر الخاص بالجيش مع جيوب بأزرار ضغط – أنها كانت قائدة عسكرية في الجيش، صعدت إلى المنصة لتذكير الجمهور بالقوة الكبيرة خلف آلة الحكومة.

أما ابنة الرئيس الأولى إيفانكا، التي كانت تمتلك علامة تجارية خاصة بها حتى إغلاقها عام 2018، فربما تتمتع بأعلى مستوى من الذوق الرفيع، وهي الأكثر حساسية في معسكر ترامب. في الأشهر الأولى من تولي والدها رئاسة البلاد، بدا الأمر وكأنها تستخدم ملابسها لإرسال إشارات بعيدة المدى مثيرة أسئلة عبر صفوف الحزب – أقراط أذن غير متطابقة، على سبيل المثال، كأنها تلمح إلى فكرها الداخلي كامرأة متحررة تتمتع بالاستقلال الفكري التام. وفي الفصول الأخيرة من حكم ترامب، اعتادت على ارتداء ملابس بيضاً بالكامل، وكأنها تؤكد ادعاءها النقاء والكمال، لحماية سمعتها الشخصية بينما أصبحت الإدارة أكثر فساداً بشكل وقح.

إن ما نختار أن نرتديه من ملابس لا يجعلنا أشخاصاً جيدين أو سيئين. ولكن عندما تكون الشعبوية في مركز الصدارة، فإن أسلوب ارتداء الملابس والاستعراض والتباهي يكونون في صميم السياسة. فقد كانت السنوات الأربع الماضية في السياسة الأميركية صعبة المتابعة على مستويات كثيرة. ولذا سيكون مشهد تغيير رئيس البيت الأبيض مشهداً رائعاً وممتعاً للناظرين.

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.
الرابط تضمين
ألصق رابطًا للمحتوى الذي تريد عرضه على موقعك.
معرفة المزيد حول التضمينات(يُفتح في علامة تبويب جديدة)
عذرًا، لا يمكن تضمين هذا المحتوى.

درج

—————————–

الرجل الصامت الذي ضاق ذرعاً بتصرفات رئيسه.. كيف منع بنس انقلاب ترامب وأنقذ الكونغرس في وقت واحد؟

نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس هو البطل الحقيقي لليوم المشؤوم الذي شهد غزوة أنصار ترامب للكونغرس، ففعلياً نحّى بنس ترامب جانباً وأمر الحرس الوطني بالتدخل متخطياً القائد العام للجيش الأمريكي.

فبنس، وليس دونالد ترامب، هو من ساعد في تسهيل قرار تفعيل قوات الحرس الوطني في العاصمة يوم الأربعاء عندما بدأ العنف في مبنى الكابيتول في التصاعد، وفقاً لما نقلته شبكة CNN الأمريكية عن مصدر مطلع.

ولفتت الشبكة إلى أن ترامب، الذي أثبت خلال العام الماضي أنه حريص على نشر الحرس الوطني عند اندلاع أعمال العنف المرتبطة بحركة حياة السود مهمة، قاوم في البداية القيام بنشر القوات في مبنى الكونغرس أمس الأربعاء، عندما اقتحم أنصاره المبنى التاريخي.

في المقابل، لعب بنس دوراً رئيسياً في التنسيق مع البنتاغون حول نشر الحرس الوطني، وحثهم على التحرك بشكل أسرع مما هم عليه.

تثير الأخبار تساؤلات حول من كان يتصرف كقائد أعلى في أحد أحلك أيام أمريكا، والذي شهد اجتياح المجلس التشريعي للبلاد لأول مرة منذ أن هاجم البريطانيون المبنى وأحرقوه في أغسطس/آب 1814.

وسبق ذلك انتقادات حادة من ترامب لنائبه مايك بنس بسبب رفضه التساوق مع دعوات إعلان فوز ترامب، الأمر الذي يشير إلى قطيعة بين الرجلين.

شكوك حول استدعاء ترامب للحرس الوطني بعد تدهور الوضع

وقالت إدارة ترامب، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن تطبيق القانون المدني سيكلف بحماية المنشآت الفيدرالية.

لكن وزارة الدفاع الأمريكية تلقت طلبات للحصول على دعم إضافي من الحرس الوطني يوم الأربعاء، حيث أصبح الوضع خطيراً بشكل متزايد بعدما اقتحم أنصار ترامب الكونغرس، حسبما قال مسؤول دفاعي كبير لشبكة CNN.

مع انتشار الفوضى، أثيرت شكوك حول ما إذا كان ترامب سيأمر الحرس الوطني بالعاصمة بالرد بسبب بطء استجابته.

وزير الدفاع يتجاهل ترامب ويتشاور مع مايك بنس

وأشارت تصريحات لوزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر ومسؤولين كبار آخرين إلى أن بنس هو الذي وافق في النهاية على القرار.

يبدو أن تصريح وزير الدفاع الأمريكي يوم الأربعاء يشير إلى أنه لم يتحدث حتى مع ترامب، حيث ناقش الأمر مع نائبه بدلاً من ذلك.

وأبلغت مصادر مطلعة شبكة CNN بأن الرئيس ترامب كان متردداً حتى في إدانة أعمال العنف التي تُرتكب باسمه.

اقتحام الكونغرس عمل غير مسبوق في تاريخ أمريكا/رويترز

تجنب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي الأسئلة مساء الأربعاء حول ما إذا كان بنس، وليس ترامب، قد وجه الحرس الوطني بالعاصمة ليتم تفعيله، لكنه اقترح أن نائب الرئيس وافق في النهاية على القرار.

عندما سألته فوكس نيوز عن الأخبار بشأن الموافقة على تنشيط قوات الحرس الوطني جاءت من بنس، وليس الرئيس، اعترض مكارثي، لكنه قال في النهاية: “أعرف أن نائب الرئيس كان على اتصال دائم بنا وأيضاً إلى جانب الأمن داخل الكابيتول، لقد تواصلت مع نائب الرئيس في وقت مبكر. كان الأمر يتعلق بإيصال الحرس الوطني هناك. وقال إنه سيتصل الآن”.

وبعد تصديق الكونغرس على فوز بايدن، قال نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، الذي رأس الجلسة بعد استئنافها: “أقول لأولئك الذين أشاعوا الفوضى في مبنى الكونغرس (الأربعاء)، أنتم لم تفوزوا”.

ترامب يدعي أنه هو الذي حرك الحرس الوطني

وبدا أن التعليقات تتعارض مع ما قالته السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني في تغريدة قبل ساعات، عندما أكدت أن ترامب “وجه” الحرس الوطني للرد على الموقف.

في المقابل قال وزير الدفاع إنه تحدث مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، ومع بنس، وليس ترامب، بعد ظهر الأربعاء. وقال أيضاً إنه على اتصال بكبار المشرعين في الكونغرس.

إذ قال “لقد تحدثنا بشكل منفصل مع نائب الرئيس ومع رئيسة مجلس النواب بيلوسي والزعيم ماكونيل والسيناتور شومر والممثل هوير حول الوضع في مبنى الكابيتول الأمريكي. لقد قمنا بتنشيط الحرس الوطني في العاصمة بشكل كامل لمساعدة تطبيق القانون الفيدرالي والمحلي”، وقال في بيان: “نعمل على معالجة الوضع سلمياً”.

ولم يذكر وزير الدفاع الذي عين قبل فترة قليلة أنه تحدث مع ترامب.

وفي لهجة بدت حادة، قال “نحن على استعداد لتقديم دعم إضافي حسب الضرورة والملاءمة حسب طلب السلطات المحلية. شعبنا أقسم على الدفاع عن الدستور وشكل حكومتنا الديمقراطي وسيعملون وفقاً لذلك”.

لماذا لم يدافع الحرس الوطني عن الكونغرس قبل اقتحامه؟

لم يتم تفعيل الحرس الوطني بشكل كامل إلا بعد ساعات من وصول الحشود العنيفة إلى العاصمة، رغم وجود قوات للحرس الوطني في العاصمة.

ويرجع ذلك إلى الاتفاق المبدئي لنشر الحرس الوطني الذي أبرم يوم الإثنين، أصبح بموجبه الحرس الوطني تحت سيطرة البنتاغون، وتضمن دعم مطبقي القانون المحليين.

واقتصرت مشاركة قوات الحرس الوطني على مساعدة قوة إنفاذ القانون المحلية في نقاط مراقبة المرور وفي مترو الأنفاق.

وبموجب هذا الاتفاق، لم يكن لدى قوات الحرس الوطني أوامر لتوفير الحماية للمنشآت الفيدرالية مثل مبنى الكونغرس.

وقال العديد من مسؤولي الدفاع إن كبار القادة العسكريين، بما في ذلك هيئة الأركان المشتركة، كانوا مصممين على إبقاء الخدمة العسكرية بعيدة عن هذا الجهد والحد من دور الحرس الوطني.

كان تركيز البنتاغون منذ فترة طويلة على إظهار أن تطبيق القانون المدني والحرس الوطني الذي تنشطه الدولة كافيان للسيطرة على الاضطرابات المدنية.

في بيان مساء الأربعاء، قال المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان، إنه في وقت سابق من الأسبوع، طلب عمدة العاصمة موريل باوزر “حوالي 340 من رجال الحرس الوطني في العاصمة لمساعدة شرطة العاصمة في الاستعداد للاحتجاجات المحتملة اليوم”.

وأضاف: “تمت الموافقة على هذا الطلب. اليوم، طلب رئيس البلدية التنشيط الكامل للحرس الوطني لمقاطعة واشنطن العاصمة DC Guard)) لدعم تطبيق القانون المحلي والفيدرالي أثناء استجابتهم للوضع في مبنى الكابيتول”.

مايك بنس هو السبب

وقبل واقعة الاقتحام، طعن نواب جمهوريون على نتائج تصويت المجمع الانتخابي لولاية أريزونا وبدء مناقشة لمدة ساعتين للبت في الأمر، ولكن بنس رفض التجاوب مع مساعي إعلان فوز ترامب.

أدى ذلك إلى أن الرئيس الأمريكي هاجم نائبه مايك بنس، بعدما صرح الأخير بأنه لن يعارض المصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.

وقال ترامب في تغريدة: “لم يكن لدى مايك بنس الشجاعة لفعل ما يلزم لحماية بلادنا، ودستورنا، لإعطاء الولايات الفرصة للتصديق على الحقائق المصححة، وليس الحقائق المزورة أو غير الدقيقة، التي طُلب منهم التصديق عليها مسبقاً”.

واختتم الرئيس الأمريكي ترامب المنتهية ولايته التغريدة قائلاً: “الولايات المتحدة تطلب الحقيقة!”.

وأتت تغريدة ترامب بالتزامن مع تمكن مئات المحتجين المؤيدين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اقتحام شرفات مبنى الكابيتول وسط العاصمة واشنطن، حيث تعقد جلسة مشتركة للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية.

بنس مع ترامب ودكتور فاوتشي مسؤول ملف مكافحة كورونا/رويترز

كما قال ترامب أمام أنصاره: “في حال قام مايك بنس بالأمر الصحيح سنفوز بالانتخابات. وهو يملك الحق المطلق في ذلك. وإن لم يفعل سيكون ذلك يوماً مؤسفاً لبلادنا”.

وعرض بنس حججه الرافضة لطلب ترامب في رسالة نشرها قبيل بدء جلسة الكونغرس الخاصة بتسجيل النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية.

وذكر بنس في رسالته أن “الدستور لا يمنحني السلطة لتحديد أي من أصوات المجمع الانتخابي يجب أن تحتسب أو ترفض”.

وينص الدستور الأمريكي على أن دور نائب الرئيس يقتصر على “فتح” الشهادات المرسلة من كل من الولايات الأمريكية لنقل أصوات الناخبين الكبار فيها. ويمكن فقط لأعضاء الكونغرس الاحتجاج على نتائج بعض الولايات.

وعرف عن بنس شخصيته الهادئة التي تبدو نقيضاً لشخصية ترامب، وكان الرجل نادراً في معارضة ترامب وأيضاً لم يكن مؤيداً يزايد عليه مثل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي قال بعد فوز بايدن سيكون هناك انتقال سلس للسلطة لولاية جديدة لترامب.

ووصفت مجلة Politico ما قام به بنس برفضه إعلان فوز ترامب بأنها كانت واحدة من المرات القليلة التي على مدى السنوات الأربع الماضية التي واجه فيها بنس جنون ترامب بالعزيمة بدلاً من العبودية.

وقد يكون اقتحام الكونغرس هو نوعاً من الانتقام من قبل ترامب من موقف بنس (بالنظر للتزامن اللافت بين الحدثين، وقد يكون تحرك الجمهور تم بشكل تلقائي بعد تغريدة ترامب الناقدة لبنس).

ولكن لم يكن بنس هو الهدف الوحيد لانتقام ترامب. أراد أن ينتزع الألم من الديمقراطيين المنتصرين بعد دقائق فقط من سيطرتهم على مجلس الشيوخ.

لكن ترامب أراد بشكل خاص استهداف الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ الذين رفضوا دعوته لمعارضة المصادقة.

بدأ حياته السياسية بالسخرية من العرب

يظهر تاريخ بنس بعض المواقف المثيرة للجدل التي لا تُنبئ بهذا الموقف البطولي.

ولكن يبدو أن الرجل الذي يقدم نفسه باعتباره جمهورياً غير متطرف، ضاق ذرعاً بتصرفات رئيسه فخرج عن هدوئه.

تخرج بنس في كلية الحقوق عام 1986، وعمل محامياً في عيادة خاصة. في عام 1988، ترشح بنس للكونغرس ضد العضو الديمقراطي فيليب شارب، لكنه خسر.

تنافس بنس ضد شارب مرة أخرى عام 1990، واستقال من وظيفته من أجل العمل بدوام كامل في الحملة، ولكن مرة أخرى لم ينجح.

خلال السباق، استخدم بنس “التبرعات السياسية لدفع الرهن العقاري لمنزله، وفاتورة بطاقته الائتمانية الشخصية، ومحلات البقالة، ورسوم بطولة الغولف، ودفع رسوم السيارة لزوجته”، في حين أن الإنفاق لم يكن غير قانوني في ذلك الوقت، فقد ورد أنه قوض حملته.

خلال حملة عام 1990 في انتخابات الكونغرس، نشر بنس إعلاناً تليفزيونياً قام فيه أحد الممثلين، مرتدياً رداء وغطاء رأس ويتحدث بلهجة شرق أوسطية، بتوجيه الشكر لخصمه في الانتخابات، فيليب شارب، لعدم قيامه بأي شيء لفطم الولايات المتحدة عن النفط المستورد خلال عمله كرئيس لمجلس إدارة لجنة فرعية لمجلس النواب حول الطاقة والطاقة.

ورداً على الانتقادات، قالت حملة بنس إن الإعلان لا يتعلق بالعرب، بل كان الأمر يتعلق بافتقار شارب للقيادة.

في عام 1991، كتب بنس مقالاً بعنوان “اعترافات أحد المناضلين السلبيين”، نُشر في مجلة Indiana Policy Review، حيث اعتذر عن عرض إعلانات سلبية ضد شارب.

نجح بنس عام 2000 في الفوز بمقعد في مجلس النواب عن ولاية أنديانا، وفي عام 2011 أعلن عزمه الترشح لمنصب حاكم ولاية إنديانا.

بعد توليه منصب حاكم إنديانا، كان نمو الوظائف في الولاية أدنى قليلاً عن المتوسط الأمريكي، وفي عام 2014، كان اقتصاد إنديانا من بين أبطأ نمو في الولايات المتحدة، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4%، مقارنة بالمعدل على مستوى أمريكا البالغ 2.2%؛ ويُعزى ذلك جزئيا إلى تباطؤ قطاع التصنيع.

وتصفه بعض جماعات حقوق الإنسان بأنه متطرف يستحوذ على السلطة ويمارس النفوذ بقدر أقل من التدقيق من أي نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

ولكنه قد يكون الرجل الذي تدين له الديمقراطية الأمريكية بالفضل مرتين؛ مرة لرفضه التجاوب مع مساعي إعلان فوز ترامب، والثانية باستدعائه للحرس الوطني لحماية الكونغرس، والأهم التأكيد على أن المؤسسة العسكرية الأمريكية مع الديمقراطية.

=———————–

ترامب “خارج السيطرة”… هل تتم تنحيته بواسطة التعديل الـ25 للدستور؟ المصدر: النهار العربي، ا ف ب، وكالات

أفادت وسائل إعلام أميركية بأنّ عدداً من الوزراء في إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب ناقشوا إمكانية تنحيته بعد أن اقتحم مئات من أنصاره مبنى الكابيتول لتعطيل جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها ويرفض الإقرار بنتيجتها.

ونقلت ثلاث شبكات تلفزيونية هي “سي إن إن” و”سي بي إس” و”إيه بي سي” عن مصادر لم تسمّها أنّ الوزراء بحثوا إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي. ويسمح هذا التعديل لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة أن يقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنّه “غير قادر على تحمّل أعباء منصبه”.

ويتطلّب تفعيل هذا التعديل أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس للتصويت على قرار تنحية ترامب.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين جمهوريين لم تسمّهم قولهم إنّ الوزراء ناقشوا فكرة تفعيل التعديل الخامس والعشرين بعدما اعتبروا أنّ ترامب أصبح “خارج السيطرة”.

بدورها نقلت شبكة “إيه بي سي” عن “مصادر متعدّدة” أنّ مناقشات جرت بشأن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتّحدة.

لكنّ شبكة “سي بي إس” أكّدت أنّ الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث وأنّه لم يتمّ تقديم “أيّ شيء رسمي” إلى بنس.

وانقلب العديد من حلفاء ترامب عليه بعد أن اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن إيماناً منهم بما يكرّره دوماً من أنّ الانتخابات الرئاسية “سُرقت” منه.

وأثارت أعمال العنف التي جرت الأربعاء وطريقة تعامل ترامب معها، وتمسّكه بمزاعم لا أساس لها من الصحّة بأنّه خسر الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) بسبب عمليات تزوير واسعة النطاق لم يقدّم أيّ دليل على حدوث أي منها، وغير ذلك من السلوكيات الغريبة، تساؤلات حول القدرات الذهنية للرئيس الأميركي على إكمال الأسبوعين المتبقيين من ولايته.

وعقب أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تخلّلها مقتل امرأة بالرصاص، بالاضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين، دعا العديد من البرلمانيين وكتّاب الأعمدة في كبريات الصحف اليومية إلى اللجوء لهذا الخيار الدستوري حتّى وإن لم يتبقّ سوى أسبوعين لترامب في البيت الأبيض.

وأرسل جميع النواب الديموقراطيين الأعضاء في لجنة العدل النيابية رسالة إلى بنس يطالبونه فيها بتفعيل التعديل الخامس والعشرين “دفاعاً عن الديموقراطية”.

واعتبر النواب في رسالتهم أنّ الرئيس المنتهية ولايته “مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج انتخابات 2020 وتقبّلها”.

والفكرة نفسها تكرّرت في افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست”.

وقالت الصحيفة الواسعة الانتشار إنّ “المسؤولية عن هذا العمل التحريضي تقع مباشرة على عاتق الرئيس الذي أظهر أنّ بقاءه في منصبه يشكل تهديداً خطيراً للديموقراطية الأميركية. يجب عزله”.

وأضافت أنّ “الرئيس غير أهل للبقاء في منصبه للأيام الـ14 المقبلة. كلّ ثانية يحتفظ فيها بالصلاحيات الرئاسية الواسعة تشكّل تهديداً للنظام العام والأمن القومي”.

لكنّ برلمانيين آخرين من أمثال النائبة إلهان عمر أعلنوا أنّهم بصدد تقديم طلب لمحاكمة ترامب في الكونغرس بهدف عزله، لكنّ هذه الآلية تستغرق وقتاً ومن غير المرجّح أن تنتهي قبل 20 كانون الثاني (يناير) حين سيتسلّم جو بايدن مقاليد السلطة

—————————–

نواب الكونغرس: إدانة ترامب للعنف “ليست كافية”.. وعليه الاعتراف بفوز بايدن

اعتبر العديد من أعضاء الكونغرس، من ديمقراطيين وجمهوريين، أن إدانة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لما حدث في مبنى الكابيتول غير كافية ولم تكن بالشدة المطلوبة، وفقا لما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال“.

وكان ترامب قد دعا أنصاره “للعودة إلى ديارهم”، بعدما اقتحمو مبنى الكابيتول خلال مصادقة الكونغرس بغرفتيه على فوز منافسه جو بايدن في الانتخابات الرئيسية.

وقال ترامب، في تسجيل مصور، “أشعر بألمكم، انتخاباتنا سرقت منا، فوزنا فيها كان ساحقا، والكل يعلم ذلك، لكن عليكم الذهاب إلى دياركم. لابد من أن ننعم بالسلام ونحترم القانون”.

وخاطب ترامب أنصاره قائلا إن أميركا تمر بمرحلة صعبة “لم نشهدها من قبل.. كانت انتخابات مزروة. لكن لا يمكننا أن ننساق وراء هؤلاء الناس.. لقد رأيتم ما حدث والطريقة التي تم بها التعامل مع الآخرين. طريقة سيئة للغاية.. أشعر بكم، لكن اذهبوا إلى منازلكم وانعموا بالسلام”.

وقبل كلمته المصورة، كان ترامب قد دعا أنصاره خلال تجمع أمام البيت الأبيض إلى الاعتراض على المصادقة على فوز بايدن في الجلسة الخاصة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ.

وفي مشهد غير مسبوق في العاصمة الأميركية، دخل متظاهرون كانوا من بين آلاف المحتجين المؤيدين لترامب في واشنطن، فضلاً عن القاعة المستديرة في الكابيتول حيث استخدم الغاز المسيل للدموع. كذلك اجتاحوا ساحات الكابيتول وشرفاته، ما استدعى إخلاء المبنى بناء على أوامر من الشرطة.

ولاحقا غرد ترامب على توتير”هذه هي الأشياء الأمور تحدث عندما يجري تجريدي من فوز ساحق في الانتخابات بشكل غير رسمي.. عودوا إلى منازلكم بالحب والسلام “.

بالمقابل رأى العديد من المسؤولين الأميركيين أن ما إدانة ترامب لما حدث غير كافية، وأعطت تبريرات غير منطقية لما أقدم على المقتحمون.

وقال نائب الرئيس، مايك بنس،: “الاحتجاج السلمي حق لكل أميركي لكن هذا الهجوم على الكابيتول لن نتسامح معه وستجري محاكمة المتورطين ضمن حدود القانون”.

إدانة “غير كافية نهائيا”

من جانبها أوضحت النائبة الجمهورية ليز تشيني أن إدانة ترامب لم تكن كافية، مردفة: “تصريح رئيس الولايات المتحدة ، من وجهة نظري ، كان غير كافٍ تمامًا ، ما فعله وما تسبب فيه هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخنا”.

وفي نفس السياق، اعتبر النائب بيتر ميجر أن تصريحات ترامب غير كافية، وأضاف مخاطبا الرئيس الأميركي: “اعترف ببايدن كرئيس منتخب وقم بوضع حد لهذا الجنون “،

وتابع: “حاصر المشاغبون العنيفون مبنى الكابيتول في ظاهرة لا مثيل لها في العصر الحديث. هذه ليست قيادة “.

وعلى نفس المنوال، قال السناتور الجمهوري، بن ساسي : “للأكاذيب عواقب. كان هذا العنف النتيجة الحتمية والقبيحة لإدمان الرئيس على تأجيج الانقسام باستمرار “، وأيده في ذلك النائب الجمهوري آدم كينزينجز الذي غرد على تويتر: “إنك لا تحمي البلاد”.

ومن جهتها، اعتبرت ، زعيمة ديمقراطية في مجلس النواب،النائبة كاثرين كلارك أن “دونالد ترامب خائن لبلدنا ودستورنا”، و”يجب إقالته من منصبه ومنعه من تعريض بلدنا وشعبنا لمزيد من الأخطار”.

رفض من البيت الأبيض

ورفض البيت الأبيض التعليق على تصريحات ترامب، وقالت السكرتيرة الصحفية كايلي ماكناني في تغريدة على تويتر إن الرئيس استدعى الحرس الوطني وخدمات الحماية الفيدرالية الأخرى.

وأردفت: “نكرر دعوة الرئيس ترامب لمناهضة العنف والبقاء سلميين”.

وعلى الصعيد الدولي، دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أنصار ترامب إلى التوقف عن “الدوس على الديموقراطية”.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن دخول أنصار ترامب مبنى الكابيتول مس خطير بالديموقراطية، متابعا: “نشدد على وجوب احترام رغبة الشعب الأميركي”.

وعد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ما حصل في الكابيتول “اعتداء على الديموقراطية الأميركية”، فيما نوه رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي إلى أن “ما شهده الكابيتول مقلق للغاية”.

الحرة / ترجمات – دبي

————————-

أيام أخيرة معدودة لترامب في البيت الأبيض.. وعلى السوشال ميديا

أقدمت كل من إدارتي تويتر وفيسبوك على حظر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بعد أن نشر مقطع فيديو يعبر فيه عن حبه وتقديره لأنصاره الذين هاجموا مبنى الكونغرس، ليخبرهم فيه أن يعودوا إلى بيوتهم، مكررًا ادعاءاته حول الانتخابات الأمريكية وتعرضها للتزوير على حد زعمه.

وقال ترامب في رسالته لأنصاره “أنا أحبكم”، وقالت منصة تويتر إنها طلبت حذف ثلاثة من تغريداته وذلك لما تضمنته من “انتهاكات شديدة” لسياسة حماية السلم المدني التي تلتزم بها المنصّة.

ومن الوارد بحسب إدارة تويتر أن يتعرض حساب ترامب إلى الإيقاف بشكل نهائي في حال عدم حذف تلك التغريدات، إذ جاء في بيانها إن “أي انتهاكات لاحقة لقواعد المنصة ستتسبب في التعليق النهائي لنشاط حساب ترامب على المنصّة”.

وهذا يعني أن أيام ترامب الأخيرة قد باتت معدودة، سواء في البيت الأبيض أو حتى على منصات التواصل الاجتماعي.

من جهته، كرّر دونالد ترامب، عبر حساب مدير منصات التواصل الاجتماعي في البيت الأبيض على تويتر، دان سكافينو، رفضه لنتائج الانتخابات، إلا أنه مع ذلك أشار إلى تعهده بالالتزام بالانتقال السلمي للسلطة. وأضاف ترامب في تعليقه إلى أن هذا يمثّل نهاية “أعظم فترة رئاسية أولى في تاريخ الولايات المتحدة”، خاتمًا بقوله إن هذه هي “ليست إلا بداية النضال لجعل أمريكا عظيمة من جديد”.

كما قام كل من فيسبوك وإنستغرام بتعليق حساب ترامب لمدة 24 ساعة، كما حذف يوتيوب مقطع الفيديو الذي وجهه لأنصاره. كما تم تقييد حساب ترامب على سنابشات، إذ لم يعد من الممكن نشر المزيد من مقاطع الفيديو عليه. وجاء تعليق فيسبوك على قرار حذف مقطع الفيديو بأنه الخطوة قد أتت بناء على “قناعة بأن الفيديو يؤجّج حالة العنف الجارية بدل أن يسهم في نزع فتيل الأزمة”.

pic.twitter.com/TIwKX1GAUw

— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 7, 2021

وكانت حالة من الفوضى والعنف قد سادت في مقر الكونغرس الأمريكي يوم أمس على إثر اقتحام عدد كبير من أنصار دونالد ترامب المبنى أثناء جلسة لمجلسي النواب والشيوخ للتصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، ما تسبب بتعليق الجلسة، وإعلان حالة فرض التجول في واشنطن العاصمة. كما صادق الكونغرس الأمريكي لاحقًا على فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية بعد الجلسة التي توقفت 6 ساعات على خلفية حالة الفوضى التي عمّت الكابيتول.

———————————

اقتحام الكابيتول هيل يؤجّج معاداة اليمين الشعبوي.. جولة في ردود الفعل/ سفيان البالي

مشاهد لا تبدو مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. رئيس يحرّضُ مناصريه على الزحف ناحية مبنى الكونغرس، والجماهير المسلحة تستجيب، تقتحم مبنى الكابيتول وتخليه ممن اجتمعوا فيه، تعيث فيه تخريبًا فتسقطُ ضحية إثرَ محاولة الإخلاء بالقوة. هذا كان سيناريو ليلة “سوداء” عاشتها العاصمة واشنطن، وخطيرة لدرجة دفعت المراقبين، أمريكيين كانوا أم دوليين، إلى التنديد بالتهديد الذي اعتبروا أنه وقع على الديمقراطية العالمية.

ترامب وحاشيته يتراجعون عن الموقف

فرقٌ شاسع بين النبرة التي خرج بها دونالد ترامب دقائقَ قبلَ اقتحام الكونغرس، صادحًا أمام مناصريه أن “هؤلاء النواب اليساريين الراديكاليين يحاولون سرقة الفوز الذي أحرزناه!”، آمرًا إياهم بـ “الزحف نحو مبنى الكابيتول” لإيقاف ما أسماه بالسرقة. وبين تلك التي تزامنت مع مشاهدِ العنف الحاصلة، محاولًا احتواء ما يقع، قائلًا “إنني أحس بألمكم، لكن يجبُ عليكم العودة إلى البيت!”. تراجعٌ حاد هو الذي يبرزه الفرق في النبرتين، رغم تشبث الرئيس الأمريكي بتشكيكه في نتائج الانتخابات، ورفضه الاعتراف بها.

نفس النهج اتبعه كذلك أبرز النواب المناصرين لترامب تحت قبة البرلمان، على رأسهم تيد كروز، الجمهوري قائدُ مناورات التشكيك في النتائج الانتخابية، الذي قسمَ هو الآخر خطابه نصفين؛ واحد يتّهم خصومه بنشر “الكراهية والانقسام”، و”ازدراء نصف البلاد التي تعارض نتائج الانتخابات”. وآخرُ داعٍ لوقف الهجوم على مبنى الكابيتول، محذرًا من أن “الدستور يكفل الاحتجاج السلمي، لكن العنف خطأ يضرّ القضية التي ندافع عنها”.

التراجعُ بلغَ أشدّه وقت مصادقة الكونغرس على فوز المرشّح الديمقراطي، جو بايدن، حيث اعترف ترامب أخيرًا: “هي نهاية ولاية عظيمة في التاريخ الرئاسي، وبداية نضالنا لتعود أمريكا عظيمة مرة أخرى”. متعهدًا بـ “انتقالٍ عادي للسلطة” يومَ الـ 20 كانون الثاني/ يناير.

جمهوريون وديمقراطيون ضدَ ترامب

لم يحاب موقف الرجل الثاني في الجمهورية رئيسه وأنصاره. مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي، أدان هو الآخر في خطابه، بعدَ عودة النواب إلى جلسة المصادقة، العنف الذي حصلَ تحت قبّة الكونغرس، كما نعى الروح “التي سقطت داخل المبنى المقدّس”. مخاطبًا الجماهير:” لقد أخفقتم اليوم! العنف دائمًا يخسر، فيما تفوز الحرية التي تؤكد أن هذا المكان لازال بيت الشعب!”. من جانبها نانسي بيلوسي، رئيسة البرلمان الأمريكي، اعتبرت أن الهجوم الذي وقع “أمرٌ مخجل، لكنه لن يثنينا عن مسؤوليتنا في المصادقة على جو بايدن كرئيس للجمهورية”، مؤكدة “كنا نعلم أن هذه المسؤولية ستبقينا هنا طوال الليل، لكن مهمّتنا هي أن ننهيها”.

بين النواب سادَت كذلك الإدانة لأعمال العنف، فيما توجه أغلبهم، ومن الحزبين، إلى تحميل ترامب مسؤليتها. على رأسهم الجمهوري ميت رومني، الذي وجّه بيانًا شديد اللهجة، استهله بالتنديد بما أسماه ” تمردًا” أججته “الكرامة المجروحة لرجل أناني والغضب الأرعن لجموع مناصريه المضللين إعلاميًا طوال الشهرين الماضيين”. مسترسلًا في مخاطبة التيار الترامبي داخلَ الكونغريس بالقول: “أولئك الذين لا يزلون يدعمون مناورته الخطيرة، بمعارضة نتائج الانتخابات، سينظرُ إليهم كشركاء في هذا الهجوم غير المسبوق على الشرعية الديموقراطية”. داعيًا زملاءه داخل القبة أنه “لا يجب علينا الخضوع لتهديداتهم، بل الاستمرار في إتمام مهمّتنا الدستورية”.

فيما ذهب الجانب الديموقراطي بعيدًا، داعيًا إلى عزل الرئيس فيما تبقى له من أيام بالبيت الأبيض. هكذا غرّدت النائبة الديموقراطية ألكزاندريا أوكاسيو كورتيس: “العزل”. وأقرت نائبة ديمقراطية أخرى، هي إلهان عمر، أنها بصدد كتابة بنود قانون المحاكمة البرلمانية الرئاسية. وحمّل سيناتور فيرمونت، الديموقراطي بيرني ساندرز، المسؤولية لترامب فيما حدث، قائلًا: “على ترامب أن يرحلَ إلى الأبد ليسجل في التاريخ أنه كان أخطرَ رئيس عرفته الولايات المتحدة الأمريكية”.

عزلٌ آخرَ، مطالبٌ به هذه المرة على لسان الرابطة الوطنية للمصنعين، أكبر تجمع لرجال الأعمال وأرباب الصناعة الأمريكية، يهدد ترامب. ذلك ما أقرّه رئيسها التنفيذي، جاي تيمونس، الذي قال إن “ترامب حرّض على استعمال العنف، وحاولَ التمسك بمنصبه بالقوة”. كما دعى تيمونس نائب الرئيس مايك بينس إلى “تفعيل البند 25 من الدستور لحماية الديموقراطية”، ذات البند الذي يعطي بينس صلاحية تولي منصب الرئيس بعد عزله.

مثّلت أحداث مبنى الكابيتول الشرارة التي أعادت الزخم لصراع اليمين المتطرف ونظيره المعتدل، على الرغم من إجماع الطرفين في إدانة ما حصل. هكذا كان “الغضب والحزن” الكلمات التي وصفت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأمر، كما الأسى على “عدم اعتراف الرئيس ترامب بهزيمته، وتشكيكه في نتائج الانتخابات خالقًا المناخ الذي أجج أعمال العنف التي شهدناها”.

من جهته الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ظهرَ في تسجيل مصورٍ انتصب في خلفيته العلم الأمريكي رفقة الفرنسي والأوروبي، تأسف هو الآخرُ على أعمال العنف التي عرفتها العاصمة واشنطن، مذكرًا بروابط “الحريّة” التي تجمع بلاده بالولايات المتحدة واعترافها باستقلال أمريكا “كشعارِ للديمقراطية”، لهذه الأسباب “أعلن وقوف فرنسَا بقوة إلى جانب الشعب الأمريكي” إزاء “التهديد الذي تتعرضُ له ديموقراطيتنا”. قبل أن يختم خطابه قائلًا بلغة إنجليزية: “ما حدث لم يكن أمريكا التي نعرفها، لكن لدينا ثقة في قوة الديموقراطية الأمريكية كي تتخطى ذلك”.

في تعليقٍ على خطاب ماكرون، استغربت زعيمة حزب التجمّع الوطني الفرنسي، مارين لوبان، وجودَ الراية الأمريكية خلف الرئيس ماكرون، والتي تنص العادة على وجودها فقط في حال زيارة الرئيس الأمريكي للبلاد. كما اتخذت زعيمة الحزب اليميني المتطرف فرصة الخطاب لتكيلَ الانتقادات لسياسة ماكرون، متهمة إيّاه بأنه “يريد استيراد أسوأ ما في المجتمع الأمريكي”، في إشارة إلى ما اعتبرته انقسامات وصراعات عرقية وإثنية داخلَ ذلك المجتمع.

داخلَ اليمين المتطرّف الأوروبي كذلك، غرّدَ ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة الإيطالي، قائلًا:” العنف ليس حلًا. عاشت الحريّة والديمقراطية”. يميني متطرف آخرٌ تفاعل مع الأحداث، هو سانتياغو آباسكال، زعيم حزب فوكس الإسباني، الذي استغربَ من “تنديد اليسار التقدمي بأحداث مبنى الكابيتول”، متّهما الأغلبية الحاكمة ببلاده بالقول: “هنا لدينا نائب رئيس الحكومة دعا إلى اقتحام البرلمان، وكذلك من اقتحموا من قبل البرلمان الكتالوني يحكمون بيننا اليوم”. مضيفًا: “ربما إخواننا الشيوعيون والاشتراكيون قد خسروا حتى احتكارهم للعنف”.

على ادعاءات آباسكال، ردّ النائب الإسباني عن حزب بوديموس اليساري الحاكم، بابلو إيشنيك، “نحن نشهدُ الآن كيف يقود فوكس كلًا من حزب الشعب وسيودادانوس إلى تبني نفس طرحه، لقد منعهم حتى من تقديم شجب قوي لمحاولة ترامب الانقلابية”، مضيفًا أن “هذا يعادلُ اختطاف ترامب للحزب الجمهوري الأمريكي الذي انتهى إلى المحاولة الانقلابية، واختطاف حركة UKIP لحزب المحافظين البريطاني الذي أخرج البلاد من الاتحاد الأوروبي”.

يساري آخرُ تفاعلَ مع الأحداث، هو الرئيس البرازيلي السابق، لولا داسيلفا، الذي قال إن “اجتياح الكونغرس هو النتيجة التي تحصل عليها عندما تبدل السياسة واحترام التصويت بالأكاذيب والكراهية، حتى في بلاد تعد نفسها بطلة العالم في الديموقراطية”. مضيفًا بأن “هذا تحذير للبرازيل، بل وأسوأ من ذلك يمكن له الحصول هنا، إذا لم يتمّ احتواء بولسونارو وميلشياته”.

—————————

اقتحام الكونغرس كما قرأته أنقرة وطهران… ومخاوف في تل أبيب

مع اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبنى الكونغرس، سارعت تركيا وإيران إلى توظيف ما جرى في خدمة أجنداتهما السياسية.

من الناحية التركية، اعتبر مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الولايات المتحدة في طريقها إلى التفكك، وعليه فإن أنقرة كانت على صواب حينما سلكت طريقها الخاص لتصبح ضمن كبار القوى العالمية الجديدة.

أما في إيران، اعتبر التيار المحافظ هذه الأحداث دليلاً على صحة موقفهم في عدم التفاوض مع ترامب، كاشفين أن هناك مفاوضات كانت على وشك أن تبدأ مع الرئيس الأمريكي.

ودقت هذه الحادثة جرس إنذار في تل أبيب، حيث عبّر عددٌ من السياسيين عن مخاوفهم من احتمالية أن يُكرّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذه الأحداث، إذ سبق وأعلن أن “الشعب لن يسمح بسرقة الحكومة منه”.

تركيا أول المعلقين

كانت تركيا أول دولة شرق أوسطية تُعلّق على الصراع السياسي الدائر في الولايات المتحدة.

وذكرت في بيان مقتضب نشرته وكالة “الأناضول” التركية الحكومية: “تدعو تركيا جميع الأطراف في الولايات المتحدة إلى استخدام الاعتدال والحس السليم للتغلب على هذه الأزمة السياسية الداخلية”.

وقال رئيس البرلمان التركي مصطفى سينتوب على تويتر: “نتابع بقلق الأحداث في الولايات المتحدة وندعو كافة الأطراف إلى الهدوء. في تركيا، كنا دائماً نؤيّد القانون والديمقراطية ونوصي الجميع بذلك”.

وعلّق كبير مستشاري الرئيس التركي يجيت بولوت على أحداث الكونغرس في تغريدة، واصفاً إياها بـ”حرب أهلية”، مشيراً إلى “صعوبة بقاء الولايات “متحدة”.

وقال بولوت إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة تدهور سريع، ويتوقع وفاة حلف شمال الأطلسي، كاتباً أن تركيا أصبحت واحدة من ثلاث قوى عظمى في نظام عالمي جديد بعدما رسمت طريقها الخاص.

فيما تمنت أصوات تركية تتحدث بالعربية حدوث انقلاب في واشنطن، إذ كتب الناشط محمد أردوغان على تويتر معلقاً لدى النائب الجمهوري آدم كينزينغر: “ما نشهده هو محاولة انقلاب”.

وأضاف الناشط المعروف بالترويج لسياسة تركيا : “لِم لا! كم انقلاب زرعتم خارج أمريكا وقد آن الأوان لتذوقوا حصاد زرعكم”.

وسرعان ما ردّت سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور على البيان التركي، بالقول: “انتظر أردوغان وقادة مثل بوتين وقتاً طويلاً لإصدار بيانات كهذه”.

وأضافت في تغريدة لها: “لكن ليست الديمقراطية هي التي تحرض على هذا العنف أو تغذي حملة ترامب لسرقة الانتخابات، بل تبني ترامب للتكتيكات الاستبدادية التي يعتمد عليها هؤلاء الطغاة كل يوم”.

اعتراف ايراني

في إيران، علّق الرئيس الإيراني حسن روحاني على الأحداث التي جرت في مبنى “الكابيتول هيل”، قائلاً: “ما رأيناه الليلة الماضية في أمريكا، أظهر أن الديمقراطية الغربية ضعيفة… انظروا إلى ما فعله شعبوي بأمريكا. لقد شوّه صورة بلاده وأضر بعلاقات أمريكا مع العالم كله”.

وبعد السخرية من الديمقراطية الأمريكية، حاول روحاني مغازلة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، قائلاً إنه يأمل في أن “يصلح الأضرار التي سببها ترامب” و”يعيد الأمة الأمريكية، وهي أمة عظيمة، إلى مكانها الصحيح”.

وكتب حسين دهقان، أحد مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، قائلاً إن “مهندس كل أعمال الشغب والانقلابات والثورات الملونة اليوم، تُغلب عليه في الكونغرس من قبل المحتجين على الانتخابات الرئاسية”. وأضاف في تغريدة: “العالم يراقب الحلم الأمريكي”.

وفي تعليق على أحداث الكونغرس، اعترف علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن هناك من كان على وشك أن يتفاوض مع ترامب.

وقال شمخاني في تغريدة: “في انتخابات 2016، تم التشكيك في صحة ترامب العقلية. بعد أحداث الكونغرس، طالب بعض أعضاء مجلس الشيوخ بإقالته بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور لنفس السبب. ما الرد على من كانوا على وشك التفاوض مع هذا المجنون في إيران؟”.

وكتب المحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان تغريدة على تويتر: “نحن شعوب العالم الثالث نطالب الرئيس دونالد ترامب وأنصاره من المحتجين على نتائج الانتخابات احترام الديمقراطية وقواعد اللعبة لأن ذلك يضر بمصداقية الولايات المتحدة في رعايتها للديمقراطية والدفاع عنها في بلداننا ومعارضة أي قانون يتعارض مع حقوق الإنسان. أنقذوا ما تبقى من مصداقية!”.

وأضاف صدقيان في تغريدة أخرى: “الكرنفال الديمقراطي في الولايات المتحدة. الحمد لله الذي أبقانا أحياء لنرى آليات الديمقراطية الغربية كيف تريد أن تعلم البشرية كيف يجب أن تحترم نتائج الانتخابات؟ والله يا زمن”.

وكتب المحلل أمير موسوي على تويتر: “ما يحصل في أمريكا من فوضى يدل على هشاشة النظام الأمريكي وتمزق الهيئة الحاكمة، وفشل ترامب داخلياً وخارجياً ولم يسجل نجاحاً إلا مع الضعفاء الإنبطاحيين في المنطقة حيث استطاع أن يمرر إملاءات عليهم بسهولة”.

وفي وقت سابق، رفعت الحكومة الإيرانية “إشعارًا أحمر” إلى الإنتربول يطالب باعتقال ترامب و 47 مسؤولًا أمريكياً آخر بتهمة اغتيال قاسم سليماني. وأصدر العراق، في 7 كانون الثاني/ يناير الحالي، إشعاراً مماثلاً.

تكرار السيناريو

دان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم على الكونغرس، من قبل أنصار ترامب، وشدّد على أن الديمقراطية الأمريكية سوف تسود.

وألقى نتنياهو هذه الكلمات بعد مرور عدة ساعات على الأحداث، وذلك خلال لقائه في القدس مع وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوتشين. ولم ينتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي ترامب، ولم يُشر إليه مباشرة أو إلى أنصاره.

من جهته، دان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الهجوم على مبنى الكابيتول بعد وقت قصير من وقوعه، كما فعل وزير الخارجية غابي أشكنازي في غضون ساعات قليلة.

لكن هذه الأحداث أثارت مخاوف لدى عدد من السياسيين الاسرائيليين الذين يخشون تكرار نتنياهو هذا السيناريو بسبب رفضه التخلي عن الحكم.

وكتب عضو الكنيست الإسرائيلي المعارض إيلي أفيدار: “منذ أشهر قال نتنياهو أن الناس لن يسمحوا بسحب الحكومة منهم، كيف يختلف هذا عن ترامب؟ … دعواته التحريضية ستسبب في وقوع أسوأ الأعمال”.

وكان نتنياهو ألقى خطاباً بعد اتهامه من قبل المدعي العام في قضايا فساد أعلن فيه أن هناك مؤامرة للإطاحة به وهو ما لن يقبله الشعب.

وبينما كانت البيانات والتعليقات تخرج من دول الشرق الأوسط، جاءت الأخبار من واشنطن بتولي السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز المعروف بمواقفه المعارضة بشدة لأردوغان وقادة مصر والسعودية واسرائيل رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ.

وأصدر مينيندي بياناً مطولاً يدين فيه ترامب لتحريضه على العنف في مبنى الكابيتول، وقال إن مشاهد العنف التي اندلعت هي نعمة لـ “المستبدين” “وأعداء أمريكا”.

وقال السيناتور الذي أثار تعيينه تفاؤلاً كبيراً بين جماعات حقوق الانسان: “من موسكو إلى بكين وما ورائها، من المحتمل أن يبتسم المستبدون وهم يرون أمريكا في حالة فوضى، وفي حرب مع نفسها، ولم تعد رسولاً موثوقاً به للقيم الديمقراطية التي لطالما حددت جمهوريتنا العظيمة”.

—————————–

===================

تحديث 08 كانون الثاني 2020

———————-

أمريكا بعد اقتحام الكابيتول: مَن يجبّ الترامبية؟/ صبحي حديدي

قد يصحّ الإقرار، بادئ ذي بدء، أنّ نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على علاته ومظانه الكثيرة، أثبت مرونة عالية في الجوانب الإجرائية التي تعود قواعدها إلى ما سنّه «الآباء المؤسسون»؛ وتسري بالتالي على الحزبين الوحيدين، الجمهوري والديمقراطي، ولا تملك مؤسسة ديمقراطية عليا مثل الكونغرس سبيلاً لتعطيله على نحو يغيّر أصول اللعبة جذرياً، حتى إذا تعرّضت إلى مسّ هنا أو هناك، رقيق أو عنيف. ذلك ما تشهد به وقائع ما بعد انتخاب جو بايدن رئيساً وكمالا هاريس نائبة للرئيس، رغم صنوف المقاومة العنيفة التي اعتمدها الرئيس الخاسر دونالد ترامب؛ والتي تطورت على نحو منهجي حتى بلغت ذروتها في العصيان الذي نفّذه أنصاره في قلب العاصمة، واقتحام مبنى الكابيتول أثناء انعقاد اجتماع مشترك لمجلسَيْ النواب والشيوخ للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية.

غير أنّ هذه المرونة لا يصحّ لها أن تجبّ مقدار العطب الداخلي العميق الذي أصاب، ويواصل إصابة، الديمقراطية الأمريكية المعاصرة كما تعاقبت فصولها منذ نهايات الحرب العالمية الثانية على أقلّ تقدير؛ بافتراض أنّ سماتها التكوينية الإيجابية، القياسية إذا جاز القول، خرجت من عباءة الليبرالية التنويرية لتدخل تحت عباءة النيو ــ ليبرالية، المتوحشة المناهضة للتنوير إلى درجة الاصطفاف المحافظ واليميني في أمثلة عديدة. وليس مثال العطب الأبرز، والراهن، سوى صعود ترامب والترامبية، ليس في مستويات السياسة والاجتماع والاقتصاد والعلاقات الدولية والثقافة، فحسب؛ بل كذلك في سيرورات متكاملة من استطالة الترامبية في قلب الحزب الجمهوري، الذي لم يتوقف عند مزيد من الانغلاق المحافظ والعصبوية البيضاء والعنصرية المبطنة أو حتى الصريحة، بل استمرأ حالة من التبعية والخضوع و»التقولب» حول شخص ترامب، تكاد تذكّر بظاهرة عبادة الفرد دون سواها.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، لأسباب داخلية وخارجية في آن معاً، قدوة غالبية من أنصار الحزب الجمهوري؛ ومن الإنصاف الافتراض، اليوم، بأنه اهتز في قبره لمرأى مشاهد اقتحام الكابيتول (ولسنا نعرف حتى الساعة ما إذا كان تمثاله داخل المبنى قد صمد أمام غضبة الجموع الترامبية). ففي خطبة الوداع، مطلع كانون الثاني (يناير) 1989، ذكّر ريغان الأمريكيين بأنه لم يكفّ عن التغنّي بـ»»المدينة المضيئة» على التلّ، رمز الديمقراطية الأمريكية المشيدة على «صخور أقوى من المحيطات» التي باركها الربّ رغم عصف الأنواء كي تتآخى مع «شعوب من كلّ نوع تعيش في اتساق وسلام». لم تكن هذه حال التآخي التي خامرت ذهن ريغان حين أفسحت الصخور الدروب الواسعة لاجتياح الرمز المضيء، بأعلام عنصرية وعصبوية ونازية، وبشعارات لم تعد تعترف من الديمقراطية إلا باسم ترامب وإسقاط نتائج الانتخابات الرئاسية؛ في غمرة ذهول أجهزة الأمن والاستخبارات المحلية والفدرالية في عاصمة القوة الكونية الأعظم، على مرأى ومسمع العالم بأسره.

وذلك الباب الشهير، في قاعة الكابيتول الكبرى، الذي يدلف منه رؤساء أمريكا لإلقاء الخطبة السنوية التقليدية حول حال الاتحاد، تجاوزت أحدث صورة له المخيّلة السوريالية: ثلاثة من رجال الأمن يصوبون مسدساتهم نحو نفر من أنصار ترامب يحاولون تحطيم الباب. أمّا مكتب نانسي بيلوسي، رئيسة البرلمان والهيئة التشريعية الأعلى إلى جانب مجلس الشيوخ، فلم يُشبع غليل المقتحمين أنهم عبثوا به، بل توجّب أن يتركوا لها رسالة وعيد: عائدون! «انقلاب» جدير بأنظمة العالم الثالث، اهتدى بعض المعلقين الأمريكيين إلى العبارة الملائمة؛ أو «عصيان» في التعبير المهذب الذي استخدمه الرئيس المنتخب بايدن؛ وقلّة استعادوا العبارة التي تُنسب إلى سنكلير لويس، الكاتب والمسرحي الأمريكي حامل نوبل: «حين تصل الفاشية إلى أمريكا سوف تكون ملفوفة بالعَلَم والصليب»…

وتلك، لا يخفى، سياقات تردّ إشكالية الراهن الأمريكي إلى قيمة عليا دائمة، لا تحول ولا تزول، هي مفهوم «الحلم الأمريكي»؛ ذاك الذي يعلن ترامب أنه يريد إحياء جذوته في النفوس عبر الشعار الأثير حول جعل أمريكا عظيمة مجدداً. المفهوم صوفي بالطبع، وهو سحري سار ويسير على ألسنة الساسة الأمريكيين في كلّ مناسبة تخصّ، أو تمسّ، علاقة الولايات المتحدة بالعالم ما وراء المحيط؛ أو، في التكملة، كلما تعيّن عليهم أن يدغدغوا أنفة الأمريكي أو غطرسته الموروثة بمعنى أدقّ؛ فما بالك إذا اتصل الأمر بالذات، التي تضخمت خلال أربع سنوات من الترامبية البيضاء والعنصرية وشبه الفاشية أو بعض الفاشية كاملة متكاملة. التاريخ الأمريكي من جانبه يروي تفاصيل أخرى عن الحلم، فيسجّل قيامه على الفلسفة الطهورية أوّلاً، ثم انفتاحه ــ سريعاً ودون مقدّمات لاهوتية أو أخلاقية ــ على شهوات لاطهورية، قوامها الفتح والتوسع والهيمنة والأسواق والاستثمار والاحتكار، وما إلى هذه من أخلاقيات رأسمالية.

وبالطبع، الحكاية الأشهر في هذا الصدد تقول إنّ المهاجر الإنكليزي جون ونثروب أبحر في عام 1630 على ظهر السفينة أرابيلا، في طريقه إلى «العالم الجديد»؛ وعلى مبعدة فراسخ قليلة من شواطىء أمريكا نطق ذلك البيوريتاني الحالم بالجملة الذهبية: «إنني أحلم بأمريكا على هيئة مدينة في أعلى هضبة خضراء، تحفّ بها البراري والمراعي والكنائس». هكذا بعفوية شاعرية رعوية، ولكن بما يكفي من براغماتية جعلته يردف بالقول: «هدفي هو الحرّية، ولكنّ مخططاتي على المدى البعيد ستكون الاستئثار بأقصى ما يتيحه لي الربّ من عقارات وثروات». وبالفعل، أرسى ونثروب قلوعه عند صخرة ماساشوستس الأشهر، ثم أقام مستعمرة بوسطن، وأسّس شركاته من عرق الزنوج العبيد ودمائهم، وانتُخب حاكماً مدى الحياة.

ومذاك، ما انفكت هذه المشكلة البكر تتفاقم وتتضخّم: أنّ «الأمّة الأمريكية العظيمة» مصابة بتخمة الحديث عن الصخرة البيوريتانية والحلم الأمريكي، في التجريد والإطلاق والضبابية والصوفية؛ ولن يعلو نجم سياسي، جمهوري أم ديمقراطي، ليبرالي يساري أم محافظ يمين، علماني أم متدين… إلا وبعض بضاعته المستعادة هي الحلم الأمريكي؛ وتستوي في هذا التنويعات اللفظية، والكثير منها ركيك كسيح الدلالة. المشكلة الأخرى أنّ صخوراً من نوع مختلف كانت تنتظر خطاب ونثروب الانفتاحي ذاك، وعليها تكسّر الخطاب الأصلي بسرعة قياسية، بمنأى حتى عن صخرة ماساشوستس التي يحرسها طهوريون غلاة يرسمون مبادىء الحلم الأمريكي على غرار تقنيات راعي البقر في جمع القطيع.

هو الحلم ذاته الذي رفع ترامب إلى مصافّ مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات 2016، رغم النقائض والفضائح والعراقيل؛ ثمّ إلى سدّة البيت الأبيض، وموقع اتخاذ القرارات التي طوت أكثر من صفحة سطّرها رؤساء جمهوريون أعلى منه شأناً ومكانة؛ وصولاً إلى القبض على مقادير الحزب الجمهوري وتحريك كبار ممثليه في مجلس النوّاب والشيوخ كما تُساق النعاج. وإنه، بذلك، الحلم الذي يتوجّب أن يذكّر بمساوئ الديمقراطية الأمريكية، بعد استذكار محاسنها غنيّ عن القول، وفي الطليعة منها أنّ صعود ترامب وأمثاله لم يكن مصادفة أو ضربة عشوائية، وليست اعتبارات الأمن والاقتصاد والشعبوية والعنصرية والبذور الفاشية هي وحدها المسؤولة؛ إذْ ثمة سوابق كثيرة لا تضرب بجذورها إلا في التربة ذاتها التي تختصر أزمات النظام الرأسمالي المعاصر.

هذه هي أمريكا المعاصرة، ما قبل ترامب وما بعده أيضاً؛ وتكفي متابعة أعمار الجموع التي اقتحمت مبني الكابيتول كي يدرك الناظر أنّ هستيريا الأمريكي السبعيني كانت تكمل سعار الأمريكي العشريني أو الثلاثيني؛ وما بينهما نساء عجائز ونساء صبايا، سواء بسواء. والسؤال بذلك بسيط مشروع: أين ينتهي الحلم وتبدأ الديمقراطية، أم العكس؟ وبالأحرى: بعد اقتحام الكابيتول، مَن يجبّ الترامبية؟

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————

«غزوة» الكونغرس: آخر كوارث ترامب؟

تابع العالم بذهول كبير، أحداث يوم اقتحام أنصار للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمبنى الكابيتول، مركز مجلسي النواب والشيوخ، بدءا من وقوف ترامب بين أولئك الموالين له، حيث استمرّ بتكرار مزاعمه حول «سرقة» الرئاسة منه، ومهاجما، كالعادة، كل من يخالفونه، بمن فيهم نائبه الحالي مايك بنس، لأنه رفض استخدام موقعه كرئيس لمجلس الشيوخ لعرقلة تنصب الرئيس الفائز جو بايدن، وقضاة المحكمة العليا، التي لم تستجب لطلباته باستخدامها لمنع وصول خصمه جو بايدن للرئاسة، رغم أنه عمل على مدى السنوات الماضية على زيادة عدد المحافظين المؤيدين له داخلها.

ترامب، الذي رفع منذ فترة حملاته الانتخابية عام 2016 شعار «فلنرجع أمريكا عظيمة مجددا» تمكن، خلال «غزوة الكونغرس» من تسديد أكبر الضربات المهينة لصورة الولايات المتحدة الأمريكية كدولة ديمقراطية، بتحريض المتطرّفين من أنصاره على الهجوم على مركز إصدار القوانين وتمثيل الأمة الأمريكية، وأحد أهم المواقع الرمزية للعظمة التي يتغنى بها، وبإهانته كل عناصر هذه العظمة، بدءا من مؤسسة الرئاسة نفسها، التي أصبحت، خلال حكمه، مركزا لإطلاق الأكاذيب، وإثارة الغرائز، وتحريض قسم من الشعب على القسم الآخر، مرورا بالمحكمة العليا، المنوطة بحماية الدستور والقوانين، ومجلسي النواب والشيوخ، اللذين تعرضا للاقتحام، ولمحاولة التلاعب بهما بكافة الأشكال الممكنة، ومرورا بالقضاء والأجهزة الحكومية، والمؤسسات الأمنية، وانتهاء بالإعلام، الذي كان محطا لهجماته وإساءاته.

حفلت عملية الاقتحام بإشارات رمزيّة كبيرة، منها رفع أنصار ترامب لعلم الولايات الانفصالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1864) وظهر أحد المقتحمين داخل الكابيتول واقفا أمام لوحة سياسي كان من أبرز المدافعين عن العبودية كما ظهر بعض الأنصار حاملين علم إسرائيل، وجلس آخر في مكتب رئيس مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، وكتب بعضهم على أحد الأبواب «اقتلوا الإعلام» وكلّها رسائل مبطّنة تدعو للحرب الأهلية وإعادة العبودية ومناصرة إسرائيل واحتقار الديمقراطية والإعلام.

أشكال التعبير الأولى عن هذه الكارثة التاريخية الأمريكية يمكن تلمسها من تعليقات بعض مسؤولي الأنظمة الدكتاتورية، الذين وجدوا في هذه الأحداث مناسبة لتبرير قمع شعوبهم، وللسخرية من النظم الديمقراطية، كما فعل رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي الذي قال إن الولايات المتحدة «لن تكون قادرة بعد الآن على فرض وتحديد معايير الانتخابات في الدول الأخرى» فيما علّق مسؤول صيني مشبّها ما حصل من اقتحام للكونغرس بالاحتجاجات الشعبية ضد بكين في هونغ كونغ، بل إن بعض أنصار الاستبداد العربيّ وجدوا في ما حصل مناسبة للتشنيع على الحراكات العربية وأشكال الاحتجاج ضد الأنظمة المتسلطة والفاسدة.

انتبه بعض المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين لهذه النقطة، فأشار وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس إلى أن «أعداء الديمقراطية سيسعدون برؤية هذه الصور المروّعة» وكان بعضهم أكثر دقة بتحميله المسؤولية مباشرة لترامب، كما فعل وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني، الذي وصف ما حصل بـ»اعتداء متعمد على الديمقراطية من قبل رئيس حالي» ورئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أردرن التي قالت إن «الديمقراطية لا ينبغي أبدا إبطالها على يد الغوغاء».

إضافة إلى كلمات العار والفوضى والانقلاب، التي استخدمتها وسائل الإعلام العالمية لتوصيف ما فعله ترامب وأنصاره، وإغلاق وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وانستغرام لحساباته، ودعوات نواب لعزله قبل أسبوعين من انتهاء ولايته باعتباره «مريضا عقليا» واقتراح آخرين لسجنه في غوانتانامو، لا بد أن كثيرين في العالم كانوا يأملون في انتهاء «إنجازات» ترامب، الذي بدلا من «إعادة أمريكا عظيمة» فقد أصبح الرئيس الأول منذ 90 عاما، الذي يخسر محاولة الاستمرار في الرئاسة لولاية ثانية والأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وختم حكمه بهذه الطريقة المريعة.

القدس العربي

—————————–

يوم سقطت واشنطن/ أسامة أبو ارشيد

وقفت أميركا والعالم مَشدوهَيْنِ، يوم الأربعاء الماضي، أمام مشهد اقتحام مبنى الكونغرس في واشنطن من أنصار الرئيس دونالد ترامب، الذي حرضهم هو نفسه على العنف، بذريعة أن الانتخابات الرئاسية سُرقت منه. كانت العظمة الأميركية تتهاوى أمام شاشات التلفزة، وبدت صور عصابات بيضاء متطرّفة، وهي تعبث برمز الديموقراطية الأميركية “المقدّس” وتدنّسه، كأنها آتية من العالم الثالث، أو من الصين أو روسيا، تلك الأجزاء من العالم التي توبّخها الولايات المتحدة مراراً في تصريحات مسؤوليها، أو في التقارير السنوية التي تصدرها وزارة خارجيتها عن حقوق الإنسان والديمقراطية.

ما جرى كان وصمة عار في جبين الديموقراطية الأميركية، جعلت منها محل سخرية بين خصومها الذين لطالما جرّعتهم من الكأس نفسها. الأخطر أن ما جرى، وهو ما لم تنته فصوله بعد لحظة كتابة هذه السطور، قد تكون له تداعيات مستقبلية كارثية، آنية وفي المديين المتوسط والبعيد. تعيش أميركا اليوم انقساماً مجتمعياً حادّاً، عمودياً وأفقياً، وهو قد يزداد عمقاً وتتسع هوته، خصوصاً في وجود سياسيين انتهازيين، وإيديولوجيين سطحيين نافخين في كير الكراهية، اللهم أن تكون هناك إرادة وقدرة على إنفاذ مشروع إصلاح وطنيٍ شامل ومُتَبَصِّرٍ، وهو أمر مشكوك فيه، في ظل المعطيات الراهنة، وإنْ لم يكن مستحيلاً.

لا أريد أن أقفز إلى حكم قيمي حول انهيار “النموذج الأميركي”، ففي هذا تعجّل، ويحتاج الأمر مزيداً من الفحص والتدقيق، ولو أنه قد يُجادل كثيرون في أن “النموذج الأميركي” مجرّد وهم، سواء لناحية الاختلالات العرقية والاقتصادية والسياسية في البلاد، أو لناحية افتراق السياسة الخارجية الأميركية عن القيم الديموقراطية الداخلية التي تباهي بها العالم. لكن، في كل الأحوال، إن حجم الضرر المريع الذي لحق بنموذج الديمقراطية الأميركية داخلياً، والصورة المستقرّة عن رسوخ مؤسساتها وعراقة أعرافها وتقاليدها وأمنها الصارم، أكبر من أن يُنْكَرَ أو أن يتجاهله أحد.

هناك حديث في الولايات المتحدة، ومن أقطاب كبيرة في مؤسسات الحكم والفكر والإعلام، عن أن الديموقراطية الأميركية هشة. لقد عرَّاها ترامب، بل فضحها على رؤوس الأشهاد، ولا يمكن أحداً أن يجادل بعد اليوم بأن في أميركا شرائح مجتمعية واسعة وعريضة تعاني من جهلٍ مطبق، وعنصرية بغيضة، وكراهية عميقة، وعنف متأصل فيها. هي مجرد براميل بارود تنتظر صاعق تفجير، وكان ترامب واحداً من تلك الصواعق. وحتى إذا تجاوزت أميركا حقبته، فإن براميل البارود هذه ستبقى جاهزة للانفجار، في انتظار صاعق جديد، الذي لن يطول أمد غيابه، إلا أن تتمَّ معالجةٌ جذريةٌ لأسباب الغضب، خصوصاً بين نسبة معتبرة من البيض، وهي قضية أخرى سبق أن كتبت فيها مرّات عدّة في “العربي الجديد”.

في سياق الأعطاب التي يعاني منها “النموذج الأميركي”، يمكن سرد ثلاثة منها الآن تتصل باقتحام مبنى الكونغرس، خلال تصديق أعضائه على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جو بايدن، ويرفضها ترامب، ويعتبر هو وقاعدته الشعبية الواسعة جدّاً أنها خضعت للتزوير من “الدولة العميقة”.

العطب الأول، أن من حرّض، ولا يزال، على العنف ضد الدولة ومؤسساتها وقياداتها ومواطنيها، هو الرئيس نفسه. الأدهى أن الدوغمائي ترامب، على مدى أربع سنوات تمتع بحصانة من حزبه الجمهوري في الكونغرس، ضد كثير من أفعاله التي وُصِفَ بعضها بالخيانة. فجأة، يصحو نائب الرئيس، مايك بينس، وزعيم الأغلبية (الأقلية الآن) الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، على أن الرجل مصابٌ بجنون العظمة، ومريض نفسياً، وله نوازع استبدادية فاشية تشكّل خطراً داهماً على الجمهورية! ما كان ترامب ليُحدِث كل هذا الضرر الفادح بالولايات المتحدة، مجتمعاً ونموذجاً وقيماً ورمزيات ومؤسسات حكم، لولا وجود سياسيين جبناء في حزبه، يتوسّلون رضاه، علهم يحظون بدعم بعض قاعدته الانتخابية من الغوغائيين.

العطب الثاني، نجده في كيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع العصابات المتطرّفة التي اقتحمت رمز الديموقراطية الأميركية “المقدّس”، وعاثت فيه فساداً وتخريباً، مهدّدة سلامة أعضائه في مجلسي النواب والشيوخ، ونائب الرئيس نفسه. كثير من الإعلام والسياسيين الأميركيين تكلموا في هذه النقطة بالذات، عاقدين مقارنة بين تعامل السلطات الخشن مع احتجاجات السود السلمية، في أغلبها، قبل أشهر، وتعاملها مع عصابات بيضاء، تجرّأت على تدنيس مقر السلطة التشريعية الأميركية. لقد تأخرت الحكومة الفيدرالية في نشر قوات الحرس الوطني لحماية مبنى الكونغرس. كانت هناك معلومات استخباراتية عن أن بين المتظاهرين المؤيدين لترامب من ينوي القيام بأعمال شغب في العاصمة، بل إن الرئيس نفسه هو من وجّههم نحو الكونغرس. لم يقف الأمر عند ذلك الحد، حيث رأينا كيف كانت عناصر الأمن، ومن ثمَّ قوات الحرس الوطني التي نُشِرَت بشكل متأخر، تتعامل بضبط نفس كبير مع الذين اعتدوا على أحد رموز الحكم والهيبة الأميركية، بل وعليهم. ترى، لو كان هؤلاء في غالبهم الأعظم بيضاً، أكانت السلطات تعاملت معهم بهذه الطريقة؟ هذا سؤال يطرحه كثيرون في أميركا، وأظن أن الإجابة واضحة، ونماذجها المغايرة أكثر من أن تعد وتحصى هنا.

العطب الثالث، يتمثل في سقوط الرمزيات الأميركية على يد بعض أبنائها أنفسهم. كانت المرّة الأولى والأخيرة التي اقتحم فيها الكونغرس عام 1814. حينها كان المقتحم جيشاً أجنبياً غازياً، هو الجيش البريطاني، الذي دمر المبنى وأحرقه. وفي السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، كان المقتحمون والمخرّبون له مواطنين أميركيين، بذريعة أنهم يريدون حماية نزاهة الانتخابات الرئاسية التي خسرها مرشحهم. هذه لحظة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، وتؤسّس لسابقة خطيرة قد تقود إلى المسِّ بالهوية الوطنية الجَمَعِيَّةِ الأميركية. ولمن أراد دليلاً على ذلك، فليتابع صور بعض المعتدين على الكونغرس الذين جابوا أروقته وقاعاته، حاملين علم الكونفدراليين الذين أشعلوا حرباً أهلية أميركية (1861-1865) بغرض الانفصال عن الاتحاد.

باختصار، ما شهدته الولايات المتحدة من أحداث في السنوات الأربع الماضية، وما زالت تحت رئاسة ترامب، ما هي إلا تعبيراتٌ عن أزمة بنيوية يعيشها “النموذج الأميركي”. وإذا كانت واشنطن قد سقطت في السادس من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، فإن ذلك ينذر بانهيار كامل لذلك الأنموذج في السنوات المقبلة، وقد يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، وصولاً إلى تفكّك الولايات المتحدة نفسها بأيدي أبنائها. هل هذا قدر محتوم؟ لا. تبقى القدرة الأميركية على الإصلاح الذاتي كبيرة، في ظل وجود قيم وأعراف وتقاليد عريقة، ومؤسّسات قوية ما زالت قادرة على تمتين بنائها.

العربي الجديد

——————————

الأربعاء الأسود… أمريكا المنقسمة/ سامح المحاريق

هل بدأ الانقسام في أمريكا مع الرئيس ترامب، دعونا لا نحاول أن نعطي الرجل أكبر من حجمه، ففي الحقيقة الانقسام قائم قبل أن يعلن ترامب ترشحه لانتخابات 2016. في بداية الألفية الجديدة تعززت الأفلام الأمريكية، التي تقدم حياة السود حصرًا، وكأنهم منفصلون تمامًا وجوهريًا عن بقية الأمريكيين، وكان ذلك يمثل رد الفعل على سنوات طويلة من التجاهل في الدراما الاجتماعية الأمريكية، وبالاقتراب أكثر من الصورة، فإن الأمر يختلف عن موسيقى الجاز التي عبرت عن الأمريكيين من أصول افريقية في ولايات الجنوب، التي كانت إعلانًا عن الوجود، وفعل مقاومة، لأن الموجة الجديدة في حد ذاتها تظهر مجتمعًا منفصلًا ومنكفئًا على ذاته، مجتمعًا يصر على بناء جديد، وكانت ذروة التعبير عن وجوده مع انتخاب الرئيس باراك أوباما رئيسًا سنة 2008، وهو ليس أمريكيًا افريقيًا نموذجيًا، إذ لا ينتمي إلى أسر حقول القطن والاضطهاد القديم، فوالده مهاجر كيني حديث نسبيًا، وأمه أمريكية بيضاء، أي أنه لا يعبر عن المأساة السوداء بكامل تفاصيلها.

لحظة أوباما أشعرت الأمريكيين البيض، خاصة المتعصبين بالخطر، فالرئيس الصاعد كان تعبيرًا عن المهاجرين الجدد، وتوسعه في الخدمات مثل الرعاية الصحية يجعل الولايات المتحدة تتكبد المزيد من المال، الذي يعتقد البيض أنهم يدفعونه لتمويل المهاجرين، وتمكينهم من الحياة بينهم، وإذا كانت الأجيال الأولى من المهاجرين، لا تستطيع أن تنافس البيض في الوظائف والتأثير، فالأجيال التالية من المولودين في الولايات المتحدة، أو القادمين في سن مبكرة، يمكنهم أن يفعلوا ذلك، والصومالية المولودة في مقديشو إلهان عمر، بوصولها إلى عضوية مجلس النواب نموذج واضح لذلك، وهذه النائبة مثلت تحديدًا الاستفزاز الأكبر لترامب، فهو لا يراها في أفضل الأحوال سوى عاملة نظافة في أحد فنادقه، فكيف تصبح مشرعًا يمكنه أن يعترض على توجهات الرئيس وقراراته.

هذه المشاعر كانت تحضر بشكل أو بآخر لدى آلاف الأمريكيين، الذين حاصروا مبنى الكونغرس، وتمكنوا من اقتحامه في مشهد رعب، كان مكانه أفلام المستقبل التي تتوقع انهيار الولايات المتحدة، وكان معظم الناس يتعاملون معها على أنها فانتازيا خالصة، ولكنها حدثت، وقدرة المؤسسة الأمريكية العميقة على استيعابها بالأمس، بعد اشتباكات محدودة ستبقى موضعًا للتساؤل قبل الجولات المقبلة.

نعم توجد جولات مقبلة، والعنف الذي شهدته العاصمة سيعتبره الأمريكيون البيض يومًا ملهمًا وسيبنون عليه، ربما بطريقة تشبه ما حدث مع أندية الشاي التي كانت بداية التمرد على السلطة البريطانية، على الولايات الأمريكية. ستختمر الحالة الترامبية التي كانت مجرد حالة من الشكوى والغضب، والرغبة في التنمر، لتصبح تيارًا سياسيًا سيجد بين وقت وآخر قادمين جدد من الحزب الجمهوري، الذي يتراجع مع الفشل المتواصل الذي يلحق بنموذج الليبرالية الجديدة، وستولد أمريكا الفاشية تكساس ونورث داكوتا وكنساس ومونتانا وألاباما. والأمريكيون البيض الذين اعتبروا جوزيف سميث نبيًا وأسسوا ديانة المورمون، التي تعبر عن قابلية الأمريكيين للوهم بكل سذاجة، ربما سيجدون في ترامب نبيهم الجديد، وهو ما يحاول أن يفعله الرئيس، وعلى الأغلب بصورة غير واعية عندما خرج ليتحدث لهم مطالبًا بالسلمية والتهدئة، في رداء من المظلومية التي يدعي أنها لحقت به.

ترامب يعتبر نفسه ناجحًا في أمريكا التي تخصه، وهي التي بدأت بتجاهل أمريكا الأخرى السوداء واللاتينية، وأي نسخ أخرى، ولكن التجاهل ليس قابلًا للاستمرار، والصدام يبدو حتميًا، أو هو المنطق الذي يفضله التاريخ، فما الذي سيحدث، أو يمكن أن يحدث إن لم ينجح الأمريكيون في تداركه. كما استوعبت المؤسسة العميقة في الولايات المتحدة صدمة الجلسة المشتركة للنواب والكونغرس للتصديق على فوز جو بايدن، فإن طاقاتها يمكن أن تستوعب تمرير السنوات المقبلة من رئاسته، إن لم تحدث مفاجآت في منتصفها مثل، وفاته أو عجزه عن ممارسة دوره لتتولى مكانه كامالا هاريس الرئاسة، ولكن ما ستعجز عنه المؤسسات المختلفة، هو التفاعلات في المدن الصغيرة والولايات الجمهورية الميول، ذات الأغلبية البيضاء، خصوصًا أن الفوضى الجمهورية في الولايات، والجدل حول إجراءاتها في الانتخابات، أظهر الولايات المتحدة مجموعةً من الدول التي ترتبط فيدراليًا، وكأن الفيدرالية سلطة قهرية تريد أن توجهها، وهو ما سيجعل الغضب يتصاعد داخل بعض الولايات، وربما نشهد حديثًا عن رغبة في الانفصال عن الاتحاد الأمريكي، ومغامرات قانونية مختلفة، ومماحكات غير متوقعة.

ليلة ستبقى طويلًا في ذاكرة الأمريكيين، هذا إن كان الأمريكيون سيمتلكون منذ اليوم ذاكرة جمعية، فأمريكا المنقسمة هي التي ولدت رسميًا في الأربعاء الأسود، وكانت قبل ذلك جنينًا، وستحتاج بعض الوقت لتتعلم المشي، ثم الركض، أين؟

بدأت أمريكا تاريخها بالركض في المساحات الشاسعة المفتوحة أمام المستوطنين القادمين من أوروبا، من أجل فرض الأمر الواقع على الأرض بموازاة اجتثاث السكان الأصليين، وكان مزيدًا من الركض يعني المزيد من الثروة، أمام اليوم، فإن العودة إلى ثقافة الركض واحتلال المساحات، كما كان المشهد الذي يقدم أحد مقتحمي الكونغرس يحتل مكتب نانسي بيلوسي رئيسة الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، فأين سيوصلهم الركض هذه المرة؟ ويبقى أنه من الصعب أن يقضوا على أمريكا الأخرى (السوداء أو اللاتينية) كما فعلوا سابقًا مع السكان الأصليين.

كاتب أردني

—————————-

أمريكا في أزمة مع «الحقيقة»: الترامبيّة… اليوم التالي/ ندى حطيط

يوم الأربعاء الماضي توافد الآلاف من مؤيدي الرئيس دونالد ترامب إلى واشنطن العاصمة للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 والمطالبة بإلغائها. واستمعوا إلى رئيسهم يقول إنه لن يعترف أبداً بخسارته، والانتخابات الأمريكية لم تعد حرة أو نزيهة. ثم ناشد جمهوره أن يسيروا إلى مبنى الكابيتول، حيث كان الكونغرس منعقداً للتصديق على انتخاب بايدن. وبعد لحظات، كان مؤيدو ترامب قد اخترقوا خطوط الشرطة المتهاونة حول المبنى واقتحموه وأثاروا فيه فوضى عارمة تسببت في إلغاء جلسة التصديق وتهريب المجتمعين بحماية رجال الشرطة والحرس الوطني.

وبالطبع سارعت التلفزيونات العالميّة والمواقع الإخباريّة على الإنترنت إلى تقديم متابعة حيّة لتطورات الأحداث على التلّة الشهيرة، حيث يفرق كل أمر عظيم من شؤون البشر، وأبدى كثير من المعلقين والمذيعين دهشتهم مما يجري في أهم (ديمقراطيّات) الكوكب، ووصفوا أنصار ترامب بالرّعاع والهمج الذين دنّسوا قدس أقداس راعيّة (الحريّات) في العالم.

لكن ما حدث لم يكن وليد لحظة غضب عابر، أو ردّة فعل على خسارة ترامب بقدر ما هو استمرار بطرق أخرى وتصاعد لعمليّة التزوير العلنيّ ل»الحقيقة» التي يشارك بها هؤلاء المعلقون والمذيعون أنفسهم منذ إخفاق النيوليبراليّة وتفجّر الأزمة الماليّة في 2008، وما ترتّب عنها من إذلال وإفقار للملايين وسرقة لأموالهم ومستحقاتهم لإنقاذ المضاربين والبنوك. معظم هؤلاء الغاضبين – وبينهم دون شك مهووسون ومتطرفون لا يخلو منهم الأمر – أناس عاديّون تم شرنقتهم في مجموعات كراهيّة عبر وسائل التّواصل الاجتماعي وإمدادهم بنظام غذائي مستدام من أكاذيب إعلاميين مأجورين، وسياسيين مهووسين ومثقفين انتهازيين عبر منافذ الإعلام وشاشات التلفزيون، فيصوّر بعضهم ترامب ضحيّة لعصابة مهووسين يسيطرون على الدّولة الأمريكيّة فيما يصوره البعض الآخر مجنوناً يريد قلب البلاد إلى فاشيّة لذوي البشرة البيضاء. والضحيّة في الحالين الحقيقة: أن النّخبة الأمريكيّة الحاكمة ليست أكثر من وحش واحد ذي رأسين، إن لم ينهش أحدهما الجمهور المغلوب على أمره باسم الحزب الجمهوريّ، نهشه الرأس الآخر باسم الحزب الديمقراطيّ.

أوهام للجميع حسب الطلب

وسائل الإعلام الأمريكيّة بتوزعها على جانبي الشقّ المفتعل بين المواطنين الأمريكيين خلقت لأنصار اليمين الجمهوري وهماً بأنّ ترامب لديه خطة كبرى للاحتفاظ بمنصبه بطريقة سحرية وأنّه على نسق زحف القمصان السوداء الفاشية على روما سيقود الأمّة ويسيطر على السلطة باسم الشعب، فيما منحت أنصار اليسار الديمقراطي شعوراً مفتعلاً بالانتصار وطوي صفحة ترامب إلى الأبد. ولذا رأينا أمريكيين يرفضون قبول خسارة ترامب ويشعرون بالمرارة ليس فقط على الجمهوريين في الكونغرس الذين رفضوا إنكار نتائج الانتخابات، ولكن على ترامب نفسه، الذي «من الأفضل له أن يفعل شيئاً ما حيال كل هذا غداً، أو أنه سيكون أكبر خائن لنا جميعاً». بينما على المقلب الآخر تمّ بناء انطباع بأنّ ترامب أصبح خارج اللعبة تماماً وأن أنصاره سَيُسقَط في أيديهم ويتفرقوا دون إحداث فوضى حقيقة، وأنّ الخلاص ينتظرنا على قارعة الطريق اعتباراً من 20 يناير/ كانون الثاني الحالي،موعد تنصيب بايدن .

ترامب: ليس أوباما ولا جورج بوش

ترامب، بصفته رئيس الولايات المتحدّة لأربع سنوات متتالية يدرك أكثر من غيره الديناميّات التي تحكم الدولة الأمريكية، ويعلم تماماً أن المنظومة الحاكمة شديدة التماسك، وليس من المسموح لأحد مهما علا منصبه بأخذ دولة العالم الأعظم إلى فوضى تامّة. ولذا فهو لن يقاتل للبقاء في المنصب مقابل أن يسجّل – كما فعل يوم الأربعاء الماضي تماماً – أمام أتباعه الموالين أنّه خسر السّلطة نتيجة مؤامرة وغش وتزوير تقاطعت أطراف مشبوهة داخل النّظام على تنفيذها ضدّه.

لكن ترجلّه عن صهوة جواد السّلطة، قد لا يعني بالضرورة أنّ الرجل سيمضي مثل جورج بوش إلى مزرعة مسوّرة في تكساس يقضي أيّام تقاعده بهدوء يرسم لوحات ويعانق الأحفاد أو مثل أوباما يدّون مذكرات وينتج أفلاماً وثائقيّة أو كما اعتاد الأمريكيّون على سلوك رؤسائهم السابقين بعد أيّامهم في البيت الأبيض. لقد تمكّن ترامب – وهو الآتي من صناعة أوهام التلفزيون -، وبتواطؤ بعض النخب في ترسيخ قاعدة تأييد شاسعة بين ما يقرب من نصف الأمريكيين، فصوّت له في الانتخابات الأخيرة 70 مليوناً، أي أكثر ب 6 ملايين صوت حصل عليه عام 2016 رغم أربع سنوات من الصراعات السياسيّة مع الديمقراطيين على مسرح واشنطن العاصمة، وفشله – الأقرب إلى الجريمة – بإدارة وباء «كوفيد – 19» الذي يفتك بملايين من مواطنيه. ولذا هو سيمضي في النهاية وقد شيّد قلعة تعاطف شعبيّة هي الأوسع من نوعها ودفع حالة الاستقطاب المجتمعي إلى أقصاها. وهذا يعني أن سلطة بايدن الجديدة قد لا تعيش أزمانا مشمسة في السلطة، وقد يعكف ترامب على التحضير المنهجي لرحلة العودة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسيّة التالية بعد أربع سنوات، سواء بشخصه أو من خلال مرشّح يُصنع على عينه وبقياساته، وسيكون في ذات الوقت قوّة فاعلة في إطار الحزب الجمهوري الذي – حتى بعد خسارة مقعدين للديمقراطيين في انتخابات تكميلية أجريت في ولاية جورجيا يوم الثلاثاء الماضي – يسيطر مناصفة على الكونغرس، وسيمتلك أن يجعل من كل محاولة للتشريع بمثابة كابوس مزعج.

اليوم التالي

لا وصفة جاهزة لحل الأزمة الأمريكيّة التي تتلاحق فصولاً في واشنطن، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى أنه ليس هنالك مذنب وحيد تسبب في كلّ هذه الفوضى – غير المألوفة – والشعبويّة المفرطة ولا حتى ترامب نفسه، وبالتالي فإن غياب أو إقصاء شخص واحد عن الصورة العامة – سواء عن شاشات التلفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعي – لن ينهي التأزم بصفة فوريّة، وربما يلعب دوراً عكسيّاً في زيادة شعبيته وتعزيز الولاء له ك(مقاوم) من داخل النّظام.

شاشات الإعلام المرئي وصحفه المقروءة، ومنصات التواصل الاجتماعي التي تديرها شركات كبرى قريبة من مركز الهيمنة في النظام الأمريكيّ كلّها كانت شريكة بالهجوم على الحقيقة والترويج للأكاذيب والمعلومات المضللة وتضخيم الأحداث وربطها بأنساق مؤامراتيّة الطّابع طوال العقد الماضي، الأمر الذي دفع كتلاَ ضخمة من مواطني الولايات المتحدة للانخراط في ثقافة المؤامرة والأيديولوجيات المتطرفة العنيفة من أجل فهم وتفسير عالم لا يثقون به. وما شاهدناه الأربعاء الماضي ليس إلا نتاجاً طبيعيّاً لتسرّب أغراض هذه البرمجة الإعلاميّة المسمومة إلى عقول وأجساد كثير من الأمريكيين طوال سنوات.

لقد كان ترامب رمزاً وتتويجاً لمخاض سياسي في لحظة تاريخية محدّدة من زمن صعود الفاشيّات الجديدة في الغرب، ولذا، مهما كانت نتيجة محاولته تعكير انتقال السلطة لبايدن، فستبقى الترامبيّة حاضرة في المشهد السياسي حتى بعد غياب ملهمها، ولن تنحسر دون مراجعة صادقة مع الذات لا يبدو أنّ أحداً من النخبة الحاكمة وأبواقها الإعلاميّة شركاء الجريمة مستعد لها أو عازم على القيام بها.

٭ إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن

القدس العربي

———————————

فاتورة عربية لخطيئة اقتحام الكونغرس/ ممدوح الشيخ

نعم .. هناك عواصم عربية قد تدفع مع الرئيس الأميركي، ترامب، فاتورة الواقعة. أول مفردات هذه الفاتورة التي يمكن أن تدفعها عواصم بسبب خطيئة اقتحام الكونغرس الأميركي قد تكون إعادة اعتبار كبيرة للحالة الديمقراطية في العواصم الحليفة لواشنطن، كمعيار أكثر تأثيرًا في قوة العلاقات العربية الأميركية. وخلال السنوات القليلة الماضية، كانت تحالفات ترامب العربية غرائزيةً وقصيرة النظر بشكل بائس. والاعتماد قصير النظر على تحالف عربي أميركي مع أنظمة مغرقة في العداء للديمقراطية، كانت في الولايات المتحدة، قضية جدلية سنوات طويلة، باستثناء هدنة قصيرة خلال الفترة الثانية من رئاسة جورج بوش الابن، وأرجّح أن تتحوّل إلى قضية مفصلية، لأسباب موضوعية وأخرى آنية.

والاتفاقات المتعجلة التي قدمتها دول عربية للتطبيع مع إسرائيل في سياق علاقتها بإدارة ترامب استهدفت، بشكلٍ لا تخطئه العين، تحسين فرصة ترامب للفوز بفترة رئاسية ثانية، كما أنها استهدفت إجبار الإدارة المقبلة على تبنّي أجندة هذه العواصم، كجزء من الأجندة الأميركية في المنطقة، أي أنهم توهموا إمكان “اقتياد” أميركا من خلال “شراء” الرئيس شخصيًا، بدلًا من الاتساق مع سياسة أميركية تمثل الدولة.

من ناحية أخرى، فإن الأموال العربية التي تدفقت على جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة الأميركية، بحجم غير مسبوق، ولتحقيق أهداف لم يسبق لعاصمة عربية أن سعت إلى تحقيقها، ستكون موضوع مراجعة ستقلّص قدرة بعض هذه العواصم، وستقلّص جرأتها في الوقت نفسه، على السعي إلى تحقيق مثل هذه الأهداف مرّة أخرى، وبخاصة في ظل المكاسب الكبيرة التي حققتها روسيا في المنطقة، برعاية بعض هذه العواصم. وإدارة أوباما التي يعيد بايدن إنتاجها تقلق كثيرين في الخليج وخارجه، والثارات التي ظلت حاضرة في ممارسات حلفاء ترامب (وفي خطاب ترامب نفسه بعد انتهاء حكم أوباما بسنوات) مرشّحة لأن تعكر المياه. وقد كان اقتحام الكونغرس مشهد الختام في ملهاة سياسية عربية/ أميركية، ارتبطت فيها عواصم حليفة لواشنطن بمساعٍ معلنة لمنع الديمقراطيين بـ “أي ثمن” من العودة إلى السلطة.

وقائمة مخازي ترامب الطويلة في سياساته تجاه الرياض وأبوظبي، وغيرهما من العواصم، شكلت عامل استقطاب ديمقراطي/ جمهوري حاد. صحيحٌ أنه كان للقضايا الداخلية الأميركية الأولوية القصوى، لكن المنطقة العربية أصبحت أكثر حضورًا في واشنطن منذ بدأ “الربيع العربي”، وكان حضورها في قلب عاصفة الصراع على مستقبل أميركا، وفي الكفة الخطأ. والتغاضي عن واقع الحريات في المنطقة، خلال سنوات رئاسة ترامب، وصولًا إلى الاغتيال المأساوي للصحافي السعودي، جمال خاشقجي، سوف يكون، على الأرجح، سلاحًا من أسلحة تصفية الحسابات مع ترامب. وتصفية الحساب هذه المرة ستكون عبر إعادة هيكلة نفوذ حلفاء ترامب الذين اشتروا صمتًا أميركيًا في اليمن وليبيا وسورية… وغيرها من الملفات، لا على حساب القيم الأميركية وحسب، بل على حساب المصالح كذلك، والوجود الروسي المتنامي على سواحل البحرين، المتوسط والأحمر، والتحالف الروسي التركي، ليس كل الخسائر.

واقتحام الكونغرس، مترافقًا مع جمع الحزب الديمقراطي أغلبية في الكونغرس بمجلسيه، منح الديمقراطيين مشهد ختام صاخبا، وزخمًا ربما لو ذهبوا بخيالهم إلى أبعد حد لما تخيلوه، والرغبة في تقويض الديمقراطية الأميركية ستكون، في الأجل المنظور، التعبير الأكثر إثارة لغضب الأميركيين، فصورة الاقتحام، بتفاصيلها الهزلية الصادمة، وفرت للرئيس المنتخب، بايدن، رأس المال الرمزي الأكثر قيمة لحشد الأميركيين، وراء عملية إعادة هيكلة قادمة لا محالة، للعلاقات الأميركية مع الحلفاء الذين ساعدوا “الرئيس الانقلابي” مساعداتٍ سخيةً مالية وسياسية، بأمل الإملاء على عاصمة القوة الكبرى في العالم. لقد كانت الفترة الثانية من حكم باراك أوباما فترة بناء حواجز واضحة بين مصالح أميركا ومصالح حلفائها، فكانت هناك “جفوة” كبيرة بين واشنطن من ناحية وتل أبيب والقاهرة وعواصم الخليج، وكان موقف إدارته من “الربيع العربي” وإيران أكثر الملفات خلافية، وكلا الملفين اليوم حاضر، والخلاف حوله سيعاد إنتاجه، قطعًا، في ظل إدارة رئيسٍ كان نائبًا لأوباما فترتين. وأحسب أن ما كان محتملًا قبل اقتحام الكونغرس سيكون شبه مؤكّد بعده. والمرجّح أن تكون فاتورته عربيًا كبيرة.

العربي الجديد

——————————-

الشرخ الأميركي… أثر يتجاوز الحدود/ ناصر السهلي

لم يكن اقتحام الكونغرس الأميركي، بما يرمز إليه من مفاهيم الحرّية والديمقراطية في الوعي الأميركي، من قبل أنصار الرئيس الخاسر في الانتخابات دونالد ترامب، سوى نتيجةٍ لتراكمات أسّس لها الأخير في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع داعمين ومؤيدين له في الحزب الجمهوري. هذا الحزب، ومؤسسته، سيتوقفان مليّاً أمام الضرر الذي أحدثه الرجل بهما، ربما من خلال الإجابة عن سؤال: هل نحن جمهوريون، أم ترامبيون و”براود بويز”؟ فهذه الجماعة اليمينة المتطرفة، والمسلحة، والتي كان ترامب طالبها بأن تكون مستعدة، خلال أولى مناظراته الرئاسية مع منافسه الديمقراطي، الرئيس المنتخب جو بايدن، لن يكون اختفاؤها سهلاً من المشهد الغربي المقبل.

وأخطر ما أسّس له ترامب طوال العام 2020، في لعبته الشعبوية المفضلة، هو تقويض ثقة الأميركيين بالانتخابات الديمقراطية. فشعار مناصريه، أي “سرقة الانتخابات”، عُد أحد أهم أهدافه ومعسكره المؤيد، لما يحمله من ضرب لقواعد اللعبة الديمقراطية. وعلى طريقةٍ عالمثالثية، أراد ترامب الاحتفاظ بالسلطة بكل الوسائل، ومنها التهديد المباشر والمبطن، وبمشاركة أسرته، كابنه إريك، الذي هدّد الجمهوريين، وعلى طريقة مكالمة أبيه مع سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري، براد رافنسبيرجر.

يجب الاعتراف بأن ترامب استطاع اللعب على مشاعر الخوف، في الأغلب لدى البيض، ببثّ أكاذيب ونشر نظريات المؤامرة. وظلّ بنفسه يتصدى للنتائج المؤكدة لخسارته، إلى أن وصلت الصورة إلى أوجّها، بطريقة تُذكّر باقتحام برلمانات الديمقراطيات الصورية/النامية، أو العرجاء.

ذلك، وغيره كثير، يؤشر في الجوهر إلى أن الأمة الأميركية، التي شكّلت ديمقراطيتها أيقونة اجتذبت ملايين المهاجرين من حول العالم، تعيش أزمة وجودية. وبالطبع صور أول من أمس الأربعاء، ستحفر مكانها في النفس الأميركية.

الشرخ الداخلي، في سجال الهوية الأميركية، الذي أوصلته نظرية المؤامرة إلى ما هو عليه، لم يعد مجرد نظريات أو تحليل خبراء. والعالم يهتم بالحدث الأميركي، لأن الولايات المتحدة، شئنا أم أبينا، تشكل “قوة عظمى” في توازنات عالمية، ونموذجاً معيناً، سواء للأعداء أو للحلفاء. الصورة اهتزت بلا شك، وقد تشكل فرصة أمام هؤلاء الحلفاء، أو الأعداء، لمواصلة التفكير ببناء التحالفات الجديدة؛ ينسحب ذلك على الضفة الأوروبية للأطلسي، وعلى خارجها. كما هي فرصة لمناهضي أميركا، لكسب مساحة مناورات غير مسبوقة.

في المحصلة، فإن الحالة الأميركية المستجدة قد تسجل، للمؤمنين بالأنظمة التسلطية، سابقة لمزيد من فرض الاستخفاف والاستهزاء بالديمقراطية الدستورية، والحرّية عموماً. ينسحب ذلك على الديمقراطيات الأوروبية، التي عاشت منذ وصول ترامب أزمة تقدم الشعبويين واليمين المتطرف، ومنهم من يشبه “براود بويز”، لترجمة ممارسات تتجاوز الدساتير وقواعد اللعبة الديمقراطية، بحجة “استعادة السلطة من الطبقة السياسية الفاسدة”.

قد يشعر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بنشوة الخدش الذي أصاب صورة الديمقراطية الأميركية، علماً أن الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين كان قد سبق سلوك ترامب وأنصاره بوقت طويل، حين أدت خلافات دستورية بين السطات إلى قصف الدوما/البرلمان (مجلس السوفييت الأعلى)، في العام 1993.

لكن بوتين ليس وحده في هذا السياق، فللرئيس الروسي أصدقاء وحلفاء متطرفون في أوروبا. ففي أستوكهولم وكوبنهاغن وبرلين وفيينا وروما ووارسو وبودابست، وغيرها من العواصم، ثمة قوى باقية على نهج الترامبية الانقلابية. والقصة لا تتعلق بمعسكر شعبوي يتخذ من الخطاب الإعلامي – السياسي وسيلة، بل بقوى تؤمن بأن الطبقة السياسية التقليدية، من يمين وسط ويمين متشدد، لم تعد تمثل “قيم” المجتمعات، وسط تزاحم نظريات المؤامرة.

إذا، المشهد الأميركي ليس بمعزل عن تداعيات مشاهد أخرى غربية، مارس فيها للأسف يمين الوسط التقليدي ما مارسه الحزب الجمهوري في واشنطن، في مجاراة ومنافسة قوى التطرف القومي، خوفاً من فقدان ثقة الناخبين.

الأخطر، إنْ لم يجر لجم كرة الثلج على الأسس المتينة للدساتير العريقة، أن تُشرعن الفاشية، تحت مسميات مختلفة في أوروبا، استلهاماً من “براود بويز” وغيرها على أرض “الشقيقة الكبرى” أميركا، فيصير الحلم كابوساً جدياً للديمقراطية الغربية.

العربي الجديد

—————————

الإمبراطورية الهشّة/ وليد شرارة

بعد اقتحام «الدهماء الإرهابية» للكونغرس الأميركي، بحسب التوصيف الذي بات معتمداً في وسائل الإعلام الرئيسية لطليعة أميركا الترامبية التي زحفت إلى واشنطن لنصرة قائدها، دقّ الرئيس المنتخب جو بايدن ناقوس الخطر: الديموقراطية، الهشّة بطبيعتها، مهدّدة، وهي بحاجة إلى «الشجعان» لحمايتها. اجتياح الجموع الغاضبة للمؤسّسة «الأكثر قداسة» للديموقراطية الأميركية، و«المؤتمنة على حماية الدستور ومصالح الشعب»، صدم وأدمى قلوب جميع من أملوا، من الولايات المتحدة والعالم، أن تستعيد بلاد العم سام، بعد انتصار بايدن، وجهها «الناصع». سارع الأخير إلى التأكيد أنّ المهاجمين لا يمثّلون أميركا «الحقيقية»، لكن ما تجلّى بوضوح مع «هبّة الكابيتول الدامية» أمام أنظار شعوب المعمورة، هو الشرخ المتعاظم في داخلها وتمرّد قطاع معتبر من شعبها على النظام ومؤسّساته. تحميل ترامب وخطابه التحريضي مسؤوليةً حصرية عمّا جرى لن ينجح في حجب هذا الواقع. فحتى لو كانت كلمات الرئيس لها وزن كبير، كما أشار بايدن، فهي غير كافية لتفسير انفجار كلّ هذا الغضب. لم يقم ترامب سوى بصبّ الزيت على نار متّقدة، وقودها اقتناع راسخ لدى أميركا «العميقة»، أي سكّان الأرياف والمدن الصغيرة والمتوسّطة في وسط البلاد، أنّ النخب المعولمة والأقليات «المؤتلفة» في مدن الساحلَين الشرقي والغربي، سرقت منها انتصارها الانتخابي، لتكرّس سيطرتها على النظام السياسي ومقدّرات البلاد. أميركا العميقة كانت جزءاً من الكتلة الموالية للدولة، وحتى أكثر تيّاراتها وتنظيماتها تطرّفاً، كالميليشيات والمجموعات العنصرية، كانت من قوى النظام الأميركي القائم فعلاً على أرض الواقع، لا الذي يصفه الدستور، وقوة احتياطية من الممكن أن يستعين بها في مواجهة تحدّيات داخلية. لكنّ التحوّلات العميقة التي شهدتها أميركا والعالم، أدت إلى انفكاك هذه الكتلة عن النظام. وبما أنّ الأسباب البنيوية العميقة لهذا الانقسام الأهلي ترتبط بمشروع العولمة النيوليبرالية الذي رعته الإمبراطورية الأميركية منذ نحو أربعة عقود، وفقدت قدرتها على التحكّم فيه بسبب تراجع قدراتها وصعود دور المنافسين في إطاره، فإنّ مساعي الإصلاح التي وعد بها بايدن ستواجه مصاعبَ هائلة. هو محقّ في اعتباره الديموقراطية هشّة بطبيعتها، غير أنّ هشاشتها تتضاعف عندما تكون نظاماً سياسياً في مركز إمبراطوري تنحدر هيمنته.

النخبة السياسية الأميركية، بما فيها قسمٌ واسعٌ من تلك «الجمهورية»، تريد التخلّص من ترامب بسرعة وبأقل الأكلاف. الهجوم من كلّ حدب وصوب يتركّز على الرجل ورغبته المجنونة بالبقاء في السلطة بأيّ ثمن. مايكل هيرش رأى في مقال على موقع «فورين بوليسي»، بعنوان «أصبحنا نعرف الآن ما يترتّب على رفض رئيس التنازل عن السلطة»، أنّ «التداول السلمي للسلطة كان ممكناً أساساً، ليس بسبب المبادئ المنصوص عليها في الدستور، بل بفضل الأشخاص الذين التزموا بها واحترموها… ترامب نرجسي مريض انتخبه الأميركيون، وظهرت صفاته الأسوأ بأكثر الطرق دراماتيكية خلال الأيام الأخيرة لرئاسته. فمن دون أدنى الإثباتات على وجود تزوير، هو أطلق حملة لنزع الشرعية عن الانتخابات، ودعا أنصاره إلى الاحتشاد في واشنطن».

لا شك في أنّ جموح وانعدام توازن الرئيس الذي تشارف ولايته على الانتهاء قد لعبا دوراً في تأجيج التناقضات السياسية الداخلية، وكذلك نقمة «أميركا المهزومة»، لكنّ تناول هذا البعد حصراً في الخطاب السياسي والإعلامي السائد يشي بإرادةٍ للتعامي عن الأبعاد الأخرى لما وقع في واشنطن، خصوصاً تلك المتّصلة بقاعدته الموالية. حاز ترامب أصوات 74 مليون ناخب على رغم سلوكه المشين والعلني، والهجوم الإعلامي – السياسي الذي لم يتوقّف ضده. السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُطرح يتعلّق بهذه القاعدة الموالية الضخمة، التي تضمّ مكوّنات وازنة باتت ترفض الإقرار بشرعية النظام السياسي الأميركي ومؤسّساته المنتخبة، وتحضّ علناً على التمرّد عليه. مجموعات وتيارات يمينية متطرّفة، كالميليشيات وأنصار تفوّق العرق الأبيض والجماعات الإنجيلية المتشدّدة، ليسوا ظواهر جديدة في الولايات المتحدة. هم نمَوا باطراد مع بداية التسعينيات، وتوسّع نفوذهم في الحزب الجمهوري منذ تلك الفترة، خلال ما عرف بـ«الثورة المحافظة»، التي كان نيوت غينغريتش، النائب والمتحدّث باسم مجلس النواب بين عام 1995 – 1999، أحد أبرز رموزها، واستمرّت في الصعود مع ما سُمّي «حفلات الشاي»، في بداية الألفية الثانية. «ثورة محافظة» أيديولوجية – ثقافية، مغرقة في الرجعية، انتشرت في أوساط أميركا العميقة، داخل الحزب الجمهوري وخارجه، بالتزامن، وهذا هو اللافت، مع مسار العولمة وما رافقه من سرديات عن «القرية العالمية» و«التبعية المتبادلة والانفتاح»، و«نهاية التاريخ» والسيادة الأبدية لنموذج «ديموقراطية السوق». هذا المسار، الذي قادته وتحكّمت فيه في بداياته الولايات المتحدة، والذي ارتكز على ما سمّاه المؤرّخ البريطاني بول كينيدي «التوسّع الإمبراطوري الزائد»، هو سبب الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية البنيوية التي تفاقمت في أميركا في العقود الماضية. استندت السياسات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية الناجمة عن هذا المسار – الخيار، وما نتج عنها من تصفية للخدمات الاجتماعية العامة ومن تحرير للرساميل وللتجارة ومن نقل للصناعات نحو البلدان ذات اليد العاملة الرخيصة، إلى رهان النخب السياسية الأميركية في الحزبين الرئيسيين، على قدرة بلادهم على توظيف العولمة لخدمة مصالحها أولاً وتعظيم منافعها. غير أنّ الضمور المستمر في قدراتها على السيطرة، الوثيق الصلة بحروبها الباهظة الأكلاف والفاشلة في تحقيق أهدافها، والأزمة المالية والاقتصادية في عام 2008، في سياق تسارع صعود المنافسين على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية على صعيد عالمي، جميعها عوامل بنيوية أسهمت في انحدار هيمنتها وتسعير تناقضاتها الداخلية. أميركا العميقة ترى نفسها ضحية لعولمة خدمت مصالح «الآخرين»، بدءاً بنخب الساحلين، وصولاً إلى الصين وجنوب شرق آسيا والهند وغيرها، على حسابها. وما يزيد من حنق هذه الكتلة البيضاء الغاضبة، المشحونة بموروث العنصرية الأميركية المتجذّر والأطروحات الجديدة المستلهمة منه، هو شعورها بضمور نفوذها في مقابل غير الغربيين، بل واعتقادها أنّها قد تخضع لهيمنتهم في بلادها. من يلقي نظرة على نظريات المؤامرة على الأميركيين «الأصليين» الشائعة في صفوف هذه الكتلة، لن يفاجأ بحصول ما هو أكبر وأعنف ممّا تمّ في الكونغرس. ولا ريب في أنّ تضافر الانقسامات السياسية، وتلك العرقية، الداخلية مع تلك الخارجية، المتمثّلة أولاً في احتدام «التنافس بين القوى العظمى»، سيفاقم من هشاشة الديموقراطية الإمبراطورية في السنوات المقبلة، ومن انحسار نفوذها المحتوم.

الاخبار

——————————-

هُزم ترمب… هل انتصرت الترامبية؟/ ممدوح المهيني

بعد مقاومة طويلة لأكثر من شهرين، أعلن الرئيس ترمب هزيمته، ولكن بعد ليلة صاخبة مثيرة عندما اقتحم أنصاره الكونغرس معترضين على نتائج الانتخابات. وحتى إعلان الهزيمة جاء كما هو متوقع على طريقته المتباهية، عندما قال إن هذا ينهي أعظم فترة رئاسية في التاريخ الأميركي. مبالغة ولكن بالتأكيد أنها فترة رئاسية شديدة الإثارة من أول يوم دخل فيه البيت الأبيض؛ ليس فقط سياسياً واقتصادياً، ولكن إعلامياً؛ حيث زادت مشاهدات وقراءات حتى وسائل الإعلام المعادية له.

السؤال الأهم الآن هو: سيخرج ترمب من الباب ويذهب إلى منتجعه في فلوريدا؛ لكن هل ستخرج معه الحالة السياسية والاجتماعية والفكرية التي صنعها خلال السنوات الأربع الماضية؟ ترمب هُزم، ولكن هل هُزمت الترامبية؟ لا أحد قادر على الإجابة عن هذا السؤال؛ حتى ترمب نفسه الذي أشار في خطابه قبل يومين لمن يتوقعون عودته بعد أربع سنوات؛ حيث قال إنه مهتم بما حدث خلال الثمانية أسابيع الماضية، وليس الأربع سنوات القادمة، لم يرد أن يوهن عزيمة مناصريه في الاعتراض على النتائج الحالية والتفكير في المستقبل البعيد.

هناك قراءات فقط لمصير الترامبية بعد العشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي. ولكي نعرف ما هو مصيرها من المهم أن نتعرف على طبيعتها. الترامبية ارتبطت بشخصية الرئيس الأميركي الـ45، وبالظروف التي ساعدت على انتخابه في 2016. شخصيته الصاخبة المثيرة للجدل والصريحة والصادمة التقت مع الظروف الداخلية التي يعيشها قطاع واسع من الأميركيين الذين يشعرون بالغضب من الأوضاع الاقتصادية المتراجعة التي يعيشونها، والأوضاع الثقافية التي جعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية. انضم لهذا الفريق الغاضب فريق آخر جمهوري مسيّس يرى أن الحكومة في عهد أوباما تمددت ويجب تحجيمها، والقيم المحافظة تتعرض للانتهاك وتجب حمايتها، والنخبة السياسية في واشنطن تحتاج لهزة عنيفة أو حتى انقلاب كامل، كما دعا لذلك مستشاره السابق ستيف بانون. وقد رأينا عدداً كبيراً من المثقفين السود يصطفون مع ترمب ويدافعون عنه، وينتقدون الساسة الديمقراطيين الذين يستغلون معاناة السود لأغراض انتخابية صرفة.

كل هذا الغضب والهموم والأفكار انعكست بشكل واضح في خطاب ترمب السياسي والاقتصادي والثقافي الذي كان عنوانه العريض إعادة العظمة المفقودة لأميركا. تحدث عن الجدار العازل مع المكسيك الذي سيمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين حمايةً لوظائف الأميركيين، وهاجم بشراسة النخبة السياسية بواشنطن التي سعت لإسقاطه مرتين، ودخل في معركة عنيفة مع وسائل الإعلام. رغم أن صدره خالٍ من الدين فإنه قدم نفسه مدافعاً عن المسيحية، ورفع الإنجيل أمام الكنيسة المحترقة التاريخية «سانت جورج». ورغم علاقاته الغرامية خارج الزواج دافع عن قيم العائلة المحافظة، ورغم ثرائه صور نفسه نصيراً للفقراء. كيف نفهم هذه المتناقضات؟ التفسير الوحيد أن هذه الجموع الغاضبة بحثت عن منقذ لها ووجدته في ترمب الذي عرف كيف يضغط على أزرارها الغريزية والنفسية. وبسبب خبرته في «الميديا» عرف الدرس الأول، وهو: عليك أن تعرف جمهورك المستهدف. ولهذا خاطبه بلغة بسيطة شعبية قريبة منه؛ لأنه الجمهور الوحيد المهم بالنسبة له، وهو الذي سيعيد انتخابه.

سِجِل ترمب في البيت الأبيض ناجح في السنوات الثلاث الأولى: نمو اقتصادي مطرد، وتراجع للبطالة، ولم يدخل في حروب، وقتل إرهابيين دمويين، وتفاخر أمام أنصاره قائلاً إنه قتلهم مثل الكلاب الضالة. وعندما أمر بالضربة الأولى لسوريا قال إنه كان بجانب الرئيس الصيني ويأكل كعكة شوكولاتة لذيذة، في وقت كانت الصواريخ تنهمر فيه على القواعد السورية (وقد قال مؤخراً إنه كان يفكر في قتل بشار الأسد، لو لم يمنعه وزير الدفاع حينذاك جيمس ماتيس). هذه العربة جيدة التركيب تفككت بسبب الوباء الذي يعد العنصر الأبرز الذي تسبب في هزيمته. أما السبب الثاني فهو ترمب نفسه. ترمب فعلاً هزم ترمب عندما لم يُدر المعركة مع «كوفيد – 19» بالطريقة الصحيحة، ونجح الديمقراطيون في صناعة حملة ذكية قامت على عنصرين مهمين: التركيز على فشله الكبير في إدارة الأزمة، والعنصر الآخر هو جعل الاستفتاء يقوم على شخصه أكثر منه على مشروعاتهم وأفكارهم. المترددون اصطفوا مع بايدن كراهية في ترمب الذي أثار ذعرهم بسلوكه غير الرئاسي الذي تدهور أكثر بعد الجائحة. حتى بمعايير ترمب نفسه، فقد تخطى الحدود فيما يمكن قبول صدوره من رئيس أميركي. لقد دخل في مشاحنات صبيانية مع مذيعين غير معروفين، ووصف مرة رأس النائب الديمقراطي آدم شيف بالبطيخة. يمكن وصف رئاسة ترمب بثلاث سنوات ناجحة وسنة أخيرة هي عبارة عن فقدان توازن تام استغله خصومه بذكاء. ممكن أن يوصف أيضاً بأنه رئيس سيئ الحظ، داهمه وباء في الوقت الغلط والحرج (في السنة الانتخابية الحاسمة) خرج من خفاش في سوق ووهان، لينتشر في أرجاء العالم ويخلف ضحايا بالملايين.

كل هذا يقودنا للسؤال: هل تعني نهاية ترمب أننا نشهد انهياراً للترمبية أمام أعيينا؟ الترامبية مرتبطة بكل صفاته الشخصية المذكورة سابقاً، وتعبيره بطريقة ذكية عن هموم مناصريه. ربما الجواب على الأرجح أنها ستبقى بوجوده في الساحة السياسية وستختفي بغيابه. فمن الصعب أن نركب معادلة كيميائية كالتي حدثت في الأعوام الماضية. خليط من الشخصي والظرفي. أما الجمهوريون الغاضبون منه هذه الأيام لأنه قسم حزبهم وأضر بسمعتهم (وهذا صحيح) فسوف يرضون عنه قريباً؛ لأنهم بحاجة إلى الـ74 مليوناً الذين خرجوا في عز البرد والوباء لدعمه. رغم كلمات التوبيخ الموجهة له في خطبهم أمام شاشات التلفزيون لتجييش أنصاره لاقتحام الكونغرس، فإن كل شيء سيتغير مع دخول بايدن البيت الأبيض. سيعود الصراع الحزبي بين الفريقين لطبيعته الكلاسيكية، وتبدأ من جديد العملية الانتخابية المصلحية التي تفكر في النصر فقط، حتى لو كان على يد ساسة نرجسيين وصاخبين وخارجين عن المألوف.

* المدير العام لقناتي «العربية» و«الحدث»

الشرق الأوسط

——————————

الدولة أكبر من الرئيس/ عبد الرحمن الراشد

وجد السياسيون المتضامنون مع الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترمب، أنفسهم بين خيارين؛ إما خسارة الحكومة أو خسارة الحكم، الأغلبية اصطفت مع الدولة، فالمؤسسة أهم من الفرد.

ما جرى أمس في واشنطن قانوني، بما في ذلك الاعتراض على النتائج وضد ترئيس جو بايدن، باستثناء اقتحام الكونغرس وتهديد أعضائه.

اهتزت صورة الولايات المتحدة، البلد الذي يفاخر بنظامه ويحاضر على الأمم الأخرى بأخلاقياته، لكن ما يقال عن انهيار الولايات المتحدة وحرب أهلية وفشل النظام السياسي، لا يمت للواقع هناك بشيء. أميركا بلد مؤسسات، ونظامها راسخ. وما فعله الرئيس ترمب وشكك ملايين الناس في النظام كان امتحاناً لمؤسسات الدولة التي تفوقت عليه في الأخير.

هناك فارق كبير بين التنافس على الحكومة والصراع مع النظام السياسي. الدولة أكبر من الحكومة ومن الأحزاب، وهي تمثل المؤسسات المختلفة، الرئاسة والتشريعية والقضائية والحكومة البيروقراطية، والحكومات الفيدراليات، ونشاطاتها ومنشآتها المدنية والعسكرية. والمؤسسة العميقة، المتهم الرئيسي في نظرية ترمب المؤامراتية، هي الأجهزة القوية للحكم، سواء عسكرية أو أمنية أو اقتصادية أو سياسية، مثل الحزبين الحاكمين في أميركا. ومن الطبيعي، بغض النظر عن هراء نظريات المؤامرة، أن هذه المؤسسات ستحمي الدولة، لا الحكومة أو الرئيس، ولن تسمح لترمب أو غيره بتدمير الهيكل أو هزّ أركانه. لا توجد هنا مؤامرة، ترمب فاز بالرئاسة بفضل النظام الذي يهاجمه، سمح له بالترشح والفوز والحكم، مع أنه لم يعمل في حياته في السياسة. نفس النظام الذي أدخل ترمب البيت الأبيض هو النظام الذي يخرجه منه اليوم، من خلال القوانين. وحديثه عن التزوير وسرقة الحكم كلام بلا أسانيد موثقة. النظام الأميركي ليس بريئاً تماماً، فهو يصنع قادته ويسمح للمتنفذين بذلك من خلال التبرعات وقوى الضغط ووسائل الإعلام، ضمن منظومة تشريعات معقدة تنتج مخرجات محددة. ودائماً في داخل الولايات المتحدة فئات ترفض هذا النظام وتتمرد عليه، وقد ثارت عليه في الستينات وكانت ثورتها في حركة الحقوق المدنية أعظم مما شاهدناه اليومين الماضيين وعمت كبريات المدن. لكن النظام الأميركي أكبر منهم جميعاً ولديه القدرة على استيعاب الغاضبين وإشراكهم، لهذا رأينا باراك أوباما من الأفارقة الأميركيين وكامالا هاريس من أصول هندية جامايكية.

للأميركيين، الدولة وسلامتها أهم من اعتراضات ترمب وجمهوره، وتلجأ السلطة إلى القوة لحماية نفسها، وإلى عزل الرئيس إن شكل خطراً على نظامها. الجمهوريون بأغلبيتهم وقفوا أمس في الكونغرس ضد رئيسهم لأنهم يعتقدون أنه أصبح يهدد نظام الحكم ويشق صف الشعب. وهم في البداية ساندوه في شكواه وشكوكه في سلامة نتائج الانتخابات. مكنوه من استخدام كل السبل القانونية، رفع 50 دعوى في المحاكم الفيدرالية وخسرها إلا واحدة، كانت على عدد صغير من الأصوات. وذهب للمحكمة العليا التي معظم قضاتها من معسكر ترمب، وهي الأخرى رفضتها. رفاقه وقادة حزبه الجمهوري أيضاً رفضوا اعتراضاته، حكام الولايات المعنية الجمهوريون أيضاً قالوا له إن ادعاءاته غير صحيحة. لا يعقل أن كل هؤلاء متآمرون ضده! الفارق أنهم أبناء المؤسسة الحاكمة وهو دخيل عليها، لكن ترمب يتفوق عليهم بشعبيته الجارفة ومع أن ما يقوله عن المؤامرة والتزوير أوهام، وربما هو مقتنع حقاً بصحتها. وهذا لا ينفي أن خصومه ثعالب يعرفون كيف يديرون المعارك والانتخابات أفضل منه بدليل أنهم سهلوا عملية التصويت بالبريد التي كانت لصالحهم، مستفيدين من ظروف الوباء، وهو نظام لم يعرف ترمب كيف يتحداه مبكراً ويقيده بحيث يحرم خصومه من استغلاله.

النظام الأميركي، طالما أنه يملك آلة صناعية هائلة، وسوقاً اقتصادية غنية، وجامعات ومراكز أبحاث مبدعة، وأمة حية، فإنه سيبقى قوة متفوقة. وما حدث أخيراً فصل مخجل ومحرج وسيتجاوزونه.

الشرق الأوسط

——————————-

المرض “الغامض” الذي يفتك بالديمقراطية/ فارس خشّان

تعاني الديمقراطية، كنظام حكم، منذ مدة من “مرض غامض”. ما حصل في واشنطن، في السادس من يناير الجاري، في محاولة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنع الكونغرس من التصديق على انتخاب جو بايدن خلفاً له، ليس سوى عارض حاد من عوارض هذا المرض الفتّاك.

حتى الساعة، لا تزال الديمقراطية قادرة على معالجة نفسها بنفسها، بفعل ما تتمتّع به من مناعة أكسبتها إياها العقود والتجارب والكبوات والأعراف، ولكن ثمّة خشية حقيقية من أن تضعف هذه المناعة مع الأيّام، إذا لم تنصب الجهود على معالجة أساس هذا “المرض الغامض”.

منذ سنوات، ينكب الباحثون على تشخيص هذا المرض، من دون أن يتوصّلوا الى نتائج حاسمة.

في تشخيص هؤلاء برزت احتمالات وترجيحات، أبرزها الوهن الذي يصيب الثقة بالمؤسسات التي ترتكز إليها الديمقراطية، الأمر الذي يوفّر لنظريات المؤامرة آذاناً صاغية، تُفيد أكثر ما تفيد، التوجهات الديكتاتورية.

وإذا ما جرى التدقيق في ردّات الفعل الدولية على اقتحام مناصرين لترامب للـ”كابيتول”، ندرك، بطبيعة الحال، أنّ الاحتفالات عمّت مقرّات الطغاة والسفّاحين و”الرؤساء الى الأبد” الذين راحوا، من أمام أبواب معتقلاتهم وعلى قبور ضحاياهم، يلقون الدروس عن “الديمقراطية الحقة”.

فعلوا ذلك، على الرغم من أنّ “مسيرة السادس من يناير”، أثبتت أنّ الرئيس الأميركي، وإن شاء، فهو خلافاً لهؤلاء الطغاة، لا يتحكّم لا بقدر بلاده ولا بمصير شعبه، فحكمه على الانتخابات ليس “حكماً إلهياً” بل وجهة نظر ناقضتها المؤسسات المختصة، ومعارضته إيصال خصمه الى البيت الأبيض بقيت أمنية رفضت تلبيتها السلطات المعنية، وشعبيته التي نزلت الى الشارع لم تكن قناعاً لأجهزة المخابرات ولم يحشد لها الموظفون الحكوميون.

وإذا كان دونالد ترامب قد استعار من الطغاة أسلوبهم في “تأبيد” أنفسهم، فهو أدرك، وبسرعة، أنّه ارتكب خطأ حياته، فما يفعله هؤلاء في دول طوّعوها، مؤسسات وشعباً، بالنار والحديد، لا يمكن فعل ما يماثله في الولايات المتحدة الأميركية التي لا يتحكّم بها شخص، مهما كان علو كعبه، بل مؤسسات وقانون ومبادئ.

-2-

على أيّ حال، ما هي مؤشرات هذا “المرض الغامض”؟ تشكّل حرية التعبير الركيزة الأساسية للديمقراطية، فمن دون هذه الحرية لا تمكن مناقشة قرارات الحاكم ولا مساءلته على أفعاله ولا فضح تجاوزاته ولا تهيئة بدائله.

ولكن لحرية التعبير منابر لا بد منها، تتقدّمها وسائل الإعلام التي يرعى القانون عملها، ولذلك فهي تأخذ، بجدية، تبعات المسؤولية عن دقة ما تنشره.

وعليه، فإنّ الحاكم الذي يجد نفسه مضطرّاً الى أن يعود الى شعبه دورياً، إمّا لإعادة انتخابه وإمّا لانتخاب شاغلي السلطات الأخرى في بلاده، يجد لزاماً عليه أن يُخفّف من وطأة الرقابة الإعلامية عليه، بحيث لا تُثير أفعاله أو قراراته، شبهات “المدّعي العام الشعبي”.

“الطغاة” و”السفاحون” و”الرؤساء الى الأبد” أوجدوا حلّاً لهذه المشكلة، فكانت الصحف الموالية التي تشيد بحمدهم وبحكمتهم وبأفضالهم، وكان الاعتقال والقتل والترهيب والنفي حلّاً لأيّ مشكلة تختلقها قلّة قليلة، يمكن أن تعصيَ.

وبما أنّه يستحيل على الحاكم في الدول الديمقراطية أن يفعل كل ذلك، ظهرت، في العقد الأخير، نظرية تهشيم المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها.

وهذه النظرية أخذت مداها مع الثورة التكنولوجية الأخيرة التي لم تشهد نمواً منقطع النظير للمواقع الإلكترونية فحسب، بل النجاح العظيم لمنصات التواصل الاجتماعي، أيضاً.

وهذه النظرية التي تهشّم حرية التعبير ومنابرها، دخلت كعامل جديد على الأنظمة الديمقراطية وبدأت، رويداً رويداً، في تغيير المعادلات.

لم تعد المحاكم تفصل في صحة أو عدم صحة ما تنشره هذه الوسائل من معلومات، بل بات المسؤول هو “المحكمة” و”المرجعية” و”الميزان”، وهو الذي يكذّب ما هو منشور، يهاجم الجهة الناشرة، يسخر منها، يضرب مصداقيتها، ويطلب من ناسه مقاطعتها.

وهذه النظرية، كانت في متن تقرير استراتيجي لل”سي.آي.إي”. ويقول المؤرخ والصحافي الفرنسي ألكسندر آدلر إنّه كان على مكتب دونالد ترامب، عند دخوله الى البيت الأبيض.

آدلر، كان قد نشر، بالتزامن مع انتخاب ترامب كتاباً بعنوان” العالم في العام 2035 كما تراه الـ سي.آي.إي”، وهو ترجمة لتقرير صدر عن “المجلس الوطني للمعلومات” الأميركي.

ولا تحتاج طريقة تعامل ترامب مع وسائل الإعلام الى مراجعة لتحديد طبيعتها، فهو، حتى آخر خطاب له، يهاجمها بعنف ويحرّض الجمهور ضدّها.

وطوال عهده، حوّل ترامب حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص منها “تويتر”، إلى منابر شبه حصرية، يخاطب عبرها صنّاع القرار وجمهوره.

وهكذا، بدأت أفكار الحاكم وميوله وتطلعاته وأهدافه، تصل إلى الجمهور، من دون أيّ واسطة، على أن يلقى كل من يعترض عليه نصيبه من التهشيم والاتهام بشتى الموبقات ومن بينها التآمر.

وهذا السلوك، يسحب نفسه، شيئاً فشيئاً، إلى سائر السلطات والمؤسسات التي تفعل ما لا يتوافق مع هوى أو مصالح الحاكم.

-3-

إنّ النظام الديمقراطي أمام هذه المشهدية، يُصاب، من حيث يدري أو لا يدري، بعدوى الأنظمة الشمولية، إذ يتوهّم الحاكم أنّه “السيّد المطاع” وأنّه “الرابح الدائم” وأنه” يحتكر الحقيقة”.

ويؤدي ذلك إلى نمو الشعبوية التي تفسّر الأحداث على هواها، وتحكم على التطورات بما يناسبها.

ويستفيد الحاكم في انحيازه إلى هذا النهج من أرضية جهّزها له الآخرون، فهو يرث فئات معترضة على النظام، بفعل ميولها المتطرفة التي تتوارثها من فلسفات قهرها الزمن، ويستغل استياء شعبياً من الهوة التي تزداد اتساعاً بينهم وبين “النخبة الحاكمة”، ويتغلغل إلى وجدان فئة واسعة من الناس الذي كوّنته الأفلام والمسلسلات التي تصوّر الطبقة السياسية على أنّها مجرّد عصابة تتوسّل في مسارها كل أنواع الجريمة ومن ضمنها الفساد والتزوير للوصول إلى القمة.

-4-

بطبيعة الحال، لا يمكن اختصار “المرض” الذي تعاني منه الديمقراطية بهذا البعد فقط، ولكن من المؤكد أنّه واحد من أهم مؤشرات هذا المرض، خصوصاً وأنّه يتفاقم كلّما تفاقمت مشاكل الدول والمواطنين، بفعل أزمة اقتصادية هنا أو أزمة وبائية هناك أو أزمة أمنية هنالك، على اعتبار أنّ الناس، في ظلّها، يذهبون للتفتيش عن “مخلّص” وعن “منقذ” وعن “بطل” وعن “ساحر”.

وممّا لا شك فيه أنّ الجمود الذي أصاب الديمقراطية بهاجس مواجهة الأزمات المتلاحقة، سمح للطغاة بترويج أنفسهم ونموذجهم.

وتؤكد نظرة واقعية على خارطة الدول أنّ هذا المنحى يأخذ مداه بدءاً بالمجر الأوروبية وصولاً الى البرازيل الأميركية.

ولهذا السبب بالتحديد، فإنّ الدول الحريصة على الديمقراطية هي الدول التي أصابها اقتحام مبنى الكابيتول بالهلع، ذلك أنّ “الترامبية” ليست حالة معزولة، بل هي حالة عالمية، إذ إنّ في كل مجتمع هناك “دونالد ترامب” ما ينتظر دوره وساعته.

ويدرك هؤلاء أنّ النظام الأميركي الذي يصفه كثيرون بأنّه يبني نفسه على أعرق ديمقراطية في العالم، قادر على مداواة نفسه، لأنّه طالما خاض تجارب قاسية جداً وانتصر عليها، ولكنّ هؤلاء أنفسهم ليسوا واثقين بقدرة الأنظمة التي يعيشون فيها على النهوض من أيّ كبوة قد تصيبهم، وهم الذين سبق لهم أن عانوا الويلات من تجارب كادت تقضي على وجودهم، لولا المساعدة الرائدة التي وفّرتها واشنطن نفسها.

الحاجة ملحّة إلى مداواة الديمقراطية من مرضها، مثل الحاجة الى تحرير الإنسانية من عبء جائحة كوفيد-19.

إنّ “مسيرة السادس من يناير” الترامبية، بكل ما حملته من أبعاد ومن دروس، يمكن تحويلها الى فرصة من أجل القيام بتشخيص دقيق ل”المرض الغامض” تمهيداً لتوفير الدواء اللازم.

وإذا كان رنهولد نايبور قد قال إنّ “نزعة الانسان الى الظلم تجعل الديموقراطية ضرورة”، فإنّ الفرد إي سميث جزم بأنّه “يمكن علاج علل الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية”.

الحرة

——————————-

هل يجرؤ جو بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني؟/ سيلفان سيبيل

يتولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني 2021. ومن بين القضايا الساخنة في السياسة الخارجية، توجد مسألة العلاقات مع طهران. هل تختار واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي؟ هل ستتمكن من تجاوز المقاومات الإسرائيلية والسعودية؟ شيء واحد يبدو مؤكدًا، لن يطرأ أي تغير أساسي في الملف الفلسطيني، حيث إن اصطفاف البيت الأبيض مع تل أبيب يعد ثابتا في السياسة الخارجية الأمريكية.

ترجم هذا المقال من الفرنسية حميد العربي.

تحدث كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، عن المقابلة التي خصه بها جو بايدن، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة. تحدث هذا الأخير كثيرًا عن القضايا الداخلية بعد حالة الركود الذي تركها دونالد ترامب كإرث. كما تناول القضايا الدولية وأشار إلى أولويتين في هذا المجال. تتعلق الأولى بعلاقات بلاده مع الصين وهذا باختصار ملف ضخم يريد بايدن أن يمنح نفسه الوقت فيه. لكن الأولوية الثانية في نظره مستعجلة، وهي استئناف الحوار مع إيران.

يعتزم بايدن العودة دون مماطلة إلى أحكام ما يسمى “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تم التوقيع عليها مع إيران سنة 2015 من قبل الولايات المتحدة وخمس دول (فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، روسيا والصين) بشأن الحد والمراقبة الدولية للإنتاج الإيراني للمواد الانشطارية ذات الاستعمال العسكري. وتمنع هذه الاتفاقية إيران من تصنيع أسلحة ذرية خلال الخمس عشر سنة القادمة مقابل -بالأساس- رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية التي تطال الإيرانيين. وهي الاتفاقية التي أدانها ترامب، مما أثلج صدر قادة إسرائيل ودول الخليج العربي، قبل أن يصعد بشكل غير مسبوق في حجم العقوبات المالية على إيران.

الأولوية، العودة إلى الاتفاق

أشار بايدن في البداية بشكل مبطن إلى فكرة العودة إلى هذه الاتفاقية مع وضع عدد من الشروط المسبقة. وقد صرح خلال الحملة الانتخابية في 16 سبتمبر/أيلول 2020 بأنه على طهران القيام بالخطوة الأولى و“العودة إلى الاحترام الصارم للاتفاق النووي”، كأنها ليست الولايات المتحدة التي ولت ظهرها لهذا الاتفاق. كان بايدن يريد خاصة التفاوض في نفس الوقت على تمديد فترة الحظر المفروض على الإنتاج الإيراني لليورانيوم المخصب، وأيضا على تحديد صارم للصواريخ الباليستية المتوفرة لدى الإيرانيين. لكن بعد ستة أسابيع من هذا التصريح، بدا كلامه أقل حدة. لن يتخلى بايدن عن حمل إيران على التفاوض بشأن قضية الصواريخ، لكن تبقى الأولوية القصوى هي استعادة الثقة، ثقة في الكلمة الأمريكية التي يعرف أنها ضعفت بشكل رهيب في إيران.

رغم أنه لا يقول ذلك صراحة، فهو يعلم أنه حتى وإن كانت هناك مقاربات غير معلنة مع طهران جارية بالفعل، فلن تفتح أي مفاوضات جادة دون أن تظهر الولايات المتحدة أولاً بأن عودتها إلى اتفاق 2015 ليست لفظية فحسب. يجب أن يُتبع ذلك بأفعال، بدءًا من رفع العقوبات بشكل فعلي. وفي جوابه لفريدمان، الذي حثه على أن يكون أكثر صرامة مع طهران، رد بايدن بصراحة: “انظر، يقال الكثير عن الصواريخ الباليستية، وخاصة عن سلسلة كاملة من الأشياء [التي يقوم بها الإيرانيون] التي تزعزع استقرار المنطقة. لكن أفضل طريقة لتحقيق نوع من الاستقرار في هذه المنطقة هو التفاوض حول القضية النووية أولا”. لأنه إذا تحصلت إيران على القنبلة الذرية – وهو يعتقد أن ذلك سيحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق – فإن إمكانية الانتشار النووي ستصبح خطيرة بشكل مروع. “وآخر شيء لعين نحتاجه في هذا الجزء من العالم هو توسيع القدرة النووية”.

فضلا عن ذلك، يرى بايدن أنه يجب التصرف بسرعة. لا شيء يضاهي بضعة إجراءات قوية لإقناع طهران بالنوايا الحسنة للإدارة الجديدة. يعقب فريدمان بقلق: أليست هذه مخاطرة؟ يجيبه بايدن بأن العقوبات التي ترفع يمكن أن يعاد فرضها إذا لزم الأمر. بعبارة أخرى، لنبدأ برفعها. إذا سارت المفاوضات بشكل سيئ، فالتراجع ممكن دائما. وهو ينوي المضي قدما رغم أن ذلك “سيكون صعبا”. سيكتشف بايدن قريبًا بالتفصيل الوضع الذي ترك فيه ترامب الملف الإيراني. قبل أسبوع من مقابلته، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، قام كوماندوز يفترض أنه إسرائيلي بقتل علي محسن فخري زاده، الذي قُدِّم على أنه المشرف الرئيسي على البحث النووي العسكري الإيراني. لم يتطرق بايدن في حواره لهذا الحدث. لكنه يعلم بأنه قبل خمسة أيام من جريمة القتل، التقى مايك بومبيو – وزير خارجية دونالد ترامب – برجله القوي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في المملكة العربية السعودية، إلى جانب بنيامين نتنياهو. وقد تم الكشف على الفور عن هذا اللقاء “السري”…

بتنفيذه هذا الاغتيال يكون نتنياهو إما قد أراد أن يُظهر لبايدن بأنه يظل مصمماً على تقويض أية مفاوضات مع إيران، وإما أن إسرائيل تصرفت بناءً على طلب صريح من ترامب. وفي الحالتين، فالقصد من هذا الفعل ليس فقط إظهار للإيرانيين بأن إسرائيل قادرة على ضرب قادتها الأكثر حماية، بل تتمثل الغاية أكثر في إحداث فوضى بهدف تخريب السياسة الإيرانية التي يرغب الرئيس الأمريكي الجديد في تطويرها. وإذا بقي بايدن صامتًا بشأن جريمة القتل هذه فإن العديد من مقربيه كانوا جد قاسيين بخصوصها، إذ غرد بن رودس، نائب المستشار الأمني السابق لأوباما بأنه يرى في ذلك “عملًا شائنًا يهدف إلى تقويض دبلوماسية الإدارة الأمريكية القادمة تجاه إيران”. ووصفها مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، جون برينان، بأنها “عمل من أعمال إرهاب الدولة”.

مناورات دونالد ترامب

هل مازال بإمكان ترامب والمتواطئين معه من الإسرائيليين إحباط طموح بايدن الإيراني قبل تنصيبه في غضون أسبوعين؟ يبدو ذلك غير محتمل. فكما قال مارك فيتزباتريك، المسؤول السابق عن منع الانتشار النووي في وزارة الخارجية الأمريكية، “لم يكن سبب اغتيال فخري زاده إعاقة القدرة النووية الإيرانية، بل كان إعاقة دبلوماسية الإدارة القادمة”. لكن روبرت مالي، رئيس منظمة مجموعة الأزمات الدولية، لا يؤمن بفعالية هذه الطريقة ويرى أن ترامب ونتنياهو لن يتمكنا من “قتل الدبلوماسية”. وبالفعل، لم ترد إيران حتى الآن بعدوانية على مقتل عالمها. ومع ذلك، تبقى العودة إلى علاقة أكثر هدوءا بين الولايات المتحدة وإيران غير مؤكدة. لم يتخل الإسرائيليون والسعوديون وأنصار ترامب في الولايات المتحدة عن السعي لإحباط أي انفتاح من واشنطن تجاه طهران. فهم يعلمون أنه حتى في إيران أصبح الرئيس حسن روحاني، الذي دعا خلال أربع سنوات إلى ضبط النفس في مواجهة “مجنون” واشنطن، في حالة ضعف اليوم، وبأن بايدن سيواجه صعوبات مع رأيه العام بخصوص الرهان الإيراني. لكن فوز نائبين عن الحزب الديمقراطي في ولاية جورجيا في 6 يناير/كانون الثاني يعطي أغلبية لجو بايدن في مجلس الشيوخ، ما سيسهل عمله في عدة ملفات، ما عدا اللف الإيراني، إذ يبقى الكونغرس مناهضا لأي اتفاق نووي مع إيران.

من جهتهم، شرع المسؤولون الإيرانيون في الضغط على بايدن، إذ أعلنوا في 4 يناير/كانون الثاني عودة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% والذي فرض عليهم اتفاق 2015 التنازل عنه. وهي طريقة لإبصال الرسالة التالية: إن كانت واشنطن تنوي العودة إلى الاتفاق، فعليها تقديم تعهدات ملموسة. من جهة أخرى، من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في إيران في 18 يونيو/حزيران 2021. وإن انتخب صاحب السلطة الرئيسية، مرشد الثورة علي خامنئي، مرشحًا معاديًا للمفاوضات، فإن محاولات جو بايدن لتحقيق اتفاق موسع مع طهران قد تسقط بسرعة. لكن هذا ليس رأي سید حسین موسویان. كان هذا الدبلوماسي الإيراني الكبير سابقا، المقرب من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، متحدثا باسم الوفد الإيراني في المفاوضات الأولى مع الغرب من 2003 إلى 2005، وهو اليوم أستاذ في جامعة برينستون. موسویان مقتنع بعودة محافظ إلى الرئاسة في إيران في غضون أشهر قليلة، لكن هذا لن يضع حدًا لرغبة خامنئي، مهما كانت مخاوفه، في العودة إلى طاولة المفاوضات.

ويصل موسويان إلى تحديد ملامح محادثات واسعة النطاق قد ترضي جو بايدن… والإيرانيين. وقد كتب في موقع ميدل إيست آي أن طهران سترى ابتداءً من الأشهر الأولى للإدارة الجديدة للبيت الأبيض عودة حقيقية لشروط اتفاقية عام 2015، وبالتالي إلى رفع العقوبات. وبعد تحقيق هذه النقطة يمكن أن تركز بقية المفاوضات على الطلبات الأمريكية لتوسيع نطاق الاتفاقية. وفي هذه الحالة، وفقا للأخذ والعطاء، سيكون من اللياقة أن تقوم واشنطن أيضًا بمبادرة، قد يمثل شطب “الحرس الثوري” من قائمة التنظيمات الإرهابية إحداها. وتوقيف العقوبات الاسمية ضد القادة الإيرانيين أخراها.

ثم ستأتي، عاجلاً أم آجلاً، مسألة الصواريخ الباليستية. يريد الغربيون أن تكف طهران عن تجميعها. ويقول موسويان أنه بالنسبة لإيران، يتعين حل المشكلة من خلال “مقاربة متعددة الأطراف”. ويذكر بأن المملكة العربية السعودية تتوفر على العديد من الصواريخ الصينية التي يصل مداها إلى أكثر من 5000 كيلومتر، وبأن إسرائيل تمتلك مئات الرؤوس النووية ولديها 5000 صاروخ أريحا لحملها. وبالتالي ستتم دعوة هذين البلدين وغيرهما إلى مفاوضات متعددة الأطراف. باختصار، نقطة انطلاق الموقف الإيراني بسيطة. إذا تخلت إسرائيل والسعودية والقوى الإقليمية الأخرى أو حدت من عدد صواريخها، فستقوم طهران بعمل مماثل. وإذا رفضت، فلماذا تذعن إيران لذلك؟ مساحة الغربيين للتفاوض ليست منعدمة ولكنها ضعيفة. ولكن الحال كان مماثلا عند بداية المفاوضات النووية (التي استمرت قرابة 15 عامًا).

“إعادة تقييم” العلاقة مع الرياض؟

من المؤكد أن الرد السعودي والإسرائيلي على مثل هذا الطلب سيكون رفضًا غاضبًا. لكن من خلال القيام بذلك، سيحدث الإيرانيون ثغرة إضافية بين إدارة بايدن وحليفيها الإقليميين. وفي هذا الصدد، بدأت فجوة تظهر بمجرد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، وهو فوز استقبله نتنياهو ومحمد بن سلمان بقليل من الحماس والدفء. منذ ذلك الحين، وكما كتب عاموس هاريل، المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، يتعمد نتنياهو “تسخين الأجواء مع اقتراب دخول بايدن إلى البيت الأبيض”. وقد قامت إسرائيل بموافقة من القاهرة بإرسال غواصة عبر قناة السويس باتجاه الخليج. وأكد نتنياهو أمام طلاب مدرسة الطيران العسكرية أن إسرائيل ستمنع في كل الظروف إيران من امتلاك أسلحة نووية.

أما بايدن، فهو ليس من المعجبين بالتحالف الذي أقامه ترامب في الشرق الأوسط والذي من خلاله انضمت مملكات الخليج (وكذلك مصر) إلى المحور الأمريكي-الإسرائيلي في جبهة معلنة مناهضة لإيران. وقد لمح إلى أنه بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض قد يطلب “إعادة تقييم” علاقته بالرياض. وبأنه سيطالب على الخصوص الكونغرس بإنهاء الدعم المالي للتدخل السعودي في حرب اليمن. أما بخصوص علاقته بإسرائيل، ووراء مظاهر الصداقة الراسخة، فإن بايدن الذي شاهد كيف أهان نتنياهو باراك أوباما بنجاح يدرك أنه إذا روج لاتفاق جديد مع إيران سيتعين عليه مواجهة عداء إسرائيلي ربما يكون أكبر من الذي واجهه أوباما. الإسرائيليون، بدءًا من الغالبية العظمى من طبقتهم السياسية، هم أيتام دونالد ترامب. وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات الأمريكية أن اليهود الإسرائيليين يؤيدون ترامب بنسبة 77٪ (مقابل 22٪ فقط فضلوا بايدن). وبعد انتخاب بايدن، صرّح نتنياهو أنه “لا يمكن أن تكون أية عودة إلى الاتفاق النووي السابق” مع إيران. الفجوة صارخة من الوهلة الأولى.

إذا كان جو بايدن مصمماً على العودة إلى اتفاق مع طهران، يتعين عليه إذن مواجهة الإسرائيليين. أهو مستعد لذلك؟ ماذا سيقدم لهم، إذا اقتضى الأمر، لجعلهم يرضخون؟ يسجل بايدن نفسه ضمن تقليد كان فيه حزبه الديمقراطي تاريخيًا الأكثر تفضيلًا لإسرائيل في الولايات المتحدة، وذلك قبل تشكيل تحالف شبه انصهاري بين اليمين الجمهوري الأمريكي والراديكالي، سواء أكانوا من الإنجيليين أو القوميين، واليمين الإسرائيلي الاستعماري المتطرف، وكلاهما يعرف نموا قويا في بلديهما. حاول سلفاه الديمقراطيان بيل كلينتون وباراك أوباما حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن دون جدوى ولا يعود ذلك لقلة الجهد. وفي كلتا الحالتين، منعت إسرائيل أي اتفاق، برفضها قبول وجود دولة فلسطينية في جميع الأراضي التي احتلتها منذ حرب يونيو/حزيران 1967. وقد اختار الرئيسان الديمقراطيان في كل مرة عدم مواجهة الإسرائيليين. هل يستطيع بايدن أن يفهم بعد كل هذه الإخفاقات وبالنظر إلى استمرار سياسة الاستحواذ وتفكيك الأراضي الفلسطينية التي يقودها الإسرائيليون بشكل ممنهج، بأن “مفاوضات” بين شريكين غير متكافئين على جميع المستويات بشكل غير عادي وتؤدي إلى وجود دولتين “تعيشان بسلام جنباً إلى جنب” قد باتت سرابًا وهميًا؟ مجرد تعويذة (مانترا) ليس لها من مضمون سوى ضمان استمرار الوضع القائم، وبالتالي استمرار الاحتلال العسكري والاستعمار.

إنهاء احتلال فلسطين

هل يمكن لبايدن أن يفهم أن ما هو على المحك الآن ليس “السلام” بل إنهاء احتلال الفلسطينيين؟ أن يفهم أنه ليس لديهم سلاح آخر غير مجرد وجودهم، في حين أن الإسرائيليين، بسبب الإفلات المتراكم من العقاب، عالقون في عقلية استعمارية تمنعهم من التصور بأنفسهم أفقا آخَر غير استمرار هيمنة أبدية على شعب آخر؟ باختصار، هل بمقدور بايدن فهم بأنه لا يوجد سبب يدعو الإسرائيليين للانخراط بمفردهم في عملية توازن بين فكرة التسوية والمساواة في الحقوق والكرامة مع أولئك الذين يضطهدونهم؟ لكي يتم قبولهم بذلك، يتعين إجبارهم. ما عدا ذلك، فلن يتحركوا، بل سيواصلون تخريب كل اتفاق ممكن مدعين بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام، مع الاستمرار يوميا في جز القليل مما تبقى لديهم من تقرير المصير. هل بايدن مدرك لهذا الواقع؟ هل هو مستعد لتغييره؟ يبدو ذلك غير محتمل جدا. لم تتوقف حاشيته، خلال حملته الانتخابية، عن تكرار بأنه لن يغير تحت أي ظرف في الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل (3.8 مليار دولار سنويًا من إمدادات مجانية بالأسلحة مرفوقة بإلغاء الديون). وقد كتب بيتر بينارت، الأخصائي في العلوم السياسية ومدير مجلة يهودية تقدمية: “إذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك لا يعطي [لنتنياهو] سببًا يُذكر لإعادة النظر في سلوكه الحالي. […] إنه أمر مقلق. مخيف حتى.”

الإشارات التي أرسلها بايدن حتى الآن ليست مطمئنة كثيرا. صحيح أنه قال بأنه سيعيد فتح التمثيل الأمريكي لدى الفلسطينيين وتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وكلاهما أغلقها ترامب، كما أعلن بأنه سيعيد مساهمة الولايات المتحدة إلى الأونروا، وكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. لكنه رافع أيضا بالاحتفاظ بالسفارة الأمريكية في القدس. وفوق كل شيء، لم يكن يتحدث كثيرًا عن الموضوع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولا بد من القول هنا بأن هذه المسالة تراجعت خلال عقد من الزمن بعدة درجات في أولويات السياسة الدولية الأمريكية.

اختيار غير جريء لوزارة الخارجية

أخيرًا، بتعيينه لأنطوني بلينكن في وزارة الخارجية، كان من الصعب على بايدن أن يكون أكثر لطفًا مع الإسرائيليين. وقد صرحت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة لأرييل شارون، وهي من اليمين الوسط، بأنه الخيار “الأفضل” لإسرائيل. وقال دوري غولد، وهو منظّر من اليمين الاستعماري المقرب جدا من نتنياهو بأنه “مطمئن”. بعد بيل كلينتون الذي رفضه اليمين الإسرائيلي، وباراك أوباما الذي كانوا يكرهونه، هاهو جو بايدن، من خلال تسمية بلينكن، يبدو لهم أكثر تفهمًا. بلينكن لم يثن على نقل ترامب للسفارة الأمريكية إلى القدس فحسب، بل قال أيضًا إنه مؤيد “للحفاظ على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج […] لدفع هذه الدول ليكونوا فاعلين مثمرين في جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية”. هذا “التطبيع” بين إسرائيل والأنظمة الملكية في المنطقة بُني، من بين أمور أخرى، على الفكرة الإسرائيلية جدا المتعلقة بـ“السلام الاقتصادي” مع الفلسطينيين، والذي يفترض أنه يقنعهم بالتخلي نهائيا عن أية مطالب سياسية.

على عكس جزء من الحزب الديمقراطي الذي أصبح يتحرر بشكل متزايد من “العلاقة الثابتة” مع إسرائيل، يجسد بلينكن موقفه التقليدي من القضية الإسرائيلية الفلسطينية. وهذا الموقف كان دائمًا مفيدا لأنصار الاستعمار ويضمن لهم الاستفادة من الإفلات من العقاب. في هذا الصدد ما انفك بلينكن، طوال الحملة الانتخابية لبايدن يؤكد مرارا وتكرارا في المنتديات اليهودية الأمريكية عن “التزامه الراسخ تجاه إسرائيل”. وأضاف أنه في حالة حدوث خلافات مع القادة الإسرائيليين، فإن بايدن “يؤمن بشدة بضرورة إبقاء الخلافات بين الأصدقاء خلف الأبواب المغلقة”. ليس بلينكن هو الذي سيعامل إسرائيل كما عامل دولة أخرى هي أيضاً “صديقة” الولايات المتحدة، أي المملكة العربية السعودية. ففي الوقت نفسه، أعلن بلينكن أيضًا: “سنراجع علاقتنا مع الحكومة السعودية التي منحها الرئيس ترامب صكًا على بياض لسياساتها الكارثية، بما في ذلك الحرب في اليمن، وكذلك مقتل جمال خاشقجي وقمع المنشقين في بلادها”.

خمسة أشهر لاتخاذ قرار

باختصار، بلينكن الذي لعب دورًا رائدًا في المرحلة النهائية لإعداد الاتفاقية النووية مع إيران في عام 2015، يعتقد أو يريد الإقناع بأن بإمكانه التوفيق بين إعادة الارتباط مع إيران والحفاظ على المصالح الإسرائيلية كما يراها الاسرائيليون ولجم محمد بن سلمان. بعبارة أخرى، فهو ينوي أولاً طمأنة الكونغرس الأمريكي (الداعم بلا شروط لإسرائيل والمعادي جدًا لطهران ولكن أيضًا للرياض). قد يتيح ذلك القيام بسياسة اتِّصال ولكن ليس بدبلوماسية متماسكة.

الصعوبة الرئيسية التي تواجهها إدارة بايدن هي أن التحالف الذي أقامه ترامب في الشرق الأوسط بين كل أولئك الذين يفكرون مثله “بلدي أولاً”، يبدو قائما على مصالح مشتركة قوية نسبيًا. تحالف يجمع دولة، إسرائيل، التي لديها الكثير مما تقدمه لأصدقائها الجدد بدءا من فتح العديد من الأبواب في واشنطن إلى توريد معدات متخصصة للغاية للمراقبة الإلكترونية للمواطنين، وأنظمة أظهر “الربيع العربي” الأخير مدى خشيتها من انتفاضة شعوبها. يبدو هذا التحالف أيضًا أكثر تماسكًا وأسهل للتجسيد من مشروع إعادة توازن القوى بين الأطراف في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يرى تريتا بارسي، محلل إيراني يعيش في الولايات المتحدة (وهو رئيس سابق للمجلس الوطني الإيراني-الأمريكي)، بأن أمام بايدن خمسة أشهر فقط، إلى غاية الانتخابات في إيران، لتطهير العلاقة الأمريكية الإيرانية من الإرث الذي خلفه ترامب. فإذا تخلى عن ذلك، أو إذا تعثرت المحادثات، كما يقول، فإن هذه العلاقة “ستعرف تدهورا خطيرا مما يزيد بشكل كبير في احتمال نشوب حرب”.

سيلفان سيبيل

صحفي وعضو سابق في رئاسة تحرير جريدة اللوموند ومدير سابق لمجلة “كوريي أنترناسيونال، مؤلف كتاب”المطمورون، المجتمع الإسرائيلي…

—————————–

بموقفه الحازم ضد اقتحام الكونغرس.. استبعاد تنفيذ الجيش الأمريكي أي قرار عسكري لترامب ضد إيران

ترتب عن الوضعية السياسية الصعبة التي يمر منها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أعقاب اقتحام أنصاره للكونغرس استبعاد أي مغامرة عسكرية في الشرق الأوسط ضد إيران خلال ما تبقى له من فترة الحكم، وذلك بعدما أدار البنتاغون ظهره له بشكل نهائي واتخذه منه قادة الجيش موقفا سلبيا ومنها قطع الاتصالات إلا في الحد الأدنى.

وكانت تحاليل تذهب إلى احتمال توجيه الرئيس ترامب ضربة إلى المنشآت النووية في إيران خلال هذه المدة. وارتفع هذا الشعور عند مجموعة من المحللين بعد قرار البنتاغون الإبقاء على حاملة الطائرات في بحر العرب بالقرب من الخليج العربي ثم إرسال قاذفتين من نوع بي 52 التي تحمل قنابل ذكية وضخمة ضد التحصينات.

وعلى الرغم من أن هذا الوجود العسكري غير كاف نهائيا لمواجهة إيران بل حتى تخويفها، اعتقد البعض في احتمال إقدام الرئيس ترامب خلال الأسبوعين الأخيرين من حكمه على تقديم هدية إلى إسرائيل وهي ضرب منشآت نووية إيرانية ولو بشكل رمزي لتقويض هيبة طهران. لكن هذا الاحتمال لم يعد واردا نهائيا بسبب تدهور العلاقة بين الجيش والبيت الأبيض.

وخلال الانتفاضة الحقوقية التي شهدتها الولايات المتحدة في أعقاب مقتل جورج فلويد الأمريكي من أصول إفريقية على يد شرطة مينيابوليس، أراد ترامب إنزال الجيش، لكن قادة المؤسسة العسكرية ثم القادة السابقين رفضوا بل شنوا حملة ضد الرئيس متهمين إياه بتوريط الجيش مع الشعب. وتدهورت العلاقة بشكل مستمر خلال الشهور الماضية، ومنها خلال الحملة الانتخابية والشهرين الأخيرين.

وليس من باب الصدفة تراجع ترامب عن مواقفه المتعنتة كلما رفع الجيش صوته منبها ومحذرا. وبعد تشدد في عدم الاعتذار عما حصل من اقتحام في الكونغرس والاستمرار في عدم الاعتراف بفوز المرشح الديمقراطي، قبل في آخر المطاف لكن بعد تغريدة للبنتاغون. وجاء في هذا البيان الصادر أمس: “تتعهد وزارة الدفاع الأمريكية بتأمين نقل السلطة سلميا إلى الرئيس المنتخب جو بايدن”.

وأبرز القائم بأعمال وزير الدفاع كريس ميلر، عبر صفحة البنتاغون في تويتر: “أنا والأشخاص الذين أقودهم في وزارة الدفاع، سنواصل أداء واجباتنا وفقًا للقسم الذي أديناه، وسأنفذ عملية الانتقال السلمي للسلطة إلى الرئيس المنتخب بايدن في 20 يناير (كانون الثاني)… “أدين بشدة أعمال العنف هذه (اقتحام مبنى الكونغرس) التي تتعارض مع ديمقراطيتنا”، مشيرا الى أن ما جرى في الكونغرس “مخالف لمبادئ دستور الولايات المتحدة”.

وفي أعقاب اقتحام أنصار ترامب الكونغرس، يبدو أن الجيش اتخذ موقفا متشددا من الرئيس ترامب، ولن يقبل منه أي أوامر عسكرية في ظل التشكيك في استمرار شرعيته بعد انسحاب عدد من الوزراء وتشديد النواب في الكونغرس على إقالة ترامب قبل 20 يناير الجاري.

وهذا الوضع يؤدي مباشرة إلى الاستبعاد الكلي لأي مغامرة عسكرية في الأيام الأخيرة لدونالد ترامب باستهداف المنشآت النووية الإيرانية بحكم عدم امتثال الجيش لأوامر الرئيس باستثناء في حالة تعرض البلاد لهجوم أو تعرض مصالحها الخارجية لعملية كبيرة.

—————————–

نيويورك تايمز: نهاية عنيفة لرئيس حرض على الغضب وترك “مذبحة أمريكية” تعهد بوقفها

تحت عنوان “غوغاء وخرق أمني: النهاية العنيفة لعهد ترامب”، قال بيتر بيكر في صحيفة نيويورك تايمز “بهذه الطريقة انتهت، رئاسة دونالد ترامب التي نبعت منذ البداية من الغضب والانقسام ونشر نظريات المؤامرة. تغلق صفحتها باقتحام عميق للكابيتال وبتحريض من رئيس مهزوم يحاول التمسك بالسلطة وكأن أمريكا دولة ديكتاتورية أخرى”.

وقال إن المشاهد في واشنطن لم يكن أحد يتخيلها: “هياج في قلعة الديمقراطية الأمريكية ورجال شرطة يلوحون بالبنادق في مواجهة لحماية قاعة مجلس النواب. قنابل مسيلة للدموع في القاعة المستديرة للمشرعين. متطرفون جلسوا في مكان نائب الرئيس في منصة بمجلس الشيوخ وأخر جلس على كرسي رئيسة مجلس النواب”.

والعبارات التي استخدمت لوصف ما حدث مثيرة للخوف: انقلاب، عصيان وفتنة. فجأة تمت مقارنة الولايات المتحدة بجمهورية موز وتتلقى رسائل من العواصم القلقة. وبدا أن “المذبحة الأمريكية” لم تكن ما يمكن للرئيس ترامب وقفها كما وعد عندما تولى الرئاسة ولكن ما سيقدمه للأمريكيين بعد أربعة أعوام وبنفس البناية التي أقسم فيها.

وجاء الانفجار في واشنطن نتيجة 1.448 يوما من عاصفة تويتر الاستفزازات والتصيد والدوس على الأعراف وخرق الحكم ولي الحقيقة من المكتب البيضاوي الذي ترك البلد منقسمة بطريقة لم تشهدها منذ أجيال.

ومن حذروا من أسوأ السيناريوهات تم استبعادهم واتهامهم بإثارة المخاوف، لكنهم اكتشفوا أن ما حذروا منه قد حدث بالفعل. وفي نهاية اليوم ناقش الجمهوريون تنحية ترامب بناء على التعديل 25 من الدستور الأمريكي بدلا من الانتظار لحين تنصيب جوزيف بايدن بعد أسبوعين.

ويرى بيكر أن غزو الكابيتال المثير للدهشة هو المحاولة اليائسة والأخيرة من معسكر يواجه الطرد السياسي. وكانت رئاسة ترامب تفلت من يديه حتى قبل أن تطأ أقدام العصاة بناية الكابيتال. فقد أحكم الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس الشيوخ بفوز مزدوج في ولاية جورجيا، وحمل الجمهوريون الغاضبون ترامب وسلوكه مسؤولية الخسارة. وقرر اثنان من حلفائه، نائبه مايك بنس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل التخلي عنه، وهو أمر لم يكن متخيلا في الماضي ورفضا المضي في لعبته الداعية لقلب نتائج انتخابات ديمقراطية، وبعد سنوات من المشي وراءه ودعم سياساته خلال سنواته الأربع في السلطة. وبعد الهجوم على الكابيتال تخلى عنه الكثير من الجمهوريين مع أن المعظم ظلوا معه. وخسر نصف الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذين بدأوا النقاش بالاعتراض على نتائج الانتخابات ولم يتبق سوى ستة منهم بعد تنظيف البناية من العصاة.

وقالت النائبة الجمهورية كاثيس ماكموريس رودجرز “ما شهدناه اليوم غير قانوني وغير مقبول”. وقالت “قررت دعم نتيجة المجمع الانتخابي وأدعو وأشجع ترامب على وقف هذا الجنون”. واتهمت ليز تشيني، النائبة عن وايومينغ وثالث أهم نائب جمهوري في مجلس النواب إن ترامب هو المسؤول عن العنف “لا مجال للشك أن الرئيس هو الذي شكل الغوغاء والرئيس هو الذي حرضهم والرئيس هو الذي خطب أمام الغوغاء”. وقال السناتور عن ميسوري روي بلانت إنه لم يعد مهتما بما سيقوله ترامب بعدما أجبر المشرعين على الهروب من غرف الكونغرس “لا أريد الإستماع لشيء” و”كان يوما مأساويا وكان جزءا منه”.

ولم يقف الحد عند المشرعين فمن داخل الدائرة التي حوله برز انتقاد حول استعداده للذهاب بعيدا لقلب نتائج الانتخابات. وأعلن عدد من المسؤولين الذين رافقوه طوال الوقت عن استقالتهم. وبعد شجب بايدن التمرد ودعوته ترامب لشجبه ووقفه خرج الرئيس بفيديو دعا فيه أنصاره الذهاب إلى بيوتهم ولكنه تمسك بموقفه الزائف وبدلا من شجبهم تحدث عن مظالمهم ومعزتهم عنده. وقال توم بوزيت الذي عمل مستشارا للرئيس في شؤون الأمن القومي إن “هذا أبعد من كونه خطأ وغير قانوني” و”عمل غير أمريكي وقام الرئيس بتقويض الديمقراطية الأمريكية ولعدة أشهر بدون أدلة. ولهذا فهو يتحمل مسؤولية الحصار والعار الكامل”.

ومع أن واشنطن شهدت الكثير من الاحتجاجات عبر السنوات الماضية إلا أن الأربعاء كان مختلفا عن أي شيء شهدته المدينة في الأزمنة الحديثة خلال عملية انتقال للسلطة. فقد قامت بإرباك عملية مصادقة دستورية على انتصار انتخابي. وكان الهجوم على الكابيتال أكثر عدوانية منذ قيام البريطانيين بنهب البناية عام 1814 وذلك حسبما قالت الجمعية التاريخية للكابيتال. وفي عام 1954 دخل أربعة من القوميين البورتريكيين قاعة الزوار وفتحوا النار حيث جرحوا خمسة. وفي 1998 دخل مسلح وقتل رجلي أمن من حرس الكابيتال. ولم يكن أي من الهجمات بتحريض رئيس أمريكي كعملية الأربعاء. فقد قال أمام أنصاره “لن نتتازل ولن نعترف بالهزيمة، ولم تحدث ولن تتنازلوا عندما تحصل سرقة، وعانى بلدنا ما يكفي ولن نتحمل أكثر وهذا كل ما في الأمر”.

—————————–

الغارديان: المتمردون الحقيقيون كانوا داخل الكونغرس وليس خارجه

إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: “لا تلوموا ترامب فقط ولكن لوموا من ساعدوه” من أصحاب البدلات الجديدة ومن تخرجوا من جامعات النخبة الذين تجمعوا في قاعة الكونغرس من أجل الاعتراض على النتائج الانتخابية الشرعية التي فاز بها المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن.

قال لورنس دوغلاس، استاذ القانون والفقه والفكر الإجتماعي بكلية أمهرست ماساشوستس الأمريكية، بمقال نشرته صحيفة “الغارديان”، إن انصار ترامب الذين اقتحموا الكونغرس لم يكونوا العصاة الوحيدين في داخل بناية الكابيتول يوم الأربعاء، بل كان في داخله عدد آخر من المشرعين الذين تجمعوا في غرفها قبل أن يتم خرق الحواجز المحيطة بالبناية.

ومقارنة مع المحرضين بقمصانهم التي كتب عليها شعار “ماغا” أو “لنجعل امريكا مرة أخرى” ومعاطفهم العسكرية، فالعصاة داخل الكونغرس كانوا يرتدون بدلات عندما افتتحت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الجلسة. وهم نتاج مدارس النخبة في ستانفورد ومدارس القانون في ييل وبرنستون وهارفارد. وكانوا يعرفون أن ترامب قد خسر بشكل حاسم، ومع ذلك اختاروا وبطريقة انتهازية المشاركة في الهجوم الأخطر على الديمقراطية الأمريكية. ومن هنا فلوم ترامب على العنف لا معنى له لأن الذين اتبعوا هذا الرئيس يعرفون أنه لن يعترف بالهزيمة.

وتحول ترامب خلال الشهرين الماضي للقائد الأعلى للتخريب في الولايات المتحدة، حيث عمل طوال الوقت لقلب نتائج عملية ديمقراطية.

ويوم أمس، تحدث أخيرا زعيم الجمهوريين ميتش ماكونيل مطالبا الوحش بالعودة إلى القفص متناسيا أربعة أعوام من تريبته لهذا الوحش. إلا أن دفاع ماكونيل هو بطولي مقارنة مع الأصوات الخافتة من تيد كروز. ويموضع كروز نفسه لأن يكون ترامب الثاني ولكن بصورة ديماغوجي أكثر تشذيبا وفصاحة من النسخة الأولى. فترامب يكذب بطريقة صارخة فيما يغلف كروز أكاذيبه بغلاف من النقاش المنطقي. ويوم أمس، استمعنا له وهو يقترح “طريقة أخرى” يمكن أن تساعد المشرعين على تجنب الخيارات “الرديئة”. وكان الخيار الرديء الأول الذي اقترحه هو وضع نتائج الانتخابات جانبا. مع أن هذا الخيار ليس رديئا فقط ولكنه دعوة للفتنة. وكان ثلثا الجمهوريين في الكونغرس يحاولون الاندفاع لتبنيه.

أما الخيار الثاني الرديء فهو الذي يفرضه الدستور الديمقراطي، أي المصادقة على النتائج التي أقرتها الولايات ووافقت عليها المحاكم. ولكن ما الذي يجعل هذا الخيار رديئا هو ما قاله كروز وهو أن “نصف البلاد تعتقد بتزوير الانتخابات”. ولكن السناتور ينسى أن هذا الاعتقاد ناجم عن التضليل الذي يقوم هو وترامب بتغذية الشعب الأمريكي به وبطريقة إجبارية.

وبعد ذلك قام رجل الدولة كروز باقتراح خيار بديل وهو إنشاء لجنة مثل تلك التي أنشئت لحل النزاع الذي نشأ في أعقاب انتخابات 1876. فلجنة هيز- تيلدين كما عرفت واجهت أزمة حقيقية في الانتخابات ولكن اليوم لا توجد خلافات حول نتائج الإنتخابات الأخيرة باستثناء الخداع الذي ساعد كروز على اختراعه.

ويعتبر اقتراح كروز صورة عن السياسات الترامبية والتي تقوم على: اكذب بما يكفي حتى تكون قادرا على اختراع واقعك القوي. ولم يكد كروز ينتهي من خطابه حتى كانت تلك الحقيقة الزائفة والقوية واضحة.

ويمكن للواحد تخيل الغضب الذي سيصيب كروز لو حاول البعض وضع خط لموقفه وربطه بالعنف الذي أعقب ذلك. وسيكون جوابه المتوقع كالآتي: كيف تتجرأ على هذا؟ لو كان هناك من يلام فهم الديمقراطيون، وهذا ما يحدث عندما تتجاهل مظاهر القلق الشرعية لملايين الأمريكيين.

ويبدو أن العنف في يوم الأربعاء صدم بعض المشرعين الجمهوريين ودفعهم لإعادة التفكير بحكمة هذه التجربة في سياسة الاندفاع نحو الهاوية الدستورية. وسواء تم تعلم الدروس أم لا فنحن بانتظار معرفة هذا. ويقول دوغلاس “قد لا نكون ألمانيا في عام 1933 ولكننا قد نكون في ميونيخ في 1923، ففي 8 تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام قام آلاف من النازيين بتنظيم محاولة انقلابية فاشلة ضد جمهورية فايمار. وبعد عشرة أعوام قام نفس العصاة بالسيطرة على السلطة في ألمانيا وعبر الطرق الانتخابية”.

——————————–

الديمقراطيون يقتربون من مساءلة ثانية لترامب بعد اقتحام مبنى الكونغرس

يدرس الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي اليوم الجمعة، اتخاذ إجراءات لمساءلة الرئيس دونالد ترامب للمرة الثانية بغرض عزله، بعد يومين من اقتحام حشد من أنصاره مبنى الكونغرس (الكابيتول هيل) إثر ادعاءات ردّدها بلا سند عن تزوير الانتخابات.

ودعا كبار زعماء الديمقراطيين، بمن فيهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إلى إجراءات مساءلة فورية إذا رفض نائب الرئيس مايك بنس والوزراء في إدارة ترامب اتخاذ خطوات لإزاحة الرئيس الجمهوري عن السلطة.

وقالوا في بيان مساء أمس الخميس إن “تصرفات الرئيس الخطيرة والمثيرة للفتنة تتطلب إقالته فورا من منصبه”، متهمين ترامب بالتحريض على “تمرد”.

ومع تصاعد الدعوات للإطاحة به أمس الخميس، نشر ترامب مقطع فيديو ندد فيه بالعنف الذي أودى بحياة خمسة أشخاص.

وظهر الرئيس الجمهوري في مقطع الفيديو أقرب من أي وقت مضى من الاعتراف بخسارته في الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، ووعد بضمان انتقال سلس إلى “إدارة جديدة”. ومن المقرر أن يؤدي الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن اليمين في 20 يناير/ كانون الثاني.

ومثّلت كلمات ترامب في مقطع الفيديو تناقضا صارخا مع خطابه يوم الأربعاء، عندما حث حشدا من الآلاف على التوجه إلى مبنى الكابيتول حيث كان الكونغرس مجتمعا للتصديق على فوز بايدن في الانتخابات.

واقتحم غوغاء المبنى، مما شكل ضغطا على الشرطة وأجبر السلطات على نقل المشرعين لمواقع آمنة حفاظا على سلامتهم.

وقالت شرطة الكابيتول في وقت متأخر أمس، إن أحد أفرادها توفي متأثرا بجروح أصيب بها في الهجوم. وقُتلت متظاهرة برصاص السلطات وتوفي ثلاثة أشخاص بسبب مشاكل صحية طارئة.

وعرض مكتب التحقيقات الاتحادي مكافأة تصل إلى 50 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى المسؤول عن وضع قنابل أنبوبية في مقر الحزبين الأمريكيين الرئيسيين. ونشر المكتب صورة مشتبه به يرتدي ملبسا بقلنسوة وعلى يديه قفاز ويحمل شيئا.

الوقت ينفد؟

مع اقتراب موعد رحيل ترامب خلال أقل من أسبوعين، ليس من الواضح ما إذا كان هناك متسع من الوقت لإكمال عملية المساءلة. ولم تعلن بيلوسي عن قرار، على الرغم من أنها أوضحت في مؤتمر صحافي أن الديمقراطيين يطالبون باتخاذ إجراء في أعقاب حصار الأربعاء.

وإذا تمت مساءلته في مجلس النواب، فسيواجه ترامب نظريا محاكمة في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون والمقرر أن يكون في عطلة حتى 19 يناير/ كانون الثاني. ولم يحدد مساعدو ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ما سيفعله إذا وافق مجلس النواب على مواد المساءلة.

وأقر مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون مساءلة ترامب في ديسمبر/ كانون الأول 2019 فيما يتعلق بضغوط مارسها على رئيس أوكرانيا للتحقيق مع بايدن، لكن مجلس الشيوخ برأه في فبراير/ شباط 2020. ولم يخضع للمساءلة سوى رئيسين فحسب في تاريخ الولايات المتحدة، ولم يواجه أي منهما المساءلة مرة ثانية.

وسيسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ بعد أن فازوا باكتساح في جولتي إعادة في ولاية جورجيا يوم الثلاثاء، لكن العضوين الجديدين في مجلس الشيوخ، جون أوسوف ورافاييل وارنوك، لن يؤديا اليمين حتى تصدق الولاية على النتائج. وآخر موعد للتصديق هو 22 يناير/ كانون الثاني لكن تصديق الولاية قد يحدث قبل ذلك.

وفي مقطع الفيديو الذي نشر أمس، تحدث ترامب بنبرة تصالحية نادرا ما تصدر عنه، داعيا إلى “التعافي”. لكنه حتى صباح الخميس كان لا يزال يردد أن الانتخابات سُلبت، ولم يصل إلى حد الاعتراف بخسارته.

ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني، انتقد ترامب بلا سند نتائج الانتخابات ووصفها بأنها “مزورة” وشهدت تلاعبا واسع النطاق.

وأقامت حملة ترامب وحلفاؤها عشرات الدعاوى القضائية للطعن على النتائج، لكنها رُفضت كلها تقريبا في محاكم الولايات والمحاكم الاتحادية. وقال مسؤولو الانتخابات إنه لا يوجد دليل يدعم مزاعم ترامب.

وتوجهت بيلوسي وشومر بالدعوة إلى بنس وإدارة ترامب لتفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، والذي يسمح بتجريد الرئيس من صلاحياته إذا لم يستطع أداء واجبات منصبه. لكن بنس يعارض الفكرة، بحسب أحد المستشارين.

وقال اثنان على الأقل من الجمهوريين هما لاري هوغان حاكم ولاية ماريلاند، والنائب الأمريكي آدم كينزينجر، إن ترامب يجب أن يرحل. ودعت صفحة افتتاحية جريدة وول ستريت جورنال، التي يُنظر إليها على أنها صوت بارز في المؤسسة الجمهورية، ترامب إلى الاستقالة مساء الخميس.

واستقال العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب احتجاجا على اقتحام مبنى الكابيتول ومن بينهم اثنان من إدارة ترامب هما إيلين تشاو وزيرة النقل وزوجة ماكونيل، ووزيرة التعليم بيتسي ديفوس.

وفي مؤتمر صحافي لتقديم من وقع عليه اختياره لمنصب وزير العدل، حمّل بايدن مسؤولية التحريض على الهجوم لترامب لكنه لم يعلق على احتمال عزله.

وصدّق الكونغرس على فوز بايدن في الانتخابات في وقت مبكر أمس، بعد أن أخلت السلطات مبنى الكابيتول. وصوّت أكثر من نصف الجمهوريين في مجلس النواب وثمانية أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ للطعن على نتائج انتخابات بعض الولايات في مسعى لدعم ترامب.

وعزل الرئيس نفسه بين دائرة صغيرة من المستشارين المقربين، وانتقد من يعتبرهم غير موالين، بمن فيهم بنس الذي أراد ترامب منه أن يحاول منع الكونغرس من التصديق على فوز بايدن، وفقا لمصادر.

(رويترز)

—————————-

“لوموند”: اقتحام الكونغرس هو تتويج لرئاسة مضطربة انتهت بتقسيم أمريكا

آدم جابر

في افتتاحية تحت عنوان: “العنف في مبنى الكابيتول: يوم عار في الولايات المتحدة الأمريكية”، قالت صحيفة ‘‘لوموند’’ الفرنسية إن اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي من قبل حشد من المؤيدين المتطرفين لدونالد ترامب، كان يوماً مظلماً، متوجاً لرئاسة مضطربة انتهت بتقسيم البلاد إلى قسمين، أحدهما يحترم النظام الدستوري وقرارات القضاء، وآخر يعيش في عالم موازٍ.

وأضافت الصحيفة الفرنسية في افتتاحيتها، أن هذا العالم، الذي تغذيه نظريات المؤامرة، هو واقع بديل لم يخسر فيه دونالد ترامب الانتخابات بفارق 7 ملايين صوت شعبي وتصويت 302 صوتا في المجمع الانتخابي مقابل 232، لكنه يريد الاعتقاد أنه تمت سرقة الانتخابات من خلال عملية احتيال واسعة النطاق ومدبرة.

“أمريكا حصدت ما زرعه ترامب”

تتابع “لوموند” أنه “في عالم الإنكار هذا، لا يهم كون حوالي ستين قرارا قضائيا، بما في ذلك من أعلى المستويات، كقرار المحكمة العليا، قد رفضت الطعون المقدمة لإلغاء الانتخابات. فكل ذلك لا يهمّ في عالم الإنكار هذا، إذ أن الرئيس دونالد ترامب نفسه طلب عبر الهاتف، في يوم الثاني من الشهر الجاري، من كبير مسؤولي الانتخابات في ولاية جورجيا تعديل نتائج الاقتراع في الولاية لصالحه”.

واعتبرت ‘‘لوموند’’ أن الأمة الأمريكية حصدت، يوم الأربعاء، ما زرعه رئيسها الشعبوي والديماغوجي والنرجسي على مدى أربع سنوات، بتواطؤ من الحزب الجمهوري. فلم يخفِ السيد ترامب أبدا نواياه المثيرة للفتنة، لقد رفض باستمرار، قبل الانتخابات، التعهد باحترام نتيجة التصويت إذا لم تكن في صالحه. كما قدم دعمه للجماعات اليمينية المتطرفة مثل Proud Boys، والتي طلب منها ‘‘أن تكون جاهزة’’.

أسلحة بايدن لإعادة بناء هذه الديمقراطية المهزوزة

وبحسب الصحيفة، سيكون على الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، الآن، إعادة بناء هذه الديمقراطية المهزوزة بشدة، موضحة أنه باتت لديه الوسائل المساعدة على ذلك، بفضل الانتصار الحاسم للديمقراطيين بمقاعد مجلس الشيوخ في جورجيا يوم الأربعاء، مما منحهم السيطرة على مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى البيت الأبيض ومجلس النواب. فهو يتمتع بالشخصية المناسبة، كما ظهر من خلال رد فعله الصارم والواضح على محاولة التمرد “الترامبية’”، كما تقول ‘‘لوموند’’، معتبرةً أن صدمة يوم الأربعاء قد تساعده.

ومع ذلك، رأت الصحيفة أنه يبقى هناك الكثير من المجهول، متساءلة: “ماذا سيحدث لرئيس المتمردين دونالد ترامب، الذي ما يزال أمامه أسبوعان في البيت الأبيض وتركه نائبه؟ وهل سيتعين عزله من منصبه رغم أنه وافق أخيرا على التنحي؟ وماذا سيكون تأثير أكثر من 100 عضو جمهوري في الكونغرس الذين واصلوا صباح أمس الخميس رفض نتيجة الانتخابات بحجة التزوير الشامل؟ وكيف سيكون رد فعل 74 مليون ناخب من الذين صوتوا على دونالد ترامب؟ وهل سيتعلم القادة السياسيون للحزب الجمهوري الدروس الجيدة من هذه الكارثة المعلنة؟ فالعالم الذي أذهلته هذه الهشاشة الكبيرة ينتظر بفارغ الصبر الإجابات”.

————————–

نيويورك تايمز: احتلال الغوغاء للكونغرس هزّ صورة أمريكا كمنارة للديمقراطية في العالم

إبراهيم درويش

تناول المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” روجر كوهين، الهجوم على مقر الكونغرس من قبل “إرهابيين محليين” كما وصفهم الرئيس المنتخب جوزيف بايدن.

وقال إن اقتحام الكابيتول هيل يوم الأربعاء يعتبر ضربة موجعة لصورة أمريكا الديمقراطية المضطربة. وأضاف إن العصاة أو الغوغاء في واشنطن الذين حاولوا إرباك عملية النقل السلمي للسلطة يمثلون تهديدا لكل الديمقراطيات حول العالم، وذلك في استعادة لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وقف أمام العلم الأمريكي معلنا: “نؤمن بقوة ديمقراطياتنا ونؤمن بقوة الديمقراطية الأمريكية”، لكن موقف ماكرون التأكيد على إيمانه بصمود الديمقراطية الأمريكية مع اقتراب فترة رئاسة ترامب من النهاية أمر مثير للإعجاب، لأن ما يهدد أمريكا ينسحب على بقية الديمقراطيات في العالم.

ويقول كوهين إن سمعة أمريكا ربما تلطخت، لكن هويتها في الدفاع العالمي عن الديمقراطية تظل متفردة. ومن هنا، فعندما قام غوغاء باقتحام مبنى الكابيتول، ودنسوا قداسة غرفه باحتقار المتغطرسين للمشرعين الذين تجمعوا للمصادقة على انتصار جوزيف بايدن، فإن هشاسة الحرية ظهرت آثارها في باريس وبقية أنحاء العالم.

وقال ماكرون في خطابه الذي بدأه بالفرنسية وأنهاه بالإنكليزية، إن الهجوم أدى لإضعاف الفكرة العالمية “شخص واحد وصوت واحد” وقال إن المبنى هو “معبد الديمقراطية الأمريكية” والذي تعرض للهجوم.

ورغم عودة النظام في الساعات الأولى من اليوم التالي، إلا أن حكم الغوغاء في واشنطن ضرب على وتر حساس في الديمقراطيات الغربية المتشظية. فهي تواجه نماذج غير ليبرالية شعبوية في كل من هنغاريا وبولندا، وصعودا للحركات اليمينية المتطرفة في كل من ألمانيا وإيطاليا. مما قاد زعماء مثل فلاديمير بوتين للإعلان عن نهاية الليبرالية كفكرة مهجورة. أما الرئيس الصيني شي جين بينغ، فقدّم نموذج الرقابة في بلاده للعالم، في وقت قام بسحق المعارضة في هونغ كونغ.

وقال الباحث السياسي جاك روبنيك: “بالنسبة للمجتمعات الأوروبية كانت هذه صورا صادمة. وحتى ولو لم تعد أمريكا منارة، فلا تزال عمودا حافظ على الديمقراطية الأوروبية ووسّعها شرقا بعد الحرب الباردة”.

وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إنها “غاضبة وحزينة” وحمّلت ترامب وبدون تردد مسؤولية الهجوم على مقر الكونغرس الذي خلّف امرأة قتيلة. وقالت إن “الشكوك حول نتائج الانتخابات أججت وخلقت مناخا سمح لأحداث الليلة الماضية”.

وراقب الألمان الذين كانت الولايات المتحدة الحامية لهم ولنموذجهم الليبرالي بغضب محاولات ترامب تخريب العملية الديمقراطية وحكم القانون. وزاد قلقهم في السنوات الماضية بسبب ترنح الديمقراطية عبر الاستقطاب والعنف والتفكك الاجتماعي والمعاناة الاقتصادية والتي لم تكن مقتصرة على الولايات المتحدة. فقد زاد فيروس كورونا القلق وعدم الثقة بالحكومة.

وفي هذا السياق، فإن صور الغوغاء وهم يندفعون نحو الكابيتول كانت انعكاسا للقوى المخربة التي تحوم في الكثير من أجزاء العالم الغربي. ولو حدث هذا في قلب الديمقراطية، فإنه قد يحدث في أي مكان. وفي العام الماضي عندما اندلعت التظاهرات المعادية للعنصرية في معظم المدن الأمريكية، صورت مجلة “دير شيبغل” ترامب في مكتبه البيضاوي وهو يحمل علبة كبريت، ووصفته بـ”دير فويرتوفيل” أو “شيطان النار”، وكانت الرسالة واضحة، وهي أن الرئيس الأمريكي يلعب بالنار. وكان هذا محلا لاستعادة الألمان ذكريات النيران التي اشتعلت في الرايخستاغ عام 1933، مما سمح للنازيين بإلغاء جمهورية فايمار الديمقراطية الهشة، وصعدوا إلى السلطة.

والذكريات المؤلمة لا تقتصر على ألمانيا، بل في كل أنحاء القارة الاوروبية، التي لا يزال فيها منظور الديكتاتورية بعيدا، ولكن عاشه بعض الناس الأحياء اليوم، ورأوا في هجوم ترامب على القضاء المستقل والصحافة الحرة وقداسة الانتخابات نذير شؤم.

وبدأت المستشارة الألمانية حياتها السياسية في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وراقبت الحماس يتبخر لخلق عالم ديمقراطي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة عام 1989. وتضاءل بصعود الحكومات الديكتاتورية وهجمات ترامب على أسس حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فيما نُظر إليه على أنه محاولة منه لحرف الميزان نحو الاتجاه غير الليبرالي. ولكنه هُزم واستطاعت المؤسسات الأمريكية تجاوز الفوضى التي خلقها، وتمت المصادقة على فوز بايدن في الكونغرس رغم ما حدث. كما رفض نائبه، مايك بنس الذي حاول ترامب تجنيده لقلب نتائج الانتخابات، المضي في اللعبة، ومارس دوره في المصادقة على الانتخابات.

وبعد قرار الكونغرس، أصدر ترامب بيانا وعد فيه بانتقال سلس للسلطة في اعتراف واضح بالهزيمة. وحقق الديمقراطيون انتصارا ثانيا بالسيطرة على الكونغرس، بعد فوزهم في جورجيا، في شجب واضح لترامب وسياساته. ولكن هل هذا يعني أن أمريكا بخير؟

يجيب كوهين بالنفي، “فالفكرة الأمريكية والقيم الأمريكية- الديمقراطية وحكم القانون، والدفاع عن حقوق الإنسان عانت من ضربات مستمرة أثناء حكم ترامب”.

وقال روبينك إنه سيكون من “الصعب” على بايدن تقديم أمريكا على أنها “المنظم لمجتمع الديمقراطيات”. وسيظل العالم ولوقت ينظر لأمريكا بنوع من الشك عندما تحاول الترويج للقيم الديمقراطية، فصور اقتحام الكابيتول ستظل حاضرة.

وكان واضحا في عنوان “لوفيغارو” الفرنسية: “تهشم الديمقراطية”. حيث قالت في افتتاحيتها إن “نرجسية ترامب تفوقت على أي كرامة، وأساء استخدام المؤسسات وداس على الديمقراطية وقسم معسكره وأنهى رئاسته في الحفرة”.

وهناك إشارات على تراجع جاذبية ترامب في أوروبا، فقد قام رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس، وهو من المعجبين بالرئيس الأمريكي، بحذف صورته على حسابه في فيسبوك وهو يرتدي قبعة عليها “جمهورية تشيك قوية” على شاكلة شعار ترامب “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”. وغيّر الصورة إلى واحدة يرتدي فيها قناعا مزينا بالعلم التشيكي.

وكشفت الاضطرابات في واشنطن عن أن أمريكا هي أكبر من رجل واحد. وهو ما بدا واضحا في تصريحات ماكرون الذي تحدث عن دعم الولايات المتحدة وفرنسا للحرية وحقوق الإنسان منذ القرن الثامن عشر. وذكر أليكس دو توكفيل ومديحه للديمقراطية في أمريكا، كما تحدث عن دفاع أمريكا عن الحرية أثناء الحربين العالميتين.

—————————-

يمكن إزاحة ترامب من الرئاسة بموجب التعديل الـ 25؟

قال مصدر في الحزب الجمهوري لشبكة “سي أن أن” إن بعض أعضاء إدارة الرئيس الأميركي الخاسر في انتخابات نوفمبر دونالد ترامب، والذي تنتهي ولايته في 20 يناير الجاري، أجروا نقاشات أولية حول استخدام التعديل الخامس والعشرين لإزاحة ترامب من منصبه، وهو التعديل الذي يستخدم كملاذ أخير لإزاحة رئيس مارق أو عاجز.

وأشارت “سي أن أن” إلى أن عملية اقتحام مثيري الشغب لمبنى الكونغرس بناءً على طلب الرئيس قد ينتهي بها الأمر لتكون أول حالة طارئة يُطبق عليها التعديل الخامس والعشرون في تاريخ الولايات المتحدة.

وطبقاً للتعديل الـ 25، فإنه سيتعيّن على نائب الرئيس مايك بنس، لكي يتم نزع السلطة من ترامب، أن يتفق مع أغلبية من مسؤولي إدارة ترامب على أن الرئيس لم تعد لديه القدرة على أداء سلطات وواجبات منصبه.

وأوضحت “سي أن أن” أنه في حال قام ترامب بتقديم رسالة اعتراض على ذلك إلى الكونغرس، فإنه سيكون أمام بنس ومجلس الوزراء أربعة أيام لمنازعته، ثم سيكون بإمكان الكونغرس إجراء تصويت على نزع السلطة من الرئيس، ويتطلب الأمر أغلبية، ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، عادةً 67 عضواً في مجلس الشيوخ و290 عضواً في مجلس النواب لإقالته نهائياً.

وبدأ المشرّعون الأميركيون بمعاينة مسألة نقل السلطة من الرئيس في أواخر خمسينيات القرن الماضي لدى اعتلال صحة الرئيس دوايت دي أيزنهاور.

وبات الأمر أكثر إلحاحاً بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963. ووافق الكونغرس على التعديل الخامس والعشرين في عام 1965 وصادقت عليه بعد ذلك بعامين ثلاثة أرباع الولايات الأميركية الخمسين كما هو مطلوب. ويتناول القسم 3 من التعديل الخامس والعشرين نقل السلطات الرئاسية إلى نائب الرئيس عندما يعلن الرئيس أنّه غير قادر على تحمّل أعباء منصبه.

ويتناول القسم 4 موقفاً يقرّر فيه نائب الرئيس وأغلبية أعضاء مجلس الوزراء أنّ الرئيس لم يعد قادراً على أداء واجباته. ولم يسبق أن تمت الاستعانة بهذا القسم.

ثلاث مناسبات

استخدم القسم 3 ثلاث مرات. الأولى في يوليو/ تموز 1985 عندما خضع الرئيس رونالد ريغان لعملية جراحية تحت التخدير العام لإزالة ورم سرطاني من أمعائه الغليظة. ويومها عُيّن نائب الرئيس جورج بوش الأب رئيساً بالوكالة لثماني ساعات بينما خضع ريغان للعملية الجراحية. نقل الرئيس جورج دبليو بوش السلطة مؤقتًا إلى نائبه ديك تشيني في يونيو/ حزيران 2002 وفي يوليو/ تموز 2007 أثناء خضوعه لتنظير روتيني للقولون تحت التخدير.

وبعد إصابة ريغان بجروح خطيرة في محاولة اغتيال عام 1981، تم إعداد خطاب يستحضر القسم 3 لكنّه لم يُرسل إلى الكونغرس. بموجب القسم 3، فإنّ الرئيس يبلغ الرئيس الذي سيتولى السلطة مؤقتاً، أو الرئيس الآني لمجلس الشيوخ – وهو حالياً الجمهوري تشاك غراسلي – ورئيس مجلس النواب – وهي حاليًا الديموقراطية نانسي بيلوسي – خطياً بأنه غير قادر على ممارسة مهام منصبه وأنه سينقل السلطة مؤقتاً إلى نائب الرئيس.

بموجب المادة 4، يقوم نائب الرئيس وأغلبية أعضاء مجلس الوزراء بإبلاغ قادة مجلسي الشيوخ والنواب بأنّ الرئيس غير قادر على أداء واجباته وأنّ نائب الرئيس سيصبح رئيساً بالنيابة.

وقال النائب الجمهوري آدم كينزينغر من إلينوي بعد الفوضى التي حدثت الأربعاء في واشنطن، “حان الوقت لاستحضار التعديل الخامس والعشرين وإنهاء هذا الكابوس”. وأضاف “الرئيس غير مؤهل. الرئيس مريض”.

وإذا اعترض الرئيس على وصفه بأنه غير قادر على القيام بمهامه، يُناط مصيره بالكونغرس الذي يتعيّن عليه التصويت بأغلبية الثلثين في كلا مجلسي النواب والشيوخ لإعلان أن الرئيس غير أهل للبقاء في منصبه. وادّعى النائب السابق لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي أندرو مكابي أنّ نائب المدّعي العام السابق رود روزنستاين أثار إمكانية استحضار القسم 4 ضدّ ترامب بعد أن أقال الأخير فجأة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي في مايو/ أيار 2017. لكنّ روزنستاين نفى هذا الادعاء.

وكان الكونغرس الأميركي قد صدّق على فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية بعد جلسة ماراثونية بدأت الأربعاء وتوقفت 6 ساعات على خلفية اقتحام مؤيدين للرئيس دونالد ترامب مبنى الكونغرس قبل أن تُستأنف.

وكان مئات من أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اقتحموا مبنى الكونغرس الأربعاء سعياً لإجبار المشرعين على تغيير خسارة الرئيس للانتخابات، ليحتلوا رمز الديمقراطية الأميركية ويجبروا الكونغرس على تأجيل جلسة للتصديق على فوز الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، مؤقتاً.

وصدّق نائب الرئيس الجمهوري مايك بنس على نتيجة تصويت الهيئة الناخبة الذي صبّ في مصلحة بايدن بأصوات 306 من كبار الناخبين مقابل 232 لدونالد ترامب، في ختام جلسة لمجلسي النواب والشيوخ قاطعها أنصار للرئيس المنتهية ولايته زرعوا الفوضى والذعر في مبنى الكابيتول.

العربي الجديد

————————-

ترامب يتنصل من اقتحام الكونغرس..وعزله صار مستبعداً

أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استيائه البالغ من الهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن. وقال في مقطع مصور على “تويتر”، إنه وعلى غرار كل الأميركيين يشعر “بغضب من العنف وانعدام سيادة القانون والفوضى”.

pic.twitter.com/csX07ZVWGe

— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 8, 2021

وأضاف ترامب “لقد نشرت فوراً الحرس الوطني وقوى إنفاذ القانون الاتحادية لتأمين المبنى ودحر المتسللين”. وشدد على أن من “تورطوا بأعمال العنف في مبنى الكونغرس دنّسوا مقعد الديمقراطية. ولا يمثلون بلدنا وسيدفعون الثمن. إن أميركا أمة قانون ونظام ولا بد أن تكون كذلك”.

ووجّه ترامب دعوة لتوحيد الأمة قائلاً: “هذه لحظة للتعافي والتصالح وقد كان 2020 عاماً مليئاً بالتحديات لسكان الولايات المتحدة. هزيمة الجائحة وإعادة بناء أعظم اقتصاد على وجه الأرض يتطلبان العمل سوياً”. وأكد اهتمامه بانتقال سلمي للسلطة، بقوله “ملتزمون بانتقال سلس للسلطة وسيتم تنصيب الإدارة الجديدة في 20 كانون الثاني/يناير”.

وقال الرئيس الأميركي إن حملته سلكت “كل الطرق القانونية للطعن في نتائج الانتخابات،” مضيفاً أن “هدفه الوحيد كان التأكد من نزاهة الانتخابات”. وتابع: “سأواصل الدعوة إلى إصلاح قوانين الانتخابات للتأكد من هوية وشرعية الناخبين وضمان الثقة”.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مستشار في البيت الأبيض قوله إن ترامب سجل هذه الكلمة؛ بسبب تهديدات باستقالات وشيكة ومحاكمة برلمانية محتملة. وقال المستشار إن جميع كبار موظفي البيت الأبيض كانوا على وشك الاستقالة؛ مما دفع ترامب لتسجيل المقطع.

يأتي ذلك فيما تستمر سبحة الاستقالات من إدارة ترامب إثر اقتحام مناصريه الكونغرس. وأضحت وزيرة التعليم الأميركية بيتسي ديفوس ثاني عضو يُعلن استقالته من الإدارة. وقالت الوزيرة في رسالة وجّهتها إلى ترامب: “لا يُمكن إنكار أن خطابكم كان له تأثير على الوضع، وهذا كان نقطة تحوّل بالنسبة إليّ”.

وقبل ساعات، أعلنت وزيرة النقل الأميركيّة إيلين تشاو، زوجة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، استقالتها من منصبها. وأشارت تشاو في بيان، إلى أنها اتّخذت هذه الخطوة لأن ما حصل في الكابيتول كان “حدثاً صادماً وكان يمكن تجنّبه تماماً”. وأضافت “أزعجني كثيراً إلى درجة أنّني لا أستطيع تجاهله”.

وسارع برلمانيون ديموقراطيون إلى الترحيب بقرار تشاو، مطالبين نائب الرئيس مايك بنس ووزراء الحكومة بالتصويت على تنحية ترامب بموجب التعديل ال25 للدستور. لكن صحيفة “نيويورك تايمز” أفادت أن بنس يُعارض اللجوء إلى التعديل ال25 لإجبار ترامب على التنحّي عن منصبه.

وقالت الصحيفة إن موقف بنس هذا مدعوم من العديد من الوزراء الذين سيكون تأييدهم ضرورياً لتنفيذ التعديل ال25. وأضافت أن هؤلاء المسؤولين “يرون أن إجراءً كهذا من شأنه أن يزيد من الفوضى الحاليّة في واشنطن”.

ونقلت شبكة “سي إن بي سي” الأميركية عن ثلاثة مصادر مطلعة أن وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منوشين بحثا إمكانية تفعيل التعديل 25. وقالت المصادر إن بومبيو ومنوشين أجريا محادثات غير رسمية لهذه المسألة داخل إدارتهما حول ملامح تفعيل التعديل المذكور.

وبحسب “سي إن بي سي”، أن تفعيل المادة تلك تشوبها تعقيدات عدة، من بينها أن العملية يمكن أن تستغرق نحو أسبوع، مما يعني أنه لن يكون لها الأثر المباشر خاصة وأنه لم يتبقَّ لترامب سوى أقل من أسبوعين في السلطة. وتتمثل المشكلة الأخرى في ما إذا كان بوسع وزراء ثلاثة يتولون منصبهم بالوكالة التصويت حول تفعيل المادة من دون موافقة مجلس الشيوخ.

من جهة ثانية، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصدرين قولهما إن ترامب طرح على مساعديه في الأسابيع الأخيرة رغبته في أن يصدر عفواً عن نفسه. وقالت الصحيفة إن إصدار ترامب عفواً عن نفسه سيكون خطوة أولى من نوعها في التاريخ الأميركي إذا أقدم عليها.

وأضافت أن ترامب قال لمستشاريه أثناء مناقشات عديدة منذ يوم الانتخابات في 3 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي 2020 إنه يفكر في إصدار عفو رئاسي عن نفسه، كما سألهم أيضاً عما إذا كان يجب عليه القيام بذلك، وعن الأثر السياسي أو القانوني المترتب على القرار.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب قد بحث الموضوع مجدداً مع مساعديه بعد اقتحام الكونغرس الذي أدى إلى دعوات عديدة أطلقها مشرعون من أجل عزله.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مصادر أن ترامب سأل محامين -بمن فيهم مستشار البيت الأبيض القانوني بات سيبولوني- عن سلطته في العفو عن نفسه. وأضافت المصادر أن ترامب استفسر عن تبعات قانونية وسياسية يمكن أن تترتب على العفو عن نفسه.

المدن

———————————

يوم أميركا “القاتم”..هل كان محاولة انقلاب من ترامب؟

رأت تحليلات صحافية أميركية أن ما حصل الأربعاء من هجوم على الكونغرس من قبل أنصار الرئيس دونالد ترامب، كان اعتداءً على الديمقراطية يجب ألا يمر مرور الكرام.

وتقول مجلة “فورين بوليسي”: “لما يقرب من قرنين ونصف القرن، كان الأميركيون راضين تماماً عن الانتقال السلمي للسلطة كل أربع أو ثماني سنوات، ويفخرون بأن لديهم “حكومة قوانين وليس حكومة رجال”، كما قال جيرالد فورد في خطابه الذي لا يُنسى، بعد تأديته اليمين الدستورية رسمياً إثر استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1974”.

كان جون أدامز، أول شاغل للبيت الأبيض، متيقناً من هشاشة الجمهورية الفتية ويخشى الديماغوجيين. بعد فترة وجيزة من انتقاله إلى البيت الأبيض، كتب رسالة إلى زوجته يطلب فيها بركات السماء قائلاً: “أدعو أن لا يحكم تحت هذا السقف إلا الحكماء والأمناء”. نُقِشَت صلاته لاحقاً على عباءة الموقد في البيت الأبيض.

لكن لم يدرك العديد من الأميركيين مدى ضعف الخيط الذي يعلق عليه الدستور: نعمة ونزاهة الشخص الجالس في المكتب البيضاوي، حتى هجوم الأربعاء العنيف المذهل على مبنى “الكابيتول هيل”، بتحريض من الرئيس “المتعنت والواهم” دونالد ترامب.

وترى “فورين بوليسي” أنه كان هناك الكثير من الحظ ساعد في وجود رؤساء مثل أبراهام لينكلن قبل الحرب الأهلية، وفرانكلين روزفلت خلال الانكماش الكبير والحرب العالمية الثانية، وجون كينيدي لإدارة أزمة الصواريخ الكوبية. لكن هذا هو الحظ: في النهاية هو ينفذ منك. في ترامب، انتخب الأميركيون شخصاً نرجسياً مريضاً تظهر أسوأ صفاته، بأكثر الطرق دراماتيكية في الأيام الأخيرة من رئاسته.

من دون دليل على وجود تزوير، أعاد ترامب إطلاق حركته لنزع الشرعية عن الانتخابات من خلال دعوة المتظاهرين إلى المسيرة الأربعاء. كان كل هذا دليلاً واضحاً على أنه مثلما يعود الأمر لرئيس الولايات المتحدة في إحترام الدستور -كما أقسم أن يفعل- يمكنه أيضاً إلحاق ضرر فادح به، إذا أراد. خاصة عندما يتعلق الأمر بالتمرد. والآن لم يعد بإمكان الأميركيين الشعور بالرضا عن النفس.

وفي تقرير آخر تسأل “فورين بوليسي” عن كيفية وصف ما يحدث – ماذا نسميه. انقلاب؟ تمرد كما وصفه الرئيس المنتخب جو بايدن؟ مجرد شغب؟.

ويتحدث في التقرير، جوناثان تيبيرمان من مجلة “فورين بوليسي” إلى نونيهال سينغ، الأستاذ في الكلية الحربية البحرية ومؤلف كتاب الاستيلاء على السلطة: المنطق الاستراتيجي للانقلابات العسكرية. تم تحرير هذه المحادثة من أجل الطول والوضوح.

يقول سينغ رداً على سؤال، إن ما حصل ليس بالتأكيد انقلاباً عسكرياً، كما أنه ليس كما وصفه البعض بأنه “انقلاب مدني”، لأنه في الحالتين لم يجرِ استخدام السلطات أو القوة العسكرية. ويضيف أن الأمر بالغ الأهمية “أن العنف الذي نراه يأتي من المتظاهرين في الشوارع الذين حرضهم ترامب. هو رئيس الولايات المتحدة. إنه أقوى رجل في العالم. ومع ذلك فهو لا يستخدم أياً من سلطاته الرسمية. إنه يستخدم منبره المتنمر لإثارة مجموعة من المتظاهرين سيئة التنظيم الذين يتم التعامل معهم بقفازات الأطفال بغير الطريقة التي تمّت فيها معاملة المتظاهرين السلميين في بورتلاند، في العاصمة، وفي جميع أنحاء البلاد الصيف الماضي”، في إشارة إلى حركة “حياة السود مهمة”.

وأضاف أنه “في كلتا الحالتين لا يشكل هذا في الواقع تهديداً للجمهورية. ولكن، انظر، سواء تم استخدام القوة أم لا، فقد انخرط الرئيس في محاولة غير شرعية وغير أخلاقية وربما غير قانونية للاستيلاء على السلطة”.

بدورها، اتهمت صحيفة “واشنطن بوست” الرئيس وداعميه من الجمهوريين بتحريض المتظاهرين الذي اقتحموا الكونغرس، “ضد الحكومة التي يقودونها والأمة التي يدعون أنهم يحبونها. لا يمكن السماح بمثل هذا الأمر”.

وتضيف أن ترامب أثار هذه الاعتداءات. لقد انتقد لشهور الحكم الذي أصدره الناخبون في تشرين الثاني/نوفمبر. كان ما فعله ترامب الأربعاء، أداء رجل غير راغب في القيام بواجباته كرئيس أو لمواجهة عواقب سلوكه. وترى أنه “يجب أن يُحاسب الرئيس -من خلال إجراءات الإقالة أو المحاكمة الجنائية- وينطبق الشيء نفسه على مؤيديه الذين نفذوا أعمال العنف”.

هذا ليس مجرد هجوم على نتائج انتخابات 2020، تقول الصحيفة. إنها سابقة -إذن لمعارضة مماثلة لنتائج الانتخابات المقبلة. يجب رفضه بوضوح، ووضعه في مكان بعيد عن اعتباره سلوكاً جائزاً. الحزب الجمهوري الحديث، يسعى عبر جهود منهجية لقمع التصويت، ورفضه الاعتراف بشرعية الانتخابات التي خسرها، إلى الحفاظ على سلطته السياسية على أساس الحرمان من التصويت. تمرد يوم الأربعاء هو دليل على الرغبة المقلقة لمتابعة تحقيق هذا الهدف عبر العنف.

ووجهت الصحيفة اللوم للجمهوريين الذي أيدوا ترامب، رغم محاولة البعض منهم التملص من التأييد في اللحظات الآخيرة، مثل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي رفض محاولة بعض الجمهوريين نقض نتيجة الانتخابات. لكن بلاغته لم تكون سوى تعريف للفتة صغيرة جداً ومتأخرة جداً. “من يزرع الريح يحصد العاصفة”.

الهجوم على الكونغرس تذكير بهشاشة الحكم الذاتي. سيصبح يوم 6 كانون الثاني/يناير 2021 يوماً مظلماً. السؤال هو ما إذا كانت أميركا، حتى مع انتهاء فترة رئاسة ترامب، في بداية الانحدار إلى حقبة أكثر قتامة وانقساماً أو نهاية عهد. الخطر حقيقي، لكن الجواب ليس مقدراً مسبقاً، تختم الصحيفة تقريرها.

——————————–

«الجنّي البرتقالي» الذي زعزع أركان «الجمهوريّة»

كان المشهد استثنائياً وتاريخياً؛ البعض وجده مثيراً للسخرية، والبعض الآخر صادماً: أحد مقتحمي مبنى «الكابيتول» في واشنطن يجلس على كرسي رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، واضعاً حذاءه على الأوراق المبعثرة على المكتب؛ وفي إحدى الزوايا، منصّة تحمل الختم الذهبي للكونغرس منتزعة من مكانها، ووثائق مؤطّرة أزيلت من على الجدران، وجرى تمزيقها؛ وفي الممرّات، مقتحمون يحملون لافتات كُتب عليها «ترامب رئيسي»، وأعلام الكونفدرالية. ثمّ في مكان آخر، موظَّفون في الكونغرس تحصّنوا تحت مكاتبهم وخلف كراسيهم، بينما عناصر الشرطة يسعون إلى صدّ المهاجمين من كلّ حدب وصوب، في انتظار حضور “الحرس الوطني” والعملاء الفدراليين، الذين لم يظهروا قبل حلول المساء.

ما سبق لا يختصر موقعة الكونغرس، التي جرت بعد ظهر الأربعاء في السادس من كانون الثاني/ يناير. المشهد أكبر من ذلك. فقبل أقل من ساعة من اقتحام مبنى “الكابيتول”، كان الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، يتوجّه إلى مؤيّديه، بالقول: «سيتعيّن علينا القتال بقوّة أكبر». طلب منهم أن يسيروا من البيت الأبيض إلى “الكابيتول” لـ«إنقاذ ديموقراطيّتنا». حتّى إنّه قال إنه سيذهب معهم، لكن بالطبع كان ذلك مجرّد وعد لم تكن لديه نيّة للوفاء به. اذهبوا إلى الكونغرس «بسلام ووطنية»، قال لهم. وبالفعل، بعد دقائق، سقطت الحواجز خارج المبنى، وكان مؤيّدو الرئيس يتهيّأون لاقتحامه، فيما احتلّ بعضهم منصّات أقيمت لحفل تنصيب جو بايدن، ورفعوا لافتة كتب عليها «نحن الشعب سنُخضع دي سي (واشنطن). لدينا القدرة على ذلك».

الجمهوريون الذين فشلوا في قلب نتيجة الانتخابات، كانوا «ضعفاء» و«مثيرين للشفقة»، وقد سمحوا للديموقراطيين بتدمير البلاد… هذا ما دأب ترامب على تكراره منذ خسارته في الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر. هو حضّ نائبه السابق المخلص، وصرخ بالحشد من على منصّة أُقيمت على مسافة من البيت الأبيض، قائلاً: «مايك بنس يجب أن يتحرّك من أجلنا، وإذا لم يفعل، فسيكون هذا يوماً حزيناً لبلدنا». ولكن بينما كان يتحدّث، قفز بنس من القطار، وللمرّة الأولى، فعل عكس ما قاله له رئيسه. حصل ذلك خلال جلسة مشتركة لمجلسَي النواب والشيوخ، عُقدت للتصديق على انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة. هنا، أيضاً، برزت مواقف استثنائية: نوّابٌ جمهوريون قدّموا اعتراضاً على نتائج انتخابات أريزونا، وبنسلفانيا، قابلهم بنس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بمحاولة لوضع حدّ لتحرّكهم… هذان الاثنان أرادا، مع معظم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، القفز من قطار ترامب، قبل أن يصل إلى محطّته الأخيرة، في محاولة لوضع حدّ لتوهّمه بأنّ الرئاسة ستُعاد إليه، بعد الهزيمة الانتخابية. سعى ماكونيل، الذي لطالما اتّسقت مواقفه مع مواقف ترامب، إلى منع الاعتراضات، مشيراً إلى أنّ نتائج الانتخابات ليست حتّى متقاربة. وقال قبل وقت قصير على بدء أعمال العنف: «الناخبون والمحاكم والولايات قالت كلمتها. إذا قمنا بنقضها، فسنُلحق الضرر بجمهوريتنا إلى الأبد». كذلك، أضاف إنّه «في حال أُبطلت نتيجة الانتخابات استناداً إلى مجرّد ادّعاءات من الخاسرين، فسيدخل نظامنا الديموقراطي في دوامة قاتلة». لم تكن كلماته كافية، فقد واصل عدد من النواب الجمهوريين اعتراضاتهم. إلّا أنّ الكونغرس رفض الاعتراض الأول على فوز بايدن في أريزونا، كما رفض الاعتراض الثاني على فوزه في ولاية بنسلفانيا. وبين هذا وذاك، توقّفت جلسة التصديق على انتخاب بايدن لساعات بسبب اقتحام المبنى، ثمّ استؤنفت أمس بعد إخلائه من المتظاهرين. فكان أن تراجع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن معارضتهم السابقة.

في المحصّلة، جرى التصديق على انتخاب بايدن رئيساً، وبالتالي أزيلت آخر العقبات التي خلقها ترامب أمامه قبل تبوّئه منصبه. ولكن ذلك لن يمحي الصوَر التي التُقطت من داخل مبنى “الكابيتول” العريق. بل إنّها ستؤرّخ ما أبرزته وسائل الإعلام الأميركية على أنّه «بعضٌ من مظاهر وصول هجوم دونالد ترامب على الديموقراطية الأميركية إلى أوجه»، واصفة مؤيّديه الذين اقتحموا الكونغرس بـ«مشاغبي ترامب» و«جنود ترامب» وبـ«الإرهابيين» و«المتمرّدين».

النهار كان طويلاً وحافلاً، و”الكابيتول” تحوّل إلى ساحة اشتباك بين «مشاغبي ترامب» والشرطة التي أطلقت الغاز المسيّل للدموع لوقف تدافع المقتحمين. لم تمرّ الواقعة من دون جرحى وقتلى، فقد توفيت امرأة متأثّرة بجروحها، بعدما أطلقت الشرطة النار عليها. كذلك، أفادت السلطات بأنّ ثلاثة آخرين ماتوا في «غرف الطوارئ» على مدار اليوم، في حين أصيب عدد من عناصر الشرطة. «جنود ترامب» هاجموا أيضاً الطواقم الإعلامية خارج المبنى، كما عثرت السلطات على قنابل أنبوبية خارج مكاتب اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي، واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، فضلاً عن زجاجة مولوتوف في “الكابيتول”.

بتعبير بايدن، إنّ «نظامنا الديموقراطي يتعرّض لهجوم غير مسبوق». الرئيس المنتخَب رأى أنّ «هذا ليس اعتراضاً. إنه إخلال بالأمن وفوضى. ويكاد يصل إلى الفتنة. ينبغي أن يتوقف الآن». ووصف أحداث العنف بأنّها «تمرّد»، مطالباً سلفه بأن يتحدّث عبر التلفزيون الوطني ويطلب من أنصاره التراجع. وبالفعل، بعد وقت قصير على تصريحاته، نشر ترامب تسجيلاً مصوَّراً دعا فيه أنصاره إلى المغادرة، لكنّه كرّر اتهاماته التي لا تستند إلى أدلّة بتزوير الانتخابات. وقال: «يجب أن يحلّ السلام. لذا اذهبوا إلى بيوتكم. نحن نحبّكم، أنتم مميّزون جداً».

في النهاية، «حقّق ترامب ما هدّد به. فقد أوضح، منذ أشهر، أنّه كان مستعدّاً لإحداث مذبحة في النظام السياسي الذي رفعه إلى أقوى منصب، إذا قرّر التخلّي عنه»، وفقاً لجوليان بورجر في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية. ولكن أحداث يوم الأربعاء كشفت عن جانب آخر، وهو أنّ الحزب الذي مكّن ترامب من الصعود، ثمّ خاف منه، أصبح محطَّماً ومنقسماً إلى درجة أنّ الجمهوريين خسروا مقعدَي مجلس الشيوخ في جورجيا.

«إنّه الجنّي البرتقالي، الذي ظلّ خارج القمقم لمدة أربع سنوات والذي عمِل على منح الجمهوريين كلّ أمنية، وهو لم يكن ليعود من دون أن يهدم جدران القصر، ويقلب أنصار الحزب ضدّه»، هذا ما كتبه بورجر، وما تردّد في أكثر من مرثية للحزب الجمهوري.

استقالات بالجملة

أعلنت وزيرة النقل الأميركية إيلين تشاو، أمس، استقالتها من منصبها، غداة اقتحام أنصار للرئيس دونالد ترامب مبنى الكابيتول، في أول خطوة من نوعها يُقدم عليها وزير في إدارة الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته احتجاجاً على ما حصل. وقالت تشاو، في بيان نشرته على حسابها في موقع «تويتر»: «أعلن اليوم استقالتي من منصبي وزيرة للنقل»، مشيرة إلى أنّها اتّخذت هذه الخطوة لأنّ ما حصل في الكابيتول كان «حدثاً صادماً وكان من الممكن تجنّبه تماماً، وقد أزعجني كثيراً إلى درجة أنّني لا أستطيع تجاهله».

وتأتي استقالة تشاو بعدما ذكرت تقارير إعلامية أنّ نائب مستشار الأمن القومي الأميركي مات بوتينغر استقال لينضمّ إلى عدد آخر من المسؤولين المنسحبين من إدارة ترامب. وأفادت وكالة «رويترز»، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأنّ اثنتين من كبيرات مساعدي السيدة الأميركية الأولى ميلانيا ترامب استقالتا، بينما يفكّر روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي، في الاستقالة.

واستقالت ستيفاني غريشام، كبيرة موظفي السيدة الأولى. ولم تذكر غريشام، التي أمضت عاماً في منصب المتحدثة الصحافية باسم البيت الأبيض، قبل أن تصبح كبيرة موظفي السيدة الأولى، ما إذا كانت استقالتها ردّ فعل على العنف في العاصمة، لكنّ مصدراً مطّلعاً على قرارها قال إن العنف كان القشّة التي قصمت ظهر البعير. كذلك، أفاد مصدران بأنّ ريكي نيسيتا، السكرتيرة الاجتماعية للبيت الأبيض، استقالت أيضاً، وكذلك سارة ماثيوس، نائبة السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض. وقال مصدر إنّ هناك أيضاً أحاديث داخل البيت الأبيض عن أنّ كريس ليدل، نائب كبير الموظفين، قد يستقيل.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)

—————————

مجلس شيوخٍ منقسم: «الحزب الكبير» بلا مخالب

مرّر ناخبو جورجيا، الولاية الجنوبية الجمهورية تقليدياً، «رسالة مدوّية»، على حدّ تعبير الرئيس الأميركي المنتخَب، جو بايدن. رسالةٌ أسهم في إيصالها الرئيس المنصرف، دونالد ترامب، الذي كبّد حزبه الجمهوري هزيمةً نكراء في انتخابات الإعادة لمقعدَي مجلس الشيوخ في الولاية الحمراء، والتي اختارت، والحال هذه، الحزب الأزرق، حتّى في الانتخابات الرئاسيّة. بهذه النتيجة المفاجئة، أحكم الديموقراطيون سيطرتهم، إلى جانب البيت الأبيض، على الكونغرس بمجلسَيه، أي السلطتَين التشريعية والتنفيذية، بعد فوزهم التاريخي الأوّل في انتخابات جورجيا الفرعيّة، أوّل من أمس، ليقودوا مجلساً منقسماً، تشبه حاله حال الولايات المتحدة، التي دخلت دوامة من الفوضى باتت تتهدَّد مصير «الديموقراطية». وهي نتيجة تمثّل هزيمة لترامب الذي أصبح أوّل رئيس أميركي، منذ عام 1932، يخسر الرئاسة، ويخسر حزبه مجلسَي الكونغرس بعد فترة ولاية واحدة.

مساعي الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، على مدى الشهرين الماضيين، إلى قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لمصلحته عبر إطلاق مزاعم تزوير، والصخب الذي رافق خسارته أمام بايدن، هي عوامل ألقت بثقلها على تأييده للمرشحَين الجمهوريين اللذين شارك شخصياً في حشد الدعم لهما، بعد توجّهه إلى الولاية يوم الاثنين الماضي. وعلى رغم محاولته استمالة الناخبين الذين صوّتوا بأعداد قياسية بالنسبة إلى انتخابات فرعيّة لعضوية مجلس الشيوخ، لم يتمكّن الرئيس الحالي من أحداث أيّ خرقٍ يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فيما مثّل أداء الديموقراطيين، في هذه الولاية الجنوبية المحافظة تقليدياً، إهانة قاسية لـ»الحزب الكبير». وجاءت هذه النتيجة لتؤكّد التحوّل الكبير الذي شهدته جورجيا والجنوب الأميركي الأوسع.

وبحصول النصر المزدوج، خسر الجمهوريون كل أوراق قوتهم بعد أربع سنوات أحكموا فيها سلطتهم على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، فيما ضمن الديموقراطيون السيطرة على المجلس بعد فوز جون أوسوف بالمقعد الثاني في ولاية جورجيا متغلّباً على الجمهوري ديفيد بردو. وضَمن هذا الفوز، بعد فوز الديموقراطي رافييل وارنوك بالمقعد الأوّل، والغالبية الديموقراطية في مجلس النواب، للرئيس المنتخب، جو بايدن، كلّ مستلزمات السلطة للمضيّ قدماً في برنامجه. ومن شأن هذا الفوز أن يشكّل مجلساً منقسماً، ولا سيّما أن الحزب الديموقراطي حصل على 50 مقعداً في مجلس الشيوخ، وهو العدد نفسه الذي حصل عليه الجمهوريون. لكن، وكما ينص الدستور الأميركي، سيكون لنائبة الرئيس المستقبليّة، كامالا هاريس، سلطة تحديد الأصوات، أي ترجيح كفة الميزان إلى الجانب الديموقراطي. ونجح هؤلاء، المدفوعون بفوز جو بايدن في الولاية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو الأوّل منذ عام 1992، في حشد ناخبيهم، وخصوصاً الأميركيين من أصل أفريقي، والذين يعتبرون مفتاح أيّ نصر ديموقراطي. وتعليقاً على النتيجة، أشاد بايدن بفوز حزبه بالغالبية في مجلس الشيوخ، واعتبر ذلك مؤشراً إلى رغبة الأميركيين في المضيّ قدماً، داعياً إلى التعاون بين الحزبَين الديموقراطي والجمهوري. وقال بايدن، في بيان هنأ فيه المرشحَين الديموقراطيين على فوزهما بمقعدَي ولاية جورجيا في مجلس الشيوخ، «حان الوقت لطيّ الصفحة. يطالب الشعب الأميركي بالتحرّك ويرغب في الوحدة. أنا متفائل أكثر من أيّ وقت مضى أن في إمكاننا تحقيق الأمرين».

——————————-

شرطة الكابيتول رفضت عرضين للمساعدة رغم توالي التحذيرات من اندلاع أعمال شغب

كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، الجمعة، أن شرطة مبنى الكونغرس (الكابيتول)، رفضت عرضين للمساعدة قدمهما كل من الحرس الوطني، ووزارة العدل، وذلك أثناء اقتحام المبنى من قبل متظاهرين مناصرين للرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

وأوضح تقرير الوكالة أن شرطة الكابيتول رفضت عرضا للمساعدة قدمه الحرس الوطني قبل ثلاثة أيام من الواقعة، كما رفضت الشرطة أيضا عرض وزارة العدل بدفع عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بالتزامن مع الاقتحام، الأربعاء.

وقال التقرير إنه على الرغم من توالي العديد من التحذيرات من احتمالية اندلاع تمرد، وبغض النظر عن وفرة الإمكانيات والوقت اللازم للتجهيز، فإن شرطة الكابيتول وضعت خطة تأمين خاصة بمظاهرة تعبيرية فقط.

وأكد التقرير أن ما حدث من اقتحام للكونغرس ومقتل أربعة متظاهرين، بما في ذلك امرأة بطلق ناري داخل المبنى، ومقتل شرطي، الخميس، بعد إصابته يوم الاقتحام، كانت نتيجة عدم التحضير المناسب ورفض عروض الجهات الأمنية من قبل شرطة الكابيتول.

ووصف رئيس شرطة هيوستن، آرت أسيفيدو، والتي استجابت إدارته للعديد من الاحتجاجات الكبيرة العام الماضي بعد وفاة جورج فلويد- الواقعة بأنها “فشل في القيادة.. يجب أن تعمل شرطة الكابيتول بشكل أفضل ولا أرى كيف يمكننا التغلب على ذلك”.

وقال وزير الجيش الأميركي، رايان مكارثي، بأنه تبين أن شرطة الكابيتول قد اجتيحت بشكل واضح، مع اندلاع أعمال الشغب، وهذا يعود في رأيه إلى عدم وجود تخطيط للطوارئ تم وضعه مسبقا لمواجهة مثل هذا السيناريو.

وقال مكارثي “كان عليهم (شرطة الكابيتول) أن يسألونا، جيب أن يصل الطلب (المساعدة) إلينا”.

وأفادت وسائل إعلام أميركية، الخميس، بأن مدير شرطة الكابيتول ،ستيفن صند، قرر الاستقالة من منصبه على خلفية اقتحام موالين لترامب مبنى الكونغرس، وطريقة تعامل الشرطة مع العملية.

كما أضحت وزيرة التعليم الأميركية، بيتسي ديفوس، ثاني عضو يُعلن استقالته من إدارة ترامب، بعد الاقتحام.

من ناحية أخرى، دعت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تنحية ترامب، معتبرةً إياه شخصاً خطيراً للغاية وينبغي أن لا يستمرّ في منصبه”.

لكن، دعا مشرعون أميركيون أعضاء إدارة ترامب ومسؤولي البيت الأبيض إلى البقاء في مناصبهم لضمان نهاية مستقرّة للولاية الرئاسيّة.

الحرة

——————————

صحيفة: ترامب رفض الاعتذار عن اقتحام الكابيتول واتهم بنس بـ”طعنه في ظهره”

نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مصادر مطلعة أن عددا كبار من المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد ناقشوا مسألة تفعيل التعديل الخامس والعشرين الذي يتيح للحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس عزل الرئيس وإبعاده وعن مهامه.

وقالت الصحيفة إن تلك النقاشات قد جرت بشكل غير رسمي وأن لا يوجد مؤشر على خطة فورية لتنفيذ الأمر، وأن الغاية من تلك النقاش منع ترامب من القيام بأي تصرفات أخرى غير مقبولة على غرار ما حدث من سكوت على اقتحام لمبنى الكابيتول والذي أثار أزمة غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة.

وبحسب بعض مستشاريه فإن ترامب بقي لوقت طويل يدافع عن سلوك أنصاره وأعمال الشغب التي قاموا بها، قائلا: “ظل “الغالبية العظمى منهم سلميون. ماذا عن أعمال الشغب التي وقعت هذا الصيف؟ ماذا عن الطرف الآخر؟ لم يهتم أحد عندما قاموا بأعمال شغب. أنصاري مسالمون وليسوا بلطجية”.

استياء كبير

ونقلت الصحيفة عن مساعدين لترامب، دون أن يكشفوا عن هويتهم، أنهم شعروا باستياء شديد وغضب جراء الأحداث التي جرت في مبنى الكابيتول.

ووصف أحدهم سلوك ترامب في التعامل الأزمة الأخيرة بكلمات قاسية، إذ أن ترامب رفض لمدة 24 ساعة إدانة تصرفات أنصاره الذين اقتحموا مبنى الكونغرس، قبل أن يظهر في تسجيل مصور يدين فيه ما حدث ويتوعد بمحاسبة المعتدين.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية للصحيفة إن “ترامب كان في حالة مزاجية سيئة واتخذ موقفا دفاعيا وكان الجميع يدركون أن ارتكب خطأ فادحا”.

وقبل بث الكلمة المصورة لترامب، كان بعض موظفي البيت الأبيض قد حاولوا إقناع رئيسهم بالإدلاء بتصريحات لقناة “فوكس نيوز”، بيد أنه رفض ذلك الاقتراح.

وذكرت مصادر مقربة من ترامب إن ترامب قد أشار في كلمته إلى مزاعم تزوير الانتخابات رغم أن مساعديه طلبوا منه عدم الحديث عن هذا الأمر.

وأوضح أحدهم أن فكرة تعرض لمعامله بشكل غير عادل كانت مسيطرة بشكل كبير أعجزته عن رؤية الأوضاع كلها بشكل واضح.

“طعنني في ظهري”

وأشار ذلك المسؤول إلى أن ترامب كان غاضبا جدا من نابئه، مايك بنس، مشيرا إلى أنه كان “منزعجا للغاية من “خيانته” وكان يردد طول الوقت لقد صنعت ذلك الرجل وأنقذته من موت سياسي وفي النهاية طعنني في ظهري”.

وبحسب الصحيفة فإن ترامب كان قد رضخ لفكرة إدانة ما حدث في الكابتيول بعد أن رأى أن الكثير من المقربين له قد تخلوا عنه وهاجموه بشدة مثل ما فعل زعيم الأغلبية الجمهورية مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل والسيناتور الجمهوري البارز، ليندسي غراهام.

مايك بنس وماكونيل يرفضان اوامر ترامب ويصدقان على نتائج الانتخابات

ووفقا لمصادر الصحيفة فإن ماكونيل أبلغ بعض المقربين منه أنه لا ينوي الاتصال بترامب مرة أخرى، فيما قال غراهام:”، يحتاج الرئيس إلى فهم أن أفعاله كانت هي المشكلة وليست الحل”.

أما كبير موظفي البيت الأبيض السابق، جون كيلي، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ صرح لشبكة “سي إن إن” أن ما حدث في مبنى الكابيتول “كان نتيجة مباشرة لتسميم يرامب عقول الناس بالأكاذيب”.

وحث مجلس الوزراء على الاجتماع لمناقشة الاحتجاج بالتعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي لعزل ترامب من منصبه.، وهو نفس الأمر الذ دعا إليه العشرات من المشرعين الديمقراطيين في الكونغرس، وهو ما وافق عليه النائب الجمهوري ، وكذلك النائب آدم كينزينجر، وحاكم ولاية ماريلاند، لاري هوغان.

الحرة / ترجمات – دبي

——————————–

حلفاؤه تخلوا عنه والاتهامات انهالت عليه وعاجز عن التغريد.. كواليس الساعات العصيبة التي عاشها ترامب

وصف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في وقت متأخر من يوم الخميس 7 يناير/كانون الثاني، اقتحامَ حشدٍ من أنصاره لمبنى الكابيتول بأنه “هجوم شنيع”، وقال إنه سيترك منصبه بسلام في 20 يناير/كانون الثاني، وذلك بعد أن واجه انتقادات حادة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لرد فعله المتهاون مع أعمال الشغب وتصاعد الضغوط من أجل إقالته.

هذه التطورات التي شهدتها واشنطن، خاصة التحول الكبير في موقف ترامب، سلطت الضوء على كواليس اللحظات التي عاشها الرئيس في ظل هذه الضغوط الكبيرة التي انهالت عليه.

بحسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، فإن مقطع الفيديو الذي نُشر على موقع تويتر بعد الساعة 7 مساءً بقليل، جاء بعد ضغوط من مستشاريه بضرورة إبداء ردٍّ أشد قوة على أعمال الشغب التي وقعت في مبنى الكابيتول، والتي خلفت أربعة قتلى.

دونالد ترامب في حالة غضب وعزلة

كان عدد من أقرب مستشاري الرئيس قد أدانوا علناً رد فعله المتقاعس على العنف الذي وقع، وحذر مستشار البيت الأبيض الرئيسَ من أنه يخاطر بالتعرض للمساءلة القانونية عن أعمال الشغب التي امتنع عن إدانتها على نحو واضح، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على المحادثة بينهما.

قبل ذلك، كان ترامب قد أمضى يومه في البيت الأبيض في انقطاعٍ إجباري عن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت يوماً داعمه الأساسي في الوصول إلى السلطة، وأشار مستشارون إلى أنه أمضى يومه في عزلة وغضب متصاعدين، وذلك بعد أن أُغلق حسابه على موقع تويتر لفترة، وحظر موقع فيسبوك صفحته، مستندين إلى منشورات اعتبروها تحرّض على العنف أو تنطوي على محاولات تقويض للعملية الانتخابية.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت مصادر إلى أن أعضاء في الدائرة المقربة لترامب، منهم رئيس موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز وكبير المستشارين ستيفن ميللر والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني ومحامي البيت الأبيض بات سيبولوني وابنة ترامب إيفانكا، كل هؤلاء حثّوه على إصدار بيان آخر يوم الخميس؛ لأن الناس -بحسبهم- في حاجة إلى السماع مباشرة من الرئيس.

فيما قال مساعدون لترامب إن دائرته المقربة نصحته بأنه من المهم ثني المؤيدين عن المشاركة في أي أعمال شغب عنيفة باسمه، خاصةً مع اقتراب يوم التنصيب.

في لحظات الأزمات الماضية، غالباً ما كان يقضي ترامب يومه بالساعات على الهاتف، ويتصل بالعشرات من أصدقائه ومستشاريه للحصول على ما يريده. لكن هذا لم يكن الحال يومي الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني والخميس 7 يناير/كانون الثاني.

كما أكد مساعدو ترامب أن العديد من أقرب مستشاري الرئيس أدانوا علانيةً رده المتهاون على أعمال الشغب. كما أنه رفض تلقي مكالمات من مستشارين له، منهم حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستس، الذي قال إنه أمضى 25 دقيقة يوم الأربعاء في محاولةٍ للوصول إلى الرئيس لحثِّه على الدعوة صراحةً لوقف العنف.

علاوةً على ذلك، قال مستشارون إن ترامب لا يزال مستغرقاً في غضبه حيال نائبه مايك بنس، بشأن ما اعتبره خيانة لرفض الأخير محاولة منع تصديق الكونغرس على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن في الانتخابات.

في الوقت ذاته ابتعد كثير من مسؤولي البيت الأبيض عن مكتب ترامب يوم الخميس، راغبين في تجنب الرئيس الذي وصفه أحد المستشارين بأنه “في عزلة مظلمة”، وقال مستشارون إن ترامب يبدو أكثر انشغالاً بخسارته في الانتخابات من ندمه على أعمال الشغب التي وقعت.

فيما قال مستشار آخر تحدث إلى الرئيس مؤخراً: “إن الأمر أشبه برؤية شخص ما وهو يدمر نفسه أمام عينيك، لكنك عاجز عن فعل أي شيء له”.

المسؤولون يتخلون عن ترامب

على الجانب الآخر، انزعج عديد من مساعدي ترامب من هجماته الحادة على نائبه بنس، أحد أشد حلفائه ولاءً، فيما أشاد بعض مستشاري الرئيس الآخرين بموقف بنس، لاتباعه الدستور رغم ضغوط ترامب لإلغاء نتيجة الانتخابات.

وقال مقربون إن الدائرة المقربة من ترامب تقلصت لتصبح أصغر من أي وقت مضى، خاصة بعد أن بلغ الأمر ببعض أقوى المدافعين عنه حدَّ إعلان النأي عنه، وعلى رأسهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي أعلنها في قاعة مجلس الشيوخ يوم الأربعاء: “اعتبرني منسحباً [من تأييد هذا الموقف]. لقد طفح الكيل”. ووصف أحد المستشارين سلوك الرئيس بأنه غير منتظم على نحو متزايد ولا يمكن التنبؤ به.

كما تبدت ملامح هذا الانفضاض عن الرئيس مع إعلان وزيرة النقل إيلين تشاو استقالتها من الحكومة يوم الخميس، وما تبعها من استقالة وزيرة التعليم بيتسي ديفوس مساء الخميس، والتي قالت في رسالة إلى ترامب إنه “لا يمكن لأحد أن يخطئ في أنه كان ثمة تأثير لخطابك” في أحداث يوم الأربعاء. كما استقال ما لا يقل عن خمسة مسؤولين آخرين في الإدارة، وفكر آخرون، منهم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، في القيام بذلك، على حد قول مساعدين.

في المقابل، كافح مساعدو ترامب لإقناعه بضرورة إدانة العنف الذي وقع في الكابيتول، وقال أشخاص مطلعون على المحادثات إن مستشاري الرئيس، ومنهم نائبه، شعروا بالفزع بسبب إحجامه عن القيام بذلك.

غموض حول الأيام المتبقية لترامب في الرئاسة

لا يزال من غير الواضح كيف ستبدو الأيام الثلاثة عشر المتبقية من رئاسة ترامب، لا سيما مع إشارة عديد من المسؤولين إلى صعوبة إبقاء تركيز انتباه ترامب على الأمور السياسية والأوامر التنفيذية المفترض توقيعها.

وفي ظل هيمنة نقاشات العفو على مسؤولي الإدارة في الأسابيع الأخيرة، قالت مصادر إن ترامب أبلغ مستشاريه مؤخراً بأنه يفكر في إصدار عفو عن نفسه قبل مغادرة المنصب، وإن كان ثمة شكوك قانونية تحيط بذلك الأمر. وكانت صحيفة The New York Times أول من أشار إلى التفات ترامب إلى هذا الأمر.
أيقونة الموقع

لكن، وفي حين قالت وزارة العدل في مذكرة قانونية تعود إلى عام 1974 إن الرئيس لا يمكنه العفو عن نفسه بموجب المبدأ القانوني القائل: “لا يجوز لأي شخص أن يكون قاضياً في قضيته”، فإن بعض العلماء القانونيين يختلفون مع هذا الرأي، علاوةً على أن ترامب قال في عام 2018 إن لديه “الحق المطلق” في العفو عن نفسه، قبل أن يضيف: “لكن لماذا أفعل ذلك، وأنا لم أرتكب أي شيء خاطئ؟”.

———————————–

=======================

تحديث 09 كانون الثاني 2020

———————-

مجنونٌ أم ممثلٌ لأحد وجوه أمريكا/ نهلة الشهال

كانت مشاهدَ مذهلة! مسليةً و”ممتعة”، مثل فيلم سينمائي يذّكر بأفلام الكاوبوي، على الرغم من تسبب ما جرى بمقتل أربعة أشخاص. الشرطةُ المولجة بحراسة مبنى الكابيتول تفرُّ أمام جموع هائجة. سجّل الجميع في أنحاء العالم، وكذلك الصحف الأمريكية الكبرى، قلة عدد أفراد الشرطة، “الملفت للنظر” كما يقال بتهذيب موحي بإن هذا الضعف الشديد في الحراسة – وهو غير معتاد حتى في جلسات عادية للكونغرس – كان مقصوداً. ولم يتحرك “الحرس الوطني” إلا بعد ساعات، مع أنه يرسَل هو والشرطة الفيدرالية إلى مقاطعات أخرى ما إن تحدث فيها مظاهراتٌ حاشدة.. ومع أن ما جرى كان متوقعاً، بل دعا إليه صراحة الرئيس الأمريكي قبل سويعات من وقوعه، في مهرجان حاشد بالقرب من مقر الكونغرس، وقال لهم “اذهبوا لحث أعضاء الكونغرس على احتساب الأصوات بشكل صحيح”. ثم سمّى من اقتحموه بـ”الوطنيين”، وقال لهم “أحبكم”، قبل أن يدعوهم للعودة إلى البيت، مع استمراره على التأكيد على أنه الفائزُ، وأن هناك تزويراً، وقال لهم أيضاً “لا تستسلموا أبداً”.. وهو ما كتبه أنصاره على ورقة تُركت على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

هل المظهرُ “الهمجي” لبعض هؤلاء الأنصار، ملابسهم – وقد ارتدى بعضهم فراء حيوانات فوق صدور عارية، ووضعوا على رؤوسهم قرونها، في تبنٍ للبدائية والوحشية – الألوان المرسومة على وجوههم وأجسادهم، تلويحهم بأذناب الجواميس المقطوعة، السلاح الذي تباهوا بحيازتهم له داخل أروقة الكونغرس، ارتداء بعضهم لبزات عسكرية (وقد عُرِفّوا بأنهم من جماعة “برايد بويز”)، وضع أرجلهم بالأحذية الضخمة فوق المكاتب الخ.. هل ذلك كلُّه مجرد تمثيل؟ هل صفاقةُ ترامب، التي تتجاوز الخيال، صفةٌ شخصية؟ حتى نائبه، مايكل بنس، حتى نتنياهو، صُدموا ! فالمخاطرة التي أقدم عليها الرئيس كبيرةٌ، وها حساباته على تويتر وفيسبوك عُلّقت، وها النقاشات دارت وتدور حول عزله، أو تنحيته بسبب “عدم الأهلية الصحية” (المادة 25 من الدستور الأمريكي، وهي التي يمكن الاعتداد بها)، قبيل بضعة أيام من انتهاء ولايته، وبعد أن صادقَ الكونغرس – الذي عاد لاستئناف انعقاده – على صحة انتخاب بايدن. لماذا؟ كعقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كما يقال همساً، كالإقدام مثلاً على إشعال الحرب مع إيران في الأيام الأخيرة من ولايته، وهذا بحسب صحف أمريكية كبرى. وهذه اعتبرت السادس من كانون الثاني 2021 “أحد الأيام الأكثر قتامةً في تاريخ الولايات المتحدة (واشنطن بوست)، بينما قالت نيويورك تايمز “هو من حرّض أتباعه ويجب عزله”.

المدهشُ كذلك في ما جرى هو ميوعة الطرف المقابل. أوباما وآل كلينتون صامتون لساعات، بايدن يدعو ترامب للظهور على التلفزيون و”ضب” جماعته، وتؤيده في ذلك نائبته، من دون إبداء أي غضب أو تشنج. والجميع يشدد على ضرورة الحفاظ على الديمقراطية ورموزها، والجميع يتمنى استعادة قاعدة التوازن بين الحزبين الكبيرين، التي تحكم السياسة والسلطة في الولايات المتحدة. لعل الديمقراطيين خافوا من النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة، والتي يمكن أن تفتح الباب لفوضى وما سُمّيَ “حرباً أهلية”، وتطيح بالتالي بمكانتهم، وتغيّر تماماً قوانين اللعبة. لعل ذلك يفسر أيضاً ميوعة الإجراءات التي أعقبت الحدث، إذ يقال إنه بعد ظاهرة عدم مقاومة الاقتحام وعدم حماية الكابيتول، فلا توقيفات، ولا محاسبات، وقد كنا أمام فاعلين من الذكور البيض. أي ممن يحوزون شرعية الانتماء إلى أمريكا.

يعني حُلّت عشائرياً!

المؤكدُ أن هذا الذي جرى، بكل تفاصيله، يعبّر عن واقع قائم في البلاد: مصالح كبرى متقاسمة بين الكتل السياسية بغض النظر عن توزعها على الحزبين، وانشطار عنيف بين المدن الكبرى، والتي لديها بالمقابل مشكلاتها العويصة، وعلى رأسها المسألة العنصرية، والتمييز ضد السود واضطهادهم، والأرياف والمناطق الداخلية، التي تعيش إيقاعاً مختلفاً، وتخشى ببلاهة غزوة “اليساريين”! وهذا كله أحد جوانب الموقف. فعسى ما جرى يحفّز على تفحص أمريكا كما أصبحت، وكما هي الآن.

لقد ولد زعيمٌ سياسي في هذا اليوم، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات. فترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة على الرغم من كل محاولاته، والأرجح أنه في هذا اليوم، وهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها، ولمفاهيمَ تمثّلها، وهو سيسعى من خلالها إلى العودة إلى الرئاسة في الانتخابات القادمة.

السفير العربي

——————————

إرهابي في «البيت الأبيض»؟

رأي القدس

حسب عدد مجلة «نيوزويك» الصادر في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي فإن الجيش الأمريكي كان قد أصدر مذكرة حمراء قبل أسابيع من الحدث الأخير، تحسبا من طلب دعم الجيش الأمريكي لإعادة السلم الأهلي خلال فترة التنصيب وانتقال السلطة، وأن قيادة الجيش اتخذت هذا القرار من دون التشاور مع ساكن «البيت الأبيض»، وأن قيادة القوات المسلحة الأمريكية كانت متأهبة لاحتمال ارتكاب ترامب أزمة، عبر تحريض الميليشيات الخاصة شبه المسلحة المؤيدة له لتخريب عملية انتقال السلطة ولإثارة العنف في العاصمة.

من المفيد التذكير، أنه حتى قبل استلامه للسلطة، فإن ترامب كان قد هدد عدة مرات باستخدام القاعدة الجماهيرية المؤيدة له، وضمنهم ميليشيات مسلحة، وتنظيمات يمينية متطرفة، في حال أن نتائج الاقتراع لم تؤد إلى نجاحه وإسقاط هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية للرئاسة آنذاك.

رغم أن مؤيدي ترامب نفذوا سيناريو «منقحا» للعملية التي كان الجيش الأمريكي متأهبا للتصرف تجاهها، لكن مفاعيل الاجتياح الذي تعرّض له الكابيتول (المبنى الذي يقع فيه مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان)، كانت هائلة، على الصعيدين الأمريكي والعالمي، وكان من تداعياته دعوة كثير من السياسيين والكتاب والإعلاميين والناشطين لعزل ترامب، بعد تسببه بتلك العاصفة السياسية – الأمنية غير المسبوقة.

في شرحه لضرورة عزل ترامب، كتب المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور، تغريدة على موقع «تويتر»، قال إن الرئيس المنتهية ولايته خلال أقل من أسبوعين، هو التهديد الأول للأمن الوطني الأمريكي، كونه خطط، وهيّج، وحرّض، ونظّم هجوما إرهابيا على الكابيتول، مما أدى لمقتل أشخاص، ولارتكاب الآلاف من المهاجمين لجريمة».

اختار كثيرون، بينهم سياسيون وإعلاميون، تعبيرات مخفّفة تراوحت بين أوصاف «المرض العقلي»، و»الجريمة السياسية»، وقام وزراء وموظفون كبار ضمن إدارته بالاستقالة، وبدا الرئيس الأمريكي، لأول مرة في تاريخه السياسي، مضطرا للتراجع، والإقرار أخيرا بهزيمته أمام بايدن، بل إنه هاجم أيضا الأشخاص الذين قام بتحريضهم، واعتبره ما حصل «هجوما مقيتا».

أشار بعض الناشطين في حركة «حياة السود مهمة» إلى ما اعتبروه انحياز الأجهزة الأمنية لصالح المتظاهرين المؤيدين لترامب، وهو ما يفسّر دخولهم بسهولة إلى مقرات الكونغرس، وذكروا بالقرارات الصارمة التي اتخذها ترامب ضد مناصري الحركة المناهضة للعنصرية، وتساءل بعضهم ما الذي كان سيحصل لو أنهم هم من قاموا باجتياح الكونغرس.

توصيف بعض المعل

——————————–

ترامب وأدوات الديكتاتور العربي/ غالية العلواني

الواقع أن وصف ترامب الدائم لرأي كل من يعارضه، بعبارة “أخبار كاذبة”، سيبقى إلى الأبد في ذاكرة المنتمين إلى المجتمعات المعرفية، الذين شعروا للمرة الأولى في الولايات المتحدة بالإحباط والهزيمة والتجاهل التام خلال فترة توليه منصبه.

اقتحم حشد من مؤيدي ترامب مبنى الكابيتول خلال جلسة احتفالية لفرز أصوات المجمع الانتخابي والمصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن. كانت هذه الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة بأكمله، لكن الذين يعيشون في العالم العربي شعروا بأنها شديدة الشبه بما يحدث في أوطانهم.

سرعان ما انتشرت النكات والمقارنات على منصات التواصل الاجتماعي. وفي لبنان، تبادل الناس الدعابات حول أوجه التشابه بين أنصار ترامب وحشود “حزب الله” في الشوارع -ومؤيدي الجماعات الشبيهة في البلدان المجاورة- الذين غالباً ما يتسببون في الفوضى ويعرقلون الديموقراطية، وشعروا بأنهم في هذه اللحظة يتشاركون الإحساس ذاته بالعجز مع المواطنين الأميركيين. لكن خطاب الكراهية هذا وتأثيره في الجماهير، أمر غير جديد على الشرق الأوسط.

في الحقيقة، كانت تصرفات ترامب طوال فترة ولايته تشبه كثيراً تصرفات أيّ ديكتاتور عربي، وكانت الولايات المتحدة خلال سنوات حكمه الأربع تشبه نوعاً ما الأنظمة الاستبدادية التي نعرفها جيداً، ربما باستثناء الميزانية الأعلى بكثير.

حينما شاهدت العنف، والغضب الذي يحرك هذه الحشود المتوجهة إلى مبنى الكابيتول الشهير لاقتحامه، لم يسعني سوى استحضار كلمات علاء الأسواني في كتابه “متلازمة الديكتاتورية”، الذي وضع فيه قائمة تحدد سمات الديكتاتور العربي، جاعلاً الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك محور دراسته، إلى جانب أمثلة أخرى لبعض الاستبداديين سيئي السمعة من العالمين العربي والغربي. عندما تصفحت الكتاب مرة أخرى، وجدت أن جميع الصفات المذكورة في قائمة سمات الدكتاتور تنطبق على ترامب.

نظرية المؤامرة

كتب علاء الأسواني، “حقق كافة الاستبداديين، دون استثناء، الذين وصلوا إلى السلطة خلال العصر الحديث نجاحاً باهراً من فكرة نظرية المؤامرة”. ووفقاً للأسواني، يستغل الديكتاتور نظرية المؤامرة لحصد الكثير من المزايا، وسنوضح في ما يلي الوسائل التي يستخدمها لتحقيق ذلك والتي ذكرها الأسواني في كتابه.

أولاً، يتم تشويه صورة أيّ معارضٍ للزعيم، مع اعتباره خائناً للوطن، وهو ما يجعل من اليسير التحريض على كراهيته من دون قيد أو شرط. يأتي هذا بالتزامن مع أداة خطيرة، تتمثل في بث الخوف في النفوس، لأن الذين يصدقون تلك التهم يخافون بالفعل من أن تؤتي هذه المؤامرة ثمارها وتنتصر عليهم، ومن أن تتضرر حياتهم بشدة.

يوضح الأسواني ذلك كاتباً، “سوف تستاء الجماهير -المسحورة بشخصية زعيمها والتي تؤمن بنظرية المؤامرة- من أفراد المعارضة أولئك، وسوف تحتقرهم بل وحتى ستقتلهم إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لأن المعارضة من وجهة نظرهم تتشكل من حفنة من الخونة والعملاء الذين يتآمرون على الأمة”.

من السهل تطبيق ذلك على الوضع في الولايات المتحدة: فقد حرض ترامب أتباعه على الديموقراطيين مراراً وتكراراً، ولجأ إلى الأيديولوجيا لجعل من يؤيدونه يصدقون حقاً أن من لا يتفق معهم في الرأي يريد أن يلحق ضرراً جسيماً بالوطن.

ثانياً، تكمن قوة نظرية المؤامرة في أنها تعفي الديكتاتور من أيّة مسؤولية عن جرائمه. فعندما يرتكب الديكتاتور أيّ خطأ، سوف يحيل السبب في هذا الفشل إلى تلك المؤامرة الكبرى، بغض النظر عن طبيعتها، وسوف “تتشبث الجماهير أكثر به، لأنه وحده القادر على مواجهة أولئك المتآمرين”.

أفضل مثال على قيام ترامب بذلك هو طريقة تعامله مع أزمة “كورونا”، فقد خُلد فشله الذريع في محاربة الوباء: بدايةً من ثقته المفرطة التي لم تكن في محلها، إلى قمعه آراء خبراء الصحة وهوسه بالاقتصاد على حساب صحة مواطنيه. لكنه على رغم ذلك، أعفى نفسه كلياً من أيّ مسؤولية عندما صار من الجلي للغاية أن الولايات المتحدة تمر بأزمة صحية كبيرة. بل في المقابل اتهم الحكومة الصينية ومنظمة الصحة العالمية وكذلك الديموقراطيين “بالمبالغة في خطورة الفايروس”. وكانت فكرة تحويل الحوار إلى حظر السفر مع الصين فعالة بوجه خاص، فقد أبعدت الأنظار عن طريقة إدارته بالغة السوء للوضع وجعلتها تتمحور بدلاً من ذلك حول قراره “الشجاع” الذي سيجعل أميركا آمنة من “خطر” الأجانب. ووصف أيّ شيء ينطوي على توجيه أيّ نقد له بالمؤامرة التي يحيكها من يعتزمون إلحاق الضرر بالأمة، وكانت تلك هي طريقة تعامله مع الوضع خلال التصريحات التي أدلى بها بعد ذلك.

ثالثاً، قد تكون نظرية المؤامرة بالغة الخطورة إذا ما قُدمت ضمن هذا السياق، وهي أن تصبح ذريعة لتأجيل إرساء قواعد الديموقراطية في سبيل “الحماية” من حدوث ضرر محدق. أوضح الأسواني ذلك قائلاً، “عادةً ما يتحدث الديكتاتور بإسهاب حول الظروف التي تمر بها بلاده وكأن الظروف هي التي تعوق تحقيق الديموقراطية في الوقت الراهن”.

في الفترة التي أفضت إلى وقوع أحداث اقتحام مقر الكونغرس الأميركي، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن مكالمة هاتفية استمرت ساعة، تحدث خلالها ترامب مع سكرتير ولاية جورجيا، وطلب منه مرات عدة إعادة إحصاء الأصوات، وأصرّ على وجود 11780 صوتاً مفقوداً. وعلى رغم أنه غني عن البيان أن جو بايدن انتخب من دون تحيّز ومن خلال المسار الديموقراطي، رئيساً للولايات المتحدة، فقد أصبحت نظرية المؤامرة التي يتبناها ترامب حول “الأصوات المفقودة” بالغة الأهمية ومثيرة للفوضى إلى الحد الذي جعل أتباعه يتنصلون من “الديموقراطية”، و”يثورون” تكريماً له.

فقد بدا ذلك جلياً في ما قاله ترامب لِسكرتير الولاية، مشدداً باستمرار على حدوث مؤامرة، “من المستحيل أن أكون قد خسرت الأصوات في جورجيا، لا يمكن أن يحدث ذلك بأي حال. فقد فزنا بفارق مئات الآلاف من الأصوات”.

فضلاً عما قاله ترامب في إحدى تغريداته يوم اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس الأميركي، “الولايات تريد إعادة التصويت، لقد اكتشفوا أنهم صوتوا بناءً على احتيال وتزوير، والمجالس التشريعية لم توافق أبداً. دعوهم يصوتون مجدداً. كونوا أقوياء!”.

الاضطراب الفكري

يقول الأسواني في كتابه، “عندما يصل الديكتاتور إلى السلطة، يعزل المفكرين والمثقفين من واجبهم الطبيعي في تنوير العقول وتوفير الزخم اللازم للنشاط الفكري”. مضيفاً أنه “في المجتمع الاستبدادي، لا مجال لأي فكر جاد مستقل، وذلك لأن النشاط الفكري لا يؤتي ثماره إلا في المجتمع الحر”.

الواقع أن وصف ترامب الدائم لرأي كل من يعارضه، بعبارة “أخبار كاذبة”، سيبقى إلى الأبد في ذاكرة المنتمين إلى المجتمعات المعرفية، الذين شعروا للمرة الأولى في الولايات المتحدة بالإحباط والهزيمة والتجاهل التام خلال فترة توليه منصبه. فقد شن حرباً ضد الصحافيين، وشبه كل من يعارضه بأنه عدو؛ فقد أصبح المفكرون خونة يتعين كرههم لا تصديقهم. وقد فعل الشيء نفسه مع خبراء الصحة أثناء أزمة جائحة “كورونا”، وتلاعب بالحقائق العلمية وتجنب الاستماع إلى أي شخص يتمتع بأي خبرة في هذا المجال.

“عندما يصل الديكتاتور إلى السلطة، يعزل المفكرين والمثقفين من واجبهم الطبيعي في تنوير العقول وتوفير الزخم اللازم للنشاط الفكري”.

وراهناً كانت لجنة فرعية معنية بفايروس “كورونا” تابعة لمجلس النواب الأميركي أصدرت تقريراً يوثق تعرض العلماء للتجاهل أو تعديل مقترحاتهم لما يصل إلى 47 مرة. فضلاً عن أن ترامب هدد بأنه إذا أُعيد انتخابه فإنه سيُقيل الدكتور أنتوني فاوتشي، الذي يرأس المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية منذ عام 1984، وكثيراً ما كان يُعتبر صوت العقل والمنطق الوحيد خلال الجائحة في الولايات المتحدة (بعد الكثير من المناسبات التي شكك فيها ترامب في آراء فاوتشي على نحو خطير في ذروة الأزمة).

الواقع أن المفكرين لا مكان لهم في الأنظمة الاستبدادية، نظراً إلى أنهم قد ينفرون الجماهير بعيداً من دكتاتورِهم المخادع، ويوجهونهم نحو العقل، وهو ما يعتبر العدو المطلق في ظل أي نظام ديكتاتوري مُسيطر. إذ يعتمد الديكتاتور “الناجح” في حكمه على المشاعر لا المنطق.

يقول الأسواني، “إن الديكتاتور لا يخاطب أبداً العقل، بل يحاول التأثير في عواطف الجماهير الذين يذعنون تماماً لمشاعرهم، ولا يُعملون تفكيرهم، بل يتعاطفون مع الديكتاتور… وهذا يُعد شكلاً من أشكال التنويم المغناطيسي الجماعي”.

الديكتاتورية والإرهاب

كان لخطاب ترامب الذي اتسم دائماً بالكراهية والعداء وتوجيه الاتهامات عواقب وخيمة؛ تماماً مثلما كان للأنظمة الاستبدادية العربية أو القوى المحتلة، عواقب وخيمة فيما يتعلق ببزوغ عصر جديد من الإرهاب. إذ إن الاستمرار في التلاعب بالجماهير للاعتقاد بأن كل من هم خارج دائرة مؤيدي الزعيم يريدون إلحاق الأذى بهم، وأنهم لا حول لهم ولا قوة من دونه، من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى شعور مُهلك بأنهم ضحايا، واتخاذ موقف دفاعي فتاك. إن تصوير ترامب الدؤوب للمعارضة بوصفها متطرفة وخطيرة “ويسعون للنيل منا”، هي أداة تستخدمها نفس المجموعات التي يزعم ترامب أنها إرهابية في هذه المنطقة.

يقول علاء الأسواني في كتابه، “إن الشعور بالدونية، والظلم الاجتماعي، والإحساس باليأس وفقدان الأمل في التقدم المهني، جميعها عوامل مُهيِئة للإرهاب…”، مضيفاً “أن الرغبة في الانتقام من هذا الإذلال الذي تتعرض له يُشكل عاملاً مهيئاً للإرهاب”.

كان من السهل للغاية أن تمر جميع سنوات الضرر الذي ألحقه بسلام، لكن إذا كان جيشه من الإرهابيين قد نشأ على مدى فترة ولايته فقط، ومن خلال محاكاة مجموعة أدوات الديكتاتور العربي، فلك أن تتخيل ما جناه الرجال الذين يسيطرون على الحكم في الشرق الأوسط على مدى العقود الماضية. لقد تعلمنا من قصة ترامب مدى فعالية هذه الأساليب، ولكن السّؤال الذي لا زال مطروحاً الآن هو: كيف لنا أن نبدأ قلب الموازين؟

——————————-

عن هشاشة الديمقراطية/ محمد أبو الغيط

في الخطاب المقتضب الذي ألقاه الرئيس الأميركي المنتخب، بايدن، بالتزامن مع أحداث اقتحام الكونغرس، قال إن ما حدث “تذكير مؤلم بأن الديمقراطية هشّة”. وهو طرح ليس جديدا، لكنه يحمل دلالة مهمة، حين يأتي من صاحب لقب “قائد العالم الحر”. .. ولكن بايدن ذكر أن الحفاظ على الديمقراطية يتطلب “قادةً يعملون للصالح العام، وليس للسلطة والمصالح الشخصية”، أي أنه اكتفى بتحميل المسؤولية للعوامل الشخصية للنخب، وعلى الرغم من أنه عنصر بالغ الأهمية، لكنه لا يكفي وحده.

من المفيد هنا التذكير بتجارب تاريخية معروفة، فقد كانت ألمانيا وإيطاليا مطلع القرن الماضي دولاً ديمقراطية، ترتفع بها نسب التعليم، إلا أن هذا لم يحمها من التحوّل إلى النازية والفاشية، وذلك باستخدام الآليات الديمقراطية نفسها في حالتها “الصندوقراطية”!

بعد مشاركة هتلر في محاولة انقلابية عسكرية فاشلة على “جمهورية فايمار”، تم سجنه وحظر حزبه، لكنه لاحقاً تمكّن من رفع حظر الحزب، بعدما أظهر للمسؤولين أنه اقتنع بالعمل عبر القنوات الشرعية. وعام 1924، حصل الحزب على 3% فقط من الأصوات، لكن الصورة تغيّرت بدرامية، مع تأزم الأوضاع الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى. وتصاعد الشعور الشعبي بالإذلال بسبب قيود الاستسلام، وتصاعد الانقسام في المجتمع الألماني بين شيوعيين وقوميين، وعموم الفوضى والإضرابات، وتزايد مخاوف البرجوازية، وعدم فاعلية البرلمان المفتّت بين الأحزاب. هكذا قفزت أصوات الحزب النازي إلى 37.4% في 1932، ليقود هتلر حكومة ائتلافية.

سرعان ما دبّر النازيون حادث إحراق مبنى البرلمان، وتم تحميل اللوم للشيوعيين، لتنطلق موجة عنفٍ على يد آلاف من المليشيا الشبابية للحزب. بعد تسلسل أحداثٍ أمكن لهتلر الحصول على تصويتٍ من أغلبية ثلثي البرلمان على ما يسمّى “قانون التمكين”، وينص على تفويض مجلس الوزراء بسلطات تشريعية أربع سنوات. تم ذلك تحت ضغط الرعب المعنوي والمادي على النواب، وكذلك تقديمه إغراءات، مثل التعهد لحزبٍ بحقوق أوسع للكنائس. لم يستغرق الأمر أشهراً حتى صدر قانون بحظر الأحزاب، ثم سلسلة قوانين جمعت كل السلطات بيد هتلر، وتم تأييد ذلك باستفتاء شعبي عام 1934.

في إيطاليا، حصل الحزب الفاشي في انتخابات 1919 على أقل من 2% من الأصوات. ولكن لظروف اقتصادية وسياسية شبيهة بالأزمة الألمانية، حدث صعود انتخابي سريع لمن يقدّم نفسه الرجل القوي الذي سيعيد إيطاليا “عظيمة مرة أخرى”، وإنْ لم يصل إلى الأغلبية.

عام 1922، أطلق موسوليني مسيرة “الزحف إلى روما”، أتى عشرات آلاف من أنصاره ذوي “القمصان السوداء” إلى العاصمة، يحملون تراثا من أعمال العنف والاغتيال والتفجير. رأت النخب والمؤسسات أنها أضعف من مقاومته، فضلا عن تقاطعات مصالح أو عداوات مشتركة، فتم تكليفه برئاسة الوزراء. وفي 1924، تمكّن موسوليني من تمرير قانون انتخابي جديد، يمنح ثلثي المقاعد للقائمة التي تحصل على النسبة الأكبر على ألا تقلّ عن ربع الأصوات، وهكذا نال حزبه السيطرة التامة على التشريع، وسرعان ما أصدر البرلمان قوانين بحل الأحزاب غير الفاشية، والنقابات، واستعادة عقوبة الإعدام، وغيرها.

استفادت الدول الغربية من تجاربها المؤلمة على الصعيد الإجرائي، حيث تم تسليح الديمقراطية بآلياتٍ أكثر حزماً، ومؤسساتٍ أكثر استقلالا واستقرارا، وهكذا أمكن سحق محاولات الرئيس ترامب العبثية، على الرغم من استلهامه مشاهد حشد الأنصار لحصار البرلمانيين وإرهابهم.

يحظر الدستور الأميركي أي تعديلات لا تهدف إلى مزيد من الحريات والحقوق. هذه أمور تم منع إخضاعها للتصويت أو الأغلبية. وفي المقابل، ما زالت جذور الأزمة الحالية بعيدة عن الحل، وجوهرها أسباب اقتصادية واجتماعية، أبرزها تصاعد أزمة اللامساواة العالمية، وغضب فئات عمالية ووسطى فقدت مكتسباتها.

ويظل الأمل بإصلاحات كبيرة قائما، ما دامت الديمقراطية توفر أدواتها، وعبرها يصعد جناح تقدّمي متسارع في الحزب الديمقراطي. ولكن هذا التنافس السلمي الحاد لن يتحقق إلا في ديمقراطية مستقرّة، تنشأ بعد التوافق على الدولة، وبالتوازي تنشأ المؤسسات الراسخة.

على الرغم من أن كل هذا النقاش يبدو بعيدا عن “خصوصيتنا” العربية، إلا أن من المفيد نشر الوعي به، أملاً في أن نذكره في مراحل انتقال ديمقراطي منشود.

العربي الجديد

——————————

وسائل التواصل تهزم ترامب/ بيار عقيقي

تغيّر العالم فعلاً في السنوات العشرين الأخيرة. حقاً لم يعد كما كان في مطلع عام 2000 مثلاً. وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد “جزءاً أساسياً” من الإعلام العالمي، بل أضحت الركيزة الأساسية فيه. وإذا كان التمثيل والتزلّف والتصنّع من سِمات التلفزيون والسينما والراديو والإعلام المكتوب، فإن المواقف الفجّة والصادمة وجدت نفسها في وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك، يبقى صداها أقوى من تحقيق تلفزيوني. أن ترى موظفاً يسرق مال الدولة على فيديو متداول في وسائل التواصل الاجتماعي مدة 30 ثانية أقوى وأكثر تأثيراً من تحقيق مدة عشر ساعات عبر برنامج تلفزيوني. بالتالي، لم يكن الرئيس الأميركي الخاسر، دونالد ترامب، بعيداً عن هذه الأجواء. يُسجّل له أنه من روّاد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال رسائله. وفي سنواته الأربع في الرئاسة، كان يكفي له نشر تغريدة على “تويتر” حتى تهتزّ الأسواق المالية والأوضاع السياسية. كان يبدو الوضع متفلّتاً، وأوحى الأمر وكأنه يُمكنك التحكّم بالتلفزيون والراديو والصحف، من دون أن تجد القدرة على التحكّم بمواقع التواصل الاجتماعي.

كل شيء تغير في الأشهر القليلة الماضية، خصوصاً بعد الانتخابات الأميركية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. حارب موقع تويتر تغريدات ترامب الرافضة نتائج الانتخابات، لمنع تدهور مصداقيته. بدا “تويتر” في صراعٍ قاسٍ مع البيت الأبيض، مدركاً أن انتصاره عليه سيضعه على مشارف تغيير شامل في سياسة الموقع عالمياً. منح ترامب الفرصة لـ”تويتر” و”فيسبوك” و”إنستغرام” للحصول على ما يريدونه في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي، عندما واكب اقتحام أنصاره الكونغرس في العاصمة واشنطن، بتغريداتٍ وفيديوهاتٍ غير رافضة أقلّه للعنف المتمادي. شعرت منصّات التواصل الاجتماعي وكأن ضوءاً أخضر ومض في أثناء هروب أعضاء من الكونغرس من وجه المتظاهرين، فأعلنت عن توقيف حسابات ترامب، في أكبر عقاب جماعي لشخص، لا منظمة أو حزباً، من إدارات وسائل التواصل الاجتماعي.

لم يرفع ترامب العلم الأبيض، سوى بعد شعوره بالعزلة عن العالم. لا وسيلة إعلامية تستنطقه، ولا “فوكس نيوز”، ولا حسابه على “تويتر” مُتاح أمامه، فأعلن إدانته للعنف في العاصمة، مقتنعاً بتسليمه السلطة في 20 يناير الحالي لخلفه المنتخب جو بايدن بسلاسة. لم يكن ترامب ليتخذ هذه المواقف الانهزامية، وفقاً لشخصيته، إلا بسبب الحصار الإلكتروني الذي أُطبق عليه. شخص مثله وبعقليته، لا يقبل عادة التراجع عن مواقفه، سقط أمام منصّات التواصل الاجتماعي، في تأكيد على أمرين: وصول العالم إلى المستقبل الآن، وتأكيد إدارات تلك المنصات قدرتها على التحكّم بمليارات الحسابات بسهولة، سواء بحجبها أو إقفالها.

العالم تغيّر. وسائل التواصل الاجتماعي باتت أكبر مما كان متوقعاً، والفوضى التي تحكّمت فيها في العقد الماضي، ستختفي تباعاً في السنوات المقبلة. فمن يمنع رئيس أكبر قوةٍ عظمى في العالم من استخدام حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي سيمنع، لاحقاً، وفق قوانين وسياسات متحركة، كل شخص في الكوكب من الإدلاء بموقف مخالف لتلك القوانين. التشدّد إزاء سيد البيت الأبيض سيتيح تشدّداً أوسع تجاه كل إنسان على هذه الأرض. في البداية، سيكون الأمر جميلاً، أي ستخفت الخطابات العنصرية والمتشدّدة والمحرّضة على العنف بشدّة، ثم يتحوّل الأمر إلى محاولة للجيل التالي من الأنظمة في كل دولة للسيطرة على تلك المنصّات بالكامل. وفي غضون عقد أو أقلّ، تُصبح مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بتلفزيوناتٍ رسميةٍ في جمهوريات بائدة.

هنا يمكن طرح سؤالين: ما مصير المستوى الجديد من وسائل التواصل المستقبلية.. هل ستنخرط في النظام الجديد الذي يتشكّل حالياً أم ستتمرّد عليه؟ السؤال الثاني والأهم: ما هي حدود إدارات تلك المنصّات، أين تبدأ وأين تنتهي ومن يتحكّم بها؟ يُمكن لكثر الغوص في عالم المؤامرات، لكن الواضح أن إدارات تلك المنصّات لن تكتفي بالسيطرة على العالم الإلكتروني، بل ستصنع السياسة في العالم.

العربي الجديد

—————————–

حزب البعث الجمهوري/ مهند الحاج علي

كان مشهد اقتحام مبنى الكابيتول، وما رافقته من شعارات عنفية ويمينية متطرفة، مؤلماً لكل مؤمن بالتعددية وحرية التعبير في العالم. وهذا الموقف كان جليّاً في المواقف الأوروبية، وفي النقد المتواصل لمن أيّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة المتحدة، وتحديداً في أوساط حزب المحافظين وأنصار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. كتب أحد المسؤولين الشباب في الحزب البريطاني الحاكم أن العار لن يُفارق مؤيدي ترامب والهاتفين له بعد هذا اليوم.

هذه الصورة أكثر قتامة في الولايات المتحدة. ذلك أن الرئيس الأميركي الحالي حفر وصمة عار على “الحزب الجمهوري” من الصعب محوها، إذ حرّض أنصاره على غزو مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس وأحد أبرز رموز الديموقراطية الأميركية. سيُسجّل التاريخ أن رئيساً جمهورياً وراء الاعتداء الثاني في تاريخ هذا المبنى، بعدما حرقه البريطانيون إثر غزوهم واشنطن مطلع القرن التاسع عشر.

كان واضحاً اعلان الرئيس الأميركي قبل يومين أمام أنصاره أن هناك نوعين من الجمهوريين، أقوياء يقفون الى جانبه في رفض الانتخابات ونتيجتها، وضعفاء يحتاجون الى التأديب. تجلّت مهمة الحشد الغاضب، في تأديب ضعفاء الجمهوريين ممن تقاعسوا عن دعم الرئيس ومزاعمه بخصوص بطلان الانتخابات الرئاسية وفوزه فيها “بغالبية ساحقة”.

كلمتا “لم يسبق” عرّفتا كل التغطية الإعلامية، التلفزيونية منها والمكتوبة، في وصف الاعتداء على الكونغرس. هذا رئيس لم يقبل بخسارته في الانتخابات، بل سعى الى قلب الطاولة من خلال رفض عملية الاقتراع. بيتر وينر كتب في مجلة “ذي أتلانتك” أن المسؤولية تقع في المقام الأول على ترامب نفسه، لكنها لا تقف هنا فحسب. بل إن الجريمة “من مسؤولية عدد مهول من مساعدين وأنصاره، في الاعلام اليميني والداعمين الانجيلين للرئيس، ومنهم ما يُسمى بالمثقفين وبالمؤرخين. وتقع المسؤولية أيضاً على جمهوريين في الكونغرس وخارجه وكل من وقف مع ترامب في كل لحظات رئاسته الفاسدة والمُفسدة”. وهي أيضاً “مسؤولية حلفاء ترامب الذي هاجموا كل من حذر من ضرره وخبثه ومن تدميره المؤسسات بما يُمثل خطراً على الأمة، ومن تحريضه المتواصل وعنصريته الخفية ومن تلذذه في تقسيم الاميركيين والتركيز على مظالمهم ضد بعضهم البعض”. كان الرئيس الأميركي، وفقاً لهذه السردية، يحمل سمات خطيرة أخذت البلاد الى أماكن مظلمة جداً. وبقي حزبه يُصفق له ويُؤيده دون اعتبار لنزعاته غير الديموقراطية ورفضه خسارة الانتخابات دون أدلة. صفّق أغلب الجمهوريين له وهو يأخذ البلد الى الهاوية، وكأنهم فرق أو شعب في حزب “البعث العربي الاشتراكي” بنسختيه السورية والعراقية.

في نهاية المطاف، ما حصل هذا الأسبوع من اعتداء على الكونغرس هو أكبر في تاريخ الحزب الجمهوري، من فضيحة “ووترغايت” التي أودت بالرئيس السابق نيكسون، وربما أعمق أثراً من الكساد الاقتصادي العظيم في ثلاثينات القرن الماضي.

الرئيس الأميركي جاء على ظهر موجة من المصفقين في الكونغرس والحزب الجمهوري ممن بقوا على تأييدهم لترامب حتى اللحظة الأخيرة وبعدها أيضاً. ليس سهلاً على هؤلاء تبرير مشاهد عصابات اليمين المتطرف وشعارات النازية في مقر الديموقراطية الأميركية، ولن يفوت على الكثيرين مفارقة أن أكثر الرؤساء تأييداً إسرائيل أدخل النازيين الجدد الى مبنى الكابيتول.

الأرجح أن أحداث هذا الأسبوع ستكون أعمق أثراً في صوغ السياسات الأميركية، باتجاه مواجهة أكثر شراسة مع الشعبوية ورموزها.

المدن

——————————

الإعلام الأميركي: الديموقراطية قبل الموضوعية!/ شهلا نصرالدين

يعتمد الإعلام الأميركي مبدأ: الهجوم على صحافي واحد هو هجوم على الصحافيين جميعاً وبالتالي التهديدات التي تعرّض لها أهل الإعلام والصحافة في تغطية التمرّد أخذت حيّزاً كبيراً من التغطيات والنقاشات داخل الاستديوات الإعلاميّة.

“الصحافة هي نشر ما لا يريد شخص آخر نشره، وكل ما عدا ذلك هو علاقات عامة ” جورج أورويل

مرّة جديدة يخوض الإعلام الأميركي معركة حريات في مواجهة التحدّيات الداخليّة التي تعصف بالولايات المتّحدة الأميركيّة في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للبلاد عام 2016.

فبينما انشغل الإعلام في نقل جلسة الكونغرس لتنصيب الرئيس جو بايدن رسميّاً، اقتحم عدد من المتمرّدين مبنى الكابيتول في الكونغرس الأميركي لتشهد الولايات المتّحدة إحدى أغرب وأكبر عمليّات التمرّد في العهد الحديث صارخين “اعدموا الإعلام” Murder the Media، وهذا بعدما وصف ترامب الإعلام بـ”عدو الشعب” قبلها بساعات قليلة، فكيف غطّى الإعلام الأميركي الحدث؟

الأداء الإعلامي

بدايةً، اتفق الإعلام الأميركي على تسمية الحدث “تمرداً” وليس “تظاهرات” باعتباره محاولة انقلاب على سلطة منتخبة ديموقراطيّاً في ظلّ انتهاك حرم الكونغرس والتعدّي على الأملاك العامّة والفيدراليّة. أمّا بايدن وغيره من المحامين والخبراء، فوصفوا المعتدين بـ”إرهابيين محليّين”domestic terrorists.

ومن ثمّ بدأت الوسائل الإعلاميّة بتفكيك الحدث وأسبابه وطرح أسئلة عن كيفيّة تنظيمه، وضعف الإجراءات الأمنيّة والجهاز الأمني في محيط الكونغرس، الأمر الذي دفع إلى استقالات عدّة، آخرها لرئيس شرطة الكابيتول ستيفن سوند، الرقيب في مجلس الشيوخ مايكل ستينغر، الرقيب في مجلس النواب بول إيرفينغ.

وتطرّق الإعلام إلى كيفيّة محاسبة المعتدين ومراجعة النصوص القانونيّة عبر استقبال نخبة من المحامين في سبيل الضغط لتحقيق العدالة والمحاسبة، إضافة إلى إلى الحديث عن عزل الرئيس ترامب باستخدام التعديل 25 من الدستور الأميركي.

ولم يغفل الإعلام الأميركي التذكير مرّات عدّة بالضحايا الذين سقطوا نتيجة هذا الاعتداء السافر على مقرّ الكونغرس فضلاً عن ضبّاط الشرطة والإعلاميّين الذين تمّ الاعتداء عليهم في حرم المبنى، مع التزامه في المقابل بعدم عرض صور ومشاهد دم وعنف مفرط.

إضافة إلى ذلك، يعتمد الإعلام الأميركي مبدأ: الهجوم على صحافي واحد هو هجوم على الصحافيين جميعاً وبالتالي التهديدات التي تعرّض لها أهل الإعلام والصحافة في تغطية التمرّد أخذت حيّزاً كبيراً من التغطيات والنقاشات داخل الاستديوات الإعلاميّة.

وعلى رغم التعتيم الإعلامي على ترامب وأي خطاب تحريضي ولكن لم يهاجم الإعلام الحزب الجمهوري برمّته بل استضاف الكثير من وجوهه الكبيرة التي استنكرت الحدث استنكاراً شديداً، مشدّدة على أهميّة الديموقراطيّة وسلطة القانون. فالوحدة الوطنيّة والسلم والمصلحة العامّة والديموقراطيّة هي الركائز الأساسيّة التي يلتزم بها الإعلام وتفوق بأهميتها السباق والمنافسة الإعلاميّة ونسب المشاهدة.

أمّا وسائل التواصل الاجتماعي فكان ردّها قاسياً وغير مسبوق فإدارة “تويتر” أغلقت حساب ترامب لمدّة 12 ساعة مع إلغاء بعض تغريداته، فيما أعلن مارك زوكربيرج بنفسه عن إغلاق حسابات ترامب على “فايسبوك” و”إنستغرام”.

الوصفة السحريّة والقوانين المرعيّة

إذاً وصفة الإعلام الأميركي السحريّة هي بالبساطة التالية:

الدقّة في نقل الحدث، إعطاء المعلومات الوافية وزيادة الوعي المجتمعي، انتقاء الكلمات المناسبة، تجنّب التحريض والابتعاد منه، تفكيك الحدث بوضوح وتحميل المسؤوليّة للجهات المعنيّة، التطرّق للبعد القانوني، البحث عن القطب والخلفيّات المخفيّة، التعاطف مع الضحايا والمطالبة بالمحاسبة وتحقيق العدالة وفقاً لما يقتضيه القانون.

والأهم من هذا كلّه: الدفاع بكل شراسة عن النظام الديموقراطي المؤسساتي القائم ومواجهة كل ما يتنافى مع مفاهيم الديمقراطيّة والحريّات وقيمها. فالإعلام الأميركي في معركة دائمة للدفاع عن الديمقراطيّة والحريّات.

لكن فوق كلّ هذا يأتي القانون الأميركي الذي يحمي ويكرّس حريّة التعبير والصحافة في التعديل الأوّل للدستور الأميركي الذي ينصّ على الآتي:

“لا يجوز للكونغرس أن يضع أي قانون لا يحترم إنشاء ديانة أو يحظر ممارستها بحريّة؛ أو يقيّد حرية التعبير أو حرية الصحافة؛ أو حقّ الشعب في التجمّع سلمياً، وتقديم عريضة إلى الحكومة من أجل إنصاف ورفع المظلوميّات”.

ولكن على رغم سياسة الحريّات الواسعة فهي تبقى غير مطلقة من ناحية معاقبة التشهير والذمّ (فقط في الحالات التي يتم فيها تقديم معلومات كاذبة/ ملفّقة كحقيقة) أو نشر وثائق مصنّفة سريّة تعنى بالأمن القومي ولكن في مقابل هذا التصنيف ينصّ قانون حرية المعلومات FOIA، الذي صدر عام 1966 على أن يقدّم الفرع التنفيذي للحكومة الأمريكية المعلومات التي يطلبها المواطنون بهدف الحدّ من سريّة الوثائق.

والقطاع الإعلامي الأميركي منظّم ولا تشوبه الفوضى من ناحية إعطاء تراخيص على أساس مواجهة احتكار الإعلام من قبل أقليّة واتباع المحطات القواعد المتعلقة بالإعلان السياسي، وتوفير منتدى عام للنقاش، وخدمة المجتمعات المحلية والأقليات والتي تراقبه لجنة الاتصالات الفيدرالية Federal Communications Commission (FCC) وفق ما نصّ عليه قانون الاتصالات عام 1934.

نموذج مميّز

يُعدّ الإعلام الأميركي نموذجاً مميّزاً، نظراً إلى معايير الدقّة التي يعتمدها في تغطية الأخبار. فمثلاً خلال عمليّة فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، انقسم الإعلام العالمي إلى مجموعتين، مجموعة تقودها بشكل أو بآخر “أسوشييتد برس” التي قرّرت حسم بعض المعارك قبل فرز الأصوات كلها، ومجموعة أخرى تقودها المؤسسات الإعلاميّة الأميركيّة الضخمة على رأسها CNN وNew York Times وWashington Post التي فضّلت التمهّل في حسم أي معركة حتّى فرز جميع الأصوات، إيماناً منها بأهمية كلّ صوت، عوضاً عن التسرّع والاستعجال خصوصاً مع الاهتمام العالمي الضخم بنتائج الانتخابات الأميركيّة.

فهذا نقاش طويل وأزليّ في الإعلام بين السرعة والدقّة في نقل الخبر، والذي حسمه الإعلام الأميركي منذ زمن: الدقّة والصدقيّة أولويّة وهذا ما أكسب الإعلام الأميركي صدقيته العالية وبات مرجعاً ومصدراً للمعلومات.

أمّا في تغطية “كوفيد-19″، فلم يتردّد الإعلام الأميركي يوماً في “تكذيب” رئيسه ومواجهته في ما يتعلّق بالمعلومات المغلوطة والخاطئة عن الوباء ومحاولة تصويب الرأي العام. هذا فضلاً عن تغطيّة التظاهرات الشعبيّة في إطار حملةBlack Lives Matter والتشديد على أهميّة العدالة والعدل بين المواطنين على اختلافهم.

الدقّة والصدقيّة أولويّة وهذا ما أكسب الإعلام الأميركي صدقيته العالية وبات مرجعاً ومصدراً للمعلومات.

كما أضاف الأميركيّون للإعلام ظاهرة الإعلام الساخرsatire الذي مُنح حريّة قصوى في التهكّم على الشخصيات العامّة دونما استثناء وكسر التابوات السياسيّة والاجتماعيّة.

ومن من خرّيجي الإعلام لم يدرس في الجامعة فضيحة ووترغيت التي كشف من خلالها الصحفيان كارل برنستاين وبوب وودوارد عن أعمال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون غير الشرعيّة، الأمر الذي دفعه لاحقاً إلى تقديم استقالته.

ازدواجيّة المعايير

ولكن في مقابل المهنيّة العالية والدقّة في نقل الأخبار والأحداث المحليّة والدفاع عن المظلومين والمطالبة بالمحاسبة، تظهر ازدواجيّة في المعايير لدى تغطية الإعلام الأميركي أحداثاً خارج حدود الولايات المتّحدة الأميركيّة تحديداً في ما يتعلّق بسياسة الدولة الخارجيّة.

فعلى رغم تحسّن الأداء الإعلامي في هذا المجال، يبقى قاصراً عن التعامل مع القضايا الخارجيّة بالدقّة والموضوعيّة والحياد والانسانيّة المطلوبة.

في مقال لـ”واشنطن بوست” بعنوان: “كيف كانت ستغطّي وسائل الإعلام الغربية اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي لو حدث في بلد آخر؟”، تستعرض الكاتبة بطريقة ساخرة الخطاب الغربي في تغطية أحداث العنف خارج الولايات المتّحدة الأميركيّة، باستخدام تعابير كالتطرّف والإرهاب واستخدام خطاب استعماري تقسيميّ عرقي وعنصري فيه الكثير من التعميم والتسخيف. فالإعلام الأميركي على الصعيد الدولي لا يزال بعيداً من تحقيق المهنيّة المرجوّة، ولكنّه بلا شكّ في تطوّر مستمرّ.

درج

—————————–

الديمقراطية الأميركية: هزة فوق تلة الكابيتول/ د. خطار أبودياب

لم تشهد المؤسسات الأميركية، طوال تاريخها الممتد قرابة قرنين ونصف القرن، مشهدا مماثلا لعملية اقتحام أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكونغرس. ومما لا شك فيه اهتزت صورة الولايات المتحدة وسمعتها. لكن بالرغم من الضربة التي أصابت الديمقراطية الأميركية في الصميم، دللت أحداث الأربعاء 6 يناير على مناعة النموذج الأميركي الذي كانت مصداقيته على المحك خلال سنوات الولاية الرئاسية الترامبية.

ستحدث الهزة التي حركتها جموع الغاضبين في “الكابيتول هيل” ارتدادات على مجمل المشهد السياسي الأميركي وكذلك على انقسامات المجتمع الأميركي وتحولات الحزب الجمهوري ومصير ترامب السياسي والشخصي.

لن تنسى العاصمة الفدرالية بسهولة “يوم العار” كما وصفه كثيرون أو “التجاوز الأخير” لترامب حسب وصف فرنسيس فوكوياما، وسيطبع ذلك بدايات ولاية جو بايدن ومهمته الصعبة في لملمة الجراح وتوحيد الأميركيين وإرجاع الولايات المتحدة إلى قيادة العالم.

وأثار الهجوم العنيف الذي تعرض له الكابيتول ردود أفعال عالمية من أبرزها قلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على “إحدى أقدم الديمقراطيات في العالم”، ووقوف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ضد نهج صديقه ترامب مطالبا باحترام الانتقال السلمي للسلطة.

لكن اللافت كان الكلام الصادر عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشيف الذي صرح قائلا “انتهى عيد الديمقراطية.. لا يحق للولايات المتحدة، بعد اليوم، أن تقوم بتلقين الدول الأخرى دروسا في الديمقراطية”.

وأبدت الصين شماتتها مقارِنة الوضع في واشنطن بالتظاهرات المطالبة بالديمقراطية. وبشكل أكثر جدية حذرت وزارة الخارجية الصينية من “تورط واشنطن في الشؤون الداخلية الصينية” ملمحة إلى إمكانيات الرد الصيني مما يعني أن الشكل الجديد للحرب الباردة بين الجانين ستكون له انعكاساته على داخل البلدين.

يتبين جليا أن الهجوم العنيف على الكونغرس الأميركي والذي قادته ميليشيات اليمين المتطرف والعنصريين البيض، فضلا عن جهود بعض أعضاء الكونغرس لإلغاء نتائج الانتخابات في نوفمبر، لم يكن ليحدث لولا عدم رغبة الرئيس ترامب في التنازل عن خسارته أمام الرئيس المنتخب بايدن، الأمر الذي يكسر تقليد الانتقال السلمي للسلطة الذي كان السمة المميزة للديمقراطية الأميركية لأكثر من قرنين من الزمان. ولهذا فإن المواقف الدستورية المسؤولة لنائب الرئيس مايك بنس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتشيل ماكونيل وغالبية الشيوخ الجمهوريين تدحض مزاعم وجود “مؤامرة” لإسقاط ترامب. والأكثر دلالة كان فوز المرشحين الديمقراطيين وارنوك وأوسوف في انتخابات مجلس الشيوخ الفرعية في ولاية جورجيا، في 5 يناير، أكد أن تصويت ولاية جورجيا لبايدن في نوفمبر كان صحيحا، وأن كل التشكيك بنتائج الولايات المتأرجحة دحضته المحاكم والوقائع. ولذا بعد فضيحة الاقتحام ومجرياته وبعد نتائج جورجيا والعزلة التي أخذ يتعرض لها، أدان ترامب الذين اقتحموا الكابيتول متوعدا إياهم بالعقاب متناسيا أنه هو الذي قام بتحريكهم ويحاول على الأرجح تفادي العزل والمحاسبة وحفظ ماء الوجه.

وبالفعل فوت ترامب الفرصة الأخيرة لإثبات أنه سياسي، أو حتى رجل دولة مستغلا الموقف بالاعتراف بخسارته في الانتخابات، رغم تحفظاته، أو حتى “التهنئة” دون كلمة “خسارة” لمنافسه الديمقراطي بايدن، بوصفه “الرئيس المنتخب”. لكنه لم يفعل، بل واصل نرجسيته وديماغوجيته. لكنه اضطر إلى الاعتراف بفشله والتسليم بأن إدارة جديدة ستتولى البيت الأبيض في 20 يناير، مغلفا هذا التراجع بقوله إن اعتراضاته القضائية للتشكيك في الانتخابات كانت دفاعا عن الديمقراطية ووصلت الغرابة معه للقول إن “رحلتنا التي لا تصدق قد بدأت للتو”، وهذا يعني أنه لا يريد ترك المسرح السياسي وهذا ما يفسر الانقسام في الحزب الجمهوري الذي سيشهد تجاذبا بين أنصار ترامب ومن يسعى لتجديده أو إعادته إلى خطه التاريخي.

يعتبر أكثر من مراقب للشأن الأميركي أن العديد من سبعين مليون أميركي أو أكثر صوتوا لترامب لم يفعلوا ذلك كثيرا لأنهم أعجبوا بترامب الشخص، ولكن لأنهم شعروا أنه يدعم سياسات أو مواقف ثقافية كانت أكثر انسجاما مع قيمهم من تلك الخاصة بالديمقراطيين. وبدا أن الجمهوريين العاديين كانوا على استعداد للتغاضي عنها لأنهم اعتقدوا أنه سينفذ أجندتهم. والآن بعد الذي حصل في الكابيتول سيكون الحزب الجمهوري مدعوا للمراجعة من أجل استعادة الثقة بالمؤسسات والالتزام بالدستور.

لكن هذا الجهد لا يكفي من دون إصلاحات تتيح منع الشرخ الأميركي وتحصين شرعية الديمقراطية الليبرالية عبر دراسة تغيير نظام الحزبين وإصلاح النظام الانتخابي وتقليص الفوارق الاجتماعية الصارخة. ولذا يتعين على بايدن إعادة بناء ديمقراطية أميركية هزتها أحداث الكابيتول والانحراف الشعبوي في السنوات الأخيرة، خاصة أنه يملك الأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ بعد انتخابات جورجيا، ولا تنقصه الخبرة ولا الحزم والحكمة كما بدا من خلال ردة فعله على فضيحة الكابيتول.

ومن هنا إذا لم يتمكن الرئيس بايدن وفريقه من الاستجابة لهذا التحدي، ستتأكد هشاشة الديمقراطية الأميركية ونموذجها، وتسقط طموحاتها في تعزيز الأفكار الديمقراطية الليبرالية حول العالم. ولم تعد تقدم نموذجا يقتدي به الآخرون، خاصة في حال استسلام مؤسساتها للخلل الوظيفي، ويكون “شحوب النور” فوق الكابيتول إنذارا لإطفاء المنارة الأميركية وبدء نهاية “الإمبراطورية الأميركية”.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العربي

————————–

خيار بايدن لملف الشرق الأوسط..معارض للانسحاب من سوريا

ذكرت وسائل إعلام أميركية أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن اختار المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” بريت ماكغورك، كمنسق للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي.

وماكغورك من المدافعين عن الوجود العسكري الأميركي في سوريا، حيث استقال من مهامه كمبعوث أميركي للتحالف الدولي أواخر عام 2018 بسبب قرار الرئيس دونالد ترمب سحب القوات الأميركية من شمال سوريا.

من جانب آخر تحدثت تقارير صحافية غربية أن تعيين ماكغورك سيزيد من تعقيد العلاقات الأميركية-التركية، إذ كان لماكغورك مواقف منتقدة للتدخل العسكري التركي ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية، كما انتقد أنقرة لعدم تأمين حدودها الجنوبية الشرقية مع تدفق الأجانب إلى سوريا للانضمام إلى “داعش” بالإضافة الى انتقاده لسياستها الإقليمية في المنطقة.

وماكغورك محام ودبلوماسي أميركي عيّنه الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015 ليكون المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش” خلفاً للجنرال جون ألين بعدما كان نائبا له منذ 2014.

قبل ذلك عمل ماكغورك نائباً لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون العراق وإيران، وقاد مفاوضات سرية مع إيران ما بين تشرين الأول/أكتوبر2014 وكانون الثاني/يناير2016 أدت إلى الإفراج عن 4 سجناء أميركيين من سجن إيفين في طهران، وكان من بين السجناء الذين أُطلق سراحهم مراسل صحيفة “واشنطن بوست” جيسون رضائیان.

ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” فإن تلك المهمة التي استمرت لمدة 14 شهراً بالإضافة إلى العديد من المهمات الأخرى التي قادها ماكغورك عززت من سمعته كشخص قادر على تنفيذ المهام الصعبة. كذلك عمل ماكغورك مساعداً خاصا للرئيس السابق جورج دبليو بوش ومديراً لشؤون العراق وأفغانستان.

———————————-

أعمال العنف في الكونغرس ستلقي بثقلها على أجندة بايدن الخارجية

واشنطن: وعد جو بايدن بأنه في ظل رئاسته ستستعيد أمريكا دورها القيادي في العالم لكن الفصل الأخير من رئاسة دونالد ترامب عبر تحريض مناصريه على التظاهر أمام الكونغرس وقيامهم لاحقا باقتحام المبنى ستلقي بثقلها على أجندته على الساحة الدولية.

يرى العديد من أعضاء الكونغرس والخبراء أن الرئيس المنتخب المعروف باهتمامه بالسياسة الخارجية، سيضطر للتركيز على الوضع الداخلي للولايات المتحدة حيث أقنع دونالد ترامب ملايين الأشخاص بأن الانتخابات مزورة.

تقول إليسا سلوتكين وهي محللة سابقة لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وتشغل حاليا مقعدا في مجلس النواب: “حقبة ما بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر انتهت”، مضيفة: “التهديد الأول للأمن القومي اليوم هو انقساماتنا الداخلية”.

وتابعت: “إذا لم نتمكن من إعادة وصل شقي أمريكا فإن التهديدات لن تأتي بالضرورة من الخارج”.

ووعد بايدن بتنظيم “قمة للديموقراطيات” في السنة الأولى من ولايته لكي يظهر أن التعددية عائدة وانتهاء الانعزالية التي سادت سنوات حكم ترامب.

لكن عقد هذه القمة في واشنطن قد يكون صداه مختلفا بعد الهجوم الذي شنه آلاف المتظاهرين المناصرين لترامب على مبنى الكابيتول، صرح الديموقراطية الأمريكية، لوقف تصويت يثبت فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.

وأعمال العنف التي أوقعت خمسة قتلى أثارت صدمة في الدول الديموقراطية فيما تحدثت الأنظمة السلطوية عن نفاق الولايات المتحدة.

وقالت سارة مارغون من مركز الأبحاث التقدمي “أوبن سوسايتي فاونديشنز”: “لقد فقدت الحكومة مصداقيتها هنا، لكن أيضا في الخارج حيث تلعب الولايات المتحدة دورا رائدا في تعزيز احترام القوانين والديموقراطية”.

وأضافت: “لذا فإن ما حدث يجعل السياسة الداخلية والدبلوماسية أقرب إلى بعضهما البعض”، مشيرة إلى أن القادة الأجانب سيراقبون عن كثب الإجراءات التي اتخذتها إدارة جو بايدن ضد مرتكبي أعمال العنف.

“الدفاع عن الديموقراطية”

رفض وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو “افتراءات” أولئك الذين شبهوا الولايات المتحدة بـ “جمهورية موز” مؤكدا أنه تم تفريق المهاجمين وأن عمل أعضاء الكونغرس استؤنف مجددا.

في بيان أعاد العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين نشره، اعتبرت السفيرة الأمريكية في أوغندا ناتالي براون أنه لا مفر من “تشكيك البعض في حق الولايات المتحدة في الحديث عن الديموقراطية في بقية أنحاء العالم”.

وكتبت: “لكن عندما نندد بانتهاكات حقوق الإنسان، فإننا لا نفعل ذلك لأن هذه الانتهاكات لا تحدث في الولايات المتحدة. عندما نتحدث عن حرية الصحافة، فإننا لا نفعل ذلك لأن الصحافيين الأمريكيين لا يتعرضون لمضايقة. حين ندافع عن استقلال القضاء، لا نقوم بذلك لان القضاة الأمريكيين يتجنبون أي تأثير”.

وأضافت: “على العكس من ذلك. نحن نقوم بذلك لأننا ندرك العمل الذي لا يزال يتعين القيام به في التجربة الديموقراطية الأمريكية ولأن تاريخنا يعلمنا أنه من أجل أن تستمر، يجب الدفاع عن الديموقراطية”.

الدول التي كثيرا ما تنتقدها الولايات المتحدة بسبب معاملتها لحقوق الإنسان لم تنتظر كثيرا للرد.

فقد دعا رئيس زيمبابوي إيمرسون منانغاغوا الخميس إلى رفع العقوبات التي مددها دونالد ترامب العام الماضي مشيرا الى أن “أحداث الأمس أظهرت أن الولايات المتحدة ليس لها أي حق أخلاقي في معاقبة أمة أخرى تحت ستار فرض احترام الديموقراطية”.

في فنزويلا حيث لا تعترف واشنطن بشرعية الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو، أدانت الحكومة الانقسامات السياسية في الولايات المتحدة، معربة عن أملها في أن يتمكن الأميركيون من “فتح طريق جديد نحو الاستقرار والعدالة”.

“مراجعة الذات”

حذرت مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية متخصصة في منع النزاعات قلما ركزت على السياسة الأمريكية من أن خطر العنف لا يزال مرتفعا.

ولفتت الى أن “الولايات المتحدة اليوم بلد حيث هناك ملايين الأشخاص مقتنعون بأن الرئيس الجديد لم ينتخب بشكل شرعي” مضيفة: “الكثير منهم مسلحون ويبدو أنهم عازمون على اللجوء إلى إجراءات متطرفة لتحقيق مطلبهم”.

وخلص مركز الأبحاث إلى القول إنه “حان الوقت للولايات المتحدة التي أمضت عقودا وهي تخبر الدول الأخرى بما يجب أن تفعله لحل مشاكلها، أن تقوم بمراجعة الذات”. (أ ف ب)

القدس العربي

——————————

قاصداً ملعب الغولف.. “يسوع أمريكا”: ماذا لو أمرتهم بضرب إيران بعد فشلي أمام “الشيطان” في “غزوة الكونغرس”؟

لم يكن للجموع التي انقضت على تلة الكابيتول خطة لترامب حين دعاهم إلى “استعادة أمريكا”، وفهموا قوله ببساطته. إلى أين يذهبون؟ إلى البيت الأبيض الذي لم يكن هناك سبب يدعوهم للذهاب إليه، إذ لا يزال رجلهم هناك. بقي الكونغرس.

بعضهم انتظر المعجزة: نار تهبط من السماء فتحرق المبنى الضخم، الذي يفرض وجوده على المدينة بأسرها، على البلاد بأسرها. سيُنقذ اليسوع، وسيبيد نانسي بلوسي، رئيسة مجلس النواب التي يسمونها في يافطاتها “الشيطان”. حان يوم الدين، وسيكونون هناك، ليروا المعجزة. اقتنع البعض بسرقة الانتخابات، ومن واجبهم استرداد ما سرق. أناس طيبون، سذج، مشوشون. اعتقدوا أن وجودهم في المكان سيؤثر على سلوك كبار رجالات الجمهوريين، من نائب الرئيس مايك بينيس ودونه. “إنهم ضعفاء”، قال ترامب في خطاب ألقاه على مسامعهم، واقفاً من خلف زجاج واق للرصاص. يجب الضغط عليهم.

سعى بعضهم لاستعراض احتقارهم تجاه أمريكا الأخرى، الليبرالية، متعددة الثقافات. رفعوا أعلام الكونفدرالية، وأعلام الجنوب القديم، الأبيض، العنصري. وانجرف بعضهم وراء القطيع، دون التفكير إلى أين ولماذا وأين الحدود. وبحث بعضهم عن الحركة، والاتصال الجسدي، والنوافذ المحطمة. الناس المذهولون وأفلام الفيديو مشاهد تثبت لكل العالم من الرجل، ومن الحاكم.

وقف مئات منهم أمام الكابيتول منذ الصباح. تعانقوا مع أفراد الشرطة: الترامبيون يحبون الشرطة، ولا سيما أولئك الذين أطلقوا النار على الشبان السود. بعد خطاب ترامب، انضم إليهم عشرات الآلاف، فتدافعوا وحطموا سلسلة الشرطة. اقتُحمت الأبواب، حُطمت النوافذ والعشرات، والمئات اقتحموا الدائرة الفاخرة، المبهرة، من تحت القبة الضخمة، التي تفصل بين مجلسي الشيوخ والنواب، إلى المكاتب والقاعات. لم يعرف المقتحمون ما يفعلونه بعد ذلك. أمرهم ترامب بأن يأخذوا أمريكا. ولم يرو لهم كيف.

أحرق البريطانيون مبنى الكابيتول في 1814. أربعة إرهابيين من بورتوريكو فتحوا النار من مدرج المتفرجين في 1954. اقتحم أحدهم في 1998 وقتل شرطيين. اقتحامات أول أمس كانت غير مسبوقة بمعنى واحد: المقتحمون بعث بهم رئيس الدولة، القائد الأعلى. ودور الرئيس جعل الحادثة حدثاً بحجوم صادمة. ليست مظاهرة فقدت السيطرة، بل “انتفاضة”، “تمرد”، “محاولة انقلاب”، “انقلاب عسكري”. وليس كارهو ترامب وحدهم يتحدثون هكذا، بل كبار رجالات حزبه. لقد كان انتخاب ترامب رئيساً خطـأ تاريخياً. أحد الكُتّاب الصحافيين الأمريكيين وصفه أمس كمحب للحرائق عُين قائداً لمحطة إضفاء الحرائق. في أربع سنوات ولايته تبين أنه نرجسي عديم الصلاح، كاذب منتظم، شعبوي سائب وديماغوجي. وعلى الرغم من ذلك، صوت له 75 مليون أمريكي. هذا يقول شيئاً ما مقلقاً عن أمريكا.

وجدت نواقص ترامب تعبيراً موجزاً لها في الشهرين السابقين منذ خسر في الانتخابات. فقد أقنع نفسه بأنه انتصر وبدأ بحملة مضادة لمؤسسات الحكم، ضد المحاكم، وضد الجمهوريين في الولايات المترددة، وضد وزراء حكومته. كلهم ارتبطوا بمؤامرة ظلامية. وكانت النتيجة الفورية للحملة هي الهزيمة التي تكبدها الجمهوريون في انتخابات جورجيا. هزيمة كلفتهم السيطرة على مجلس الشيوخ. والنتيجة التالية كانت المسرحية العنيفة في الكونغرس.

الدروس التي تتعلمها إسرائيل تكاد تكون مفهومة من تلقاء ذاتها: حاكم يتآمر على مؤسسات الحكم، والقوانين الأساس والجهاز القضائي، حاكم يجعل من أجندته الشخصية أيديولوجيا، حاكم يستعبد حزبه لنزواته… سينتهي مثل ترامب.

عندما شاهدت الصور من داخل المبنى فكرت بمحاولة مناحم بيغن السيطرة بالقوة على الكنيست في 1952. عوقب بيغن وتعلم الدرس. فكرت بخطاب نتنياهو من على الشرفة في ميدان صهيون. من يحرض الجمهور يعتلي ظهر نمر: لا يعرف إلى أين يأخذه النمر.

الحدث الذي جرى في الكابيتول أيقظ المطالبات بإنهاء ولاية ترامب بالإقصاء. نظرياً هذا ممكن، من خلال الكونغرس أو الكابينت. ولكن قياساً بما تبقى له (أسبوعان فقط) فهذا ليس عملياً ولا يستحق العناء. وترامب انتهى: البيت الأبيض ينهار من حوله؛ إذا ما دعا قائد القوات المشتركة وأمره مثلاً بأن يهاجم إيران، سيرد عليه الجنرال نعم، سيدي الرئيس ولن يفعل شيئاً. سيذهب ترامب إلى ملاعب الغولف الخالدة؛ أما الترامبية فستبقى.

بقلم: ناحوم برنياع

يديعوت 8/1/2021

القدس العربي

————————–

إذا لم يتنحَ ترامب بسرعة..سيتحرك الكونغرس

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة، إنه لن يحضر حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 كانون الثاني\يناير. وكتب ترامب في تغريدة: “إلى جميع من سألوا، لن أحضر حفل التنصيب”.

وستكون المرة الأولى منذ 150 عاما التي لا يشارك فيها رئيس أميركي في تنصيب خلفه. وذكرت وكالة رويترز أنه من المتوقع أن يغادر ترامب إلى منتجعه في فلوريدا قبل يوم من موعد التنصيب.

في المقابل، أعلنت زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي الجمعة، أنها تواصلت مع الجيش الأميركي للتأكد من أن ترامب لن يكون قادراً على استخدام الرموز النووية، متوعدة بأن الكونغرس سيتحرك إذا لم يتنح سريعاً.

وكتبت رئيسة مجلس النواب في رسالة إلى زملائها الأعضاء: “تحدثت هذا الصباح إلى رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي لمناقشة التدابير الوقائية المتوافرة بهدف تجنب أن يشنّ الرئيس دونالد ترمب هجمات عسكرية عدائية أو يستخدم رموز الإطلاق ويأمر بضربة نووية”، متعهدة بأن يتحرك الكونغرس في حال لم يتنحَّ ترامب “طوعاً وفي وقت وشيك”، من دون أن تحدد طبيعة هذا التحرك.

ووفق “سي إن إن”، أكدت بيلوسي لنواب ديمقراطيين وجود دعم ديمقراطي لمساءلة ترامب مجدداً أكبر من المساءلة الأولى، كما أبلغت نواباً ديمقراطيين بأنها تفضل تفعيل المادة 25 من الدستور أو استقالة ترامب على المساءلة.

لكن “سي إن إن” نقلت عن ثلاثة من مستشاري البيت الأبيض أن ترامب لا ينوي الاستقالة من منصبه قبل 20 كانون الثاني. وقال أحد المستشارين عن فرص الاستقالة: “لا شيء”. وعلق آخر بأن فرص حدوث ذلك “صفر”، مضيفاً أن ترامب “لا يعتقد أنه ارتكب أي خطأ”.

وفي خضم هذا الجدل الأميركي الداخلي قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول إن مطالب العزل والمحاكمة البرلمانية ستأخذ وقتاً. وأضاف “أتمنى أن يقوم ترامب بما فعله نيكسون ويستقيل”، في إشارة إلى الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، بعد تورطه بفضيحة “ووترغايت”.

وتابع أن على أحدهم أن يتوجه إلى ترامب ويخبره بأن الأمر قد انتهى وأن الطائرة تنتظره في الخارج، وفي هذه الحالة لن يستقيل فقط وإنما سيقوم بقطع الطريق على الذين قاموا بهذا الاقتحام لإلغاء الانتخابات.

من جانبه قال القائم بأعمال المدعي العام الفدرالي للعاصمة واشنطن مايكل شروين إن التحقيقات التي أُطلقت حول الهجوم على مبنى الكونغرس ستشمل الرئيس ترامب أيضاً. وأضاف أن الجهات المعنية ستفحص التصريحات التي أدلى بها ترامب والمتحدثون الآخرون الذين شاركوا في التجمع الذي سبق الاعتداء على الكونغرس.

كما أشار إلى أن التحقيقات لا تشمل الأشخاص الذين اقتحموا المبنى فحسب، بل أيضاً من ساعدوهم أو من لعبوا دوراً في ذلك.

———————

أول دعوة علنية من حزب الرئيس: الجمهورية ليزا موركوفسكي: أريد ترمب خارج السلطة

واشنطن: دعت السناتور الجمهورية المعتدلة ليزا موركوفسكي دونالد ترمب إلى الاستقالة بعد أعمال العنف التي شهدها مقرّ الكونغرس، لتكون أول ممثل عن حزبها يدعو علانية الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته إلى ذلك.

وقالت موركوفسكي المعروفة بمواقفها الوسطية التي دفعتها أحياناً إلى التصويت إلى جانب الديموقراطيين في الكونغرس، “أريده أن يستقيل، أريد أن أراه يغادر (السلطة)، لقد تسبب بما يكفي من الأضرار”.

والأربعاء، اقتحم مناصرون لدونالد ترمب مقرّ الكونغرس قبيل التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة.

وجاء ذلك بعيد رفض الملياردير الجمهوري مجدداً الإقرار بهزيمته الانتخابية داعيا مناصريه خلال تجمّع قرب البيت الأبيض إلى التوجّه “سلمياً” إلى الكابيتول.

وقال أمامهم “لن تستعيدوا ابدا بلدنا وأنتم ضعفاء، عليكم إظهار القوة”.

وقالت السناتور الجمهورية في مقابلة مع صحيفة “انكورج ديلي نيوز”، “كيف يفترض بهم (أنصاره) أن يفهموها؟ إنّه أمر من الرئيس، وهذا ما فعلوه. جاؤوا وتشاجروا فأصيب أشخاص وقضى آخرون”.

ويغادر ترمب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير، ليتسلم السلطة من بعده الرئيس ال46 للولايات المتحدة.

ورأت موكوفسكي أنّ ترمب لم يركز جهوده في الأسابيع الأخيرة على تطورات الأزمة الوبائية “إذ كان إما يلعب الغولف أو غاضباً في المكتب البيضاوي منشغلاً بالتضحية بكل من كانوا أوفياء له ومخلصين”.

وقالت إنّه “يريد فقط البقاء من أجل اللقب (…) من أجل غروره. عليه أن يرحل. إنّه الأمر الذي يجب فعله، لكنّي لست متأكدة من قدرته على فعل أمر جيّد”.

وكان النائب الجمهوري آدم كيسينجر دعا الخميس إلى عزل دونالد ترمب، مستنداً إلى التعديل ال25 في الدستور الأميركي الذي يتيح إعلان “العجز” عن اداء مهامه.

كما أنّ عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بن ساس، الذي سبق له انتقاد ترمب، أكد الجمعة أنّه سينظر في التهم الموجهة إلى الرئيس في حال أطلق مجلس النواب إجراءات العزل.

وفي مؤشر إلى الاستياء بين مؤيدين للحزب الجمهوري وانتقادات دونالد ترمب له، لم تستبعد ليزا موركوفسكي إمكانية مغادرتها الحزب.

وقالت “إذا صار الحزب الجمهوري مجرد حزب لترمب، سأتساءل جدياً عمّا إذا كان مناسباً لي”.

——————–

يوم اقتحام الكونغرس.. ترامب أجرى اتصالا لعرقلة التصديق على فوز بايدن والشرطة أوقفت شاحنة متفجرات

بينما يستعد الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي لإطلاق إجراءات محاكمة برلمانية للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على خلفية اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس؛ تكشّفت تفاصيل جديدة بشأن الوقائع التي حدثت يوم الاقتحام.

وقالت شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية إن المحققين الفدراليين أوقفوا شاحنة محملة بالأسلحة والمتفجرات في محيط مبنى الكونغرس (الكابيتول) قبيل اقتحام أنصار ترامب المبنى.

وذكرت أن المحققين أكدوا أنهم أوقفوا رجلا من ولاية ألاباما داخل الشاحنة الصغيرة، التي تبين أنها محملة بـ11 قنبلة ومسدسات وبنادق هجومية، وذلك على بعد مربعين سكنيين فقط من مبنى الكابيتول.

كما أكد المحققون توقيف رجل آخر في العاصمة واشنطن كان يحمل بندقية ومئات طلقات الذخيرة الحية، وكان قد أخبر معارفه أنه يريد إطلاق النار على رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي أو دهسها.

في الوقت نفسه، كشف سيناتور جمهوري عن أن ترامب أجرى اتصالا هاتفيا خلال وقائع الاقتحام للمطالبة بتأخير التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة.

وقالت “سي إن إن” إن كلا من ترامب ومحاميه رودي جولياني أجرى اتصالا عن طريق الخطأ بالسيناتور الجمهوري مايك لي، حين كانت أعمال الشغب الدامية تجري داخل مبنى الكونغرس الأربعاء الماضي.

ووفقا لتلك الأنباء -التي أكدها للشبكة المتحدث باسم السيناتور لي- فإن المقصود بذلك الاتصال الهاتفي كان السيناتور الجمهوري تومي تابرفيل، المنتخب حديثا عن ولاية ألاباما.

واتصل ترامب بالهاتف الشخصي للسيناتور لي في حدود الساعة 2 عصرا بالتوقيت المحلي، وكان المشرعون وقتئذ أخلوا القاعة الرئيسية لمجلس الشيوخ، وانتقلوا إلى غرفة أخرى هربا من أعمال الشغب.

ورد السيناتور لي على ترامب، وتبين أن الرئيس أخطأ الرقم، إذ طلب منه إعطاء الهاتف إلى تابرفيل حتى يتحدث معه.

ونقلت “سي إن إن” عن مصدر قوله إن ترامب تحدث مع تابرفيل لنحو 10 دقائق، وطلب منه تقديم اعتراضات إضافية خلال جلسة التصديق النهائي على فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية، والتي يفتح فيها المجال للاعتراض على نتائج كل ولاية من الولايات.

المحاكمة البرلمانية

في غضون ذلك، يمضي الديمقراطيون في مسار سريع لإطلاق محاكمة برلمانية للرئيس ترامب إذا لم يتقدم باستقالته.

ورغم الصعوبات التي ينطوي عليها هذا المسار، خاصة مع بقاء نحو 10 أيام فقط قبل انتهاء ولاية ترامب؛ فيبدو أن الديمقراطيين مصممون على اتخاذ إجراء قوي، لا سيما أن احتمال نجاح المحاكمة قد يؤدي إلى منع ترامب من الترشح للرئاسة في المستقبل أو تولي أي منصب رسمي.

وقالت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي إنها أصدرت تعليمات للجنة القواعد في المجلس للاستعداد لإطلاق محاكمة برلمانية لترامب ما لم يقدم استقالته.

وأضافت بيلوسي -في بيان أصدرته الجمعة بعد اجتماعها مع الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب- أن المجلس يحتفظ بكل خياراته، بما في ذلك التعديل 25 للدستور أو محاكمة الرئيس برلمانيا. ويخول التعديل 25 لنائب الرئيس تولي السلطة حين لا يكون الرئيس صالحا لأداء مهامه.

وينوي الديمقراطيون تقديم لائحة الاتهام ضد ترامب الاثنين المقبل، وتتضمن تهمة واحدة؛ هي “التحريض على التمرد”.

لائحة الاتهام

ونشر المشرعون الديمقراطيون مسودة اللائحة، التي تركز على أفعال الرئيس الجمهوري ترامب بعد انتخابات الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتقول إن محاكمته سببها تحريضه على العنف واقتحام مبنى الكونغرس.

وتنص المسودة على منع ترامب من تقلد أي منصب حكومي في المستقبل.

ونشر النائب الديمقراطي تيد ليو على صفحته في تويتر نسخة من المسودة تضمنت بندا واحدا حمل عنوان “التحريض على التمرد”.

وجاء في الوثيقة أن ترامب من خلال تكرار الادعاء بفوزه في الانتخابات، وتشجيع أنصاره على الاعتداء على الكونغرس؛ عرّض أمن الولايات المتحدة والمؤسسات الحكومية للخطر، وهدد نزاهة النظام الديمقراطي، وأعاق الانتقال السلمي للسلطة.

وتضيف الوثيقة أن ترامب أظهر أنه لا يزال يمثل تهديدا للأمن القومي والديمقراطية والدستور إذا سُمح له بالاستمرار في منصبه.

وقال النائب ليو إن أكثر من 150 نائبا وقعوا على لائحة الاتهام بعد ساعات قليلة من نشرها، وأكد أن نص الاتهام صيغ بطريقة تهدف إلى الحصول على دعم المشرعين الجمهوريين.

جدول المحاكمة المحتملة

من ناحية أخرى، وزع زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل على الجمهوريين في المجلس مذكرة توضح كيف ستجري المحاكمة المحتملة لترامب إذا وجه مجلس النواب الاتهام إليه.

ووفقا للمذكرة -التي حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post)- فإن ماكونيل أخبر الجمهوريين أن مجلس الشيوخ لن يجتمع قبل 19 يناير/كانون الثاني الجاري، لكونه عمليا في فترة استراحة.

ويعني ذلك أن إجراءات المحاكمة البرلمانية -التي تعقد في مجلس الشيوخ- قد لا تبدأ إلا بعد انتهاء ولاية ترامب في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، نظرا إلى أن المجلس يأخذ يوما على الأقل لإطلاق العملية بعد تلقيه لائحة الاتهام من مجلس النواب.

من جهة أخرى، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاد ديري أمس الجمعة إن محاكمة ترامب في الكونغرس مع بقاء 12 يوما فقط على انتهاء ولايته لن تؤدي إلا إلى زيادة حدة الانقسام في البلاد.

ويأمل الديمقراطيون أن تؤدي التهديدات بالمحاكمة البرلمانية إلى تكثيف الضغوط على مايك بنس نائب الرئيس وعلى الحكومة لتفعيل التعديل 25 بالدستور للإطاحة بترامب قبل انتهاء ولايته.

ومن أجل تفعيل ذلك التعديل، يتعين على بنس وأغلبية أعضاء الحكومة إعلان أن ترامب غير قادر على أداء مهام الرئاسة. وقال أحد المستشارين إن بنس يعارض الفكرة.

في غضون ذلك، كشف استطلاع لـ”رويترز-إبسوس” عن أن 57% من الأميركيين يرغبون في عزل ترامب على الفور. وقال 70% ممن شاركوا في الاستطلاع إنهم لا يتفقون مع تصرفات ترامب في الفترة التي سبقت اقتحام الكونغرس يوم الأربعاء.

وإذا صوّت مجلس النواب لصالح توجيه اتهام لترامب لإطلاق محاكمته، فسيكون بذلك أول رئيس أميركي يحاكمه الكونغرس مرتين.

فقد سبق أن أطلق مجلس النواب إجراءات المحاكمة البرلمانية ضد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2019، على خلفية اتهامات بالضغط على الرئيس الأوكراني لفتح تحقيق يتعلق بابن جو بايدن، لكن مجلس الشيوخ قضى ببراءة ترامب في فبراير/شباط 2020.

نوايا ترامب

في المقابل، نقلت شبكة “سي إن إن” عن مستشارين في البيت الأبيض قولهم إن ترامب لا يفكر أبدا في الاستقالة، ولا يعتقد أنه ارتكب أي خطأ.

كما نقلت شبكة “سي بي إس” (CBS) عن مستشارين بالبيت الأبيض أن ترامب لن يستقيل ولن يسلم السلطة إلى نائبه مايك بنس ويطلب منه إصدار عفو رئاسي بحقه.

من جهة أخرى، قال مايكل كوهين -المحامي السابق لدونالد ترامب- إنه سيدلي بشهادته بشأن مخالفات ارتكبها ترامب وعائلته.

وكتب على تويتر الجمعة “لقد تلقيت طلبا ووافقت على التعاون مع العديد من الوكالات الحكومية للإدلاء بشهادة بشأن المخالفات التي ارتكبها ترامب وعائلته”.

————————-

بعد إيقاف حسابه نهائيا.. ترامب يهاجم تويتر ويتهمه بالتآمر لإسكاته

اتهم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب موقع تويتر بالتآمر لإسكاته، والتنسيق مع الديمقراطيين واليسار الراديكالي لوقف حسابه، وذلك بعد أن أوقف الموقع نهائيا الحساب الشخصي لترامب بسبب ما وصفه بخطر حدوث مزيد من التحريض على العنف، وذلك بعد يومين على أعمال شغب دامية لعدد من أنصاره اقتحموا مبنى الكونغرس لعدة ساعات، في حادث غير مسبوق بالتاريخ الأميركي.

وجاء رد ترامب بسلسلة تغريدات على الحساب الرئاسي الرسمي حذفها تويتر لاحقا، وقال فيها إن تويتر ذهب بعيدا في منع حرية التعبير.

وأضاف الرئيس المنتهية ولايته أنه سينظر في إمكانية بناء منصته الخاصة، مشيرا إلى أنه لولا المادة 230 من قانون الاتصالات لما كان تويتر لينجو بفعلته.

وفي السياق، اعتبر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن قرار موقع تويتر حظر حساب الرئيس ترامب نهائيا يشكل خطأ جسيما، وقارن بين سماح الموقع للمرشد الإيراني علي خامنئي بنشر تغريدات ومنع ترامب، مشيرا إلى أن “ذلك يشي بالكثير عن أولئك الذين يديرون تويتر”.

وأوضح الموقع أن قراره جاء بعد المراجعة الدقيقة لتغريدات ترامب الأخيرة والظروف المحيطة بها، كما أوقف تويتر لاحقا حساب حملة ترامب الانتخابية.

وكان تويتر قد حظر الجمعة حسابات لشخصيات مؤيدة لترامب، من بينها الجنرال مايكل فلين أول مستشار أمن قومي لترامب، وذلك بسبب ترويجه لنظريات مؤامرة من طرف منظمة “كيو أنون” (QAnon) اليمينية المتطرفة، وفق الموقع.

كما حذف موقع تويتر تغريدات عدة للرئيس الجمهوري المنتهية ولايته الذي واصل الطعن في صحة الانتخابات الرئاسية، وجمد حسابه لمدة 12 ساعة، قبل أن يعيد تفعيله أول أمس الخميس.

وهدد الموقع حينها بإغلاق حساب ترامب نهائيا في حال استمراره بانتهاك قواعد الاستخدام المتعلقة بالنزاهة المدنية.

واتخذت عدة منصات للتواصل الاجتماعي -بينها تويتر وفيسبوك ويوتيوب- إجراءات عقابية ضد الرئيس ترامب تشمل تعليقا مؤقتا لحساباته عقب اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن الأربعاء، وذلك وسط اتهامات له بتأجيج العنف.

فقد أعلن الرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ الخميس تعليق حسابَي ترامب على فيسبوك وإنستغرام إلى أجل غير محدد ولمدة “أسبوعين على الأقل”.

وقال زوكربيرغ في بيان إن “أحداث الساعات الـ24 الماضية الصادمة تظهر بجلاء أن الرئيس دونالد ترامب ينوي استخدام فترته المتبقية في المنصب لتقويض انتقال سليم وقانوني للسلطة إلى خلفه المنتخب جو بايدن”.

ومنذ انتخابات الرئاسة -التي أجريت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفاز فيها المرشح الديمقراطي جو بايدن- بات الرئيس المنتهية ولايته ينشر بشكل مكثف عبر تويتر تغريدات يتحدث فيها عن تزوير الانتخابات الرئاسية على نطاق واسع، فضلا عن استمراره في مهاجمة وسائل الإعلام التي يصفها بالزائفة وبأنها “عدوة للشعب”.

ودفع ذلك المسؤولين عن تويتر إلى وضع إشارات تحذير على التغريدات التي ينشرها ترامب مثل “مضللة”.

وفي إجراء متزامن، أعلن رئيس موقع إنستغرام عن تعليق حساب الرئيس الأميركي على هذه المنصة لمدة 24 ساعة.

كما حذف موقع يوتيوب مقطع الفيديو الذي نشره ترامب على حسابه في هذه المنصة، والذي دعا فيه أنصاره للانسحاب من مبنى الكونغرس، وتحدث فيه مجددا عن تزوير الانتخابات.

بدورها، حظرت “سناب شات” على الرئيس الأميركي المنتهية ولايته النشر في المنصة للسبب نفسه.

——————————

قاض اتحادي يجهض محاولات إدارة ترامب الأخيرة لتعديل نظام اللجوء

منع قاض اتحادي في ولاية كاليفورنيا إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أمس الجمعة من تنفيذ قرار جديد كان من شأنه أن يغير شكل نظام اللجوء الأميركي، ويضع قيودا على الأحقية في اللجوء بالنسبة للمهاجرين الباحثين عن ملاذ في الولايات المتحدة.

ويعد الأمر القضائي تقويضا لمساع تبذلها إدارة ترامب في أيامها الأخيرة لترسيخ سياساتها المتشددة إزاء الهجرة إلى الولايات المتحدة، وذلك قبل تولي الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وأصدر قاضي المنطقة الشمالية في كاليفورنيا جيمس دوناتو أمرا قضائيا سعت وراءه جماعتان للدفاع عن حقوق المهاجرين، لمنع تنفيذ القرار الذي أصدرته إدارة ترامب في 11 ديسمبر/كانون الأول وكان من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ يوم الاثنين.

وسعت الجماعتان لمنع تنفيذ القرار على أساس أنه صادر عن تشاد وولف القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي، والذي لم يعد تعيينه في المنصب قانونيا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، كان قاض في بروكلين قد منع للسبب نفسه، محاولة إدارة ترامب إنهاء برنامج العمل المؤجل للوافدين الأطفال، وهو البرنامج الذي يحمي بعض المهاجرين من الترحيل.

وسحب ترامب ترشيح وولف للمنصب يوم الخميس، بعد أن دان الأخير أعمال الشغب التي ارتكبها مؤيدو ترامب داخل مبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن، وقال إنه “يدعم انتقالا منظما للسلطة إلى بايدن”.

وكان من شأن القرار الأخير أن يقطع طريق اللجوء على المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود الأميركية المكسيكية، من خلال سلسلة من التغييرات في معايير الأحقية في اللجوء، حسبما قال خبراء وجماعات حقوقية.

—————-

=====================

تحديث 13 كانون الثاني 2021

————————–

سيناريوهات إقالة ترامب ومستقبل الحزب الجمهوري

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

اقتحم عشرات من مؤيدي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مبنى الكونغرس، في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، بتحريضٍ مباشر منه، للاحتجاج على إجراءات تصديق مجلسي النواب والشيوخ على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها جو بايدن. وقد مثلت أحداث الاقتحام العنيف وسقوط خمسة قتلى واضطرار أعضاء في الكونغرس، إضافة إلى نائب الرئيس، إلى الاحتماء في أماكن سرّية، صدمةً كبيرة في الولايات المتحدة وخارجها. وبسبب دور ترامب في “التحريض على التمرّد”، باشرت الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب بالتحضير لإجراءات عزله، فهل هناك إمكانية فعلًا لإزاحته من السلطة قبل انتهاء ولايته دستوريًا، في 20 كانون الثاني/ يناير؟

خيارات التخلص من ترامب ومدى واقعيتها

هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة لإنهاء رئاسة ترامب قبل 20 كانون الثاني/ يناير: العزل والإقالة من خلال الكونغرس، وتفعيل التعديل الدستوري الخامس والعشرين وتنحيته من خلال وزراء حكومته ومسؤوليها الكبار، والضغط عليه للاستقالة طوعًا.

1. العزل والإقالة من خلال الكونغرس: أعلن الديمقراطيون رسميًا نيتهم الشروع في إجراءات عزل ترامب في مجلس النواب بتهمة “التحريض على التمرّد، وتعريض الأمن الأميركي ومؤسسات الحكومة إلى خطر كبير”. وبحسب نصٍّ أولي للائحة الاتهام التي أعدّها نواب ديمقراطيون، أظهر ترامب أنه يمثّل “تهديدًا إذا بقي في المنصب”، وأنه “أدلى عامدًا بتصريحاتٍ شجعت على عملٍ مخالفٍ للقانون في مبنى الكونغرس”. وإذا ما تمَّ عزله في مجلس النواب، فستكون هذه أول مرة يباشر فيها المجلس بعزل رئيسٍ مرتين؛ إذ سبق أن وافق على عزله أواخر عام 2019 بعد فضيحة ضغطه على الرئيس الأوكراني لإجراء تحقيقٍ يشمل منافسه الديمقراطي حينها، جو بايدن، وابنه، بتهم فساد، إلا أن الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ حينها أفشلت مسعى الديمقراطيين لإقالته.

ينص الدستور الأميركي في المادة الأولى، الفقرة 2، البند 5، على أن لمجلس النواب وحده السلطة الحصرية للمباشرة في عزل الرئيس؛ بمعنى توجيه الاتهام إليه، في حين أن لمجلس الشيوخ وحده حصريًا، بحسب المادة الأولى، الفقرة 3، البند 6، حق محاكمته بتلك التهم وتبرئته أو إقالته. كما ينص الدستور في مادته الثانية، الفقرة 4، على أنه يمكن إدانة الرئيس وإقالته في مجلس الشيوخ بناء على الاتهامات الموجهة إليه في مجلس النواب بسبب “الخيانة، أو الرشوة، أو غيرهما من الجرائم والجنح الكبيرة”. ويتطلب الدستور أغلبية بسيطة في مجلس النواب لتوجيه لائحة الاتهام. أما قرار الإدانة في مجلس الشيوخ فيتطلب تصويت ثلثي أعضائه (67 عضوًا من أصل 100). وفي حال تمّت إدانة الرئيس وإقالته في مجلس الشيوخ، فإن هذا يعد حكمًا نهائيًا لا يستطيع الرئيس استئنافه. في هذه العملية، يقوم مجلس النواب، إذا وافق على العزل، عمليًا بدور الادّعاء، في حين يؤدّي مجلس الشيوخ دور القاضي أو هيئة المحلفين.

وعلى عكس عملية عزل ترامب أواخر عام 2019، التي استغرقت أسابيع طويلة، فإن الديمقراطيين يقولون إن العملية هذه المرّة ستكون سريعة، ولن تستغرق إلا أيامًا قليلة، لأنه لن تكون هناك تحقيقات ولا جلسات استماع، بحيث يتم التصويت سريعًا على لائحة الاتهام. ويؤيد نوابٌ جمهوريون هذه المرة عزل الرئيس، وهو مغايرٌ لما جرى في المرة الأولى. إلا أن المشكلة ستكون في مجلس الشيوخ، إذ على الرغم من إعلان عدد من أعضائه الجمهوريين تأييدهم إقالة ترامب بعد اقتحام الكونغرس بتحريض منه، فإن الديمقراطيين لن يتمكّنوا على الأرجح من تأمين 17 صوتًا بين الجمهوريين لتحصيل أغلبية الثلثين. وربما كان هذا أصلًا هدف الديمقراطيين، وهو تصعيد أزمة الحزب الجمهوري بإحراجه في التصويت على عزل ترامب بعد ما فعَله.

وفضلًا عن ذلك، لن يجتمع مجلس الشيوخ فعليًا إلا في 19 كانون الثاني/ يناير، أي قبل يوم من انتهاء رئاسة ترامب للنظر في إقالته، على الرغم من أن بعض الديمقراطيين والجمهوريين على السواء يشدّدون على ضرورة القيام بالتصويت على إقالة ترامب، حتى لو بعد مغادرته منصبه، من أجل منعه من الترشّح لأي منصب عام بعد ذلك. وينص الدستور في المادة الأولى، الفقرة 3، البند 7، على أنه يمكن مجلس الشيوخ أن يُتبع التصويت على إقالة الرئيس بتصويتٍ آخر يقضي بحرمانه من الترشّح لمنصب مستقبلي، علمًا أن هذا الإجراء لا يتطلب إلا أغلبية بسيطة (50+1)، في حال تم التصويت على إقالته بأغلبية الثلثين. ولكن إدانة الرئيس وإقالته لا تعنيان أن الكونغرس يملك صلاحية سجنه؛ إذ إن هذه محاكمة سياسية. ولكن يمكن ملاحقته على نحو مستقلٍّ قضائيًا بناء على تُهم جنائية، وهو ما أعلن مدّعون عامون، كما في واشنطن وجورجيا ونيويورك، نيتهم القيام به.

لذلك، من غير المرجّح أن تنجح هذه المحاولات في مجلس الشيوخ في ظل معارضة جمهوريين كثيرين، كما أن بايدن نفسه لا يبدو متحمّسًا لها، لما قد يسببه ذلك من صرف الانتباه عن أجندته للمئة يوم الأولى، وتعميق الانقسام القائم أصلًا داخل المجتمع الأميركي.

2. تفعيل التعديل الدستوري الخامس والعشرين: لا تُخفي قيادات الديمقراطيين في الكونغرس، ومعهم أعضاء جمهوريون ومسؤولون في إدارة ترامب تفضليهم هذا الخيار. وينظم التعديل الدستوري الخامس والعشرون، لعام 1967، في الفقرة الرابعة منه، عزل الرئيس من طرف نائبه، بتأييد أغلبية أعضاء الحكومة عندما يعتقدون أنه “غير قادر على الاضطلاع بصلاحيات وواجبات منصبه”. ولم يحصل أن فُعِّل هذا النص، مع أنه تمَّ التفكير فيه أكثر من مرة خلال رئاسة ترامب، بسبب سلوكيات له عُدّت غير سويّة ومهدّدة للأمن القومي. وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست على نائب الرئيس، مايك بنس، لتفعيل هذا النص، فإنه ما زال مترددًا في ذلك.

3. الاستقالة طوعًا: يقضي الخيار الثالث بأن يبادر ترامب نفسه إلى الاستقالة طوعًا، على أن يُكمل بنس مدته الدستورية حتى 20 كانون الثاني/ يناير، يمنح خلالها ترامب عفوًا عامًا. إلا أن ترامب لن يقبل ذلك على الأرجح، وخصوصًا أن علاقته بنائبه وصلت إلى مستوى عالٍ من التوتر وعدم الثقة.

ترامب ومستقبل الحزب الجمهوري

وضع اقتحام الكونغرس بتحريض مباشر من ترامب الحزب الجمهوري أمام معضلةٍ حقيقيةٍ تهدّد بانقسامه تيارين؛ ينادي الأول بضرورة الابتعاد عن ترامب ووضع آلياتٍ لا تسمح له بالعودة إلى قيادة الحزب. ويشدّد الثاني على أن ترامب هو إحدى أوراق الحزب الرابحة. وبناء عليه، لا ينبغي التمرّد عليه أو التخلي عنه. ويقول رأي ثالث إن ترامب بات فعليًا يسيطر على الحزب الجمهوري، وإن أي محاولةٍ للتخلص منه ما عادت تُجدي نفعًا.

يرى أصحاب الرأي الأول أن اقتحام الكونغرس أضرّ على نحو كبير صورة الحزب الجمهوري، وأنه أصبح “يواجه تهديدًا وجوديًا” إذا لم يتمايز في موقفه، ويبتعد عن رئيسٍ منفلتٍ تتحكّم فيه نزوات سلطوية جامحة. وبحسب السيناتور الجمهوري، جون ثون، من ولاية ساوث داكوتا، فإن “هوية” الحزب الجمهوري تمحورت في السنوات الماضية حول قيادة الحزب، وينبغي أن تتمحور الآن حول “الأفكار والمبادئ والسياسات”. ويسوق هؤلاء حججًا كثيرة في ضرورة الابتعاد عن ترامب، منها الهزائم الانتخابية التي لحقت بالحزب أخيرا، وآخرها الخسارة غير المتوقعة لمقعدَي مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، وهو ما يعني خسارة الأغلبية لصالح الديمقراطيين. وبهذا، يكون الجمهوريون قد خسروا البيت الأبيض ومجلسَي الكونغرس؛ النواب والشيوخ، اللذين كانا تحت سيطرتهم مع بداية رئاسة ترامب عام 2017. ويحذّر أصحاب هذا الموقف من أن البقاء تحت عباءة ترامب سيحدّ من قدرة الحزب على الفوز في أي انتخاباتٍ عامة قادمة، وجمع الأموال، فضلًا عن إيجاد مرشّحين أقوياء. ويؤيد هؤلاء فكرة التصويت على إقالة ترامب في مجلس الشيوخ، بعد عزله في مجلس النواب، والتصويت تاليًا على منعه من تبوُّؤ أي منصبٍ عام في المستقبل. ويخشى هؤلاء الجمهوريون من عودة ترامب إلى الترشّح للرئاسة بعد أربع سنوات، وخصوصًا أن استطلاع رأي أُجري في كانون الأول/ ديسمبر 2020 يشير إلى أن ترامب يتمتع بتأييد 87% بين الجمهوريين، على الرغم من أنه لا يحظى بشعبية كبيرة على المستوى الوطني. في حين أفاد استطلاع رأي آخر أُجري في الفترة نفسها بأن 77% من الجمهوريين يصدقون مزاعم ترامب إنه خسر الانتخابات لبايدن من جرّاء عمليات التزوير التي جرت على نطاق واسع.

أما أصحاب الرأي الداعي إلى التمسّك بترامب، فحجتهم أنه حصل على أكثر من 74 مليون صوت، أي ما نسبته 46.9% من مجموع الناخبين الأميركيين. ويقولون إن الحزب الجمهوري استطاع أن يقلص الفارق مع الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب بفضل وجود مرشحيه على القائمة الانتخابية نفسها لترامب، كما أنهم يرون أن ترامب ساهم في الحفاظ على عديد من المقاعد الجمهورية في مجلس الشيوخ. وبحسب استراتيجيين جمهوريين عديدن، فإن ترامب عزّز وضع الحزب بين ناخبي الطبقات العاملة، عبر ترويجه أجندةً قوامها توفير الوظائف وتخفيض الضرائب. بل يرى هؤلاء أن أجندة ترامب وسياساته المتعلقة بالضرائب والهجرة يمكن أن تساعد الحزب الجمهوري على استعادة الدعم بين ناخبي الضواحي الذين انفضّوا عنه بسبب أسلوبه الشخصي، وليس بسبب سياساته، ويسوقون دليلًا على ذلك فوز عديد من المرشحين الجمهوريين في مجلس النواب عن تلك المناطق.

في حين يعتقد أصحاب الرأي الثالث أن سيطرة ترامب على الحزب ستستمر بعد خروجه من الرئاسة، بل إن نجله، دونالد ترامب جونيور، لم يتردّد، قبل اقتحام الكونغرس بساعات قليلة، في تهديد الأعضاء الجمهوريين الذين أعلنوا نيّتهم التصديق على فوز بايدن بأنهم سيواجهون العواقب، على أساس أن “هذا لم يعد حزبهم الجمهوري. بل بات حزب دونالد ترامب الجمهوري”. وفي مؤشّر على استمرار الدعم الذي يحظى به ترامب داخل الحزب الجمهوري، أعيد انتخاب رونا مكدانييل وتومي هيكس جونيور، وهما حليفان مقرّبان منه، في 8 كانون الثاني/ يناير، أي بعد يومين فقط من اقتحام الكونغرس، في منصبين رئيسين في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري. كما يتمتع ترامب بدعمٍ قويٍّ بين ناخبي الطبقة العاملة والمسيحيين الإنجيليين والريفيين. وبحسب استطلاع رأي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال وشبكة إن بي سي نيوز يغطي عام 2020، فإن نحو 60% من الجمهوريين وصفوا أنفسهم بأنهم مؤيدون لترامب، وليس للحزب الجمهوري، وأنهم يدعمونه على نحو مطلق.

انطلاقًا من ذلك، يمكن فهم إصرار ستة شيوخ جمهوريين، و121 نائبًا عن الحزب، المضي في تحدّي نتائج انتخابات بعض الولايات كأريزونا، حتى بعد الاقتحام الدامي لأنصار ترامب مبنى الكونغرس، وانفضاض جمهوريين كثيرين عنه، وتصاعد الدعوات إلى الوحدة وضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة.

خاتمة

على الرغم من حالة الغضب العارم التي تسبَّب بها تحريض ترامب أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس، بما في ذلك في صفوف المسؤولين الجمهوريين، فإن مسألة إقالته أو تنحيته عن الحكم قبل نهاية ولايته تبدو أمرًا مستبعدًا. لكن في كل الأحوال، فإن اقتحام جماعات متطرّفة الكونغرس بالقوة، بتحريضٍ من الرئيس الأميركي نفسه، خلّف وصمة في تاريخ الولايات المتحدة، إما أن تنجح في تجاوزها وإيجاد سبل للحوار الداخلي، وشرط ذلك تهميش ظاهرة ترامب ونزع الشرعية عن الشخص ذاته، أو ستمضي أبعد في تمزق نسيجها الاجتماعي والسياسي. وهكذا، سيجد بايدن نفسه في 20 كانون الثاني/ يناير أمام أميركا أخرى، غير التي تركها حينما كان نائب الرئيس عام 2017؛ بلد مستقطب منقسم على ذاته، ضعيف اقتصاديًا بعد جائحة كورونا وغيرها، إضافة إلى تراجع هيبته عالميًا، بسبب السياسات والممارسات التي ارتكبها ترامب وأنصاره.

——————————-

احتمالات المواجهة الأميركية الإيرانية

قسم الدراسات

لم يعد ترابط الملفات الأربعة، في العراق وسورية ولبنان واليمن، موضعَ خلاف؛ لكون إيران تشكّل فيها لاعبًا أساسيًا في إطار مشروعها التوسعي في المنطقة، بالاعتماد على ذراعها الضارب خارج الحدود “فيلق القدس” الذي قاده قاسم سليماني، واتبع إستراتيجية تشكيل وتدريب وتسليح ميليشيات تابعة له في كل دولةٍ باتت أداته في السيطرة والتوسع، وربما كان “حزب الله” اللبناني أكثرها تأثيرًا وقوة وولاءً، ميليشيات عابرة للحدود مسلحة بعقيدة طائفية، تزجّ بها إيران حيث تقتضي الساحة هذا الحضور الكثيف، وكانت سورية المثال الأبرز، حيث حضرت عشرات الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، وفي مقدمتها “حزب الله” اللبناني، بقيادة قاسم سليماني المباشرة، لقمع ثورة السوريين، وقد قتلت عشرات الألوف منهم، ودمّرت مدنهم وقراهم، حتى قبل التدخل الروسي؛ ذلك بأن إستراتيجية إيران قامت على محاولة السيطرة على المنطقة بأيدي أبنائها، وسوف تخوض حروبها بالوكالة خارج أراضيها، ما أمكنها ذلك.

منذ التدخل الروسي في سورية 30 أيلول/ سبتمبر 2015، بطلب من قاسم سليماني، بحسب ما صرّح حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة مع قناة الميادين، اتضح أن قدرة إيران على التمدد وصلت إلى نهايتها، وبعد هزيمة مشروع (داعش) عام 2017، جاء القرار الأميركي الإسرائيلي، برضا روسيا، عقب لقاء الأطراف الثلاثة في القدس، في تموز/ يوليو 2019، الذي يقضي بمنع إيران من التموضع على الأراضي السورية، ثم جاء اغتيال قاسم سليماني، بقرار وتنفيذ أميركي بتاريخ 3 كانون الثاني/ يناير2020، ضربةً قاصمةً لها تداعياتها على مجمل المشروع الإيراني.

تراجع السطوة الإيرانية في المنطقة:

هناك عوامل عدة جعلت الساحات الأربع، في السنتين الأخيرتين، التي طالما تبجح المسؤولون الإيرانيون بأنها باتت في قبضة السيطرة الإيرانية، تعيش حالة من الاضطراب والتراجع في السطوة الإيرانية، ولعلّ أهمها الحراك الثوري للشعب العراقي الذي انطلق من محافظات الجنوب، ثم عقوبات الضغط الأقصى الأميركية على إيران وعلى “حزب الله” اللبناني، لكن الواضح أن الساحتين العراقية والسورية هما الساحتان الأكثر سخونة واضطرابًا في هذه المرحلة، لجهة تأثيرهما على مستقبل الهيمنة والنفوذ الإيرانيين، بسبب تعقيدات الوضع في كلتا الساحتين، والسبب الأهمّ هو الوجود الكثيف للميليشيات التابعة لإيران في كلا البلدين، وتغلغل الأصابع الإيرانية في مفاصل التحكم في كليهما. وبالنظر إلى هذا الترابط، يصبح من المنطقي القول إن كلّ تراجع للنفوذ الإيراني في إحدى الساحتين سينعكس إيجابًا في الساحة الأخرى.

فأولًا: على الساحة السورية، حيث خاضت الميليشيات التابعة لإيران وبعض وحدات الحرس الثوري الإيراني أقسى المعارك، بقيادة قاسم سليماني المباشرة وبعض كبار جنرالاته، في أكثر من جبهة، على مدى سنوات الصراع، دفاعًا عن نظام الأسد الذي ظهر، منذ الأشهر الأولى للثورة، عجزُه عن استيعابها، وقد قامت هذه الميليشيات بعمليات قتل وتهجير للسوريين، ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واشتغلت إيران على التغيير الديموغرافي، وتسريع حركة التشييع في سورية، لكن الأخطر كان هو تشكيلها ميليشيات محلية تتبعها، على غرار ما فعلت بالعراق، وقد قُدّر عدد أفرادها بأكثر من خمسة عشرة ألفًا، تنتشر بشكل أساسي في جنوب سورية وفي المنطقة الشرقية، ولا يخفى تغلغل إيران في الجيش وفي بعض الأجهزة الأمنية وكذلك في بعض مفاصل الحكم، حيث استحوذت على كثير من المنافع الاقتصادية، وعلى الرغم من أن حدة المعارك قد خفتت على الأراضي السورية، فإن إيران ما زالت تبقي على القسط الأكبر من الميليشيات التي جلبتها بغية الحفاظ على نفوذها.

وعلى الرغم من الوعود الروسية بتحجيم الوجود الإيراني في سورية، فإنها عمليًا لم تُنفّذ إلا القليل على هذا الصعيد، ليس لأنها لا ترغب في ذلك، بخاصة أن إيران تقاسمها النفوذ والسيطرة على النظام السوري، وهو ما لا تريده بالقطع، إنما لأنها لم تحصل حتى الآن على المقابل من الطرف الأميركي ومن إسرائيل على الأرجح، وعليه فهي تكتفي بغض الطرف المتفق عليه عن الغارات الإسرائيلية، حيث نفّذت إسرائيل مئات الغارات الجوية مستهدفة مقار ومستودعات أسلحة تلك الميليشيات على كامل الجغرافيا السورية، وأوقعت فيها خسائر بشرية ومادية لا يستهان بها، لكن إيران ما زالت تتحمل من دون أن ترد، وذلك من ضمن رهانها على حدوث تغيير في شروط العلاقة مع الولايات المتحدة في عهد الإدارة الجديدة.

وثانيًا: على الصعيد العراقي، حيث إن توتر الأوضاع هناك على أشده، ويحتدم الصراع بين قوى الدولة وقوى اللادولة التي تمثلها الميليشيات، وقد سرّع وتيرة الصراع حِراكُ أكتوبر الثوري، وكذلك تصاعد المواجهة الأميركية الإيرانية، منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ثم زادها دفعًا اغتيال سليماني، وليس أدلّ على ذلك مما عاشته بغداد من توتر وحرج، ليلة 25 كانون الأول/ ديسمبر 2020، إذ انتشرت عناصر مسلحة تابعة لميليشيا “عصائب أهل الحق” التي يقودها قيس الخزعلي، وعناصر لميليشيات أخرى متضامنة معها، وانتشرت مقاطع فيديو تُظهر هذه المجموعات وهي تهدد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مطالبة إياه بالإفراج عن عضو العصائب الذي اعتقلته القوى الأمنية العراقية بتهمة إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء، يوم 22 كانون الأول/ ديسمبر، وأصابت إحداها السفارة الأميركية بأضرار مادية.

رفض رئيس الوزراء العراقي الخضوع لهذا الابتزاز والتطاول على الدولة، وأمر بنشر قوة مكافحة الإرهاب في محيط العاصمة، ثم نزل وتجول في شوارع بغداد، برفقة عدد من القادة الأمنيين والعسكريين، وفي نهاية المطاف؛ انسحبت العناصر المسلحة من العاصمة، بناءً على رواية غير مؤكدة تقول إن “الانسحاب جاء بناءً على وساطات داخلية، وربّما أوامر إيرانية”.

تفكيك الميليشيات.. الممكنات والتحديات:

بغض النظر عن صحة أو عدم صحة رواية الضغط الإيراني، لوقف تصعيد الميليشيات ضد الكاظمي، ثمة سؤالٌ يطرح نفسه بقوة، يدور حول أسباب تصرّف الكاظمي على هذا النحو، وقد جاءته الفرصة ولم يكمل خطوته بتصفية الميليشيات التي تزرع الفوضى والانفلات الأمني في العراق! أو على الأقل العمل على تصنيفها، قانونيًا، بأنها منظمات إرهابية خارجة عن القانون، وتهدد وحدة وأمن العراق؟

في سياق البحث عن جواب لهذا السؤال، وغيره من الأسئلة، لا بدّ من إلقاء نظرة على اللوحة العراقية، ومحاولة تقصي الصراعات ما بين القوى العراقية وتلك الصراعات من الخارج، في ضوء التوتر الأميركي الإيراني، والتحولات وتغيرات القوى والسيطرة في المشهد العراقي، حيث بات هناك خمسة عناوين لقوى تتفاعل داخل تلك اللوحة، وهي:

1 – ميليشيات “الحشد الشعبي”، فالحشد الذي يشمل ثمانين فصيلًا لم يعُد بعد مقتل سليماني والمهندس، كما كان قبله، فهو أولًا أصبح في الإطار العام حشدَين: حشد ولائي يجاهر بتبعيته لطهران، وحشد العتبات، وهي أربعة فصائل تتبع مرجعية السيستاني الدينية في النجف، وقد خرجت من الحشد، ووضعت نفسها تحت تصرف القائد العام، حيث بات الخلاف في التوجهات بينها وبين الفصائل الولائية واضحًا، فالعداء لتنظيم (داعش) الذي كان يوحدهما لم يعد قائمًا، والعنصر الأهم هو الموقف من ثورة العراقيين ومطالبها، فحشد المرجعية يتبنى إلى حدٍ كبير مطالب المتظاهرين، في حين أن فصائل الولائي قتلت حتى الآن أكثر من ستمئة متظاهر، فضلًا عن الإصابات والخطف والتصفيات، وأصابع الاتهام في هذه النقطة تتجه أكثر ما تتجه إلى ميليشيا “بدر” التي يقودها هادي العامري، والأمر الثاني أن الميليشيات الولائية لم تعد على تلك الدرجة من الولاء والتبعية لطهران، كما كانت، لكنها لم تقطع معها تمامًا، فطهران، بحكم أزمتها الاقتصادية المتمادية بفعل العقوبات الأميركية الشديدة، لم تعد قادرة على تقديم الدعم المالي لهذه الميليشيات، كما كانت سابقًا، لكنها ما زالت تمدّها بالسلاح، وأصبح لهذه الميليشيات أجنداتها الخاصة وأحيانًا المحلية، ومصادر تمويلها الذاتية من عائدات الحواجز والتهريب وفديات الخطف والتهريب والسطو على بيوت وأرزاق العراقيين وسرقتها.

إن عدم انضباط بعض الميليشيات الولائية بتوجهات طهران، وقصفها أحيانًا لأهداف أميركية دون أوامر، جعل منها عبئًا على طهران في هذه المرحلة، وهذا يعود في جزءٍ منه إلى افتقاد قائد “فيلق القدس” الجديد إسماعيل قاآني لكاريزما سليماني وخبرته في الملفّين العراقي والسوري، حتى إن علي الياسري (قائد سرايا الخراساني) غمز من طرف قاآني، ووصفه بأنه “لا يملك الخبرة الكافية في العراق”، كما تسربت معلومات عن اتفاق بين قاآني والكاظمي على ضبط فوضى الفصائل، وتفكيك بعض فصائل الحشد، وتوزيع عناصرها على بقية الميليشيات، وذلك خلال اجتماعهما في بغداد، في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 ، ويعتقد بأن اعتقال علي الياسري ونائبه حامد الزائري وأربعين عنصرًا مقربًا منهما، وإغلاق ثلاثة مقار للخراساني، وثلاثة مقار أخرى للجماعة الإسلامية في منطقتي الكرادة والجادرية في بغداد، هي من ضمن هذا الاتفاق، الأمر الذي أشاد به مقتدى الصدر داعيًا إلى “إخلاء الكرادة والجادرية من تجار الجهاد”.

2 – الحراك الثوري في الجنوب العراقي المستمر منذ أكثر من عام، بانتظار تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها، وفي مقدمتها فكّ الارتباط بإيران، وتحسين الأوضاع المعيشية، ومواجهة فساد النخبة الحاكمة وأحزابها، وهو حراك ثوري عجزت قوى البطش عن إخماده وبات حقيقة لن تستطيع الأحزاب تجاهلها، على الرغم من أن وتيرته خفت بسبب كورونا، وأيضًا في سبيل إتاحة الفرصة أمام الكاظمي لترتيب ما يمكن ترتيبه من أوضاع العراق، والإعداد لانتخابات عامة باتت قريبة، يعتقد أن الشعب العراقي سيقول فيها كلمته حول هذه النخبة السياسية التي خطفت العراق ونهبته ورهنته راضية للنفوذ الإيراني.

3 – الطرف الإيراني: يبدو الطرف الإيراني، وكأنه يمرّ بأضعف حالاته في هذه المرحلة، منذ انطلاقة مشروعه التوسعي في المنطقة بُعيد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فقد أنهكته العقوبات الاقتصادية الأميركية (عقوبات الضغط الأقصى) بعد انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي الذي وقع في العام 2015، وأضعفت قدرة إيران على تمويل أذرعها، إضافة إلى أن أذرعها الميليشياوية المنتشرة في سورية تتعرض لضربات مؤلمة ومتواترة من الطيران الإسرائيلي على مدى العامين الماضيين، وقد انكشف وضعها الأمني، حيث تعرضت لكثير من التفجيرات مجهولة المصدر، كان أخطرها تفجير نطنز كرسالة تحذيرية، لكن الأكثر إيلامًا كان اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة في الآونة الأخيرة، وربما يكون الأهم من كل ذلك خشيتها من خسارة الحاضنة الشيعية في العراق، حيث أطلق متظاهرو العراق من ضمن تلك الحاضنة شرارة الانقلاب على الهيمنة الإيرانية، وهناك طبعًا الوضع الداخلي المتوتر، ثم جاء اغتيال سليماني كضربة قاصمة للإستراتيجية الإيرانية التوسعية.

لقد مرّت طهران العام الجاري بحذر شديد، فهي لم تكن لتعط ترامب الفرصة لضربها، ذلك أن كل تهديدات مسؤوليها -على مختلف مواقعهم- بالانتقام لسليماني، لا تعدو أن تكون رسائل للداخل الإيراني، وتوزيعًا في الأدوار على عادة الساسة الإيرانيين، ما بين الدعوات للتهدئة والاستعداد للتفاوض، وما بين التشدد ورفع مستوى الاشتراطات التي تكذبها قنوات الرسائل الخلفية، عبر الوسيط العُماني أو السويسري، وكل ما يصدر من أذرع إيران في المنطقة، ضمن ما يسمى “حلف المقاومة”، هو للتذكير بقدرة إيران على الإيذاء في المحيط، وتحسين شروط إيران في التفاوض المعقود عليه الأمل، بعد أن يتسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.

لا شك في أن إيران لا تسعى لمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وهي ليست قادرةً عليها، لكن إذا جرت الأمور عن غير قصد باتجاه مواجهة من مستوًى ما، فإن التوجه الإيراني سيكون نحو أن يجعل من العراق ساحته، أو أي ساحة أخرى من ضمن الساحات الأربعة التي تتحكم فيها إيران.

4 – الولايات المتحدة الأميركية: منذ أن ألغى الرئيس ترامب الاتفاق النووي تنفيذًا لوعوده الانتخابية، تصاعد التوتر في العلاقة الأميركية الإيرانية، وتراجعت عما كانت عليه في عهد أوباما، فقد فرض ترامب عقوبات واسعة وقاسية ومتصاعدة، أنهكت الاقتصاد الإيراني ومنعت بقية دول العالم من التعامل معها، ثم جاء التفاهم الأميركي الإسرائيلي، برضا روسي، عام 2018 على منع إيران من التموضع الإيراني في سورية، حيث تتصاعد وتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية ومستودعاتها ومراكز تصنيع الصواريخ الخاصة بها، وكانت الضربة الأكثر إيلامًا اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وهو من كان يقود مشروع التوسع الإيراني في المنطقة، ولا يبدو أن إيران قادرة على تعبئة الفراغ الذي خلفه مقتل سليماني، بحكم خبراته وكاريزميته وارتباط المشروع به تخطيطًا وبناءً وإدارةً.

الولايات المتحدة ليس في خططها شنّ حرب على إيران، إلا إذا دُفعت إلى ذلك، حسبما تقتضيه إستراتيجيتها، أو إذا استطاعت إيران إيقاع أذى كبير بها لا يمكنها السكوت عنه، لكنها ستحاول متابعة الضغوط الاقتصادية وربما السياسية، بغية إجبارها على إعادة التفاوض حول الملف النووي والملف الصاروخي، وسياستها التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، وكل التحليلات التي تذهب إلى أن ترامب سوف يضرب إيران، في الأيام المتبقية له في البيت الأبيض، بغية تكبيل أيدي الإدارة القادمة تجاه إيران، تجانب الصواب والمنطق، فليس في العرف السياسي الأميركي أن يُقْدم الرئيس الراحل على توريط الرئيس القادم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ترامب الذي ترك انطباعًا، بأنه الرئيس الذي يصعب التنبؤ بما سوف يقوم به، يبقى في المحصلة جزءًا من إدارة واسعة، لا تُخضع مصلحة الولايات المتحدة لرؤية شخص، أيًا يكن، على أهمية الصلاحيات التي يملكها الرئيس، ما دام على رأس عمله، وكل الحشود العسكرية الأميركية في الخليج، وآخرها إرسال الغواصة النووية (يو إس إس جورجيا)، وما يقال عن غواصة إسرائيلية أيضًا، واستعراض القوة التي نفذته أخيرًا قاذفتا بي 52، تدلل أن هذه الحشود هي رسائل ردع لإيران ليس إلا، ما دامت إيران لم تتجاوز الحد الذي يمكن لأميركا أن تتحمله، وهي لن تتجاوزه.

5 – رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي: هو ضابط أمن محترف، لا ينتمي إلى أي حزب، جاءت به ثورة أكتوبر 2019، بعد أن أسقطت حكومة عبد المهدي، كما أسقطت خيارات لبدائل طرحتها القوى المتحكمة في المشهد العراقي وإيران، وقد حظي بقبول المرجعية الدينية لمهمة أساسية هي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وضبط فوضى السلاح، وملاحقة قتلة المتظاهرين، وإذا كانت إيران قد قبلت بتوزيره على مضض، فربّما كانت غايتها إفشاله من خلال إظهار عجزه عن إنجاز المهمات التي تصدى لها، لكن بالمقابل من غير المعروف المدى الذي تدعمه فيه الولايات المتحدة، وإذا كان لهذه القراءة نصيبٌ من الواقعية، يكون الرجل في وضع من الصعوبة لا يحسد عليه، لأن خصومه الداخليين أو الخارجيين ليسوا بالسهولة التي يمكن المداورة معها، خاصة أنه يحاول تحييد العراق عن الاستقطاب الأميركي الإيراني، وألا يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين. هذا الوضع يجعل الرجل مضطرًا إلى إجراء الحسابات الدقيقة في كل موقف وقبل كل كلمة، وقد لوحظ أنه يحاول الانفتاح على البيئتين العربية والإقليمية، حيث سرّع مسيرة التطبيع وفتح المعابر مع السعودية، وسعى لتعزيز علاقات العراق بمصر والأردن وتركيا، وذلك لتعزيز موقفه الداخلي، محاولًا عدم استفزاز إيران قدر الإمكان، بدليل إرساله المستشار أبو جهاد الهاشمي (المحسوب على إيران) كمبعوث من قبله لشرح مواقفه الأخيرة، وإبلاغ طهران بنفاد صبر بغداد تجاه تصرفات الميليشيات التي أطلقت الصواريخ على السفارة الأميركية.

بالعودة إلى السؤال الأساس وخطوة الكاظمي غير المكتملة، نجد هناك نقاطًا عدة:

أ – إذا كانت قراءة الكاظمي للمشهد تقرّ بتراجع النفوذ الإيراني، كنتيجة للضغوط التي تتعرض لها في أكثر من ساحة، وصعوباتها الاقتصادية والتوتر الداخلي؛ فإن إستراتيجية الضغط والمحاصرة التدريجية للفصائل المحسوبة على طهران، تكون أجدى من استعجال مواجهة معها غير مضمونة النتائج، في مرحلة انتقالية يمرّ بها الوضع الأميركي، ويصبح الرهان على ضعف الفصائل، بمساعدة ضغط الشارع وإضعاف تبعيتها لإيران، رهانًا معقولًا.

ب – إذا كانت المعطيات الداخلية لديه تشير إلى أن الأحزاب التي أدارت العراق منذ العام 2003، ستُهزم أو ستخسر من رصيدها إلى حدٍ كبير في الانتخابات القادمة، التي ستجري بتاريخ 7 تموز/ يوليو القادم؛ فإن تأخير المواجهة مع الفصائل يصبح خيارًا أكثر نفعًا ومعقولية، حيث لوحظ أن هذه الأحزاب أيضًا لا تدفع باتجاه المواجهة، كي لا تدفع ثمن مواقفها هذه في تلك الانتخابات، ومن جهة أخرى، يلاحظ سعي التيار الصدري واستعداداته لملء الفراغ الذي ستخلفه النتائج على رصيد تلك الأحزاب، إذا لم تخيب ظنه ساحات التظاهر، وهذا مرجّح، لأن مواقفه تجاه التظاهرات لم تكن أقلّ سوءًا من القوى الأخرى، عندما فشل في تجيير التظاهرات لخدمة مصالحه.

ج – وإذا كان -بحكم موقعه الأمني السابق- على دراية دقيقة بالخلل الذي يعانيه الجيش العراقي والقوى الأمنية العراقية، وسيطرة إيران وأذرعها العسكرية أو الأمنية من العراقيين على مفاصل السيطرة والتحكم داخل المؤسستين؛ فإن العمل على ترتيب الأوضاع داخلهما، وعزل العناصر التابعة لإيران، يكتسب أهمية تفوق الدعوات للمواجهة واتهامه بالتردد أو الجبن، أو تلك التي تتهمه بأنه ليس في وارد القطع مع طهران، ولا يعدو أن يكون نسخة جديدة تلائم مستجدات الوضع الإيراني.

وبالمجمل؛ إذا كانت هذه القراءة تنطوي على قدر معقول من الواقعية، فإن نصف خطوةٍ ثابتةٍ على أرض صلبة، باتجاه الهدف، أفضل وأكثر جدوى من خطوة في الفراغ، مهما كانت طويلة، ولا يخفى على أحدٍ حجمُ التغلغل الإيراني في العراق، وأن تخليصه من براثن السيطرة الإيرانية يحتاج إلى إستراتيجية دقيقة ذات نفس بطيء، وإلى تعاون عربي وإقليمي فاعل، وإلى انفجار الوضع الداخلي في إيران؛ حيث إن إيران تعُدّ العراق، بحكم ثرواته وتركيبته الاجتماعية، درّةَ ما تحصلت عليه من نفوذ في المنطقة، ولن تفرّط فيه، سواء في تفاوضها أم في مواجهتها مع الطرف الأميركي وإسرائيل، على الرغم من أهمية وجودها في سورية، لحماية طريق حلمها بالوصول إلى المتوسط، وبالنتيجة نجد أن أي حديث عن مواجهة وشيكة، بين إيران والولايات المتحدة، ليس واردًا في المدى المنظور.

مركز حرمون

——————————–

خيارات بايدن في سوريا/ بهاء العوام

القوات الأميركية تدفع بتعزيزات عسكرية إلى محافظة دير الزور شرق سوريا. ليس بأمر من الرئيس المنتخب جو بايدن، وإنما تمهيدا لما ينتظر فعله من ساكن البيت الأبيض الجديد حيال أزمة تقترب من إتمام عقدها الأول دون بوادر حل سياسي.

التعزيزات تلت تصاعد عمليات داعش شرق نهر الفرات، وسواء كان ذلك مدبّرا من دمشق وحلفائها أم لا، فإن حربا جديدة ومحدودة على الإرهاب هناك تلوح في الأفق، وقد ترسم محددات سياسة بايدن في سوريا خلال سنوات حكمه.

التعزيزات أيضا جاءت بعد هدوء التوتر بين قوات الدفاع الوطني التابعة للحكومة وقوات الأسايش في مدينة القامشلي. وبالنسبة إلى الرئيس بايدن الذي يعتبر الأكراد حلفاء تجب حمايتهم، فإن كل من يرفع السلاح ضد هؤلاء الحلفاء هو إرهابي لا بدّ من مطاردته. فكيف إن كان هذا الإرهابي مدعوما من روسيا أو إيران أو حتى تركيا التي لا يبدو الرئيس المنتخب مهتما بمخاوفها إزاء تأسيس إقليم كردي سوري يمثل امتدادا لنظيره وجاره العراقي، ويلهم أبناء القومية ذاتها في بقية دول الجوار.

قد تبدو فكرة التقسيم مغرية لبايدن، وهو من أنصارها منذ أن طرحت إبّان الغزو الأميركي للعراق.

كان بايدن نائبا في الكونغرس فقط، أما اليوم وقد أصبح رئيسا للولايات المتحدة وتبدو الظروف مواتية جدا للتقسيم في البلدين، فربما يمضي في مشروعه المؤجل منذ نحو ثلاثة عقود.

هنا يكون ما تركه سلفه دونالد ترامب إرثا قيّما، وتكون الوصايا التي تركها المبعوث الأميركي السابق بالنسبة إلى الملف السوري والتحالف الدولي ضد داعش، جيمس جيفري، هي ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

جيفري دعا الإدارة الجديدة للبيت الأبيض إلى مواصلة نهج ترامب في التعامل مع الأزمة السورية. وأبرز إنجازات ترامب في هذه الأزمة على مدار السنوات الأربع الماضية، هي هدم “دولة” الدواعش، وعرقلة تطبيع دول العالم مع “الرئيس” بشار الأسد، ومنح أراض مجانية لتركيا شمال البلاد، ودعم إنشاء إقليم كردي مستقل شرق نهر الفرات. قد تبدو هذه الإنجازات متناقضة قليلا، ولكنها تمنح الإدارة المقبلة للبيت الأبيض مرونة في التعامل مع الأزمة وفقا للمصلحة الأميركية العليا.

في دعوته إلى تبني نهج سلفه في الأزمة السورية، يترك جيفري للرئيس المنتخب ثلاثة خيارات أسس لها ترامب وفق مستجدات المنطقة على ضوء علاقة بلاده مع إيران وروسيا وتركيا، الأول هو إعادة الشرعية إلى الأسد بعد إجراء إصلاحات داخلية تنفيذا للقرار 2254، والتعاون مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، والتخلص ممّا بقي لديه من أسلحة كيمياوية، ثم “محاسبة” مرتكبي جرائم الحرب التي وقعت خلال عقد من الأزمة، وأخيرا ضمان عودة “حرة” و”كريمة” للاجئين والنازحين.

الخيار الثاني المستشف من تلك المقابلة الصحافية التي أجراها جيفري مؤخرا، وهو أيضا لا يتضمن إسقاط النظام، يتمثل بتقسيم سوريا إلى عدة أجزاء. وجود هذا الخيار هو حقيقة لا يستطيع أحد نكرانها، وهي ما تدفع بغالبية الأطراف الدولية والمحلية المعنية إلى المماطلة في حل الأزمة، إمّا لأنها تفضل هذا الخيار وتعمل على تمرير الوقت كي يتحوّل إلى خيار يتيم، وإمّا لأنها تستفيد من عصاب التقسيم لتخويف خصومها ومنافسيها، ودفعهم نحو تنفيذ مقترحاتها وخططها لحل الأزمة في البلاد.

المبعوث السابق يقول إن الجيش التركي في إدلب السورية بات يقدّر بعشرات الآلاف، وهو بدعم من الأميركيين والأوروبيين، يستطيع عدم إعادة المحافظة إلى سيطرة “الدولة”.

ومع اعتراف واشنطن بتبعية الجولان المحتل لإسرائيل، وتوسيع دائرة دعمها للأكراد شرق نهر الفرات اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، إضافة إلى قبولها بالوجود العسكري الروسي في سوريا إلى الأبد، نستنتج أن مشروع تقسيم سوريا وارد، ولم تصرف الولايات المتحدة النظر عنه مهما ادّعت عكس ذلك في وسائل الإعلام.

مع أخذ المعطيات السابقة بعين الاعتبار، يصبح خروج إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وروسيا من سوريا مستبعدا، ولا يتبقى إلا إيران التي يريد بايدن عقد اتفاق جديد معها ومصالحتها بمجرد دخوله إلى البيت الأبيض. لن يسمح الرئيس المنتخب للخمينيين ببناء قوة عسكرية جنوب سوريا على غرار حزب الله جنوب لبنان، ولكنه لن يحارب ميليشياتهم التي تغلغلت في المجتمع السوري فكرا واقتصادا وسياسة، خاصة وإن وافقت طهران على وضع ضوابط أميركية لبرنامجيها النووي والصاروخي.

يعرف جيفري أن إيران لن تخرج من الدول العربية التي تهيمن عليها دون حرب تجبرها على ذلك. ولأنه يجهل إن كانت المنطقة تنتظر حربا فعلا، أم أنها مقبلة على صفقة جديدة بين بلاده وطهران، وضع خيارا ثالثا أمام الإدارة الأميركية الجديدة يتمثل بتعليق أزمات الشرق الأوسط إلى أجل غير مسمى. وهذا يعني الاستمرار بتقليم أظافر الخمينيين خارج حدودهم حتى بعد إبرام اتفاق يضبط برنامجهم النووي، وهو عكس ما فعل الرئيس الأسبق باراك أوباما في اتفاق لوزان عام 2015.

ولأن أولويات عديدة تتقدم أزمات المنطقة على أجندة بايدن في السياسة الخارجية، يمكن أن يكون خيار جيفري الثالث هو الأكثر واقعية، خاصة وأنه تجنب الخوض كثيرا في أزمات العراق وسوريا واليمن ولبنان خلال حملته الانتخابية. وكأن لسان حاله يقول إن إدارته لن تسعى إلى استقرار الشرق الأوسط إن جرت الرياح على عكس ما تشتهي سفن الديمقراطيين في تنفيذ أجندة أميركية تعيد فيها الولايات المتحدة صياغة التحالفات والاتفاقيات الدولية بما يناسب تطلعاتها في المنطقة والعالم عموما.

صحافي سوري

العرب

——————————–

تعليق حسابات ترامب وسجال مواقع التواصل العملاقة

قرار «تويتر» و«فيسبوك» بتعليق حسابي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرمه من 88 مليون متابع على موقع التواصل الاجتماعي الأول و35 مليون متابع على الموقع الثاني، وأفقده بالتالي وسائل اتصال سياسية واقتصادية وإيديولوجية وثقافية مع أعداد هائلة وغير مسبوقة من الأنصار والخصوم على حد سواء. وكان طبيعياً أن يطلق حجب الحسابين نقاشاً يتجاوز التبريرات التي ساقتها الشركتان، وتنحصر عموماً في الخشية من لجوء ترامب إلى الحسابين للتحريض على العنف وتسعير المزيد من مشاعر الفرقة والكراهية على غرار الوقائع التي تابعها العالم بأسره خلال اقتحام مبنى الكابيتول استجابة لدعوات صريحة أو مبطنة كان «تويتر» و«فيسبوك» ومواقع أخرى حاضنة لها.

أساس الاختلاف حول قرار التعليق ينطلق من فريق أول يرى فيه حداً من حرية الرأي والتعبير ويجعل من هذه الشركات أجهزة رقابة عملاقة لا ضوابط تحكم خياراتها، وفريق ثانٍ مواز ينطلق من مبدأ بسيط بدوره مفاده أن حرية الرأي والتعبير مسقوفة بحدود تهديد الأمن العام أو التحريض على العنف أو خرق القوانين. لكن هذا النقاش سرعان ما يفسح المجال أمام مستوى أعمق وأبعد أثراً، هو أن الحساب موضوع التعليق ليس عادياً من جهة أولى، وأن صاحبه من جهة ثانية هو رئيس القوة الكونية الأعظم حتى إذا كان على أعتاب مغادرة منصبه.

وبهذا المعنى لا يجوز التغاضي عن حقيقة التوقيت الذي اقترن باتخاذ قرار التعليق، ليس لجهة اقتحام مبنى الكابيتول بل على وجه التحديد لأن ترامب على وشك مغادرة البيت الأبيض، فلماذا لم يلجأ الموقعان إلى إجراء سبق لهما أن اتخذاه للحدّ من سوء استخدام المنصتين، أي وسم كتابات ترامب بعلامة تحث المتابع على تدقيق المعلومة؟ ولماذا الإجراء الزجري الشديد الآن، بعد سنوات طويلة سبقت انتخاب ترامب وشهدت إصراره على نشر الأكاذيب والأقوال الزائفة والتحريض، وتغاضت عنها منصات التواصل؟

صحيح أن تغريدات ترامب وتعليقاته تستحق كل شجب وإدانة، وهذا استحقاق قديم وليس ابن اليوم أو وليد الهجوم على مبنى الكابيتول، ولكن قرار تعليق حساباته الآن تحديداً يثير أيضاً المخاوف الجدية حول هيمنة مواقع التواصل الاجتماعية على أقدار الهيئات والدول والأمم والأفراد، خاصة وأنها يمكن أن تُمارس خارج قواعد ناظمة تراعي حق الرأي والتعبير، وخاصة كذلك أن هذه المواقع هي شركات عابرة للقارات ليست بمنأى عن البورصة وصراعات الأسهم وتأثيرات الرأسمالية المعاصرة. وإذا كانت قد لعبت، وتلعب دائماً، سلسلة أدوار حيوية في تناقل المعارف وتبادل المعلومات واحتضان منابر الحريات وتشجيع النضالات الديمقراطية، وانتفاضات «الربيع العربي» خير مثال، فإنها في الآن ذاته ليست بحد ذاتها ديمقراطية ولا في الآن ذاته معادية للديمقراطية، ويتوجب بالتالي إخضاعها للقوانين ذاتها التي تحكم عمل شركات كونية عملاقة تُحسب ميزانياتها وأرباحها بعشرات المليارات.

ولم يكن غريباً رأي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في أن قرار تعليق حساب ترامب «إشكالي» والأرجح أنها عكست تلك الخشية من أن تنقلب مواقع التواصل الاجتماعي إلى سلطات عليا حاكمة ضمناً، تترسخ سلطاتها من دون المرور بإرادة شعبية أو انتخابية ذات شرعية واضحة، وتمتع في الآن ذاته بنفوذ لا سابق له ولا منافس.

القدس العربي

—————————

حتى رمقهم الأخير في الحكم… وبعده!/ جلبير الأشقر

ما أن اتضح أن دونالد ترامب خسر الانتخابات الرئاسية قبل شهرين ونيّف حتى بدأت قيادة الحزب الترامبي ـ الذي لن يلبث على الأرجح أن ينشقّ عن الحزب الجمهوري ـ تسير في اتجاهين تصدّياً للحدث. تزعّم الاتجاه الأول ترامب نفسه، وقد رمى إلى قلب نتيجة الاقتراع بواسطة القضاء الموالي للجمهوريين، مصحوباً بحملة تحريض واسعة مرتكزة إلى الكذب الوقح على طريقة الدعاية النازية، تتوجّهما محاولة انقلابية عن طريق احتلال عصابات فاشية لمبنى الكونغرس الأمريكي، وذلك من أجل تعطيل التصديق على رئاسة جو بايدن وخلق حالة من التمرّد المسلّح تتيح لترامب استخدام القوات المسلّحة الفدرالية استناداً إلى قانون عام 1807 الذي يُجيز اللجوء إليها في وجه «انتفاضة». وقد فشلت الخطة من خلال المشهد البائس الذي شهده العالم قبل أسبوع.

والحال أن النية التي نسبناها لترامب بصورة تهكمية قبل شهرين (مقال «مكالمة سرّية خطيرة بين ترامب والسيسي» بتاريخ 10/11) تأكدت حقيقتها قبل عشرة أيام لمّا حذّر عشرة وزراء سابقين للدفاع، بمن فيهم مارك إسبر، آخر وزراء الدفاع العاملين تحت ترامب والذي أقاله هذا الأخير حالما تأكدت هزيمته الانتخابية، حذّروا وزارة الدفاع في رسالة مشتركة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» (3/1) من ارتكاب «أي أعمال سياسية تنسف نتيجة الانتخاب». وهذا ما يفسّر سعي الديمقراطيين المحموم لتجريد ترامب من سلطاته الرئاسية بالرغم من أنه سوف يفقدها رسمياً بعد أيام قليلة، خشية من أن يستخدمها في تكرار السيناريو الانقلابي بمناسبة حفل تسليم الرئاسة لخصمه.

أما الاتجاه الثاني، فكان الاستعداد للخروج من الحكم في حال فشلت الخطة الأولى، وقد تضمّن ذلك جملة تدابير مستعجلة في الشؤون المحلّية كما في السياسة الخارجية. فكانت أبرزها في المجال الداخلي إجراءات العفو الذي منحه ترامب لمعاونيه المسجونين بسبب خرقهم للقوانين الأمريكية، لاسيما من خلال الكذب لحماية أنفسهم وحماية ترامب في آن واحد. وقد أشرف مايك بومبيو على اتخاذ كل ما يستطيع من تدابير في السياسة الخارجية قبل خروجه من المسرح، وآخرها حتى كتابة هذه الأسطر إدراج حوثيي اليمن على قائمة الإرهاب الأمريكية (علّقت عليه افتتاحية «القدس العربي» يوم أمس) وإعادة إدراج كوبا على تلك القائمة بعد أن كانت إدارة باراك أوباما قد أخرجتها منها. وفي هذين التدبيرين شكرٌ للناخبين كوبيي الأصل المقيمين في فلوريدا والذين أدلوا بأصواتهم لترامب بأغلبية واسعة، وخدمة بالطبع لحلفاء إدارة ترامب الخليجيين في صراعهم مع إيران. وتندرج في هذا السياق الأخير مساعي صهر ترامب جاريد كوشنر في ترتيب «المصالحة» الخليجية الأخيرة وفك الحصار الذي كان مفروضاً على قطر منذ أولى أشهر ولاية ترامب، تفادياً لحصول الأمر نفسه بشكل محتوم في ظلّ إدارة بايدن بما يُظهره بصورة فاقعة على أنه هزيمة نكراء للمساعي التي بذلها متولّي العهد الإماراتي محمد بن زايد في محاولة تركيع قطر.

وطبعاً، كالمعتاد مع الإدارة الترامبية، فإن المستفيدة الأولى من سياستها الخارجية هي إسرائيل، لاسيما أن أعزّ أصدقائهم بنيامين نتنياهو ما زال يتزعّمها. فقد طعن بومبيو قبل شهر بالسياسة الأمريكية التقليدية إزاء مسألة الصحراء الغربية، معترفاً رسمياً بانتمائها إلى الأراضي المغربية، بما أثار حفيظة بعض الجمهوريين البارزين من طاقم السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك بغية الحصول على «تطبيع» المملكة المغربية لعلاقاتها بالدولة الصهيونية. ولا شك في أن قيام حكومة نتنياهو بالتعجيل في قرار بناء 850 وحدة سكنية جديدة في المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية، وذلك قبل عشرة أيام فقط من تولّي فريق بايدن لزمام السلطة التنفيذية الأمريكية، إنما تم بتشجيع من فريق ترامب.

وفي كل ما سبق صورة جلية عن المشهد الذي ينتظرنا في السياسة الدولية بدءاً من هذا العام: فمثلما تحالف نتنياهو بصورة وقحة مع الجمهوريين في الضغط على إدارة أوباما، سوف يتابع تحالفه هذه المرة ليس مع الجمهوريين، أو ليس معهم وحسب، بل مع الحزب الترامبي تحديداً في وجه إدارة بايدن وفي إطار تحالف دولي يضمّ الدولة الصهيونية إلى ما وصفناه قبل شهرين (17/11) تحت تسمية «الحلف الثلاثي الرجعي» المكوّن من روسيا فلاديمير بوتين وإمارات محمد بن زايد ومصر عبد الفتّاح السيسي. ويشكّل هذا الحلف السند الخارجي الوحيد الذي يستطيع متولّي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن يرتكن إليه في سعيه وراء التربّع على العرش السعودي ونقل حكم المملكة من السلالة السعودية القائمة على الوراثة بين أبناء عبد العزيز بترتيب العمر إلى سلالة جديدة، سلمانية، قائمة على الوراثة ابناً عن أب.

ويفتح هذا الأفق جادة واسعة أمام إيران في التقارب مع إدارة بايدن والاستفادة من التوتّر بينها وبين ألدّ أعداء طهران الإقليميين، لولا أن جناح الحكم الإيراني المتشدّد المهيمن في طهران، والذي يشكّل جيش «حرّاس الثورة الإسلامية» عموده الفقري، يبذل قصارى جهده لتنفيذ إجراءات استفزازية، منها زيادة تخصيب اليورانيوم ومنها خطف باخرة كورية جنوبية، ناهيكم من التصعيد السياسي الذي تقوم به ملحقات «الحرّاس» في لبنان والعراق، وذلك بغية الحؤول دون العودة إلى انفتاح يستفيد منه الجناح الإصلاحي الإيراني. أما الخلاصة الأكيدة فهي أننا قادمون في المرحلة المقبلة على كل شيء ما عدا أيام هادئة.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

——————————

لم يكن انقلابًا/ حيان جابر

نخضع منذ الصغر لمحاولات قولبة جاهزة ومحكمة، على جميع الصعد والمستويات، وغالبًا ما تنحصر ضمن ثنائيات مقيتة وحاسمة: أبيض-أسود، خير-شرّ، مهذّب-غير مهذّب، نعم-لا، والعديد العديد منها، وهذا يقودنا إلى استسهال الأحكام الجاهزة والناجزة والحاسمة تلقائيًا، من دون أي حاجة إلى التفكير أو التحليل، ومن تلك الثنائيات الجاهزة مقولة: “العلم نور والجهل ظلام”، والقاعدة السياسية التي تدعي “متانة النظم الديمقراطية”، وقس عليهما العديد من الأعراف والعبارات الناجزة والحاسمة، التي تخفي العديد من الحقائق المدوية في تلافيفها.

فيما يخص “العلم والجهل والنور والظلام”، يهدف هذا المثل الشعبي إلى تسليط الضوء على أهمية العلم، ودوره الحاسم في مجالات الحياة، وكأنه مصباح علاء الدين السحري الذي يفتح كل الأبواب المغلقة، بينما الحقيقية مختلفة قليلًا، وربّما كثيرًا. فصحيح أن العِلم يُعدّ وسيلتنا الفضلى للتغلب على مصاعب الحياة ومشكلاتها، وتطويعها في كثير من الأحيان، إلا أنّ مسار العلم والتعلّم الحقيقي مسارٌ صعبٌ حافل بالتعقيد، وبالأبواب المغلقة التي تحرّض طالب العلم على البحث والتجريب بغية فتح أحدها، وما إن يفتح أحدها حتى نصدم بعدد الأبواب المغلقة التي فتح الطريق لها. لا أعني فلسفة الموضوع بقدر ما أعني تصوير المسار العلمي الواقعي القائم على البحث الدائم والتجربة غير المنتهيين؛ فكل تقدم علمي هو مقدمة لتوارد الأسئلة والمسائل المستعصية على الحل، وذلك على عكس الفهم التقليدي المتداول الذي يحلم بالعلم الكامل والمتكامل والناجز لجميع المعارف. الأمر الذي دفعني إلى الاعتقاد -في مرحلة سابقة- بأن المقولة الأصدق ربما تكون معكوسة، أي إن الجهل نور والعلم ظلام؛ فصاحب الجهالة عابث وغير مدرك لحجم الأخطار التي تحيط به، لذا فهي لا تقضّ مضاجعه، على حين أن صاحب العلم، على النقيض تمامًا، غارقٌ في مئات الأسئلة والمخاوف، من نتائج هذا الفعل أو ذاك، ومنها ما هو مفتوح على المجهول أحيانًا، مما لم يحسمه العلم بعد، مما يثير الريبة والقلق ويحفز على البحث العلمي والاستقصائي، وكأنه هو القابع في ظلام الواقع الصعب، على عكس الجاهل المنتشي بأنوار خادعة وكاذبة متخيلة، لكنها جميلة.

وينطبق هذا الأمر كذلك على الديمقراطية، التي تحوّلت، بفعل تسطيحها وتنميطها، إلى مجرد روتين انتخابي سخيف خالٍ من مضمونه الأساسي والجوهري؛ فالديمقراطية -بالأساس- هي عملية معقدة ومركبة، تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة بين الجميع، على قاعدة إلغاء التمييز والتمايز القسري، سواء أكان تمايزًا ماليًا أم عقائديًا أم جندريًا أم أي شكل من أشكال التمايز الأخرى، وعلى ذلك؛ فالديمقراطية هي وسيلة لتحقيق العدالة والمساواة والحرية لجميع البشر دون تمييز، وهو ما يشير إلى أحد أهم شروطها المنسيّة والمخفية، المتمثلة في التأسيس لمجتمع واع لحقوقه وواع لواجباته، وقادر على نبش الحقائق وتحليلها بعلمية وموضوعية. في حين تحولت الديمقراطية المعاصرة إلى مجرد إجراء انتخابي يمنح المنتخبين حق الاختيار الشكلي، بين خيارين أو ثلاثة أو حتى مئة من الخيارات المتشابهة في خواتيمها، فجميعها خيارات لا تحقق أهداف الديمقراطية الجوهرية في التأسيس والحفاظ على مجتمع، تسود فيه قيم العدالة والمساواة والحرية بين جميع أبنائه.

ومما يظهر من التدقيق، في البيانات الوطنية والعالمية العديدة، مدى توسّع الفجوة المعرفية والمالية داخل الدول وفيما بينها، حيث تعكس الأرقام حجم الكتل الاجتماعية المفقرة، حتى في دول العالم المتقدّم المعروفة سياسيًا بـ “الدول الديمقراطية”، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، كما تعكس مدى انحسار الفرص التعليمية، وتصاعد المظالم الاجتماعية والاقتصادية، استنادًا إلى تباين القوة والإمكانات بين مالكي وسائل الإنتاج والعاملين بها. وبناء على ذلك، تمّ نسف القاعدة الأساسية المؤسسة للعملية الديمقراطية، عبر خلق مجتمعات متباينة في القدرات والظروف، وفي الإمكانات، الأمر الذي انعكس بأشكال عديدة مشوهة، وإن حملت عناوين ديمقراطية، أو تمت عبر عملية شكلية انتخابية.

شهدنا أحد مظاهر تلك الحال البائسة في واشنطن، قبل بضعة أيام، عندما اقتحم مجموعة من المتظاهرين مبنى الكونغرس الأميركي، معبّرين عن تمسكهم بما يعتقدونه “حقّ ترامب بولاية رئاسية ثانية”، وربما ثالثة ورابعة، طبعًا لا فائدة تذكر هنا من محاولة معالجة المسألة عقلانيًا؛ إذ لا تستند البنية السياسية الأميركية إلى أي منطق ديمقراطي حقيقي في جميع تفاصيلها الرئيسية، من حيث قوة الولايات وقوة تمثيلها، وقاعدة الاحتساب الانتخابي، أو ما يعرف بالمجمع الانتخابي، ومن ناحية التمايز العرقي والقومي، ومن غياب المعايير الجامعة والبنية التحتية المتساوية، ومن ناحية التحرر الاستهلاكي والاستعباد البشري، وغيرها الكثير الكثير من التناقضات الصارخة التي أسهمت في تحويل الانتخابات إلى مجرد معركة تافهة وشكلية، كان من السهل إدارتها في السنوات الماضية، وفق نمط بيروقراطي ثابت دون أي مفاجئات أو تقلبات تذكر، إلى أن صعد ترامب رئاستها. ولم يجد ترامب أي غضاضة من كسر نمطية الصراع السلطوي في أميركا، دون أي مساس بجوهر الصراع، فقد سار ترامب وفق قواعد اللعبة الأميركية الجوهرية القائمة على سحق أسس الديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية بل السياسية، عبر تغييب قيم الحرية والعدالة والمساواة بين الجميع، في حين عمل على إجراء تبديل في طبيعة الصراع وشكله، ليحوّله من صراع صناديق، إلى صراع نفوذ وسطوة، ولذا لم يتوانَ ترامب عن إبراز قدراته الاجتماعية، عبر حثّ حاضنته الاجتماعية على التعبير عن ولائها له، ودفعها إلى أقصى درجات التنمر والتمرد والرفض، التي توجت اقتحام مبنى الكونغرس.

فمن ناحية شكلية بحتة، يحمل سلوك مؤيدي ترامب الروح الديمقراطية التي عمل طويلًا على تكريسها أميركيًا وليبراليًا، فهي مشهد احتجاجٍ شعبي ذي سلوكات عنفية محدودة، مع بوادر لتحوله إلى سلوك عنفي خطير، بحكم الأسلحة والمعدات الحربية التي يملكونها شرعيًا، وفق القانون الأميركي ووفق القاعدة الأميركية القائمة على تكريس الحرية الاستهلاكية، والأسلحة سلعة، كما نعلم، وفق الفهم الليبرالي. وبذلك هذه نتيجة مفاجئة، لكنها طبيعية لانحطاط الديمقراطية الأميركية، أخلاقيًا وقيميًا، بالحد الأدنى، أي حصر الديمقراطية بعملية انتخابية دورية والحرية بالتحرر الاستهلاكي، والمساواة بحق المشاركة الانتخابية، في حين حوّلت العدالة إلى جسم هلامي، وفق الحالة التي نعالجها، بشرط عدم مساسها بحق أصحاب رؤوس الأموال في التربح ومراكمة الأرباح.

لا أعلم سبب أصرار البعض على اعتبار أحداث واشنطن انقلابًا ترامبيًا، بينما هي مجرد تمرّد، وربما أقلّ من تمرد، لكونها نتاج ديمقراطية شكلية مقيتة ومشوهة، إذا ما قارناها بالمعايير الديمقراطية التي تصبو إليها الغالبية البشرية، باستثناء أصحاب رؤوس الأموال؛ فعندما نستسهل البناء الديمقراطي ونحوّله إلى مجرد إجراء انتخابي دوري خاو من مضامينه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، سوف نصل إلى مرحلة يقودها ويؤثر فيها أحد معاتيه ومجانين هذا العالم الاستغلالي الظالم.

مركز حرمون

——————————-

«حزب أمريكا العظيمة» لصاحبه دونالد ترامب/ محمد كريشان

صديق لي ما فتئ يكرر أن لا مخرج للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته مما هو فيه من كرب شديد سوى التوجه إلى تأسيس حزبه الخاص ولنطلق عليه مثلا تسمية «حزب ترامب الشعبي» أو «حزب أمريكا العظيمة» أو أي تسمية أخرى. إنها طريقته المثلى، كما يرى صديقي، لرأسملة شعبيته بين أنصاره والخمسة وسبعين مليونا الذين صوتوا له حتى يقول للجميع إن هؤلاء هم قوته الأساسية لمواجهة ما يتعرض له من مؤامرات لإقصائه وهم قوته كذلك للعودة بعد أربع سنوات.

لا أحد تحدث حتى الآن عن خيار كهذا، ولكن نظريا لا شيء يمنعه في وقت لم يعد فيه من فاصل واضح بين الحزب الجمهوري وتوجهات ترامب حتى حين دخل مرحلة «الجنون» الأخيرة بتنظيمه تجمعا شعبيا قرب البيت الأبيض تنديدا بـ«تزوير الانتخابات» ودعوته الحاضرين فيه إلى التوجه إلى الكونغرس للحيلولة دون تنصيب خلفه بايدن قائلا إنه سيكون معهم لكنه تخلف عنهم.

هؤلاء «الرعاع» الذين اقتحموا مبنى الكونغرس وعبثوا بمحتوياته وتسببوا في صدمة غير مسبوقة بين المؤسسات الأمريكية هم بمثابة عينة من «الميليشيات» المؤيدة لترامب التي يمكن أن نراها قريبا في عمليات هنا وهناك نصرة لمن يرونه «زعيما» دغدغ أسوأ ما في الأمريكان البيض من مشاعر تفوق وكره للآخرين الذين شكّلوا تنوع المجتمع الأمريكي وفرادته التي قامت على أنه مجتمع مهاجرين يتيح لهم التفوق والإبداع والتنوع.

حزب ترامب المقترح من صديقي، الذي نصحته بارسال فكرته إلى ترامب نفسه لعله يستحسنها ويعمل بها (!!) من شأنه أن يقضي على الانتهازية التي تفشت في أوساط الحزب الجمهوري الذي بات مسؤولوه يخشون سطوة ترامب القادر على تأليب قواعد الحزب ضدهم، بل وحتى القضاء على مستقبلهم السياسي، سواء كان هؤلاء أعضاء في مجلس النواب أو الشيوخ أو مسؤولين في حكومات الولايات وبرلماناتها. أجواء الرعب هذه دفعت أغلب هؤلاء إلى التزام الصمت ليس فقط تجاه مزاعم التزوير التي لم يكل ترامب من تردادها وإنما أيضا تجاه مساعي عرقلة التصديق على فوز بايدن ورفض حضور حفل تنصيبه.

ربما كان السياق أفضل بكثير بالنسبة لترامب لو كان أعلن حزبه، المفترض جدلا، قبل «غزوة الكونغرس» لأن ما أفرزه الحدث بعد ذلك من تداعيات قد يكون أثنى البعض على الالتحاق به بعد أن تحولت سمعته من حزب شعبوي يقف على يمين الحزب الجمهوري نفسه إلى حزب بلطجية لا يتردد في التحطيم والتخريب، ولم لا في الإعداد لتفجيرات وعمليات قتل اعتمادا على ما كشف عن شاحنة قرب الكونغرس معبأة بالمتفجرات أو استعداد جماعات يمينية متطرفة مسلحة للتوجه إلى العاصمة واشنطن لإفساد حفل تنصيب الرئيس الجديد.

إذا تسارعت الأمور وانتهت إلى محاكمة ترامب أو سجنه سواء بسبب تحريضه على الاعتداء على الكونغرس وعرقلة الانتقال السلمي للسلطة، أو بسبب القضايا العديدة التي تنتظر لحظة خروجه من البيت الأبيض من تهرب ضريبي وغيره كثير، فسيصبح لزعيم هذا الحزب المتخيّل «سجل نضالي» أو»شرعية نضالية» يمكن لأنصاره أن يسارعوا إلى تحويلها إلى «أصل تجاري» لجلب مزيد من الأعضاء وتطعيم «سردية المظلومية» التي يشتكون منها دائما.

أما إذا تدهورت الأمور أكثر ووصلت حد المواجهات المسلحة بين قوات الأمن والحرس الوطني من جهة والجماعات المسلحة اليمينية المتطرفة الموالية لترامب فسيتحول هذا الأخير إلى «أيقونة نضالية ملهمة» لاسيما وأن مثل هذا الاحتمال ليس مستبعدا بالمرة إذا ما استمرت أجواء الشحن والتصعيد داخل المجتمع الأمريكي. لا ننسى أبدا ما قاله الصحافي الأمريكي الشهير توماس فريدمان حين حذر قبل ثلاثة أشهر فقط من أن بلاده قد تكون مقبلة على حرب أهلية ثانية، مستندا إلى مخاوفه وقتها من عدم قبول ترامب بنتائج الانتخابات وعدم تسليمه السلطة للفائز والتسبب في أزمة سياسية خطيرة للبلاد قد تؤول إلى فوضى مسلحة. فريدمان قال وقتها «لقد بدأت مشواري كصحافي بتغطية الحرب الأهلية الثانية في تاريخ لبنان، وأنا الآن مذعور من اكتشاف أنني أنهي مشواري كصحافي أغطي الحرب الأهلية الثانية، الممكنة، في تاريخ أمريكا».

لم يظهر ترامب فجأة هكذا، كرجل غريب الأطوار ولا يمكن توقع أفعاله مسبقا، فقد بدا كذلك منذ يومه الأول لكن الضحية لم يكن طوال سنواته الأربع سوى الأجانب والمهاجرين وكل من كانت له علاقة بواشنطن من الحلفاء والأعداء على حد سواء سواء أوروبا أو الصين أو روسيا أو الفلسطينيين فضلا عن استهتاره بكل التزامات بلاده الخارجية من الاتفاق النووي إلى اتفاقية المناخ إلى منظمة الصحة العالمية وغير ذلك. الآن نقل ترامب حريقه إلى الداخل بعد أن كان يتسلى بإشعاله في الخارج.

وسواء أخذ ترامب بنصيحة صديقي في تأسيس حزبه الخاص أو ظل جمهوريا على طريقته فإن ما سيحدث في الفترة المقبلة هو ما سيحدد ما إذا كانت «الترامبية» ستتواصل كفكر سياسي ووزن مجتمعي وانتخابي أم أنه لن يكون سوى مجرد فقاعة ستتلاشى تدريجيا، هي وزعيمها.

كاتب وإعلامي تونسي

القدس العربي

—————————–

رايات الفاشية ووشم النازية و«غزوة» الكونغرس/ إبراهيم نوار

السادس من يناير 2021 يوم اقتحم السوقة والغوغاء من أنصار ترامب مقر الكونغرس الأمريكي، سيبقى نقطة سوداء في تاريخ الديمقراطية الأمريكية، تشير إلى أن التساهل مع اليمين القومي المتطرف، تحت أي مبررات، يقود إلى كوارث لا نجاة منها. النموذج الأمريكي أصبح محلا للمساءلة والشكوك، منذ فشلت الإدارة في اختبارات عالمية رئيسية مثل، حماية البيئة ومكافحة الفقر والحد من التفاوت، ورفع معدلات النمو وإتاحة الأمل للشباب، والمحافظة على صحة الأمريكيين وأرواحهم خلال جائحة كورونا.

السادس من يناير 2021 سجل أيضا تحولا سياسيا خطيرا، وهو أن الديمقراطية الغوغائية، التي كان يرعاها ويحرض عليها سياسيون أمريكيون ضد مواطنيهم من أصول غير أوروبية، تحولت إلى سلاح ضد ديمقراطية البيض أنفسهم، بمحاولة منع ممثليهم المنتخبين في الكونغرس من التصديق على نتائج الانتخابات. العنف الغوغائي في 6 يناير لم يكن ضد أفارقة، ولا ضد آسيويين، أو مواطنين من أصول لاتينية، كان ضد أغلبية من سياسيين بيض، تم انتخابهم بمقتضى النموذج الذي وضعه الآباء المؤسسون للديمقراطية الأمريكية، الذين كانوا جميعهم من البيض المنحدرين من أصول أوروبية.

ببساطة لقد تحول النموذج الأمريكي إلى رمز للفشل التام، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا خلال أربع سنوات من حكم دونالد ترامب، الذي صوت له في سعيه للحصول على فترة رئاسة ثانية 70 مليون ناخب أمريكي من البالغين الراشدين العاقلين. أليست هذه مفارقة تاريخية في الدولة التي تزعم قيادة النظام الديمقراطي الليبرالي في العالم؟ اللافت للنظر في عملية اقتحام مقر الكونغرس، التي وقعت لمنع التصديق على نتائج الإنتخابات، هو أن أنصار ترامب رفعوا رايات الفاشية، ورسموا على صدورهم وملابسهم وشم النازية، بينما كان رئيسهم يحرضهم داعيا إياهم إلى «استعادة أمريكا» بالقوة، وتخليصها من جماعات السياسيين الضعفاء (الديمقراطيين) والمستسلمين (الجمهوريين غير المؤيدين لترامب). وقد ذكرت في مقال سابق عن حرب ترامب على الديمقراطية الأمريكية، أن هناك جذورا لأفكار التعصب العرقي، وثقافة تفوق الرجل الأبيض، والعنف ضد غير البيض، وأن عملية تداول السلطة لن تكون سلسة، وأن جمهور هذه الثقافة يمثل القاعدة السياسية التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2016، وكانت تتوق إلى استمراره لمدة أربع سنوات أخرى، أو ربما أكثر من ذلك، حتى لو تطلب الأمر الانقلاب على الديمقراطية.

وخلال الفترة منذ نهاية انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا على مقعدي مجلس الشيوخ وفوز مرشحي الحزب الديمقراطي، أحدهما من أصول افريقية، والثاني يهودي، وما تلا ذلك من أحداث في واشنطن، بدأت في الولايات المتحدة موجة مراجعة للثقافة السياسية، وإعادة تقييم ما يحدث، من زوايا تتجاوز مجرد رصد الأحداث وتحليلها، إلى آفاق تلامس نوافذ وأبواب مستقبل الولايات المتحدة، وهو ما اتضح بصورة جلية في إسهامات مؤرخين ومفكرين من أمثال تيموثي سنايدر أستاذ التاريخ في جامعة ييل، وجيفري ساكس أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة كولومبيا، وجوزيف ناي أستاذ نظم الحكم في جامعة هارفارد.

فساد النظام السياسي

يؤكد عالم فلسفة التاريخ تيموثي سنايدر في مقال نشرته «نيويورك تايمز» (9 يناير 2021) أن ترامب لم يؤمن قط بالديمقراطية، ولم يقبل نسختها الأمريكية. لكن هذا التأكيد يثير إشكالية خطيرة تكمن في جوهر النظام السياسي الأمريكي، ألا وهي كيف أن شخصا لا يؤمن أساسا بالديمقراطية، تمكن من أن يصبح رئيس أقوى دولة في العالم، تزعم قيادتها للأنظمة الديمقراطية، وتجعل من شعار الدفاع عن الديمقراطية أهم محركات سياستها الخارجية؟ إن الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة، عملية سياسية معقدة، وواسعة النطاق، تضمنت في حال ترامب تزكية الحزب الجمهوري بقواعده وقياداته، وحصوله على دعم مالي وتبرعات ضخمة من أفراد ومؤسسات ترى لها مصلحة في فوزه، واستفادته من حملات إعلامية قوية ذات أصداء تتردد في كل مكان لضمان حصوله على أغلبية أصوات الناخبين في الولايات المختلفة، طبقا لقواعد النظام الانتخابي الأمريكي. الإشكالية إذن تتجاوز ترامب إلى النظام السياسي الأمريكي برمته، الذي فشل في إغلاق بوابة تسلل منها شخص لا يؤمن بالديمقراطية إلى كرسي رئاسة الدولة، التي تتربع على قمة النظم الديمقراطية في العالم. سنايدر في مقالته شديدة الأهمية، أسس حجج إدانته لفترة حكم ترامب، على فرضية رئيسية مفادها أن ترامب اعتمد على فن الكذب ثم الكذب ثم الكذب في سياسته بشكل عام. وكان فلاسفة عظماء مثل أفلاطون وأرسطو قد حذروا من خطورة الحكام المستبدين بشكل عام، لأنهم سرعان ما يصبحون محاطين بشخصيات تتركز مهاراتها في ممارسة النفاق، وموافقة الحاكم المستبد في كل ما يقول ويفعل. وكان أرسطو قد أثار أيضا خطورة سيطرة مجموعة قليلة من الأثرياء والديماغوجيين على أي نظام ديمقراطي بسهولة، نظرا لقدرتهم على التحكم في ثقافة وسلوك الشعب. وقال سنايدر إن ترامب ليس وحده هو المسؤول عن محاولة إفساد وتلويث الديمقراطية الأمريكية، وإنما يشترك معه في المسؤولية عدد كبير من الجمهوريين من أعضاء الكونغرس، الذين وقفوا معه طوال فترة حكمه، وحالوا دون مساءلته، ثم أولئك الذين أعلنوا تأييد ما اقترفه من جرائم في التحريض على اقتحام مقر الكونغرس بالقوة. غير أن سنايدر لم يعف الرأي العام والجماعة السياسية من المسؤولية، لكنه قال إن العمل من أجل تعليم المواطنين كيفية مقاومة جاذبية الكذب الذي يعتقدون فيه، أو يجدون فيه مصلحتهم، هي مهمة شاقة جدا. وهو هنا يلقى بشكل غير مباشر جانبا مهما من المسؤولية على الحزب الديمقراطي ومؤسسات الإعلام والنخب الأمريكية.

جاذبية النموذج الأمريكي

تناول جوزيف ناي (الابن) العميد السابق لكلية نظم الحكم (جون كينيدي) في جامعة هارفارد وأستاذ السياسة في الجامعة، أحداث اقتحام مقر الكونغرس بواسطة عصابة ترامب وبتحريض منه في مقال مهم نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» في 9 يناير الحالي ناقش فيه كيف تأثرت مصادر القوة الناعمة والغاشمة للولايات المتحدة، خلال حكم ترامب، وقال إن السنوات الأربع من حكمه، ثم محاولته الانقلاب على الكونغرس بعد سقوطه السياسي، لم تقدم أي فائدة للقوة الأمريكية. ومن المعروف أن ترامب دخل في حروب اقتصادية مع العالم، مستخدما سياسة العقوبات المالية، والمساعدات لتوسيع نفوذ السياسة الأمريكية، لكن هذه السياسة أدت غالبا إلى عكس الأهداف المرجوة منها أو المعلنة لها. وأشار ناي إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية، كانت تميل دائما إلى التدخل لأسباب مختلفة، وأسفر ذلك عن دخول واشنطن في 7 حروب ونزاعات مسلحة، لم تكن ترتكز مباشرة على تهديد لتوازن القوى في العالم.

وعن المستقبل قال جوزيف ناي إن نفوذ الولايات المتحدة عالميا سيتوقف على جاذبية مصادر القوة الناعمة، التي تشمل الثقافة والقيم السياسية والسياسات في المجالات المختلفة مثل، الدفاع عن الحريات، وحقوق الإنسان، واحترام قرارات مؤسسات النظام الدولي المتعدد الأطراف. ومن الواضح استنادا إلى ردود الفعل العالمية على ما يحدث في الولايات المتحدة أن جاذبية الثقافة والقيم السياسية والسياسات الأمريكية لدول العالم المختلفة، تراجعت بشدة، بل إن ما حدث يثير الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على قيادة الديمقراطيات الغربية، حيث تعرضت لانتقادات شديدة من جانب قيادات دول مثل، ألمانيا وفرنسا، وحتى في بريطانيا التي تعتبر أقرب حلفاء أمريكا في العالم تاريخيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا. ونظرا لطبيعة التحديات الداخلية التي ستواجهها الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، فإنه ليس من المتوقع أن تكون حظوظ جوزيف بايدن كبيرة في استعادة النفوذ العالمي لبلاده.

تحدي التغيير

وكتب جيفري ساكس أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة كولومبيا يوم 8 يناير مقالا مهما يعرض فيه دلالات وأصول ما حدث في 6 يناير في النشرة الاسبوعية لمجموعة (بروجكت سنديكيت). وذكر أن جذور ظاهرة الغوغائية والعنف السياسي ممتدة في تاريخ الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية، وأن طبقة السياسيين استخدمت هذه الظاهرة لمصالحها الخاصة في الصعود الانتخابي، وخلال الدورات السياسية، لتحويل نقمة قطاعات من الناخبين إلى طاقة من الغضب ضد الأقليات التي تشارك في بناء الولايات المتحدة. وقال إن هذه الظاهرة ترتبط أيضا بثقافة مشروعية حيازة الأسلحة الشخصية. ومن المعروف أن الجماعات المتعصبة قوميا والمؤمنين بتفوق الرجل الأبيض، وجمهور الرابطة الأمريكية لحائزي الأسلحة الشخصية، يمثلون منذ حملة ترامب الانتخابية الأولى العمود الفقري لقوته السياسية جنبا إلى جنب مع المزارعين، وكبار الأثرياء المعنيين بتخفيض الضرائب، والحصول على الامتيازات على حساب المجتمع ككل. لذلك فإن ساكس لا يعتبر ما حدث من اعتداءات همجية على الأقليات وعلى مقر الكونغرس جديدا في جوهره، لكنه يقول إن وجه الاختلاف هذه المرة يتمثل في وقوف المعتدين للمرة الأولى ضد جزء من النخبة الحاكمة ذات الأصول الأوروبية.

وحذر جيفري ساكس من خطورة السنوات المقبلة التي قد يتحول فيها النظام السياسي الأمريكي إلى أقلية بيضاء، تتحكم في أغلبية من المواطنين المنتمين إلى ثقافة وانتماءات وأصول عرقية افريقية وآسيوية ولاتينية. وقال إن التغيرات الديموغرافية تشير إلى حتمية تراجع نفوذ ثقافة تفوق الرجل الأبيض، لأن نسبة البيض بين الناخبين ستنخفض على مرّ السنين إلى أقل من نصف عدد سكان الولايات المتحدة في منتصف القرن الحالي، مقارنة بأكثر من أربعة أخماس عدد السكان في عام 1970. وقدم ساكس أحد العوامل المطمئنة على المستقبل بالقول إن إدراك الأجيال الجديدة لأهمية التنوع العرقي تفوق بكثير الأجيال السابقة. لكن الملاحظ وجود إجماع بين المفكرين في الولايات المتحدة والعالم على التحذير من خطورة الأوضاع في المستقبل، إذا استمرت على المنوال الذي تسير عليه حتى الآن. جوزيف ناي استنتج بوضوح أن «الديمقراطية الأمريكية ليست بخير».

كاتب مصري

———————————-

الأربعاء الأسود/ حسن أوريد

دخل يوم 6 يناير التاريخ من أبوابه الواسعة، في تاريخ أمة تهزأ من التاريخ، وتعتبر كل شيء غير ذي أهمية بالقول «هو جزء من التاريخ». دخل إلى جانب تواريخ أخرى فاصلة، كما قصْفُ الطيران الياباني لمرفأ بيرل هاربر في 7 ديسمبر 1943، ما كان حافزا كي تدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وتُغيّر مسارها، أو تاريخ 11 سبتمبر 2001 حين تم تحطيم برجي المركز التجاري الجديد، فرفعت الولايات المتحدة إثرها لواء الحرب على الإرهاب، وانغمرت في بارديغم جديد في سياستها الخارجية والداخلية، وتوارى انشغالها بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.

تاريخ 6 يناير، يوم اقتحم رعاع مبنى الكابيتول، وانتهكوا حرمته وأتلفوا ممتلكاته، لن ينمحي بسهولة من نفوس الأمريكيين، رغم أنه لا يبلغ في حجمه وتأثيره ما كان للهجوم على مرفأ بيرل هاربر أو هدم البرجين التوأمين.

لم تكن الولايات المتحدة تفخر بقوتها الاقتصادية، ولا مقدراتها العسكرية فحسب، ولكن بقْيمها كذلك، من حرية ومساواة، وإمكانية أي كان تحقيق حلمه، وتلتقي جميعها حول الديمقراطية.. كانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم طبقت مبادئ فلسفة الأنوار، التي بزغت من رحم عاصمة الأنوار، وحارب الفرنسيون جنبا إلى جنب مع الأمريكيين البريطانيين المحتلين، ونقل الآباء المؤسسون ما انتهى إليه فلاسفة الأنوار من سيادة الشعب، وتوازن السلط، والنفور من الأنظمة الوراثية، وكان ما لفت انتباه ملاحظ ثاقب النظر هو ألكسيس دو تكفيل، أن غرس الديمقراطية أينع في أمريكا، أكثر من التربة التي بزغ فيها، والتي ظلت مشدودة إلى مخلفات النظام القديم، وما يقوم عليه من تراتبية. كان الأمريكيون منذ الحرب العالمية الأولى يتباهون بنظامهم السياسي، وجعلوه عقيدة، منذ إرهاصات الحرب الباردة، وتباهوا بنظامهم القائم على حكم الأغلبية والحرية، وفعالية المجتمع المدني، على خلاف المنظومة الشيوعية التي تقوم على حكم الأقلية، والخوف والبوليس السياسي، ثم جعلوا الديمقراطية عقب سقوط حائط برلين واحدا من محددات سياستهم الخارجية. من دون شك بأن مهد الديمقراطية الحديثة هو بريطانيا، ولكن الأرض التي جعلت من الديمقراطية بمثابة عقيدة لها هي الولايات المتحدة. حتى عهد قريب، كان الرئيس أوباما يتباهى بأن البلد الوحيد في العالم الذي يتيح لواحد من الأغيار أن يتسنم سُدّة أعلى منصب في الدولة هو الولايات المتحدة، لذلك لم يكن اقتحام مبني الكونغرس الأمريكي، أن لا يسترعي الانتباه، أو يثير الأسئلة والتخوفات. ليست هي أول مرة في التاريخ يتعرض «معبد» الديمقراطية للانتهاك، فقد سبق لضابط إسباني أن دخل مبنى «الكورتيس» عام 1981 وهدد بمسدسه النواب المجتمعين، ليجهض المسار الفتي للديمقراطية الإسبانية، التي لم تكن تخلصت من مخلفات الديكتاتورية الفرانكوية (نسبة لفرانكو) وقصفت فوهات المدرعات مبنى الدوما في روسيا عام 1994، ولم يكن لأحد أن يزعم أن روسيا ديمقراطية راسخة، ولذلك طُوي الحدث بفشل المحاولة الانقلابية، لكن ما حدث من هجوم غوغاء على مبنى الكابيتول، للتأثير في الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات في الدولة، التي تجعل الديمقراطية عقيدة، وتعلي من قيمة الحرية وسيادة القانون، أمر مثير، وهو أكثر من ذلك، مخيف.

ليست أقرب الصور لما حدث في واشنطن ما جرى في الكورتيس الإسباني، ولا في الدوما الروسي، وإنما ما تعرض له مبني «الرايخ شتاغ» في ألمانيا سنة 1933 من عملية حرق من قِبل عناصر نازية، لم تقبل بنتائج الانتخابات. خطورة ما حدث في واشنطن هو أنه ينطوي على نزوع فاشي، ليس ما حدث عملا معزولا وانفلاتا، ولكن التعبير عن اتجاه يؤمن بالقوة وسمو الإنسان الأبيض، ويعتبر آلية الديمقراطية تفضي إلى تنظيمات رخوة، وميكانيزمات غير فعالة. والاتجاه، كسابقه في إيطاليا وألمانيا في الثلاثينيات من القرن الماضي، وصل للسلطة عبر ميكانيزمات ديمقراطية. ليست الفاشية مرحلة انتهت وطُويت، فلكل زمن فاشيته كما يقول الكاتب الإيطالي بريمو ليفي. ترامب ليس شخصا، ولكن يحيل إلى ظاهرة تثير الكثير من الإعجاب لدى شرائح واسعة في الولايات المتحدة، وإلا لما حاز على سبعين مليون صوت، بل خارج الولايات المتحدة، ممن جعلوه رمزا لهم، من بوريس جونسون في بريطانيا وجاير بولسونارو في البرازيل أو مودي في الهند. نعم أبانت الولايات المتحدة عن سلامتها من خلال تحرك المؤسسات، على كل المستويات للحد من تصرفات رعناء تشين الديمقراطية، لكن الحدث ليس حريقا تم إطفاؤه، وإنما اتجاه له أذرع وامتدادات ومرجعية تنظيرية. ينسف الاتجاه دعوة أمريكا لرفع راية الديمقراطية، كما أن مقتل الشاب الافريقي الأمريكي جورج فلويد خلخل خطاب الولايات المتحدة حول حقوق الإنسان. لم تنته القصة، فالترامبية واقع، هي فصل من الشعبوية الزاحفة.

ما يعتمل في أمريكا لا يهم أمريكا وحدها، فهي قائدة العالم الحر، كما تنعت نفسها، وهي القوة العسكرية الأولى، وهي قطب الرحى في الناتو، وهي عضو دائم في الأمم المتحدة، فضلا عن المؤسسات المالية العالية، التي تخضع لها، أو مؤسساتها التي تؤثر في الاقتصاد. كل ما يحدث في أمريكا، ينتهي أثره إلى أرجاء المعمورة، لذلك لا يمكن أن نستهين بما وقع، ونعتبره شأنا أمريكيا صرفا. سابقة الفاشية تفيد بأنها أفضت إلى توزع مجتمعات، وشيطنة شرائح منها، وانتهت إلى العسكرة، وانغمرت دولها في مغامرات عسكرية، انتهت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.. وكانت كل الخطاطة، التي انبنت عقب الحرب العالمية الثانية هي لدرء أي جنوح للفاشية، لكن الفاشية تلوح بيدها اليوم، من خلال الاتجاهات الشعبوية اليمينية في أوربا كلها، وفي الهند، وكانت تجد في ترامب أيقونتها.

الخطورة لا تكمن في تصرفات لرئيس يجمع الجميع على أنه أهوج، ولكن في الجذوة المتسترة تحت الرماد، والتي يمكن للأزمة الاقتصادية إن استفحلت، أو للشرخ الاجتماعي إن تعمق في الولايات المتحدة أن تنفث فيها فتحيلها أَوَارا.

كاتب مغربي

——————————

مهاجمو الكونغرس تحدثوا عن “الموت لأجل الرئيس” وشنّ حرب”… وترامب: جهود عزلي ستتسبب بـ”غضب واسع”

لندن ـ “القدس العربي” ووكالات: وصف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، في أولى تصريحاته أمام الإعلام، أمس الثلاثاء، بعد اقتحام مبنى الكونغرس الأسبوع الماضي، الجهود لعزله بأنها “سخيفة للغاية”.

وفيما التقى ترامب بنائبه مايك بنس، بعد أن توترت علاقتهما عقب رفض بنس عرقلة عملية المصادقة على نتائج الانتخابات، وأكدا على وحدة صفهما، اتهم وزير الخارجية مايك بومبيو إيران بأنها باتت “المقر الجديد” لتنظيم القاعدة.

وحذر ترامب أمس الثلاثاء من أن محاولات عزله ستتسبب بـ”غضب واسع”.

وجاء ذلك في أولى تصريحات له أمام الصحافيين، بعد حادثة اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس الأسبوع الماضي، حسب ما نقلت شبكة “سي أن أن” الأمريكية. وقال ترامب حول العزل: “إنه امتداد لأكبر عملية مطاردة ساحرات في تاريخ السياسة، إنها سخيفة، إنها حقا سخيفة، عملية العزل هذه ستتسبب بغضب واسع، وأنتم تفعلونها، إن ما يفعلونه أمر سيىء”. وتابع: “من أجل أن تُكمل نانسي بيلوسي وتشاك شومر الطريق، أعتقد أن الأمر يتسبب بغضب واسع لبلادنا، يتسبب بغضب واسع، ولا أريد العنف”، حسب قوله. ولم يتحدث الرئيس الأمريكي عن دوره في أحداث الأربعاء في الكونغرس التي تسبب بها أنصاره، لكنه قال: “لا نريد العنف، لا نريده أبدا، لا نريد العنف مطلقا”.

ورأى ترامب أنّ خطابه الأسبوع الماضي أمام أنصاره قبيل الاعتداء على مقرّ الكونغرس كان “مناسبا تماما”. وقبيل توجهه إلى تكساس، أشار إلى خطابه في ذاك اليوم وبالأخص “الجملة الأخيرة” منه، معتبراً أنّها “مناسبة تماماً”. وقال إنّ قرار وسائل تواصل اجتماعي على غرار تويتر بوقف حسابه “خطأ كارثي”.

ومساء الإثنين، التقى ترامب بنائبه مايك بنس في البيت الأبيض، ما يعكس نيتهما في تشكيل جبهة موحدة في مواجهة الديمقراطيين الذين يطالبون برحيل الرئيس فورا. والرجلان اللذان عقدا أول لقاء بينهما منذ خلافاتهما وأعمال العنف في مبنى الكابيتول، أجريا “محادثة جيدة” حسب مسؤول أمريكي.

ومن المتوقع أن يصوت مجلس النواب الأمريكي اليوم الأربعاء حول ما إذا كان سيبدأ إجراءات مساءلة ثانية للرئيس، لكن هذه المرة بتهمة التحريض على التمرد.

وقال المسؤول الأمريكي الذي رفض الكشف عن اسمه، إن ترامب وبنس “تعهّدا بمواصلة عملهما في سبيل البلاد حتى نهاية ولايتهما”. وعمليا هذا يعني أن ترامب لا يعتزم الاستقالة قبل انتهاء ولايته في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، موعد تنصيب الديمقراطي جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة. كما يعني اللقاء أن بنس لا يعتزم تنحية الرئيس بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور الذي يجيز لنائب الرئيس بالاتفاق مع أغلبية أعضاء الحكومة تنحية الرئيس إذا ما ارتأوا أنّه “غير مؤهل لتحمل أعباء منصبه”.

وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أمس الثلاثاء أن مكتباً تابعاً لمكتب التحقيقات الاتحادي في فرجينيا أصدر تحذيراً داخلياً، في اليوم السابق لاقتحام مثيري شغب من أنصار الرئيس دونالد ترامب لمبنى الكابيتول (الكونغرس)، من أن متطرفين يخططون للحضور إلى واشنطن ويتحدثون عن شن “حرب”.

وقالت الوثيقة التي حصلت عليها الصحيفة إن المكتب “ناقش موضوع دعوات محددة للعنف على الإنترنت تشمل القول “كونوا مستعدين للقتال”، “الكونغرس في حاجة لسماع صوت تحطم زجاج وركل أبواب وإراقة دماء من جنودهم العبيد أتباع مبادرة حياة السود مهمة والحثالة”، وكذلك: “كونوا عنيفين. توقفوا عن تسمية ذلك مسيرة أو تجمعا حاشدا أو احتجاجا. توجهوا إلى هناك وأنتم على استعداد للحرب. إما أن نعيد رئيسنا أو نموت. لن يحقق شيء آخر هذا الهدف”.

كما أكد متحدث باسم مكتب التحقيقات الاتحادي أمس الثلاثاء أن المحققين في مدينة نيويورك اعتقلوا أرون موستوفسكي فيما يتعلق بالهجوم على مقر الكونغرس الأسبوع الماضي، ليضاف إلى قائمة كبيرة من المشتبه بهم الذين يواجهون اتهامات.

واعتبر زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر أمس الثلاثاء أنه من الضروري منع أنصار الرئيس دونالد ترامب الذين اقتحموا مبنى الكونغرس من السفر لما يمثلونه من تهديد للأمن القومي. وقال شومر إن على المسؤولين الأمريكيين أن يضعوا المقتحمين على قائمة “حظر سفر” اتحادية. وأضاف في إفادة صحافية “لا يمكننا السماح لدعاة التمرد هؤلاء باستقلال طائرة والتسبب في مزيد من العنف والدمار”.

وفي سياق آخر، اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في خطاب ألقاه الثلاثاء قبل ثمانية أيام من انتهاء ولاية ترامب، إيران بأنها باتت “المقر الجديد” لتنظيم القاعدة.

وأكّد بومبيو تقريرا نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في تشرين الثاني/نوفمبر ذكر أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله قُتل في طهران في آب/أغسطس على أيدي إسرائيليين، لكنه لم يقل إن الاحتلال نفذ العملية.

وقال بومبيو في كلمة ألقاها في نادي الصحافة الوطني: “تنظيم القاعدة لديه مقر جديد. إنه جمهورية إيران الإسلامية”. وأضاف: “أود أن أقول إن إيران هي بالفعل أفغانستان الجديدة، كمركز جغرافي رئيسي للقاعدة، لكنها في الواقع أسوأ”.

وتابع: “على عكس أفغانستان، عندما كانت القاعدة مختبئة في الجبال، فإن القاعدة اليوم تعمل تحت حماية النظام الإيراني”.

وطالب بمزيد من الضغط الدولي، واصفا التحالف المزعوم بأنه “قوة هائلة للشر في كل أنحاء العالم”. وقال “إذا تجاهلنا محور الشر هذا إيران/القاعدة، فسنكون مسؤولين عن ذلك. علينا أن نواجهه، علينا أن ننتصر عليه”.

ولم يصل بومبيو إلى حد الدعوة إلى عمل عسكري، قائلاً: “إذا كان لدينا هذا الخيار، إذا اخترنا القيام بذلك، فهناك مخاطرة كبيرة جدا بتنفيذه”.لكنه أعلن فرض عقوبات على عدد من الأفراد ومكافأة مقدارها سبعة ملايين دولار مقابل معلومات عن عضو في تنظيم القاعدة قال إنه يعتقد أنه موجود في إيران ويُعرف باسم محمد أباتاي أو عبد الرحمن المغربي.

لكن بومبيو قال إن إيران في السنوات الأخيرة أعطت القاعدة مساحة أكبر من الحرية، بما في ذلك إصدار وثائق سفر، وأن التنظيم لديه “قيادة مركزية” في طهران. ولفت إلى أن “طهران سمحت للقاعدة بجمع الأموال والتواصل بحرية مع أعضاء القاعدة الآخرين في أنحاء العالم والقيام بالعديد من المهمات الأخرى التي كانت توجه في السابق من أفغانستان وباكستان”.

ورد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الثلاثاء، على تصريحات نظيره الأمريكي قائلاً: “لا أحد ينخدع (بما يقوله بومبيو). كل إرهابيي 11 أيلول/سبتمبر أتوا من الوجهات المفضلة (لواشنطن) في الشرق الأوسط. لا أحد من إيران”.

وأضاف: “من إدراج كوبا (على قائمة الدول الراعية للإرهاب)، الى رفع السرية الخيالي بشأن مزاعم إيران والقاعدة، السيّد “نحن نكذب، نغش، نسرق” ينهي بشكل مثير للشفقة مسيرته الكارثية بمزيد من الأكاذيب العدائية”.

وسبق لظريف ان استخدم مصطلح “السيد “نحن نكذب، نغش، نسرق” للإشارة الى بومبيو. وتعود العبارة الى تصريح أدلى به الوزير الأمريكي عام 2019، وتطرق فيه الى عمله على رأس وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي ايه” خلال العامين 2017 و2018. وأقرّ بومبيو حينها بالقول: “لقد كذبنا، لقد غششنا، ولقد سرقنا”.

——————————

مجلس النواب الأميركي يصوت لصالح عزل ترامب… وبنس يرفض

صوّت مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، لحث نائب الرئيس مايك بنس على بدء تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي لإقالة الرئيس دونالد ترامب من منصبه، على الرغم من أن نائب الرئيس قال بالفعل إنه لن يفعل ذلك.

ولتفعيل التعديل الخامس والعشرين، سيحتاج بنس وأغلبية أعضاء حكومة ترامب إلى إعلان أن ترامب غير قادر على أداء واجباته.

ورفض بنس هذا المسار في وقت سابق يوم الثلاثاء.

وقال نائب الرئيس الأميركي، الثلاثاء، في رسالة إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، إنه يعارض اللجوء إلى التعديل الخامس والعشرين لعزل الرئيس من منصبه.

وأكد بنس: “مع بقاء ثمانية أيام فقط في فترة ولاية الرئيس، أنتِ والكتلة الديمقراطية تطلبان منّي ومن الحكومة تفعيل التعديل الخامس والعشرين” للدستور، والذي يجيز لنائب الرئيس بأن يقرّر بالاشتراك مع أغلبية الوزراء تنحية الرئيس إذا ما وجدوه غير قادر على تحمّل أعباء منصبه”.

وأضاف: “لا أعتقد أنّ مثل هذا الإجراء يصبّ في مصلحة أمّتنا أو يتماشى مع دستورنا”.

ومن المتوقع أن يصوت مجلس النواب، اليوم الأربعاء، على مساءلة ترامب بتهمة التحريض على التمرد ضد الحكومة الأميركية.

إلى ذلك، عبّر رئيس مجلس الشيوخ الأميركي المنتهية ولايته، الجمهوري ميتش ماكونيل، ومجموعة نواب جمهوريين، عن دعمهم لإجراءات عزل ترامب، بعد سلوكه الذي رافق اقتحام الكونغرس، الأربعاء الماضي، من قبل أنصاره الرافضين لنتائج الانتخابات التي فاز بها الديمقراطي جو بايدن

وذكر جون كاتكو، العضو الجمهوري في مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، أنه سيصوت لمساءلة الرئيس ترامب فيما يتصل باقتحام الكونغرس، ليصبح أول نائب جمهري ينضم للديمقراطيين في مساعيهم لمساءلة الرئيس، حسبما أفاد موقع “سيراكيوز” الإخباري الذي نقل عن بيان صدر عن كاتكو، وفق ما أوردت “رويترز”.

وأيضا، أكدت النائبة الجمهورية ليز تشيني، التي تتولى منصبا رفيعا في قيادة الحزب الجمهوري بمجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، إنها ستصوت لمساءلة ترامب.

وفي بيان أشار إلى أن ترامب “استدعى هذا الحشد… وألهب شعلة هذا الهجوم” على مبنى الكابيتول، قالت تشيني: “سأصوت لمساءلة الرئيس”.

وتشيني هي ابنة ديك تشيني، النائب الجمهوري السابق باسم الرئيس جورج دبليو بوش.

والثلاثاء، صرح ترامب للصحافيين من البيت الأبيض، بأن مسعى عزله من منصبه يسبب “غضباً هائلاً” في صفوف الأمة.

وفي ما يتعلق بالعزل، قال ترامب، عندما كان يغادر البيت الأبيض متوجهاً إلى تكساس لتفقد الجدار على الحدود مع المكسيك، إنه “أمر فظيع حقاً ما يفعلونه”، إلا أنه قال إنه لا يريد “عنفاً”.

وأشار ترامب إلى أن خطابه في الأسبوع الماضي أمام أنصاره قُبيل الاعتداء على مقرّ الكونغرس كان “مناسباً تماماً”. وقال إنّ قرار وسائل التواصل الاجتماعي، على غرار تويتر، وقف حساباته “خطأ كارثي”.

ويمنح الديمقراطيون ترامب فرصة أخيرة، الثلاثاء، لترك المنصب قبل أيام من انتهاء ولايته، وإلا واجه مساءلة للمرة الثانية في حدث لم يسبق له مثيل، وذلك بسبب اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس في السادس من يناير/ كانون الثاني.

ويعتزم مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، التصويت ربما الأربعاء، على بند المساءلة الذي يتهمه بالتحريض على التمرد ما لم يقدم استقالته أو يتحرك نائبه مايك بنس لعزله بموجب مادة في الدستور.

وقال زعماء الديمقراطيين إنه إذا لم يقدم ترامب استقالته، أو لم يتحرك بنس بحلول يوم الأربعاء، فإنهم سيطرحون إجراءات مساءلة الرئيس في مجلس النواب، بعد أسبوع واحد من أعمال الشغب التي أجبرت أعضاء الكونغرس على الاختباء لساعات، وأودت بحياة خمسة أشخاص، بينهم ضابط بالشرطة.

تنديد قادة الجيش باقتحام الكونغرس

وعلى صعيد متصل، أصدرت هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، التي تضم قادة الأفرع المختلفة للجيش، يوم الثلاثاء، رسالة نادرة لأفراد الجيش يعلنون فيها أن أعمال الشغب العنيفة التي وقعت الأسبوع الماضي كانت هجوما على العملية الدستورية الأميركية وانتهاكا للقانون.

وقطعت الرسالة المشتركة صمتا دام أسبوعا من قادة الجيش بعد هجوم أنصار ترامب على مبنى الكونغرس دفع المشرعين إلى الاختباء وأدى إلى مقتل خمسة أشخاص.

وبينما ندد أعضاء في حكومة ترامب، من بينهم كريس ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع، بالهجوم، لاذ كبار قادة الجيش الأميركي، ومن بينهم الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بالصمت إلى الآن.

وقال الجنرالات السبعة وأميرال في مذكرة داخلية للجنود: “أعمال الشغب العنيفة في العاصمة الأميركية واشنطن في السادس من يناير 2021 كانت اعتداء مباشرا على الكونغرس وعلى مبنى الكابيتول وعمليتنا الدستورية”، وأضافوا أن الجيش يظل ملتزما بحماية الدستور والدفاع عنه.

وجاء في المذكرة، التي اطلعت عليها “رويترز”: “الحقوق المتعلقة بحرية التعبير والتجمع لا تعطي أحدا الحق في اللجوء إلى العنف والفتنة والعصيان”.

وقال قادة الجيش إن الرئيس المنتخب جو بايدن سيجري تنصيبه يوم 20 يناير/ كانون الثاني وسيصبح قائدهم.

وأضافت المذكرة القول: “أي عمل لتعطيل العملية الدستورية لا يتعارض مع تقاليدنا وقيمنا واليمين فحسب، وإنما يتعارض أيضا مع القانون”.

وقال مسؤولون أميركيون إن رئيس الأركان لم يعلق على أحداث الأسبوع الماضي لأنه أراد أن ينأى بنفسه عن السياسة.

وعبر بعض أفراد الجيش في أحاديث خاصة عن قلقهم لأن كبار القادة لم يقدموا توجها في أعقاب الهجوم على الديمقراطية الأميركية يوم الأربعاء.

وكان هناك أيضا تركيز متجدد على التطرف داخل الجيش الأميركي بعد اقتحام مبنى الكونغرس، حيث قسم كبير من أفراد الجيش بيض وذكور.

وقال الجيش لـ”رويترز” يوم الثلاثاء إنه يعمل مع مكتب التحقيقات الاتحادي لمعرفة ما إذا كان من بين المهاجمين أفراد حاليون في الجيش، ولمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة لتدقيق إضافي في نحو عشرة آلاف من أفراد الخدمة السرية وقوات الحرس الوطني الذين سيتولون مهمة تأمين حفل تنصيب بايدن.

العربي الجديد

—————————-

عندما تحمي الديمقراطية نفسها/ علي أنوزلا

تحمي الديمقراطية الحقيقية نفسها بنفسها، فهي تحمل داخل جيناتها الأجسام المضادّة لكل فيروس يهاجمها، وهذا ما حصل في السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري في الولايات المتحدة عندما أنقذت الديمقراطية الأميركية نفسها بنفسها. ففي لحظة جنونٍ فريدة، كشفت لنا الديمقراطية عن هشاشتها وأعراض مرضها المفاجئة، وغير المتوقعة، مثل تسونامي يمكن أن يدمّر كل شيء في لحظاتٍ غير محسوبة. ما شهدنا مساء ذلك اليوم لم يكن استثنائياً يجب أن نبحث له عن مفرداتٍ تناسبه في القاموس السياسي، بل كان محاولة انقلابٍ واضحٍ على الديمقراطية، تم بثه حياً على شاشات التلفزيون وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. أظهر لنا إلى أي حدٍّ يمكن أن تبدو الديمقراطية هشّة، حتى في أقوى دولة. ولكنه في الوقت نفسه أبان لنا عن قوة الجهاز المناعي للديمقراطية، عندما تكون مبنية على أسس صحيحة. وطوال ساعات الانقلاب، تابع العالم على المباشر، وبشفافية كاملة، ما كان يجري، كما تابع تدخل الفاعلين السياسيين، وسمع انتقاداتٍ قويةٍ ومباشرةٍ لقائد الانقلاب الذي هو في الآن نفسه رئيس الولايات المتحدة الأميركية ورئيس جيوشها. كذلك شاهد العالم كيف تدخلت الشرطة والحرس الوطني لفرض القانون. وكان الشعور السائد لدى السياسيين والمعلقين على شاشات التلفزيون، وعلى المواقع الاجتماعية، هو الغضب مما كان يجري، لأنه يشوّه صورة الديمقراطية، ولم يجد الخوف أي مكان له في تلك الفوضى المباشرة التي لم يكن يعلم أيُّ أحدٍ متى وكيف ستنتهي.

كان الأمر بمثابة فيلم رعب، فيه كثير من التشويق والفرجة لمن يحبّ هذا النوع من الأفلام، لكن تأثيره لم يتعدّ مدة العرض وجدران القاعة التي كان يعرض داخلها. وفي الخارج، وعلى بعد أمتار من “قاعة العرض” كانت الحياة عادية، والغالبية العظمى من الأميركيين حافظت على هدوئها، ولم نشاهد خروج الناس إلى الساحات والميادين وهم في حالة هلع أو غضب، ولم تحتل الدبابات والمدرّعات شوارع المدن ومفترقات الطرق. كان الجميع متأكداً أن الأمر يتعلق بحادث سير غير عادي، لكنه لا يستدعي قطع الطريق ووقف حركة السير، لأن القانون، في النهاية، هو الذي سيطبق، وسيفرض احترامه على الجميع.

صحيحٌ أن صورة الديمقراطية الأميركية تضرّرت بشكلٍ يصعب إصلاحه في المنظور القريب، وأضرّت معها بشكل كبير سمعة الديمقراطية في العالم، إلى درجةٍ ستجعل الطغاة في العالم، والشامتين من أميركا وأعداء الديمقراطية يسخرون منها وينتقدونها، وهذا كان يحصل حتى قبل محاولة الانقلاب الفاشلة. والآن سيجعل فترة الشماتة تمتد، ولو بشكل سخيف، لأنها تصدر عن أناسٍ لا علاقة لهم بالديمقراطية وقيمها العليا.

ما حصل يوم الأربعاء الأسود هو “محاولة انقلاب”، لأنه لا يمكن إيجاد وصفٍ أدقّ لما كان يجري أكثر من كونه انقلاباً كان يقوده رئيس الدولة ضد مؤسساتها، لكن من أسقط هذا الانقلاب ضد الديمقراطية هي قيم الديمقراطية التي انتصرت، وهذه ليست مجرّد شعارات، وإنما سلوك حضاري تجلّى في تصريحات السياسيين الأميركيين، وفي قرارات مؤسساتهم، لحظة محاولة الانقلاب وبعده وقبله، فقد تابعنا كيف أن القضاء الأميركي ظل غير متحيز طوال فترة الانتخابات وما بعدها، وكيف حافظت مؤسسة الجيش على حيادها واستقلاليتها عن السلطة التنفيذية، وقبل ذلك كيف لعب الإعلام أربع سنوات دور حارس القلعة الديمقراطية بلا خوفٍ أو تردّد.

ما حصل في أميركا كان متوقعاً، لأنه نتاج سنوات طويلة من الدوس على قيم الديمقراطية في العالم من أكبر ديمقراطية، ومن الدولة المفروض أنها قائدة العالم الحر. ليست المناسبة هنا للتشفي، وإنما للتذكير بأن سنوات التدهور الديمقراطي الأميركي بدأت منذ سنوات، بل ومنذ عقود طويلة، عندما كانت الأنظمة الأميركية المتعاقبة تدبر الانقلابات وتباركها وتحميها في جميع أنحاء العالم، وعندما كان ساستها يعتبرون أن قيم الديمقراطية إنما وجدت لتطبق في بلادهم، وينعم بها شعبهم. وفي السنوات الأربع الأخيرة، مع مجيء رئيسٍ بلا مبادئ ولا أخلاق، عمل، طوال فترة ولايته، على تغذية سيكولوجيا الكراهية وإرضاء أمراضه النرجسية وتقسيم المجتمع الأميركي، تدهورت هذه القيم حتى داخل الولايات المتحدة نفسها. وكان طبيعياً أن يصل التدهور إلى الصور الصادمة التي شاهدناها في مبنى الكونغرس، فما حصل كان تتويجاً لأربع سنوات من الاستهتار بقيم الديمقراطية. لذلك كان ضرورياً أن يقع هذا الحادث لإنقاذ الديمقراطية من أخطائها، ولينبهنا جميعاً إلى فضائل النظام الديمقراطي، لأنه وحده القادر على حماية نفسه بنفسه، عندما يكون مؤسساً على أسس قوية.

وللديمقراطية، مثل كل الأنظمة، نقاط ضعها، ومواطن هشاشتها، ولحظات سقوطها، لكنها تبقى، كما كان يقول رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، أو يُنسب إليه قوله، “أسوأ نظام عرفته البشرية، لكنها لم تعرف نظاماً أفضل منه”. وبالتالي، لا حل للبشرية من غير استمرار هذا النظام والتمسك به، والدور على نصرة هذا النظام في جميع أنحاء العالم سيكون على عاتق الإدارة الأميركية الجديدة، ليس لأنها عانت من مخاطر انهياره، وإنما انتصاراً لقيم الديمقراطية التي وعد الرئيس الجديد، جو بايدن، بالحفاظ عليها وصونها داخل أميركا وفي العالم، وصرّح مراراً وتكراراً طوال حملته الانتخابية بأنه لن يتسامح مع الأنظمة الاستبدادية التي تقمع حق شعوبها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. الديمقراطية اليوم تعيش أزمة خطيرة في عقر دارها، وعلى رئيس أميركا القادم، كما وعد هو نفسه بذلك، عقد قمة عالمية للديمقراطيات هذا العام، وأن يرفع هذا التحدّي، ويعيد للديمقراطية وهجها، ليس داخل أميركا فقط، وإنما في جميع العالم، إذا أراد أن يستعيد لبلاده مصداقيتها في العالم.

كانت أميركا في حاجةٍ ماسّة إلى مثل هذه الصدمة، لكسر جدران الانعزالية التي حاول الرئيس المنتهية ولايته فرضها عليها، وبات مصير الديمقراطية الأميركية بيد الأميركيين أنفسهم الذين أوصلوا شخصاً أخرق إلى قيادة ديمقراطيتهم، لأنه نجح في أن يفرض خطابه السياسي الذي يبرّر شرعية اغتنائه، بل ويقنع الأميركيين بأنه في مصلحتهم العامة. كما كانت الديمقراطية في أمسّ الحاجة إلى مثل هذا التحدّي في عقر دارها، لتجديد نفسها، بعد أن تراجعت في مواجهة أنظمة شمولية واستبدادية. كانت تجربة حكم ترامب، بكل مآسيها، مفيدة لأميركا، لأنها كشفت إلى أين يمكن أن يؤدّي الاستسلام لنرجسية زعيمٍ أخرق، فضح بتصرّفاته المتهوّرة ضوابط توازن المؤسسات التي تقوم عليها ديمقراطيتهم، وكاد يسقط الهيكل عليه، وعلى خصومه وأعدائه.

لقد عرّت محاولة الانقلاب الفاشلة في أميركا عيوب الديمقراطية وأمراضها، وما أكثرها، وأسقطت كل خطابات النخبة المرتشية والانتهازية التي كانت تزيّن للمستبد أخطاءه، وتقنع الرأي العام بأنها تندرج في مصلحته العامة، وفي الوقت نفسه، كانت فرصة لإسقاط كل الخطابات الديماغوجية والشعبوية التي كان يغذّيها الرئيس المنتهية ولايته، لتبقى الديمقراطية الأميركية، بكل ما لها وما عليها، تلك “المدينة المشرقة على التل”، كما يقول الأميركيون أنفسهم عن ديمقراطيتهم. ربما فقدت بعض تألقها خلال السنوات الأربع الماضية، لكنها لا تزال قوية وملهمة لكل الأحرار والديمقراطيين في العالم.

العربي الجديد

—————————-

عن “غزوة” الكابيتول” ومفاعيلها/ عبد اللطيف السعدون

يحفظ الأميركيون اللاتينيون نكتة ساخرة، مفادها أن تلميذاً سأل معلمه: لماذا لا يحدث انقلاب في الولايات المتحدة؟ أجابه المعلم: لأنه لا توجد سفارة لأميركا في واشنطن.

هذه المرّة، تنقلب الصورة، إذ يُقْدم رئيس الولايات المتحدة نفسه على محاولة قيادة “انقلابٍ”، مع سبق الإصرار والترصد، وغرضه البقاء رئيساً لولاية ثانية، وربما مدى الحياة إذا ما كان فكّر في أن يجعل من حكامنا الذين يتمسّكون بكراسيهم إلى آخر العمر قدوة له، وقد يكون قد فكّر مثلهم أيضاً في أن يهيئ من يخلفه بعد موته، ابنته إيفانكا مثلاً، المهم ألا يحتل الكرسي “الذهبي” بعد رحيله أحد من خارج العائلة.

مثل هذه الخطط “الجهنمية” يمكن أن تحدث في دولة من العالم الثالث المبتلى بحكامه. ولكن أن تخطر في رأس رئيس الدولة العظمى، والتي يفترض أنها تعتنق “الديمقراطية” في أفضل تجلياتها، فذلك أمرٌ كان يعدّه بعضهم من قبيل المحال، قبل أن يصل “تاجر العقارات” و”نجم تلفزيون الواقع”، دونالد ترامب، في لحظةٍ مجنونة، إلى منصب “رئيس الدولة”، وإذا به عندما تخذله الصناديق بعد سنوات أربع، بدلاً من أن يحزم حقائبه، ويحمل أوراقه، ويخرج سالماً من البيت الأبيض، يعطي إشارة البدء لأنصاره من قوى اليمين المتطرّف للشروع بغزو الكابيتول، حيث يجتمع المشرّعون للتصديق على انتخاب خليفته: “لن نتخلّى عن حقنا، فقد سرق اليساريون الراديكاليون فوزنا.. تحرّكوا بسرعة وقاتلوا بهمة أكبر.. توجهوا إلى الكابيتول.. هذا وقت القوة.. سنستعيد بلدنا!”، ولعله استنسخ عباراته تلك من لغة الانقلابيين التي اعتدنا سماعها في بلداننا، وهذا ما حدث بالفعل، إذ توجه أنصاره إلى الكابيتول (مقر الكونغرس) واقتحموه، وخرّبوا وحطموا مكاتب مشرّعين، وسرق بعضهم ما خفّ حمله، واحتلّ أحد “الغوغاء” كرسي الرئاسة قبل أن يستطيع رجال الأمن السيطرة على الموقف. وخلّفت هذه “الغزوة” قتلى وجرحى، واعتبرها عديدون بمثابة تنفيذ انقلابٍ يهدف إلى اغتصاب السلطة بالقوة، للمرّة الأولى في التاريخ الأميركي. في حينها كان مصمّم “الغزوة” وراعيها ترامب يتابع مشاهد الاقتحام عبر الشاشات مع أسرته، وهم يضحكون ويمزحون على النحو الذي نقلته “فيديوهات” مواقع التواصل. ولكن السحر انقلب على الساحر، إذ تحقق إجماع داخل المؤسسة السياسية على أن تهديداً محدقاً بأميركا يوشك أن يحدُث، وتنادى الجميع إلى وقف الكارثة، وبينهم أعضاء بارزون في الحزب الجمهوري.

سعى ترامب في مواجهة ذلك إلى أن ينجو بجلده. أنحى باللائمة على رجاله الذين قاموا بالهجوم، وتعهد بمعاقبتهم، وبانتقال سلس للسلطة، لكنه ظل مكابراً، إذ أعلن أنه لن يحضر مراسيم التنصيب، ولم ينفعه تراجعه، كما لم يعد لتغريداته مكان، بعدما أوقفت مواقع التواصل حساباته. ولكن العاصفة التي تصاعدت ضده لم تهدأ، فقد أوقع نفسه في المصيدة، وحانت الفرصة لخصومه كي يقضوا عليه، وتكاثرت عليه السكاكين، وارتفع صراخ خصومه أن “اطردوه وامنعوه من ممارسة السياسة مدى الحياة”. وقالت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي: “إنه مختل ومضطرب عقلياً ويشكل خطراً على قيمنا”. وتطوع محاميه الخاص، مايكل كوهين، للشهادة ضده، وحذّرت ماري ترامب ابنة شقيقه من أن عمها “يعاني من الاضطراب.. وقد يحرق كل شيء.. ولا بد من إدانته وعزله”.

هكذا أصبح مصيره معلقاً على كلمة يقولها المشرّعون، بعد أن كان، إلى ما قبل ليلة، مالئاً الدنيا وشاغلاً الناس. والظاهر أن محاولة النفاذ بجلده قد تبوء بالفشل، بعد الإجماع الشامل من رجال المؤسسة السياسية على إدانته، وربما عزله أو استقالته، وقد يكون ذلك نهاية مجده السياسي، ولن يتمكن من العودة إلى الكرسي “الذهبي” مستقبلاً.

هل ستنتهي “غزوة” الكابيتول عند هذا الحد؟ لا نعتقد ذلك، إذ لن يكون بإمكان الأميركيين أن يخلدوا إلى النوم بعد “غزوة” الكابيتول، وأن يطمئنوا إلى سلامة نظامهم الديمقراطي، وقدرته على مواجهة أية محاولة للنيل منه. وإذا كانت المؤسسات قد نجحت في إجهاض الغزوة، وحجمت فعل قوى اليمين المتطرّف، من يضمن أن تلك القوى سوف تنحني أمام العاصفة، ولا تعاود نشاطها وفاعليتها، ما دام ملايين الأميركيين في صفها. وقد ينتهي ترامب سياسياً. ولكن من قال إن “الترامبية” لن تكون قادرة على التحوّل إلى تيار “أيديولوجي” يستثمره “النازيون الجدد” و”جماعة الأولاد الفخورين” وأضرابهم، لترصين جبهتهم، بما يصعد من تأثيرهم داخل الأوساط الشعبية من جديد؟ ذلك هو السؤال الكبير.

—————————-

ألف مرّة فوضى الديمقراطية ولا جنّة التسلّط/ أرنست خوري

بينما كانت الولايات المتحدة تعيش مخاضها الخاص بتداول السلطة، ودونالد ترامب يحاول هدم جدار إضافي في البناء الديمقراطي الأميركي، كان رموز التسلط حول العالم يراكمون الحجج لتأكيد صواب الديكتاتورية والحكم من خلال السجن والحرمان والإفقار وإهانة العلم والعقل. علي خامنئي، الذي لم يُعرف عنه تخصص في الطب، وجد وقتاً يوم الجمعة الماضي ليفتي في كورونا من على شاشة التلفزيون. نبش في أرشيف مواجهة الإمبريالية ليقرّر حرمان شعبه من اللقاح الذي استصدر له جنسيات وطنية: صار هناك في أدبيات خامنئي شيء اسمه “اللقاح الأميركي” و”اللقاح البريطاني”. لا فايزر ــ بيونتيك، ولا موديرنا، ولا أسترازينيكا ــ أكسفورد. فقط بريطاني وأميركي. الشر والشر المطلق تجسّدا في لقاحَين اثنين اشترك في إنتاجهما علماء من جنسيات مختلفة، ورؤوس أموال لا تعرف الهويات الوطنية العزيزة على قلب خامنئي. ولأن الرجل لا يرى العالم إلا فسطاطَين ومسرحاً لحروب لا تنطفئ، فقد أطلق أحدث حروبه على اللقاحَين، وحظر استيرادهما. ومع أن الرجل ليس مطالًباً بتقديم حجة لقراره المُنزَل، فإنه تنازل، وبرّر منع استيراد هذه اللقاحات بالتشكيك في فعاليتها، والأهم أنه طعن “بالنوايا الأميركية والبريطانية”، لأن هذين البلدين يريدان “تجربتها (اللقاحات) على الشعوب الأخرى”. ولمزيد من الضحالة، وللإيغال في إهانة مستوى ذكاء من استمع إليه أو قرأ ما أدلى به، رمى خامنئي ما لا يرقى إلى مستوى محو الأمية، فقال: “إذا تمكن الأميركيون من إنتاج اللقاح، لماذا حدثت هذه الفضيحة إذاً؟ فقبل أيام خلال 24 ساعة توفي أربعة آلاف أميركي”. فليمت إذاً الإيرانيون من دون لقاحات على مذبح حروب مرشد نظامهم.

بعد الإفتاء في الطب وقبله، كان خامنئي وزملاؤه في نادي العقل الممانِع، يتابعون الحدث الأميركي كطفل وجد برنامجه المفضل على الشاشة بعد حرمان طويل. والرفاق منتشرون بين القارات، وهم تهافتوا على التصريح والتغريد ومفاقمة التلوث السمعي من مختلف قارات الأرض. قالوا الكثير وسخروا أكثر، ولهم الحق في ذلك أمام كابوس من وزن دونالد ترامب. لكن ما قد يكون أبرز ما تقيأوا به، هو عتبهم على درجة سلمية قوات الأمن المولجة بحماية مبنى الكونغرس، فكيف يسقط فقط أربعة قتلى من بين مهاجمي مبنى الكابيتول في حدث جلل كهذا؟ لم يعبأوا بالتقصير الفاضح في أوساط أجهزة الأمن، ولا بما يرجح أن يكون تواطؤاً أو تقصيراً وظيفياً جُرمياً. كل همّهم تركز على كيف أنه في حدث كبير كالذي حصل، لم يقتل إلا أربعة أشخاص؟ يا لضعف أميركا فعلاً، ويا لعظمة أنظمة المؤامرة والممانعة والدم حيث، حين يجب أن يموت البشر، فإنهم يُقتلون بالمئات لسبب أو من دونه.

المتيَّمون بالدم وبالتسلط ممن وجدوا في الحدث الأميركي مسلسلهم المفضل، لم يجدوا في ما حصل تهديداً للديمقراطية من قبل الشعبوية والفاشيين الجدد، بما يُفترض أن يُقلق أي حريص على أي نظام سياسي ينظم علاقات البشر داخل حدود أي بلد بأقل سوء. على العكس من ذلك، اعتبروا أن الاقتحام وما تلاه من تسريبات حول خطط عصابة ترامب لإشعال اقتتال أهلي عشية تنصيب جو بايدن، هو نتيجة للديمقراطية الأميركية، هو تكريس لها. بحسبهم، الديمقراطية هي فوضى، والتسلط استقرار. الديمقراطية هي الهشاشة، والتسلط هو الجبروت. فصل السلطات وسيادة القانون الوضعي وسموّ مؤسسة القضاء وتداول الحكم والاستفتاء الشعبي والاختيار بالانتخاب… كلها أدلة ضعف لا تنتج إلا مشاهد مماثلة لما قدمه لنا رعاع واصلون لتوّهم من مجاهل العصور الوسطى. وإن كانت هذه تعني هشاشة، فإنها تُحسب لمصلحة الديمقراطية لا عليها. الهشاشة بهذا المعنى، تترك مجالاً لتعديل السلوك ولحقن الدماء. تعالج الأزمة في المحاكم وفي عزل أمثال ترامب بالتصويت في البرلمان، بدل قصفه مثلما حصل ذات مرة في مقر مجلس النواب الروسي أيام محاولة انقلاب 1993.

عاشت الهشاشة، وليذهب الجبروت إلى الجحيم. ألف مرة أعطاب الديمقراطية … ولا لحظة جنّة التسلط.

العربي الجديد

————————–

دروس روسية للأميركيين/ بسام مقداد

في زمن دراستنا في موسكو ، كانت تكثر النكات ، التي كان يتداولها الروس عن المقارنة بين الحياة في كل من الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة . واحدة من هذه النكات كانت تقول ، بأن أميركياً كان يتباهي أمام روسي بالديموقراطية الأميركية ، قائلاً : عندنا ديموقراطية في أميركا تسمح لك ، بأن تقف أمام البيت الأبيض وتشتم نيكسون ما وسعك ، من دون أن يتعرض لك أحد . فرد عليه الروسي بقوله : وعندنا في روسيا أيضاً ديموقراطية تسمح لك ، بأن تقف في الساحة الحمراء وتشتم نيكسون ما وسعك ، من دون أن يتعرض لك أحد.

ما يدور في روسيا الآن بشأن الحدث الأميركي ، يشبه إلى حد بعيد هذه النكتة ، حيث يقارن الروس بين ديموقراطيتهم والديموقراطية الأميركية ، وبين نظامهم الإنتخابي والنظام الأميركي ، ليستنتجوا أفضلية ديموقراطيتهم ونظامهم الإنتخابي ، مستشهدين بالحدث الأميركي الراهن . وزير الخارجية سيرغي لافروف ، وفي سياق تذكره لحديث قديم مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس ، وصف نظام الإنتخابات الأميركي بأنه “مغرق في القدم” ، فردت عليه رايس ، بأنهم عل اطلاع على عيوب النظام ، لكنها طلبت منه عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، إلا أنها عادت وسألته عن نظام الإنتخابات الروسي ، حسب موقع “موسكوـــــ باكو” الأذري ، من دون أن يذكر الموقع ما الذي كان يعني رايس في نظام الإنتخابات الروسي.

رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الإتحاد كونستانتين كوساتشيف قال ، بأن الديموقراطية الأميركة أخذت تعرج على الساقين ، وأن أحداث واشنطن الأخيرة أثبتت ، أن الولايات المتحدة فقدت الحق بفرض النهج السياسي على البلدان الأخرى ، حسب موقع قناة التلفزة “ren.tv” . كما نقل الموقع عن الناطقة الرسمية بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها ، بأن الإضطرابات في الولايات المتحدة إندلعت بسبب عيوب تظام الإنتخابات ، الذي لا يفي بالمعايير الحديثة ، ويتضمن إمكانية إنتهاكه.

كما ينقل الموقع عن بوليتولوغ روسي تأكيده مع ترامب ، بأن الإنتخابات الرئاسية الأميركية لم تكن شفافة ، ولهذا بالذات ، برأيه ، نظم أنصار الرئيس ترامب الشغب في الكابيتول . ويرى بأن شغب “الترامبيين” كان ردة فعل على عدم الإحترام من قبل النخب الأميركية ، التي “حطمت الديموقراطية منذ زمن بعيد”.

توقف السياسيون الروس والمواقع الإعلامية الروسية بصورة خاصة عند وقف حسابات دونالد ترامب على الفيسبوك وتويتر ، ونبهوا الأميركيين إلى عيوب ديموقراطيتهم ونظامهم الإنتخابي . فقد اعتبر الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف ، أنه أصبح مع ترامب متشابهين في حظرهما على شبكات التواصل الإجتماعي ، وقرر إملاء درس عليه في …الديموقراطية وحقوق الإنسان . فقال بأن ترامب سيق وأن فرض عليه الحظر في شبكات التواصل الإجتماعي ، لكن “العلي القدير استرجع العدالة” ، وتم حظر حسابات “ترامب المتمرد” في هذه الشبكات . فلو كان قد احترم الديموقراطية وحقوق الإنسان ، لكان من المحتمل ألا يحصل شيئ من هذا ، كما جاء على الموقع الأذري المذكور.

فلاديمير سالافيوف ، مقدم البرنامج السياسي الأشهر على قناة التلفزة الرسمية الروسية “المساء مع فلاديمير سالافيوف” المعروف بفظاظته مع أصحاب الرأي المختلف عن رأي الكرملين ، يملي بدوره على الأميركيين درساً آخر في إحترام دستورهم بشأن حقوق الإنسان. فقد نقلت عنه نوفوستي تذكّره كيف لم يسمحوا لترامب حظر تغريداته على تويتر عن بعض المستخدمين ، لأن مثل هذا الحظر ينتهك الحق في حرية الكلمة. لكن اليوم تجري عملية عكسية ، برأيه، إذ يفرضون حظراً دائماً على حسابات ترامب من دون إذنٍ من المحكمة ، مستندين فقط إلى قواعد الشركة الداخلية . ويتساءل سالافيوف ، ما إن كان هذا يشير إلى أنهم يسمحون للشركات الخاصة بإقامة مناطق غير خاضعة لأحكام الدستور الأميركي ، وما إذا كان هذا كله لا يمس بكل فردٍ أميركي، لأنه يُظهر بوضوح إنتهاك حقوق المواطنين الأميركيين.

كما تنقل نوفوستي أيضاً عن رئيس لجنة العلاقات مع أجهزة الإعلام في مجلس الإتحاد الروسي ألكسي بوشكوف ، إملاءه درساً إضافياً على الأميركيين في تحذيرهم من دور شبكات التواصل الإجتماعي الأميركية . يقول بوشكوف في تعليق له على حظر حسابات ترامب في تويتر وفيسبوك ، بأن ما قامت به هاتان الشركتان حيال ترامب هو “رمز آخر من رموز عالم أورويل( عالم جورج أورويل المتخيل) ، وإشارة إلى كل من بقيت لديه أوهام بهذا الشأن” . ويقول بأن شركات التواصل الإجتماعي الأميركية هذه أصبحت تقوم بدور الوصي على النظام الليبرالي وبأن غوغل ليس منصة معلوماتية ، بل منصة سياسية ، وبأنه جعل الرقابة جزءاً لا يتجزأ من عمله.

صحيفة الإزفستيا نقلت عن رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي قولها ، بأن إقتحام الكابيتول كان بمثابة الهدية ل بوتين. ورأت أن ترامب هو “أداة” روسيا من أجل تخفيض دور الديموقراطية في العالم ، وقالت ، أنه بين هدايا ترامب الكثيرة لبوتين ، قدم له بالأمس الهدية الأكبر . وذكّرت الصحيفة بدعوة بيلوسي إلى إزاحة ترامب الفورية عن السلطة ، بموجب التعديل 25 على الدستور الأميركي.

ونقلت الصحيفة عن رسلان حزباللاتوف ، الرئيس الأخير لمجلس السوفيات الأعلى في روسيا السوفياتية ، إعتقاده بأنه ، على الرغم من الإضطرابات في واشنطن ، إلا أن الأمر لن يبلغ حد عزل ترامب عن منصبه ، وذلك ، لأنه لم يتبق سوى أيام معدودة على تسلم جو بايدن السلطة.

كما تنقل الصحيفة ، مع غيرها من المواقع الروسية ، عن بوليتولوغ ، لم تحدد ازفستيا هويته ، أو أي من المواقع الأخرى ، والذي نبه بدوره الأميركيين والعالم ككل ، إلى أنه لم يكن من ديموقراطية في الولايات المتحدة في يوم من الأيام ، وأن إنتخابات 2020 الأميركية زادت الوضع تعقيداً.

صحيفة الكرملين “vz” كان لها التنبيه الأشد للأميركيين ، إذ عنونت نصها بشأن الحدث بالقول “طرد ترامب من شبكات التواصل الإجتماعي ، ستكون له عواقب كثيرة على الولايات المتحدة”. وقالت ، بأنه يخطئ من يظن ، أن النخب الأميركية ردت على إقتحام الكابيتول بالحوار مع أنصار ترامب ، بل هي ردت بالقمع ، وليس في العالم الحقيقي فقط (التسريح من العمل للمشاركين في الإقتحام ، والتهديد بعزل ترامب) ، بل وفي العالم الرقمي أيضاً . فحظر ترامب وكبار أنصاره من شبكات التواصل الإجتماعي ، يعني عملياً حرمانهم من الوسيلة الأهم والوحيدة للتواصل مع العالم ، إذ أن وسائل الإعلام الأميركية التقليدية ، هي بيد الليبراليين ، او مسؤولي النظام.

تبشر الصحيفة شركات شبكات التواصل الإجتماعي الأميركية ، بأنه حتماً سوف يظهر بديل للفيسبوك وتويتر وأمثالهما لكي يتمكن المعترضون من إسماع صوتهم ، ولا بد ، برأيها، أن تظهر “روسيا اليوم” ، لكن على شكل شبكة تواصل إجتماعي . وترى ، أن حظر اليمينيين الأميركيين من قبل الليبراليين ، ينقذ اليمينيين ، لأنه بعد وصول بايدن ، وخسارة مجلس الشيوخ ، وخيانة النخب اليمينية ، وإقتحام الكابيتول ، تبدو الحركة اليمينية مشوشة وغير منظمة . والإضطهاد يمنحهم إمكانية رص صفوفهم ، والبرهان على أنهم ليسوا طائفة رئيس محدد ، بل هم تلك القوة ، التي تستطيع من جديد “أن تجعل أميركا أميركا”.

ذلك هو الدرس الأخير ، الذي تمليه على الأميركيين صحيفة الكرملين ، وتريدهم أن يحبوا أميركا ويعيدوا لها مجدها ، الذي اضاعه الليبراليون برأيها.

المدن

————————-

“كيو أنون” معاقبة بعد ترامب.. وسط مخاوف أمنية

حظر تطبيق “تويتر” أكثر من 70 ألف حساب مرتبط بحركة “كيو أنون” المؤيدة لنظرية المؤامرة عقب اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن، حسبما أعلنت شبكة التواصل الاجتماعي الثلاثاء.

وحركة “كيو أنون”، يقول مؤيدوها إن الرئيس دونالد ترامب يقاتل ضد نخبة عالمية من عبدة الشيطان المتحرشين بالأطفال الذين يديرون عصابة للاتجار بالأطفال.

وبحسب بيان “تويتر”: “نظراً للأحداث العنيفة في واشنطن العاصمة، وزيادة مخاطر الأذى، بدأنا تعليقاً نهائياً لآلاف الحسابات التي كانت مخصصة في الأساس لمشاركة محتوى كيو أنون بعد ظهر يوم الجمعة”. وقال “تويتر” إنه في كثير من الحالات كان هناك شخص واحد يدير حسابات عديدة.

واشتكى العديد من الأشخاص في فلك ترامب، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو، في الأيام القليلة الماضية من فقدان عشرات الآلاف من المتابعين.

واقتحم حشد من أنصار ترامب، بعضهم يحمل أعلام ورموز “كيو أنون”، مبنى الكابيتول الأسبوع الماضي أثناء تصديق الكونغرس على انتخاب جو بايدن رئيسا في انتخابات قال ترامب دون أي دليل أنها تم تزويرها.

وكررت حركة “كيو أنون”، التي تعتقد أيضاً أن ما يسمى بالدولة العميقة تتآمر ضد ترامب، ادعاءات ترامب الزائفة بأنه فاز في الانتخابات.

ويأتي ذلك في ظل ارتفاع المخاوف من وقوع أعمال عنف جديدة خلال حفلة تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/يناير في واشنطن، مع إعلان وزير الأمن الداخلي بالوكالة تشاد وولف الإثنين استقالته في خطوة مفاجئة.

ويغادر وولف منصبه بعد خمسة أيام على قيام حشد من أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب باقتحام مبنى الكابيتول لمقاطعة جلسة المصادقة على فوز بايدن في الانتخابات.

وتشرف وزارة الأمن الداخلي على عدد من قوات إنفاذ القانون ومن بينه الجهاز السري المكلف ضمان أمن البيت الابيض والرئيس. ووصف الوزير بالوكالة الهجوم الذي تسبب بمقتل خمسة أشخاص بأنه “مأساوي” و”مثير للاشمئزاز”، في وقت يكثف المسؤولون المحليون وقوات الأمن الجهود لمنع وقوع أعمال عنف جديدة. وأوضح وولف أنه يستقيل لأسباب إجرائية، وعين مدير الوكالة الفدرالية للأوضاع الطارئة بيت غاينور ليحل محله.

غير أن هذه الخطوة لم تضع حداً للتساؤلات بشأن أمن العاصمة الفيدرالية خلال الأسبوع المقبل. وحذر مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) في وثيقة داخلية بأن أنصارا لترامب يخططون للقيام بتظاهرات مسلحة في الولايات الخمسين خلال الفترة الممتدة من نهاية الاسبوع إلى موعد أداء بايدن اليمين الدستورية، وفق ما كشفت وسائل إعلام.

وأعلن البيت الأبيض في بيان أن ترامب “أعلن حال طوارئ في واشنطن دي سي وأمر بمساعدة فيدرالية لمساندة جهود واشنطن للاستجابة للظروف الطارئة الناتجة عن مراسم تنصيب الرئيس التاسع والأربعين من 11 كانون الثاني/يناير إلى 24 كانون الثاني/يناير 2021”.

وجاء في البيان أن الأمر أعطى وزارة الأمن الداخلي الصلاحية للتحرك “من أجل إنقاذ أرواح وحماية الممتلكات والصحة والسلامة العامة وخفض أو تفادي مخاطر وقوع كارثة في قطاع كولومبيا”.

——————————

هيومن رايتس ووتش تدعو بايدن لترك القضاء يأخذ مجراه في حق ترامب

– أ. ف. ب.

جنيف: اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن يترك القضاء يأخذ مجراه في حق دونالد ترامب محذرة من أن أي محاولة منه لمجرد طي الصفحة بهدف توحيد البلاد سيكون “خطأ فادحا”.

وقال كينيث روث المدير العام للمنظمة المدافعة عن حقوق الانسان في مقابلة مع وكالة فرانس برس قبل نشر التقرير السنوي لهيومن رايتس ووتش الاربعاء “على بايدن أن يسمح للمدعين المهنيين بالمضي قدما وإحالة الجرائم التي ارتكبت، أيا كانت، على القضاء”.

ويأتي ذلك بعد أسبوع على هجوم أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على الكابيتول الذي أوقع خمسة قتلى وأثار صدمة في الولايات المتحدة والعالم.

وأطلق الديموقراطيون إجراء عزل جديدا في حق ترامب. وشجع روث إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن الذي تبدأ ولايته في 20 كانون الثاني/يناير على ترك مدعين مستقلين يلاحقون ترامب قضائيا بتهم مخالفات أخرى محتملة للقانون.

وقال خلال المقابلة في منزله بجنيف “لقد رأينا ترامب مستعدا للدوس على الديموقراطية بأشكال مختلفة” طوال فترة رئاسته.

وأضاف “كان السادس من كانون الثاني/يناير الذروة الطبيعية لتوجه استمر بالفعل لمدة أربع سنوات (…) ومن المهم بالنسبة للولايات المتحدة أن تقول بحزم: هذا السلوك المشين غير مقبول على الإطلاق”.

واعتبر روث أنه من الضروري أن تظهر الولايات المتحدة أن الرئيس “ليس فوق القانون”.

وشدد على ضرورة أن يتجنب بايدن عند وصوله الى البيت الأبيض، بأي ثمن “تكرار الخطأ الذي ارتكبه (الرئيس السابق باراك) أوباما برغبته التطلع الى المستقبل وتجاهل الماضي”. وكان اوباما تخلى عن مقاضاة سلفه جورج دبليو بوش الذي شرّعت إدارته التعذيب بحجة الحرب ضد الإرهاب التي أطلقت بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001.

وتابع روث “كان أوباما يتحدث عن ضرورة تجاوز الإفراط في التعذيب خلال حكم بوش” للحفاظ على أجندته التشريعية مضيفا “هناك دائما مبرر لترك الماضي وراءنا”.

لكن في الحالة الراهنة “سيكون ذلك خطأ فادحا” لأن “ما حاول ترامب فعليا زعزعته، هو فكرة أن الرئيس ليس فوق القانون”.

يضيف روث “هذه إحدى ركائز الديموقراطية ولن يؤدي الخطاب المبهم حول المصالحة الى إصلاح الضرر” الذي تسببت فيه هذه النظرة للأمور. وقال “يجب أن نعيد التأكيد على سيادة القانون وهذا يعني السماح للمدعين العامين المهنيين بالنظر في الأدلة بهدف ملاحقة ترامب عن الجرائم التي قد يكون ارتكبها”.

في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، يرى روث أن إدارة ترامب كانت “كارثة” وأن على جو بايدن أن يفعل أكثر من مجرد محاولة لململة الأمور.

وقال “التحدي الحقيقي لبايدن ليس فقط إصلاح الأضرار التي تسبب بها ترامب وانما التأكد من أن شخصا آخر مثل ترامب لن يقوم بالشيء ذاته”.

وتابع “على بايدن أن يجد طريقة لترسيخ حقوق الإنسان بشكل أفضل في السياسة الأميركية حتى لا يتسنى للرئيس المقبل ان يتخلى عنها بمثل هذه السهولة”.

واعتبر أن هذا ينطبق على الساحة الدولية حيث خسرت الولايات المتحدة الكثير من المصداقية في التزامها الدفاع عن حقوق الإنسان.

وحض بايدن الذي يهتم بالسياسة الدولية على أن يستوحي من جيمي كارتر الرئيس الأميركي الأسبق (1977-1981) الذي أدخل حقوق الإنسان كمبدأ يوجه السياسة الخارجية الأميركية.

وأضاف روث انه بالنسبة لجو بايدن فهذا يعني على سبيل المثال إلغاء المساعدة العسكرية “لانظمة تعسفية صديقة مثل السعودية ومصر او اسرائيل”.

وخلص الى القول “من خلال إظهار أنه يجعل هذا الأمر مسألة مبدأ، يمكن لبايدن كبح ميول رئيس مقبل لإعادة طرح هذه الالتزامات”.

—————————-

إرث ترمب: أزمة الديمقراطية!/ عبد المنعم سعيد

في العشرين من يناير (كانون الثاني) الجاري، سوف يحلف جو بايدن اليمين الضرورية لتولي مهام الإدارة الأميركية للرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة.

لن يكون الحدث جارياً على الطريقة المعتادة، لن تبدأ المسيرة من البيت الأبيض؛ حيث يصطحب الرئيس الذاهب الرئيس القادم، ويتاح لهذا الأخير مسيرة يلوح فيها للجماهير المحتشدة التي تحتفل بالجديد في القيادة؛ بقدر ما يكون الاحتفال بالديمقراطية الأميركية التي يجري فيها تداول السلطة بسلاسة ويسر، حتى لو كانت بعد معركة انتخابية مريرة.

ما سوف يحدث أن الرئيس المنتخب وزوجته سوف يمشيان مسافة قصيرة، يلوحان فيها لأنصارهما من الديمقراطيين، ثم يحلف اليمين، ويذهبان إلى البيت الأبيض؛ بلا استقبال، ولا معرفة بالغرف التي سوف يقيم فيها الرئيس. المؤكد أنه لن يكون هناك احتفال بالديمقراطية، ولا بالتبادل السلمي للسلطة؛ بل قدر كبير من الخشية والقلق من ظواهر الاعتراض على سلامة الانتخابات، وباختصار شرعية الرئيس الجديد.

ما حدث هو أن الرئيس ترمب لم يكف أبداً عن التأكيد على أن الانتخابات زُورت، وجرى التلاعب بها؛ وهي مفاجأة تقلب ما هو معتاد في بلاد أخرى؛ حيث جرت العادة على ألا تكون شكوى التزوير قادمة من الرئيس القائم في السلطة؛ وهذه المرة فإن الرئيس هو الذي يشكو المعارضة، ولم يحدث ذلك في الانتخابات التي جرت في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) فقط، وإنما بدأت منذ انتخابات عام 2016 واستمرت حتى الآن، ويبدو أنها سوف تكون الشعار الغالب على السياسة الأميركية في المستقبل المنظور.

وبقدر ما تكون الديمقراطية الأميركية في مأزق، فإن الفكرة الديمقراطية كلها تصير من ناحية موضع التساؤل، ومن ناحية أخرى عما إذا كانت هي بالفعل فكرة عالمية قابلة للتطبيق، بغض النظر عن المكان والزمان.

وليس سراً على أحد أن الديمقراطية في الفكر السياسي لم تكن من الأفكار المحببة في الفلسفات اليونانية والرومانية القديمة؛ ولا جاءت بعد ذلك في كثير من الفلسفات الشرقية، وفي العصر الحديث فإنها تعرضت لانتقادات عنيفة من الفلسفات الفاشية والاشتراكية، وعما إذا كانت تحقق العدالة والكفاءة في الحكم.

تجربة ترمب وضعتها في اختبار جديد؛ خصوصاً أن النموذج «الترمبي» لم يحدث في الولايات المتحدة وحدها، وإنما ظهرت له نسخ ممن وصلوا إلى السلطة في بولندا والمجر والبرازيل والهند، ولكن النسخ كانت أكثر في الشارع السياسي والبرلمانات الغربية في عمومها. وفي بريطانيا فإنها قادت إلى شرخ «العولمة» التي هي واحدة من الامتدادات الفكرية المهمة للديمقراطية؛ وقادت إلى الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

خروج ترمب من البيت الأبيض بالطريقة التي سوف يخرج بها متمرداً على النظام كله، وغير معترف بتقاليده وطرقه في الخروج من السلطة، خلقت اهتزازاً عميقاً في النظم السياسية الغربية، وجعلت من «أزمة الديمقراطية» واحدة من أهم معضلات هذا الزمن.

للوهلة الأولى، فإن تشخيص ما حدث للديمقراطية دار حول فكرة «الشعبوية» التي نبه لها فلاسفة اليونان منذ زمان بعيد، وجعلوها مرضاً يصعب الشفاء منه، ويصير ابتلاء لمن يصيبه من الشعوب. وثانياً فإن التشخيص اتجه إلى ضرورة إصلاح «ميكانيكا الديمقراطية»، أي الطريقة التي استقر عليها أمر الديمقراطية في الولايات المتحدة، واستغلها «الشعبوي» ترمب لأخذ البلاد كلها إلى الفوضى المتوقعة.

أصبحت الفترة الزمنية ما بين موعد الانتخابات في الثلاثاء الأول من نوفمبر وحتى موعد تسلم السلطة في العشرين من يناير فترة زمنية طويلة، تتيح للرئيس إذا ما كان من النوع «الترمبي» أن يخلخل الفكرة الديمقراطية كلها. كذلك فإن التفرقة المتوقعة ما بين «الأغلبية الشعبية» تبعاً لعدد من صوتوا للمرشح الرئاسي من جميع الولايات، والأغلبية الشرعية الممثلة للأغلبية في المجمع الانتخابي، خلقت بلبلة فيمن سوف يكون الرئيس الشرعي للبلاد؛ خصوصاً أن احتمالات تكرار ذلك باتت ممكنة، بعد أن حدثت مرة في انتخابات 2000 بين آل غور وجورج بوش الابن، ومرة أخرى بين دونالد ترمب وهيلاري كلينتون.

لم يكن فوز آل غور ولا هيلاري كلينتون بالأغلبية الشعبية يعني الكثير في مواجهة أغلبية المجمع الانتخابي. أضف إلى ذلك مسلسل إعلان نتيجة الانتخابات بواسطة أجهزة الإعلام، ثم التأكيد عليها بشهادة من كل ولاية بعد التعامل مع الاحتجاجات والطعون، ومن بعدها الحصول على شهادة من المجمع الانتخابي، ثم بعد ذلك التصديق على هذه الشهادة من قبل الكونغرس بمجلسيه، وإذا لم يتيسر التصديق يكون للمحكمة الدستورية العليا القول الفصل في مراجعة العملية كلها، ومنها عد الأصوات مرة أخرى، وكل ذلك والأميركيون ينتظرون، والعالم ينتظر!

ترمب لم يترك ثغرة من كل ذلك لم يستغلها، ومهما كانت النتيجة محبطة، سواء أمام القضاء أو أمام الرأي العام، فإنه كان يستمر مصمماً على أن الانتخابات مزورة. ولم يعدم مجموعة غير قليلة من ممثلي الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب يؤيدونه فيما ذهب إليه، مما يفتح الباب لانقسام الحزب الجمهوري ذاته، وهو ما يرفع عن الديمقراطية الأميركية واحدة من أهم مميزاتها، وهي استقرارها بين حزبين رئيسيين قادرين على التوازن وتبادل السلطة بطريقة سلمية.

ولم يجد ترمب أي معضلة في مخاطبة المسؤول عن الهيئة الانتخابية في ولاية جورجيا، براد رافينسبيرغر، ويطلب منه مباشرة التلاعب في نتيجة الانتخابات، في حديث مسجل تظهر فيه الغواية بقدر ما فيه من تهديد. ولحسن الحظ فإن إحدى الصحف الأميركية أذاعت التسجيل الذي عقب عليه ريتشارد هاس – رئيس مجلس الشؤون الخارجية والأكاديمي والسياسي والدبلوماسي الأميركي – بالقول: «بالاستماع إلى مكالمة دونالد ترمب الحقيقية المسجلة، فإنه يستحيل التعجب حول الانكشاف طويل المدى للديمقراطية الأميركية، وكذلك عما إذا كان ممكناً للولايات المتحدة أن تكون قادرة على تشجيع الديمقراطية في دول أخرى مرة ثانية». أندرو ويسمان، أحد المحققين في فريق روبرت مولر في «الاستقصاء الروسي»، قال إن المكالمة تحتوي على «نية الجريمة» أو Criminal Intent. آخرون قالوا إن المكالمة احتوت على مخالفات للقوانين المحلية والفيدرالية.

الأقوال أكثر من ذلك، وبعضها يرى في أقوال وأفعال ترمب خيانة للديمقراطية الأميركية؛ وبعضها الآخر يرى فيها جذور الاستبداد.

ما هو أعمق من ذلك أن «أزمة الديمقراطية» كامنة فيما هو أكثر من التواؤم مع الحقائق التكنولوجية الجديدة، والاختبار القائم على الدولة الحديثة من جراء أزمات مالية أو صحية أو حتى مناخية، والانقسام العالمي ما بين النظم «الديمقراطية» وتلك «الاستبدادية». ما نراه الآن في الولايات المتحدة ومن قبلها المملكة المتحدة، أن الديمقراطية باتت نوعاً من السوط الآيديولوجي المراد به إلهاب ظهر العالم، لكي يعيش وفق نظم وعهود كانت لها ظروفها التاريخية والاجتماعية والثقافية المختلفة. وفي كل الأحوال فإن التفكير في الأزمة يحتاج ما هو أكثر من التفكير في العار الذي يسببه ترمب و«الترمبية»، كأنهما مجرد جملة اعتراضية على مسيرة مظفرة.

الشرق الأوسط

—————————–

مجنونٌ أم ممثلٌ لأحد وجوه أمريكا/ نهلة الشهّال

ولد زعيمٌ سياسي في يوم العصيان هذا، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات.

لماذا السعي لعزل ترامب؟ عقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كالإقدام على إشعال حرب مع إيران في أيام ولايته الأخيرة!

ترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة وبهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها ومفاهيمها وسيسعى للرئاسة في الانتخابات القادمة.

* * *

كانت مشاهدَ مذهلة! مسليةً و”ممتعة”، مثل فيلم سينمائي يذّكر بأفلام الكاوبوي، على الرغم من تسبب ما جرى بمقتل أربعة أشخاص. الشرطةُ المولجة بحراسة مبنى الكابيتول تفرُّ أمام جموع هائجة.

سجّل الجميع في أنحاء العالم، وكذلك الصحف الأمريكية الكبرى، قلة عدد أفراد الشرطة، “الملفت للنظر” كما يقال بتهذيب موحي بإن هذا الضعف الشديد في الحراسة – وهو غير معتاد حتى في جلسات عادية للكونغرس – كان مقصوداً.

ولم يتحرك “الحرس الوطني” إلا بعد ساعات، مع أنه يرسَل هو والشرطة الفيدرالية إلى مقاطعات أخرى ما إن تحدث فيها مظاهراتٌ حاشدة..

ومع أن ما جرى كان متوقعاً، بل دعا إليه صراحة الرئيس الأمريكي قبل سويعات من وقوعه، في مهرجان حاشد بالقرب من مقر الكونغرس، وقال لهم “اذهبوا لحث أعضاء الكونغرس على احتساب الأصوات بشكل صحيح”.

ثم سمّى من اقتحموه بـ”الوطنيين”، وقال لهم “أحبكم”، قبل أن يدعوهم للعودة إلى البيت، مع استمراره على التأكيد على أنه الفائزُ، وأن هناك تزويراً، وقال لهم أيضاً “لا تستسلموا أبداً”.. وهو ما كتبه أنصاره على ورقة تُركت على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

هل المظهرُ “الهمجي” لبعض هؤلاء الأنصار، ملابسهم – وقد ارتدى بعضهم فراء حيوانات فوق صدور عارية، ووضعوا على رؤوسهم قرونها، في تبنٍ للبدائية والوحشية.

الألوان المرسومة على وجوههم وأجسادهم، تلويحهم بأذناب الجواميس المقطوعة، السلاح الذي تباهوا بحيازتهم له داخل أروقة الكونغرس، ارتداء بعضهم لبزات عسكرية (وقد عُرِفّوا بأنهم من جماعة “برايد بويز”)، وضع أرجلهم بالأحذية الضخمة فوق المكاتب الخ..

هل ذلك كلُّه مجرد تمثيل؟ هل صفاقةُ ترامب، التي تتجاوز الخيال، صفةٌ شخصية؟ حتى نائبه، مايكل بنس، حتى نتنياهو، صُدموا!

فالمخاطرة التي أقدم عليها الرئيس كبيرةٌ، وها حساباته على تويتر وفيسبوك عُلّقت، وها النقاشات دارت وتدور حول عزله، أو تنحيته بسبب “عدم الأهلية الصحية” (المادة 25 من الدستور الأمريكي، وهي التي يمكن الاعتداد بها)، قبيل بضعة أيام من انتهاء ولايته، وبعد أن صادقَ الكونغرس – الذي عاد لاستئناف انعقاده – على صحة انتخاب بايدن.

لماذا؟ كعقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كما يقال همساً، كالإقدام مثلاً على إشعال الحرب مع إيران في الأيام الأخيرة من ولايته، وهذا بحسب صحف أمريكية كبرى.

وهذه اعتبرت السادس من كانون الثاني 2021 “أحد الأيام الأكثر قتامةً في تاريخ الولايات المتحدة (واشنطن بوست)، بينما قالت نيويورك تايمز “هو من حرّض أتباعه ويجب عزله”.

المدهشُ كذلك في ما جرى هو ميوعة الطرف المقابل. أوباما وآل كلينتون صامتون لساعات، بايدن يدعو ترامب للظهور على التلفزيون و”ضب” جماعته، وتؤيده في ذلك نائبته، من دون إبداء أي غضب أو تشنج.

والجميع يشدد على ضرورة الحفاظ على الديمقراطية ورموزها، والجميع يتمنى استعادة قاعدة التوازن بين الحزبين الكبيرين، التي تحكم السياسة والسلطة في الولايات المتحدة.

لعل الديمقراطيين خافوا من النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة، والتي يمكن أن تفتح الباب لفوضى وما سُمّيَ “حرباً أهلية”، وتطيح بالتالي بمكانتهم، وتغيّر تماماً قوانين اللعبة.

لعل ذلك يفسر أيضاً ميوعة الإجراءات التي أعقبت الحدث، إذ يقال إنه بعد ظاهرة عدم مقاومة الاقتحام وعدم حماية الكابيتول، فلا توقيفات، ولا محاسبات، وقد كنا أمام فاعلين من الذكور البيض. أي ممن يحوزون شرعية الانتماء إلى أمريكا.

يعني حُلّت عشائرياً!

المؤكدُ أن هذا الذي جرى، بكل تفاصيله، يعبّر عن واقع قائم في البلاد: مصالح كبرى متقاسمة بين الكتل السياسية بغض النظر عن توزعها على الحزبين، وانشطار عنيف بين المدن الكبرى، والتي لديها بالمقابل مشكلاتها العويصة، وعلى رأسها المسألة العنصرية، والتمييز ضد السود واضطهادهم، والأرياف والمناطق الداخلية، التي تعيش إيقاعاً مختلفاً، وتخشى ببلاهة غزوة “اليساريين”!

وهذا كله أحد جوانب الموقف. فعسى ما جرى يحفّز على تفحص أمريكا كما أصبحت، وكما هي الآن.

لقد ولد زعيمٌ سياسي في هذا اليوم، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات. فترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة على الرغم من كل محاولاته، والأرجح أنه في هذا اليوم، وهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها، ولمفاهيمَ تمثّلها، وهو سيسعى من خلالها إلى العودة إلى الرئاسة في الانتخابات القادمة.

* نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية، رئيسة تحرير “السفير العربي”.

المصدر | السفير العربي

—————————

الحزب الجمهوري إلى أين؟/ يوسف مكي

سيستأثر الحزب الديمقراطي بالسلطتين التنفيذية والتشريعية لسنتين أو لأربع سنوات.

الحزب الديمقراطي بقي فترة طويلة على يمين الحزب الجمهوري فكرا وممارسة مدافعاً عن قيم الإقطاع القديمة!

تشيع أشكال المكارثية عند أي تهديد محتمل لتوازنات القوة القائمة التي يمثلها الحزبان الرئيسيان الديمقراطي والجمهوري.

كان الحزب الجمهوري مدافعاً عن طبقة رأسمالية فتية أظهرت المؤشرات أنها الأقدر على قيادة المجتمع، وإلحاق الهزيمة بمنظومة القيم القديمة.

تأثر الديمقراطيون بنظرية كينز ودولة الرفاه واستمر فوز أحد الحزبين بالكونغرس أو الرئاسة قرابة قرنين مرتبطا بمستوى التضخم والانكماش والبطالة.

الحزب الجمهوري سيعيد بناء هياكله ويجري مراجعة نقدية وإذا لم يقبل بذلك فالتراجع الاقتصادي والعسكري إزاء الصين وروسيا سيتفاقم بتراجع سياسي وتغير توازن القوة الدولي.

* * *

يعود تأسيس الحزب الجمهوري الأمريكي، إلى الحركة المناهضة لاستمرار الرق، بالولايات المتحدة خلال خمسينات القرن التاسع عشر، وأعلن عن تأسيسه، تحت مسمى الاتحاد القومي في 6 يوليو/تموز عام 1854.

فاز ابراهام لينكولن (لِنكِن) برئاسة الحزب، عام 1860، وفاز في نفس العام بالانتخابات الأمريكية، ضد منافسه من الحزب الديمقراطي الجنوبي، ستيفن دوغلاس، وممثل حزب الاتحاد الدستوري الجديد جون بيل.

وقد تركز الصراع بين المتنافسين آنذاك، حول معركة إلغاء الرق، التي قادها الجمهوريون، وعارضتها أحزاب الجنوب.

الحزب الديمقراطي، هو الأقدم بين الحزبين الرئيسيين؛ حيث تأسس بالجنوب الأمريكي عام 1828م، واستمر لاعباً رئيسياً، مثل نظيره الجمهوري، في الحياة السياسية بالولايات المتحدة.

ما يهم في هذه المقدمة، ليس ظروف نشأة الحزبين؛ بل القوى الاجتماعية التي يمثلانها. الحزب الجمهوري، ظل منذ بداياته ممثلاً للأوليجاركية الصناعية، في حين كان الحزب الديمقراطي بالجنوب، هو الحارس الأمين لمصالح الإقطاع، والمنافح بشدة ضد إلغاء الرق، لأن ذلك سيحرم ملاك الأراضي، من القوة البشرية، التي يحتاجون إليها لحراثة الأرض.

الحزب الديمقراطي، بقي لفترة طويلة، بالفكر والممارسة على يمين الحزب الجمهوري، مدافعاً عن قيم الإقطاع القديمة، في حين كان الحزب الجمهوري، مدافعاً عن الطبقة الرأسمالية الفتية، التي كانت كل المؤشرات تشير إلى أنها الأقدر على قيادة المجتمع، وإلحاق الهزيمة بمنظومة القيم القديمة. وعلى ذلك فإنه كان في تلك الحقبة، الممثل الحقيقي للقيم الليبرالية.

هذا الواقع، تغير لاحقاً بشكل جذري، بعد إلحاق الهزيمة بالإقطاع؛ حيث تحول الحزب الديمقراطي، من كونه حزباً يتمركز في الولايات الجنوبية، إلى حزب يعمل على امتداد الساحات الأمريكية بأكملها، ويتغلغل في الطبقات المتوسطة، وينتقل من يمين الجمهوريين إلى يسارهم، فيغدوا حزباً راديكالياً، بالقياس إلى أوليجارشية الحزب الجمهوري.

وفي الوقت الذي بقى الحزب الجمهوري، ثابتاً في مواقعه الفكرية، تأثر الديمقراطيون بالنظرية الكنزية، ودولة الرفاه. واستمر صعود أحد الحزبين، سواء للكونغرس، أو سدة الرئاسة، قرابة قرنين من الزمن، مرتبطاً بمستوى التضخم والانكماش، في الاقتصاد الأمريكي.

وهنا مربط الفرس، في الإجابة عن السؤال الذي تصدر عنوان هذا الحديث: أي مستقبل للحزب الجمهوري، بعد اقتحام مبنى الكابيتول، من قبل أنصار الرئيس، رونالد ترامب، في السادس من هذا الشهر.

في الولايات المتحدة، لا توجد أحزاب سياسية، قادرة على التنافس مع الحزبين الرئيسيين. وقد لا نجانب الصواب، حين نقول إن ذلك، أمر غير مسموح به، عملياً، من قبل المكونات الاجتماعية المهيمنة، وإن غابت القوانين التي تنص على ذلك.

وليس أدل على ذلك، من شيوع المكارثية، بمختلف أشكالها، عند أي تهديد محتمل لتوازنات القوة القائمة، التي يمثلها وجود الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري.

إن غياب أحد الحزبين الرئيسيين عن الساحة السياسية، مع عدم وجود أحزاب أخرى منافسة، يحمل معنى واحداً فقط، هو سقوط النظام الديمقراطي، بنسخته الأمريكية.

وذلك ما لا تسمح به القوى الفاعلة في صناعة السياسية الأمريكية، سواء في مجموعة المصالح أو الدولة العميقة، أو القوى الاجتماعية المهيمنة، والمتمثلة، حالياً في الطبقة الأرستقراطية، التي تقود الحزب الجمهوري أو الطبقة المتوسطة، التي يمثلها الحزب الديمقراطي.

ومن هنا نفهم، لماذا يتحدث جوزيف بايدن، عن أهمية عودة التماسك والوحدة للحزب الجمهوري، لأن تفكك الحزب وانقسامه، يضعف المعارضة للحزب الديمقراطي.

وذلك ما يترك فراغاً سياسياً هائلاً في النظام السياسي الأمريكي، قد تسده قوى من خارج الحزبين. وهو ما يتعارض مع شكل النظام الحالي، ويعرض مصالح القوى الاجتماعية التي تقف خلفه للمخاطر.

وبهذا أيضاً نفهم، لماذا تراجع ترامب عن خطابه الأول التحريضي، فتبرأ من العصاة، الذين حرضهم في العلن، على التظاهر، واكتساح مبنى الكابيتول. إنه بالتأكيد ضغط قادة الحزب على الرئيس، بسبب الخشية من ضياع هيبة الحزب، وتعرضه للانقسام.

سيستأثر الحزب الديمقراطي بالسلطتين: التنفيذية والتشريعية، على الأقل بالسنتين القادمتين، لحين انفضاض الانتخابات النصفية القادمة للكونغرس الأمريكي. وقد تمتد سيطرة الحزب على المؤسستين لأربع سنوات.

لكن الحزب الجمهوري سيعيد بناء هياكله، وسيقوم بمراجعة نقدية لسياساته، وإذا لم يقبل الحزب وهو أمر مستبعد، بتحقيق ذلك، فإن التراجع الاقتصادي الأمريكي والعسكري، في مواجهة الصين وروسيا، سيعزز بتراجع سياسي، بما يعجل في تغيير توازن القوة الدولي، على جميع المستويات، وهو ما لا نحسب أن أوانه سيأخذ مكانه بالقريب العاجل.. وليس علينا سوى الانتظار.

* د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي

المصدر | الخليج

————————

«تويتر» حاكم بأمره/ حسن مدن

تتخذ تويتر وفيسبوك وإنستغرام «قرارات تحريرية بالتدخل فيما يكتبه المستخدمون».

حظر فرضته منصات على حسابات ترامب «يثير تساؤلاً كبيراً جداً» حول كيفية تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي.

وضع قواعد للنشر خطر على حرية التعبير ويمنح حكومات مستبدة إمكانية اعتبار أي نقد يوجه لها: بث كراهية أو فتنة أو تحريض على السلم الأهلي.

* * *

لم يكن الترحيب وحده ردة الفعل على قرار إدارة «تويتر» ومنصات تواصل اجتماعي أخرى، بينها «فيسبوك» و«إنستَغرام»، حجب حسابات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، فالقرار أثار، في المقابل، احتجاجات وتساؤلات.

وإذا كان بعض الساسة الأمريكيين، خاصة غرماء ترامب من «الديمقراطيين»، وفي مقدمتهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وفي معرض ترحيبهم بقرار الحجب، قالوا إن «تويتر» تأخرت في اتخاذ هذه الخطوة، التي كان يتعين عليها القيام بها قبل زمن، فإن ترامب والملايين من مناصريه اعتبروا القرار تعدياً على حرية التعبير.

على صلة بهذا السجال تستوقفنا تصريحات لساسة أوروبيين مرموقين، فهم وإن لم يتدخلوا في أمر السجال الداخلي الأمريكي الذي سعره اقتحام مبنى «الكونجرس» من قبل غلاة مؤيدي ترامب، فقد طرحوا تساؤلات حول «أحقية» إدارة «تويتر» وسواها من منصات التواصل الاجتماعي، التي هي شركة خاصة في نهاية الأمر، في أن تضع قيوداً تراها ضرورية على حرية التعبير على منصاتها.

من أبرز هؤلاء الساسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورغم ما طبع العلاقة بين ترامب وميركل من فتور طوال سنوات حكمه الأربع، فإن ناطقاً باسمها قال: إن لميركل تحفظات بشأن طريقة حظر «تويتر» لحساب ترامب، وإنها ترى أن المشرعين، وليس الشركات الخاصة، هم من يتعين عليهم وضع الضوابط لما ينشر على منصات التواصل.

من جانبه اعتبر وزير بريطاني بارز أن الحظر الذي فرضته تلك المنصات على حسابات ترامب، «يثير تساؤلاً كبيراً جداً» حول كيفية تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه أظهر أن تلك الشركات تتخذ الآن «قرارات تحريرية، بالتدخل فيما يكتبه المستخدمون».

نحن إزاء إشكالية معقدة. دوافع «تويتر» وسواه في حجب حسابات ترامب تبدو وجيهة، بالنظر للظرف الدقيق الذي تمر به أمريكا هذه الأيام، حيث بوسع تغريدة لترامب من سطر أو سطرين أن تصب المزيد من الزيت على أوار الأزمة!

وهناك رأي مفاده أنه من حق هذه المنصات، كونها خاصة، تقرير القواعد الملزمة لمستخدميها، لكن يظل السؤال عن أحقية هذه الشركات في الانفراد بقرارات بهذه الأهمية، في غياب تشريعات منظمة لذلك.

هناك محذور آخر للمسألة لا يقل أهمية، فوضع قواعد للنشر على هذه المنصات، سيمنح الحكومات في مختلف بلدان العالم، خاصة المستبدة منها، إمكانية أن تدرج أي نقد يوجه لها، مهما كان مشروعاً ومنطقياً ومنضبطاً، في خانة المحظور، تحت عناوين من نوع: بث الكراهية أو الفتنة أو التحريض على السلم الأهلي، ما يشكل خطراً أكبر على حرية التعبير.

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر | الخليج

——————————-

واشنطن بوست: الاستخبارات الأميركية فشلت في تقييم حقيقة أعمال الشغب بمبنى الكونغرس

وصف تقرير حصري بصحيفة واشنطن بوست (The Washington Post) أداء الاستخبارات الأميركية بأنه فاشل ومتناقض أمام التعامل مع هجوم مؤيدي الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على مبنى الكونغرس الأربعاء الماضي.

وأورد التقرير أنه وقبل يوم من اقتحام المشاغبين الكونغرس، أصدر مكتب التحقيقات الفدرالي في فرجينيا تحذيرا صريحا من أن المتطرفين كانوا يستعدون للسفر إلى واشنطن لارتكاب أعمال عنف و”حرب”، وفقا “لوثيقة داخلية راجعتها الصحيفة” تتعارض مع تصريح مسؤول كبير عن المكتب قال إن المكتب لم تكن لديه معلومات استخباراتية تشير إلى أن أي شخص في مظاهرات الأسبوع الماضي خطط لارتكاب أعمال عنف.

صورة “رهيبة”

وأكدت الصحيفة أن إصدار تقرير المعلومات الميدانية تمت الموافقة عليه في اليوم السابق لأعمال الشغب، مضيفة أن التقرير رسم صورة “رهيبة” للخطط الخطرة، بما في ذلك الأفراد الذين يشاركون خريطة أنفاق المجمع، ونقاط التجمع المحتملة للمتآمرين المحتملين للاجتماع في كنتاكي وبنسلفانيا وماساشوستس وكارولينا الجنوبية، والتوجه في مجموعات إلى واشنطن.

وتقول الوثيقة -التي حصلت عليها الصحيفة- إنه وقبل أعمال الشغب، تلقى مكتب التحقيقات الفدرالي معلومات تشير إلى دعوات للعنف في واشنطن ردا على “عمليات الإغلاق غير القانونية”، مضيفة أن موضوعا على الإنترنت ناقش دعوات محددة تشمل: “كن مستعدا للقتال، الكونغرس يحتاج إلى سماع كسر الزجاج وركل الأبواب وسقوط الدماء من جنودهم، كن عنيفا، توقف عن تسمية هذا بالمسيرة أو التجمع أو الاحتجاج، اذهب هناك مستعدا للحرب، نحصل على رئيسنا أو نموت، لا شيء آخر سيحقق هذا الهدف”.

المخابرات والفشل

ووصفت الصحيفة هذا التحذير بأنه أقوى دليل حتى الآن على الفشل الاستخباراتي الكبير الذي سبق الفوضى، التي أودت بحياة 5 أشخاص، رغم أن أحد مسؤولي إنفاذ القانون -الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب الإجراءات التأديبية- قال إن الفشل لم يكن بسبب المخابرات، ولكن بسبب العمل بناء على تقارير المخابرات.

وقال مسؤولون إنه وفي مكتب التحقيقات الفدرالي في نورفولك، تمت كتابة التقرير في غضون 45 دقيقة من تلقي المعلومات، وتمت مشاركته مع نظرائهم في واشنطن.

وقال رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي في واشنطن ستيفن دي أنتونو للصحفيين يوم الجمعة إن المكتب لم تكن لديه معلومات استخباراتية تشير إلى أن التجمع المؤيد لترامب سيكون أكثر من مجرد مظاهرة قانونية.

وخلال مؤتمر صحفي عُقد بعد نشر الصحيفة هذا التقرير، قال إن وثيقة الاستخبارات المثيرة للقلق تمت مشاركتها “مع جميع شركائنا في إنفاذ القانون” من خلال فرقة العمل المشتركة للإرهاب، والتي تضم شرطة مبنى الكونغرس، وشرطة المنتزه، وشرطة العاصمة، والوكالات الفدرالية والمحلية الأخرى.

ربما فشل المحققون في تسجيل درجة الخطر لأن الأغلبية العظمى ممن شاركوا في المسيرة كانوا من المحافظين البيض (الفرنسية)

تناقض في التصريحات

وأشار إلى أنه لم يكن هناك قدر كبير من علاقة إنفاذ القانون بالمعلومات، لأن مكتب التحقيقات الفدرالي في ذلك الوقت لم يكن يعرف من الذي أدلى بهذه التعليقات، مضيفا “كان ذلك موضوعا على لوحة رسائل لم يُنسب إلى شخص فردي”.

ولم يتحدث دي أنتونيو عما فعله مكتب التحقيقات الفدرالي أو الوكالات الأخرى بشكل مختلف -إن وجد- نتيجة لتلك المعلومات، كما أنه لم يوضح سبب إخباره الصحفيين يوم الجمعة بعدم وجود مثل هذه المعلومات الاستخباراتية.

وقال ستيفن سوند، الذي استقال من منصب رئيس شرطة مبنى الكونغرس -في مقابلة أمس- إنه لم يتلق ولم يتم إبلاغه بنشرة مكتب التحقيقات الفدرالي الميدانية، وأصر على أنه كان هو وآخرون سيأخذون التحذير على محمل الجد لو تمت مشاركته.

وأشارت الصحيفة إلى أنه ومنذ أعمال الشغب، كان العملاء والمدعون العامون عازمين على تعقب واعتقال أكثر المشاركين عنفا في أعمال الشغب، تحسبا لاشتباكات محتملة جديدة يوم الأحد المقبل، ومرة أخرى في يوم التنصيب.

المشاغبون كانوا بيضا

وقال العديد من مسؤولي إنفاذ القانون بشكل خاص في الأيام الأخيرة إن مستوى العنف الذي ظهر في مبنى الكونغرس أدى إلى مناقشات صعبة داخل مكتب التحقيقات الفدرالي والوكالات الأخرى حول العرق والإرهاب، وما إذا كان المحققون فشلوا في تسجيل درجة الخطر لأن الأغلبية العظمى ممن شاركوا في المسيرة كانوا من المحافظين البيض الموالين بشدة لترامب.

واستمرت واشنطن بوست تقول إنه على مدى الأسابيع التي سبقت الحدث، استبعد مسؤولو مكتب التحقيقات الفدرالي أي إشارة إلى أن أنشطة مؤيدي ترامب الغاضبين من الموافقة على فوز بايدن يمكن أن تشكل تهديدا أمنيا على نطاق واسع مثل مظاهرات العدالة العرقية التي أعقبت مقتل الشرطة جورج فلويد في مينيابوليس في مايو/أيار الماضي.

في حين أن عاصمة البلاد هي واحدة من أكثر المدن التي تخضع لحراسة مشددة على هذا الكوكب، وسعت وكالات إنفاذ القانون المحلية والفدرالية إلى اتباع نهج منخفض المستوى في حدث الأسبوع الماضي، معربة علنا وسرا عن مخاوفها من أنها لم ترغب في تكرار قبح العام الماضي: اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة.

الأيام القادمة

وفيما يتعلق باستعدادات الأيام القادمة، قال مسؤولون إن العملاء الفدراليين في حالة تأهب قصوى مع اقتراب موعد التنصيب، حيث تستعد السلطات لأعمال العنف المحتملة ليس فقط في واشنطن، بل في جميع أنحاء البلاد أيضا.

وأصدر مكتب التحقيقات الفدرالي مؤخرا مذكرة مختلفة تقول إنه تم التخطيط “لاحتجاجات مسلحة” في كل من عواصم الولايات الخمسين، وفي العاصمة، في الفترة التي تسبق التنصيب.

ووصفت واشنطن بوست المعلومات التي احتوتها المذكرة بأنها مثيرة للقلق، بما في ذلك وجود بيانات تشير إلى أن الناس قد يقتحمون المكاتب الحكومية، أو ينظمون انتفاضات في حال عُزل ترامب من منصبه.

المصدر : واشنطن بوست

—————————

“كيو” من المؤامرة إلى المواجهة.. جولة في بعض الغيبية السياسية الأميركية/ حسن منيمنة

ضمن مسلسل الخيال العلمي الشهير من ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته “درب النجوم – الجيل التالي”، ترد شخصية متجاوزة للأبعاد، بقدرات إلهية على الخلق والإفناء وطي الزمان والمكان، هي شخصية “كيو”. عابثة، مطّلعة على كامل الخفايا، ومنشغلة بالإنسان عامة، وبقائد المركبة الفضائية، بطل المسلسل، خاصة. حاضرة في أولى حلقات المسلسل، ثم عند خاتمته، إلى حد يمكن معه إعادة تصوير المسلسل بكامله، رغم غيابها عن معظمه، على أنه قصة السجال، الصراع، التفاعل، بين هذه الشخصية المجسدة للعالم الكبير، وقائد المركبة الإنسان والذي يختزل العالم الصغير.

بل في هذا التصوير استعادة ضمنية لرواية من الأسفار العبرية. ألم يكتسب “يعقوب” اسم “إسرائيل” بعد صراعه مع كائن علوي، هو ملاك الإله في بعض التفسيرات، أو الإله نفسه في تفسيرات أخرى، لتكون الغلبة له، أي للإنسان، أو على الأقل دون أن تكون الغلبة للكائن العلوي، بما يرفعه، يعقوب، الإنسان، إلى مقام مخصّص؟ (اسم “إسرائيل” دمج لعبارة مبهمة قد تكون بمعنى “من رفعه الإله” أو “من ارتفع على الإله”).

السردية الرائجة في الأوساط التي تشهر شعار “كيو” في المحيط السياسي المساند للرئيس الحالي دونالد ترامب. تتماهى عمداً واتفاقاً مع مقومات عدة من رواية “كيو” في الخيال العلمي والديني، وترتقي معها بترامب إلى مرتبة المصطفى المختار. هي سردية على طبقات، تبتدئ بأقدار من المعقولية، لتصل إلى عميق الشطح الغيبي.

ترفض سردية “كيو”، حتى عند أقرب صيغها إلى المعقول، ما توافق عليه الخطاب السياسي في الولايات المتحدة بأمسه، بأن الخلاف هو بين أطراف متواطئين تجمعهم المصلحة وإرادة الخير بالإجمال، وإن خطّأ بعضهم البعض الآخر، وإن ظهر بينهم بأفراد التفصيل، من ساءت نواياه.

الآخر، في عموم سردية “كيو”، ليس الخصم الذي يستحق أن يُصغى إليه، بل هو ضال أو مضِّل، قاصر أو مقصّر، وفي كل الحالات متسبب بالأذى، غارق بالشر، مستوجب للإدانة.

لسان حال الطبقة الأولى من سردية “كيو” هو أنه ثمة “نخبة” متفرّدة في الولايات المتحدة، ذات امتدادات عالمية، تهيمن على السياسة والمال والإعلام، وتدفع ما يناسب مآربها على الفكر والثقافة والمجتمع. لها من الميول والسلوك ما يتعارض مع قناعات عموم الناس وتقاليدهم ودينهم، غير أنها قادرة على تغليبها بالإغواء والتأثير، أو بالقوة والإكراه، ومن خلال إخضاع أعداد واسعة من التابعين، بإتاحة الفتات لهم وتسييرهم وفق رغباتها.

“كيو” ترى أن دونالد ترامب يشكل بالتالي خطراً جسيماً على هذه “النخبة” إذ هو قد عقد العزم على الإطاحة بمخططاتها وتمكين المواطن في الولايات المتحدة من استعادة ما خسره من ثروة ووظائف ومن تحقيق العزّة التي افتقدها.

كيف يصحّ هذا الطرح، تشخيصاً ودواء، في حين أن ترامب، بسجلّه وخلفيته وعلاقاته وطموحه المعلن، هو من نتاج هذه “النخبة”، وإن لم يتمكن من البروز فيها؟ لا حاجة للإجابة، فالمسألة هي بالقناعة الإيمانية لا بالحجة العقلية.

ما تضيفه سردية “كيو” على الطرح الطبقة الأولى هذا، وهو الطرح الراسخ في كامل القاعدة الانتخابية لترامب، هو إشارتها إلى تنسيق خفي بين ترامب، المولج بحكم موقعه الرئاسي بالتصدي لهذه النخبة، وبين «كيو» نفسه كجهة مطلعة على دقائق الأمور في هذه المواجهة الحرجة، مفوّضة من ترامب، وإن دون إفصاح أو إشهار، إبلاغ القاعدة ما يتوجب عليها الاطلاع عليه.

الطبقة التالية من السردية، وهي كذلك ذات رواج واسع، هي التي تجعل لهذه “النخبة” المعولمة شريكاً في “الدولة العميقة”، أي في مؤسسات الحكم الولايات المتحدة. فالعدو بالتالي ليس “النخبة” التي استولت على الدولة وحسب، بل الدولة نفسها والتي تشكل نقيضاً للمصلحة الوطنية. فالإطاحة بـ”النخبة” كان ليكون ممكناً من خلال الانتخابات لولا أن “الدولة العميقة” قادرة على التزوير بما يجعل تحقق الإنصاف مستحيلاً.

دونالد ترامب خاض انتخابات 2016 في مواجهة “النخبة”، ثم خاض انتخابات 2020 في مواجهة “الدولة العميقة”. وكلامه قبل معاد التصويت حول أن خسارته لن تكون إلا بالغش والتلاعب ليس نتيجة غرور وغطرسة، بل تبيان لطبيعة المواجهة غير المتوازية وغير المتوازنة مع “الدولة العميقة” الممسكة بزمام الأمور.

أين الدليل على هذه اليد العليا القابضة؟ وأليس نقض المحاكم والمرجعيات، المستقلة منها والمحازبة من كلا الحزبين، لعشرات الاعتراضات والدعاوى حول التزوير المفترض والمخالفات المزعومة برهاناً قاطعاً على أن هذه الرؤية تفتقد الصدقية؟ لا، بل العكس هو الصحيح، أي أن رفض الجهات القضائية والتنفيذية، من المحاكم الابتدائية في الولايات إلى المحكمة الدستورية العليا قبول الطعون، وإصرار المسؤولين الإجرائيين، بمن فيهم الجمهوريين، على السير قدماً بالنتائج المزعومة للانتخابات هو الدليل الحاسم على مدى استفحال نفوذ “الدولة العميقة”. نعم، غياب الدليل هو بحد ذاته الدليل على قدرة هذه القوة الخفية على إخفاء الدليل.

حين كانت المرأة في القرون الوسطى في أوروبا تتهم بأنها ساحرة، الحكم كان يقضي برميها مقيّدة في النهر. فإن تمكنت من الإفلات من قيدها والنجاة يكون ذلك الدليل على أنها بالفعل ساحرة، فيقبض عليها وتقتل. أما إذا غرقت وماتت، فتكون قد أثبتت براءتها.

منطق “كيو” يحاكي منطق محاكم القرون الوسطى. فالقضية ليست استيضاح ما إذا كانت ثمة مادة متوفرة من المعطيات والقرائن والأدلة تؤيد الطرح حول حقيقة مواجهة مفترضة مع “النخبة” و”الدولة العميقة”، بل السؤال عن كيفية نجاح هذه “النخبة” وهذه “الدولة العميقة” بإخفاء المادة التي تدينها. فالقناعة هنا إيمانية والمنطق دائري.

غير أنه لسردية “كيو” طبقات أعلى. فالمواجهة ليست حصراً سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية أو ثقافية. بل العالم يشهد احتدام الصراع بين “قوى الخير” و”قوى الشر”، فيما يتعدى التصوير المجازي.

الحياة الدينية في الولايات المتحدة تزخر بأعداد من “الأنبياء” الذين يخاطبون الإله ويخاطبهم، بشهادتهم الذاتية، وهؤلاء مجمعون بأن الإرادة الإلهية، بل الربانية، هي بأن ترامب هو المصطفى، للرئاسة بعهدة ثانية بالتأكيد، ولكن كذلك لجلاء الوعد المكتوب في الأسفار المقدسة. بعض هؤلاء “الأنبياء” يقع خارج إطار التصنيف الديني المباشر، أي قد يمزج المسيحية بالديانات الجديدة ومذاهب “العصر الجديد”. غير أن أكثرهم هم من الإنجيليين. وإن كانوا بمجموعهم لا يخاطبون مباشرة إلا أوساط محدودة حتى من الإنجيليين، إلا أن أطياف مواقفهم المتقدمة هذه تطال العديد من الدعاة والمؤمنين بفعل زخمها الخطابي وإمكانيات الربط بين مقتضياتها والقراءات التفسيرية للنبوءات القديمة.

وفيما يتعدى الإنجيليين، فإن إيجاد مكان للمرحلة الحالية ولشخص دونالد ترامب في القراءات الدينية ينشط، وإن بنسبة أقل، في أوساط الكاثوليك الرافضين للمنحى التقدمي للكنسية منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، وهؤلاء يزدادون عدداً واندفاعاً، وتنمو في أوساطهم القراءة التي تجعل من ترامب السند في مواجهة هجمة شيطانية، بالمعنى الحقيقي للكلمة، تشكل الجائحة وجهاً من أوجهها، تمهيداً لخروج الدجال.

وعند هامش التجربة الدينية اليهودية في الولايات المتحدة، يعمد بعض الربانيين المتصوفين (القباليين) إلى فك ألغاز مفترضة في نصوص التوراة تضع ترامب في صدر الملاحم والفتن الموعودة إرهاصاً بقدوم المسيح.

هذا الشطح، من الغيبية السياسية التي ترى قوى شر دنيوية، نخبة ودولة عميقة وعولمة، في صلب المؤامرة التي يتصدى لها دونالد ترامب، إلى الغيبية الدينية التي تقحم الشيطان والعفاريت والملائكة، لا يشكل قناعة ثابتة أكيدة لدى كل من اعتنق “كيو”، ولكنه حاضر، بمقادير وتأثيرات متفاوتة في صفوف المتابعين لهذا التوجه، بما ينقل مركز الارتكاز الفكري في الأوساط المؤيدة لترامب إلى تثبيت المؤامرة. أي أن القول بانعدام المؤامرة سذاجة، والقول بالغيبية الدينية ربما مبالغة. وعليه فالإقرار بأن قوى خفية تتحكم بالعملية السياسية في الولايات المتحدة هو التصور الوسطي المنطقي الموضوعي.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن اقتحام مبنى الكونغرس ليس اعتداء على رمز وطني، ويحك، بل هو تأكيد موجّه للدولة العميقة، ومعها النخبة وقوى العولمة، بأن الساحة ليس متاحة لها دون تحديات. وهو تأكيد معرّض لأن يتكرر دون شك في المراحل المقبلة.

الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة كشفت للتوّ عن خطط لاعتداءات على المباني الحكومية تستعد لها مجموعات مؤيدة لترامب. لن تفضّ هذه المسألة من خلال ملاحقة أفراد هذه المجموعات وتحذيرهم أو توقيفهم وحسب، بل لا بد من مواجهة واقع أن “اليمين” في الولايات المتحدة يشكل حاضنة عقائدية منتجة للتطرّف، عبر التدرج الذي تجسده طروحات “كيو”. المسألة على قدر كبير من الخطورة، لا ينفع معها التسفيه والتجاوز والقمع والإنكار. بل لا بد من التحضير لمواجهة طبقات هذه السردية، من أقصاها الغيبي إلى أدناها المعقول.

ملاحظتان على الهامش: الأولى هي الدعوة للقارئ العربي أن يعتبر الشطح السياسي الديني في الولايات المتحدة ليقارنه بما تشهده ساحته الفكرية والدينية. ذلك أن أوجه التشابه، إلى حد التماهي، عديدة رغم اختلاف المنطلقات. والثانية هي أن الإشارة هنا هي إلى الشطح الغيبي لدى “اليمين” في الولايات المتحدة، دون أن يكون ذلك حكراً عليه وأن مظاهره لدى “اليسار” ذات حدّة وعواقب تجاري ما لدى هذا “اليمين”.

الحرة

——————————

ترامب لن يُعزل ولن يُقال، والسؤال: هل يمكن معاقبته بحرمانه من مميزاته كرئيس سابق؟

عربي بوست

يمكن القول إن أمر إكمال دونالد ترامب الأيام المتبقية من رئاسته قد حسم بعد أن رفض نائبه مايك بنس تفعيل التعديل 25 من الدستور، والسؤال الآن هل يمكن للكونغرس أن يجرد ترامب من مميزاته كرئيس سابق عن طريق استكمال إجراءات محاكمته برلمانياً؟

ماذا يعني فشل تفعيل التعديل 25 لإقالة ترامب؟

التعديل 25 من الدستور الأمريكي هو مادة تسمح لنائب الرئيس وأغلبية الوزراء بنقل سلطات الرئيس لنائبه في حالة كون الرئيس “غير قادر” على القيام بمهام منصبه وفي تفسير آخر “غير مؤهل” لتأدية مهامه كرئيس، وفي هذه الحالة تجتمع الحكومة في غير وجود الرئيس وإذا وقعت الأغلبية على تفعيل المادة 25 من الدستور، يتم إرسال خطاب لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ.

لكن البند الرابع من المادة 25 هو محل نقاش دائماً نظراً لأن تفسير “عدم القدرة” أو “عدم الأهلية” غير محدد بحالات معينة تتعلق بالقدرة الجسدية أو القدرة الذهنية والعقلية وفي ظل عدم وجود سابقة لتفعيل تلك المادة في تاريخ الولايات المتحدة، لا يزال تفسير النص محل جدال بين خبراء القانون والدستور.

لكن الأمر المحسوم هو أن الكونغرس لا يمتلك صلاحية تفعيل المادة 25، وبالتالي فإن تحرك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر في هذا الاتجاه هو عبارة عن مناشدة لنائب الرئيس مايك بنس كي يقوم بتفعيل تلك المادة، في أعقاب اقتحام أنصار ترامب للكونغرس وتعريض أثناء جلسة التصديق على فوز بايدن وتعريض حياة المشرعين، بمن فيهم بنس نفسه الذي كان يترأس جلسة التصديق، لخطر داهم.

وفي ظل هذه المعطيات، أقر مجلس النواب بالفعل مساء الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني على مشروع قرار قدمه النائب الديمقراطي جيمي راسكين من ميريلاند يناشد بنس “بتفعيل سلطاته فوراً بموجب البند الرابع من التعديل 25، وأن يقوم بحشد المسؤولين الرئيسيين في الإدارات التنفيذية في وزارات البلاد وإعلان الأمر الواضح لأمة تشعر بالرعب: أن الرئيس ليس قادراً على القيام بمهام وظيفته بشكل ناجح”. وطالب نائب الرئيس بأن “يتولى مهام وواجبات الرئيس على الفور”، بحسب تقرير لشبكة CNN.

لكن القرار الذي صوّت عليه مجلس النواب لا يحمل أي سلطة فعلية ويعتبر فقط خطوة رمزية، في ظل إعلان بنس قبل التصويت وفي خطاب رسمي أرسله لبيلوسي رفض فيه فكرة تفعيل التعديل 25 من الأساس: “في ظل تبقي 8 أيام فقط في رئاسة الرئيس، أنتِ والمشرعون الديمقراطيون تطلبون مني ومن مجلس الوزراء تفعيل التعديل 25. أنا لا أعتقد أن هذا السبيل يصب في مصلحة أمتنا أو يتوافق مع الدستور”.

ماذا عن إجراء عزل ترامب؟

رفض بنس تفعيل التعديل 25 لم يكن مفاجئاً، وتحسبت له بيلوسي والمشرعون الديمقراطيون، حيث أمهلوا نائب الرئيس 24 ساعة فقط وبعدها سينتقلون للخطوة التالية وهي البدء في إجراءات عزل ترامب للمرة الثانية، ليكون الرئيس الجمهوري أول رئيس في تاريخ البلاد يتعرض لإجراءات العزل مرتين خلال عام واحد تقريباً.

وكإشارة على إصرار الديمقراطيين على عزل ترامب رغم تبقي 8 أيام فقط في رئاسته، وهو ما يعني عملياً استحالة إتمام إجراءات عزل الرئيس من خلال الكونغرس في الوقت المتبقي من رئاسته، أعلنت بيلوسي بالفعل مساء الثلاثاء أسماء المشرعين التسعة الذين سيتولون تقديم لائحة الاتهام ضد ترامب في مجلس الشيوخ.

ومن المقرر أن يصوت مجلس النواب مساء الأربعاء 13 يناير/كانون الثاني (تزامناً مع مرور أسبوع على أحداث اقتحام الكونغرس الأربعاء الماضي) على قرار عزل ترامب أو بمعنى أكثر دقة توجيه اتهام برلماني له وتضم لائحة الاتهام مادة واحدة هي “التحريض على التمرد”، وفي ظل تمتع الديمقراطيين بالأغلبية المطلوبة سيتم تمرير قرار محاكمة ترامب، حتى لو صوت جميع النواب الجمهوريين ضدها.

وفي ظل وجود بعض المشرعين الجمهوريين، أمثال ليز تشيني، عزمهم التصويت لصالح قرار عزل ترامب في مجلس النواب، الأمور شبه محسومة تماماً، والسؤال: ماذا يعني ذلك؟

الخطوة التالية في محاكمة ترامب بهدف عزله هي إرسال مجلس النواب للائحة الاتهام إلى مجلس الشيوخ حيث تتم إجراءات المحاكمة، وفي ظل وجود مجلس الشيوخ في عطلة لن يعود منها المجلس إلا مساء 19 يناير/كانون الثاني، أعلن الديمقراطيون أنهم لن يبدأوا إجراءات محاكمة ترامب إلا بعد مرور 100 يوم على الأقل من رئاسة جو بايدن، بغرض إفساح المجال أمامه لتنفيذ برنامجه الرئاسي.

هل يمكن معاقبة ترامب بعد انتهاء رئاسته؟

لا توجد سابقة في تاريخ الولايات المتحدة لعزل رئيس بعد انتهاء رئاسته بالفعل، لكن بما أن الغرض من إجراءات المحاكمة في الكونغرس بهدف العزل تمثل عقوبة في حد ذاتها، كما يشير خبير القانون مايكل بولسين في تقرير لموقع ياهو نيوز، “لا يوجد في الدستور الأمريكي نص يقيد العزل على وجود المسؤول الفيدرالي في منصبه”.

ويتفق معه أيضاً برايان كولت أستاذ القانون في جامعة ميشيغن بقوله إن “العزل المتأخر (أي بعد أن يغادر المسؤول منصبه) كانت تتم ممارسته في إنجلترا وعلى عكس ما تم تداركه في القانون الإنجليزي، لم يتم النص صراحة أبداً على استبعاد هذا الاحتمال في أمريكا. وفي الواقع أن دساتير بعض الولايات الأمريكية قد نصت صراحة على إجراء العزل المتأخر أو حتى المطالبة به”.

إذن من الناحية النظرية لا يوجد ما يمنع المضيّ قدماً في إجراءات العزل بحق ترامب بعد أن تنتهي رئاسته، وبالتالي من الممكن أن تصل محاكمة ترامب إلى مجلس الشيوخ بالفعل بعد أن تنتهي رئاسته، لكن إدانته تتطلب موافقة أغلبية الثلثين في المجلس، وحالياً المجلس منقسم تماماً بين الديمقراطيين 50 عضواً ومثلهم 50 عضواً للجمهوريين، وهو ما يعني أن الموافقة على إدانة ترامب قد لا تتم، إلا إذا قرر 17 عضواً جمهورياً التصويت مع الإدانة عندما يحين وقت التصويت.

وفي حال إدانة ترامب، يعقد مجلس الشيوخ تصويتاً لمنعه من تولي أي منصب رسمي مرة أخرى، وهو ما يعني أيضاً أنه سيفقد المزايا الممنوحة له كرئيس سابق بموجب قانون الرؤساء السابقين لعام 1958 والتي تشمل معاشاً وتأميناً صحياً وفريق حراسة من أموال دافعي الضرائب، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

—————————

لا “ترامبية”… بعد ترامب/ خيرالله خيرالله

لا “ترامبية” ولا من يحزنون بعد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني (يناير) الجاري. اذا كانت التصرفات الحمقاء للرئيس الأميركي المنتهية ولايته، بعد غزوة الكابيتول كشفت شيئاً، فهي كشفت أن الرجل لا يمتلك عقلاً سياسياً راجحاً يسمح له بتشكيل حزب سياسي ذي وزن. لا وجود لإرث سياسي لدونالد ترامب الذي استطاع تسجيل نقاط في مجالات معيّنة، خصوصاً على صعيد السياسة الخارجية، لكنّه ارتكب سلسلة من الأخطاء التي لا يمكن للشعب الأميركي القبول بها او نسيانها يوماً. رذلت أميركا دونالد ترامب لسبب في غاية البساطة يعود الى انّه لا يليق بها وبمؤسّساتها.

لا يمكن للشعب الأميركي ولا للمؤسسات السياسية الأميركية القبول برئيس يرسل مناصريه الى الكابيتول (مقر الكونغرس) من أجل تغيير نتائج الانتخابات الرئاسية. أسوأ ما في الأمر أن ترامب اعتقد أن ذلك ممكنٌ ولم يستطع الاعتراف بأنّ هناك قواعد للعبة السياسية الأميركية عمرها يزيد على قرنين. لهذا السبب وليس لغيره، لن يذهب ترامب الى أي مكان غير بيته او الى أحد فنادقه ليمارس لعبة الغولف… أو الى السجن. سيذهب الى السجن في حال إصرار عدد من النواب والشيوخ على ملاحقته قانونياً وعلى عزله قبل انتهاء ولايته، ولو كان ذلك قبل يوم واحد من العشرين من كانون الثاني (يناير) الجاري.

هناك أسباب مثيرة يمكن أن تودي بدونالد ترامب الى السجن. من بين هذه الأسباب الشريط الذي يظهر فيه مع أفراد عائلته وهو يتابع باهتمام ظاهر اقتحام مناصريه لمبنى الكابيتول معتقداً أن ذلك سيكون كفيلاً بمنع مجلس الشيوخ من الموافقة على انتخاب جو بايدن رئيساً بعد حصوله على غالبية أصوات المجمع الانتخابي. كان بايدن في حاجة الى 270 صوتاً، فإذا به يحصل على أصوات 302 من أعضاء المجمع الانتخابي…

تفوق بايدن على ترامب في التصويت الشعبي بنحو ثمانية ملايين صوت. الأكيد ان أصواتاً كثيرة سترتفع وتقول انّ هناك نحو 74 مليون أميركي صوتوا للمرشح الجمهوري وأنّ هؤلاء سيبقون قوّة متماسكة تدعم سياساته. كان ممكناً لمثل هذا الكلام الاستناد الى منطق ما، لولا الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته والذي أظهر أنّه غير مؤهّل لتأدية أي دور سياسي مستقبلاً. قبل كلّ شيء، لا يمكن ضمان أيّ تماسك بين الذين صوتوا لدونالد ترامب. يدلّ على ذلك الخلاف الذي وقع بينه وبين أكثر الأشخاص وفاء له، أي نائب الرئيس مايك بنس.

عندما جاءت لحظة الخيار بين الولاء لترامب والولاء للدستور الأميركي، اختار بنس الولاء للدستور. لم يعترض، بصفة كونه رئيساً لجلسة مجلس الشيوخ تلك، على أن يكون بايدن رئيساً استناداً الى تصويت المجمع الانتخابي. رفض طلب الرئيس منع مجلس الشيوخ من المصادقة على نتيجة الانتخابات. كان يعرف أن ذلك ليس من حقّه…

كان بنس يعرف أيضاً أن رئاسته لمجلس الشيوخ، الذي يضمّ 100 عضو، في مثل هذه المناسبة، ليست سوى مسألة ذات طابع احتفالي وأن لا خيار آخر أمامه سوى الموافقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية. وقف في وجه الرئيس وانقطعت لغة الكلام بينهما بعد مشادة قصيرة. نسي دونالد ترامب أنّه في الولايات المتحدة الأميركية وليس في “جماهيرية” معمّر القذافي أو في سوريا حافظ وبشّار الأسد، حيث عدّل الدستور ليناسب عمر بشّار عندما خلف والده في عام 2000. كذلك، نسي انّه ليس في جمهورية الموز اللبنانية حيث أغلق “حزب الله” مجلس النوّاب سنتين ونصف السنة من أجل فرض انتخاب الماروني ميشال عون، مرشّح الحزب، رئيساً للجمهورية.

دافع الأميركيون عن بلدهم وعن نظامه الديموقراطي. يعرف أعضاء الكونغرس أن الدستور هو القاعدة وأنّ هناك أعرافاً وقوانين لا بدّ من احترامها. في النهاية، مهما حقّق الرئيس الأميركي، أي رئيس من إنجازات على الصعيد الخارجي، ليس مسموحاً له بارتكاب حماقات او الإقدام على أي تجاوزات. يظلّ ريتشارد نيكسون، بطل فضيحة “ووترغيت” أفضل مثل على ذلك. كان نيكسون رئيساً استثنائياً، كان وراء الانفتاح على الصين وإقامة علاقات معها في العام 1972. ذهب ضحيّة “ووترغيت”. اضطر الى الاستقالة. لم يسمع له بعد ذلك صوت طوال سنوات.

لن يكون لدى دونالد ترامب من خيار آخر غير السير على خطى نيكسون، هذا في حال لم يذهب الديموقراطيون، على رأسهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، خلفه. في النهاية، لا يمكن تسمية الحماقة شيئاً آخر غير الحماقة. تسبّب انصار ترامب، الذين ما لبث أن تبرّأ منهم، بمقتل أربعة اشخاص. خرجوا عن كلّ التقاليد المتبعة في أميركا. أرادوا تنفيذ انقلاب من أجل إبقاء دونالد ترامب في البيت الأبيض. هل يمكن لشخص يظنّ أن الانقلاب ممكن، من طريق مجموعة من الرعاع غزوا الكابيتول، أن يكون له مستقبل سياسي من أيّ نوع وأن يعتقد ولو للحظة أن هناك شيئاً اسمه “الترامبية”؟

النهار العربي

—————————-

تعيينه يعكس نهج بايدن الخارجي… الدبلوماسي المخضرم وليام بيرنز لإدارة الـ”سي آي إيه”

في خيار يعكس توجه الإدارة الأمريكية المقبلة نحو لغة الحوار والدبلوماسية في حل النزاعات، أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن ترشيح الدبلوماسي المخضرم وليام بيرنز لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية المعروفة باسم “سي آي إيه”.

تشير مواقف بيرنز المعلنة، من خلال مقالاته وكتبه، إلى أنه يفضل لغة الحوار على سياسات تغيير الأنظمة، ولا يدعم صفقة القرن، ويدعو إلى وقف الحرب في اليمن، وكان يؤيد تسليح المعارضة السورية كما حثّ على استهداف نظام الرئيس بشار الأسد.

ولا يبتعد ترشيح بيرنز عن اختيار المبعوث الأمريكي السابق للتحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكغورك مبعوثاً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تظهر الصورة الكاملة أن الرئيس الجديد اختار فريقاً يتبنى خيار العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.

من هو وليام بيرنز؟

كان بيرنز الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة نائباً لوزير الخارجية وسفيراً في روسيا خلال عهد جورج بوش، وعمل دبلوماسياً لأكثر من 30 عاماً، وكان أحد أكثر الأصوات الأمريكية احتراماً في قضايا السياسة الخارجية لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

على الرغم من أن بيرنز البالغ من العمر 64 عاماً لا يتمتع بخبرة كبيرة في عالم الاستخبارات، إلا أن تعيينه يُعد واحداً من عدة تعيينات تلقي الضوء على نهج السياسة الخارجية للرئيس المقبل.

بحسب مراسل صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في واشنطن بن صموئيل، فإن بيرنز وسطي وغير سياسي وذي خبرة وجدير بالثقة.

وكان بيرنز أول مفاوض رئيسي لإدارة أوباما في المحادثات السرية التي أدت إلى الاتفاق الإيراني عام 2015، قبل أن تحل محله ويندي شيرمان مرشحة بايدن لمنصب نائبة وزير الخارجية.

جادل بيرنز منذ فترة طويلة بأن الاتفاق النووي يجعل إسرائيل في الواقع أكثر أماناً، إذ قال في عام 2015: “أعتقد أن تصرفات إيران في لبنان وسوريا واليمن من المرجح أن تهدد مصالحنا ومصالح أصدقائنا، وستكون أكثر تهديداً إذا أصبحت مسلحة نووياً أو إذا كان برنامجها النووي غير مقيد وغير خاضع للرقابة”.

شارك بيرنز في كتابة مقال رأي في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 في صحيفة “نيويورك تايمز” مع جيك سوليفان الذي عيّنه بايدن كمستشار جديد للأمن القومي حث فيه إدارة ترامب على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران.

ودعا إلى وقف التصعيد المتبادل، مؤكداً أنه يجب على الولايات المتحدة إنهاء مشاركتها في حرب اليمن.

وفي كتابه لعام 2019، بعنوان “القناة الخلفية”، أشار بيرنز إلى أنه دعم وحث الولايات المتحدة لتسليح وتدريب المعارضين السوريين في وقت مبكر من عام 2012، متحدثاً كذلك عن نهج التفاوض السري مع إيران، بالقول: “تساعد السرية في منع المعارضين في كلتا الجانبين من خنق المبادرة في سريرها، لكنها ستحمل تكاليف مستقبلية، وتغذي انتقادات من بعض أقرب شركائنا، وخاصة الإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين”.

وأشار أيضاً إلى دور سلطنة عُمان إذ وصفه بـ”التسهيلي” وليس “الوسيط”، قائلاً: “العمانيون، المتجمعون حول رأس الطاولة، كانوا يقدمون بضع كلمات ترحيب موجزة ثم غادروا”.

وأشار أيضاً إلى أنه فضّل هو وسوليفان توجيه ضربات جزئية على قوات النظام السوري وذلك لإعلام إيران بأن الولايات المتحدة لن تقبل طهران بسلاح نووي.

في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية عام 2019، اعتبر بيرنز أن تساهل إدارة أوباما في الرد على تجاوز دمشق “الخط الأحمر باستخدام الأسلحة الكيميائية” في نهاية عام 2013 أضعف أمريكا وأثّر سلباً على دورها في العالم، لكنه أشار إلى ضرورة تحلي واشنطن بالواقعية إزاء التعاطي مع الأزمة السورية؛ لأنه في السنوات السابقة “وضعنا أهدافاً كبيرة من دون توفير الأدوات لتحقيقها”.

وحول موقفه من القضية الفلسطينية، كان بيرنز من أشد المنتقدين لخطة الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قائلاً: “خلال ثلاثة عقود ونصف من الخدمة الحكومية، لم أر قط رئيساً أمريكياً يتنازل كثيراً، مقابل القليل”.

وكان بيرنز أيضاً مبعوث الإدارة الأمريكية لحل الأزمة المصرية بعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، واعتصام جماعة الإخوان في ميدان رابعة عام 2013، من دون أن تسجل جهوده نجاحاً في حل الأزمة، ما أدى إلى فض الاعتصام بالقوة ووقوع المئات من الضحايا.

وقبل أسابيع، وقّع بيرنز مذكرة وُجّهت لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع نحو 20 دبلوماسياً، طالبوا بعدم تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.

تعيين بريت ماكغورك

يأتي ترشيح بيرنز كواحد من عدة ترشيحات حديثة اقترحها بايدن والتي اعتُبرت أنها ستؤثر على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ سبق ذلك إعلان تعيين بريت ماكغورك منسقاً للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.

وكان ماكغورك المبعوث الخاص لإدارة أوباما في التحالف الدولي ضد داعش، واحتفظت به إدارة دونالد ترامب. ويُعرف بأنه يتمتع بعلاقات قوية مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

ومع ذلك، استقال في كانون الثاني/ ديسمبر عام 2018 بعد أن قرر الرئيس ترامب فجأة سحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا.

في آب/أغسطس الماضي، أشاد ماكغورك بتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، قائلاً: “الاتصالات مستمرة منذ سنوات، واتخاذ هذه الخطوة الأخيرة يتطلب شجاعة”.

ورأى أن الدولتين ستعملان على مواجهة التهديد المشترك الذي تشكله السياسات الإقليمية لتركيا، معتبراً أن هذا التحدي هو المحرك الرئيسي لاتفاق التطبيع.

يُعرف ماكغورك بأنه منتقد صريح لعلاقات ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال مرة إن “علاقة ترامب بأردوغان قوّضت أي جهد جاد لدفع تركيا في اتجاه أكثر إيجابية”.

وشغل ماكغورك سابقاً منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران، وقاد محادثات سرية مع إيران بشأن إطلاق سراح الأمريكيين المسجونين هناك خلال مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015، كما انتقد سياسة ترامب في ممارسة أقصى قدر من الضغط على طهران، ووصفها بأنها غير متسقة ولا يمكن التوفيق بينها وبين استراتيجيته للأمن القومي.

مثّل ماكغورك الولايات المتحدة في سلسلة من الاجتماعات السرية بين إسرائيل وروسيا عام 2017 في سلطنة عمان، وفي عاصمة أوروبية أخرى بشأن وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، حسب صحيفة “هآرتس”. وركزت المفاوضات على إقامة “مناطق آمنة” على الحدود السورية الإسرائيلية والسورية الأردنية.

في هذه الاجتماعات،التي عُقدت قبل أيام قليلة من إعلان روسيا والولايات المتحدة عن اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار في ذلك الوقت، قدمت إسرائيل اعتراضات عديدة على الصفقة، قائلة إن القوتين لا توليان اهتماماً كافياً لأهمية إخراج القوات الإيرانية من سوريا.

وذكر في تصريحات أخرى في وقت لاحق من ذلك العام أن القوات المدعومة من إيران يجب أن تغادر سوريا من أجل استقرارها. وكان ماكغورك أيضاً ضمن طاقم عمل مجلس الأمن القومي للرئيس السابق جورج بوش، ما يعني أنه يحظى أيضاً بدعم من الحزب الجمهوري.

رصيف 22

——————————-

======================

جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الاميركية والوضع في سورية والشرق الأوسط، واقتحام الكابيتول والنتائج المترتبة عن ذلك.

كيف نقرأ اختيار أميركا لـ جو بايدن رئيسًا؟!

ترجمة علي كمخ

تتمثل المسألة الرئيسية التي ستركّز عليها إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة الأميركية، في إيقاف عجلة الخراب والدمار الذي شهدَته البلاد في السنوات الأربع الماضية. وهو ما يعني تحوّل أميركا إلى الداخل، والبدء بعملية إعادة البناء الداخلي.

هذه انتخابات رئاسية ليس لها شبيه في التاريخ الأميركي. وعلى الرغم من عدم وقوفنا على نتائج قطعية للانتخابات؛ فإن العالَم (ومن ضمنه تركيا بالطبع) ظلّ طوال خمسة أيام حابسًا أنفاسه منتظرًا ما ستسفر عنه هذه الانتخابات.

من حيث النتيجة، استخدمَت أميركا أصواتها الانتخابية لمصلحة الديمقراطيين، أي مع جو بايدن وكامالا هاريس (أوّل امرأة أميركية، كنائب رئيس، سوداء من أصول آسيوية جنوبية)، حيث شهدت هذه الانتخابات سابقات لم يعرفها التاريخ الانتخابي الأميركي من قبلُ؛ إذ بلغ عدد المشاركين في الانتخابات الحد الأقصى حتى الآن: نحو 150 مليون ناخب، فيما حطم المرشح الرئاسي بايدن الرقم القياسي بحصوله على ما يقرب من 74 مليون صوتًا.

في هذه الانتخابات، لم يكن الأميركيون ينتخبون رئيسَهم فحسب، بل كانوا يتخذون قرارهم لتحديد مستقبلهم ومستقبل البلد الذي يريدون أن يعيشوا فيه. لذلك، استخدمت وسائل الإعلام عناوين كـ “الخيار الأميركي” و”انتخابات أميركا”، في وصفها للانتخابات. وبعيدًا من الانتخابات، شاهدنا خيارًا يتعلق بالمستقبل والمصير. اختارت أميركا الديمقراطيين؛ ففاز الثنائي بايدن – هاريس، هذا صحيح، ولكننا في الأصل شاهدنا انتخابات هُزم فيها ترامب، إذ إن هذا الخيار كان يريد في جوهره أن يقول: توقفْ يا ترامب!

ويبدو أن ترامب غير قابل بالنتائج، وهناك من الجمهوريين من يقف خلفه.. فهم لا يرغبون في ترك السلطة والنفوذ. ولكن آمل عندما تعلن “هيئة الانتخابات” النتائج النهائية، في 12 كانون الأول/ ديسمبر، أن يتصرف بما يمليه القانون والأخلاق. وبهذا تكون بداية العهد الرئاسي لـ بايدن الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، قد اكتسبت في 20 كانون الثاني/ يناير عام 2021 الصفة الرسمية في البيت الأبيض.

أميركا؛ منقسمة، ممزقة، متضعضعة، فاقدة لفاعليتها!

أدخلت فترة ترامب الرئاسية، التي امتدت أربع سنوات، أميركا في عملية تخريب وفشل، شملَت مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. فبعد الهزيمة الكبيرة أمام وباء كورونا، مرت فترة الأربع سنوات في أميركا كحقبة أخذت فيها العنصرية بعدًا منهجيًا، وتعمقت مشكلات البطالة وانعدام الأمن وعدم الاستقرار. ولوحظ مدى ضعف وعجز المؤسسات الموثوقة، وبدأ يظهر استخدام مفهوم “الدولة المنهارة” لإدارة الدولة، وتعززت فكرة أميركا المنقسمة إلى شطرين، في العديد من الكتب والمقالات الجادة. وبإمكاننا القول إن عهد ترامب أحدث “تخريبًا” مدمرًا، في جميع مجالات الحياة، ظهر في خمس نقاط على الأقل:

أولًا؛ دخلت أميركا في عهد ترامب مرحلة استقطاب غير مشهودة، تحوّلت إلى عملية هدامة بشكل لا يمكن تصوره. ولم يحدث هذا الاستقطاب في البعد السياسي فقط، بل سرى في المجالات الاجتماعية وحتى “العاطفية” أيضًا. فقد وضعت الثنائيات والمعارضات بصمتها على السنوات الأربع الأخيرة في أميركا التي انقسمت إلى قسمين: “أميركتين.. واشنطنين.. هويتين”، (قادة لا يصغون إلى بعضهم البعض.. حتى إنهم يكرهون بعضهم البعض.. وسائل إعلام منقسمة في الهوية والعواطف والآراء والمواقف)، وكان ترامب الزعيمَ الذي غذى الاستقطاب وحرّض على الانقسام.

ثانيًا، أضعفت سنوات حكم ترامب الأربع مبادئ “فصل السلطات” و”استقلالية القضاء” و”أهمية المؤسسات واستقلالها”، ومبدأ “الجدارة تسبق الولاء”، بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما نسميه بـ “نظام الضوابط والتوازنات”. وباتت أميركا تشهد يومًا بعد يوم حالة تردي المبادئ والمفاهيم التي تقول: “إن للنظام أولوية على مصالح الفاعلين ويجب حمايته”، والتي كانت تتفاخر بها دائمًا. وبالوقوف حتى ضد حزبه، أراد ترامب أن يحكم أميركا بالكامل، انطلاقًا من فكر الزعيم ورأي الزعيم والولاء للقائد.

ثالثًا، إن التناقض في السياسة الخارجية الأميركية، في ظل رئاسة ترامب وتحركاتها الموجهة تمامًا من محور القائد، وكذلك “ضعف قدرة الدولة” الأميركية في المجال الطبي خلال فترة (كوفيد -19)، ألحقا أضرارًا جسيمة بالقيادة العالمية لأميركا، وبتأثيرها العالمي. وقد عانت أميركا في هذه المرحلة انحدارًا كبيرًا، في محور النفوذ والخطاب والرضا والقوة المغيرة، أو لنقل: في محور القوة الناعمة والصلبة، على صعيد الهيمنة العالمية، وتعززَت في منطقة شاسعة تمتد من الصين إلى روسيا.. ومن فرنسا إلى ألمانيا.. ومن إيران إلى تركيا، النظريةُ القائلة “باقتراب نهاية القيادة الأميركية العالمية في مواجهة القوى العالمية والإقليمية”.

رابعًا، ساهم عهد ترامب في المقياس العالمي في تسريع العملية التي حدثت تحت عناوين “الركود الديمقراطي”، و”الديمقراطية الاستبدادية”، و”الشعبوية الاستبدادية” أو “الاستبداد التنافسي”. وقد أسدى ترامب، من خلال الإشارة إلى عصر القادة الأقوياء، وعهد الزعماء، وسياسة القادة، وما إلى ذلك من رسائل، خدمةً كبيرة لتعزيز وانتشار مفهوم السياسة التي انتهجها القادة الذين تميزوا واختلفوا حتى عن الأحزاب التي ينتمون إليها. ولهذا السبب، فإن إعادة انتخاب ترامب كانت ستسرع من وتيرة موت الديمقراطية على مستوى العالم، والفكرة التي مفادها أن عدم انتخاب ترامب سيسهم في تعزيز احتمالات “إعادة الدمقرطة” قد زادت من أهمية هذه الانتخابات على الصعيد العالمي.

خامسًا، كشفت رئاسة ترامب عن ظاهرة وتصور مختلف لـ “البيت الأبيض”، إلى درجة لم يسبق لها مثيل قبل عهد ترامب. إذ ظهر “بيت أبيض” يعمل بشكل منغلق على نفسه.. على خلاف مع مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام.. مقتصر على الزعيم وبالولاء له أولًا، وبعلاقته بوسائل التواصل الاجتماعي، بعيد كل البعد عن العمل والتعاون مع مراكز الفكر والمجتمع المدني، في حالة تغيير دائمة حتى لطاقمه القريب. حيث كشفت الكتب والمقالات والبيانات التي أدلى بها موظفون مقربون من ترامب، بعد استقالتهم أو طردهم، أن البيت الأبيض الذي يُعدّ أحد أهم مؤسسات النظام الأميركي يعيش حالة خراب كبير.

في هذه المجالات الخمسة الحساسة، أحدث عهد ترامب دمارًا كبيرًا وتصدعًا خطيرًا في السياسة العالمية والسياسة الداخلية. إذ باتت أميركا وجهًا لوجه مع مشكلات وأخطار كـ “الاستقطاب الهدام” و “أميركا المنقسمة إلى نصفين” و “التقويض المؤسسي المنهجي” و”فقدان القيادة العالمية” و”موت الديمقراطية الأميركية” و “انهيار البيت الأبيض”.

هذه هي الأجواء التي أجريت فيها الانتخابات! وانتخبت أميركا الديمقراطيين، واختارت رئاسة بايدن، لحلّ هذه المشكلات الخطيرة. أتفقُ مع التعليقات العامة التي قالت: “إن بايدن لم يفز بالانتخابات.. ترامب هو من خسر”. لكن أميركا قالت كلمتها بأن أوقفت ترامب وإدارته، والفهم السياسي الذي يمثله. ولهذا السبب، لن يكون من السهل أبدًا في عهد بايدن تحقيق النجاح في البداية، فهو سيطلق عملية تهدف إلى تصحيح الخراب الذي أحدثه ترامب، وإعادة بناء أميركا على أسس المنظومات والمؤسسات.

توحيد أميركا وشفاؤها

تركّز خطاب بايدن -في التصريح الذي أعلن فيه فوزه في الانتخابات- وتأسس على هاتين العبارتين: التوحيد والشفاء. فهل ستنجح أميركا في معالجة مشكلة الاستقطاب المدمّر؟ وهل يمكن تحقيق الوحدة والانسجام الاجتماعي في ظل الاختلافات القائمة؟ وهل سيتحقق النجاح في مكافحة (كوفيد-19)؟ وهل ستبدأ المعركة ضد العنصرية المنهجية؟ وهل ستكون هناك حلول لمشكلات البطالة وانعدام الأمن وعدم الاستقرار؟ باختصار: هل سيكون ثمة إمكانية للعودة عن الانحدار الذي حدث في كل مجال، والتماثل للشفاء؟

يبدو ذلك صعبًا جدًا. صحيح أن ترامب قد خسر، لكن السياسات التي يمثلها والموجهة إلى الاستبدادية والشعبوية والاستقطاب و”شيطنة المعارضة.. وبعبارة مختصرة: سياسة وظاهرة “الترامبيزم“، ما زالت مستمرة. فأميركا تحتاج إلى العودة من الاستقطاب المدمّر داخلها إلى الوضع الطبيعي، وإعادة تقوية المؤسسات ونظام الضوابط والتوازنات، ودعم التعاون بين مؤسساتها. وعليها إعادة تأسيس “الديمقراطية القادرة على الإدارة”، وعليها أيضًا، في سياق العلاقات الدولية والسياسة العالمية، العملُ لاستعادة موقعها الريادي العالمي مرة أخرى، أو على الأقل الاحتفاظ بموقع مقبول نفوذًا وتأثيرًا. وهذا يعني أن هناك مرحلة صعبة، نسبة احتمالات النجاح فيها ليست عالية، بانتظار بايدن!

إن أول عمل ستقوم به إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة الأميركية، سيكون موجهًا إلى إيقاف عجلة الخراب المدمر الذي شهدته البلاد خلال السنوات الأربع الماضية. وهو ما يعني تحول أميركا إلى الداخل والبدء بعملية إعادة البناء وترتيب البيت الداخلي.

فقد رسم ترامب، بأخطائه ومناوراته غير المتسقة، في السياسة الخارجية لوحة هزيلة لأميركا في العالم متعدد الأقطاب، فبدأ تأثيرها في القضايا والتحديات العالمية والإقليمية يضعف تدريجيًا. إضافة إلى تدهور العلاقات بين أميركا وكل من أوروبا والمؤسسات الدولية وعطالتها في هذه المرحلة. فحقبة ترامب التي اختزلت السياسة الخارجية في العلاقات ما بين القادة والقادة، خلفت أضرارًا جسيمة على صعيد الهيمنة الأميركية وسياستها الخارجية، وكذلك في أفكار الغرب والتحالف عبر الأطلسي أيضًا. إن مبادرات إعادة بناء القيادة الأميركية، على الصعيدين العالمي والإقليمي (والتي تفتقر إلى فرص النجاح الكبيرة في الوقت الراهن) تفرض تحسين العلاقات مع الدول والمؤسسات النشطة والصديقة، سواء في الميدان أو على الطاولة أو في التصور.

مختصر الكلام: إن إدارة بايدن-هاريس مضطرة إلى إعادة تأسيس الدور الأميركي العالمي البنّاء، من خلال النجاح في محور الوحدة والتعافي والديمقراطية القادرة على الإدارة في الداخل، وبالانتقال من البنية السياسية التي تختزل العلاقات الخارجية بين القائد – القائد، إلى مفهوم السياسة التي تعطي الأولوية للدبلوماسية والقيم والتحالفات والمؤسسات، خارجيًا.

وعند هذه النقطة، تبدأ المعضلة الحقيقية لرئاسة بايدن، فقد يتعرض إلى فقدان فاعليته الداخلية بينما هو يحاول التركيز على الخارج. وقد يفقد تأثيره الخارجي، بينما يولي تركيزه على الداخل. أيْ إن على بايدن أن ينتهج أسلوب إدارة يقوم على “التركيز على الداخل دون انغلاق، وأن يكون استباقيًا في الخارج دون نسيان الداخل”. إننا نتحدث عن أسلوب عمل، يظهر طبيعة النشاط البناء ويهتم بالداخل والخارج معًا: بايدن تنتظره مرحلة صعبة، النجاح فيها غير مضمون.

العلاقات التركية-الأميركية

حسنًا، كيف ستسير العلاقات التركية-الأميركية في مرحلة رئاسة بايدن؟ يبدو أنها ستكون سلبية، وهذا أمر واقعي! فمن الصعب القول إن هذه العلاقات السلبية أصلًا ستتغير مع مجيء بايدن. ومع ذلك؛ أعتقد -على الرغم من كل المشكلات والسلبيات التي تعتري هذه العلاقات- أن رئاسة بايدن ستكون أكثر فائدة لتركيا، من ولاية ترامب الثانية.

ستستمر السلبية في العلاقات التركية-الأميركية، في السنة الأولى من ولاية بايدن على الأقل. كان الرئيس أردوغان بلا شك يفضل استمرار ترامب في الرئاسة. إذ لم يكن الرئيس من بين القادة المهنئين الأوائل بفوز بايدن.. مع أنه شكر ترامب من أجل العلاقات خلال السنوات الأربع الماضية. وإننا نعلم -من الكتب والتصريحات التي صدرت عن الدائرة المقربة من ترامب- أن الرئيس ترامب كان أكثر إعجابًا وتأثرًا بالرئيس أردوغان من بين القادة. إذ إن الزعيمين يودان بعضهما، وعلاقتهما رائعة، بغض النظر عن السبب! فهما يريدن حل المشكلات العالقة فيما بينهما. فكلا الزعيمين لا يحبذ آليات الضوابط والتوازنات، ولا يؤمن كثيرًا بدور المؤسسات، بل يتبنيان مفهومًا في السياسة الخارجية مختزلًا بشخص القائد، ويعتبران أن الولاء للقائد يأتي بالدرجة الأولى في الأهمية.

فقد اختزلت العلاقات التركية-الأميركية، في السنوات الأربع الماضية، بعلاقة الزعيمين “أردوغان – ترامب”. لكنني أود التأكيد أن هذا النهج لم يأتِ في الفترة المذكورة بفائدةٍ، لا لتركيا ولا لأميركا أيضًا. بل على العكس من ذلك، ساهم في أن تغدو روسيا والصين من الدول ذات النفوذ الواسع على ساحة الهيمنة الإقليمية. ودخلت العلاقات التركية-الأميركية، في فترة رئاسة ترامب، في دوامة سلبية مؤسساتيًا واجتماعيًا، فكانت أسوأ فترة في تاريخ هذه العلاقات. فبوصول ردة الفعل المعادية لأميركا، على صعيد المجتمع والدولة، في تركيا إلى أبعاد خطيرة، لم تسع أميركا للتقارب من تركيا مطلقًا كدولة صديقة تربطهما علاقات تحالف، في أي قضية كانت؛ من مسألة فتح الله غولن إلى المسألة السورية.. ومن قضية شرق المتوسط إلى ليبيا.

وأثقل الإهانات التي وُجّهت إلى تركيا كانت من ترامب، عبر خطاباته وتعليقاته. لذلك، قد تمنح ولاية بايدن تركيا فرصة إعادة النظر في سياستها الخارجية التي وصلت إلى طريق مسدود، وتجديدها. فتركيا هي أيضًا تحتاج، كما أميركا، إلى عملية ترميم في الداخل والخارج، فعند مباشرة أميركا برئاسة بايدن، بإطلاق عملية إعادة البناء والتحسين في سياستها الداخلية والخارجية، ستتبنى أسلوب حركة يعتمد على نقاط:

أولًا، على التعاون بين القيادة والمؤسسات، لا على القائد فقط.

ثانيًا، على تعزيز علاقاتها مع أوروبا.

ثالثًا، على التعامل في العلاقات الإقليمية والعالمية، انطلاقًا من شعار تعددية الأطراف، وليس الأحادية.

ورابعًا، على أسلوب التحرك الذي يرتكز على الإدارة العالمية، من منطلق محور “الدولة الوطنية- المؤسسات الدولية والمجتمع المدني”.

إن هذا الأسلوب رباعي الأبعاد سيأتي مضادًا للفهم السياسي الخارجي الذي يحمل شعار الأحادية، المختزل بعلاقة ترامب-أردوغان. إلى جانب أن سياسة تركيا الخارجية، يمكنها أن تستفيد من هذا التضاد، فتعود إلى “القواعد والمؤسسات القائمة على التعددية” التي ستعود بالفائدة عليها. وإن ولاية بايدن قد تخلق هذه الفرصة، لأن بايدن يعرف تركيا جيدًا، منذ مدة طويلة. وسيسير بالعلاقات مع تركيا في فترة ولايته، عبر الذين يعرفون تركيا عن كثب؛ إذ ستبرز إلى الواجهة في هذه المرحلة كوادر تعرف تركيا جيدًا، كمستشار بايدن للسياسة الخارجية أنتوني بلينكين، وسوزان رايس، وويليام بيرنز، ونيكولاس بيرنز، وفيليب جوردان، وأماندا سلوت. ومراكز الفكر والأبحاث القريبة من الديمقراطيين (Brookings, Carnegie, Center for American Progress)، كمركزي بروكينغز وكارنيجي، ومركز التقدم الأميركي، ولا شك في أن القرار بيد من يدير تركيا.. وسنرى!

اسم المادة الأصلي Amerika’nın Joe Biden Tercihi Nasıl Okunmalı?

الكاتب فؤاد كيمان- FUAT KEYMAN

المصدر وتاريخ النشر موقع بريسبيكتيف أونلاين- prespektif online 11.11.2020

رابط المادة https://bit.ly/36Sz4dQ

المترجم قسم الترجمة- علي كمخ

مركز حرمون

————————-

بايدن في سوريا ولبنان/ مهند الحاج علي

يدور العديد من النقاشات حول التغيير المرتقب في السياسة الأميركية بالمنطقة بعد تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، وهو نائب للرئيس السابق باراك أوباما وسيناتور لسنوات طويلة. بإنتظار اختيار الرئيس المنتخب فريقه في السياسة الخارجية، بالإمكان الاستناد الى ملاحظات أو خطوط أساسية سيكون لها تأثير خلال الفترة المقبلة.

أولاً، سيتراجع الشرق الأوسط في قائمة أولويات الإدارة الأميركية المقبلة. ذاك أن المنطقة لعبت دوراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية نتيجة استثمار إسرائيلي-عربي في الإدارة السابقة وصقل علاقات متينة معها. هذا لن يتواصل، بل من الواضح أن ما بدأه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، من تراجع في المنطقة، سيُعاود حضوره خلال الفترة المقبلة. لا يعني ذلك انسحاباً أميركياً كاملاً، لكن الإدارة المقبلة لن تنشغل بحياكة عقوبات على ايران وحزب الله كل شهر أو حتى كل أسبوع، كما جرت العادة خلال السنتين الماضيتين. لكن ذلك قد يتغير في حال فرضت دولة فاشلة أو أزمة أو حرب نفسها على الأجندة الأميركية.

ثانياً، هناك سياسات عابرة للأحزاب، أشبه بعناوين عامة، مثل دعم الجيش اللبناني وفرع المعلومات، مواصلة الضغط على “حزب الله” ومحاولة احتوائه، الاستمرار في شرق سوريا، ولو ضمن أعداد صغيرة. الموقف من العملية السياسية في سوريا، والتمسك بمرحلة انتقالية، هذه السياسات ستستمر، وهذا واقع يتعايش معه بعض الساسة، مثل وزير الخارجية الحالي جبران باسيل.

ثالثاً، هناك العلاقة بإيران وبروسيا، كمؤثر مباشر في التعاطي مع الملفين السوري واللبناني. الإدارة المقبلة، رغم أنها أعلنت نيتها العودة إلى الاتفاق النووي مع الجانب الإيراني، ستُفاوض وستعمل بجد للوصول الى اتفاق أفضل. ذاك أن هناك متغيراً مهماً في السياسة الأميركية الداخلية، علينا أخذه في الاعتبار. لن يخرج الرئيس الحالي دونالد ترامب من البيت الأبيض الى اعتزال السياسة. الرجل مصمم على العودة للرئاسة من بوابة المظلومية التي صاغها، ومن خلال نقد سياسات الإدارة المقبلة وتبيان اخفاقاتها بشكل متواصل. لذا، من المتوقع أن تأخذ إدارة بايدن هذا النقد السياسي المتواصل واحتمالاته في الاعتبار، مع العودة للاتفاق الإيراني.

بالنسبة للدور الروسي، سيكون لأي توتر بين واشنطن وموسكو انعكاس على السياسة الأميركية في لبنان على سبيل المثال، حيث هناك تنسيق بين روسيا وفرنسا لتطبيق المبادرة الفرنسية. المبادرة معنية ليس بدعم قوى الاحتجاج البديلة، بل بإعادة انتاج النخبة السياسية بشروط اقتصادية ومالية. لهذا قد نرى موقفاً مغايراً لإدارة بايدن، وتشدداً قد نرى فيه استمراراً لسياسة نبذ الطبقة السياسية. إدارة ترامب نبذت الطبقة السياسية اللبنانية وعزلتها بصفتها امتداداً لنفوذ “حزب الله”. بايدن سيواصل السياسة ذاتها، حتى لو بحدة أقل وبعنوان آخر هو دعم الديموقراطية والقوى البديلة في لبنان. السياسة لن تختلف جذرياً، لكن العنوان مختلف وأقرب للمثل الأميركية ومقاربة الرئيس المنتخب وحزبه.

وأخيراً، نسمع مقتطفات عن “ندم” من الفريق الأوبامي في إدارة بايدن، ومنهم طوني بلينكن المرشح لأحد منصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي. بلينكن يتحدث بوضوح عن ضرورة عدم تكرار أخطاء أوباما في سوريا. كما قد يكون ترامب أو الفريق الجمهوري الممثل له بالمرصاد لأي تلكؤ لإدارة بايدن في هذا المجال. لهذا السبب، من المتوقع أن لا تتساهل إدارة بايدن مع أي استئناف للقتال في سوريا. وهذا يتطلب دعماً لتركيا وتعاوناً معها في سوريا خلال الفترة المقبلة، لكن مع الحفاظ على توازن العلاقة بالأكراد.

في نهاية المطاف، لن تختلف السياسة الأميركية كثيراً. لم تعد العقوبات مهمة بالقدر ذاته، إذ استنزفها الرئيس ترامب لدرجة لم تعد معها فاعلة. إلا أن إدارة بايدن ستبني على أي فوائد حملتها السياسة الأميركية في العهد السابق، ولن تُسارع الى نقدها دون تفكير.

باختصار، قد لا يتغير الكثير العام المقبل، وقد يعي المنتظرون في المنطقة، ومنهم “حزب الله” وحلفاؤه وخصومه في لبنان، أن كثيراً من الوقت قد ضاع، ومعه فرص محلية لا تُعوض.

المدن

————————–

بايدن وشطرنج الشرق الأوسط/ علاء بيومي

منذ الفشل الذي منيت به في حرب العراق، وتحديدا منذ عام 2005، والولايات المتحدة حريصةٌ على رفع يديها تدريجيا من لعبة الشرق الأوسط عالية التكلفة. ولولا النفط وإسرائيل لأهملت أميركا المنطقة كثيرا. ولكن حفاظا على تدفق النفط وعلاقتها القوية بإسرائيل، قرّرت أميركا تخفيف وجودها أو رفع يديها تدريجيا عن المنطقة تخففا من أعباء التدخل العالية، وفي مقدمتها الحروب والصراعات المزمنة. وهي سياسةٌ بدأت مع جورج دبليو بوش، والذي دعا بقوة إلى التركيز على اكتشافات النفط الصخري الداخلية، لتقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. واستمرت مع خلفه الرئيس أوباما، والذي دعم الربيع العربي بخجل، قبل أن يغض الطرف عن الثورة المضادة. وترسخت مع الرئيس ترامب، والذي طالب بعض دول الخليج علانية بتحمّل تكاليف الحماية الأميركية بشراء مزيد من أسلحة بلاده، واستثمار عائدات النفط فيها. كما حرص ترامب على سحب القوات الأميركية من سورية والعراق، ولم ينسَق إلى حرب في إيران، على الرغم من كل استفزازاته العلنية لها واغتياله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إذ حرص على عدم الدخول في صراع مسلح جديد في المنطقة، مفضلا سلاح العقوبات الاقتصادية. وهي استراتيجية يُتوقع استمرارها مع الرئيس المرتقب، جو بايدن، والذي يعاني داخليا أكثر من سابقه، حيث يرث بلدا منقسما بشدة، تنتشر فيه نظريات المؤامرة، وتقتنع فيه نسبة لا بأس بها من اليمينيين المتشدّدين بأنه فاز بالتزوير أو سرق الانتخابات. كما يرث بايدن تبعات جائحة كورونا، واقتصادا يعاني، وتحالفاتٍ دولية تحتاج لترميم، ومنافسة اقتصادية وسياسية أكبر مع الصين.

سيرث بايدن أيضا رقعة شطرنج شرق أوسطية أشد تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما منذ أربع سنوات. خلال حكم ترامب، عزّزت روسيا وجودها في سورية وتوغلت في ليبيا، وزوّدت تركيا بمنظومات دفاع جوي متقدمة، وتعاونت معها في أكثر من ملف شرق أوسطي. كما توغلت الصين أكثر في الشرق الأوسط من خلال استثماراتها وقروضها، كما هو الحال في مصر. وخلال السنوات الأربع الأخيرة أيضا، زاد الدور الذي تلعبه دول الثورة المضادّة الخليجية، كالإمارات السعودية، في البلدان العربية المختلفة، حيث توغلت هاتان أكثر في حرب اليمن، وعملتا على تقسيم البلد من خلال دعم قوى الجنوب الانفصالية. كما فرضت هذه الدول (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) حصارا على قطر، ودعمت حرب اللواء المتقاعد المتمرد، خليفة حفتر، على طرابلس، وتقاربت مع إسرائيل، وقام بعضها بالتحالف العلني معها، كما استمرّت هذه الدول في هجومها على قوى التغيير والديمقراطية في المنطقة، وفي دعم النظم الاستبدادية، والتي رسخت حكمها بشكل كبير. في الوقت نفسه، قوت قطر وتركيا من تحالفيهما، وبات للقوات التركية قاعدة عسكرية في قطر. هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه تركيا في سورية وليبيا، وفي الصراع على موارد الطاقة شرق المتوسط. وهذا يعني أن بايدن سيواجه برقعة شطرنج جديدة، وأكثر تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما.

وقبل اللعب أو محاولة تغيير رقعة الشطرنج، لا بد أن يبدأ بايدن بترميم تحالفاته، وخصوصا مع الدول الأوروبية التي تريد العودة، قدر الإمكان، إلى رقعة عام 2016 من خلال استعادة الاتفاق النووي مع إيران، والوحدة الخليجية، وحل الدولتين في فلسطين، والخطاب الداعم للحريات والديمقراطية، والتأكيد على الاستقرار ووقف الحروب الأهلية التي تجتاح المنطقة.

ولعل قطعة الشطرنج الأكبر التي سيحاول بايدن تحريكها هي استعادة الاتفاق النووي مع إيران. وهي خطوة لن تكون سهلة بأي حال، فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق، ضاعفت إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصب اثنتي عشرة مرة، ورفعت نسب التخصيب، وربما نقلته إلى مواقع جديدة، كما تتهمها الوكالة الأممية، هذا بالإضافة إلى توسّع المليشيات المتحالفة مع إيران في سورية واليمن، وترسيخ أقدامها هناك. لذا لا بد وأن يساوم بايدن إيران على الملفات السابقة، وأن يحاول تهدئة مخاوف دول الخليج وإسرائيل. ولا شك في أن عودة (أو إعادة) دمج إيران دبلوماسيا، وانفتاح إدارة بايدن عليها، سوف يؤثران على ملفات كثيرة، في مقدمها الحرب في اليمن التي انتقدها بايدن بقوة. وربما ترحب دول التحالف السعودي الإماراتي نفسها بوضع حد لها بسبب تكاليفها الباهظة وصعوبة حسمها. وهذا يعني أن المنطقة قد تشهد نشاطا دبلوماسيا مكثفا لإعادة دمج إيران من ناحية، ووضع نهاية لحرب اليمن، وحلحلة الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية، وتحقيق بعض الاستقرار والاستقلالية في العراق، وربما التخفيف من حدّة الأزمة السورية، وكذلك التأثير على الأزمة الخليجية نفسها، فمن شأن التقارب الدبلوماسي بين أميركا وإيران التأثير على ملفات عديدة، وإعادة توزيع موازين القوى الإقليمية.

سيحاول بايدن كذلك وقف التمدّد التركي في الإقليم والحدّ منه، وفكّ التقارب الروسي التركي، وسيواجه بتحالف تركيا مع روسيا، وبرغبة دول أوروبية، كألمانيا، بعدم خسران تركيا والحفاظ على التحالف معها. كما سيواجه أيضا بالتمدّد الكبير الذي حققته تركيا في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، بفضل الانسحاب الأميركي نفسه، والذي ترك مساحات فراغ واسعة، وبفعل سياسة الرئيس أردوغان التي لا تتردّد في المواجهة. وقد يدفع التفاوض الأميركي مع تركيا إلى حلحلة بعض الملفات، كالأزمتين، الليبية والسورية، وربما أيضا الأزمة الخليجية، حيث سيطالب الأتراك بايدن بالضغط على الأطراف الأخرى في هذه الأزمات لتقديم تنازلات مماثلة.

سيسعى بايدن أيضا إلى العودة إلى اللغة الدبلوماسية الدولية، وحل الدولتين للقضية الفلسطينية. وربما يعيد افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ويستأنف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، ويحاول الوقوف ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ولكنه قد لا يحاول إعادة بث الروح في مفاوضات السلام نفسها، والتي عجزت عن التقدم منذ أوائل التسعينيات.

ومن شأن عودة بايدن إلى الخطاب الأميركي المطالب بالديمقراطية والحريات في المنطقة، وخصوصا بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها إلى النظامين، السعودي والمصري، خلال حملته الانتخابية، أن تساعد في حلحلة المواقف الداخلية في عدة دول، ودعم الأصوات المعارضة وتخفيف الضغوط المفروضة على النشطاء السياسيين والحقوقيين. ولا بد أن يواجه بايدن معارضة قوية من تلك النظم وتهديدات بالتقارب أكثر مع روسيا والصين، ومحاولات لاستخدام العلاقة مع إسرائيل، والتقارب معها كورقة للضغط على بايدن وسياساته.

وهذا يعني أن الرئيس الأميركي الجديد سوف يواجَه بشرق أوسط أكثر تعقيدا وتشابكا، ونظمٍ توسعت كثيرا خلال عهد ترامب، تسعى إلى تعظيم مصالحها، ولن تتردد في مساومة الولايات المتحدة على مختلف الملفات، وفي مقدمها العلاقة مع إيران والاستقرار الإقليمي والديمقراطية. ولكن ذلك لا يعني ان إدارة بايدن ستقف عاجزةً بلا تأثير، فتدخلها في مختلف الملفات، وفي مقدمها الملف الإيراني، سيوجد مساحاتٍ واسعة للغاية للعمل والتغيير، فإعادة دمج إيران تكفي وحدها لتحريك مياه كثيرة راكدة في أكثر من ملف رئيسي في المنطقة. وهذا يعني أن رقعة شطرنج الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات هامة وعديدة، وأن الفرصة متاحة أمام مختلف القوى لتعظيم مصالحها. ولعل في هذا دعوة إلى الدول والجماعات المعنية بالإصلاح السياسي في المنطقة لإعادة تنظيم صفوفها، والتفكير في سبل تعظيم مكاسبها.

سوف يستمر بايدن في استراتيجية الانسحاب التدريجي من المنطقة، ولن يخوض صراعاتٍ مكلفة، ولكنه لن يقف صامتا أمام ما يحدث، ولا بد أن يتدخل لتحريك ملفات عالقة، في مقدمها الأزمة الإيرانية. وسيؤدي التحرّك الأميركي إلى إيجاد مساحات وفرص جديدة للحركة. ويبقى السؤال الأهم هو عن مدى استعداد مختلف القوى لتعظيم مصالحها، مستفيدة من تحرّكات بايدن المتوقعة؟

العربي الجديد

—————————–

بدايات متواضعة لمقاومة “جمهورية لترامب”/ هشام ملحم

يتعرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لنكسات شبه يومية في محاكم لجأ إليها في عدد من الولايات التي خسرها في الانتخابات، وطالبها بتعطيل أو نقض النتائج، مدعيا وجود عمليات تزوير خلال الاقتراع أو فرز الأصوات.

ولكن اعتماده هو وحملته على نظريات المؤامرة و/أو اتهامات غريبة مثل القول إن فرز أصوات الناخبين في ولاية ميتشغان “يتم في ألمانيا من خلال شركة فنزويلية يملكها حلفاء لرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو وسلفه هيوغو شافيز” الذي توفي في 2013، جعل هذه الدعاوى موضع انتقادات لاذعة وتأنيب محرج من القضاة والحقوقيين.

وعلى الرغم من رفض المحاكم لعشرات الدعاوى والطعون التي لا تدعمها الأدلة، لا يزال ترامب وفريقه القانوني، الذي يتقلص عدده باستمرار، يصرون على المضي على هذا الطريق المسدود. ولكن ما يجعل جهود ترامب وفريقه خطيرة هو أنها، إضافة إلى انها تشكك بجوهر صدقية قوانين الانتخابات الأميركية ونزاهتها، قد نجحت، حتى الآن على الأقل، في وقوف معظم قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، ومعظم الحكام الجمهوريين وراء محاولات الرئيس ترامب لتحدي نتائج الانتخابات في المحاكم، ورفضه التعاون مع الرئيس المنتخب جو بايدن، خلال المرحلة الانتقالية الحساسة.

ويوم السبت مني ترامب وحملته بنكسة قضائية كبيرة حين رفض قاض فدرالي في ولاية بنسلفانيا طلب حملة ترامب عدم التصديق على نتائج الانتخابات في الولاية التي فاز بها المرشح الديمقراطي بايدن. وتضمن قرار القاضي الذي جاء في 37 صفحة نقدا لاذعا للحملة “التي استخدمت حججا قانونية مختلقة ودون أساس واتهامات تخمينية”.

وقال القاضي، ماثيو بران، “في الولايات المتحدة هذه (الحجج) لا يمكن أن تبرر إلغاء صوت ناخب واحد، فكيف يمكن الادعاء بأنها كافية لإلغاء أصوات الناخبين في سادس أكبر ولاية” في البلاد. وأظهر الفرز النهائي للأصوات في بنسلفانيا أن بايدن تفوق على ترامب بأكثر من 81 ألف صوت. وسوف تصدق الولاية رسميا على هذه النتائج، اليوم الاثنين.

وعلى الرغم من أن الرأي السائد في الأوساط الحقوقية والسياسية هو أن هذه المحاولات العبثية من المستحيل أن تغير أو تقلب نتائج الانتخابات، فإن ترامب، الذي لا يزال يحظى بدعم عدد كبير من المشرعين الجمهوريين، يريد مواصلة هذه التحديات في محاولة يائسة لإيصالها إلى المحكمة العليا، حيث يعتقد أن الأغلبية المحافظة فيها سوف تحكم لصالحه، وهو أمر مستبعد أيضا.

ويرى العديد من المحللين السياسيين والمسؤولين في حملة الرئيس المنتخب، أن ترامب يدرك استحالة سرقة الرئاسة من بايدن، إلا أنه يريد إطالة فترة انعدام اليقين خلال الفترة الانتقالية الهامة، لإضعاف الرئيس المنتخب حتى قبل دخوله إلى البيت الابيض. ولا يزال ترامب يرفض السماح للأجهزة الحكومية التنسيق مع فريق الرئيس المنتخب، ما يعني حرمان بايدن وفريقه من الحصول على المعلومات الضرورية والقيمة، لكي يبدأ مهمته الرئاسية بطريقة فعالة فور إدلائه بقسم اليمين ظهر العشرين من يناير المقبل. وهذا يعني عمليا حرمان الرئيس الجديد وفريقه من الاطلاع على قضايا عديدة، مثل ما تخطط له الأجهزة المسؤولة عن تلقيح ملايين الأميركيين ضد فيروس كورونا، أو آخر التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد وخاصة في مناطق النزاعات العسكرية مثل أفغانستان والعراق، وآخر مستجدات العلاقات الاقتصادية والسياسية المتوترة بين الولايات المتحدة والصين.

ما يفعله الرئيس ترامب في هذا المجال غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الأميركية، وهذا يسرى على الرؤساء العشرة الأميركيين الذين أخفقوا في التجديد لأنفسهم لولاية ثانية. جميع هؤلاء الرؤساء تعاونوا مع المرشحين الذين هزموهم خلال الفترة الانتقالية.

ترامب يحاول إساءة استخدام القضاء الأميركي، واللجوء إلى أساليب الترهيب والترغيب للضغط على المسؤولين الجمهوريين المحليين في الولايات التي لم يفز بها، للالتفاف على قوانين هذه الولايات ورفض إرادة الناخبين فيها. هذه الأساليب شملت الاتصال شخصيا بهؤلاء المسؤولين واستدعاء بعضهم إلى البيت الأبيض للضغط المباشر عليهم لتعديل أو نقض نتائج الانتخابات.

وهذا ما فعله يوم الجمعة، حين استدعى مسؤولين جمهوريين من ولاية ميتشغان من بين أعضاء الفريق الذي سيصدق على نتائج الانتخابات إلى البيت الأبيض. ولكن المسؤولين أصدرا بيانا بعد اجتماعهما بالرئيس ترامب أكدا فيه أنهما لا يعلمان بأي انتهاكات يمكن أن تغير من نتائج الانتخابات، وأنهما سوف يلتزمان بقوانين الولاية، ما يعني أن جهود ترامب لتقويض انتخابات ميتشغان وصلت إلى طريق مسدود. وكان المسؤول (الجمهوري) عن إدارة الانتخابات والتصديق عليها في ولاية جورجيا قد تعرض لضغوط كبيرة من قادة الحزب في الولاية لكي لا يصدق على النتائج التي لم تكن لصالح الرئيس ترامب، ولكنه رفض هذه الضغوط وانتقدها علنا، كما ندد بتهديدات القتل التي وصلته.

وفور صدور قرار القاضي الفدرالي بدحض دعوى حملة ترامب في بنسلفانيا، أصدر السناتور الجمهوري عن تلك الولاية، بات تومي، بيانا جاء فيه أن ترامب “قد استنزف كل خياراته القانونية لتحدي نتائج الانتخابات في بنسلفانيا”. وبعدها هنأ السناتور تومي الرئيس المنتخب بايدن ونائبته كمالا هاريس على فوزهما، وأثنى على سجلهما في الخدمة العامة. وختم تومي بيانه بالقول “على الرئيس ترامب أن يقبل بنتائج الانتخابات، وأن يسهل عملية الانتقال الرئاسي”.

دعم معظم القادة الجمهوريين لتحديات ترامب القانونية، تظهر مدى السيطرة الكبيرة التي فرضها ترامب على الحزب الجمهوري خلال السنوات الماضية، كما تعكس خوف العديد من المشرعين الجمهوريين من تحدي أو انتقاد ترامب علنا، لأن ذلك سيعرضهم لردود فعله الانتقامية، مثل التجريح بهم عبر شبكة تويتر أو دعم منافس جمهوري ضدهم في الانتخابات الحزبية.

وحتى الآن هنأ خمسة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الرئيس المنتخب بايدن على فوزه، ويعتبر السناتور مت رومني (ولاية يوتاِ) من أبرزهم وأكثرهم شجاعة في انتقاد جهود ترامب لتقويض الديموقراطية الأميركية. ويوم الخميس الماضي أصدر رومني بيانا شجب فيه محاولات ترامب للتلاعب بنتائج الانتخابات جاء فيه ” من الصعب تخيل أسوأ خطوة، وأقلها ديمقراطية يتخذها رئيس أميركي، لفرض ضغوط علنية على المسؤولين المحليين في الولايات لتقويض إرادة الشعب”. وخلال الأسبوعين الماضيين، رفض عدد من المسؤولين الجمهوريين في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وميتشغان وجورجيا الخضوع لضغوط حملة الرئيس ترامب أو أنصاره لتأخير الإعلان عن نتائج الانتخابات أو رفض التصديق عليها، الأمر الذي عرضهم لانتقادات من جمهوريين آخرين، وحتى إلى تهديدات باستخدام العنف ضدهم.

حتى الآن لا يزال هؤلاء يشكلون أقلية في الحزب الجمهوري، ولكن مع اقتراب الولايات القليلة التي فاز بها الرئيس المنتخب بايدن مثل بنسلفانيا وميتشغان وأريزونا من التصديق الرسمي على نتائج الانتخابات، سوف تتبخر فرص ترامب في تحدي صدقية الانتخابات في المحاكم، وسوف تنحسر معها قدرته على ترهيب المسؤولين الجمهوريين في الولايات. هذه التطورات سوف تفرض بدورها ضغوطا جديدة على المشرعين الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، لقبول شرعية انتخاب الرئيس بايدن ونائبته كمالا هاريس، والبدء بالابتعاد عن الرئيس ترامب الذي عزل نفسه في الأسبوعين الماضيين في البيت الأبيض للتفرغ إلى جهود تعطيل وتقويض نتائج الانتخابات.

هذا لا يعني أننا سنرى رفضا جمهوريا هاما لدونالد ترامب حتى عندما يصبح رئيسا سابقا، لأن نفوذه في صفوف الناخبين الجمهوريين سوف يبقى كبيرا. وسوف يشير ترامب إلى حصوله على حوالي 74 مليون صوت في الانتخابات على أنه تأكيد كبير على شعبيته الواسعة في الحزب والتي سيترجمها في السنوات المقبلة، لتحدي وإضعاف خلفه الرئيس بايدن، ولكن أيضا لصيانة نفوذه وعائلته في الحزب الجمهوري وترهيب منافسيه من داخل الحزب.

موقع الحرة

———————–

فريق بايدن والضغط على تركيا/ محمود سمير الرنتيسي

بعد إعلان فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية بدأ المحللون والمختصون بالشأن التركي في مراجعة مواقفه سواء خلال فترتي أوباما من 2009 وحتى 2016 أو بعد ذلك خلال حملته الانتخابية، ومع أهمية ذلك وخبرة بايدن في التعامل مع تركيا فإنه من المهم الاطلاع أيضاً على الفريق المحيط ببايدن لفهم مواقفهم أيضاً فيما يتعلق بتركيا.

عند المرور على كامالا هاريس مرشحة بايدن لمنصب النائب فهي تبدو أقرب للتركيز على الشأن الداخلي، من قبيل مواضيع تطبيق القانون وقضايا العنصرية ومكافحة الجريمة ومع ذلك فقد أبدت بعض المواقف التي تفهم على أنها ليست صديقة لتركيا. ومنها تأييدها لإدانة تركيا في ملف مذابح الأرمن.

ولعل الأهم من هاريس فيما يتعلق بتركيا هو فريقه للسياسة الخارجية وتحديداً للشرق الأوسط وهنا يأتي أنطوني بلينكن مستشار بايدن للسياسة الخارجية في المقدمة، وسوف نركز في السطور القادمة على مواقف بلينكن الذي عمل أيضاً بجوار بايدن في إدارة أوباما ورافق بايدن في زياراته لتركيا.

يبدو بلينكن من خلال تحليل محتوى خطابه مدركاً للمخاطر الأمنية التي تتعرض لها تركيا فقد تفهم التوتر التركي بسبب الصراع في سوريا والذي وصف أنه تسبب “بأسوأ أزمة نزوح بشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”. يبدو بلينكن متفهماً لتهديد حزب العمال الكردستاني لتركيا حيث وصفه بالتهديد الإرهابي الخطير، وغير المبرر.

على الجانب الآخر يقر بلينكن بضرورة التعامل مع التصور القائل بأن تركيا والولايات المتحدة تتباعدان وتتبعان نماذج مختلفة من الحكم والقيادة.

يتعامل بلينكن مع تركيا بدبلوماسية احترافية عندما يقول “لدينا نصيب من الخلافات ولكننا نناقشها بصراحة كما يفعل الشركاء ونحن نقف إلى جانب صديقتنا تركيا وحليفتنا في الناتو ونشجعها على ضمان حماية سيادة القانون والحريات الأساسية”.

اعتبر بلينكن في حديث له في 2016 أن المحاولة الانقلابية كانت إهانة مؤسفة للشعب التركي وقد كان بلينكن زار مقر البرلمان التركي الذي تم قصفه في ليلة انقلاب 15 تموز وأبدى تأثره من الوضع. علماً أن بلينكن كان قد رافق بايدن في زيارته لأنقرة قبل 6 أشهر من الانقلاب والتي أثارت بعض علامات الاستفهام.

يتفق بلينكن مع الرأي القائل بضرورة العمل عن كثب مع تركيا في مواجهة داعش في كل من سوريا والعراق والإشادة بدور تركيا في التصدي للتهديد على حدودها ومشاركة المعلومات حول هويات المقاتلين الأجانب. ولكن مع تراجع تهديد داعش لم تعد هناك أهمية كبيرة لمثل هذا التعاون.

ولكن بالرغم من هذا يدرك بلينكن أن النجاح في تدمير داعش بالكامل يتطلب حل الحرب الأهلية في سوريا، وهنا فإن بلينكن يعتقد أن الحروب الأهلية تنتهي إما بانتصار أحد الطرفين وهذا غير مرجح حالياً أو عندما يستنفد الطرفان وهذا يحتاج وقتاً طويلاً أما الثالثة فتكون بتدخل القوى الخارجية لكنه يمكن أن يصب الزيت على النار ويمد في عمر الصراع. ولذلك يريد أن يكون تدخل تركيا في إطار الجهود الأميركية وفي الحقيقة هو يلقي باللوم هنا أكثر على نظام الأسد وروسيا.

مع كل هذا اختفى الوجه الدبلوماسي لبلينكن في حديث له مع إحدى المؤسسات الأميركية في بداية فترة ترامب عندما انتقد مستشار الأمن القومي حينها مايكل فلين بأنه يمثل المصالح التركية وليس المصالح الأميركية وألمح إلى أنه قد يكون يعمل لصالح تركيا.

قد يكون بلينكن أحد الأسماء المرشحة لمنصب وزير الخارجية أو مستشار الأمن القومي وهذا يشير إلى أنه مهما بدا دبلوماسيا ومنصتاً للأخير فستكون مهمة تركيا صعبة معه.

من الأسماء المحيطة ببايدن أيضا تأتي سوزان رايس وهي اسم مرشح لوزارة الخارجية أيضاً وكانت مستشارة الأمن القومي من 2013 إلى 2017 وعملت سفيرة في الأمم المتحدة وباحثة في بروكنجز وقد كان أوباما يريد أن يعينها وزيرة للخارجية في 2012.

لعل أبرز النقاط التي تربطها بتركيا هي إحباطها لمبادرة تركيا والبرازيل في 2010 لاتفاق نووي مع إيران. فضلاً عن أن شخصية رايس تعرف بأنها مواجهة و”معتدة” فإن مهمة تركيا معها أيضاً لن تكون سهلة.

من بين الأسماء السفير السابق في اليونان نيكولاس بيرنز وتربطه علاقات بأعضاء من تنظيم غولن لم يقم بقطعها بعد المحاولة الانقلابية بل عمل على تأكيدها من خلال نشر الصور وهذه تعتبر نقطة استفزازية جداً لدى الحكومة التركية.

لم تتضح بعد أسماء وزراء بايدن للخارجية والدفاع ومبعوثه للشرق الأوسط وسفيره إلى أنقرة ولكن يبدو من خلال السيرة الذاتية للأسماء المرشحة أن مهمة تركيا لن تكون بالسهلة.

لعل أبرز مثال على الطريقة التي سيتعامل بها بايدن وفريقه مع تركيا هو ما عبر عنه مستشار آخر للسياسة الخارجية وهو مايكل كارنتر الذي قال، إن الولايات المتحدة لا تسعى لانهيار الاقتصاد التركي عن طريق حشر تركيا في الزاوية أو فرض العقوبات عليها بل هناك طرق أخرى للضغط على تركيا لتغيير سلوكها. يشير كل ما سبق إلى أنَّ الضغط سيكون الكلمة المفتاحية في علاقة تركيا مع إدارة بايدن وسيرتفع درجة درجة وصولاً للعقوبات طردياً مع تحدي أنقرة لمطالب الإدارة.

تلفزيون سوريا

باحث متخصص بالشأن التركي

——————————–

سياسة بايدن في الشرق الأوسط بكلماته الشخصية: فهم الأولويات للإدارة الجديدة/ منقذ داغر

انقسمت شعوب منطقتنا مرة أخرى حول الانتخابات الأميركية التي جرت مؤخراً. فالمساندون لترامب يعتقدون أن بقاءه سيضمن تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة وربما إسقاط النظام نفسه. أما المناصرون لبايدن، فهم يرون أن إزاحة ترامب سيفيد القضية الفلسطينية ويقوّي “محور” المقاومة (إيران، وسوريا، وحزب الله) من خلال رفع العقوبات المفروضة على إيران، والعودة للاتفاق النووي. والخبر السيء لكِلا الفريقين انهما سيصابان بالإحباط من سياسة بايدن في المنطقة، كما لا يبدوا انه سيكون هناك تغييرات كبيرة في موقف الإدارة الامريكية المقبلة من ملف مكافحة الإرهاب وتواجد القوات الامريكية في المنطقة.

أن أفضل من يمكنه توقع سياسة بايدن الخارجية هو بايدن نفسه، حيث نشر الرئيس المنتخب مقالاً في مجلة الشؤون الخارجية، في ربيع هذه السنة لخص فيه سياسته الخارجية إذا تم انتخابه. جاء المقال تحت عنوان (لماذا يجب على أمريكا أن تقود ثانيةً، إنقاذ سياسة أميركا الخارجية بعد ترامب).

وتحليلي هذا سيستند غالباً على ما قاله بايدن في هذا المقال، فبقدر ما يبدو من مقالته، فإن سياسة بايدن الخارجية ستستند إلى مجموعة معينة من المبادئ. لكن يجب التنبيه أولا الى أن ذِكرْ هذه المبادئ لا يعني إيماني أنها ستطبق كما قالها حرفياً، فبايدن هو أحد أنصار المدرسة البراغماتية ويؤمن بالواقعية. لذلك هو يبتدأ مقاله بالقول أن ” الرئيس القادم عليه أن يتعامل مع الواقع كما هو عليه في عام 2021، ويحاول لمّ شتات ما خلفته الرئاسة السابقة”.

سياسة بايدن الخارجية واضحة

سيسعى بايدن الى إعلاء قيم الديمقراطية والليبرالية كمحور للعلاقات مع الدول الأخرى، حيث كتب قائلا، “كرئيس سأقوم بخطوات فورية لتجديد الديمقراطية الأميركية وحلفاءها، فقد أدى انتصار الديمقراطية والليبرالية على الفاشية والاستبداد إلى خلق عالمًا حرًا “. ومن الواضح أن إدارة ترامب ستجعل معيار تطبيق الديمقراطية أساسا حاكماً في علاقاتها مع الدول. لذا يمكن توقّع سياسات تدخلية في الدول التي ستصنف أنها معادية للديمقراطية، على هذا الأساس. إن الدول التي تشهد مزيداً من الاحتجاجات والمظاهرات (كالعراق ولبنان وإيران) عليها أن تتوقع ضغوط أمريكية أكبر مستقبلاً، وان تطبيق مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد سيكون مفتاح علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وقد كان بايدن واضحاً في ذلك حين قال: “من هونغ كونغ إلى السودان، ومن تشيلي إلى لبنان، يذكّرنا المواطنون، مرّة أخرى، بالتوق المشترك إلى الحكم الرشيد، والبغض العالمي للفساد الذي وصفه بأنه “وباء خبيث، يؤجّج القمع، ويقوّض كرامة الإنسان، ويزود القادة الاستبداديين بأداة قوية لتقسيم الديمقراطيات وإضعافها في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن ترامب ينتمي إلى الفريق الآخر، ويأخذ كلام المستبدّين بينما يظهر ازدراء الديمقراطيين، من خلال ترؤسه أكثر الإدارات فسادًا في التاريخ الأميركي الحديث، فقد منح الرخصة للفاسدين في كل مكان”.

السياسة لا الاقتصاد هي من ستقرر سياسية بايدن الخارجية، حيث تميزت حقبة ترامب بتقديم الاقتصاد ومنافعه على السياسة ومبادئها. أما بايدن فأن سياسته الخارجية ستقوم على اعتبار مبادئ السياسة-كما يؤمن بها-هي التي تقود لازدهار اقتصادي، لذا فهو يقول “أن الديمقراطية هي ليست أساس المجتمع الأمريكي بل هي أساس قوة أمريكا. أنها تعزز من قيادتنا للعالم لإبقائه آمناً. أنها المحرك الأساس الذي يقود الاقتصاد المزدهر”.

وهذا لا يعني بالضرورة إهمال الاقتصاد بل يعني كما يعتقد بايدن ازدهار اقتصادي أكبر لكن من خلال مقاربة مختلفة قوامها العولمة من جهة والسياسة التي تعزز دور الطبقة الوسطى والإبداع من جهة أخرى. وفى هذا الصدد، كتب بايدن قائلا (أن إدارتي ستهيأ أمريكا للتقدم في مجال الاقتصاد الدولي مع تركيز السياسة الخارجية على تعزيز دور الطبقة الوسطى. وللفوز بالمنافسة الاقتصادية مع الصين، لذلك، يجب على الولايات المتحدة شحذ قدرتها الابتكارية وتوحيد القوة الاقتصادية للديمقراطيات حول العالم لمواجهة الممارسات الاقتصادية التعسفية وتقليل عدم المساواة”. واضح أن المنافسة مع الصين ستكون لها أولويه أيضا في عهد بايدن لكن من خلال مقاربة مختلفة تقوم على مبادئ الليبرالية والقيادة بالإبداع، وليس مبادئ سياسات الحماية والحرب الاقتصادية.

وتمشيا مع هذا النهج الأقل عدائية، ستقود الولايات المتحدة العالم من خلال العولمة لا الأمركة. لقد قامت سياسة ترامب على شعار أميركا أولاً والذي ترجمته إدارته بمزيد من الإجراءات الإغلاقية. لذا فقد تلقت العولمة ومبادئها ضربة قاسية على يد ترامب. ويبدو الحال معكوس تماماً في زمن بايدن الذي يبشر بالعودة الى السياسات الأميركية المعولمة والتي تقود فيها الولايات المتحدة المنظومة الدولية بدلاً من التنكر لتلك المنظومة والانسحاب من منظماتها واتفاقاتها الواحدة تلو الأخرى. وفى هذا الإطار يقول بايدن “أجندتنا الخارجية ستركز على عودة أمريكا إلى المقدمة من جديد لتعمل مع الشركاء والحلفاء لتعزيز العمل المشترك ضد التهديدات الدولية… إعادة تحالفاتنا القديمة وتعزيز دور الولايات المتحدة في الناتو. أن دور أمريكا في الناتو مقدس ويكمن في قلب وصميم الأمن القومي الأمريكي”.

من المتوقع أن تأخذ الدبلوماسية الأولوية وفقا لنهج العولمة الذي يتبناه بايدن، حيث انتقد الإفراط في استخدام إدارة ترامب للقوة الخشنة المتمثلة بقوتها العسكرية. وفي الوقت الذي لا يستبعد فيه بايدن استخدام القوة العسكرية كإحدى أدوات السياسة الخارجية فهو يشدد على إيلاء الدبلوماسية القدح المعلى في السياسة الخارجية لذا فهو يقول ” لقد اعتمدت سياسة ترامب الخارجية على التفوق العسكرية وبشكل وحيد وإهمال عناصر القوة الامريكية الأخرى واهمها إهمال دور الدبلوماسية”.

لكن على الرغم من تركيز بايدن على أهمية التواصل والدبلوماسية العالمية، إلا أن حديثة عن عودة أجواء الحرب الباردة كان لافتاً في أكثر من موقع في مقاله على روسيا باعتبارها (تحت قيادة بوتين) مناهضة لكل القيم التي يؤمن بها. وإذا أخذنا بالاعتبار دعم بايدن وأبنه لأوكرانيا فيمكن أن نفهم هذا التشدد في موقفه تجاه روسيا والذي يعيدنا الى أجواء الحرب الباردة وتداعياتها.

ومن ثم، يؤكد بايدن على أهمية إعادة النشاط لحلف شمال الأطلسي ودور أميركا في قيادته وهذا ما يتناقض مع السياسة التي اتبعها سلفه طيلة السنوات الأربع الماضية. وفى هذا الإطار، كتب بايدن قائلا” يجب فرض كلف وتبعات حقيقية على روسيا لانتهاكها المعايير الدولية ونقف مع المجتمع المدني الروسي…إن بوتن يحاول إقناع نفسه والأخرين أن فكرة الليبرالية قد انتهت صلاحيتها، لكنه يفعل ذلك لأنه يعلم أنها أكبر تهديد لسلطته”. كما أكد بايدن على(قدسية) دور حلف الناتو الذي تأسس لمجابهة التهديد السوڤيتي كدليل آخر على احتمال العودة لأجواء الحرب الباردة. ويبدو أن روسيا تعلم ما ينتظرها في عهد بايدن لذا نجد أنها (والصين أيضا) من بين دول قليلة لم تبارك لبايدن فوزه بالانتخابات.

خلاصة القول فأن السياسة الخارجية لأمريكا في عهد بايدن ستتحرك في مثلث متساوي الأضلاع رسمه بايدن لنفسه: “أن أولويات السياسة الخارجية الأميركية سيحكمها مدى التزام أي دولة في مجالات ثلاث هي: مكافحة الفساد، محاربة الحكم التسلطي، وتعزيز حقوق الإنسان داخل وخارج تلك البلدان”.

بايدن والشرق الأوسط

يبدو أن ملفات الالتزام بالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد (بالمفاهيم البايدنية) ستحكم سياسته في الشرق الأوسط أيضا. لذا وعلى الرغم مما قاله لي أحد مستشاري حملة بايدن بخصوص الشرق الأوسط من إنه لن يعير أهمية كبرى لهذه المنطقة وأنها لن تكون في قمة أولوياته، أقول بالرغم من ذلك، ومما لا شك فيه أن الملفات أعلاه ستحظى باهتمام واضح بخاصة في تلك الدول التي ستشهد عودة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدها خريف2019 وشتاء 2020 وأقصد بها العراق، ولبنان وإيران، والتي ربما تنضم لها دول أخرى مستقبلاً. وستتعرض تلك الدول لضغوط أمريكية متزايدة لضمان حرية التعبير ومكافحة الفساد ومراعاة حقوق الأنسان.

إضافةً لذلك فقد ركز بايدن في مقاله على أربع ملفات مهمة له في المنطقة هي: مكافحة الإرهاب، أمن إسرائيل، إيران، والعلاقة مع السعودية.

سيبقى القضاء على التنظيمات المتطرفة في قمة أولويات السياسة الخارجية الامريكية. ونظراً للعلاقة التي ستتحسن بين أوربا وأمريكا فيتوقع ألا يقل اهتمام إدارة بايدن بمحاربة القاعدة وداعش عن أسلافه، لكن وفق مقاربة عسكرية يعتقد بايدن أنها أكثر ذكاءً. “يجب إعادة معظم قواتنا من أفغانستان والشرق الأوسط وإعادة تعريف مهمتنا هناك وبشكل أضيق لتكون دحر القاعدة وداعش … إن بإمكاننا أن نكون أقوياء وأذكياء في ذات الوقت. هناك فرق كبير بين إرسال وحشد قوات عسكرية كبيرة ولمدى مفتوح وبين استخدام بضع مئات من القوات الخاصة والاستخبارات لدعم شركاءنا المحليين ضد عدونا المشترك”.

واضح من هذا النص أن بايدن لن ينشر أي قوات إضافية في المنطقة بل انه سيستمر في سياسة ترقيق القوات الأميركية التي بدأها سلفه. ولا تبدو سياسة بايدن مختلفة عن ترامب، فهو أيضا يميل الى الاحتفاظ بأعداد قليلة من القوات الخاصة وجهد استخباري أمريكي يمكنه أن يساعد الشركاء المحليين على محاربة التنظيمات المتطرفة.

أما في الملف الإسرائيلي، فأن بايدن مصنف تقليدياً بأنه واحد من أكثر الساسة الأمريكان تشدداً في الدفاع عما يعتقده أمن إسرائيل. لذا فقد شدد على ذلك بوضوح في مقاله حين قال “يجب التشديد على حماية أمن إسرائيل”. لذا فأن الفرح الذي أظهره كثير ممن يُسمَّون بأنصار (محور المقاومة) لا يبدو مبرراً إطلاقاً. ولا يبدو أن الإدارة الجديدة ستكون اقل حماساً تجاه إسرائيل من سلفها. لذا نجد أن نتنياهو وبرغم علاقته الممتازة مع ترامب كان من بين أوائل من هنئوا بايدن بفوزه. وان الأنباء الراشحة من حملة بايدن تشير الى عدم وجود نية لدى الإدارة الجديدة للعودة عن قرار نقل السفارة الامريكية الى القدس وهو القرار الذي كان يعتبره أنصار (محور المقاومة) أكبر دليل على انحياز إدارة ترامب لإسرائيل.

أما في الملف الإيراني فيبدو بايدن عازماً على إعادة الحياة للاتفاق النووي لوقف سعي إيران لامتلاك سلاح نووي وهو ما يعتقده أولوية قصوى لإدارته، حيث قال “وكرئيس للولايات المتحدة، سأجدد التزامنا بالحد من التسلح في عهد جديد. حيث كان الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما-بايدن قد منع إيران من الحصول على سلاح نووي. ومع ذلك، وبتهور شديد انسحب ترامب من الاتفاق، مما دفع إيران إلى إعادة تشغيل برنامجها النووي وأصبحت أكثر استفزازاً، مما زاد من خطر اندلاع حرب كارثية أخرى في المنطقة، … يجب أن تعود طهران إلى الامتثال الصارم للاتفاق “.

ومع ذلك يجب الانتباه الى أن استئناف المفاوضات سيكون مهمة صعبة مع إيران في عام 2021، فقد يطالب المفاوضون الإيرانيون قبل بدء المفاوضات برفع جميع العقوبات الأمريكية، حتى تلك التي لا علاقة لها ببرنامجها النووي والتي تتعلق بالإرهاب والفساد وحقوق الإنسان وقضايا أخرى. وقد تكافح إدارة بايدن للتعامل مع مثل هذا الطلب وذلك في ظل تأكيدها المستمر على حقوق الإنسان.

كما ستكافح إدارة بايدن أيضًا لإحداث أي تأثير على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو أنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وذلك على الرغم من الخطر الكبير الذي تشكله هذه التهديدات. وفى ظل بيئة عدم الثقة الذي تشوب العلاقات بين البلدين، سيتعين على الإدارة الجديدة التعامل مع كل هذه القضايا. وحتى لو أثمرت الجهود المبذولة عن التوصل لاتفاق مبدئي بين الطرفين إلا أن هناك عقبة كأداء متوقعة وهي إصرار الجانب الإيراني هذه المرة على أخذ ضمانات من إدارة بايدن بان الاتفاقية لن يتم إلغائها من قبل أي رئيس أمريكي قادم. وحتى لو وافقت إدارة بايدن على هذا الطلب فأن ذلك سيتطلب بالتأكيد موافقة الكونغرس الذي يسيطر فيه الجمهوريون على مجلس الشيوخ مما يجعل موافقتهم شبه مستحيلة.

الملف السعودي. يبدو واضحاً أن بايدن لديه مواقف سلبية مسبقة من السعودية تتمحور حول ملفي حقوق الإنسان والحرب في اليمن. فقد ذكر بايدن في احدى المقابلات أثناء حملته الانتخابية انه سيجعل السعودية تدفع ثمن اغتيالها الصحفي جمال خاشقجی، لذا اعتبرت خطيبة خاشقجی أن فوز بايدن هو هدية من السماء لتحقيق العدالة في مقتل خطيبها. كما أن بايدن انتقد في مقاله الحرب التي تقودها السعودية ضد اليمن وقال (ويجب أن نوقف دعمنا للسعودية في حربها في اليمن.

مع ذلك وبناءً على الواقعية التي يؤمن بها بايدن فأن من المثير رؤية ما إذا كانت إدارته ستضحي بتحالفها الممتد لقرن من الزمن مع السعودية فضلاً عن مصالحها الاقتصادية الهائلة من أجل الانتصار للمبادئ التي يؤمن بها بايدن!! هذا فضلاً عن الدور المحوري الذي تقوم به السعودية الآن في تطبيع العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل وبناء تحالف جدي ضد إيران. هذا الدور سيضع بالتأكيد كوابح مهمة على أي تفكير لاتباع سلوك أمريكي متشدد في مواجهة السعودية. ويبدو أن إدراك السعودية لعمق المصالح المتبادلة مع أميركا، ودورها المحوري في المنطقة هو الذي دفعها لتكون من بين المهنئين لبايدن على الرغم من علاقاتها المميزة مع ترامب، والتذكير في برقية التهنئة بالتحالف القائم بين البلدين لقرنٍ من الزمن.

ختاماً، وعلى الرغم من أن من المبكر إعطاء حكم نهائي على سياسة إدارة بايدن في العالم، لكنها وان كانت ستشهد تغييرات كبيرة في ملفات دولية أساسية، فأنها لن تشهد على الأرجح، تغييرات كبرى في الملفات الأساسية الثلاث في الشرق الأوسط (مكافحة الإرهاب، أمن إسرائيل والملف الإيراني). أما فيما يخص السعودية فيبدو أننا سنشهد مزيجاً من الواقعية السياسية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان عند التعامل مع هذا الملف.

الدكتور منقذ داغر هو مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعضو مجلس إدارة مؤسسة جالوب الدولية.

———————————-

السياسة الخارجية لإدارة بايدن .. المقاربة الفكرية والملامح الرئيسة

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مع حسم المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن، سباق انتخابات الرئاسة الأميركية، على الرغم من رفض المرشح الجمهوري، الرئيس دونالد ترامب، الاعتراف بالهزيمة حتى الآن، وتشكيكه في نتائجها، فإن “الرئيس المنتخب” سيجد نفسه يوم تنصيبه، في العشرين من كانون الثاني/ يناير 2021، أمام مهمة صعبة تتطلب إعادة بناء مكانة الولايات المتحدة واستعادة صدقيتها ونفوذها العالمي.

مقاربة بايدن للسياسة الخارجية وأولوياتها

قدّم بايدن الإطار العام لسياسته الخارجية في ورقة موسعة نشرها في مجلة فورين أفيرز في نيسان/ أبريل 2020، بعنوان: “لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى: إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب”. وبحسبه، فإن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تملك الإمكانات العسكرية والاقتصادية والمنظومة القيمية، فضلًا عن القدرة على حشد “العالم الحر”، لقيادة العالم. ولكن هذا يتطلب أولًا أن تستعيد صدقيتها ونفوذها بين خصومها وحلفائها على السواء. وتؤكّد مقاربة بايدن أن نهج ترامب الفوضوي وغير المنسجم في السياسة الخارجية، وفشله في دعم المبادئ الديمقراطية الأساسية حول العالم، قادا إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة، وقوّضا تحالفاتها الديمقراطية، وأضعفا قدرتها على الحشد لمواجهة هذه التحدّيات. واتهم ترامب بالتخلي عن الحلفاء وإظهار الضعف أمام الخصوم؛ ما أضرّ بقدرة الولايات المتحدة على مواجهة تحدّيات الأمن القومي إزاء كوريا الشمالية وإيران وسورية وأفغانستان وفنزويلا وغيرها. كما اتهمه بشن حروب تجارية غير حكيمة، ضد أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء، على نحوٍ أضرَّ بمصالح الشعب الأميركي. ويرى أيضًا أن التحدّيات التي تواجه الولايات المتحدة والعالم، من تغير المناخ والهجرة الجماعية إلى التهديدات السيبرانية والأمراض المعدية، أصبحت أكثر تعقيدًا وإلحاحًا، وسيكون على الرئيس القادم إنقاذ السمعة الأميركية، وإعادة بناء الثقة بقيادتها، لمواجهة التحدّيات الجديدة في أسرع وقت.

أما في سياق الدفاع عن المصالح الحيوية الأميركية، فعلى الرغم من أن بايدن يشدّد على أنه لن يتردّد في استخدام القوة العسكرية عند الضرورة لـ “حماية الشعب الأميركي”، فإن ذلك يجب أن يكون الملاذ الأخير، وليس الأول، “حيث تستخدم القوة للدفاع عن مصالحنا الحيوية فقط عندما يكون الهدف واضحًا وقابلًا للتحقيق، وبموافقة الشعب الأميركي”. وبناء على ذلك، يؤكّد أن إدارته ستوقف الدعم “للحرب التي تقودها السعودية في اليمن”، لأنها لا تقع ضمن أولويات الولايات المتحدة.

ويرى بايدن ضرورة إنهاء “الحروب الأبدية” في أفغانستان والشرق الأوسط التي كلفت الولايات المتحدة دماءً وأموالًا كثيرة، والتركيز بدل ذلك على مهماتٍ عسكريةٍ محدّدة، بأعداد قليلة من القوات الخاصة، وبتقديم معلومات استخباراتية ودعم لوجيستي لقوات حليفة للتصدّي لخطرَي تنيظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش). ويشدّد على أن الولايات المتحدة مطالبةٌ بأن تركز على مكافحة الإرهاب، ولكن المراوحة في صراعاتٍ لا يمكن كسبها يستنزف القدرة الأميركية على القيادة في قضايا أخرى تتطلب اهتمامها، ويمنعها من إعادة بناء أدوات القوة الأخرى. ويدعو إلى تعزيز الدبلوماسية بوصفها أداةً لقيادة الحلفاء، عبر مؤسسات دولية، وتحالفات، كحلف شمال الأطلسي (الناتو)، “وتعزيز التعاون مع الشركاء الديمقراطيين خارج أميركا الشمالية وأوروبا، والوصول إلى شركائنا في آسيا لتعزيز قدراتنا الجماعية ودمج أصدقائنا في أميركا اللاتينية وأفريقيا”. ويرى أن الولايات المتحدة تحت إدارته ستعود إلى ممارسة دورها بوصفها قوة رائدة في إرساء قواعد العلاقات الدولية، وصياغة الاتفاقات، وتنشيط المؤسسات التي تضبط العلاقات بين الدول وتعزز الأمن الجماعي والازدهار.

ملامح متوقعة

بناء على هذه المقاربة الفكرية، يتعهد بايدن بالعودة إلى الانخراط الفعال في الملفات الدولية المهمة، ولكن هذا يتطلب أولًا إصلاح العلاقة مع الحلفاء، وتحسين صورة الولايات المتحدة واستعادة “قوة النموذج” الذي تمثله. ومن ثمّ، ستعيد إدارته التشديد على أهمية حلف الناتو، ضمن مساعيها لاحتواء روسيا، مع الإصرار على ضرورة زياد أعضائه لإنفاقهم الدفاعي. كما ستعود واشنطن إلى الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية اللتين انسحبت منهما إدارة ترامب. وستتبع إدارته نمطًا مختلفًا من العلاقات مع الأنظمة التي تصفها واشنطن بالاستبدادية، وهذا يشمل دولًا، مثل مصر والسعودية، وسيكون هناك تركيز من جديد على حقوق الإنسان والحريات. ولكن من غير الواضح إلى أي مدىً سوف تذهب في هذا المجال، وكيف ستوازن بين النقد والضغط في هذه المجالات والعلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء؟ وهل ستكتفي بقلب سياسة ترامب، أم أنها ستستفيد أيضًا من أخطاء إدارة باراك أوباما؟ وسوف تعود الإدارة إلى التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ضمن المقاربة التقليدية الأميركية القائمة على حل الدولتين. وسيلغي بايدن أيضًا قرار حظر سفر مواطني دول إسلامية إلى أميركا الذي وقّعه ترامب.

هناك أربعة ملفات رئيسة قد تطرأ تغييرات تجاهها أيضًا في سياسة الولايات المتحدة:

القضية الفلسطينية

لا يُخفي بايدن انحيازه المطلق لصالح إسرائيل، وينصّ الجزء الخاص في برنامج سياسته الخارجية صراحة على “التزام صارم بأمن إسرائيل”. كما أن البرنامج الوطني للحزب الديمقراطي رفض وصف الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بـ “المحتلة”، على الرغم من أنه يتحدث عن حل الدولتين. ولكن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ستجد نفسها مع ذلك أمام مقاربةٍ مختلفةٍ عن التي اعتادت عليها في عهد ترامب. ويشمل ذلك العودة إلى السياسة التقليدية للولايات المتحدة التي تقوم على أن أي حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ينبغي أن يكون تفاوضيًا، ويقوم على معادلة “الأرض مقابل السلام”، وحل الدولتين.

وكانت إدارة ترامب عملت خلال السنوات الأربع الماضية على محاولة حسم قضايا الصراع المركزية، مثل القدس واللاجئين والسيادة والأرض والمستوطنات، لصالح إسرائيل، بفرضها أمرًا واقعًا من دون الحاجة إلى الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين. وعندما رفض الفلسطينيون، عاقبهم ترامب بقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ثمّ أوقف المساعدات الإنسانية عنهم، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعمل على تهميشهم في سياق اتفاقات تطبيع عربية – إسرائيلية، تحت عنوان “اتفاق أبراهام”.

لن يعمل بايدن على إعادة السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب، ولكنه سيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، لتعود إلى ممارسة دورها بوصفها قناةَ تواصل مع الفلسطينيين. كما أنه يعارض قرار ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية وبناء مستوطنات جديدة أو توسيع القائمة منها من دون اتفاق مع الفلسطينيين. وسيعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. وفي الوقت نفسه، ربما يشجع على استمرار تعزيز العلاقات وتوسيعها بين إسرائيل ودول عربية قبل حل القضية الفلسطينية، ولكن ليس بحماس ترامب، ومن دون محاولة ابتزازها للقيام بذلك، كما حصل مع السودان، حيث كان التطبيع مع إسرائيل شرطًا لرفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء العقوبات المفروضة عليه. وفي كل الأحوال، لن يكون حل القضية الفلسطينية أولويةً بالنسبة إلى إدارة بايدن، خصوصًا في ظل تحدّيات كبرى تواجهها الولايات المتحدة الآن.

إيران

يؤكد بايدن أن إدارته مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إذا التزمت الأخيرة ببنوده وشروطه. لكنه يشدّد أيضًا على أنها ستبقى تتصدّى لأنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة على نحو أكبر. ويرى أن هناك طريقة ذكية لمواجهة التهديد الذي تشكّله إيران للمصالح الأميركية، وأخرى تقود إلى هزيمة ذاتية. وعلى الرغم من أنه يعتبر قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق، الذي صفّته إدارة ترامب مطلع عام 2020، شخصًا خطيرًا، فإنه يقول إن ذلك عزّز من إصرار إيران على الإفلات من القيود الصارمة التي فرضها الاتفاق النووي عليها. وقد تكون أمام بايدن فرصة للتوصل إلى اتفاقٍ جديد مع إيران، مستفيدًا من الأوضاع الصعبة التي تعانيها طهران، بسبب العقوبات القاسية التي فرضتها عليها إدارة ترامب، لكن هذا لن يكون سهلًا، بسبب الضعف الشديد الذي اكتنف أنصار الاتفاق في إيران، بسبب الفشل في تحقيق ثمار مهمة منه، وانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، وتوقّع فوز المحافظين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرّرة في حزيران/ يونيو 2021.

الصين

تمثل العلاقة مع الصين المعضلة الاستراتيجية الأبرز لأي إدارة أميركية؛ فالصين هي المنافس الجيوسياسي للولايات المتحدة اقتصاديًا وتكنولوجيًا، وهي تهدّد الهيمنة الأميركية عالميًا، وتعزّز سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، وتستمر في بناء قوتها العسكرية، وتمدّ نفوذها في شرق آسيا وفي مناطق أخرى كثيرة من العالم. وتحت إدارة ترامب، تدهورت العلاقات بين الدولتين إلى أدنى درجاتها، ويرى بعضهم أنها دخلت مرحلة حرب باردة جديدة، خصوصًا في ظل الخلافات المتصاعدة حول التجارة والتعريفات الجمركية وقرصنة التكنولوجيا الأميركية وهونغ كونغ وتايوان ووضع المسلمين الإيغور، فضلًا عن اتهام ترامب بكين بالمسؤولية عن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19). ولكن سجالات ترامب لم تضعف الصين، بل ربما عزّزت موقفها مع تخلي إدارة ترامب عن الدعم المطلق للحلفاء في شرق آسيا، و”الغزل” مع زعيم كوريا الشمالية، كما أن الميزان التجاري مع الصين لم يتغير على الرغم من كثرة الكلام.

لا ينكر بايدن وجود تحدّيات كبرى في العلاقة مع الصين، إلا أنه يرى أن إدارة ترامب أدارتها بطريقة متهورة؛ ذلك أنها عزلت نفسها عن حلفائها وشركائها الأقرب، مثل كندا والاتحاد الأوروبي، عبر شنّ حروبٍ تجارية معهم، تمامًا كما فعلت مع الصين، على نحو أضعف القدرة الأميركية على التصدّي للصين واحتوائها. ويشدّد بايدن على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون صارمةً مع الصين، ولكن الطريقة الأنجع لفعل ذلك تكون عبر استراتيجية “العصا والجزرة”، وبناء جبهة موحدة من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، في الوقت ذاته الذي يتم فيه السعي إلى التعاون مع بكين في القضايا التي تتلاقى فيها المصالح، مثل تغير المناخ، وعدم انتشار الأسلحة النووية، كما في كوريا الشمالية وإيران، والأمن الصحي العالمي. وتقوم مقاربة بايدن على أن الولايات المتحدة بمفردها تمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعندما تتحد القوة الاقتصادية الأميركية مع القوة الاقتصادية للديمقراطيات الغربية والآسيوية الأخرى، كاليابان وكوريا الجنوبية، فإن الصين لن يكون في مقدورها تجاهل أكثر من نصف الاقتصاد العالمي.

روسيا

لطالما أكد بايدن أنه سيتخذ موقفًا أكثر تشدّدًا مع روسيا من ترامب الذي كان معجبًا بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وداوم على التشكيك في المعلومات الاستخباراتية الأميركية حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وكانت إدارة أوباما التي كان بايدن نائبًا للرئيس فيها قد فرضت عقوباتٍ قاسية على موسكو بسبب ضمّها شبه جزيرة القرم عام 2014. ويشدّد بايدن على ضرورة “فرض تكلفة حقيقية على روسيا بسبب انتهاكاتها للمعايير الدولية، ودعم المجتمع المدني الروسي، الذي وقف بشجاعة مرارًا وتكرارًا ضد نظام الرئيس بوتين”. كما يرى أن تعزيز القدرات العسكرية لحلف الناتو سيكون ضروريًا لمواجهة “العدوان الروسي”. وعلى الرغم من توقّع مراقبين عديدن تصاعد التوتر بين واشنطن وموسكو في ظل إدارة بايدن، فإن الحد من التسلح النووي قد يكون أحد المجالات للتعاون بين الطرفين؛ ذلك أن معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية “ستارت” START الموقعة عام 2010 تنتهي في شباط/ فبراير 2021.

ويرى بايدن أن هذه المعاهدة “ركيزة للاستقرار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا”. ولذلك، لا عودة إلى الحرب الباردة، ولكن إلى سياسةٍ أكثر تشدّدًا مع روسيا وذات التزام أكبر بأمن الحلفاء.

خاتمة

لن يكون هدف بايدن المعلن في استعادة المكانة والموثوقية الأميركية بين حلفائها مهمةً سهلة، فالانقسامات الدولية عميقة، كما أن شكوك حلفاء الولايات المتحدة في نظام دولي يتمركز حولها تتزايد. ويرى كثيرون في أوروبا أن مردود علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين لا تقل أهمية عن تلك مع الولايات المتحدة. والواقع أنه لا يمكن تصوّر وضع تستطيع فيه واشنطن اليوم احتواء قوتين كبيرتين، مثل روسيا والصين، وحدها، خصوصًا في ظل التردّد الأوروبي. والأهم من ذلك كله حجم الضرر الذي ألحقه ترامب بسمعة الولايات المتحدة وصدقيتها، باعتبارها أهم ديمقراطيات العالم وأعرقها، وذلك الشرخ العميق في المجتمع الأميركي ومؤسساته السياسية الذي أبانت عنه الانتخابات الرئاسية الحالية.

العربي الجديد

—————————–

المخاطر والآفاق بعد سقوط ترامب/ مصطفى البرغوثي

أحدث سقوط دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية شعوراً عالمياً ومحلياً بالارتياح، فما من رئيس في العصر الحديث أثار هذا القدر من الاستفزاز، وتبنّى سياسات عنصرية، وتطاول على القانون الدولي، وأشاع استقطابات حادّة في المجتمعين، الأميركي والدولي، مثلما فعل ترامب. وما من رئيس في العالم أساء للقضية الفلسطينية، وجعل من إدارته غلافاً وحاضنة لأسوأ مخططات اليمين العنصري الإسرائيلي المتطرّف لتصفية الحقوق الفلسطينية، كما فعل في “صفقة القرن”. ولكن ذهاب ترامب ونجاح منافسه جو بايدن لن يعنيا اختفاء الصفقة ومخاطرها على القضية الفلسطينية، لأن صاحبها الحقيقي هو نتنياهو والحركة الصهيونية العنصرية. وقد بدأ نتنياهو وأنصاره محاولة إدخال أفكار “صفقة القرن” وأهدافها إلى الإدارة الديمقراطية الجديدة، كضم المستعمرات الاستيطانية تحت عنوان “تبادل الأراضي”.

وإذا كانت إدارة بايدن، كما أعلنت نائبته كاميلا هاريس، ستعيد في واشنطن فتح ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية التي أغلقها ترامب، وستعيد تمويل السلطة الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فذلك لا يمثل تغييراً جوهرياً، بقدر ما هو عودة إلى ما كان قائماً قبل عصر ترامب من تحالف استراتيجي مع إسرائيل وانحياز كامل لها، بدليل أن بايدن أعلن أنه لن يخرج السفارة الأميركية من القدس، وقد تكرّرت تصريحاته (ونائبته) المؤكدة على دعم إسرائيل وعمليات التطبيع معها، من دون أن نسمع موقفاً صارماً تجاه الاستعمار الاستيطاني المتواصل، والذي يمثل ضماً تدريجياً للأراضي المحتلة وإسفينا ينسف إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. وليس مستبعداً أن يُطالب الفلسطينيون منهما مقابل العودة إلى الماضي بتنازلات جديدة، من منطلق الواقعية، والمرونة، والحاجة لتقبل ما أحدثته إسرائيل من تغييرات على أرض الواقع.

هناك أربعة مخاطر، قد تحملها الفترة المقبلة: أن تتعرّض السلطة الفلسطينية لضغوط لإعادتها إلى دائرة المفاوضات الطويلة بلا نتائج، أي إعادة العربة إلى دائرة عملية السلام بديلا للسلام، وأن تصبح المفاوضات بحد ذاتها هدفاً بديلاً لإنهاء الاحتلال وللحل. أن يستمر الاستيطان خلال المفاوضات من دون رادع سوى بيانات وإدانات لا تسمن ولا تغني من جوع، ما يعني السماح بتواصل عملية ضم تدريجي للأراضي الفلسطينية المحتلة في عهد بايدن بديلا عن الضم الفوري في عهد ترامب. أن تُمارس الضغوط لتعطيل عملية المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، وجعلها تذبل، بعد أن تباطأت خطواتها مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية. تواصل محاولات إسرائيلية ودولية لإلغاء الصفة السياسية والوطنية للحقوق الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد قضية اقتصادية، وإنسانية، أي مصادرة حق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير، واستبدالها بمجرد تحسين لأحوال المعيشة.

وهذه المخاطر الأربعة هي في الواقع الوجه الآخر “لصفقة القرن”. ولذلك لا بد من وضع الإدارة الأميركية ومختلف الدول أمام التحديات التي لا يمكن شطبها، أي المطالبة بموقف واضح يرفض مبدأ الضم المخالف للقانون الدولي، بما في ذلك موقف صريح برفض ضم القدس والجولان المحتل، وأي جزءٍ من الأراضي المحتلة. والمطالبة بموقفٍ لا يكتفي بمعارضة الاستيطان الاستعماري ، بل يمارس ضغوطاً، تملك الإدارة الأميركية والدول الأوروبية الكثير من أدواتها إن أرادت، لوقف الاستيطان بالكامل، فلا معنى للمفاوضات وعملية السلام مع استمرار الاستيطان، لأن المفاوضات، في هذه الحالة، كما جرى طوال الثلاثين عاماً الماضية، ستصبح غطاءً للاستيطان ولعملية تدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. ولا بد من مطالبة المجتمع الدولي، بما في ذلك الإدارة الأميركية، بتأييد حق الفلسطينيين في الوحدة الوطنية، وإجراء انتخاباتٍ ديمقراطية حرّة، وقبول نتائجها، حتى لا نعود إلى محاولات فرض الشروط والإملاءات الإسرائيلية بغلاف أميركي أو دولي.

لا حظ لأي مفاوضات، ما دام ميزان القوى مختلا لغير صالح الفلسطينيين. ولذلك، تقتضي الحكمة أن يتعمق الفهم الفلسطيني بأن المراهنة يجب ألا تكون على بايدن، أو غيره من حكام العالم، بل على ما يستطيع الشعب الفلسطيني أن يفعله بنضاله وكفاحه، وتحالفاته مع قوى الحرية والتغيير في العالم، لتغيير ميزان القوى. ولن يلتفت العالم إلى القضية الفلسطينية، ما لم تتصاعد المقاومة الشعبية الموحدة، وما لم ير العالم قيادة موحدة واستراتيجية موحدة للفلسطينيين.

القوى التقدمية في الحزب الديمقراطي، برئاسة ساندرز وأعضاء الكونغرس ككورتيز وإلهان عمر ورشيدة طليب، كانت من أهم القوى التي ساهمت في إسقاط ترامب، بالإضافة إلى شباب الحزب الذين تظهر استطلاعات الرأي أن 40% منهم أميل إلى تأييد الفلسطينيين، وحركة السود ذوي الأصل الأفريقي والحركات الاجتماعية النسائية والشبابية، والمهاجرين اللاتينيين والمسلمين، وتمثل كل هذه القوى حليفاً محتملاً ومهماً للفلسطينيين، إن تم توسيع الجهود للتواصل معهم، لإيجاد قوة ضغط داخلية في الولايات المتحدة في مواجهة اللوبي الصهيوني. كما أن الأغلبية الديمقراطية الصغيرة في مجلس النواب الأميركي تجبر صانعي السياسة في الحزب الديمقراطي على احترام آراء الجناح التقدّمي فيه.

باختصار، لن يكون طريق الشعب الفلسطيني إلى الخلاص في العودة إلى الماضي والمراهنة على المفاوضات، بل في التقدّم إلى الأمام بتصعيد الكفاح الفلسطيني الموحد، وتطوير تحالفات مع كل قوى التقدّم في العالم، والتمسك بصلابة ومبدئية بالحقوق الوطنية الفلسطينية في الحرية الكاملة.

العربي الجديد

——————

بايدن والشرق الأوسط .. لا تتفاءلوا كثيراً/ خليل العناني

تسود حالة من التفاؤل في الشارع العربي، منذ الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، الأسبوع الماضي. وهو تفاؤل، وإن كان له ما يبرّره، خصوصاً في ظل ما شهدته وعايشته المنطقة العربية من كوارث ومآسٍ سياسية في السنوات الأربع الماضية التي حكم فيها دونالد ترامب أميركا، إلا أن ثمّة إفراطاً فيه، على الأقل لدى بعضهم، بأن المنطقة سوف تشهد تغيراً جذرياً يقطع فيه بايدن مع إرث ترامب الثقيل. ولذلك، من المهم تفكيك الملفات المختلفة المتوقع أن يشتبك معها بايدن في السنوات الأربع المقبلة، من أجل معرفة ما إذا كنا سنشهد بالفعل قطيعة مع إرث ترامب أم لا.

قبل ذلك، تجب الإشارة إلى أن من غير المتوقع أن تحتل المنطقة العربية أهمية كبيرة في توجهات السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن بوجه عام. ومردّ هذا الأمر إلى أسباب عديدة، يتعلق بعضها برؤية بايدن، والتي لا تختلف كثيراً عن رؤية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، للساحة العالمية، ولمساحات الصراع الدولي وملفاته، والتي تعطي آسيا والمحيط الهادئ أولوية على كل ما عداها. ومنها أيضاً ما يتعلق بالمسألة الصينية التي باتت تمثل ملفاً مهماً على طاولة أية إدارة أميركية، جمهورية كانت أو ديمقراطية، فالصعود الصيني المخيف يمثل تهديداً أمنياً وجيواستراتيجياً لأميركا، وذلك بشهادة كل أجهزة الاستخبارات الأميركية عن هذا الخطر منذ أكثر من عقد. وهو ما جعل أوباما، ومعه أيضاً وزيرة خارجيته في فترته الرئاسية الأولى هيلاري كلينتون، يغيّرون بوصلة السياسة الخارجية الأميركية طوال سنوات حكم أوباما نحو الصين ومنطقة المحيط الهادئ، باعتبارها منطقة صراع ونفوذ بين البلدين. لذا لن يختلف جو بايدن كثيراً عنهما، وستظلّ الصين قضية ذات أولوية ملّحة على سلم أولوياته خارجياً. ويزداد الأمر إلحاحاً بعدما فعله ترامب مع الصين طوال السنوات الأربع الماضية، وقدرته على وضع حد لما يراه المواطن الأميركي العادي زحفاً صينياً وهيمنة على الأسواق العالمية بشكل يأتي على حساب أميركا. وسوف يقارن هذا المواطن بين أداء بايدن وسلوكه مع الصين بما فعله ترامب معها، والذي يراه بعضهم قد حقق انتصاراً تاريخياً عليها، من خلال فرض الجمارك والرسوم على صادراتها إلى أميركا. وتكاد المسألة الصينية تكون من المسائل التي عليها إجماع بين الأميركيين على اختلاف توجهاتهم، من حيث أهميتها وخطورتها، وإن كان هناك اختلاف في كيفية مقاربتها والتعاطي معها، فبينما يستخدم الجمهوريون، خصوصاً مع ترامب، أسلوب المواجهة من خلال استراتيجية “الضغط الأقصى”، يفضّل الديمقراطيون الحوار والتعاون مع بكين.

وبالعودة إلى المنطقة العربية، الملفات الثلاثة التي قد تسيطر على أجندة بايدن: العلاقة مع إيران، العلاقة مع إسرائيل، العلاقة مع الأنظمة السلطوية العربية، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات. بالنسبة للملف الأول، ربما نشهد تحولاً مهماً في السياسة الأميركية تجاه إيران، خصوصاً ما يتعلق بمسألة العقوبات التي فرضها ترامب طوال السنوات الماضية، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التضييق والضغط على طهران بعد الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني قبل عامين ونصف، فمن المتوقع أن يعيد بايدن الولايات المتحدة إلى الاتفاق، ولكن مع فرض شروط جديدة، لضمان عدم تخصيب إيران اليورانيوم خلال العامين الأخيرين، وذلك مقابل رفع العقوبات عنها ولو جزئياً. وهذا بالطبع ما لم توجّه إدارة ترامب، بالتحالف مع إسرائيل والسعودية والإمارات، ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض خلال الشهرين المقبلين، على نحو ما يتردد حالياً في وسائل الإعلام المختلفة.

وفيما يخص ملف العلاقة مع إسرائيل، خصوصاً مسألة حل الدولتين والتطبيع مع الدول العربية. من غير المتوقع أن يكون هناك دور أميركي حاسم أو مختلف في المسألتين، فعلى الرغم من تبني بايدن مسألة حل الدولتين ورفضه المحاولات الإسرائيلية فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، خصوصاً ما يتعلق بالضفة الغربية، إلا أنه من غير المتوقع أن يتخذ بايدن إجراءات فعليه تردع إسرائيل أو تمنعها من تنفيذ خطتها بضم أجزاء من الضفة الغربية التي توقفت قبل شهور نتيجة محاولة إسرائيل الاستفادة منها في تبرير التطبيع مع الدول العربية. وفيما يخص المسألة الأخيرة، ربما يتراجع الضغط الأميركي على مزيد من البلدان العربية كي تقوم بالتطبيع مع إسرائيل، على نحو ما فعلت إدارة ترامب مع البحرين والسودان، لكن هذا لا يعني أن إدارة بايدن سوف تعرقل مثل هذا التطبيع إن حدث. بالعكس، فقد رحب بايدن قبل شهرين بتطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل. ومن نافلة القول إن مسألة أمن إسرائيل وتفوقها النوعي هي محل اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولا يمكن لأحد أن يتصور أن هذا سيتغيّر تحت إدارة بايدن.

وفيما يخص ملف العلاقة مع السلطويات العربية، خصوصاً ما يرتبط بمسألة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية. على الرغم من أن بايدن قد لا يدعم انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات، إلا أنه أيضاً من غير المتوقع أن يمارس ضغوطاً كبيرة عليها إذا ما استمرت هذه الانتهاكات، فلا يتوقع مثلاً أن تقطع إدارة بايدن المعونة العسكرية عن مصر، أو أن توقف مبيعات السلاح للسعودية أو الإمارات، اعتراضاً على حرب اليمن، أو لسجّلهما المزري في مسألة حقوق الإنسان، وذلك على الرغم من تعهد بايدن بذلك في أثناء الحملة الانتخابية. ربما تخرج بيانات وإدانات من وقت إلى آخر، ولكن من الصعب أن تترجم في شكل سياسات وأفعال حقيقية. صحيحٌ أن بايدن لن يعتبر شخصاً مثل السيسي “ديكتاتوره المفضّل”، على غرار ما يفعل ترامب، ولكن الصحيح أيضاً أنه لن يقطع العلاقة معه، أو يعاقبه، بشكل جدّي، على انتهاكاته الفاضحة لحقوق الإنسان في مصر.

لذا، ربما على المتفائلين في العالم العربي أن يحذروا من المبالغة في تفاؤلهم من إدارة بايدن، وما يمكن أن تقوم به في المنطقة. فإذا كان صحيحاً أن عدد الأشرار في العالم سوف ينقص بسبب رحيل ترامب عن السلطة في الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الأخيار سوف يزدادون مع وصول بايدن إلى السلطة.

العربي الجديد

—————————-

كي لا يفاجئنا بايدن في سوريا/ سمير صالحة

لا توجد سياسة معلنة وواضحة من قبل جو بايدن الرئيس الأميركي الجديد تجاه سوريا. المعلومات تجمع من تصريحات ومواقف صادرة عن بايدن أو عن فريق عمله في الأعوام الأخيرة حول الملف. لا حديث عن روسيا وإيران وسياستهما هناك وكيف سيتم التعامل معهما. الانتقادات في غالبيتها هي لتركيا ومواقفها حيال “قسد” حلفاء واشنطن في شرق الفرات وشركاء المواجهة مع داعش.

السوريون ينتظرون من بايدن وفريق عمله خطوات سريعة جريئة وحاسمة في التعامل مع الملف السوري وضرورة الإطاحة بالنظام فهل يعطيهم ذلك؟

بايدن قد يطالب بمنحه بعض الوقت للإعلان عن سياسته السورية لكننا لا نعرف ممن سيطلب ذلك؟ من الروس والإيرانيين والأتراك؟ أم من حلفائه المحليين والإقليميين؟ أم من قبل ناخبيه الذين تختلف أولوياتهم تماما عن أولويات الشعب السوري؟ موسكو وأنقرة لن ينتظراه مطولا خصوصا إذا ما كانت المؤشرات الأولى حول طريقة تشكيل فريقه الذي سيتابع الشأن السوري غير مشجعة والأرجح أن هذا ما سيجري.

وعد بايدن الشعب الأميركي باسترداد المبادرة من روسيا والصين واستلام دفة القيادة في سفينة الإبحار بالعالم نحو المزيد من الحريات والديمقراطية والمساواة والعدالة. البداية لن تكون من سوريا حتما فهناك أولويات أخرى أهم تنتظر في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية. الرهان إذا على مفاجأة سياسية عسكرية كبيرة يقودها بايدن في التعامل مع الملف السوري قد تحمل معها خيبة أمل أكبر بعد شهرين عندما يتسلم مهامه في البيت الأبيض.

توني بلينكن أقرب اعوان بايدن والمرشح الأقوى لمنصب مستشار الأمن القومي الجديد أوجز لنا خطط ومشاريع الدبلوماسية الأميركية في سوريا: أميركا حاليًا ضعيفة في سوريا وليس لها الوجود المطلوب. بايدن سيحتفظ بوجود عسكري أميركي شمال شرقي سوريا لدعم مشاريع قسد ولتأمين حقول النفط وللضغط على النظام في دمشق كي لا يذهب بعيدا وراء المغامرات الروسية والإيرانية. إحياء مفاوضات جنيف لن تحدث إلا إذا زادت الولايات المتحدة النفوذ على الأرض. بلينكن مع بقاء القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا. يريد معاقبة الأسد طبعا لكنه قد يساوم على “قانون قيصر” إذا ما وجد تعاونا من قبل النظام في تجاهل حراك قسد نحو بناء الكيان الكردي والتخلي عن علاقته بطهران في سوريا.

في العلن بايدن هو ديمقراطي. وعادي جدا أن يتحرك باتجاه الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ومواجهة التنظيمات المتشددة وتسهيل بناء سوريا الجديدة. لكن ما لم يقله بلينكن أن بايدن هو من قاد مشروع التفتيت في العراق عام 2003 وهو من اقترح عام 2006 دولة كردية على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا وأن يكون الحسم في سوريا عسكريا وليس سياسيا.

كامالا هاريس التي ستكون في منصب نائب الرئيس انتقدت إدارة ترامب بعد سماحها لتركيا شن عملية “نبع السلام” ضد “قسد”. وهي التي دعمت الضربة الأميركية ضد النظام في الشعيرات ردا على

استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. لكنها تعرف تماما أن بايدن لن يذهب وراء خطط الإطاحة بنظام الأسد بالقوة، وسيعمل باتجاه إجباره سلميا على الانتقال السياسي. جو بايدن، لم يكن من المؤيدين في إدارة أوباما لفكرة تزويد فصائل المعارضة السورية بالأسلحة، لكنه كان بين الداعمين لإرسال السلاح والعتاد إلى مجموعات قسد تحت ذريعة محاربة مجموعات داعش.

أولويات بايدن في سوريا هي حتما غير أولويات فصائل المعارضة السورية. هذا ما حدث مع باراك أوباما ثم مع دونالد ترامب فلماذا يأخذ شكلا مغايرا جديدا مع جو بايدن؟

الحليف المحلي هو قسد في شرق الفرات والهدف هو توفير الحماية اللازمة لمشروعه في سوريا الجديدة. الحليف الإقليمي هو إسرائيل وضرورة الأخذ بمصالحها في جنوب سوريا بعين الاعتبار. بين الأهداف أيضا المساومة مع طهران التي تنتظر “الفرج النووي” بعدما حاصرها ترامب في الزاوية الإقليمية. تنازلات تقدمها إيران في سوريا والعراق ولبنان وعدم الاقتراب من الشركاء الخليجيين مقابل تخلي واشنطن عن العقوبات والمحاصرة وتضييق الخناق على سياساتها ومصالحها. ثم ترك الأمور على ما هي عليه في سوريا وتبني بايدن بالتالي لشعار “الأسد أو نحرق البلد”. طالما أن استمرار الأزمة في صلب المصلحة الأميركية الإسرائيلية المدعومة من قبل بعض العواصم العربية والأوروبية والهادفة لاستنزاف ثلاثي الأستانا هناك.

تقارير كثيرة لا تتوقع أن تبدل واشنطن من نهجها تجاه سوريا. الذي قد يتغير هو طريقة لعب الإدارة الأميركية الجديدة للملف وسبل تجييره لصالح تحالفات وإعادة تموضع جديد في التعامل مع مسائل إقليمية. إطالة عمر نظام الأسد في السلطة بين الخيارات المتوقعة التي قد يطرحها فريق عمل بايدن على إيران وروسيا إرضاء لحلفاء محليين وإقليميين بانتظار انحسار الخلافات حول ملفات تقلق شركاء أميركا وتعزز موقع إسرائيل ونفوذها في المنطقة مثل: إنجاز المزيد من خطوات التطبيع العربي الإسرائيلي، تفاهمات ترسيم الحدود البحرية بين كل من إسرائيل ولبنان وسوريا وإضعاف النفوذ التركي في المنطقة. العقبة الأهم التي يريد بايدن التعامل معها سريعا قد تكون إضعاف النفوذ التركي في شمال شرقي سوريا فمع من وكيف سيفعل ذلك؟

بطريقة أخرى خيارات بايدن قد تكون العمل على تعقيد الملف السوري أكثر فأكثر والحؤول دون حدوث التفاهمات إذا ما شعر أن الأمور ستكون على حساب واشنطن وحلفائها المحليين والإقليميين في المنطقة. متى وأين سيفعل الرئيس الأميركي ذلك؟ عندما يتأكد من حدوث التفاهمات الروسية التركية حول ضرورة تسريع عملية الحل السياسي في سوريا لقطع الطريق على الاختراقات الأميركية المحتملة باتجاه تشبيك الأمور في سوريا. نجاح موسكو وأنقرة في قره باغ قد يتحول إلى سلسلة تفاهمات أوسع في قرقزستان وجنوب القوقاز وأوكرانيا وشرق المتوسط. سوريا قد تكون مجددا على الطاولة الثنائية وهي المادة التي ستقلق بايدن أكثر من غيرها كونها حجر عثرة أمام منظومة التحالفات الجديدة التي قد يريد تأسيسها على حساب النفوذ الروسي والتركي الإقليمي.

بايدن يميل إلى إبقاء القوات الأميركية حتى بعد القضاء على داعش وفلولها لأن الهدف الحقيقي هو توفير الحماية لنشاطات وانتشار وتمدد نفوذ قسد في شرق الفرات وتسهيل ولادة الكيان الكردي وإعلانه في اللحظة المناسبة. الإدارة الأميركية الجديدة ستسعى للعب دور أكبر باتجاه تأمين الغطاء السياسي والقانوني والدبلوماسي للدويلة الكردية في سوريا والتفاوض على تثبيت ذلك في دستور سوريا الجديد، وهي ستذهب باكرا وراء توفير التعبئة والشحن السياسي الإقليمي والدولي لهذا المشروع. الأرضية اليوم قد لا تكون مؤهلة لذلك المطلوب إذا افتعال أزمة أكبر في سوريا عبر اشعال جبهات عسكرية جديدة بين النظام وقسد أو بين الأكراد والعرب لتكريس الخرائط وتثبيتها جغرافيا. الذي سيساعد بايدن على تحقيق ذلك هو إسرائيل وحلفائها الجدد في العالم العربي.

المواجهة المرتقبة ستكون بين اصطفافين جديدين في المشهد السوري في إطار معادلات وتوازنات محلية وإقليمية جديدة تحمل العديد من المفاجئات. الكثير من حلفاء بايدن الإقليميين يطالبون بعدم انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات وزيادة الدعم المقدم لقسد ويجاهرون في وقوفهم إلى جانب مخطط تقسيم سوريا. ما يقال يتطابق مع ما يريده بايدن وهو سيفعل ذلك تحت عنوان إرضاء الحلفاء والأصدقاء أيضا.

بقي التذكير بأن مشكلة بايدن الحقيقية في تنفيذ مثل هذا المخطط هي تمدد النفوذين التركي والروسي في سوريا وأن عليه الاستعداد لمفاجآت من قبل الشريكين الجديدين في أكثر من ملف إقليمي إذا ما حاول عرقلة ما تم إنجازه في سوريا حتى الآن والاقتراب من أحجار الدومينو التي شيدت هناك بحساسية بالغة. أما أن يقبل بايدن بأن يكون شريكا في اللعبة التي حددت معالمها بعلم ترامب وقبوله الضمني أو أن يقبل تحمل ارتدادات ما قد يجري في سوريا على حساب أميركا ونفوذها.

قال معاون وزير خارجية النظام في سوريا أيمن سوسان، إن دمشق تستعد هي الأخرى لبايدن المطلوب منه أن يتعلم من أخطاء أسلافه. ما هو موقف قوى المعارضة السورية وكيف تستعد هي الأخرى لبايدن رئيسا، هل ستكتفي بما قاله لها وهو مرشحا؟

تلفزيون سوريا

—————————–

ما سيرثه بايدن من ترامب مفيد للسياسة الخارجية الأميركية/ راغدة درغام

يكاد يُجمِع العالم على أن لا مجال لاحتفاظ الرئيس دونالد ترامب بالبيت الأبيض لولاية ثانية، إنما هذا لا يُطبَّق على جزء كبير من الـ71 مليون شخصاً انتخبه أو على ترامب نفسه، وبالتالي الأرجح ألاّ تنتهي رئاسته الفعلية قبل 20 كانون الثاني (يناير) المقبل سوى بقدرٍ لا يُستهان به من المفاجآت. لذلك عادت القيادات العالمية الى طاولة الحسابات لتقدِّر كلفة مواقفها ولتقرأ بين سطور ما قد تتخذه إدارة ترامب من إجراءات قد تُكبّل إدارة الرئيس المفترض جو بايدن، وفي طليعتها إيران.

الصين تتأهّب لنقلةٍ ليست بالضرورة نوعية. روسيا تراقب بحذرٍ وهي تقلق مما قد تفعله إدارة بايدن أكثر من قلقها من مفاجآت إدارة ترامب. أوروبا تلبس ثوب العيد احتفاءً ببايدن لكنها ترتجف بإزاء مجرّد التفكير، إما بإجراءات ترامب قبل تسليمه البيت الأبيض أو بعقابه لها إذا بقي رئيساً. الدول العربية منقسمة الى معسكرٍ يحتفي بالتخلّص من ترامب ومعسكرٍ آخر يخشى عودة فريق الرئيس الأسبق باراك أوباما الى صُنع السياسة الخارجية الأميركية المتراخية مع إيران والمتشدّدة مع الدول الخليجية العربية. أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن الجناح المتشدّد فيها يتخبّط بين تجنّب الاستفزاز خوفاً من إجراءات إضافية انتقامية يخشى أن تشمل عملية عسكرية ضد مواقع أميركية، وبين عدم التحرّك بإزاء وضوح عزم إدارة ترامب على تقييد أيادي إدارة بايدن بعقوبات كي يكون مشوار العودة الى الاتفاقية النووية JCPOA مكبّلاً بالعراقيل والشروط التعجيزية.

كل المؤشّرات تفيد بأن إدارة ترامب ستصعّد العقوبات على إيران وحلفائها وأدواتها ليس في الملف النووي وإنما في ملفات الصواريخ، ودعم الإرهاب، والتسلّح، والاضطهاد الداخلي. والسبب هو أن في وسع إدارة بايدن إلغاء العقوبات إذا ارتبطت بالملف النووي عندما يعيد إحياء الاتفاقية النووية. أما العقوبات الأخرى، لا سيما تلك التي دعمها الكونغرس وأصدر تشريعات نحوها، فإنها تُكبّل أيادي بايدن وتجعل شبه مستحيل له استئناف العلاقات الأميركية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما كانت عليه في زمن إدارة أوباما.

زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وقبلها زيارة المبعوث الأميركي المكلّف ملفَّي إيران وفنزويلا اليوت أبراهامز الى منطقة الشرق الأوسط ليست بعيدة من هذه الأجواء. الهدف الرئيسي هو استكشاف مدى جاهزية الدول المعنية لهضم أولاً، المزيد من العقوبات على إيران، وثانياً، توجيه إدارة ترامب ضربة عسكرية على مواقع إيرانية قبل تسليمها السلطة الى بايدن – إذا سلّمتها. ففي رأي إدارة ترامب، أن الوقت ما زال يُتيح لها شن مثل هذه العملية. وهي ترى أن هناك حاجة الى إجراءات استباقية لمشروع بايدن بالعودة الى الأحضان الإيرانية، بحسب رأيها. إسرائيل مهمّة جداً في هذا المسعى، وكذلك دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط قد تتأثّر جذرياً بإعادة عقارب العلاقات الأميركية – الإيرانية الى ما كانت عليه في عهد أوباما – بايدن. لذلك فإن زيارة بومبيو تشمل الى جانب فرنسا وجورجيا كلاً من إسرائيل وتركيا والإمارات والسعودية وقطر. هدفها بالدرجة الأولى هو احتواء أي شغفٍ لدى فريق بايدن للقفز بابتهاج الى إحياء الاتفاقية النووية.

إنما ليس مؤكداً أن فريق بايدن جاهز للقفز العشوائي الى إعادة تبنّي الاتفاقية النووية، بالرغم من المؤشرات التي بعثها بعضه الى طهران بأن هناك استعداداً للقاءات واتصالات بين إدارة بايدن والحكومة الإيرانية – مع عدم وضوح أي شطر منها: معسكر الحكومة المدنية برئاسة حسن روحاني أو العسكرية منها التي تتولّى السياسة الخارجية الإقليمية والتي يمثلها “الحرس الثوري” الإيراني. ذلك أن كلام فريق بايدن عن “الامتثال” الإيراني يزداد، وما قاله طوني بلينكن، نائب وزير الخارجية السابق في عهد أوباما، حول استخدام اتفاقية JCPOA “كمنصة، سويّةً مع شركائنا ومع حلفائنا” من أجل “التفاوض على صفقة أطول عمراً وأقوى” إنما هو مثير للانتباه.

الدول الأوروبية بمعظمها متحمّسة جداً لرئاسة بايدن لأنها تزيل التوتّر في العلاقة الأميركية – الأوروبية وفي صفوف حلف شمال الأطلسي التي ترى أن دونالد ترامب مسؤول عنه. إنما هناك شوط قطعته الدول الأوروبية في اطار مواقفها من إحياء الاتفاقية النووية بات ينطوي، فعلياً وعملياً، على إعادة التفاوض على الاتفاقية النووية JCPOA بما يشمل الصواريخ والسلوك الإقليمي. بكلام آخر، إن المطروح هو التفاوض على اتفاقية جديدة وليس مجرد إحياء الاتفاقية التي وقّعتها إدارة أوباما وبريطانيا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا عام 2015. وكذلك الكونغرس الأميركي بشقّيه الديموقراطي والجمهوري، فهو أيضاً ليس مستعداً أو جاهزاً لتبنّي الإحياء التلقائي لتلك الاتفاقية. فريق بايدن يدرك ذلك. إنما فريق ترامب لا يثق بذلك الإدراك وهو مصّر على تطويقه مسبقاً.

السفير الألماني السابق لدى الرياض وواشنطن ونائب رئيس “مؤتمر ميونيخ الأمني”، بوريس روج، قال أثناء مشاركته في الحلقة المستديرة الافتراضية الـ22 لقمة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي (https://m.youtube.com/watch?v=hrJM1d-eiHM) إن “على إدارة بايدن ألا تبدو متساهلة أو ليّنة مع إيران، فيما الكونغرس الأميركي – بما فيه الديموقراطيون – انتقد انتقاداً شديداً حينذاك اتفاقية JCPOA ولم يدعمها بالضرورة”. وأضاف أن “هناك مساحة للأوروبيين لضمان استمرار الاتفاقية ريثما تدقّق الولايات المتحدة في خياراتها إنما مع التواصل الأميركي مع الأوروبيين للتطرق الى مختلف أوجه السلوك الإيراني الذي يثير المشكلات”.

اللافت في الأمر هو الرأي الروسي بعزم إدارة بايدن على إحياء اتفاقية JCPOA. فيودور لوكيانوف، مدير البحوث في نادي فالداي valdai ورئيس هيئة مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسية الذي شارك في الحلقة المستديرة عبّر عن مخاوفه من استبعاد روسيا عمداً عن مفاوضاتٍ أميركية – إيرانية حول إحياء اتفاقية JCPOA. وقال إن “لا مجال اطلاقاً للعودة الى الصفقة كما كانت عليه عام 2015. بالطبع ستحاول الولايات المتحدة وإيران التفاوض على شيء جديد. وسيكون لافتاً جداً أن نرى إنْ كانت روسيا ستُدعى للمشاركة أم لا. فأنا لا اعتقد أن إدارة بايدن ستكون متحمّسة لذلك”. وأضاف: “أن الإيرانيين قد يحبّذون أن ينخرطوا بصورة أقرب ومكثفة أكثر مع إدارة بايدن متوقعين أن – في مرحلة ما بعد ترامب ونظراً لما عبّر عنه بايدن مرات عدّة حول أداء مختلف عن أداء ترامب – أن إدارته ستكون مستعدّة لاتخاذ مواقف مختلفة”. وقال أيضاً، إن بين روسيا وإيران “الشراكة مضطربة troubled… وهي علاقة معقّدة”. إنما “عندما يتعلق الأمر بالمصالح المتطابقة، تتوصل روسيا وإيران الى وسائل لضمانها”.

لافت أيضاً ما قاله الأمير حسن بن طلال، رئيس ومؤسس “منتدى الفكر العربي” أثناء مشاركته في الحلقة التي ضمّت أيضاً بول برينكلي، المدير العام لشركة “سيربيروس كابيتال” والنائب السابق لوكيل وزارة الدفاع الأميركية. قال الأمير حسن في معرض الكلام عمّن يشارك أو لا في مفاوضات مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران إن “من الضروري أن يتلقى العرب – أقلّه كأية قومية أخرى في المنطقة – نوعاً من المؤشر على ماذا يُبحَث وعماذا يتحدّث في شأنه أعضاء مجلس الأمن في الأشهر القليلة المقبلة، للبدء بالتفكير معاً”.

بول برينكلي توقّع “أن تُغيّر الإدارة الجديدة نغمتها فوراً وأن يكون هناك تحوّل فوري. فهناك عدد كبير من قادة الإدارة الجديدة كانوا لاعبين أساسيين في خلق اتفاقية JCPOA، وبالتالي لديهم التعاطف الطبيعي مع إحيائها”. لكنه أضاف: “إنما التحدي للجميع يكمن عند النظر في سلسلة التصعيد والأفعال المخيّبة داخل النظام، وازدياد قوّة العناصر المتطرّفة داخل النظام والتي ستجعل من الصعوبة البالغة إعادة عقارب الساعة الى الوراء”.

في وسع فريق بايدن أن يستفيد من تركة فريق ترامب من أجل المصلحة الأميركية القومية كما من أجل أوراق التفاوض مع إيران ومع الصين وغيرهما. رئاسة بايدن لن تتمكن من الطلاق التام مع سياسة ترامب في ما يخص الصين، وبحسب المعلومات، فإن خبراء فريق بايدن استنتجوا التالي: أولاً، يجب ألا يطرأ تغيير راديكالي على العلاقة وإنما يجب تخفيض نسبة التوتر السياسي والعسكري. ثانياً، يجب على بايدن استئناف المفاوضات التجارية والحوار إنما شرط ألا يكون في عجلة من أمره. ثالثاً، يجب التركيز على مسألة خروق حقوق الإنسان إن كان في هونغ كونغ أو معسكرات الاعتقال. رابعاً، تعيين مبعوث أميركي خاص مكلّف ملف الصين كي لا يبقى الحوار مرتبطاً حصراً بلقاءات القمة بين الرئيسين.

ما سيرثه بايدن من ترامب هو رزمة كبيرة من العقوبات الأميركية القاسية على الصين بسبب هونغ كونغ – الأمر الذي سيصعب على بايدن تجاهله. سيرث أيضاً رزمة عقوبات معقدة ومتراكمة على إيران وشركائها، مالية وعلى أفراد وفي إطار تصدير النفط وعقاباً على صفقات السلاح، كما سيرث حشداً جدّياً للجمهوريين ولإسرائيل بهدف زجّه في الزاوية عند تعامله مع إيران.

قد يستفيد جو بايدن من هذا الإرث إذا أحسن البناء عليه لتحسين أوراقه التفاوضية مع الصين ومع إيران كما مع روسيا، وكذلك في إطار العلاقات الأميركية مع الدول العربية – من منطقة الخليج الى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لعلّ في ذهن فريق بايدن، مثلاً، التمييز بين ما قامت به إدارة أوباما في سوريا وما ستقوم به إدارة بايدن هناك. هذا يتطلب التدقيق بفوائد سياسات ترامب والبناء عليها مثل فرض العقوبات على القيادة السورية بموجب قانون قيصر وقانون ماغنيتسكي مع حشر روسيا في “خانة الييك” والضغط على “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني في الساحة السورية.

كذلك في ما يخص لبنان، الأرجح ألاّ يسرع فريق بايدن الى الانحراف عن مسار فرض العقوبات على مسؤولين لبنانيين بتهمة التورط في الفساد المتفشي أو بتهمة تأمين الغطاء الى “حزب الله” ليهيمن على البلاد. هذه سياسة الدولة الأميركية والإجراءات تُتخذ على أساس قوانين شرّعها الكونغرس الأميركي.

أخيراً، من الضروري لفريق بايدن ألاّ يسمح بتكرار تلبية إصرار إيران على استثناء سلوكها الإقليمي عند البحث في إحياء الاتفاقية النووية بحجة أن الأمرين منفصلين. لا، انهما مرتبطان جداً وهذا ما أثبتته السنوات الخمس الماضية وأثبتت كذلك فشل رهان إدارة أوباما على تغيير في سلوك إيران الإقليمي نتيجة الاتفاق النووي، بل أثبتت أن الإفراج عن الأموال مكّن “الحرس الثوري” الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان وترك وراءه إرثاً دموياً ومزرياً.

النهار العربي

——————————

بايدن بين إيران وإسرائيل/ فاطمة ياسين

تتابع حكومات دول العالم نتائج الانتخابات الأميركية باهتمام بالغ، من دون أن تخفي رغبتها برؤية أحد المرشحَين رئيسا في البيت الأبيض، لاعتقادها بأن هذا الخيار سيكون في صالحها، والدول العربية في قائمة هذه الدول، فأميركا منغمسة في مسائل المنطقة العربية حتى أنفها، وهناك تحالفاتٌ فوق الطاولة وتحتها، وتعاونٌ يمتد أو ينحسر بحسب اللون السياسي لساكن البيت الأبيض، وقد تكون بعض الدول العربية دفعت بالفعل إلى عقد معاهداتٍ واتفاقاتٍ معينة، ظنا منها بأن هذه السياسة قد تساعد مرشحا بعينه، وهي تتطلع إلى مزيدٍ من العمل معه في المستقبل. ولكن في النهاية لا بد من التعامل مع الواقع الذي أظهر أن دونالد ترامب لم يحظَ بعدد كاف من الأصوات تجعله قادرا على إدارة دفة السياسة الأميركية، وعليه تسليمها لشخص آخر، وعلى تلك الدول العربية التعامل معه في السنوات الأربع المقبلة، انطلاقا من النقطة التي تم التوقف فيها مع ترامب.

كان ترامب شديد الصرامة مع إيران، ويعود جانب من صرامته إلى التزامه بأمنه القومي، كما قال، وكذا مقدار التهديد الذي تشكله إيران في منطقة الخليج، الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة، ففيها تحالفاتٌ عميقةٌ جرى إعادة بنائها على أسس جديدة، قد تكون هي ما جعلت أنظمة في الخليج تهرول بعلاقاتها التطبيعية مع إسرائيل، وتتهاون أخرى في الرد على استخدام إسرائيل مجالها الجوي لعدة أغراض. وفي جانب آخر كان تشدد ترامب مع إيران حمايةً لإسرائيل التي ترفع إنذار خطورة النظام الإيراني عليها إلى درجةٍ قصوى، وقد يكون موقف ترامب الصارم ضد النظام في سورية متعلقا، في واحدٍ من وجوهه، بمعاداته الشديدة لإيران. هذا هو الإرث الذي تركه ترامب، وعلى الورثة التعامل معه، إذ ليس بالإمكان الرجوع إلى الوراء، ولكن التقدّم يمكن أن يكون حذرا وبطيئا، فالأمر يتعلق بإدارة جديدة لديها قاعدة انتخابية تفضل وضعية الهدنة مع إيران، ولديها حذر من الانخراط العميق مع النظم العربية التي تحالف معها ترامب.

أظهر جو بايدن، خلال تاريخه السياسي، إعجابا بإسرائيل، وكان قد ترشح لمنصب الرئاسة مرتين في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية. وقد أبدى خلال حملته الانتخابية الماضية، وفي أكثر من مناسبة، التزامه بأمن إسرائيل. وتقليديا، يقدّم الديمقراطيون دعما مختلفا لإسرائيل. وبالتأكيد، لن يكون بايدن نشازا بتكوينه السياسي، وبالتزامه بسياسات الحزب الديمقراطي. وعليه أن يجد نقاط التقاء بين شكل علاقته التي يراها مستقبلا مع إيران وهذا الالتزام مع إسرائيل، خصوصا وقد أصبحتا طرفين يجذب كل منهما عددا من دول المنطقة بطرق مختلفة. ولكن على بايدن أن يستخدم شروط البدء التي وضعه فيها ترامب، فأميركا الآن خارج الاتفاق النووي، وتطبّق عقوبات إضافية على إيران طالب ترامب الأممَ المتحدة بعدم رفعها.

أما إيران، وهي دولة على الرغم من مظهرها الثيوقراطي، تتمتع بقدر كبير من البراغماتية، فيمكن أن تتمدّد أو تتقلص لتتخذ الوضع السياسي المتاح، فقد استطاعت خلال السنوات السابقة التكيف مع سياسات ترامب تجاهها. وعلى الرغم من خروجه المتحدّي من اتفاقه النووي معها، إلا أنها أبقت على التزامها بالاتفاق، واستطاعت أن تبقي دول أوروبا فيه، واستطاعت كذلك أن تلتف جزئيا على عقوبات ترامب، وتجد لها متنفسا هنا أو هناك. ويمكن ملاحظة تقلصها النسبي في سورية، وتراجعها في لبنان، لكنها قد تمارس اليوم مع بايدن اللعبة ذاتها التي مارستها مع باراك أوباما الذي فضّل أن يكون مهادنا إلى درجة الفشل الأميركي الذي أدّى إلى تمدّدها. قد لا يكون بايدن هو أوباما، لكننا بالتأكيد سنشهد علاقاتٍ من نوع جديد مع إيران، قد تكون أكثر حدّة من علاقات أوباما، ولكن حتما ستكون أكثر جدّية وواقعية من علاقات ترامب معها.

العربي الجديد

———————

“بشائر” بايدن/ حسام كنفاني

منذ الإعلان، غير الرسمي إلى الآن، عن فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بانتخابات الرئاسة الأميركية، بدأنا نشهد العديد من التحولات السياسية العالمية، سواء في المواقف أو الأفعال. تحولات قائمة على تصور طبيعة الحكم الجديد في الولايات المتحدة، وتفاعله مع القضايا العالمية، وهو حكماً قاد إلى أن تغييراً كبيراً سيطرأ على السياسة الأميركية بعد السنوات الأربع التي عاث فيها الرئيس الخاسر دونالد ترامب فساداً في أكثر من ملف. فساد لم يكن حكراً على قضايا المنطقة العربية، بل تنقل من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي إلى التحريض البريطاني على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بدون اتفاق، وصولاً إلى الحرب التجارية مع الصين. وهي قضايا لا يبدو أنها ستنتهي قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض.

ما يهمنا أكثر هو قضايا المنطقة العربية، إذ صدر عدد من الإشارات إلى تعديلات في مشهد التحالفات والعداوات القائمة في المنطقة، والتي كان لترامب دور كبير في تغذيتها أو اللعب على تناقضاتها. يمكن النظر مثلآً إلى الخصومة الحالية بين السعودية وتركيا، وما يمكن أن تشهده من تطورات في المرحلة المقبلة. فبعد الإعلان الإعلامي عن فوز بايدن، وخلال أقل من ساعات أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمراً “بتقديم مساعدات عاجلة للأشقاء في تركيا للتخفيف من آثار زلزال أزمير”. قد يكون الإعلان طبيعياً في حال جاء في ظل ذروة مأساة الزلزال الذي عاشته تركيا، إلا أن اللافت أنه جاء بعد نحو أسبوعين من ذلك، وبعد إزالة غالبية تداعيات الزلزال. مثل هذا الإعلان قد يأتي في سياق رسالة ضمنية من السعودية إلى تركيا، ومن خلفها إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عن استعداد المملكة لسحب فتيل التوترات في المنطقة. الأمر الذي قد ينطبق على المصالحة الخليجية، وعلى حرب اليمن، لكن بانتظار ما قد تحمله الإدارة الأميركية الجديدة من مطالب وشروط وسياسات.

في السعودية أيضاً، وفي إطار الإشارات على تخفيف القبضة الحديدية في الداخل، خصوصاً بعد الحماية التي أمّنها ترامب للمملكة بعد جريمة قتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، صدرت مؤشرات في الأيام الماضية، خصوصاً بعد التأكد من حتمية فوز بايدن واتجاه ترامب إلى الاستسلام، لإمكان إطلاق ناشطات سعوديات معتقلات، وذلك على ما يبدو في استباق لطريقة تعاطي بايدن مع ملف حقوق الإنسان في السعودية، ولا سيما أنه أطلق خلال حملته الانتخابية تهديدات تتعلق بالتعاطي بشدة مع المملكة، خصوصاً على خلفية جريمة قتل خاشقجي. الأمر الذي من المؤكد أنه لن يحدث، فالكلام الانتخابي شيء، والفعل السياسي شيء آخر، خصوصاً عند النظر إلى كمية المصالح الأميركية مع دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، والتي لا تتغير مع تغير رئيس، بل هي راسخة ضمن منظومة الحكم بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض وانتمائه. مع ذلك، فإن مطالبة السعودية بإظهار “حسن نية” تجاه الإدارة الأميركية في ملف حقوق الإنسان وغيرها من الملفات ستكون أولوية لدى الرئيس الأميركي، وهو ما قد تبدأ المملكة فعله قريباً.

الأمر نفسه يمكن أن ينسحب على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أو “الديكتاتور المفضل” بالنسبة إلى دونالد ترامب. فهذه “الأفضلية” لن تكون موجودة مع الإدارة الجديدة، والقاهرة ستكون مطالبة بـ “مبادرات حسن نية” أيضاً في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وهو ما بدأ النظام المصري فعلياً التفكير به عبر الحديث عن إمكان إطلاق بعض المعتقلين.

هذه المؤشرات، وغيرها، قد تكون جيدة، لكنها ليست “بشائر” انقلاب كامل في السياسة الأميركية، بل هي “عمليات تجميلية” اعتادت الإدارات الديمقراطية القيام بها، وبايدن لن يحيد عن هذا الخط.

العربي الجديد

————————-

بايدن والشرق الأوسط والكونفدرالية/ رستم محمود

قبل تسلمه لأي منصب حكومي بارز، فإن الرئيس الأميركي المرتقب، جوزيف بايدن، عُرف في منطقة الشرق الأوسط اعتباراً من العام 2007، حينما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية داخل مجلس الشيوخ الأميركي، وقاد حملة سياسية وإعلامية شاملة وقتئذ، بما في ذلك الاتصال بالدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ترويجاً للخطة غير الملزمة التي تبنها مجلس الشيوخ الأميركي في خريف ذلك العام، التي كانت تدعو إدارة الرئيس جورج بوش الابن لـ”تقسيم” دولة العراق إلى ثلاثة كونفدراليات سياسية، تشغل كل واحدة منها أغلبية أهلية ما، شيعية جنوباً وكردية في الشمال وسُنية في الوسط، وأن تتحد الكونفدراليات الثلاث لتشكل دولة العراق الحديثة، تكون تلك الصيغة حلاً للحرب الأهلية العراقية، التي كانت في أوجها وقتئذ.

في ذلك العام، كانت الإدارة الأميركية تعيش ذروة تعرقل/فشل مشروعها السياسي الموعود للعراق، وتالياً للمنطقة، بعد نجاح سريع لخطة غزوها العسكري للعراق في ربيع العام 2003. فبعد الحرب مباشرة، أثبتت النخب السياسية العراقية سريعاً عدم قابليتها لأن تكون تنظيمات وقوى سياسية حداثوية، تكرس نظاماً سياسياً عراقياً مدنياً وديمقراطياً، يخلق من العراق نموذجاً كان متخيلاً في خطابات المحافظين الأميركيين الجدد، شيء شبيه بما جرى قبل قرابة نصف قرن في كُل من ألمانيا واليابان. بل على العكس تماماً، فقد كانت نُخبة الحُكم العراقية آلة عُظمى للنهب العام، إلى جانب ولاء إيديولوجي وسياسي لدولة خارجية –إيران- فاق بكثير أي ارتباط روحي أو سياسي لها ببلادها، الأمران اللذان حضراً الأرضية المناسبة تماماً لاندلاع الحرب الأهلية الطائفية، التي أغرقت العراق في بحر من الدماء، وما يزال.

جزء وفير من النُخب السياسية الأميركية، بالذات عبر المؤسسات التشريعية الأميركية، كانت ترى في مشروع الكونفدرالية حلاً معقولاً لإنقاذ العراق، وتالياً إخراج الولايات المتحدة من أوحال تلك المنطقة. فمشروع بايدن وقتئذ لم يكن يتناقض مع النزعة الانسحابية للولايات المتحدة من الحروب العالمية، والتي كان الحزب الديمقراطية يرفعها لوائها منذ أعوام كثيرة، التي كرسها الرئيس أوباما بالانسحاب العسكري شبه الكامل من العراق، بعد اتفاق الإطار الاستراتيجي لعلاقة للصداقة والتعاون بين الولايات المتحدة والعراق. لكن أفكار بايدن كانت تدعو لانسحاب مسؤول، لا يترك فراغاً جيوسياسياً غير محسوب العواقب، وهم ما لم يلتزم به الرئيس أوباما، بالرغم من أن بايدن كان نائبه، لكن الرئيس فضل الالتزام الحرفي بما عرضه خلال حملته الانتخابية.

لم تكن إدارة الرئيس أوباما وحدها من حالت دون تنفيذ المشروع الكونفدرالي، بل أن تحالفاً سياسياً ثلاثياً شديد الصلابة، أعاق ذلك جوهرياً.

فالقوى السياسية الشيعية العراقية المركزية الحاكمة، كانت تتطلع إلى لحظة الخروج العسكري والسياسي الأميركي من العراق، لتكرس نظام حاكم مركزي، يغدو العراق بكله جزء من فضاء حُكمها وحدها. كانت تلك القوى الشيعية تخطط لذلك، وتعتبر الكونفدرالية مضاداً نوعياً لنزعاتها المركزية تلك.

القوى الشيعية تلك، كانت تتلقى دعماً مفتوحاً من قِبل إيران، التي كانت تمني النفس بملء الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة في العراق، وأن تكون هيمنتها كاملة، دون أية أعاقة سياسية أو دستورية، تلك الهيمنة التي يمكن للنظام الكونفدرالي أن يعرقلها تماماً.

شكلت القوى والنخب السياسية السُنية العراقية رديفاً مباشرة لقوة الممانعة تلك. ففرط الحس الإيديولوجي القومي والطائفي المكتنز في ذوات تلك القوى والنخب السُنية، كان يحول بينها وبين الاعتراف بالوقائع العراقية المباشرة، التي كانت مفتوحة على مذبحة كبرى.

لم يُترجم مشروع بايدن إلى أي واقع سياسي قط. بمعنى أوضح، انتصرت قوى الممانعة المركزية على أية رؤية تعترف بالوقائع وتحاول أن تضع حلولاً مناسبة. لكن، وغالباً لأجل ذلك بالضبط، جرى كل ما جرى منذ ذلك الوقت. بقي العراق غارقاً في حروب أهلية مفتوحة، منقسماً بشكل شاقولي، طائفياً وعرقياً ومناطقياً، وموطئاً لنهب عام دون حد وحساب، تعرض لغزوات وحشية وخاض حروباً حطمت مدنه وحواضره التاريخية، تراجعت فيه كل أشكال الحياة المدنية وأسس الديمقراطية، وأولاً بلداً محكوماً من مليشيات طائفية من خارج القانون.

اليوم، تبدو منطقتنا غارقة تماماً في الكثير مما كان عليه العراق وقتئذ. فمن إيران إلى لبنان، مروراً بسوريا وتركيا والعراق، وحتى أبعد الكيانات التي مثل السودان وليبيا، تبدو المركزية السياسية والإيديولوجية منبعاً وعتبة أولية لتكريس الفشل وصرعات “الأخوة الأعداء” ضمن البلد الواحد، المركزية المستندة على تراث مريع من الخطابات القومية والوطنية والدينية والمذهبية، والتي هي في جوهرها نزعات لتكريس هيمنة واحدة من الحساسيات الأهلية ضمن هذه الكيانات، على حساب حقوق باقي المكونات الأهلية. وهي نفسها المركزية التي تنتج عملياً أنظمة شمولية تعتمد على الزبائنية وتحويل الأطراف والجهويات إلى مجرد مستعمرات داخلية، موردة للمواد الخام والعاطلين عن العمل فحسب، نحو المدن المركزية المتخمة بالعشوائيات.

لكن في نفس الوقت الذي ما تزال فيه أوضاع منطقتنا هكذا تفصيلاً، فأن قوى الممانعة الثلاثة المذكورة سابقاً، ما تزال بكامل صحتها السياسية والإيديولوجية. فالنظام السياسي الإقليمي يمانع تماماً أي مشروع نحو كونفدراليات رحبة، تؤيده داخلياً قوتان سياسيتان ضخمتان، واحدة تعتبر المركزية أداة لهيمنتها على كافة حساسيات البلاد، وأخرى رومانسية مأخوذة بخطابات عصر الناصرية السياسية. في كلا الحالتين، يشكل البعثيون والإخوان المسلمون، وفي كل دولة حسب تنظيماتهما الخاصة، القوى الأكثر شبهاً بذلك الجوهر الناصري، وهي مستندة إلى دعم مطلق من قِبل القوى الإقليمية، أمثال ملالي طهران وسلاطين أنقرة.

لأجل ذلك بالضبط، فأن الإدارة الأميركية أمام حلين قطبيين، فإما الانخراط التام في ملف هذه المنطقة “الموبوءة” ووضع حلول من مثل تلك الكونفدراليات، التي تضع حداً معقولاً لمنابع كل أشكال القيح الراهنة. أو أن تنسحب من ملفاتها، وتالياً تتحمل ما قد يترتب عن ذلك من آثار، وعلى كل بقعة في العالم.

الحرة

————————————

====================

تحديث 25 تشرين الثاني 2020

————————-

بين ترامب وبايدن… من الجهة الإيرانية/ موفق نيربية

لن يستطيع أحد منع نتائج ما جرى وسوف يجري في الولايات المتحدة، من خلال مسار انتخاباتها، وما سيبقى منها فاعلاً في المرحلة المقبلة علينا وعلى منطقتنا وقضايانا. ونعرض هنا لتأثير ذلك على ما يتعلّق بإيران: من حيث الاتفاق النووي وسياقاته، وتفاعلها السلبي في محيطها، من خلال تصديرها لثورتها بمضامينها الطائفية والعنيفة، ومن ثم دفعها الآخرين باتجاه إسرائيل، خصوصاً متابعتها قيادة الثورة المضادة لوأد الربيع العربي بآفاقه وآماله المصيرية.

استطاع دونالد ترامب أن يضعف الولايات المتحدة، ليس في إمبرياليتها وطغيانها الدوليين، بل في ديمقراطيتها وقيمها الدستورية، وكذلك في فعالية دورها في قيادة الغرب، أمام الشمولية الصينية باقتصادها الزاحف على بطون أبنائها، وأمام مسرحية الديمقراطية الروسية، التي تنهل من مَعين التاريخ القيصري، وغيرها.

لا يقوم ترامب بأيِّ فعل لا تسمح له به قواعد عمل المجتمع الرأسمالي، ولكنه يذهب بها إلى حيث لم يذهب أحد قبله أبداً. هو يلعب لعبة سيادة القانون حتى شكلانيّتها المطلقة؛ ويراوغ حتى لا يسلّم بفوز خصمه الانتخابي، حتى يجبره ويجبر أمريكا على اللعب حسب الطريقة التي جاء بها من حقل تجارة العقارات.. إنه يكسر حدود الدستور الأمريكي وقواعد المنافسة حوله، إلى حيث تقوده طموحاته وارتجالاته، بحيث يجعل من قواعد عمل النظام الدولي في الحرب الباردة أفقاً مرغوباً، بعد أن تهلهل حتى بَلِيَ ومضى زمنه. هذا يجعل هنري كيسنجر، ومعه مترنيخ، يضحكان، أحدهما على شفا القبر والثاني في أعماقه.

لن تكون الطغمة الإيرانية الحاكمة محاصرة أكثر مما هي الآن أبداً، ولن تضطر إلى التراجع عن سياستها بخصوص الاتفاق النووي. إن ذلك الاتفاق المدعوم من قبل أوروبا وروسيا والأمم المتحدة، سوف يصبح أكثر هشاشة وحضوراً، بترجمته الفارسية إلى منطق المرشد الأعلى وصحبه.. ولن تستطيع إدارة بايدن أن تضغط باتّجاه تحجيم سياسة تطوير واستخدام الصواريخ الباليستية، ولا التدخل المتصاعد في عمق نسيج المنطقة، انطلاقاً من العراق ولبنان واليمن وسوريا- وغيرها بعد ذلك – ولا حتى باتجاه تفعيل وتطوير المراقبة على الأنشطة النووية الإيرانية.. وأوروبا ستعود إلى صراخها، لتحاول لجم انفلات الأزمة أو المأزق.

على الأقل، ستكون عناصر المنطقة – بإسرائيلها وعربها- أمام خيارين لم يكن الاختيار بينهما على ذلك القرب والضرورة: رفع إيقاع الرقص أكثر من حافة الحرب، أو التراجع خطوة أو خطوتين إلى الوراء. وليس هنالك من مؤشّر على أن الطغمة الإيرانية، الدينية الطائفية الشمولية المتطرفة، يمكن أن تتراجع ولا تجد منفذاً إلى الفوضى، هو الأقرب إلى مصالحها قبل أيديولوجيتها.

وحين ينظر المرء قليلاً خلف السور الإيراني، يرى انتخابات رئاسية مهمة بعد خمسة أشهر من الاستلام والتسليم في البيت الأبيض، في يونيو. هنالك لن تكون نتيجة ما فعله وسيفعله ترامب إلّا تدعيم الاتجاهات الأكثر تشدداً، التي ستكون مواجهتها لخصومها في الداخل أكثر سهولة وأفضل تسويقاً. وإذا كانت شراسة الحرس الثوري، وتحكمه بقيادة خامنئي بجوانب تزداد اتسّاعاً وحرية، في السياسة والاجتماع والاقتصاد في إيران، قد استطاعت تحويل خصومها من الإصلاح الذي يقوده أمثال خاتمي وموسوي، إلى الاعتدال الذي يقوده رفسنجاني وروحاني؛ فربما ستستطيع – بمساعدة ترامب وتحديثاته للسياسة الأمريكية – أن تعزل حتى الجناح المعتدل، وتنجح بتحويل إيران إلى جبل «ألموت» معاصر.

في الجانب الآخر، يُلاحظ مؤخراً غلبة اتجاه مريح للحوثيين في اليمن، يطالب بوقف تسليح من يقصفهم، والاعتراف باليمن الذي رسموا معالمه في الأعوام الماضية، كأمر واقعٍ لا بدّ من مراعاته. وبغضّ النظر عن الموقف من التدخّل الخارجي، ومدى صحته وصحة ما يريده لليمن أو يفعله به، أو حتى مدى مفارقته لأحكام القانون الدولي والقانون الإنساني؛ فإن ذلك سوف يصبّ في النتيجة في طاحونة الطغمة الإيرانية وسياساتها، ليساعدها على تحقيق أهدافها أيضاً.

ومن نافل القول، إن مفاجآت ترامب في ما يخصّ القوات الأمريكية في الخارج، وقيامه في الوقت الضائع الذي لم يكن معتاداً أن يقوم به رئيس أمريكي بما يعقّد حياة الإدارة المقبلة بعده، ويجعلها تخسر زمناً، لا يضرّ بها وحدها، بل بالولايات المتحدة عموماً من خلالها.. مثل أوامره بسحب قواته – كلها أو بعضها- من العراق وإضعاف الكاظمي لمصلحة الجناح الإيراني في الحشد الشعبي، واضح وجليّ.. يُضاف إليه مباشرة ما سوف يثيره من رياحٍ مفاجئة مثل ذلك في سوريا، التي تنتظر فيها روسيا وكلّ جماعة أستانة تلك الهدايا المجانية.

في مساحة ثالثة أو رابعة، لطالما كانت الأولى قديماً، فإن لسياسة ترامب تأثيراتها حتى لو تنحّى جانباً بعد قليل، من خلال ارتباك الاستراتيجية الأمريكية، واستمرار عجز أو مراوحة القدرة الأوروبية، وتقدّم العدوانية الإيرانية المفترض؛ سوف تضمن تطوير الأمور لغير مصلحة الفلسطينيين، أو على حسابهم، وربما كانت في علم الحساب خسارة مهمة ومحدقة، ولو كان في علم الرياضيات أو الرياضيات الحديثة شيء مختلف، كما يريد البعض أن يقولوا، ولا يفصحون كثيراً، لأن الإمساك بيد الخصم، حتى لو بدا الأمر تخلّصاً من خصمٍ أشدّ، وأكثر عتوّاً وراهنية، ليس قراراً سهلاً، ولا يمكن اتّخاذه بارتجال أو استعجال أو من دون عقابيل تاريخية.. وربّما كانت للأمر حلولٌ أخرى يمكن إبداعها وتفعيلها، لو لم يكن هنالك ترامب ونتنياهو ومصالحهما الانتخابية.

من حيث ظواهر الأمور وعواملها الميكانيكية، كان طبيعياً أن يكون لأبناء المنطقة من جماعتنا موقف مؤيدّ لترامب وحريص علي رضاه. فهو مناط استمرار قوة عظمى رئيسة، تقف من خلاله بحزم أمام المطامع والسياسات الإيرانية، التي تقوم بالتخريب في كلّ مكان حولها. وهو يضمن بدوره وقوف القوة الأعظم الثانية في المنطقة موقفاً على شفا الحرب مع إيران، يرى فيه بعض العرب ضماناً وأماناً في بؤسهم، خصوصاً من يخشون كونهم» في بوز المدفع».

حتى العراقيون والسوريون واليمنيون واللبنانيون، الذين يعانون من الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران والحرس الثوري، ومن حزب الله والحوثيين؛ فقد اندفع الكثيرون منهم للتعلّق بحملة ترامب وترقّب نتائجها الرابحة، بسبب إحساسهم بالعجز عن تغيير معادلاتهم بأيديهم، أمام قوةٍ عاتية وعاصفة تجعل من المذهب أيديولوجيا هي الأكثر قدرة على توليد العواصف والأعاصير، بالأفعال المباشرة أو بردود الأفعال المتولّدة، لدى المتطرفين لدى أهل المذهب، أو المتطرّفين في المذهب المقابل له. ذلك جانب وحسب من جوانب عاصفة أثارها ترامب، لا يعطي لجو بايدن ولا لميوله المريحة للأوروبيين والروس- والإيرانيين- أية أفضلية جوهرية. ولا ننسى أنه كان» نائب» أوباما لثماني سنوات، الذي جرّبنا التعلّق بوعيده لطاغيتنا، حين رسم خطه الأحمر ثمّ قفز من فوقه.. وذلك أحرى بأن يزيدنا اقتناعاً بتحديث رؤانا إلى منطقة أقرب من العالمية أو الكونية، ونتأنّى في أحكامنا، وننطلق من أن ما سيكون مفيداً لشعب من الشعوب، هو المفيد للإنسانية بغض النظر عن التفاصيل والتعقيدات.

والشعب موضوعنا هنا هو الشعب الأمريكي الفاعل المهم بقيمه وقوته وريادته، الذي – إذ تنقلب حياته على أعقابها- سوف يجعل حياة البشر أجمعين جحيماً.. والوباء الذي يهاجم البشرية الآن واستراتيجية ترامب حياله، مثالُنا الأقرب، الأكثر حساسية وتأثيراً.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

مستقبل العلاقات التركية الأميركية بعد فوز بايدن/ عمر كوش

تنتظر الأوساط السياسية التركية باهتمام بالغ ما ستؤول إليه العلاقات التركية الأميركية بعد انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، في ظل توقعات بتعامل مختلف منه حيال تركيا، على خلفية تصريحاته العدائية ضد سياساتها، وانتقاداته المتكرّرة لسياسة الرئيس دونالد ترامب تجاهها في ملفات وقضايا عديدة، الأمر الذي يثير مخاوف كبيرة لدى الساسة الأتراك في أن تنعكس مواقفه سلباً على مستقبل العلاقات التركية الأميركية.

مواقف وتوجسات

ولعل تهنئة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المتأخرة لجو بايدن تعكس بعض ذلك التخوف والتوجس التركي الذي يُبنى على خلفية تصريحات ومواقف سابقة لبايدن، وخصوصا خلال حملته الانتخابية، أبدى فيها انتقاداتٍ حادّة للرئيس التركي، وتحدّث فيها عن ضرورة دعم الولايات المتحدة المعارضة التركية لإطاحته، ولاقت ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية التركية، وحتى في أوساط قادة أحزاب المعارضة. إضافة إلى موقفه المناهض لشراء تركيا منظومة الصواريح الروسية “إس -400″، ومطالبته إدارة ترامب بالضغط عليها “للامتناع عن ممارسة مزيد من الأعمال الاستفزازية ضد اليونان، بما في ذلك التهديد باستخدام القوة، وتهيئة الأجواء لإنجاح الجهود الدبلوماسية”، فضلاً عن موقفه المناهض قرار إعادة آيا صوفيا مسجداً، واتهامه تركيا بتأجيج الصراع في القوقاز، وتحميلها مسؤوليته، ودفاعه عن تقسيم العراق وإنشاء كيان كردي في شماله، وموقفه الداعم قوات سورية الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية في مناطق شمالي سورية، ومعارضته انسحاب القوات الأميركية منها، وسوى ذلك.

غير أن مواقف بايدن التي أبداها، خلال حملته الانتخابية، تجاه تركيا، قد لا يترجمها على أرض الواقع بعد تسلمه الحكم في الولايات المتحدة، بالنظر إلى اعتبارات وحيثيات سياسية عديدة، خصوصا وأنه يعرف تركيا جيداً، حيث زارها عدة مرات، عندما كان نائباً للرئيس السابق، باراك أوباما، وأكد خلالها على أهمية العلاقات التركية الأميركية. وبالتالي لن يحاول القفز على تاريخية هذه العلاقات الاستراتيجية، كونه يعي جيداً أهمية تركيا وقوتها وأدوارها في منطقة الشرق الأوسط والبلقان. ولكن أوساطا تركية تتوجس من نظرته إلى تركيا، بوصفها أحد مقوّضات السياسة الأميركية في المنطقة، ومن إمكانية اتباعه النهج نفسه الذي تعاملت به واشنطن مع أنقرة إبّان ولاية أوباما، مع أن من الصعب التكهن بأن يستنسخ بايدن سياسات أوباما نفسها.

في المقابل، ترى أوساط تركية أخرى أن تركيا لم تعد ذاك البلد الذي يتأثر بسياسات القادم الجديد إلى البيت الأبيض، وتتوقع حدوث انفراجةٍ في العلاقات التركية الأميركية، على خلفية دعوة الرئيس أردوغان بايدن إلى فتح قنوات الدبلوماسية والمصالحة في المنطقة، وتطبيع العلاقات مع الغرب، وذلك في ظل تطورات ميزان القوى في العالم، وسياسات الإدارة الأميركية الجديدة التي ستتبعها في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتوقع أن يتحرّك بايدن من أجل تمكين حلف شمالي الأطلسي (الناتو) في مواجهة روسيا. لذلك تطالب هذه الأوساط بالاعتراف بالدور التركي النشيط في الملفات الإقليمية والدولية واعتماد نهج واقعي، بما ينعكس إيجاباً على مستقبل العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة المثقلة بالأعباء منذ سنوات عديدة.

تاريخية العلاقات

تعود العلاقات التركية الأميركية إلى أكثر من ستة عقود خلت، اتسمت بفترات طويلة من الشراكة الاستراتيجية خلال فترة الحرب الباردة، وبدأت مع انضمام تركيا إلى حلف الناتو عام 1952، ثم تعزّزت باتفاق واشنطن مع أنقرة على استخدام القوات الأميركية قاعدة إنجرليك الجوية التركية الموقع في عام 1954.

وشكلت تركيا عنصراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية في مناطق الشرق الأوسط وأوراسيا، لكن علاقات الدولتين تعرّضت إلى أزمةٍ كبيرةٍ مع التدخل العسكري التركي في القسم الشمالي من جزيرة قبرص عام 1974، حين اعترضت الولايات المتحدة بشدّة على التدخل العسكري التركي، وفرضت حظراً على بيع الأسلحة الأميركية إلى تركيا، ولم تعد الأمور إلى مجاريها إلا في عام 1980 الذي شهد توقيع البلدين اتفاقية للتعاون العسكري والاقتصادي، قضت بالسماح للقوات الأميركية باستخدام 26 منشأة عسكرية تركية، مقابل حصول تركيا على أسلحة ومعدّات عسكرية أميركية حديثة. بعدها شاب العلاقات التركية الأميركية توتر على خلفية رفض البرلمان التركي تقديم مساعدات لوجستية للقوات الأميركية إبّان الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.

وشهدت العلاقات التركية الأميركية، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في أنقرة عام 2002 فترات من التوتر والتأزم، لكنها لم تصل إلى حدّ القطيعة، حيث تعاونت تركيا مع الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا الدولية، وحاول الساسة الأتراك القيام بعمليات ترميم للعلاقات مع الولايات المتحدة، وخصوصا عندما زار أردوغان واشنطن في العام 2006، وكان رئيساً لوزراء تركيا، ووقع آنذاك على “اتفاقية الرؤية المشتركة والحوار المؤسساتي” التي نصّت على تبني رؤية مشتركة بين الدولتين من خلال “ترويج السلام والاستقرار في الشرق الأوسط الكبير من خلال الديمقراطية، ودعم جهود تسوية دائمة للنزاع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي على أساس حلّ الدولتين، وتعزيز الاستقرار في عراق موحد”.

توترات وخلافات

ظهرت في السنوات اللاحقة خلافات جديدة في التوجهات والمصالح الأميركية والتركية في ملفات إقليمية عديدة خلال فترة رئاسة باراك أوباما، على الرغم من زيارة الأخير إلى تركيا في عام 2009، وتأكيده على أهميتها دولة حليفة وصديقة، لكن المواقف تباينت من الثورات العربية، وخصوصا الثورة السورية، نتيجة دعم واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في سورية ومليشياته المسلحة والإدارة الذاتية التي شكلها في مناطق الجزيرة السورية، وتعتبرها تركيا خطراً عليها. ثم تعمّقت الخلافات والتوترات بين الطرفين، عندما اتهمت تركيا إدارة الرئيس أوباما بدعم المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في منتصف يوليو/ تموز 2016، وطالبتها بتسليم الداعية فتح الله غولن الذي اتهمته أنقرة بالوقوف وراءها، لكن واشنطن رفضت الطلب التركي.

وحاول الطرفان، التركي والأميركي، خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، تصحيح ما شاب علاقاتهما من توتراتٍ وخلافات في عهد أوباما، كونها لم ترتق إلى مستوى التحالف المعلن بينهما، وعضوية كل منهما في حلف الناتو، إذ لم تسفر زيارات المسؤولين ولقاءاتهم في كلا البلدين إلى تحسينها، على الرغم من العلاقة الشخصية الطيبة بين كل من الرئيسين، أردوغان وترامب، حيث تكرست خلافات جديدة، بعد أن نشبت أزمة جديدة بين البلدين في أعقاب احتجاز السلطات التركية القس الأميركي، أندرو برونسون، في 9 من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أي بعد انقضاء ما يقارب الثلاثة شهور على محاولة الانقلاب الفاشلة، وإطلاق الرئيس ترامب تهديداتٍ بفرض مزيد من العقوبات على تركيا التي أطلقت سراحة في 12 من أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

وطالب مسؤولون أتراك إدارة ترامب بإنقاذ علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة وتحسينها، عبر النظر بجدّية إلى الدور التركي في المنطقة، وإلى مخاوف تركيا الأمنية في شمالي سورية والعراق، لكن الأمور لم تتغير، على الرغم من اعتبار الرئيس أردوغان “أن الإدارة الأميركية، برئاسة ترامب، قد تكون أكثر ترحيباً بالأطروحات والحلول التركية لمشكلات المنطقة، ومن وصف ترامب، خلال لقائه أردوغان بالبيت الأبيض في 16 مايو/ أيار 2017، بأن “بيننا علاقة رائعة وسنجعلها أفضل”، وقول أردوغان إن زيارته ستكون “نقطة تحول تاريخية”، وثنائه على “العلاقات الرائعة بين البلدين العضوين في حلف الناتو”.

ويمكن القول إن فترة ترامب شهدت نوعاً من اختزال العلاقات التركية الأميركية بعلاقة الرئيسين الشخصية، لكن هذا النهج لم يعد بالفائدة لكلتا الدولتين، حيث دخلت هذه العلاقات في حلقة سلبية على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية، انعكست على شكل ردة فعل معادية، وغير مسبوقة، للولايات المتحدة في المجتمع والدولة التركية، وأفضت إلى تفاقم الخلافات بينهما، بالتزامن مع تغير وجهة السياسة التركية نحو التفاهم والتنسيق مع روسيا في ملفات المنطقة، وشرائها منظومة الصواريخ “إس ـ 400”.

في التجارة والسياسة

ولعل التركيز على المحدّدات والاتجاهات السياسية والاقتصادية التي توّجه تحرّكات كل من تركيا والولايات المتحدة وفق مصالحهما يُمكّن من استشراف مستقبل علاقاتهما المتغيرة، ومقارنة كيفيات تلاقيها وتعارضها، خصوصا وأن عالم السياسة الدولية لا يفترق كثيراً عن عالم الاقتصاد، حيث شهدت العلاقات التجارية بين الدولتين زيادة مطردة، على الرغم من جائحة كورونا، مع ارتفاع حجم التجارة بينهما بنسبة 3.5% هذا العام، حسبما أعلن نائب وزيرة التجارة التركية، رضا تونا توراغاي، إذ كان حجم تجارة تركيا مع الولايات المتحدة 6.4 مليارات دولار في عام 2002، في حين بلغ حجمها هذا العام 21.1 مليار دولار.

وسجّلت صادرات تركيا إلى الولايات المتحدة، وفق إحصاءات جمعية المصدّرين الأتراك، ارتفاعاً بلغت نسبته 5.4% بين يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول من هذا العام، لتصل إلى حوالي 6.14 مليارات دولار.

وبصرف النظر عن الخلافات السياسية بين تركيا والولايات المتحدة، جرى ربط السياسة والاقتصاد في تركيا بالغرب الأوروبي والأميركي منذ زمن بعيد، حيث ما يزال الاقتصاد التركي يعتمد، في قطاعات كثيرة منه، على المستثمرين الأجانب. ويحتل المستثمرون الأميركيون مكانة كبيرة بينهم، لذلك يدرك الساسة الأتراك أهمية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول الغرب، وأن القطيعة معها ستكلفهم ثمناً باهظاً، وتنعكس سلباً على الاقتصاد التركي ومعيشة الأتراك، لذلك يعملون على الدوام على موازنة علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بما يخدم مصالح بلادهم الوطنية.

على الطرف الأميركي، كتب بايدن في مجلة فورين أفيرز في أبريل/ نيسان 2020 عن كيفية “إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب”، وذلك في سياق تصوّره سياسته الخارجية التي تنهض على قيادة أميركا للعالم مرة أخرى. لذلك تحتاج إدارته إلى وضع استراتيجية طويلة الأجل، بغية ترميم العلاقات مع تركيا، بما يفضي إلى إطلاق مبادراتٍ يمكنها الحفاظ على التعاون والالتزام بالمصالح المشتركة للدولتين، والإسهام ببناء شراكة موثوقة، لاستعادة دور تركيا باعتبارها حليفا وشريكا يمكن الاعتماد عليه، إقليمياً ودولياً، بوصفها إحدى الدول المهمة في مناطق الشرق الأوسط والبلقان وآسيا الوسطى.

ومن المعروف تماماً أن أي قطيعة أو أي افتراق بين تركيا والولايات المتحدة وتركيا سيسعد الساسة الروس الذين سيملأون الفراغ الناتج عنه، خصوصا بعد التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على خلفية أزمة الصراع على مصادر الطاقة مع اليونان في شرقي البحر المتوسط. ولما كان بايدن سيعمل على استرجاع مكانة الولايات المتحدة وموثوقيتها في العالم، فإن بلوغ هذا الهدف لا ينسجم مع توتير العلاقات مع الحليف التركي. ولذلك سيتوقف مستقبل العلاقات التركية الأميركية على مقاربة جديدة، تنخرط فيها الدبلوماسية الأميركية بمرونة، من أجل قيادة التحالفات، عبر المؤسسات الدولية، خصوصا وأن تركيا تمتاز بمكانة هامة على الصعيدين، الإقليمي والدولي، ولا يمكن القفز عليه، وهي لم تعد مجرّد دولة وظيفية، تلعب فقط دور شرطي أميركي في المنطقة، ولدى ساستها طموحات وتطلعات لدور فعال ومؤثر في المنطقة، وهذا يتطلب نظرة جديدة ومختلفة من الولايات المتحدة حيالها، وتقرّ بدورها ومكانتها الإقليمية والدولية.

العربي الجديد

—————————

ترامب.. من الرئاسة إلى الزعامة/ أحمد ناجي

لم يعترف ترامب بهزيمته الانتخابية، حتى الآن، وعلى الأغلب لن يعترف حتى تُعلن النتيجة رسمياً من قبل المجمع الانتخابي. موقف توقعه الجميع قبل الانتخابات، لكن ما لم يتوقعه أحد هو موقف الحزب الجمهوري الذي كانت قيادته قد التزمت الصمت وأعلن بعضها تأييده لجهود حملة ترامب في الطعن في نتائج الانتخابات في عدد من الولايات.

الحزب الجمهوري مُختطف من قبل “الترامبية” الجديدة، وحتى الآن يجد نفسه مجبراً على الاحتفاظ بالثوب “الترامبي”، على الأقل حتى يناير/كانون الثاني المقبل. الموقف حالياً أن الحزب الجمهوري لا يملك الغالبية في الكونغرس. خسروا انتخابات الرئاسة، أما في مجلس الشيوخ فالنتيجة إلى الآن هي التعادل بين الحزبين، لكن يُنتظر أن تجري إعادة الانتخابات في ولاية جورجيا، والحزب الذي سيفوز بمقعدى جورجيا هو الحزب الذي سيضمن السيطرة على مجلس الشيوخ. لذا، لا ترغب قيادات الحزب الجمهوري في التنصل من ترامب والترامبية، لأن الحزب في حاجة، حتى يناير/كانون الثاني المقبل، لذلك الدعم، والزخم، والهستيريا الترامبية. لكن، في الوقت ذاته، تهدد الادعاءات بتزوير الانتخابات، التي يطلقها ترامب وحملته، العملية الديموقراطية التي أدت إلى فوز العدد من ممثلي الحزب الجمهوري.

تجري الانتخابات الأميركية في ورقة واحدة. فالورقة التي تختار فيها رئيس الولايات المتحدة، هي نفسها تختار فيها قضاة المحاكم المختلفة في مقاطعتك، ممثلي المجلس المحلى، النائب العام، أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس، وأي انتخابات أخرى يصادف موعدها مع موعد انتخابات الرئاسة. بعض الولايات حيث فاز جو بايدن، هي ولايات جمهورية فاز فيها نواب وممثلون للحزب الجمهوري. لذا، فإن طعن حملة ترامب في شرعية الانتخابات في تلك الولايات، هو أيضاً طعن في شرعية فوز نواب الحزب الجمهوري الآخرين.

عدد من رموز الحزب الجمهوري، بدأ مبكراً، وحتى من قبل الانتخابات، في التنصل من ترامب. حتى روبرت مردوخ، صديقه وامبراطور الاعلام ومالِك شبكات “فوكس نيوز”، ظهر قبل الانتخابات بأسبوعين وصرح بأن الرئيس المقبل سيكون ديموقراطياً في الأغلب، وانتقد بشدة تعامل ترامب مع جائحة الكورونا. لذا، لم يكن غريباً، أثناء الانتخابات، الانحياز والانقلاب المفاجئ لشبكة “فوكس نيوز” لصالح بايدن، حتى أنها كانت من أوائل الشبكات التي أعلنته فائزاً بالانتخابات.

لكن ترامب لن ينتهى. فهو ليس سياسياً تقليدياً، ما إن يخسر الانتخابات، حتى يذهب للعتمة ويمارس الرسم مثل جورج بوش. لن يتوقف عن الصياح وكتابة التغريدات والإدلاء بتصريحات جنونية وشتم الآخرين. كما أنه سيخرج من البيت الأبيض ومعه 70 مليون ناخب أميركى صوّتوا له، ويرونه منقذ أميركا والزعيم الذي أتى ليبعث الحياة في روح الجنس القوقازى الأبيض.

تنتاب الحزب الجمهوري موجة قلق من المستقبل، ومما قد يفعله ترامب، فهو لن يتوقف، وسيسعي للترشح في 2024، وإذا قاومه الحزب أو حاول التنصل منه، فقد يعلن ببساطة خروجه منه آخذاً معه جزءاً كبيراً من قاعدة الحزب الانتخابية والشعبية.

يعلم ترامب أن الحزب الجمهوري سيبيعه، وأن الشبكات الاخبارية والإعلامية ستنتقم منه بالتجاهل، والنبذ، وعدم بث أخباره. لذا، فأول المشروعات التي أعلن عنها هو تأسيس شبكة قنوات ومنصات إعلامية تعبّر عن اليمين الأميركى “الحقيقي”، بعد اكتشاف خيانة “فوكس نيوز” التي ما عادت تعبّر عن توجهات اليمين هذا.

شهدت الأسابيع الماضية، ظهور مواقع وقنوات تلفزيونية كانت شبهه مغمورة، لكن ترامب وجماعاته يشترون تلك المنصات ويستثمرون فيها فترتفع أرقام مشاهدتها. ما يعنى أنه، بعد خروجه من المكتب البيضاوي، سيستمر ترامب في استخدام الإعلام لنشر نظريات المؤامرة، والعنصرية، ومجمل الأفكار الفاشية البيضاء الأخرى التى كانت تختبي في الحديقة الخلفية للحزب الجمهوري ستخرج للواجهة مع ترامب الجديد. والسؤال هنا: ما الذي سيفعله الحزب الجمهوري؟ هل سيمتلك الجرأة للوقوف في وجه ترامب وآلته الإعلامية التي يبنيها الآن؟ أم سيفتح ذراعيه لتلك التيارات، التي لم تعد تكتفي بالجهاد الإلكترونى في المنتديات الالكترونية، بل سيخرجون إلى الشارع ويحملون السلاح ويشاركون في الانتخابات ويفوزون بمقاعد برلمانية لصالح الحزب؟

من الصعب التكهن، لأن المشهد السياسي في حالة سيولة وإعادة تشكيل، والجميع يتحرك ضد ومع الجميع. وفي الوسط، ترامب، الذي اكتسب الكثير من الأعداء خلال فترة رئاسته، ويواجه العديد من القضايا والاتهامات بداية من التهرب الضريبي وصولاً إلى التحرش. ومهما وضعنا من سيناريوهات، فقد نُفاجأ، بعد مغادرته الرئاسة، بصدور حكم عليه بالسجن، أو هروبه خارج البلاد.

المدن

———————–

أزمة الحزب الديمقراطي.. هل نجحت الليبرالية الأميركية في هزيمة دونالد ترامب؟/ شريف مراد

عبر أعلى نسبة أصوات في تاريخ الولايات المتحدة، استطاع مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن إزاحة دونالد ترامب، في حدث وُصِف بأنه لا يُمثِّل انتصارا للحزب الديمقراطي فحسب، بل للقيم الليبرالية والتعددية التي تُمثِّلها أميركا على حساب العنصرية والشعبوية اليمينية التي مَثَّلها ترامب.

ما بدا لافتا هذه المرة أن حملة جو بايدن استطاعت تشكيل شبكة تحالفات واسعة بين قوى اجتماعية وسياسية مختلفة ومتباينة لتحقيق نتيجة واحدة: هزيمة ترامب. وبحسب مراقبين، كان هذا هو أوسع تحالف سياسي تشهده أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، والأهم هنا أن ما يجمع هذا التحالف هو العداء لترامب أكثر من كونه التفافا حول بايدن نفسه بوصفه مرشحا سياسيا، إذ صُوِّر ترامب بوصفه عدوا لكل قيم العالم الحديث: الليبرالية السياسية والاجتماعية، التضامن مع الأقليات العِرقية والجنسية، مراعاة البيئة. الجدير بالانتباه هنا أنه رغم حملات الهجوم الشرس على ترامب من مختلف الشرائح طوال فترة حكمه، ورغم شيوع خطاب الكوارث الذي يُشير إلى التهديد الجذري الذي يُمثِّله ترامب لمستقبل أميركا وقيمها، فقد استطاع الرجل زيادة شعبيته والحصول على نسبة أصوات أعلى من الانتخابات الماضية التي أتت به إلى الرئاسة.

الأسئلة الأساسية هنا هي؛ ما طبيعة الأيديولوجيا الحاكمة لهذا التحالف الكبير، حيث يُقدِّم خطابا ليبراليا يحتفي بالتنوع والتعددية في الوقت نفسه الذي يصف خصمه السياسي بأنه عدو وجودي وخطر جذري على البلد كله، وأن أنصاره مجموعة من المتعصبين قليلي الحظ والتعليم والثقافة، فهل انتصرت الليبرالية الأميركية على أعدائها فعلا؟ السؤال الأهم ما مدى تماسك هذا التحالف الذي من المفترض به أن يقف في وجه أي موجة شعبوية عنصرية قادمة؟

في التقرير الماضي “الشعبوية ضد الدولة.. لماذا يرفض ترامب الاعتراف بالهزيمة؟”، انتهينا إلى أن إحدى المقاربات غير الليبرالية في تعريف السياسة هي أنها “ممارسة فن تحديد العدو”، وهذا الشكل من الممارسة السياسية هو سر نجاح ترامب، حيث استطاع حشد قطاعات واسعة من الأميركيين ضد النُّخَب والمؤسسات السياسية الحاكمة باعتبارهم أعداء للشعب الأميركي.

هذا الخطاب السياسي، وهذا النوع من الممارسة السياسية غير الليبرالية، هو بالضبط الذي استخدمته القوى الليبرالية وخاصة التقدمية في مواجهة ترامب وأنصاره، فصُوِّر بوصفه الشيطان السياسي، وجُمعت فيه عناصر من كل ما يكرهه خصومه، على اختلافهم، يمكن هنا ببساطة تتبع الحملة التي قادها بيرني ساندرز ضد ترامب منذ بداية حكمه(1)، حيث صُوِّر ترامب بوصفه عدوا لأميركا كلها، أميركا هنا بوصفها فكرة وتاريخا يحمل التعددية والليبرالية في القلب منها. تبدو شيطنة الخصم السياسي، وسلبه الأهلية الاجتماعية والأخلاقية، واعتباره مصدر كل الشرور، فعلا غير عقلاني، ويعكس تفكيرا كنسيا مطلقا، وهو نقيض الادعاءات الليبرالية عن نفسها بوصفها فكرا عقلانيا نسبيا، لا يؤمن بالمطلقات، ويحتفي بنسبية المعرفة، والتعددية السياسية والثقافية.

إلا أن المفارقة أن هذا التكتيك الشعبوي غير الليبرالي هو سر نجاح الليبراليين والتقدميين في أميركا في هزيمة ترامب، فشيطنة ترامب، وتقديم تحالف بايدن لنفسه بوصفه مُمثِّلا لكل ما هو جميل وخيّر وإنساني أمام ترامب “إله الشر” الذي يسكن البيت الأبيض في واشنطن، وله أنصار أشرار يشبهونه، ساهم بالفعل في تشكيل تحالف واسع ومتماسك ضد ترامب لم يكن ممكنا بدون ترامب نفسه، “بهذا المعنى فإن شيطنة ترامب، رغم عدم عقلانيتها، فعل سياسي نافع، إذا وافقنا على تقديم تعريف غير ليبرالي للسياسة بوصفها تمييزا بين العدو والصديق، يعتمد على أساطير مؤسّسة عن الذات والآخر”(2).

في كتابه “مفهوم السياسي”(3) يميز شميت بين الليبرالية وغيرها بالتركيز على أن المفهوم المحافظ للعداء السياسي يتحول في الفكر السياسي الليبرالي الكلاسيكي إلى منافسة بين شركاء في جماعة وكيان واحد، حيث من الممكن عقد التسويات والصفقات والتنازلات المتبادلة لمصلحة الكيان أو الجماعة الأم، أما في الأفكار غير الليبرالية، اليساري منها واليميني، “فالعدو هو الآخر الغريب، حيث يكفي لاكتمال ماهيته كعدو أن يكون -بالمعنى الوجودي- شيئا مغايرا وغريبا، بحيث تغدو النزاعات معه في الحالات القصوى ممكنة”، يبدو غريبا على أيديولوجيا وتحالف سياسي يحتفي بالتنوع وباحتضانه للقيم الإنسانية أن يتبنّى ممارسة سياسية هي بالأساس عكس ما يُنادي به، لكن هذا تحديدا ما يكشف أزمة الحزب الديمقراطي الأميركي.

يحوي تحالف بايدن طيفا واسعا من الشرائح الاجتماعية والهوياتية، وهي القاعدة الاجتماعية الرئيسية للحزب الديمقراطي التي تُمثِّل بحسب بول كروغمان(4) سكان المدن الكبرى من الشرائح العليا للطبقة الوسطى الأميركية من ذوي الدخل المرتفع والتعليم الجامعي الجيد والموقع القوي داخل سوق العمل، ثم من الأميركيين من أصل أفريقي، الذين هم في العادة من المُصوّتين للحزب الديمقراطي، هذه القاعدة الاجتماعية للحزب الديمقراطي هي التي قام ترامب من أجل مواجهتها عام 2016 واستطاع هزيمتها، مما اضطرها للدخول في تحالف جديد أوسع نطاقا من أجل رد الهزيمة له.

بحسب الباحث سامي الكيال(5) فإن قوام هذا التحالف الجديد هو ما يُعرف في العلوم الاجتماعية بـ “التقاطعية”، حيث يُجمَع عدد من الصراعات السياسية التي تجري في مواقع مختلفة في موقع واحد. وبذلك، كان نجاح معسكر بايدن في شيطنة ترامب يقوم بشكل أساسي على خلق تقاطع اجتماعي وسياسي رئيسي تتجمّع فيه كل المظلوميات السياسية وتُوجَّه نحو عدو واحد؛ ترامب. فهناك استغلال طبقي من الطبقة الثرية التي يُمثِّلها ترامب ضد الفقراء، وتمييز عِرقي ضد الملونين من المواطنين من أصل أفريقي والأقليات من أصل لاتيني آسيوي وعربي، وتمييز ثقافي ضد المسلمين، وتمييز جندري وجنساني بنيوي ضد النساء والمثليين والمتحولين جنسيا، يعاني من كل هذا العديد من أفراد المجتمع الأميركي، حسب موقعهم في هرمية الضحايا، وبذلك فإن ترامب وناخبيه يُمثِّلون العدو، أي باعتبارهم مُمثِّلين للرأسمالية الذكورية البيضاء التي سبّبت كل تلك الجراح والمظلوميات.

وبالاستمرار مع سامي الكيال(6) فإن أزمة الحزب الديمقراطي اليوم تكمن في بنائه ذاتا سياسية جمعية، قائمة أساسا على تفسير أغلبية المشكلات الاجتماعية والسياسية بوجود شخص غبي وعنصري على سدّة الحكم، يتّبعه جمهور أبيض جاهل يشبهه، مما أخفى تناقضات هيكلية في التحالف المُعادي لترامب، “فتنوع هرمية الضحايا تسمح لمعظم الأفراد، مهما بلغ نفوذهم وامتيازهم، أن يُدرجوا أنفسهم فيها، أصحاب الملايين يمكن أن يكونوا نساء أو مثليين، أو من أصول غير بيضاء، أو حتى شبابا لم يتلوثوا بتراث “الرجال البيض العجائز”، دعك من أن كثيرا من أشد المتحمسين ضد الذكورية البيضاء يتمتعون بكل الامتيازات الكلاسيكية لـ “الرجل الأبيض” لدرجة يمكن القول معها إن معاداة الرجل الأبيض هي آخر صيحة بين مَن هم اجتماعيا في موقع الرجال البيض، على اختلاف أعراقهم وأجناسهم وميولهم الجنسية. تحالف بورجوازية المدن الكبرى الكوزموبوليتية مع “مهمشي” الأقليات، وهو أساس الائتلاف المعادي لترامب، قد يجعل مهاجرا مكسيكيا فقيرا يجد نفسه في معسكر واحد مع رب عمله التقدمي الذي يُشغّله بأبخس الأجور. ووقائع استغلال العمال المهاجرين في الولايات التي يحكمها ديمقراطيون، التي أعلنت نفسها مفتوحة للهجرة نكاية بترامب، معروفة وموثقة “.

في سبيل مواجهتها لشعبوية ترامب المستندة إلى الهوية البيضاء البروتستانتية، أسّست حملة بايدن لتحالف واسع من مواقع اجتماعية متباينة حتى التناقض، في محاولة لتقديم صورة جديدة مختلفة عن أميركا التي يتحدث عنها ترامب ويحلم بها أنصاره، تحالف قائم على هوية مضادة للهوية البيضاء الأميركية التقليدية، ما يُفسِّر بشدة حِدَّة الاستقطاب السياسي الذي تعيشه أميركا في لحظتها الراهنة.

يعيش الروائي المصري أحمد ناجي المهاجر حديثا إلى الولايات المتحدة في إحدى الولايات المتأرجحة (swing states) بين الجمهوريين والديمقراطيين، يحكي ناجي في العديد من مدوناته عن حياته في أميركا، وعن حجم التنوع الضخم الذي يعيشه هو وعائلته في حياتهم اليومية في ولاية نيفادا: “أحسد سينا ابنتي، لأنها لم تتجاوز سنواتها الثلاث، وتأتي كل يوم إلى هذا المكان تلهو وتلعب مع أطفال من كل الأعراق والخلفيات الدينية والثقافية. في الحضانة، يتحدثون الإنجليزية والإسبانية، لكنّ هناك أطفالا من أصول آسيوية وأفريقية، ومرة سمعت الإيطالية بين أب وابنه. كل هذا ونحن لا نعيش في مدينة كبيرة، ولا نذهب لحضانة دولية، وكل هؤلاء رغم تباين ألوانهم وألسنتهم وأديانهم، مثل سينا، هم على الأرجح أطفال أميركيون، وطبقا للعبارة الإنشائية الشهيرة، هم مستقبل أميركا”(7).

إلا أن ناجي(8) يستدرك موضحا أن كل هذا التنوع الضخم ليس بلا ثمن، وليست أميركا هي مجرد فردوس أرضي ليبرالي حيث الجميع مُرحب به: “هذا كله جديد، حتى على الأميركيين أنفسهم. يفخر الأميركيون بأنهم أمة من المهاجرين المتنوعين. لكن حتى الستينيات من القرن الماضي، كان هذا التنوع مجرد تنويعات على الهويات القومية للرجل الأبيض. فالبلد غالبية تركيبته السكانية من أصول أوروبية بيضاء، يفتخرون بالتنوع، فهُم من أصول فرنسية وألمانية، كاثوليكية بروتستانتية… لكنّ مياهًا كثيرة جرت تحت الجسر منذ ذلك الزمن، بداية من حركة الحقوق المدنية التي رفعت بعض القيود عن المرأة والسود، وصولا إلى زيادة معدلات الهجرة من كل مكان في العالم. ومع الوقت، بدأت هذه الأقليات الجديدة تسعى إلى تمثيل سياسي يناسب حجمها. في خلال العقدين الأخيرين، تصاعد دور الأقليات في المشهد السياسي الأميركي، حتى وصلنا إلى ما حدث منذ بضعة أيام بوصول أول امرأة ملونة للبيت الأبيض بعد باراك أوباما أول رئيس ملون للولايات المتحدة”.

ثم يستكمل ناجي تدوينته المعنونة بـ “أميركا.. صراع الهويات لا السياسات” بأن كل هذه الأقليات تتعايش بسلام اجتماعي، ما عدا الغالبية المحافظة البيضاء التي تشعر بالخطر والتهديد، وترى أن أميركا التي تعرفها تختفي أمام أعينها، كما أسلفنا سابقا هذا الشعور بالخطر والتهديد هو الذي أتى بترامب إلى السُّلطة قبل أربعة أعوام لإعادة البلد إلى أصحابها الحقيقيين، فالخلاف السياسي في أميركا جوهره عِرقي وهوياتي.

ما وصل إليه ناجي خلال انطباعاته عن الحياة في أميركا وصل إليه بشكل مختلف، سامي الكيال في تحليله الرصين لطبيعة الأيديولوجيا التي هزمت ترامب قبل أيام في الانتخابات، حيث شكَّل الحزب الديمقراطي تحالفا وأيديولوجيا “تُحدِّد العدو بوصفه “الرجال البيض” غير التقدميين وعائلاتهم، أي نحو نصف الشعب الأميركي”، لكن ترامب كان مستعدا لأخذ حالة العداء السياسي إلى أقصاها كونه سياسيا أكثر راديكالية من كل خصومه، فبدأ في سياسة التضييق على المهاجرين، وانتقل من وضع فقراء العمالة اللاتينية في الأقفاص إلى منع الشركات التقنية من تعيين غير الأميركيين، بل وتهديد الجامعات بترحيل الطلاب الأجانب، فضلا عن مشروعه المُجهَض ببناء الحائط الذي يفصل بين المكسيك وأميركا.

يُعرَف أنصار بايدن من يمين ويسار الوسط والتقدميين أنفسهم باعتبارهم طرفا شديد الليبرالية، لا يمكنهم الموافقة نظريا بالتأكيد على ممارسة سياسية تقوم على تحديد العدو وتجريمه، تمهيدا لإلغائه سياسيا وثقافيا، في الوقت الذين يقومون فيه بتعبئة سياسية مستمرة ضد هذا العدو، أي ضد كل أبيض ذكوري محافظ.

خلال تظاهرة ضخمة مؤيدة لترامب في واشنطن، جاءت من كل أنحاء الولايات المتحدة، عقب ادّعائه سرقة الانتخابات، كان الصحافي المصري عبد الرحمن يوسف في القلب منها، حيث لاحظ عبد الرحمن(9) أن “التجمعات أكبر من مجرد تظاهرة سياسية لأنصار سياسي أو مرشح تقول النتائج الرئيسية إنه خسر في الانتخابات، بل كانت مظاهرة ثقافية واجتماعية ودينية أيضا، مظاهرات قدّمت وجها آخر لأميركا”، خلال التظاهرات كان هتاف “USA.. USA” متكررا، وحين سأل بعض المتظاهرين: “ما معنى هذا الشعار وما علاقته بالانتخابات؟ قالوا إن هذا هتاف لأميركا لأن الديمقراطيين والليبراليين يريدون أن يسرقوا أميركا منا”. قادت هذه الإجابة العامة عبد الرحمن لتوجيه أسئلة أكثر خصوصية، فسأل المتظاهرين: “لماذا أنت هنا اليوم؟”، أحدهم قال إنه هنا من أجل منهاج التعليم، أنا سئمت من مناهج التعليم الليبرالية ولا أريدها لأولادي، وآخر تحدَّث عن عدم رغبته في تدريس نظرية التطور لأولاده، شخص آخر تحدَّث عن السلاح، وأن هذا حق دستوري لكنّ الديمقراطيين يريدون أن يُقوِّضوا هذا الحق، في حين يرى أن السلاح هو الضمانة الرئيسية لحماية الأفراد من تغوُّل الحكومة عليهم، ويرى أن الحرية هي وجود دور أقل لصالح الحكومة، وضرائب أقل، وأن هذا البلد “بُنيَ على مواجهة الحكومة وليس الخضوع لها”، وهذا ما يريد أن يهدمه الديمقراطيون.

يروي عبد الرحمن أن الغالبية ممن حضروا يبدو عليهم أنهم ينتمون للطبقة الوسطى أو أقل، وأن كثيرا منهم رفع شعارات الانتماء للريف أو الزراعة، لا يحبون واشنطن ولا أهلها، وينظرون إليهم بوصفهم أُناسا مستعلين ومغرورين، ولا يعبرون عن أميركا الحقيقية، وسط اعتقاد سائد بأن الديمقراطيين هم مجرد شيوعيين أو اشتراكيين في أحسن الأحوال يحتقرون أميركا البيضاء المحافظة البروتستانتية.

هذه الوضعية السياسية وهذه الأيديولوجية التي تبنّاها الحزب الديمقراطي بسياستهم التجييشية ضد خصومهم البيض، اللا أخلاقيين، الأغبياء، أدّت إلى نمط من الحرب الأهلية الباردة الدائمة، لا يمنع تحوّلها إلى حرب ساخنة إلا قوة مؤسسات السلطة التنفيذية في الدول الغربية، يتذكّر(10) أحمد ناجي كيف أن هذا التنوع وهذا الصراع السياسي يُخفي وراءه “غضبا نلمسه بوضوح في الكثير من التفاصيل، غضبا مكبوتا لدى الجميع تجاه الجميع، الفقراء ضد الأغنياء، الأغنياء ضد الفقراء، والأعراق والأصول المختلفة ضد العِرق الأبيض، أذكر العام الماضي، بعد انتهاء التدريب في “الصالة الرياضية”، جلست في الجاكوزي وبجواري شاب أبيض وآخر أفريقي، يتحدثان عن مزايا الأسلحة الشخصية المختلفة. سألني أحدهما عن رأيي في مسدس ما، فقلت إني لا أفهم في الأسلحة، فنظرا إليّ بدهشة، فسألتهما: ولماذا أهتم؟ فاندهشا أكثر، وردّا على سؤالي بسؤال آخر: لكن ماذا لو قامت الحرب الأهلية قريبا، ماذا ستفعل؟ ابتسمتُ ولم أُعلِّق”.

من المستبعد أن تتجاوز أميركا حالة الاستقطاب الحاد، أو الحرب الأهلية الباردة، وتصل إلى حالة من العنف الأهلي الواسع، نظرا لقوة السلطة التنفيذية الأميركية، لكن الشاهد هنا أن الولايات المتحدة دخلت في منعطف سياسي خطير، بدأ بصعود ترامب إلى السُّلطة، ويزداد خطورة مع إستراتيجية الحزب الديمقراطي لإزاحة ترامب عن السُّلطة، وإلى أن تتلاشى أسباب الشعبوية الهوياتية التي ضربت الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يبدو أن القوة الغاشمة للحكومة الأميركية هي كل ما يجمع الأميركيين الآن.

—————————————————————————-

المصادر:

SEN. BERNIE SANDERS ADDRESSES THE NATION: TRUMP’S THREAT TO OUR DEMOCRACY

سقوط ترامب أو عندما تفقد الثقافة السائدة شيطانها، محمد سامي الكيال، جريدة القدس العربي

مفهوم السياسي، كارل شميت، ترجمة سومر المير محمود، مركز مدارات للأبحاث والنشر

ضمير شخص ليبرالي: الاقتصاد السياسي لتطور الحياة السياسية والحزبية الأميركية، بول كروجمان، ترجمة مجدي صبحي، المركز القومي للترجمة

سقوط ترامب أو عندما تفقد الثقافة السائدة شيطانها، محمد سامي الكيال، جريدة القدس العربي

المصدر السابق

أميركا.. صراع الهويات لا السياسات، احمد ناجي، المدن

المصدر السابق

تدوينة الصحفي عبد الرحمن يوسف عن التظاهرات المؤيدة لترامب

مصري في تظاهرة أميركية.. أو كابوس الهزيمة مرة أخرى، أحمد ناجي، المُدن

——————————–

من هو أنتوني بلينكن؟/ أليكس راول

أثار خبر تعيين أنتوني بلينكن وزيراً مقبلاً للخارجية الأميركية انقساماً في أوساط الحزب الديمقراطي، بين الليبراليين والوسطيين الذين رحّبوا به على اعتباره عودةً إلى الكفاءة والفعالية الدبلوماسية والحكومية، وإلى الانفتاح على العالم بعد أربع سنين من إدارة الرئيس دونالد ترامب المعروف بشعاره الانعزالي «أميركا أولاً»، وبين طرف إلى اليسار، يشمل منتقديْ مواقف بلينكن السابقة المؤيدة للتدخل العسكري في العراق عام 2003، وليبيا عام 2011، وسوريا فيما بعد، الذين يصنفونه «متدخلاً ليبرالياً» وداعماً حازماً لإسرائيل.

والواقع أن بلينكن، البالغ من عمره 58 عاماً، وصاحب الخبرة المهنية في مجال السياسة الخارجية منذ زمن الرئيس بيل كلينتون في تسعينات القرن الماضي، قد شغل مناصب بارزة في إدارة الرئيس باراك أوباما السابقة، كنائب مستشار للأمن القومي بين 2013 و2015، ثم نائب وزير الخارجية بين 2015 و2017، إلا أنه لطالما كان أقرب إلى الرئيس المنتخب الحالي جو بايدن، منذ أيامه الأولى في لجنة مجلس الشيوخ الأميركي للعلاقات الخارجية في أوائل الألفينات. في الانتخابات الرئاسية عام 2008، كان بلينكن يعمل لصالح حملة بايدن غير الناجحة وليس في حملة أوباما الفائزة، كما أنه عمل لاحقاً مستشاراً للأمن القومي خصيصاً لبايدن (الذي كان نائب الرئيس وقتئذ) بين 2009 و2013. لا شك بالتالي أن رؤية بلينكن السياسية تختلف عن رؤية أوباما على عدة أصعدة، ليس الشأن السوري أقلّها.

«ارتكبنا خطأ»

فيما يخص سوريا، من اللافت أن بلينكن كان من أشد الداعمين الديمقراطيين لفكرة ضرب نظام الأسد بعد المجزرة الكيماوية الكبرى في غوطتي دمشق الشهر آب (أغسطس) عام 2013، واشتهرت مقولته حينها بأن «القوى العظمى لا تهدد كذباً»، إشارةً إلى الرئيس أوباما الذي توعّد الأسد بالمعاقبة العسكرية في حال استخدم الأسلحة الكيميائية ولم يفعل. في السنوات التالية، عبّر بلينكن عن أسفه لعدم توفير المعارضة السورية بالمزيد من الدعم، قائلاً: «في سوريا (…) ارتكبنا خطأ عدم القيام بما يكفي (…) واليوم نرى النتائج، في مئات الآلاف من المدنيين الموتى، والملايين من اللاجئين الذين قد زعزعوا استقرار أوروبا، والنفوذ المتزايد لكل من روسيا وإيران وحزب الله».

وفي حديث جرى في شهر أيار (مايو) من العام الراهن، شرح بلينكن أفكاره ومقترحاته تجاه سوريا بالمزيد من التفاصيل: «هذا أمر يؤثر عليّ بشكل شخصي، كما على أيٍ منّا – وأبدأ مع نفسي – الذين كان لنا أي مسؤولية عن سياستنا بخصوص سوريا (…) لقد فشلنا في منع خسارة مروعة للأرواح. فشلنا في منع نزوح عدد هائل من الناس داخل سوريا، وطبعا خارجها كلاجئين. وهذا شيءٌ سآخذه معي طوال بقية أيامي. إنه شيء أشعر به بقوة».

من ناحية الخيارات المتاحة للولايات المتحدة اليوم، يضيف بلينكن: «أعتقد أنّا لا نزال نمتلك قدرة على المحاولة لتحصيل بعض التطورات الإيجابية. لا يزال لدينا عدد صغير من القوات الخاصة في شمال شرق سوريا (…) يجب ألا نتخلى عن ذلك مجاناً. أيضاً، لنا قدرة أكبر من أي بلد آخر على حشد الآخرين للمساعدة في إعادة بناء سوريا وإعادة إعمارها في الوقت المناسب. علينا أن نتأكد من أنه، إن كنّا سنلعب هذا الدور فعلاً، فيجب أن نؤمّنَ شيئاً ما للشعب السوري في المقابل. على سبيل المثال، إذا كانت إدلب محاصرة، فذلك يجب أن يتوقف. إذا كانت المساعدات الإنسانية لا تدخل البلد، فذلك يجب أن يحصل. وعلينا أن نستخدم كل إمكانياتنا للحرص على أن يحدث نوعٌ ما من الانتقال السياسي الذي يعكس رغبات الشعب السوري».

ولذلك، اختتم حديثه بالقول إنه «يكاد أن يكون مستحيلاً أن أتخيل» أن إدارة بايدن ستطبّع العلاقات مع نظام الأسد.

أمّا بالنسبة للدول العربية الأخرى، يبدو أن بلينكن سيشجّع الرئيس بايدن على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في أكثر من بلد، حيث انتقدَ الاعتقالات الأخيرة في مصر عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر نهار الجمعة الفائتة. فيما يخص الخليج، سبق وأعلن بايدن نفسه، في مناسبة مرور عامين على اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أن حكومته «ستعيد النظر في علاقتنا مع المملكة (السعودية)، وتوقف الدعم الأميركي لحرب السعودية في اليمن، وتتأكد من أن أميركا لا تتخلى عن قيمها لبيع الأسلحة أو شراء النفط. التزام أميركا بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان سيكون أولوية حتى مع حلفائنا الأقرب».

العودة إلى طهران

في الوقت نفسه، وعلى سيرة الأولويات، تقول جريدة ذا واشنطن بوست إن أحد الطموحات الثلاثة الكبرى لدى إدارة بايدن في مجال السياسة الخارجية على المدى القريب هو إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب الرئيس ترامب منه، وهو الهدف الذي لن يتناغم بسهولة مع مواجهة «محور المقاومة» الذي تقوده إيران إقليمياً، المتمثل في سوريا بنظام الأسد ذاته.

ومن ناحية أخرى، من المفيد الانتباه إلى أن الهدفَين الإثنين الرئيسيَّين الآخرَين لدى إدارة بايدن سيكون مسرحُهما خارج الشرق الأوسط، فهُما إعادة الوجود والدور الأميركي في كل من اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. وقد لمّح بلينكن أكثر من مرة إلى أن التحديات الخارجية الأساسية للولايات المتحدة في السنوات القادمة ستكمن في مواجهة القوى الصاعدة عالمياً كالصين وروسيا، ما يتطلب المزيد من الاهتمام والتشابك في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، وليس المنطقة العربية، كما قال في حوار في شهر تموز (يوليو) الماضي:

«مع إدارة بايدن، سنرى المزيد من الاهتمام بمنطقة المحيط الهادئ والهندي، وبمنطقتنا نحن، إضافةً لبعض التشابك المستديم مع إفريقيا. وبالتأكيد تبقى أوروبا حليفاً أساسياً بالنسبة للتعامل مع التحديات التي نواجهها. إذن، على صعيد تخصيص الوقت وأولويات الموازنة، أعتقد أنّا سنعمل أقل وليس أكثر في الشرق الأوسط».

موقع الجمهورية

https://www.cbsnews.com/news/transcript-joe-biden-foreign-policy-adviser-antony-blinken-on-covid-shortfalls-failures-in-syria

https://www.washingtonpost.com/gdpr-consent/?next_url=https%3a%2f%2fwww.washingtonpost.com%2fopinions%2famerica-first-is-only-making-the-world-worse-heres-a-better-approach%2f2019%2f01%2f01%2f1272367c-079f-11e9-88e3-989a3e456820_story.html

———————————

ماذا بعد نجاح بايدن؟/ حيان جابر

وضَع انتصار بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، حدًا لفترة ترامب الرئاسية الحافلة بالإثارة والجدل، نظرًا لمضمون خطاب ترامب وممارساته العنصرية والفوقية. لكن هل ستعكس فترة بايدن مضامين أو مظاهر مختلفة عمّا أشاعته مرحلة ترامب؟ وما هي أبرز سمات مرحلة بايدن المتوقعة في الأشهر المقبلة؟

كانت مرحلة رئاسة ترامب مليئة بالقرارات المثيرة للجدل، على الصعيدَين الإقليمي والدولي، مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووقف تمويل (أونروا)، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية ومن مجلس حقوق الإنسان، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتقويض عمل المحكمة الجنائية الدولية، والعديد من القرارات الأخرى التي تعبّر عن تغيّر في طبيعة الدور الأميركي عالميًا؛ اذ اعتبر ترامب أن الوقت قد حان كي يدفع حلفاء أميركا ثمن تدخّل الولايات المتحدة الأميركية لتنظيم شؤون العالم، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. أي إن ترامب سعى إلى ربط الدور الأميركي الخارجي بمكتسبات أميركية واضحة ومباشرة وسريعة، اقتصاديًا وسياسيًا وإعلاميًا، وكأن تدخلاتها السابقة كانت مجانية وذات دوافع أخلاقية وإنسانية!

طبعًا، يعلم العالم أجمع حجم المكاسب الأميركية من تدخلاتها الخارجية المباشرة، كما نعلم حجم مكاسبها السياسية والاقتصادية، من كونها الداعم الأكبر والأهمّ لمعظم برامج الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها وبغيرها من التحالفات الدولية والإقليمية كالناتو، مثلًا. لذا لم تكن قرارات ترامب بدافع البحث عن ثمن التدخل الأميركي، كما لم تكن تعبيرًا عن طمع بمزيد من المكاسب فحسب، فهي سهلة التحقيق بوسائل أخرى، إنما تعكس هذه القرارات جانبين: الأول تغيّرات في الرغبة والقدرة الأميركية، فرضتها الوقائع الأميركية الداخلية ولا سيّما تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الأميركية في السنوات الأخيرة؛ والثاني تغيّرات في طبيعة وشكل وتوجهات القوى الدولية المسيطرة العميقة، ولا سيما الشركات الاحتكارية العابرة للقارات، كالشركات الناشطة في المجالات المالية والأمنية والسيبرانية، التي تسعى إلى لعب دور بارز ومباشر في صياغة السياسات الدولية، من أجل تلبية مصالحها المتنامية عالميًا.

وبناء على ذلك؛ لا بدّ من التمييز بين معطيَين مختلفين، لفهم قرارات الرئيس الأميركي ترامب: أحدهما يعبّر عن ثوابت جديدة تسعى أميركا إلى فرضها عالميًا؛ والثاني مستمدّ من شخصية ترامب الهجومية والصدامية المتطرفة. ويتجلى المعطى الثاني في مدى تطرف القرارات الترامبية، وتجاهله المطلق لأبسط قواعد العمل الدبلوماسي، ورفضه المطلق لنهج التغيير المتدرج، لذا شهدنا قرارات حاسمة وصادمة في جذريتها، كوقف تمويل منظمات أممية، والتماهي المطلق مع سياسات اليمين الصهيوني العنصرية والاستعمارية.

ويوحي المعطى الأول بجوهر إستراتيجي غير شخصي، يعبّر عن توجّه أميركي عام؛ إذ لم يُقابل برفض صريح ومطلق من دوائر صنع القرار الأميركية، حتى على المستوى الحزبي، فقد دعم الجمهوريون جميع قرارات ترامب، في حين عبّر الرفض الديمقراطي عن خلاف حول أساليب ترامب الفجّة من ناحية، وعن مناكفة حزبية من ناحية ثانية، لا أكثر. وبناءً على ذلك؛ قد لا نشهد تبدّلًا أميركيًا جذريًا وكاملًا في عهد بايدن المقبل، بقدر ما سنشهد تراجعًا تكتيكيًا منمقًا ومحدودًا في معظم الملفات، مثل العودة عن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع الإيرانيين، بشرط تضمينه أبعادًا جديدة تتعلق بضمان السيطرة الأميركية على قدرات ودور إيران في المنطقة، وهو ما يفهم من تصريحات بايدن الخاصة بهذا الملف. وكذلك الحال بخصوص التماهي مع سياسات اليمين الصهيوني، حيث لن تتراجع الإدارة الأميركية الجديدة عن أي منجز صهيوني ميداني، في مقابل عودة خطاب سياسي تمويهي منمّق، يتمسّك بحلّ الدولتين، ويتجاهل التصدي للمتغيرات الميدانية الصهيونية التوسعية والإجرامية بحق الشعب والأرض الفلسطينية والعربية. وعلى صعيد الدعم والدور الأميركي العالمي، أعتقد أن من الصعب (وربما من المستحيل) العودة إلى ما قبل المرحلة الترامبية، واستعادة الدعم الأميركي دوليًا وأمميًا، ماليًا وسياسيًا وعسكريًا، من خلال عودة مشروطة ومحدودة الحجم، ماليًا وسياسيًا، انسجامًا مع إستراتيجية التغير المتأنية التي تضمن لأميركا قدرتها على ضبط ردّات الأفعال المحتملة والحد من تأثيراتها المباشرة.

وبذلك؛ غالبًا ما سوف تجسّد سياسات وقرارات بايدن معادلة أميركية جديدة، تتمثل في أن الولايات المتحدة الأميركية هي الطرف الأقوى عالميًا، اقتصاديًا وعسكريًا وماليًا فقط، أي بمعزل عن ممارسة دورها التاريخي كقطب وحيد مهيمن ومسيطر على العالم، الذي تجسد في المرحلة التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفياتي؛ إذ تفسح الولايات المتحدة المجال اليوم أمام تولي قيادة عالمية جديدة للعب هذا الدور، وفق قواعد جديدة لمّا تظهر ملامحها بعد، قيادة غير تقليدية تعكس مصالح الشركات العابرة للقارات المسيطرة اليوم على أهمّ المفاصل الحيوية الاقتصادية والاجتماعية. الأمر الذي يستدعي إفشال الآليات والمؤسسات والنظم الدولية المعمول بها منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما عكسته سياسات ترامب الصادمة في السنوات القليلة الماضية.

ويساهم نموّ الاقتصاد الصيني المتواصل وتشعّب علاقاتها واستثماراتها الخارجية، في تزايد التكهنات حول قدرتها على استغلال التراجع الأميركي عن قيادة العالم، عبر ملء الفراغ الأميركي دوليًا. ولكن الصين تفتقر إلى جملة من العوامل الضرورية لملء هذا الفراغ في الأمد المنظور، مثل عدم سيطرتها اقتصاديًا أو عسكريًا على أهمّ المفاصل والثروات والقطاعات الحاسمة في العصر الراهن، كالقطاعات المالية؛ السيبرانية؛ مصادر الطاقة التقليدية وتلك المتعلقة بتكنولوجية قطاع الطاقة البديلة، فضلًا عن غياب السيطرة العلمية، ومحدودية المساهمة البحثية، وثانوية المساهمة في الابتكارات الحيوية الطبية والتكنولوجية؛ إضافة إلى افتقار الصين إلى نموذج حضاري أو إنساني جاذب عالميًا، يجعلها مثالًا يُحتذى على المستوى الدولي والشعبي.

ويبدو لي أن الصين ذاتها تدرك عدم قدرتها الحالية على ملء الفراغ الأميركي، وقد تبدى ذلك في تجنبها ملء الفراغ الأميركي الذي أحدثته سياسات ترامب الصادمة، في السنوات القليلة الماضية. وهو ما يجعل الساحة الدولية مهيئة لتلاعب أميركي في عهد بايدن أيضًا، في ظل غياب العوائق الجدية أمام محاولات صياغة نظام ومنظومة ومؤسسات وقيم دولية جديدة، تعبّر عن جشع واستغلال وغرائزية رأس المال الأكثر توحشًا، كالتي تجسدها الشركات الاحتكارية العابرة للقارات ذات الأدوار العسكرية والسياسية المتنامية عالميًا.

مركز حرمون

————————–

سوريا في صراع العلاقات التركية – الأميركية/ رضوان زيادة

على الرئيس بايدن اتخاذ قرار فيما يتعلق بالعلاقات التركية الأميركية وخاصة فيما يتعلق بسوريا، فإذا كان بايدن يريد اتخاذ موقف متشدد من روسيا كما هو المتوقع، فروسيا تحتفظ بوجود عسكري ضخم في سوريا دعما لنظام بشار الأسد، كما أن تركيا لديها وجود عسكري قوي يتمثل في الشمال السوري بعد عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات ومعركة عفرين التي تمكنت من خلالها من السيطرة على المدينة بعد طرد قوات الحماية الكردية المشكلة من قوات حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا شرسة مع الحكومة التركية على الأراضي التركية والعراقية والآن السورية.

وبالتالي على الولايات المتحدة أن تختار من سيكون حليفها في سوريا. روسيا كما هو الحال في إدارة ترامب التي لم تتحدَ الوجود العسكري في سوريا أبدا واعتبرته جيدا فيما يتعلق بالفضاء على الإرهاب، أم تركيا التي تحاول حماية إدلب وجوارها من عملية عسكرية محتملة من قبل النظام وروسيا وأعتقد هذا سيكون مصدر خلاف تركي أميركي قادم وسيجبر الرئيس بايدن على بناء استراتيجيته المحتملة فيما يتعلق بسوريا.

فالعلاقة التركية – الأميركية وصلت إلى مستوى متدهور للغاية ولذلك بالرغم من تصريحات بايدن السلبية تجاه أردوغان خلال الحملة الانتخابية فإن إمكانية تحسين هذه العلاقات وخروجها من الإطار الشخصي في عهد ترامب إلى علاقات تقوم على المصالح المتبادلة في عهد بايدن وهو ما من شأنه أن يقوي الموقف التركي في سوريا.

بيد أن القضية الرئيسية التي ستعقد العلاقات التركية الأميركية هي موقع قسد في الخريطة السورية، حيث ترغب وتسعى تركيا إلى إنهاء وجود قسد على الحدود السورية – التركية كما فعلت في عمليتها العسكرية غصن الزيتون وهو ما دفع بقسد إلى التراجع نحو الرقة والقامشلي ومناطق شمال شرق سوريا، حيث مناطق وجود القوات الأميركية، لكن قسد لا تحظى بأي دعم شعبي سوري وهو ما يجعلها دوماً محط انتقادات من القبائل العربية الموجودة هناك، وهو ما يسبب إحراجا للقوات الأميركية هناك، بيد أن قسد في الوقت نفسه تحظى بدعم قوي من داخل الكونغرس من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بوصفها حليفة الولايات المتحدة في حربها على داعش في سوريا، وهو ما يضع الرئيس الأميركي القادم بايدن أمام خيارات صعبة في الاختيار وفي تحديد استراتيجيته القادمة في سوريا وكيف سيكون موقع قسد فيها.

إن سياسة بايدن المحتملة في سوريا تعتمد بشكل رئيس على الموقع الذي يمكن أن تحتله سوريا في سياسة بايدن الخارجية القادمة، بالتأكيد سيكون تركيز بايدن على القضايا الداخلية وخاصة القضاء على فيروس كورونا وإنعاش الاقتصاد، لكن في الوقت نفسه عليه أن يضع أولوياته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط وما هو موقع سوريا ضمنها، وكيف سينظر إلى الجانب الإنساني والعسكري والسياسي المعقد في سوريا، وهو ما يدفعنا بعد ذلك لتقدير مدى الانخراط التي يمكن أن تقدمه إدارة بايدن القادمة في الأزمة السورية.

وفي الوقت نفسه يجب أن لا ننسى أن الأزمة السورية لن تكون منفصلة عن السياسة الأميركية التي ستتبعها إدارة بايدن تجاه روسيا وإيران، وهو ما يجعل القضة السورية أيضا رهينة الصفقات الدولية والإقليمية التي يمكن أن تجري على حساب إنهاء الأزمة السورية.

وفي الوقت نفسه فإن هذه الأولويات تعتمد أيضا على الفريق الذي يختاره بايدن للسياسة الخارجية والأمن القومي، وعلى ردة فعل الإدارة على الأحداث المتكررة على الأرض السورية، كل ما نستطيع أن نأمله هنا هو أن ينظر بايدن إلى الأزمة السورية بعيون مستقلة عن إدارة أوباما السابقة وأن يعمل على ترتيب الأولويات الإقليمية والدولية لصالح ترتيب حل سياسي في سوريا ينهي عشر سنوات من الألم المزمن الذي يعيشه السوريون. ومع اختيار بلينكن لوزارة الخارجية تزيد مساحة التفاؤل نظرا للموقع والتصريحات التي عبر فيها عن خيبة أمله من السياسة الأميركية في سوريا خلال عهد أوباما وانتظاره الفرصة كي يقوم بتصحيح الأخطاء، وأعتقد أن وقت الفرصة قد حان مجدداً.

تلفزيون سوريا

———————————–

========================

تحديث 29 تشرين الثاني 2020

—————————–

مقاربة بايدن الإيرانية/ بسام مقداد

كانت إيران بين الدول، التي تابع مواطنوها الإنتخابات الأميركية “خطوة خطوة وولاية ولاية”، كما كتب على موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية باحث إيراني زائر في جامعة أوراسيا في كازاخستان. وتشير مواقع التواصل الإجتماعي الإيرانية على تويتر وإنستغرام، حسب أحمد فخشيته، بأن إيرانيين كثر لم يناموا الليل وهم يتابعون التنافس بين ترامب وبايدن، الذي شطرهم، كما الأميركيين، وإن كانت قيادتهم تفضل فوز جو بايدن، ويتساءل الكاتب كيف يمكن تفسير هذا التأثير المباشر للإنتخابات الأميركية على الوضع في إيران، ولماذا كان سعر صرف العملة الإيرانية مقابل الدولار وسعر النقود الذهبية يتغير وفق تبدل مواقع المتنافسين في عملية فرز الأصوات، فكان يرتفع سعر العملة الإيرانية تجاه الدولار والنقود الذهبية مع تقدم بايدن، وينخفض مع تقدم ترامب.

وقبل أن يحاول الرجل الإجابة عن تساؤلاته، سرد مطولاً تطور العلاقات الأميركية الإيرانية بعد الثورة الإسلامية العام 1979، وكيف تطور إنقسام الإيرانيين إلى راديكاليين بزعامة المرشد الأعلى خامنئي متمسكين بشعار الثورة “لا شرق ولا غرب، عاشت الثورة الإسلامية”، وإصلاحيين بزعامة روحاني حالياً يدعون إلى التقارب مع الغرب. لكن وصول ترامب إلى البيت الأبيض ومن ثم إنسحابه من الإتفاقية مع إيران، غير قواعد اللعبة الإيرانية، وبدل تصور الإصلاحيين المثالي عن الغرب، ووضع الرئيس روحاني في مأزق، لم ير مخرجاً منه سوى في اتخاذ خطوات تستند إلى أيديولوجية الثورة الإسلامية في التوجه نحو الشرق، مما كان يتوافق مع إستراتيجية خامنئي في السياسة الخارجية. وقد ساعد هذا التكتيك حكومة روحاني، من جهة، على كسب الوقت حتى الإنتخابات الرئاسية الأميركية الحالية والمراهنة على فوز بايدن، ومن جهة أخرى على ضمان دعم جميع أجهزة الدولة في الإحتجاجات المحتملة بسبب الصعوبات الإقتصادية، وهو ما أثبت فعاليته في احتجاجات خريف العام 2019 ضد ارتفاع أسعار البنزين.

ويعتبر الباحث أن ثمة ثلاث مفارقات في مقاربة إيران للعلاقة مع الولايات المتحددة، تتمثل أولاها في أن المجموعات الطلابية الراديكالية، التي احتلت السفارة الأميركية في طهران في 4 تشرين الثاني/نوفومبر العام 1979، هي نفسها، التي تدعو اليوم لتوسيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وتسمي التوجه نحو الشرق (روسيا والصين) “توجهاً خاطئاً”. وتقوم المفارقة الثانية على أن القيادة الروحية لإيران تفترض، من جهة، أن الولايات المتحدة ضعيفة حيال إيران، وليس بوسعها القيام بأية عمليات ضد الجمهورية الإسلامية، وأن ليس للعقوبات الأميركية تأثير مهم على إيران القوية لدرجة، أن بوسعها تدمير إسرائيل عند الضرورة. ومن جهة أخرى، في كل مرة تبرز فيها صعوبات إقتصادية جدية وتتسع حركة الإحتجاجات، يسمون الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” ومصدر جميع المشاكل الإيرانية. أما المفارقة الثالثة فتتمثل في قيام القيادة الإيرانية والحكومة كل عام في سنوية إحتلال السفارة الأميركية بطقوس إحراق العلم الأميركي في المبنى القديم للسفارة. لكن بدل هذه الطقوس كان الإيرانيون في 4 تشرين الثاني/نوفومبر هذه السنة يتابعون الإنتخابات الأميركية، وكأنها إنتخاباتهم الرئاسية، لأنهم واثقون من أن فوز ترامب أو بايدن سيكون له تأثير مختلف، إنما مباشر، على حياتهم. وحين أُعلن فوز بايدن انخفض سعر الدولار من 300 ألف ريال إلى 240 ألفاً (خلال رئاسة ترامب ارتفع سعر الدولار من 35 ألف ريال إلى أكثر من 300 ألفاً، حسب الكاتب).

ويفترض الكاتب، أن رئاسة بايدن ستوفر عدداً من الشروط لعودة أميركا إلى الصفقة النووية مع إيران، يتمثل أولها في إنتقاد بايدن وإدانته لمقاربة ترامب لإيران، مما سيمهد الطريق لإقامة العلاقات معها بروحية سلوك أوباما الديموقراطي. وستقوم الولايات المتحدة مجدداً بإعادة تقويم ميزان التهديدات بين إيران والبلدان العربية، وستولي الكثير من الإهتمام للسعودية.

إضافة إلى هذين الشرطين، اللذين ستوفرهما رئاسة بايدن، يفترض الكاتب، أن إدارة بايدن ستنتهج سياسة التقارب مع الصين وتخفيض دور موسكو وتأثيرها في طهران، وكذلك تخفيض أهمية الشراكة الإيرانية الروسية في معالجة قضايا الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى عزل روسيا.

ولا يستبعد الكاتب أن فوز بايدن، وبسبب الصداقة القديمة، التي تربطه مع جواد ظريف، ستتوفر لهذا الأخير حظوظ مرتفعة في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة، وقد يصبح المرشح الرئيسي للتيار الإصلاحي و”منقذ” إيران في الخروج من مأزق العزلة الدولية.

وكالة تاس، من جانبها، نشرت نصاً حول سلوك الولايات المتحدة المحتمل حيال إيران في ظل رئاسة بايدن. وهي ترى، أن إدارة ترامب، وخلال الأيام المتبقية لها، بوسعها أن تزرع ألغاماً مؤقتة قد تتعثر بها إدارة بايدن. فقد أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو “برنامجاً داهماً” للعقوبات على إيران، كان أولها ما أعلنه من عقوبات جديدة على المنظمة الخيرية “مستضعفان” ووزير المخابرات محمود علوي. ويقول كاتب النص، بأن فرض العقوبات أسهل بكثير من رفعها، وسيتعين على بايدن التعامل مع تركة ترامب، وشرح ما الذي حصل عليه مقابل رفع كل عقوبة. وستتطلب هذه العملية وقتاً طويلاً، والكثير من العقوبات لن ترفع، في حين أن الوقت يعمل لتعزيز الصراع، حيث ستجري العام 2021 إنتخابات عامة في إيران، قد يفوز بها المتشددون المعارضون بشدة لأي تقارب مع أميركا.

الهدف الإستراتيجي لإدارة ترامب بقوم في جعل مقارباتها تعمل في ظل إدارة الديموقراطي بايدن أيضاً. ويشمل هذا الهدف السياسة الشرق أوسطية، حيث النقاشات بين الجمهوريين والديموقراطيين تتعلق بمستوى دعم إسرائيل، العلاقات مع السعودية والتدابير الآيلة للحؤول دون صنع إيران للسلاح النووي. وأهداف إدارة ترامب بشأن إيران تبقى غير واضحة، إلا أنها أكثر ما تذكّر بمحاولة جعل السلطات الإيرانية تبلغ حافة الإنهيار، أو الإستسلام دون قيد أو شرط، حسب ما أعلن لوكالة تاس خبير معهد واشنطن لبلدان الخليج علي الفونة.

سياسة “الضغط الأقصى”، التي اتبعتها إدارة ترامب حيال إيران، استهلتها بالخروج من الصفقة النووية، التي عقدت في عهد نيابة رئاسة بايدن، وركزت منذ البداية على تصدير النفط الإيراني ـــــ البند الرئيسي في مداخيل إيران، مما أسفر عن إنخفاض الناتج الإجمالي الإيراني العام 2019 بمقدار 7,6%. لكن هذا الضغط على تصدير النفط ليس أقصى العقوبات الممكنة، إذ أن العقوبات يمكن أن تطاول، حسب الخارجية الأميركية، أي مؤسسة إيرانية مرتبطة ببرنامج الصواريخ البالستية، أو بدعم الحركات الشيعية في الشرق الأوسط.

وتقول تاس، بأن مهمة بايدن لن تكون سهلة في الشرق الأوسط، حيث التشابك المعقد لمصالح جميع الأطراف فيه. فأي تنازل لأحد الأطراف، سوف يعني مباشرة تعزيز مواقع الطرف الخصم. فإذا ما رفع بايدن العقوبات عن إيران، سوف يؤدي ذلك إلى تحسين وضعها الإقتصادي، مما سيؤدي حتماً إلى تعزيز موقع الحوثيين ضد السعودية، ومواقع حزب الله وحماس ضد إسرائيل. وفرض العقوبات على إيران في العام 2018 أدى إلى زعزعة مواقع حكومة الإصلاحيين، وتعزيز مواقع المتشددين الداعين إلى العزلة عن العالم. وفوز بايدن واحتمال الإنفراج المقبل مع الولايات المتحدة هو نبأ مشؤوم بالنسبة لهؤلاء. وتنقل “تاس” عن صحيفة “كيهان” المغرقة في محافظتها قولها، بأن “عداء أميركا لإيران لم يبدأ مع ترامب، ولن ينتهي مع بايدن … وثمة في الحكومة من دأب منذ ثلاث سنوات على تفسير جميع مصاعب البلاد بفسخ الصفقة النووية، وسوف يستخدمون الآن نتائج الإنتخابات الأميركية لصالح أهدافهم السياسية”.

الباحث الإيراني المذكور أعلاه يؤكد أنه، بغض النظر عن تفضيل القيادة الإيرانية والحكومة لوصول بايدن، وعدم تصريح ترامب عن رغبته في إسقاط النظام الإيراني، إلا أن وسائل التواصل الإجتماعي تشير إلى أن الغالبية العظمى من الإيرانيين كانوا يرغبون في فوز ترامب، الذي كان يحاول ممارسة أقصى الضغط على الجمهورية الإسلامية وإنهاء الحكم الديني للبلاد.

المدن

————————————

في عهد بايدن.. هل ينفذ وعيده الانتخابي أو يُقرّ بأهمية تركيا ومصالحها؟/ محمود سمير الرنتيسي

تتناول هذه الورقة المحاور الأساسية التي ستشكِّل ملف العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة في عهد جو بايدن بعد فوزه في الانتخابات الأميركية. وفي حين أن التصور الغالب هو عدم ارتياح أنقرة لفوز بايدن بسبب مواقفه السابقة؛ حيث توعد تركيا في أكثر من ملف منها إس400 والمعارضة التركية. وتأمل أنقرة في التفاهم مع إدارة بايدن التي يُرجَّح أنها تريد تقوية الناتو مجددًا، لكن هذه الآمال لا تُسقط احتمال التوتر في ظل تعدد الملفات الخلافية وتعارض المصالح.

على مدار آخر عمليتين انتخابيتين في الولايات المتحدة كانت طبيعة العلاقة العملية مختلفة قليلًا عن التوقع الأولي لمسار العلاقة، فبالرغم من توقع علاقة متوترة جدًّا بين أنقرة وواشنطن في بداية فترة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسبب تصريحاته ووعوده خلال حملته والتي اعتُبرت عدائية في سياق الإسلاموفوبيا، إلا أن أنقرة وجدت فترة ترامب مختلفة عن أوباما الذي استبشرت بفوزه بفترة ثانية، لكنه زاد من دعم وحدات الحماية، وشهدت تركيا خلالها انقلاب 15 يوليو/تموز 2016.

وبعد السنة الأولى لترامب، نجح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في فتح قناة اتصال مع إدارة ترامب استطاع من خلالها التأثير على قناعات الرئيس الأميركي في بعض الأمور من جهة ومنع تعميق الأزمة في قضايا أخرى على الأقل، ومع ذلك كان هناك العديد من القضايا التي بقيت عالقة والتي اعتُبرت انعكاسًا لسياسة الدولة أكثر منها سياسة الرئيس. وقد تواصل ترامب وأردوغان من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وحتى أغسطس/آب 2020 فيما مجموعه 48 مرة منها 10 مرات وجهًا لوجه بمعدل مرة شهريًّا خلال 4 سنوات(1).

بقيت قناة الاتصال بين ترامب وأردوغان فعالة حتى الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري والتي فاز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بها حسب النتائج غير الرسمية. وبسبب هذه القناة وفعاليتها من جهة وبسبب مواقف وتصريحات غير إيجابية تجاه تركيا من جو بايدن وفريقه خلال الحملة، نشأ تصور بأن تركيا كانت ترغب في فوز ترامب في مواجهته مع المرشح الديمقراطي، جو بايدن. وبالنظر إلى تأخر أردوغان عن بقية دول المنطقة حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني في تهنئة بايدن بالفوز الأوَّلي وفي نفس الوقت إرساله رسالة شكر لترامب، وكون أول رسالة تهنئة لبايدن اصادرة من تركيا لم تكن من الحكومة بل كانت من رئيس أكبر حزب معارض فإنه لا يمكن تخطئة هذا التصور (2).

ومع ذلك، لا يمكن القول بأن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية من عهد الرئيس، دونالد ترامب، كانت علاقة جيدة بالمطلق، فقد شهدت العلاقة العديد من الأزمات ولوَّح ترامب خلالها بتطبيق عقوبات اقتصادية على تركيا أكثر من مرة أبرزها قضية الراهب برونسون، كما استمر الدعم الأميركي لوحدات الحماية في شمال سوريا، وجرى إخراج تركيا من برنامج مقاتلات إف35.

وعلى الصعيد الإقليمي، كان ترامب حليفًا قويًّا للدول المنافسة لتركيا في المنطقة مثل السعودية (قضية خاشقجي) والإمارات ومصر وإسرائيل، وقد بدا داعمًا لمحور التطبيع، ومن جهة أخرى بدا مباركًا للترتيبات التي قامت بها مجموعة من الدول التي شكَّلت منتدى شرق المتوسط وحرصت على استبعاد تركيا منه رغم أنها صاحبة أطول ساحل عليه.

بالنظر إلى النتائج الأولية للانتخابات الأميركية والتي أظهرت فوز جو بايدن، وبالرغم من عدم استسلام ترامب لهذه النتيجة حتى كتابة هذه السطور، فإن هذه الورقة سوف تتناول مواقف بايدن من تركيا خلال السنوات الماضية وخلال حملته الانتخابية والسيناريوهات المحتملة للعلاقات التركية-الأميركية في عهده، وهل سيتحرك بايدن بناء على مواقف مسبقة من تركيا أم سيتصرف ببراغماتية واقعية تجاه تركيا كقوة إقليمية لابد من كسبها ومراعاة مصالحها وأمنها.

مواقف بايدن القديمة تجاه تركيا

تفيد قراءة توجهات وسلوك بايدن تجاه تركيا خلال الفترة السابقة في فهم موقفه المبدئي من تركيا وفي تحليل سياسته القادمة نوعًا ما، ولكن مع ذلك ينبغي أخذ التطورات التي حصلت في عهد ترامب بالاعتبار، والتصاعد في قوة تركيا والفارق بين الأيديولوجية والسلوك البراغماتي كعوامل مؤثرة أيضًا.

عمل بايدن لفترة 8 سنوات نائبًا للرئيس، باراك أوباما، كما خدم لأكثر من ثلاثة عقود في مجلس الشيوخ وترأَّس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس. ومن هنا، فإن أبرز النقاط التي خشيت منها تركيا لدى بايدن تمثلت في دعمه لتقسيم العراق إلى ثلاث دول، إحداها كردية، عندما كان في مجلس الشيوخ في بداية الألفية الثانية، وهو الأمر الذي رأته تركيا تهديدًا لها(3).

أما خلال عمل بايدن كنائب لأوباما فقد شهدت الفترة الأولى علاقات جيدة مع تركيا بينما ساد التوتر في الثانية، ويمكن الإشارة لهذا المسار من خلال زيارات بايدن حيث زار بايدن تركيا، خلال فترتي أوباما منذ 2009 وحتى 2017، أربع مرات فقط (2011، 2014، يناير/كانون الثاني 2016، أغسطس/آب 2016) كما لعبت الاتصالات الهاتفية بين أردوغان وبايدن دورًا مهمًّا في التعامل مع حالات التوتر هذه، خاصة في الأوقات التي تعذر فيها التواصل بين أردوغان وأوباما وتحديدًا في فترة برود العلاقات بين أردوغان وأوباما بعد 2014.

بالرغم من حديث بايدن عن صداقة تربطه مع أردوغان بُعيد كل زيارة كان يقوم بها، إلا أن أزمة نشأت بينهما بعد الزيارة الثانية(4)، في 2014، عندما ادَّعى بايدن أمام طلبة من جامعة هارفارد أن تركيا قدَّمت دعمًا للتنظيمات الإرهابية في سوريا ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أثارت تصريحات بايدن حينها استياء أردوغان الذي طالبه بالاعتذار عنها وبالفعل قدَّم بايدن اعتذاره إلى الرئيس التركي. وقال بيان للبيت الأبيض: “إن بايدن اتصل بأردوغان وأبلغه اعتذاره عن تصريحاته في جامعة هارفارد، وأضاف البيت الأبيض أن نائب الرئيس “اعتذر عن هذه التصريحات التي يُفهَم منها تلميحه باتهام تركيا بدعم الإرهاب في سوريا”(5).

كانت الزيارتان اللتان أجراهما بايدن لأنقرة بعد ذلك، في يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2016، تحملان أهمية كبيرة فقد توسطهما حصول محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز، وقد جاءت زيارة بايدن، في أغسطس/آب 2016، بعد قرابة شهر ونصف على المحاولة الانقلابية في يوليو/تموز 2016 متأخرة في نظر الأتراك الذين كانوا قد تشكَّلت لديهم قناعات بتورط واشنطن في دعم المحاولة الانقلابية، وقد استُقبل بايدن في أنقرة بفتور من قِبل نائب والي أنقرة في المطار وترافق الاستقبال مع عتب على تأخر الزيارة وتحفظ على عدم صدور موقف صريح داعم لتركيا في مواجهة المحاولة الانقلابية أو حتى التعاون في تسليم فتح الله غولن، المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية.

كان ملحوظًا أن زيارة بايدن جاءت متزامنة مع إطلاق تركيا لعملية درع الفرات شمال سوريا، في 24 أغسطس/آب 2020، والتي أظهرت بوادر التنسيق بين أنقرة وموسكو في سوريا بعد المحاولة الانقلابية. حاول بايدن تنفيس غضب أنقرة خلال زيارته حيث وجَّه عدة رسائل إلى تركيا، من بينها:

تفهم الشعور التركي تجاه غولن والاستعداد للعمل على المتطلبات القانونية واحترام اتفاقية تسليم المطلوبين.

إدانة المحاولة الانقلابية.

الإشادة بشجاعة الرئيس أردوغان والشعب التركي في مواجهة الانقلاب.

الاستعداد لتوفير مساعدات لتركيا في مسيرتها لتعزيز الديمقراطية.

الإعلان عن أن واشنطن لم يكن لديها أية معرفة سابقة بمحاولة الانقلاب.

التأكيد على الوقوف مع الحكومة والشعب التركي “ليس لديكم صديق أهم وأقرب من الولايات المتحدة”(6).

وبالعودة إلى زيارة بايدن الأولى، مطلع 2016، فقد كشفت التحقيقات التركية في ملابسات الانقلاب بعد ذلك وخاصة مراسلات تطبيق “بايلوك” بين أعضاء تنظيم غولن عن أن بايدن كان على علم بمحاولة الانقلاب، ووفقًا للمراسلات كان بايدن خلال زيارته لتركيا قبل الانقلاب، في يناير/كانون الثاني 2016، قد أبلغ نجل “جان دوندار” وهو صحفي معارض متهم بإفشاء أسرار الدولة، بأن البلاد ستشهد انقلابًا؛ حيث قال له حرفيًّا: “هذا الرجل (أي أردوغان) لا يستمع إلينا، وهناك رائحة ستفوح من القوات التركية”(7).

مواقف بايدن وفريقه خلال الحملة الانتخابية

لم تكن مواقف بايدن تجاه تركيا خلال حملته إيجابية، فقد توعد حكومة الرئيس أردوغان في أكثر من ملف وساوى خلال الحملة الانتخابية بين تركيا وروسيا وكوريا الشمالية على أنها تحكمها أنظمة مستبدة، كما أبدى نيته في دعم المعارضة التركية لتغيير الحكم في تركيا، وجعل تركيا تدفع ثمن الحصول على منظومة إس 400. وفيما يلي الملفات التي يتوقع حصول توتر بين أنقرة وإدارة بايدن حولها:

التدخل في الشأن الداخلي التركي

أثارت تصريحات جو بايدن، التي أدلى بها في ديسمبر/كانون الأول 2019 والتي نُشرت في أغسطس/آب 2020، انتقادات شديدة من تركيا؛ حيث دعا بايدن فيها لنهج مختلف يدعم ويشجع معارضي الرئيس التركي، ليكونوا قادرين على مواجهة أردوغان ليس عن طريق الانقلاب بل عن طريق العملية الانتخابية. وقد أشار بايدن إلى ضرورة أن يدفع أردوغان ثمن ما فعله(8).

وفي المقابل، انتقد أكثر من مسؤول تركي تصريحات بايدن، ووصف المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، تصريح جو بايدن بـ”الجهل والنفاق”، وشدَّد على أن “أيام إعطاء التعليمات لتركيا ولَّت، وإن كنتم تعتقدون أن بإمكانكم المحاولة، تفضلوا وستدفعون الثمن”، وأضاف أن تحليل بايدن وتصريحاته ينمَّان عن “جهل مطلق وغطرسة ونفاق”(9).

ويتصل مع هذا رفض بايدن لقرار تركيا بتحويل آيا صوفيا من متحف إلى جامع؛ حيث قال بايدن: “آيا صوفيا هي مكان مقدس ثمين للغاية وأعجوبة معمارية للجميع، وقد شعرت بحزن عميق لقرار الحكومة التركية بتحويل (آيا صوفيا) إلى مسجد. أدعو الرئيس أردوغان إلى العودة عن قراره والاحتفاظ بهذا المكان القيم كمتحف”(10).

مع فوز بايدن، جاءت أول تهنئة من داخل تركيا له من كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض. وبدت رسالة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، التي وجهها باللغة الانجليزية قبل أيام في أحد المنتديات حول الديمقراطية على أنها شكوى بحق تركيا للغرب ورسالة للإدارة الأميركية الجديدة(11). ولكن، نشير هنا إلى أن الشعب التركي لديه حساسية سلبية تجاه الولايات المتحدة وستكون لأية محاولة واضحة للتدخل في الشأن الداخلي نتائج عكسية وستستفيد منها حكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان.

دعم وحدات الحماية شمال سوريا وتنظيم غولن

تعتمد رؤية بايدن للحل السياسي في سوريا على دعم حلفاء الولايات المتحدة وفي مقدمتهم وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكِّل العصب الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبرها أنقرة ميليشيات انفصالية إرهابية ترتبط بحزب العمال الكردستاني. وبالتالي، سيكون من المنطقى أن تُواجَه أي عمليات عسكرية تركية ضد وحدات الحماية شمال سوريا باعتراض أميركي.

وقد عانت تركيا في هذا الملف من مراوغة إدارة أوباما كما عانت أيضًا في ذلك مع إدارة ترامب وإن كان بشكل أقل، وقد قال الرئيس أردوغان في 2018: إن “أوباما خدع تركيا بمسألة القوات الكردية في منبج، واليوم ترامب على نفس خُطى سلفه يخدع تركيا مجددًا من خلال وعود كاذبة يقول فيها: إن القوات الكردية لا يمكنها البقاء في المدينة وعليهم التوجه إلى شرق نهر الفرات”(12). ومع ذلك، كان بايدن قد أكد، في 2016، أن “الأكراد لن يحصلوا على دعم بلاده إذا لم يحافظوا على التزاماتهم”(13).

إس 400

نظرًا لوجود ترجيحات بأن المواجهة مع روسيا ستكون إحدى أولويات إدارة بايدن فإن ملف منظومة إس 400 سيكون أحد الملفات الحاضرة، وبينما أبدى ترامب تفهمًا نسبيًّا، ولم يتجه لتطبيق العقوبات واكتفى بقرار إخراج تركيا من برنامج إف35، وحمَّل إدارة أوباما مسؤولية توجه تركيا نحو شراء إس 400 برفضها بيع الباتريوت لها، فإن بايدن يبدو أكثر حزمًا نحو عقاب تركيا خاصة مع توجه الكونجرس للموافقة على قانون الدفاع الوطني والذي يتضمن فرض عقوبات على تركيا.

وإزاء هذا التطور يبدو أن تركيا ستستمر في محاولة إيجاد حلول فنية للأزمة، وقد عبَّر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، خلال مناقشة ميزانية وزارته لعام 2021، عن استعداد أنقرة لتبديد المخاوف الفنية للولايات المتحدة فيما يتعلق بتوافق منظومة “إس 400” مع مقاتلات “إف35″، كما أوضح أكار أن تركيا ستستخدم منظومة “إس 400” مثلما يستخدم بعض أعضاء الناتو منظومة “إس 300” داخل نطاق الحلف. وفيما وراء إس 400 لا يزال هناك طموح لدى تركيا بالعودة إلى برنامج إف35؛ حيث أشار أكار إلى أن تركيا ليست مجرد دولة تشتري مقاتلات “إف35″، بل هي شريك في صناعتها(14).

تشير تصريحات أكار ومن قبلها تصريحات أردوغان وبقية المسؤولين الأتراك إلى أن تركيا ليست بصدد التخلي عن المنظومة الروسية، وأكد الرئيس التركي، في 2019، أن تركيا لا يمكنها “التخلي عن منظومة إس 400 والتوجه إلى الباتريوت”، وأبلغت الطرف الأميركي برغبتها في شراء الأخيرة أيضًا إلى جانب الاحتفاظ بالأولى، وأن “تركيا تسعى لأن تكون الولايات المتحدة وروسيا صديقتين لتركيا”(15).

يبدو أن ملف إس 400 سيكون أحد أكبر العثرات في العلاقة، وربما يكون عدم تفعيل المنظومة هو أقل حلٍّ ستقبل به واشنطن، وقد أجَّلت أنقرة التفعيل سابقًا في ظل أزمة كورونا ومن المرجح أن تلجأ لهذا الخيار خلال الأشهر الأولى من عهد بايدن.

ملفات أخرى

بالإضافة إلى ما سبق، لا تزال هناك جملة من الخلافات منها أزمة بنك خلق التركي والتي يُتوقع عودتها للسطح مع موعد القضية في المحاكم الأميركية، في مارس/آذار 2021. وعلى مستوى المنطقة تمتد الخلافات من شرق المتوسط وحتى كاراباخ حيث اتهم بايدن ومرشحته لمنصب نائب الرئيس، كامالا هاريس، تركيا بتأجيج الصراع في قرة باغ، عبر إرسال السلاح لأذربيجان. كما أدلى بايدن الذي يُعتقد أنه يدعم موقف اليونان بتصريحات اتهم فيها تركيا بإثارة التوتر في شرق المتوسط، داعيًا أنقرة لأن تتوقف عن أعمالها شرق المتوسط. وفيما لم يتبين بعد كيف سيكون سلوك إدارة بايدن تجاه تركيا في شرق المتوسط وهل ستدعم اليونان أم ستسعى لحل بينهما في إطار الناتو فإن دعم إدارة بايدن لأوروبا سيكون ضاغطًا على الموقف التركي.

فريق بايدن

بالإضافة إلى بايدن ونائبه، كمالا، فإن بعض أعضاء فريقه لهم خبرة طويلة بتركيا مثل مستشاره للشؤون الخارجية، أنطوني بلينكن، وسوزان رايس (تعتبر مرشحة لحقيبة الخارجية، وقد كان لها دور سابق في إفشال مبادرة تركية/برازيلية لاتفاق نووي إيراني قبل 2015)، وغيرهم لديه بعض المواقف السلبية من تركيا، وفي هذا السياق فقد أعلن أنطوني بلينكن على حسابه الرسمي على تويتر، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن أسفه للموقف التركي الداعي لحل الدولتين في قبرص(16)، كما انتقد ،في مارس/آذار 2017، الجنرال فلين (مستشار الأمن القومي في فترة ترامب حتى فبراير/شباط 2017) على تبنيه للموقف التركي في سوريا حيث دافع بلينكن عن تسليح بي واي دي لتحرير الرقة من داعش فيما دافع فلين عن العمل مع تركيا(17).

التفاؤل الحذر

بالرغم من المواقف المسبقة لبايدن والتي تُصنَّف سلبيًّا في أنقرة، فإن هناك مجالات جديدة يمكن أن تتوافق معها مصالح أنقرة ويمكن أن تكون مداخل إيجابية للتفاهم حول ملفات أخرى، ومنها:

الإنهاء المحتمل للدعم غير المحدود الذي قدمه ترامب لكل من السعودية والإمارات.

السعي لإنهاء حصار قطر.

الموقف المؤيِّدة نسبيًّا لسياسات تركيا في ليبيا (من خلال دعم حكومة الوفاق).

موقف الإدارة الجديد من العودة للاتفاق النووي مع إيران.

إعادة الأمل إلى حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية.

ويمكننا النظر هنا إلى أول التصريحات بعد فوز بايدن؛ حيث صرح مايكل كاربنتر، مستشار السياسة الخارجية الرئيسي لبايدن، بأن الإدارة الأميركية الجديدة “لا تنوي دفع تركيا إلى الزاوية” من خلال فرض العقوبات: “لا نريد أن نفرض عقوبات على تركيا ولا نسعى إلى خلق نوع من الانهيار الاقتصادي أو العواقب التي تجعل النظام يعتمد بشكل أكبر على التكتيكات العدوانية والخطاب العدواني”(18).

مواقف أنقرة الأولية من فوز بايدن

أبدت أنقرة توازنًا خلال عملية الانتخابات؛ ففي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أكد وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” أن بلاده ستعمل عن كثب مع من يفوز في الانتخابات وأن بلاده تتمتع بعلاقة جيدة مع الحكومات الأميركية السابقة بقيادة كل من الجمهوريين والديمقراطيين.

وبعد تبيُّن تقدم بايدن، أظهرت تصريحات فؤاد أُقطاي نائب الرئيس التركي في حديث تليفزيوني، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الاستمرار على خط التوازن مع التأكيد على مصالح تركيا حيث أشار إلى استمرار القنوات الرسمية مع الولايات المتحدة، مع الأمل في استمرار “التواصل الصحي” بين أردوغان والرئيس الأميركي الجديد مؤكدًا على نقطتين مهمتين من وجهة نظر تركيا؛ إحداهما رغبة تركيا بوقف الإدارة للعمل مع المنظمات الإرهابية الإرهابية ( غولن وبي واي دي)، والثانية تكمن في ابتعاد الإدارة عن الأساليب أحادية الجانب والتي تستبعد تركيا.

ولعل الأهم هي رسالة أردوغان لبايدن والتي جاءت ربما متأخرة عن بقية دول المنطقة؛ حيث أكد أردوغان لبايدن “تصميمه على العمل عن كثب مع الإدارة الأميركية في الفترة المقبلة”، وأن “التحديات التي نواجهها اليوم على المستوى العالمي والإقليمي تتطلب منَّا مواصلة تطوير وتعزيز هذه العلاقات على أساس المصالح والقيم المشتركة”. ولم ينس أردوغان الإشارة إلى الجانب الإيجابي في علاقته مع بايدن عندما كان نائبًا للرئيس؛ حيث قال: “كما تباحثنا أثناء توليكم منصب نائب الرئيس في مناسبات عدة، فإن العلاقات التركية-الأميركية تحمل طبيعة استراتيجية تستند إلى أسس متجذرة”(19).

مستقبل العلاقات التركية-الأميركية في عهد بايدن

هناك عدة مسارات يمكن أن تسير فيها العلاقات التركية-الأميركية في عهد بايدن:

مسار التوتر

يتحقق هذا المسار إذا ما عمل بايدن وفريقه على تطبيق تصوراتهم خلال الحملة تجاه تركيا، وهنا يوجد أكثر من قضية قد تكون هي بداية المسار على رأسها عقوبات (إس 400)، ودعم وحدات الحماية، ودعم اليونان في شرق المتوسط على حساب تركيا، والتدخل في الشأن الداخلي التركي، ويضاف لها قضايا أخرى مثل إدانة تركيا في مذابح الأرمن وقضية بنك خلق. ويعد أحد مؤشرات هذا المسار المحتملة ضعف التواصل بين أردوغان وبايدن والاكتفاء بالعمل من خلال المؤسسات ومن خلال المواقف المسبقة وهو ما قد يعقِّد الموقف.

المسار البراغماتي

ينبني هذا المسار على علاقات براغماتية بين الطرفين في ضوء رغبة بايدن بتقوية الناتو وإعادة الاستقرار الإقليمي، وإدراك أهمية تركيا في أي توازنات دولية من جهة، وفي رغبة تركيا بتجنب أي عقوبات، قد تجر لمواجهة مع واشنطن من جهة أخرى. ولعل أحد مؤشرات هذا المسار توجيه كل من الإدارة الجديدة وتركيا رسائل باتجاه الرغبة في فتح صفحة جديدة. وقد ذكرت بعض المصادر التركية أن أنقرة فتحت حوارًا مع فريق بايدن، وهناك من يرى أن بايدن يريد فتح صفحة جديدة(20).

فترة ترقب قبل الدخول لمسار التوتر

ينبني هذا المسار على وجود ضرورة ملحَّة حاليًّا أمام بايدن لترتيب الأوضاع الداخلية بعد أزمة فيروس كورونا ولإصلاح الأضرار الداخلية التي تسبب فيها ترامب قبل التوجه لتطبيق الأجندة الخارجية، وربما تعود الإدارة الجديدة لتطبيق سياسة الإلهاء مع تركيا والتي استخدمتها خلال فترة أوباما الثانية، ولكن قوة تركيا المتصاعدة والمستعدة للتحدي خاصة في الملفات المتعلقة بأمنها وبجوارها المباشر قد تكون أسرع في الاستجابة من المرة السابقة، ولكن مع ذلك سوف يعطي الطرفان فترات ليست طويلة لاختبار النوايا.

لا يُرجَّح أن تدخل العلاقات في مسار متوتر مباشرة حيث ستدخل العلاقات في حالة اختبار ومباحثات لتحديد أجندات العمل بمسارات أكثر ليونة، وترجح هذه الورقة أن يبذل الطرفان جهدًا لمنع التوصل إلى التوتر ولكن يبدو أن التناقض في المصالح والمواقف سيصل بهذه العلاقات إلى التوتر بعد فترة ربما تكون بعد السنة الأولى من حكم بايدن.

خاتمة

مع وجود استياء نسبي من فوز بايدن نظرًا لمواقفه التي تُعتبر متحاملة في أنقرة فإنه حتى فوز ترامب لم يكن ليُعتبر فوزًا لتركيا ولا خسارة بايدن خسارة لخصم تركيا. ومع هذا، فإن الراجح أن أنقرة أعدَّت نفسها لسيناريو فوز بايدن ومن المحتمل أن يكون هناك خطوات تركية باتجاه صفحة جديدة للعلاقات في ظل وجود توجهات قد تريح الموقف التركي، وكذلك خطوات وقائية ضد سياسات الإدارة التي يمكن أن تستهدف تركيا، وتأمل تركيا في أن يجعل موقع الرئاسة بايدن متحليًا بقدر أكبر من الحكمة يجعله لا يتصرف وفق خطاب حملته. ويرجح أن الإدارة الجديدة ستحاول التعامل بطريقة أكثر ليونة مع تركيا ولكن دون إسقاط خيار العقوبات ولكنها ستعطي وقتًا جيدًا للمباحثات قبل اللجوء إليه.

وحتى لو تبنَّت الإدارة الجديدة خطًّا براغماتيًّا مع تركيا فإن الخلافات لن تنتهي؛ فتركيا منخرطة بقوة في أكثر من ملف إقليمي سواء في شرق المتوسط أو في جوارها في سوريا والعراق وحتى في الخليج. ومن بين الملفات كلها سيكون للتطور في ملفي إس 400 واحتمال التدخل الأميركي في الشأن الداخلي التركي أثر كبير على مسار العلاقات.

محمود سمير الرنتيسي

باحث متخصص في الشأن التركي .

مراجع

Okan Müderrisoğlu, Sabah, 05 Kasım 2020, ABD seçimleri… Ekonomi, ekonomi, ekonomi… 5 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/2Kgbe4d

Cumhurbaşkanı Erdoğan, ABD’de başkan seçilen Biden’a tebrik mesajı gönderdi, BBC, 10 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bbc.in/35GRpeH

Giorgio Cafiero, İnside Arabia, What Biden’s Presidency Could Mean for US-Turkey Relations, 13 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3pz9Da1

كانت الزيارة الأولى لأردوغان في بيته في إسطنبول، في 2011، حيث كان أردوغان خارجًا لتوِّه من عملية جراحية.

باسم دباغ، بايدن يعتذر لأردوغان على اتهامه بدعم “داعش”، العربي الجديد، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2014، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3kDlGPM

بايدن: لا نحمي غولن ونبحث مع أنقرة تسليمه، الجزيرة نت، 24 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3lznXwx

تركيا..رسائل خطيرة تفضح علاقة بايدن بمحاولة الانقلاب الفاشل، يني شفق، 18 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3lIjfgg

ماذا قال بايدن عن تركيا وآيا صوفيا والأكراد؟، تركيا الآن، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2KfbdOd

الحساب الرسمي للناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، على تويتر، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2HfOa4A

الحساب الرسمي لأنطوني بلينكن على تويتر، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2UBZ7AD

İBB Başkanı İmamoğlu’nun İngilizce konuştuğu video sosyal medyada tartışma konusu oldu, SonDakika, 14/11/2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3nwzUE3

أردوغان: أوباما وترامب غير وفيين، سبوتنيك، 7 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2IHIW22

بايدن من أنقرة: أبلغنا القوات الكردية بعدم العبور إلى جرابلس، دويتشه فيله، 24 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/2UrGCP6

تركيا: مستعدون لتبديد مخاوف واشنطن حيال “إس 400″، الأناضول، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020):https://bit.ly/3ptVpap

أردوغان: مقترح إلغاء صفقة “إس 400” مساس بحقوقنا السيادية، الجزيرة نت، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/3f3XB3G

الحساب الرسمي لأنطوني بلينكن، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/36LjQYn

Tony Blinken: “This administration has turned our traditional openness into weakness”, Washington Post, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/38Q44y1

Arıana Ferentınou, Hürriyet daily news, How Biden could change Turkey’s ties with Greece, EU, 13 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3feaBDU

أردوغان يهنئ بايدن برئاسة أميركا ويبعث برسالة شكر إلى ترامب، الجزيرة نت،10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020): https://bit.ly/32NMeb9

Hande Fırat, Amerakanin Seçimi, Hürriyet, 6 Nov 2020, )Accesses date: 16 Nov 2020(: https://bit.ly/3f8UmrD

———————————

أي عالم ستقوده أميركا بايدن؟/ غازي دحمان

في أول كلمة له، يمكن وصفها بالرسمية، بعد سماح الرئيس المهزوم، دونالد ترامب، ببدء العمل بنقل السلطات إلى الإدارة الجديدة، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، أن الولايات المتحدة جاهزة لقيادة العالم، فيما بدا تقديما لوزير خارجيته، أنتوني بلينكن، الذي تحتفي به أوساط الحزب الديمقراطي بوصفه المفتاح الذي ستستطيع من خلاله إدارة بايدن فتح الأبواب التي أغلقتها إدارة ترامب في علاقات أميركا الدولية. ولكن، هل مشكلة أميركا، في علاقاتها مع العالم، تنحصر أساسا بالأدوات، أو حتى بالمناهج المتبعة في إدارة هذه العلاقات؟ وهل يستطيع بايدن، بنيّاته وإرادته فقط، إعادة أميركا إلى موقع القيادة العالمي؟

العالم الذي يقصده بايدن هو الذي كان عشية فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008. وأن المعايير التي يتخذها (بايدن) للحكم على قدرة أميركا على قيادة العالم وقبول هذا العالم بهذه القيادة، هي قدرة تلك الإدارة على إنجاز تسوياتٍ تحوز على رضى مختلف الأطراف، مثل الاتفاق النووي مع إيران 2015، واتفاق نزع سلاح بشار الأسد الكيميائي، مع روسيا، 2013، وتفاهمات كيري – لافروف 2016، التي أعطت الضوء الأخضر لروسيا لتدمير المعارضة السورية بمختلف الوسائل والطرق.

تعتقد إدارة بايدن، وهذا واضح من تصريحات فريقه في أثناء الحملة الانتخابية، أن المشكلة تكمن في بعض سلوكيات ترامب التي افتقدت للدبلوماسية، في غالب الأحيان، غير أن ترامب أيضاً كان يعتمد على فريقٍ يمتلك خبرة سياسية رفيعة، وجميع أعضاء فريقه كانوا من أبناء المؤسسات الأميركية، من وزراء خارجيته، ريكس تيلرسون ومايك بومبيو، إلى مستشاره للأمن القومي، روبرت أوبراين. كما أن فجاجة ترامب ونزقه كان سببهما، بدرجة كبيرة، الأعطاب التي خلفتها إدارة أوباما في السياسات الداخلية والخارجية، وعبّر عنها من خلال إلغائه اتفاقياتٍ كثيرة عقدتها إدارة أوباما العسكرية والتجارية التي رأى أنها ليست في مصلحة بلاده.

وتعتقد إدارة بايدن أنها في المبالغة بالدبلوماسية، وتنصيب بلينكن المعروف بدماثته وروحه المرحة، وكذلك بأنه من أشد مؤيدّي التعدّدية، تستطيع إنهاء حرد العالم من أميركا، وفتح صفحة جديدة في العلاقات، ومن ثم العودة إلى المقعد الأول في قيادة العالم، الذي لم يزل محفوظاً، وفي انتظار بايدن وفريقه.

ما يشجع إدارة بايدن على هذا الاعتقاد أنه في فترة ابتعاد واشنطن عن قيادة العالم، واتخاذ إدارة ترامب سياساتٍ شبه انعزالية، لم تظهر قوّة دولية، ولا حتى محور دولي، يتفوّق على القوّة الأميركية، أو حتى يوازيها ويقترب منها، ولا توجد مؤشّرات على ظهور هذه القوّة في وقت قريب، على الرغم مما يقال عن الصعود الصيني والتمرّد الروسي، إلا أنه ما زالت ثمّة مسافة كبيرة تفصل الصين عن الحلول محل الولايات المتحدة الأميركية، تؤكدها المعطيات الاقتصادية، ويعزّزها عدم جاذبية النموذج الصيني، وكذلك ادعاءات روسيا المزيفة عن قدراتها العسكرية والتقنية.

غير أن ذلك ليس مبرّراً مكتفياً بذاته، لتعتقد إدارة بايدن أن الزمن الدولي ما زال يقف مكانه منتظراً عودة أميركا إلى قيادته، حيث تشكّلت، منذ بداية الألفية الجديدة، زمن حكم المحافظين الجدد أميركا، توجهاتٌ عالميةٌ جديدةٌ وأوضاعٌ مغايرةٌ أثبتت فشل رؤية فرانسيس فوكوياما، عن سيادة النمط الأميركي عالمياً، وإغلاق التاريخ صفحاته عند هذه الواقعة، وكانت هذه الرؤية قد أبهرت المحافظين الجدد، وجعلتهم ينامون على وسائد من حرير، مطمئنين على تسيدهم العالمي في كل الأحوال والظروف.

ما لم تنتبه إليه النخب الأميركية، من ديمقراطيين وجمهوريين، أن العالم لم يجلس، طوال السنوات السابقة، ينتظر عودة أميركا إلى رشدها، على ما يحاول الديمقراطيون، بقيادة بايدن، تصويره، باعتبار أن ترامب كان يتصرّف خارج سياق المنطق والعقلانية، حيث طوّرت دول ومحاور عديدة بدائل لقيادة الولايات المتحدة، وحتى التي كانت ترتبط بواشنطن باتفاقيات أمنية وعسكرية، مثل أوروبا وجنوب شرق آسيا، بدأت بتطوير مقاربات جديدة لتجاوز هذه الإشكالية، وفي الغالب الاعتماد على بدائل محلية، مثل الجيش الأوروبي الذي بدأ الحديث يتزايد عنه للحلول مكان القوات الأميركية في أوروبا.

وحتى في الشرق، يمكن ملاحظة زحمة التحالفات القائمة في المنطقة، وقد قطعت شوطاً لا بأس به من التنسيق والتعاون وصناعة الأطر والهياكل التحالفية، وجميعها بمثابة بدائل عن الوجود الأميركي، وتجد فيها أطرافها الفعالية، كما تجنّبها ابتزاز الإدارات الأميركية ومزاجياتها، وهنا يمكن الحديث عن تحالفات قطر وتركيا، وإسرائيل وبعض دول الخليج.

ومؤكّد أن سياسات الإدارات الأميركية، على مدار العشرين سنة الأخيرة، تسببت بتراجع المكانة الرمزية لأميركا، ولم يعد ممكناً إصلاح هذا العطب، لا باللياقة الدبلوماسية المبالغ بها، ويسعى الديمقراطيون إلى تجريبها، ولا بالفظاظة المبالغ بها أيضاً، والتي جرّبها الجمهوريون وقائدهم ترامب. وفي الغالب، تغيّر العالم كثيراً، بحيث لم تعد هذه الآليات وحدها كافية لتعلقه بأميركا والسير خلفها، وسيكتشف الكهل بايدن أن جاهزية أميركا لن تجد الصدى المطلوب للسير خلفها.

العربي الجديد

———————-

إيران و”مقامرة” ترامب/ حسام كنفاني

لم يكن توقيت اغتيال العالم الإيراني، محسن فخري زادة، والطريقة التي نفذ بها، اعتباطياً أو مفصولاً عن الحديث خلال الأيام الأخيرة عن مغامرة، أو مقامرة، قد يُقدِم عليها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخاسر في الانتخابات، قبل مغادرته البيت الأبيض، وخصوصاً أنه لا يزال غير قادر على الاعتراف بهذه الخسارة.

تسريبات كثيرة نشرت قبل أيام، وتحديداً بعد اقتراب ترامب من التسليم بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، أشارت إلى أن ترامب طلب من مسؤولي وزارة الدفاع دراسة استهداف منشآت نووية إيرانية، وهو ما قوبل برفض من القادة العسكريين الأميركيين. لكنّ هذا يبدو أنه لم يقنع الرئيس الساعي إلى توريط خلفه، وبات يبحث عن ذريعةٍ لتنفيذ ما يدور في رأسه، وهو ما يبدو يجري بالتنسيق مع إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو، الخائفة أساساً من الطريقة التي يمكن أن يتعامل بها جو بايدن مع إيران، وما إذا كان سيلجأ إلى إعادة العمل بالاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب. الأمر الذي يوحّد أهداف ترامب ونتنياهو في قطع الطريق على بايدن في إعادة التواصل مع إيران، أو توريطه في صراع عسكري معها.

الذريعة قد تكون عبر استفزاز إيران، وإجبارها على ردة فعل تفتح الباب أمام تدخل أميركي مباشر أو تنفيذ ضربة عسكرية كبيرة على غرار اغتيال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني الماضي. اغتيال محسن زادة يقع ضمن هذه الخانة، إذ إن الأخير لا يقل عن سليماني أهمية بالنسبة إلى المشروع النووي الإيراني، فهو كان يشغل منصب رئيس منظمة البحث والابتكار في وزارة الدفاع الإيرانية، وسبق أن ذكره نتنياهو بالاسم في خطاب عن برنامج إيران النووي في شهر مايو/ أيار عام 2018. إضافة إلى أهمية الشخصية، فإن طريقة تنفيذ الاغتيال من المفترض أن تثير الحفيظة الإيرانية، خصوصاً أنه لم يأت عبر تفجير، كما كانت تجري عمليات الاغتيال السابقة لعلماء إيرانيين، بل بهجوم مسلح على أطراف العاصمة الإيرانية طهران. هجوم نفذه مسلحون، يبدو أنهم أخذوا كل وقتهم في تنفيذه، خصوصاً وسط المعلومات التي نشرت عن استهداف سيارة الإسعاف التي حاولت نقل فخري زادة، والذي لم يمت مباشرة بالرصاص الذي استهدف سيارته. هذه الحرية في تحرّك منفذي الاغتيال، وإن صحّت الاتهامات أنهم تابعون للموساد، تؤشّر إلى مدى هشاشة المنظومة الأمنية الإيرانية، ومستوى الاختراق الذي تمكنت منه إسرائيل للداخل الإيراني، الأمر الذي من شأنه أن يستدعي ردّة فعل من قادة الجمهورية الإسلامية، لإعادة الاعتبار إلى ما كان يعتبر “قبضة حديدية” للنظام الأمني في الداخل، وهو ما يبدو أن المنظومة المنفذة للاغتيال تراهن عليه.

اللافت أول من أمس كان دخول ترامب بشكل مباشر على خط الاغتيال، عبر إعادة تغريد تغريدة لصحافي إسرائيلي حول العملية، والتي ذكر فيها الصحافي أنّ فخري زادة “كان رئيس البرنامج العسكري السري لإيران وكان مطلوباً لسنوات عديدة من الموساد”، وأن “وفاته ضربة نفسية ومهنية كبيرة لإيران”. خطوة ترامب جاءت وكأنها تسعى إلى تأكيد الدور الإسرائيلي في عملية الاغتيال، وأن هذا “الإنجاز” جاء بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، على الرغم من رفض وزارة الدفاع (البنتاغون) التعليق.

الترقب اليوم هو لردة الفعل الإيرانية، وإلى أي مدى قد تذهب إيران بعيداً في “إعادة الاعتبار”، وهو ما يترقبه ترامب، وهو ما جعل إسرائيل تعلن حالة الاستنفار في كل سفاراتها في الخارج. لا شك في أن إيران تحتاج إلى رد ما على الجريمة، لكنها تدرك في الوقت نفسه ما يدور في رأس ترامب، وأي مقامرة يرغب بها في نهاية ولايته، وتعلم أيضاً أن هناك فرصة كبيرة لإعادة إحياء الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات التي أرهقت طهران، مع تولي بايدن الرئاسة. الأمر الذي قد يجعل من الرد الإيراني مؤجلاً، أو محدوداً عبر وكلاء، في العراق على سبيل المثال، من دون المخاطرة في منح الذريعة التي يريدها ترامب.

العربي الجديد

——————————–

حصاد سياسات ترامب تجاه إيران/ عروة خليفة

لا تزال سياسات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب تجاه إيران تثير الجدل حتى اليوم، خاصةً بعد إعلان الرئيس المنتخب جوزيف بايدن عزمه إطلاق مسار سياسي لاستعادة الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقعته واشنطن في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2015 عندما كان بايدن نائباً للرئيس.

قبل عامين، في الخامس من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2018، دخلت عقوبات أميركية جديدة حيز التنفيذ، استهدفت قطاعات اقتصادية متنوعة لأحد أكبر مصدري النفط في العالم. تلك العقوبات، التي اعتبرتها الإدارة الأميركية الأقسى من نوعها حتى ذلك الوقت، صُمِّمَت بشكل رئيسي لمنع طهران من تصدير النفط، ما يحرمها المورد الأهم للعملة الصعبة وأحد أبرز عوائدها الاقتصادية. لم تؤدِ السياسات الأميركية إلى تصفير صادرات النفط الإيراني، لكنها استطاعت تخفيض تلك الصادرات إلى ما دون النصف مليون برميل منتصف العام 2019، في حين لا تتجاوز تلك الصادرات حسب التصريحات الرسمية الإيرانية في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي 700 ألف برميل من النفط الخام يومياً. قبل ذلك، كانت طهران تصدر ما يزيد عن 2.5 مليون برميل يومياً في العام 2018 قبل انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي في شهر أيار من العام نفسه.

ركّزت العقوبات الأميركية خلال العام 2019 على الجهود الرامية إلى الضغط على المشترين الكبار للنفط الإيراني من أجل استبدال مصادرهم من الطاقة، وفي هذا الإطار قامت الولايات المتحدة بإيقاف تجديد الإعفاءات التي أعطتها لعدد من الدول مثل الصين والهند وتركيا، بعد ستة أشهر من بدء العقوبات في نوفمبر، وهو ما أدى عملياً إلى انخفاض الصادرات الإيرانية من النفط إلى أدنى مستوياتها منذ أعوام، في وقت كانت الميزانية الرسمية تتوقع تصدير مليون برميل من النفط يومياً، ما أدى إلى خلق عجز كبير في تلك الميزانية وأثَّرَ بشكل مباشر على قدرات الدولة الإيرانية الاقتصادية.

ثم كان للاضطرابات في أسواق النفط خلال ربيع العام 2020 أثر سلبي للغاية على قدرة إيران على تصدير نفطها إلى مشترين يرغبون بأسعار رخيصة رغم خطر العقوبات، إذ أدى الانهيار في أسواق النفط العالمية، نتيجة امتلاء المخزونات الأميركية من النفط في شهر نيسان (أبريل) 2020، إلى تراجع في سوق النفط العالمي ومعه أي فرصة حقيقية لطهران لتجاوز العقوبات الأميركية المشددة عليها في ذلك الوقت.

وبعد التراجع الكبير في أرقام صادرات إيران من النفط، توجه تركيز الولايات المتحدة خلال العام 2020 إلى القطاعات المالية والمصرفية، التي كانت ضمن حزم العقوبات الأولى. وقد أدت عقوبات أميركية مباشرة على المصرف المركزي الإيراني، وعلى عدد من المؤسسات المالية الرسمية والخاصة الإيرانية، إلى انهيار في أسعار صرف العملة الإيرانية إلى مستويات اعتُبِرت الأسوأ في تاريخها.

بالمحصلة، أدى عامان من العقوبات الأميركية المشدّدة إلى تراجع كبير في مؤشرات الاقتصاد الإيراني إلى مستويات بالغة الصعوبة، فقد ارتفعت نسبة التضخم في البلد في العامين الماليين 2018-2019 و2019-2020 إلى 26.9% و34.8% على التوالي، بعد أن كان المعدّل 9.6% في العام المالي 2017-2018. فيما تمّ تسجيل تراجع في الناتج المحلي الإيراني بمقدار 7.6% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2019-2020.

الرد الإيراني على تلك الإجراءات كان إطلاق العنان لتحرشات عسكرية وأمنية خطيرة في منطقة الخليج العربي، استهدفت سفناً وناقلات نفط عبر عمليات تخريب وتفجير، ما أدى إلى توتير الأجواء إلى مستويات خطيرة. ثمّ سبَّبت ضربات بطائرات درون إيرانية أضراراً كبيرة في منشآت نفطية سعودية، واستمرّت هذه التحرشات وصولاً إلى محاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد من قبل محسوبين على إيران، وهو ما أعقبه رد واشنطن الشهير باغتيال قاسم سليماني، الأمر الذي وضع المنطقة على شفا مواجهة عسكرية فعلية.

لم تندلع الحرب في الخليج، لكنّ طهران لم تحصل أيضاً على ما تريد، إذ لم يرجع ترامب إلى طاولة المفاوضات، ولم تساعدها دول خليجية في ملفّ العقوبات كما كانت تأمل.

على صعيد نفوذها الإقليمي، كان واضحاً أنّ الضغوط التي أنتجتها العقوبات الأميركية أدّت إلى دخول طهران في مساومات لم يكن ممكناً تصورها قبل ذلك، منها تعيين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من خارج الأطر السياسية الموالية لإيران، لكن ليس بسبب العقوبات وحدها فقط، بل وبالتزامن مع أجواء شعبية مناهضة لها خاصةً في العراق. وبالنسبة لسوريا، كان واضحاً كيف أنّ طهران بدأت تترك الملف السياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما تمثَّلَ باتفاقات ثنائية بين موسكو وتركيا كان آخرها اتفاق موسكو في شهر آذار (مارس) 2020 الذي أوقف المعارك في إدلب.

خلال العام الماضي، بدأت طهران تنأى بنفسها عن الواجهة في الملفات التي كانت تتزعمها إقليمياً، دون أن يعني هذا انحسار جدياً النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث لا تزال ميليشيات وجماعات مسلحة تابعة لإيران تتمتع بنفوذ واسع في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وإن تراجعت قدرتها على تحريك قوات كبيرة والدخول في معارك واسعة. رغم ذلك، فإن الاستجابة المتمثلة بالتراجع السياسي تعطي مؤشراً على ما يمكن أن تؤدي إليه عقوبات أميركية مشدّدة، على نظام رفض سابقاً أن يتراجع في كثير من الملفات السياسية، وعلى رأسها الملفّ العراقي، رغم كل المصاعب والضغوط السياسية التي واجهته.

بالنتيجة، فإنّ عامين من العقوبات المشددة على طهران أَديا إلى تراجع كبير في قدراتها الاقتصادية، وتراجع ملحوظ في فعاليتها العسكرية ونفوذها السياسي في المنطقة، وسيكون للاستراتيجية التي ستعتمدها واشنطن خلال عهد جوزيف بايدن دور حاسم ورئيسي في استمرار تلك الضغوط التي قد تقود إلى إخضاع إيران سياسياً، أو انعكاسها كما حصل عام 2015 بعد الإتفاق النووي، وهو ما أعطى طهران في ذلك الوقت فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها بشكل كبير في المنطقة.

موقع الجمهورية

——————————–

اختيار بلينكن للخارجية يُظهر مدى اختلاف حُكم بايدن عن ترامب

ترجمة أحمد عيشة

قبل أربعة أعوام، اختار دونالد ترامب (الرئيس المنتخب) ريكس تيلرسون (الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل) وزيرًا للخارجية، بعد مقابلته مرة واحدة فقط. وبسبب معارضة مؤسسة واشنطن الحاكمة، اختار الرئيس الوحيد في التاريخ الأميركي (الذي تولّى منصبه من دون خبرة سابقة في الحكم أو في الجيش) شخصًا ليس لديه خبرة سابقة في الحكم أو في الشؤون العسكرية، ليكون رئيس الدبلوماسية في البلاد. لكن الأمور لم تكن له كما أراد.

يوم الثلاثاء، يعتزم جو بايدن الرئيس المنتخب ترشيح أنتوني بلينكن لمنصب وزير الخارجية، في إحدى الفعاليات. وسيُعين أيضًا جيك سوليفان، مستشارًا للأمن القومي، وليندا توماس غرينفيلد، سفيرة لدى الأمم المتحدة. الثلاثة هم تلاميذ سابقين في إدارة أوباما. وفوق ذلك، هم -من الناحية الأسلوبية والتجريبية- على النقيض من الأشخاص الذين عيّنهم ترامب لتلك الأدوار.

بعد العمل مع الرئيس بيل كلينتون، أصبح بلينكن مدير فريق عمل بايدن، في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عندما كان رئيسها، ثم مستشاره للأمن القومي عندما أصبح نائب الرئيس. بعد ذلك، أصبح بلينكن نائب مستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، والشخصية الثانية في وزارة الخارجية، بعد جون كيري.

يستعدّ بلينكن (58 عامًا) للحصول على المنصب الأعلى، على الأقلّ جزئيًا، لأن بايدن لا يملك الجرأة لخوض معركة تأكيدية صعبة لتثبيت سوزان رايس وزيرةً للخارجية. يقول ثلاثة أشخاص مقربون من دائرة بايدن إنه بدا غير مهتم ومستعد لمعركة شاملة مع مجلس الشيوخ، الأمر الذي وقف ضد تعيينها، على الرغم من وجود مخاوف أخرى، من ضمنها أنها فكرت علانية في الترشح ضد السناتور سوزان كولينز (جمهورية، ولاية ماين)، وهي من المعتدلين الذين ربما كانت بحاجة إلى أصواتهم. كما أن بايدن حذّر بشأن تبديد رأس المال السياسي المحدود، ويبدو أنه يخشى أن يعوق الجمهوريون في مجلس الشيوخ رايس، بعد استخدام العملية لإعادة التقاضي في ما يخص مأزق بنغازي [الهجوم الذي وقع عام 2012، وقُتل فيه أربعة أميركيين، وسبب خلافات حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس].

في المقابل، تلقى ترامب تحذيرًا من أن تثبيت تيلرسون سيكون صعبًا. قامت إكسون بأعمال واسعة النطاق في روسيا، وحصل تيلرسون على وسام الصداقة الخاص من فلاديمير بوتين عام 2013، لكن ترامب كان يستمتع بالمعارك مع الكونغرس لإثبات هيمنته في العلاقة، وكان على ما يرام للضغط على المشرعين المتمردين. ولم تُزعج جلسة التثبيت المثيرة للجدل الرئيس القادم.

بعد أن حصل تيلرسون على المنصب، لم ينسجم قط مع ترامب. والأسوأ من ذلك أن الرئيس قام، مرارًا وتكرارًا، بتقويض وزير خارجيته الأول. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بينما كان تيلرسون يزور بكين ويحاول إقامة حوار مع كوريا الشمالية، غرّد ترامب بأن تيلرسون كان “يضيع وقته”.

وجدت الحكومات الأجنبية في كثير من الأحيان أنها تستطيع تجاوز وزارة الخارجية، من خلال التواصل مع ترامب مباشرة أو جاريد كوشنر، صهره. إن التصور السائد بين الحلفاء والخصوم على حد سواء أن ترامب كان لا يبالي بتيلرسون بل لم يكن يصغي له. في آذار/ مارس 2018، أقال ترامب تيلرسون بتغريدة على (تويتر)، بينما كان وزير الخارجية في أفريقيا يحاول إزالة الضرر الناجم عن تعليقات الرئيس المهينة حول “الدول القذرة”.

لن يشكَّ أحد في أن بلينكن سيتحدث باسم بايدن، عندما يسافر حول العالم. إذ كان هذا الأمر عنصرًا رئيسًا في نجاح شاغلي الوظيفة السابقين، مثل جيمس بيكر في عهد الرئيس جورج بوش (الأب)، أو كوندي رايس في عهد الرئيس جورج دبليو بوش (الابن). كان بلينكن في كثير من الأحيان إلى جانب بايدن، خلال حملة هذا العام، وساعد في بناء مؤسسته بعد مغادرته البيت الأبيض.

كان سوليفان أيضًا عنصرًا أساسيًا إلى جانب بايدن خلال الحملة، حيث أخذ زمام المبادرة في صياغة خططه “إعادة البناء بشكل أفضل” للتعافي من أزمات الصحة العامة والاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا (كوفيد -19). وكان المواطن من ولاية مينيسوتا (البالغ من العمر 43 عامًا) قد شغل منصب مستشار للأمن القومي لـ بايدن في مكتب نائب الرئيس. وتولى هذا المنصب بعد أن شغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون. كان سوليفان (وهو حاصل على منحة رودس للدراسة في جامعة أكسفورد) أحدَ كبار مستشاري السياسة لحملة كلينتون لعام 2016، ودرّس بعد ذلك في جامعة (ييل) ما تعلّمه (كتب غريغ جافي ملفًا شخصيًا ممتازًا لجيك سوليفان قبل ثلاثة أعوام).

وكما أن بلينيكن هو عكس تيلرسون تمامًا، من نواحٍ عديدة، فإن سوليفان مختلفٌ قدر الإمكان عن مستشار الأمن القومي الأول لترامب مايكل فلين، الذي أجبره أوباما على الخروج من وكالة استخبارات الدفاع، وبقي 24 يومًا فقط في البيت الأبيض في عهد ترامب. اعترف فلين لاحقًا بأنه مذنب، لأنه كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي بخصوص محادثاته مع الروس خلال الفترة الانتقالية، لكنه حاول التراجع عن اعترافاته السابقة، وقد ناورت إدارة ترامب لإبقاء فلين بعيدًا عن المأزق.

قبل أربع أعوام، اختار ترامب نيكي هيلي، حاكمة ولاية ساوث كارولينا آنذاك، لتكون سفيرة لدى الأمم المتحدة. تتمتع هيلي بشخصية ملهمة باعتبارها ابنة لمهاجرين من السيخ، لكنها لم تكن تمتلك خبرة في السياسة الخارجية. لقد استخدمت وظيفة الأمم المتحدة لتعزيز ملفها الوطني، واستخدمت الأعوام التي انقضت منذ مغادرتها نيويورك لإرساء الأساس لخوض انتخابات الرئاسة المحتملة في 2024.

بينما قام ترامب بتشويه سمعة الموظفين الحكوميين، كجزء مما يشير إليه بازدراء باسم “الدولة العميقة”، وبتهميش الخبراء بشكل روتيني داخل الحكومة، اختار بايدن موظفًا محترفًا في السلك الدبلوماسي، ليكون ممثلًا للبلاد في الأمم المتحدة. ترقّت ليندا توماس غرينفيلد، لتصبح مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في ولاية أوباما الثانية، بعد أعوام قليلة من قيامها بمهمة السفير في ليبيريا، في فترة رئاسة جورج دبليو بوش (الابن). وكانت في رواندا إبّان الإبادة الجماعية عام 1994، حيث وجدت نفسها تحت تهديد السلاح، وتمكّنت من إقناع المسلّح بألا يقتلها. تربّت ونشأت في الجنوب المنفصل عنصريًا، والتحقَت بجامعة ولاية لويزيانا، في الوقت الذي كان فيه ديفيد ديوك (الذي سيدير لاحقًا منظمة كو كلوكس كلان) هناك، وقد تحدثت ضمن سلسلة (Ted Talk) مدة 10 دقائق، حول هذه التجارب، العام الماضي.

حتى الآن، كان كلّ ما يفعله بايدن منذ فوزه في الانتخابات متوقعًا، ويمكن التنبؤ به. منذ إعلان فوزه، لم يقل أو يفعل أي شيء مفاجئ للمراقبين السياسيين. وهذه هي الطريقة التي يريدها تمامًا: يسعى بايدن إلى توقع أنه سيُحكم السيطرة على دفّة الدولة، بعد أربع أعوام من التقلب تحت قيادة ترامب، التي تميزت بتحركات محيرة لطاقم الحكم، وعمليات تسريح غير منتظمة، وعملية متشنجة في صنع السياسات.

من الناحية الموضوعية، يأمل بايدن أيضًا التراجع عن أكبر قدر ممكن من سياسة ترامب الخارجية. لقد وعد بالانضمام إلى اتفاقية باريس بخصوص تغيّر المناخ، والتراجع عن خروج الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، والانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتعهّد بتدعيم التحالفات العالمية، بدءًا من حلف شمال الأطلسي، لاتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه روسيا، وإعادة التأكيد على حقوق الإنسان كأولوية عليا في السياسة الخارجية.

بينما وُصف بلينكن بأنه يمتلك وجهة نظر وسطية عن العالم، فقد دعم أيضًا المواقف التدخلية. لقد ابتعد ذات مرة عن بايدن، ودعم العمل العسكري في ليبيا على سبيل المثال. وإبّان إدارة أوباما، دافع عن عمل أميركي في سورية (تقرير آني لينسكي ومات فيزر وجون هدسون). وأشيرَ إلى أن بلينكن شارك في تأسيس شركة إستراتيجية سياسية، مع ميشيل فلورنوي، التي هي مرشحة رئيسة لشغل منصب وزير دفاع في إدارة بايدن، وقد تكون أول امرأة تقود البنتاغون.

تشكلت نظرة بلينكن للعالم بشكل لا يُمحى من قبل زوج والدته، صموئيل بيسار، الذي نجا من أوشفيتز وداخاو [معسكرات اعتقال نازية]، حيث قال بيسار لصحيفة واشنطن بوست عام 2013: “عندما أتفكر اليوم في الغازات السامة في سورية، فإني أتذكر حتمًا الغاز الذي قضى على عائلتي بأكملها”.

في أيار/ مايو، أثناء ظهوره في برنامج “مواجهة مع الأمة Face the Nation”، على قناة CBS، أعرب بلينكن عن أسفه لـ “فشل” إدارة أوباما في سورية، وقال إن ترامب خلق “وضعًا مروعًا” أسوأ من قبل، من خلال قراره بسحب القوات الأميركية من البلاد، حيث قال إنه أهدر المزايا الممكنة. وقال بلينكن: “على الإدارة الأخيرة أن تعترف بأننا فشلنا، ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح. وفشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخليًا في سورية، وبالطبع في الخارج كلاجئين. وهو شيء سيبقى معي طوال حياتي. إنه أمرٌ أشعر به بقوة”.

كان بلينكن مناصرًا رئيسًا في أثناء إدارة أوباما، للسماح لمزيد من اللاجئين بدخول الولايات المتحدة. وعندما غادر وزارة الخارجية عام 2017، كان لدى الحكومة غطاء وسعة لـ (110) آلاف من اللاجئين الجدد الذين سيسمح لهم بالاستقرار هنا كل عام. خفض ترامب هذا العدد إلى (15000). وكمرشح هذا العام، وعد بايدن بزيادة عدد اللاجئين والترحيب بهم.

لقد طرح بلينكن قضية السماح بدخول المزيد من اللاجئين أمام كلّ من يهتم. في عام 2016، ظهر في برنامج الأطفال “شارع سيسيم Sesame Street”، ليتحدث مع غروفر (الدمية الزرقاء) حول هذا الموضوع: “غروفر، هل يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة مغادرة منزلك؟ … مع الأسف، يتعين على اللاجئين ترك كل شيء وراءهم: المجتمعات والمدارس والأصدقاء، حتى الأشياء المفضلة لديهم، وعلى الرغم من أنهم يأتون من أماكن مختلفة، فإنهم مثلي ومثلك تمامًا. … لدينا جميعًا ما نتعلمه ونكسبه من بعضنا البعض”.

اسم المقالة الأصلي The Daily 202: Picking Blinken for State previews how differently Biden will govern than Trump

الكاتب جيمس هوهمان، James Hohmann

مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020

رابط المقالة https://wapo.st/33JIGqX

مركز حرمون

———————————

=========================

تحديث 02 تشرين الثاني 2020

——————————–

سورية: بايدن يستكمل إنجازات ترامب/ حسين عبد العزيز

لم يُدلِ جون بايدن، ولا المقرّبون منه، في حملته الانتخابية، بتصريحات كثيرة بخصوص الملفّ السوري، إنما اكتفوا بإطلاق تصريحات عامة لا توضّح اتجاه الرياح السياسية الأميركية المقبلة. وقد فهم بعض المراقبين أن قلة التصريحات تدل على عدم اهتمام بايدن بالملف السوري، وأن هذا الملف لن يكون أكثر من ملف صغير ضمن ملفات أكبر وأكثر تعقيدًا، في حين ذهب آخرون إلى أن قلة التصريحات لا تعبّر عن توجهاته المقبلة في سورية.

بغض النظر عن هذه المقولات، لا يحتاج الملف السوري إلى تصريحات بارزة وقوية من بايدن، لعدم وجود حاجة إلى ذلك، فالوضع السوري يفتقر إلى الخطورة، بعدما أصبح في حالة “ستاتيكو” على الصعيدين السياسي والعسكري. هذه هي المعادلة الثابتة التي تُبنى عليها الإستراتيجية الأميركية تجاه سورية، أيًا كان من يشغل منصب الرئاسة.

وسبق أن عبّر المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، في تصريحات له، عن الموقف الإستراتيجي للدولة الأميركية أو لـ “الدولة العميقة”، عندما قال، قبل نحو عشرين يومًا: “إن فرض حالة الجمود، وعرقلة التقدم في بعض الأحيان، مع الاحتواء قدر الإمكان في أحيان أخرى، ليست بالأمر السيئ البتة”، وأضاف -وهذا هو المهم- أن “الجمود الراهن في الملف السوري يساوي الاستقرار في تلك القضية الشائكة”.

هنا يكمن الهدف الأميركي، سواء أكان ترامب في السلطة أم بايدن، حيث لا يوجد قرار أميركي إستراتيجي بإزاحة النظام عبر الأدوات العسكرية، ما يعني أن السياسة الأميركية المقبلة حيال سورية ستكون مبنية على التراكمات التي ترسخت في عهد ترامب، ولن تكون انقلابًا عليها.

على خطى ترامب

سيستكمل بايدن ما أنجزه ترامب في الملفات الرئيسية:

1- العقوبات الاقتصادية: ستستمر إدارة بايدن في فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، وقد كشف تأجيل الدفعة الأخيرة من العقوبات، إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، أن إستراتيجية العقوبات الاقتصادية هي إستراتيجية ثابتة للولايات المتحدة.

2- القوات العسكرية: الوجود العسكري الأميركي في سورية أمرٌ محسوم، عند كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن دون هذا الوجود، ستفقد واشنطن أداة الضغط الأقوى لديها على النظام السوري وإيران وروسيا، وقد كشف أنتوني بلينكن (كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن) أن الولايات المتحدة، في ظل رئاسة بايدن، ستحتفظ بوجود عسكري في شمال شرق سورية كوسيلة ضغط ضد الأسد.

بطبيعة الحال، سيظل العنوان العريض للوجود الأميركي منوطًا بمحاربة تنظيم (داعش)، ليس فقط لأنها قد تشكل تهديدًا، بل لأنها تشكل حجة قانونية لبقاء القوات الأميركية في سورية.

3- إعادة الإعمار: الموقف الأميركي من إعادة الإعمار في سورية هو مسألة إستراتيجية فوق حزبية، لا تخضع لاختلاف الإدارات الأميركية في البيت الأبيض، فرفض إعادة الإعمار، قبيل نضوج التسوية السياسية، هو موقف ثابت في الولايات المتحدة.

وفي لقاءٍ مع الجالية السورية في واشنطن، قال أحد مستشاري حملة بايدن، مطلع تشرين الثاني/ نوفمر الماضي: إن إدارة بايدن في حال تشكلها ستوضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يمكن أن يكون هناك دعم أميركي أو أوروبي لإعادة إعمار سورية، في ظل غياب إصلاح سياسي، ولا بد أن يكون ذلك الإصلاح ذا مغزى مع حركة موثوقة بشأن القضايا الإنسانية والمساءلة الرئيسية.

4- عودة اللاجئين: مسألة عودة اللاجئين إلى سورية مسألة محسومة في الولايات المتحدة، عند كلا الحزبين، حيث لا عودة إجبارية قبل نشوء مناخ محايد وآمن، وهو مناخ لن يحصل قبيل حدوث تغيرات سياسية كبيرة.

وكذلك ستبقى العناوين العريضة الثلاثة للتحرك الأميركي في سورية هي ذاتها: محاربة تنظيم “داعش” ومنعه من تشكيل أي تهديد جديد؛ منع إيران من التمدد والضغط لإخراجها مع الميليشيات التابعة لها من الجغرافية السورية؛ إيجاد حل سياسي وفق القرار الدولي 2254.

لن يطرأ أي تغيير في سياسة بادين تجاه سورية، حيال هذه المسائل، إلا إذا حصلت متغيرات كبيرة مفاجئة على الأرض، أو إذا حدثت متغيرات دولية طارئة، من شأنها أن تدفع واشنطن إلى تغيير أولوياتها داخل سورية.

دعم “الإدارة الذاتية”

تشير المعطيات القائمة على الأرض من جهة، وتصريحات بايدن حول دعمه للأكراد من جهة أخرى، إلى أن أهمية حالة الاستقرار التي تحدث عنها جيفري، تستدعي تعزيزًا للعلاقة مع “الإدارة الذاتية”، على المستويين السياسي والعسكري، بما يؤدي إلى تقوية النفوذ الكردي في مواجهة النظام وتضييق الخناق عليه أولًا، ومواجهة الحضور العسكري التركي في الشمال السوري ثانيًا.

قبل نحو أربعة أشهر، نشر موقع حملة بايدن الانتخابية إطارًا لسياسته تجاه المنطقة، تحت عنوان “جو بايدن والمجتمع العربي الأميركي: خطة شراكة”، جاء فيها أن بايدن سيعيد الالتزام بالوقوف مع المجتمع المدني والشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض في سورية. والمقصود بـ “الشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض” الأكرادُ المنضوون تحت مشروع “الإدارة الذاتية”، بكل أفرعها السياسية والعسكرية والإدارية، وليس المقصود فصائل المعارضة التي تحمل سمات إسلامية في أغلبها.

ولذلك، فإن الجديد في جعبة بايدن، حيال الملف السوري، سيكون مركزًا على دعم الأكراد، كحامل عسكري، قادر على المحافظة على “الستاتيكو” القائم الذي تحدث عنه جيفري من جهة؛ وكحامل اقتصادي يمنع النظام من الاستفادة من خيرات الجزيرة السورية من جهة ثانية؛ وكحامل سياسي، يمكن أن يحدث فرقًا، إذا ما انخرط الأكراد التابعون لحزب “الاتحاد الديمقراطي” في التسوية السياسية، كحليف للمعارضة، من جهة ثالثة.

أولوية بايدن تجاه الأكراد ستؤدي إلى قطع الطريق المترنح بين “الإدارة الذاتية” من ناحية، وروسيا والنظام السوري من ناحية أخرى، لكنها بالمقابل ستدفع الأكراد إلى الاستقواء على تركيا، وربما التفكير في شن هجمات عسكرية، لدفع المعارضة السورية والجيش التركي إلى الانسحاب من المنطقة الواقعة بين تل أبيض شمال غرب الرقة ورأس العين شمال غرب الحسكة، وإن كان هذا الاحتمال بعيدًا.

يعتقد بايدن أن المتغيرات الدولية والمتغيرات الإقليمية، خلال العقدين الآخيرين، دفعت تركيا نحو أماكن من شأنها أن تهدد المصالح الأميركية، وكلما ازدادت تركيا قوة في الداخل والخارج، شقّت لنفسها مسارات بعيدة عن العباءة الأميركية. ولذلك، سيذهب الرئيس المقبل إلى رفع مستوى التصعيد تجاه تركيا، لكن هذا التصعيد سيبقى محكومًا بعوامل عديدة، أهمّها مدى استعداد المؤسسات الأميركية الحاكمة للذهاب مع بايدن نحو تصعيد العلاقة مع تركيا، في ظل المخاطر التي قد تترتب على هذا التصعيد.

عند هذه النقطة، ستعود مسألة الموازنة بين أولوية المصالح الأميركية الإستراتيجية بعيدة المدى، والمصالح التكتيكية قريبة المدى من جديد، وهو النقاش الذي دار في الأوساط الأميركية، في عهد ترامب الذي حسم المسألة بدعم التوجه التركي في الشمال السوري للمحافظة على المصالح الأميركية الإستراتيجية.

تفرض الجغرافية السياسية سطوتها على الجميع، حتى في أشد اللحظات التاريخية حرجًا، حين يتجاهل البعض قوتها وكينونتها. ووفقًا لذلك، لن يكون الضغط الأميركي على تركيا من داخل الملف السوري، وإنما من خارجه (العلاقة التركية – اليونانية، العلاقة التركية – الروسية)، ذلك أن أي ضغط أميركي قوي تجاه تركيا داخل الساحة السورية سينعكس بشكل قوي على المعارضة، وهو ما لا يريده بايدن الذي أكد نيته مواصلة الضغوط على النظام السوري، ودعم مقومات المجتمع المدني.

مركز حرمون

————————–

خيارات بايدن في سوريا/ رضوان زيادة

لدى الولايات المتحدة وجود عسكري ليس كبيراً في سوريا ما يعادل 200 إلى 300 جندي يتمركزون في شرقي سوريا لكنه استراتيجي إذ تسيطر القوات الأميركية على المناطق التي كانت يوماً ما تحت سيطرة داعش، وهي مناطق غنية بالنفط وتسمح الولايات المتحدة حاليا لما يسمى بقوات قسد بالاستفادة من عائداتها النفطية بشكل غير مشروع من أجل تمويل عملياتها في المنطقة.

وبالرغم من الجدل الكبير الذي أعقب تصريح الرئيس ترامب في عام 2019 عن انسحاب القوات الأميركية من سوريا ثم وضع جدول زمني لذلك لا يتجاوز ستة أشهر، وأعلن الرئيس الأميركي إبقاء القوات الأميركية هناك لكنه أعلن أن الدول الإقليمية ودول الخليج يجب أن تتحمل كلفة بقاء هذه القوات إذا كانت ترغب في مقارعة الوجود الإيراني ومنع تمدد نفوذه. ولذلك ساهمت المملكة العربية السعودية بمبلغ يفوق عن 100 مليون دولار في تمويل عمليات قسد في شمال شرقي سوريا.

هذا الموقف أغضب تركيا التي تتقاسم أكثر من 600 ميل حدودي مع سوريا وبالتالي ترى أي تدخل لدعم قوات قسد المشكلة من حزب العمال الكردستاني تهديداً لها، ولذلك دخلت الولايات المتحدة في صراع سياسي مع تركيا وصل حد التهديد بعقوبات اقتصادية على حليف رئيسي في الناتو. فضلا عن شراء تركيا منظومة الصواريخ الروسية 400 والتي تعترض الولايات المتحدة بشدة على تشغيلها بالرغم من وجودها في دول أعضاء في الناتو أيضا مثل اليونان.

ربما يكون الموقف الأول الذي سيعلنه بايدن في سوريا هو الحفاظ على عديد القوات الأميركية هناك وربما زيادتها إلى بضعة مئات أخرى مع ازدياد عمليات تنظيم الدولة داعش في البادية السورية وبالتالي لا يمكن أن يكرر بايدن خطأ أوباما بسحب القوات من العراق قبل ضمان الانتهاء كليا من تنظيم داعش في سوريا الذي بدأ بتجميع قواه في ظل عدم اكتراث النظام السوري لتمدده والتركيز على التحضير لعملية عسكرية في إدلب.

لكن وجود القوات الأميركية في سوريا يجب أن يكون ضمن خطة استراتيجية وأهداف واضحة وليس مجرد الحفاظ على النفط كما كان ترامب يردد، يجب أن تتضمن الخطة أيضا دعما من حلفاء الولايات المتحدة في الناتو، ولذلك يمكن أن يخلق وجود هذه القوات ميزة استراتيجية للولايات المتحدة في التفاوض مع روسيا حول الانتقال السياسي في سوريا وإجبار نظام الأسد على قبول القرار 2254 الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة، لذلك على الرئيس المنتخب بايدن أن يعزز القوات الأميركية في سوريا وربطها ضمن خطة استراتيجية أوسع تتضمن حلا سياسيا في سوريا.

ثانياً الانتقال السياسي في سوريا:

لا يتوقع أن تغير روسيا من سياستها في سوريا وهي التظاهر بالرغبة في الحل السياسي لكن دعم الأسد عسكريا على الأرض من أجل القضاء على كل جيوب المعارضة وحمايته سياسيا في مجلس الأمن الدولي حيث استخدمت روسيا حق النقض الفيتو أكثر من 15 مرة من أجل منع إدانة نظام الأسد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق السوريين المدنيين، وقد حاولت مؤخرا إجبار نظام الأسد على تنظيم مؤتمر شكلي من أجل اللاجئين السوريين مني بفشل ذريع بعد تسريب مقطع صوتي لمنظميه يسخرون من المؤتمر وحضوره وأهدافه وعليه يجب أن تدرك إدارة بايدن القادمة أن الموقف الروسي لن يتغير طالما بوتين بقي في الحكم في روسيا طالما أنه استثمر كثيرا في الحرب السورية ولا يتوقع أن يغير استراتيجيته هناك فالنظام السياسي الروسي اليوم شبيه تماما بالنظام السوري فيما يتعلق بآليات السيطرة والتحكم داخل المجتمع الروسي، فكل الإعلام الروسي تحول إلى بروبوغاندا دعائية للكرملين في حربه في سوريا ضد “الإرهاب فهناك موقف موحد بأن ما يفعله بوتين في سوريا هو الصحيح وأن الغرب لا يريد لروسيا النجاح في سوريا وكل سوري يعارض الموقف الروسي يصبح ببساطة “إرهابياً”.

أعتقد أن بايدن هناك سيكون مختلفا عن الرئيس أوباما وبالطبع ترامب الذين تجاهلا الانتقال السياسي في سوريا وقاما بالتركيز في القضاء على تنظيم داعش وإهمال الوضع الإنساني والاقتصادي المزري للسوريين في الشمال السوري وفي مناطق النظام، على الولايات المتحدة هنا أن تنشط دبلوماسيتها السياسية بحدها الأقصى لبناء أو إعادة بناء تحالف أصدقاء سوريا بهدف زيادة الضغوط على روسيا ونظام الأسد من أجل القبول بحل سياسي يضمن تطبيق القرار 2254 وربما مدخل إدارة بايدن هنا بعد فشل المفاوضات السياسية في جنيف وأستانا هو الدفع باتجاه انتخابات رئاسية وبرلمانية في سوريا تحت إشراف كامل من الأمم المتحدة كما ينص القرار 2254 ، على أساس أن الانتخابات هي وحدها من يسمح بولادة حكومة تمثيلية تسمح ببسط سيادتها على كل الأراضي السوري وتدفع باتجاه خروج كل الميليشيات الأجنبية وعلى رأسها الميليشيات الإيرانية.

وفي الوقت نفسه يجب على الولايات المتحدة أن تفعّل قانون قيصر بفرض عقوبات على الشركات والمصالح الروسية التي تقوم بانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا وعدم اقتصار العقوبات على الشركات والأفراد السوريين والإيرانيين فمن المهم أن تدفع روسيا ثمن جرائمها في سوريا وأن تفكر جديا في جدوى استمرار دعمها لنظام الأسد مع تحول سوريا إلى دولة فاشلة بالكامل مع انعدام كل مقومات الحياة الأساسية من انعدام للغاز والوقود ومياه الشرب والكهرباء فضلا عن تقنين رغيف الخبز عبر ما يسمى البطاقة الذكية بسبب انخفاض محصول القمح وعدم قدرة النظام على شراء القمح لانعدام العملة الصعبة لديه.

كما من المهم على إدارة بايدن اشتراط إعادة الإعمار بالانتقال السياسي، فلا يمكن لنظام الأسد أن يحصل على عائدات جرائم الحرب التي ارتكبها بحق السوريين عبر ما يسمى إعادة الإعمار، والضغط على الدول العربية التي تفكر في تطبيع العلاقات معه بفرض المزيد من العقوبات عليها وعلى الشركات التي تحاول مساعدة نظام الأسد في حربه ضد الشعب السوري.

تلفزيون سوريا

—————————–

مواجهة مبكرة بين بايدن وإردوغان/ جويس كرم
يتولى الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، مهام البيت الأبيض بعد 47 يوما، وبداية الرحلة الشرق الأوسطية، تلّوح بخلاف جذري مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وعقوبات أميركية لا مهرب منها على أنقرة حول صفقة “أس-400”.
ليل الخميس صوت الكونغرس، وبأكثرية من الحزبين قادرة على تخطي أي فيتو رئاسي، على الموازنة الدفاعية الأميركية للعام 2012، والتي تتضمن كأحد أبرز تعديلاتها عقوبات إلزامية على تركيا لاستحواذها المنظومة الدفاعية الروسية “أس-400”. هذه العقوبات حاول تأجيلها الرئيس دونالد ترامب لعلاقته القريبة بإردوغان، إلا أنها باتت اليوم تحت سقف قانوني تشريعي من الكونغرس.
ترامب قد يكون بإمكانه ركل الكرة أسبوعين وتأجيل العقوبات مرة أخيرة، بيد أن الواقع السياسي والتشريعي في 20 يناير، سيفرض على بايدن الأقل قربا من إردوغان، تنفيذ العقوبات.
في 2016، راهن إردوغان على فوز ترامب كرجل أعمال معروف في أنقره وكشخصية قابلة للتفاوض ومرنة في أمور تحمي تركيا خارجيا وفي المعترك الأميركي. ونجح إلى حد كبير في نيل تفويض البيت الأبيض رغم معارضة البنتاغون، لدخول سوريا، وعبر توظيف التشنج بين ترامب والأوروبيين، أبرم صفقة الـ”أس-400″، ونجح في التوسع في شرق المتوسط، ودخول ليبيا والانخراط بنزاع أذربيجان وأرمينيا.
اليوم، ومع تحذيرات حلف شمال الأطلسي “ناتو” لأنقرة حول صفقة الـ”أس-400″، ونزاع شرق المتوسط، بات تمادي إردوغان الإقليمي عبئا ثقيلا على الغرب. وفي حين سيحاول بايدن الحفاظ على المصالح المشتركة مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب والتبادل التجاري والخروج من أفغانستان، فالتصعيد لا مهرب منه بعد اختيار أنقرة تحدي واشنطن والمس بثوابت أمنية دفاعية في تركيا والمنطقة.
رهان إردوغان على خلق توازن في تحالفاته بين روسيا شرقا وأميركا والناتو غربا يتضعضع اليوم أمام خسارة تركيا عضويتها في تحالف طائرات الأف-35 وتأزم علاقتها مع الكونغرس. فتركيا التي كانت الدولة الشرق الأوسطية الوحيدة في هذا التحالف منذ 2002 إلى جانب كندا، الولايات المتحدة، أستراليا، الدنمارك، بريطانيا والنروج، كانت تنتظر تسلم مئة طائرة الأف-35 بعد صرف ملياري ونصف الدولار على منظومة روسية تتضارب دفاعيا واستخباراتيا مع النظم الدفاعية الغربية.
عقوبات قانون “كاتسا” الذي يلاحق التبادلات التجارية الضخمة مع روسيا ستضع بايدن في مواجهة مبكرة جدا مع إردوغان، إلا إذا تخلى الزعيم التركي عن منظومة “أس-400” وما هو غير متوقع. هذه العقوبات إطارها واسع جدا من حجب تأشيرات لمسؤولين تركيين إلى وقف الصادرات إلى حجب التعاملات المصرفية.
إردوغان حاول في الأسابيع الأخيرة إغواء بايدن بالحديث عن إصلاحات اقتصادية وديمقراطية في تركيا، إنما هذا الكلام لا ينفع أمام قوانين الكونغرس. وبايدن ليس ترامب وليس لديه أي مصالح تجارية شخصية مع تركيا. لا بل الرجل له علاقة طويلة مع الأكراد في سوريا والعراق، ووزير خارجيته طوني بلينكن انتقد سياسة ترامب بالانسحاب من الشمال السوري وفتح المعترك أماما تركيا. فضلا عن ذلك، علاقة بايدن الأقرب للأوروبيين من ترامب والأكثر تشددا مع روسيا ستفرض إعادة ترتيب لأسلوب التعامل مع أنقرة.
حتى الساعة ينتظر أردوغان مكالمة هاتفية من بايدن كما كان الحال مع ترامب الذي اتصل به في 9 نوفمبر في 2016 أي بعد يوم على الفوز. مضى أكثر من شهر على فوز بايدن وهو أجرى اتصالات مع قيادات دولية ومع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، إنما “الهاتف لم يرن” في أنقرة.
تركيا وإردوغان أمام واقع جديد في البيت الأبيض في 20 يناير مع بايدن ستكون فيه الأولوية للمصالح الاستراتيجية والدفاعية الأميركية وليس لمناقصات شخصية أو كلام معسول، ردده الزعيم التركي لترامب في السنوات الأربع الأخيرة.
جويس كرم
الحرة

—————————-

الإخوان المسلمين والحزب الديمقراطي الأميركي/ عمران سلمان
لا أعرف شخصيا كيف ومتى ومن أطلق الفكرة الغريبة بأن الحزب الديمقراطي الأميركي يدعم أو يفضل أو يتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين، لكن من الواضح أن هذه الفكرة شائعة اليوم في أوساط عربية كثيرة، ولدى بعضها هي من المسلمات، رغم افتقارها إلى أي دليل حقيقي يدعمها، ما يجعل مسألة فحصها أمرا ضروريا.
أصل الفكرة
أتصور أن الجذر الرئيسي لهذه الفكرة يعود إلى عام 2011 فيما بات يعرف بـ “ثورات الربيع العربي”، وإلى حقيقة أن إدارة أوباما اختارت التعاطي الواقعي والاعتراف بنتائج عملية التغيير التي جاءت بها تلك “الثورات”، بما في ذلك في مصر. مع أن هذه الإدارة ولا سيما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون آنذاك، تمسكت بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك حتى آخر لحظة، ولم تقر بالوقائع على الأرض إلا قبل أيام قليلة فقط من سقوطه.
لكن قرار الإدارة اللاحق بالتعامل مع نظام الإخوان المسلمين والذي جاء به المصريون أنفسهم في انتخابات حرة ونزيهة، وكذلك وقوفها إيجابيا من “الثورات” العربية الأخرى، والتي تصدر واجهتها الإسلاميون بحكم الأمر الواقع، خلق الانطباع بأن إدارة أوباما تشجع الإخوان المسلمين أو تقف إلى جانبهم أو تفضلهم.
والحقيقة هي أن الولايات المتحدة وجدت نفسها في وضع صعب في تلك المرحلة. فمن جهة كانت السياسات الأميركية التقليدية هي الوقوف إلى جانب الحكومات القائمة، والنظر بعين الشك والريبة تجاه أي تغيير راديكالي وتفضيل التحولات السلمية، وفي الوقت نفسه كانت الأنظمة العربية تسقط واحدا بعد الآخر، فيما تموج الشوارع العربية بالتظاهرات المطالبة بالتغيير.
وكان الوقوف ضد حركة التغيير بمثابة انتحار سياسي، فيما المغامرة بإبداء دعم واضح لما يجري في الشارع كان يعني أيضا السير نحو المجهول.
اعتقد أن التقييم المنصف سيجد أن إدارة أوباما عموما فضلت الوقوف في منتصف الطريق، وإن مالت في بعض الأحيان لجهة الشارع.
رسائل كلينتون
لكن بعض الحكومات العربية فسرت التحرك الأميركي على أنه تخل عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وخيانتهم. وفاقم من حساسيتها أن الخطاب الأميركي استمر في الدعوة التقليدية الى إقامة أنظمة حكم ديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، ما أدى إلى شيوع فكرة أن إدارة أوباما كانت لها يد مباشرة فيما يحصل في المنطقة.
وفيما بعد وجدت هذه الحكومات مصلحة في ترسيخ وترويج هذه القناعة، ولدعمها جرى تصيّد كل ما يصدر في واشنطن من تقارير أو مذكرات رسمية أو خاصة.
وفي هذا الصدد اكتسبت الرسائل التي أفرجت عنها إدارة الرئيس دونالد ترامب، من البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أهمية خاصة. فقد استخدمت هذه الرسائل بمثابة حجة ودليل على التواطؤ الأميركي المزعوم مع الإخوان المسلمين والعمل على تمكينهم.
وقد كان لدي ما يكفي من الفضول للبحث في هذه المسألة، بحيث قضيت وقتا لا بأس به في مطالعة أهم هذه الرسائل وما كتب عنها في الصحافة العربية. والخلاصة التي توصلت لها هي التالي:
لا يوجد في هذه الرسائل أو الإيميلات ما يشير من قريب او بعيد إلى أي تورط أو نشاط أميركي بدعم الإخوان المسلمين أو أي جماعة إسلامية أخرى.
مضمون هذه الرسائل هو عبارة إما عن تقييمات أميركية للوضع الذي كان سائدا في مصر وقتها، أو أخبار وتسريبات من مصادر خاصة داخل جماعة الإخوان المسلمين أو مؤسسة الجيش بشأن الوضع السياسي، أو مقتطفات من الصحف تتحدث عن نشاط هاتين المؤسستين. وفي أحيان قليلة جدا كانت هناك عروض أميركية بالمساعدة في إرساء الديمقراطية ونظام حكم القانون.
هذه الرسائل هي جزء طبيعي من عمل أي سفارة أجنبية في أي بلد في العالم. وليس فيها ما يشي إلى مخططات أو اتفاقات أو أي شيء من ذلك.
العديد من وسائل الإعلام العربية لم تخرج من هذه الرسائل بأي نص أو مقتطف يفيد بالادعاءات المذكورة، واكتفت باستخدام هذه الرسائل على نحو عشوائي وفوضوي لتأكيد فرضيتها المسبقة.
سوء فهم
هناك أيضا في سياسات الحزب الديمقراطي بالداخل الأميركي، ما يغري على تصوير الأمر على أنه تسامح أو تشجيع للإسلاميين، وهذا أبعد ما يكون عن الدقة.
فالحزب الديمقراطي له موقف إيجابي من الأقليات عموما، بما في ذلك المسلمين. وهذا الموقف يمتد إلى احترام الخصوصيات الدينية والثقافية والإثنية لهذه الأقليات، على النحو الذي لا نرى له مثيلا في الحزب الجمهوري مثلا. وهذا الاحترام يشمل الرموز الدينية للمسلمين بما في ذلك ارتداء الحجاب والتعاطف معهم في وجه التمييز والانتهاكات التي قد تلحق بهم. ومن هذا الباب يجري التعامل مع المنظمات الأميركية المدافعة عن حقوق المسلمين أو الناشطين في هذا المجال.
طبعا هذه المنظمات ربما يكون لها صلات بالإخوان أو جماعات الإسلام السياسي الأخرى، لكن هذا لا يعني أن الحزب الديمقراطي يتعاطف مع هذه الجماعات. الحقيقة أن الموقف من المسلمين يمتد أيضا إلى الأميركيين غير المسلمين، خاصة الذين يكونون هدفا للتمييز على أساس ديني أو عرقي أو يتعرضون للاضطهاد في بلدانهم الأصلية مثل البهائيين أو الأيزيديين أو الطائفة الاحمدية أو ما شابه.
أجندة غير دينية
من الناحية النظرية فإن برامج وأفكار الحزب الديمقراطي هي الأبعد ما تكون عن أيديولوجية الإخوان المسلمين أو الإخوان المسيحيين، لأنها برامج يغلب عليه الطابع الليبرالي، واللاديني في الكثير من الأحيان. فالديمقراطيون هم المناصرون التقليديون لقضايا النساء وحقهن في الأجر المتساوي وفي التصرف بأجسادهن، بما في ذلك مسألة الإجهاض، وهم أيضا المدافعون عن المثليين والمهاجرين والفئات الضعيفة في المجتمع.

والمدن التي يحكمها ديمقراطيون، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس وواشنطن العاصمة وغيرها هي المدن الأكثر ليبرالية في أميركا.
هذه الخلفية تجعل الديمقراطيين بالضرورة هم الأبعد عن جماعة الإخوان المسلمين التي تمقت الليبرالية والعلمانية أو عن أي جماعة تقوم على أساس الدين.
والواقع أن غالبية “المسلمين المحافظين” في أميركا كانوا، لهذه الأسباب بالذات، ولوقت قريب يصوتون إلى الحزب الجمهوري لأنهم يجدون قيمه تتناسب أكثر مع قيمهم. وقد صوتوا بكثافة للمرشح الجمهوري جورج بوش الإبن خلال انتخابات عام 2000. بعد ذلك حدث تحول في توجهات المسلمين، نحو الحزب الديمقراطي. والسبب هذه المرة سياسي وليس ديني. فعلى الرغم من موقفهم السلبي دينيا من الديمقراطيين، إلا أنهم شعروا بأن الجمهوريين، وخاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد اتجهوا كثيرا نحو اليمين، والكثير منهم كان له موقفا سلبيا من الحربين في العراق وأفغانستان. والبعض اعتبر ذلك استهدافا للمسلمين.
انزعاج حكومي
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية لا يوجد دليل على أن الإدارات الديمقراطية كان لها موقف يدعم أو يحابي الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية. صحيح أن هذه الإدارات، لا تظهر ميلا نحو/أو تتبنى المواجهة الأيديولوجية مع الإسلاميين، لأن منطلقاتها سياسية وليست عقائدية أو أيديولوجية دينية كما هو الحال مع الإدارات الجمهورية (حيث يشكل اليمين المسيحي جناحا رئيسيا في الحزب الجمهوري)، لكنها كانت الأكثر شراسة حينما يتعلق الأمر بتنظيمي القاعدة وداعش وغيرهما من الجماعات المسلحة. وقد شهدت فترة أوباما نشاطا غير مسبوق، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيرة، في استهداف زعماء ونشطاء هاتين المجموعتين.
خلاصة القول هي أن افتراض وجود صلة أو تعاون بين الحزب الديمقراطي الأميركي وجماعة الإخوان المسلمين، هي مجرد تصورات بنيت في أفضل الأحوال على حالات ظرفية، ولا يوجد ما يثبتها أو يدل عليها، وفي العديد من الأحيان هي ليست أكثر من انعكاس لانزعاج بعض الحكومات العربية إما من رفض الديمقراطيين الدخول في حروب أيديولوجية مع الإسلاميين، أو من الانتقادات التي يوجهونها فيما يتصل بحقوق الإنسان وغياب الديمقراطية.

==============================

=========================

تحديث 06 تشرين الثاني 2020

————————-

استراتيجية إدارة بايدن:الضغط الاقصى على الأسد..حتى رحيله

ترى مجلة “ناشونال انترست” الأميركية أن استراتيجية الرئيس المنتخب جو بايدن في سوريا ستتميز باستخدام أقصى الضغوط ضد نظام بشار الأسد، مع توسيع محتمل للتواجد العسكري الأميركي في سوريا.

وتستبعد المجلة في تقرير لمارك إيبسكوبوس بعنوان: “هل ستعرقل سياسة أوباما الفاشلة تجاه سوريا خطط إدارة بايدن للشرق الأوسط؟”، أن تعترف إدارة بايدن بالأسد لكنها ترى أن الأسلوب النهائي للاستراتيجية في سوريا لم يكتمل بعد.

وتسأل: بعد أربع سنوات من محاولة فك الارتباط في عهد الرئيس دونالد ترامب، هل ينذر الانتقال المقبل لإدارة جو بايدن بالعودة إلى استراتيجية الضغط الأقصى ضد حكومة الأسد؟

في مقابلة أجريت في أيار/مايو 2020، أقر المرشح جو بايدن لوزارة الخارجية، أنطوني بلينكن، بأن سياسة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجاه سوريا “فشلت”. ولدى سؤاله عن نهج بايدن تجاه سوريا، أجاب بلينكن: “في الإدارة الأخيرة، على المرء أن يعترف بأننا فشلنا ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا. لقد فشلنا في منع وقوع خسارة مروعة في الأرواح. لقد فشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخلياً في سوريا، وبالطبع خارجياً كلاجئين. وهو شيء سآخذه معي لبقية أيامي. إنه شيء أشعر به بقوة”.

لكن ما هو بالضبط فشل سياسة إدارة أوباما؟ وما هي الدروس التي يبشر بها وزير الخارجية المستقبلي؟ وما الذي كان يمكن أن يفعله البيت الأبيض خلال عهد أوباما بشكل مختلف لتفعيل بعض النتائج الإيجابية في سوريا؟

لا يقدم بلينكن، وهو دبلوماسي مخضرم ومسؤول كبير في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، إجابات واضحة. في مقابلة قديمة، بدا أن بلينكن يلقي باللوم على مجموعة كبيرة من القوى الخارجية: “أعتقد أن هناك الكثير من اللوم الذي يجب أن ننتقل إليه، بدءاً من السوريين أنفسهم، إلى إيران وروسيا ورعاة آخرين للنظام، إلى كل الدول العربية والدول المجاورة الأخرى”. لكن بلينكن أضاف “لدينا مسؤولية أيضاً”، متحسراً على “عبء حرب العراق” و”التدخل الصعب في ليبيا” لتبرير عدم وجود الحماسة للتدخل العسكري الأميركي في الحرب الأهلية السورية.

يبدو أن بلينكن يأسف للنتيجة، وليس للاستراتيجية الأساسية لإدارة أوباما المتمثلة في زيادة الضغط الدولي والعسكري للتفاوض على إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، بحسب المجلة. في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2015، أكد بلينكن دعم إدارة أوباما لتغيير النظام في سوريا: “لدى روسيا الآن حافز ونفوذ أكبر لدفع الأسد والنظام نحو الانتقال. هناك اعتراف من جميع الأطراف بأنه لا يوجد حل عسكري في سوريا ، وهذا اعتراف ينمو الآن لدى الروس”. وعندما طُلب منه توضيح ما إذا كان رحيل الأسد شرطاً أساسياً لإجراء مفاوضات جوهرية، أجاب بلينكن: “ليس شرطاً مسبقاً، ولكن العملية التي سيتم إطلاقها يجب أن تؤدي إلى رحيل الأسد”.

وتقول “ناشونال انترست” إنه بعد خمس سنوات، هناك اعتراف متزايد داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة الأسد. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن يكون الصراع الدائر في سوريا على رأس أولويات السياسة الخارجية للإدارة القادمة. عزّز الأسد قبضته على السلطة بثبات الدعم الروسي، والمعارضة السورية “المعتدلة” التي روجت لها إدارة أوباما تُعتبر عاملاً سياسياً غير فاعل في عام 2020، وتم احتواء التهديد المتزايد لتنظيم “داعش” على الأراضي السورية بنجاح في السنوات السابقة.

إذن ماذا الآن؟ إن الاعتراف بحكومة الأسد، حسب بلينكن، لا يزال غير وارد. وعندما سُئل عما إذا كان بإمكان إدارة بايدن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، قال: “من المستحيل عملياً أن أتخيل ذلك”.

على الرغم من أن احتمالات تغيير النظام على الطريقة الليبية في سوريا قاتمة للغاية، إلا أن هناك مؤشرات على أن إدارة بايدن ستكون مهتمة بتنفيذ استراتيجية الضغط الأقصى ضد الأسد. وضع بلينكن الخطوط العريضة لهذا النهج في مقال رأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2017 قال فيه: “الآن، تتمتع إدارة ترامب بنفوذ يجب أن تختبره مع نظام الأسد وروسيا لتقييد القوات الجوية السورية، ووقف أي استخدام للمواد الكيماوية أو الأسلحة البيولوجية، وتنفيذ وقف إطلاق نار فعال في الحرب وحتى التحرك نحو التفاوض على انتقال السلطة -وهي الأهداف التي استعصت على إدارة أوباما”.

يتمثل العنصر الثاني من استراتيجية بلينكن المقترحة في سوريا في استخدام الأسد كوكيل لغرض أوسع يتمثل في مواجهة روسيا: “يجب على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحاسبها على تصرفات الأسد في المستقبل، وحشد الآخرين للقيام بذلك.. وشن المزيد من الضربات إذا لزم الأمر”، كما دعا إلى فرض تكاليف على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعمه العسكري والسياسي المستمر لحكومة الأسد.

لن يحافظ البيت الأبيض في عهد بايدن على عقوبات إدارة ترامب على الأسد فحسب، بل ربما يوسعها. يشمل هذا النهج، بشكل شبه مؤكد، الحفاظ على وجود عسكري نشط في سوريا لدعم الأكراد كإسفين دائم ضد كل من الأسد والكرملين. من المرجح أيضاً أن تلعب إدارة بايدن دوراً أكثر نشاطاً في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وربما تدفع باتجاه إصلاحات سياسية من شأنها أن تمنح الفصائل المناهضة للأسد صوتاً محمياً في المجتمع المدني السوري.

يبدو أن الرئيس المنتخب قد اعترف أمام مجلس العلاقات الخارجية في 2018 بأن جهود أوباما لحشد دعم الكرملين ل”انتقال السلطة” بعيداً عن الأسد قد أثمرت القليل، وبدلاً من ذلك طرح ما يبدو أنه ترتيب “مجالات نفوذ” مع موسكو: “أعتقد، -هناك طرق يمكننا من خلالها، في الواقع، العمل مع روسيا لأخذ أجزاء من البلاد بشكل أساسي- ستكون دولة مقسمة لفترة طويلة… ليس هناك مبدأ موحد في سوريا من وجهة نظري”. وقال بايدن: “هكذا يمكنني أن أرى أين يمكنك العمل في مكان يوجد فيه ملاذ آمن بشكل أساسي لأجزاء معينة من ذلك البلد، ويمكنك تقليل عدد الأشخاص الذين يتم تهجيرهم وقتلهم بشكل كبير. لقد حاولنا ذلك أيضاً، ولم يلعبوا بشكل عادل هناك”.

وتختم المجلة قائلة: “لا يزال يتعين على الإدارة القادمة أن تحدد استراتيجيتها النهائية ضد حكومة الأسد، ولكن هناك أمراً واحداً واضحاً: الضغط الأقصى -ومعه التوسع المحتمل للوجود العسكري الأميركي في سوريا- موجود ليبقى”.

المدن

———————————

بايدن يواجه المهمة الصعبة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي/ شريف عثمان

بعد فشل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب في إقناع المحاكم في ولايات مختلفة بما يقرب من أربعين دفعاً تقدم بها لتعطيل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة التي تمت قبل شهر، بدا طريق جو بايدن ممهداً للوصول إلى البيت الأبيض، الأمر الذي حَوَّل التساؤلات خلال الفترة الحالية إلى ما يمكن أن يقوم به رئيس، تعهد بزيادة الضريبة على الدخول المرتفعة، ولا يحتفظ حزبه بمشاعر طيبة مع ممارسات كبرى الشركات الأميركية، وفي ظل كونغرس شديد الانقسام، لإحياء اقتصاد يتعثر من تبعات وباء ما زالت معدلات انتشاره في ازدياد.

وبعد شهور تعثرت فيها جهود الاتفاق على حزمة جديدة لإنقاذ الاقتصاد ومساعدة المواطنين، أعلن قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس استعدادهم لتخفيض المبلغ الضخم الذي تمسكوا به قبل الانتخابات من 2.4 تريليون دولار إلى 908 مليارات دولار، تشكل النسبة الأكبر منها تعويضات بطالة لمن فقدوا وظائفهم خلال الشهور الماضية لفترة تصل إلى أربعة أشهر، يكون أساساً لاستئناف المفاوضات ويزيد من احتمالات التوصل إلى اتفاق ينقذ ملايين المواطنين ويساعد آلاف الشركات التي ما زالت تعاني تبعات الجائحة.

وتأكيداً على الصعوبات التي ستواجهها إدارة الرئيس المنتخب خلال العامين القادمين على أقل تقدير، وقبل موعد انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ في 2022، ورغم عرضهم قبل عدة أسابيع حزمة إنقاذ تقدر قيمتها بنحو 1.8 تريليون دولار، أكد قادة الحزب الجمهوري أنهم والبيت الأبيض (الحالي) يفضلون حزمة تم عرضها من قبل لا تتجاوز قيمتها 519 مليار دولار، ولا توفر التمويل المطلوب تقديمه للولايات والحكومات المحلية.

ويوم الأربعاء، قال ستيفن منوشين، وزير الخزانة، إن الرئيس (يقصد دونالد ترامب) سيوقع على الحزمة التي اقترحها ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، بينما غابت أية تعليقات من البيت الأبيض على الحزمة التي اقترحها الديمقراطيون.

ولا يبدو أن جو بايدن يعبأ كثيراً بما سيتم الاتفاق عليه خلال الفترة الانتقالية الحالية، حيث قال يوم الأربعاء إن أية حزمة سيتم إقرارها ستكون بمثابة دفعة مقدمة لما سيحدث العام القادم، مؤكداً أن فريقه الانتقالي “يعمل بالفعل حالياً على ما سأقوم بطرحه في الكونغرس المقبل لمعالجة الأزمات المتعددة التي نواجهها، خاصة ما يخص الأزمة الاقتصادية والوباء”.

وسيكون على بايدن إرضاء قياديي حزبه الذين يعتبر البعض أنهم أصحاب الفضل الأكبر في فوزه في انتخابات الرئاسة، خاصة في ظل عدم تمتعه بكاريزما تشبه تلك التي تميز بها كل من خصمه ترامب وسلفه أوباما، من خلال الإسراع بتنفيذ أجندتهم التقدمية أو اختيار من على شاكلتهم في إدارته الجديدة.

وفي لقاء مساء الأربعاء مع محطة “سي أن أن” الإخبارية، طالب المرشح الرئاسي الأميركى السابق بيرني ساندرز بالإسراع في رفع الحد الأدنى للأجر، وتوفير تأمين صحي منخفض التكلفة لكل الأميركيين، وتخفيض أسعار الدواء.

وفي الوقت الذي كانت الأخبار العاجلة تتوالى على هواتف وحواسب المواطنين الآلية في أميركا، معلنةً تجاوز عدد من أصيبوا بالفيروس واضطروا لدخول المستشفى يوم الأربعاء مائة ألف مواطن للمرة الأولى منذ ظهوره في البلاد، كان عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي يضغط لتنفيذ أجندته التقدمية، ويطالب رئيسه المنتخب باختيار الأشخاص المؤيدين لها ضمن إدارته، بينما تعلل بايدن بأنه لا يرغب في التخلي عن مقعد أو أكثر في المجلس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية بسيطة، ويطمع الديمقراطيون في السيطرة عليه.

وعلى نحوٍ متصل، وفي حين قدرت بعض النماذج ما ستدره خطة رفع الضرائب على الأشخاص مرتفعي الدخول والشركات الكبرى التي يتبناها بايدن من إيرادات للخزانة العامة بما يقرب من 2.5 تريليون دولار على مدار السنوات العشر القادمة، حذر البعض من تأثيرها على تعطيل استعادة الاقتصاد لانتعاشه، وهو ما حاول ترامب استغلاله خلال حملته الانتخابية، قبل أن يفشل ويختار الناخب الأميركي بايدن.

وفي حين يرى بايدن أن الزيادات الضريبة خلال الفترة الحالية يمكنها التسريع بالنمو، من خلال توفير التمويل اللازم للعديد من خطط الإنفاق التي من شأنها أن تفيد الاقتصاد، مثل مشروعات تحسين البنية التحتية والاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة، كانت الرؤية لدى العديد من مراكز الأبحاث المحافظة أن تلك الخطط سيكون تأثيرها متواضعاً فيما يخص محاولات الإنعاش.

وخلال الحملات الانتخابية، حذر ترامب من تأثير خطط بايدن لزيادة الضرائب على الشركات الكبرى على دفع تلك الشركات لتصفية أعمالها في الولايات المتحدة، بينما أصر بايدن، رداً على سؤال أحد الصحافيين، على أهمية الإسراع بتنفيذ خطته، نافياً أن يكون الوقت الحالي، وما يشهده من ركود اقتصادي، دافعاً لتأجيل التطبيق.

وأيد بعض الاقتصاديين موقف وخطة بايدن، طالبين منه عدم التمهل في زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى. وقال أوستان جولسبي، الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض، والأستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاغو حالياً، في لقاء مع محطة سي أن أن الإخبارية إن “الركود الحالي تميز بالتفاوت الكبير في تأثيره على المواطنين والشركات، والكثير من أصحاب الدخول المرتفعة والشركات الكبرى لم يتعرضوا لأية مشكلات على الإطلاق خلال الفترة الماضية”.

وفي ذات الاتجاه، قدرت شركة الخدمات المالية موديز أناليتيكس قبل فترة حجم الاقتصاد الأميركي في نهاية فترة رئاسة بايدن الأولى بما يزيد بنحو 960 مليار دولار عما كان يمكن أن يكون عليه بنهاية فترة رئاسية ثانية لترامب.

العربي الجديد

———————————–

ترامب وإيران في 45 يوماً/ بشير البكر

يأخذ العالم على محمل الجد كل السيناريوهات الممكنة في الوقت المتبقي من ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والذي لا يزيد عن 45 يوما. وكلما ضاق الوقت حبس العالم أنفاسه بانتظار مفاجآت. وأكثر ما يثير الاهتمام هو توجيه ضربة عسكرية لإيران. وربطت قراءاتٌ عملية اغتيال العالم النووي، محسن فخري زادة، بسيناريو أكبر يتم حبكه بعناية، لاستدراج إيران إلى معركة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع ترامب إلى القيام بعمل على درجة عالية من الخطورة، قبل أن يترك البيت الأبيض بقليل؟

هناك أكثر من سببٍ يبرّر لترامب القيام بعمل عسكري ضد إيران، يختتم به ولايته، ويدخل التاريخ من هذا الباب. والسبب الأول تقديم خدمة لمشروع التحالف بين الإمارات وإسرائيل الذي يعد أحد إنجازات ترامب، وكان الدافع من ورائه هو تطويق إيران، ومنعها من تحقيق مشاريعها الاستراتيجية، وفي المقام الأول المشروع النووي. ولذلك يعد اغتيال زادة بمثابة دفعةٍ على الحساب، وليس كل العملية، وربما كان محاولةً لاستدراج طهران للرد بتوجيه ضربة لإسرائيل أو أبوظبي، وساعتها يصبح الرد الكبير عليها مبرّرا. ولهذا السبب، تم استقدام القاذفة الاستراتيجية الأميركية بي 52 التي درجت العادة أن تشارك في حروب كبيرة، كما حصل في الحربين على العراق 1991 و2003.

السبب الثاني لسيناريو الحرب على إيران توريث الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، تركة ثقيلة، لن يكون عليه من السهل تجاوزها، وفتح صفحة جيدة مع طهران، يعود بمقتضاها إلى سياسة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، وبشكل خاص إحياء الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب، وطرح شروطا للتفاوض على اتفاق جديد. وهذا الهدف طلب سعودي إماراتي، وهو ما يفسّر سر القلق الذي يسود في الأوساط الإماراتية السعودية من مجيء بايدن وإدارته، وهناك مخاوف فعلية في الرياض وأبوظبي من أن تنقلب المعادلة الراهنة، وتميل الكفة لصالح طهران. ولذلك توظفان كل الأوراق من أجل قطع الطريق على هذا الاحتمال، ومنعه من التحقق. ويكمن السبب الثالث في الرد على الضربات التي تعرّضت لها المصالح الأميركية في العراق من المليشيات المحسوبة على طهران، وكانت السبب وراء اتخاذ ترامب قرار تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد في الثالث من يناير/ كانون الثاني الماضي.

والهدف البعيد بالنسبة لإدارة ترامب وإسرائيل وأبوظبي والسعودية هو خنق إيران، ومنعها من أن تتنفس، أو تستفيد من الجو الجديد الذي يمكن أن تشيعه الإدارة الأميركية الجديدة. وتعمل هذه الأطراف كل ما في وسعها كي تبقى العقوبات المفروضة على إيران، ويستمر التوتر الحالي، وعدم تطبيع العلاقات معها، بل نقل المعركة إلى داخل أراضيها، وهذا أمر واضح من خلال العمليات التي تستهدفها، مثل اغتيال زادة، وضرب مفاعل نطنز النووي في يوليو/ تموز الماضي، والذي ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، في حينه، إن التخطيط له استغرق أكثر من عام، وإن حديثا يروج لدى بعض المسؤولين عن إستراتيجية أميركية إسرائيلية تتطوّر إلى سلسلة ضربات سرّية لا تتسبب في اندلاع حرب، يكون هدفها القضاء على أبرز جنرالات الحرس الثوري، وكذلك إبطاء عمل المنشآت النووية لإيران.

يسعى ترامب، قبل مغادرة البيت الأبيض، إلى زرع مجموعة من الألغام في طريق العلاقات الأميركية الإيرانية، ليس من السهل تفكيكها، وذات كلفة باهظة، وتتطلب وقتا طويلا، ومن شأن ذلك أن يخلق وقائع جديدة في المنطقة، تصب في طريق إضعاف إيران وإنهاكها، وهذا ما كان ترامب يعمل عليه طيلة سنوات ولايته.

العربي الجديد

————————

كيف قرر ماهر وبشار اللعب بالسارين؟/ عمر قدور

ما ورد في التحقيق المشترك لدويتشه فيلهDW ومجلة ديرشبيغل الألمانيتين حول مجزرة الكيماوي في الغوطة “21 آب2013″ ليس بالجديد علينا نحن السوريين، أهمية التحقيق الذي نُشر قبل خمسة أيام في صدوره عن جهتين إعلاميتين غربيتين، استناداً إلى تحقيق الادعاء الألماني بموجب الولاية القضائية الدولية، وكانت ثلاث منظمات حقوقية قد تقدمت بالشكوى أمام القضاء الألماني في السادس من شهر تشرين الأول. يُصادف أيضاً أن يُنشر التحقيق الصحفي بينما يتهيأ جو بايدن إلى دخول البيت الأبيض، وهو الذي كان في منصب نائب الرئيس عندما أبرم أوباما صفقة الكيماوي المشينة، مع خشية نسبة كبيرة من السوريين أن تكون سياسة بايدن تجاه سوريا ظلاً لسياسة أوباما.

باختصار، ذهب تحقيق دويتشه فيله وديرشبيغل إلى تحميل بشار وماهر الأسد، بشكل شخصي، مسؤولية تنفيذ الهجوم الكيماوي على الغوطة، مستنداً إلى القرائن التي تثبت تعذر حصول الهجوم إلا على هذا المستوى القيادي. هذا ما يعرفه ويتداوله معظم السوريين، حتى من مؤيدي الأسد، منذ شن الهجوم. في الغرب، سبق لخبراء أن أشاروا إلى توفر وثائق إدانة ضد سلطة الأسد لم تتوفر من قبل في أية قضية مشابهة، من حيث الحجم والتفاصيل الدالّة على عمل السلطة وآليات اتخاذ القرار، والشطر الأعظم منها ينتظر قراراً دولياً بمحاكمة الأسد ليُفرج عنه من مخابئ سرية أو من عهدة أجهزة المخابرات الدولية.

لكن، من بين كل الجرائم الوحشية التي ارتكبها ماهر وبشار تبقى لمجزرة الكيماوي مكانتها الخاصة والمحورية، ويمكن الجزم بأن ما قبلها لم يكن كما بعدها. أقل ما يُقال فيما قبلها أن أحداً لم يكن يتوقع من الأسد تحدي واشنطن التي أعلن رئيسها أوباما استخدام الكيماوي خطاً أحمر لن يتساهل معه إطلاقاً، ولن يبلغ الشطط بأحد ليتنبأ بأن تكون نتيجتها لصالح الأسد الذي حصل ضمناً على إقرار أمريكي ببقائه كمكافأة على اختراقه الخط الأحمر!

لم يكن بشار وماهر جالسين في حديقة القصر الرئاسي، بما أنه الصيف، وبسبب شعورهما بالضجر من استخدام البراميل وراجمات الصواريخ والصواريخ الثقيلة بادر ماهر إلى القول: ما رأيك بأن نلهو قليلاً بالسارين؟ فأجابه بشار: كنت للتو أفكر بجرعات عالية ومركزة من غاز الكلور، لكنك تقترح دائماً ما هو أشد وحشية. ثم يضحك الاثنان وتُسدل الستارة. ليس هذا ما يحدث في الواقع، لكننا على بعد سنوات مما حصل ربما نستطيع اقتراح مسار مختلف، يلتقي فيه بشار وماهر ليتفقا على تفاصيل ضربة الكيماوي، وهما مطمئنين إلى نجاتهما من العواقب، والنجاة لها معنى لن يخفى على أحد.

إننا نربط عادة بين مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني والموقف الأمريكي من الهجوم الكيماوي، ولعل هذا الربط العمومي يحتاج المزيد من القرائن كي لا يبقى مجرد تخمين، ولعل إعادة بناء المؤثرات التي سبقت الجريمة وتلتها أفضل ردّ على أوباما الذي يخوض هذه الأيام حملة علاقات عامة مع نشر مذكراته التي يظهر من جزئها الأول انعدام حساسيته كقائد أقوى دولة إزاء معاناة السوريين. تحديداً، ما الذي حدث بين خريف2012 وصيف2013؟

يصادف أن يذكّرني الفايسبوك بما كتبته على صفحتي في 29 تشرين الثاني2012 عن المعركة التي تدور أمام بيتي بين قوات الأسد والجيش الحر؛ كنت أقيم حينها في بناية تطل على طريق مطار دمشق الدولي، وفي حي صار كشبه جزيرة، خاضع للأسد ضمن محيط سيطرت عليه فصائل المعارضة، وقد رأيت بعيني طائرتين لقوات الأسد يتم إسقاطهما. كانت آنذاك السيطرة على مئات من الأمتار الإضافية فقط ستهدد سيطرة الأسد على دمشق بأكملها، لكن الوضع الميداني انقلب خلال أيام، لا بسبب دعم طهران وحزب الله الموجودين من قبل وإنما بسبب انقطاع الإمدادات عن الفصائل المهاجمة أو خضوعها لأوامر داعمين تطلب منها التوقف. بين خريف2012 وصيف2013، كانت قوات الأسد وحلفائها قد وضعت الغوطتين تحت الحصار، وزال الخطر العسكري عنها في دمشق، مع بروز التأكيدات وتكرارها عن عدم وجود حل عسكري لـ”الأزمة” السورية، اللازمة التي عنت منذ إطلاقها عدم إسقاط الأسد عسكرياً. بعبارة أخرى، لم يكن الأسد مضطراً لاستخدام السلاح الكيماوي على نحو يغامر فيه برد أمريكي صاعق.

أقيلت هيلاري كلينتون من منصبها كوزيرة للخارجية في بداية شهر شباط2013، وخروجها من الوزارة أتى تتويجاً لخلافات بينها وبين أوباما للسياسة في منطقتنا قسط وافر منها، ومن ذلك الخلاف حول التعاطي مع طهران وأثره على المسألة السورية. لم تكن هيلاري متحمسة للمفاوضات مع طهران، كانت خاصةً مترددة ومتشككة تجاه قناة التفاوض السرية في مسقط، بخلاف جون كيري الذي كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والذي سيخلفها في المنصب. أوباما كان مولعاً بفكرة الوساطة، بحسب ما كتبه في نيويورك تايمز مراسلها في البيت الأبيض مارك لاندر2016، وأرسلت هيلاري وفداً للتفاوض في مسقط لتقطع طريق التنازلات على جون كيري المسنود بولع ولهفة رئيسه.

إبعاد هيلاري والإتيان بكيري أذن بانطلاق قناة التفاوض السرية، من دون التحفظات السابقة لوزارة الخارجية، ومع رئيسٍ اختار أن يكون الملف النووي الإيراني إنجازه الفريد في السياسة الخارجية. فكرة الوساطة كانت قد انطلقت في كانون الأول2010، لكن كلينتون أعربت عن شكوكها وتحفظاتها خلال زيارة سرية لمسقط في الشهر التالي، بينما كان جون كيري يقوم بأكثر من زيارة ويلتقي لأكثر من مرة بمستشار السلطان، على الأرجح بتنسيق مع أوباما وتشجيع منه. كما هو متوقع وشبه مؤكد، لم تكن المفاوضات السرية تقتصر على الملف النووي وإنما تتناول ولو مواربةً التمدد الإيراني في المنطقة، وسوريا أهم نقاطه الساخنة حينئذ. كإعلان متأخر، سيصرح أوباما بأن الأمر يعود لقادة طهران، فإما أن يصرفوا الأموال التي كانت محتجزة بموجب العقوبات على شعبهم أو على مغامراتهم العسكرية الخارجية، ذلك التصريح يوضح موقف أوباما بل انعدام حساسيته إزاء ضحايا التدخل العسكري الإيراني.

في صيف2013 نفترض أن المفاوضات السرية قد بلغت مستوى ما مبشراً بالنجاح، ربما لم تكن طهران واثقة تماماً من النوايا الأمريكية الإيجابية، وربما اقتضى التأكد اختباراً ما. الافتراض الوحيد الذي له نصيب من المنطق أن تكون طهران عند عتبة من تلك المفاوضات قد أوعزت إلى الأسد باستخدام الكيماوي، وكان لديها ما يطمئنها بنسبة كبيرة إلى أن الأمر سيمر بلا عواقب، ولا يُستبعد بالطبع أن تكون موسكو على دراية بما سيحدث أو بجانب منه.

صحيح أننا لن نتمكن من التأكد من الفرضية السابقة ما لم يكشف لنا أحد من الأطراف الفاعلة بالتفصيل عما كان يحدث حينها، ومثل هذه الأسرار لا تُكشف إلا بعد عقود، إلا أن انتفاء الحاجة العسكرية إلى الكيماوي يضع استخدامه في مسار تفاوضي ما، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك سوى مسار مسقط. لقد كان مضموناً إلى حد كبير ألا تقدم إدارة أوباما على رد انتقامي، وكان مفهوماً أن تخوف الإدارة الأمريكية من السلاح الكيماوي متصل أساساً بالاعتراضات الإسرائيلية عليه.

من وجهة نظر مغايرة قليلاً للسائد، ها هو بشار الأسد يستخدم السلاح الكيماوي ضد السوريين، هو وأبوه من قبل صنّعا هذا السلاح ضد السوريين لا ضد تل أبيب. فهو كما نعلم لم يرد إطلاقاً على أي اعتداء إسرائيلي، ولو كان رداً رمزياً لحفظ ماء الوجه، بينما أفرط في استخدام الأسلحة ضد السوريين ومنها الكيماوي الذي لم يكن مضطراً لاستخدامه. هذه الرسالة ضرورية للتنصل لاحقاً من الالتزام بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة الكيماوية التي كان التوقيع عليها ثمناً رمزياً يدفعه، فالتحايل على المعاهدة وعدم تسليم المخزون كله أو تصنيع كميات جديدة كانت ترتكز جميعاً على إخلاص الأسد لاستخدامها داخلياً فقط، وتحظى بالصمت الدولي بناء عليه.

ثمة رسالة أخرى لم يتوقف الأسد وحلفاؤه عن التلويح بها، هي اتهام فصائل معارضة أو إسلامية باستخدام السلاح الكيماوي. هنا تلويح مزدوج، فإسقاط الأسد وسيطرة تلك الفصائل على مخزونه الكيماوي فيه مخاطرة قد تتعدى الحدود، لا لأن تلك الفصائل ستبادر إلى محاربة إسرائيل ولكن لأن سيطرتها قد لا تكون محكمة كسيطرة الأسد. المعنى الآخر أن تصنيع الكيماوي واللعب به لن يكون صعباً، وفي وسع الأسدية التصرف كتنظيم فالت عند الضرورة.

عندما أعلن أوباما خطه الأحمر الشهير كان الإعلان ذاته مستغرباً، إذ يضع سقفاً للأسد يبيح له استخدام ما دونه من أسلحة، وكان مستبعداً أيضاً إقدامه على استخدام الكيماوي إلا إذا وصل إلى حالة متقدمة جداً من اليأس. لم يكن في الحسبان أن يتحول الكيماوي من سلاح إبادة إلى سلاح يُستخدم لأغراض سياسية تكتيكية، رغم اتفاقنا على لاأخلاقية معظم السياسات الدولية. وتحوّلُ السلاح الكيماوي إلى أغراض سياسية تكتيكية يثير المخاوف، فقد رأينا اختباراً في عهد ترامب الذي كان همه إثبات حزمه واختلافه عن سلفه ترامب، وقد يتكرر الاختبار مع الرئيس الأمريكي المقبل، بتشجيع من ماضيه كنائب لأوباما، أو بتشجيع من اتصالات ومفاوضات سرية مع طهران لا نعلم ما إذا كانت قد بدأت أو في طور التحضير أو النوايا. الإشارة الإيجابية الوحيدة أن وزير الخارجية المقبل أنتوني بلينكن كان من أنصار معاقبة الأسد، لأن الدول العظمى تفي بوعودها. ربما علينا أن نرى ما إذا كان الوزير الجديد سيبقى وفياً لرأيه، وما إذا كان رئيسه سيبقى أو سيخرج من جلباب أوباما. في الانتظار، من المؤكد أن بشار الأسد وشقيقه ماهر جاهزان ومتلهفان لأية إشارة، من طهران أو موسكو، لممارسة هوايتهما في استخدام الكيماوي.

المدن

————————-

بايدن ليس أوباما: 2021 للانتقام من حزب الله/ منير الربيع

لم يأت مؤتمر الدعم الإنساني للبنان بخلاف ما كان متوقعاً. وخلاصته: لا مساعدات من دون إصلاحات. فالرؤية الدولية تتبلور أكثر فأكثر عن الطبقة السياسية اللبنانية: لا تريد أو قاصرة عن تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية. والنتيجة: الانهيار سيستمر إلى أن ينتهي كل شيء، ليبدأ البحث عن نموذج جديد يؤدي إلى حلول وإصلاحات.

سياسة الأحقاد

وما ينطبق على المعضلات الإدارية والمالية والاقتصادية لا ينفصل عن المعضلة السياسية. والقوى الدولية الخبيرة بالشأن اللبناني صارت عليمة بأن لا سياسة في لبنان، بل أحقاد سياسية، وشهية السياسيين مفتوحة على حروب تصفية الحسابات.

أحقاد وتصفية حسابات تجري على مرأى العالم، وعلى وقع عقوبات أميركية قاسية على القوى السياسية، وحصار مطبق يعانيه لبنان، الذي لن يحصل بعد اليوم سوى على مقومات غذائية وطبية تقي شعبه الجوع. وعدا ذلك الضغوط الدولية مستمرة، ومعارك السياسيين الداخلية مستعرة على كل شيء: من تشكيل الحكومة، إلى الخلاف على الصيغة السياسية وتركيبة النظام وإرساء نموذج سياسي – اقتصادي جديد. فلبنان الطائف وما قبله معرض للانهيار، ولا بد من إعادة التفكير في تركيبه وبنائه مجدداً.

وفي انتظار ذلك تستمر الضغوط الخارجية والعقوبات الأميركية. وتفتح القوى السياسية الداخلية المتفسخة مزيداً من ملفاتها ومعاركها. ولا هدف لكل منها سوى استهداف خصومه: في المصرف المركزي والمصارف، في الوزارات والإدارات والمصالح المستقلة..

جبهات ومتاريس

كلٌ يحاول أن يقتطع جزيرة وعنواناً أو مسألة مطلوبة دولياً وعالقة (التحقيق المالي الجنائي، ترسيم الحدود، المبادرة الفرنسية، تشكيل الحكومة) للحصول على غطاء دولي. فعون مثلاً يحمل لواء التدقيق الجنائي المطلوب أميركيا وفرنسياً. وخصومه يطالبون بتدقيق في وزارة الطاقة. وآخرون يشددون على لعبة استفادة حزب الله من المصرف المركزي والقطاع المصرفي للإلتفاف على العقوبات.

في هذا الإطار يستمر فتح ملفات ضباط سابقين في المؤسسة العسكرية، للتذكير بأفكار جرى التداول بها سابقاً: إحتمال لجوء الولايات المتحدة الأميركية إلى فرض عقوبات على ضباط سابقين في الجيش، لتحذير الضباط الحاليين من استمرار تعاونهم وتنسيقهم مع حزب الله.

الأمر نفسه ينطبق على المصرف المركزي، بعد رسائل تحذير كثيرة جاءت من الخارج، ورفض الأميركيين تولي أي شخص محسوب على حزب الله وزارة المالية. ويندرج في هذا السياق الهجوم الذي شنته صحف أميركية على مصرف لبنان وحديثها عن أن بعض العاملين فيه نجحوا في الالتفاف على العقوبات الأميركية وتمرير مصالح حزب الله المالية. وهذه سيكون لها تبعات كثيرة مستقبلاً، وقد يكون ذلك مقدمة لفرض عقوبات على مسؤولين في المصرف المركزي.

وليس من تحرك على خطّ تشكيل الحكومة. الجميع يراهن على مغادرة الإدارة الأميركية الحالية ومجيء إدارة جو بايدن، لعلّها تخفف الضغوط وتسمح للقوى اللبنانية في تمرير تشكيلة حكومية واقعية لا تستدعي رد فعل أميركية تفرض عقوبات جديدة

هذا كله يحصل فيما تشهد المنطقة توتراً وتصعيداً في الأسابيع المقبلة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وسط مخاوف من استمرار العمليات الأمنية النوعية المتفرقة.

انتقام من حزب الله

طهران ومن خلفها حزب الله يراهنان على إدارة جو بايدن لتخفيف الضغوط والعودة إلى الاتفاق النووي. لكن معطيات أخرى من واشنطن تفيد أن السياسة الأميركية القائمة لن تتغير.

وتكشف معلومات أن مسؤولين أميركيين في مؤسسات عديدة، كانوا متشددين في لقاءاتهم مع الرئيس المنتخب جو بايدن، لئلا يكرر ما فعله أوباما مع إيران، لان المسألة تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

وتكشف معلومات أيضاً أن هؤلاء المسؤولين حصلوا من بايدن على تعهد يتعلق باستمرار التشدد مع حزب الله. وأكثر من ذلك يقول هؤلاء إن العام 2021 سيكون عام “الانتقام من حزب الله” بمفعول رجعي بناء على مواقف أطلقها مسؤولون أميركيون، بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو ضد الحزب، مذكرين بتفجير المارينز في العام 1983 في بيروت.

—————————

هل ستعرقل سياسة أوباما الفاشلة تجاه سوريا خطط إدارة بايدن

خبراء: بعد خمس سنوات هناك اعتراف متزايد من مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة الأسد.

ثمة اعتراف متزايد بين مؤسسة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزاحة بشار الأسد، فبعد أربع سنوات من المحاولات العقيمة خلال عهد الرئيس دونالد ترامب في هذا الملف، تراود المحللين هواجس حول قدرة إدارة جو بايدن بالعودة إلى إستراتيجية الضغط الأقصى التي اتبعها الرئيس باراك أوباما، ولم تنجح.

واشنطن – في مقابلة قديمة، أقر أنتوني بلينكين المرشح لمنصب وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، بأن سياسة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجاه سوريا “فشلت”.

ولدى سؤاله عن نهج بايدن تجاه سوريا، أجاب “في الإدارة الأخيرة، على المرء أن يعترف بأننا فشلنا ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا، لقد فشلنا في منع وقوع خسارة مروعة في الأرواح، لقد فشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخليًا في سوريا، وبالطبع في الخارج كلاجئين وهو شيء سآخذه معي لبقية أيامي.. إنه شيء أشعر به بقوة”.

ولكن، ما هو بالضبط فشل السياسة من جانب إدارة أوباما، وما هي الدروس التي يمكن الاستفادة منها في السياسية الخارجية المستقبلية؟ وما الذي كان يمكن أن يفعله البيت الأبيض بشكل مختلف لتفعيل بعض النتائج الإيجابية في سوريا؟

من الواضح وبحسب مارك إيبسكوبوس مراسل للأمن القومي في مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية أن بلينكين، وهو دبلوماسي مخضرم ومسؤول كبير في الأمن القومي في إدارة أوباما، لا يقدم إجابات واضحة.

بدا بلينكين خلال المقابلة في مايو الماضي وكأنه يلقي باللوم على مجموعة كبيرة من القوى الخارجية حينما قال “أعتقد أن هناك الكثير من اللوم الذي يجب أن ننتقل إليه، بدءًا من السوريين أنفسهم، وبدءًا من إيران وروسيا ورعاة آخرين لنظام الأسد بدءا من كل الدول العربية والدول المجاورة الأخرى”.

لكن وزير الخارجية الأميركي، الذي سيكون على رأس مهامه نهاية يناير المقبل، أكد أن “لدينا (الولايات المتحدة) مسؤولية أيضا”، متحسرا على عبء حرب العراق والتدخل الصعب في ليبيا لشرح عدم وجود الحماس المحلي للتدخل العسكري في الحرب الأهلية السورية.

أنتوني بلينكين: الكثير من اللوم علينا تحمله بسبب ما يحصل في سوريا أنتوني بلينكين: الكثير من اللوم علينا تحمله بسبب ما يحصل في سوريا

ومن وجهة نظر إيبسكوبوس، يبدو أن بلينكين يأسف للنتيجة، لكن ليس للإستراتيجية الأساسية لإدارة أوباما المتمثلة في زيادة الضغط الدولي والعسكري للتفاوض على إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، ففي أواخر أكتوبر 2015، أكد دعم إدارة أوباما لتغيير النظام في سوريا.

ولدى روسيا الآن حافز ونفوذ أكبر لدفع الأسد والنظام نحو الانتقال، وهناك اعتراف من جميع الأطراف بأنه لا يوجد حل عسكري في سوريا، وهذا اعتراف ينمو الآن لدى الكرملين، لكن يبدو أن الولايات المتحدة لا ترى في رحيل الأسد شرطا لإجراء مفاوضات جوهرية، ولكن العملية التي سيتم إطلاقها يجب أن تؤدي إلى مغادرته.

وبعد خمس سنوات، هناك اعتراف متزايد بين مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة الأسد، وعلاوة على ذلك فمن غير المرجح أن يكون الصراع الدائر في سوريا على رأس أولويات السياسة الخارجية للإدارة القادمة.

وعزز نظام الأسد قبضته على السلطة بثبات بدعم روسي، والمعارضة السورية “المعتدلة”، التي روجت لها إدارة أوباما تعتبر عاملا سياسيا غير فاعل طيلة العام الجاري، وقد تم احتواء التهديد المتزايد لداعش على الأراضي السورية بنجاح في السنوات السابقة.

ويطرح إيبسكوبوس تساؤلا حول هذه الوضعية المعقدة حيث لا يزال الاعتراف بحكومة الأسد، بحسب بلينكين، غير وارد، وعندما سئل عما إذا كان بإمكان إدارة بايدن تطبيع العلاقات مع دمشق، قال “من المستحيل عمليًا أن أتخيل ذلك”.

وعلى الرغم من أن احتمالات تغيير النظام على النمط الليبي في سوريا قاتمة للغاية، إلا أن هناك مؤشرات على أن إدارة بايدن ستكون مهتمة بتنفيذ استراتيجية الضغط الأقصى ضد الأسد.

ووضع بلينكين الخطوط العريضة لهذا النهج في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2017 حيث كتب يقول “الآن، تتمتع إدارة دونالد ترامب بنفوذ يجب أن تختبره مع نظام الأسد وروسيا لتقييد القوات الجوية السورية، ووقف أي استخدام للمواد الكيميائية أو الأسلحة البيولوجية، وتنفيذ وقف إطلاق النار الفعال في الحرب الأهلية في سوريا وحتى التحرك نحو التفاوض على انتقال السلطة وهي الأهداف التي استعصت على إدارة أوباما”.

ويتمثل العنصر الثاني من إستراتيجية بلينكين المقترحة في سوريا في استخدام الأسد كوكيل لغرض أوسع يتمثل في مواجهة روسيا، حيث يرى أنه يجب على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحاسبها على تصرفات الأسد في المستقبل، وحشد الآخرين للقيام بذلك وشن المزيد من الضربات إذا لزم الأمر.

ويعتقد المحلل إيبسكوبوس أن إدارة بايدن لن تحافظ على العقوبات، التي سلطتها إدارة ترامب على الأسد فحسب، بل ربما توسعها وتشمل هذا النهج، بشكل شبه مؤكد، الحفاظ على وجود عسكري نشط في سوريا لدعم الأكراد كإسفين دائم ضد كل من الأسد والكرملين.

ومن المرجح أيضًا أن تلعب إدارة بايدن دورا أكثر نشاطا في إعادة الإعمار الجارية في سوريا، وربما تدفع باتجاه إصلاحات سياسية من شأنها أن تمنح الفصائل المناهضة للأسد صوتًا محميًا في المجتمع المدني السوري.

وكان الرئيس الأميركي المنتخب قد اعترف في حدث لمجلس العلاقات الخارجية في العام 2018 بأن جهود أوباما لحشد دعم الكرملين لـ”انتقال السلطة” بعيدا عن الأسد قد أثمرت القليل، وبدلا من ذلك طرح ما يبدو أنه ترتيب “مجالات نفوذ” مع روسيا.

العرب

—————————–

ترامب التالي: من محفة كاليغولا إلى قيثار نيرون/ صبحي حديدي

حوليات التاريخ الغربي، العسكري والسياسي والإمبراطوري على وجوه أخص، وحوليات التاريخ الروماني القديم بصفة خاصة، تحفل بحفنة غير قليلة من أباطرة جمعوا الطموح الشخصي المفرط، إلى هذا المستوى أو ذاك من مظاهر الهستيريا وجنون العظمة وبُغْض الديمقراطية. في طليعة هؤلاء، كما يًجمع المِؤرخ البريطاني الراحل شون لانغ، يعثر المرء على أمثال تايبيريوس (14ـ37 م)، غايوس كاليغولا (37ـ41)، نيرون (45ـ68)، كومودوس (180ـ192)…

وقد تعترض غالبية من أنصار الرئيس الأمريكي المنتهبة ولايته، دونالد ترامب، على تمثيلات يمكن أن تضعه في لائحة عنوان هذا العمود، بالنظر إلى أن أمريكا الراهنة ليست روما القديمة (وهذه مسألة فيها نظر، غنيّ عن القول)؛ أو إلى أنّ الديمقراطية الأمريكية، اليوم، ليست النظام السياسي الذي تسيّده وقاده الأباطرة أولئك؛ أو، ثالثاً، لأنّ ترامب لم يعطّل المنظومة، بدليل أنّ الانتخابات الرئاسية جرت في نهاية الأمر ورغم الشكوك الكثيرة حول احتمال بلوغها برّ الأمان، ويستزيد هؤلاء من واقع أنهم ليسوا محض أنصار للرئيس الأمريكي المنصرف بل هم جمهوره الذين تغذوا على أفكاره: ألم يحصل ترامب على أقلّ قليلاً من 53 مليون ناخب في التصويت الشعبي خلال انتخابات 2016، وها أنه في الانتخابات الأخيرة يحصد ما يقلّ قليلاً عن 74 مليون صوت؟

والحال أن السهولة التي يجدها المؤرخ الغربي لجهة احتساب حفنة الأباطرة المشار إليهم في الفقرة الأولى، ليست البتة ناجمة عن ضعف جماهيريتهم إذْ كان العكس هو الصحيح في الواقع، أو لأنّ هذا أو ذاك بينهم لجأ إلى ممارسات شاذة أو غير منطقية (مثل الصورة السائدة عن غايا في أنه كان يستهوي إهانة مجلس الشيوخ (قال إنّ حصانه، إذا ترشح ذات يوم، سيكون أفضل أعضاء المجلس)، أو خرافة لجوء نيرون إلى العزف على القيثار مستمتعاً بمشاهدة روما تحترق)؛ بل لأسباب أخرى أشدّ تعقيداً وعمقاً وتتصل بحُسن أو سوء تدبير شؤون السلطان الإمبراطوري، وعقلانية بعض القرارات الفاصلة والمفصلية ذات الأثر التخريبي المباشر على حياة الإمبراطورية وشعوبها.

ويخطر لي شخصياً أنّ ترامب ساعة مغادرة البيت الأبيض إلى مستقبل آت، قد يقدّر أنّ أبسط خياراته أن يترشح للرئاسة في انتخابات 2024، ولكن هذا خيار دونه خرط القتاد لأسباب عديدة سوف يبدأ أهمها من حقيقة الموقع الذي سيحتفظ به في صفوف الحزب الجمهوري، ومدى استعداد الجمهوريين، أعضاء عاديين أو ناخبين أو أعضاء نواب وشيوخ، في الاصطفاف المطلق خلفه كما فعلوا طوال أربع سنوات مضت. أسباب ليست أقلّ أهمية ستنبثق من معارك القضاء الأمريكي التي ستحيط بترامب إحاطة السوار بالمعصم، حيث لا حصانة رئاسية هنا أو مناعة قضائية بل استشراس وإلحاح في الترصد وإحقاق قضايا تمّ السكوت عنها أو تأجيلها بسبب سلطة سيد البيت الأبيض طوال الفترة السابقة.

كذلك يخطر لي أن ترامب إذا غادر محفة الإمبراطور غايوس كاليغولا (الذي أدمن إهانة مجلس الشيوخ لسبب أو بلا سبب، وأصدر أمراً إلى جنوده بطعن الأمواج بالسيوف لأنه بذلك يهين الإله البحري نبتون)؛ فسوف يختار قيثار كاليغولا من دون سواه، رغم أنّ الأسطورة كذبت حين نسبت إليه الحريق والقيثار وهو منهما بريء كما يقول التاريخ الفعلي خارج الأسطورة. كان نيرون يتلذذ بالعزف على خرائب روما، وهكذا بات ترامب بعد اتضاح نتائج الانتخابات الأخيرة، إذْ لم يعد عنده هاجس أكثر طغياناً من إلحاق المزيد من الخرائب في بنية الديمقراطية الأمريكية ونظامها الانتخابي الشائخ على وجه التحديد.

ولأنّ “الحقيقة صعبة، والضحالة سهلة”، كما يستخلص الآلاف من أنصار ترامب، فإن”رئيسهم الذي انتخبوه بحماس إنجيلي في سنة 2016، وتشبثوا بنظرية التآمر عليه في صناديق الانتخابات سنة 2020، سوف يثبت خلال سنوات 2021ـ 2024 أنه قادر على العودة، بعزيمة أكثر صلابة وقوّة أكثر رسوخاً: “هل كان رونالد ريغان أو جورج بوش الابن أعلى في المستوى الفكري من رئيسهم؟” يتساءل الغلاة من أنصاره، وفي هذا الصدد تليق بهم إجابة واحدة: نعم، وأيم الله! كانوا، وبما لا يُقاس من الدرجات!.

القدس العربي

———————————

الملف الإيراني وقرارات ترامب الأخيرة/ صادق الطائي

مثل الملف الإيراني عقدة محورية في الكثير من سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب الخارجية، إذ اعتبر هذا الملف الكفة الأولى التي تقابلها كفة الأمن القومي الإسرائيلي، وعبر توازنات هاتين الكفتين رسمت سياسة ترامب كل الخطوات والقرارات التي أتخذها طوال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض.

وفي البدء مثل الملف الإيراني أحد المحاور الأساسية في حملة دونالد ترامب الانتخابية عام 2016 فقد أطلق حينذاك مجموعة تعهدات في مقدمتها الخروج من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع مجموعة دول “5+1” الذي نزع فتيل أزمة التوتر النووي في الشرق الأوسط. وقد أدان دونالد ترامب سلوك إدارة الرئيس أوباما واتهمها بتقديم تنازلات كبيرة وغير ضرورية لإيران، الأمر الذي مكن إيران من تملك القوة والنفوذ للتوسع في منطقة الشرق الأوسط وفرضها توازنا قلقا يهدد بالانفجار في عدة محاور أهمها بلدان الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في الخليج وإسرائيل.

بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في آيار/مايو 2018 ابتدأ ترامب بإطلاق حزم العقوبات الاقتصادية على إيران، والغاية تنفيذ سياسة تصفير تصدير البترول مما يعني موتا محققا للنظام الحاكم في إيران، إذ يشكل البترول العصب الرئيسي في الاقتصاد الإيراني. ومع صمود وتحمل الخسارات الكبيرة التي مني بها الإيرانيون من دون ان ينهار النظام ويجلس لطاولة المفاوضات مع إدارة ترامب، تصاعد التوتر بين الطرفين ليصل إلى حافة الحرب الشاملة، عندما أسقط الإيرانيون طائرة أمريكية مسيرة في حزيران/يونيو 2019 وقد توقع العالم ردا عسكريا من إدارة ترامب عبر توجيه ضربة عسكرية لمواقع إيرانية، لكن هذه الضربة أوقفت بأمر من ترامب شخصيا في اللحظات الأخيرة.

حزم العقوبات

التوترات أخذت بالتصاعد من مطلع العام الجاري، إذ اغتالت القوات الأمريكية الجنرال قاسم سليماني ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس مطلع شهر كانون الثاني/يناير بضربة بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد، مما أدى إلى توتر الصراع وتصاعده والنتيجة كانت توجيه ضربة صاروخية إيرانية للقواعد الأمريكية في العراق في محافظتي الأنبار وأربيل، كما اتهمت إيران بالوقوف وراء مهاجمة حركة الحوثيين اليمنية للمنشآت النفطية في السعودية وناقلات البترول في الخليج، مما أدى إلى تصاعد التوترات عدة مرات والتهديد بتوجيه ضربات صاروخية لإيران، إلا إنها توقف في اللحظة الأخيرة.

تصاعد التوتر بشكل كبير بين الولايات المتحدة وإيران مع فرض حزم العقوبات، وقد بدا إن غاية إدارة ترامب وضع أكبر قدر من العراقيل في وجه الإدارة المقبلة في حال عدم فوز ترامب بولاية ثانية، وهذا ما حصل فعلا، فمنذ إعلان نتائج الانتخابات واتضاح تقدم وفوز جو بايدن، ابتدأت إدارة ترامب تسرع في اتخاذ خطوات غايتها رفع مستوى التوتر مع إيران إلى الحد الذي طلب فيه الرئيس من مستشاريه النصح في امكانية توجيه ضربة عسكرية لموقع نطنز النووي الذي تقوم فيه إيران بتخصيب اليورانيوم الذي تجاوز الحدود المسموحة بها بحسب تقارير مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن وحسب تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الذي ذكرت فيه أن رد مستشاري ترامب كان رفض فكرة الرئيس، وأنهم حاولوا اقناعه بعدم المضي قدما في تنفيذ ضربة على منشآت إيران النووية بسبب المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى إثارة نزاع أقليمي موسع في الأسابيع الأخيرة من رئاسته.

كما ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعد خطة لفرض سيل من العقوبات الإضافية على إيران، قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير المقبل، ونقل الموقع عن مصدرين إسرائيليين أن إدارة ترامب تنسق في هذا الشأن مع حكومات في المنطقة الخليجية، ومع إسرائيل.

العودة للاتفاق النووي

من جانبه أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن بوضوح في مقال له في أيلول/سبتمبر الماضي “إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات” وستُرفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران.

ويشير توماس فريدمان في مقال له في صحيفة “نيويورك تايمز” بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس المنتخب بايدن، إلى أنه من الواضح أن الإيرانيين يأملون في عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران. إذ قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر تعليقا على هذا الأمر؛ إن “عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق يمكن أن يحدث تلقائيًّا، ودون حاجة إلى مفاوضات جديدة”.

مسألة عودة الرئيس بايدن للاتفاق النووي مثلت ازعاجا حقيقيا للرئيس ترامب وحلفائه في الخليج وإسرائيل، ويظهر أن كل الحلفاء قد لعبوا أدوارا في دفع الأزمة إلى مديات متقدمة لتكريس العقبات في طريق عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي. فكانت الضربة الأخطر في سيناريو التصعيد والمتمثلة باغتيال كبير علماء الطاقة الذرية الإيرانية محسن فخري زاده، في عملية متقدمة جدا من حيث جمع المعلومات وطريقة التنفيذ، والتي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تنفيذها حتى الآن، إلا ان الجهات الرسمية الإيرانية اتهمت الموساد الإسرائيلي وبالتعاون مع الأمريكان بالوقوف وراء التخطيط للعملية وتنفيذها.

في مقال لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية سلط الضوء الأسبوع الماضي على التصعيد ضد إيران، إذ بعث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو برسالة واضحة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مفادها؛ “سنعارض الجهود الأمريكية للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني”. وقال نتنياهو في التأبين السنوي لذكرى وفاة أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون؛ “لا تعودوا إلى الاتفاق النووي الإيراني السابق، يجب أن نلتزم بسياسة لا هوادة فيها لضمان عدم تطوير إيران أسلحة نووية”. ولفتت الصحيفة إلى؛ أن “بايدن وإيران تلقيا رسالة قوية يوم الجمعة 27 تشرين الثاني/نوفمبر، إذ استُهدف محسن فخري زاده، كبير علماء إيران النوويين، باغتيالٍ مُحكم بالقرب من طهران”.

والهدف الواضح من هذا التصعيد هو محاولة جر إيران للرد على هذه الضربة العنيفة، وبالتالي ايصال التوتر إلى حدود الانفجار دون إعلان الحرب من الطرف الأمريكي أو الإسرائيلي بشكل رسمي، وبذلك سيكون من الصعب على إدارة بايدن الرجوع بسلاسة إلى الاتفاق النووي.

لكن الرد الإيراني بحسب المراقبين لن يكون شاملا أو ضمن حرب إقليمية، إذ يتوقع الخبراء العسكريون تنفيذ جهات محسوبة على طهران ضربات في المحيط الإقليمي لإيذاء حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل في الخليج أو اليمن أو العراق أو سوريا، لكن هذه الردود المحدودة بالتأكيد ولن يكون لها صدى الضربة التي أصابت المشروع النووي الإيراني إصابة بالغة باغتيال الرجل الذي يعرف بأنه “ابو القنبلة الذرية الإيرانية”.

وقد أطلق الإيرانيون تهديدات سابقة موجهة لدولة الإمارات في حال الكشف عن تورطها في نشاطات عدائية إسرائيلية ضد إيران، لكن إدارة ترامب تحسبت للتوتر بإرسال قطع بحرية إلى الخليج، إذ كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية عن تحريك حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” إلى منطقة الخليج العربي، مع سفن حربية أخرى. وتم الأمر في نفس يوم اغتيال محسن فخري زاده، وحسب شبكة “سي إن إن” فإن “تحريك حاملة الطائرات سيوفر دعما قتاليا مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان” وإن “تحريك حاملة الطائرات إلى الخليج، كان مقررا قبل ورود خبر اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده” إلا إن ذلك لا يعني، أو لا يخفي احتمال التنسيق بين الأطراف الثلاثة أي الإسرائيليين والأمريكيين والخليجيين.

وتناولت بعض التسريبات الصحافية اللقاء الذي ضم محمد بن سلمان ومايك بومبيو وبنيامين نتنياهو في مدينة نيوم السعودية، إذ اعتبر هذا اللقاء نقطة تحوّلٍ تاريخيةٍ في العلاقات الإسرائيلية-السعودية. وقد تحدّثت تقارير عن أنّ الأطراف ناقشت الملف الإيراني بوصفه ملفاً رئيسياً على طاولة الاجتماع، ففي الوقت الذي أكدّ نتنياهو بأنّ موقفه من إيران لن يتغيّر بتغيّر الحكومة الأمريكية، جاء الردّ السعودي بأن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام إيران، وجاءت عملية اغتيال فخري زاده ضمن هذا السياق بعد أيام، مما أثار شكوكاً حول توقيته وأهدافه.

إسرائيل تتوقع ردا إيرانيا محدودا قد يتمثل بتوجيه ضربات لبعثاتها الدبلوماسية، أو مصالحها المنتشرة في دول العالم، لذلك أصدرت خارجيتها تعليمات مشددة لبعثاتها بتوخي الحذر الشديد، لكن من جانب آخر يرى بعض المراقبين أنّ الموقف الإيراني سيتجه إلى مفهوم “الصّبر الاستراتيجي” الذي يُطلق عليه الإيرانيون “صبر راهبردي” والذي سيصل بالفعل إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ بوصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض. وعندها سيكون الانفراج في الوضع الإيراني ردا مناسبا يوجه لإسرائيل ومن طبع معها من دول الخليج.

القدس العربي

——————————

ترامب في متاهته الأخيرة: زرع الفوضى وإضعاف الديمقراطية والحلم الواهن بالعودة إلى البيت الأبيض/ إبراهيم درويش

من الباكر الحديث عن نهاية حقبة دونالد ترامب لأنه لا يزال يسيطر على الحزب الجمهوري وأكثر شخصية فيه تحظى بشعبية وسيواصل لعب دور في سياسة الحزب خلال الأعوام المقبلة، ومن ضمن ذلك ما رشح من معلومات أنه يريد تنظيم حفلة موازية لحفلة تنصيب الرئيس المنتخب جوزيف بايدن في 20 كانون الثاني/يناير ويعلن عن ترشيح نفسه للحملة الانتخابية في 2024 وهو أمر وصفته ابنة أخية ماري ال ترامب بمقابلة مع مجلة “فانيتي فير”(2/12/2020) بالمضحك. ودعت إلى محاكمته وأولاده على ما أحدثوه من ضرر على النفسية الأمريكية. فترامب لم يعترف بعد بهزيمته ويواصل حملاته القانونية لتغيير نتيجة الانتخاب مع أنه يعرف أن مصيره قد انتهى خاصة بعدما سمح بالعملية الانتقالية ومنح الرئيس المنتخب وطاقمه الفرصة للحصول على الدعم الفدرالي لنقل السلطة إلى إدارة ديمقراطية. ويعرف ترامب أن أيامه في السلطة باتت معدودة ولكنه يحاول إحداث أكبر ضرر لعرقلة مهمة الإدارة المقبلة لفتح صفحة جديدة مع الشعب الأمريكي الذي أثار النعرات العنصرية الكامنة لدى أقلية منه ضد أمريكا متحولة ومتنوعة من جهة وتصحيح مسار العلاقة مع العالم وإعادة بناء التحالفات التي عملت أمريكا على بنائها بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونشأ منها النظام الدولي.

تقويض الديمقراطية

وفي داخل أمريكا لا يكف المعلقون الحديث عن الأضرار التي أحدثها ترامب على النظام الديمقراطي وتشكيكه بنزاهة العملية الانتخابية وتهديده المسؤولين المحليين الذين يديرون العملية الانتخابية بطريقة توافقية، حيث بدأ بعضهم بتلقي التهديدات بالموت لأنه سمح بـ “سرقة الانتخابات”. ورغم رفض القضاة الجمهوريون الإذعان لمطالب ورغبات ترامب بتغيير نتيجة الانتخابات وفضلوا اتباع القانون إلا أن محاولاته كشفت عن ضعف المؤسسات الديمقراطية التي سمحت للرئيس بممارسة سلطة أوسع من الرئيس المنتخب. وبدا هذا في قائمة العفو التي أصدرها عن رجاله خاصة مايكل فلين، مستشاره الأول للأمن القومي، رغم اعتراف هذا بجرمه وتواصله مع الروس. وتفكيره كما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” بالعفو عن نفسه وأبنائه والمقربين منه. ويرى فريد زكريا في “واشنطن بوست” (3/12/2020) أن هجمات ترامب المتكررة على الديمقراطية وبطرق عدة كشفت عن الحاجة لتقويتها بحيث تصمد أمام أي سياسي يشبه ترامب أو هو نفسه بعد أربعة أعوام. وبحسب ألكسندر كيرشنر وكلوديا لوبيز كوريرا بمقال نشرته صحيفة “الغارديان” (4/12/2020) فمناورات ترامب بمرحلة ما بعد الانتخابات هزت ثقة وإيمان الأمريكيين بالديمقراطية. ومن هنا يجب منعه ودستوريا من الترشح مرة ثانية للانتخابات لأن من يحاولون تقويض الديمقراطية وأظهروا نزعات مستبدة يجب نزع الأهلية عنهم لتولي المركز مرة ثانية، أسوة في فرنسا التي تمنع المواطن الفرنسي الذي يحاول التقليل من العملية الانتخابية من حق استخدام السلطة لعدة سنوات.

البحث عن المال

والسؤال المطروح وبعيدا عن خطط ترامب في الرئاسة مرتبط بما سيفعله بعد خروجه من البيت الأبيض، وبات هذا الخروج محتوما؟ وقد ناقش المعلقون الأمريكيون هذا الأمر كثيرا وضرورة منح بايدن الأولوية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الذي كان سبب هزيمة ترامب والرغبة بعودة الحياة إلى طبيعتها، والمهم في الأمر أن ترامب وأولاده بعد فقدانهم السلطة لن يصبحوا مهمين وسيفقدون الحماية من المصارف الكبرى التي سترفض ضمان ترامب كما في الماضي. وسيواجهون ملاحقات قضائية ستظهر ملامحها لاحقا، وبتصرفات ترامب الفظيعة في مرحلة ما بعد الانتخابات فقد جعل من محاسبته أمرا ضروريا، وكيف ستتم محاسبته أو جره للمحاكم يترك لوقته، لكن الرئيس في لحظاته الأخيرة يحاول أن يعمل ما لم يعمله رئيس من قبل وهو عقد صفقات بالملايين مع الحكومات والشركات الأجنبية لدعم تجارته الخاصة. وبحسب موقع “بوليتكو” (1/12/2020) فإن شركة ترامب للعقارات تخطط استئناف مشاريعها، ربما في مجال الفنادق الراقية في وقت تعاني فيه من تشوه للماركة في داخل الولايات المتحدة وحاجتها لدفع مئات الملايين من الدولارات للمقرضين. وقال المسؤولون في الشركة إنهم سينظرون إلى مشاريع في الهند ويعيدون النظر في المشاريع التي بدأوا فيها بالصين وتركيا والبرازيل وكولومبيا قبل دخول ترامب البيت الأبيض. وتعرضت الترتيبات للانتقاد باعتبارها محاولة للحصول على مقابل جراء السياسات التي قام بها ترامب أثناء فترة حكمه ودعم فيها حكومات أجنبية. وتعرض عدد من الرؤساء السابقين لانتقادات مماثلة من خلال الخطابات العالية الأجر والعقود المالية الضخمة لكتابة كتب وجمع الملايين من التبرعات الأجنبية لبناء مكتبات تذكارية باسمهم. وكان بيل كلينتون عرضة للنقد لجمعه ملايين الدولارات لجمعية العائلة الدولية. لكن عودة ترامب إلى مجال الصفقات التجارية في الخارج يطرح أسئلة أخلاقية لم تواجه أي رئيس سابق. فشركته أو منظمة ترامب هي مؤسسة واسعة وتضم 500 شركة أخرى بما فيها فنادق ومنتجعات ونوادي غولف حول العالم. ولأنها ليست جمعية خيرية أو شركة مساهمة محدودة فماليتها غير معروفة. وأكثر من هذا فهو مضطر لأن يبحث عن تمويل في الخارج لأن قلة من الشركات المالية الأمريكية مستعدة لإقراضه. وكان قرار ترامب الحفاظ على علاقته مع شركته رغم تنازله عن الإدارة اليومية لأولاده مدعاة للحديث عن تضارب للمصالح. واستطاع ترامب التهرب من أية محاسبة للكونغرس له بشكل وصف بأنه إساءة استخدام السلطة ثم رفض الكشف عن سجله الضريبي.

كوشنر والعلاقات الشخصية

وهذا يقودنا إلى علاقة ترامب بالشرق الأوسط وجولة صهره ومستشاره جاريد كوشنر في المنطقة فيما أطلق عليها محاولة أخيرة لحل الأزمة الخليجية-الخليجية، لكن صحيفة “واشنطن بوست” (3.12/2020) تساءلت عن المنافع الشخصية التي سيجنيها كوشنر من آخر رحلة رسمية له إلى المنطقة. وقالت إن كوشنر لن يكون قادرا على حل الأزمة الخليجية في رحلة عاجلة، مضيفا إلى سجل إنجازات ترامب في المنطقة انتصارا جديدا. ولكنه سيحافظ على علاقاته مع قادة دول الخليج، خاصة ولي العهد السعودي الذي كانت علاقته معه محلا للتدقيق والنظر. وفي الوقت الذي ساعد فيه كوشنر على تأمين اتفاقيات تطبيع بين دول عربية وإسرائيلية هذا الخريف إلا أنه فشل في تحقيق اتفاقية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال أرون ديفيد ميللر من وقفية كارنيغي إن كوشنر كان واضحا في حديثه معه في الفترة ما بين 2017 و 2018 أنه وترامب يريدان “تطوير علاقات شخصية واستراتيجية مع السعوديين والإماراتيين”. وقال ميللر الذي عمل في الخارجية الأمريكية سابقا “أضمن لك أنها ليست الرحلة الأخيرة التي يقوم بها إلى السعودية”. وقال “هذه علاقات مهمة جدا لو كنت مهتما بالمال وأن تظل مهما للعلاقات العربية-الإسرائيلية وأعتقد أنه مهتم”. وقال المحلل السابق في “سي آي إيه” والزميل في معهد بروكينغز بروس ريدل “أجد من الصعوبة التصديق أن هذه الرحلة هي عن قطر فقط” و “أشك أن هناك أسبابا أخرى، فعلاقة عائلة ترامب ومحمد بن سلمان ستظل حتى بعد 21 كانون الثاني/يناير ويتطلعون لتقويتها”. وقبل انضمامه للإدارة كان لكوشنر حصة في شركة عائلته العقارية. وقال مصدر “العلاقة التي بنوها مع أشخاص مثل محمد بن سلمان؟ لا تقلل منهماـ وسيواصلون ما بنوه ويسافرون ويصبحون جزءا من هذا المشروع الدولي”. وفي تقرير لمجلة “بوليتكو” يقول “لن ترضي تجارة عقارات العائلة رغبة كوشنر”. واحتفظ كوشنر بأسهم وملكية جزئية من شركة العقارات التي تملكها العائلة بالإضافة إلى الموارد التي كانت تدرها أعماله عليه وهو يعمل مع الرئيس. وفي الوقت الذي كان يقوم فيه كوشنر بلقاءات مع دول مثل السعودية والصين كانت العائلة تبحث عن فرص استثمارات في مجال العقارات. وفي 2017 كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن شقيقة جاريد، نيكول ماير عرضت مشروعا بقيمة 150 مليون دولار لتمويل مركز تطوير سكني في نيوجيرسي على 100 مستثمر صيني اجتمعوا في فندق ريتز-كارلتون في بيجين. وهو ما فتح الباب أمام انتقاد وتهم بتضارب مصالح، فهو وإن تخلى عن الإدارة اليومية لأعماله إلا أن الترتيبات أثارت انتقاد خبراء النزاهة الحكومية.

مزاج جديد أمام السعوديين

وبالنسبة للسعوديين فتغير الحرس في واشنطن سيضعهم أمام حقيقة جديدة وإمكانية إعادة ترتيب العلاقة مع واشنطن وتحولها لمنبوذة كما قال بايدن، عندما كتب في ذكرى مقتل جمال خاشقجي الثانية. كما وسيعيد بايدن ملف العلاقة مع إيران. ففي مقابلة مع توماس فريدمان من “نيويورك تايمز” أكد بايدن التزامه بالعودة إلى الإتفاقية النووية ووقف العقوبات التي فرضها ترامب على إيران. وقال ريدل إن السعوديين الذين رحبوا بإلغاء ترامب الاتفاقية النووية سيواجهون “برودة حقيقية بين الولايات المتحدة ومحمد بن سلمان وستكون شبه مجمدة” بعد مغادرة ترامب المكتب. ويضيف “نستطيع الحصول على نفط بسعر 45 دولارا للبرميل، ومن يحتاج السعودية؟ خاصة رئيس التغيرات المناخية، سيحتاجهم أقل”. وهناك إشارات أن محمد بن سلمان يتطلع لمرحلة ما بعد ترامب حيث تردد في التطبيع مع إسرائيل بعد لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي. و”تراجع محمد بن سلمان عن الصفقة حسب مستشارين سعوديين ومسؤولين أمريكيين بسبب نتائج الانتخابات الأمريكية” حسبما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”. وعلى العموم تركت إدارة ترامب بصماتها على الشرق الأوسط، فالرئيس جاء بشعار من يريد إنهاء الحروب اللانهائية سيترك منطقة على حافة الحرب، بل وطلب الشهر الماضي من مستشاريه منحه خيارات ضد إيران وبرنامجها النووي. وهناك من يرى أن ترامب هو من أعطى الضوء الأخضر لقتل عالم الذرة الإيراني محسن فخري زاده في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. وكشف موقع “ديلي بيست” )1/12/2020) أن ترامب فوض وزير خارجيته مايك بومبيو باستخدام كل ما لديه من وسائل للضغط على إيران طالما تجنب إشعال حرب عالمية ثالثة. وعبر لمساعديه كما قالت صحيفة “واشنطن بوست” (3/12/2020) عن استعداده لضرب إيران حالة قتلت أمريكيين في العراق. وقرر تخفيض طاقم العاملين في السفارة الأمريكية وتخفيض عدد القوات العاملة في العراق إلى 2.500 بحلول 15 كانون الثاني/يناير. ونفس الأمر فعله في أفغانستان والصومال التي أعلن عن سحب القوات منها. ومن المتوقع تشديد الضغط على حلفاء إيران في اليمن، وتصنيف الحركة الحوثية كجماعة إرهابية أجنبية، رغم مناشدة الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة الإنسانية لوزير الخارجية بومبيو وتحذيره من مفاقمة الكارثة الإنسانية، خاصة أن الكثافة السكانية العالية موجودة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. قيل الكثير خلال السنوات الماضية عن حب ترامب للديكتاتوريين الذين أطلق لهم العنان، حمى محمد بن سلمان في جريمة قتل خاشقجي وتغاضى عن دور الإمارات العربية المتحدة في حروب المنطقة الأهلية وترك ديكتاتوره “المفضل” عبد الفتاح السيسي يقمع الحريات ويسجن دعاة حقوق الإنسان. ودعم الاستيطان الإسرائيلي وصادق على احتلالها للقدس الشرقية والجولان. والمهم أن سجله الآن سيكون أمام التاريخ والمحللين وبالتأكيد فلن يكون معه رحيما، حيث ظل يمارس لعبة الغولف المفضلة له ومئات الألوف من الأمريكيين يصابون بفيروس كورونا ويموتون منه. والداهية هي أن ترامب يجمع الأموال الآن باسم “سرقة الانتخابات” للجولة المقبلة التي تقول “فايننشال تايمز” (5/12/2020) أنها ستكون تحضيرا لعام 2024 بطريقة ستقطع الطريق على الموالين له لترشيح أنفسهم مثل نيكي هيلي، السفيرة السابقة في الأمم المتحدة وبومبيو، وزير الخارجية الحالي. وقالت إن حملته جمعت 207 مليون دولار منذ انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر. في وقت واصل فيه استغلال المظالم ونشر نظريات مؤامرة عن دور الرئيس الفنزويلي الميت هوغو تشافيز في تزوير الانتخابات الأمريكية. وقالت إن “خزينة الحرب” هذه ستساعده على تضخيم صوته على منصات التواصل الاجتماعي لنشر التضليل والحملات الزائفة، وتعطيه في الوقت نفسه صوتا مؤثرا في ترشيحات الحزب الجمهوري. وسيظل ترامب يعترف حتى النهاية بأنه لم يهزم، فهذه صفة النرجسي، وسيظل محاميه رودي جولياني الذي باع تاريخه كعمدة نيويورك يدافع عنه ويحاول تقديم أدلة عن تزوير في الانتخابات. وسواء نجح ترامب في العودة للحلبة السياسية بعد أربعة أعوام رهن بالتغيرات السياسية، واستمرار الانقسام الأمريكي الذي استغله وحرك ناره، وقدرته على المواصلة، فالعمر له أحكام، ومثلما استهزأ بجوزيف بايدن لأن عمره 78 عاما ووصفه بالكسول والغافي سيواجه نفس النقد. وفي السياسة كما قال رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون “أسبوع هو وقت طويل في السياسة” فما بالك بسنوات. وقلة خسروا السلطة وعادوا إليها، وعادة ما يعودون على ظهر الدبابة، وقد يكون ترامب فكر بعمل كهذا، لكنه يظل “كلبا ينبح ولا يعض”.

القدس العربي

———————————

أميركا – الصين: هل يلحق “خبث” بايدن بضغوط ترامب؟

كلّ الطرق تؤدي إلى الصين بالنسبة إلى الأميركيين. فمواجهة العملاق الآسيوي، قد تكون أولوية للحزبين الجمهوري والديمقراطي، اليوم، وهذه الثابتة، تجعل الصينيين من أشدّ القلقين، من وصول جو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما، رافع شعار “التوجه شرقاً”، إلى البيت الأبيض. لم يحد الرئيس الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، دونالد ترامب، عن هذا الخطّ، وإذا كان الأسلوب مختلفاً، فلن يكون “الجوهر” كذلك، على الأرجح. سيكون على بكين أن ترصد جيداً “خبث” بايدن، والعودة ربما إلى “القوة الناعمة”، التي استخدمها أوباما مع بكين. من جهته، لم يخف الرئيس المنتخب، في مقابلته مع توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” أخيراً، والتي رسمت عناوين عريضة لسياسته الخارجية، “أولويته” الصينية، وخطوطه الأساسية، في سياسته معها.

بانتظار ذلك، كثّفت إدارة ترامب، ضغوطها على الصين، في الشهرين الأخيرين من ولايته. وكان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قد قام بجولات خارجية مكوكية في الأشهر الأخيرة، شملت دولاً عدة في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، لم تكن الصين بعيدة أبداً عن مضمونها. فلجم التمدد الصيني، الاقتصادي والتجاري والسياسي، مادة تجد ظلالها في أي مباحثات يجريها الأميركيون في الخارج. وقد أبدى الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، أخيراً، استعداده للتعاون مع إدارة بايدن، للعودة إلى صياغة تحالفات دولية، لاسيما مع “الحلفاء التقليديين” لواشنطن، لبناء استراتيجية واضحة لمواجهة العملاق الآسيوي، وهي سياسة تقليدية يعتمدها الغرب مع القوى الصاعدة، فيما بدأ اسم الحزب الشيوعي الصيني، يُقحم أكثر فأكثر في منظومة “العقوبات الأميركية”. بالنسبة إلى الأميركيين، تبدو كل الوسائل مشروعة لمواجهة الصين، التي ستكون من دون شك العنوان العريض لسياسة الولايات المتحدة الخارجية في المرحلة المقبلة، والطرف الثاني في “الحرب الباردة” الجديدة.

إجراءات قياسية

ووصف رئيس الاستخبارات الوطنية الأميركية، جون راتكليف، الخميس الماضي، الصين بأنها تشكل “أكبر تهديد للديمقراطية والحرية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية”، بينما فرضت واشنطن قيوداً مشددة على منح تأشيرات السفر لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني. وفي مقال رأي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، اتهم راتكليف الصين بسرقة أسرار الأعمال وتكنولوجيا الدفاع الأميركية. وكتب إن “جمهورية الصين الشعبية تمثل أكبر تهديد للولايات المتحدة اليوم، وأكبر تهديد للديمقراطية والحرية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية”، متحدثاً عن عمليات استخدم فيها عملاء صينيون الضغط الاقتصادي للتأثير على المشرعين الأميركيين أو إضعاف مكانتهم. وكتب راتكليف أن “القيادة الصينية تسعى إلى إخضاع حقوق الفرد لإرادة الحزب الشيوعي”.

وفي الوقت نفسه، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن أعضاء الحزب الشيوعي الصيني “معادون للقيم الأميركية” ويشاركون في “نشاطات مضرة”. وبموجب القواعد الجديدة التي تدخل حيّز التنفيذ فوراً، ستظل التأشيرات الصادرة لأعضاء الحزب وأسرهم المباشرة صالحة لمدة شهر واحد فقط بعد الإصدار ولدخول لمرة واحدة، فيما كانت في الماضي بعض التأشيرات تسمح بالدخول غير المحدود، ويمكن أن تظل صالحة لمدة تصل إلى 10 سنوات. ونقلت “نيويورك تايمز” عن متحدث باسم وزارة الخارجية، أنه “على مدى عقود، سمحنا لأعضاء في الحزب الشيوعي الصيني بالدخول بشكل حرّ، ومن دون عراقيل إلى المؤسسات والشركات الأميركية، رغم أن هذه الامتيازات لم تقدم أبداً بشكل حر إلى المواطنين الأميركيين في الصين”. وقالت الصحيفة إن القيود الجديدة يمكن أن تطبق نظرياً على نحو 270 مليون شخص.

تكنولوجيا

كيف ستؤثر الصين على مستقبل التكنولوجيا؟

وصعّدت الحكومة الأميركية نزاعها مع بكين أيضاً بشأن الأمن، بإضافة البنتاغون أكبر مُصنّع لرقائق المعالجات في الصين، وعملاق نفط مملوكاً للدولة، إلى قائمة سوداء تحد من الوصول إلى التكنولوجيا والاستثمار الأميركيين. وأضاف البنتاغون أربع شركات، بما في ذلك المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري، إلى قائمة الكيانات التي تعتبر جزءًا من جهود الصين لتحديث جيش التحرير الشعبي، الجناح العسكري للحزب الشيوعي الحاكم، ما يرفع العدد الإجمالي للشركات المدرجة في القائمة السوداء إلى 35 شركة.

إلى ذلك، أقر الكونغرس الأميركي قانوناً من شأنه أن يغلق البورصات وأسواق المال الأميركية أمام الشركات الصينية. ويمكن إحالة “قانون مساءلة الشركات الأجنبية” إلى مكتب ترامب للموافقة النهائية عليه. وهذا الإجراء الذي قدّمه في عام 2019 السيناتور الجمهوري جون كينيدي، يفرض على الشركات الأجنبية المدرجة في بورصات الولايات المتحدة، التقيد بشروط المحاسبة لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. والعديد من الشركات الأجنبية تلتزم بذلك المعيار، لكن ليس الشركات الصينية. إضافة إلى ذلك سيتعين على مجموعات صينية مدرجة في الأسواق المالية الأميركية الكشف عما إذا كان أحد أعضاء مجلس إدارتها، أو أكثر، ينتمون للحزب الشيوعي الصيني. وقال محللون سياسيون، بحسب ما نقلت عنهم وكالة “رويترز”، إن ترامب من المرجح أن يتخذ إجراءات أخرى قبل أن يتولى بايدن منصبه في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل. ورداً على ذلك، اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونغيينغ، إن “بعض القوى المتطرفة المعادية للصين في الولايات المتحدة، تقوم مدفوعة بانحياز أيديولوجي وعقلية الحرب الباردة المتجذرة، باضطهاد سياسي للصين”، مؤكدة “معارضة” بلادها بشدة لذلك.

وأعلن بايدن، أخيراً، أنه يعتزم الإبقاء في الوقت الحاضر على الرسوم الجمركية المشددة التي فرضها ترامب على الصين في سياق الحرب التجارية بين البلدين. وقال بايدن، في مقابلته مع فريدمان إن “أفضل استراتيجية صينية، أظن، هي واحدة تجعل كل واحد من حلفائنا- أو من كانوا حلفاءنا (في إشارة إلى ابتعاد ترامب عن الحلفاء التقليديين)، على نفس الموجة. سيكون ذلك أولوية كبيرة لي خلال الأسابيع الأولى من ولايتي”. وأكد بايدن أنه لن يعمد مباشرة إلى إلغاء ضريبة الـ25 في المائة التي فرضها سلفه على حوالي نصف ما تورده الصين إلى الولايات المتحدة، أو المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين ترامب وبكين، الذي يجبر الأخيرة على شراء إضافي مقداره 200 مليار دولار من الخدمات والمنتجات الأميركية خلال العامين 2020 و2021، والذي لم تلتزم به الصين”.

بايدن: أكثر خبثاً؟

وفي الواقع، بلغت العلاقات الأميركية الصينية مستوى متدنياً جداً في عهد ترامب، الذي فتح حرباً تجارية ضروساً مع العملاق الآسيوي، تركز خصوصاً، على فرض الضرائب. لكن هل كان الصينيون ممتعضين فعلاً من الرئيس الجمهوري؟ قد تبدو حرب ترامب الصينية، توطئة لما قد تحمله الأشهر المقبلة، على صعيد العلاقة بين البلدين. وإذا كان بايدن قد أكد أنه لن يتراجع عن خطوات ترامب، إلا أنه في اعتقاده أن مواجهة الصين لن تكون ناجحة من دون العودة إلى التحالفات التقليدية، لا سيما مع استعداد الصين لذلك جيداً، عبر تشريع نفسها اقتصادياً كسوق استهلاك، بعدما ظلّت لعقود مصنفة كدولة منتجة بأسعار رخيصة، ومورداً أول لعدد كبير من دول العالم. وقد عمدت الصين إلى بناء اتفاقات أولية، مع دول تدور في الفلك الأميركي، كاليابان وكوريا الجنوبية، للاستيراد منها. وإذا كان هدف بايدن فعلياً ليس فقط أخذ السلع والاستثمارات من درب الصينيين، كما أراد ترامب، فهو يعتبر أن سياسة سلفه المتهورة، أو حتى الخرقاء، قد حالت دون بناء تحالفات متينة لمواجهة التمدد الصيني. ولذلك، فإن أولى الخطوات على الأرجح، ستكون على الصعيد الدولي، العودة إلى الاتفاقات الدولية، وإلى المجتمع الدولي، ومنها العودة إلى اتفاق المناخ الشهير، الذي تتمدد آثاره للصين. ويرى فريق بايدن، أن فرض الرسوم الجمركية، وسياسة العقوبات، على الطريقة الترامبية، لا تكفي، بل إن محاصرة الصين فعليا، هي التوسع في سياسة أوباما، ومنها التخلص من بعض الأزمات الجانبية، كالبرنامج النووي الإيراني مثلاً، وجعلها أكثر “خبثاً”. وكان بايدن أيضاً واضحاً في مقابلته حين تطرق إلى ثلاث مسائل مباشرة يجب العمل عليها، وهي دفع الصين إلى احترام الملكية الفكرية، ووقف دعم الحكومة الصينية للشركات الكبرى الصينية، كما تفعل مع “هواوي”، ووقف الرواتب المنخفضة للعاملين في الصين. وإذا كانت هذه المطالب، هي التي يرفعها الغرب دائماً في وجه كل القوى الصاعدة، فإن بايدن ينظر إلى استعادة التحالفات الأميركية، كأساس للقدرة على المضي في هذه الضغوط، بالإضافة إلى تحصين الداخل، والتوافق الحزبي. وقال بايدن صراحة في مقابلته إنه للنجاح، يجب أن يكون لنا “سطوة”. ومن منظوره، فنحن لا نمتلكها بعد. ومن هذا المنطلق، يرى الرئيس المنتخب أن نظرية “أميركا أولاً”، التي يعتبر أن سلفه لم يطبقها، قد تنفع ليكون لنا “سياسة إنتاجية تقليدية جيدة”، و”استثمار حكومي في قطاعات الصناعة والبنى التحتية والأبحاث، للتنافس بشكل أفضل مع الصين”.

تقول مجلة “إيكونوميست”، إن ترامب وفريقه مارسوا ضغوطاً كبيرة على بايدن خلال حملة الانتخابات، واصفين الأخير بأنه “ساذج” بالنسبة إلى الصين. وبينما جعل ترامب الصين و”الفيروس الصيني”، عنواناً لحملته، ردد بايدن أنه “ليس علينا أن نصور الصينيين وكأنهم يسرقون طعامنا”. ويقول دبلوماسيون أن الرئيس المنتخب احتاج إلى “إعادة برمجة” حول الملف الصيني، خلال الحملة، ليعود ويطلق على الرئيس الصيني شي جين بينغ صفة “البلطجي”. بين هذا وذاك، ترى المجلة أن سياسة الصين بالنسبة لبايدن، ستكون خليطاً من الترامبية والأوبامية، فهل ينجح؟ وما هو الرد الصيني؟

العربي الجديد

—————————-

عقدة الانتقام لدى فريق بايدن/ راغدة درغام

الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن اتخذ قراره واختار احتواء الانتقام الإيراني في طليعة تسلسل تناوله للعلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع إقرانه بالتراجع عن سياسة الضغوط القصوى التي تبنّاها سلفه دونالد ترامب. فعل ذلك اقتناعاً بأن هذه السياسة تنزع الفتيل وان ارضاء طهران ليس ممكناً بدون فصل الأولوية النووية كشرط مُسبق عن مسألة الصواريخ الدقيقة وعن المشاريع الإيرانية الإقليمية في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها. القيادات الإيرانية اختارت تأجيل نزعتها للانتقام لاغتيال العَالِم المسؤول عن البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده وأَمْلَتْ على شركائها ووكلائها العودة الى “الصبر الاستراتيجي” اقتناعاً منها ان إدارة بايدن ستحرّرها من العقوبات وتكلّلها بالقدرات المالية لإنجاز المشروع الإقليمي للنظام في طهران. هوس بايدن وفريقه بالأولوية النووية القاطعة يهدّد بنسف كل ما مارسته إدارة ترامب من ضغوط اقتصادية للتأثير في عزم طهران الدائم على سلوك إقليمي “خبيث” – حتى في تعريف فريق بايدن. رأي هذا الفريق هو أن التعويض عن تلك السياسة وارد في توسيع حلقة المشاركين في صفقة جديدة مع إيران ليشمل دولاً عربية كالسعودية والإمارات اضافة الى الدول الست التي وقّعت على الاتفاقية النووية JCPOA- الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا.

هذا تطوّر جديد ومهم ويجب تطويره لضمان فعاليته وتأمين المشاركة الجديّة، وليس التجميلية، للدول العربية– الأمر الذي ستُقاومه طهران. أما إذا كان في ذهن فريق بايدن مجرد التزيين، فإن خطورة ما ينوي القيام به تتفاقم وذلك في ضوء عزمه على تلبية الشروط الإيرانية بالعودة الأميركية الأوتوماتيكية الى الاتفاقية النووية بانقلاب تام على كل ما فعله فريق ترامب وبغض النظر عن إنجازات مفيدة للمفاوضات الجديدة على اتفاقية أخرى تماشياً مع متطلبات 2021 مقارنة مع 2015 عندما صاغ رجال فريق بايدن تلك الاتفاقية حينذاك بِقبعات رجال الرئيس الأسبق باراك أوباما.

خطورة هرولة فريق بايدن الى إحياء اتفاقية 2015 انتقاماً من تمزيق فريق ترامب لها عام 2018 إنما يجعل رئاسة بايدن ضائعة بين انتقامين. وهذا ليس حكيماً عند صنع سياسات مصيرية ليس لمنطقة الشرق الأوسط وحدها، وإنما للمصالح القومية الأميركية.

في حديث مهم أجراه الزميل توماس فريدمان مع جو بايدن توضّحت معالم السياسة نحو إيران انطلاقاً من التزام بايدن بالعودة الى الاتفاقية كنقطة انطلاق، تليها المفاوضات. وهذا تماماً ما تمناه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف – العودة “الأوتوماتيكية” الى اتفاقية JCPOA “بدون حاجة للتفاوض”. رأي بايدن وفريقه هو الانطلاق تلقائياً من استئناف التزام الطرفين بالاتفاقية النووية، ثم بعد ذلك تبدأ جولة المفاوضات على مسألة الصواريخ ونشاطات إيران الإقليمية عبر وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن بما في ذلك استخدام وتصنيع الصواريخ الدقيقة المحظورة.

الرئيس بايدن قال لفريدمان بوضوح “انظر، الكلام كثير عن الصواريخ الدقيقة وعن مختلف الأمور الأخرى التي تسبب اللااستقرار في المنطقة”. انما الواقع هو “ان الوسيلة الأفضل لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة” هي في تناول “البرنامج النووي”. قال أيضاً أن أمام إدارته، في حال عدم تعاون طهران في مجال الصواريخ والسلوك الإقليمي، أمامها خيار تطبيق ما يسمى ميكانيزم Snap back أي آلية اعادة فرض العقوبات.

واضح ان الرئيس المُنتخب لا يضع مسألة الصواريخ الدقيقة وسلوك إيران الإقليمي كأولوية متساوية مع الاتفاقية النووية. واضح أيضاً أن المسألة النووية، على أهميتها، ليست الأولوية للدول العربية التي تتلقّى تداعيات السماح للحرس الثوري الإيراني القائم على تنفيذ السياسة الإيرانية الإقليمية بالمضي في سياساته “الخبيثة”. وهنا تكمن المفارقة الوجودية.

الخبير الإيراني كريم سادجادبور، الزميل الأقدم في مؤسسة “كارنغي” شارك في الحلقة المستديرة الافتراضية الخامسة والعشرين لقمة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي سوياً مع السفير البريطاني الأسبق توم فلتشر والمدير التنفيذي لمؤسسة ك.ك.آر العالمية فانس سيرشوك، والخبيرة التركية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلا ايدن تاشباش.

رأي سادجادبور هو ان لا مجال لابرام ما يسمى بالصفقة الكبرى Grand Bargain بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس لعدم رغبة الولايات المتحدة بمثل تلك الصفقة وإنما “لأن العداء نحو الولايات المتحدة هو جزء أساسي من هوية النظام الإيراني”. وبالتالي “ان استمرار النزاع مع الولايات المتحدة هو خطر وجودي existentialist لإيران أكبر بكثير من خطر التقارب rapprochement مع الولايات المتحدة”. ولذلك ان ما يتداوله البعض عن تلك الصفقة الكبرى “ليس وارداً”. أشار سادجادبور أيضاً الى “مفهوم خاطئ شائع حول النزاعات الطائفية في الشرق الأوسط” مشيراً الى “الميزة غير المتكافئة لإيران فوق منافسيها السُنَّة مثل السعودية ذلك لأن كل الراديكاليين الشيعة عملياً على استعداد للمحاربة والقتل من أجل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بينما كل الراديكاليين السُنّة، فعلياً، مثل القاعدة وداعش، يريدون الانقلاب على الحكومة في السعودية”.

توم فليتشر، مدير كلية هيرتفورد في جامعة أوكسفورد، رأى ان “في ظل عدم قدرتنا على إبرام الصفقة الكبرى الإقليمية مع إيران، الأفضل أن نقتطف جزءاً منها لعلنا نتمكن من التقاط هذا الجزء وخلق الأجواء للبقية لاحقاً”. مساوئ هذا الموقف يكمن في تشجيع فريق بايدن على هذا النمط من التسلسل الذي يُعرّض المنطقة العربية لمخاطر وجودية. فليتشر يعتقد أن إدارة بايدن “ستُركّز على اعادة جمع الفتات (من الاتفاقية النووية) التي يشعرون انها قابلة للإصلاح بالسهولة الأكثر. وهنا يبرز الإطار النووي، ضمن مجموعة تحديات صعبة جداً، كالحلقة الأسهل”. ولكن، تابع فليتشر ان تأخير المرحلة الثانية لفترة طويلة لن يكون ممكناً “لأن حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين سيطالبون بوتيرة أسرع لتحقيق التقدم على المسائل الأخرى”، وقال ان فريق بايدن العائد الى السلطة بعدما كان فريق أوباما “يدرك ان عليه أن يتعاطى مع السلوك الإيراني الأوسع في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وغيره”.

إنما الأمر ليس عائداً قطعاً أو حصرياً الى الرئيس الأميركي وفريقه المعروف بتعاطفه التلقائي مع إيران واعتقاده ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدّة لإصلاح منطق النظام القائم على التوسّع خارج الحدود الإيرانية كأحد أهم أُسس عقيدته. التحدّي الأكبر آتٍ من الطرف الإيراني وبالذات “الحرس الثوري” الذي ينظر الى عودة إدارة بايدن الى الاتفاقية النووية ورفع العقوبات عن إيران بأنه انتصار له سيّما لأن الأموال التي سيُفرج عنها ستموّل سياساته في لبنان والعراق وسوريا واليمن وستمكّنه من تطوير قُدرات الصواريخ الدقيقة بدقة أكبر. فإعادة إحياء الاتفاقية النووية تلقائياً مع رفع العقوبات يقع في مصلحة المتشدّدين في طهران وليس في صالح المعتدلين، كما يطيب للبعض أن يسوّق.

“في اعتقادي، أن إحدى المسائل الثابتة التي شهدناها عبر السنوات هي ضرورة عدم التقليل من شأن قدرة الحكومة الإيرانية على تخريب أفضل الخيارات أمامها” قال فانس سيرشوك. وأضاف ان الانتخابات في السنة المُقبلة ستكون امتحاناً لنسبة “المرونة والإبداع لدى الجانب الإيراني بغض النظر عن الغرائز والرغبات الآتية من واشنطن”.

غريزة قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تنحاز عن عقيدتها، وكذلك الأمر في غريزة قيادة تركيا اليوم التي يُمثلها الرئيس رجب طيب أردوغان. كلاهما يصرّ على التوسّع كأساس للأمن القومي لبلاده، وأردوغان مقتنع أن استعادة موقعه الإقليمي يتطلّب قطعاً أن تكون “آثار أقدامه العسكرية خارج حدود بلاده”، بحسب قول أصلا ايدن تاشباش. رأيها أن هناك حاجة للتدقيق في هذا المنطق من أجل المصلحة القومية التركية وتقول “بكلام آخر، ان اغلاق أو تطويق الحدود التركية (مع سوريا) بالمجموعات الجهادية لن يجعل تركيا أكثر أماناً كما يُعتقد… فهذه ليست تركيا التي نتمناها”.

رأيها أن مستقبل التفوق العالمي لن يكون في المغامرات العسكرية خارج الحدود وإنما هو في الإبداع وفي اكتشاف اللقاح للوباء. لكن استعادة البلاد التي اختطفتها القيادات التركية والإيرانية التوسعية لن يكون سهلاً سيّما في عهد إدارة أميركية مهرولة خوفاً من الانتقام.

النهار العربي

—————————-

جيفري: إدارة ترامب عجزت عن تحقيق ثلاثة أهداف في سورية

عجزت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، عن تحقيق ثلاثة أهداف لها في سورية، بحسب ما صرح به المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية، جيمس جيفري.

وحدد جيفري، في مقابلة نشرتها اليوم الأحد صحيفة “تايمز أوف إسرائيل“، الأهداف الثلاثة وهي “ضمان انسحاب كافة القوات الإيرانية من سورية، وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بالكامل وإيجاد حل سياسي للنزاع الذي يدخل عامه العاشر”.

واعتبر جيفري أن كل ما فعلته إدارة الرئيس الأمريكي هو وقف تقدم قوات الأسد، وحرمان رئيس النظام الذي وصفه بالديكتاتور، بشار الأسد، من السيطرة على مكاسب إضافية.

وقال جيفري إن “الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي الذي تقوده في سورية، لا تحارب تنظيم داعش فحسب بل وتمنع الأسد من كسب الأرض”.

وأضاف أن “القوات التركية تفعل نفس الشيء في إدلب بالشمال السوري، فيما يهيمن سلاح الجو الإسرائيلي في السماء”، في إشارة إلى الضربات الإسرائيلية التي تشنها تل أبيب ضد قوات الأسد والإيرانية المتواجدة في سورية.

وحول الغارات الإسرائيلية اعتبر جيفري أن الحل الوحيد لإيقافها هو “انسحاب القوات الإيرانية والمدعومة إيرانيا من سورية”.

وحول الموقف الروسي في سورية، اعتبر المبعوث الأمريكي السابق أن موسكو ورثت “دولة فاشلة في حالة مستنقع، وسوف تضطر من أجل الخروج من هذا المأزق إلى التفاوض وتقديم تنازلات”.

وأكد أنه في حال فشل واشنطن بالتوصل إلى حل وسط يشمل انسحاب إيران من سورية، فلا بد من وضع “استراتيجية مؤقتة تكمن في منعهم من الانتصار”.

وكان جيفري استقال من منصبه كمبعوث أمريكي إلى سورية، عقب فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بانتخابات الرئاسة الأميركية ورفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب نتائجها ورفع دعاوى قضائية في عدة ولايات بدعوى التزوير.

وكان جيفري قدم نصائح لإدارة الرئيس الجديد تتعلق بالسياسة الأمريكية الخاصة بالملف السوري، في المرحلة المقبلة، وترتبط بالسياسة السابقة التي كان يسير فيها دونالد ترامب، والمرتكزة على “الجمود السياسي والعسكري”، من أجل المحافظة على الاستقرار.

وقال جيفري في مقابلة مع وقع “ديفينس ون“، الشهر الماضي، “أنصح الإدارة المستقبلية الجديدة بمواصلة سياسات إدارة ترامب بشأن الشرق الأوسط”.

وأضاف جيفري أن “ترامب قد حقق نوعاً من الجمود السياسي والعسكري في عدد من الصراعات الباردة والساخنة المختلفة، مما أدى إلى وضع أفضل ما يمكن لأي إدارة أن تأمل فيه، في مثل هذه المنطقة الفوضوية والمتقلبة”.

—————————-

=====================

تحديث 14 كانون الأول 2020

—————————–

شرق أوسط لا ينتظر بايدن!/ محمد قواص

حين مالت إدارة باراك أوباما إلى خيارات، بعضها إسلامي الهوى، لمقاربة ما أسمي “ربيعا” عربيا، خيّل أن قرار واشنطن هو قضاء وقدر. بيد أن ذلك لم يحدث. اكتشفت عواصم المنطقة خلال العقود الأخيرة، وخصوصا بعد الحملة العسكرية الأميركية لإسقاط نظام صدام حسين في العراق (وحتى قبل ذلك) أن الولايات المتحدة ما زالت تجهل المنطقة، وأن ما تملكه مؤسساتها الاستراتيجية من معطيات هو تبسيطي متعجل على النحو الذي أظهره التخبط بعد ذلك في العراق وأفغانستان مثلا، كما في الهرولة إلى تسطير اتفاق نووي مع إيران ستعمل واشنطن والعواصم الكبرى على ترميمه وتصويبه وجعله، مع اتفاقات أخرى، أكثر اتساقا مع شروط الأمن الدولي.

الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في تقرير مصير ملفات كثيرة في المنطقة، لكنها لم تعد تملك وحدها سلطة الأمر بقرار يصدر عن البيت الأبيض أو الكونغرس أو البنتاغون. يكفي تأمل الملفات الساخنة في سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين، لاستنتاج مستويات الارتباك التي أظهرتها إدارات واشنطن، بما في ذلك إدارة دونالد ترامب، والتي ما زال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة جو بايدن ستكون قادرة على إصلاح ما أفسده العطارون، وخصوصا في سوق واشنطن نفسها.

ليس مهما كيف ستقارب إدارة بايدن مسائل المنطقة بقدر ما هو مهم أن يعترف الرئيس الجديد وفريقه الحاكم بأن العالم تغير. بات على واشنطن أن تأخذ علماً بالهوامش التكتيكية والاستراتيجية التي اكتسبتها دول مثل إسرائيل وتركيا وإيران ومصر ودول الخليج بسبب رمادية مواقف الإدارات الأميركية خلال العقود الأخيرة.

بات لإسرائيل ميدان مناورة تمارس من خلاله، في سوريا والعراق وإيران، ضربات وصولات وجولات. وبات لتركيا، برعاية أميركية أو غياب المانع في واشنطن، سياسات تدخلية خطيرة في العراق وسوريا وليبيا، ناهيك بمناوراتها شرق المتوسط وفي أذربيجان.

ورغم الصخب الذي أثاره انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وعقوباته “التاريخية” ضد إيران، ورغم الضربات النوعية التي تلقتها إيران في الداخل والخارج، فإن طهران استمرت في أن تبقى مزعزعة لاستقرار المنطقة داخل “هلالها” الشهير وصولا إلى الخليج واليمن، واستمرت في استدراج شهية مصالح دول كبرى وإبقاء شبكة تحالفات ومصالح لها شرقا وغربا.

سيجد بايدن أن مصر لم تعد تعول على حصرية تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ولم تعد قلقة على مصير “المعونة” الأميركية. تجاوزت القاهرة عقائد كامب دايفيد وباتت لها خرائط دولية أخرى تفسر تنوع خيوط علاقاتها مع روسيا وفرنسا واليونان وقبرص وغيرها، كما تنشيطها لمحاور إقليمية تجمعها مع دول الخليج وتجمعها أيضا مع العراق والأردن، من دون الحديث عن تلك الأفريقية منها. وسيجد بايدن أن الدينامية الأميركية التي حركت الملف الليبي ما زالت قاصرة عن إنتاج تسوية لا تشارك بها دول الجوار كما دول المصالح القريبة والبعيدة.

روسيا بوتين باتت في قلب المنطقة، تنسج مع إيران وتركيا داخل “آستانا” تحالفا معقداً سرياليا متعدد المنافع والتناقضات. باتت موسكو رقما مهما في ليبيا البعيدة ورقما مفصليا في سوريا. صحيح أن لا حل روسيا في سوريا من دون بركة واشنطن ورعاية أوروبا، لكن الصحيح أيضا أن لا تسوية في سوريا من دون التسليم بالواقع الروسي في هذا البلد.

سيكون على جو بايدن الذي تولت تصريحاته قصف الصين وروسيا وتركيا، ووعد إيران بسياسات أخرى، والغمز من قناة مصر وبعض دول الخليج، أن يقرأ جيدا ما طرأ على سطور هذا العالم، وأن يتأمل مليا ما تبنيه عواصم المنطقة من خنادق وأسوار، لكن أيضا ما تدفع به من وصل بيني لافت، ربما كانت اتفاقات السلم مع إسرائيل واجهة دلالاته.

ولئن كان لكل عاصمة في المنطقة مرشحها المفضل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن تلك العواصم، المتفائلة منها والمتوجسة من القادم الجديد إلى البيت الأبيض، أعادت التبشير بولايات متحدة لها مصالحها وثوابتها التي يفترض (نظريا) أن لا تنقلب وفق مزاج شخص الرئيس.

لن يكون سهلا على بايدن العبث كثيرا برقعة لعب في المنطقة اجتهد اللاعبون في رسم قواعدها. سيكون الرئيس الأميركي الجديد مضطرا لمخاطبة بلدان المنطقة وفق رؤى جديدة تقر بالقلق المتنامي من طموحات “السلطان” في تركيا و “ثورة” الولي الفقيه المستمرة إنتاجا وتصديرا في إيران، وتقر أيضا بفشل صفقة ترامب الوهمية في فرض تسوية تاريخية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الأكثر تعقيدا في العالم.

حين قررت إدارة باراك أوباما تشجيع ارتقاء “الإخوان المسلمين” ودوائر الإسلام السياسي إلى السلطة في بلدان عصفت بها القلاقل، وحين قررت الإدارة نفسها رعاية اتفاق مع إيران يتجاهل مصالح بلدان المنطقة وهواجسها، وحين استفادت أنقرة من رمادية لدى إدارة ترامب في التعامل مع الحالة الاردوغانية فراحت تعبث في شؤون الإقليم، لم تنتظر المنطقة تبدل مزاج أميركا وأهواء رئيسها، بل أقامت دفاعاتها الذاتية مستحدثة خرائط تحالفات باتت ثوابت تكافح أي متغير في واشنطن.

النهار العربي

—————————————

العرب يموّلون تقلبات السياسة الأميركية/ أحمد جابر

ينتظر العالم الإدارة الأميركية الجديدة وسياساتها، مع انتقال الإمرة إلى الرئيس الجديد، جو بايدن، الذي يظهر عزماً مبكراً، على مخالفة سياسة سلفه دونالد ترامب، في مفاصل مهمة منها. لكن بين إعلان العزم السياسي، من قبل المسؤول الأميركي الأول، وبين الوقائع المصلحية العنيدة، التي تؤمن استمراريتها “الإدارة الأميركية العميقة”، تتبدل نوايا كثيرة، وتدوّر زوايا عديدة، وتبتكر “نظريات” تسوِّغ ما هو قائم، وتشرح مدى التبديل الذي يجب أن يصيبه، أو حدود التعديل الضرورية التي يجب أن يخضع لها.

أميركا وإيران

تحتل إيران البند الأول على مفكرة السياسة الأميركية، ارتباطاً بملفها النووي، هذا الذي جعله الرئيس أوباما درّة إنجازاته، عندما حاز توقيع “الخصم الإيراني”، وعندما أوقف العمل به، الرئيس ترامب، وجعله نقطة ارتكاز سياسته الهجومية العالمية.

انطلاقاً من القراءة الاسترجاعية لظروف توقيع الاتفاق، ولعناصر الانسحاب منه، يجب القول إن سياسة الإدارتين الأميركيتين، الديمقراطية والجمهورية، تتحملان مجتمعتين المسؤولية الأولى عن السماح بتمدد النفوذ الإيراني، في العراق وأفغانستان، وفي اليمن وسوريا ولبنان، ففي كل هذه البلاد، كانت إيران “حليفاً موضوعياً”، للسياسة الأميركية التي استهدفت الأكثرية العربية، من خلال جعلها أكثرية مذهبية سنية أولاً، ومن خلال شيطنتها بالجملة، عندما جعلتها منتجاً وحاضناً للإرهاب العالمي. لقد واءم التصنيف الأميركي، السياسة الأميركية الإيرانية التي توسّلت المذهبية كسلاح لانتشارها، وكمادة لتثبيت نفوذها، بين من يشبهها مذهبياً، فيقول قولها سياسياً. الخلاصة من السياسة الأميركية كانت إعلان هجوم “أممي”، ضد “الأممية الإسلامية” الإرهابية، والخلاصة من السياسة الإيرانية كانت، إعلان “أممية مذهبية” في ثوبٍ إسلامي فضفاض، ضد ذات الأممية المذهبية المستهدفة أميركياً.

وعلى ذات السياق السياسي الأميركي، لم يتجاوز التهديد الذي كان يوجه إلى إيران، حدود مطلب تعديل سلوك النظام، وليس تغييره. لقد حمل التهديد هذا دائماً، عنصر طمأنينة للنظام الحاكم في إيران، وترك له المجال فسيحاً، ليبادل الإدارة الأميركية لعبة شدّ الحبال، ولعبة عضّ الأصابع، وفي مضماري اللعبتين، كانت الأثمان تدفع من أرواح المواطنين العرب، ومن استقرار بلدانهم، ومن خزائن ثرواتهم. الخلاصة المشتركة التي تجمع بين سياستي أميركا وإيران هي: منع الاستقرار في الديار العربية، ومن مدخل هزّ الاستقرار، تبقى الدول المستهدفة موضوعاً للابتزاز السياسي والجغرافي والديمغرافي والمالي، مما يجعل من هذه البلاد ملحقاً وتابعاً، يقرَّر مصيره الأخير على طاولة التفاوض الإقليمي، الذي يجلس إليها أكثر من شريك ظاهر، ويقف خلفها أكثر من شريك مستتر.

أميركا وتركيا

تتحرك تركيا كشريك واضح في تقرير مصير خريطة توزيع النفوذ في “الإقليم”، وتتبع سياسات نشطة تخالف بعض جوانب سياسات حلفائها القدامى، وترسل رسائل ذات معانٍ عديدة، إلى من يمكن أن تختارهم كأصدقاء جددٍ.

لا ترضي السياسة التركية تماماً، حليفها الأميركي، وتصل إلى حدود تلامس التوتر مع شركائها في حلف الناتو، خاصةً الأوروبيين منهم، وتقترب من السير على “حافة السقوط” عن الحبل المشدود، مع الروسي الذي يقترب منها في مكان، ويميِّز سياساته عنها في مكان آخر، هذا لأن الروسي يسير هو الآخر على خط “سيرك” مفرد، ويخشى السقوط على أرض إدارة الظهر للأميركي، أو وضع السقوط في أحضان الطامح التركي، أو السقوط في وهده الجفاء مع المنافس الإيراني. هذه “النقزة” تتحكم بالسياسة التركية، حيث الميادين مشتركة، وحيث الشريك والمنافس المتربِّص، يدير كل منهم سياساته التركية، متسلحاً بالحذر اللازم، وبالتحرك المتوازن، و”بالتقية” المقصودة.

معاينة السياسة الأميركية حيال تركيا، تظهر بوضوح اختلاف المعايير التي يعتمدها المسؤول الأميركي حيال كل من حليفته الأطلسية، وحيال إيران، التي يصنفها كخصم إقليمي، وكمسؤول عن جانبٍ من الأعمال الإرهابية. المعايير تظهر تناقضاً، إذا ما قيست على التصنيف الأميركي لكل من تركيا وإيران، فالسياسة حيال الحليف المفترض، الذي هو التركي، تقوم على طلب ضبطه وتحجيمه، وعلى دعوته إلى الالتزام بموجبات انتمائه الأطلسي، هذا من دون الأخذ في الاعتبار، أن الموجبات الأطلسية جرى العبث بها من قبل السياسي الأميركي قبل غيره، وحيال أوروبا مجتمعة التي تشكل المجموعة الأهم على إحدى ضفتي الأطلسي.

في مقابل المشاغبة على التركي مباشرة، شاغبت السياسة الأميركية على الإيراني بالواسطة، فذهبت إلى ميادين نفوذه بدلاً من أن تذهب إلى قواعد ارتكازه الداخلية، هكذا استهدفت شعوب وبلدان كبدل عن “ضائع”، مع أن الضائع أميركياً، معروف عالمياً، ويشار إليه بالبنان. خلاصة الأمر، أن السياسة الأميركية، وهي تعيد قصّ وتفصيل وخياطة الأدوار الإقليمية، ما زالت توجه “االرعاية” الأعلى “لعدوها”، وما زالت تستهدف “بالتنبيه” الأعلى، شريكها المفترض في المواجهة التي تخوضها. لماذا هذا؟ وهل في الأمر تخبط سياسي أميركي؟

الأقرب إلى الواقع القول، إن أميركا إذ تفعل ذلك، فإنها تبني نصها السياسي المفترض، على النص السياسي الوظيفي الواقعي، الذي تريده لكل من تركيا وإيران، وعلى دور كل منهما الذي يقيم على تماس مع المنطقة العربية من جهة، ومع أفغانستان، وآسيا الوسطى من جهة أخرى، وهذا ما يلخصّه القول باستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية العالمية، التي لا تغمض عينها عن موسكو، عندما تخاطف أنقرة، ولا تشيح ببصرها عن بكين، وهي تكثر الحديث عن طهران.

أميركا والمنطقة العربية

مما تقدَّم، لا يخفى أن المستهدف بالخسارة هو “العربي” قبل غيره، ومما هو معلوم، أن البلاد العربية عاشت وتعيش، في أجواء كارثية جراء هذا الاستهداف، ومما هو غريب وغير مألوف، أن الهجوم الأميركي هذا مغلَّف بعناوين الصداقة، والتحالف ضد الإرهاب، والرؤى المستقبلية المشتركة، والتعاون على صعيد دولي عام!!

المبادرة إلى تحديد الاستهداف، وبالإسم وبالسياسة، يطرح على “العرب” عموماً، وعلى الخليج العربي ومصر خصوصاً، التنبُّه لما قد تكون عليه “منوعات” السياسة الأميركية في ظل رئاسة جو بايدن، ولما قد يستمر من “الترامبية” فيها، خاصةً في ميدان الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الميدان الإيراني. لن يكون مفارقاً للواقع القول، إن دول الخليج ومصر، ستظل مطالبة بتسهيل السياسة الأميركية، فيكون التطبيع المتوالي مع إسرائيل على حساب المصالح العربية عموماً، وعلى حساب القضية الفلسطينية خصوصاً. كذلك سيكون الطرفان مطالبين، بعدم عرقلة سبل الاتفاق مع إيران، من خلال إحياء الاتفاق النووي القديم، أو من خلال اعتماده معدَّلاً. إلى ذلك، فإن دول الخليج سيُلقى على عاتقها “واجب” دفع المال اللازم على كل جبهات التقدم الأميركي، في “هجومه” الهادئ الجديد، مثلما كان مطلوباً منها التغطية المالية، عندما كان الهجوم الأميركي صاخباً في السابق.

لعلَّ من أولى المهمات التي تواجه العرب عموماً، هي المبادرة إلى وضع حدّ للخلافات البينية، أو تأجيلها على الأقل، والمبادرة إلى إعادة صياغة أسس عمل عربي مشترك، لتشكيل درع وقاية من التبدُّلات المرتقبة، بحيث إذا لم يفلح الدرع في صد كل الأخطار، فليكن قادراً، أقلِّه، على الحدّ من تداعياتها.

يتبدَّل العالم سريعاً، وعندما يجري قطار الزمن، لا يمكن التخلف طويلاً في قاعات الانتظار.

المدن

————————————

ترامب ونهاية البيريسترويكا الأميركية/ حسين عبد العزيز

لم يشهد التاريخ الأميركي الحديث معركة شرسة بهذا الحجم، كما حدث في الانتخابات الرئاسية أخيرا بين الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب والرئيس الفائز جو بايدن. لا يتعلق الأمر فقط بخلافاتٍ بين رئيسين ينتميان إلى حزبين مختلفين، وبتبايناتٍ حول البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يتعلق الأمر فحسب بشخصية ترامب غير المتزنة وسلوكه الفجّ واندفاعاته الحمقاء، ولا بخطابه الشعبوي ونزعته العنصرية التي تذكّرنا بالاستعارات المناهضة للكاثوليك من البروتستانت نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر.

الصراع مع الدولة العميقة

مع أهمية الأسباب السابقة وخطورتها، تكمن أهمية الانتخابات الرئاسية التي انتظمت الشهر الماضي (3 نوفمبر/ تشرين الثاني) في أنها شكّلت فرصة تاريخية لإنهاء الصراع بين الرئيس و”الدولة العميقة”، صراع نجم عن محاولة ترامب (في سابقة لم يعهدها التاريخ الأميركي المعاصر) القضاء على سلطة “الدولة العميقة”، وهي محاولةٌ ليست تعبيرا عن حالة متفردنة (ترامب) بقدر ما هي انعكاس لتيار واسع يضم حركة الشاي المتجذّرة في الحزب الجمهوري المكونة من شعبويين يمينيين ونشطاء محافظين من جهة، واليمين المسيحي (البروتستانت الإنجيليون البيض) المتحالف مع اليمين اليهودي من جهة ثانية، واليمين البديل الداعم لسيادة البيض من مجموعات الكراهية في اليمين المتطرّف من جهة ثالثة.

عمل ترامب مع هذا التيار على إضعاف النموذج التقليدي الذي ساد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية للأمن القومي الأميركي، عبر إضعاف المؤسسات التي تمثل هذا التقليد (وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، مجلس الأمن القومي، المخابرات المركزية، البنك الفيدرالي الاحتياطي). وقام لأجل ذلك بخطوات عملية، تمثلت في منع مسؤولين مهنيين من الاطلاع على مذكرات المحادثات التي كُتبت بعد تحدّث كبار المسؤولين مع الزعماء الأجانب، وكانت هذه المذكّرات تستخدم تقليديا لمساعدة صغار المسؤولين على إصدار التوجيهات لموظفي السفارات في العالم. ثم عيّن عشرات الشخصيات من خارج المؤسسات الخمس على أساس الولاء له، الأمر الذي ترتّبت عليه هجرة جماعية، خصوصا في الخدمة الخارجية. ولهذه المؤسسات قوة هائلة في صناعة السياسات الخارجية والداخلية ورسمها، ولديها قدرة كبيرة على موازنة طموحات البيت الأبيض التي قد تتعارض مع المصالح العميقة للولايات المتحدة. وتمتلك هذه المؤسسات نخبة واسعة جدا من المسؤولين الحكوميين والمفكرين الاستراتيجيين وأساتذة جامعات ومراكز بحوث وجنرالات متقاعدين.

محاولة إضعاف مؤسسات “الدولة العميقة” وتهشيمها نوع من إجراء قطيعة سياسية ـ بيروقراطية مع تقليد لم يعد في الإمكان تجاوزه. ومن هذا المنطلق، كشر رجالات “الدولة العميقة” عن أنيابهم في وجه ترامب، وبدأوا حربهم الهادئة أولا بتسريبهم معلوماتٍ سرّية محرجة للبيت الأبيض، وثانيا من خلال الالتفاف على قرارات الرئيس، مثل مواصلة الجيش الأميركي إجراء مناورة عسكرية مع كوريا الجنوبية كان ترامب قد ألغاها، ومفاوضات الدبلوماسيين الأميركيين مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) من دون علم ترامب، والتوافق بين مسؤولي الوكالة الخارجية للمساعدات مع الكونغرس، لتجاوز قرار ترامب تجميد المساعدات الخارجية. بل وصل الأمر إلى حد تعطيل إنتاج لقاح مضاد لكوفيد ـ 19، ما دفع ترامب إلى اتهام أعضاء من “الدولة العميقة” في إدارة الغذاء والدواء بالعمل على إبطاء اختبارات اللقاحات، وتأخيرها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وقد دفعت هذه الهجمات العنيفة التي بدأت منذ نحو عامين ترامب في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى كتابة تغريدة على “تويتر” يدعو فيها إلى وقف الانقلاب الذي قامت به “الدولة العميقة” لعزله قبل انتهاء مدة ولايته.

إقالات واستقالات

شكلت الإقالات والاستقالات الجماعية لكبار المسؤوليين سابقة من نوعها منذ تأسيس الدولة الأميركية، ودليلا على الخلافات الحادّة التي يمكن إبراز تجلياتها:

ـــ سعى ترامب إلى إعادة بناء الاقتصاد الأميركي وفق شعار “أميركا أولا”، بمعنى اتخاذ قرارات اقتصادية على الصعيد الخارجي، تخدم الولايات المتحدة، بغض النظر عن المصالح المتشابكة بين الولايات المتحدة والدول الاقتصادية الكبرى في العالم، مثل الصين التي فرض على وارداتها رسوما جمركية. وتركيز ترامب على الاقتصاد الصناعي ـ التجاري للولايات المتحدة بدلا من الاقتصاد المالي جعله يدخل في صراع مع قرارات البنك الفيدرالي الاحتياطي في رفع معدل الفائدة، وهو البنك الذي يتمتع باستقلال في اتخاذ قراراته. كما جعله يدخل في صراع مع البنوك الكبرى على خلفية قراره فرض رسوم جمركية جديدة على واردات الصلب والألمنيوم، ما دفع مستشاره الاقتصادي والرئيس السابق لبنك الاستثمار غولدمان ساكس إلى ترك منصبه.

ـــ استئثار ترامب باتخاذ قرارات على مستوى السياسة الخارجية يخالف التقليد الأميركي في صناعة القرار، وكانت استقالة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، تعبيرا عن التوتر بين الخارجية والبيت الأبيض حيال التعاطي مع ملفات خارجية حساسة، مثل إيران وكوريا الشمالية.

ـــ سحب ترامب التصريح الأمني من مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون برينان، ومنعه من الوصول إلى بعض الوثائق السرية، ثم طرد مدير المخابرات الوطنية، دان كوتس، في منتصف أغسطس/ آب 2019، بسبب اختلاف الرؤى حول ملفات خارجية.

ـــ استقالة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، من منصبه بعد يوم على قرار ترامب المفاجئ الانسحاب العسكري من سورية.

ـــ شهد مكتب الأمن القومي استقالة ثلاثة مستشارين له: استقالة مايكل فلين مطلع 2017 بعد 22 يوما من عمله مستشارا للأمن القومي، ثم استقالة خلفه هربرت ماكماستر بعد مدة وجيزة، ليعين محله جون بولتون الذي استقال في سبتمبر/ أيلول 2019 بسبب الخلاف حول طريقة التعامل مع حركة طالبان، ليحل محله روبرت أوبراين.

ولم تكن هذه الإقالات والاستقالات وغيرها مجرد خلافات عابرة، بقدر ما هي انعكاس لخلافات عميقة بين من يريد أن يربط الاقتصاد بالقوة العسكرية الأميركية (الدولة العميقة) ومن يريد أن يفكّ الترابط بينهما والاكتفاء بالتفوق السيبراني (ترامب)، بين من يريد المحافظة على مكانة المحكمة العليا ضامنا للديمقراطية والليبرالية والعلمانية (الدولة العميقة)، ومن يريد إضعاف المحكمة لصالح المؤسسات الدينية (ترامب)، بين من يريد المحافظة على الدولة الإدارية (الدولة العميقة)، ومن يريد تفكيكها (ترامب)، بين من يعتبر روسيا هي العدو (الدولة العميقة)، ومن يعتبر الصين هي العدو (ترامب).

ينتج عن هذه الاختلافات بالضرورة تغيير استراتيجي في السلوك الأميركي، الداخلي والدولي، من شأنه أن يغير من موضعة الولايات المتحدة على الخريطة العالمية.

البروتستانت البيض

اللغة الشعبوية التي ميزت خطاب ترامب لا تخرج كذلك عن هذا الصراع، بل هي أحد تعبيراته العنصرية، بين من يريد إبقاء البلاد مكانا للعقول من الجنسيات والأديان والأعراق المختلفة (الدولة العميقة) ومن يريد إعادة النقاء البروتستانتي الأبيض للولايات المتحدة (ترامب). وقد عرّف المستوطنون الأوائل أميركا بلغة العرق والإثنية والثقافة والدين، على ما يقول المفكر الأميركي، صموئيل هنتنغتون، ثم كان عليهم أن يعرفوها في القرن الثامن عشر أيديولوجيا لتبرير استقلالهم عن مواطني بلدهم الأصلي إنكلترا. وظلت هذه المكونات الأربعة جزءا من الهوية الأميركية في معظم القرن التاسع عشر، القرن الذي أنشأ فيه الإنجيليون هيمنة اجتماعية وثقافية للبروتستانتية في الولايات المتحدة، بحيث شمل التأثير البروتستانتي عالم التربية والتعليم الديني، وامتد إلى وسائل الإعلام والجمعيات والحركات المطالبة بالإصلاح الأخلاقي والاجتماعي. وكانت ذروة البروتستانتية شبه المؤسسة بين عامي 1815 ـ 1860، قبل أن تتراجع نتيجة تحدّيات عدة، أهمها تزايد أعداد المهاجرين الكاثوليك.

حاول الإنجيليون الحفاظ على الهيمنتين، الاجتماعية والثقافية، البروتستانتيتين، لمنع الكاثوليك من الهيمنة، لكن تطوّر مؤسسات الدولة والتطور المجتمعي وظهور اقتصاد مفتوح، جعلت المكون الإثني يتسع نهاية القرن التاسع عشر ليشمل الألمان والأيرلنديين والاسكندينافيين. وبحلول الحرب العالمية الثانية، واندماج مهاجرين أوروبيين كثيرين في المجتمع الأميركي، اختفت الإثنية بوصفها مكونا محدّدا في الهوية الوطنية، ليبقى الصراع بين البيض والسود قائما حتى ستينيات القرن الماضي مع إنجازات حركة الحقوق المدنية ومرسوم الهجرة لعام 1965.

بعد إنهاء أزمة السود تلاشى المكون العرقي، وأخذت الهوية الأميركية تعرف بلغة الثقافة والميثاق بحلول سبعينيات القرن العشرين، لكن مشكلة أخرى ظهرت، تتعلق بالمهاجرين الذين ما يزالون يحافظون على هوياتهم السابقة، ولم يندمجوا في الثقافة الأميركية، الأمر الذي دفع صموئيل هنتنغتون عام 2004 إلى تأليف كتاب بعنوان، “من نحن؟”.

من نحن؟

ظهور نزعة تفكيكية تسعى إلى تعزيز مكانة المجموعات الفرعية في المجتمع الأميركي ظاهرة متوقعة بالنسبة لهنتنغتون، لكن الغريب، من وجهة نظره، أن هذه النزعة اللاشعورية عند العامة تحولت إلى نهج سياسي عند القادة السياسيين والحكوميين الذين شجّعوا الإجراءات التي تستهدف إضعاف الهوية الثقافية الميثاقية لصالح الهويات الفرعية، إنها إحدى سوابق التاريخ الإنساني أن يعمد فيه القادة إلى تفكيك الأمة.

لا يقتصر بروز التفكيكية والهويات الفرعية على دور النخب السياسية الحاكمة، بل ثمّة سببان موضوعيان لهذه الظاهرة: أولا، انتهاء الحرب الباردة التي ألغت السبب القوي لإعطاء الأولوية للهوية القومية على حساب الهويات الفرعية الأخرى. وثانيا، الحطّ من المشروعية الرسمية للعرق والإثنية مكونين للهوية القومية في قوانين الحقوق المدنية.

وإذا كان هنتنغتون لم يجب على سؤاله، “من نحن؟”، فقد تطلب الأمر مرور نحو 15 عاما إلى حين وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ليجيب على هذا السؤال. بالنسبة لترامب، تمثل الـ “نحن” فقط الأميركي الأبيض البروتستانتي الإنجيلي، صاحب البلاد الحقيقي والمُنشئ الفعلي لهذه الأمة. أما الآخرون فليسوا سوى دخلاء، سمحت لهم القوانين أن يصبحوا جزءا من المجتمع الأميركي ويتمتعوا بحقوق مدنية وسياسية، وهذه الحقوق بالنسبة لترامب كافية لهم، ولا يجب أن تتطوّر لتصل إلى حد المطالبة بالمناصب العليا في البلاد.

بدأت خطوات ترامب بتضييق الهجرة في الأسابيع الأولى من وصوله إلى الرئاسة، ثم انتقل إلى ممارسة الضغوط على الشركات لمنع توظيف غير البيض، ثم انتقل إلى التهديد بترحيل الطلاب الأجانب، وانتهى بإضفاء الشرعية على ممارسات الشرطة العنصرية بحق السود، أو غيرهم ممن هم ليسوا من البيض. وقد شكلت هذه الخطوات رعبا للديمقراطيين ولسياسيين من الحزب الجمهوري وللمؤسسات الأميركية الحاكمة وللنخبة الأكاديمية وللرأسماليين على السواء. ووفقا لذلك، لم يكن مصادفة أن يصوّت الإنجيليون لصالح ترامب، حيث يلتقون معا في دعم إنفاذ القانون وأمن الحدود، ومعارضة احتجاجات حركة “حياة السود مهمة”، والحذر من المهاجرين، والفهم القومي المسيحي لأميركا.

تقول المؤرخة الأميركية، كريستين دي ميز، المتخصصة في علاقة التيارات المسيحية الأميركية بالشؤون السياسية، إن الإنجيليين المحافظين يرغبون بالقيادة الأبوية، ما يطلق عليه “جزء من خطة الله للبشرية”، وقد أصبح كثيرون يعتقدون أن الرجولة الخشنة التي يغذّيها هرمون التستوستيرون مطلبهم الرئيس لممارسة تلك القيادة في عالم غادر. وقد لعب ترامب على الوتر الديني كثيرا لاستمالة الإنجيليين، من خلال تعيين باولا وايت مستشارة روحية، وهي التي قالت “إن لدى ترامب علاقة شخصية مع الرب يسوع.. وحين أطأ أرض البيت الأبيض، فإن الرب يطأ أرض البيت الأبيض، ولديّ كامل الحق والسلطة لأعلن البيت الأبيض أرضا مقدّسة، لأنني كنت أقف هناك، وكل مكان أقف فيه هو مكان مقدس”.

مع انتهاء مرحلة ترامب، تكون البيريسترويكا الأميركية التي حاول تطبيقها قد انهارت لصالح “الدولة العميقة”، على الأقل مؤقتا، لكن تأثيرات هذه المحاولة ستظل باقيةً بانتظار متغيرات كبيرة قد تعيدها بقوة مرة أخرى على يد شخص آخر.

لقد أظهرت الانتخابات الرئاسية أخيرا انقساما حادا ومتساويا في المجتمع، بحيث لا يجب النظر إلى أرقام المصوتين لترامب ولبايدن من منظور التصويت الانتخابي، وإنما من منظور القضايا الاجتماعية: في الحالة الأولى، تشكل الملايين الخمسة الفارقة بين ترامب وبايدن رقما كبيرا في لغة الانتخابات، لكنها تشكل تساويا في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا هو السبب الذي دفع صحيفة واشنطن بوست إلى القول إن “الترامبية فكرة لا تموت ولو فاز بايدن”، والذي دفع كاس موده وكريستوبل كالتواس إلى القول إن تأثير حركة “حزب الشاي”، التي دعمت ترامب عام 2016، سيبقى قائما.

وإذا كانت نهاية الحرب الباردة سببا في غياب الهوية القومية أو إضعافها، كما ذكر أعلاه، فإن البحث عن عدو خارجي قد يبدو ضروريا للولايات المتحدة في مرحلةٍ ما، وسيكون من المفارقة أن الديمقراطيين هم من سيعلنون الحرب على العدو المقبل، لا الجمهوريين، بسبب رغبتهم في توحيد الأميركيين أمام عدو خارجي، سيكون له الفضل في إعادة تفعيل بوتقة الصهر الثقافية للأميركيين.

العربي الجديد

——————————-

الوجود الأمريكي المعقد في سوريا/ مزن مرشد

بات محسوماً للجميع أن لا نية للإدارات الأمريكية المتلاحقة حتى الآن، بإزاحة الأسد من حكم سوريا، ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض نقف أمام سؤال ضروري: هل سينجح في جعل النظام السوري يتغير؟ في خضم التدخل الأمريكي العسكري في سوريا، فإن أعداد الجنود الأمريكيين المتواجدين على الأرض السورية، يعتبر الأقل مقارنة بأعداد القوات الإيرانية، والتركية وحتى أقل من عناصر ميليشيا حزب الله، ولكنه يتمركز في مناطق النفط، ويفرط سيطرته الكاملة على كامل إنتاج الآبار، مانعاً على النظام استخدام عائدات النفط السورية في حربه ضد الشعب السوري، ولضمان عدم وقوعه في يد داعش واستمرار محاربة التنظيم في ذات الوقت. وبالطبع تدخل روسيا دائماً على خط الصراع، محاولة الوقوف على الجهة المقابلة لأمريكا، في محاولة إثبات نفسها كوريث للقطب السوفيتي الند للولايات المتحدة في الحرب الباردة منذ منتصف القرن الماضي، فتلعب دور تعديل كفتي الميزان، في ضبط الضغط على النظام من قبل أعدائه- حلفاؤها في ذات الوقت- وتتأرجح تركيا بين الحليف الروسي صديق النظام، والذي ترتبط به بعلاقات اقتصادية وعسكرية جيدة، لا سيما شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400، والذي لم يلق قبولًا من قبل حلف الناتو -الذي يضم تركيا- وحليفها الأمريكي عدو النظام، فهل هي صديق أو عدو كونها في المنتصف بين الروس والأمريكان؟ وهكذا تهيمن الولايات المتحدة على عدة مواقع لحقول النفط والغاز في سوريا، وتدعم قوات سوريا الديمقراطية، وتخلصت بمساعدتهم من داعش في منطقة الجزيرة، لتتمركز شرق الفرات.

كل ما يتعلق بسوريا والعراق يكتسب أهمية متزايدة بالنسبة لأمريكا، فقط في مواقع النفط، ولا تُعنى الإدارة الأمريكية بشؤون الثورة، أو مطالب الشعب، أو مجازر النظام، رغم كل ما يمكن أن يصدح به الإعلام الأمريكي.

والآن ونحن على مشارف نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب الذي توسمنا به خيراً، في مساعدة الشعب السوري بالخلاص من النظام، نستطيع أن نجزم أن فترته كانت فترة أقوال لا أفعال، وأنه لم يحرك ساكناً في سياسته ضد النظام، أما قانون قيصر والعقوبات فهي جزء من سياسة مؤسسة الرئاسة ولا ترتبط بشخص، ومع ذلك لا تكفي للإطاحة بالأسد وإنهاء الصراع في المدى المنظور.

في شهر كانون الثاني /يناير من العام الجديد 2021 سيبدأ الرئيس الأمركي المنتخب أعماله، ونحن كالعادة منتظرون كيف ستكون إدارته للملف السوري… بدأنا نتلمس أطراف خيط مضيء من أمل، خاصةً بعد طرح مجلس النواب الأمريكي مشروع قرار جديد يرسم السياسة المقبلة لإدارة الرئيس المنتخب اتجاه سورية.

وأول خطوة في مشروع هذا القانون هو عدم الاعتراف بنظام الأسد كحكومةٍ سورية شرعيّة، أو الاعتراف بحق بشّار الأسد في الترشح في أيّة انتخابات مستقبلية في سورية، وهذا جيد -إن أُقر القانون سريعاً ونُفذ أيضاً- إضافة إلى فرض عقوبات قصوى لم يشهدها النظام حتى الآن، ليس فقط على نظام الأسد، بل على المصارف التي تربطها علاقات مع الأسد في لبنان والأردن والإمارات والخليج والصين وأية دولة أجنبية أخرى تقدم أي مساعدة للنظام السوري.

أما ما يهمنا في جوهر المشروع فهو أن يؤدي بالسياسة الأمريكية إلى الإطاحة بالأسد، ودعم السوريين في تحقيق هذا الأمل، بعيداً عن العقوبات والخطوط الحمراء والضربات الخلبية التي شبعنا منها في السنوات العشر الماضية. ولم ننس بالطبع أن جو بايدن شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي رسم خطوطاً حمراء لنظام الأسد، تجاوزها الأخير بكل بساطة باستخدام السلاح الكيماوي، دون أي رد فعل من قبل الإدارة الأمريكية.

وتغيب تصريحات بايدن عن الإعلام الأمريكي حول نواياه فيما يخص سياسته في سورية، لكن من الواضح أنه يدرك أخطاء أوباما جيداً بتمييع التعاطي مع الحرب السورية، ويدرك ضرورة إصلاح نهج الولايات المتحدة تجاه سورية.

وهذا تماماً ما ذكرته صحف أمريكية بأن إدارة بايدن تعد بالانخراط في قضية سورية دبلوماسياً، وستزيد الضغط على الأسد وتمنع الدعم الأمريكي لإعادة إعمار سورية حتى يوافق الأسد على وقف فظائعه وتقاسم السلطة.

ويبقى الوقت عدو السوريين الأول، وصديق موتهم، فقانون قيصر استغرق خمس سنوات من التداول والدراسة حتى أقر أخيراً. ولا ندري كم نحتاج من وقت لنرى تأثيره الحقيقي على النظام. فلم نشاهد حتى الآن إلا المزيد من التردي الاقتصادي الذي يهدد السوريين بمجاعة حقيقية على الأبواب، ولم يتأثر النظام ولو ظاهرياً، ففي العراق مثلاً استمرت العقوبات الأمريكية لثلاثة عشر عاماً، بما عرف “النفط مقابل الغذاء” تردت خلال تلك السنوات أوضاع العراقيين، وسادت الفوضى والتفجيرات، واستمر القتال ولم يسقط صدام حسين، إلا حين قرر بوش الابن اقتلاعه، فاقتلعه بيد، وسلم البلاد لإيران باليد الأخرى، وهذا ما لا نريده بالتأكيد، فخروج إيران من بلادنا مطلباً موازياً لمطلبنا برحيل الأسد، واليوم سوريا في مرحلة العقوبات.

ثلاث فترات رئاسية أمريكية منذ بداية الثورة السورية، تقاسمها أوباما وترمب، كلاهما حاول أن يؤثر بالملف السوري، وكلاهما استخدمه كورقة انتخابية، الأول عقد صلحاً مع إيران، مطلقاً يدها في سوريا، سواء بقصد أم بغير قصد، والثاني ضرب الأسد ضربة ًأشبه بكف خفيف على يد ولد شقي، متباهياً بضربته، وسحب بعض قواته من البلاد محافظاً على تواجده في مناطق النفط فقط، وبقيت سوريا في مشهد سوريالي لبلد مقسم بين قوات غريبة، يرأسه سفاح.

ويبقى السؤال قائماً: هل سيستطيع بايدن إخراج إيران والميليشيات المتعددة الجنسيات من سورية، والإطاحة بالأسد؟ وهل سيكون مشروع هذا القانون المطروح في الكونغرس نافذاَ قبل أن ينقرض السوريون؟ هو عامل الوقت إذاً … الوقت فقط، هو المقياس اليوم بتحديد الصديق من العدو.

“زمان الوصل”

——————————-

حصاد إدارة ترامب في الشرق الأوسط/ عريب الرنتاوي

أيام معدودات، قبل أن تطوي الولايات المتحدة، صفحة لتبدأ أخرى…هنا والآن، في الشرق الأوسط، تجد عواصم المنطقة، نفسها في “مراجعةٍ” لحصاد أربع سنوات لدونالد ترامب في البيت الأبيض، وتسعى لاستشراف ما تُخبئه السنوات الأربع القادمة، لولاية بايدن – هاريس…على أن السؤال الأبرز الذي ما انفكّ يطرق العقول والأذهان: هل باتت المنطقة أقرب للسلام مما كانت عليه قبل أربع سنوات، كما يفترض فريق ترامب الخاص بالشرق الأوسط؟…وما الذي يعنيه بعض أركان هذا الفريق، بحديثهم عن حاجة المنطقة، لـ “قيادة أمريكية قوية”، كما ورد مرارا على لسان جارد كوشنر؟

إن كانت إيران، هي التحدي الأبرز الذي واجه إدارة ترامب، وتحديدا بعد قرارها الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي، فإن ثمة ما يشبه الإجماع بين المراقبين والخبراء في الإقليم، على أن سياسة “الضغوط القصوى” لم تعط أكلها، برغم شدتها وشمولها وقسوتها المفرطة…لم يهرع أي مسؤول إيراني إلى هاتفه للاتصال بالبيت الأبيض، والمكالمة التي انتظرها الرئيس بفارغ الصبر، لم تحدث أبدا…وكلما طال الانتظار، قلَّ صبر الرئيس، ولجأت إدارته إلى التوسع في العقوبات والاغتيالات، ولكن من دون جدوى…”القيادة الأميركية القوية”، لم تنجح في طي صفحة الملف النووي الإيراني، بل زادته تعقيدا، ولم تَحُل دون طهران وتعزيز دورها الإقليمي، فيما برنامجها الصاروخي، “المثير للقلق”، لم يتوقف لحظة عن العمل.

وليس أفضل من جيمس جيفري، عند عرض “حصاد” سنوات أربع من السياسة الأميركية في سوريا: لم يُقض على “داعش” و”الإرهاب…لم يُنه الوجود الإيراني في سوريا…لم تنجح جهود إرغام موسكو وطهران على ممارسة ضغوط على نظام الأسد، لدفعه للانخراط في عملية سياسية ذات مغزى…ما الذي تحقق إذن، غير إفساح المجال للاعب آخر، مثير للقلق، للدخول على مسرح الأزمة السورية: تركيا، بأحلامها وطموحاتها المعروفة، وأدواتها الخشنة، من ميليشيات وأصوليات وحرب لا هوادة فيها على القضية الكردية.

وما دمنا في الملف السوري، فإن قرار إدارة ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وزيارة بومبيو للهضبة، شجع حكومة نتنياهو على التوسع في زرع المستوطنات والمستوطنين، وتطوير خطط طموحة لإسكان ربع مليون إسرائيلي في الهضبة خلال السنوات القادمة…صفحة السلام بين إسرائيل وسوريا، طويت إلى الأبد، فما من حكومة أو حكم في سوريا، سيكون بمقدوره إقامة سلام مع إسرائيل، من دون استرداد الجولان، حتى وإن أمكن لواشنطن، زرع نظام مطواع وموال لها في دمشق.

في الملف الفلسطيني، كادت “صفقة القرن” أن تُفضي إلى “انهيار السلطة”، أحد طرفي معادلة السلام والازدهار، ولو قُيّض لإدارة ترامب أن تحظى بولاية ثانية، لكان “سيناريو الانهيار” يقرع أبوابها هذه الأيام…السلطة على ضعفها وعجزها، لم تخضع لضغوط إدارة ترامب وإغراءات “سلامها الاقتصادي”…ولو أفسح في المجال أمام حكومة اليمين في إسرائيل، لترجمة بقية بنود الصفقة، لكان الإعلان عن دفن حل الدولتين، قد صدر منذ أشهر، ولكان الفلسطينيون، ومن خلفهم الأردن والأردنيون، يحصدون اليوم، الأشواك التي ستنمو كالنبت الشيطاني على هامش الاعتراف بالقدس “الموحدة” عاصمة لإسرائيل، وضم ما يقرب أو يزيد عن ثلاثين بالمئة من مساحة الضفة الغربية…ولعل هذا ما يفسر مشاعر الارتياح والانتشاء، التي اجتاحت عمّان ورام الله، ما أن أعلنت وسائل الإعلام الأميركية عن فوز بايدن بالرئاسة الأميركية.

أما في الحقل، الذي تفاخر إدارة ترامب، بإنجازاتها “التاريخية” فيه، والمقصود به حقل “التطبيع” بين بعض العرب وإسرائيل، فذلكم ملف آخر، “مفخخ” بدوره، ويضع المنطقة على عتبات مرحلة جديدة، من التوتر والتصعيد، بدلا من السلام والازدهار، إن لم يكن بين إسرائيل و”الدول المطبعة”، فبين هذه الدول وجيرانها، أو بين قادتها وشعوبهم، ولنأخذ نماذج ثلاثة لتوضيح ما نود قوله:

ولنبدأ من السودان، حيث أصرت إدارة ترامب على الزج بشرط التطبيع لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مع أن الملفين منفصلين ولا صلة لأحدهما بالآخر…السودان، تحت قيادة البرهان / حميدتي قطع شوطا على هذا الطريق، ومن المرجح أن يُرفع اسمه من تلك القائمة، باهظة الكلفة…لكن العلاقة لن تستقر بعد ذلك، بين جناحي الحكم الانتقالي، المدني والعسكري…جنرالات الجيش و”الجنجويد”، باتوا يستشعرون “فائض قوة”، يمكنهم من الانقضاض على “المرحلة الانتقالية” بكل عناوينها وأهدافها ومؤسساتها، فلم يكن رفع اسم بلادهم من القائمة المذكورة، هو الهدف الأوحد، أو حتى الأسمى، لعسكر الخرطوم، بل الحصول على “بوليصة تأمين”، تمكنهم من البقاء في سدة الحكم…التطورات في الخرطوم تدفع على القلق، البرهان يحمل على الحكومة ومجلس السيادة، توطئة لتعزيز قبضة الجيش على الحكم، والجنرالات يرفضون تشكيل مجلس تشريعي انتقالي، بأغلبية مدنية كما نصت الوثيقة الدستورية، وهو يروجون لمجلس “الشركاء” بديلا عنه، حيث سيكون بمقدورهم التعدي على صلاحيات الحكومة والحد من نفوذ التيار المدني…ثورة الشعب السوداني، تتعرض لانقلاب عسكري متدحرج، ينفذه جنرالات “لاذوا بالتطبيع” كشبكة أمان، وضمنوا دعم إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، حتى أن تقارير إسرائيلية، تحدثت عن قيام اللوبي الإسرائيلي في واشنطن بالعمل لصالحهم لتسريع رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتوفير “حصانة سيادية” له…السودانيون يسددون ثمن التطبيع من “كيس” حقوقهم ومستقبل ثورتهم ومصائر انتقالهم الديمقراطي، فأي سلام ذاك الذي يبشر بها فريق ترامب، بين دولتين لا حرب بينهما، وأية “قيادة قوية” تلك التي تحتاجها المنطقة؟

ولنمر بدول خليجية، قيل لها أن “التطبيع مع إسرائيل” هو أقل “هدية” يمكن تقديمها لإدارة ترامب بالنظر لما حظيت به أنظمتها من دعم وإسناد في قمعها لشعوبها، أو في مغامراتها خارج حدودها…وقيل لها كذلك (من بومبيو وكوشنر مؤخراً)، بأن التطبيع هو تذكرة عبورها الأهم، لإدارة بايدن في حال تأكد فوزها في الانتخابات…لا أحد في فريق ترامب، أبدى اهتماما بوقف الحرب على اليمن، أو محاسبة مقترفي جرائم الحرب هناك…لا أحد يُسائِل المسؤولين في واشنطن عن التحريض على “حصار قطر”، وتداعياته السياسية والأمنية والإنسانية…لا أحد فكّر بمحاسبة المسؤولين عن مقارفة واحدة من أبشع الجرائم ضد الصحافة والصحفيين في قنصلية إسطنبول…لا أحد انتصر جديا لناشطات حقوقيات سلميات، يحاكمن اليوم، وفقا لقانون “محاربة الإرهاب”…ما الأثمان التي دفعتها، وستستمر في دفعها، شعوب هذه الدول، ودائما على “مذبح التطبيع”، الذي بات مبتدأ الجملة الأميركية وخبرها، طيلة عهد إدارة ترامب؟

وصولاً إلى المغرب، والقرار الأميركي الأخير الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية، نظير تطبيعها مع إسرائيل، من دون أن يجهد أي مسؤول أميركي في شرح الرابط بين المسألتين، بل ومن دون اكتراث لا بالقانون الدولي ولا بالأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي…المهم أن تقبل الرباط بالتطبيع مع إسرائيل، الذي يسمى “سلاما”، ومرة أخرى بين دولتين لا حرب بينهما، حتى وإن أدى “سلام” كهذا، إلى تصعيد حدة التوتر، وزرع بذور مواجهات جديدة بين الجزائر والمغرب، أو بين المغرب وجبهة بوليساريو…السلام مع إسرائيل مطلوب حتى وإن كان ثمنه حرب مع الجوار…أي سلام “هنا” ذاك الذي سيتسبب في قرع طبول الحرب “هناك”؟…لو أن السلام هو غاية الإدارة وهدفها، لكانت رمت بكامل ثقلها خلف المبادرات الأممية والأفريقية للوصول إلى حل توافقي لأزمة الصحراء، واستنقاذ أمن المنطقة المغاربية واستقرارها.

حين تنظر الإدارة للإقليم على اتساعه، بعين واحدة، وحين يجري معالجة مختلف ملفات المنطقة الملتهبة، من منظور “اليمين الإسرائيلي” فقط، فمن الطبيعي أننا سنكون أمام “فِيَلة في حوانيت الزجاج والخزف”، وليس أمام موفدي سلام ورسل حل نزاعات…حصاد السنوات الأربع الفائتة، كان وبالا على المنطقة، وآثاره لن تزول قريبا، وقد لا تزول أبدا…يكفي أن صورة “الدولة الأعظم”، ومنظومتها القيمية والأخلاقية (الديمقراطية وحقوق الإنسان) قد أصيبت في مقتل، هيهات أن تنجو منه، لسنوات، وربما لعقود قادمة.

———————————-

دول الشرق الأوسط تحضّر لانسحاب أميركا/ هشام ملحم

تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وآخرها المغرب في الأسبوع الماضي له أسباب مختلفة، تتراوح وتتباين بين دولة عربية وأخرى. في حالة كل من المغرب والسودان كانت هناك مكافآت هامة: موافقة واشنطن على سيادة المغرب على الصحراء الغربية، ومكافأة السودان بحذف اسمه عن قائمة الإرهاب وإنهاء مطالب مواطنين أميركيين بتعويضات مالية لأن عنف تنظيم القاعدة طال أفراد من عائلاتهم حين كان أسامة بن لادن مقيما في السودان، ولحاجة السودان لدعم مالي أميركي.

ولكن هناك سبب أهم، نادرا ما يناقش علنا، وهو قلق بعض حلفاء واشنطن في المنطقة مثل إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر وغيرها مما تراه هذه الدول عن حق، الانسحاب الأميركي البطيء والتدريجي العسكري وحتى السياسي من المنطقة الممتدة من جنوب آسيا، مرورا بالخليج وشرق المتوسط ووصولا إلى شمال أفريقيا. هذه الدول وفي طليعتها الإمارات وإسرائيل وتقف ورائها دول مثل السعودية ومصر تقوم الآن بإنشاء تحالفات سياسية واستخباراتية وعسكرية فيما بينها لمواجهة خصوم وأعداء مزمنين مثل النظام الإسلامي في إيران، وخصوم وأعداء جدد مثل تركيا وقطر والحركات الإسلامية والجهادية المتطرفة المتعاونة معها.

في حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو في الواقع إعطاء الغطاء الدبلوماسي لعلاقات موجودة على الأرض منذ سنوات بين البلدين وخاصة في مجال التعاون الاستخباراتي. أما في حالة المغرب، فالعلاقات تعود لعقود طويلة وهي تغطي مختلف المجالات الاستخباراتية والاقتصادية والثقافية، وهذه العلاقات متطورة أكثر بكثير من علاقات مصر وإسرائيل على سبيل المثال. وحين الإعلان عن إنشاء إسرائيل في “فلسطين التاريخية”، كان هناك أكثر من 250 ألف مواطن مغربي يهودي، شكلّوا جزءا من النسيج الإنساني والثقافي والسياسي المغربي. ولكن الأكثرية الساحقة منهم هاجرت في العقود اللاحقة إلى إسرائيل، حيث يصل عدد الإسرائيليين المتحدرين من يهود المغرب أكثر من 700 ألف نسمة.

ولليهود في المغرب جذور عميقة تعود لقرون قبل الفتح العربي. آخر موجات المهاجرين اليهود الى المغرب جاءت من الأندلس في أعقاب دورات الاضطهاد الدموي التي تعرضوا لها على أيدي مختلف القادة الكاثوليك خلال الفترة الطويلة المسماة: Reconquista، أي “إعادة غزو” الأندلس، أو حرب “استرداد” الأندلس من العرب والبربر واليهود، والتي انتهت في 1492 بطرد ما تبقى من اليهود والعرب والمسلمين من إسبانيا.

ولهذه الأسباب فإن “تطبيع” العلاقات بين المغرب وإسرائيل يختلف جذريا عن تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل. توقيت الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين المغرب وإسرائيل، يعود لموافقة الرئيس دونالد ترامب على الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ انسحاب إسبانيا من مستعمرتها السابقة في 1976. اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، والذي يتنافى مع سياسة مختلف الإدارات الأميركية منذ بداية النزاع والتي احترمت قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى تنظيم استفتاء شعبي في المنطقة لتقرير مصيرها، مماثل لاعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة والذي يتناقض مع أسلافه من الحزبين لأن الجولان وفقا للقانون الدولي، أرضا سورية احتلتها إسرائيل في حرب 1967.

مخاوف أصدقاء وحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط من المضاعفات البعيدة المدى للانسحاب الأميركي التدريجي من المنطقة، تأكدت أكثر عقب قرارات الرئيس ترامب الأخيرة بسحب نصف عديد القوات المنتشرة في أفغانستان، على أن يتم سحب جميع القوات في منتصف 2021 إذا تم التوصل إلى اتفاق في المفاوضات بين حركة طالبان والحكومة في كابل، والتي ترعاها واشنطن.

كما خّفض ترامب من عديد القوات المنتشرة في العراق، ولاحقا أعلن عن سحب جميع القوات الأميركية تقريبا من الصومال. وكان ترامب يريد سحب جميع القوات الأميركية من سوريا، ولكنه عدل عن ذلك حين تم إقناعه بأن هذه القوات تحرس بعض آبار النفط، ولهذا السبب قال في السنة الماضية إن القوات باقية باسم السيطرة على النفط.

الانسحاب الأميركي السياسي (والاستخباراتي) من سوريا خلال الولاية الثانية لباراك أوباما، خلق فراغا كبيرا سارعت موسكو إلى ملئه عسكريا في 2015، ولحقتها تركيا في السنتين الماضيتين حين اجتاحت مناطق واسعة شمال سوريا للقضاء على التنظيمات الكردية المسلحة التي لعبت دورا بارزا في قهر تنظيم ما سمي بـ”الدولة الإسلامية” (داعش) وضد طموحات الأكراد السياسية بالحكم الذاتي او الاستقلال. كذلك الانسحاب الأميركي السياسي والعسكري من ليبيا، أيضا خلال ولاية الرئيس أوباما، خلق فراغا مماثلا سارعت روسيا وتركيا إلى ملئه، ما دفع بالإمارات ومصر لتعميق تورطهما في ليبيا لردع تركيا. وسوف يؤدي الانسحاب الأميركي من الصومال إلى توسيع دائرة التنافس العسكري بين تركيا التي بنت لقواتها قواعد جوية وبحرية، وبين دولة الإمارات التي لها أيضا وجود عسكري على الأرض في الصومال. ولتركيا اليوم قواعد عسكرية في مياه الخليج، في قطر، وفي البحر الأحمر، وفي البحر المتوسط، وذلك للمرة الأولى منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية.

وتقوم دولة الإمارات بمواجهة تركيا سياسيا وعسكريا في ليبيا والصومال، وهي مع إسرائيل ومصر تواجه نفوذ وسياسيات الترهيب التي تعتمدها تركيا تجاه قبرص واليونان في النزاع معهما حول التنقيب عن مصادر الغاز في البحر المتوسط في مناطق تعتبرها قبرص واليونان تابعة لهما. في سوريا تتدخل إسرائيل عسكريا بشكل دوري عبر غاراتها على القوات الإيرانية وقوات حزب الله التي تعمل تحت مظلتها.

قبل نهاية ولايته، طلب الرئيس السابق أوباما من جميع دول الخليج أن يشاركوا المنطقة فيما بينهم، كما طلب من دول الخليج العربية أن تتحمل المزيد من مسؤولية حماية أمنها. هذا الموقف، استخدمته السعودية ودولة الإمارات على أنه موافقة أميركية على تصعيد العمليات العسكرية ضد تنظيم الحوثيين في اليمن الذي احتضنه النظام الإسلامي في طهران ودعمه بالسلاح بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون بشكل عشوائي ضد العمق السعودي.

في البداية، ساعدت إدارة أوباما، ولاحقا إدارة ترامب في الحرب ضد الحوثيين من خلال توفير المعلومات الاستخباراتية عن الحوثيين ومن خلال الدعم اللوجستي للطيران السعودي الذي ساهمت غاراته العشوائية بقتل الآلاف من المدنيين، ومن بينهم عدد كبير من الأطفال. الإدارة الرديئة للحرب في اليمن ساهمت في إطالة معاناة اليمنيين لأكثر من 5 سنوات، وهي مسألة كان يمكن للولايات المتحدة أن تمنعها لو تدخلت بشكل فعال ولم تترك الفراغ الذي لم تستطيع الدول التي تهددها حركة الحوثيين وإيران ملئه بفعالية.

عملية الانسحاب الأميركي البطيء من المنطقة بدأت خلال ولاية الرئيس أوباما، وهي سياسة أراد ترامب أن يكملها بسرعة أكثر، لو لم يجد معارضة من وزارة الدفاع والأهم من الجمهوريين في الكونغرس. أوباما تحدث عن ضرورة “التحول” إلى شرق آسيا، المنطقة الأهم للولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا، بمعنى التصدي للنفوذ الصيني المتزايد ولسياسات الصين العدائية، تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة.

لا أحد يتحدث عن انسحاب أميركي كامل من المنطقة، ولكن ما هو واضح ومؤكد أن تخفيض الوجود العسكري في المنطقة سوف يستمر بغض النظر عن الحزب الحاكم في البيت الأبيض في السنوات المقبلة. وهناك إرهاق أميركي من أطول حربين في تاريخ الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وهناك معارضة متنامية للكلفة المالية لهذا الوجود العسكري الواسع، الذي لم يعد مبررا باسم حماية المنطقة من طرف خارجي كما كان الحال خلال وجود الاتحاد السوفياتي. كما أن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج لم يعد مسألة حيوية واستراتيجية لأن الولايات المتحدة أصبحت الآن الدولة الأكثر إنتاجا للطاقة في العالم. وعلى سبيل المثال صدّرت السعودية خلال شهر أكتوبر 73 ألف برميل نفط في اليوم فقط إلى المصافي الأميركية، وهي أقل كمية نفط تصدرها إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود. نفط الخليج لا يزال مهما لحلفاء واشنطن، ولكنه فقد أهميته الاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة.

أخطأت الولايات المتحدة عندما تصرفت بعنجهية وفوقية حين سعت إلى تغيير الأنظمة المارقة في المنطقة، وبناء الديمقراطية الجيفرسونية على ضفاف نهري دجلة والفرات وفي دول أخرى في المنطقة. ولكن بدايات الانسحاب من المنطقة خلال ولاية الرئيس السابق أوباما، والتجاهل المطلق لحقوق الإنسان كما رأيناه خلال ولاية الرئيس ترامب، كان له انعكاسات سلبية. لا التشدد في الإملاءات السياسية، ولا الحضور العسكري المكثف والخانق يخدم مصالح الولايات المتحدة وأصدقائها في المنطقة. تخفيض الحضور العسكري الضخم هو أمر ضروري سياسيا وعسكريا وماليا، ولكن ذلك يجب أن يتم بطريقة تأخذ بعين الاعتبار عدم خلق فراغ أمني يستغله أعداء الولايات المتحدة. كما أن ترك أمن المنطقة كليا لدولها، لا يعني أن هذه الدول سوف تتصرف بحكمة ولن تدخل في مغامرات وتحالفات عسكرية مكلفة. هذه هي الحقائق العسكرية والسياسية المعقدة التي ستواجهها إدارة الرئيس جوزف بايدن في الشرق الأوسط.

———————————

======================

تحديث 16 كانون الأول 2020

———————————–

هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟/ روبرت فورد

أفاد مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأميركية أمام إحدى لجان الكونغرس في الأسبوع الماضي، بأن الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، وانسحاب القوات الإيرانية من هناك، مع الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، باتت جميعها في «متناول الأيدي». وعندما فكرت ملياً فيما قاله ذلك المسؤول الكبير، مع مقارنة ذلك مع المقابلات الصحافية التي أجريت مع زميلي الأسبق السفير جيمس جيفري الذي تقاعد لتوه من مهام منصبه، فإنني أرى ضغوطاً متزايدة في الوقت الذي لا ألمس فيه أي إنجازات تساعد الجانب الأميركي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء.

وصرح مسؤولان أميركيان بصورة غير مباشرة بأن الوجود العسكري الأميركي في شرق سوريا لم يعد في حقيقة الأمر يتعلق بمحاربة تنظيم «داعش» كما هو معلن. فلقد قال السيد جيفري بكل وضوح: «لقد أسقطنا (داعش) ولم نغادر أماكننا هناك». ولا تزال القوات الأميركية تسيطر على حقول النفط السورية الصغيرة في محافظتي الحسكة ودير الزور في شرق سوريا من أجل مواصلة الضغوط المالية على حكومة بشار الأسد في دمشق، كما ترغب الحكومة الأميركية من الميليشيات الكردية السورية التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» أن تستفيد من العائدات النفطية هناك. فهل تلاحظون حالة عدم الالتزام السياسية لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب في دعم وتمويل قوات سوريا الديمقراطية؟

ومما يُضاف إلى ذلك، صرح الفريق الرئاسي التابع للرئيس ترمب بأن العقوبات الدولية على النظام السوري، بما في ذلك «قانون قيصر» للعقوبات الأميركية، تزيد من وطأة الضغوط الاقتصادية على النظام السوري مما يعتبر مؤشراً واضحاً على النجاح الأميركي هناك. ولا أفهم – في حقيقة الأمر – لماذا يعتبر اصطفاف المواطنين السوريين في طوابير طويلة ومرهقة من أجل شراء الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والوقود من إنجازات ونجاحات الولايات المتحدة، فإن كان الغرض من وراء ذلك هو إجبار بشار الأسد على تقديم تنازلات، فإن الحقيقة تعكس بوضوح أنه لا يزال يرفض تنفيذ الإصلاحات السياسية الجادة. وفي نهاية الأمر، فإن نظام الأسد وزمرته الفاسدة لا يمكنهم بحال قبول إملاءات الإصلاح والمساءلة. وتأمل الحكومة الأميركية في أن ينبع التغيير من داخل النظام السوري نفسه. غير أن انسحاب رامي مخلوف من الزمرة السورية المقربة من الرئيس ينبغي أن يعتبر درساً واضحاً تتلقاه واشنطن. وفي نهاية الأمر، فإن الطوابير الطويلة من أجل شراء الخبز تعني المزيد من معاناة المدنيين السوريين، ولكن مثل هذه الصفوف الممتدة لا تعني أبداً أن هناك صفقة سياسية وشيكة أو انتصاراً أميركياً بات «في متناول الأيدي»!

تساند أغلب الطبقة السياسية في واشنطن فرض العقوبات على النظام السوري، غير أنهم يسارعون في نفس الوقت إلى الزعم بأن العقوبات الاقتصادية غير ذات تأثير على المدنيين السوريين العاديين. وبطبيعة الحال، فإن سوء الإدارة الاقتصادية هي من المشكلات السورية العريقة، بيد أن العقوبات الأميركية تزيد من وطأة المشاكل الاقتصادية على المواطنين السوريين وتحيل أوضاعهم المعيشية من سيئ إلى أسوأ. أولاً، تحول تلك العقوبات تماماً دون الاستثمار في البلاد. وفي غياب المشاريع الجديدة وإعادة البناء والإعمار، لن يتمكن المواطن السوري العادي من العثور على وظائف جديدة، فضلاً عن تدهور الخدمات الرئيسية المهمة مثل المياه والكهرباء. ثانياً، تعيق العقوبات الأميركية التجارة في البلاد مع عرقلة قدرة الحكومة السورية على تلقي القروض الأجنبية ورؤوس الأموال اللازمة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية مع رفع أسعار الواردات الأساسية مثل النفط والمواد الغذائية. ينبغي على المعسكر المؤيد للعقوبات الاقتصادية في واشنطن أن يلتزم المصداقية بأن العقوبات تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية. إذ تعكس التقارير الواردة في الصيف الماضي عن منظمة «أوكسفام» البريطانية للمساعدات الإنسانية وعن البروفسور جوزيف ضاهر، أن العقوبات الاقتصادية تُرهب المصارف حتى تُحجم عن المجازفة بتحويل الأموال لصالح مشاريع المساعدات الإنسانية في سوريا.

ماذا عن تنظيم «داعش» الإرهابي؟

مما يؤسف له، هناك فجوة كبيرة في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة «داعش» في سوريا. فلقد أصبح التنظيم الإرهابي أكثر ضعفاً ووهناً إلى شرق الفرات الذي تسيطر عليه القوات الأميركية وشركاؤهم من قوات سوريا الديمقراطية. وبلغ الضعف بذلك التنظيم أنه لا يستطيع السيطرة على الأراضي هناك، وذلك وفقاً إلى تقرير صادر عن مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية في الشهر الماضي. (وهكذا يستمر وجود القوات الأميركية في سوريا ليس لحماية حقول النفط من عناصر (داعش) فحسب، وإنما للحيلولة دون استيلاء الروس ونظام بشار الأسد عليها). ومع ذلك، فإن قوات «داعش» إلى غرب الفرات هي أقوى من شرقه، وتواصل شن الهجمات على القوات الموالية لبشار الأسد هناك، حتى أن عناصر التنظيم الإرهابي نجحت في اغتيال جنرال روسي كبير في منطقة الجزيرة في شهر أغسطس (آب) الماضي.

إذا كان وجود «داعش» إلى شرق الفرات يمكن أن يشكل تهديداً ضد المصالح الغربية في المستقبل، فإن قوات التنظيم الأقوى إلى غرب الفرات تشكل مثل هذا التهديد سواء بسواء. وليس لدى الحكومة الأميركية من رد واضح على هذا التحدي. ويفيد تقرير مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية بأن القوات العسكرية الموالية لنظام الأسد قد رفعت من معدلات العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في الصيف الماضي. ومن المفارقات الواضحة أن العقوبات الاقتصادية الأميركية تقلل من الموارد المتاحة أمام الحكومة السورية لمحاربة تنظيم «داعش».

كما يواصل النظام السوري أيضاً الهجوم على محافظة إدلب مع مقتل المزيد من المدنيين السوريين بصورة يومية. إنه نظام وحشي مسؤول عن الكثير من جرائم الحرب والمجازر المدنية. ولكن، ليس هناك في سوريا ما يمكن وصفه باليسير أو البسيط. ففي نهاية الأمر، تؤدي الإجراءات الأميركية الرامية إلى إجبار نظام الأسد على تقديم التنازلات السياسية ووقف الهجمات على المدنيين إلى إلحاق المزيد من الأضرار بالمدنيين السوريين أنفسهم، فضلاً عن تعقيد مجريات القتال ضد التنظيم الإرهابي هناك.

مع بدء فريق الرئيس المنتخب جوزيف بايدن في العمل اعتباراً من الشهر المقبل، فإنهم في حاجة إلى التفكير العميق في حقيقة الأولويات الأميركية في سوريا، والآثار المترتبة على سياسات إدارة الرئيس ترمب هناك، وحقيقة ما يمكن – وما لا يمكن – للولايات المتحدة إنجازه على أرض الواقع في سوريا.

* خاص بـ«الشرق الأوسط»

——————————-

صورة ترامب الأخيرة/ وائل السواح

.. وإذن، بغض الطرف عن محاولات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وفريقه اليائسة، لوقف عجلة التاريخ ومنع تنصيب الرئيس المنتخب، جو بايدن، في 20 يناير/ كانون الثاني، فالحقيقة الثابتة أن ترامب سيغادر في ذلك التاريخ إلى بيته الجديد في فلوريدا، ليلعب الغولف، ويستعيد لحظاته السعيدة في البيت الأبيض. وسيذكر التاريخ ترامب واحداً من أكثر الرؤساء الأميركيين استهتاراً بمنصب الرئاسة، ويصوّره شخصاً قدّم مصالحه الشخصية على مصلحة الوظيفة والأمة والعالم. وسيُذكَر ترامب دوماً باعتباره الرئيس الذي شجّع العنصرية والتطرّف اليميني، ومنعَ مواطني سبع دول من القدوم إلى الولايات المتحدة فقط لأنهم مسلمون، وأنه أمضى كلّ يوم من أيام حكمه يحاول تقويض التأمين الصحي لملايين الأميركيين الذين لا تأمين لهم، وحارب المناخ بكل قوته إكراماً لشركات الطاقة الأحفورية، وصادق طغاة العالم، وأسهم في دفع موجة من القادة الشعبويين على غراره في كلّ العالم.

ولكن الأميركيين سيتذكرون أيضاً، وطويلاً جداً، صورة ترامب، وهو يغادر البيت الأبيض بدون تكريم أو كرامة، وهو متشبّث بالحكم بدون أي جه حق، فإن تخلّف عن اصطحاب خلفه إلى المحكمة العليا لحضور مراسم التنصيب، فسيكون أول رئيس يفعل ذلك منذ عام 1837. ولن يستطيع العالم إلا أن يقارن الصورة الكاريكاتورية لترامب وهو يغادر الحكم بصورة آل غور نائب الرئيس الأميركي الأسبق ومنافس جورج دبليو بوش في انتخابات 2000. لقد مرّت الانتخابات في تلك السنة بما يشبه انتخابات 2020، حين أُعلِن فوز آل غور، قبل أن يطعن بوش بالنتيجة، وتحكمَ المحكمة العليا لمصلحته. كان على الكونغرس أن يعلن النتيجة الرسمية بعد تصويت المجمع الانتخابي وحكْم المحكمة العليا. وكان آل غور، بصفته نائب الرئيس كلينتون، رئيس الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ. وحين ثار بعض النواب الديمقراطيين على قرار المحكمة إعطاء البيت الأبيض لبوش، على الرغم من أنه حصل على أصواتٍ أقلّ من آل غور، استخدم الأخير مطرقته عدّة مرّات لإسكات أنصاره، قبل أن يعلن النتيجة لنفسه. وعادة ما يكون تصديق الكونغرس على تصويت الهيئة الانتخابية سريعاً وروتينياً. ولكن لم يكن هناك شيء عادي في انتخابات 2000 التي أدّت إلى أداء السيد بوش اليمين الدستورية، باعتباره أول رئيس منذ بنيامين هاريسون في عام 1888 يفوز بالهيئة الانتخابية، لكنه يخسر التصويت الشعبي. ولمدة 20 دقيقة تقريباً، حاول عشرات الأعضاء من الديمقراطيين، من دون جدوى، منع فرز الأصوات الانتخابية الخمسة والعشرين في فلوريدا، احتجاجاً على حرمان الناخبين السود حق التصويت. كانت الأصوات الانتخابية المتنازع عليها في فلوريدا حاسمة في فوز بوش بعد معركة قانونية وسياسية طويلة عقب انتخاباتٍ غير حاسمة. ثمّ تلا آل غور الأرقام التي أظهرت هزيمته في الهيئة الانتخابية، حيث حصل منافسه على 271 مقابل 266، وقال إن الأصوات “ستعتبر إعلاناً كافياً” لانتخاب السيد بوش ونائبه ديك تشيني، ثمّ صاح بصوت ثابت: “فليبارك الله رئيسنا الجديد ونائب الرئيس الجديد، وليبارك الله الولايات المتحدة الأميركية”. وشارك في تنصيب خلفه بعد ذلك بأيام، قبل أن يتقاعد في بيته. تقابل هذه الصورة صور ترامب ونائبه مايك بنس والناطقة باسمه كيلي مكناني ومحاميه رودي جولياني، وهم يطلقون الأكاذيب والاتهامات التي لا يساندها أي دليل، ويبذلون كلّ جهد لإلغاء ملايين الأصوات الشرعية، من أجل إبقاء رجل عنصري موتور في البيت الأبيض.

لقد رفض كل قاضٍ أميركي، بلا استثناء، قبول دعاوى ترامب وفريقه، ومعظم هؤلاء القضاة محافظون، عيّنهم أساساً رؤساء جمهوريون. وفي آخر مسعى في هذا المجال، رفضت المحكمة العليا، المؤلفة من ستة قضاة محافظين وثلاثة ليبراليين فقط، الدعوى القضائية التي أقامتها ولاية تكساس لإلغاء نتائج انتخابات الرئاسة في أربع ولايات، خسرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام بايدن، في إطار سعيها إلى إلغاء الآثار المترتبة عن نتيجة الانتخابات. ويعطينا هذا الموقف من القضاة بعض الأمل في أن المؤسّسة الديمقراطية والتقاليد الديمقراطية لا تزال قادرة على الصمود في الأزمات الكبرى. وقد صوّت القضاة الثلاثة الذين عيّنهم ترامب نفسه في المحكمة العليا ضدّه، ما يعني أن الأمل لم يُفقد بعد بتصحيح الديمقراطية لنفسها.

في المقلب الآخر، لا يمكن أن ننسى أن 106 نواب جمهوريين و17 ولاية يقودها جمهوريون قد استمرّوا حتى اللحظة الأخيرة مصمّمين على قلب نتائج الانتخابات، وحرمان ملايين الناخبين حقّهم في التصويت. لا يخجل هؤلاء السياسيون من تحويل بلدهم إلى جمهورية موز أخرى، أو إلى بلد من العالم الثالث، حيث ينجح الزعيم فيها دوماً بالنسبة التي يريد. ولا يختلف هؤلاء النوّاب عن النوّاب السوريين الذيم يهتفون في مجلس الشعب السوري “بالروح، بالدم، نفديك يا بشار”. ولا يختلفون عن ذلك النائب الذي هتف تحت القبة: “قلتها في حماة واليوم أن الوطن العربي قليل عليك وأنت لازم تقود العالم يا سيادة الرئيس”.

إنها الشعبوية في أسوأ أشكالها وأكثرها انحطاطاً. لا يوجد تعريف للشعبوية يصف بالتفصيل جميع الشعبويين. ذلك لأن الشعبوية أيديولوجية هشّة، تركّز فقط على جزءٍ صغيرٍ جداً من الأجندة السياسية”، من دون أن تتمتّع بنظرة شاملة لكيفية تنظيم السياسة والاقتصاد والمجتمع ككل، بل تدعو ببساطة إلى طرد المؤسسة السياسية باعتبارها “نخبوية”، ولكنها لا تحدّد ما الذي تريد أن تحل محلها. ولذلك تراها تقترن عادة بأيديولوجيات يسارية أو يمينية، مثل الاشتراكية أو القومية.

يقسّم الشعبويون المجتمع إلى مجموعتين متجانستين ومتعاديتين: الشعب الطاهر من جهة، والنخبة الفاسدة من جهة أخرى. وبينما تقوم الديمقراطية على التعدّدية السياسية، وتأخذ بالاعتبار وجود مجموعات مختلفة لها مصالح وقيم مختلفة، وجميعها شرعية، تجد الشعبوية، على النقيض من ذلك، ترفض التعدّدية ويتعاملون مع “الشعب”، باعتباره كلّاً موحداً، بغض الطرف عمّا يوحده.

رأينا ذلك في شعبوية جمال عبد الناصر والبعثيين في سورية والعراق، ورأيناه قبل ذلك في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. ثمّ رأيناها أخيراً في الولايات المتحدة في حكم الرئيس ترامب، الذي نجح في تقسيم الأميركيين إلى فئتين: نحن (الشعب) وهم (النخبة التي تريد سحب الأسلحة من الأفراد ودعم حق المرأة في الإجهاض وحماية المناخ وسيادة القانون وتأمين الرعاية الصحية والعليم للجميع مجاناً). وينظر الشعبويون إلى مهمتهم على أنها “أخلاقية في الأساس”. إن “التمييز بين النخبة والشعب لا يعتمد على مقدار الأموال التي لديك أو حتى نوع المنصب الذي لديك. إنها تستند إلى قيمك.

ونظراً إلى تأطيرهم الأخلاقي، يستنتج الشعبويون أنهم وحدهم يمثلون “الشعب”. قد لا يفوزون بنسبة 100% من الأصوات، لكنهم يطالبون بنسبة 100% من دعم “الأشخاص الطيبين” الذين يعملون بجد، واستغلتهم المؤسسة. ولكن الحال أن قيادة الشعبوية غالباً ما تكون انتهازية، وهي تستخدم المشاعر الدينية والاجتماعية لبعض المواطنين والتطرّف والعنصرية عند بعضهم الآخر من أجل تقديم مصالحها الشخصية الضيّقة. وفي معظم الأحوال، تغلق المشاعر الهوجاء والتعصّب الديني عيون هؤلاء عن رؤية الحقيقة. كما أغلقت عيون آخرين في أربعة أصقاع المعمورة.

وجماع القول أن الديمقراطية تخلّصت مؤقتاً من محاولة جديدة للاغتيال، ولا ندري متى تكون المحاولة المقبلة.

العربي الجديد

—————————-

فورين أفيرز: التأثير الإيراني في سوريا باق.. كيف ستتعامل معه إدارة بايدن؟

إبراهيم درويش

نشر موقع مجلة “فورين أفيرز” مقالا مشتركا للباحثين إليزابيث دينت من معهد الشرق الأوسط وأريان طبطبائي الزميل الباحث في جامعة كولومبيا قالا فيه إن “تأثير إيران في سوريا سيبقى” وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة أن تأخذ هذا بعين الاعتبار في خططها.

وأشارا لإعلان المسؤولين العراقيين في الأسبوع الماضي عن مقتل قائد في الحرس الثوري الإيراني في 29 تشرين الثاني/نوفمبر بعد دخوله سوريا من العراق مع شحنة من الأسلحة. وجاءت الأخبار بعد اغتيال محسن فخري زادة الذي اعتبر العقل المدبر وراء المشروع النووي الإيراني الأول قرب طهران. ورغم صمت إسرائيل على العملية إلا أن مخابراتها هي المشتبه الأول الذي نفذ العملية. وفي الوقت الذي سارع فيه المسؤولون الإيرانيون لاتهام الموساد الإسرائيلي باغتيال فخري زادة وتعهدوا بالانتقام له، رفضوا الاعتراف بمقتل قائد بارز في الحرس الثوري قرب الحدود العراقية- السورية بل حتى حدوث عملية من هذا النوع. وبعد يوم من جنازة فخري زادة التي بثت على التلفزيون الحكومي عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية عن سخرية من التقارير التي تحدثت عن مقتل قائد عسكري بارز في الحرس الثوري واعتبرها “دعاية إعلامية”.

ولدى إيران أسباب جيدة لإنكار مقتل قائد عسكري بارز، فهي دائما ما قللت من دورها في الحرب الأهلية السورية. وهي معنية بعدم لفت الانتباه إليها في وقت ركزت فيه التحليلات وآراء الخبراء عما يمكن أن تفعله ردا على مقتل فخري زادة وأثره على الاتفاقية النووية التي تعهدت إدارة جوزيف بايدن بالعودة إليها.

ولكن تورط إيران مع نظام بشار الأسد يعتبر خطرا على الاستقرار بالمنطقة، وربما تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران إلى درجة تجبر فيها إدارة بايدن على التدخل هناك. وظلت إسرائيل وعلى مدى السنوات الماضية تستهدف أرصدة إيرانية في سوريا. وزادت في الأشهر الأخيرة من غاراتها ضد أهداف إيرانية ثمينة بشكل يعكس التوتر الأمريكي- الإيراني.

وكشفت تقارير إعلامية أمريكية عن منح الرئيس دونالد ترامب وزير خارجيته المتشدد مايك بومبيو “صكا مفتوحا” للضغط على إيران طالما لم يؤد إلى “حرب عالمية ثالثة”. ولم يؤكد البيت الأبيض هذه التقارير لكنها غذت القلق الإيراني عن منح واشنطن الضوء الأخضر لأفعال إسرائيل بل وقيامها بالتحرك ضدها. وعبرت إدارة بادين عن تعهدها بمواجهة التأثير الإيراني في المنطقة. فالوجود هذا يؤثر على الاستقرار، ذلك أن طهران تدعم نظام الأسد الذي يقمع شعبه وتزود الجماعات من غير الدول في العراق وسوريا ولبنان بالسلاح والمال.

وحددت إدارة ترامب المشكلة وبدقة لكنها اتبعت سياسة شاملة أو لا شيء وبالغت من تقدير نفوذها على إيران. وأدى هذا النهج لتحصين وتوسيع التأثير الإيراني في سوريا. ومن أجل حرف مسار الموجة للاتجاه الآخر، على فريق بايدن العمل مع الشركاء بالمنطقة وأوروبا والاعتراف بأن إيران بالتأكيد ستمارس نوعا من التأثير الدائم في سوريا. ويظل النفوذ الأمريكي محدودا في سوريا لكنه يشمل على القوة الجوية في شمال- شرق سوريا والسيطرة على منابع النفط هناك بالإضافة لتخفيف العقوبات الذي تحتاجه كل من سوريا وإيران بشكل ملح. ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979 اتسمت العلاقات السورية- الإيرانية بالتقلب، ففي أثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980- 1988) كان نظام حافظ الأسد هو الوحيد بين الأنظمة العربية الذي دعم إيران ضد صدام حسين. وظل ابنه وخليفته بشار الأسد على علاقة موالية للجمهورية الإسلامية.

وعندما اندلعت الاضطرابات في 2011 قدمت طهران الدعم لدمشق. لكن ما اعتقدت طهران أنه دعم سريع سرعان ما تطور لحرب شاملة واضطرها لإرسال قوات من الحرس الثوري. ثم قامت وبشكل تدريجي بتعبئة جماعاتها الموالية لها من الميليشيات أو الجماعات من غير الدول. ومن الصعب تقدير عدد القوات الإيرانية والموالية لها الموجودة في سوريا نظرا لعدم توفر المعلومات. لكن عددا كبيرا منها غادر سوريا بعد تقوية الأسد سيطرته على معظم البلاد. وبقي القادة العسكريون البارزون من أجل مواصلة دعم المصالح الإيرانية والإشراف على العمليات المستمرة.

وتنظر إيران إلى سوريا كجزء مهم من “محور المقاومة” ونقطة عبور للسلاح والمساعدات لحزب الله في لبنان. وربما رغب الموالون للأسد بتأثير إيراني قليل والحصول على دعم من الدول السنية مثل السعودية، لكن إيران ترى في سوريا حيوية لبقائها وقوتها. وعلى مدى السنوات الأربع تبنت إدارة ترامب سياسة غير متماسكة أثرت على مصداقية الولايات المتحدة وخدمت إيران. وأعلنت واشنطن أكثر من مرة عن سحب قواتها أو تخفيض عددها في سوريا والتحلل من التزاماتها تجاه شركائها من قوات سوريا الديمقراطية في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وناقضت هذه الإعلانات خطاب ترامب المتشدد من إيران واقترحت أن مواجهتها ليست أولوية.

وعلى إدارة بايدن الاعتراف أن خياراتها في سوريا محدودة، لكنها تستطيع اتخاذ بعض الخطوات المباشرة، مثل السماح لقوات سوريا الديمقراطية التواصل مع نظام الأسد عبر الوسيط الروسي. وإذا كان هناك طرف في سوريا يعارض الوجود الإيراني فهي قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية والتي تصادمت مع الميليشيات الإيرانية في وادي الفرات وعانى سكان دير الزور والقامشلي من تصرفات الميليشيات الموالية لإيران. ولو تفاوضت قوات سوريا الديمقراطية مع الروس فإنها ستزيح هذه الميليشيات من المناطق التي تحاول الولايات المتحدة وغيرها تحقيق الاستقرار فيها. وتقضي السياسة الأمريكية الحالية بعدم التواصل مع نظام الأسد الوحشي، لكن هناك دولا عربية تحاول إعادة وضعية النظام بموافقة أو بدون موافقة أمريكية. فقد أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق قبل فترة، مثلما أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية قبل ذلك بعام. وربما أثرت إيران على الدور الخليجي والقنوات الخلفية التي فتحتها مع نظام دمشق. وأقامت أمريكا علاقات مع روسيا في سوريا، ويجب عليها والحالة هذه مواصلة التعاون طالما دعت المصلحة، مع الاعتراف أن قدرة روسيا واستعدادها لمواجهة إيران تظل محدودة.

وتحاول إيران وروسيا إعلان انتصار الأسد واستثماره، ويمكن للولايات المتحدة استخدام التباين بين طهران وموسكو في سوريا. ويمكن للولايات المتحدة الضغط على روسيا للمساعدة في إخراج الميليشيات من المناطق في وادي الفرات والقريبة جدا من إسرائيل. ومقابل ذلك يمكن أن تقدم واشنطن لموسكو محفزات مثل الانسحاب من مناطق ليست مهمة للوجود الأمريكي في سوريا ولكنها حيوية لإعادة سيطرة الأسد على البلاد، مثل قاعدة التنف.

وعلى الولايات المتحدة التعاون مع أنقرة وموسكو لحشر إيران. وواحد من خيارات التعاون هو حوار ثلاثي بشأن إدلب والجماعات المسلحة في آخر معاقل المعارضة السورية والتي يوجد فيها عناصر من تنظيم الدولة والقاعدة وجماعات العنف الأخرى. ولن يكون التعاون مع تركيا سهلا، خاصة أن العلاقات معها متدهورة وأظهر الرئيس أردوغان أنه قادر على استفزاز حروب في شرق سوريا وشمال أفريقيا. كما وتختلف روسيا وتركيا حول الجماعات التي يجب تصنيفها بالإرهابية. ومع ذلك يمكن للولايات المتحدة العمل ضد الخلايا الإرهابية وإدخال نفسها كلاعب مهم في المحادثات الدبلوماسية في المستقبل. ويجب استمرار تعاون الولايات المتحدة مع إسرائيل وضمان حريتها في إزاحة كل الخلايا الإرهابية القريبة من حدودها. وربما استخدمت علاقتها مع كل من روسيا وإسرائيل كنقطة انطلاق لمحاسبة موسكو على أي خرق لوعد من وعودها. وسترث إدارة بايدن ملفا معقدا للشرق الأوسط ليس بسبب التوتر بين إيران وإسرائيل في سوريا، بل لأن السياسة الأمريكية التي تحاول معالجة التأثير الإيراني في سوريا تبالغ بتأثير واشنطن وقدرتها على منع طهران من مواصلة دورها. وعلى الإدارة الحالية الاعتراف، على الأقل مؤقتا، أن إيران لن تغادر سوريا بشكل كامل أو تتخلى عن تأثيرها هناك. وسياسة تدريجية تعني محافظة الولايات المتحدة على تأثيرها وقدرتها على تخفيف التوترات وتقليل خسائرها.

القدس العربي

—————————–

هل اقتربت ضربة أميركية لإيران؟/ غازي دحمان

تعيش إيران، في هذه الأيام، حالة من القلق الاستراتيجي، لا تكفي استراتيجية “الصبر الاستراتيجي” التي تعتمدها القيادة الإيرانية للخروج من مأزق تصمّمه إدارة دونالد ترامب في أيامها الأخيرة، لوضعها على سكّة مآزق قد تكون طويلة الأمد، وقد تشكل نهاية لفعاليتها وأدوارها في المنطقة، وربما بداية النهاية لنظامها السياسي.

لم تكن عملية اغتيال المهندس محسن فخري زادة سوى خطوة على طريق صعب، يُراد لإيران السير عليه في قادم أيامها، حيث وضعتها عملية الاغتيال أمام خيارين سيئين: ابتلاع المهانة والصبر على الجراح إلى حين رحيل إدارة ترامب، أو الرد والمغامرة بإمكانية فتح حوار مع إدارة بايدن التي لم تخف تحمّسها لإعادة التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، بما يعنيه ذلك من رفع العقوبات الاقتصادية المنهكة عنها، وتفرّغها تالياً لصيانة حلقات نفوذها، وصولاً إلى إعلان المنطقة بين طهران وبيروت منطقة إيرانية خالصة.

مع أن الأيام الباقية من عمر إدارة ترامب قليلة بحسابات صانع القرار الإيراني، وقد لا تساوي عدد أيام حياكة سجّادة فارسية، إلا أن ترامب يمكنه فعل أشياء قد تجعل طهران تعيش تحت مظلة ارتداداتها الكارثية سنين طويلة، إذ تكفي أيام قليلة، لا تتجاوز أصابع اليد، لإحداث أضرارٍ ثقيلة وطويلة الأمد على إيران، بدليل التحشيد الهائل لأكثر أدوات التدمير الأميركية فعالية في المنطقة، من أساطيل وطائرات. وواضح أن إدارة ترامب لن تكتفي بمقدار الألم الذي سبّبته لطهران، بل هي ستستثمر استراتيجية إيران في “الصبر الاستراتيجي” إلى أبعد الحدود، وتكيل لها الضربات إثر الضربات، ما دام هذا الفعل يحقق لها أمرين على غاية الأهمية: ضمان إغراق إيران فترة طويلة في مصائبها، مع تعطيل أدوات فعاليتها في المنطقة، وهذا هدفٌ إسرائيلي لن يتوانى ترامب عن تقديمه هديةً لجماعات الضغط اليهودية في واشنطن، خصوصا أنه ينوي الترشّح للانتخابات الرئاسية 2024. إرباك إدارة بايدن، وإلزامها ضمن مسار واحد في تعاملها المستقبلي مع إيران، وهو المسار الذي رسمه ترامب، وإلا فإن بايدن، ومن خلفه الحزب الديمقراطي، سيظهران بمظهر من يفرّط بالمصالح الأمنية والاستراتيجية للولايات المتحدة.

ولكن إلى أي مدى تستطيع إيران الصبر، وما الضامن ألا يذهب ترامب إلى حد حرق أوراق إيران، عبر تدمير أصولها ومرتكزات قوتها؟ وما البديل عن سكوتها وصبرها؟ وماذا لو أن المؤسسات الأمنية والعسكرية الأميركية أعادت تقييم فعالية إيران، ووجدت أنها لم تعد تستحق التفاوض معها بعد المعطيات الجديدة التي أوجدتها ضربات ترامب قبل رحيله؟

يشكّل ترحيل الدبلوماسيين الأميركيين من العراق وإغلاق السفارة في المنطقة الخضراء مؤشّراً على نيات ترامب الذي يعرف، من خلال خبرة سنوات حواره العسكري مع إيران في العراق، أن السفارة والدبلوماسيين الأميركيين في بغداد كانوا دائما نقطة ضعف القوّة الأميركية تجاه إيران، إذ لطالما عملت المليشيات التابعة لإيران على استهداف السفارة الأميركية بعد كل عملية ضد المصالح والمليشيات الإيرانية في المنطقة. والآن ترامب يقول لإيران إنه يقلص خياراتها إلى أبعد الحدود، حيث يتزامن هذا الأمر مع احتمال انسحاب للقوات الأميركية من أفغانستان.

لا يبقى أمام إيران، في هذه الحالة، سوى خيارين سيئين: ضرب دول الخليج المتحالفة مع واشنطن، أو ضرب إسرائيل من خلال وكلائها في لبنان وسورية، والخياران ليسا أكثر من وصفة انتحارية، تدرك طهران حجم مخاطرهما عليها. وفي المقابل، تسعى إيران إلى تحويل المخاطر إلى فرص، من خلال تقديم نفسها لإدارة بايدن طرفا ملتزما ومنضبطا وخاضعا للقوانين والأعراف الدولية، وطرفا يستحق المشاركة في الترتيبات التي تريد إدارة ترامب صناعتها في المنطقة، كيف لا وهي قد حظيت بتعاطف أغلب دول العالم معها، الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا ودول عربية كثيرة شجبت عملية اغتيال زادة؟

تحاول إيران، قدر الإمكان، عبور هذه المرحلة الصعبة، إلى أن ينهي ترامب المتهور ولايته، لذا طلبت من جميع وكلائها الهدوء والتروّي، بل طلبت من قادة مليشيات تابعة لها، على ذمة مصادر عراقية، الاختباء، وأن يقللوا في المرحلة المقبلة من وجودهم العلني، تحسباً لحملة “قطع رأس” قد تطاولهم في آخر أيام الجنون الترامبي. ولكن، من غير المتوقع نفع هذه الترتيبات الإيرانية، أو قدرتها على ردع ترامب الذي يصغي جيداً، في هذه المرحلة، لقادة إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم أمام فرصة لن تتكرّر، وأن أي ضرر يلحقوه بالقوّة الإيرانية سيكون مكسباً مهماً، خصوصا أن أكلافه صفرية، في ظل إصرار إيران على نظرية “الصبر الاستراتيجي”.

في وقتٍ تتباهى فيه إيران بقدرتها على التحمّل والصبر في سعيها إلى تحقيق أهدافها، يبدو أن خصومها يريدون استثمار صبرها حتى آخر نقطة، وتدمير ركائز قوتها. وطالما أنه ليس لصبرها حدود، فإن طموحاتهم في إضعافها إلى أبعد الحدود ليس لها حدود أيضاً، وقد يتذرّع ترامب بأي ذريعةٍ لشن حرب على إيران، بدأت مؤشّراتها تتكاثر.

العربي الجديد

————————————

عن “الأميركي الهادئ” جو بايدن/ عبد اللطيف السعدون

لو لم نكن نعرف أن الروائي البريطاني، غراهام غرين، نشر روايته “الأميركي الهادئ” منتصف الخمسينيات، ولم يكن جو بايدن الصاعد إلى البيت الأبيض يومها قد تجاوز مرحلة الفتوة، لخامرنا شكٌّ في أن غرين حاول أن يستنطق حياة بايدن، وأن يضعها في قالب روائي من خلال شخصية بيل، رجل وكالة الاستخبارات الأميركية المعروف بهدوئه وتحفظه التي شكلت، مع شخصية المراسل الحربي فاولر، ثنائية البطولة في الرواية المذكورة التي كان ميدانها الهند الصينية أيام احتلال الفرنسيين لها.

كان بيل يرى أن أميركا تتحمّل مسؤولية تاريخية لنشر الديمقراطية هناك. ولذلك سعى إلى دعم مجموعة انشقت عن الجيش الفرنسي، تثير الاضطرابات وتنشر الفوضى، وتنفذ أعمال عنف بما يمكن أن يظهر الفرنسيين عاجزين عن مواجهة ما يحدث، وتفتح الطريق لأن يرثهم الأميركيون. وهناك من نظر إلى الرواية على أنها نبوءة سوداء بتورط أميركا في الحرب الفيتنامية بعد عقد، وإن كان غرين قد أنهى روايته على نحو لم يتوقعه القارئ، فقد قتل بيل على يد صديقه الصحافي فاولر، على خلفية علاقتهما العاطفية مع عشيقة مشتركة، وانتهى كل شيء.

يبدو لنا بايدن نسخة منقحة من “الأميركي الهادئ” الذي رسم غراهام غرين شخصيته، وكان صرّح غير مرة بأنه يريد عالما يقوم على القيم الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن على أميركا مسؤولية التبشير بهذا الهدف. وعلى الرغم من دعوته تلك، فقد أيد قرار غزو العراق وتبناه، بزعم أنه كان يريد الضغط على صدّام حسين وعزله دوليا، لكن الرئيس بوش استغل ذلك للذهاب إلى الحرب. وفي آخر مقارباته الانتخابية، قال إنه لا يريد أن ينطلق في سياسته الخارجية من “نموذج القوة العسكرية”، وإنما من “قوة النموذج الذي يعتمد على القيم الإنسانية”. وما يجمع بايدن وبيل أن كلا منهما رجل تسويات، وليس رجل مواجهات، ويريد تشكيل رؤية أميركا للعالم على أساس الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذه الرؤية لا تمنعهما من اعتماد القوة على قاعدة “الغاية تبرّر الوسيلة”، لكن هدم ما بناه ترامب يحتاج إلى أكثر من ولاية واحدة، وربما لا يطمح بايدن الثمانيني إلى أن يعيش أكثر من إكمال ولايته الحالية بسلام، وقد يظهر ترامب لينال ولايته الثانية بعد سنوات أربع، كل هذا يعني أن النزعة الترامبية الفظّة للاستحواذ على العالم ستظل ترافق حظوظنا!

ما الذي يمكن لبايدن إذن أن يفعله لنا؟ عراقيا، سيمضي في خطة الانسحاب العسكري، لكنه سيبقي على وجودٍ مؤثر وفاعل يضمن لبلاده تدفق النفط، ويتيح المجال للشركات الأميركية الاستثمار في العراق، والمشاركة الأساسية في خطط إعماره، وسوف تضغط واشنطن للتخفيف من الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي العراقي، ولن تجد إيران ضيرا في ذلك، لأن التوغل الإيراني في العراق عبر الصلة المذهبية والمرتكزات الديمغرافية التي صنعتها على مدى 17 عاما، لن تستطيع واشنطن كبحه، وهي ليست في وارد التعرّض له. وسيظل بايدن مصدر قلق لدى العراقيين الذين في ذاكرتهم خطة تقسيم بلادهم التي رسمها في حينه.

الإيرانيون، من جانبهم، سيجدون الفرصة سانحة لالتقاط أنفاسهم، ثم الانطلاق في مسيرة تجاوز الألغام التي زرعها ترامب، وبناء علاقة براغماتية مع واشنطن، وسيستثمرون العلاقة بين بايدن نفسه وشخصياتٍ نافذة في القرار السياسي الإيراني، منهم وزير الخارجية، جواد ظريف، الذي عرف بصلته الدافئة بالغرب، وعندما يتقدّم بايدن خطوة نحو إيران سيتقدم الإيرانيون خطوتين.

خليجيا، ليس في خطط بايدن ما كان يريده الخليجيون من ترامب، وهو غير مستعدٍّ للصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانهم، كما فعل سلفه، كما أنه لن يضع ثمنا لحماية حكامهم، لأنه مطمئنٌ إلى أن حصيلة ثرواتهم لن تحطّ، في النهاية، سوى في خزائن بلاده!

فلسطينيا، قد يعمد بايدن إلى تبني سياسة “تصالحية” مع الفلسطينيين، أبرز خطوطها معارضة التوسع الاستيطاني، وتقديم بعض المال لبعض المؤسسات الخدمية للسلطة الفلسطينية، لكنه سيظل الداعم الأول لإسرائيل، وستظل إسرائيل صاحبة الحظوة الأولى لدى واشنطن، وليس أمام الفلسطينيين سوى اللهاث وراء فتاتٍ مغموسةٍ بالدم، إذ لم تعد بيدهم أوراق كثيرة، بعد أن ارتفعت رايات التطبيع عربيا!

وبالمختصر المفيد، لا يبدو أن “الأميركي الهادئ” كتب في أجندته صفحةً منصفة للعرب على أي صعيد .. تلك حقيقة قد لا يرغب بعضهم في سماعها، لأنهم، كما يقول نيتشه، لا يريدون أن تتحطم أوهامهم!

العربي الجديد

——————————–

اصطفافات مرحلة بايدن/ مروان قبلان

حتى قبل استلام إدارته السلطة بشكل رسمي في العشرين من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني)، أخذت تداعيات فوز الرئيس المنتخب، جو بايدن، تظهر في العالم على شكل إعادة اصطفافات وتغير في سلوك الدول والحكومات. وعلى الرغم من أن التحول في المزاج الذي أحدثه فوز بايدن عالمي الطابع، أخذاً بالاعتبار موقع الولايات المتحدة ومكانتها قوة عظمى، إلا أن مظاهره تبدو أبرز في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، حيث تستمد الدول والحكومات الكثير من قدرتها على البقاء والاستمرار من عوامل خارجية، وتنضح من شرعياتٍ غير محلية. في الخليج، تسارعت خطوات طي صفحة الأزمة الخليجية، وإنهاء مظاهر حصار قطر استعداداً لتنصيب إدارة أميركية جديدة، بعد أن فشلت قبل ذلك كل الجهود التي بذلت خليجياً (الكويت) ودولياً لإنهائها منذ انطلاقها في يونيو/ حزيران 2017، علماً أن الأزمة نفسها بدأت بمتغير أميركي/ دولي، تمثل بوصول الرئيس ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، وأجّجتها العلاقة الشخصية التي بنتها دول المقاطعة، خصوصاً الإمارات والسعودية، معه ومع عائلته، تحديداً صهره جاريد كوشنر. ومن الملفت أن الكونغرس قرّر، هذا الأسبوع فقط، فتح تحقيق بشأن مزاعم عن ارتباط مواقف إدارة الرئيس ترامب من الأزمة الخليجية بمصالح مالية خاصة به وبصهره.

ولأن وصول ترامب إلى الحكم شكل حافزاً أساسياً لاندلاع الأزمة الخليجية، من الطبيعي أن يؤدي خروجه إلى حدوث تغيير في دينامياتها وصولاً إلى حلها، على الأقل بين قطر والسعودية التي تجد نفسها في وضع أكثر صعوبةً مع إدارة بايدن من بقية دول المنطقة. ليس هذا فحسب، بل يؤذن خروج ترامب بنشوء خلافاتٍ بين دول تحالف حصار قطر، وبروز اختلافٍ في استراتيجيات تعاملها مع متغير وصول إدارة جديدة أكثر تمسّكاً بتقاليد السياسة الخارجية الأميركية ومقاربة العمل المؤسساتي. ففي وقتٍ اختارت فيه الإمارات تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، والوصول بها إلى مرحلة التحالف لمواجهة تركيا وإيران، وحماية نفسها من التغيرات في السياسة الأميركية، وتأثيراتها المحتملة على علاقاتها الثنائية معها، تميل السعودية إلى حلٍّ خلافاتها مع قطر والتهدئة مع تركيا، التي تجد، هي الأخرى، نفسَها على طريق صدامٍ محتملٍ مع إدارة بايدن، أخذاً بالاعتبار تصريحات هذا الأخير المعادية لها خلال حملته الانتخابية، وفرض إدارة ترامب، في أيامها الأخيرة، عقوباتٍ على أنقرة، بسبب شراء منظومات صواريخ إس 400 الروسية وتشغيلها، وهو اتجاهٌ يرجّح أن يستمر ويتصاعد مع إدارة بايدن.

وفيما تتطيّر أنقرة والرياض من بايدن وسياساته، تسود أجواء أكثر تفاؤلاً في طهران، مع توقع عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، واحتمال رفع بعض العقوبات عن إيران، خصوصاً المتصلة بتصدير النفط. بدأت انعكاسات هذا الأمر تظهر على العلاقات التركية – الإيرانية، إذ يتوقع أن تتقلّص حاجة إيران إلى تركيا اقتصادياً، بعد أن كانت أنقرة تشكل رئةً لها خلال فترة الحصار الأميركي، خصوصاً أن واشنطن استمرّت في إعفائها من الحظر المفروض على استيراد الغاز الإيراني. ولا تُخفي طهران أيضاً غبطتها بقرب انتهاء فترة السماح التي منحتها واشنطن لتركيا في عهد ترامب، للعمل بحريةٍ في تعزيز وجودها وتثبيت مصالحها من القوقاز إلى ليبيا، مروراً بسورية وشرق المتوسط. يتوقع بناء عليه أن يتصاعد التوتر في العلاقات الإيرانية – التركية، كما حصل أخيراً في ردة فعل إيران الحادّة على بيتي شعر ألقاهما الرئيس أردوغان في احتفالات النصر ضد أرمينيا في أذربيجان، والذي عدّه نصراً له أيضاً، وردة فعل تركيا في المقابل على استدراج إيران رئيس فرع السويد “لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز” إلى إسطنبول واختطافه منها.

انفتاح السعودية على تركيا وابتعاد هذه عن إيران قد يؤدّي إلى خلخلة التحالف السعودي – الإماراتي، وقد لوحظ خلال الأسابيع الأخيرة تراجع الدعم السعودي للقوى الكردية الفاعلة في شمال شرق سورية، فيما تستمر الإمارات في الاستثمار فيها وسيلة لإغضاب تركيا ومحاصرتها. قد نشهد أيضاً برودة في علاقات السعودية بمصر، وتقارباً أكبر بين هذه وكل من الإمارات وفرنسا وإسرائيل في مواجهة تركيا. كل هذا وأكثر يحصل، ولمّا يستلم بايدن بعد مقاليد الحكم في واشنطن، فماذا لو استلم وذهب أبعد قليلاً مما نقدّره حتى الآن؟

—————————

خيارات بايدن لإخراج إيران من سوريا أو تقليص نفوذها

في مطلع الأسبوع الماضي أعلن مسؤولون عراقيون عن قيام غارة جوية باغتيال قائد في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني عند دخوله سوريا من العراق في 29 تشرين الثاني/نوفمبر حاملاً معه شحنة من الأسلحة.

وقد ظهرت تلك الأنباء بعد مرور أيام على اغتيال ضابط رفيع في الحرس الثوري وهو محسن فخري زاده الذي تعتبر وكالات الاستخبارات بأنه العقل المدبر لبرنامج الأسلحة النووية الخفي السابق في إيران، حيث تمت عملية الاغتيال بالقرب من طهران. وبالرغم من أن إسرائيل التزمت الصمت بشكل لافت، إلا أن شكوكاً كبيرة تدور حول مؤسستها الاستخبارية وبأنها وراء عمليتي الاغتيال هاتين.

وقد سارع المسؤولون الإيرانيون لاتهام إسرائيل باغتيال فخري زاده مع توعدهم بالثأر، غير أنهم رفضوا الاعتراف بوقوع هجوم على قوات الحرس الثوري بالقرب من الحدود العراقية-السورية، ناهيك عن ذلك الهجوم الذي قتل فيه القائد المهم.

وقالت “فورين أفيرز” الأميركية في تقرير ترجمه موقع “تلفزيون سوريا”، إن”لدى إيران سبباً وجيهاً يدفعها لتجنب لفت الأنظار تجاه نشاطاتها في سوريا، إذ لطالما قلّل النظام الإيراني من شأن دوره في ذلك النزاع. ولكن خلال الأيام الماضية، ركز محللون أميركيون بشكل كبير على الثأر لمقتل فخري زاده الذي توعدت به إيران، وهل يمكن لذلك أن يحبط آمال الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في إحياء الاتفاق النووي مع إيران”.

نفوذ محدود

على مدار بضع سنين، تعودت إسرائيل أن تقوم بين الفينة والأخرى بضرب مواقع إيرانية في سوريا. وخلال الأشهر القليلة الماضية، استهدفت إسرائيل مقاراً إيرانية رفيعة المستوى بضربات تسببت بتصعيد التوتر بين إيران والولايات المتحدة.

بايدن أشار إلى أن مجابهة الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا سيكون أولوية بالنسبة لإدارته. فطهران تواصل زعزعة استقرار المنطقة عبر دعمها للنظام في دمشق الذي يقمع شعبه بشكل وحشي، وكذلك عبر تهريبها للأسلحة والمعدات لحلفائها وشركائها الذين لا يمثلون الدولة في العراق ولبنان وسوريا.

وقد حددت إدارة ترامب المشكلة بشكل صحيح لكنها سعت وراء سياسة كل شيء أو لا شيء التي بالغت بإظهار نفوذ واشطن مقارنة بنفوذ طهران، بيد أن هذا النهج لم يتسبب إلا بترسيخ وتوسيخ نفوذ الجمهورية الإسلامية في سوريا. ولتغيير مسار الأمور نحو الوجهة الأخرى، يحتاج فريق السياسة الخارجية لدى بايدن، بحسب “فورين أفيرز”، أن يتعاون مع الشركاء في المنطقة وفي أوروبا كما لابد له من الاعتراف بأن إيران ستحافظ بكل تأكيد على نفوذ لها في سوريا ضمن حدود معينة.

إيران وسوريا

عندما بدأت الثورة في سوريا في عام 2011، قدمت إيران لنظام الأسد يد العون لقمعها. إلا أن ما ظنته إيران حملة سريعة في بداية الأمر سرعان ما تحول إلى تدخل عسكري شامل تورط فيه -مع وصول النزاع لذروته -عناصر من الحرس الثوري الإيراني بالإضافة إلى قوات الجيش الإيراني التقليدية.

وتعتبر إيران سوريا الجزء الحساس من محور المقاومة التابع لها، كما أنها طريق مهم لتوريد السلاح والعتاد لحزب الله. ولهذا فإن الحكومة التي ستأتي بعد الأسد قد لا يعجبها النفوذ الإيراني، كونها قد تعتمد في تركيبتها على عناصر أكثر من السنّة، ولهذا يمكن أن تتحالف مع منافسي إيران في المنطقة وعلى رأسهم السعودية. إذ بوجود عدد قليل من الحلفاء في المنطقة، تعتبر إيران وجود حكومة صديقة لها في سوريا جزءاً أساسياً من بقائها وقوتها.

الاستعانة بكل القنوات

على مدى السنوات الأربع الماضية، سعت إدارة ترامب لتطبيق سياسة غير متماسكة حيال سوريا أضرت بصدقيّتها وكل ذلك صبّ في مصلحة إيران. إذ أعلنت الولايات المتحدة مرات عديدة عن سحب الجنود وتقليل عددهم، كما استهانت بالتزاماتها تجاه قوات سوريا الديمقراطية (قسد). هذه القرارات وغيرها التي اتخذت حيال سوريا أتت مناقضة لخطاب ترامب المتشدد وأعطت انطباعاً بأن الوقوف في وجه إيران هناك لم يكن أولوية بالنسبة للرئيس.

وترى “فورين أفيرز” أنه يتعين على إدارة بايدن المقبلة أن تتقبل فكرة محدودية خياراتها لمحاربة النفوذ الإيراني في سوريا، إلا أنه ما يزال بوسعها أن تتخذ بعض الخطوات الفورية، فمثلاً، تخضع قوات سوريا الديمقراطية حالياً لأوامر قاطعة صدرت عن واشنطن لمنعها من مخاطبة النظام. ولهذا يجب على الإدارة الجديدة أن تزيل تلك العقبة وأن تسمح بحالة تشارك أكبر بين قسد وروسيا بوصفها وسيطاً. إذ لو كان هنالك عنصر إقليمي فاعل واحد يقف ضد النفوذ الإيراني في سوريا بشدة فلا بد أن يكون قسد.

وتقوم السياسة الأميركية الحالية على رفض تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، إلا أن الكثير من الدول العربية سعت لإحياء علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، بمباركة أميركية أو بدونها. إذ قامت عُمان مؤخراً بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وقبلها بسنة أعادت الإمارات فتح سفارتها هناك. ولهذا بوسع الولايات المتحدة أن تحاول التأثير على تلك المفاوضات عبر الدول الخليجية التي ستشارك فيها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها ستسامح تلك الدول على فتح قنوات خلفية مع النظام السوري، بحسب المجلة.

ولقد حافظت الولايات المتحدة على قناة دبلوماسية مع روسيا في ما يخص سوريا، وفي الوقت الذي ستعترف فيه الولايات المتحدة بنفوذ روسي محدود وبمشاركة إيران، يتعين عليها أيضاً أن تواصل تعاونها مع روسيا حيث تلتقي مصالح الدولتين. إلا أن كلاً من موسكو وطهران تسعيان لإعلان انتصار الأسد والاستثمار في ذلك، وهنا يجب على الولايات المتحدة أن تستفيد من الهوة التي يزداد اتساعها بين روسيا وإيران.

كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعاون مع أنقرة وموسكو لإبعاد طهران، ومن الاحتمالات المطروحة في هذا السياق إجراء مباحثات ثلاثية حول الخلايا الإرهابية في إدلب. وهذه المهمة لن تكون سهلة، وذلك لأن العلاقات الأميركية-التركية قد ساءت، كما أن موسكو وأنقرة تختلفان بشكل جوهري على الجماعات التي يمكن أن توصف بأنها إرهابية.

وكذلك على الولايات المتحدة أن تواصل العمل عن كثب مع إسرائيل لضمان حرية إسرائيل بالقضاء على الأخطار التي تقترب من حدودها مع سوريا، إلى جانب ضمان وجود مصلحة لها في أي مفاوضات ستجري حول إيران والجهات المرتبطة بها، بحسب “فورين أفيرز”.

وأخيراً يمكن القول بإن إدارة بايدن سترث ملفاً معقداً بالنسبة للشرق الأوسط، ولا يعود ذلك فقط للتوتر بين إيران وإسرائيل، بل أيضاً لوجود سوريا ضمن هذا الملف. إذ تبالغ السياسة الأميركية الحالية التي تقف في وجه الدور الإيراني في سوريا في تقدير نفوذ الولايات المتحدة وقدرتها على دحر إيران من سوريا. ولهذا يجب على الإدارة الأميركية الجديدة أن تتقبل حالياً فكرة عدم رحيل إيران عن سوريا بشكل كامل، وعدم تخليها عن نفوذها في سوريا تماماً. إلا أن اتباع سياسة واقعية متدرجة في سوريا لا بد أن يساعد الولايات المتحدة على تخفيف الضغوط والتقليل من خسائرها.

المدن

——————————

=====================

تحديث 21 كانون الأول 2020

—————————–

أميركا..فرص القيادة العالمية/ أحمد جابر

كتب زبيغنيو بريجنسكي كتابه “الفرصة الثانية” – ترجمة دار الكتاب العربي في بيروت – قبل الانتخابات الأميركية الحالية بإعوام، وحاول استشراف مستقبل دور بلاده، من خلال مناقشة السمات البارزة التي طبعت عهود ثلاثة رؤساء سابقين، فدمج بين الوقائع العالمية التي واجهت صانعي القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وبين طرائق الاستجابة لهذه الوقائع، ثم أدلى بدلوه في أداء أولئك الرؤساء الثلاثة الذين قادوا البلاد في تلك الأعوام الحرجة، بدءاً من جورج بوش الأب الى بيل كلينتون، وصولاً الى الرئيس، جورج بوش الابن… ليخلص في النهاية، الى ما يجب ان تكون عليه أميركا في عهد الرئيس الجديد.

يخترق تحليل بريجنسكي هاجساً ثقيلاً، هو الخيط الناظم لأوصال “الفرصة الثانية”، هذا السؤال هو: هل تمارس الولايات المتحدة الأميركية مسؤولياتها القيادية العالمية؟ للإضاءة على الإجابة المحتملة، وقبل الدخول في استعراض تجربة الرؤساء الأميركيين الثلاثة، يشير بريجنسكي الى ثلاثة مهمات مركزية، يجب النجاح فيها، لانتداب النفس لمهمات القيادة العالمية. المهمة الأولى، هي “إدارة علاقات القوة المركزية في عالم متغير… لنمو نظام عالمي أكثر تعاوناً، والثانية، احتواء النزاعات وإنهاؤها، بديلاً من انتشارها، والثالثة، التعامل مع تزايد انعدام المساواة في الشروط الإنسانية، لصياغة رد مشترك على ما يهدد خير البشرية…”… قاعدة هذه المهمات الثلاث، صيانة “الأمن القومي للشعب الأميركي”، الذي يشكل بدوره، قاعدة احتضان الخيارات السياسية الخارجية، فيزيد من فرص إنجاحها، أو يضع العراقيل “الأنانية” الداخلية، في وجهها، فيمنع إنفاذها. يطل بريجنسكي من هذه النقطة على واقع الاجتماع الأميركي الذي يجده ناقص المعرفة والاطلاع… على هذا الصعيد يقع في باب الصدمة ان تشير دراسة في العام 2002 الى ان “85 في المئة من الشبان لم يتمكنوا من تحديد العراق وأفغانستان على الخريطة، و60 في المئة منهم لم يستطيعوا العثور على بريطانيا، و29 في المئة من المستطلعين، لم يفلحوا في الإشارة الى المحيط الأطلسي…”. هذا الجهل بالعالم، يشكل سبباً مانعاً أساسياً أمام مشاطرة الرأي العام الأميركي، بقية العالم همومه، في ما يتجاوز، جوهرياً، ثقافة المواطن الأميركي العادي، التي تكاد تكون محصورة بين أرقام البورصة، ومعدلات سلة الاستهلاك وأنماطه. يقترب بريجنسكي هنا، من الجهر بالقول، أن لا ثقافة “عابرة” تقلق المواطن الأميركي على صعيد خاص، لذلك يجد الكاتب نفسه مدفوعاً الى التعميم بالسؤال: “ما الهدف الكبير لمواطن الغرب اليوم؟” وعلى هذا التساؤل يبني تساؤلاً آخر “ما الدافع الأخلاقي الذي يرشد السياسات، وهو محفوز بالشواغل الإنسانية؟”… هذا ليخرج بعلامة استفهام، مصاغة في قالب تحذيري مستقبلي، تطرح تشكيكاً في “إمكانية بقاء ثقافة ما، طويلاً، اذا ظلت هذه الثقافة بلا بوصلة أخلاقية”. من المؤكد ان بريجنسكي يستقي خلاصاته من واقع العالم المتغير، لذلك يرى الحاجة ماسة الى “وجهات نظر جديدة تحل مكان الفرضيات المتقادمة، حول السلوك الأميركي”… هذا الجديد الذي يرغب به الكاتب، يقيسه على “الأدوات المفترضة لقيادة العالم”، وهو يسأل بإلحاح في هذا المجال: “هل تمتلك أميركا أدوات القيادة العالمية حقاً؟”… يعتقد مستشار الأمن القومي السابق، ان “ثلاثة رؤساء أميركيين كانت لهم فرصهم للإجابة عن هذا السؤال، من خلال الخيارات السياسية، وليس من خلال التجريد الفلسفي”… لكن كيف تعامل كل من هؤلاء القادة مع تحدي القيادة العالمية لبلاده؟ أين أخفق، وأين اصاب نجاحاً؟ وما الشعار المركزي الذي قاد رؤية كل رئيس على حدة؟

يبدأ بريجنسكي مع جورج بوش الأب بالقول: إنه كان رئيساً ذا خبرة واسعة في الشؤون الدولية، لكنه كان بلا رؤية جريئة في لحظة غير عادية. لقد قطف بوش هذا، ثمار انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه، وأخذ عن آخر رئيس لهذا الاتحاد، غورباتشوف، كلامه حول الحاجة الى إقامة نظام عالمي جديد… لكن ما أقدم عليه من خطى لاحقة، وما مارسه من سياسات، جعل كل إنجازاته ناقصة… عليه أدار “بوش الأزمات، ولم يقدم رؤية استراتيجية هادية مرتبطة بأهداف نهائية واضحة، وذات اتجاه مستقبلي محدد المعالم…”. لقد أخفق الرئيس الأميركي هنا، في “تحويل روسيا” بعد تفكك المنظومة الشيوعية، واهتم كثيراً بتعزيز “المركز القوي لموسكو”، منعاً لمرافقة الاضطراب “للتفكك السوفياتي”، أما التقاطه لإشارات المخزون القومي والعاطفي للدول المشكلة للاتحاد السوفياتي السابق، فقد ظل ضعيفاً. لقد بدا انه مقتنع، لوهلة، “بتكون هوية سوفياتية جامعة”، ما جعله متردداً في ملاقاة “التوق الأوكراني الى الاستقلال…” هذا على سبيل المثال. وأما المساعدات الضخمة، التي أغدقت على روسيا، فلم تربط ببرنامج “للنهوض الإصلاحي”… مما بدا معه، ان “التخطيط ظل غير كافٍ”، للانتصار غير المتوقع الذي أحدثه الانهيار السوفياتي، بهذا المعنى ظل النصر الأميركي ناقصاً على جبهة الثنائية القطبية التي زالت بزوال احد قطبيها.

الإخفاق الثاني الذي جناه بوش الأب كان في العراق، حيث تمخض النصر العسكري الحاسم على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، عن قصور سياسي، ببقاء المسؤول العراقي الأول في سدة رئاسته. وإلى هذين الإخفاقين، أضيف إخفاق العجز عن تحقيق اختراق في عملية السلام في الشرق الأوسط، من خلال الضغط لفرض تسوية مقبولة، تتمتع بالحد المعقول من “الواقعية السياسية”، التي تجعلها قابلة للحياة، لدى العرب والفلسطينيين وإسرائيل. لقد رافقت رئاسة جورج بوش الأول آمال عريضة، خصوصاً بعد عقد مؤتمر مدريد، لكن تبين ان القيود التي تكبل السياسة الأميركية حيال اسرائيل، ليست خارجية، بقدر ما هي خيارات داخلية، ومن ثم خارجية، تتعلق بموقع اسرائيل في قلب “المنظومة الفكرية والسياسية والأخلاقية… والاستراتيجية” الأميركية، اكثر مما تتعلق بأي امر خارجي آخر… هذا ما سيشكل “قيداً” على الرئيسين اللاحقين، وفي الوقت نفسه، يلقي ضوءاً، حسياً، على جدل العلاقة الأميركية-الإسرائيلية.

مع الرئيس بيل كلينتون، تقدم شعار العولمة، الى منطقة الصدارة، فالعولمة عنده، “مكافئ اقتصادي لقوة طبيعية مثل الرياح والماء…” وعلى “كونية العولمة”، يصير لزاماً على “اميركا ان تجدد نفسها لتكون الأمة التي لا يستغني عنها العالم…”، اما في ما يتجاوز ذلك، فقد رأى كلينتون، ان “السياسة الخارجية، هي امتداد للداخل” لذلك فإن “العولمة صيغة ملائمة للدمج بين الصعيدين”. لقد تراجع هم السياسة الخارجية، كهم رئاسي أول، في عهد كلينتون، وبدا ان مداولات السياسة هذه اشبه “باجتماع لتناول القهوة وتبادل الحديث”، خصوصاً في الحقبة الرئاسية الأولى… إلا ان الداخل الأميركي، لم يستجب تماماً “للثمن المطلوب للقيادة العالمية، والمتمثل في درجة من نكران الذات” كذلك، فإن العالم الأوسع “كان أقل لطفاً مما تنطوي عليه افكار كلينتون عن الحتمية البهيجة للعولمة… التي يدفع منطقها الصلب التاريخ، نحو آثار حميدة”.

لقد توافرت، بحسب بريجنسكي، لكلينتون ثلاث فرص مهمة بعد انهيار السوفيات، هي: الحد من سباق التسلح من خلال مبادرات متعددة مع روسيا، واختفاء الثنائية القطبية لمصلحة نظام عالمي أوسع، وإمكانية نشوء أوروبا موسعة، لها دور القلب المنشط، سياسياً واقتصادياً، للتعاون العالمي المسؤول… لقد بدا لاحقاً ان اهم منجزات كلينتون أثراً، كامن في توسيع حلف شمال الأطلسي ليضم بلداناً أخرى خرجت من فلك “الظاهرة السوفياتية” المنهارة. لقد رمز توسيع الحلف، وما شهدته أوروبا من خطوات نحو “اتحادها” الى ذروة دور ايجابي للغرب في الشؤون العالمية، لكن كل ذلك لم يكن كافياً “لتنفيذ جدول عالمي بنّاء منسجم مع رؤية كلينتون عن العولمة، فتقاعس عن مساندة جهد “العالم” حول قضية “الاحترار العالمي” مثلما تردد في التورط في النزاعات التي اندلعت في اكثر من مكان مبدياً على سبيل المثال، لا مبالاة حيال حرب الشيشان، وعدم تقدير لانبعاث النزعة القومية الروسية… اما في الملفات الأخرى الخارجية، فقد رعى كلينتون مراوحة في العراق، وانسداداً في ميدان العلاقات مع إيران، ولم يحقق اختراقات في الميدان الصعب، ميدان العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، بل ان الأمر انتهى من “سياسة الالتزام، غير المنحاز بالتسوية، الى تأييد للرؤية الإسرائيلية” واقتراحاتها حول الحلول الممكنة والمقبولة، إسرائيلياً، لمعضلة الصراع التاريخي في المنطقة. لقد توصل بريجنسكي، في ختام عرضه لحقبة كلينتون الرئاسية، الى خلاصة مفادها: ان ميراث كلينتون غير حاسم، ويفتقر الى المنعة، لذلك فهو لم يترك بصمة تاريخية كبيرة، وتغلبت عيوبه وحتميته وحدود استجابة الداخل الاميركي على نواياه.

يقدم بريجنسكي لولاية بوش الابن، بالتعبير: إنها قيادة كارثية، تحكمها سياسة الخوف. لقد ترافق حكم بوش، مع تبلور رؤى المحافظين الجدد، وتكرّس نفوذ هؤلاء خصوصاً بعد الهجمات التي ضربت اميركا في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. صارت الحرب على الإرهاب، ومفهوم الجبهة المركزية ضده، مؤشراً على سياسة بوش واستراتيجيته. حمل شعار مطاردة الإرهاب، محتوى استراتيجياً عكس معادلة مثلثة الأضلاع: مسألة السيطرة على الخليج، وتعزيز أمن إسرائيل، والقضاء على العراق، في سبيل تحقيق ذلك. كان من شأن اجتياح أفغانستان والنجاح فيها، ان يصيبا فريق بوش “الاستراتيجي” بالغرور، فلم يتردد هؤلاء في القول: “إنهم سيصنعون التاريخ ويتركون للآخرين دراسة ما يقومون هم به”. النتيجة “الأولية” لعقيدة سياسية كهذه، تمثلت في تراجع التضامن الدولي مع أميركا، على غرار ما توافر لها ايام بوش الأب، مثلما ادى مسلكها القتالي المتعالي الى استنزافها، والى استثارة العداوات ضدها، في اكثر من مكان. لقد أخطأ بوش الابن عندما أصمّ سمعه، وقسم العالم قسمة “مانوية”، واعتبر أحداث الحادي عشر من ايلول “تجلياً شخصياً يلامس الرسالة الإلهية”.

لقد انعزلت اميركا في العراق، وتراجع بوش عن تعهده بإقامة دولة فلسطينية، وتواطأ مع اسرائيل على تدمير المبادرة العربية للسلام، التي أقرها اجتماع القادة العرب في بيروت، وتصاعد النزاع مع إيران، وحدثت شروخ في العلاقة مع اوروبا، ولم تستقر الحال مع روسيا والصين. لقد أخطأ بوش عندما استمع الى مقولات المحافظين الجدد الذين اعتبروا ان “الإرهاب في الشرق الأوسط عدمي وغير مرتبط بنزاعات سياسية أو تاريخ… وأن ثقافة العرب تحترم القوة… وأن الديموقراطية تفرض من الخارج، على الآخرين”. لقد أدخلت هذه الأفكار اميركا في “مستنقع البلقان العالمي”، الممتد من السويس في مصر الى كسنجيانغ في الصين، دخولاً يصعب الخروج منه. يقدر الكاتب، ان الفشل في العراق، كان له فضل وحيد: دفن أـحلام المحافظين الجدد، أما ابعد من ذلك، فإنه أضر بموقف أميركا في أوروبا والشرق الأقصى، مما يجعل الأمر مفتوحاً على تداعيات سياسية كثيرة.

كاستخلاص يرى بريجنسكي، ان النفور العالمي من اميركا تصاعد، كذلك الشكوك بقيادة بوش، وان الخوف الشعبي أذكاه الأداء الرسمي، مما حول الأميركيين “الى أمة يدفعها الخوف” بديلاً من الثقة القومية، ومع هذا وذاك، برز احتقار عالمي للسياسة الأميركية وخوف منها، مما اضر بموقعها وعرّضها للخطر!

اذا كانت هذه هي اللوحة مع الرؤساء الثلاثة، الذين لم يستجيبوا لشروط القيادة الأميركية للعالم، فما هو المطلوب ممن سيخلف أولئك الرؤساء، وسياساتهم؟ يرى بريجنسكي، ان “مهمة أميركا هي ان تجسد للعالم فكرة حان وقتها” ويجد ان ذلك متضمن في السعي “وراء الكرامة الإنسانية الشاملة التي تجسد الحرية والديمقراطية، وتحترم التنوع الثقافي وتقر بوجوب معالجة المظالم الإنسانية”.

وفي اعتقاد الكاتب، ان “الكرامة هي التحدي المركزي المصاحب لظاهرة اليقظة السياسية” التي تعم العالم اليوم، وهي أي اليقظة، متآلفة مع “التكنولوجيا مما يسرّع التاريخ السياسي…”. من إشارات “اليقظة” هذه ان عصر الامبراطوريات-التقليدية انتهى، وأن السيطرة الخرقاء لدولة واحدة لا تدوم تاريخياً. يقرر بريجنسكي، انه مطلوب استغلال “الفرصة الثانية” من قبل أميركا التي لا غنى عنها للعالم، فهي المرشحة للقيادة العالمية، وبديلها الفوضى، لكن في الطريق الى الإمساك بالفرصة هناك عوائق “الفرضيات الأميركية” الخاصة، والنموذج الاجتماعي القائم، والإصرار على ممارسة مسلك إمبريالي، في ظل “نهاية عصر الامبريالية” فهل سينجح الرئيس الجديد في تخطي هذه العوائق؟!.

المدن

—————————-

خامنئي والتفاوض مع واشنطن: الأمر لي/ حسن فحص

لا شك ان الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب سيغادر البيت الأبيض في قلبه حسرة كبيرة، فالاوقات التي أمضاها إلى جانب هاتفه في المكتب البيضاوي بانتظار رنينه وسماع الطرف الآخر يتحدث باللغة الفارسية او بالانكليزية بلكنة فارسية لم تتحقق. وستزداد حسرته أكثر عند استماعه لتصريحات الرئيس الجديد جو بايدن وأعضاء فريقه ومنهم وزير الخارجية المقترح جيك سوليفان يكررون على مسامع العالم عن نية واشنطن العودة الى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، وكل العقوبات والحصار الاقتصادي الذي فرضه على النظام الإيراني وكل الاستهدافات التي قام بها مباشرة لرأس مشروعها الاقليمي او تلك التي لم يعترض عليها باستهداف رأس مشروعها النووي باتت في مهب رياح قرار العودة لبايدن.

يمكن القول ان الرئيس الاسبق باراك اوباما، بجهد ذاتي او بفعل فريق من المستشارين يعرفون كنه التركيبة الايرانية ونظامها، كان الرئيس الأمريكي الأقدر على فهم الحساسيات الايرانية. بالتزامن مع دخوله الى البيت الابيض 2008 وضع النظام الإيراني أمام واحد من خيارين، إما التفاوض وأما العقوبات، ولتأكيد جديته في هذين المسارين، عمد إلى إلغاء كل الشروط المسبقة التي سبق ان وضعها سلفه جورج دبليو بوش امام الايراني، وبالتالي استطاع إسقاط الذرائع المحورية التي بني عليها الموقف الايراني المتشدد والمتصلب من التفاوض مع واشنطن.

ولعل الخطوة الرئيسة التي قام بها اوباما وشكلت الضمانة الحقيقية لنجاح مشروعه في جر ايران لطاولة التفاوض، كانت الرسائل التي وجهها بشكل غير معلن واكثرها عبر الوسيط العماني الى القيادة الايرانية وشخص المرشد الاعلى بالذات، واضعاً رهانه على انجاح المسار التفاوضي بقدرته على اقناع المرشد الاعلى الذي يمتلك القدرة على تمرير وتسويغ هذا القرار الاستراتيجية وكسر المحرمات الايديولوجية بعد ان كانت تقوم في السابق بناء على القاعدة الشرعية والفقهية التي تقول “الضرورات تبيح المحظورات”، الامر الذي يرفع احتمال التوصل الى نقاط مشتركة، ويساعد في التوصل الى تفاهم جدي حول النشاط النووي يؤسس لعلاقة متوازنة بين الطرفين في المستقبل.

ما بين حنكة اوباما في دفع ايران للدخول في المسار التفاوضي، واستعراضية ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو في رفع مستوى التحدي للنظام الايراني بشروط عالية السقوف من دون تقديم اي تعويض، دفعت النظام وقيادته للانسحاب والتمترس خلف جدران انعدام الثقة والتمسك بالتشكيك بالنوايا الامريكية التي لا تقف عند حدود المعلن، بل تمتد الى تهديد اساس النظام واستقراره واستمراره داخليا وامتداداته اقليميا.

استعراضية ترمب لم تنجح ايضا في سياسة الرسائل االتي اعتمدها مع القيادة الايرانية، ولعل الكلام الذي سمعه رئيس الوزراء الياباني خلال زيارته لطهران بمهمة امريكية وحمل فيها رسالة ترامب الى المرشد، شكل نقطة فاصلة في موقف طهران من هذه العراضة الترمبية، عندما رفض خامنئي استلام الرسالة انطلاقا من عدم وجود مسائل ذات اهتمام مشترك بين ايران والادارة الامريكية، والمُرسل ليس بذي شأن يدفعه لتلقي رسالته واستلامها، ناهيك عن قراءتها والرد عليها. وكذلك فعل خامنئي في كبح رغبة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لترتيب لقاء بين روحاني وترامب على هامش قمة اوساكا، وكبح ايضا اندفاعة وزير الخارجية محمد جواد ظريف لاحداث خرق في جدار التوتر مع واشنطن بجهود فرنسية ايضا على هامش قمة السبع التي عقدت في مدينة بياريتس الفرنسية.

امساك المرشد بمفاتيح القرار على رأس النظام والسلطة، خاصة ما يتعلق بالملفات ذات التأثير الجيوسياسي والجيو استراتيجي ومنها البرنامج النووي والتفاوض مع جهة خارجية دولية او اقليمية، واصرار روحاني وفريقه على دفع الامور لإحداث خرق في الموقف المتشدد للمرشد، انتهت الى تعطيل وشل السلطة التنفيذية ودور روحاني وفريقه في قيادة عملية التفاوض وما يمكن ان ينتج عنها من آليات تخرج ايران من الازمات التي تعانيها جراء مضاعفات العقوبات الامريكية والتي تحولت الى دولية غير معلنة. وجعلت هذه السلطة عرضة للهجوم والمحاصرة من جميع اركان النظام والمعسكر المحافظ، الى الحد الذي أُزيحت عن الواجهة وغُيب دورها في معالجة الازمات التي شهدتها ايران من سيول وفيضانات وكورونا لصالح مؤسسة حرس الثورة العسكرية التي ظهرت وكأنها الجهة التي تتحمل عبء سد الفراغ الناتج عن غياب المعالجات الحكومية الجدية، فضلا عن إتهامها (للحكومة) بالتركيز فقط على موضوع التفاوض مع واشنطن كخشبة خلاص لايران ونجاة النظام.

الليونة “الحسنية” ( نسبة الى صلح الامام الثاني لدى الشيعة الحسن بن علي بن ابي طالب مع معاوية بن ابي سفيان) التي ظهرت في مواقف المرشد في الاسبوع الفائت، ان كان في موضوع تمديد او اعادة النظر في النقاشات حول معاهدة FATF المتعلقة بمكافحة تمويل الارهاب وغسيل الاموال، او في الموقف الذي أعلنه عن امكانية الذهاب الى خيار التفاوض بهدف إلغاء العقوبات شرط التركيز على جهود ابطال مفاعيلها داخليا، تعتبر نقلة نوعية في مواقف المرشد المتشددة في هاتين المسألتين، خصوصا وان تعطيل اقرار بنود المعاهدة المالية لإخراج ايران عن اللوائح السوداء للتعامل المالي و إقرار البرلمان لقانون “الخطوة الاستراتيجية لإلغاء العقوبات” لم تكن لتحصل من دون موافقته، وهما مسألتان ضربتا مصداقية موقع روحاني على الصعيد الدولي واظهرته وكأنه يغرد خارج سرب النظام. الامر الذي يدفع الى الاعتقاد بان هذا التحول لدى المرشد لم يأت نتيجة الواقع الاقتصادي الذي يقف على حافة الانهيار، من دون التقليل من اهمية هذا العامل في خلفية هذا التغيير، بل يأتي من المتغير الحاصل في الادارة الامريكية ووصول الرئيس الجديد جو بايدن الى البيت الابيض، وما يدور من حديث عن مفاوضات خلف الكواليس جرت مع فريق بايدن لادارة الملفات الخارجية. وبالتالي فانه اوصل رسالة واضحة لكل الاطراف الداخلية بان التلهي بالصراعات والنزاعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لا يصب في مصلحة النظام والحري بهم الحوار بين بعضهم لحل الخلافات في وقت يسعون للحوار مع الخارج، لان القرار في الحوار مع الخارج لا يدخل في دائرة صلاحياتهما او صلاحية اي جهة اخرى في النظام، وهي فقط من اختصاص المرشد الذي لم يتردد في التأكيد لهم بأن “الامر لي”.

المدن

—————————–

لماذا لا يستطيع بايدن نبذ الرياض؟

ترجمة – Foreign Policy

إذا ما أصرّت إدارة بايدن على التعامل مع السعوديّة باعتبارها دولة منبوذة، فمن غير المرجّح أن يتغيّر سلوك المملكة نحو الأفضل.

تباطأ وليّ العهد السعوديّ، الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يهنِّئ الرئيس الأميركيّ المنتخب، جو بايدن، على فوزه بالانتخابات الأخيرة. لم يكن هذا من قَبيل المصادفة، فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، قاد وليّ العهد حملةَ قصف في اليمن باءت بالفشل، وربّما أفلتَ من جريمة قتل من دون عقاب، وبدأ برنامجاً سرّيّاً بالتعاون مع الصين لمعالجة اليورانيوم. كلُّ ذلك سيدفع قريباً الأعضاء التقدميّين في “كتلة الحزب الديمقراطيّ الأميركيّ” في الكونغرس إلى حثِّ بايدن على التخلّي عن التحالف الأميركيّ مع المملكة العربيّة السعوديّة، ولكن على بايدن أن يقاوم هذه الدعوات، فالتخلّي عن الحلفاء نادراً ما يدفعهم إلى تغيير سلوكهم نحو الأفضل. بل يتعيّن على بايدن بدلاً من ذلك أن يُشكّل ائتلافاً من الحلفاء الغربيّين ودول الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة، ما يعطي الولايات المتّحدة مزيداً من النفوذ لمنع المملكة من حيازة الأسلحة النوويّة وانتهاك حقوق الإنسان.

الدول التي تعتبرها الولايات المتّحدة منبوذة -على غرار سوريا وإيران وكوريا الشماليّة وكوبا- تُعَدّ من بين أسوأ الدول على وجه الأرض في مجال حقوق الإنسان . لذا فإنّ اعتبار تلك الدول منبوذةً لم يغيِّر من سلوكها، ومن المتوقّع أيضاً ألّا يغيِّر ذلك من سلوك السعوديّة.

يبدو أنّ أعضاء الكونغرس الجمهوريّين والديموقراطيّين، على حدٍّ سواء، ضاقوا ذرعاً بالمملكة العربيّة السعوديّة. ففي العام الماضي، استخدم الرئيس دونالد ترامب حقّ النقض (الفيتو) لإحباط مبادرة تشريعيّة باسم الحزبين لمنع صفقات بيع الأسلحة إلى السعوديّة ردّاً على حملة القصف التي شنّتها في اليمن. فقد حاز مشروع القانون تأييد جميع الديموقراطيّين في الكونغرس الذين صوّتوا عليه، ولكنّه حاز تحديداً تأييد حلفاء ترامب مثل السيناتور الأميركيّ الجمهوريّ البارز ليندسي غراهام. في حين تجاوز بايدن في انتقاده السعوديّة ما فعله معظم أعضاء الكونغرس. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أثناء مناظرة تمهيديّة للحزب الديموقراطيّ، قال بايدن “أوَدّ أن أوضِح أنّنا، في الواقع، لن نبيع المزيد من الأسلحة لهم، بل سنجعلهم يدفعون الثمن، وسنجعلهم، في الواقع، منبوذين”.

قد يكون من المنطقيّ إخضاع المملكة العربيّة السعوديّة للمساءلة بسبب سعيها إلى حيازة الأسلحة النوويّة وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. بَيد أنّ السؤال الأهمّ هو كيفيّة القيام بذلك. إذ إنّ التعاطي مع المملكة باعتبارها دولة منبوذة لن يحدّ من طموحاتها وسعيها نحو امتلاك أسلحة نوويّة، ولن يخفّف من انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان.

في حال أرادت واشنطن الإصلاح في الرياض، فعليها أن تفكّر في أكثر ما يُقلق السعوديّة، وهو الخوف من تخلّي الولايات المتّحدة عنها. ينبثق هذا الخوف الذي بات يقضّ مضجع الحكومة السعوديّة من ثورات الربيع العربيّ، التي اندلعت منذ نحو عقد مضى. في ذلك الوقت، دعمت إدارة الرئيس الأميركيّ آنذاك، باراك أوباما، المتظاهرين المؤيّدين للديموقراطيّة في مصر، بَينما تشبَّث حليف الولايات المتّحدة -والديكتاتور- حسني مبارك بالسلطة. حينها أدرك أفراد من العائلة المالكة السعوديّة أنّ من الممكن أن يتعرّضوا هم أيضاً للخيانة.

ومنذ ذلك الحين، تفاقمت المخاوف السعوديّة. فقد نظر البعض داخل السعوديّة إلى الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ الذي عُقِد عام 2015 على أنّه محاولة من الجانب الأميركيّ لخيانة المملكة وإقامة علاقات صداقة مع إيران. فضلاً عن أنّ الرياض تفضّل ترامب على أوباما، ويعود ذلك جزئيّاً إلى أنّ ترامب تجاهل انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان، واتّضح أنّه يتبنّى نهجاً أكثر عدوانيّةً ضدّ إيران. ولكن حتّى ترامب نفسه تهكّم على الملك سلمان بسبب اعتماد بلاده على الولايات المتّحدة، حين صرّح عام 2018 أنّه قال للملك السعوديّ “إنّنا نحميك؛ وقد لا تبقى هناك (في السلطة) لمدّة أسبوعين من دوننا”.

لم تُسفِر الضغوط الأخيرة التي مارسها الكونغرس لوقف مبيعات الأسلحة إلى السعوديّة، إلّا عن تعزيز مخاوف الرياض من تخلّي الولايات المتّحدة عنها. إذاً، ليس من قبيل المصادفة أن يُطلق وليّ العهد برنامجاً نوويّاً سرّيّاً مدعوماً من الصين، وأن يعتبر النفوذ الإيرانيّ المستمرّ في اليمن تهديداً وجوديّاً. إذ إنّه -فضلاً عن الكثير من النخب السعوديّة- يشعر على نحو متزايد بأنّ العلاقة مع الصين -وبخاصّة تلك التي تسمح للمملكة بشراء ترسانة أسلحة نوويّة خاصّة بها- تبدو مفيدة ومنطقيّة أكثر من الاعتماد المستمرّ على واشنطن.

وإذا لم تُقدِم الولايات المتّحدة على صوغ نهجٍ جديد، فإنّ هذا السيناريو قد يُعجِّل بسهولة حدوث أزمة نوويّة إقليميّة: ستوجّه فيها الأسلحة النوويّة السعوديّة صَوب إيران، وفي المقابل ستصوَّب الأسلحة النوويّة الإيرانيّة نحو السعوديّة. أمّا تركيا ومصر فلديهما القدرة على تصنيع التقنيات النوويّة الخاصّة بهما، في حين ستراقب إسرائيل متأهّبةً بتوتّر ترسانتها النوويّة.

وإذا ما أصرّت إدارة بايدن على التعامل مع السعوديّة باعتبارها دولة منبوذة، فمن غير المرجّح أن يتغيّر سلوك المملكة نحو الأفضل؛ حتّى وإن لم تحصل على قنبلة نوويّة على الفور. إذ إنّ الدول الأخرى التي تعتبرها الولايات المتّحدة منبوذة -على غرار سوريا وإيران وكوريا الشماليّة وكوبا- تُعَدّ من بين أسوأ الدول على وجه الأرض في مجال حقوق الإنسان (ونشر الأسلحة النوويّة). لذا فإنّ اعتبار تلك الدول منبوذةً لم يغيِّر من سلوكها، ومن المتوقّع أيضاً ألّا يغيِّر ذلك من سلوك السعوديّة.

وإذا لم تنجح الولايات المتّحدة، من خلال التخلّي عن السعوديّة، في تهدئة طموحاتها في مجال تطوير الأسلحة النوويّة أو الحدّ من انتهاكاتها حقوق الإنسان، فإنّ إظهار التزامها طويل الأجل تجاه المنطقة قد ينجح في ذلك. قد يكون ممكناً تخفيف الشعور بعدم الأمان لدى السعوديّة، من خلال تشجيع الرياض على الانضمام إلى رابطة جديدة تضمّ دولاً غربيّة وشرق أوسطيّة، تقوم على التعاون متعدّد الأطراف في ما يخصّ الشؤون العسكريّة والطاقة والاقتصاد والتنمية الاجتماعيّة.

وحتّى لو بدأ التحالف صغيراً إلى حدٍّ ما (فلا يضمّ سوى الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبّيّ والمملكة العربيّة السعوديّة ودولاً عربيّة صغيرة، كالأردن وعُمان والإمارات والبحرين وتونس)، فسوف يُثبِت ذلك التحالف أنّ الولايات المتّحدة وحلفاءها الغربيّين لن يتركوا المملكة بعد فترة تحت رحمة إيران أو غيرها من القوى الخارجيّة. وهذا وحده كفيل بتهدئة مخاوف الرياض بالقدر الكافي لتعزف عن طموحها في حيازة الأسلحة النوويّة وتزهد في حملات القصف العشوائيّ.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.
الرابط تضمين
ألصق رابطًا للمحتوى الذي تريد عرضه على موقعك.
معرفة المزيد حول التضمينات(يُفتح في علامة تبويب جديدة)
عذرًا، لا يمكن تضمين هذا المحتوى.

درج

———————————-

عن الترامبية والماكرونية .. وأزمة الليبرالية/ سامي حسن

في دفاعهم عن الليبرالية وقيمها، يميل ليبراليون إلى النأي بها عمّا باتت تعرف بالليبرالية الجديدة وسياساتها المتوحشة، واعتبار الأخيرة نتوءاً عارضاً على جسد الليبرالية الأصلانية التي سرعان ما ستلفظه وتستعيد عافيتها. ويقولون إن الديمقراطيات الغربية لا تتوافق، ولا يمكنها التعايش، مع الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الداخلية منها والخارجية، لليبرالية الجديدة والمتوحشة. يفهم من هذا الكلام أن ثمة عصرا ذهبيا مرّت به تلك الديمقراطيات، سادت فيه العدالة والمساواة، وغاب عنه النهب والاستغلال، فكانت أنظمة الحكم منحازة للسلم والسلام، ولقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم! الحقيقة أن التوحش والاستغلال، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وشن الحروب واستعمار الشعوب ونهب ثرواتها، والتحالف مع أنظمة الاستبداد، كانت قد وسمت بميسمها الأنظمة الليبرالية منذ نشأتها. وما يحصل اليوم ما هو إلا طبعة جديدة من سياسات قديمة. قد يكون متغيرها الأبرز، وربما الوحيد، هو الفجاجة والوقاحة في التعبير عنها. ولنا في الترامبية مثال نموذجي لها، وكذلك الماكرونية لمن شاء.

قبل أربع سنوات، تمكّن دونالد ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض، ببرنامج انتخابي، كانت تفوح منه رائحة الاستغلال والجشع والإفقار، والعنصرية تجاه الملونين، والعنجهية تجاه الشعوب الأخرى! خلال حكمه، دعا ترامب الجيش إلى النزول إلى الشوارع، لمواجهة التظاهرات التي شهدتها المدن الأميركية في أعقاب مقتل الأميركي الزنجي، جورج فلويد، على يد أحد رجالات الشرطة. لحسن الحظ، لم يستجب أصحاب القرار في المؤسسة العسكرية حينها لطلبه. ولكن السؤال هو: لو أن ترامب فاز بفترة رئاسية ثانية، فما الذي كان سيحول دون وجود من هم على شاكلته في قيادة المؤسسة العسكرية؟ وفي حال خرجت تظاهرات، لسبب أو لآخر، من كان سيضمن، ألا ينفذ الجيش، هذه المرة، أوامر الرئيس بقمع تلك التظاهرات؟

بعد مقتل الصحفي السعودي عدنان خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وهي جريمة واضحة مكتملة الأركان، واصل ترامب سياسة ابتزاز الأموال ممن يفترض أنهم أصدقاء وحلفاء، وغرّد متباهيا بذلك، من دون اكتراث بما يسببه لهم من حرج وإهانة. ووصلت الفجاجة به حد القول في مديح وزير الخارجية السابق في إدارته، ريك تيلرسون، “كان يدخل دولة ويأخذ نفطها ثم ينتقل إلى الدولة التالية”!

أما فرنسا الماكرونية، فقد شهدت، خلال العام الماضي، تظاهراتٍ عارمة نظمتها حركة السترات الصفراء، احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية، واتساع الفروق الطبقية بين الفرنسيين. واليوم، تستمر التظاهرات في المدن الفرنسية، احتجاجاً على قانون الأمن الشامل الذي يهدف إلى شرعنة القمع وتوسيعه، والحد من حرية الصحافة. وقد واجهت السلطات الفرنسية، بأذرعها الأمنية والشرطية، كل تلك التظاهرات بالقمع، واستعارت من أنظمة الاستبداد خطابها المعهود لتبرير قمعها لشعوبها، فقسّمت المتظاهرين إلى فئتين، السلميين ذوي المطالب المشروعة والمندسين الذين يمارسون العنف ويثيرون الشغب!

يبدو واضحاً أن هناك تقاطعات كبيرة بين الترامبية والماكرونية، على صعيد السياسات الداخلية والخارجية. ولذلك، لا يجب الاستغراب، من أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، هو الديكتاتور المفضل، ليس في نظر ترامب فقط، بل أيضاً بالنسبة للرئيس ماكرون الذي فرش لطاغية مصر في زيارته أخيرا فرنسا السجاد الأحمر، وقلده وسام “جوقة الشرف”، وهو أرفع وسام فرنسي، غير آبهٍ بما يتعرّض له الشعب المصري من قمع وتنكيل وتجويع على يد نظام السيسي. وأعلن الرئيس الفرنسي، بوضوح، إنه يجب الفصل بين ملف حقوق الانسان في مصر وملف المصالح الاقتصادية بين البلدين. وأن بيع السلاح لن يمنعه أن المتربع على كرسي الرئاسة المصرية ديكتاتور لن يتوانى عن استخدام السلاح الفرنسي في قمع شعبه.

في محاضرة له بعنوان “في الحرية”، يعرّف الفيلسوف، كارل بوبر، الديمقراطية بأنها القدرة على إزاحة الحاكم من دون إراقة دماء. لكن ماذا، إذا ترتب على إزاحة الحاكم، ترامب نموذجا، إراقة الدماء في بلدان أخرى؟ لقد بيّنت الانتخابات الرئاسية الأميركية وتداعياتها أن الرئيس الأميركي، وأعدادا لا يستهان بها من قيادات الحزب الجمهوري، مستعدون لفعل أي شيء، حفاظاً على سلطتهم ومصالحهم، بما في ذلك الانقلاب على ديمقراطية صندوق الاقتراع، وإشعال حروبٍ خارجية، وإراقة دماء كثيرة، قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، فهل يصح الاستمرار في وصف هذه الأنظمة بالديمقراطية؟ أو ليست الدماء التي تسفك على يد المستبدّين والطغاة، بغطاء ورعاية وحماية، من تلك الأنظمة دماء أيضاً، أم أن “دم عن دم بيفرق”؟!

يقول بوبر “التخلي عن الحرية هو بمثابة التخلي عن أن تكون إنساناً”. ويتابع “أزعم إن العالم الغربي الديمقراطي، ليس أفضل العوالم السياسية الممكنة منطقيا، أو التي يمكن تصوّرها، ولكنه أفضل العوالم السياسية التي عرفنا بوجودها تاريخيا”. هذا صحيح. ولكن، إذا كانت الحرية هدفا بحد ذاته، وهي كذلك كما أظن، إلا أنها ليست الهدف الوحيد للبشر، ويجب أن تترافق مع العدالة، وفق تعبير آيزايا بيرلين في كتابه “الحرية”.

قد يكون الوصول إلى ما وصلت إليه الديمقراطيات الغربية هو الهدف الذي تنشده، اليوم، البلدان المبتلاة بأنظمة مستبدّة، ومنها بلداننا العربية. أما بالنسبة للدول التي أنجزت ثورتها الديمقراطية، كأوروبا وأميركا، فواقع الحال فيها لا يقول فقط إنها تعاني من أزماتٍ على مستوى الاقتصاد والمجتمع والثقافة والهوية، بل يشي بأن الديمقراطية نفسها باتت في خطر. وعليه، فإن المهمة التي تطرح نفسها على البشرية اليوم رفض الواقع الراهن، والتصدّي له، والعمل من أجل عالم أكثر إنسانية وديمقراطية وعدالة.

العربي الجديد

————————-

كيف ستكون سياسة جو بايدن في سورية وتركيا؟/ مروة شبنم أوروج

بينما يستعدّ الرئيس الأميركي الجديد للاستقرار في المكتب البيضاوي، ينتاب العالم فضولٌ بشأن ماهية السياسة الخارجية التي سيتبعها جو بايدن بعد دونالد ترامب، ومن ضمنها موقفه تجاه المسألة السورية.

انتهت فترة ولاية جو بايدن، كنائب للرئيس باراك أوباما، قبل أربع سنوات؛ ومع ذلك، ما تزال الأزمة في سورية وحولها مستمرة. وعلى الرغم من أن بايدن يرفض التعليقات القائلة بأن رئاسته ستكون الولاية الثالثة لأوباما، فإن فريق السياسة الخارجية الذي بدأ تشكيلَه، يتكوّن من أشخاص عمل معهم باراك أوباما الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، وهذا ما ينفي الصدقية عما يقوله بايدن.

كانت قراءة سياسة ترامب في سورية أكثر صعوبة من قراءة سياسة أوباما؛ إذ لم يكرر ترامب مقولة أوباما: “على الأسد أن يرحل”، ولم يتوان عن تنفيذ هجمات جوية ضد نظام الأسد، لاستخدامه السلاح الكيمياوي في 2017 و2018، ومع أن تلك الهجمات لم تلحق ضررًا جسيمًا بنظام الأسد، فقد كان هناك إجراء ما على الأقلّ. من ناحية أخرى، على الرغم من عدم انزعاج ترامب من الوجود الروسي في سورية، لم يستطع تكرار عبارته “فلنترك سورية لبوتين، ليهتم بها هو”، كما فعل قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وذلك لأن معظم الهجمات التي تعرّض لها في واشنطن كانت بسبب ارتباطه بروسيا. ومع ذلك، قطعَ تمويل برنامج CIA ضد الأسد، ومن ناحية أخرى، لم يتردد في فرض عقوبات قيصر.

على الرغم من أن ترامب ليس لديه مشكلة مع روسيا، فإنه أضعف أنشطة إيران (الداعم الآخر للنظام في سورية)؛ حيث إن انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات على إيران التي أصبحت قويةً بعد تعاون أوباما معها بشكل غير مباشر، وضعا إيران في موقف صعب جدًا، خاصةً بعد مقتل قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني)، حيث كان مقتل زعيم التوسعية الإيرانية الذي كان مسؤولًا عن مقتل الآلاف من السوريين أكبرَ ضربةٍ تتلقاها إيران.

مما لا شك فيه أن سيطرة YPG الذراع السوري لـ PKK على مدينة الرقة، بدعم من الولايات المتحدة، ومقتل زعيم تنظيم (داعش) أبو بكر البغدادي، هما من أهم النجاحات التي حققها ترامب في سورية. ومع ذلك، نجد أن الصحافة الدولية التي بدأت تُظهر صورة الأسد على أنه “أهون الشرّين”، من خلال تسليط الضوء على هجمات (داعش) الوحشية ابتداءً من 2013، فضّلت عدم تضخيم مقتل البغدادي أكثر من اللازم. بالطبع، كان للبيان الصحفي السخيف للرئيس الأميركي تأثيرٌ على ذلك؛ لكن الأهم هو أن مقتل البغدادي سيكون ذريعة لترامب لسحب القوات الأميركية من سورية، وهو الأمر الذي كان يريده منذ مدة طويلة. وفي الواقع، بدأ ترامب يذكر ذلك الانسحاب، مرارًا، مواجهًا البنتاغون ووزارة الخارجية.

في النهاية، قرر الرئيس الأميركي سحب القوات الأميركية، قبل عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في 2019، وهي العملية البرية التركية الثالثة، حيث استهدفت بها عناصر YPG التي تشكل تهديدًا على حدود تركيا، شرق الفرات. لاقى هذا القرار ردات فعل في واشنطن وفي بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا. وانتُقد ترامب بشدة حتى من مؤيديه، كـ السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام. ومن الواضح أن ترامب لم يكن يبدي أي تعاطف تجاه PKK الذي يحاول إضفاء الشرعية على نفسه، تحت اسم “قوات سوريا الديمقراطية”: (قسد). لكن تصوير حزب PKK على أنه ممثل عن الأكراد جعلَ الأمر صعبًا، باختصار، لم يتحمل ترامب الضغط، وقرر الإبقاء على بعض الجنود الأميركيين، ودعم عناصر PKK/YPG بدعوى حماية النفط السوري.

اتُّهم دونالد ترامب بأنه أصبح تحت تأثير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك لأن الدعم الأميركي لـ PKK كان أقلّ مما كان عليه في فترة أوباما. وفي عهد ترامب، لم تكن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في مرحلة شهر العسل، بدءًا من سورية كان الخلاف بين الحليفين في الناتو في تزايد، لكن قياسًا بفترة أوباما الثانية، كان الوضع أكثر هدوءًا، بالرغم من حصول بعض التوترات بين الحين والآخر. على سبيل المثال، أخّر ترامب تمرير قرار فرض العقوبات على تركيا: العقوبات المعروفة بـ “قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات”، وكان مجلس الشيوخ الأميركي قد فرضها ردًا على شراء تركيا منظومة S400 من روسيا.

إن كثرة الأحاديث عن “قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات”، في الأيام الماضية، في الوقت الذي تتجهز فيه واشنطن للبدء بفترة جديدة مع بايدن، تعطينا فكرة عن كيفية العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في الفترة المقبلة. مهما اُدعي أن العقوبات المفروضة على تركيا هي بسبب شرائها المنظومة الدفاعية من روسيا، فإننا نرى أن خلفياتها تحيلنا إلى الملف السوري.

باختصار: إن أولوية تركيا في شراء نظام دفاع جوي بعيد المدى في المناقصة التي أطلقت في 2013، هي منظومة باتريوت الأميركية، لكن الشركات المنتجة مثل Raytheon وlockheed Martin رفعت السعر أربعة أضعاف، ورفضت شروط أنقرة، التي كان من ضمنها شرط نقل التقنيات والمشاركة في الإنتاج.

وبينما كانت عملية الشراء مستمرة، قررت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا عام 2015، في أوج التهديدات الموجهة من سورية نحو تركيا، سحب منظومة باتريوت التي نصبت عام 2013 على حدود حليفتهم تركيا، فأثار ذلك صدمةً كبيرة. أما تصريحات الحلفاء فقد كانت لا تُصدّق، حيث إنهم باتوا يرون أن “التهديدات السورية الموجهة نحو تركيا قد زالت”، وبدت تصريحاتهم مضحكة كأنها نكتة، وفي ذلك الوقت، كان تنظيم (داعش) وتنظيم PKK يهاجمان تركيا، من خلال عبور الشريط الحدودي، وكان نظام الأسد في أوج قوته، وكانت تركيا تدعم المعارضة العدو الأكبر للأسد، أما روسيا فكانت قد سيطرت فعليًا على سورية، وأحكمت السيطرة على مجالها الجوي أيضًا، وبينما كان يتم سحب منظومة باتريوت من الحدود التركية-السورية في خريف عام 2015، بدأت روسيا اختراق المجال الجوي لتركيا. وبعد اختراقات عدة، عدّلت أنقرة قواعد الاشتباك، وهنا كانت البداية، حيث أسقطت تركيا مقاتلة روسية اخترقت المجال الجوي التركي، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وأدى إسقاط الطائرة إلى تصاعد التوتر بين أنقرة وموسكو سريعًا، وكان الحديث عن نشوب حربٍ بين روسيا وتركيا يدور، في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لبدء أولى عملياتها البرية في سورية، أما حلفاء تركيا في الناتو، وعلى رأسهم أميركا، فلم يتحرّكوا ولم يحركوا ساكنًا.

في تلك الفترة، عاشت تركيا أشهرًا عصيبة، وبعد 15-20 يومًا، من تحسّن العلاقات التركية الروسية التي بدأت بعد تصريحات السابع والعشرين من حزيران/ يونيو 2016؛ أصبحت تركيا في مواجهة أخطر هجوم عليها في 15 تموز/ يوليو 2016: محاولة الانقلاب التي نفّذها عناصرُ من تنظيم FETÖ تغلغلوا في الجيش التركي، وهم تابعون لفتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة.

بعد الـ 15 من تموز/ يوليو، أظهرت تصريحات واشنطن مدى أسفها من فشل محاولة الانقلاب، وقد استدعت زيارة بايدن إلى الحليفة في الناتو تركيا، لتقديم التعازي باستشهاد المئات من الأتراك في محاولة الانقلاب، الانتظارَ أربعين يومًا. وفي لحظة وصول طائرة بايدن إلى مطار أنقرة، أعلنت تركيا بدء عملية (درع الفرات)، وكانت تلك رسالة شديدة لإدراة أوباما.

على عكس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، كان جو بايدن دائمًا مشككًا في الحرب الأهلية السورية. ومن المعلوم أنه لا يميل إلى تسليح المعارضين ضد النظام. وقد قال مرارًا إن المتطرفين في صفوف المعارضة سوف يصبحون أقوى. كما كان أحد المدافعين الرئيسيين عن دعم PKK، بذريعة أنهم يحاربون تنظيم (داعش). إن امتعاض جو بايدن من تركيا معروفٌ طوال سنوات عضويته الأربعين في مجلس الشيوخ، وواضح أيضًا ازدياد ذلك مع بدء الحرب الأهلية في سورية.

إن سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا في المرحلة القادمة باتت معروفة، من خلال (قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات). في الواقع جاء القانون إلى جدول الأعمال مع بدء تركيا إجراء محادثات مع روسيا، بشأن منظومة S400 عام 2017، وتمت قوننتها بالتوازي مع المحادثات؛ وهذا يعني أن الهدف الأساسي من قانون العقوبات هو تركيا.

في مقابلةٍ أُجريت مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، حديثًا، قال: “يجب على الولايات المتحدة التعامل مع تركيا، كما تعاملت روسيا معها بعد إسقاطها المقاتلة الروسية عام 2015″، وقال أيضًا إن “الولايات المتحدة الأميركية جاهزة لسحق تركيا، اقتصاديًا”، ومن المرجح أن تتزايد الضغوط على تركيا في مرحلة جو بايدن، وذلك بالتزامن مع احتمالية إجراء اتفاق نووي إيراني جديد، مع زيادة الدعم لـ PKK. باختصار: على المعارضة السورية أن تستعدّ للمرحلة القادمة، كما تفعل تركيا.

ترجمة فارس جاسم

مركز حرمون

———————–

الشّرق الأوسط ينتظر بايدن أيضاً/ أسعد عبود

تترقّب دول العالم دخول الرئيس الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، طاوياً حقبة عاصفة من رئاسة الجمهوري دونالد ترامب. وكل دولة لها حساباتها للمرحلة المقبلة، لا سيما روسيا والصين واليابان والاتحاد الأوروبي. بعضها يشعر بالقلق وبعضها الآخر بالارتياح، ويعد ملفاته في انتظار ما هو قادم.

ومع أن العالم مليء بالتحديات، من فيروس كورونا المستجد وتداعياته، إنسانياً واقتصادياً، إلى الإرهاب بكل وجوهه، إلى مسألة المناخ، والعمل المتعدد الأقطاب، فإن الشرق الأوسط يزدحم بسلسلة من الأزمات التي يتعيّن على الرئيس الأميركي المقبل التعامل معها.

من فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن إلى ليبيا وإيران، أزمات تتفرع منها مآس تثقل على كواهل هذه الدول. ومن الممكن أن يبني بايدن على سياسة ترامب في معالجة هذه الملفات، أو أن يبادر إلى وضع سياسات جديدة للتعامل معها. ومن المسلّم به، أن الرئيس الديموقراطي سيمضي في تشجيع الدول العربية على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. لكن ربما تكون لديه مقاربة أخرى للمشكلة الفلسطينية، غير “صفقة القرن” التي اقترحها ترامب، وتالياً قد يعود الرئيس الأميركي الجديد، بمؤازرة الأوروبيين، إلى تفعيل “حل الدولتين”، والسعي إلى إعادة الفلسطينيين وإسرائيل إلى طاولة المفاوضات المباشرة برعاية أميركية.

ومن المؤكد أن بايدن لن يتراجع عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس ولا عن الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. لكنه قد يعاود المساعدات للسلطة الفلسطينية، ويعيد المساهمة الأميركية في وكالة “الأونروا”، ويعيد القنصلية الأميركية إلى القدس، ويفتح مجدداً مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وهذه خطوات من شأنها إعادة الثقة إلى العلاقات الأميركية – الفلسطينية التي تضرّرت بشدة في سنوات ترامب، وتالياً تجعل الفلسطينيين يوافقون على العودة إلى المفاوضات.

وبالنسبة إلى سوريا، لا يبدو أن بايدن سيتراجع عن “قانون قيصر” الذي وضعه ترامب موضع التطبيق في حزيران (يونيو) الماضي، فهو حصيلة توافق جمهوري وديموقراطي في الكونغرس. ويرجح أن يتخذ بايدن من هذا القانون ومن الوجود العسكري الأميركي في سوريا، رافعتين للضغط على دمشق كي تعود إلى العملية السياسية في جنيف. وسيعزز أيضاً من علاقات التحالف مع أكراد سوريا، ويرسم خطاً أحمر أمام محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قضم مناطقهم في شمال شرقي سوريا، ولن يغض الطرف – كما فعل ترامب – عن عمليات عسكرية تركية جديدة في سوريا، وخصوصاً إذا كانت تستهدف الأكراد.

وفي العراق، لا مؤشرات الى أن بايدن في طريقه إلى إدخال تعديلات جوهرية على السياسة التي انتهجها ترامب هناك خلال السنوات الأربع الماضية. وتبقى مسألة التصدي للنفوذ الإيراني في هذا البلد من ثوابت السياسة الأميركية، بصرف النظر عن هوية سيد البيت الأبيض. وإلى التصدي لنفوذ إيران، قد يكون بايدن أكثر ميلاً إلى الضغط على بغداد لتعزيز التوافق السياسي مع السنّة والأكراد، متخذاً من ذلك منطلقاً لمنع أي ثغرات يمكن أن يستغلها تنظيم “داعش” للعودة إلى اكتساب النفوذ في العراق، على غرار ما حصل عام 2014.

وفي اليمن، من المرجح أن يعمل بايدن على وقف الحرب، وسيلة لمنع تمدد النفوذ الإيراني في اليمن عبر دعم الحوثيين.

أما في ليبيا، فمن المتوقع أن يكثّف بايدن التنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لإعطاء دفع للعملية السياسية التي انطلقت في الأشهر الأخيرة.

ويبقى الملف الإيراني الأكثر تفجراً. وحتى الآن، أوحى بايدن برغبة في العودة إلى الاتفاق النووي. لكنها، لن تكون عودة غير مشروطة. فالرئيس الأميركي الجديد، لن يكون في إمكانه إلا الأخذ في الاعتبار هواجس دول المنطقة من ثلاث قضايا: البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية ونفوذ طهران في المنطقة. وسبق لبايدن أن لمّح إلى الحاجة إلى التطرق للقضايا الثلاث، في مقابل الاستعداد من جانبه للعودة إلى الاتفاق النووي.

وبرغم انشغال الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، بملفات محلية ودولية أخرى، فإن الشرق الأوسط لا يمكن التغاضي عنه، لأنه يبقى منطقة متفجرة وقابلة للاشتعال في أي لحظة.

وإدراكاً لهذا الواقع، لا يمكن التأخر في المبادرة إلى التعاطي مع الملفات الساخنة في منطقة لم تسقط بالكامل من دائرة الاهتمام الأميركي.

النهار

——————————

تحركات في الملف السوري قبيل وصول بايدن للرئاسة/ حسين عبد العزيز

أن يعقد نحو 25 شخصا من “مؤتمر القاهرة” للمعارضة السورية اجتماعا لتنشيط دور ممثلي المؤتمر في “الهيئة العليا للمفاوضات” وفي “اللجنة الدستورية”، فهذا أمر طبيعي في إطار تنشيط وتطوير العمل السياسي.

لكن أن يأتي الاجتماع بصيغته الأحادية بمعزل عن الأطراف الأخرى الفاعلة في المؤتمر من جهة، وبعد اجتماع الرباعي السعودية والإمارات والأردن ومصر لبحث تطورات الوضع السوري الذي جرى نهاية الشهر الماضي من جهة ثانية، فهذا يشير إلى أن ثمة جهودا إقليمية لإجراء ترتيبات داخل “مؤتمر القاهرة” بما يتسجيب مع مصالح هذه الدول في سوريا.

تزامن ذلك مع أنباء عن محاولات لتشكيل منصة جديدة للمعارضة السورية خاصة بمناطق شمال شرق سوريا، يجري العمل عليها مع بداية العام القادم بدعم من الولايات المتحدة.

من الواضح أن السعودية والإمارات ومصر تعمل على إعادة ترتيب المعارضة السورية بما يضعف الحضور التركي الوازن في المعارضة السورية، ولم يكن كلام خالد المحاميد، المقرب من الإمارات وروسيا بعيدا عن هذا الطرح وإن جاء تحت عنوان استعادة القرار السوري، “حان الوقت ليظهر جسم جديد يعبّر عن طموح وآلام السوريين بعيدا عن الأجندات الدولية والإقليمية، ويستعيد القرار السوري ويدفع بالحل السياسي وفق القرارات الأممية”.

كلمات عامة ومبهمة تخفي في ضمنها أجندات إقليمية راغبة في ضرب الدور التركي في سوريا، ليس فقط على مستوى استئثار تركيا بالحضور السياسي في الملف السوري، بل يتعدى الأمر إلى إعادة ترتيب تحالفات سياسية تنعكس على الأرض في شمال سوريا، وهذا يتطلب تشكيل جسم سياسي معارض يكون ندا للائتلاف الوطني من جهة، ويكون مدخلا لإطلاق مبادرة سياسية للحل في سوريا بعيدا عن مواقف الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات واللجنة الدستورية من جهة ثانية.

ولكي يكتب لهذه اللعبة الإقليمية النجاح وتحظى بدعم أمريكي مقبل، لا بد من إدخال الأكراد فيها، وهذا هو سبب تزامن التصريحات عن إطلاق منصة كردية في شرق الفرات مع اجتماع القاهرة.

يتماشى ذلك مع المواقف التي أطلقتها حملة الرئيس الأمريكي المقبل جو بايدن خلال الأشهر الماضية، من أن الموقف الأمريكي مع الإدارة الجديدة سيركز على دعم الأكراد في مشروعهم الديمقراطي على الأرض من جهة وعلى إدخالهم في المفاوضات السياسية من جهة ثانية.

بالنسبة للرياض وأبو ظبي والقاهرة، يعتبر الموقف الأمريكي هذا فرصة مهمة لإعادة تفعيل “منصة القاهرة” عبر تعزيز الروابط مع القوى الكردية في سوريا المقربة من النظام، مع توسيع التحالف ليشمل “منصة موسكو”، ليتكون بذلك تحالف إقليمي-دولي مواز ومكافئ لـ “الائتلاف الوطني”، ينعكس حضوره في “الهيئة العليا للمفاوضات” وفي “اللجنة الدستورية”، بحيث لا يكون الائتلاف هو القوة الفاعلة في هاتين الهيئتين.

كما تهدف الدول الإقليمية إلى ضرب الحوار الكردي-الكردي الذي يجري برعاية أمريكية، لأن من شأن نجاح هذا الحوار أن يسحب حزب “الاتحاد الديمقراطي” نحو المعارضة، أو على الأقل يضع تفاهمات ميدانية وسياسية تمنع “الاتحاد الديمقراطي” من الانجرار نحو تحالفات جانبية.

لكن مشكلة التوجه الإقليمي لهذه الدول، تصطدم في الموقف الأمريكي المتشدد من النظام، فإذا كانت الدول الإقليمية الثلاث (السعودية، الإمارات، مصر) تتقاطع مع الموقف الأمريكي في ضرورة إضعاف الدور التركي في سوريا، فإن بينهما خلافات عميقة، فهذه الدول وتحديدا الإمارات ومصر، تعملان على إعادة الشرعية لنظام الأسد من خلال دعمهما لانفتاح سياسي إقليمي تجاهه، الأمر الذي يتعارض مع التوجه الأمريكي الساعي إلى مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على الأسد، والتي كان آخرها منع واشنطن لـ “قوات سوريا الديمقراطية” من بيع النفط للنظام السوري.

أيضا، ستمانع الإدارة الأمريكية المقبلة في نشوء أي تحالف في سوريا تكون روسيا جزءا منه، فقد أعلنت حملة بايدن أن روسيا ما تزال العدو الاستراتيجي للولايات المتحدة وليست الصين كما كان الأمر مع إدارة ترامب.

وفقا لهذه المعطيات، لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة انفتاح الأكراد على قوى عربية داعمة لنظام بطريقة أو بأخرى، بقدر ما سيكون لها مصلحة في انفتاح كردي-تركي، يخفف من اندفاعة الأخيرة في الجغرافية السورية من جهة، ويفتح آفاقا للأولى في الملف السياسي من جهة ثانية.

كاتب وإعلامي سوري

——————————

الأسد اللاشرعي/ بشير البكر

عملية ترشيح بشار الأسد لولاية رئاسية في منتصف العام المقبل باتت مفتوحة في صورة رسمية، ودخلت مرحلة تبادل الضغوط بين الأطراف الدولية المعارضة، وبين روسيا وإيران كطرفين راعيين للقضية. وكانت أول مهمة قام بها وزير خارجية النظام الجديد فيصل المقداد هي الحج إلى طهران، لطلب موافقة المرشد علي خامنئي على الأمر. وطرح المقداد خلال اللقاء أن نظام الأسد سيجري انتخابات الرئاسة العام المقبل، معرباً عن أمله في “أن يواصل أصدقاء سوريا وقوفهم إلى جانبنا بقوة”. ولم يعد المقداد خالي الوفاض، وصدرت الموافقة خلال وجوده هناك على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أعرب عن أمله في إجراء “انتخابات عامة في سوريا خلال العام المقبل، ليبدي فيها الشعب وجميع القوى السياسية رأيهم”. وحمل المقداد الإجابة الإيرانية وطار بها إلى موسكو في السابع عشر من الشهر الحالي كي يحصل على تصديق الوصي الروسي، ذلك أن المباركة الإيرانية لا تكفي وحدها. وبالفعل لم يتأخر الرد الروسي الذي يتبنى الترشيح بوصف الأسد خيار موسكو الذي لا بديل عنه حتى الآن. لأنه من جهة الضامن لمصالح روسيا في سوريا، وورقة المساومة الروسية مع أميركا من جهة أخرى.

الولايات المتحدة لا تفوت فرصة خاصة بسوريا منذ عدة أشهر، من دون أن تثير مسألة ترشح الأسد، وتبدي اعتراضها عليها، وفي كل مرة تؤكد أن الأمر مرفوض، بل أن الانتخابات المزمع تنظيمها في منتصف العام المقبل غير شرعية، وصدرت مواقف بهذا الخصوص من السفير جيمس جيفري مبعوث الولايات المتحدة السابق للشأن السوري ونائبه جويل رايبورن ومن كيلي كرافت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، والتي شددت في آخر جلسة عقدها المجلس حول سوريا الأربعاء الماضي على أن الانتخابات التي يزمع نظام الأسد تنظيمها العام المقبل، هي غير شرعية في عرف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، متوعدة بفرض مزيد من العقوبات على النظام وداعميه. وقالت إن “واشنطن ستواصل فرض العقوبات على نظام الأسد والدول الداعمة له لإعاقتهم التقدم في العملية السياسية والتطلعات الشرعية للشعب السوري”، مشددة أن ذلك “سيتم بالتوافق مع الحفاظ على المساعدات الإنسانية للمحتاجين.” وكانت المواقف ذاتها صدرت منذ حوالي شهرين عن سفراء كل من الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا. وأكد هؤلاء أن بلدانهم لن تعترف بالانتخابات الرئاسية في سوريا، وستتعامل مع نتائجها على أنها غير شرعية. وذلك في الوقت الذي تشدد فيه واشنطن العقوبات على الأسد وداعميه حسب قانون قيصر.

معركة الانتخابات الرئاسية وترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة، سوف تتحدد ملامحها النهائية حين تستقر الإدارة الأميركية الجديدة وتباشر العمل. ومن المتوقع أن تقف إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بصرامة أكثر ضد إعادة تعويم الأسد من خلال انتخابات رئاسية جديدة. وصدرت تقديرات من أوساط على معرفة بتوجهات فريق الخارجية الأميركية في الإدارة المقبلة تفيد، بأن هناك توجها لإصلاح الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس السابق باراك أوبوما في سوريا، والتي ترتب عليها إطالة أمد معاناة السوريين، والسماح للأسد وروسيا وإيران بمواصلة ارتكاب المجازر وتهجير الشعب السوري وتدمير مرافقه الحيوية بلا محاسبة.

ومن المرتقب أن يشهد اجتماع اللجنة الدستورية في دورتها الخامسة، والمقرر أن ينعقد في الخامس والعشرين من الشهر المقبل لمناقشة “المبادئ الأساسية للدستور”، مواجهة حول جملة من القضايا تدور حول الانتخابات الرئاسية. والواضح من سلوك روسيا والنظام أنهم يريدون المماطلة في كتابة أو تعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي لا يلقى موافقة من المعارضة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية. ويصر هؤلاء على عدم شرعية ترشح الأسد سواء تم إنجاز الدستور قبل موعد الرئاسية أو بعده، ويسود الاعتقاد أن تتقدم هذه الدول بصيغة إلى الأمم المتحدة من أجل انتخابات رئاسية لا يكون الأسد من بين المرشحين لها، وهذا مرهون بتبني إدارة بايدن للمسألة بقوة.

تلفزيون سوريا

———————————

=======================

تحديث 22 كانون الأول 2020

—————————-

سورية في شعار بايدن “عودة أميركا”/ رانيا مصطفى

يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، وفريقُه، قيادة البيت الأبيض رسمياً في العشرين من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني)، من دون مؤشرات على تغييرات جوهرية في السياسة الأميركية تجاه سورية؛ فشعاره “عودة أميركا” محكومٌ بواقع تعترف فيه واشنطن بأنّها لم تعد المتحكّم الأوحد في عالم رأسمالي بات متعدّد الأقطاب، مع صعود الصين الاقتصادي وحلفائها، وأن على واشنطن أن تستعين بشركاء لتطبيق سياساتها الرأسمالية في العالم، ومنها الشرق الأوسط. على هذا الأساس، كان اتفاق جنيف في العام 2012 بين الرئيسين، الأميركي أوباما، والروسي بوتين، تعترف فيه واشنطن بأن سورية منطقة نفوذ روسي، وأن على الأخيرة أن تقود الحل السياسي بإقرار مرحلة انتقالية، من دون حسم ما إذا كان بشار الأسد سيقودها أم لا.

متغيرات كثيرة جرت لاحقاً، أهمّها التوغل الإيراني في سورية، والذي غضّت عنه موسكو النظر، وواشنطن أيضاً، في مقابل دور المليشيات الإيرانية المفصلي في دعم النظام ومنعه من السقوط. وتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية من العراق إلى الشام، وما ترتب على ذلك من تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته، فيما فشلت السياسة الروسية في سورية في اختيار مساراتٍ أخرى تراهن عليها، غير إعادة تدوير نظام الأسد. وقد مكّنت هذه المتغيرات واشنطن من امتلاك أوراق ضغط قويّة تجاه موسكو، عبر سيطرتها على شرق الفرات، حيث تتركّز منابع الطاقة والثروات الزراعية؛ إضافة إلى ورقة العقوبات الأميركية على رجالات النظام السوري، وعلى كل من يدعمه، وفق قانون قيصر، وعرقلة أي مساعٍ روسية لإعادة الإعمار من دون حل سياسي يحقق الشروط الأميركية. لكن فريق بايدن لم يقل الكثير عن سورية سوى مزيد من التشدّد في محاصرة النظام، عدا عن تصريح المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة عن عدم شرعية انتخابات الأسد التي يزمع إجراءها العام المقبل.

تميل السياسة الأميركية إلى إعطاء مناطق الإدارة الذاتية بعض الاستقلالية، وعرقلة المساعي الروسية بعودتها إلى حضن النظام. وأربك قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سورية قبل عامين الإدارة الأميركية التي عملت على تجاوزه، عبر الاكتفاء بالسيطرة على الحدود العراقية – السورية، لمراقبة تحرّك المليشيات الإيرانية، وعلى قاعدة التنف على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وعلى حقول النفط والغاز شرق الفرات. لكن هذا الانسحاب غير المدروس ارتبط بسيطرة تركيا على شريط “نبع السلام”، وتمركز روسيا في مواقع القواعد الأميركية المنسحبة، وزاد من وتيرة تواصلها مع قيادات الإدارة الذاتية الكردية والعربية.

تسعى السياسة الأميركية في الفترة الأخيرة إلى المصالحة بين “قوات سورية الديمقراطية” والمجلس الوطني الكردي، وتهدئة مخاوف تركيا، بالعمل على إبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني من الواجهة، وهناك عقد استخراج النفط من حقول شرق دير الزور الذي وقعته شركة دلتا الأميركية مع “مجلس سورية الديمقراطية”. ويصبّ ذلك كله في استمرار دعمها استقلالية الإدارة الذاتية، لكن ضمن صيغة تبقي على مركزية ما في سورية.

تصريحات المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (المستقيل)، جيمس جيفري، أخيرا عن استمرار الدعم الأميركي لتركيا في إدلب، وأن النظام لن يعود إليها، تؤكّد على السياسة الأميركية المتّبعة حيال ملف إدلب، وهي تعزيز مناطق النفوذ منذ مارس/ آذار الماضي، حيث دعمت واشنطن إنزال تركيا جيشها واستخدامه الأسلحة الثقيلة، ومنع تقدم النظام وحلفائه. وعلى الرغم من أن هذا الجيب الحدودي مع تركيا حول إدلب لا تسيطر عليه تركيا تماماً، وهو محكومٌ من هيئة تحرير الشام، المصنّفة إرهابية في القوائم الأميركية والدولية؛ لا يبدو أن محاربة “الهيئة” ضمن أولويات واشنطن، على عكس ما فعلته مع تنظيم حرّاس الدين، الموجود في الشمال السوري؛ فـ”الهيئة” لا تشكل خطراً حالياً خارج سورية، وهي تقوم بما يقوم به النظام من قمع المواطنين، وتتولى مهمة ضبط الجهاديين في المنطقة، ومنهم مهاجرون، كما أن استمرار التوتر مع النظام ومليشيات إيران يشكل استنزافاً لكل الأطراف.

وقد وافقت واشنطن على كلّ اتفاقات التسوية والمصالحة التي قامت بها موسكو مع تركيا، واستعادة سيطرة النظام على مناطق واسعة، بل كانت عرّاب اتفاق الجنوب، برفقة الأردن والإمارات، وبدعم إسرائيلي. وبالتالي هي تدعم السيطرة الروسية على تلك المناطق، وكذلك لا تعارض معظم مسارات الحل الروسي بشأن مؤتمر سوتشي مطلع 2018، ومسار أستانة مع تركيا وإيران، ومسار اللجنة الدستورية، لكنها عارضت الهراء الروسي عن مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق، من دون حل سياسي. ولم تقل معظم التصريحات الأميركية الرسمية بشرط التخلي عن الأسد، بل قالت إن عليه تغيير سلوكه، على الرغم مما ارتكبه من مجازر. تركّز الولايات المتحدة الآن على تقليص الوجود الإيراني في سورية، وتعمل على إضعاف إيران في سورية ولبنان والعراق، والضغط عليها في ما يتعلق بشروط جديدة عن إعادة العمل بالاتفاق النووي، وتريد إرضاء إسرائيل بمنع تشكّل “حزب الله” سورياً في الجنوب، وإرضاء الحلفاء من العرب، الرافضين للنفوذ الإيراني في المنطقة. لكن الدور الإيراني في سورية خدم السياسات الأميركية في تعزيز الطائفية في المنطقة، حيث تتوغل إيران داخل المجتمع السوري في دير الزور ودمشق وحلب؛ وواشنطن لم تمنع مليشيات إيران من المرور على بعد عدة كيلومترات من قاعدة التنف الأميركية.

في المجمل، لا يمكن أن تدعم السياسات الأميركية، مهما تغيّر وجه حكامها، ثورات الشعوب، هي تدعم كل ما يقمعها، من أنظمة ومن تطرّف إسلامي، ومن صراعات طائفية وقومية وغيرها. للنظام دور في هذه السياسات، هو تدمير سورية، وهي تضغط على الحليف الروسي، لكي يؤدي الدور الذي قامت به هي في العراق، أي تحطيم سورية بترسيخ تقسيماتها إلى كانتونات بطابع طائفي أو قومي. هي ليست مؤامرة على سورية، كما يدّعي النظام ومحور المقاومة، بل مؤامرة على مجمل العالم العربي، حيث الخوف من نهوض هذه الشعوب وإسقاط أنظمتها والتقائها في مشتركات قوة. ومن هنا، كان لا بد من نماذج سيئة، كسورية واليمن وليبيا وقبلها العراق ولبنان، لإخافة بقية الشعوب العربية من الثورات ..

لن تخرُج “عودة” بايدن عن هذه السياسات، بل قد تسرّع عجلة التطبيع العربي – الإسرائيلي، وربما يُغلق الملف السوري في هذا السياق.

العربي الجديد

—————————–

بايدن والأزمة السورية.. 10 قضايا أساسية بانتظار دعم الإدارة الأميركية

يرى المعهد أن سياسة الوضع الراهن في سوريا ستستمر

لا تزال سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الأزمة السورية غامضة نسبيا، في وقت لم تشكل فيه سوريا أولوية سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مقارنة بوقف البرنامج النووي الإيراني.

ويقول معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن الولايات المتحدة فقدت نفوذا كبيرا في سوريا بسبب سياسات إدارتي أوباما وترامب.

فعندما واجهت عملية تركية عبر الحدود السورية في الشمال الشرقي أواخر العام الماضي، انسحبت القوات الأميركية جزئيا، مما أدى إلى طمس الخطوط الأمامية المستقرة سابقا بين القوات الروسية والتركية والأميركية.

كما لفت المعهد إلى إشادة الرئيس المنتخب جو بايدن بوضع القوة الأميركية “الخفيف” في شمال شرق سوريا. وقد يشير هذا إلى الاستعداد للاحتفاظ بوحدة صغيرة على الأرض لدعم الشركاء المحليين.

وذكر المعهد أنه “عندما أقر المشرعون الأميركيون قانون قيصر العام الماضي، قاموا ببناء آليات تهدف إلى مقاومة تغييره من قبل الإدارات المستقبلية. لذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف نظام بشار الأسد”.

ويرى المعهد أن سياسة الوضع الراهن في سوريا ستستمر رغم “تمتع واشنطن بنفوذ أكبر مما تدركه”.

ويقترح معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى اقترح أن تتحلى الإدارة المقبلة بما وصفه بـ”الصبر الاستراتيجي”، وأن تشارك حلفائها في عشر قضايا أولية.

أولى هذه القضايا هي تحديد موعد نهائي للجنة الدستورية التي تهدف لصياغة ميثاق سوري جديد لتمهيد الطريق أمام انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة، تنفيذا لقرار معطل أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2015.

ثانيا: حث الأمم المتحدة على إعداد آلية مراقبة قوية لانتخابات سوريا 2021، بالإضافة إلى خيارات آمنة ومحايدة لمشاركة السوريين في الخارج. ثالثا: تسريع المصالحة الكردية. رابعا: الضغط على تركيا لاحتواء الجهاديين.

خامسا: إشراك قوات سوريا الديمقراطية في عملية الأمم المتحدة كجزء من المعارضة السورية. سادسا: تحسين العمل الإنساني وزيادة المساعدات. سابعا: النظر في مشاريع “التعافي المبكر” في مناطق سيطرة النظام ومزيد من جهود الاستقرار في الشمال.

ثامنا: إعادة التأكيد على شروط إعادة الإعمار. تاسعا: تعزيز التعاون ضد مجرمي الحرب. وعاشرا: تذكير النظام بالإجراءات قصيرة المدى التي يمكن أن تكسر الجمود.

الحرة / ترجمات – دبي

——————————

الموقف الأمريكي الناشئ من الدول العربية المعتدلة

يثير اقتراب دخول “جو بايدن” البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021 قلقا شديدا بين القادة في الدول العربية السنية المصنفة على أنها معتدلة. وينبع قلقها المباشر من التزامه المعلن علنا بإعادة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. ويعني هذا تضمين رفع العقوبات المفروضة على إيران من قبل إدارة “ترامب” المنتهية ولايتها باعتبارها “نقطة انطلاق لمفاوضات تابعة”.

ووفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”، في خبر بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، يعتقد “بايدن” أن العودة إلى الاتفاق ستكون “أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة”.

علاوة على ذلك، عمل وزير الخارجية الأمريكي القادم “أنتوني بلينكين”، ومستشار الأمن القومي القادم “جيك سوليفان”، ومبعوث المناخ “جون كيري”، عن كثب مع المسؤولين الإيرانيين خلال عامين من المفاوضات التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو/تموز 2015.

وأظهرت السياسة الخارجية لإدارة “ترامب” الدعم للأنظمة السنية الرائدة، ولا سيما السعودية ومصر، وفقا لنهج السياسة الواقعية القائم على المصالح العملية.

وبالتالي، فإن عودة الإدارة الديمقراطية إلى واشنطن تعتبرها الرياض والقاهرة كابوسا. وتستحضر مؤشرات العودة المتوقعة للقيم “السياسية الصحيحة” إلى مركز أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك التأكيد على حقوق الإنسان والمطالب المحتملة لإرساء الديمقراطية كشرط للحفاظ على العلاقات الخاصة مع واشنطن، “العصر المظلم” لإدارة “أوباما” من وجهة نظر القادة في البلدين.

وفي محاولة للتأثير على الرئيس المنتخب “بايدن” وفريقه، قال “عبدالله المعلمي”، مبعوث الرياض لدى الأمم المتحدة، إنه لا ينبغي لأحد أن يكون “ساذجا” بحيث يعيد الدخول في الاتفاق النووي الإيراني السابق. وفي مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أكد الدبلوماسي السعودي أن العالم شهد فشل الاتفاق ولا ينبغي العودة إلى هذا الترتيب القديم.

ودعا “المعلمي” إلى اتفاق مختلف، اتفاق يشمل السعودية ولا يقتصر على كبح جماح الطموحات النووية الإيرانية، ولكنه يتناول أيضا برنامجها الصاروخي والدعم المادي للجماعات التي تعمل لصالحها بالوكالة.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان”: “ما نتوقعه هو أن تتم استشارتنا بشكل كامل، وأن تتم استشارتنا نحن وأصدقائنا الإقليميين الآخرين بشكل كامل فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران”.

وكان الصوت الأكثر مباشرة في هذه القضية هو صوت رئيس المخابرات السعودية السابق، الأمير “تركي الفيصل”، الذي حذر “بايدن” مباشرة، قائلا: “أيها الرئيس المنتخب، لا تكرر أخطاء ونواقص الاتفاق الأول. فأي اتفاق غير شامل لن يحقق السلام والأمن الدائمين في منطقتنا”.

وقال “تركي الفيصل” في خطاب ألقاه أمام المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية في المنامة، في 6 ديسمبر/كانون الأول، إن السلوك الإيراني التخريبي الإقليمي في العراق وسوريا واليمن ولبنان والسعودية من خلال مهاجمتها بشكل مباشر وغير مباشر للمنشآت النفطية، يمثل نفس القدر من التهديد الذي يمثله برنامجها النووي”. وحذر “بايدن” من تكرار “أخطاء” الماضي، وأوصى بشدة بأن يتضمن أي اتفاق جديد جميع القضايا ذات الاهتمام، ما يعني أن أصدقاء واشنطن وحلفاءها يجب أن يكونوا جزءا من المفاوضات.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن مكانة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، التي غالبا ما كانت توصف بأنها القوة الكامنة وراء عرش والده “سلمان”، متزعزعة. ويُعتبر على نطاق واسع متورطا لدوره في اغتيال الصحفي في واشنطن بوست والمعارض السعودي “جمال خاشقجي” في تركيا عام 2018، ومن المرجح أن تعامله إدارة “بايدن” كمنبوذ. وعلى العكس، خلال إدارة “ترامب”، كان “محمد بن سلمان” يُعتبر شخصية أساسية في سياسة الولايات المتحدة في الخليج العربي.

ويستجلب مجيء الإدارة الجديدة في واشنطن حالة تأهب قصوى للرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” كذلك. فالسيناريو الذي يثير أكبر مخاوفه هو عودة التعاطف الأمريكي مع “الإخوان المسلمون” في مصر. وسيكون هذا بمثابة بعث لروح إدارة “أوباما” التي دعمت رئاسة “محمد مرسي” بعد خلع “حسني مبارك”.

ومن المؤشرات الواضحة على عدم ارتياح مصر العمود الخاص الذي نُشر في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 في صحيفة “الأهرام ويكلي”، التي تعتبر ناطقة بلسان النظام. وكان كاتب العمود، “عزت إبراهيم”، مراسل الصحيفة في واشنطن عندما اندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر خلال “الربيع العربي”.

وتعبيرا عن أفكار “السيسي”، أعرب “إبراهيم” عن مخاوفه من أن تحاول جماعة الإخوان، بعد تنصيب الرئيس الجديد للولايات المتحدة، تقديم نفسها من جديد للإدارة الديمقراطية القادمة من خلال اللعب على فكرة أن الأحداث الجارية في مصر تقوض “التيارات المعتدلة” داخل الجماعة وتضعفها، باعتبارها “جدار حماية ضد التطرف”.

وذكّر القراء بأنه تم استقبال مجموعة من ما يسمى بائتلاف الشباب الثوري المصري تضم شخصيات معروفة من الثورة في واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بما في ذلك في وزارة الخارجية. وكان هذا جزءا من سياسة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هيلاري كلينتون” لتعزيز الحوار مع “الإخوان المسلمون”.

واختتم “إبراهيم” مقالته بتحذير صارخ: “إذا نجحت جماعة الإخوان في الترويج لمثل هذه الأفكار الزائفة، فلن يؤدي هذا إلا إلى تعزيز الإرهاب وتعزيز التعصب والانفصال داخل المجتمعات المسلمة في الغرب”.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام المصري الحالي كان وراء مبادرة السيناتور الجمهوري الأمريكي “تيد كروز” لإعادة تقديم مشروع قانون في الكونجرس هذا العام لتصنيف جماعة “الإخوان المسلمون” منظمة إرهابية في الولايات المتحدة ومطالبة وزارة الخارجية بتقديم أدلة لإدراج الجماعة على قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب.

واعتبارا من اليوم، يبدو أن “بايدن” ملتزم بمشروع لعكس مواقف السياسة الخارجية لـ”ترامب” و”بومبيو” بغض النظر عن الحقائق على الأرض. وبينما يدعي “بايدن” أنه يريد سياسة خارجية تتطلع إلى المستقبل، وليس الماضي، فإن مستشاريه حريصون على إقناعه بإعطاء الأولوية للعودة الأمريكية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.

وهم يناقشون احتمال توقيع “بايدن” على أمر تنفيذي رئاسي يلغي أمر “ترامب” التنفيذي لعام 2018 ويمنح وزيري الخارجية والخزانة الضوء الأخضر للشروع في رفع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي.

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موجيريني”، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني: “لدينا بضعة أشهر فقط بين يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني والانتخابات الرئاسية في إيران في منتصف يونيو/حزيران”. وقالت إن كلا من إيران والإدارة الأمريكية الجديدة سيحتاجان إلى العمل ضمن عملية متعددة الأطراف بدلا من العمل كل في جانبه.

وأعربت المفاوض النووي الأمريكية البارزة السابقة “ويندي شيرمان” عن قلقها الشديد من أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران 2021 قد تجلب رجل دين متشددا إلى القمة، ما يمكن “خامنئي” من السيطرة الكاملة على القيادة في طهران. وترى أنه من الضروري الاستفادة من الوقت الضيق المتاح للتأثير على شعور الشعب الإيراني.

وتوجد مؤشرات متزايدة على أن السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة ستعطي الأولوية للشرق الأوسط. ويبقى من المبالغة التفكير في أن “بايدن” قادم لعكس جميع سياسات “ترامب”، لكن من الواضح أن الدول العربية المعتدلة الرئيسية، السعودية ومصر، لن تتمتع بعد الآن بالتفويض المطلق الذي منحته لهما إدارة “ترامب”. ولمخاوف هذه الدول الحليفة تقليديا للولايات المتحدة ما يبررها. ويجب على قياداتها الشروع في حوار عاجل مع الإدارة الأمريكية القادمة من أجل حماية مصالحهم الحاسمة في المنطقة.

————————–

سوريا في عهد رئاسة بايدن إن أقلع/ وليد فارس

اللوبي الأول الذي سيؤثر في إدارة الرئيس المنتخب حيال دمشق هو “الإيراني”

طبعاً الخلاف الانتخابي المستمر بين الحزب الديمقراطي الذي يعترف بالرئيس المنتخب جو بايدن وأكثرية الجمهوريين الذين يرفضون نتائج الانتخابات في ست ولايات، ويعتبرون الرئيس دونالد ترمب المنتصر، لا يزال يخُضّ أميركا، حتى حسم الموضوع في بداية 2021، إلا أن كثيرين من أصحاب القرار والرأي في الشرق الأوسط يهيئون لما بعد 20 يناير (كانون الثاني) المقبل أياً كانت النتائج العملية، وكل قيادة قومية تجري حسابات دقيقة لتأثير السياسة الأميركية الجديدة، ومعظمها “يحسب” على أساس إدارة بايدن، مع إبقاء أنملة احتمال لدور لترمب. وفي سيناريو بايدن، هناك اتجاهان متناقضان، الأول صورة تفرضها الصحافة الغربية، وهي استتباب الاستقرار بحلول بايدن، السناتور المخضرم، رئيساً جديداً على الولايات المتحدة، ويشرع أصحابه بالتنبؤ بأن بايدن “الخبير في السياسة الخارجية” ستكون له مقدرة في إيجاد الحلول المطلوبة وسيعيد “هيبة” أميركا على الساحة العالمية، ولا سيما في الشرق الأوسط، إلا أن أصحاب هذه المقولة لا يقولون كيف سيتم ذلك، ربما لأن ليست هناك أجوبة جاهزة لما يمكن فعله بعد.

الاتجاه الآخر في حلقات بايدن، واقع يفرض نفسه بسلاسة، وهو التحاق كوادر تيار الرئيس السابق باراك أوباما بالإدارة الانتقالية لبايدن ما يعطي فكرة واضحة عن اتجاه الملفات الخارجية والشرق أوسطية، إذا انطلق عهده طبيعياً، وبسبب الاتجاهين المتناقضين، بات صعباً على الأوساط المتابعة للسياسة الخارجية الأميركية في واشنطن وأوساط القيادات الإقليمية في الشرق الأوسط أن ترى بوضوح ملامح سياسة بايدن حيال الأزمات الإقليمية، وسيبقى هذا اللاوضوح حتى تنجلي الأمور الدستورية تماماً في أميركا، بطريقة أو أخرى.

لكن، للعارفين بدقائق الأمور والمحللين المخضرمين في واشنطن، تقديرات لما ستؤول إليه سياسة إدارة الرئيس المنتخب المحتملة في بقاع عدة من المنطقة، انطلاقاً ممن سوف يؤثر في قراراتها. لنأخذ الملف الأصعب، سوريا، ماذا ننتظر، ومن هي قوى الضغط التي قد تؤثر في سياسة بايدن، وما هدفها؟

“اللوبي الإيراني”

اللوبي الأول الذي سيؤثر في إدارة بايدن حيال سوريا هو “الإيراني”، أو إذا كنا دقيقين أكثر، لوبي الاتفاق النووي الإيراني، أي مجموعة المصالح المالية والاقتصادية التي ستستفيد من العودة إلى الاتفاق الذي أنجزه أوباما في 2015. هذه الكتلة لها القدرة الكبرى في الضغط على أية مجموعة عمل تابعة لأوباما داخل حلقات بايدن. وأهمها، المصالح التي تربط قطاعات اقتصادية أميركية وأوروبية بالأسواق التي قد يفتحها الاتفاق الراجع، وهذا يعني أن نفوذها سيكون الأكبر، ومن مؤشرات هكذا تأثير، ترشيح رأس “اللوبي الإيراني” تريتا بارسي إلى مركز مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بغض النظر إذا عُيّن أم لا، من هنا، فإن تأثير طهران سيكون قوياً في الملف السوري، ما يعني أنه بغض الطرف عن الصورة السلبية للرئيس الأسد ونظامه في أوساط الديمقراطيين ولدى هيئات حقوق الإنسان والليبراليين، فإنه سيصعب على إدارة بايدن أن تشنّ حملة شاملة على النظام كما فعل أوباما ضد القذافي في 2011. أضف إلى ذلك، الوجود الروسي العسكري الكبير في سوريا، وتحالفه مع إيران، لذا، المتوقع أن الاتفاق النووي سيحمي، مرة أخرى، نظام الأسد، سنوات أربعاً آتية.

“الإخوان المسلمين”

اللوبي الثاني، هو كتلة ضغط “الإخوان المسلمين”، التي تساندها قطر وتركيا، ففي عهد أوباما، تمكّن من الحصول على دعم معيّن “للجيش السوري الحر” لبضع سنوات، تحوّل تدريجاً إلى الميليشيات “الإسلاموية” على الرغم من تواصلها مع مجموعات تكفيرية (معروفة بالجهاديين في الغرب)، ليلتحم مع مصالح “حكومة العدالة” التي يقودها الرئيس أردوغان، بالتالي دعم الميليشيات الإخوانية في الشمال السوري، و”الإسلامويين” وأردوغان في أيام أوباما، ونجح خلال عهد ترمب أيضاً، على الرغم من أن الرئيسين اختلفا في كل السياسات الخارجية.

إن تشكلت إدارة بايدن، فالمنتظر أن يستمر لوبي الإخوان بالقوة نفسها، لا سيما أن المنظمات الإخوانية التي دعمت بايدن، كمنظمة “كير” “CARE”، ونواب، كعضو المجلس إلهان عمر، وسيكون لها تأثير في عهده. لذا سيستمر التواصل مع المحور الإخواني، ما ينعكس على سياسة واشنطن حيال سوريا.

اليسار الماركسي

اللوبي الثالث، هو مجموعات الضغط اليسارية الراديكالية، الشيوعية و”التقدمية” التي تتواجد تحت جناح السيناتور ساندرز، ويتجسد بعضها في منظمتَي “أنتيفا”، و”BLM” ولها خبرة محدودة في الشرق الأوسط، وعلاقات مع رموز قديمة ماركسية في المنطقة، وحيال سوريا تقف مع من تعتبرهم “ماركسيي سوريا والعراق” لا سيما منظمة الـ PKK (حزب العمال الكردستاني)، ويعتقد البعض أن الجناح الماركسي هذا سيقف مع من هم امتداد لهذه المنظمة في شمال سوريا، أي الـ “YPG” الكردي (وحدات حماية الشعب) على الرغم من أن هذا الأخير ليس بوارد أن يقيم هكذا علاقات علنية مع أقصى اليسار الأميركي كي لا يخسر اليسار المعتدل والمحافظين. قوات سوريا الديمقراطية “التي تضم أكراداً، وعربا،ً ومسيحيين سريان وآشوريين، لن تريد الدخول في محاور سياسية داخلية في أميركا. “أنتيفا” والـ “BLM” سيكون لهما تأثير نضالي جماهيري في بايدن ليس سياسياً واسعاً. لذا، سيلعب هذا اللوبي دوراً في حماية دور الـ “PKK” في سوريا في واشنطن، ما سوف يعقّد الأمور أكثر للسياسة الأميركية تجاه المعضلة السورية.

“ستاتيسكو”

إضافة لهذه اللوبيات الثلاثة، ستستمر جمعيات الليبراليين ويسار الوسط في أميركا، العديدة في واشنطن، في التواصل مع جمعيات المجتمع المدني السوري داخل البلاد وخارجها، كما فعلت منذ اندلاع الثورة السورية منذ عقد تقريباً، غير أن تأثيرها سيبقى في أوساط وزارة الخارجية وبعض الوكالات الإنسانية. كان من الممكن أن تحصل هذه القوى على دعم واسع من إدارة أوباما بين 2011 و 2016، إلا أن اللوبيات الإيرانية والإخوانية حصدت الأوراق منها. والليبراليون لم يحصلوا على دعم إدارة ترمب بسبب ضغط اللوبي القطري ما بين 2000 و2017. أما القوى السنية العربية، القريبة من التحالف العربي، فهي أيضا تم استبعادها من قبل اللوبي الإيراني تحت أوباما، واللوبي الإخواني تحت ترمب. ولم تحصل إلا على دعم أميركي محدود في مناطق “قسد” بالشمال الشرقي.

إذاً، مع هكذا قوى متناقضة، كيف يمكن لسياسة بايدن أن تُحدث اختراقاً في حل الأزمة السورية؟ إذاً، لن تعمل إدارته على إسقاط نظام الأسد لأنها ستعقد صفقة مع النظام الإيراني، ولن تتمكن من تفكيك الميليشيات التكفيرية والإخوانية في سوريا بسبب اللوبي الإخواني في واشنطن، ولن تدعم الأكراد والأقليات فيها للوصول إلى استقلال ذاتي، ولن تذهب أبعد من مساعدات محدودة لليبراليين السوريين ليغيروا النظام. فإلى أين ستصل؟

البعض يقول إنها ستسعى إلى العودة إلى المفاوضات السياسية للوصول إلى حل سياسي، ونحن نقول هذا صحيح، أي أنها “ستسعى إلى العودة” وستبقى في معادلة “المساعي” كما كانت السياسات أيام أوباما، إذ إنه ما لم يغير فريق بايدن موقفه من اللوبيين الإيراني والإخواني في واشنطن ستبقى سياسة أميركا في سوريا كما هي عليه، أي سياسة الـ “ستاتيسكو” “الساعية” أي السنوات الأربع الجديدة من الثماني الـ “أوبامية” السابقة.

تبقى التفجيرات الإقليمية، والمفاجئات، وما لم يؤخذ في الاعتبار، وذلك يحسب له عندما يحدث، وتتجسد إدارة بايدن في الواقع يوم 20 يناير 2021.

الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية

اندبندنت عربي

——————————

========================

تحديث 23 كانون الأول 2020

————————–

السياسة الأمريكية تجاه سورية في عهد إدارة بايدن

تمهيد

منذ توليه الرئاسة مطلع عام 2017، وحتى الآن، واجه الرئيس ترامب انتقادات متكررة بسبب افتقاره إلى سياسة خارجية متماسكة تجاه سورية، وازدرائه الواضح للدبلوماسية التقليدية1 .

لكن الانتقادات التي وجهت لترامب، تشبه في أحد صورها ما واجهه الرئيس السابق باراك أوباما، والذي افتقر أيضًا إلى سياسة متماسكة تجاه سورية2 . فرغم استقبال إدارة أوباما لمطالبات المعارضين السوريين بدعم جهودهم ضد النظام السوري بالترحيب والتعاطف، إلا أن أوباما رفض التدخل إلى جانبهم؛ وحرص على تجنّب الدخول في الصراع على الأرض، وظل اهتمامه منصبًا على مساعي منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لتكون استجابته بمثابة ضوء أخضر للنظام السوري وداعميه الإيرانيين والروس. وفي غضون ذلك، تعرض مئات الآلاف من السوريين للقتل والاعتقال، وملايين آخرين للتشريد داخل سورية وخارجها، وقاسى أكثر 80% ممن بقي داخل سورية المعيشة تحت خط الفقر، ودمر أكثر من 50% من البنية التحتية الحيوية.

نأت إدارة أوباما بنفسها عن الدخول في الصراع في سورية، لكنها حافظت على خطوط اتصال ودعم للمعارضة السورية على الأرض، خاصة بعد تأسيس “جبهة النصرة” في عام 2012 كفرع رسمي لتنظيم القاعدة في سورية. حينها بدأت إدارة الرئيس أوباما جهودًا ملموسة من خلال برامج لدعم ما وصف بـ”المعارضة السورية المعتدلة” التابعة للجيش السوري الحر.

وقد أوكلت الإدارة الأمريكية في عام 2013 مهمة إدارة هذه البرامج إلى وكالة الاستخبارات المركزية، بمخصصات سنويّة قُدرت بمليار دولار على شكل دعم غير قاتل3 .

أوصلت الوكالة منذ نيسان 2014 كميات صغيرة من الأسلحة إلى عدد محدود من مسلحي المعارضة السورية، مثل صواريخ “التاو” التي وصلت إلى أيدي مقاتلي “حركة حزم”4 . وفي تموز 2014، نفذت القوات الأمريكية الخاصة بالتعاون مع قوات أردنية عملية إنقاذ فاشلة لعناصر أمريكان يعتقد أنهم كانوا عند تنظيم داعش5 . وفي أيلول 2014، أطلقت الإدارة برنامج تدريب وتجهيز الثوار السوريين ضد تنظيم داعش6 . لكن الرئيس ترامب ألغى كل هذه البرامج، وأنهى الدعم الأمريكي للمعارضة السورية.

ورغم تأكيد ترامب منذ توليه الرئاسة على اختلاف سياسته الخارجية عن سياسة سلفه أوباما، إلا أنه تلاقى معه في أن محصلة سياسته تجاه سورية كانت تصبّ لصالح إيران وروسيا.

وقد أعلن ترامب نيته الانسحاب من سورية أكثر من مرة، وأمر بسحب جزء من القوات الأمريكية من شمال شرق سورية لعدم رغبته بالتزام عسكري طويل الأمد، بالرغم من نصح فريق الأمن القومي له بإبقاء القوات لفترة أطول قليلًا.

قورنت هذه السياسة الانسحابية التي مارسها ترامب في سورية بالسياسة المماثلة التي مارسها الرئيس أوباما عندما قرر سحب 10 آلاف جندي أمريكي من العراق في عام 2011 7، وهو القرار الذي يُعتقد أنه أدّى إلى ترك فراغ ساعد في صعود تنظيم داعش لاحقاً.

كما ذكّرت سياسة ترامب بتجاهل الرئيس أوباما لنصائح مستشاريه بتدخل أكبر في سورية قبل التدخل الروسي بثلاث سنوات، تجنباً لما يمكن أن يؤدي إليه التدخل العسكري الإيراني والروسي في سورية من أضرار بشرية ومادية واستراتيجية، فانسحاب ترامب كان سيصب لمصلحة إيران وروسيا تمامًا كما كان تراجع أوباما عن التحذير الذي وجهه للأسد، فضلًا عن أنه أظهر عدم وجود رغبة لديه في تحدي الوجود الإيراني والروسي هناك.

إلا أن ترامب أظهر تميزه عن أوباما من خلال عدّة قرارات، كان الأول في سورية من خلال توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد ردًا على استخدامه أسلحة كيميائية في إدلب، إلا أن الضربة كانت رمزية للغاية، وبدا أن المستهدف الأساسي منها كان إدارة أوباما أكثر من نظام الأسد، أما القراران الآخران فكانا مرتبطين بإيران، إلا أنهما تركا آثاراً على الدور الإيراني في سورية، حيث كان الأول هو وقف الاتفاق النووي مع إيران، والثاني هو الأمر باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بداية عام 2020 (8) (9) .

والحقيقة أن أفضل من وصّف سياسة ترامب في سورية هو ترامب نفسه حين قال إنه لا يرغب بالتورط بالملف السوري الذي خسرته الولايات المتحدة عندما تخلى عنه أوباما قبل سنوات حين لم يفعّل خطّه الأحمر، ولم يبق فيها سوى “الموت والرمال”. ترامب قال بوضوح إن الدعم الأمريكي للأكراد هو ما ساعدهم في القتال على الأرض، وإن الولايات المتحدة قاتلت داعش نيابة عن روسيا وإيران ونظام الأسد10 . لذلك تخلى ترامب عن المعارضة السورية بإلغاء برنامجي دعم المعارضة المسلحة، بما في ذلك غرف العمليات المشتركة في الشمال والجنوب11 ، ووقف برنامج التدريب والتجهيز التابع للبنتاغون، وإيقاف برامج وزارة الخارجية الأمريكية في شمال سورية12 ، وتعليق الدعم المالي الذي تعهدت به الولايات المتحدة لجهود الاستقرار في سورية13 ، حتى أنه ألغى قبول اللاجئين السوريين حتى إشعار آخر14 .

لكن رؤيته التي تقدّم مصلحته الشخصية جعلته لا يتردد في الإقدام على محاولات للتفاوض مع نظام الأسد لإطلاق سراح أسرى أمريكان15 ، والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان16 .

أولاً: محددات سياسة بايدن في سورية

1. إرث السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

تَمثَّل الفشلُ الرئيسي لإدارة أوباما وترامب في سورية بعدم الإقرار بالمصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة في استقرار سورية، لذلك لم تضع الإدارتان الملف السوري في سلم أولوياتها، ولكنهما استخدمتا هذا الملف كورقة مرتبطة بملفات أخرى في المنطقة مثل مواجهة إيران ومكافحة الإرهاب. وقد تُرجم هذا الفشل على شكل تقدّم استراتيجي لكل من روسيا وإيران في سورية والمنطقة ككل.

أ- إرث أوباما

تُمثّل الأزمة السورية واحدة من النقاط السوداء في إرث أوباما. وقد عبّر هو وآخرون من إدارته عن عدم الرضا أو حتى المرارة عما آلت إليه الأزمة، وما يعنيه ذلك من إخفاق لإدارة أوباما في التعامل معها. وقد لخّص أنتوني بلينكن الذي اختاره بايدن وزيرًا للخارجية في الإدارة الجديدة، هذا الشعور بقوله إن على إدارة أوباما الاعتراف بفشلها في منع الخسائر في الأرواح والنزوح الجماعي داخل وخارج سورية، وقوله إنه لن ينسى هذا الفشل حتى آخر أيامه17 .

ولا شكّ أنّ هذا الأمر يُلازم بايدن هو الآخر، باعتبار أنه كان عضواً رئيسياً في إدارة أوباما. لكن ذلك قد ينعكس سلباً على موقفه في سورية، إذ سيسعى إلى انتهاج سياسة حذرة للغاية، كي لا يتورّط في تقديم وعود لن يتمكن من الإيفاء بها.

ب- السياسة الأمريكية تجاه إيران

أقرت إدارة الرئيس أوباما في وقت مبكر بعد انطلاق الثورة في سورية، بالدعم الإيراني لنظام الأسد المتمثل بنقل أساليب القمع المستخدمة في إيران18 ، وبأن انهيار نظام الأسد سيكون أكبر خسارة لإيران خلال ربع قرن19 .

وقد كانت الإطاحة بنظام الأسد تُمثل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، ولكنها رُبطت منذ ذلك الحين بالمصلحة الأمريكية في الحيلولة دون امتلاك إيران سلاحًا نوويًا.

في آب 2012، أطلق الرئيس أوباما تحذيره لنظام الأسد من أن استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبه خط أحمر غير مقبول، لكنه لم ينفذ تهديده بعد هجوم قوات الأسد بالأسلحة الكيميائية على المدنيين في الغوطة، والذي حصل بعد عام ويوم واحد على تصريح أوباما الشهير20 .

وبعد شهر من تنصيب حسن روحاني رئيسًا لإيران، أجرى أوباما أول اتصال لرئيس أمريكي مع رئيس إيراني منذ عام 1979 21، أعرب فيه عن أمله في أن التقدم المنشود في الملف النووي سيؤثر إيجابًا على ملفات أخرى مثل سورية22 .

والحقيقة أن أوباما أعلن منذ ذلك الحين ضمناً أن الملف السوري بات ورقة في المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وهي ورقة ضاعت في أدراج الإدارة الأمريكية خلال المفاوضات حتى توقيع الاتفاق في تموز 2015 ولم يعثر عليها أحد حتى الآن.

ورغم أن الهجمتين اللتين أمر بهما الرئيس ترامب على منشآت الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد قد تُقرآن خارج هذا الإطار، إلا أنهما كانتا ضربتين ارتجاليتين23 ذواتي بُعد رمزي في الشأن الداخلي الأمريكي أكثر من دلالاتهما في الحالة السورية، خاصة بعد توثيق هجمات من نظام الأسد بالأسلحة الكيميائية بعد الغارتين الأمريكيتين24 .

بدت إدارة الرئيس أوباما في أثناء المفاوضات مع إيران أكثر رغبة في التوصل إلى اتفاق من طهران نفسها، ولذلك لم يمنع الاتفاق إيران من مواصلة دعم حلفائها في المنطقة وأهمهم النظام السوري، ومنحها رفع العقوبات بموجب الاتفاق مزيدًا من الموارد للسعي وراء الهيمنة الإقليمية. لكن عمر الاتفاق لم يطل حتى أطلق الرئيس ترامب منذ توليه الرئاسة اتهامات لإيران بانتهاكه ووصفه بالاتفاق الكارثي، وانسحب منه في أيار 2018.

فرضت الإدارة الأمريكية مرة أخرى سلسلة من العقوبات على طهران بلغت أقصى مدى يمكن أن تصله هذه العقوبات، وغادرت الشركات الأوروبية من إيران، وقطعت عدة دول علاقاتها التجارية معها استجابة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وفرضت عقوبات على شركات صينية وروسية لم تقطع هذه العلاقة.

كثفت إدارة ترامب هجماتها الإلكترونية والعسكرية على النظام الإيراني، وجعلت رفع العقوبات على إيران أمرًا مستحيلًا دون تقديم تنازلات ملموسة، لكنها لم تترجم هذه الضغوط إلى استراتيجية للحد من الهيمنة الإيرانية في المنطقة25 .

ج- مكافحة الإرهاب ومبررات الوجود العسكري الأمريكي

كانت مكافحة الإرهاب البوابة الرئيسة لدخول القوات الأمريكية إلى الأرض السورية، وذلك من خلال التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. ولكن تَحقُق هدف هذا الوجود بالقضاء شبه الكامل على تنظيم داعش، أثار تساؤلات بشأن مبررات وجود القوات الأمريكية في سورية مثل التأكد من القضاء على التنظيم ودعم الشركاء الذين اختارتهم الولايات المتحدة لهذا الغرض وهم في هذه الحالة قوات سورية الديمقراطية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، والمحافظة على الوجود الأمريكي في قاعدة التنف ذات الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود العراقية والأردنية على الممر الواصل بين طهران ودمشق26 .

في عام 2020، زادت هجمات تنظيم داعش في سورية والعراق زيادة ملحوظة تظهر قدرة التنظيم واستعداده لاستعادة السيطرة على الأراضي والموارد. ومع انتشار وباء كوفيد-19 الذي عزّز انكفاء الإدارة الأمريكية إلى إدارة أزمة فيروس كورونا محليًا، بالإضافة إلى تراجع القوات الأمريكية في سورية، اتسعت الفجوات الأمنية بما سمح لمقاتلي داعش بالحركة بحريّة أكبر، والهجوم على السجون لإخراج عناصرهم، وشن هجمات أكثر تنظيمًا، وتهريب مقاتليهم بين العراق وسورية. وفي الوقت ذاته، زادت الدعوات إلى عدم حصر السياسة الأمريكية في المنطقة بإيران، والالتفات إلى ملف مكافحة الإرهاب ذي الأهمية الملحّة27 .

د- العلاقة مع تركيا

بنيت العلاقات الأمريكية مع تركيا على أساس مؤسسي28 منذ الحرب العالمية الثانية. واستفادت تركيا من الدعم الأمريكي في إطار خطة مارشال، وانضمت إلى حلف الناتو مطلع الخمسينيات، وشاركت إلى جانب الولايات المتحدة في الأزمة الكورية، ثم اكتسبت بموقعها الاستراتيجي مكانة مهمة في الجهود الأمريكية لمواجهة تمدد الاتحاد السوفييتي.

طورت الولايات المتحدة علاقاتها العسكرية بالجيش التركي من تأسيس قاعدة إنجرليك الاستراتيجية التي تحتضن حتى الآن قنابل نووية أمريكية، إلى تقديم الدعم العسكري للجيش التركي ولقطاع الصناعات الدفاعية في تركيا الذي بدأ تصنيع طائرات أف16 منذ ثمانينيات القرن الماضي، وضم تركيا إلى البرنامج المشترك لتطوير الطائرات المقاتلة الذي أنتج طائرة أف35.

شمل الإطار المؤسسي للعلاقة بين واشنطن وأنقرة تعاونًا على المستوى العسكري بالدرجة الأولى، لذلك تدخل في إدارة هذه العلاقة وزارة الدفاع الأمريكية من خلال القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا، ووزارة الخارجية. لكن هذه العلاقة امتدت إلى الجانب الاقتصادي في العقد الماضي مع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في أنقرة، لتصير تركيا في المرتبة الثامنة والعشرين بين الدول المستوردة للبضائع الأمريكية، وفي المرتبة الثالثة والثلاثين بين الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة29 .

ازداد تعقيد العلاقة بين واشنطن وأنقرة خلال العقد الماضي بعد الخلاف في الرؤية تجاه ما رأته أنقرة تهديدًا لأمنها القومي على الجانب السوري من حدودها الجنوبية الشرقية، تمثل بتأسيس وحدات حماية الشعب كيانًا يسعى للحكم الذاتي ويشاطر حزب العمال الكردستاني المناهض للحكومة التركية أهدافه. من وجهة النظر الأمريكية، وبالتحديد وزارة الدفاع الأمريكية، مثل هذا الكيان شريكًا في الحرب ضد تنظيم داعش. لكن الرئيس ترامب، وانطلاقًا من نهجه غير المؤسسي في إدارة السياسة الخارجية، أكد أنه لا ينوي الإبقاء على الالتزام الأمريكي في شمال شرق سورية إلى أجل غير مسمى من خلال إعلانه نيته سحب القوات30 . ومن هذا المنطلق أيضًا، ماطل ترامب في التجاوب مع تحذيرات وزارة الدفاع الأمريكية من إقدام الحكومة التركية على شراء منظومة الصواريخ الروسية أس400، لكنه قرر في فترة الانتقال الرئاسي فرض عقوبات على أنقرة لهذا السبب31 .

شابت العلاقات الأمريكية مع تركيا أيضًا خلافات بسبب سياسة حكومة العدالة والتنمية تجاه إيران وإسرائيل. فيما يخص إيران، أوجدت دوائر اقتصادية قريبة من الحكومة التركية ثغرة في العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران خلال العقدين الماضيين، تمكنت من خلالها من تزويد طهران بسيولة مالية مما أغضب الولايات المتحدة وإسرائيل. وما زالت مخلفات هذه العملية موجودة حتى الآن من خلال القضية المرفوعة ضد المصرف التركي “هالك بانك” (HALKBANK)، التي أوجدت لها إدارة ترامب مخرجًا قانونيًا يُجنّب المصرف التركي الإدانة القانونية من خلال دفع غرامة والإقرار ببعض المخالفات32 .

أما تجاه إسرائيل، فقد تبنت الحكومة التركية موقفاً متشددًا تجاه سياسات الاستيطان الإسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وغذى الصراع الأخير حول موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط الخلاف مع إسرائيل33 .

هـ- العلاقة مع روسيا

أدت سياسة الرئيس أوباما تجاه سورية إلى تقدم استراتيجي لروسيا في سورية والمنطقة. وقد أدت سياسة ترامب في هذا الصدد إلى استمرار التقدم الروسي في ساحات أخرى في المنطقة مثل ليبيا34 . لكن علاقة الرئيس ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما زالت أكثر العلاقات غموضًا.

عجز الديمقراطيون عن إثبات تواطؤ الحملة الانتخابية لترامب في 2016 مع موسكو رغم إثبات أجهزة الاستخبارات الأمريكية حدوث اختراق روسي للعملية الانتخابية. وقد عاد هذا الملف للظهور مؤخرًا بعد ما وًصف بأنه أكبر اختراق إلكتروني شمل 18 ألف جهة أمريكية من بينها أجهزة حكومية أمريكية35 ، وإصرار ترامب على تبرئة روسيا مسبقاً من هذه العملية، ومحاولة توجيه الاتهامات بدلاً من ذلك إلى الصين36 .

2. الواقع الميداني

مع دخول الصراع في سورية عقده الثاني عند تنصيب إدارة بايدن، تغيرت موازين القوة وباتت روسيا وإيران تقودان دفة الصراع على الأرض في مواقع سيطرة النظام السوري التي تمثل معظم مناطق سورية من جنوب البلاد إلى محافظة إدلب في الشمال الغربي، ومعظم محافظة حلب في شمالي البلاد، وأجزاء من محافظتي الرقة ودير الزور في شمال وشمال شرقي سورية، باستثناء المنطقة الحدودية المحيطة بقاعدة التنف الأمريكية في الجنوب الشرقي التي تسيطر عليها القوات الأمريكية وقوات المعارضة السورية.

وما زال النظام يملك تواجدًا إداريًا وعسكريًا في محافظة الحسكة. بينما تُسيطر فصائل المعارضة على محافظة إدلب في شمالي البلاد، وأجزاء من محافظة حلب وحماة والرقة والحسكة. في حين تسيطر قوات سورية الديمقراطية في منطقة تواجد القوات الأمريكية شمال شرقي البلاد التي تشمل محافظة الحسكة وأجزاء من محافظات دير الزور والرقة وحلب37 .

ويحدّ هذا الواقع من الخيارات المتاحة أمام إدارة بايدن، على خلاف الوضع في عهد إدارة أوباما، حيث كانت المعارضة في فترة من الفترات تُسيطر على ثلثي البلاد38 ، بما يعني أن إسقاط الأسد كان متحققاً لو توفرت الإرادة لدى البيت الأبيض.

3- المدافعون عن الأسد في واشنطن

تضم هذه الفئة الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي يمثل أفكار اليسار الغربي تجاه ثورات الربيع العربي، والذي أيّد النظم الدكتاتورية العربية، ومن بينها نظام بشار الأسد، في مواجهة ما وصفه بالإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة39 .

لكن بايدن ونائبته كمالا هاريس لا ينتميان لهذه الفئة، وقد انتقدت هاريس تولسي هابرد، المرشحة التقدمية لبطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واصفة إياها بـ”المدافعة عن الأسد” 40. لكن هذا الجناح صاعد في صفوف الحزب الديمقراطي، سيمثل تحديًا لسياسة بايدن تجاه سوريا.

وفي السياق نفسه، أثار وجود بعض الموظفين الذين يصنفون في فئة المدافعين عن الأسد، في الحملة الانتخابية لبايدن حفيظة المعارضين السوريين. ومنهم ستيفن سايمن أحد مستشاري الحملة لشؤون الشرق الأوسط الذي كان مسؤولًا في إدارة أوباما، وبعد ترك منصبه سافر إلى دمشق في عام 2015 في زيارة سرية للقاء بشار الأسد الذي كان يسعى لبناء علاقات في واشنطن تمكنه من كسب مزيد من النفوذ41 . سايمن حاجج مؤخرًا ضد زيادة الضغوط على الأسد من قبيل فرض مزيد من العقوبات، لكن مسؤولين في حملة بايدن قالوا إنه واحد من بين مائة مستشار، وإن آراءه لا تعكس آراء بايدن أو الحملة42 . ومنهم أيضًا متطوعة في حملة بايدن هي ناشطة سورية مسيحية مؤيدة للأسد ومعارضة للدعم الأمريكي للمعارضة السورية في وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم توبيخ الحملة لها على منشوراتها في وسائل التواصل، إلا أنها أبقتها في موقعها في الحملة.

وجود هؤلاء الأشخاص أثار تساؤلات كثيرة حول موقف الإدارة الجديدة تجاه سوريا. حملة بايدن ذكرت في أحد تصريحاتها أنها تنوي حثّ دول أخرى على دعم إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي يعني مباشرة عدم وجود جدية في إنفاذ “قانون قيصر” الذي فرض أكبر عقوبات اقتصادية على نظام الأسد. لكن الموقف النهائي سيظهر بعد انتهاء فوضى الحملة الانتخابية ووصول الإدارة إلى البيت الأبيض43 .

4- ميزات لصالح إدارة بايدن

لن يكون بناء استراتيجية شاملة للسياسة الأمريكية في سورية أمرًا سهلًا، إلا أن إدارة بايدن تحظى بميزات عن سابقتيها بزمن الصراع في سورية. فبعد سنوات من إساءة إدارة الاقتصاد وتجاهل كثير من جوانب إدارة البلاد لصالح تمويل الجيش، حفر بشار الأسد بنفسه قبر الاقتصاد السوري، وزرع بذور الانهيار المالي وبدأ يحصد ثمارها.

أدى هذا الانهيار إلى حدوث اضطرابات في القاعدة السياسية الداعمة للنظام وحتى ضمن عائلة الأسد نفسه.

وأخيرًا ستحظى إدارة بايدن بعشر سنوات من خبرة التعامل مع سورية تميزها عن سابقتيها44 .

ثانياً: الملامح المتوقعة لسياسة بايدن في سورية

1. فريق بايدن للسياسة الخارجية

حاول بايدن في اختياراته لمسؤولي إدارته الموازنة بين العودة إلى الساحة الدولية وبين الحذر تجاه التدخل في مزيد من الصراعات العسكرية. وأفضل مثالين لتوضيح ذلك تعيين وزيري الخارجية والدفاع اللذين سيكونان أبرز مسؤولين إلى جانب الرئيس عن السياسة الخارجية. ففي حين أن وجود بلينكن قد يكون محفزًا لتصحيح الأخطاء السابقة في سورية، فإن وجود أوستن في الفريق نفسه ربما يُقلل الحماس بشأن أي سياسة أكثر إيجابية تجاه سورية. ولذلك صحّت تسمية هذا الفريق بـ”الفريق الصحيح في الوقت الخطأ” بالنسبة للمعارضة السورية.

يدلّ تعيين أنتوني بلينكن وزيرًا للخارجية على وجود نية لدى إدارة بايدن بالعودة إلى نهج ليبرالي يعزز القيم الديمقراطية في السياسة الخارجية مع إدراك الأخطاء السابقة. رغم تجنب بايدن للحديث عن سورية، إلا أن بلينكن أقر بخطأ إدارة أوباما ودعا إلى دعم شركاء الولايات المتحدة في شمال شرق سورية، ومواصلة الضغط على نظام الأسد، والانخراط في مسار دبلوماسي للحل45 .

لكن هذا التعيين قد يدل أيضًا على عزم بايدن تكرار تجربة أوباما، فقد كان بلينكن عضوًا في فريق السياسة الخارجية طوال فترة رئاسة أوباما حين تدرج في المناصب من مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس، إلى نائب مستشار الأمن القومي للرئيس، ثم إلى نائب وزير الخارجية. لذلك ما من شك في أن بلينكن أدى دورًا في تشكيل السياسة تجاه سورية التي وصفت بالفشل الذريع، وقد أقر بذلك هو نفسه.

لكن هناك تعيينًا آخر قد يكون أكثر إحباطًا للسوريين وهو تعيين لويد أوستن وزيرًا للدفاع، فبصفته قائد القيادة المركزية الأمريكية، خطّط الجنرال المتقاعد أوستن ونفّذ الحملة العسكرية التي قضت على تنظيم داعش، لكن من المرجح أن قراءته للمشهد السوري كانت من أسباب الإحجام الأمريكي عن التدخل للحد من مأساة السوريين. ففي جلسة استماع شهيرة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2015، وفي إجابة على سؤال رئيس اللجنة السيناتور الراحل جون ماكين، أكد أوستن أنه لا ينصح بفرض حظر جوي في سورية لوقف انهمار براميل نظام الأسد المدمرة على السوريين، بإنشاء منطقة عازلة يلجأ إليها النازحون. ماكين ردّ بأنّ إجابة أوستن وزميليه الآخرين من إدارة أوباما، أكثر إجابات انفصالًا عن الواقع سمعها في مثل هذه الجلسات، ووصف سياسة إدارة أوباما في سورية بالفشل المريع46 .

لكن هناك اعتقادًا بأن أوستن لا يتحمل جزءًا كبيرًا من تركة أوباما في سورية بسبب طبيعته الهادئة البعيدة عن الأضواء والأميل إلى تنفيذ الأوامر منها إلى اقتراح السياسات والمنازعة عليها.

كان لشارك أوستن مع بايدن في كثير من المواقف السياسية الفاصلة دور مهم في تعيينه. فقد شارك أوستن بايدن تحفظه تجاه إبقاء القوات الأمريكية في العراق عام 2011، وتجاه التدخل للقضاء على تنظيم داعش في سورية عام 2014 47.

تواجه سياسة بايدن تجاه سورية محددًا آخر هو وضع الملف السوري في سياق “الحروب التي لا نهاية لها”48 على نحو متزايد في واشنطن مؤخرًا، مما يجعل من الصعب وضع سياسة ملموسة وذات تأثير أكبر على الملف.

مع تقدم القوى المناهضة للحرب والجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، زادت التحفظات تجاه الحديث عن دور أمريكي قيادي في السياسة الدولية. لذلك تواجه الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تحديًا لا يقتصر على مواجهة مجلس النواب الديمقراطي ومجلس الشيوخ الجمهوري، بل يمتد إلى صفوفها الداخلية التي تحمل رؤىً متباينة تجاه السياسة الخارجية.

2. التواجد الأمريكي في سورية

الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سورية وفي جنوب شرقها بقاعدة التنف، هو واحد من أهم الأوراق التي تملكها إدارة بايدن في التعاطي مع نظام الأسد وحلفائه الذين كسروا كل اتفاقية وقعت معهم بشأن سورية خلال عشر سنوات. لذلك يرجح أن تحافظ الإدارة الجديدة على هذا الوجود وتعززه أكثر49 .

وقد كان تأكيد بايدن عزمه إبقاء القوات في شمال شرق سوريا بعد انتقاده الحاد لسحب ترامب بعض هذه القوات من المواقف القليلة المعلنة لبايدن عن سوريا في الشهور القليلة الماضية50 .

3. سياسة بايدن تجاه الأكراد

حافظ بايدن على موقف داعم للأكراد خلال العقود الأربعة الماضية، منذ انتقاده لتهاون الرئيس بوش مطلع التسعينيات الذي أدى إلى استعادة القوات العراقية السيطرة على مناطق ذات غالبية كردية في شمال العراق.

في عام 2002، أكد بايدن في تصريح أمام “برلمان كردستان العراق” تأييده للإدارة الذاتية بأربيل بقوله: “الجبال ليست صديقتكم الوحيدة”. كما اقترح بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 تبني نموذج فدرالي يخفف التوترات الطائفية ويضمن للأكراد إدارة ذاتية. وفي أيار 2015، أبلغ بايدن مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق في ذلك الحين بمشاركته إياه آماله باستقلال الإقليم حين قال: “سنرى كردستان مستقلة في حياتنا”. وفي عام 2019، كان بايدن من أشد المنتقدين لسحب ترامب جزءًا من القوات الأمريكية من شمال شرق سورية مما سمح للقوات التركية بالسيطرة على الأراضي التي كانت تتواجد فيها.

لكن وجود بايدن في البيت الأبيض سيحدّ من آماله الشخصية في إطار الأجندة الأمريكية الأوسع في الشرق الأوسط، كما حدّ منها كونه نائب الرئيس أوباما.

في عام 2010، طلب بايدن وأوباما من الرئيس العراقي جلال طالباني التخلي عن منصبه لصالح رئيس غير كردي. هذا الطلب كان غير معقولاً؛ نظرًا لأن المتوافق عليه في العراق أن هذا المنصب مخصص للأكراد. وفي عام 2014، دعم بايدن رئيس الوزراء العراقي في حينها نوري المالكي حين خفض الميزانية المخصصة للإقليم وأخرج عناصر كردية من الجيش العراقي. لذلك رغم وعده للبرزاني بأنه سيرى “كردستان مستقلة” في حياته، إلا أن بايدن يدرك عواقب هذه الخطوة. وقد حذر في عام 2007 القادة الأكراد من السعي وراء الاستقلال حين قال إن الأتراك والإيرانيين “سيأكلونكم وأنتم أحياء، وسيهاجمونكم، وستكون حربًا شاملة”، وأكد في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على دعمهم.

وإذا أضفنا إلى ذلك دعوة وزير الخارجية الأمريكية المقبل توني بلينكن في وقت سابق لأن يكون الدعم العسكري الأمريكي لوحدات حماية الشعب مشروطًا بالتزام الوحدات بعدم استخدام هذه الأسلحة ضد تركيا، وتسليم مدينة الرقة بعد السيطرة عليها للقوات المحلية، واحترام سلامة الأراضي السورية، وإعلان الانفصال عن حزب العمال الكردستاني51 ، فإن من المرجح أن يحافظ بايدن على دعم محدود للأكراد في سورية يحميهم من الأطراف المحيطة، ولا يذهب بعيدًا إلى درجة دعم استقلالهم أو حتى سيطرتهم على مزيد من الأراضي، وربما يضغط للتوصل إلى اتفاق بينهم وبين الجانب التركي52 .

4. سياسة بايدن تجاه المعارضة السورية

يميل كل من بايدن ونائبته كمالا هاريس إلى لوم إيران وروسيا على ما آلت إليه الأمور في سوريا، دون البحث عن أعذار للنظام السوري كما يفعل الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، كما يتبنى بايدن نهجًا مؤسسيًا في الإدارة من شأنه أن يعزز الجهود الأمريكية لمواجهة التمدد الإيراني والروسي في سوريا خصوصًا والمنطقة عمومًا، خلافًا للإدارة العفوية وغير المتوقعة للرئيس دونالد ترامب. ومن هذا المنطلق، يرجح أن تدعم الإدارة الجديدة بالتعاون مع أنقرة والمعارضة السورية، وقف إطلاق النار الهش في محافظة إدلب وتحول دون سيطرة قوات النظام السوري وحلفائه عليها دون تدخل عسكري أمريكي مباشر.

لكن وصول بايدن إلى الرئاسة بحد ذاته كان من مخاوف شريحة كبيرة من المعارضين السوريين. تخشى المعارضة السورية من أن يؤدي تجديد بايدن للاتفاق النووي إلى فتح قناة دعم مالي جديدة لإيران ونظام الأسد الذي يعتمد عليها اقتصاديًا. وقد أكد وزير الخارجية الذي اختاره بايدن توني بلينكن مؤخرًا أن “قانون قيصر” الذي مرره الكونغرس وفرض أقصى العقوبات الاقتصادية حتى الآن على نظام الأسد، هو “أداة مهمة للغاية” لمحاولة الحد من قدرة النظام السوري على تمويل قمعه للسوريين، والضغط عليه لتغيير سلوكه. لكن هناك محاذير في قانون قيصر تتعلق باستثنائه للدعم الإنساني الذي وصل في السنوات السابقة عبر القنوات الرسمية للأمم المتحدة إلى نظام الأسد الذي استحوذ عليه ووزعه على أساس الولاء. وهناك غموض أيضًا إزاء موقف القانون من التبادلات التجارية عبر الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته.

تخشى المعارضة السورية أيضًا من اتخاذ إدارة بايدن موقفًا أكثر تشددًا تجاه تركيا ممثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية، التي تعد أبرز الحلفاء الدوليين المتبقين للمعارضة السورية. تستضيف تركيا جزءًا كبيرًا من المعارضة السورية وهيئاتها الرئيسة خارج البلاد، وتملك وجودًا عسكريًا في آخر المحافظات السورية الخارجة عن سيطرة النظام السوري أو وحدات حماية الشعب. ومن أهم مباعث القلق لدى المعارضة أيضًا، زيادة الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب بما يضمن لها تعزيز قبضتها على شمال شرق سوريا، رغم وجود مؤشرات على عدم الاستقرار في تلك المنطقة بسبب الأخطاء الإدارية من جهة وهجمات النظام السوري وتنظيم داعش من جهة أخرى. هذا الدعم وصل في عهد أوباما حسب رواية الحكومة التركية إلى آلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة53 .

يرجح أن يتميز الرئيس بايدن عن أوباما بكونه أكثر حسمًا في اتخاذ القرارات تجاه الملف السوري، وعن ترامب بكونه أكثر اهتمامًا بالملف54 . لذلك يتوقع عودة توافق دولي يشبه الائتلاف الدولي لأصدقاء سوريا، خاصة مع نفض الإدارة الجديدة الغبار عن التحالفات الدولية السابقة التي تجاهلتها إدارة ترامب وغادرت كثيرًا منها. هذا التوافق سيكون أكثر ميلًا لإحياء عملية سياسية بشأن سوريا في أطر الأمم المتحدة، لكنه سيواجه تحدي التفاهم مع تركيا، والضغط على روسيا لدفع النظام السوري إلى القبول بانتقال سياسي. لكن المحذور هنا هو استباق كل هذه الافتراضات بتخلي الإدارة عن المعارضة السورية في أثناء مفاوضاتها مع إيران كما فعلت إدارة أوباما.

خلاصة

شكّلت القضية السورية معضلة أساسية بالنسبة لإدارة أوباما، الحاصل بشكل مسبق على جائزة نوبل للسلام، فرغم أن الإدارة ناقشت فكرة إسقاط النظام في أكثر من مرحلة55 ، إلا أن أوباما كان يرفض في النهاية التوصيات التي تقدم له من أطراف داخل الإدارة الأمريكية نفسها، أو من دول صديقة، إن كانت هذه التوصيات تنتهي بإسقاط النظام أو القيام بعمل عسكري ضده.

وفي الواقع، فإنّ تصريحات الرئيس أوباما التي تتحدّث فيها عن وجوب سقوط الأسد لم تكن بمثابة إعلان عن خطة أمريكية لإسقاطه، بقدر ما كانت محاولة من الرئيس وقتها لتثبيت موقف قبل سقوط الأسد الذاتي الوشيك، حتى يكون الموقف الأمريكي على “الجانب الصحيح من التاريخ”.

إلا أن إدارة أوباما أدركت في عامها الأخير أن سقوط الأسد لن يحصل بشكل تلقائي، ولذا قامت بتعديل سياستها، وتوقفت عن مناقشة خطط إسقاط النظام، واعتمدت بدلاً من ذلك رغبتها في تغيير سلوكه56 أو محاربة الإرهاب الذي لم ينشأ في الواقع إلاّ نتيجةً لسلوك النظام.

وقد تبنّت إدارة ترامب عملياً هذه السياسة بالكامل، مع تكثيف لها، حيث غابت انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان عن أدبيات البيت الأبيض، انسجاماً مع تغييب البعد الحقوقي في كل الملفات، كما تراجعت أهمية القضية السورية على أجندة واشنطن بشكل كبير، على خلاف الوضع في عهد أوباما، حيث كان وزراء الخارجية في عهده (جون كيري وهيلاري كلينتون) منشغلان بهذه القضية إلى حد كبير.

وعلى ما يبدو، فإنّ إدارة بايدن سوف تتابع إلى حدّ كبير في سياسة الرئيس ترامب من حيث محدودية أهمية الملف السوري في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث يواجه الرئيس الجديد عدداً من المعطيات التي تحدّ من قدرته ورغبته في التدخل، أهمها الوضع الميداني الجديد، والمختلف بالكامل تقريباً عما كان عليه الوضع إبان وجود بايدن نائباً للرئيس، والضغوط المتزايدة من التيار التقدمي في الحزب الديموقراطي، حيث يميل هذا التيار في معظمه إلى دعم الأسد، بالإضافة إلى الضغط الذي يمثله إرث أوباما على الرئيس الجديد، والذي يخشى من تورطه في وعود لا يقوى على تنفيذها.

وبالعموم، فإنّ من المرجّح أن يتميز الرئيس بايدن عن أوباما بكونه أكثر حسمًا في اتخاذ القرارات تجاه الملف السوري، وعن ترامب بكونه أكثر اهتمامًا بالملف. كما يرجح أن يعمد إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية للضغط على النظام وروسيا من أجل التوصل إلى حل سياسي متوازن.

لكن الإشكال الأكبر بالنسبة للقضية السورية سيكون في موقف الإدارة الجديدة من طهران، إذ أن إعادة إحياء التفاوض على الاتفاق النووي، يعني عودة الملف السوري إلى كونه ورقة تفاوضية أخرى بين الطرفين، وهو الأمر الذي كرّسه أوباما أصلاً في مكالمته الشهيرة مع روحاني عام 2013.

كما أن الإشكال الآخر يكمن في التوافقات الروسية-الأمريكية المحتملة، والتي قد تشمل إدماج النظام ضمن صفقة أكبر في المنطقة، ربما تشمل التطبيع مع إسرائيل، والذي قد يكون مفتاح الحل لكسر الحصار الدبلوماسي العربي والدولي المفروض على الأسد منذ عام 2011.

الهوامش:

1. How Trump Can End the War in Syria, Foreign Affairs, 26-4-2020:https://fam.ag/34AUzQ7

2. Obama’s Syria failure is a perfect case study in how bad foreign policy is made, Vox, 16-3-2016: https://www.vox.com/2016/3/16/11244980/obama-syria-policy

3. Secret CIA effort in Syria faces large funding cut, New York Times, 12-6-2015: https://wapo.st/2KuYQOd

4. After A Long Wait, Syrian Rebels Hope The Weapons Will Now Flow, npr, 17-9-2014: https://n.pr/3perEt1

5. The failed US mission to try and rescue James Foley from Islamic State terrorists, The Telegraph, 21-8-2014: https://bit.ly/3rmgJ2e

6. House grudgingly approves arms for Syrian rebels, New York Post, 17-9-2014: https://bit.ly/3mzC6ty

7. Trump wants out of Syria, but don’t say ‘timeline’, Inquirer, 6-4-2018: https://newsinfo.inquirer.net/980565/trump-wants-out-of-syria-but-dont-say-timeline

8. Trump’s reckless Middle East policy has brought the US to the brink of war, Brookings, 6-1-2020: https://brook.gs/3pcmyh2

9. Trump’s Foreign Policies Are Better Than They Seem, Council on Foreign Relations, April 2019: https://www.cfr.org/sites/default/files/report_pdf/CSR%2084_Blackwill_Trump.pdf

10. USA: Trump describes Syria as ‘sand and death’ in defence of US withdrawal, Ruptly, 2-1-2019: https://www.youtube.com/watch?v=9itxV4gcf5g

11. Trump ends CIA arms support for anti-Assad Syria rebels: U.S. officials, Reuters, 20-7-2017: https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-usa-syria-idUSKBN1A42KC

12. US ends Syria stabilization funding, cites more allied cash, Associated Press, 17-8-2018: https://apnews.com/article/31eaa3ca51ed480f90ef6363156b710e

13. Trump Freezes Funds for Syrian Recovery, Signaling Pullback, Wall Street Journal, 30-3-2018: https://on.wsj.com/3nFiPZ6

14. Trump suspends US refugee programme and bans Syrians indefinitely, BBC, 28-1-2017: https://www.bbc.com/news/world-us-canada-38777437

15. Top White House Official Went to Syria for Hostage Talks, Wall Street Journal, 18-10-2020: https://on.wsj.com/3nFxfIJ

16. Golan Heights: Trump signs order recognising occupied area as Israeli, BBC, 25-3-2019: https://www.bbc.com/news/world-middle-east-47697717

17. Transcript: Joe Biden foreign policy adviser Antony Blinken on COVID shortfalls, failures in Syria, CBS news, 20-5-2020: https://cbsn.ws/2WyuL2K

18. A Statement by President Obama on Syria, Obama White House, 22-4-2011: https://obamawhitehouse.archives.gov/blog/2011/04/22/statement-president-obama-syria

19. Obama’s Iran and Syria muddle, Washington Post, 10-6-2012: https://wapo.st/3mFkeO2

20. Inside the White House During the Syrian ‘Red Line’ Crisis, The Atlantic, 3-6-2018: https://bit.ly/3mHyWnq

21. Obama, Iran’s Rouhani hold historic phone call, Reuters, 28-9-2013: https://www.reuters.com/article/us-un-assembly-iran-idUSBRE98Q16S20130928

22. Obama Says He Spoke On The Phone With Iranian Leader, npr, 27-9-2013: https://n.pr/3nIgTie

23. The Making and Unmaking of Syria Strategy under Trump, The Century Foundation, 29-11-2018: https://tcf.org/content/report/making-unmaking-syria-strategy-trump/?agreed=1

24. في ذكرى إحياء ضحايا الحرب الكيميائية، الشعب السوري أكثر ضحايا الأسلحة الكيميائية في القرن الحالي، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 30-11-2020: https://sn4hr.org/arabic/2020/11/30/12873/

25. Trump’s Foreign Policies Are Better Than They Seem, Council on Foreign Relations, April 2019, p39-p40: https://www.cfr.org/sites/default/files/report_pdf/CSR%2084_Blackwill_Trump.pdf

26. How to salvage Syria and protect US troops, Brookings, 18-11-2019: https://brook.gs/3pfOoc8

What Biden’s Syria policy might look like, TRT World, 24-11-2020: https://www.trtworld.com/opinion/what-biden-s-syria-policy-might-look-like-41758

27. US POLICY AND THE RESURGENCE OF ISIS IN IRAQ AND SYRIA, Middle East Institute, October 2020, p3: https://bit.ly/37CAUkT

28. US-Turkey ties under Biden: confrontation or conciliation?, Al-Monitor, 23-11-2020: https://bit.ly/2WBNTNo

29. U.S. Relations with Turkey, U.S. Department of State, 28-7-2020: https://bit.ly/3hajsat

30. Trump Administration Sanctions Turkey’s Military Procurement Agency for 2017 Purchase of Russian Missile System, Gibson Dunn, 18-12-2020: https://bit.ly/3nID5sF

31. Turkey: Background and U.S. Relations In Brief, Congressional Research Service, 9-11-2020: https://fas.org/sgp/crs/mideast/R44000.pdf

32. Turkish Bank Case Showed Erdogan’s Influence With Trump, New York Times, 29-10-2020: https://www.nytimes.com/2020/10/29/us/politics/trump-erdogan-halkbank.html

33. What could a new ambassador mean for Turkey-Israel relations?, Aljazeera, 16-12-2020: https://bit.ly/37DWXHH

34. In Syria and Libya, Trump Is Torn Over 2 Wars, and 2 Strongmen, New York Times, 27-2-2020: https://www.nytimes.com/2020/02/27/world/middleeast/trump-syria-russia-libya.html

35. US govt agencies among 18k hit by suspected Russian hacking, The Strait Times, 16-12-2020: https://bit.ly/3nIDgEl

36. Trump downplays government hack after Pompeo blames it on Russia, The Guardian, 19/12/2020: https://bit.ly/37Fm8K3

37. خريطة النفوذ العسكري في سورية 01-12-2020، جسور للدراسات، 1-12-2020: https://bit.ly/3nFxQtX

38. Assad regime ‘controls less than a third of Syria’, claims former premier, The Independent, 14/8/2012: https://bit.ly/37CUMEy

39. سورية واليسار الأنتي إمبريالي الغربي، الجمهورية، 24-2-2017: https://bit.ly/2Kj63Bb

40. Kamala Harris rips into Tulsi Gabbard as being an Assad apologist and Fox News regular who criticizes her own party, Business Insider, 21-11-2019: https://bit.ly/3h966eu

41. Assad Is Reaching Out to Washington Insiders, Bloomberg, 22-12-2015: https://bloom.bg/3pcnMJa

42. The Pointless Cruelty of Trump’s New Syria Sanctions, Foreign Affairs, 17-8-2020: https://fam.ag/3h6NLyW

43. Biden must fix Obama’s biggest foreign policy failure, Washington Post, 4-9-2020: https://wapo.st/38prEzQ

44. The Biden Administration Can And Should Rectify America’s Failures In Syria, Hoover Institution, 8-12-2020: https://hvr.co/3rl6jjp

45. Limited and constrained: The Biden administration and the prospects of a Syria policy, Atlantic Council, 3-12-2020: https://bit.ly/3rh0tzD

46. U.S. Strategy Against ISIS, C-span, 16-9-2020: https://bit.ly/3mOfWnD

47. Lloyd Austin’s qualities may have worked for him as a general, but not as defense secretary, Washington Post, 9-12-2020: https://wapo.st/3rn4TVY

48. What Is an ‘Endless War’?, National Review, 24-10-2019: https://bit.ly/37Hguay

49. The Biden Administration Can And Should Rectify America’s Failures In Syria, aforementioned.

50. Biden says Trump’s decision to withdraw from Syria is ‘most shameful thing’, USA Today, 15-10-2019: https://bit.ly/3hac7rF

51. To Defeat ISIS, Arm the Syrian Kurds, New York Times, 31-1-2017: https://nyti.ms/3hcMypU

52. What Biden can and cannot do for the Kurds, Aljazaeera, 2-12-2020: https://bit.ly/34C7xNL

53. Syrian opposition figures see cause for optimism in Joe Biden’s election, The National News, 10-11-2020: https://bit.ly/3nHrsSW

54. Biden Has a New Opportunity in Syria, Arab Center Washington DC, 7-12-2020: http://arabcenterdc.org/policy_analyses/biden-has-another-opportunity-in-syria/

55. Stymied at U.N., U.S. Refines Plan to Remove Assad, The New York Times, 21-7-2012: https://cutt.us/vdbst

56. المبعوث الأمريكي إلى سورية: هدفنا ليس إسقاط النظام بل تغيير سلوكه”، روسيا اليوم، 23-11-2018، https://cutt.us/sCQ3M

للحصول على نسخة الكترونية حمل الملف

https://www.jusoor.co/public/content_images/users/4/contents/1316.pdf

جسور للدراسات

——————————-

شرق سوريا: احتمالات الحرب قبل تسلم الرئيس بايدن مهامه/ منهل باريش

تجدد القصف المدفعي التركي على منطقة عين عيسى شمالي محافظة الرقة السورية، وبدأت المدفعية باستهداف محيط عاصمة الإدارة الذاتية ليل الخميس، وبدأت فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة باستهداف نقاط تمركز قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال قرية مشيرفة الواقعة على طريق عين عيسى- الحسكة/M4 والتي تعتبر إحدى بوابات عين عيسى من الجهة الشرقية. وتقدم اللواء 123- أحرار الشرقية التابع للفيلق الأول في الجيش الوطني وسيطر على قريتي الجهبل ومشيرفة على طريق M4 وحصلت “القدس العربي” على شريط مصور لعناصر في أحرار الشرقية على طريق M4.

في حين نفت وسائل إعلام تابعة لقسد سيطرة الجيش الوطني على قرية مشيرفة، وادعى الطرفان سقوط عدد كبير من القتلى من الطرف الآخر، في حين أشارت صفحات مستقلة لسقوط عشرة قتلى من الجانبين. وانسحبت قسد من القرية من دون مقاومة أو دفاع، فجر الجمعة، مع بدء تقدم كتائب الفيلق الأول، ما يرجح عدم سقوط قتلى في الاشتباكات.

على المحور الغربي، من منطقة نبع السلام، سيطرت فصائل الجيش الوطني، ليل الجمعة، على قرية تينة شمال غرب عين عيسى وهي تحاذي طريق حلب- الحسكة/M4.

في السياق، تظاهر عدد من الأفراد أمام القاعدة الروسية المتمركزة في مدرسة علي بن أبي طالب في الحي الشرقي من عين عيسى. في حين كانت قذائف المدفعية التركية تتساقط في المنطقة القريبة من عين عيسى، على مرآى ومسمع الضباط الروس.

واستقدمت قسد تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المدينة من الرقة، وبدأت الإدارة الذاتية ومجلس عين عيسى العسكري بعمليات حفر وتحصين غربي البلدة وشمالها، شملت رفع السواتر الترابية وحفر انفاق أفراد على عدة خطوط تحسبا من وقوع الأسوأ بالنسبة لقسد. وقام المجلس العسكري بالتعاقد مع عدد من عمال الحفريات بهدف سرعة التنفيذ. ولم يقتصر التحصين الهندسي على حفر الخنادق بل شمل توسيع شبكة الأنفاق في داخل البلدة ومحيطها. وتعتمد قسد على شبكات الأنفاق التي ورثتها من تنظيم “الدولة” في أغلب المدن، وهو ما تبين في تل أبيض. وحافظت قسد كذلك على شبكة أنفاق منبج وأعادت تأهيلها وفعلت الأمر نفسه في منطقة الجزيرة وكامل حواضر وقرى الضفة اليسرى على نهر الفرات في محافظة دير الزور.

وعقد مجلس عين عيسى العسكري التابع لقسد والضباط الروس وضباط في جيش النظام جلسة مفاوضات، الأربعاء، لإيجاد حل لوضع عين عيسى. وعلمت “القدس العربي” من مصادر مقربة من مجلس عين عيسى العسكري، أن الروس حاولوا تدوير الزوايا مع قسد، بعد رفضها بشكل قاطع تسليم المدينة للنظام السوري. واقترحوا تسلميها للشرطة العسكرية الروسية، وان تنسحب قوات النظام خارج المدينة وتنتشر على طريق حلب- الحسكة/M4 وان تتراجع قسد عن المدينة إلى حدود 4 كم، بشرط أن تسلم المؤسسات الحكومية إلى حكومة النظام بشكل كامل، وان تدخل الشرطة المدنية فقط، من دون إنشاء مربع أمني أو مفارز أو أقسام أمنية تتبع لمخابرات النظام السوري.

رسائل ضغط

رفضت قسد، ممثلة بالمجلس العسكري في عين عيسى المقترح الروسي مجددا، وعرضت نشر الشرطة العسكرية الروسية وإعطائها مزيدا من المقرات داخل المدينة، وإنشاء ما تريد من المعسكرات، بشرط عدم دخول قوات النظام إلى البلدة.

وفضلت روسيا الصمت على الهجوم المحدود في محيط عين عيسى، وكذلك فعلت تركيا، وقيادة الجيش الوطني، وقائد الفيلق الأول الذي يتبع له تجمع أحرار الشرقية. وقال مصدر عسكري في أحد الفصائل التابعة للفيلق الأول “أرسل العميد معتز رسلان قائد الفيلق رسالة نفى فيها بدء عملية عسكرية، وان قيادة الجيش والفيالق لم تتلق أي إشارة أو تعليمات من تركيا من أجل الاستعداد لعملية” مكتفيا بالقول “لا يوجد عمل عسكري”. وأصبحت المناوشات عبارة عن رسائل ضغط من كل الأطراف على قسد من أجل تسليم البلدة للنظام السوري. فبعد مضي ثلاثة أسابيع على المفاوضات الثلاثية بين روسيا والنظام وقسد، وامتناع الأخيرة عن تقديم أي تنازل بخصوص عين عيسى، فمن غير المستبعد أن تطلق روسيا يد فصائل الجيش الوطني السوري في محيط عين عيسى وتركها تسيطر على عدة نقاط على طريق M4 كما حصل الجمعة، بهدف إجبار قسد على تقديم التنازلات.

على صعيد المفاوضات، تفيد التجارب السابقة التي خاضتها وحدات حماية الشعب الكردية مع روسيا أنها رفضت تسليم النظام السوري منطقة عفرين، خلال المفاوضات التي حصلت في حلب مطلع 2018 ودفعت الوحدات ثمنها غاليا بسماح روسيا لتركيا شن عملية غصن الزيتون التي أسفرت عن سيطرة تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها على عفرين، وحصر نشاط قسد في جيب صغير شرقي عفرين، أطلقت عليه “الإدارة الذاتية” اسم منطقة الشهباء.

في نهاية صيف 2019 رفضت قسد مجددا الانسحاب إلى 30كم خارج المنطقة الحدودية، وخاضت مواجهة غير متكافئة مع الجيش التركي والجيش الوطني السوري، أدت لخسارتها مناطق واسعة من محافظة الحسكة والرقة، تمتد من تل أبيض غربا إلى حدود تل تمر شرقاً.

لكنها نجحت في تخفيف الغضب التركي في موافقتها على اتفاقي تركيا المنفصلين، مع أمريكا وروسيا، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وسمحت لقوات النظام السوري بالانتشار رمزيا في مناطق التماس مع الجيش التركي، بهدف منعه من توسيع منطقة عملياته. وامتصت الغضب التركي بتسهيل عمل الدوريات الروسية التركية المشتركة.

وتتسابق الأطراف في شمال الرقة لفرض واقع جديد، خلال 30 يوما، قبل تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جوزيف بايدن صلاحياته في 20 كانون الثاني (يناير) 2021. ففي حال انقضت الثلاثون يوما دون تغيير في خريطة السيطرة، فمن المرجح عدم تغيرها خلال ولاية الرئيس الأمريكي الجديد، مدة أربع سنوات مقبلة. وهذا ما يشجع تركيا لتستغل الفترة الضيقة والبحث عن الخواصر الرخوة في مناطق سيطرة قسد. وتنظر إلى عين عيسى على أنها أضعف النقاط باعتبار أن جيشها يقف على مشارفها من الجهة الشمالية وتقع على تحت مدى نيران رشاشات فصائل الجيش الوطني. وهي في الوقت ذاته، تعتبر العاصمة السياسية للإدارة الذاتية، ومركز هيئاتها. وتتوسط عين عيسى مناطق سيطرة قسد الممتدة من ريف حلب الشمالي وصولا إلى الحدود العراقية، وانتزاعها من يد قسد يعني خسارة طريق M4 الذي يربط بين منبج والحسكة، وهو أهم الطرق الحيوية على الإطلاق في شمال وشرق سوريا.

يشير إخفاق المفاوضات إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري “وحدات حماية الشعب” يقاومان الضغط الروسي على وقع نيران المدافع التركية والرشاشات الثقيلة للجيش الوطني، حتى مع السيطرة على عدة قرى. فهي تدرك أن الضغط العسكري التركي يصب في مصلحة الجانب الروسي ومصلحة النظام في نهاية الأمر. وهذا لا تمانعه أنقرة بطبيعة الحال حيث تهدف إلى تحطيم سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره ذراعا سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابيا منذ 35 عاماً.

مع تعقيدات ملف عين عيسى تتراجع احتمالات الهجوم التركي، فهو يحتاج إلى موافقة روسية يبدو أنها غير متوفرة حتى اللحظة بسبب الاتفاق الروسي التركي الذي يخول روسيا بالإشراف على طريق M4 إلا إذا حصل توافق عبر الخط الساخن بين أنقرة وموسكو يقضي ببدء تركيا لعملية عسكرية تطرد فيها وحدات حماية الشعب من عين عيسى ومناطق أخرى، ومن ثم تقوم بتسليمها لروسيا شريطة عدم السماح لقسد بالدخول إليها. ورغم غرابة هذا السيناريو فهو غير مستبعد في جنون الحرب السورية، وفي ظل المخاوف التركية الكبيرة من أجل حماية أمنها القومي، وسيخلق في صفوف جمهور الثورة والمعارضة انقساما كبيرا مرة أخرى حول أولويات فصائل الجيش الوطني وتوجهاتها وولائها المطلق لتركيا.

————————-

أجندة دبلوماسية قصيرة المدى لِلُغز السوري/ تشارلز ثيبوت

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة. وإذا أراد الرئيس المنتخب جو بايدن خلق نفوذ إضافي قبل محاولة إجراء مفاوضات صعبة مع روسيا، فسوف يحتاج إلى التحلي بالصبر الاستراتيجي من خلال الشراكة مع الحلفاء بشأن عشر قضايا أولية.

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب جو بايدن إزاء سوريا. وقد ترسم معالمها خمسة عوامل متناقضة.

أولاً، لم تكن سوريا قط في الواقع من أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويبدو أن تجديد الإطار الدولي لوقف البرنامج النووي الإيراني هو الهدف الأول لبايدن في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أدى التعهد المتكرر بـ “إنهاء الحروب التي لا نهاية لها” إلى خلق توافق آراء أمريكي واسع النطاق ضد وجود بصمة أكبر في الخارج، وستؤدي جائحة الفيروس التاجي إلى مزيد من التقليل في النطاق الترددي للبيت الأبيض فيما يتعلّق بسوريا.

ثانياً، فقدت الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في سوريا بسبب سياسات إدارتي أوباما وترامب. على سبيل المثال، عندما واجهت عملية تركية من عبر الحدود في الشمال الشرقي من البلاد أواخر العام الماضي، انسحبت القوات الأمريكية جزئياً، مما أدى إلى عدم وضوح الخطوط الأمامية التي كانت مستقرة سابقاً بين القوات الروسية والتركية والأمريكية.

ثالثاً، أشاد بايدن بموقف القوة المحدود الذي تتخذه الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. وعلى عكس الديمقراطيين البارزين الآخرين، يعتبر أن استراتيجية “عبر، ومع، ومن خلال” المستخدمة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تزال نموذجاً جيداً عن عمل الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. وقد يشير ذلك إلى استعداده للاحتفاظ بوحدة صغيرة على أرض الميدان لدعم الشركاء المحليين.

رابعاً، تحدّثت شخصيات بارزة في حملة بايدن – بمن فيها مرشحه الحالي لوزير الخارجية، توني بلينكين، ومرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان – علناً عن الأخطاء التي ارتُكبت في سوريا خلال إدارة أوباما. ويجدر بالذكر أن بلينكين كان قد صرّح بأنه لا يستطيع تخيّل اعتماد سياسة إعادة التعامل مع بشار الأسد.

خامساً، عندما أقر المشرّعون الأمريكيون “قانون قيصر” في العام الماضي، عملوا على بناء آليات تهدف إلى مقاومة التغيير من قبل الإدارات الأمريكية المستقبلية. لذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف نظام الأسد.

للوهلة الأولى، لا يبدو أن هذه العوامل تترك مجالاً كبيراً لاستراتيجية جديدة بشكل خاص تجاه سوريا، مما يشير إلى أن سياسة الوضع الراهن ستستمر. ومع ذلك، تتمتع واشنطن بنفوذ أكبر مما تدركه، طالما أنها مستعدة للتخلي عن منطق الانهزام الذاتي الذي ساد في السنوات الأخيرة.

كيف يمكن لبايدن تغيير الوضع الراهن في سوريا؟

إن أحد الشروط الأساسية لكسر الجمود الدبلوماسي هو الإقرار بأن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل أو الطموح لحل الأزمة السورية بمفردها، سواء من خلال التدخل العسكري أو عقد صفقة كبرى مع روسيا وتركيا. ومع ذلك، يمكن لواشنطن أن تحقق أهدافاً أكثر تحديداً، مثل تحسين الوضع الإنساني، وإعادة تشكيل إطار الأمم المتحدة للمفاوضات بين الأطراف السورية، ومنع الأعمال العدائية الجديدة في شمال البلاد.

ويتمثل الشرط الثاني بالجمع بشكل أفضل بين المصادر المتباينة للنفوذ الأمريكي. فالمشهد السياسي في سوريا مجزأ للغاية، لذلك سيتعين على فريق بايدن تقديم أداء أفضل من خلال الجمع بين الأمور المالية والقانونية والدبلوماسية والسياسية التي كان يتمّ التعاطي معها سابقاً بشكل منفصل أو تم تجاهلها.

الشرط الثالث هو إعادة إدخال بعض الطاقة الدبلوماسية في السياسة السورية. لقد تعهد بايدن باستعادة القيادة الأمريكية، وإعادة بناء التحالفات، والعمل بشكل أوثق مع الشركاء الأجانب بشكل عام، وأحد الأشكال الواضحة للقيام بذلك في سوريا هو ما يسمى بـ “المجموعة الصغيرة”، التي تضم بريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والمملكة العربية السعودية. وقد اجتمعت هذه المجموعة بانتظام، لكن إدارة ترامب كانت مترددة في الاستثمار فيها، محرزة القليل من التقدم الملحوظ في تنسيق جهد قوي رفيع المستوى لإصلاح عملية الأمم المتحدة أو التعامل مع روسيا وتركيا وإيران.

أجندة قصيرة الأجل لـ “المجموعة الصغيرة”

يجدر بـ “المجموعة الصغيرة” الاجتماع بسرعة بعد إقرار تعيين وزير الخارجية الجديد في إدارة بايدن. وفي ذلك الاجتماع الأول، من الضروري أن يعمل المسؤولون على تقييم مسؤولية روسيا وإيران وتركيا عن الوضع الميداني الراهن وجمود الأمم المتحدة. وبعد ذلك، عليهم منح الأولوية للصبر الاستراتيجي، والتركيز في الوقت الحالي على تأكيد المواقف المشتركة التالية بدلاً من محاولة صياغة استراتيجية جديدة كبرى لسوريا:

1. تحديد موعد نهائي للجنة الدستورية. بعد أكثر من عام على قيام هذه اللجنة بقيادة الأمم المتحدة لم تسفر [أعمالها] عن نتائج ملموسة. وعلى الرغم من النواقص التي تشوبها وفرص نجاحها المحدودة، كانت فكرة إنشاء اللجنة تستحق التجربة ولو كان ذلك فقط لمنع روسيا من استغلال العملية الدبلوماسية وإعادة نظام الأسد إلى حالته الطبيعية دون معالجة أي من الأسباب الجذرية للحرب. ومع ذلك، عرقل النظام السوري باستمرار جهود اللجنة لعدة أشهر على أمل أن يتمكّن الأسد من “الفوز” في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بموجب الدستور الحالي. وما لم تحقق اللجنة تقدماً كبيراً خلال جلستها المقبلة (المقرر عقدها في 25 كانون الثاني/يناير)، سيكون من الحكمة أن تحدد الولايات المتحدة وحلفاؤها تاريخ انتهاء مهمتها، والدعوة إلى حلها إذا لم تتوصل إلى نتائج ملموسة في غضون بضعة أشهر.

2. حث الأمم المتحدة على إعداد آلية مراقبة محكّمة للانتخابات السورية في 2021، بالإضافة إلى توفير خيارات آمنة ومحايدة للسوريين في الخارج لكي يشاركوا في الانتخابات. من غير المرجح أن يوافق النظام السوري على مراقبة الأمم المتحدة للانتخابات، لكن إعداد مثل هذه الآلية أمر مهم لتوضيح ما تعنيه النتيجة. أي أنه إذا رفض النظام المراقبة، فإن ذلك سيقوّض شرعية “الفوز” المفترض للأسد؛ أما إذا سَمح بها، فمن المحتمل أن توضح النتائج المسجلة أن الانتخابات كانت مزورة.

3. تسريع المصالحة الكردية. في الآونة الأخيرة، انخرط مقاتلون أكراد سوريون في اشتباكات حدودية مع القوات الكردية العراقية. وتُظهر مثل هذه الحوادث أن تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا لن يكون ممكناً إلا من خلال بذل جهود على مستوى رفيع لحل الخلافات بين الفصائل الكردية المتناحرة واستبعاد الأعضاء غير السوريين في «قوات سوريا الديمقراطية». وقد أرسلت فرنسا والولايات المتحدة مبعوثين خاصين بشكل منفصل للوساطة بين «قوات سوريا الديمقراطية» و «المجلس الوطني الكردي» المدعوم من تركيا، لكن من الضروري [الاتفاق على] المزيد من التنسيق والضغط السياسي. وقد بدأ الوقت ينفد نظراً لخطر قيام تركيا بشن هجوم آخر، لذلك على “المجموعة الصغيرة” أن توضح لقادة «قوات سوريا الديمقراطية» أنه يتعين عليهم الامتثال في وقت قريب. ومن بين الضرورات الأخرى، يعني ذلك منح أنقرة ضمانات أقوى بأنها ستفصل «قوات سوريا الديمقراطية» عن «حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا.

4. الضغط على تركيا لاحتواء الجهاديين. في وقت سابق من هذا الشهر، أفادت بعض التقارير أن الجهادي البارز المرتبط بتنظيم «القاعدة» عبد الله بن محمد المحيسني التقى مع جماعة «فيلق الشام» المدعومة من تركيا في منطقة عفرين في شمال غرب سوريا. ومثل هذه الحوادث يجب أن تحفز “المجموعة الصغيرة” على معارضة أي تواطؤ بين شركاء تركيا والعناصر الجهادية بشكل علني؛ وخلاف ذلك، فمن الممكن أن تصبح أجزاء كبيرة من شمال سوريا ملاذات آمنة لمنتسبي تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية».

5. إشراك «قوات سوريا الديمقراطية» في عملية الأمم المتحدة كجزء من المعارضة السورية. بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 2254، يميل المسؤولون إلى المساواة بين “المعارضة” و “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي يهيمن عليها «الائتلاف الوطني السوري». وقد دفعت هذه المقاربة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى استبعاد «قوات سوريا الديمقراطية» من العملية الدبلوماسية التي ترعاها الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن «الائتلاف الوطني السوري» و«قوات سوريا الديمقراطية» بحاجة ماسة إلى التوصل إلى ترتيب يمكنهما بموجبه استعادة نفوذهما الدبلوماسي والإقليمي، وفي الوقت نفسه منع دمشق وموسكو من إرغام «قوات سوريا الديمقراطية» على عقد صفقة مع نظام الأسد. وقد سبق أن استضافت مصر محادثات بين «قوات سوريا الديمقراطية» وما يسمى بـ “مجموعة القاهرة”، وهي فصيل أقلية ضمن «الائتلاف الوطني السوري». كما تم أيضاً إشراك أفراد من المعارضة. بإمكان جهد مشترك من قبل دول “المجموعة الصغيرة” أن يساعد في تنشيط هذه العملية.

6. إصلاح إطار العمل الإنساني وزيادة المساعدات. إن [الدول] الأعضاء في “المجموعة الصغيرة” هي من بين أكبر الجهات المانحة الإنسانية للسوريين المحتاجين، لذلك لديها نفوذ كبير للضغط على المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة في دمشق لمواجهة اختطاف النظام للمساعدات. عليها أيضاً إعداد بدائل مشتركة لإطار عمل الأمم المتحدة في حالة عدم تجديد القرار الخاص بالدعم الإنساني عبر الحدود في تموز/يوليو 2021. وعلى افتراض أن يتم إصلاح الإطار، يجب تشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على توفير تمويل إضافي للعمليات الإنسانية (حتى الآن لم يتم تحقيق سوى 40 بالمائة من هدف التمويل لعام 2020). بالإضافة إلى ذلك، من شأن التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة الإنسانية أن يساعد على التخفيف من مشكلة امتثال المصارف المفرط للعقوبات. وعلى الرغم من أن “قانون قيصر” والإجراءات المماثلة تستهدف مسؤولي النظام وتشمل العديد من الاستثناءات الإنسانية، إلّا أن المؤسسات المالية الدولية غالباً ما تخطئ عندما يتعلق الأمر بالحذر والإفراط في الامتثال لهذه القيود، مما يخلق بصورة غير مباشرة عقبات خطيرة للعمليات الإنسانية.

7. النظر في السماح بمشاريع “التعافي المبكر” في المناطق التي يسيطر عليها النظام وبذل المزيد من الجهود لإرساء الاستقرار في شمال سوريا. بدلاً من أن تركز الجهات المانحة حصراً على الإغاثة في حالات الطوارئ، عليها زيادة إمكانية تقديم الأموال إلى مشاريع أخرى استناداً إلى وضع كل منطقة. على سبيل المثال، إذا أثبتت “المجموعة الصغيرة” قدرتها على التوسّط لإحراز تقدم بين «قوات سوريا الديمقراطية» وتركيا، بإمكان الأعضاء الأوروبيين القيام بالمثل من خلال تعزيز مساهماتهم في جهود تحقيق الاستقرار في شمال سوريا، والتي تشمل الأراضي التي تسيطر عليها تركيا. وبالمثل، يمكن للأعضاء عرض تمويل إصلاحات البنية التحتية الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها النظام إذا وافقت دمشق على تقليل هجماتها العسكرية وتدخلها في العمليات الإنسانية. وقد يكون هذا حافزاً جذاباً بشكل خاص للنظام في الوقت الذي حتى جمهوره الموالي يعاني من الأزمات الاقتصادية والصحية.

8. إعادة التأكيد على شروط إعادة الإعمار. لطالما اشترطت الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” تمويلهما لمشاريع إعادة الإعمار على إحراز تقدم ملموس في العملية السياسية، لكن روسيا تضغط على الدول الأوروبية لتغيير هذه السياسة. ولذلك ينبغي على”المجموعة الصغيرة” أن تجدد التزامها بالشروط.

9. تعزيز التعاون ضد مجرمي الحرب. تثبت قضايا المحاكم الأخيرة في ألمانيا أن بإمكان السلطات العثور على المسؤولين السوريين السابقين المتهمين بارتكاب جرائم حرب ومحاكمتهم. وبالمثل، قررت هولندا تحميل دمشق المسؤولية القانونية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بموجب “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”. وفي المرحلة القادمة، يجب على أعضاء “المجموعة الصغيرة” تعزيز التعاون القضائي وتوسيع الدعم للمنظمات غير الحكومية السورية التي تركز على جمع الأدلة ومساعدة الضحايا.

10. تذكير النظام بالإجراءات قصيرة المدى التي يمكن أن تكسر الجمود. على الرغم من أنه من غير المرجح أن ينخرط الأسد في عملية بناء ثقة تدريجية نحو إجراء مفاوضات محتملة، إلّا أنه مع ذلك يتعيّن على “المجموعة الصغيرة” أن توضح الخطوات التي يمكن أن يتخذها للإشارة إلى اهتمامه [بقرار] آخر غير الحل العسكري الفعلي والعزلة الدولية المستمرة. وتشمل هذه الخطوات إطلاق سراح السجناء السياسيين، ووقف اعتقالات اللاجئين العائدين، وإنهاء الضربات الجوّية ضد المنشآت المدنية.

وفي النهاية، فإن التوصل إلى حل وسط مع روسيا هي الطريقة الوحيدة لتحقيق نتيجة تفاوضية في سوريا، بما أن موسكو اكتسبت تأثيراً كبيراً من خلال إطار “عملية أستانا” وعلاقاتها الثنائية مع تركيا وإيران. وحالما تعزز “المجموعة الصغيرة” نفوذها من خلال تنفيذ جدول الأعمال قصير المدى الموصوف أعلاه، [فعندئذ] يمكنها متابعة الهدف متوسط المدى المتمثل في دمج جهودها مع صيغة “عملية أستانا”. وقد يساعد ذلك المجموعة على فتح مفاوضات أكثر عالمية، وتنشيط عملية الأمم المتحدة، وتقييم ما إذا كانت مستعدة وقادرة على استضافة محادثات جوهرية بين السوريين أنفسهم. ويمكن للتطورات على الجبهات الأخرى – ربما من خلال البرنامج النووي الإيراني – أن تسهل هذه العملية.

وستتطلب جميع هذه النقاط إجراء مفاوضات صعبة، لذا لا يمكن تحقيق تقدم سوى من خلال وجود قيادة أمريكية قوية قائمة على عملية حقيقية متعددة الأطراف. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه واضحة، وتتمثل باستخدام الزخم الذي منحه حفل التنصيب القادم للرئيس الأمريكي المنتخب للتأكيد لدمشق وموسكو وطهران بأن استراتيجيتها الحالية المتمثلة بانتظار تبلور الأمور في الولايات المتحدة لن تنجح.

تشارلز ثيبوت هو زميل زائر في معهد واشنطن.

——————————–

======================

تحديث 24 كانون الأول 2020

————————–

الشرق الأوسط… معركة بايدن ضد موسكو وبكين/ محمد قواص

اعتبر دونالد ترامب خلال الأربع سنوات المنصرمة أن الصين هي الخصم الأول لأميركا، فيما يبدو أن الخصم الأول بالنسبة الى جو بايدن هو روسيا. يرى الأول أن “أميركا أولاً” تعني استهداف “الآخرين”، حتى لو كانوا تقليدياً من الحلفاء في أوروبا والأطلسي والمنظومة الغربية. ويرى الثاني أن بلاده زعيمة هذا العالم، ومن قواعد الزعامة وضع خط واضح بين الحلفاء وغير الحلفاء، وعليه يعيد الاعتبار للمنظومة الغربية المتأسسة أصلاً على تحالف استراتيجي بنيوي بين ضفتي الأطلسي.

مع دونالد ترامب بات فلاديمير بوتين صديقاً شخصياً حميماً. لا تعرف أميركا حتى الآن حقيقة ما دار في اجتماعهما الثنائي الشهير في هلسنكي في تموز / يوليو 2018. لم يقبل ترامب استنتاجات مؤسسات الأمن في بلاده حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وحين قبل تلك الوقائع بشق النفس، أفتى بأن ذلك التدخل ليس وراء نجاحه في تلك الانتخابات. وحتى حين لمّحت وكالات الاستخبارات الأميركية هذه الأيام الى أن وراء الهجوم السبراني الأخير جهة سيادية في موسكو، واتهم وزير الخارجية مايك بومبيو روسيا علناً، قلل ترامب من الأمر واعتبره مبالغة إعلامية.

يعيد بايدن تصويب الشعيرة نحو روسيا. يعيد تطبيع العلاقات مع أوروبا. يعيد بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ. وينخرط وفق ما تنخرط به بلاده منذ عهد باراك أوباما في مواجهة التحدي الصيني. ووفق الأعراض الأولى لما هو معلن في استراتيجيات الرجل الدولية، فإن ذلك من شأنه رسم ملامح ما تخطط له الإدارة الديموقراطية الجديدة في الشرق الأوسط.

لا تعتبر واشنطن، وفق مؤسسات التفكير المحيطة بفريق بايدن، أن كوريا الشمالية هي ملف مستقل عن ملف العلاقة مع الصين. لن يهرول بايدن لالتقاط صورة مشتركة مع كيم جون أون. ففك العقد الكبرى، وفق عقيدة البزنس التي تباهى بها دونالد ترامب، بدت ساذجة طرب لها الزعيم الكوري الذي رُفع من خلال مقاربة ترامب إلى مصاف الشخصيات الدولية الكبرى التي تقرر مسارات السلم والحرب.

وفق خرائط بايدن، واهتمامه الواضح بإعادة الدور إلى أميركا في قيادة العالم، سيتعامل الرئيس الأميركي الجديد مع ملفات المنطقة. يقر الرجل بأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية وشبكة نفوذ طهران وسلوكها في الشرق الأوسط يطرحان إشكالية خطيرة داهمة مهددة للسلم ومزعزعة للاستقرار في المنطقة. لكنه، وهو على حق، يرى أن الأولوية هي التعامل مع البرنامج النووي وضبط شططه. فمن يملك القنبلة النووية، يملك حماية الصواريخ البالستية وتمدده الخبيث خارج الحدود.

يضيف بايدن الى خطط الولايات المتحدة، منذ سنوات، لوقف الصعود الأفقي والعمودي للصين، مهمة عاجلة لمواجهة الدور الروسي في العالم.

وعلى هذا فإن مقاربة المسألة الإيرانية تحمل في ثناياها أعراض مواجهة واشنطن بكين وموسكو معاً. فإذا ما كانت طهران قد لوّحت باتفاقية القرن العملاقة مع الصين، فإن الشراكة الروسية الإيرانية، سواء في عملية استانا بشأن سوريا، أو داخل ملفات مشتركة في القوقاز، أو مصالح البلدين المتبادلة، لا سيما في قطاعي الطاقة والسلاح، تشكل عاملاً رافداً وداعماً لطموحات بوتين الإقليمية والدولية.

على أن إدارة الصراع بين المنظومة الغربية وروسيا تتطلب، إضافة إلى تناغم أميركي أطلسي أوروبي (كان مفقوداً في عهد ترامب)، رؤية مشتركة للتعامل مع الحالة الشاذة التي تمثلها تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان. وفيما أشاد دونالد ترامب بالعلاقة الشخصية الممتازة بأردوغان، كان بايدن عنيفاً، أثناء حملته الانتخابية، في الهجوم على الزعيم التركي والوعد بدعم أي انقلاب ضده (قال لاحقاً مصححاً إنه انقلاب عبر صناديق الاقتراع).

ولئن استفاد أردوغان من تشجيع أميركي ضمني لاحتواء طموحات بوتين في ليبيا وسوريا وحتى في أذربيجان، فإن واشنطن لم تتعامل بالحسم المطلوب مع أنقرة في ملف شرق المتوسط إلا متأخرة، على نحو أوحى بأن الرئيس التركي مستفيد من تقاطع مزاج بوتين وترامب في كره الاتحاد الأوروبي وطموحات بعض بلدانه في مياه المتوسط.

يتيح استكشاف خريطة الأمن الاستراتيجي لإدارة الرئيس الجديد، استشراف الكيفية التي ستدار بها ملفات الشرق الأوسط. والواضح أن بوتين قرأ جيداً المشهد الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية، ويسرّع الخطى لتدعيم إمساكه بخيوط اللعبة في سوريا. يستند سيد الكرملين الى نفوذه في دمشق، وحاجة طهران لدعمه، وتفاهماته، القديمة الجديدة، مع إسرائيل. والواضح أيضاً أن أردوغان الذي تلقى صفعة غربية موجعة، من خلال عقوبات أوروبا وواشنطن الأخيرة، يعيد التموضع وفق المعطى الأميركي الجديد. فجأة يُظهر مرونة ورشاقة، ويمهد الطريق لعلاقات من نوع جديد مع بايدن، من خلال الوعد بـ”فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي”، وفق محادثاته أخيراً مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.

والظاهر أن “الجبهات” تتحرك تحسباً لدخول رجل أميركا الجديد إلى البيت الأبيض في الـ20 من الشهر المقبل. في المقابل، تراقب إيران بقلق ضبابية البت في ملفها، وتستنج أن أميركا، التي وعد رئيسها الجديد بالعودة إلى الاتفاق النووي، تستنزف إرث ترامب في هذا الصدد، وتأخذ علماً بما صدر عن الأوروبيين، وما يكرره الخليجيون، وما بات محسوماً لدى دوائر الأمن الاستراتيجي في الولايات المتحدة، من أن لا عودة إلى الاتفاق النووي كما هو عليه الآن، إلا إذا تقيّدت إيران بالتزاماتها، وذهبت إلى طاولة مفاوضات لتطويره وبحث ملف الصواريخ البالستية وسلوك إيران في المنطقة.

وإذا ما كانت الصين خجولة في التهليل لاتفاق القرن مع إيران (الذي بالغت طهران في التطبيل له)، فذلك أن بكين تعرف أن أي اتفاق إيراني أميركي (غربي) محتمل سيوهن حماسة إيران نحو الصين، ناهيك عن أنه ثبت خلال العامين الماضيين أن مفاتيح السوق الإيراني تمسك بها واشنطن، ولا طائل من الرقص في عرس إيراني متخيل.

النهار العربي

————————–

العقوبات الأميركية على النظام السوري: رهان على الوقت/ عماد كركص

بعد مرور عام على إقرار الإدارة الأميركية “قانون قيصر” لمعاقبة النظام السوري، بعد مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه في 19 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، ومرور ستة أشهر على دخوله حيّز التنفيذ الفعلي في 17 يونيو/حزيران الماضي، يتواصل فرض حزمات العقوبات على هذا النظام لتصل إلى ست مساء أول من أمس الثلاثاء، ولتصبح شاملةً 110 أفراد وكيانات من النواة الصلبة للنظام، أو الداعمين له بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى الرغم من أن القانون صمّم لإجبار النظام على الانخراط جدياً في المسارات السياسية الرامية لإيجاد حل للأزمة السورية، من خلال حصاره عبر العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، إلا أن الواقع، حتى الآن على الأقل، يشير إلى عدم تجاوب النظام مع كل هذه الضغوط وما سبقها من عقوبات أميركية وغربية. إذ لا يزال، وبدعم من حلفائه، لا سيما الروس والإيرانيين، يماطل في الانخراط الحقيقي بأي عملية سياسية. وقد برز ذلك بشكل رئيسي من خلال تعاطيه السلبي مع مسار اللجنة الدستورية. وتبقى الأسئلة حول الخيارات الأخرى لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وما إذا كان لديهم المزيد من الأدوات الأخرى، غير العقوبات الاقتصادية والسياسية، لإحداث خرق أو تغيير حقيقي في سلوك النظام، يجبره على الجلوس جدياً إلى طاولة التفاوض وصياغة الحل النهائي للأزمة السورية.

هذا السؤال طرحته “العربي الجديد” على الممثل الأميركي الخاص للتواصل بشأن سورية، جويل ريبرون، خلال إيجاز هاتفي مع الصحافيين خصصه للحديث عن الحزمة الأخيرة (السادسة) من العقوبات فور صدورها مساء أول من أمس الثلاثاء. وأشار ريبرون في معرض رده على السؤال إلى أنه “لا يجب التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية، إذ يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جداً مع مرور الوقت”. وتابع ريبرون: “مضت ستة أشهر على دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، ونرى أنه ليس لنظام الأسد وحلفائه رد عليه، بمعنى ليس لديهم أي رد على الضغط الاقتصادي والعزلة السياسية التي فرضت بموجب هذا القانون، وأعتقد أنه يمكن مراقبة ما سيحصل في الأشهر المقبلة لنرى أنه سيكون لهذا الضغط تأثير أكبر لناحية تقييدهم وإجبارهم على التوصل إلى حل سياسي، والتخلي عن سعيهم لغزو عسكري في نهاية المطاف”.

إلا أن ريبرون أشار إلى أنّ هناك “بعض الأدوات الأخرى التي يمكننا استخدامها، والتي نعتزم استخدامها”، موضحاً إياها بالقول: “ثمة الكثير من أدوات المساءلة (المحاسبة)، على سبيل المثال يتم اتخاذ بعض إجراءات إنفاذ القانون الآن، وكذلك بعض إجراءات العدالة الجنائية، وأود أن أشير مثلاً إلى المحاكمات التي تقوم بها ألمانيا لبعض الأعضاء الرئيسيين والسابقين في نظام الأسد بسبب الفظائع التي يُزعم أنهم شاركوا فيها. وأعتقد أنكم ستشهدون على المزيد من الأمور المماثلة، ولكن المحصلة النهائية هي أنه ثمة نطاق واسع من الضغط”.

وشملت الحزمة السادسة من العقوبات الأميركية والتي صدرت مساء الثلاثاء، حوالي 18 فراداً وكياناً من الداعمين للنظام، في مقدمتهم أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام بشار الأسد وعدد من أفراد عائلتها. كما شملت العقوبات لينا محمد نذير الكناية وهي مسؤولة في مكتب رئاسة الجمهورية، وزوجها محمد همام مسوتي لكونهما يديران أنشطة تجارية لصالح أسماء الأسد وزوجها. وطاولت العقوبات كذلك اللواء كفاح ملحم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السورية، إلى جانب عدد من الشركات الاقتصادية المهمة، على رأسها البنك المركزي، وتلك التي يستخدمها النظام في تعاملاته المالية والاحتيال على العقوبات الغربية.

وعلى الرغم من أنّ أسماء الأسد كانت في طليعة من شملتهم العقوبات بموجب قانون “قيصر” خلال حزمته الأولى، إلا أنّ الإدارة الأميركية أعادت زج اسمها في الحزمة الأخيرة إلى جانب والدها وعدد من أقاربها الذين تستخدمهم في إدارة أنشطة تجارية لصالحها وصالح زوجها بشار الأسد. وترمي الإدارة الأميركية من ذلك إلى زيادة الحصار على أسماء الأسد الباحثة عن دور قيادي داخل النظام، بعد تحجيم دور متنفذين تقليديين ضمن الدائرة الضيقة للنظام، لا سيما رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وعدد من المقربين منه.

في السياق، رأى الصحافي السوري أيمن عبد النور، وهو باحث وعضو المجلس الاستشاري عن سورية في “معهد الشرق الأوسط” بواشنطن، أنّ هناك “مروحة من الأدوات التي يمكن استخدامها للضغط على النظام في المرحلة المقبلة”، معتبراً في حديث مع “العربي الجديد” أنّ “تعيين جويل ريبرون كمبعوث أميركي خاص لسورية حرك الملف السوري بشكل كبير على أصعدة عدة، بعد أن كان أصابه الكسل في ظلّ إدارته من قبل السفير جيمس جيفري. والآن العقوبات أصبحت أعمق، إذ طاولت المصرف المركزي والعديد من أفراد عائلة أسماء الأسد”.

وتابع عبد النور: “يضاف إلى ذلك، تحريك الدعاوى القضائية، ولا سيما تلك التي قدمتها منظمات سورية أمام القضاء الألماني، وهذه سياسة جديدة، وستستمر ليس فقط في ألمانيا، وإنما في دول أوربية أخرى، إذ نتوقع أن تتكرر هذه الخطوة في كل من النمسا والنرويج والسويد. كما يتم التنسيق بين 45 دولة لمقاضاة النظام ومحاسبته بسبب ارتكابه جرائم باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين”. ورأى عبد النور أنّ “هذه المروحة الكبيرة من الأدوات كفيلة بزيادة الضغط على النظام، ولا سيما عند تحريك قضايا الجرائم الكيميائية”، مشيراً إلى أن “هناك 64 حالة استخدام سلاح كيميائي مثبتة على النظام. وبالنسبة للقضاء في الدول الأوروبية، فمن الممكن أن نرى في المستقبل ملاحقات للكثير من أفراد النظام، علاوة على الضغوطات المالية والاقتصادية وعدم قدرته على تلقي المساعدات حتى من حلفائه، وهذا كله سيجعله يعيد حسابته، فإما ينهار داخلياً أو يقبل بتطبيق القرار الأممي 2254 (المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية) مرغماً”.

وإلى الآن، يبدي النظام عدم اكتراث بالعقوبات الأميركية والغربية المفروضة عليه، سواء بموجب “قانون قيصر” أو ما سبقه من عقوبات أميركية وأوروبية، إذ لا يزال يراوغ في سبيل التملص من الدخول جدياً في مسارات الحل السياسي، وذلك بالرهان على الحسم العسكري. ما يعني أن على الإدارة الأميركية المقبلة أن تفكر في وسائل ضغط أخرى لإجبار النظام على الذهاب للمفاوضات، في حال أرادت إنهاء الصراع.

العربي الجديد

—————————–

==========================

تحديث 28 كانون الأول 2020

——————————-

أيتام ترامب/ وائل السواح

بينما يتنفّس عديدون من قادة العالم الصعداء، مع اقتراب نهاية عهد دونالد ترامب، يشعر حلفاؤه وأشقاء روحه الشعبوية العنصرية في كل أصقاع المعمورة باليتم والفقد، من البرازيل إلى بولونيا وهنغاريا وسلوفينيا والشرق الأوسط وأماكن أخرى. لم يكن الرئيس الأميركي، ترامب، أوّل الشعبويين المتطرّفين، ولن يكون آخرهم. سبقه منذ عقود الفاشيون والنازيون والستالينيون والناصريون والبعثيون، وسبقته، منذ سنوات، الأحزاب اليمينية المتطرّفة في أوروبا من ماري لوبين في فرنسا إلى جاروسلاو كاتشينسكي في بولونيا. ولكن الدور الذي لعبه باعتباره أقوى رجل في العالم ورئيس أكبر ديمقراطية على هذا الكوكب كان الملهم والداعم والمبشّر لهم جميعا.

اليوم، وقد أقصى الأميركيون رئيسهم، بسبب فساده وعنصريته وإساءته للقيم الديمقراطية، بات القادة الشعبويون في العالم من دون نصير قوي. ولا يعني هذا، في أي حال، أن نهاية رئاسة ترامب هي مقدّمة لزوالهم، ولكنها بالتأكيد سوف تجرّدهم من دعم معنوي قوي، كان يعزّز مكانتهم، ويقوّي مناعتهم أمام التغيير. ومن المتوقّع، إلى ذلك، أن تغيّر الرياح الدولية مسارها بعد سقوط ترامب، وقد كانت في السنوات الأخيرة تسير في ركابهم. وليس من المستغرب إذن أن تكون نتيجة الانتخابات الأميركية المفصلية دليلاً آخر على أن “الموجة الشعبوية” التي كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة قد تبدأ بالانحسار.

ولنذهب بداية إلى البرازيل، حيث لم يعترف الرئيس اليميني الشعبوي الذي استلهم كثيرا من سياسات ترامب، جاير بولسونارو، بفوز الرئيس المنتخب جو بايدن إلا بعد ستة أسابيع من انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني. ولا مشاحة في أن هزيمة ترامب ستُرخي بثقلها على الزعيم البرازيلي الذي كانت شعبيته في ازدياد، على الرغم من الكوارث التي تحيق ببلده، وعلى الرغم من سوء إدارته أزمة وباء كورونا، فمن المرجّح أن يتخذ بايدن موقفًا أكثر صرامة تجاه برازيليا في مجالات مثل البيئة وحقوق الإنسان والتجارة، ما يجعل بولسونارو اليميني المتطرّف أكثر عزلة على الساحة العالمية، ما سينعكس على شعبيته داخل البلاد.

كان بولسونارو يراهن حقًا على فوز ترامب، وقد صدمته النتيجة الساحقة التي ستدفع بترامب خارج البيت الأبيض. ونقل عن الرجل قوله ما بين الجدّ والهزل إنه ليس أمامه الآن خيار سوى أن يرمي خبير السياسة الخارجية المؤيد لترامب، فيليبي مارتينز، من نافذة الطابق الثالث إلى قارعة الطريق. وقد مثّلت نتيجة الانتخابات ضربة لمحاولة بولسونارو تأسيسَ اتجاه بولسوناروي، وهو مشروعٌ سياسيٌّ يميني متطرّف تم تصميمه بشكل وثيق على غرار الترامبية، والذي سوف يفقد على الأرجح الآن بعضا من زخمه، منهيا بالتالي ما أسمته المعلقة السياسية البرازيلية البارزة، إليان كانتانهيد، بأنه “حلم جنون العظمة” لبولسونارو لقيادة حملة صليبية يمينية دولية.

ثم لننحدرْ إلى أوروبا، فنتوقّف قليلا في هنغاريا التي يتزعّمها رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، الذي وصفه الخبير الاستراتيجي السابق لترامب، ستيف بانون، ذات مرّة بأنه “ترامب الذي سبق ترامب”. لقد جمع كل بيضه في سلّة واحدة وأعطاها لترامب. وقف أوربان بقوة وراء الرئيس الحالي قبل التصويت، قائلاً إنه ليس لديه خطة بديلة في حالة خسارة ترامب. وأضاف في مكان آخر: “أنا مقتنع بأن الرئيس ترامب أنقذ أميركا المحافظة، وأصبح أحد أعظم الرؤساء الأميركيين؛ نتمنى له ولنا النجاح الكامل في انتخابه”. ويدل هذا الموقف، أوّل ما يدلّ، على خرق الزعيم المجري الأصول الدبلوماسية، حيث يحاول الزعماء النأي بأنفسهم، ولو شكليا، عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبخاصّة الانتخابات. ولكنه يدلّ أيضا على موقف سياسي أخرق في المراهنة على رجلٍ أحرق كلّ مراكبه في مغامرةٍ سياسيةٍ كانت نهايتها واضحة لكثيرين. وتأكيدا لحماقته السياسية، قال أوربان إن دعمه ترامب يرجع جزئيًا إلى أن بلاده سئمت من تلقي المحاضرات من السياسيين الديمقراطيين في مجال حقوق الإنسان، مضيفا: “لم يعجبنا ذلك، ولا نريد مساعدتهم ثانية”.

ولا غروَ أن البيت الأبيض في عهد ترامب قد قدّم دعمًا ضمنيًا حينا، وعلنيا حينا آخر، لحركات اليمين المتطرّف وقادته في هنغاريا. وقد أوفد ترامب صديقًا قديما له، هو قطب المجوهرات، ديفيد كورنستين، ليكون سفيراً في بودابست، وليتملّق نزوات أوربان، في وقت كان سفيره في ألمانيا، ريتشارد غرينيل، يخطط لـ “تمكين” قوى اليمين في جميع أنحاء أوروبا، ما أثار حفيظة مضيفيه الألمان، وكان أن اضطر للاستقالة في الصيف الماضي.

ويبدو من الطبيعي أن أولئك الزعماء الذين لا يريدون أن يتلقوا تقريعا بشأن سياساتهم في مجالات البيئة واللاجئين وحقوق الإنسان من الرئيس القادم، جو بايدن، يحتضنون الرئيس ترامب بقوة، ولا يرغبون في رؤيته يغادر البيت البيض.

انتظر معظم القادة الشعبويين النتائج أطول فترة ممكنة، قبل أن يهنئوا بايدن على مضض، أو ببساطة يظلوا هادئين. تأخّر أوربان في تهنئة بايدن خمسة أسابيع، كان خلالها تلفزيون حكومته يعيد ويزيد في اتهامات ترامب التي لا أساس لها إن الديمقراطيين سرقوا الانتخابات. وذهب رئيس وزراء سلوفينيا، يانيز يانشا، إلى أبعد من ذلك، حين أعلن صبيحة الأربعاء التالي ليوم الانتخابات في 3 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني) فوز ترامب في الانتخابات لأربع سنوات جديدة. وكرّر ذلك على “تويتر” مرّات، وهو في ذلك يشبه ترامب، أو يتشبّه به، في عشقه الخاص هذه المنصة، بل إنه ساهم في نظرية المؤامرة، حين شكّك في توقيت الإعلان عن نجاح اللقاح الأميركي، ووصفه بأنه “مريب”، ولم يستبعد أن يكون قد تمّ حجبه عمداً حتى ما بعد الانتخابات.

وفي بولونيا، راهنت الحكومة بكل ما لديها على الحصان الخطأ. حزب القانون والعدالة، القومي البولندي، الذي يتولى السلطة منذ عام 2015، وثيق الصلة بسياسات ترامب فيما يخصّ الهجرة والعولمة، وكان سعيدا جدّا حين كانت إدارة ترامب تغضّ الطرف عن تفكيك هذا الحزب النظامَ القضائي البولندي بشكل ممنهج وقمع حرية التعبير في البلاد. وفي الآونة الأخيرة، شارك مئات آلاف من البولنديين، احتجاجا على القيود الحكومية المشدّدة على الإجهاض، في أكبر مظاهرات مناهضة للحكومة منذ سقوط الشيوعية. وسوف يُضعف رحيل ترامب من تماسك هذه الحكومة تجاه هذه القضايا كلّها. يقول الرئيس المنتخب، بايدن، إنه ملتزم بإعادة بناء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا سيعني أن حكومة بولندا معرّضة لخطر تركها على جانب الطريق، إذ لم يعد لديهم صديق في البيت الأبيض الآن، ولا يوجد الآن شخصٌ يشبههم يتولّى مقاليد الأمور هناك. ولن يكون من الممكن لهم بعد الآن بناء شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة من خلال السياسة التي ينهجونها في بولندا، ما سيجعل حياتهم أكثر صعوبة، ومستقبلهم أكثر مدعاة للشكَ.

في منطقتنا نحن الكثير، ويمكن كتابة مقالات عن رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووولي عهد السعودية محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وغيرهم. يستثير الأول، بشعبويته البغيضة، أسوأ ما في المواطن الإسرائيلي من نزعات عدائية تجاه الآخر الفلسطيني. والرئيس ترامب كان عونا وسندا للرجلين في مغامراتهما المريعة. ويبقى السيسي نسيج وحده في استخدامه شعبوية زائفة، لا أساس لها، في اعتدائه المستمرّ على الحريات الرئيسية وحقوق الإنسان.

يقول معهد الأبحاث السويدي تيمبرو (Timbro) إن الشعبويين الأوروبيين ضاعفوا حصتهم من الأصوات الانتخابية في جميع أنحاء أوروبا من 11.8٪ في عام 2001 إلى 22.3% في عام 2018. وليس من المبالغة القول إن نجاح ترامب وفلسفته في الحكم قد أسهما في السنتين الأخيرتين في زيادة هذه النسبة، ولكنّ هنالك بالطبع أسبابا أخرى قوية، منها البطالة المرتفعة واللامساواة في الدخل اللتان تنتجان أرضًا خصبة للأحزاب الشعبوية، فعسى أن تكون هزيمة ترامب حجر الدومينو الأول الذي قد انقلب، والذي ربما يوقع الأحجار التالية التي تتكئ عليه. لا جوابَ أكيداً اليوم، ولكن غدا لناظره قريب.

العربي الجديد

———————————–

في “الوصايا العشر”.. من الإصلاحيين العرب إلى إدارة بايدن/ عريب الرنتاوي

لم تُظهر قوى الإصلاح والتغيير “فائض حماسة” لفوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية، مع أنها لم تخفِ سعادتها، برحيل إدارة ترامب، صديقة الأنظمة الديكتاتورية، التي منحتها “شيكاً على بياض” لتعيث قمعاً وتنكيلاً بشعوبها وشعوب الجوار… أما الأسباب الكامنة وراء مظاهر “الفتور” التي استقبل بها الإصلاحيون العرب، إدارة بايدن – هاريس، فيمكن إيجازها على النحو التالي:

(1) الطعنة النجلاء التي وجهتها إدارة ترامب لقيم حقوق الانسان ومبادئ الديمقراطية، في الداخل الأميركي، كما في السياسة الخارجية.

(2) الخشية من أن تكتفي الإدارة الجديدة، بإطلاق الوعود والتعهدات اللفظية، من دون أن تقرن أقوالها بالأفعال.

(3) التجربة المرة زمن إدارة أوباما – بايدن، حيث انطلق الربيع العربي وانتكس في عهد تلك الإدارة، من دون أن تقوى على تقديم شبكة أمان للملايين من الشباب العربي الشجعان الذين تدفقوا إلى الشوارع والميادين.

لكن ذلك، لم يمنع الإصلاحيين العرب، من إبداء قدر من “التفاؤل الحذر” بمقدم الإدارة الجديدة، وثمة في الخلفية، نوع من “التفكير الرغائبي”، الذي يتطلع لأن تلعب هذه الإدارة، دوراً مفارقاً للأدوار التي لعبتها الإدارة المرتحلة، ودوراً أكثر حضوراً وفاعلية، مما حصل في السنوات 2010 – 2017، أي منذ انطلاق أولى شرارات الربيع العربي، وحتى اليوم الأخير لإدارة أوباما – بايدن.

يمكن تلخيص انتظارات الإصلاحيين العرب من الإدارة الجديدة، واختصارها بما يمكن تسميته “الوصايا العشر” لإدارة بايدن:

الأولى؛ أن تعمل هذه الإدارة بجدية قصوى، لإعادة ترميم منظومة القيم الأميركية، التي جرى انتهاكها على نحو فج وسافر، من أول قرار لإدارة ترامب، وحتى مراسيم العفو الأخيرة التي صدرت عن البيت الأبيض، وتشمل سارقين وكذابين ومتلقي رشى وقتلة الأبرياء في العراق… صورة الديمقراطية في الولايات المتحدة، تعرضت لاهتزاز هو الأخطر من نوعه منذ قرن مضى، ومهمة ترميمها، بحاجة لوقت وجهد استثنائيين.

الثانية؛ أن تعتمد هذه الإدارة “الشَرْطية – Conditionality “، في علاقاتها مع الأنظمة العربية، “لا شيكات على بياض بعد اليوم”، ولا شبكات أمان لأنظمة الفساد والاستبداد… لا غزل ولا صكوك غفران توزع ذات اليمين وذات الشمال… نظرية “ديكتاتوري المفضل” يجب أن تسقط مرة واحدة وإلى الأبد، فلا ديكتاتور مفضل أبداً، معهما أسرف في تقديم الخدمات وعرض الصفقات المجزية… الديكتاتورية مرذولة، هكذا كانت، وهكذا يجب أن تبقى.

الثالثة؛ لا يجب أن ينظر للتطبيع مع إسرائيل بوصفه عملاً “يجُبُّ ما قبله”، أو يغفر لأنظمة السلالات والجنرالات ما تقدم من ذنبها وما تأخر… لا عسكر السودان وجنجويدها، يستحقون الدعم والاعتراف بـ”ِشرعيتهم” لمجرد أنهم أظهروا استعداداً للتطبيع مع إسرائيل، ولا أنظمة السلالات في بعض دول الخليج، تستحق كل هذا المعاملة التفضيلية لمجرد أنها أبدت الاستعداد لتشريع أبوابها وأجوائها للإسرائيليين، أو لأن “دفاتر شيكات” بعض شيوخها، من النوع “الثقيل” الذي يحتمل الأرقام الفلكية.

الرابعة؛ يتعين على إدارة بايدن تنشيط برامج دعم المجتمع المدني والحركات الشبابية والنسائية في المنطقة برمتها، وتنسيقها مع دول الاتحاد الأوروبي، لتفادي الأضرار والخسائر التي ترتبت على سنوات “الانكفائية” و”الانعزالية” التي صاحبت صعود اليمين والشعبوية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سواء بسواء.

الخامسة؛ ولا ينبغي لإدارة بايدن أن تجاري حلفائها في “معسكر الاعتدال العربي”، بتبني نزعاتهم الاستئصالية للحركات الإسلامية جميعها، ومن دون تمييز فيما بينها… “المدرسة الاستئصالية” تسببت في انتاج كوارث لشعوب المنطقة ومجتمعاتها، وهي ما زالت تتهددها بالمزيد… لا يعني ذلك عدم التفريق بين مدارس الإسلام السياسي وفرقه المختلفة، فهذا التمييز ضروري وحاسم الأهمية، كما لا يعني ذلك تجنب “الشَرْطية” في التعامل مع هذه الحركات كذلك، و”الشَرْطية” هنا، تملي اقتراب هذه الحركات في الفكر المدني ومنظومة حقوق الانسان وقيم الديمقراطية، حتى وإن استندت في تبنيها لهذه القيم، إلى مرجعيات دينية.

السادسة؛ إن أخطر ما يمكن أن تواجهه موجة ثالثة من موجات الربيع العربي، محتملة، بل ومرجحة في مرحلة “ما بعد كورونا”، هو هذا الحلف الذي رعته إدارة ترامب بكل حماسة، واستثمرت فيه مليارات الدولارات، بين إسرائيل من جهة، وبعض الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية من جهة ثانية… على إدارة بادين أن تكون شديدة الوضوح وهي تفصل بين ملفين ومسارين…”التطبيع” ليس وصفة سحرية لتعطيل مسارات الإصلاح والتحول الديمقراطية، ويتعين عليها، ألا تصغي لتحالف جماعات الضغط العربية – الإسرائيلية في واشنطن، التي دأبت مؤخراً على تسويق هذا النظام المستبد أو تسويغ ذاك… هذه سياسة قصيرة النظر، ستفضي إلى إجهاض مسارات التحول الديمقراطي، من دون أن تنجح في استجلاب السلام العادل والدائم والشامل لدول المنطقة وشعوبها.

السابعة؛ على إدارة ترامب، أن تنبذ سياسة “المعايير المزدوجة” التي طالما اعتمدتها إدارات أميركية سابقة، إن لجهة التعامل مع قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي، بانحيازها المطلق، ومن دون قيد أو شرط، لإسرائيل، أو لجهة تعاملها مع ملفات المنطقة… فالديكتاتوريون ملّة واحدة، سواء أكانوا أعضاء فيما يسمى “معسكر الاعتدال العربي” أو كانوا أعضاء في “معسكر المقاومة والممانعة”…الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، “قيم عليا”، لا يجب أن تخضع لتقلبات السياسة وسيولة التحالفات.

الثامنة؛ حق تقرير المصير، يقع في قلب المنظمة العالمية لحقوق الإنساني، حق أساسي، ومتطلب وجودي، والشعب الفلسطيني له كامل الحق في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية ومرجعيات عمليات السلام، وبخلاف ذلك، ستبقى علامات الاستفهام والاستنكار الكبرى، تحوم فوق رأس واشنطن وصدقية منظومتها القيمية… وللشعب الكردي في أمكان تواجده، حقوقاً ثقافية ووطنية يجب الاعتراف بها، دون المس بوحدة دول المنطقة وخرائطها، ودون مركزية مفرطة، تعيد انتاج الفساد والاستبداد و”الشوفينية” القومية، عربية كانت أم تركية أو فارسية…وحقوق الأقليات الاثنية والدينية يجب ان تصان، وتحديداً في المشرق العربي، فلا معنى لهذا المشرق ولا لون أو طعم أو رائحة، من دون أقلياته، ومن دون أن تحظى هذه الأقليات، بحقوقها في ممارسة شعائرها والاستمتاع بثقافتها وتدبير شؤونها.

التاسعة؛ بعد أن عانت المنطقة، ما عانت، جراء “الأحادية” و”الانعزالية” التي ميّزت سلوك الإدارة المرتحلة، فإن مستقبل شعوبها، يعتمد إلى حد كبير، على قدرة هذه الإدارة على تنظيم عمل دول منسق، متعدد الأطراف، لاستنقاذ شعوبها، من براثن الفساد والاستبداد والفشل التنموي، وتجفيف تربة التطرف والغلو، وإغلاق أية نافذة، يمكن للإرهاب أن يعاود التسلل من خلالها إلى مجتمعات هذه المنطقة وشعوبها، فيكفي ما تسبب به من خراب ودمار، للبشر والشجر والحجر، خلال سنوات سبع عجاف، وليس من مصلحة واشنطن ولا بروكسيل أو أي من دول المنطقة، أن تعاود اختبار هذا “الكابوس” من جديد.

العاشرة؛ لا يمكن للولايات المتحدة أن تكتفي بإدارة ظهرها للمنطقة، وأن تعارض في الوقت ذاته، سعي دول أخرى، إقليمية وعالمية، لملء فراغها، فالمجتمعات كما الطبيعة، تكره الفراغ… لا أحد بمقدوره أن يأكل نصف الرغيف ويحتفظ به كاملاً… هنا، لا بد من إطلاق مبادرات لبناء منظومات إقليمية للأمن والتعاون: الخليج بما يشمل العراق واليمن، البحر الأحمر والقرن الأفريقي، منطقة الشمال الأفريقي… من دون وجود أطر فاعلة للتعاون الإقليمي، ستبقى أبواب هذه المنطقة، مشرعة لكل أشكال التنافس والصراع الدوليين، ونظرية “من بعدي الطوفان”، لا يمكن أن تكون صالحة في زمن “القرية الكونية الصغيرة الواحدة”… لقد رأينا كيف ملأت القوى الإقليمية الفراغ بالمليشيات والجماعات المسلحة، وكيف نجح الإرهاب في التسلل إلى عمق المنطقة، من شقوق صراعات محاورها الإقليمية والدولية، وتابعنا هجرة الملايين من سكانها إلى أوروبا ومختلف دول العالم، بما شكل ويشكل تهديداً لأمنها واستقرارها ونسيجها الاجتماعي… إدارة الظهر ليست خياراً، وعلى الولايات المتحدة، أن تدرك أن استقرار الإقليم، بل والاستقرار العالمي، رهن بقدرة دوله وشعوبه على انتاج الصيغ والأطر الكفيلة بحفظ أمنها واستقرارها وتعظيم ثمار تعاونها.

قناة الحرة

—————————————–

===================

تحديث 29 كانون الأول 2020

————————–

سورية والمنطقة في انتظار الاستراتيجية الأميركية الجديدة/ عبد الباسط سيدا

ونحن على أعتاب العام الجديد، 2021، نرى أن الوضع السوري قد بات جزءأ من الوضع العام للمنطقة، وذلك نتيجة الاندماج الذي تم بينه وبين المشاريع الإقليمية والحسابات الدولية، والاصطفافات التي تبلورت شيئاً فشيئاً، وتحدّدت ملامحها بصورة واضحة في يومنا الراهن، بعد مرور نحو عشرة أعوام على انطلاقة الثورة السورية في مارس/ آذار 2011. فمن جهة النظام، لا يمكن الحديث عن أي تحول أو تغيير أو تعديل في السلوك، وفق المطلب الأميركي، يمكن أن يحصل، من دون أخذ العاملين الروسي والإيراني بعين الاعتبار. ومن جهة المعارضة، أو على صعيد المناطق الخارجة بهذه الدرجة أو تلك عن سيطرة النظام، فالتأثير موزّع بين الأميركان في منطقة شرقي الفرات والأتراك في المناطق الشمالية الواقعة إلى الغرب من الفرات حتى حدود المنطقة الساحلية حيث النفوذ الروسي مع النظام. أما المنطقة الجنوبية، فهي غير مستقرة، على الرغم من الصفقات التي تمت بوساطة روسية؛ وذلك مردّه تأثير الفاعل الإسرائيلي، مع مراعاة الوضع الأردني. هذا إلى جانب صعوبة إقناع السكان هناك بالعودة الكاملة مجدّداً إلى حظيرة الاستبداد الأسدي.

إلا أن الجميع في انتظار الاستراتيجية التي ستعتمدها الإدارة الأميركية الجديدة، الإدارة الديمقراطية برئاسة بايدن، الأكثر خبرة من الرئيسين السابق والأسبق، والأكثر معرفةً بأحوال المنطقة وعقدها المستعصية؛ ومن بينها موضوع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والموضوع الكردي، والمشاريع الخاصة بكل من إيران وتركيا، ونزوعهما نحو التوسع، بهدف استخدام ورقة الانتصارات الخارجية في حسابات الداخل.

منطقتنا بأسرها في انتظار تبلور ملامح الاسترتيجية الأميركية الجديدة، وذلك بعدما تفاقمت الأزمات في معظم دولها، وانسدت الآفاق في مختلف الأنحاء، فالمشروع الإيراني الذي اعتمد سياسة استغلال المذهب، للتوسّع في مجتمعات المنطقة، بلغ ذروته، بعدما أوجد جدراناً من الهواجس والشكوك والترقب بين الشيعة ومجتمعاتهم الوطنية في كل دولة في المنطقة. وقد جاءت المظاهرات التي شهدتها مدن جنوب العراق وبغداد، أي المناطق التي يمثل الشيعة فيها الأغلبية الساحقة، لتؤكّد عودة الروح الوطنية العراقية، وعدم الرغبة في الاستمرار مع المشروع الإيراني الذي لم يجلب للعراق عموماً، وللمناطق الشيعية على وجه التخصيص، سوى التخلف والفاقة والمشكلات الخدمية، والتراجع الشمولي في كل شيء.

أما في لبنان، فالوضع الكارثي ما زال سيد الموقف، على الرغم من الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس الفرنسي ماكرون، وفي انتظار الزيارة الثالثة التي يبدو أن كورونا لم توافق عليها، وعلى الأرجح ستكون هي الأخرى عديمة الجدوى، طالما أن كل طرفٍ متمترسٌ في خندقه، ينتظر ما سيقدم عليه سيد البيت الأبيض الجديد.

وتركيا بعدما نسّقت مع الروس والإيرانيين في مسار أستانا الذي مكّن النظام من العودة إلى معظم المناطق السورية، تدرك الآن أن المطلوب منها هو إدلب، وهي ليست مستعدّة للتخلي عن هذه الورقة القوية التي ما كان لها أن تحتفظ بها لولا الضوء الأخضر والرغبة الأميركيان، تماماً مثلما كان عليه الحال بالنسبة إلى دخولها إلى مناطق الباب، وأعزاز، وعفرين، وتل أبيض، وسري كانيي/ راس العين، وغيرها. والأمر ذاته بالنسبة لدورها في كردستان العراق، وتواصلها مع القوى السنّية العراقية، وهجماتها المستمرّة على قواعد حزب العمال الكردستاني هناك.

وما نعتقده في هذا المجال هو أن هذا الدور أيضاً يتم بناء على ضوء أخضر أميركي، في سياق ضبط توازن المعادلات في المنطقة. ولكن هل سيستمر مفعول الضوء الأخضر الترامبي في عهد بايدن، أم أن قواعد اللعبة ستتغير، وذلك تبعاً لموقع تموضع تركيا من الاستقطابات الدولية والإقليمية في المنطقة، واستناداً إلى أولويات الإدارة الأميركية الجديدة؟

أما روسيا التي يبدو أنها قد حصلت على ضوء أخضر أميركي – إسرائيلي بالبقاء في سورية، فهي تدرك أن المهمة ليست سهلة، وتعرف جيداً أن معادلات المنطقة تشمل سورية أيضاً. لذلك تستعد، هي الأخرى، لمعرفة توجهات الإدارة الأميركية الجديدة، وهي تخشى، في الوقت ذاته، من أن يشغلها الموضوع السوري أكثر من اللازم، في وقتٍ تشتد فيه المنافسة بين القوى الدولية حول مناطق أخرى هامة من العالم، الأمر الذي قد يجعلها في قائمة المتأخرين.

ومن بين المنتظرين إسرائيل أيضاً، على الرغم من علاقتها العضوية مع الولايات المتحدة، ومعرفتها اليقينية بأن أمنها، ومهمة الدفاع عنها، يأتيان على رأس قائمة أولويات كل رئيس أميركي، فهي قد حققت نتائج متقدّمة على صعيد التطبيع مع دول عربية عديدة، ولكنها لم تتمكّن بعد من تجاوز أزماتها الداخلية، وهي تدرك أن موضوع السلام مع الفلسطينيين استحقاق سيواجهها باستمرار، مهما تجاهلت وسوّفت؛ كما أن موضوع النووي الإيراني يظل الهاجس الذي يؤرّقها؛ لذلك تظل في حاجةٍ ماسّة إلى معرفة توجهات كل إدارة أميركية جديدة وأولوياتها.

ماذا عن السوريين أنفسهم؟ وماذا عن بلدهم الذي توزّع بين مناطق نفوذ متعدّدة الجنسيات، وبات مرتعاً للجيوش الأجنبية، والمليشيات الوافدة المتعدّدة الألوان والمشارب والأهداف، وتتعرّض موارده البشرية والمادية للاستنزاف هنا وهناك؟ هنا تتباين المواقف، وتكثر التحليلات المنسجمة مع رغبة هذه الجهة أو تلك، فمنهم من يرى أن إدارة بايدن ستنفتح على الإيرانيين، وهذا ما سيمكّن هؤلاء من الاستمرار في مخطّطاتهم التوسعية في المنطقة. ومقابل هؤلاء هناك من يرى العكس، ويعلن أن المهمة التي نفذتها إيران، تحت شعارات المقاومة والممانعة، قد بلغت مداها الأقصى، بعدما تمكّنت من خلخلة مجتمعات المنطقة ودولها؛ وساهمت في دفع دول المنطقة نحو شراء الأسلحة بمليارات الدولارات، وشرعنت عمليات التطبيع بالنسبة إلى دول عربية عديدة. لذلك ربما يكون الوقت قد حان لإعادتها إلى دائرة الاحتواء المضمون، مع بعض جوائز الترضية التي لا تمنحها كل ما تريد، ولكنها لا تصادر دورها ضمن حدود المسموح به؛ وهو دور يبدو أنه سيكون مطلوباً من حين إلى آخر.

السوريون في معظمهم، بعدما خذلهم الأصدقاء والأشقاء، كلٌّ لحساباته وهواجسه الخاصة، باتوا أصحاب “عقلية مسيانية”، ترى في انتظار القادم الأميركي ملاذها وأملها. هذا مع المعرفة المسبقة لهذا المعظم بأنه ما لم يكن هناك حدٌّ أدنى من التوافق والتماسك بين السوريين المناهضين لاستبداد نظام بشار وفساده، فإن هذا الأخير سيتمكّن، بدعم مستمر من حلفائه الثابتين، من تجاوز عنق الزجاجة، والاستمرار في الحكم المستبد. كما أن النظام ذاته يستمد العون والمساندة من الدعوات المطالبة بالانفتاح العربي عليه، ودعم مشاريعه في ميدان إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين. وهي مشاريع مفصّلة وفق مقاساته ومقاسات راعيه الروسي، الذي يمنّي النفس بالاستثمارات في سورية، وحتى في الدول العربية الغنية، لقاء الدور الذي قام، ويقوم به في سورية.

الواقع الحالي للمعارضات الرسمية، والتراجعات، إن لم نقل الانهيارات المستمرّة التي تتعرّض لها لأسباب ذاتية في المقام الأول، لا يوحي، بكل أسف، بأي إمكانية لمواجهة ما يجري. وخارج إطار هذه المعارضات، هناك مناقشة وحوارات كثيرة يجريها السوريون في الداخل والمهاجر، ولكنها لم تؤدّ بعد إلى النتائج المرجوّة. نحن في حاجةٍ ماسّةٍ إلى أفكار جديدة من خارج الصندوق، وفي حاجة إلى نواة صلبة متماسكة، متمسكةٍ بأولويات السوريين، مع حرصها على بناء أفضل العلاقات مع الجميع، على أساس تبادل المصالح والاحترام.

العربي الجديد

———————————-

بايدن يرث «أميركا مختلفة» غيّرتها سنوات ترمب بعد 4 أعوام مليئة بالجدل والصخب/ هبة القدسي

لم يشهد تاريخ الرؤساء الأميركيين رئيساً مثيراً للجدل ومحطماً للتقاليد والأعراف الراسخة مثل الرئيس الأميركي الخامس والأربعين دونالد ترمب. فقد تمكن هذا الرئيس المنتهية ولايته من تغيير كثير من ملامح الحياة السياسية في الولايات المتحدة، وأثار الجدل والخلاف والانقسام بشكل غير مسبوق في الحياة الحزبية، كما أشعل معارك وخصومات، وعمق انقسامات عرقية وثقافية، كما قوض، بحسب ما يقول معارضوه، الإيمان بالقيم والأعراف والتقاليد التي لم يخرج عنها الرؤساء الأميركيون السابقون. لكن مؤيديه، وهم بالملايين الذين صوتوا له في الانتخابات الأخيرة، يرون صورة مختلفة تماماً، ويشيدون بسياساته التي وضعت «أميركا أولاً».

وعندما يتولى الرئيس المنتخب جو بايدن سدة الحكم في يناير (كانون الثاني) المقبل سيرى، بلا شك، أن ترمب حقق خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض تغييرات كثيرة في المجتمع الأميركي وفي علاقات أميركا نفسها مع دول العالم. فما هو إرث ترمب الذي سيرثه بايدن الآن؟

لقد اتسمت سنوات حكم دونالد ترمب بصخب كثير وبتغريدات وإقالات وتعيينات وإخفاقات، لا سيما في التعاطي مع أسوأ أزمة صحية واجهتها الولايات المتحدة في تاريخها الحديث مع تفشي وباء «كورونا» الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 330 ألف أميركي. ومع انتهاء السنة 2020، تمسك ترمب برفض الاعتراف بالهزيمة أمام جو بايدن، مروجاً لنظريات مؤامرة واحتيال وسرقة وتزوير.

ويقول مؤرخون إن الرئيس ترمب قدم خلال ولايته صورة مغايرة لتصرفات الرؤساء وتصريحاتهم، وقد نجح في أسر الملايين من المريدين والأنصار بخطاباته الشعبوية غير التقليدية، وتصريحاته التي كثيراً ما أثارت أعصاب الحلفاء والأعداء على حد سواء في الداخل والخارج. وستظل الشعبوية والاستقطاب سمتين مميزتين للسنوات الأربع في حكم دونالد ترمب الذي أرسى أسلوباً جديداً في التعامل مع وسائل الإعلام وفي إطلاق الألقاب على خصومه السياسيين، واستخدام «تويتر» كوسيلة للتواصل مباشرة مع متابعيه البالغ عددهم 85 مليوناً، بعد أن اتهم وسائل الإعلام بنشر الأخبار المزيفة وأقنع مناصريه بأن وسائل الإعلام معادية له بلا هوادة.

وتقدم صحيفة نيويورك تايمز ومقالات كتابها صورة واضحة تؤكد أن ترمب أحد أسوأ الرؤساء الأميركيين. أما متابعو شبكة «سي إن إن» فيكونون صورة عن ترمب بوصفه مرتكب أخطاء وجرائم لا حصر لها. في المقابل، يرى متابعو شبكة «فوكس» ومواقع «اكسيوس» وغيرها من المواقع اليمينية المؤيدة لترمب أن الأخير كان ضحية مؤامرات كونية، رغم جهوده وإنجازاته في مجال تقليص معدلات البطالة وخفض الضرائب وتقليص الروتين الحكومي وتسريع عمليات التوصل إلى لقاح والتصدي للبيروقراطية. وفي مقابل الهجوم والانتقادات لأداء ترمب في مواجهة الوباء، يتساءل الجمهوريون هل لو كانت هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة – أو أي ديمقراطي آخر – لتحقق النجاح في منع وباء فرض نفسه على كل دول العالم. ويسلط مؤيدو ترمب الضوء على قدراته في تحقيق اقتصاد مزدهر، مع معدل بطالة منخفض، وسوق مالية مزدهرة، مع ربحية متزايدة للشركات الأميركية وللأسهم. وفي عهده ارتفع الدخل الحقيقي للطبقة المتوسطة للمرة الأولى منذ عشرين عاما. وأوضح تقرير حديث لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن سياسات ترمب الاقتصادية أدت إلى زيادة الثروة وارتفعت القيمة الصافية للثروة إلى 128 تريليون دولار.

ولقد حقق ترمب نجاحات في ملف السياسة الخارجية، تمثل أبرزها في اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. كما فرض «حملة قصوى» استمرت لسنوات على إيران، تميزت بموجات متعاقبة من العقوبات الأميركية ضد القطاعات الاقتصادية الرئيسية للنظام الإيراني. أراد ترمب أن يحقق إنجازاً تاريخياً مع كوريا الشمالية، مستخدماً سلاح الهجوم ضد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون، ثم أساليب الثناء والتقارب معه، وعقد القمم الرئاسية معه. لكن الملف الكوري تجمد مع عدم قبول كوريا الشمالية التخلي عن برنامجها النووي، وإقدامها على تجارب تسلحية متطورة، في تحد واضح للمساعي الأميركية.

بدأ ترمب سنواته بالتقرب من الصين، لكنه سرعان ما أشعل حرباً تجارية شعواء معها أدت إلى توتر العلاقات، خاصةً مع اتهاماته لاحقاً للصين بالمسؤولية عن تفشي وباء كورونا والاتهامات المتبادلة بالقرصنة السيبرانية. وربما سيذكر التاريخ أن ترمب نجح بشكل ما في تقويض طموحات الصين في الظهور كقوة عالمية وإرساء جيل جديد من التنافس الاقتصادي والاستراتيجي.

واجتهد ترمب في تحقيق تقارب مع روسيا وفي إظهار علاقات ودية مع الرئيس فلاديمير بوتين رغم اعتراضات الأجهزة الاستخباراتية التي وجهت أصابع الاتهام إلى الكرملين وموسكو بالتدخل في الانتخابات عام 2016 وفي القرصنة السيبرانية على عدد من الأجهزة والوزارات الأميركية. وغير ترمب من أساليب الدبلوماسية الدولية التقليدية مع الانسحاب من معاهدات الحد من التسلح مع روسيا.

وتوترت العلاقات في عهد ترمب مع الحلفاء الأوروبيين على خلفية هجومه على عمل وتمويل حلف الناتو وانتقاداته لزعماء أوروبيين مثل أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون. واتبع ترمب إجراءات حمائية على المستوى التجاري وإجراءات انعزالية، خاصةً مع بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ووقف التمويل لكل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأونروا لغوث اللاجئين الفلسطينيين. وأشعل ترمب اضطرابات على المسرح العالمي بسياساته التي اتبعت شعار «أميركا أولا» وتحركاته الأحادية لسحب القوات الأميركية من أفغانستان والصومال والعراق وسوريا. أما في السياسة الداخلية فلم تشهد الولايات المتحدة مظاهرات عرقية غاضبة منذ ستينات القرن الماضي، مثلما شهدت احتجاجات ومظاهرات غاضبة خلال العام الجاري، حيث عمت المظاهرات مدناً وولايات أميركية كثيرة بعد مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد. وكتب جورج باكر المحلل السياسي بمعهد أتلانتيك ما أسماه «نعياً سياسياً» للرئيس ترمب قائلاً إن الولايات المتحدة أصبحت في عهد ترمب أقل حرية، وأقل مساواة، وأكثر انقساماً، وأكثر انعزالاً، وأعمق مديونية، وأكثر مرضاً وهماً. ويصف المحلل السياسي شخصية ترمب بـ«النرجسية المغرورة» التي تتبنى الأكاذيب كحقائق بديلة عن الحقائق على أرض الواقع.

أما المؤرخ الرئاسي مايكل بيشلوس فيقول إن ترمب عمل طوال أربع سنوات على توسيع سلطاته الرئاسية إلى ما وراء حدود القانون وغير شكل الرئاسة الأميركية وشكل السياسة. وقد يكون أبرز ملامح ارث ترمب هو استخدامه لسلطات منصبه كرئيس في تقويض آراء الأميركيين في خصوص مؤسساتهم الحكومية. ويقول: «منذ اللحظة الأولى لمجيئه إلى سدة الحكم، شن ترمب هجوماً على البيروقراطية الفيدرالية ورفع شعار (جففوا المستنقعات في واشنطن) وألقى بالشبهات على مسؤولي الحكومة الذين اعتبرهم جزءاً من الدولة العميقة، وزعزع ثقة الأميركيين في موظفي الحكومة واعتبر التحقيقات في التدخل الروسي في الانتخابات حملة من الساحرات لتقويض رئاسته وطارد وكالات الاستخبارات ووزارة العدل والمحققين مثل روبرت مولر». وفي رأي ريتشارد ووترمان أستاذ السياسة والتاريخ الرئاسي بجامعة كنتاكي أضر هجوم ترمب على الأسس الديمقراطية والانتخابية بالبيت الأبيض وخلق نموذجاً من الشك العميق في الانتخابات المستقبلية ووصمت إدارة بايدن القادمة بعدم الشرعية.

وربما يكون ملف الاقتصاد وخفض الضرائب هو الملف الأكثر بروزاً في إنجازات ترمب إلى أن ضرب وباء «كوفيد 19» أركان الاقتصاد الأميركي وأدى إلى إفلاس شركات كبرى وتسريح الملايين من العمال الأميركيين. وهناك من يقول إن خسارة ترمب في الانتخابات الرئاسية تعود في شكل كبير إلى تفشي الوباء وتداعياته الاقتصادية السلبية على الأميركيين.

الشرق الأوسط

—————————–

أجندة دبلوماسية قصيرة المدى لِلُغز السوري/ تشارلز ثيبوت

تحليل موجز

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة. وإذا أراد الرئيس المنتخب جو بايدن خلق نفوذ إضافي قبل محاولة إجراء مفاوضات صعبة مع روسيا، فسوف يحتاج إلى التحلي بالصبر الاستراتيجي من خلال الشراكة مع الحلفاء بشأن عشر قضايا أولية.

لا يزال الغموض يحيط نسبياً بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب جو بايدن إزاء سوريا. وقد ترسم معالمها خمسة عوامل متناقضة.

أولاً، لم تكن سوريا قط في الواقع من أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويبدو أن تجديد الإطار الدولي لوقف البرنامج النووي الإيراني هو الهدف الأول لبايدن في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أدى التعهد المتكرر بـ “إنهاء الحروب التي لا نهاية لها” إلى خلق توافق آراء أمريكي واسع النطاق ضد وجود بصمة أكبر في الخارج، وستؤدي جائحة الفيروس التاجي إلى مزيد من التقليل في النطاق الترددي للبيت الأبيض فيما يتعلّق بسوريا.

ثانياً، فقدت الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في سوريا بسبب سياسات إدارتي أوباما وترامب. على سبيل المثال، عندما واجهت عملية تركية من عبر الحدود في الشمال الشرقي من البلاد أواخر العام الماضي، انسحبت القوات الأمريكية جزئياً، مما أدى إلى عدم وضوح الخطوط الأمامية التي كانت مستقرة سابقاً بين القوات الروسية والتركية والأمريكية.

ثالثاً، أشاد بايدن بموقف القوة المحدود الذي تتخذه الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. وعلى عكس الديمقراطيين البارزين الآخرين، يعتبر أن استراتيجية “عبر، ومع، ومن خلال” المستخدمة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تزال نموذجاً جيداً عن عمل الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. وقد يشير ذلك إلى استعداده للاحتفاظ بوحدة صغيرة على أرض الميدان لدعم الشركاء المحليين.

رابعاً، تحدّثت شخصيات بارزة في حملة بايدن – بمن فيها مرشحه الحالي لوزير الخارجية، توني بلينكين، ومرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان – علناً عن الأخطاء التي ارتُكبت في سوريا خلال إدارة أوباما. ويجدر بالذكر أن بلينكين كان قد صرّح بأنه لا يستطيع تخيّل اعتماد سياسة إعادة التعامل مع بشار الأسد.

خامساً، عندما أقر المشرّعون الأمريكيون “قانون قيصر” في العام الماضي، عملوا على بناء آليات تهدف إلى مقاومة التغيير من قبل الإدارات الأمريكية المستقبلية. لذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف نظام الأسد.

للوهلة الأولى، لا يبدو أن هذه العوامل تترك مجالاً كبيراً لاستراتيجية جديدة بشكل خاص تجاه سوريا، مما يشير إلى أن سياسة الوضع الراهن ستستمر. ومع ذلك، تتمتع واشنطن بنفوذ أكبر مما تدركه، طالما أنها مستعدة للتخلي عن منطق الانهزام الذاتي الذي ساد في السنوات الأخيرة.

كيف يمكن لبايدن تغيير الوضع الراهن في سوريا؟

إن أحد الشروط الأساسية لكسر الجمود الدبلوماسي هو الإقرار بأن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل أو الطموح لحل الأزمة السورية بمفردها، سواء من خلال التدخل العسكري أو عقد صفقة كبرى مع روسيا وتركيا. ومع ذلك، يمكن لواشنطن أن تحقق أهدافاً أكثر تحديداً، مثل تحسين الوضع الإنساني، وإعادة تشكيل إطار الأمم المتحدة للمفاوضات بين الأطراف السورية، ومنع الأعمال العدائية الجديدة في شمال البلاد.

ويتمثل الشرط الثاني بالجمع بشكل أفضل بين المصادر المتباينة للنفوذ الأمريكي. فالمشهد السياسي في سوريا مجزأ للغاية، لذلك سيتعين على فريق بايدن تقديم أداء أفضل من خلال الجمع بين الأمور المالية والقانونية والدبلوماسية والسياسية التي كان يتمّ التعاطي معها سابقاً بشكل منفصل أو تم تجاهلها.

الشرط الثالث هو إعادة إدخال بعض الطاقة الدبلوماسية في السياسة السورية. لقد تعهد بايدن باستعادة القيادة الأمريكية، وإعادة بناء التحالفات، والعمل بشكل أوثق مع الشركاء الأجانب بشكل عام، وأحد الأشكال الواضحة للقيام بذلك في سوريا هو ما يسمى بـ “المجموعة الصغيرة”، التي تضم بريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والمملكة العربية السعودية. وقد اجتمعت هذه المجموعة بانتظام، لكن إدارة ترامب كانت مترددة في الاستثمار فيها، محرزة القليل من التقدم الملحوظ في تنسيق جهد قوي رفيع المستوى لإصلاح عملية الأمم المتحدة أو التعامل مع روسيا وتركيا وإيران.

أجندة قصيرة الأجل لـ “المجموعة الصغيرة”

يجدر بـ “المجموعة الصغيرة” الاجتماع بسرعة بعد إقرار تعيين وزير الخارجية الجديد في إدارة بايدن. وفي ذلك الاجتماع الأول، من الضروري أن يعمل المسؤولون على تقييم مسؤولية روسيا وإيران وتركيا عن الوضع الميداني الراهن وجمود الأمم المتحدة. وبعد ذلك، عليهم منح الأولوية للصبر الاستراتيجي، والتركيز في الوقت الحالي على تأكيد المواقف المشتركة التالية بدلاً من محاولة صياغة استراتيجية جديدة كبرى لسوريا:

1. تحديد موعد نهائي للجنة الدستورية. بعد أكثر من عام على قيام هذه اللجنة بقيادة الأمم المتحدة لم تسفر [أعمالها] عن نتائج ملموسة. وعلى الرغم من النواقص التي تشوبها وفرص نجاحها المحدودة، كانت فكرة إنشاء اللجنة تستحق التجربة ولو كان ذلك فقط لمنع روسيا من استغلال العملية الدبلوماسية وإعادة نظام الأسد إلى حالته الطبيعية دون معالجة أي من الأسباب الجذرية للحرب. ومع ذلك، عرقل النظام السوري باستمرار جهود اللجنة لعدة أشهر على أمل أن يتمكّن الأسد من “الفوز” في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بموجب الدستور الحالي. وما لم تحقق اللجنة تقدماً كبيراً خلال جلستها المقبلة (المقرر عقدها في 25 كانون الثاني/يناير)، سيكون من الحكمة أن تحدد الولايات المتحدة وحلفاؤها تاريخ انتهاء مهمتها، والدعوة إلى حلها إذا لم تتوصل إلى نتائج ملموسة في غضون بضعة أشهر.

2. حث الأمم المتحدة على إعداد آلية مراقبة محكّمة للانتخابات السورية في 2021، بالإضافة إلى توفير خيارات آمنة ومحايدة للسوريين في الخارج لكي يشاركوا في الانتخابات. من غير المرجح أن يوافق النظام السوري على مراقبة الأمم المتحدة للانتخابات، لكن إعداد مثل هذه الآلية أمر مهم لتوضيح ما تعنيه النتيجة. أي أنه إذا رفض النظام المراقبة، فإن ذلك سيقوّض شرعية “الفوز” المفترض للأسد؛ أما إذا سَمح بها، فمن المحتمل أن توضح النتائج المسجلة أن الانتخابات كانت مزورة.

3. تسريع المصالحة الكردية. في الآونة الأخيرة، انخرط مقاتلون أكراد سوريون في اشتباكات حدودية مع القوات الكردية العراقية. وتُظهر مثل هذه الحوادث أن تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا لن يكون ممكناً إلا من خلال بذل جهود على مستوى رفيع لحل الخلافات بين الفصائل الكردية المتناحرة واستبعاد الأعضاء غير السوريين في «قوات سوريا الديمقراطية». وقد أرسلت فرنسا والولايات المتحدة مبعوثين خاصين بشكل منفصل للوساطة بين «قوات سوريا الديمقراطية» و «المجلس الوطني الكردي» المدعوم من تركيا، لكن من الضروري [الاتفاق على] المزيد من التنسيق والضغط السياسي. وقد بدأ الوقت ينفد نظراً لخطر قيام تركيا بشن هجوم آخر، لذلك على “المجموعة الصغيرة” أن توضح لقادة «قوات سوريا الديمقراطية» أنه يتعين عليهم الامتثال في وقت قريب. ومن بين الضرورات الأخرى، يعني ذلك منح أنقرة ضمانات أقوى بأنها ستفصل «قوات سوريا الديمقراطية» عن «حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا.

4. الضغط على تركيا لاحتواء الجهاديين. في وقت سابق من هذا الشهر، أفادت بعض التقارير أن الجهادي البارز المرتبط بتنظيم «القاعدة» عبد الله بن محمد المحيسني التقى مع جماعة «فيلق الشام» المدعومة من تركيا في منطقة عفرين في شمال غرب سوريا. ومثل هذه الحوادث يجب أن تحفز “المجموعة الصغيرة” على معارضة أي تواطؤ بين شركاء تركيا والعناصر الجهادية بشكل علني؛ وخلاف ذلك، فمن الممكن أن تصبح أجزاء كبيرة من شمال سوريا ملاذات آمنة لمنتسبي تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية».

5. إشراك «قوات سوريا الديمقراطية» في عملية الأمم المتحدة كجزء من المعارضة السورية. بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 2254، يميل المسؤولون إلى المساواة بين “المعارضة” و “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي يهيمن عليها «الائتلاف الوطني السوري». وقد دفعت هذه المقاربة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى استبعاد «قوات سوريا الديمقراطية» من العملية الدبلوماسية التي ترعاها الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن «الائتلاف الوطني السوري» و«قوات سوريا الديمقراطية» بحاجة ماسة إلى التوصل إلى ترتيب يمكنهما بموجبه استعادة نفوذهما الدبلوماسي والإقليمي، وفي الوقت نفسه منع دمشق وموسكو من إرغام «قوات سوريا الديمقراطية» على عقد صفقة مع نظام الأسد. وقد سبق أن استضافت مصر محادثات بين «قوات سوريا الديمقراطية» وما يسمى بـ “مجموعة القاهرة”، وهي فصيل أقلية ضمن «الائتلاف الوطني السوري». كما تم أيضاً إشراك أفراد من المعارضة. بإمكان جهد مشترك من قبل دول “المجموعة الصغيرة” أن يساعد في تنشيط هذه العملية.

6. إصلاح إطار العمل الإنساني وزيادة المساعدات. إن [الدول] الأعضاء في “المجموعة الصغيرة” هي من بين أكبر الجهات المانحة الإنسانية للسوريين المحتاجين، لذلك لديها نفوذ كبير للضغط على المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة في دمشق لمواجهة اختطاف النظام للمساعدات. عليها أيضاً إعداد بدائل مشتركة لإطار عمل الأمم المتحدة في حالة عدم تجديد القرار الخاص بالدعم الإنساني عبر الحدود في تموز/يوليو 2021. وعلى افتراض أن يتم إصلاح الإطار، يجب تشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على توفير تمويل إضافي للعمليات الإنسانية (حتى الآن لم يتم تحقيق سوى 40 بالمائة من هدف التمويل لعام 2020). بالإضافة إلى ذلك، من شأن التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة الإنسانية أن يساعد على التخفيف من مشكلة امتثال المصارف المفرط للعقوبات. وعلى الرغم من أن “قانون قيصر” والإجراءات المماثلة تستهدف مسؤولي النظام وتشمل العديد من الاستثناءات الإنسانية، إلّا أن المؤسسات المالية الدولية غالباً ما تخطئ عندما يتعلق الأمر بالحذر والإفراط في الامتثال لهذه القيود، مما يخلق بصورة غير مباشرة عقبات خطيرة للعمليات الإنسانية.

7. النظر في السماح بمشاريع “التعافي المبكر” في المناطق التي يسيطر عليها النظام وبذل المزيد من الجهود لإرساء الاستقرار في شمال سوريا. بدلاً من أن تركز الجهات المانحة حصراً على الإغاثة في حالات الطوارئ، عليها زيادة إمكانية تقديم الأموال إلى مشاريع أخرى استناداً إلى وضع كل منطقة. على سبيل المثال، إذا أثبتت “المجموعة الصغيرة” قدرتها على التوسّط لإحراز تقدم بين «قوات سوريا الديمقراطية» وتركيا، بإمكان الأعضاء الأوروبيين القيام بالمثل من خلال تعزيز مساهماتهم في جهود تحقيق الاستقرار في شمال سوريا، والتي تشمل الأراضي التي تسيطر عليها تركيا. وبالمثل، يمكن للأعضاء عرض تمويل إصلاحات البنية التحتية الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها النظام إذا وافقت دمشق على تقليل هجماتها العسكرية وتدخلها في العمليات الإنسانية. وقد يكون هذا حافزاً جذاباً بشكل خاص للنظام في الوقت الذي حتى جمهوره الموالي يعاني من الأزمات الاقتصادية والصحية.

8. إعادة التأكيد على شروط إعادة الإعمار. لطالما اشترطت الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” تمويلهما لمشاريع إعادة الإعمار على إحراز تقدم ملموس في العملية السياسية، لكن روسيا تضغط على الدول الأوروبية لتغيير هذه السياسة. ولذلك ينبغي على”المجموعة الصغيرة” أن تجدد التزامها بالشروط.

9. تعزيز التعاون ضد مجرمي الحرب. تثبت قضايا المحاكم الأخيرة في ألمانيا أن بإمكان السلطات العثور على المسؤولين السوريين السابقين المتهمين بارتكاب جرائم حرب ومحاكمتهم. وبالمثل، قررت هولندا تحميل دمشق المسؤولية القانونية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بموجب “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”. وفي المرحلة القادمة، يجب على أعضاء “المجموعة الصغيرة” تعزيز التعاون القضائي وتوسيع الدعم للمنظمات غير الحكومية السورية التي تركز على جمع الأدلة ومساعدة الضحايا.

10. تذكير النظام بالإجراءات قصيرة المدى التي يمكن أن تكسر الجمود. على الرغم من أنه من غير المرجح أن ينخرط الأسد في عملية بناء ثقة تدريجية نحو إجراء مفاوضات محتملة، إلّا أنه مع ذلك يتعيّن على “المجموعة الصغيرة” أن توضح الخطوات التي يمكن أن يتخذها للإشارة إلى اهتمامه [بقرار] آخر غير الحل العسكري الفعلي والعزلة الدولية المستمرة. وتشمل هذه الخطوات إطلاق سراح السجناء السياسيين، ووقف اعتقالات اللاجئين العائدين، وإنهاء الضربات الجوّية ضد المنشآت المدنية.

وفي النهاية، فإن التوصل إلى حل وسط مع روسيا هي الطريقة الوحيدة لتحقيق نتيجة تفاوضية في سوريا، بما أن موسكو اكتسبت تأثيراً كبيراً من خلال إطار “عملية أستانا” وعلاقاتها الثنائية مع تركيا وإيران. وحالما تعزز “المجموعة الصغيرة” نفوذها من خلال تنفيذ جدول الأعمال قصير المدى الموصوف أعلاه، [فعندئذ] يمكنها متابعة الهدف متوسط المدى المتمثل في دمج جهودها مع صيغة “عملية أستانا”. وقد يساعد ذلك المجموعة على فتح مفاوضات أكثر عالمية، وتنشيط عملية الأمم المتحدة، وتقييم ما إذا كانت مستعدة وقادرة على استضافة محادثات جوهرية بين السوريين أنفسهم. ويمكن للتطورات على الجبهات الأخرى – ربما من خلال البرنامج النووي الإيراني – أن تسهل هذه العملية.

وستتطلب جميع هذه النقاط إجراء مفاوضات صعبة، لذا لا يمكن تحقيق تقدم سوى من خلال وجود قيادة أمريكية قوية قائمة على عملية حقيقية متعددة الأطراف. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه واضحة، وتتمثل باستخدام الزخم الذي منحه حفل التنصيب القادم للرئيس الأمريكي المنتخب للتأكيد لدمشق وموسكو وطهران بأن استراتيجيتها الحالية المتمثلة بانتظار تبلور الأمور في الولايات المتحدة لن تنجح.

تشارلز ثيبوت هو زميل زائر في معهد واشنطن.

معهد واشنطن

—————————————

========================

تحديث 01 كانون الثاني 2021

—————————-

بايدن والمحافظون الجدد: عود على بدء؟/ صبحي حديدي

ثمة فرضية واسعة الانتشار في أوساط اليسار الأمريكي بصفة خاصة، ترافقت مع صعود نجم جو بايدن وتكريسه كمرشح للحزب الديمقراطي؛ مفادها أنه، على نقيض المنطق المألوف للانقسامات الإيديولوجية الأمريكية، الشخصية المفضلة لدى «مؤسسة الأمن القومي» لأطوار ما بعد دونالد ترامب. وهو، استطراداً، الحاضنة الأكثر ملاءمة لما تبقى من شخوص وتنظيرات تيار عريض بالغ التأثير عُرف في زمن جورج بوش الابن وغزو العراق تحت مسمى «المحافظين الجدد».

ويذكّرنا جيمي سكاهيل، صحافي التحقيقات المتميز ورئيس تحرير الموقع الإخباري الهامّ Intercept، أنّ رحيل ترامب سوف يجرّد تيارات اليمين العنصرية المختلفة من حليف كان يتربع على هرم القرار الأعلى في الولايات المتحدة، وأنّ عدداً غير قليل من سياسات ترامب التي تدغدغ تلك التيارات سوف تتبدّل على نحو أو آخر في عهد بايدن. كلّ هذا صحيح، ولكن ما يتوجب أن يبقى في الذهن هو أنّ انتصار الديمقراطيين تحقق بسبب أرقام الوفيات المرعبة جراء جائحة كوفيد ــ 19 وإدارة ترامب الإجرامية، ولم يتحقق بسبب حماس الناخبين لسياسات بايدن وأفكاره أو سجّله في الوظيفة العامة على مدار نصف قرن: «بالنسبة إلى ملايين الناخبين، لم يكن الخيار بين بايدن وترامب، بل كان تصويتاً على ترامب، واسم بايدن على ورقة الاقتراع كان بمثابة لا رافضة».

لسنا، في المقابل، بحاجة إلى مَنْ يذكّرنا بأن أكثر من 73 مليون ناخب أمريكي صوتوا من أجل إبقاء ترامب أربع سنوات إضافية في البيت الأبيض، رغم معرفتهم بفساد إدارته وعجز سياساتها والتدبير الخطيرة التي اتخذتها، فضلاً عن تشجيع العنف والتيارات العنصرية والكراهية والتفرقة الاجتماعية والإثنية؛ وأنّ الحزب الجمهوري كان، في المقابل، مجرّد صدى يردد أقوال ترامب من دون أيّ وفاء للحدّ الأدنى من القيم التي يرفعها الحزب ويتفاخر بها. الفارق بين بوش الابن وترامب ينحصر، حسب يقين سكاهيل، في أنّ الأوّل سعى إلى جعل الحزب غطاء أو ستاراً أو مرجعية عامة، واكتفى الثاني بتحويل الحزب إلى جمهرة من النوّاب وأعضاء مجلس الشيوخ المصفقين الراضخين الخانعين.

الأسابيع القليلة المقبلة سوف تضع هذه الفرضية، وسواها من آراء تسير على المنوال ذاته، أمام محكّ السياسات الفعلية في ميادين عديدة لعلّ قضايا الشرق الأوسط سوف تكون في طليعتها. ونعرف، سلفاً في الواقع، أنّ رهط المحافظين الجدد، الذين سوف يلتفون حول بايدن من زاوية دفعه إلى إحياء النظرية القديمة بصدد فرض الديمقراطية على شعوب الشرق الأوسط عن طريق القوّة إذا اقتضى الأمر؛ لن يتنازلوا عن قاعدة أخرى مقترنة بهذا الخيار، أي «الغسل الثقافي» لتلك الديمقراطية المصدّرة، على صعيد التراثات والأديان والعقائد، بما يكفل تطهيرها من سلسلة «أدران تاريخية» خلقت نزوعات العداء للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب عموماً. في عبارة أخرى، جرت على لسان كبار المحافظين الجدد: إذا توجّب أن تبلغ بلدانُ الشرق الأوسط مستوى في الديمقراطية متقدّماً ومقبولاً ومعترفاً به في الغرب، فإنّ على صندوق الاقتراع ألا يمثّل قناعات المقترعين الفعلية، بل تلك التي تتناسب مع القناعات التي يقبل بها «العالم الحرّ» و»المجتمع الدولي»، تحديداً وحصراً!

وهكذا فإنهم، من جديد وعلى منوال القديم، سوف يطالبوننا بأن نعيش مرحلة الـ»ما بعد» في كلّ شيء، وعلى طول الخطّ: ما بعد الحداثة، ما بعد المجتمع الصناعي، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الإيديولوجيا، ما بعد الشيوعية، ما بعد التاريخ، ما بعد السياسة، ما بعد «القاعدة» و»داعش» وأسامة بن لادن و»الخليفة البغدادي»… وتلك حال يتوجب أن تبدو أقرب إلى عالم أحادي تماثل وتشابه وتعاقب على ذاته ومن أجل ذاته، حتى بات من المحال ــ وربما من المحرج ــ الحديث عمّا هو سابق لهذا الراهن وذاك اللاحق، عن الـ»ما قبل» أياً كانت الظواهر التي سبقته. كأنّ كل شيء حدث لتوّه، كما يستغرب الباحث الأمريكي دافيد غريس في كتابه المثير «دراما الهوية الغربية»: العالم يخلع أرديته واحدة تلو الأخرى، من العقلانية والرومانتيكية والثورية، إلى تلك الرجعية والوثنية والمحافظة، مروراً بالليبرالية والرأسمالية والاشتراكية والشيوعية.

ولكن، أليس من المشروع إعادة طرح التساؤل القديم، الذي حرّض عليه أقطاب المحافظين الجدد من أمثال كوندوليزا رايس، ديك شيني، إرفنغ كريستول، ريشارد بيرل، بول ولفوفيتز، دوغلاس فيث، ودافيد ورمستر: ألا يصحّ أنّ هذه الديمقراطية المستجلبة، أو أشباهها من ديمقراطيات مفروضة قسراً بفعل الشرط العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي الخارجي، هي بدورها حاضنة شروخات مجتمعية مستندة إلى انحيازات إثنية ومذهبية وطائفية وعشائرية؟ ألا يجوز الافتراض بأنها، أو كأنها، استعادة/ طبق الأصل لكلّ أحقاب الـ»ما قبل» في السرديات الكبرى للحضارة الغربية، من اليونان القديم، إلى روما القديمة، إلى رحلة كريستوفر كولومبوس، إلى عصر الأنوار والحداثة؟

ومن جانب آخر، وحين تقترن هذه المشاهد بما يشبه إصرار الغرب على استحالة المطابقة بين ديمقراطية صندوق الاقتراع وحرّية اليقين الشخصي، ألسنا نشهد اهتزازاً عميقاً في الرؤية الراسخة التي اعتنقها وبشّر بها الغرب معظم القرن الماضي، أو قبله بعقود كذلك؟ ألم تنهض تلك الرؤية على ثلاثة أقانيم جوهرية: الرأسمالية واقتصاد السوق، وحقوق الإنسان كما تقترن وجوباً بالشكل الليبرالي (الغربي ــ الأمريكي) من الديمقراطية العلمانية، وإطار الأمّة ــ الدولة كصيغة هوية معتمدة في العلاقات الدولية؟

وهذه الأقانيم بالذات، الم تكن تكتسي بهيئة مختلفة تماماً حين يتعلق الأمر بمجتمعات وثقافات العالم غير الغربي، أو هي كانت تأخذ أكثر من صيغة توتّر وتناقض مع أية مجموعة من القيم غير الغربية، الأمر الذي ظلّ يفتح باب الاجتهاد حول تصارع حضاري ــ ديني، على طريقة صمويل هنتنغتون؛ أو توتّر هيلليني ــ آسيوي، على طريقة برنارد لويس؛ أو ولادة «الأيديولوجية التالية»، على طريقة غراهام فوللر؟ ألم تنجلِ الأقانيم ذاتها عن هيئة مختلفة حتى في قلب أوروبا، على مبعدة أمتار قليلة من قواعد الحلف الأطلسي، في البلقان الدامي دون سواه؟

فوللر، من جانبه/ لا يغفل الإشارة إلى التهديد الذي تتعرض له الثقافات الوطنية بفعل التعميم القسري للقِيَم الغربية، بوسائط تبادل لا قِبَل لتلك المجتمعات بمقاومتها، مثل ذلك التصدير الأخطبوطي الجبّار للسلعة الثقافية (الكتاب والفيلم والأغنية ونوع الطعام واللباس والدواء)؛ وصناعة الرمز الثقافي الأعلى الأشبه بالأسطورة في ذلك كله (بحيث تتحوّل شطيرة الـ»بيغ ماك» إلى رمز للجبروت الأمريكي السياسي والاقتصادي والعسكري، ليس في بلدان مثل الهند وماليزيا ومصر فحسب، بل حتى في بلد مثل فرنسا أيضاً). ونتذكّر في هذا الصدد أنّ صدام الحضارات، كما شخّصه هنتنغتون في البدء، لا يدور بين يسوع ومحمد وكونفوشيوس، بل حول التبادل غير المتكافىء للقوّة والثروة والنفوذ، وتهميش الأطراف لصالح المركز (الغربي بالضرورة) وتحويل الثقافة إلى وسيط للتعبير عن الأزمة بدل أن تكون سبباً فيها.

الثابت، في خلاصة القول، أنّ تيار المحافظين الجدد لم يجد في حماقات ترامب ما يشفي غليله، ونفر من مقدار الشعبوية التي اكتنفت التنظير والتبشير قبل السياسة والاقتصاد، والأرجح أنه انتظر عوداً على بدء؛ في شخص بايدن كما يراهن مراقبون كثر، ولا عزاء للمراهنين في العالم العربي على تحولات ملموسة لخيارات البيت الأبيض المقبلة، فكيف بانعطافات كبرى فارقة.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————

عام الكورونا الأميركي/ بشير البكر

مثلما كان الحال في التقويمات الشعبية القديمة هناك أعوام تحمل أسماء غريبة كعام الجراد أو النمل الأبيض، فإن الاسم الذي يليق بـ 2020 هو عام الكورونا. هذا الوباء الذي دهم البشرية فجأة، ليضرب كل الأجندات بلا استثناء، وعلى مستوى العالم ككل، من الدول الصغيرة والفقيرة حتى الإمبراطوريات العظمى صاحبة الجيوش والاقتصادات الترليونية. الجميع سواسية في حالة عجز أمام هذا الفيروس الذي لا تزال البشرية غير قادرة على تحديد منشئه العضوي، ولا الوسائل الناجعة للخلاص منه. وإلى حين ظهور أولى اللقاحات، بدت الأضرار اللاحقة بأهم قوة كونية، أي الولايات المتحدة، أعظم منها في حال أي بلد آخر. وعلى الرغم من التقدّم العلمي الهائل، فإن أميركا لم تكن سباقة إلى اكتشاف اللقاحات المضادّة للفيروس، وسبقتها إلى ذلك ألمانيا التي أنتجت لقاح فايزر – بيوتنيك الذي يتصدّر اللقاحات العالمية، بينما لا يزال لقاح موديرنا الأميركي لم يعرف طريقه إلى التسويق الواسع على مستوى الولايات المتحدة والعالم.

ومن المفارقات هنا أن هذا الفيروس تدخل في صميم الحياة الأميركية، كما لم يحدث في أي بلد آخر، ووصل إلى لعب الدور الرئيسي في خسارة الرئيس دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية. وبعد أن كان ترامب يعوّل على أدائه الاقتصادي المتميز، جاء فشله في إدارة أزمة الفيروس منذ لحظة ظهوره، ليضيع عليه فرصة الفوز بولاية ثانية. والمشكلة لا تقف عند أداء ترامب في مواجهة الجائحة فحسب، بل تتعدّاها إلى نظرة الرئيس الأميركي إلى قضية الصحة، بوصفها مسألة أساسية من الأساسيات التي يتوقف تقدّمها على نهوض الدولة بها، مثل شؤون الدفاع التي لا يمكن خصخصتها وتلزيمها إلى شركات من القطاع الخاص. ويجدر التوقف هنا عند موقف ترامب من نظام الرعاية الصحية الذي أنشأه الرئيس الأسبق، باراك أوباما، عام 2010، وكان الهدف منه تأمين ضمان صحي لكل أميركي بتكاليف قليلة، كما في فرنسا. وأول ما قام به الرئيس الأميركي الحالي أنه قاد معركة في الكونغرس، من أجل إلغاء هذا النظام المعروف باسم “أوباما كير”، وحين فشل في ذلك لجأ إلى قانون معدل، يشكل خطوة هامة لإلغاء قانون أوباما.

يضاف إلى ذلك عدم جدّية ترامب في مواجهة وباء كورونا. منذ البداية، اتسمت مواقفه وردود أفعاله بلا مبالاة، وأعطى مثالا سيئا في ما يتعلق بالإجراءات الاحترازية، مثل عدم ارتداء الكمامة. وعمم هذا الموقف المستهتر على فريق من مساعديه ومستشاريه، وأدّت النظرة التبسيطية إلى إشاعة سلوك في بعض الأوسط ساهم في تفشّي الوباء على نطاق واسع. ومن هنا، ليست الأرقام العالية في الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة مصادفة أو سوء تخطيط، بل هي أمر يتعلق، بالدرجة الأولى، بالنظام الصحي، وعلاقة الدولة بهذا النظام الذي تبين أنه يعاني من مشكلات بنيوية كبيرة، وهذا ليس سرا، بل يكاد يكون من القضايا الأساسية التي تدور من حولها الحملات الانتخابية. ومعلومٌ أن النسبة العالية من الوفيات في أميركا كانت في أوساط الفقراء الذين لم يتمتعوا بنظام صحي عادل، وبالتالي تعايشوا مع أمراض مزمنة، وذات كلفة علاج عالية، وهذه الشريحة هي الأكثر تضررا من الفيروس.

هزيمة ترامب ليست النتيجة الوحيدة لأزمة كورونا، بل إن الفيروس يطرح على أميركا تحدّيات كبيرة، تتعلق بإعادة بناء النظام الصحي الأميركي الذي تعرّض لاختراق كبير من كورونا. وواضحٌ أن الإدارة القادمة التقطت الرسالة، ويتوقف أحد أهم أسباب نجاحها على العمل بها بسرعة، من أجل هزيمة الوباء، واستعادة ما تبدّد من هيبة أميركا.

العربي الجديد

—————————–

التايمز: سياسة بايدن من الشرق الأوسط ستكون استمرارا لترامب وإهمالا متزايدا لمشاكله/ إبراهيم درويش

في افتتاحية بعنوان “رأي التايمز بجوزيف بايدن والشرق الأوسط: منطقة مضطربة”، قالت الصحيفة البريطانية إن “هناك مناطق قليلة في العالم تتحسر على رحيل الرئيس ترامب مثل الشرق الأوسط”. ففي السعودية بدأ أول رحلة خارجية له، في حفلة واستعراض مبهرج وبريق صمم لمداهنة الرئيس الجديد. وكانت ناجحة، فقد تبنى الرئيس ترامب ولي العهد محمد بن سلمان وحمى الأمير الشاب من مسؤولية قتل المعارض السعودي في المنفى جمال خاشقجي.

وأكدت الولايات المتحدة التزاماتها بأمن السعودية والخليج. وتخلت عن الاتفاقية النووية مع إيران وزادت من العقوبات على طهران. واستخدمت إدارة ترامب علاقاتها الجيدة مع إسرائيل حيث “حقق انتصارا دبلوماسيا نادرا: فتح العلاقات الرسمية بين إسرائيل ودولتين خليجيتين هما الإمارات العربية المتحدة والبحرين”.

ونتيجة لهذا فستواجه إدارة جوزيف بايدن المقبلة مواقف متشككة وعدوانية من بعض حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين لو حاول الرئيس المنتخب، كما لمح، العودة للاتفاقية النووية مع إيران. وقالت الصحيفة إن هناك أمرين يعقدان مهمة بايدن، الأول هو استئناف إيران برنامجها النووي وسيطرة التيار المتشدد على الأمور. أما الثاني، فقد بات العالم العربي يتعامل مع إيران كعدوه الأكبر وليس إسرائيل.

ورغم الدبلوماسية المكثفة لحل المسألة الفلسطينية من قبل الإدارة الديمقراطية السابقة، فسيجد بايدن أن العالم العربي لم يعد يركز على القضية الفلسطينية. وبدلا من ذلك يريد التزاما أمريكيا بأمن الخليج ووقف محاولات فك العلاقة مع المنطقة وإظهار العضلات العسكرية التي وجدت الأنظمة العربية أن إدارة باراك أوباما ليست مستعدة لإظهارها في مجالات مثل مواجهة نظام بشار الأسد في سوريا.

وأضافت الصحيفة أن إدارة بايدن ستتعرض لضغوط من الداخل لعمل المزيد والقليل، فهي ستواجه مطالب باتخاذ مواقف متشددة من السعودية فيما يتعلق بحربها في اليمن، ومطالب بالتشدد مع تركيا بسبب تدخل رئيسها في ليبيا والمواجهة مع اليونان وقرار شراء منظومة أس-400 من روسيا.

لكن بايدن سيجد صعوبة في عكس سياسات وإلغاء قرارات اتخذها ترامب مثل نقل السفارة من القدس إلى تل أبيب. وستواصل عمليات الانسحاب وتخفيض القوات وإن بشكل بطيء من أفغانستان والعراق. ولن تكون قادرة على فرض دور أمريكي في المسألة السورية المعقدة أو مواجهة فاعلة ضد التأثير الصيني والروسي بالمنطقة. وإلى جانب هذا، فالولايات المتحدة تنتج نفطها الذي تحتاجه من الشرق الأوسط الذي لم يعد مهما لها من الناحية الإستراتيجية.

لكن المشاكل ستتفاقم، ورغم الأعباء التي يشكلها اللاجئون السوريون على دول المنطقة فمن غير المحتمل عودتهم إلى بلادهم. أما الحرب ذات الوتيرة البطيئة فستتواصل في ليبيا وكذا الأزمة الاقتصادية في لبنان والمجاعة في اليمن والجمود السياسي في الجزائر والقمع في مصر، في وقت تحاول فيه أوروبا الحذر في علاقاتها مع المنطقة وروسيا التي تريد الاستفادة من الفراغ. ورغم هزيمة التطرف الإسلامي في ساحة المعركة إلا أنه لا يزال قوة تحت الأرض وربما عاد وبدأ حملة من الجرائم.

وكما اكتشفت الإدارة الديمقراطية السابقة فلعب دور صانع السلام قد يكون محبطا. وربما تابع بايدن سياسة إدارة ترامب: إهمال متزايد للشرق الأوسط وتركيز على تحديات أخرى.

القدس العربي

—————————–

واشنطن وطهران لا تفكران بالحرب..ما سبب الحشد العسكري؟

قالت شبكة “سي إن إن” الأميركية إن هناك انقساماً بين المسؤولين في البنتاغون بشأن خطر شن هجمات محتملة من قبل إيران وحلفائها الإقليميين قبيل ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

ونقلت الشبكة في تقرير الخميس، عن مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون قوله إن الخطر الذي تشكله إيران بلغ الآن أرفع مستوى منذ اغتيال سليماني في الثالث من كانون الثاني/يناير 2020.

وأشار مسؤولون في البنتاغون إلى وجود تقارير استخباراتية جديدة مفادها أن إيران والفصائل المتحالفة معها في العراق قد تخطط لشن هجمات على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، وتشمل هذه الاستعدادات نقل طهران صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى البلد المجاور، ما دفع واشنطن إلى نشر قوات إضافية في المنطقة.

في المقابل، أبدى مسؤولون آخرون في البنتاغون للشبكة قناعتهم بأن المخاوف المتعلقة بالتهديد الإيراني المزعوم “مبالغ فيها”. وأكد مسؤؤل ثانٍ رفيع المستوى في وزارة الدفاع وهو منخرط مباشرة في المناقشات بشأن الموضوع، غياب أي معلومات استخباراتية تشير إلى أن هجوماً من قبل إيران قد يكون وشيكاً.

وذكر مسؤول دفاعي آخر ل”سي إن إن”، أن رئيس الأركان المشتركة في الجيش الأميركي مارك ميلي يتابع الوضع بعناية مكثفة، موضحا أن “العسكريين لا يعتقدون أن هناك خطر هجمات وشيك لكنهم يتخذون كافة الاستعدادات لضمان ردع إيران وحماية القوات الأميركية”.

وأشارت “سي إن إن” في هذا الصدد إلى إعلان القيادة المركزية الأميركية الأربعاء، عن تحليق قاذفات استراتيجية نووية من طراز “بي-52” إلى الشرق الأوسط للمرة الثانية منذ بداية الشهر.

في الوقت نفسه، أكد المسؤول الرفيع الثاني أن قرار وزير الدفاع الأميركي بالوكالة كريستوفر ميلر إخراج حاملة الطائرات “نيميتز” من الخليج جاء على الرغم من مطالب قائد القيادة المركزية كينيث ماكينزي بتمديد مهمة السفينة في المنطقة.

ووصف المسؤولون التحركات العسكرية الأخيرة في المنطقة بأنها “استعراض عضلات” يهدف إلى تحذير طهران من اتخاذ أي إجراءات عدائية ضد القوات الأميركية في المنطقة قبيل ذكرى اغتيال سليماني.

وشدد المسؤولون على غياب أي خطط واستعدادات تمهيداً لاتخاذ إجراءات هجومية ضد إيران في المنطقة، مضيفين أن كافة الخطوات المتخذة مؤخرا في سبيل تعزيز التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط تهدف إلى ردع هجمات محتملة وليس تنفيذ ضربات استباقية.

في المقابل، قال وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الخميس، إن إيران لا تسعى إلى الحرب لكنها ستدافع فوراً وبكل الوسائل عن شعبها وأمنها ومصالحها الحيوية. وأضاف في تغريدة، أن هناك معلومات استخباراتية من العراق تشير إلى وجود “مخطط أميركي لاصطناع ذريعة” لشن حرب ضد طهران.

Instead of fighting Covid in US, @realDonaldTrump & cohorts waste billions to fly B52s & send armadas to OUR region

Intelligence from Iraq indicate plot to FABRICATE pretext for war.

Iran doesn’t seek war but will OPENLY & DIRECTLY defend its people, security & vital interests.

— Javad Zarif (@JZarif) December 31, 2020

المدن

—————————

العام 2021: مفاوضات أميركا وإيران وترتيب علاقات المنطقة/ جويس كرم

العام 2020 كان عاما تحولياً بكل معنى الكلمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: اتفاقات سلام بين أربع دول عربية وإسرائيل، اغتيال قاسم سليماني وغرق لبنان بجائحة الفساد والانهيار الاقتصادي.

تحولات ستؤسس بشكل أو بآخر لما سيحمله العام المقبل الذي يبدأ عنوانه من تبدل في سدة الحكم في الولايات المتحدة ورئاسة جوزيف بايدن مع خروج دونالد ترامب وفريق الصقور بينهم جاريد كوشنر ومايك بومبيو من الحكم.

رئاسة بايدن ورؤيته الشرق الأوسطية تختلف جذرياً عن سلفه ترامب. فليس هناك العنصر الآيديولوجي والانتخابي للذهاب بعيدا في مغازلة إسرائيل كما فعل ترامب بنقل السفارة إلى القدس في 2018 والاعتراف بضم الجولان في 2019، وفي نفس الوقت لن يعادي بايدن إسرائيل وهو من قال في قاعة الكونغرس في 1986 أنه “لو لم يكن هناك إسرائيل لكان على أميركا اختراع دولة إسرائيل لتحمي مصالحها”. هناك أيضاً توجسٌ من بايدن من الغرق بوحول الشرق الأوسط، وهو كان أيد الانسحاب من العراق والمرشحين لوزارتي الدفاع والخارجية في إدارته لويد أوستن وتوني بلينكن أشرفوا على الانسحاب في 2011 قبل العودة في 2014 لمحاربة داعش.

وعليه تلوح هذه الأولويات الأربع في العام الجديد كمحرك لأميركا في الشرق الأوسط”

– أولاً مفاوضات إيرانية-أميركية: بغض النظر عن عمق الأزمة بين واشنطن وطهران، التي سيرثها بايدن من ترامب، فالظروف ناضجة لمفاوضات إيرانية-أميركية محورها الأبرز هو الملف النووي. إيران تسعى لهذه المفاوضات وبايدن لا يعارضها، ومجموعات الضغط بدأت تحضر لأجندة عملية لها تجعلها وبخلاف مفاوضات باراك أوباما مع طهران شاملة شكلا ومضمونا لقضايا تتخطى التخصيب والعداد النووي. أقله محور هذه المفاوضات سيشمل الصواريخ الباليستية، وهو بات مطلب تؤيده ألمانيا كما فرنسا وبريطانيا وتدفع باتجاهه دول إقليمية. حتى الساعة تعارض إيران دمج هذا الملف بمفاوضاتها النووية، إنما عصا العقوبات التي يحملها بايدن يرتبط شق كبير منها بالبرنامج الباليسيتي وتؤجل أي انفراج اقتصادي لطهران من دون رفعها. هناك أيضا إصرار إقليمي تقوده الإمارات والبحرين للمشاركة في المفاوضات المقبلة مع إيران وليكون لها إطار إقليمي يجعل مصيرها مقبولا في المنطقة ومن الكونغرس الذي جعل أي اتفاق مع إيران معاهدة يصعب على أي رئيس أميركي مقبل الخروج منها. فريق بايدن يدرك أهمية المفاوضات مع إيران ووقف الساعة النووية، وهو كان قادها سرا في سلطنة عمان في 2011. هذه المرة، هناك صورة دولية وإقليمية أكثر تعقيدا تفرض توسيع إطارها وطاولتها للوصول لاتفاق لا يطيحه رئيس أميركي مقبل.

– ثانياً ترتيب العلاقة مع كل من السعودية وتركيا: النقلة من ترامب إلى بايدن تعني رؤية مختلفة أيضا في تحالفات قادها ترامب في المنطقة. فالعلاقة القريبة بين ترامب والرياض -أول عاصمة يزورها في 2017 – وصداقته الشخصية مع رجب طيب أردوغان حددت إطارا استثنائيا للعلاقات الثنائية. هذا الإطار سيسعى بايدن لاستبداله بآخر أكثر برودة ويتعاطى مع أولويات أميركية ومطالب الكونغرس. مع السعودية هذا يعني تركيز فريق بايدن على إنهاء الحرب في اليمن، الإفراج عن السجينات الناشطات، وتعزيز فرص التواصل بين إسرائيل والسعودية. أما مع تركيا، فلا رفع للعقوبات الجديدة من دون تجميد أنقرة لمنظومة صواريخ أس-400 التي اشترتها من روسيا. كما سيسعى بايدن للضغط على أردوغان في سورية وخصوصا في العلاقة مع الأكراد، الوجود التركي في الشمال ومستقبل العلاقة مع قوات سوريا الديموقراطية.

– ثالثاً تركيز على الحد من نفوذ روسيا والصين: الحد من نفوذ الصين وروسيا سيكون أولوية بارزة لدى إدارة بايدن في تعامله مع كافة اللاعبين بمن فيهم في الشرق الأوسط. فصفقات الأسلحة من تركيا إلى مصر إلى ليبيا مع روسيا هي نقطة خلاف مع الولايات المتحدة، كما هو تغلغل الصين الاقتصادي في قطاع المواصلات والزراعة والإعلام في الخليج وشمال إفريقيا. في عالم متحول وأمام صعود “النمر النائم” في بكين، هناك قلق أميركي من منافسة في المنطقة.

– رابعاً الحد من المغامرات العسكرية الأميركية في المنطقة: كل هذه الأولويات تصب في إعادة توجيه بايدن البوصلة الأميركية نحو آسيا وأوروبا بدل الشرق الأوسط. فدير الزور والتنف وقاعدة عين الأسد هي اليوم ليست بأولوية خطر زحف الصين واحتلالها تايوان. وبالتالي سيكون توجيه القوة العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية الأميركية بعيدا عن مغامرات الشرق الأوسط والتنافس مع إيران، وصوب آسيا لحماية التفوق الأميركي. هذا لا يمكن أن يتم من دون رص التحالف الأطلسي والذي يهدده اليوم اتفاق الاتحاد الأوروبي الاستثماري مع الصين.

العام 2021 تحمل بوادره بداية مفاوضات إيرانية-أميركية، نقلة لجوزيف بايدن في رؤيته للعلاقة مع تركيا والسعودية وإعادة رص أولويات الولايات المتحدة بعيدا عن نزاعات الشرق الأوسط ونحو الحد من نفوذ الصين.

جويس كرم

الحرة

—————————-

تركيا وإيران بين ترامب وبايدن/ هشام ملحم

سوف يرث الرئيس المنتخب جوزف بايدن من الرئيس دونالد ترامب علاقات متوترة مع دول شرق أوسطية محورية مثل إيران المعادية، وتركيا الحليف غير الموثوق به. وحتى العلاقات مع أصدقاء قدامى مثل إسرائيل والسعودية قد تشهد “مراجعة” من الإدارة الأميركية الجديدة. ولكن العلاقات المتوترة والمعقدة مع إيران وتركيا قد ترغم الرئيس بايدن على اعطائها اهتماماً كبيراً ومبكراً مع أن أولويات الرئيس الجديد هي داخلية بامتياز مثل مكافحة فيروس كورونا ومساعدة ضحاياه، وإنعاش الاقتصاد وإخراجه من أسوأ أزماته منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي.

خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض، تغاضى الرئيس ترامب عن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العدائية في سوريا والعراق واستفزازاته ضد اليونان وقبرص في شرق وجنوب البحر المتوسط حيث يريد التنقيب عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها. لا بل إن ترامب، الذي كان دائماً يبدي إعجابه بأردوغان وأسلوبه الاوتوقراطي، لم ينتقد تركيا حين انتهكت القانون الأميركي الذي يحظر على الحلفاء شراء الأسلحة الروسية، بعدما اشترى أردوغان منظومة الصواريخ أس– 400، وأغضب أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” في أوروبا. ترامب رفض توصيات مستشاريه ومن بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو فرض عقوبات على أنقرة لشرائها هذه الصواريخ الروسية.

في المقابل اعتمد ترامب أسلوب “الضغوط القصوى” ضد إيران بعد أن أعاد فرض العقوبات الاقتصادية القاسية عليها، والتي كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قد رفعتها عن طهران، بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا في 2015، والذي انسحب منه ترامب في 2018. ترامب اكتفى بفرض الضغوط القصوى على إيران، ولكنه لم يفعل ذلك في سياق استراتيجية سياسية، وكأن سياسته تجاه إيران بفرض الضغوط الاقتصادية والسياسية القصوى هو من أجل فرضها فقط، وليس لتحقيق أهداف سياسية ملموسة كما يفترض. وهو كان يقول بين وقت وآخر إنه يريد التفاوض مع إيران للتوصل الى اتفاق نووي أفضل، ولكن جميع ممارساته ومواقفه أظهرت أنه لم يكن جدياً، ولم يحاول التعامل في شكل واقعي ومن خلال التعاون مع الحلفاء في أوروبا مع التحديات التي تمثلها إيران.

من جهته، أعرب الرئيس المنتخب بايدن عن أمله باستئناف المسار الديبلوماسي مع إيران لبحث إمكان إحياء وتطوير الاتفاق النووي اذا كانت إيران مستعدة لذلك. وكان بايدن قد انتقد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات ضد إيران واعتبر ذلك “إخفاقاً خطيراً”، قائلاً إن “هناك وسيلة ذكية لاعتماد سياسة قوية تجاه إيران”. وتعهد بايدن في مقال نشره في أيلول (سبتمبر) الماضي أنه “اذا اختارت إيران المواجهة فأنا مستعد للدفاع عن مصالحنا الحيوية وعن جنودنا”، وأضاف: “ولكنني مستعد للسير على الطريق الديبلوماسي اذا اتخذت إيران الخطوات التي تؤكد أنها أيضاً مستعدة لذلك”.

في المقابل، من المتوقع ان يعتمد الرئيس المنتخب بايدن، سياسة أكثر تشدداً تجاه الرئيس التركي أردوغان الذي وصفه “بالأوتوقراطي” بسبب انتهاكاته حقوق الإنسان وترهيبه للصحافة. وحتى إذا أراد بايدن أن لا يستعجل باتخاذ الإجراءات العقابية ضد تركيا لأنه يريد تحسين العلاقات مع حلف “الناتو”، وتركيا هي عضو في الحلف، فإنه سيجد أن الاستياء من تركيا في الكونغرس الأميركي وفي أوساط الحزبين قد وصل الى مستويات غير معهودة ربما منذ الغزو التركي لشمال قبرص في 1974، حين فرض الكونغرس حظراً على تزويد تركيا بالأسلحة. وكان كل من مجلسي النواب والشيوخ قد ألحق بميزانية وزارة الدفاع عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة صواريخ أس-400 التي فرض الرئيس ترامب الفيتو ضدها، والتي سارع مجلس النواب الى إلغاء الفيتو الرئاسي بما يزيد على أكثرية الثلثين المطلوبة. ومن المتوقع أن يتخذ مجلس الشيوخ قراراً مماثلاً.

المسؤولون الذين عينهم الرئيس المنتخب جوزف بايدن في المناصب الأمنية والعسكرية لا يتحدثون عن سياسة الإدارة الجديدة حول تركيا، ولكن أصدقاء بايدن في الكونغرس ومن بينهم السناتور الديموقراطي كريس فان هولن، يقولون بصراحة إن أردوغان قد خسر محاميه في واشنطن حين انتخب الأميركيون جوزف بايدن رئيساً. وقال فان هولن لصحيفة “النيويورك تايمس”: “على مدى بضع سنوات وفّر الرئيس ترامب شخصياً الحماية لأردوغان وتركيا”. وأضاف ان الرئيس بايدن سيفرض القيود على “جهود أردوغان لتوسيع نفوذه على حسابنا، وبطريقة تضر بمصالحنا”.

القضايا الخلافية بين أردوغان وإدارة بايدن عديدة وتبدأ بحقوق الإنسان في الداخل، وتشمل التدخل التركي السلبي في سوريا، وصواريخ أس– 400 واستفزازات أنقرة لكل من اليونان وقبرص بشأن مصادر الطاقة في البحر المتوسط وطموحات تركيا العسكرية. وكانت تركيا في السنوات الماضية قد أقامت قواعد عسكرية في قطر والصومال والعراق وسوريا وليبيا، ما أعطاها القدرة على نشر قواتها الجوية والبحرية والبرية في مناطق بعيدة من حدوها، لفرض نفوذها في مياه الخليج والقرن الأفريقي والبحر الأحمر وفي شمال أفريقيا. هذا الانتشار العسكري أثار استياء مجموعة كبيرة من الدول مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العرببية السعودية ومصر وإسرائيل واليونان وقبرص وفرنسا.

ولكن بايدن، قد يجد في الأيام المقبلة، وقبل تسلّمه السلطة بأقل من عشرين يوماً، أن العلاقات المتوترة بين إيران وادارة الرئيس ترامب مرشحة لأن تتحول الى مواجهة ساخنة. وكان الرئيس ترامب قد ناقش في اجتماع عقده بعد الانتخابات مع كبار مساعديه لشؤون الأمن القومي، إمكان استخدام القوة العسكرية ضد بعض المنشآت النووية الإيرانية بعد أن كشفت وكالة الطاقة النووية أن إيران قد انتهكت بعض بنود الاتفاق النووي “الذي انسحب منه ترامب” لجهة زيادة كمية اليورانيوم المخصب والتي قالت الوكالة إنها تفوق الكمية المسموح بها وفقاً للاتفاق. ولكن كبار مساعدي ترامب أقنعوه بأن سلبيات الضربة العسكرية تفوق حسناتها.

وفي الأسابيع الماضية، ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للغارة التي أمر بها الرئيس ترامب في الثالث من كانون الثاني (يناير) 2020 والتي قتلت قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس أحد أبرز قادة قوات “الحشد الشعبي” العراقي الموالية لإيران، قرب مطار بغداد الدولي، ازداد التوتر بين الطرفين. وازدادت وتيرة الهجمات الصاروخية ضد موقع السفارة الأميركية في بغداد وضد القواعد التي تنتشر فيها القوات الأميركية في العراق. وفي العشرين من الشهر الجاري تعرضت السفارة الأميركية الى رشق صاروخي اعتبر الأكثر كثافة وخطورة خلال العقد الأخير، الأمر الذي دفع بالرئيس ترامب الى تحذير إيران، من أن في حال أدت الهجمات الى قتل جندي أميركي واحد فإنه سيحملها مسؤولية هذا العمل، داعياً القادة الإيرانيين للتفكير ملياً بهذا التحذير.

وفي الأسابيع التي سبقت وتلت التحذير، قامت الولايات المتحدة بتعزيز قواتها الجوية والبحرية في منطقة الخليج من خلال إرسال طائرات استراتيجية قاذفة من طراز “ب 52” التي كانت تنطلق من قاعدتها في ولاية نورث داكوتا لتحلق لمدة 36 ساعة من دون توقف بما في ذلك قرب سواحل إيران مع طائرات مقاتلة، قبل أن تعود الى قاعدتها، في تحذير واضح لإيران. وتزامن ذلك مع الإعلان عن إرسال غواصة مسلحة ومجهزة بصواريخ توماهوك، وإبقاء حاملة الطائرات نيميتز قرب مياه الخليج.

وقبل أيام قال الجنرال كينيث ماكينزي قائد القوات المركزية التي تشرف على القوات الأميركية في الشرق الاأوسط أن الولايات المتحدة تواصل نشر قدراتها القتالية في المنطقة “لردع أي خصم محتمل، ولكي نوضح للجميع أننا مستعدون وقادرون على الرد ضد أي عدوان موجه ضد الأميركيين أو ضد مصالحنا”.

وفي اليومين الماضيين قال مسؤولون أميركيون في أيجازات خلفية إنهم لاحظوا اتصالات متزايدة بين مسؤولين في “فيلق القدس” وقادة عراقيين في قوات “الحشد الشعبي”، كما لاحظوا وصول شحنات جديدة من الأسلحة الى قوات “الحشد” عبر الحدود الإيرانية. ويحذر هؤلاء المسؤولون من أن الأخطار التي تهدد الأميركيين في العراق حقيقية وهي الأكثر جدية منذ قتل قاسم سليماني. هذا التقويم الاستخباراتي الأميركي دفع بواشطن الى تقليص عديد العاملين بسفارتها في بغداد، وهو قرار تزامن مع مواقف لمسؤولين عراقيين اعربوا فيها عن مخاوفهم من أن يتحول العراق الى مسرح لمواجهة جديدة بين القوات الأميركية والميليشيات العراقية المدعومة من إيران.

بعض المعنيين بالعلاقات الأميركية – الإيرانية يقولون إن الاتصالات بين الإيرانيين وقوات “الحشد الشعبي” قد تهدف لاتخاذ إجراءات احترازية تحسباً لضربة عسكرية أميركية، ويشيرون في هذا السياق الى اجتماع البيت الأبيض والذي ناقش فيه ترامب احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. ويضيف هؤلاء أن النظام الإيراني، يأخذ تحذيرات ترامب على محمل الجد، ولذلك فإن مصلحته تقضي بعدم استفزاز ترامب الذي ستنتهي ولايته خلال أسابيع، وانتظار ما سيفعله الرئيس الأميركي الجديد. وسوف يراقب الرئيس المنتخب بايدن بقلق، مثله مثل ملايين الأميركيين الى أين سيصل التوتر الحالي بين الطرفين، وما اذا كان سيرث أزمة سياسية حادة، أم نزاعاً ساخناً، لا يريده.

النهار العربي

—————————-

====================

تحديث 02 كانون الثاني 2021

————————–

ماذا لو بقينا في2020؟/ عمر قدور

اتفق البشر على لعنها كما لم يتفقوا على أمر آخر، مع لهفة إلى اللحظة الرمزية التي تعلن نهايتها هنا وهناك بفارق التوقيت المعروف بين مختلف أنحاء العالم. إلا أن استثنائية السنة المنقضية قد تقلل من رمزية لحظة منتصف الليل تلك، بقدر ما تضفي عليها من أهمية. بل يجوز، لاستثنائيتها، الظن بأننا غادرناها قبل تلك اللحظة، أو أننا ما زلنا مقيمين فيها.

إذا كانت تؤرَّخ بـ”سنة كورونا” نستطيع تأريخ نهايتها بمستهل الأسبوع الثاني من ديسمبر، عندما بدأت بريطانيا حملة التلقيح ثم تبعتها الولايات المتحدة بعد أسبوع، وما بينهما قليل من الدول الصغيرة الثرية. لبريطانيا تحديداً، هي نهاية حافلة؛ الشروع في ما بعد كورونا، ثم طي قرابة نصف قرن من عضوية الاتحاد الأوروبي مع الدقيقة الأولى لعام 2021.

فارق التوقيت سيكون مديداً على توقيت اللقاح، فبعض التقديرات يشير إلى أن دولاً فقيرة قد لا تحصل عليه قبل عام 2023، بينما دولة مثل الولايات المتحدة اشترت كمية كافية لتلقيح كل سكانها ست مرات. دول الاتحاد الأوروبي نفسها ليست على الموجة ذاتها، فهناك دول أنهت مبكراً استعداداتها الإدارية واللوجستية لتقديم اللقاح، بخلاف دول ستكون وتيرتها بطيئة لافتقادها الديناميكية المطلوبة، وأيضاً لا يُستبعد أن يكون بعض التمهّل متعمداً في انتظار لقاح أوكسفورد الذي لا يتطلب مشقة خاصة بالمقارنة مع لقاحي فايزر ومودرنا.

وفق توقيت كورونا، وبموجب التقديرات الحالية لتوزيع اللقاح، لن تدخل دول الاتحاد الأوروبي عام 2021 قبل انقضاء الأشهر الستة الأولى منه، ومَن ليس لهم أولوية تلقيه عليهم الانتظار طويلاً في عام 2020. ذلك قد لا يكون بلا أثر سلبي على مكانة الاتحاد، إذا أنجزت بريطانيا “الخارجة منه” حملتها بسرعة شديدة، وكذلك فعلت الولايات المتحدة ودول ثرية نسبياً وقليلة السكان، ولن يكون بلا أثر على حكومات أخفقت في التعامل مع الجائحة أو تعمدت الاستهانة بها.

الصين، بتوقيت الحزب الشيوعي، سبقت الجميع بالقفز إلى العام الجديد، أي منذ العاشر من آذار، عندما زار الرئيس الصيني مدينة ووهان ليعلن منها السيطرةَ على الوباء. بعد ذلك الإعلان، لن تسجل الصين رسمياً وفيات جراء الفيروس، والقليل من الإصابات سيُنسب معظمه إلى حالات وافدة! بصرف النظر عن مصداقية الأرقام المعلنة، نجح الحزب الشيوعي في السيطرة “الديكتاتورية” على الوباء، بعد نجاحه في التكتم عليه حتى انتشر عالمياً. المفارقة المرّة، التي لا يُلام عليها المواطنون العاديون، أن تكتظ ساحات ووهان بالمحتفلين برأس السنة بينما تخلو ساحات العالم. لقد ضحك قادة الحزب أولاً، في انتظار معرفة من سيضحك أخيراً، وما إذا كان التكتم الشيوعي على الوباء سيمر بلا عواقب على الاستثمارات الغربية في الصين حين تسترد الاقتصاديات الكبرى أنفاسها.

لدينا توقيت مقبل، يجوز أيضاً اعتباره استهلالاً متأخراً لسنة 2021. في العشرين من هذا الشهر سيُنصّب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، والحدث استثنائي لدى متطلعين كثر حول العالم إلى نهاية ولاية ترامب. الأخير، منذ ترشحه حتى يغادر البيت الأبيض، لا يقل خطورة عن كورونا من وجهة نظر خصومه، وسيكونون سعداء لا بالخلاص منه فحسب وإنما بمرور ولايته من دون تحقق أسوأ الكوابيس المتوقعة منه.

إنه كما نعلم ليس توقيتاً داخلياً أمريكياً، الأنظار ستكون متجهة إلى واشنطن لمعرفة السياسات الجديدة، والتطلعات المتفائلة جداً قد تُفرمل كما أُعيقت من قبل نزوات ترامب. الأهم أن الخلاص من الأخير لن يكون على النحو المشتهى من قبل، فهو لن ينتهي كطفرة عابرة ألمت بالحزب الجمهوري. الترامبية باقية بصيغة أو أخرى، وستتغذى من خصومها إذا لم يكن من جديد لديهم سوى الاستثمار في الخوف منها.

فارق التوقيت بين البلدان موجود منذ آلاف السنين، موجود بتعاقب الحضارات والإمبراطوريات وأفولها، وموجود أيضاً ضمن البلد الواحد بسبب فوارق طبقية أو اجتماعية أو فكرية. فقط على توقيت كورونا ظهر العالم واحداً بمخاوفه، ليعود إلى الافتراق كما هو عهده دائماً إذا أخذنا جانب التفاؤل، أو ليعود أسوأ مما كان إذا أخذنا جانب التشاؤم الذي لا يفتقد الواقعية.

لن تقتصر الفوارق على فرص النجاة من كورونا، رغم آثارها النفسية، وما ستولّده من أحقاد قد تؤدي لاحقاً إلى العنف ضمن بعض البلدان، أو ذلك العابر الحدود. الناجون أولاً، الحكومات الثرية التي اضطرت إلى تمويل برامج اجتماعية أو اقتصادية بسبب سياسة الإغلاق تتحفز إلى استرداد المبالغ الضخمة، وهذا سيلقي بثقله على النخب السياسية فيها، وربما على طرائق التفكير السياسي. إذا كان هناك من يردّ جزءاً من أسباب صعود الشعبوية إلى الأزمة المالية لعام 2008، لنا أن نتخيّل الآثار المحتملة لأزمة ربما تعادل أزمة الكساد الكبير 1929 وأزمة 2008 معاً، مع التذكير بأن آثار الأولى منهما تعتبر مما مهّد للحرب العالمية الثانية.

ما عُدّ سلوكاً أنانياً في التسابق على شراء كميات فائضة من لقاح كورونا، من المرجح أن يكون نسخة لطيفة من السياسات التي سنشهدها للقوى الكبرى التي تتهيأ الآن لعالم ما بعد كورونا. مثلما تراودنا كأفراد نوايا تعويض الحياة التي فاتنا عيشها في عام 2020، هناك قوى كبرى “سياسية واقتصادية” تفكر في تعويض خسائرها، ولا تعوّل على انتعاش تدريجي بطيء، بل ستستعجل التعويض بشتى السبل داخلياً وخارجياً. هناك أيضاً نزاعات دولية وإقليمية تم تجميدها بسبب كورونا، ويعِد العام الجديد بالتعويض واستئناف تلك الاستحقاقات المتبقية من العام الفائت مع نظيراتها المستجدات.

الخبر المؤسف أن جراح عام 2020 ستبقى معنا، مع الافتقار إلى ما يسند الأمل بعالم أكثر تضامناً. نخطئ إذا نسبنا لكورونا مهمة الواعظ الناجح، وإذا نسبنا لعموم البشرية سعياً إلى عالم أكثر إنصافاً. منطقتنا تحديداً قد تكون المثال على خيبة الأمل، بأثريائها الجاهزين دائماً لدفع ثمن سياسات القوى العظمى، وبأناسها العاديين الذين يُراد إرجاعهم إلى ما قبل عام 2011 محمّلين بثقل كورونا فوق إخفاقات العقد الأخير كله. سوريا، اليمن، ليبيا، وأخيراً لبنان؛ هذه جميعاً أمثلة على الاستحقاقات التي تفصلنا عن عام 2021.

المدن

————————–

التنسيق الروسي التركي وتحدي الإدارة الأميركية الجديدة/ رستم محمود

ترافق العام الأول من حُكم الرئيس الأميركي المنتهي ولايته دونالد ترامب (2017) مع تغير دراماتيكي في العلاقة الروسية التركية، بالذات العلاقة بين رئيسي البلدين، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.

فبعدما كانت العلاقة في أعلى مستوياتها توتراً خلال العام 2015، بعدما أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة حربية روسية في الأجواء السورية وقتئذ، تبدلت المجريات بالتقادم، من مصالحة وتفاهمات وتبادل للمصالح والحساسيات، شكلت مؤتمرات سوتشي العديدة وتفاهمات الأستانة تعبيراً عن تلك العلاقة التكاملية.

في وقت ما من العام 2016، وبعدما استخدمت تركيا كامل عدتها الدعائية والعسكرية والسياسية في الملف السوري، ولم تتمكن من تحقيق أي من مراميها الاستراتيجية، اكتشفت بأن الحضور السياسي والدور العسكري الروسي في سوريا أصعب من أن يتم مواجهته. خصوصاً في ظلال غض نظر الإدارة الأميركية عن ذلك، وانشغالها بمحاربة التنظيمات الإسلامية الأكثر تطرفاً، دون أي اهتمام بالملف السوري كحالة سياسية عامة.

اعتباراً من ذلك الفهم، صارت تركيا تغير من نمط مقاربتها للعلاقة العسكرية والسياسية مع روسيا في الملفات الإقليمية، ليكون تنسيقياً وتكاملياً. أخذت تلك الصيغة شكلها النهائية في أوائل عهد حُكم إدارة الرئيس دونالد ترامب، فالطرفان استفادا من نزعة الانسحاب العسكرية والسياسي من الملفات المعقدة التي قادها الرئيس ترامب، والتي أدخلت الكثير من المناطق في مساحة الفراغ الجيوسي، وكذلك من نمط العلاقات والقرارات الشخصية التي كان الرئيس ترامب ينتهجها ويتخذها الرئيس ترامب أثناء سنوات حكمه، وكان واضحاً أن تلك العلاقة الشخصية من طرف ترامب كانت ودية مع الرئيسين بوتين وأردوغان.

خلال أربع سنوات من ذلك التنسيق، شهدت خمسة مناطق إقليمية تكاملاً عسكرياً وسياسياً بين الطرفين، لكنه كان تحالفاً ثنائياً محطماً للأمن الإقليمي والسلام الدولي، لأن طبيعة النظام الحاكم للبلدين، وشكل نزعات الهيمنة التي كانا يقودانها، لا تراعي تلك المفاهيم والقيم العالمية.

في سوريا تبادل الطرفان مناطق الهيمنة والنفوذ، على حساب الجماعات السياسية والأهلية السورية، فروسيا كانت تطلب عوناً تركياً للسيطرة العسكرية على مناطق ومدن محررة، وتمنح تركياً أذناً بمحاربة أية تطلعات كردية سورية. الأمر نفسه جرى في ليبيا والحرب الأذرية الأرمينية وشرق المتوسط وأوكرانيا، وكل ذلك عبر تنافس وتصارع ظاهري، لكن بتنسيق وتكامل ضمني متفق عليه، واستفادة من فراغ جيوسياسي استراتيجي للولايات المتحدة.

إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، وعبر ما أظهرته من ملامح أولية لتوجهاتها الاستراتيجية، تُظهرا اختلافاً جذرياُ في كل ذلك.

فهي لن تسمح لروسيا بأن تملأ الفراغ في الدول والمناطق التي تشهد حروباً أهلية، بطريقة تدفع روسياً لأن تغير من أسس الأشياء والديموغرافيات، فقط لتفرض في المحصلة شروطها السياسية المطلقة، كما تحاول أن تفعل في سوريا منذ أربعة سنوات. كذلك فإنها لن تكون متسامحة مع سلوك تركيا الذي يوحي بأنه ما يزال جزء من منظومة حلف الناتو، بينما يطبق على الأرض كل ما يمس ويهز استقرار تلك المنظومة ومصالحها الحيوية، عبر مساعدة المتطرفين ورفع سوية الشعبوية ونشر قيم الكراهية الدينية.

هذه التوجهات للإدارة الأميركية المنتخبة، ستخلق تحدياً جوهرياً لحالة التنسيق والتقاسم التي كانت بين الطرفين، والتي يمكن رصد ملامحها الأولية في ثلاثة توجهات مباشرة.

فالإدارة الجديدة سوف تحفز الجهود الدولية، الأوروبية منها بالذات، لإيجاد مخارج حقيقية لحوار الأطراف الليبية. هذا الأمر الذي سيعني حتماً دعوة كافة الميليشيات الأجنبية للخروج من الأراضي الليبية، وتالياً خروج ليبيا كمنطقة مساومة بينهما.

كذلك فإن الإدارة الأميركية سوف تتخذ تحولاً استراتيجياً في الملف السوري. فهي سوف تحمي حلفائها من قوات سوريا الديمقراطية إلى أبعد حد، ولن تسمح بمزيد من الخروقات والحروب التركية المناهضة لهم وللمناطق التي تسيطر عليها هذه القوات. كذلك فأنها سوف تحفز تطبيق القرار الأممي 2254، الأمر الذي يعني بأن المسألة السورية لن تنحل عبر تنسيق وتبادل للمصالح بين تركيا وروسيا، بل عبر رؤية تعتبر بأنه ثمة مسألة سياسية تتعلق بنظام الحُكم في هذا البلد.

الأمر ينطبق تفصيلاً على منطقة شرق المتوسط، حيث ستحفز الإدارة الأميركية تعاوناً عسكرياً مع اليونان، سيكون كعقوبة عسكرية غير مباشرة لتركيا، قد تهدد مستقبلاً بنقل قاعدة أنجيرليك العسكرية إلى اليونان، وتضاف للعقوبات العسكرية المباشرة التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا هذا الأسبوع.

هذه الخطوة الأميركية العقابية عبر اليونان، ستكون حسماً لمستقبل التعاون العسكري التركي الروسي. فتركيا أما مجبرة للتخلي التام عن المنظومة الدفاعية العسكرية لحلف الناتو، وتالياً الاندماج في نظيرتها الروسية، أو العكس. وفي الحالتين خسارة جميع ميزات قدرتها على الجمع بين الموقعين، والتي أتبعتها تركيا طوال السنوات الأربعة الماضية، وهو ما لم يعد ممكناً مع الإدارة الأميركية الجديدة.

سكاي نيوز

—————————–

أنقرة بين موسكو وواشنطن/ عمر كوش

تشهد العلاقات التركية الأميركية حالة غير مسبوقة من التردّي، وصلت إلى درجةٍ فرضت فيها الولايات المتحدة عقوباتٍ على مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، على خلفية شراء تركيا منظومة الصواريخ الدفاعية إس 400 الروسية، على الرغم من أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأن سلاح العقوبات لا يتماشى مع طبيعة العلاقات بين الدول الأعضاء في هذا الحلف.

وإن كانت العقوبات الأميركية على تركيا، بموجب قانون “مكافحة خصوم الولايات المتحدة عبر العقوبات” (كاتسا)، فردية وليست مشدّدة، إلا أن احتمال اتخاذ واشنطن خطواتٍ إضافية ضد تركيا ما يزال قائماً، خصوصاً مع تسلّم إدارة الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، مفاتيح صنع القرار في واشنطن التي عليها تقييم سياساتها العالمية، ومنها سبل تعاملها مع تركيا.

ويبدو أن الساسة الأتراك فضّلوا عدم التصعيد مع الولايات المتحدة حيال إعلانها فرض عقوباتٍ على بلادهم، إذ دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة وأوروبا خلال العام الجديد 2021، مؤكّداً أن “علاقات التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري متعدّد الجوانب التي تبنيها تركيا ليست بديلاً عن الروابط المتجذّرة مع الولايات المتحدة”، وأعرب عن اعتقاده بأن بايدن سيولي الأهمية المطلوبة للعلاقات التركية الأميركية، و”عدم وجود أي أحكام مسبقة وعداوة وخصومة لأحد لديهم”. غير أنه في السياسة الدولية الراهنة يصعب على أنقرة الموازنة في علاقاتها مع كل من واشطن وموسكو، لأن علاقتها مع روسيا يختلط فيها التعاون مع المنافسة، وليست قابلة للتطبيق مع الولايات المتحدة. إضافة إلى تنافر استراتيجيات كل روسيا والولايات المتحدة ومصالحهما، وسعيهما إلى توسيع مناطق النفوذ والسيطرة العالمية، كما أن غاية ساسة موسكو، في علاقاتهم مع أنقرة، استمالتها نحوهم، وإبعادها عن المحور الأميركي، بينما ترى واشنطن أن اقتراب أنقرة من موسكو يعني دخولها في حلفٍ مناهض لها، لذلك ترى الأوساط السياسية التركية أن واشنطن تريد من أنقرة الابتعاد عن موسكو سبيلاً لتطبيع العلاقات معها.

وبالنظر إلى تنامي العلاقات التركية الروسية في السنوات القليلة الماضية، فإن أنقرة باتت غير مستعدّة للتضحية بعلاقات التعاون والشراكة التي بنتها مع موسكو في ملفات إقليمية عديدة، من أجل إرضاء واشنطن، خصوصاً أنّ كلّاً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، يريد الحفاظ عليها، ويتطلّع إلى مزيد من التعاون والتنسيق المشترك.

وانعكس تنامي العلاقات التركية الروسية في انتقالها إلى مستوياتٍ جديدة، منذ طوت الدولتان أزمة إسقاط طائرة السوخوي الروسية في عام 2015، إذ توسّعت مجالات الشراكة والتعاون بينهما على المستوى الاقتصادي، وخصوصاً في مجال الطاقة. وعلى المستوى السياسي، توصّلت الدولتان إلى بناء تفاهمات واتفاقيات في ملفات إقليمية عديدة، بدءاً من سورية ومروراً في ليبيا ووصولاً إلى ناغورني كاراباخ. وفي المجال العسكري، تتوّجت في صفقة الصواريخ الدفاعية إس 400، غير أن المشكلة في العلاقات التركية الروسية اعتمادها على العلاقة الشخصية بين الرئيسين، أردوغان وبوتين، بالنظر إلى القواسم المشتركة بين شخصية كل منهما، وإلى ما يسميه بعضهم “الكيمياء السياسية” للزعيمين، إذ وصف الرئيس الروسي نظيره التركي بأنه “رجل يلتزم بكلمته ويفعل كل ما بيده من أجل بلاده”، وبدوره اعتبر أردوغان أنه “منذ أول لقاء معه، عرفته رجلاً ذا كلمة، يتمتع بأمانة كبيرة، ويحافظ على كل تعهداته”.

وإن كان المديح المتبادل بين بوتين وأردوغان يُراد منه توجيه رسائل إلى واشنطن وسواها، إلا أنه يجسّد أيضاً سعيهما نحو تطوير علاقات بلديهما، على الرغم من أن ذلك لا يخفي الخلاف والتنافس بينهما في ملفات عديدة، لكن علاقات الزعيمين حالت دون تطوّرها إلى مشكلات في المناطق التي تختلف فيه المصالح، وتمكّنا من إدارتها في كل من سورية وليبيا والقوقاز. والأمر نفسه تقريباً ينطبق على العلاقات التركية الأميركية في فترة الرئيس دونالد ترامب، من جهة اختزالها بالعلاقة الشخصية بين أردوغان وترامب، والإعجاب المتبادل بينهما، إذ أشاد ترامب بأردوغان في أكثر من مناسبة، فيما أثنى أردوغان على ترامب، واعتبر أن الإدارة الأميركية برئاسته أكثر ترحيباً بالأطروحات والحلول التركية لمشكلات المنطقة، لكن ذلك لم ينعكس إيجابياً على تحسن العلاقات بين الدولتين، بل اضطر ترامب إلى توقيع قانون العقوبات على تركيا تحت ضغط الكونغرس الأميركي، فضلاً عن أن علاقات البلدين دخلت في فتراتٍ من التوتر والتردّي على مختلف المستويات السياسية والعسكرية، وأفضت إلى بروز ردة فعل معادية للولايات المتحدة في الأوساط السياسية والاجتماعية التركية.

لا ينطبق الأمر نفسه على حال روسيا التي يحكمها رئيس واحد وحزبه، ولا توجد مؤسسات أو مجموعات ولوبيات ضاغطة على بوتين في صنعه القرار الروسي، كما هي الحال في الولايات المتحدة. وهذا لا يمنع بعض الأوساط الروسية من أن تتوجّس من السلوك التركي والمنافسة في بعض الملفات، مثل الموقف التركي الرافض ضم شبه جزيرة القرم وتوطد علاقة تركيا بأوكرانيا، وحديث أوساط روسية عن توجه تركيا نحو مشروع “طوران العظيم”، وأن تأثيرها ودورها بات يتجاوز الحدود التي رسمتها موسكو، وبما يشكل مشكلة للمصالح الروسية طويلة الأجل.

والواقع أن بوتين يدرك تماماً أن الغاية من فرض العقوبات الأميركية على تركيا تخليها عن صفقة الصواريخ الروسية، ووقف انتشار مبيعات الأسلحة الروسية في الأسواق العالمية. ولذلك يبذل ما في وسعه من أجل ألّا يتراجع الساسة الأتراك عنها. أما هؤلاء فيرون أنه في ظل رفض بيع الولايات المتحدة منظومة صواريخ باتريوت لبلادهم، فإنهم لن يتخلوا عن الصفقة الروسية، وفي الوقت نفسه، يحاولون التوصل إلى طريقةٍ لتحسين علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة.

وتبدو أنقرة، وفق المعطيات السياسية الراهنة، غير مستعدّة للتضحية بعلاقتها مع موسكو بغية إرضاء واشنطن، لأن المعيار الرئيسي للساسة الأتراك بات مرهوناً بالمصالح الاستراتيجية لتركيا على المديين المتوسط والبعيد المدى. ولذلك يطالبون إدارة بايدن المقبلة بأن تقرّ بالحسابات الخاصة لتركيا، وتتفهّم دورها الجديد في ضوء مصالحها في المنطقة والعالم. ولكن من غير المرجح أن تغير الولايات المتحدة مواقفها حيال ملفات المنطقة، خصوصاً في سورية وليبيا والصراع في شرقي المتوسط، ولا يعني ذلك أن إدارة بايدن ستعامل تركيا وفق ما كانت عليه إبّان فترة ولاية باراك أوباما.

العربي الجديد

———————–

صونيا دريدي في “جو بايدن الرهان على أمريكا المعارضة لترامب”: سيعود إلى الاتفاق النووي مع إيران والعلاقة مع إسرائيل قد تتأثر بيسار الحزب الديمقراطي/ سمير ناصيف

في بعض الأحيان تختلف أهمية أحد الكتب السياسية الطابع بالنسبة للقراء في منطقة من العالم بالمقارنة مع أهميته بالنسبة إلى منطقة أخرى.

إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على كتاب صدر مؤخراً بالفرنسية بعنوان “جو بايدن، الرهان على أمريكا المُعارضة لترامب” كتبته الخبيرة صونيا دريدي، المراسلة في واشنطن لعدة مؤسسات إعلامية فرنسية، والذي اعتمدت فيه على مقابلات مع كبار معاوني الرئيس الأمريكي المنتخب والذي يتسلم منصبه في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري.

سبب الاهتمام الكبير بهذا الكتاب هو أن معظم سكان وقادة العالم (في قاراته المختلفة) يودون معرفة كيف سيتعامل بايدن مع ما “ارتكبه” الرئيس السابق الخاسر دونالد ترامب من تعقيدات سياسية واقتصادية وإنسانية في أمريكا والعالم، وهل سيعيد الرئيس الجديد بلاده إلى اتفاقيات سياسية وغير سياسية انسحبت منها الولايات المتحدة في عهد ترامب أو يبقيها كما كانت أو يعدلها؟ وهل ستكون سياسات بايدن نسخةً طبق الأصل عن سياساته عندما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما في رئاستيه بين عامي 2008 و2016؟

الأمر اللافت هو أن بايدن، وقبل اختيار أوباما له كنائب للرئيس، عمل كسيناتور في مجلس الشيوخ ممثلاً ولاية ديلاوير (تقع في وسط البلاد) منذ أن كان في الثلاثين من عمره، وهو الآن في الثامنة والسبعين. وتسلَم مناصب هامة جداً في قطاعي العدل والسياسة الخارجية في الكونغرس ممثلا الحزب الديمقراطي الأمريكي قبل أن يوكل أوباما إليه التركيز على الشؤون الخارجية، بما في ذلك قضايا الشرق الأوسط كنائب للرئيس، علماً ان أحد أسباب فوز أوباما بالرئاسة للمرة الأولى عام 2008 كان دوره في معارضة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بقيادة الرئيس جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني وأعوانهما من المحافظين الجدد.

وبالتالي، أعطى أوباما لنائبه مهمة من أصعب المهمات، لم يكن من السهل عليه تنفيذها بنجاح كامل، حسب المؤلفة، وهي مهمة ترتيب الأوضاع في العراق بعد فوضى الغزو الأمريكي له.

تقول دريدي، في الفصل السابع عشر من الكتاب، إن بايدن الذي يمثل الجناح المحافظ في الحزب الديمقراطي الأمريكي صوّت في عام 2002 كسيناتور في مجلس الشيوخ مع شن الحملة العسكرية الأمريكية ضد العراق مقتنعاً بأن العراق (بقيادة لرئيس صدام حسين) كان يملك أسلحة الدمار الشامل ولكنه بدأ بالتحفظ إزاء هذا الموقف في عام 2004 واقترح في عام 2006 تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات مستقلة، أحدها سني الأكثرية والثاني شيعي والثالث كردي. ولكن معاوني باراك أوباما الآخرين تحفظوا إزاء هذا المشروع بعد وصول الحزب الديمقراطي إلى الرئاسة في عام 2008 بقيادة الرئيس أوباما لصعوبة تحديد تلك الكيانات جغرافياً وإنسانياً ولمشكلة اختيار الجهة التي ستقوم بمثل هذا التقسيم المعقد بعدالة وخبرة وتوازن.

وقد قام بايدن بزيارات عديدة إلى العراق منذ عام 2009 والتقى القادة هناك بصفته نائبا للرئيس، لكن مساعد السفير الأمريكي في بغداد آنذاك (بين 2008 و2010) روبرت فورد انتقد دعم بايدن بقاء المسؤول العراقي نوري المالكي في منصبه كرئيس للحكومة حتى بعد خسارته (أي المالكي) للانتخابات التشريعية لعام 2010. وبقي المالكي في هذا المنصب حتى عام 2014.

كما تعرض بايدن للانتقاد على اقتراحه لأوباما بسحب 45 ألف جندي أمريكي من العراق عام 2011 مما اعتبرته بعض الجهات تسهيلاً لعمليات المنظمات الجهادية الإسلامية المتطرفة المسلحة في توسيع سيطرتها في العراق وسوريا (ص 289 ـ 291).

وقد عارضَ وتحفظ على خطوات بايدن في العراق سياسيون أمريكيون مخضرمون كوزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، وأشاروا إلى أن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق يشكل خطراً على المنطقة برمتها. وهذا أمر لم تتفق عليه حتى الساعة جميع القيادات العراقية والإقليمية ولا كل الجهات الأمريكية والدولية.

وحالياً، يتساءل كثيرون كيف سيتصرف بايدن في سياساته الخارجية في العراق وسوريا وفلسطين إسرائيل ومع إيران؟

تقول المؤلفة إن كبار معاوني بايدن السابقين في فترة رئاسة أوباما ونيابته للرئاسة تم تعيينهم في الفريق الرئاسي الديمقراطي الجديد: وأبرزهم طوني بلينكن الذي عينه بايدن وزيراً للخارجية بعدما كان مستشاره للشؤون الخارجية عندما كان نائباً للرئيس وبعدما كان الرجل الثاني في “مجلس الأمن القومي” في عهد أوباما. وهناك أيضاً جايك ساليفان الذي شارك هو وبلينكن ووليام بيرنز (نائب وزير الخارجية السابق) في المفاوضات النووية مع إيران التي تمخضت عنها اتفاقية “الدول الخمس + واحد” في صيف عام 2015 والتي انسحبت الولايات المتحدة (بقيادة ترامب) منها عام 2018.

حسب ما قاله طوني بلينكن للمؤلفة في مقابلة معها جرت في صيف عام 2020 فإن بايدن سيعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران ولكن ذلك لن يزيل حذر أمريكا إزاء التعامل الخشن للنظام الإيراني مع خصومه في الداخل وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً وخلقه حالة من عدم الاستقرار فيها. وأضاف بلينكن “إذا إمتثلت إيران لتعهداتها في شأن الاتفاق النووي سنمتثل بدورنا لذلك” (ص 298).

أما بالنسبة إلى العلاقة مع إسرائيل لن يقوم بايدن بتغييرات راديكالية، ولكنه سيكون أكثر انتقاداً لبعض سياساتها. ومع أنه سيتبع السياسة التقليدية للحزب الديمقراطي الأمريكي المؤيدة لحل الدولتين في فلسطين وإسرائيل، فانه سيُطعّم هذه السياسة بمواقف الجناح الشبابي اليساري للحزب إزاء فلسطين وبطروحات عضوات عربيات الأصل في الكونغرس حول هذا الموضوع كإلهان عمر ورشيده طليب. وأضاف: “كان بايدن صديقاً لنتنياهو في السنوات الماضية، ولكنه الآن، وفي عام 2020 شعر بخيبة أمل بسبب تصاعد سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية التوجه في كل المجالات وانتقد التأييد الأعمى والمتسرع وغير المشروع من ترامب لنتنياهو وسعي ترامب المبالغ فيه لجذب العدد الضخم من الناخبين الإنجيليين الأمريكيين المتعاطفين مع إسرائيل لتأييده في الانتخابات الرئاسية. وهذا الأمر يضر (برأي بايدن) بمصلحة أمريكا” (ص 299).

وأضاف بلينكن: “كان بايدن يفضل عدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، من دون اتفاقية سلام شاملة، ولكنه لن يلغي خطوة النقل تلك بل سيركز على أهمية إعادة إحياء مشروع الدولتين وإزالة ما يجعل ذلك صعب التحقيق وسيفتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية وسيعارض توسيع وزيادة الاستيطان خصوصاً في مناطق حساسة ومرتبطة بالأردن” (ص 299 و300).

أما بالنسبة إلى العلاقة مع المملكة العربية السعودية، فأكد بلينكن بأن نظام بايدن: “لن يتصرف وكأن شيئاً لم يحصل ضد حقوق الإنسان في منطقة الخليج، فبايدن نجح بدعم من بيرني ساندرز واليزابيث وارن وغيرهما من يساريي الحزب الديمقراطي، وهؤلاء يشجبون التعديات على الشعب اليمني واغتيالات أصحاب الرأي الآخر كاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في خريف عام 2018. وسيُضبطُ تسليح بعض الدول الخليجية بأسلحة أمريكية عندما ترتكب هذه الدول سياسات قمعية في اليمن وغيرها مما قد يغير علاقة الحماية التقليدية للسعودية وبعض الدول الخليجية التي قدمتها الولايات المتحدة لها منذ أيام الرئيس فرانكلين روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية (ص 295).

وأكد بلينكن للمؤلفة بأن بايدن سيعيد مصداقية أمريكا في العالم وسيتحفظ إزاء التعاون مع قادة عالميين وشرق أوسطيين ديكتاتوريين على حساب القادة الديمقراطيين، وسيتجنب التخلي عن الحلفاء من بين القادة الملتزمين حقوق الإنسان وسيحاول عدم إضعاف هؤلاء بعدما قوّى ترامب خصومهم. وقبل ذلك سيحاول بايدن إعادة الديمقراطية إلى بلدنا (أمريكا) التي تلاشت نسبياً مع ترامب” (ص 297).

عن سوريا، قال بلينكن “من الخطر اعتماد سياسات متقلبة إزاء الوجود العسكري الأمريكي في شرق البلد بحسب أهواء الرئيس (كما في عهد ترامب) ومن الأفضل دعم مصالح جميع الفئات السياسية والاثنية والدينية هناك لكي لا تنشأ الصراعات الميدانية الحادة فيما بينها” (ص 298). وشدد على ضرورة إعادة تعزيز الروابط مع أوروبا وعلى العودة إلى المنظمات الإنسانية الدولية التي انسحب ترامب منها. أي ان بايدن، في رأي بلينكن، سيعتمد الحلول الدبلوماسية لمعالجة مشاكل الشرق الأوسط والعالم.

من المفيد لدى مراجعة هذا الكتاب العودة إلى فصوله الأولى، التي تناولت الحياة الشخصية لبايدن. فقد واجه صدمات إنسانية موجعة وهو في قمة عمله إذ فقد زوجته الأولى نيليا وابنته ناعومي (13 شهرا) في حادث سير مروع في الفترة التي انتُخب فيها سيناتوراً للمرة الأولى وهو في الثلاثين من عمره. وقرر آنذاك الانسحاب من السياسة لولا دعم عائلته الكاثوليكية الوثيقة الروابط وبعض رفاقه في الحزب الديمقراطي كالسيناتور تيد كينيدي. وبعد ذلك، وفي مرحلة تالية، فُجعَ بفقدان ابنه المفضل “بو” بعد إصابته بسرطان دماغي. ولكنه عاد واستمر في عمله ممثلا الرجل الأمريكي العادي المعتدل من الطبقة الوسطى.

وقد ساهم دعم باراك أوباما له في استقطاب الأكثرية الساحقة من الناخبين الأفارقة الأمريكيين. ولولا دعم أوباما لما اختير لتمثيل الحزب الديمقراطي، إذ لو اختار الحزب مرشحاً أكثر راديكالية لربما خسر أمام ترامب، فمؤيدوه من الطبقة الوسطى صوتوا ضد ترامب ولإسقاط ترامب وليس مع اعتدال بايدن فحسب.

صونيا دريدي: “جو بايدن، الرهان على أمريكا المعارضة لترامب”.

دار نشر “روشيه” (ROCHER)

مجموعة “إليديا” (Elidia)

إمارة موناكو، عام 2020

324 صفحة.

القدس العربي

———————————-

============================

تحديث 04 كانون الثاني 2021

———————————-

هدايا ترامب لإيران/ مهند الحاج علي

في الذكرى السنوية لاغتيال قائد فرقة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، لم يعد السؤال هو عن الرد الإيراني من عدمه، بل عن “الفشل الأميركي” في تحقيق الأهداف أو عدمه. هل فشلت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها من اغتيال سليماني؟ وما هو الهدف؟

قبل عام، تحدث بيان الخارجية الأميركية في أعقاب الاغتيال، عن تخطيط “الجنرال سليماني بفاعلية للاعتداء على دبلوماسيين وعسكريين أميركيين في العراق والمنطقة”، لافتاً الى أن “هذه الضربة هدفها ردع مخططات الاعتداء الإيرانية مستقبلاً، والولايات المتحدة ستواصل اتخاذ أي خطوات ضرورية لحماية شعبها ومصالحها أينما كانت في أنحاء العالم”.

باختصار، أعلنت واشنطن أن هدف الاغتيال ردع طهران ووقف الاعتداءات على الأميركيين والمصالح الأميركية. وبالتالي، فإن الإجابة عن السؤال تتطلب إحصاء الاعتداءات على المصالح الأميركية في المنطقة، والأهم من ذلك عدد الضحايا الأميركيين لهذه الهجمات. باستثناء عمليات القصف المتكررة والعشوائية على السفارة الأميركية في بغداد (وهذه تستهدف السيادة العراقية أولاً)، ليست القائمة بالطويلة. وقد تكون واشنطن نجحت بالفعل في ردع ايران عن تنفيذ مثل هذه الاعتداءات المفترضة. لكن سؤال الردع أوسع من قتل أميركي هنا أو هناك. ومن الضروري احتساب استهداف دول خليجية محمية أميركياً، للمرة الأولى، والاعتداء على منشآت نفطية حساسة. هذه الاعتداءات كسرت حواجز ردع قديمة في المنطقة أيضاً.

وفي الميزان الأوسع للأمور، كان اغتيال سليماني أكبر من تصفية قائد ميداني يُخطط لاعتداءات. هناك رمزية خاصة في أن تتولى واشنطن نفسها، وبشكل علني، اغتيال قائد إيراني مثل سليماني. والقيادة الإيرانية لم يفتها ذلك على الإطلاق، وما زالت تجتهد لاستخدام ذلك في آليتها الدعائية، من عروض جوالة الى فيديوهات ولوحات الكترونية والقائمة تطول. وهذا الوعي الإيراني لرمزية الاغتيال كان واضحاً في خطاب مرشد الثورة علي خامنئي وكلام أمس للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

بعد خامنئي، لاحظ نصر الله أهمية الحشد الهائل في جنازة سليماني، وما تبعها من جهود لتخليد الذكرى وتحويل الرجل الى أسطورة لم تنته فصولها بعد، وسنكتشف المزيد عنها على مدى السنوات المقبلة. وفقاً لنصر الله، “من الساعة الأولى لهذه الحادثة العظيمة، وإلى اليوم في الذكرى السنوية الأولى، شهدنا مظاهر كبيرة ومهمة من الوفاء. وعلى سبيل المثال، في إيران مستوى التفاعل الشعبي الهائل والكبير مع الحادثة والاندفاع إلى الساحات في الكثير من المحافظات والمدن وفي استقبال جثمان الشهداء وتشييعهم الذي كان تاريخياً … ما شهدناه حتى اليوم تعبير عالي عن الوفاء، هذا درس لنا جميعاً كيف يجب أن نتعاطى مع شهدائنا وكيف يجب أن نكرمهم ونحترمهم ونمجدهم”. الدعاية والتسويق الداخلي بالنسبة لهذا النوع من الأنظمة، وأتباعها، أهم بكثير من الردود ومعادلات الردع الوهمية أو الفضفاضة، في ظل عدم تكافؤ رهيب في موازين القوى.

قد يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب نجح في اظهار قدرة الردع الأميركية، وهي واقع، لكن لاستخدام القوة بهذا الشكل الفظ، أثماناً بعيدة المدى. وهذا عنوان يصلح لكل السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الحالية، لجهة استخدامها المفرط لسلاح العقوبات، بحيث فقد هو أيضاً جزءاً من قدرته على الردع، واستُهلك وبات أقل تأثيراً في إيران، وربما في لبنان أيضاً. كما للكلام الصريح لترامب عن حاجة الحلفاء العرب لواشنطن وضرورة أن يدفعوا فاتورة الدعم المستمر، أثر طويل الأمد قد نتعرف اليه لاحقاً. الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، يُظهر أيضاً اختلال السياسة الأميركية في المنطقة، ويُفيد أعداء واشنطن في تأكيد أن دورها مُكمل للاحتلال. إسرائيل تحتل، تستوطن، ومن ثم واشنطن تعترف.

أي رئيس أميركي قادر على محو هذه الوقائع؟

لهذا السبب وغيره، إيران أمام مهمة دعائية هائلة لاستيعاب مرحلة ترامب بكامل خطواتها، من العقوبات ونقل السفارة الى القدس المحتلة، والاعتراف بالجولان، والتصريحات الفظة، وخطة “صفقة القرن” الفاشلة، وحصار الفلسطينيين، إلى الاغتيال. كانت حقبة ترامب مملوءة بالكنوز للدعاية الإيرانية، ومن هذه النقطة بالذات، قد يكون اغتيال سليماني أكثر فائدة لطهران من مجرد خسارة قائد ميداني. وقد تكون ايران قد بدأت للتو بفتح صناديق هدايا ترامب.

المدن

————————-

واشنطن بوست: تحذير لترامب بعدم التلاعب بالجيش وزجّه في لعبة الانتخابات/ إبراهيم درويش

حذّر وزراء دفاع أمريكيون سابقون من ديمقراطيين وجمهوريين من مخاطر زج المؤسسة العسكرية في الخلاف حول الانتخابات. وقال الوزراء العشرة في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن أي محاولة كهذه ستكون دخولا في منطقة خطرة.

وجاء في المقال الذي شارك فيه كل من أشتون كارتر وديك تشيني وويليام كوهين ومارك إسبر وروبرت غيتس وتشاك هيغل وجيمس ماتيس وليون بانيتا وويليام بيري ودونالد رامسفيلد: “كوزراء دفاع سابقين، لدينا موقف مشترك حول الواجبات الرسمية للقوات الأمريكية المسلحة ووزارة الدفاع. وأقسم كل واحد منا قسم دعم والدفاع عن الدستور ضد كل الأعداء، خارجيين ومحليين. ولم نقسم الولاء لفرد أو حزب”.

وأضافوا أن “الانتخابات الأمريكية والنقل السلمي للسلطة التي تنتج عنها هي علامات مهمة لديمقراطيتنا. وباستثناء واحد أدى إلى خسارة أرواح الأمريكيين أكثر من كل الحروب التي خاضتها أمريكا مجتمعة، شهدت الولايات المتحدة سجلا متصلا لعملية نقل السلطة هذه منذ 1789 بما في ذلك وقت الخلاف الحزبي، الحرب، الأوبئة والكساد الإقتصادي، ويجب ألا يكون هذا العام استثناء”.

وقالوا: “حدثت الانتخابات وتم عدها وتدقيقها. وتم معالجة الاعتراضات المناسبة في المحاكم. ووافق حكام الولايات على النتائج، وصوّت عليها المجمع الانتخابي. ومضى وقت الاعتراض على النتائج. وحان وقت حسبة أصوات المجمع الانتخابي كما ينص عليه الدستور والقانون. وكما لاحظ مسؤولو وزارة الدفاع، فلا دور للجيش الأمريكي في تحديد نتائج الانتخابات. وأي جهد لتوريط الجيش الأمريكي لحل الخلافات المتعلقة بها سيأخذنا إلى طريق خطير وغير قانوني وغير دستوري. وتجب محاسبة المسؤولين العسكريين والمدنيين الذي يصدرون أوامر بهذا الشأن بما في ذلك فرض عقوبات جنائية عليهم نظرا للتداعيات الخطيرة لتصرفاتهم على الجمهورية”.

وعلقوا قائلين إن “عمليات نقل السلطة التي عشناها جميعا هي جزء حيوي من عملية النقل الناجحة. وعادة ما تجري في أوقات عدم الوضوح الدولي بشأن سياسة الأمن القومية الأمريكية والموقف. وقد تكون في وقت تكون الأمة عرضة للخطر من الأعداء الذين يحاولون الإستفادة من الوضع”. و”بناء على هذه العوامل، خاصة عندما تكون الولايات المتحدة تجري عمليات عسكرية حول العالم، فمن الواجب أن تجري عملية الانتقال بطريقة كاملة وتعاونية وشفافة. ويجب على القائم بأعمال وزير الدفاع كريستوفر ميلر والمسؤولين المعينين والضباط والجهاز المدني تسهيل عملية دخول الإدارة المقبلة، حسبما يشترط عليهم القسم والقانون والعرف، وعمل هذا بشكل دائم. وعليهم الابتعاد عن اتخاذ أي تحرك سياسي يؤثر على نتائج الانتخابات أو يعيق نجاح الفريق الجديد. ونطلب منهم وبعبارات شديدة القيام بهذا كما فعلت أجيال من الأمريكيين قبلهم. وهذا العمل الأخير هو جزء من التقاليد والحرفية العالية للقوات الأمريكية وتاريخ عمليات النقل الديمقراطي للسلطة في بلدنا العظيم”.

ويأتي تحذير المسؤولين السابقين الذين خدم بعضهم في وزارة الدفاع في السبعينات من القرن الماضي، وسط التسريب الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” لمكالمة طويلة بين الرئيس دونالد ترامب وسكرتير ولاية جورجيا، وطلب فيها منه العمل على قلب نتائج الانتخابات قبل التصويت المقبل على نتائج المجمع الانتخابي يوم الأربعاء.

وأعلن عدد من النواب الجمهوريين عن نيتهم تحدي نتائج المجمع الانتخابي. مع أن محاولات الرئيس لتحدي نتائج الانتخابات قد فشلت. وجاءت الرسالة وسط قلق من محاولة ترامب اللجوء إلى الجيش للبقاء في البيت الأبيض رغم خسارته في الانتخابات.

وعبّر المقال عن رأي مسؤولين سابقين اختلفوا حول الكثير من قضايا الأمن القومي. ووُلد المقال من محادثة بين السفير الأمريكي السابق إريك إديلمان، ووزير الدفاع ونائب الرئيس السابق ديك تشيني حول كيفية استخدام الجيش في الأيام المقبلة.

ورغم نفي ترامب مناقشة إعلان حالة الطوارئ لتغيير نتائج الانتخابات، إلا أن مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين، قال في مكالمة تلفزيونية إن على ترامب إعلان حالة الطوارئ ودعوة الجيش لعقد انتخابات.

ودعا ترامب أنصاره للتظاهر في واشنطن يوم تأكيد النتائج، وطلب منهم الحضور بقوة. وكان إديلمان واحدا من الجمهوريين الذين دعموا الرئيس المنتخب جوزيف بايدن ضد ترامب، وقد ناقش فكرة المقال مع تشيني واستشار وزراء الدفاع السابقين وقام بكتابة مسودة للمقال مع إليوت كوهين، مسؤول الأمن القومي السابق وعميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جونز هوبكنز.

وطلب بعض الوزراء الجمهوريين السابقين مراجعة للمقال، لكن ذلك لم يمس جوهره كما قال كل من إديلمان وكوهين. وقال تشاك هيغل، الجمهوري الذي خدم وزيرا للدفاع في إدارة باراك أوباما، إنه سأل عن المقال وإن كان ردا على أمر، ولكنه قرر التوقيع لتذكير المسؤولين الحاليين بأهمية التحول السلمي للسلطة.

وقال: “هذا عنصر رئيسي في ديمقراطيتنا ويتحمل مسؤوليتها المسؤولون في وزارة الدفاع”. وقال كوهين الذي عمل وزيرا للدفاع في عهد بيل كلينتون إن الحديث عن استخدام قانون الطوارئ أثار قلقه، خاصة بعد استخدام ترامب الجيش لفض المحتجين خارج البيت الأبيض في حزيران/ يونيو.

وأشار وزير الدفاع، السابق لاستخدام الشرطة الفدرالية لفض المتظاهرين في بورتلاند، بولاية أوريغون وأشكال أخرى لإساءة استخدام السلطة. وفي الوقت الذي أكد فيه على قدرة الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان وقادة الجيش على الالتزام بالقانون إلا أنه عبر عن مخاوف من عنف قد يندلع بسبب أنصار ترامب مثل “براود بويز” في الأيام المقبلة “إنه طريق خطير ويجب وقفه قبل حدوثه”.

ولم يعلق بقية الوزراء على قرارهم المشاركة في المقال، إما لتعذر الاتصال معهم أو لرغبتهم بترك المقال يعبر عن موقفهم.

القدس العربي”

——————————

بلومبرغ: استراتيجية بايدن تجاه ترامب الذي لن يرحل بسهولة هي “تجاهله”

نيويورك: يستعد الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، لمواجهة تحديات تاريخية بعد دخوله البيت الأبيض في 20 من كانون ثاني/ يناير الجاري، حيث تتنوع تلك التحديات بين التصدي لجائحة فيروس كورونا المتفاقمة، ومعدلات البطالة المرتفعة بصورة دائمة، ووجود توترات مع دولتي الصين وروسيا، بالإضافة إلى سلفه الذي يبدو أنه لن يرحل بسهولة.

وذكرت وكالة “بلومبرغ” للانباء أنه إدراكا من بايدن لحجم الفوضى والإرباك اللذين أثبت الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، أنه قادر على إحداثهما، فقد أعد الرئيس المنتخب ومستشاروه استراتيجية يعتقدون أنها الطريقة الوحيدة لتحييد ذلك التهديد، وهي “تجاهله”.

وهناك آراء ترى أن أحد الدروس المستفادة من حملة بايدن الرئاسية التي كللت بالفوز، هو وجود حافز ضئيل للعمل مع ترامب.

ومن المتوقع أن يصل التوتر إلى ذروته في السادس من كانون ثاني/ يناير، عندما يقر الكونغرس رسميا بفوز بايدن، حيث يشن أنصار ترامب احتجاجات في شوارع واشنطن – بتشجيع من الرئيس – وداخل مجلسي الشيوخ والنواب.

ومن جانبها، قالت مستشارة البيت الأبيض، كيت بيدينجفيلد، إن بايدن “يصر على أننا لن ننحدر إلى حد الابتذال مع دونالد ترامب في كل يوم”.

وتضيف: “أنه ليس كذلك، وهذا ليس ما يريد الشعب الأمريكي رؤيته في الرئيس”.

إلا أن الإدارة المقبلة سوف تواجه مشاكل أثناء تجاهلها لترامب، الذي على استعداد أن يظل – على الأقل – مصدر إزعاج بالنسبة لبايدن، بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبرغ” للأنباء.

وبعد أن رفض ترامب الاعتراف بهزيمته وإعلانه أن الانتخابات التي خسرها كانت غير شرعية، أوضح أنه لا يخطط للانسحاب بهدوء، وأخبر مساعديه أنه سوف يرشح نفسه للرئاسة مرة أخرى في عام 2024.

ويشار إلى أن الرؤساء الأمريكيين قاموا على مدار أجيال، بترك مناصبهم وتسليم السلطة لخليفة آخر لهم ينتمي للحزب المعارض، بهدوء.

إلا أن سلوك ترامب تسبب في انتقال السلطة بالصورة الأكثر إرباكا في تاريخ أمريكا الحديث، كما أنه يهدد بإعاقة بايدن أثناء مواجهته لقائمة طويلة من الأزمات، بحسب “بلومبرغ”.

ومن جانبه، قال ستيف إسرائيل، وهو عضو ديمقراطي سابق في الكونغرس عن ولاية نيويورك، ومدير معهد السياسة والشؤون العالمية في جامعة كورنيل، “إنها واقعة غير مسبوقة… فنحن لم يكن لدينا أبدا رئيس سابق يتفرغ لاقتراح فشل خليفته”.

ويرى الفريق الخاص ببايدن أن محاولات ترامب لقلب إرادة الناخبين – وهو ما يتضمن جهوده للاستعانة بنواب جمهوريين من أجل الطعن على تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات يوم الأربعاء المقبل – سوف تؤدي إلى المزيد من الضرر بالنسبة لإرث الرئيس المنتهية ولايته أكثر من بايدن.

كما يعتقد أفراد الفريق الخاص ببايدن أن هناك دلائل تشير بالفعل إلى أن أسلوب التنمر الذي يتبعه ترامب وقدرته على جذب انتباه الرأي العام، آخذان في التضاؤل، وهو ما يتضمن تراجع التغطية الإعلامية لأفعاله الغريبة المتعلقة بالانتخابات، واستعداد الجمهوريين في الكونغرس لمقاومة الرئيس في المعارك التشريعية الأخيرة.

وسوف يعارض أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين – بقيادة تيد كروز – التصديق على فوز بايدن، إلا أن استراتيجية بايدن من أجل حرمان ترامب من الحصول على الاهتمام، ستواجه اختبارات متكررة وفورية، على الأرجح.

وقد أمضى الرئيس المنتهية ولايته الأسابيع الأخيرة في تهديد النواب الجمهوريين الذين كانت لهم الجرأة على تجاوزه، بعد أن استشعر أن ما تبقى من سلطته تكمن في قاعدة لا تزال هائلة من المؤيدين.

وأكد ترامب مرارا على أنه حصل على 74 مليون صوت، وهو رقم قياسي بالنسبة لمرشح رئاسي مهزوم، وأكد أن وجوده في الانتخابات ساعد الجمهوريين على الفوز في الانتخابات وإعادة انتخابهم في المناصب الاتحادية، بحسب “بلومبرغ”.

وبعد أن اعترف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بفوز بايدن وشجع أعضاء فريقه على تجنب معركة فوضوية بشأن التصديق على التصويت، قام أحد المساعدين في البيت الأبيض بتوزيع رسم على النواب في الكونغرس، يشير إلى أن ماكونيل النائب عن ولاية كنتاكي حصل على فترة ولايته السابعة بفضل دعم ترامب.

يشار إلى أن الجاذبية التي يحظى بها ترامب تجاه الجمهوريين تم تعزيزها فقط من خلال جمع التبرعات بصورة قوية منذ يوم الانتخابات.

وقد أعلنت حملته الانتخابية أنها قد جمعت 5ر207 ملايين دولار في الشهرين التاليين لهزيمة الرئيس، وذلك بعد جمع ضعيف للتبرعات بالنسبة لبايدن قبل التصويت.

(د ب أ)

——————————————

ماذا قصد قاسم سليماني عندما قال: “يقيناً كلو خير”؟/ حازم الأمين

نحن في هذا الإقليم البائس مرة أخرى في مجرد أوراق يُنفخ بها فتتحول إلى هاشتغات يعقبها سجالات وتداس خلالها سيادة بلد بقدم جنرال لا يجيد اللبنانيون لفظ اسمه، ويقفز علينا في صفحاتنا الراحل المحتفى بشهادته بفيديو يقول فيه بالعربية وبلهجته الخرسانية، على ما كتب ابن عمتي على صفحته: “يقيناً كلو خير”…

افتُتِح العام 2021 على توتر وُصف بالحادّ بين واشنطن وطهران مسرحه العراق أولاً، ثم لبنان وسوريا بوصفهما ركنا مثلث النفوذ الإيراني في المشرق. لا ينتمي هذا الحدث إلى عائلة الوقائع الثقيلة التي شهدها العام السلف، أي العام 2020. فكلنا يعلم أن التوتر مزعوم، وأن طرفيه في غير وارده. طهران تكابد أزمات هائلة لا تتيح لها المغامرة بمواجهة مع واشنطن، والأخيرة تعيش مرحلة انتقالية بين إدارتين، وهذا يعيق تنظيم مواجهة. ثم أن عنوان التوتر لا قيمة سياسية له، فهو جرى بمناسبة الذكرى السنوية الأولى إقدام الولايات المتحدة الأميركية على اغتيال قاسم سليماني! للاغتيال نفسه قيمة سياسية طبعاً، لكن لذكرى مرور سنة عليه قيمة لا تزيد عن الرمزية، والاغتيال في لحظة حصوله لم يُشعل مواجهة، فكيف سيشعلها بعد انقضاء سنة على حصوله؟

التوتر المزعوم يشبه إلى حد كبير العراضة المضحكة التي أقدم عليها نائبان في البرلمان العراقي من تحالف “الفتح” هما يوسف الكلابي وحسن فدعم حين أقدما على التظاهر، وحيدين، أمام السفارة الأميركية في بغداد في ذكرى واقعة الاغتيال، وتليا بلسان متلعثم بياناً قالا فيه أن النصر على “داعش” ما كان ليتحقق لولا سليماني!

ولعل ما يبعث على الضحك والذهول، لصحافي مثلي غطى “الحرب على داعش”، أن الرجلان المتلعثمان ببيانهما أسقطا منه حقيقة أن “النصر على داعش” ما كان ليتحقق لولا تولي الجيش الأميركي المهمة الأهم في هذه الحرب، أي سلاح الطيران، بالإضافة إلى الخبراء الذين رافقوا الجيش العراقي خطوة خطوة. كنا هناك في الموصل في حينها، وأصابنا ذهول كبير من قيادة الأميركيين حرباً يشارك معهم بها عراقيون موالون لطهران!

لكن، وعلى رغم خلوه من مخاطر واقعية، يبقى أن للتوتر وظيفة في ظل حال الانتظار والحذر الذي تعيشه طهران قبل حلول لإدارة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض. فلطالما كان للسعار الأيديولوجي وظائف في سياق المواجهات الباردة. إيران تريد أن تذكر الإدارة القادمة بالأوراق التي بحوزتها قبل إجراء المقاصة بما يتعلق بالاتفاق النووي. أولى هذه الأوراق هي العراق الذي يلتبس على الجميع حقيقة وجوده بين النفوذين الأميركي والإيراني، وذلك في ظل وجود مصطفى الكاظمي على رأس حكومته. أما ثاني هذه الأوراق فهو لبنان، وهذا الأخير لا لُبس في حقيقة وجوده كاملاً بيد طهران. وفي هذا السياق كان نصيب لبنان من العراضة الأيديولوجية أشد وضوحاً، وان حملت احتمالات صدام أقل. فتمثال لقاسم سليماني في منطقة الغبيري، إحدى ضواحي بيروت، يمثل سابقة، خصوصاً أن من تولاها هو المجلس البلدي في تلك المنطقة، وكانت صورة رئيس الجمهورية ميشال عون خلف رئيس الجمهورية ميشال عون هذا المجلس أثناء إعلانه عن الخطوة.

طهران أصلاً لم تبد حذراً من إعلان لبنان والعراق نقطتان متقدمتان في مواجهتها مع واشنطن. خليفة سليماني لم يتردد في قول ذلك حرفياً بمناسبة مرور سنة على مقتل سلفه. فعل ذلك على رغم ما يشكله قوله من فضح لمحاولات حلفاء طهران في لبنان وفي العراق التخفيف من أثقال السمعة التي لحقتهم جراء تحولهم أذناباً لهذا النفوذ. ميشال عون، الرئيس اللبناني، أصدر بياناً لا يقل لعثمة عن بيان النائبين العراقيين، ألمح فيه إلى أن لبنان “سيد نفسه”. والمرء اذ يعرض هذا الادعاء على نفسه، ادعاء بأن “لبنان سيد نفسه” فما عليه إلا أن يداري قهقهته تفادياً لأن يتعرض لاستدعاء من دائرة المعلومات في قوى الأمن اللبنانية التي تتولى ضبط أي مواطن تتلبسه مقهقهاً على الرئيس.

أما في العراق فالوضع أقل وضوحاً لجهة حسم طهران بأنه ورقة يمكن طهران أن تعتمدها، فالانتشار الذي نفذته القوى الأمنية العراقية في محيط السفارة الأميركية في بغداد واقفال المنطقة الخضراء ومحاولة ضبط أي محاولة لإطلاق صواريخ عليها، في مقابل محاولات حلفاء طهران من الفصائل الولائية اقتحام مطار بغداد وبعض التظاهرات “الحشدية”، يكشف أن ثمة انقساماً وأن الأمر في بغداد ليس محسوماً لصالح طهران، على نحو ما هو محسوم لصالحها في بيروت.

اذاً نحن في هذا الإقليم البائس مرة أخرى في مجرد أوراق يُنفخ بها فتتحول إلى هاشتغات يعقبها سجالات وتداس خلالها سيادة بلد بقدم جنرال لا يجيد اللبنانيون لفظ اسمه، ويقفز علينا في صفحاتنا الراحل المحتفى بشهادته بفيديو يقول فيه بالعربية وبلهجته الخرسانية، على ما كتب ابن عمتي على صفحته: “يقيناً كلو خير”! ونحن اذ فهمنا العبارة العربية، إلا أننا لم نفهم أين الخير؟

درج

—————————-

ترامب العنيد: الجيش ينأى عن السياسة وتسجيل يكشف طبيعة الضغوط

عشرة وزراء دفاع أميركيين يطالبون بانتقال سلمي للسلطة في الولايات المتحدة.

واشنطن – عبر وزراء دفاع أميركيون سابقون عن غضبهم من أن تجد القوات المسلحة الأميركية نفسها جزءا من صراع سياسي يريده الرئيس دونالد ترامب أن يكون سببا في منع وصول الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، وأصبح أكثر وضوحا بعد تسريب تسجيل بين ترامب وسكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرجر يكشف مدى الضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي على كبار المسؤولين في الولايات المتحدة.

وعارض آخر عشرة وزراء دفاع أميركيين ما زالوا على قيد الحياة، أيّ انخراط للقوات المسلحة في عملية الانتقال السياسي الجارية في الولايات المتحدة حاليا، وذلك في مقال نشرته الأحد صحيفة “واشنطن بوست”.

ووجّه كلّ من أشتون كارتر وليون بانيتا وويليام بيري وديك تشيني وويليام كوهين ودونالد رامسفيلد وروبرت غيتس وتشاك هاغل وجيمس ماتيس ومارك إسبر، دعوة إلى البنتاغون في هذا المقال من أجل الالتزام بانتقال سلمي للسلطة.

ويأتي النداء الذي وجّهه وزراء الدفاع السابقون في وقت يستعد فيه الكونغرس الأربعاء للمصادقة على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، كما يأتي بعد تسريب مكالمة هاتفية بين ترامب ورافينسبرجر.

وقال الموقعون على المقال، وبينهم ماتيس وإسبر اللذان عيّنهما ترامب في البنتاغون، إنّ “الجهود لجعل القوات المسلحة الأميركية تنخرط في حل النزاعات الانتخابية ستقودنا إلى مكان خطير وغير قانوني وغير دستوري”، معتبرين أنّ المسؤولين الذين سعوا للقيام بذلك قد يواجهون عواقب مهنية وقضائية خطرة.

وأكد وزراء الدفاع السابقون أنّ الولايات المتحدة سجّلت في الماضي رقما قياسيا من التحوّلات السلميّة. وأضافوا أن “هذه السنة يجب ألا تكون استثناء”.

ولم يذكر موقّعو المقال على وجه التحديد السبب الذي دفعهم إلى التدخّل في شكل علني. لكنّ الطبقة السياسية في واشنطن شعرت في الآونة الأخيرة بانزعاج من تقارير وردت في وسائل إعلام أميركية أفادت بأنّ إمكانيّة فرض الأحكام العرفية قد أُثيرت خلال اجتماع في البيت الأبيض، وهي معلومات نفاها ترامب.

وأشار موقّعو النداء المنتمون إلى الحزبين السياسيّين الأميركيّين الرئيسيّين، إلى أنّ الطعون المقدّمة بشأن نتائج الانتخابات في ولايات عدّة قد رفضتها المحاكم وأنّ الأصوات قد تمّت المصادقة عليها من جانب حكّام الولايات.

ودعوا القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي كريستوفر ميلر وجميع مسؤولي وزارة الدّفاع إلى تسهيل الانتقال إلى إدارة الرئيس المنتخب بايدن. وقالوا “يتوجّب عليهم أيضا الامتناع عن أيّ عمل سياسي من شأنه تقويض نتائج الانتخابات أو تعريض نجاح الفريق الجديد للخطر”.

وبثت “واشنطن بوست” الأحد مقتطفات من المكالمة بين ترامب وسكرتير ولاية جورجيا، استمرت ساعة، طالبه فيها بالعثور على نحو 11 ألفا و779 صوتا لتجاوز الفجوة مع الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن وقلب النتيجة.

وقالت الصحيفة إن ترامب راوح في حديثه مع رافينسبرجر ما بين الإطراء والاستجداء والتهديد بعواقب جنائية غامضة في محاولة لتغيير خسارته في جورجيا أمام بايدن.

وتابعت أن رافينسبرجر ومستشار مكتبه رفضا طوال المكالمة تأكيدات ترامب وأبلغا الرئيس بأنه يستند إلى نظريات المؤامرة بشأن الانتخابات التي جرت بنزاهة ودقة.

وطبقا لمقتطفات من المكالمة التي نشرتها “واشنطن بوست” على موقعها الإلكتروني، قال ترامب “مواطنو جورجيا غاضبون.. الناس في البلاد غاضبون… ولا يوجد ما يمنع من القول، مثلما تعلم، إنك أعدت إحصاء (الأصوات)”.
الرابط YouTube
ألصق رابطًا للمحتوى الذي تريد عرضه على موقعك.
معرفة المزيد حول التضمينات(يُفتح في علامة تبويب جديدة)
عذرًا، لا يمكن تضمين هذا المحتوى.

وجورجيا واحدة من عدة ولايات حاسمة خسرها ترامب لصالح بايدن في انتخابات الرئاسة التي جرت في الثالث من نوفمبر الماضي.

وتابع ترامب في المكالمة المسجلة “انظر.. هذا كل ما أريد منك فعله. كل ما أريده هو إيجاد 11780 صوتا.. لأننا فزنا بالولاية”. وأصر على أنه “لا يمكن بأي حال” أن يكون قد خسرها.

وبعد تسريب المكالمة بساعات قليلة، أكد رئيس فرع الحزب الجمهوري بولاية جورجيا الأميركية ديفيد شيفر أن الرئيس ترامب رفع دعويين قضائيتين ضد سكرتير الولاية بسبب تسريب مكالمة هاتفية سرية بشأن نتائج الانتخابات.

وكتب شيفر عبر تويتر الأحد “قام الرئيس ترامب برفع دعويين قضائيتين – واحدة اتحادية وأخرى محلية – ضد سكرتير ولاية جورجيا براد رافينسبرجر. كان الاتصال الهاتفي الذي سجله رافينسبرجر سرا، بمثابة مناقشة تسوية سرية للتقاضي الذي لا يزال عالقا”.

ويطبق في كل من ولاية جورجيا وواشنطن العاصمة قانون “موافقة من طرف واحد”، مما يعني أن أي شخص طرف في محادثة هاتفية لا يحتاج إلى موافقة من المشارك الآخر لتسجيلها.

ومع ذلك، ادعى شيفر أن التسجيل الصوتي الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” حذف منه الشرط القائل بأن “جميع المناقشات كانت لغرض تسوية التقاضي وكانت سرية بموجب القانون الفيدرالي وقانون الولاية”.

وأثارت المكالمة الهاتفية المسربة ردود فعل غاضبة في الساحة السياسية بواشنطن حيث اعتبرها كبير مستشاري بايدن دليلا قاطعا على تهديد ترامب لمسؤول من حزبه لتغيير نتيجة الانتخابات ومحاولته إلغاء فرز أصوات قانونية بجورجيا لتلفيق أصوات أخرى، في حين دعا كبير الديمقراطيين بمجلس الشيوخ ديك ديربن إلى إجراء تحقيق جنائي بشأن مكالمة ترامب المسربة.

ونقلت صحيفة بوليتيكو عن رئيس لجنة الاستخبارات النائب الديمقراطي آدم شيف قوله “إن مكالمة ترامب المسربة أبشع إساءة لاستخدام السلطة، وقد تكون ذات طبيعة إجرامية”.

وقبل أن تنشر الصحيفة تقريرها عن المكالمة قال ترامب على تويتر الأحد إنه تحدث هاتفيا مع رافينسبرجر عن تزوير الانتخابات بجورجيا.

وأضاف ترامب أن رافينسبرجر لم يكن راغبا أو كان عاجزا عن الرد على أسئلة عن أمور مثل “بطاقات اقتراع تحت الطاولة، وتدمير أوراق الاقتراع، وأصوات الموتى وغير ذلك. لم تكن لديه إجابات”.

ورد رافينسبرجر على تويتر قائلا “مع احترامي لك سيادة الرئيس ترامب.. ما تقوله ليس صحيحا.. الحقيقة ستظهر”.

ودعا ترامب إلى مظاهرة مناهضة لنتائج الانتخابات في السادس من الشهر الجاري بالعاصمة واشنطن.

ولا يزال يصر على أن الانتخابات الرئاسية قد زُوّرت، وذلك رغم أنه خسر كل الدعاوى القضائية التي رفعها أمام المحاكم الأميركية، والتي يدعي فيها حدوث تزوير واسع النطاق.

وكان المجمع الانتخابي أقر مؤخرا فوز بايدن بالانتخابات، في حين تقول مصادر صحافية إن ترامب هدد بأنه لن يترك البيت الأبيض في يوم تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير الجاري.

العرب

——————————

هل من حرب قبل خروج ترمب؟/ عبدالرحمن الراشد

التحذيرات الأميركية المتكررة لإيران من أن تفكر في شن عمليات ستتسبب في اشتباك عسكري سيكون الأسوأ منذ سنوات، سببها ذكرى أبرز عملية نفذتها الولايات المتحدة ضد نظام طهران منذ 40 عاماً. هل سيكون الانتقام الإيراني عمليات عسكرية مباشرة ضد القوات الأميركية في مياه الخليج أو بره أو العراق، أو استهدافاً لمواقع مدنية أميركية عسكرية أو إسرائيلية، أم استهدافاً لدبلوماسيين أو سياسيين أميركيين أو عرب متحالفين؟

النظام الإيراني يريد تنفيذ عمل انتقامي قبل مقدم الرئيس الجديد جو بايدن ولا يريد إحراجه؛ حيث يعتبر فوزه فرصة أخيرة للتخلص من العقوبات الموجعة التي قد تقضي على نظام المرشد، لكن الفكرة في إشعال حرب قبل 20 يناير (كانون الثاني) مغامرة خطيرة قد تتسبب في اندلاع حرب مباشرة، إيران نفسها ليست مهيأة لها.

لم تفعل طهران شيئاً كبيراً للانتقام، وقد مرَّ عام على التخلص من الجنرال قاسم سليماني الذي كان في أعلى درجات الحكم هناك. سليماني لم يكن مجرد قائد سرايا كما يوحي عنوان وظيفته، بل كان موازياً للرئيس حسن روحاني، وله من السلطات ما يفوقه ويؤهله أن يوصف بالحاكم الفعلي لإيران، حتى بوجود المرشد الأعلى أو من يخلفه مستقبلاً. كان التخلص منه عملاً استراتيجياً أميركياً، وليس مجرد انتقام من نشاطات ميليشيات إيران في العراق وسوريا التي كانت تستهدف القوات الأميركية والدول الحليفة.

وقد أربك إخراجه، منذ لك الحين وإلى هذا اليوم، المشهد الإيراني، ويبدو مع مرور الأسابيع والأشهر، والقيادة الإيرانية تشعر بضغط داخلي وخارجي من أتباع سليماني، وتطالب بالانتقام له، وإعادة هيبتها التي كُسرت، وخاصة في داخل بلاده. التخلص منه يعني التخلص من زعيم إيران المستقبلي الأكثر خطورة على الإطلاق، وهو صاحب طموح إقليمي واسع، وله تجربة غنية في إدارة الحروب وإشعال الفوضى.

بغياب سليماني، احتدت المنافسة على قيادة «الحرس الثوري»، العمود الفقري للنظام منذ قيام الثورة. التخلص من سليماني ليس رغبة أميركية وحسب، بل لا بد أنها كانت أفضل خبر للإصلاحيين داخل النظام، الذين كانوا هدفاً لسليماني وقواته، الذي همَّش بشكل واضح صلاحيات روحاني، ما اضطر وزير خارجيته محمد جواد ظريف إلى الاستقالة قبل أقل من عامين، والتي كانت تعبر عن تضخم نفوذ سليماني وحرسه، الذي تبجح عندما أنكر عليه نواب إصلاحيون في البرلمان الأموال الطائلة، التي كان ينفقها على توسيع حجم «الحرس الثوري»، وقال إنه لم يكلف الخزينة الإيرانية شيئاً، بل إنه استطاع تدبر أمره، وكان يعني بذلك عمليات التمويل الضخمة من موارد العراق، وبيع المخدرات وغسيل الأموال الدولية. التخلص من سليماني خدم روحاني وحكومته في الداخل الإيراني إلى أن يظهر جنرال آخر يملك سلطة مطلقة.

عام مرَّ على اغتيال سليماني، تقلَّص خلاله نشاط إيران في الخارج، وفي المرة الوحيدة التي ردَّت على العملية أطلقت النار على نفسها، عندما أسقطت طائرة لشركة الخطوط الجوية الأوكرانية، بعد وقت قصير من إقلاعها من طهران مطلع العام الماضي، ما أدَّى إلى مقتل 176 شخصاً كانوا على متنها. أظهرت تلك الحادثة فشل المؤسسة العسكرية الإيرانية في إدارة معركة واحدة.

الشرق الأوسط

————————

بايدن وترامب في جورجيا عشية انتخابات حاسمة للسيطرة على مجلس الشيوخ

اتلانتا (الولايات المتحدة): ينتقل دونالد ترامب وجو بايدن الاثنين إلى ولاية جورجيا لدعم مرشحي حزبيهما في انتخابات حاسمة تشمل مقعدين في مجلس الشيوخ غداة نشر تسجيل صوتي للملياردير الجمهوري كان له وقع الصاعقة لكن يبقى تأثيره على نتيجة الاقتراع غير معروف.

فبعد شهرين على الانتخابات الرئاسية، يرفض دونالد ترامب حتى الآن الاعتراف بهزيمته أمام الديموقراطي جو بايدن رغم عمليات التدقيق بالأصوات وإعادة فرزها واحتسابها وقرارات كثيرة صادرة عن المحاكم.

وفي اتصال هاتفي أثار ذهولا، طلب دونالد ترامب السبت من مسؤول الانتخابات في ولاية جورجيا “إيجاد” الأصوات الضرورية لإلغاء هزيمته في هذه الولاية الرئيسية.

وأكد خلال الاتصال المسرب أن الانتخابات “سُلبت” منه جراء عملية احتيال واسعة النطاق لم يوفر حتى الآن أي دليل عليها.

ورغم التهديدات المبطنة، لم يذعن المسؤول وهو جمهوري أيضا لأوامر الرئيس المنتهية ولايته. ورد براد رافسنبرغر على ترامب قائلا “نعتبر أن أرقامنا صحيحة”.

ورأت نائبة الرئيس المقبلة كامالا هاريس أن ما قام به ترامب هو “استغلال فاضح للسلطة”. وقد تعالت أصوات قليلة في صفوف الجمهوريين منددة بما حصل.

إلا أن دونالد ترامب يحظى بدعم كبير في الحزب الجمهوري.

وتجنبت ميلي لوفلير العضوة الجمهورية في مجلس الشيوخ والتي تخوض الانتخابات في ولاية جورجيا الثلاثاء الرد على سؤال حول هذه الفضيحة، طرح عليها خلال نشاطات حملتها الانتخابية.

بعد شهرين على الاقتراع الرئاسي، استعادت جورجيا أجواء الحملة الانتخابية مع لافتات وحافلات المرشحين وتجمعات انتخابية وزيارات إلى المنازل تحضيرا لانتخابات الثلاثاء التي تشمل مقعدين في مجلس الشيوخ.

وتبلغ الحملة ذروتها مع زيارة يقوم بها كل من الرئيس المنتهية ولايته والرئيس المنتخب لجورجيا. ويظهر تزامن الزيارتين الأهمية الحاسمة لهذا الاقتراع الذي سيحدد الطرف الذي سيسيطر على السلطة في واشنطن في السنوات الأربع المقبلة.

لم تنتخب ولاية جورجيا أي ديموقراطي لمجلس الشيوخ منذ 20 عاما. وفي حال ظفر الديموقراطيون بالمقعدين سيمكن رافاييل وارنوك وجون أوسوف الحزب الديموقراطي من انتزاع الغالبية في مجلس الشيوخ ما يطلق يد جو بايدن في واشنطن.

وفي حال حصول كل من الجمهوريين والديموقراطيين على خمسين مقعدا سيعود إلى نائبة الرئيس المقبلة كامالا هاريس ترجيح كفة التصويت التي ستميل عندها لصالح الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه راهنا غالبية جمهورية.

وفي حال تم ذلك، سيصل جو بايدن إلى البيت الأبيض مع مجلسي نواب وشيوخ يسيطر عليهما الديموقراطيون ما سيسمح له بتطبيق برنامجه.

ولدعم الجمهوريين، يشارك دونالد ترامب مساء الاثنين بآخر تجمع كبير له قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير. ويتوقع أن يلقى ترامب في دالتون المنطقة الريفية المحافظة في شمال غرب جورجيا، استقبال الأبطال.

ففي الأرياف الأميركية لا تزال لافتات “ترامب 2020” الخاصة بحملة الرئيس المنتهية ولايته، كثيرة. وهي أكثر انتشاراً من تلك العائدة لعضوي مجلس الشيوخ كيلي لوفلير (50 عاما) وديفيد بردو (71 عاما).

وسيتواجد بايدن من جهته في اتلانتا عاصمة ولاية جورجيا. وسيشارك الرئيس الديموقراطي المنتخب في الحملة إلى جانب رافييل وارنوك وهو قس أسود يبلغ الحادية والخمسين وجون أوسوف وهو منتج في القطاع المرئي والمسموع في الثالثة والثلاثين.

وقالت كامالا هاريس خلال لقاء انتخابي في مدينة سافانا الكبيرة حيث شاركت في الحملة إلى جانب المرشحين الديموقراطيين “مستقبل بلادنا على المحك” في انتخابات الثلاثاء.

ويرى الجمهوريون أن مستقبل البلاد على المحك أيضا. وقالت كيلي لوفلير لانصارها في كارتسزفيل “نحن الحاجز الذي سيمنع الاشتراكية من الوصول إلى الولايات المتحدة”.

وتظهر استطلاعات الرأي منافسة محتدمة بين المرشحين. ويتواجه جون أوسوف مع ديفيد بردو ورافاييل وارنوك مع كيلي لوفلير.

وعلى الورق، يخوض الجمهوريون المعركة من موقع قوة فيما يعتمد المرشحان الديموقراطيان على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر وهو الأول لمرشح ديموقراطي في جورجيا منذ 1992.

وشدد تراي هوود الاستاذ في جامعة جورجيا على أن هذه العوامل تؤدي إلى “منافسة محتدمة يصعب في إطارها القيام بتكهنات” حول الفائز.

—————————–

أسبوع أميركي مفصلي/ هشام ملحم

الأسبوع الأول الكامل في شهر يناير يعد بأن يكون محوريا وربما تاريخيا على الصعيدين الداخلي والخارجي. التوتر الداخلي المستمر منذ الانتخابات الرئاسية مرشح للتفاقم أكثر خلال هذا الأسبوع، كما التوتر المستمر بين الولايات المتحدة وإيران مع مرور الذكرى السنوية الاولى للغارة الجوية التي أمر بها الرئيس ترامب لقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الثالث من يناير 2020 قرب مطار بغداد الدولي في العراق.

يوم الأحد، تراجع وزير الدفاع بالوكالة كريستور ميلر عن الأمر الذي أصدره قبل أربعة ايام بسحب حاملة الطائرات نيميتز من المنطقة المحيطة بإيران والعودة إلى قاعدتها في الولايات المتحدة، وأصدر أمرا جديدا بأن تواصل الحاملة عملياتها الدورية ” في منطقة عمليات القيادة المركزية ” التي تشمل مياه الخليج. وجاء في بيان رسمي باسم الوزير أن قراره “يعود للتهديدات الأخيرة الصادرة عن القيادات الإيرانية ضد الرئيس ترامب وغيره من المسؤولين الحكوميين”. وأنهى ميلر بيانه بالقول “يجب أن لا يشك أحد بتصميم الولايات المتحدة”.

وجاء بيان ميلر بعد أسبوع حفل بالرسائل الأميركية المتناقضة حول التوتر مع إيران، خاصة وأن قرار سحب نيمتز تزامن مع تحليق قاذفات استراتيجية من طراز ب – 52 قبالة السواحل الإيرانية ولكن في الأجواء الدولية، خلال تحليق جوي لمدة 36 ساعة دون توقف من وإلى قاعدة جوية في ولاية نورث داكوتا، لبعث رسائل تحذيرية واضحة لإيران. وقالت مصادر مطلعة على المداولات في وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي أن هناك تقويمات مختلفة للتوتر مع إيران حيث قال مسؤولون إن التهديدات الإيرانية، بما في ذلك التلميح بأعمال عنف داخل الولايات المتحدة جدية للغاية، بينما رأى آخرون أنها للاستهلاك المحلي، وأن الحشود الإيرانية داخل العراق، والاجتماعات بين ضباط الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات العراقية الممولة والمدعومة من إيران والمعروفة بقوات الحشد الشعبي تأتي في سياق التنسيق والإجراءات الاحترازية تحضيرا لأي مبادرات عسكرية أميركية، ولا تعني بالضرورة أن ايران تعتزم مهاجمة أهداف أميركية في العراق أو خارجه. وأشار هؤلاء إلى أن مصلحة القيادة الإيرانية تقضي بعدم استفزاز الرئيس ترامب في أيامه الأخيرة، لأنه لن يتردد برد عسكري مؤلم، وأنه من الأفضل انتظار استلام الرئيس المنتخب جوزف بايدن لصلاحياته الرسمية في العشرين من الشهر الجاري. محللون آخرون تكهنوا بأن قرار الوزير ميلر الأولي بسحب حاملة الطائرات من المنطقة المحيطة بإيران قد تم دون استشارة الرئيس ترامب، وأن الرئيس أراد بقاء الحاملة في المنطقة حتى إشعار آخر.

مرور الثالث من يناير دون أعمال عنف هو مؤشر إيجابي، ولكن ذلك لا يعني أن التوتر بين البلدين سوف ينحسر، لأن احتمال حدوث مواجهة مقصود او عرضية لا يزال واردا على الأقل حتى العشرين من الشهر الجاري.

داخليا بدأ الاسبوع بإدلاء جميع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لقسم اليمين لبدء الدورة الجديدة للكونغرس، كما انتخب النواب الديموقراطيون نانسي بيلوسي للمرة الرابعة رئيسة للمجلس. وحفل يوم الأحد بتطورات انتخابية عديدة كان كم أبرزها حصول صحيفة واشنطن بوست على تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية هزت الأوساط السياسية في واشنطن، بين الرئيس ترامب وبعض مساعديه، مع سكرتير ولاية جورجيا المسؤول عن الانتخابات براد رافينزبيرغر ومحاميه رايان جيرماني، حيث طلب الرئيس منهما العثور “على أصوات كافية لتغيير نتائج الانتخابات لصالحه” في حوار لا سابقة له لجأ فيه ترامب الى الترهيب والترغيب والرجاء وتوجيه الاتهامات والإهانات لسكرتير الولاية مثل تسميته “بالولد”. واستمع ملايين الأميركيين لرئيسهم وهو يخاطب براد رافينزبيرغر : “كل ما أريده هو ان تفعلوا التالي، كل ما أريده هو أن تعثروا على 11780 صوتا أكثر مما لدينا، لأننا ربحنا في الولاية.” وكان ترامب يتحدث بجمل مفككة، كانت أفكاره مبعثرة وتميز حديثه بالتكرار وترديد نظريات المؤامرة والادعاءات غير المدعومة بالأدلة والإصرار على القول “لا يمكن أبدا أن أكون قد خسرت جورجيا، هذا غير ممكن. لقد فزنا هناك بمئات آلاف الأصوات”.

وكان ترامب قد خسر جورجيا بأقل من 12 ألف صوت، وهو ما تم تأكيده بعد إعادة فرز الأصوات أكثر من مرة، وبعد أن أخفقت محاولات ترامب عبر المحاكم لتحدي هذه النتائج، كما أخفقت محاولاته في الولايات الأخرى. ولم يتردد ترامب في تهديد براد رافينزبيرغر والقول بأنه يقوم “باتخاذ مجازفة كبيرة” وأن الناخبين في جورجيا وفي البلاد غاضبون ” ولا يوجد هناك شيء سيء إذا قلت أنك قمت باعادة النظر بالأرقام”. ورد رافينزبيرغر بهدوء على الرئيس قائلا “السيد الرئيس التحدي الذي تواجهه هو أن معلوماتك غير صحيحة”. ورأى العديد من المحللين أن ما قام به ترامب يخالف القوانين الفدرالية المتعلقة بالانتخابات، ورأى بعضهم انه يستحق أن يحاكم مرة أخرى.

وفي تطور هام، حذّر عشرة وزراء دفاع سابقين من جمهوريين وديموقراطيين في مقال نشروه الأحد، من خطر زج القوات المسلحة بالانتخابات وطالبوا المسؤولين المدنيين والعسكريين في وزارة الدفاع بعدم تنفيذ أي أوامر سياسية تهدف إلى تغيير نتائج الانتخابات. وكان وزير الدفاع الأسبق ديك تشيني هو الذي اقترح فكرة العريضة، التي وقع عليها الوزيرين جيمس ماتيس ومارك أسبر اللذين خدما في حكومة ترامب، إضافة إلى روبرت غيتس الذي خدم في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، والرئيس أوباما ودونالد رامزفيلد وغيرهم. وجاء في العريضة أن “الجهود الرامية إلى توريط القوات المسلحة لحسم الخلافات الانتخابية سوف تأخذنا إلى مجالات خطيرة وغير قانونية ومخالفة للدستور. المسؤولون المدنيون والعسكريون الذين يأمرون أو ينفذون مثل هذه الاجراءات سوف تتم محاسبتهم، بما في ذلك مواجهة الأحكام الجنائية بسبب النتائج الخطيرة لإجراءاتهم على شعبنا”.

ويوم الثلاثاء سوف تقرر ولاية جورجيا، التي ستنتخب عضويين في مجلس الشيوخ في انتخابات فرعية من سيسيطر على هذا المجلس على الاقل للسنتين المقبلتين. وإذا فاز المرشحان الديموقراطيان، عندها سوف يكون هناك تعادل في الأصوات في المجلس : خمسين جمهوري وخمسين ديموقراطي سوف تكسره نائبة الرئيس كامالا هاريس لصالح الديموقراطيين. وإذا بقي مجلس الشيوخ في يد أكثرية جمهورية بسيطة، فإن ذلك سيخلق عقبات هامة أمام الرئيس بايدن لتمرير إجراءاته وسياساته، حيث سيواجه معارصة قوية من زعيم الأغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال، مماثلة لما واجهه الرئيس السابق باراك أوباما.

ولكن اليوم المحوري هذا الأسبوع هو يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي سيحسم فيه مجلسا الكونغرس في جلسة مشتركة يديرها نائب الرئيس مايك بينس لاتخاذ آخر خطوة رسمية في عملية انتخاب الرئيس الجديد، أي التصديق النهائي على تصويت المجمع الانتخابي الذي جرى في الرابع عشر من ديسمبر . عادة تمر هذه الإجراءات الإدارية بشكل عادي ولا تسبب أي جدل. ولكن السناتور الجمهوري جوشوا هاولي (له طموحات رئاسية) قد قال أنه سيتحدى نتائج الانتخابات في ولاية بنسلفانيا، كما أن عشرة أعضاء جمهوريين آخرين نظمهم السناتور تيد كروز (له طموحات رئاسية) أعلنوا أنهم لن يصدقوا على النتائج وطالبوا بتعيين لجنة تحقيق في الانتخابات تنجز أعمالها خلال ١٠ أيام قبل يوم التنصيب في العشرين من الشهر الجاري. وكان أكثر من مئة عضو جمهوري في مجلس النواب قد قالوا أنهم سيعترضون على النتائج. ويرى معظم المحللين والحقوقيين أن هذه المحاولات ستنتهي بالفشل لأن الأكثرية الديموقراطية في مجلس النواب سوف تصدق على النتائج، وأن هناك أكثرية من الديموقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ سترفض الاعتراضات.

ولكن الرئيس ترامب سوف يستخدم يوم الأربعاء الآلاف من أنصاره الذين طلب منهم أن يتظاهروا في شوارع واشنطن، للضغط على المشرعين في الكونغرس. هذه التظاهرات سببت القلق والمخاوف في الأوساط السياسية والأمنية في واشنطن، لأنها يمكن أن تتسبب باشتباكات مع فئات معارضة، أو مع الشرطة كما حدث في السابق، أو حدوث أعمال شغب أو تخريب للمحلات التجارية، لأن قاعدة ترامب معبأة ومشحونة سياسيا حيث أقنعها ترامب وحلفائه أن الديموقراطيين سرقوا الانتخابات منه، ولأنها ترى أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإبقاء ترامب في البيت الأبيض لولاية ثانية.

أسبوع أميركي مفصلي من مياه الخليج، إلى قاعات الكونغرس وشوارع واشنطن.

الحرة

—————————

=================

تحديث 05 كانون الأول 2021

———————

كيف يستعيد جو بايدن مكانة الولايات المتحدة في الخارج؟

الولايات المتحدة: تحديان كبيران يواجهان الولايات المتحدة في المستقبل القريب، وهما كبح جماح الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وعودة ظهور فيروس كورونا.

ومن المحتمل أن يستنفد ترامب كل المزاعم والسبل الممكنة في محاولة يائسة لإلغاء انتصار جو بايدن، وقد تتسبب هذه المحاولات في تأجيج اضطرابات مدنية. كما أنه من المحتمل أيضا أن يصدر العديد من أوامر العفو والأوامر التنفيذية بينما لا يزال يحتفظ بالسلطة للقيام بذلك. ورحيله المنظم عن البيت الأبيض ليس مضمونا بعد.

في غضون ذلك، سيستمر ترامب في إنكار خطورة وباء فيروس كورونا ومقاومة الإجراءات التي قد تساعد في احتوائه، مثل فرض ارتداء الكمامات والمزيد من الاختبارات المنظمة على مستوى الولايات المتحدة. وإلى أن يتم اتخاذ مثل هذه الخطوات وما لم يتم اتخاذ مثل هذه الخطوات، سيستمر فيروس كورونا في تعميق آثاره على الصحة العامة والاقتصاد والحالة النفسية الوطنية.

وقال الكاتب بول هير الزميل البارز في مركز “ناشيونال انتريست” والزميل غير المقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال انتريست” الأمريكية، إنه “بخلاف هذين التحديين الفوريين، يجب أن تكون عملية استعادة الوحدة الأمريكية والتفاؤل على رأس أولوياتنا الوطنية. وسيتطلب هذا الاعتراف ومواجهة الاتجاهات التاريخية التي كانت تتكشف حتى قبل رئاسة ترامب، والتي كانت أحد أعراضها. وبنظرة للماضي، كشفت الأزمة المالية 2009-2008 وتداعياتها العديد من نقاط الضعف المنهجية في الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية”.

وتسببت أسوأ مشكلة اقتصادية منذ الكساد الكبير في تقلص روح الازدهار والراحة الوطنية، وغذت التوترات العرقية والمناهضة للهجرة، والسياسة المستقطبة حيث تجنب كل من الديمقراطيين والجمهوريين خيارات السياسة الصعبة وعرقلوا أجندات بعضهم البعض. وتسببت سياسات ترامب في تفاقم كل هذا إلى درجة غير عادية.

واعتبر الكاتب بول هير أنه يجب على الدولة أن تجد طريقة لتخليص نفسها من تلك المشكلات وتنظيم شؤونها. وقال: “يجب علينا استدعاء الملائكة الأفضل في طبيعتنا وإظهار مرونة أمريكا وقدرتها على تحسين الذات. يجب أن نتغلب على الانقسامات الحزبية والعنصرية والعرقية لتبني هوية مشتركة وقضية مشتركة، ومواجهة الأولويات الوطنية. ويتعين على كل من الديمقراطيين والجمهوريين تجنب الوقوع مرة أخرى في مسابقة الفائز يأخذ كل شيء. يتعين على الديمقراطيين على وجه الخصوص ألا يرتكبوا نفس الخطأ الذي ارتكبه ترامب برفض و/أو تشويه سمعة نصف الناخبين. لن يؤدي هذا إلا إلى تأجيج حلقة دائمة من الانتقام السياسي والجمود”.

إن استعادة وحدة الهدف في البلاد ستكون شرطا أساسيا مسبقا لاستعادة أي وجه من أوجه مكانة الولايات المتحدة في العالم، والتي تآكلت بدرجة كبيرة خلال العقد الماضي، وخاصة خلال رئاسة ترامب. لقد تضاءلت مكانة أمريكا الدولية ومصداقيتها إلى حد كبير بسبب تأثير الأزمة المالية على نفوذها الاقتصادي العالمي، والتأثير المقابل لخلل السياسة الأمريكية على سمعتها العالمية؛ انسحاب ترامب من الدور المركزي الطويل الأمد لواشنطن في التعددية، وجفاءه وابتعاده المتراكم عن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في الخارج.

وقد عززت الاتجاهات الداخلية للولايات المتحدة التحولات التاريخية في ميزان القوى العالمي منذ نهاية الحرب الباردة التي تركت الولايات المتحدة في حالة تدهور نسبي. فلم يعد هذا عام 1945، عندما خرجت واشنطن من الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى وحيدة، أو حتى عام 1991، عندما تمتعت بلحظة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. منذ ذلك الحين، أدى صعود الصين، وعودة طموحات القوة العظمى لروسيا، وديناميكيات القوة المتغيرة عبر العالم النامي، والتحول الشامل في القوة الاقتصادية بين نصفي الكرة الغربي والشرقي، إلى الدخول في حقبة تاريخية جديدة تحتاج الولايات المتحدة إلى إدراكها والتكيف معها.

ويرى الكاتب أن هذا لا يعني أن أمريكا فقدت بشكل غير قابل للاسترداد جاذبيتها الدولية ودورها القيادي. لا تزال الولايات المتحدة أقوى دولة على وجه الأرض بمعظم المقاييس، فهي تحتفظ بقدرات وإمكانيات هائلة، والعديد من الدول الأخرى متعطشة لإحياء هذا الدور القيادي للولايات المتحدة. إلا أن الأمريكيين قد يحتاجون إلى التطلع إلى وضع أقل مما اعتادوا عليه في الأجيال القليلة الماضية.

فقد قللت التحولات في التوازن العالمي للقوة الاقتصادية والتأثير السياسي الناجم عنها – خاصة فيما يتعلق بالصين- من فرص أن تتمكن الولايات المتحدة بالكامل من استعادة التفوق العالمي الذي تمتعت به خلال النصف الأخير من القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تؤدي التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تواجه الولايات المتحدة إلى تقليص الموارد والاهتمام الذي يمكن أن تكرسه لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

سيكون الأمريكيون بحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام أكثر مما فعلوا في عقود عديدة لكي تتطابق أهدافهم الدولية مع أساليبهم ووسائلهم. قد يحتاجون إلى إعادة تقييم المصالح الاستراتيجية وأهداف السياسة الخارجية التي تعتبر حيوية حقا، وتلك التي تعد تفضيلات يمكن إعادة ضبطها أو التي يمكننا التنازل عنها. وهناك عنصر مهم في هذه المعادلة وهو صياغة تقييمات دقيقة لطبيعة ونطاق التحديات الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة- وخاصة عدم المبالغة فيها، كما كان الحال مع الصين.

واختتم الكاتب بول هير تقريره، بالقول: “مرة أخرى، يجب أن تكون أولوياتنا القصوى في الداخل. قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من إعادة بناء قوتها وتأثيرها الدوليين بشكل موثوق، يجب عليها أن تعالج نفسها من خلال السيطرة على فيروس كورونا، وإحياء الرخاء الاقتصادي وتجاوز السياسات المنقسمة المريرة أثناء رئاسة ترامب. لن تتمكن أمريكا من التنافس على الصعيد العالمي- خاصة ضد سعي الصين للحصول على الشرعية الدولية لنموذجها في الحكم والتنمية- إذا لم نتمكن من جعل نسختنا من الديمقراطية والرأسمالية ناجحة وجذابة مرة أخرى”.

(د ب أ)

القدس العربي

—————————–

متراوحاً بين ترامب وأوباما.. كيف يبدو الشرق الأوسط بقيادة بايدن؟

مع دخوله إلى البيت الأبيض سيكون بانتظار الرئيس بايدن كومة من المسائل الخارجية “المشتعلة”. ومثلما جسد في مقاله: “يجب أن تعود الولايات المتحدة إلى القيادة”، فإن بايدن يولي أهمية كبيرة للسياسة الخارجية، وقد أعلن عن تعيينات في وزارته في مجال الأمن القومي قبل أي مجال آخر، بما في ذلك الاقتصاد والصحة، كي ينقل هذه الرسالة.

ما خطط بايدن للشرق الأوسط؟ بأي دروس يتوجه إلى الموضوع؟ ماذا سيكون مكان منطقتنا في سلم أولوياته؟ ما هي التوترات والاضطرارات بين أهداف الولايات المتحدة ومصالحها وقيمها بالنسبة للشرق الأوسط، والتي ستضطر إدارة بايدن إلى المناورة فيها. وما المعاني التي تستخلصها إسرائيل؟

دروس الماضي

في مناصبه في الكونغرس والإدارة في العقود الثلاثة الأخيرة، تعرف بايدن عن كثب على إخفاقات الولايات المتحدة في إحداث تحولات إيجابية في الشرق الأوسط.

إن انهيار المفاوضات على التسوية الدائمة التي حاول الرئيس كلينتون العمل عليها أدى إلى انتفاضة مسلحة في “المناطق”، وكل جهود تحريك المسيرة السياسية فشلت وعمقت أزمة الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين.

سعى المحافظون الجدد في إدارة بوش لأحداث مسيرة تحول ديمقراطي في الشرق الأوسط. واصل الرئيس أوباما ذلك على خلفية أحداث الربيع العربي، وسعى لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران. وبعد إسقاط نظام صدام حسين انطلقت إيران كقوة إقليمية صاعدة؛ وأدت أحداث الربيع العربي إلى انعدام الاستقرار والهزات والحروب الأهلية، وانتشار عظيم لـ”داعش”، وعودة الحكام المطلقين إلى الحكم في غالبية دول المنطقة.

ماذا يقول بادين ورجاله عن مخططاتهم في الشرق الأوسط؟

على أساس برنامج الحزب الديمقراطي وتصريحات كبار المسؤولين الذين عينهم بايدن في حكومته، وأقواله ومقالاته نفسه، نرسم الخطوط الهيكلية التالية بالنسبة للشرق الأوسط.

ستنشأ سياسة الولايات المتحدة في المنطقة من مبادئ السياسة الخارجية الأوسع: إعادة بناء النظام الدولي الليبرالي – الديمقراطي، الذي بنته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية؛ وتعزيز الديمقراطية في أرجاء العالم “من هونغ حتى السودان، ومن تشيلي حتى لبنان”؛ والانتصار في المنافسة الدولية حيال الصين وروسيا.

رغم تعلقها المتقلص بالنفط في الشرق الأوسط، لا تزال للولايات المتحدة مصالح متواصلة في المنطقة، مثل: أمن إسرائيل، والتدفق الحر للطاقة، ومنع التحول النووي لإيران، والحرب ضد الإرهاب. كما تسعى الولايات المتحدة إلى مزيد من التوازن بين مستوى التزامها بالاستقرار والحرية والأمن في المنطقة وبين الغرق في المواجهات (التي لا يمكن الانتصار فيها) والتي تقضم من القوة الأمريكية.

إيران في سلم الأولويات، وتسعى الإدارة لاستئناف الدبلوماسية، وعدم التصعيد، وإلى حوار إقليمي مع طهران. إذا عادت إيران إلى الالتزام التام بالاتفاق النووي، ستنضم إليه الولايات المتحدة مجدداً، وسترفع العقوبات ضمناً. وبعد ذلك، ستدير الإدارة مع إيران مفاوضات على “تعزيز وتمديد المفعول” لبنود الاتفاق، وستواصل ممارسة عقوبات محددة ضدها على خرق حقوق الإنسان، ودعم الإرهاب وتطوير الصواريخ.

حيال دول الخليج سينفذ “إعادة بدء” و”إعادة فحص” للعلاقات. من جهة، ستواصل الولايات المتحدة ضمان أمنها في وجه التهديدات الإقليمية، ومن جهة أخرى لن تعطي “شيكاً مفتوحاً” لقمع حقوق الإنسان، ولخصومات داخلية وحروب “كارثية” عبر وسطاء (وعلى رأسها الحرب في اليمن).

ستعمل الولايات المتحدة على إحياء الديمقراطية في أرجاء المنطقة، بما في ذلك في مصر وتركيا، وستحرك جهداً دبلوماسياً لحل سياسي للأزمة السورية، والتقدم في إصلاح سياسي واقتصادي في لبنان.

ستعمل الإدارة على تقليص حجم القوات الأمريكية، وتنفيذ تغييرات في انتشارها تقلل المقدرات المستثمرة في المال وحياة الإنسان إلى مستوى مقبول، في صالح الدفاع عن العراق، وإيقاع الهزيمة بداعش، ومساعدة الأكراد.

وجود إسرائيل قوية في حدود آمنة هو مصلحة أمريكية، وإلى جانبها دولة فلسطينية قابلة للعيش. ستعارض الإدارة خطوات من طرف واحد مثل ضم وتوسيع المستوطنات، والتحريض والإرهاب. وستستأنف العلاقات الدبلوماسية (مكاتب م.ت.ف في واشنطن، قنصلية في شرقي القدس) والمساعدة الاقتصادية للسلطة ولغزة.

في عقدة التوترات

بين المثالية والواقعية – من جهة يصل بايدن إلى منصبه مع التزام معلن بأجندة وسلم قيم ليبرالي من الحرية والمساواة المدنية وبين الجنسين وحقوق الإنسان، من مدرسة التيار التقدمي المتعزز في الحزب الديمقراطي. من جهة أخرى، سبق لبايدن أن جرب “نتائج غير مخطط لها” لخطوات التحولات في الشرق الأوسط، التي تحفّظ على بعضها عندما كان نائب الرئيس. وإن من شأن أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تثير احتكاكاً حقيقياً بين الإدارة وحلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة وعلى رأسهم السعودية ومصر. وتشير تعيينات بايدن في مجال الأمن القومي (بلينكن، ساليبن) إلى أن الرئيس كفيل بأن يفضل الخط الواقعي في السياسة الخارجية الأمريكية.

بين جدول أعمال عالمي ومحلي – مثل إدارتي ترامب وأوباما قبله، المنافسة مع القوى العظمى الأخرى الصين وروسيا، والتي هي جزء من أجندة حفظ النظام العالمي الليبرالي، ستكون العنصر السائد في سياسة الخارجية الأمريكية. ولا يزال الشرق الأوسط هو إحدى المناطق التي تدور فيها هذه المنافسة. وقد تضطر إدارة بايدن إلى الاستثمار فيها وتبقي فيها وجوداً عسكرياً بل وتكون مستعدة لاستخدامها عند الحاجة كجزء من الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى. وذلك على نحو خاص في ضوء تجربة السنوات الماضية التي تدخل فيها روسيا إلى “الفراغ” في كل مكان تقلص فيه الولايات المتحدة تدخلها (سوريا، ليبيا، البحر المتوسط).

بين التقليص والتدخل والانجذاب – الشرق الأوسط في سلم أولويات ثانوي من ناحية إدارة بايدن بعد معالجة ملحة لـ “الأمراض” الاجتماعية – الاقتصادية الداخلية، والمنافسة مع القوى العظمى وترميم مكانة الولايات المتحدة في الساحة العالمية. وفي العقود الأخيرة، وبالذات عندما سعت الولايات المتحدة لتقليص وجودها في الشرق الأوسط، عادت لتجتذب إليه على خلفية أحداث 11 أيلول، والربيع العربي، وانتشار “داعش”.

في نظرة إلى الأمام يلوح التحول النووي الإيراني و”رفع رأس” محافل الإرهاب في الدول التي تقلص فيها الوجود الأمريكي، وعلى رأسها أفغانستان.

بين الدبلوماسية واستخدام الأدوات العسكرية – يعلن بايدن بأن الدبلوماسية ستكون الأداة المركزية في السياسة الخارجية الأمريكية. وقد يفهم بأن امتناع ترامب وأوباما عن استخدام القوة كلف الولايات المتحدة المس بمصداقيتها وقوتها. الشرق الأوسط يختبر سلوك بايدن لتشخيص الضعف، وقد يكتشف بأن الدبلوماسية وحدها، دون تهديد عسكري، لن تكفي لتحقيق الأهداف الأمريكية.

عقدة التوترات بين المصالح والقيم والأهداف في سياسة الإدارة الخارجية تنعكس في مسائل إقليمية ملموسة على جدول الأعمال.

إيران، وبايدن، إلى جانب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، هم من مهندسي الاتفاق النووي، ويؤمنون به ويسعون إلى العودة إليه. خطوة معناها رفع العقوبات. وفقدان رافعة العقوبات سيصعب على الإدارة تحقيق التزامها في تعديل مواضع خلل الاتفاق النووي. وهذا السلوك سيرفع إدارة بايدن إلى مسار احتكاك وتوتر مع حلفائها – الدول العربية وإسرائيل. وهذه سترى في العودة إلى الاتفاق مع رفع العقوبات والامتناع عن التهديد العسكري، خطوات تعزز مكانة إيران في المنطقة في ظل تجاهل سجل طهران في مجال الإرهاب وحقوق الإنسان.

اتفاق إبراهيم – يبدو أن استمرار ميل التطبيع يخدم مصالح الأطراف المشاركة، بما في ذلك السعودية الساعية لتقليص التوترات والاحتكاك مع الإدارة الوافدة. وستواصل إدارة بايدن الميل، ومعقول أيضاً ألا تسارع إلى الاستثمار في استئناف المسيرة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، التي تتدنى احتمالات نجاحها في هذه الظروف. وسيسعى بايدن إلى استعادة مكانة الولايات المتحدة كوسيط نزيه وإعادة حل الدولتين إلى الخطاب، وهو يتعرض لضغوطات في الموضوع الفلسطيني من الجناح اليساري في الحزب. وبالتالي، سيخلق صلات بين المراحل التالية للتطبيع وبين الالتزام العربي في السياق الفلسطيني، مثل اشتراط العلاقات بالامتناع عن خطوات من طرف واحد (المستوطنات؟).

بيع السلاح – وضعت مسيرة التطبيع مستوى عالياً من تورد السلاح الأمريكي المتطور للدول العربية. وستطلب السعودية وقطر ومصر ودول أخرى ما حصلت عليه الإمارات. وسيدخل بيع السلاح المليارات إلى الصندوق الأمريكي ويخلق آلاف أماكن العمل في فترة الانتعاش من الأزمة الاقتصادية. وبالمقابل، تعهدت إدارة بايدن بوضع حد للتدخل الأمريكي في حرب اليمن، تتماثل مع انتقاد الديمقراطيين للمس الواسع بالأبرياء وفي مواضيع حقوق الإنسان في دول الخليج، ملتزمة بالحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل. وفي ضوء الرفض الأمريكي لتزويد دول المنطقة بالسلاح المتقدم، قد تتوجه هذه إلى شرائه من روسيا مما يلزم بايدن قانونياً بفرض عقوبات عليها.

تركيا – وفقاً لتقديرات إدارة بايدن فإنها ستبدي خطاً حازماً أكثر تجاه أنقرة التي أصبحت لاعباً إشكالياً في الشرق الأوسط. وينتقد بايدن خطوات أردوغان المناهضة للديمقراطية وسياستها الإقليمية من حيث الخط الإسلامي المتطرف، وشراء منظومات S-400 من روسيا، واستعراض القوة في حوض البحر المتوسط، والمس بالأكراد في سوريا، وغيرها. وستسعى إدارته أيضاً إلى الامتناع عن الاحتكاك مع عضو في الناتو، وستحاول منع تقرب تركيا من روسيا التي وصفها بايدن نفسه كتهديد خطير.

إسرائيل وإدارة بايدن

ستضع إدارة بايدن استراتيجية وسياسة تجاه الشرق الأوسط، وسيضطر فيها إلى المناورة بين التوترات والمصالح المتضاربة والحذر من ألا تلتصق به صورة أوباما المتصالحة مع الأعداء والمغتربة عن الحلفاء. وسيختار بايدن خطاً وسطاً، فلن يتجاهل السلوك الإشكالي “للدكتاتوريين” كما فعل ترامب، ولكن سيضع أمامهم مطالب أقل من تلك التي وضعها أوباما.

قد تتخذ إدارة بايدن نهجاً واقعياً ولن يكون موضوع التحول الديمقراطي في المنطقة الوتد المركزي في سياسته. وستتأثر هذه بنهجه تجاه إيران التي يلوح كنقطة أرخميدس تحدد عمق التدخل الأمريكي وتصمم علاقاتها مع حلفائها في المنطقة.

وسيكون لموقف إسرائيل في هذا السياق وزن وتأثير على القرارات التي تتخذ والاتجاهات التي يتم اختيارها.

وفي هذا السياق، فإن خطوات أحادية الجانب من إسرائيل سيعتبرها بايدن تقييداً له، مما سيؤثر على قدرة إسرائيل في التأثير على عملية تصميم سياسته في الشرق الأوسط.

بقلم: أودي أفينتال

معهد السياسة والاستراتيجية IPS 4/1/2021

القدس العربي

—————————

الغارديان: ترامب يريد تقويض النظام الذي هزمه ويجب وقفه عند حده/ إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “الغارديان” افتتاحية علقت فيها على محاولات الرئيس دونالد ترامب تغيير النتائج الانتخابية والتحايل على الديمقراطية. وقالت إن الرئيس يحاول تقويض النظام الذي هزمه، و”في هذا الأسبوع سيقوم دونالد ترامب بدعم الزعم القائل إن الديمقراطي جوزيف بايدن لم يربح الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر. ويقتضي تسليم السلطة السلمي في الديمقراطية من المرشحين وأتباعهم الاعتراف بالهزيمة. ولكن الرئيس ترامب صنع جدلا للبقاء في السلطة وقلب نتائج انتخابات شرعية”.

وقالت إن المحاكم الأمريكية رمت مرارا وتكرارا حالات قدمها ترامب بدون أدلة، ولكن لم يمنع هذا المتواطئين مع الرئيس في الكونغرس. وقدم لهم نائب الرئيس مايك بنس دعما في محاولتهم يوم الأربعاء لتحدي انتصار بايدن وفرض نقاش بشأن التصويت في الكونغرس.

ويشير بعض الباحثين والمؤرخين إلى سابقة تاريخية تقدم فرصة ضئيلة ولكنها متلاشية باستمرار الكابوس. ولن يفوت ترامب أي فرصة لمناقشة وتحدي نتائج الانتخابات. ويجب إفشاله من أجل أمريكا ومصلحتها، ولأن البديل هو انهيار الأعراف السياسية واندلاع النزاع الأهلي. ويطالب ترامب الديماغوجي أتباعه بعدم احترام نتائج الانتخابات ورفض رئاسة جوزيف بايدن. وهناك مخاوف مشروعة من اندلاع الاحتجاجات، خاصة في ظل وجود مسلحين بين المشاركين. وربما استدعى ترامب الحرس الوطني أو أرسل العملاء الفدراليين للتعامل مع الوضع. وهذه فوضى يأمل من خلالها ترامب الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.

ويرفض ترامب الخسارة ولا يتحمل فكرة أنه هزم في انتخابات نزيهة. وعليه التخلي عن مزاعمه لكنه لا يرى سببا يقوده للاستسلام. ففي النهاية لم يعاقب على انتهاكاته للتقاليد والأدب والقانون بل وحصل بدلا من هذا على المكافأة. ويشعر أنه يستطيع الإفلات من العقاب ومن أي شيء. وما على الحزب الجمهوري إلا لوم نفسه واحتضانه الترامبية، وهي أيديولوجية طفيلية تهدد بالسيطرة على الضيف.

وتخلى ترامب عن حجة القوة واستبدلها بقوة الجدل في الانتخابات الأمريكية. وبمساعدة من منصات التواصل الاجتماعي قام الرئيس بتقسيم الناخب الأمريكي وبنى “جمهورية مضادة” على الإنترنت والتي أصبح فيها الغضب والخوف المحركيَن للمشاعر.

وفي هذا العالم أصبحت الولايات المتحدة تحت تأثير الليبرالية والاشتراكية. ويسوق ترامب معركته الخيالية على أنها ضرورة حتى لو تحايلت على الديمقراطية نفسها. وهو ما ساعده على تأطير رفض النتائج الانتخابية باعتبارها امتدادا لأساليب الجمهوريين المضادة للديمقراطية. وهذا هو بمثابة غش وقمع للأصوات من أجل ضبط وتحييد المعارضين السياسيين.

وقالت الصحيفة إن على الساسة في الولايات المتحدة التخلي عن فتنازيا ولاية ثانية لترامب. فالتشكيك بنتائج الانتخابات بدون أي دليل عن حدوث خطأ هو تهديد لفكرة الليبرالية الديمقراطية. وستجعل أمريكا أسيرة للأكاذيب في وقت تواجه فيه مشاكل واضحة. ولا أحد خارج فلك ترامب يعتقد أن واشنطن بحاجة إلى حفل تنصيب منافس في 20 كانون الثاني/يناير. وترامب لا يتبنى الفوضى للتعبير عن رفضه فقط، بل يحاول أيضا تقويض النظام الذي هزمه.

————————

واشنطن بوست: كادر ضخم من المتآمرين يساعدون ترامب في هجومه على الديمقراطية

إبراهيم درويش

لندن – “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للصحافية روث ماركوس قالت فيه إن دونالد ترامب بدأ رئاسته بمحاولة عرقلة العدالة وينهيها بمحاولة عرقلة الديمقراطية، مستعينا بكادر كبير لدرجة تثير القلق من المتآمرين.

وأشارت إلى أنه يتم تنفيذ بعض محاولات العرقلة هذه، كما يحدث غالبا مع ترامب، على مرأى من الجميع. فسلوك ترامب المناهض للديمقراطية صارخ ومتكرر لدرجة أننا اعتدنا على مدى كونه غير طبيعي وغير مقبول. وهكذا ادعى التزوير الجماعي دون دليل، وأطلق العنان لوابل من الدعاوى القضائية التي تفتقر إلى الحقائق والقانون لدعمه، وأثار مؤيديه للاشتراك في الوهم الجماعي بأن الانتخابات سُرقت منه.

وتضيف أن الأمور أسوأ وراء الكواليس، حيث يدفع مستشارو ترامب الأكثر جنونا الرئيس إلى السعي وراء احتمالات لا يمكن تصورها مثل إعلان الأحكام العرفية أو التذرع بقانون التمرد لإطلاق العنان للجيش لقمع العنف الذي سعى هو نفسه لإثارته.

ومن هنا فشعور وزراء الدفاع الـ 10 الأحياء بأنهم مضطرون للاجتماع معا في مقال رأي يدين أي استخدام للجيش في محاولة لمنع الانتقال السلمي للسلطة يبرز الخطر الحالي. وهؤلاء ليسوا مجرد معينين من الديمقراطيين – إنهم محافظون مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، والوزيرين اللذين عزلهما ترامب لعدم امتثالهما بشكل كاف، وهما جيمس ماتيس ومارك إسبر.

والآن، بفضل آمي غاردنر من صحيفة “واشنطن بوست” لدينا لمحة تقشعر لها الأبدان عن أسلوب لي الأذرع الذي انتهجه ترامب أثناء جنونه للتشبث بالسلطة. فقد حصلت غاردنر على تسجيل لمكالمة هاتفية أجراها ترامب يوم السبت مع سكرتير ولاية جورجيا براد رافنسبيرجر، وهو جمهوري، يحث رافنسبيرجر ويهدده في النهاية لإعادة النظر في استنتاجه المتكرر بأن جو بايدن فاز بالولاية.

قال ترامب لرافنسبيرجر: “لقد فزنا في الانتخابات، وليس من العدل أن تسلب منا بهذا الشكل.. وأعتقد أنه عليك أن تقول إنك ستعيد التدقيق، ويمكنك إعادة التدقيق، ولكن أعد التدقيق مع الأشخاص الذين يرغبون في العثور على إجابات، وليس الأشخاص الذين لا يريدون العثور على إجابات”. يعني إجابات ترضي ترامب.

وتقول الكاتبة إن ولاية جورجيا قامت بفرز أصواتها 3 مرات، مرة منها يدويا، لكن ترامب قال لرافنسبيرجر: “لا حرج في القول، كما تعلمون، أنك قد أعدت الحساب”. وحذر من أن رافنسبيرجر وكبير محاميه يواجهان “مخاطرة كبيرة” بالمسؤولية الجنائية من خلال عدم العثور على تزوير الانتخابات.

وأضافت أن ترامب هو نفسه الرجل الذي قاد لتحقيق المحقق الخاص وحث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) على “التعامل بلطف” مع مستشاره للأمن القومي السابق. كما أنه هو الرجل الذي أثار إجراءات توجيه الكونغرس تهما له من خلال الطلب من زعيم أجنبي لمساعدته في تشويه سمعة بايدن – هذا الرجل لن يتعلم أبدا.

وتقول: “حقا، ما الذي يجعله يفعل؟ لا توجد عواقب حقيقية”.

وهو ما يقودنا إلى المتآمرين المشاركين مع ترامب.

نائب الرئيس بنس، الملتزم دستوريا برئاسة الجلسة المشتركة للكونغرس للتصديق على فوز بايدن بالهيئة الانتخابية. وأصدر مارك شورت، كبير موظفي بنس، بيانا مساء السبت قال فيه إن بنس “يرحب” بجهود الكونغرس “لرفع الاعتراضات وتقديم الأدلة” في الجلسة. لكن من المفترض أن ينظر الكونغرس في شرعية الناخبين، وليس التحقيق في قضايا الاحتيال، والتي لم يتم تقديمها على أي حال.

والعشرات أو أكثر من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الحاليين والقادمين، الذين يحولون ما ينبغي أن يكون حدثا شكليا إلى سيرك دستوري. ويمكن للسيناتور جوش هاولي من ميسوري عند دفاعه عن تحركه للاعتراض على المصادقة أن يستحضر استخدام ولاية بنسلفانيا بطاقات الاقتراع عبر البريد بينما يتطلب دستور الولاية “الإدلاء بجميع الأصوات شخصيا، مع استثناءات قليلة”. أقر المجلس التشريعي للولاية قانونا يسمح بالتصويت عبر البريد بدون عذر. ورفضت المحكمة العليا في بنسلفانيا، دون الخوض في الوقائع، الطعن في القانون.

وقال هاولي وهو الرجل الذي يسمي نفسه “محاميا دستوريا” ومحافظا: “هذه مخالفات خطيرة للغاية، على نطاق واسع للغاية، في الانتخابات الرئاسية” وفي نظامنا الفيدرالي، يعود ما يحدث في ولاية بنسلفانيا إلى ولاية بنسلفانيا. ولكن الهيئة التشريعية تصرفت ورفضت المحكمة الطعن وأكدت الولاية فوز بايدن. لم يقدم هاولي أي دليل على التزوير. ما الذي يجادل به الآن، هل يجب إبطال أصوات أكثر من 2.5 مليون من سكان بنسلفانيا؟”.

وهناك السيناتور تيد كروز من تكساس، الذي يقوم مع 10 من زملائه، لتشكيل لجنة تجري تدقيقا طارئا خلال عشرة أيام في نتائج الانتخابات، مرة أخرى، دون أي دليل يبرر مثل هذه الخطوة في اللحظة الأخيرة.

بدلا من ذلك، يستخدم كروز، مثل هاولي، مخاوف الناخبين ذاتها التي رعاها ترامب بعناية وأثارها حلفاؤه لتبرير الحاجة إلى تدخل استثنائي. وفي حديثه إلى ماريا بارتيرومو من قناة فوكس نيوز، أشار كروز إلى “مزاعم غير مسبوقة بتزوير الأصوات” – وهي مزاعم صادرة عن ترامب وحلفائه – قال إنها “أنتجت شكوكا عميقة جدا في عمليتنا الديمقراطية في جميع أنحاء البلاد”. و”هذا هو المخرب الذي يستدعي إدارة الإطفاء لإخماد الحريق الذي أشعله”.

وقال كروز محاضرا: “أعتقد أننا في الكونغرس لدينا التزام للقيام بشيء حيال ذلك.. لدينا التزام بحماية سلامة النظام الديمقراطي”.

وتختم الكاتبة مقالتها برجاء إلى كروز: “أرجوك، لم يقم أي شخص خلال الأشهر الماضية بتقويض سلامة النظام الديمقراطي أكثر من ترامب وداعميه. وإذا كان كروز قلقا بالفعل بشأن نزاهة النظام الديمقراطي، فيمكنه أن يبدأ بالرئيس”.

———————-

أمريكا تحبس أنفاسها على وقع انتخابات ولاية جورجيا

أتلانتا: بعد حملة استثنائية شارك فيها حتى دونالد ترامب وجو بايدن، يتوجّه سكان جورجيا إلى صناديق الاقتراع الثلاثاء لاختيار عضوي الولاية في مجلس الشيوخ، في انتخابات فرعية سيكون لها تأثير حاسم على ولاية الرئيس الديموقراطي الجديد.

وسيتمكن الناخبون من التصويت بدءا من الساعة 07,00 بالتوقيت المحلي (12,00 ت غ) في هذه الولاية الواقعة في الجنوب الأمريكي. ومن المتوقع أن تكون النتائج متقاربة وقد لا تعرف بشكل نهائي قبل أيام.

تم إنفاق حوالي 500 مليون دولار في هذه الحملة الانتخابية، كما أن الرئيس المنتخب والرئيس المنتهية ولايته، توجها إلى الولاية لدعم مرشحي حزبيهما.

إذا تمكن المرشحان الديموقراطيان جون أوسوف ورافاييل وارنوك من هزم السناتورين الجمهوريين ديفيد بيردو وكيلي لوفلير، فسيكون مجلس الشيوخ الجديد تحت سيطرة الديموقراطيين.

وبالتالي، عند وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير، سيتمكن من الاعتماد على كونغرس ديموقراطي بالكامل لإنجاز برنامجه.

وأعلن بايدن الاثنين خلال تجمع انتخابي في أتلانتا: “هذه الولاية لوحدها يمكنها أن تغير المسار، ليس فقط للسنوات الأربع المقبلة بل للجيل القادم”.

ويثير هذا الاحتمال مخاوف كبرى لدى الجمهوريين الذين لوّحوا بقيام حكومة “راديكالية” و”اشتراكية” حتى الساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية التي اختتمت بإقامة مهرجان انتخابي حاشد لدونالد ترامب.

وقال الرئيس الجمهوري الذي ما زال يرفض الاعتراف بهزيمته بعد أكثر من شهرين على الانتخابات، مخاطبا مؤيديه، إن هذه الانتخابات الفرعية قد تكون “فرصتكم الأخيرة لإنقاذ أمريكا كما نحبها”.

ورغم الضغوط التي يمارسها ترامب وسخطه المستمر، يؤكد المسؤولون الجمهوريون في جورجيا أن فوز جو بايدن مثبت.

لكن في دالتون، المعقل الريفي والمحافظ في شمال غرب جورجيا، قال أنصار ترامب الذين قدموا لرؤيته مساء الاثنين إنهم مقتنعون بأنه فاز بالرئاسة ونددوا بعمليات تزوير واسعة النطاق لم يتم التحقق منها.

غير أن هذه المزاعم لن تمنعهم من التصويت الثلاثاء للسناتورين الجمهوريين، معتبرين أن التحديات جدية للغاية.

وقالت كيمبرلي هوري وهي محاسبة تبلغ من العمر 50 عاما جاءت من أتلانتا لرؤية دونالد ترامب: “جئت لأنني أؤمن بالحرية ولا أؤمن بالاشتراكية”.

ويخوض عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريان الانتخابات من موقع الأوفر حظا نظريا في هذه الولاية المحافظة.

ولو أنه لم يفز بالجولة الأولى، فقد حقق ديفيد بيردو نسبة أصوات قريبة من 50 في المئة ضد جون أوسوف. أما كيلي لوفلير فيمكن أن تستفيد من تجيير كبير للأصوات من منافس جمهوري قسم الدعم في الجولة الأولى ضد رافاييل وارنوك الذي حل أولا.

نتائج متقاربة

لكن الديموقراطيين يأملون في فوز مدفوع بانتصار جو بايدن في هذه الولاية في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، في سابقة منذ عام 1992.

وهم يأملون خصوصا بحشد كبير للناخبين السود، وهو أمر أساسي لفوز المرشحين الديموقراطيين. ويمكن أيضا أن يمتنع الجمهوريون المعتدلون أو الناخبون المستقلون عن التصويت بسبب كل هذه الاتهامات بالتزوير.

صوّت أكثر من ثلاثة ملايين ناخب من أصل ما يقرب سبعة ملايين ناخب مسجل مبكرا، وهو رقم قياسي لانتخابات فرعية لعضوية مجلس الشيوخ في جورجيا. وإذا كانت عمليات التصويت هذه تشير إلى تعبئة أكبر للديموقراطيين، فينبغي للجمهوريين التصويت بكثرة يوم الثلاثاء.

ومن الصعب بالتالي التكهن بنتيجة هذا السباق، ولا سيما في ظل استطلاعات نادرة تظهر أن النتائج متقاربة.

وعقب هذه الانتخابات الفرعية، سيجتمع الكونغرس لتسجيل تصويت الناخبين رسميا لصالح جو بايدن (306 مقابل 232 من أصوات كبار الناخبين).

وإن كانت نتيجة هذا الإجراء الدستوري الذي عادة ما يكون مسألة شكلية بسيطة، ليست موضع شك، إلا حملة دونالد ترامب سعيا لإبطال نتائج الانتخابات تضفي على هذا اليوم طابعا خاصا.

ورغم اعتراف بعض الشخصيات الجمهورية البارزة ومن بينها زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أخيرا بفوز جو بايدن، فما زال بإمكان ترامب الاعتماد على الدعم الراسخ لعشرات البرلمانيين.

في مجلس النواب كما في مجلس الشيوخ، وعد هؤلاء بالتعبير عن اعتراضاتهم الأربعاء، وإعادة طرح مزاعم التزوير داخل مبنى الكابيتول.

ووجه ترامب تحذيرا مبطنا إلى نائبه مايك بنس الذي يقع على عاتقه إعلان جو بايدن فائزا في الرئاسة الأمريكية.

وقال: “آمل ألا يخيب نائب رئيسنا العظيم آمالنا”. مضيفا: “إذا خيب آمالنا، فسأحبه بقدر أقل”.

في الشارع، يتم التخطيط لتظاهرة كبيرة لدعم ترامب في واشنطن.

(أ ف ب)

—————————–

====================

تحديث 06 كانون الثاني 2021

————————

هل تصبح تركيا حائط الدفاع عن الناتو ضد توسع الصين وروسيا أم تتقارب معهما؟ الإجابة عند بايدن

العلاقات بين تركيا وأمريكا واحدة من القضايا التي سيكون موقف الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن منها فارقاً، وقد تؤدي استجابته لتحديد شكل العلاقة بين البلدين لسنوات قادمة.

فرغم أن إدارة ترامب قوَّضت بشدة معالم التعاون الثنائي القائم منذ زمن بين أنقرة وواشنطن، من خلال فرض عقوبات على تركيا قبيل رحيله، من بين إجراءات أخرى، بيد أنَّ التعاون مع تركيا لا يزال يمثل أهمية كبيرة، وقد يكون ركيزة للاستقرار، ويدعم المصالح الأمريكية في المنطقة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

العلاقات بين تركيا وأمريكا تحوي مصالح مشتركة أكثر مما يبدو

وعلى الرغم من أنَّ تركيا اتبعت سياسة أكثر حزماً في السنوات الأخيرة تحت قيادة أردوغان، فالواقع أن نطاق مشاركتها كان محدوداً ويهدف بدرجة كبيرة إلى تحسين موقف تركيا ونفوذها في النزاعات والخلافات القائمة، بدلاً من خلق نزاعات جديدة، أو حل القضايا العالقة.

والحقيقة أنَّ تركيا وأمريكا لهما مصالح مشتركة في المنطقة، ويمكن أن تكون أنقرة تحديداً شريكاً قيّماً لبايدن نتيجة لسبيين:

أولاً، بينما تتطلع الإدارة القادمة إلى استعادة الاتفاق النووي مع إيران، ستحتاج الولايات المتحدة إلى كل الدعم الذي يمكنها حشده.

وفي ضوء المعارضة المحتملة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، فإنَّ تحسين العلاقة بين تركيا وأمريكا مما يؤدي إلى حشد دعم أنقرة للتفاهم الأمريكي الإيراني المحتمل تركيا سيكون أمراً بالغ الأهمية.

وبصفتها جارة لإيران، تسعى تركيا إلى الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع طهران وتعزيزها، وهو حافز قوي في حد ذاته لتركيا لدعم مثل هذه الصفقة.

ثانياً، تتطلب أية منافسة أمريكية محتملة مع الصين أو روسيا إبعاد تركيا عن علاقاتها المتنامية مع كلا البلدين.

العلاقة التركية مع روسيا مازالت معقدة.. فكيف ستستفيد منها أمريكا؟

تمثل صفقة الصواريح الروسية أس 400 ذروة الأزمة في العلاقات بين تركيا وأمريكا، والتي وصلت إلى فرض عقوبات على رئاسة مشتريات الدفاع التركية.

وتتجاهل الانتقادات الغربية لصفقة شراء تركيا لصواريخ إس 400 الروسية حقيقة أن الغرب عزف لسنوات عن تزويد أنقرة بنظام دفاع جوي ملائم بل سحبت دول الناتو صواريخ باتريوت الخاصة بها من الأراضي التركية خلال التوترات بين تركيا وروسيا بسبب اختراق طائرات الأخيرة للمجال الجوي التركي، وهي التوترات التي وصلت أوجها بإسقاط تركيا لطائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وقد اعترف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بنفسه بأن سلفه الرئيس باراك أوباما هو السبب في الأزمة بين تركيا وأمريكا بسبب رفضه تزويد أنقرة بصواريخ باتريوت.

العلاقات بين تركيا وأمريكا

وعلى الرغم من الخطاب القوي المناهض للولايات المتحدة والغرب الذي استخدمه أردوغان باستمرار، لا يزال أمام علاقات تركيا مع روسيا والصين الكثير لتصل إلى مستوى علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، والأهم من ذلك أنها تفتقر إلى المكونات الاستراتيجية العميقة.

على سبيل المثال، تعد تفاعلات تركيا المتزايدة مع روسيا بشأن سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ جزءاً من سلسلة من التعاملات المتبادلة؛ مما يعكس عدم الثقة طويل الأمد بين روسيا وتركيا.

إلى جانب ذلك، قد يخدم بحث تركيا عن استقلال أكبر في السياسة الخارجية المصالح الأمريكية في الحد من النفوذ الإقليمي الروسي.

تركيا مع الصين.. علاقة تعترضها أزمة الإيغور

وبالمثل، فشلت إيماءات تركيا تجاه الصين، إلى حد كبير في جذب مقابل في صورة استثمارات مالية كبيرة جديدة من بكين، التي يحتاجها اقتصاد تركيا بشدة.

وتركيا هي الدولة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة التي أدانت حتى الآن علناً معاملة الإيغور في الصين، واعتبرت وزارة الخارجية التركية بداية 2019 أنها تمثل “عاراً على الإنسانية”. لكن أنقرة خففت نقدها للصين لاحقاً.

هذه العلاقة المركبة بين تركيا من جهة والصين وروسيا من جهة، تتوقف على موقف الغرب من تركيا بالأساس.

يمكن أن تعزز أنقرة علاقتها مع موسكو وبكين، إذا واصل الغرب مواقفه السلبية تجاهها.

ولكن في المقابل، تركيا في وضع جيد يسمح لها بردع توسع روسيا والصين في الشرق الأوسط

وإلى جانب مصالحهما الجيوسياسية المتبادلة، يمكن لعلاقة ثنائية أوثق بين واشنطن وأنقرة تسهيل نوايا بايدن الصريحة لإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية في الخارج في تناقضٍ حاد مع ازدراء إدارة ترامب المنتهية ولايتها لمثل هذه الجهود.

وعلى الرغم من التغييرات التي حدثت في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، لا يزال النظام السياسي التركي يتسم بعناصر أساسية مثل المعارضة القوية، والالتزام بالسياسة الديمقراطية، والالتزام الخطابي بالتعددية.

وفي حين أنَّ الوضع الراهن ليس مثالياً، هناك مجال لواشنطن لحث تركيا في ما يتعلق بوضع الأقليات العرقية والدينية، وحرية الصحافة، وحقوق المرأة، حسبما يقول الموقع الأمريكي.

موقف أنقرة الحازم يمكن أن يكون أساساً لتحرك الناتو القادم

والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان يمكن إقناع أردوغان نفسه بالتحرك نحو التقارب مع الولايات المتحدة.

وهناك الكثير مما يمكن كسبه من ذلك. وكما هو مذكور أعلاه، يمكن أن يعمل الموقف الإقليمي الأكثر حزماً لتركيا، لا سيما داخل حلف الناتو، بوضوح لصالح واشنطن في مستهل عصر من “القوى العظمى المتنافسة” على حد وصف تقرير “الناتو 2030: متحدون لعصر جديد” الذي نُشِر مؤخراً.

لكن المكاسب الاقتصادية المحتملة من علاقة أمريكية-تركية مُحسَّنة قد تكون بنفس الأهمية على أقل تقدير، أو أكثر أهمية.

وقد أدت سنوات من السياسات الخارجية المستقلة التي اغضبت الغرب وعدم الاستقرار الإقليمي والشكوك حول التوجه الاستراتيجي لتركيا إلى مشكلات في اقتصادها المزدهر، وتحديات كبيرة في تأمين التمويل الخارجي المهم، على الرغم من جهود الحكومة للتغلب عليها من خلال جذب الاستثمارات الخليجية والصينية.

وعانت الليرة التركية من خسائر كبيرة في عام 2020، ولكنها اختتمت العام بتسجيل ارتفاع لافت، جعلها العملة الرئيسية الأكثر ارتفاعاً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بعد استبدال وزير اقتصاد ومحافظ البنك المركزي وقيامها بتخفيض سعر الفائدة.

المفارقة أن سياسات التيسير النقدي وخفض الفائدة التي انتقدها البعض أدت إلى تحقيق تركيا ثاني أعلى نمو اقتصادي في مجموعة العشرين بعد الصين، ولكن على حساب استقرار العملة والتضخم.

لكن الشكوك السياسية المحلية أسهمت أيضاً بدرجة مهمة في خلق المصاعب الاقتصادية لتركيا، وفي هذا المجال قد تكون إدارة بايدن، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، قادرة على إقناع أردوغان بالعودة إلى علاقة أوثق مع الغرب.

وبلا شك، يتمتع أردوغان أيضاً بنفوذ، خاصة في ضوء مبادرات تركيا الإقليمية الأخيرة.

وإذا تُرِكَت أنقرة خارج سياسة واشنطن في الشرق الأوسط بعد ترامب، فإن تركيا يمكن أن تمثل مشكلة للغرب.

فقد أظهر أردوغان مراراً وتكراراً قدرته على استخدام الخطاب المعادي لأمريكا وإسرائيل في تشكيل الرأي العام محلياً وإقليمياً. ببساطة، يمكن لإدارة بايدن تعزيز الدعم العام الإقليمي من خلال تأمين تأييد تركيا والتعاون المشترك بين الجانبين.

وقد تبدو العودة إلى الماضي غير مُجدِية ولا مرغوبة لكلا البلدين. لذا بدلاً من ذلك، يمكن للولايات المتحدة وتركيا اختيار التعاون لتحقيق المصالح المشتركة في اتفاق نووي جديد مع إيران والحد من النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.

وبالرغم من الاضطرابات الأخيرة في العلاقة، يمكن لإدارة بايدن تجنب مزيد من الخلاف مع تركيا نتيجة استبعادها من رؤيتها للشرق الأوسط الكبير، أو فرض عقوبات عليها في إطارها.

عربي بوست

—————————–

ترامب يصعّد ويزيد الأفخاخ أمام بايدن والحسم… غداً/ هشام ملحم

نقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس المنتخب جوزف بايدن معركتهما الانتخابية يوم أمس الاثنين الى ولاية جورجيا الجنوبية التي فاز بها بايدن، وهو فوز لا يزال ترامب يرفضه ويسعى الى تقويضه. الذهاب الى جورجيا هو محاولة أخيرة للتأثير في الانتخابات الفرعية لاختيار عضوين لمجلس الشيوخ عن الولاية المحورية التي ستقرر اليوم الثلثاء، ليس فقط أي حزب سوف يسيطر على مجلس الشيوخ على الأقل للسنتين المقبلتين، ولكن ايضاً ما اذا كان الرئيس المنتخب بايدن سيكون قادراً على تمرير مشاريعه وسياساته في المجلس. وإضافة الى ترامب وبايدن زار الولاية أيضاً نائب الرئيس مايك بينس، ونائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس. ووصلت تكلفة المعركة على المقعدين الى أكثر من 830 مليون دولار، وهو مبلغ مذهل.

انتخابات جورجيا الفرعية سوف تحدث عشية يوم غدٍ الأربعاء المرجح لأن يكون اليوم الأخير والأهم منذ انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين بدأ الرئيس ترامب هجومه المستمر على النظام الانتخابي الديموقراطي لتقويض فوز بايدن عبر التشكيك بنتائج الانتخابات واتّهام الديموقراطيين بممارسة الغش والتزوير. وسوف يجتمع مجلسا النواب والشيوخ في جلسة مشتركة يديرها نائب الرئيس لعد أصوات المجمع الانتخابي للمرة الأخيرة والتصديق عليها، في آخر خطوة في عملية انتخاب الرئيس الطويلة.

وفي مهرجان انتخابي مساء أمس الاثنين في شمال الولاية لم يتورّع ترامب عن الضغط علناً على نائبه بنس ليتلاعب بنتائج الانتخابات قائلاً: “علّيّ أن أقول لكم، أني آمل بأن يساعدنا نائب الرئيس العظيم…”، من دون أن يحدد بالضبط ما يتوقعه من بينس. وتابع في تهديد مبطن، “لأنه اذا لم يساعدنا، فإنني لن أبقى معجباً به”. وعاد ترامب الى الثناء على بينس “الرائع” و”الذكي” الذي “عليه أن يتعامل مع الموضوع بطريقة واضحة”. وبعكس ادّعاءات ترامب، دور نائب الرئيس هو إجرائي محض، وكل ما عليه أن يقوم به هو قراءة أرقام أعضاء المجمع الانتخابي عن كل ولاية، وتسجيل أي اعتراضات يمكن أن يتقدم بها أعضاء الكونغرس، والتي يقوم كل مجلس لاحقاً بالتصويت عليها. كما واصل ترامب هجماته ضد حاكم ولاية جورجيا الجمهوري برايان كيمب، الذي رفض كما غيره من المسؤولين الجمهوريين في الولاية الرضوخ لضغوط ترامب لقلب نتائج الانتخابات لصالح الرئيس. وقال ترامب للحضور إنه سيعود الى الولاية في عام 2022 لمساعدة خصم كيمب في الانتخابات.

وكان الرئيس المنتخب بايدن قد سبق ترامب الى جورجيا بساعات لمساعدة المرشحين الديموقراطيين في مهرجان انتخابي. وأشار بايدن ضمناً الى مكالمة ترامب الهاتفية حين قال: “معارضونا يدركون الآن أن السلطة تعطى من الشعب” مشدداً على أن السياسيين لا يستطيعون “الاستيلاء على السلطة”. وخاطب بايدن الحضور قائلاً: “السلطة حرفياً في أيديكم، ومن خلال انتخابكم لجون أوسوف والقس رافايل وورنوك تستطيعون أن تكسروا الجمود المسيطر على واشنطن”. وكان بايدن بذلك يشير الى أن انتخاب المرشحين الديموقراطيين، سوف يخلق تعادلاً في الأصوات في المجلس، “خمسون ديموقراطي في مقابل خمسين جمهوري”، وكسر هذا التعادل يتم عادة من خلال مشاركة نائب الرئيس بالتصويت.

زيارات ترامب وبايدن لجورجيا جاءت عقب تطورات سياسية وانتخابية هزت الأوساط السياسية في واشنطن، وكان أبرزها مكالمة هاتفية أجراها الرئيس ترامب مع سكرتير ولاية جورجيا، براد رافينزبيرغر يوم السبت الماضي، وكانت المكالمة الرقم 18 قبل أن يقبل سكرتير الولاية أن يتحدث مع الرئيس. استخدم ترامب في شكل فظ أساليب الترهيب والترغيب لإقناع رافينزبيرغر بالتلاعب بنتائج الانتخابات وإعلانه الفائز بالولاية. صحيفة “الواشنطن بوست” حصلت على التسجيل الصوتي وبثته ونشرت نص الحوار يوم الأحد الماضي. المكالمة كانت محاولة سافرة من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته لإقناع مسؤول انتخابي محلي بتغيير نتائج الانتخابات والتلاعب بالأرقام لقلب النتائج على رأسها واعلان ترامب الفائز في الولاية. ترامب كان “يتبضع” بضعة آلاف صوت. وصعق ملايين الأميركيين وهم يستمعون لصوت الرئيس وهو يقول: “كل ما أريده هو أن تفعلوا التالي، كل ما أريده هو أن تعثروا على 11780 صوتاً” لضمان فوزه قبل أن يعقب بعد نفاد صبره ما يمكن ترجمته للعامية العربية” خلصّوني بقا” Give me a break. وقال العديد من الحقوقيين إن ترامب قد انتهك قوانين فدرالية وأيضاً قوانين ولاية جورجيا عندما حاول استغلال منصبه للضغط بشأن تغيير نتائج الانتخابات. وقال الصحافي الاستقصائي المخضرم كارل بيرنستين الذي كشف مع زميله بوب وودوورد عن فضيحة ووترغيت التي أدت الى استقالة الرئيس ريتشارد نيكسيون في 1974، إن مكالمة ترامب تبين أن انتهاكاته هي أسوأ من انتهاكات نيكسون خلال فضيحة ووترغيت.

وتميز يوم الأحد الماضي أيضاً بقيام جميع وزراء الدفاع الأميركيين السابقين الأحياء وعددهم عشرة، بنشر رسالة غير مسبوقة حذروا فيها المسؤولين السياسيين والعسكريين في وزارة الدفاع من تنفيذ أي أوامر سياسية يصدرها ترامب وتهدف الى تعديل نتائج الانتخابات او لتحقيق أي هدف سياسي داخلي. وجاء في الرسالة التي نشرتها صحيفة “الواشنطن بوست”: “الجهود الرامية الى توريط القوات المسلحة لحسم الخلافات الانتخابية سوف تأخذنا الى مجالات خطيرة وغير قانونية ومخالفة للدستور. المسؤولون المدنيون والعسكريون الذين يأمرون او ينفذون مثل هذه الإجراءات سوف تتم محاسبتهم، بما في ذلك مواجهة الأحكام الجنائية بسبب النتائج الخطيرة لإجراءاتهم على جمهوريتنا”. اللافت أن فكرة صياغة الرسالة جاءت من ديك تشيني نائب الرئيس السابق جورج بوش الابن. ووقع الرسالة كل من الوزيرين السابقين جيمس ماتيس ومارك أسبر اللذين خدما في حكومة ترامب، اضافة الى ليون بانيتا ووليام بيري الديموقراطيين وروبرت غيتس ووليام رامسفيلد الجمهوريين وغيرهم.

ولكن اليوم المفصلي الذي ستتركز عليه أنظار الملايين من الأميركيين فهو يوم غد الأربعاء حين ينعقد مجلسا الكونغرس في جلسة واحدة للتصديق على انتخابات المجمع الانتخابي. عادة، هذا الاجراء، مثل عدّ اصوات المجمع الانتخابي الذي جرى في الرابع عشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هو اجراء لا يحظى باهتمام الأميركيين، وتذكره وسائل الإعلام في شكل عابر. ولكن المقاومة التي يشنها ترامب وأنصاره ضد الرئيس المنتخب ونزاهة النظام الانتخابي، دفعت بعدد من المشرّعين الجمهوريين للإعلان مسبقاً عن أنهم سوف يحتجون ويرفضون الاعتراف بشرعية النتائج. وأعلن السناتور الجمهوري جوشوا هاولي الذي لديه طموحات رئاسية، انه سيتحدى نتائج الانتخابات في ولاية بنسلفانيا. ولحقه السناتور تيد كروز، المرشح الرئاسي السابق والمتوقع في 2024 الى تعبئة 10 أعضاء في مجلس الشيوخ أعلنوا انهم سيرفضون التصديق على النتائج وسوف يطالبون بلجنة تحقيق بأي شوائب او انتهاكات في الانتخابات تنهي أعمالها خلال 10 أيام. وأعلن أكثر من مئة عضو جمهوري في مجلس النواب أنهم سيعترضون على نتائج الانتخابات. الممانعون هؤلاء يريدون تسجيل مواقفهم، وإحراج الرئيس المنتخب بايدن، وهم يعتقدون أنهم بحاجة الى تأييد القاعدة الانتخابية المتحمسة لترامب في معاركهم الانتخابية المقبلة، كما يدركون أنهم لا يملكون الأكثرية في المجلسين لتغيير أي شيء.

هذه المعارضة الجمهورية اعتبرت بمثابة حالة تمرد ضد زعيم الأغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال، الذي حض الأعضاء في السابق لأن يتفادوا تحدي نتائج الانتخابات، خصوصاً أنه هنأ في خطاب في قاعة المجلس الرئيس المنتخب بايدن بعد فوزه بأكثرية أصوات المجمع الانتخابي في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي. المعارضة الجمهورية التي تريد التشكيك بشرعية انتخاب بايدن، ساهمت في خلق معارضة مضادة من قبل أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ من أبرزهم السناتور مت رومني المرشح الرئاسي السابق عن الحزب الجمهوري، من الذين وجهوا انتقادات قاسية للمشككين بنتائج الانتخابات واتهموهم بانتهاك الدستور والأعراف وخدمة أهواء وطموحات الرئيس ترامب الشخصية والتغاضي عن انتهاكاته السافرة، وإلحاق الأضرار بالمؤسسات الديموقراطية الأميركية وبسمعة البلاد في العالم. وهذه هي المرة الأولى منذ سنوات عديدة يحدث فيها مثل هذا الاقتتال الجمهوري الداخلي علناً، ما دعا ببعض المعلقين لوصف هذه المناوشات بأنها “حرب أهلية” بين الجمهوريين تسبب بها الرئيس ترامب الذي يحاول البقاء في السلطة عبر أي وسيلة ممكنة.

خلال تاريخ الرئاسة الأميركية أخفق عشرة رؤساء “من بين 45 رئيساً، وآخرهم ترامب” في التجديد لأنفسهم لولاية ثانية. وعلى الرغم من استيائهم من النتائج، إلا أنهم احترموا نزاهة العملية الانتقالية والانتقال السلمي للسلطة من رئيس الى آخر. وحده دونالد ترامب لا يزال يمانع ويقاوم الاعتراف بشرعية انتخاب خلفه ويحاول كل ما في وسعه لقلب نتائج الانتخابات في محاولة انقلابية يقوم بها في وضح النهار ومن دون أي مبالاة بالقوانين والأعراف.

لا يزال أمام الرئيس ترامب 15 يوماً في السلطة، ومع مرور كل يوم تزداد مشاعر الخوف والقلق في الأوساط السياسية مما يمكن أن يقوم به الرئيس داخلياً وخارجياً للبقاء في السلطة، أو على الأقل نصب الألغام في طريق بايدن لإضعافه، وتفريغ المؤسسات الأميركية من مضمونها الديموقراطي.

النهار العربي

—————————-

=========================

تحديث 07 كانون الثاني 2021

——————————

النهاية المأساوية لـ”أعظم ولاية في تاريخ الرئاسة الأميركية” / هلا نصرالدين

أيام تفصلنا عن استلام الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن سدّة الرئاسة الأميركيّة، فهل تشهد واشنطن أعمال عنف أسوة بمشاهد متنوّعة رأيناها العام الفائت في ولايات عدة؟

نعم، الكونغرس الأميركي تعرّض لاجتياح… إحدى أهم المؤسسات في أهم دولة في العالم تمّ التعدّي عليها من قبل أنصار الرئيس “السابق” دونالد ترامب… نعم “السابق”… الكلمة التي يرفض ترامب الاعتراف بها وتقبّلها. الكلمة التي أودت بحياة 4 أشخاص في مشهد غير مسبوق على أميركا.

فإلى كلّ من كان يسأل في تشرين الثاني/ نوفمبر، لماذا هذا الاهتمام “المبالغ به” بالانتخابات الأميركيّة ونتائجها، ها هو الجواب يتجلّى أمامكم في أقبح صورة… صورة الديموقراطيّة الهشّة التي كان بإمكان ولاية 4 سنوات لرئيس أقلّ ما يقال عنه إنه “غير متوازن” أن تهزّها وتهدّد وجودها… الديموقراطيّة التي سعت الولايات المتّحدة الأميركيّة طويلاً إلى تكريسها في قوانين الدولة ومؤسساتها وسياساتها الداخليّة… ها هي اليوم تقف مكسورة على أعتاب الكونغرس الأميركي. هل أُنقذ الكونغرس؟ نعم أُنقذ ماديّاً وشكليّاً الّا أنّ الانتهاك الذي تعرّض له نكسة كبيرة للديموقراطيّة الأميركيّة، قد تكون الأكبر في العهد الحديث.

“مثل الكثير من الأميركيين، أشعر بالصدمة والحزن لأن دولتنا التي لطالما كانت منارة الضوء والأمل للديموقراطية قد وصلت إلى مثل هذه اللحظة المظلمة”. قال الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن.

يضاف ترامب اليوم إلى لائحة الرؤساء الذين سفكوا دماء شعوبهم. هو سيذهب، لكن الترامبيّة السياسيّة والأمنيّة باقية وتتكرّس في كلّ رئيس ينتهك الديموقراطيّة ويتشبّث بالسلطة غير آبه بدماء شعبه وبوجع أهالي وعائلات الضحايا. ولكن لحسن الحظّ الديموقراطيّة وحكم القانون استعادا زمام الأمور وبسطا سيطرتهما بحيث تمّ القبض على 52 شخصاً حتى هذه اللحظة.

المحاسبة القانونيّة

أمّا من الناحية القانونيّة، فبحسب خبراء قانونيّين أميركيّين وبناءً على تقرير صحيفة “واشنطن بوست“، وقعت مخالفات كثيرة في هذا الاجتياح، من التخريب المتعمّد إلى الفتنة والجنح والجنايات نتيجة الاعتداء على ضباط الشرطة والعثور على عبوتين ناسفتين. إضافة إلى ذلك، يمكن اتهام المعتدين بـ”الإيذاء المتعمّد للممتلكات الفيدرالية”. وقد يواجه الأفراد أيضاً تهماً أكثر خطورة تشمل الفتنة والتمرد ومحاولة الانقلاب، والذي يعاقب بالسجن لمدة قد تصل إلى 20 سنة.

فضلاً عن ذلك، فإنّ أراضي مبنى الكابيتول الأميركي لها قانونها الخاص فمن غير القانوني أن يدخله أي شخص من دون تصريح رسمي أو “أن يخطو أو يتسلق أو يزيل أو يؤذي بأي شكل من الأشكال أي تمثال أو مقعد أو جدار أو نافورة أو أي تركيب أو ميزة معمارية أخرى، أو أي شجرة، أو شجيرة، أو نبات، أو عشب في الأراضي” كما يمنع استخدام “لغة صاخبة أو تهديدية أو مسيئة” بهدف تعطيل عمل الكونغرس.

أمّا عن ترامب، فلم تتّضح الصورة بعد حول إمكان محاكمته ولكن هناك مطالب شعبيّة لنائب الرئيس مايك بنس باستخدام التعديل الخامس والعشرين للدستور لإقالة ترامب من منصبه على الفور والذي ينصّ على: “إذا قرر نائب الرئيس وأغلبية المجلس، لأي سبب من الأسباب، أن الرئيس أصبح غير مؤهّل للقيام بصلاحيات المنصب وواجباته وقاموا بإرسال كتاب خطّي إلى الكونغرس بهذا الشأن، عندها يصبح نائب الرئيس هو الرئيس بالوكالة ويظلّ كذلك ما لم يرفض الكونغرس السماح بنقل السلطة له”.

أيام مفصلية

أيام تفصلنا عن استلام الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن سدّة الرئاسة الأميركيّة، فهل تشهد واشنطن أعمال عنف أسوة بمشاهد متنوّعة رأيناها العام الفائت في ولايات عدة؟ وهل قرار عمدة واشنطن بفرض حالة الطوارئ لمدّة 15 يوماً في الولاية هو لتجنّب أحداث مماثلة أو متوقّعة راهناً؟!

إنّما بعد تأكيد الكونغرس فوز جو بايدن رسمياً، قال ترامب إن القرار “يمثّل نهاية أعظم ولاية أولى في تاريخ الرئاسة”… ولاية شهدت أعمال عنف من قبل الشرطة لقمع التظاهرات الشعبيّة، ولاية قتلت جورج فلويد خنقاً، وانتهت بسقوط أربعة قتلى وبعمليّة اجتياح مبنى الكابيتول وخرق لهيبة الكونغرس للمرّة الأولى منذ الهجوم البريطاني عام 1814.

ولكنّ ترامب بالمقابل وعد بانتقال السلطة بطريقة منظّمة وسلميّة عقب الاعتراف الرسمي بفوز بايدن.

أبرز المواقف المندّدة

في خطاب مدروس ومؤثّر، أطلّ بايدن ليستنكر الحدث ويعتبره تمرّداً ومحاولة انقلاب لعرقلة العمليّة الديموقراطيّة طالباً من الرئيس ترامب الظهور على شاشة التلفزيون الوطني للوفاء بيمينه والدفاع عن الدستور والمطالبة بإنهاء الحصار.

“كلمة الرئيس مهمّة سواء كان هذا الرئيس جيّداً أم سيئاً. في أفضل حالاتها تكون كلمات الرئيس ملهمة، وفي أسوأ حالاتها تحريضيّة”، قال بايدن.

أمّا الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما فتوجّه بالحديث إلى القادة الجمهوريّين: “في هذا الوقت، لدى القادة الجمهوريين خيار واضح في غرف الديمقراطية التي تم تدنيسها. يمكنهم الاستمرار في هذا الطريق مع استمرار تأجيج الحرائق المستعرة. أو يمكنهم اختيار الواقع واتخاذ الخطوات الأولى نحو إطفاء النيران. يمكنهم اختيار أميركا”.

وأعلن نائب مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي مات بوتينغر استقالته. فيما استنكر معظم أعضاء مجلس الشيوخ، ومنهم الجمهوريون، أعمال الشغب والفوضى التي تسبّب بها أنصار ترامب، فقال كبير أعضاء مجلس الشيوخ الذي يشغل حالياً منصب زعيم الأغلبية في المجلس، الجمهوري ميتشل ماكونيل: “لقد حاولوا تعطيل ديموقراطيتنا، لكنهم فشلوا”. حتّى نائب الرئيس ترامب، الجمهوري مايك بنس، اعترض وأكّد أنّه “لن يتم التسامح والتساهل مع هذا الهجوم على مبنى الكابيتول”. في حين قال ليندسي غراهام الجمهوري: “مررت أنا وترامب برحلة طويلة لكن هذا يكفي.علينا إنهاء هذا”.

فيما صرخ أحد المحلّلين السياسيّين الجمهوريّن على قناة الـ CNN مستاءً ممّا حدث: “نحن حزب لينكون…! نعم حزب أبراهام لينكون، أحد أعرق الأحزاب السياسيّة في العالم، قد آلت به وبرئيسه الأحوال إلى رفض نتائج انتخابات ديموقراطيّة منبثقة عن الشعب الأميركي”.

ويبقى الموقف المندّد الأبرز والأغرب هو موقف “تويتر” الذي وفي خطوة غير مألوفة أغلق حساب ترامب لمدّة 12 ساعة.

ولكن في نهاية هذا الاجتياح العصيب الذي تسبّب بتأخير نحو 10 ساعات للتصديق على فوز بايدن ولكنه لم يوقفه نقول: مبارك للرئيس المنتخب جو بايدن على أمل أن تكون عمليّة انتقال السلطة هادئة ومنظّمة وعلى أمل أن تعيد الإدارة الأميركيّة الثقة بالأجهزة والأدوات الديموقراطيّة داخليّاً وعلى صعيد العالم.

ولترامب، لقد تركت للعالم وللولايات المتّحدة إرثاً مظلماً من الكراهيّة والعنصريّة والفوضى لن تتخطّاه الدولة في أي وقت قريب… ولكن أخيراً، حان وقت الرحيل.

ولجورج فلويد أقول… ربما قُتلت خنقاً ولكن الولايات المتحدة قد تستعيد أنفاسها قريباً!

درج

—————————-

أميركا كجمهورية موز/ ساطع نور الدين

للتذكير فقط، أن السياسة هي واحدة من أخطر المهن في أميركا، وأن واشنطن هي واحدة من أكثر المدن إزدراءً في أميركا، وأن مبنى الكونغرس بالذات، هو حصن المؤامرات والمناورات والصفقات، التي تتيح للحكومة الاتحادية التدخل المنبوذ في الحياة اليومية للاميركيين.

وللتذكير أيضاً أن أميركا هي قائدة “العالم الحر” حسب التعبير الذي شاع في أعقاب إسهامها الحاسم في النصر خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها لم تصبح قدوة أو مثالاً لأي من حلفائها في تلك الحرب، الذين ظلوا يعتمدون نماذجهم الخاصة المستمدة من التاريخ الاوروبي، ورددوا أكثر من مرة الإتهام بأن التجربة الاميركية هي أسيرة فلسفة القوة والسلاح ورهينة سطوة المال والفساد في الحياة السياسية.. عدا عن كونها فديراليتها المعقدة قائمة على قوانين إنتخابية عجيبة، لا يفهمها الناخب الاميركي نفسه.

وبناء على ما تقدم، لم تصمد طويلاً نظرية محاولة الانقلاب او التمرد التي ألصقت بمئات المتظاهرين الغاضبين، الذين أرسلهم الرئيس دونالد ترامب نفسه، وتمكنوا من إحتلال مبنى الكونغرس من دون مقاومة تذكر، فعاثوا به فساداً، وعطلوا لبضع ساعات عملية فيدرالية دستورية مهمة حساسة، قبل ان ينسحبوا عائدين الى منازلهم، ويسلموا مع رئيسهم بفوز منافسه جو بادين.

وعدا عن وسائل الاعلام الاميركية التي هالها مشهد إحتلال مبنى الكونغرس، فإن الجمهور الاميركي لم يبد إكتراثاً بما كان يجري في عاصمته الاتحادية، بل سخر من التظاهرة الهزيلة التي قادها ترامب نفسه، ولم يشعر بالحاجة الى تنظيم تظاهرات مضادة، ولا بالخوف على ديموقراطيته ومؤسساته، ولا طبعا على محفله التشريعي الأهم، الذي لم يكن تحت حراسة مشددة، ولا كان مهدداً بالحرق ولا بالتدمير.. من جانب ثلة من الرعاع الذين إدعوا أنهم طليعة نحو 75 مليون ناخب صوتوا لترامب، وعبروا عن غضبهم الشديد مما إعتبروه سرقة لنتائج الانتخابات.

لم ولن تكون تلك الليلة نقطة تحول في التاريخ الاميركي. كان كثيرون من الاميركيين يتوقعون أسوأ منها وأخطر، مثل تعطيل عملية التسليم والتسلم للرئاسة في العشرين من هذا الشهر. وبهذا المعنى خيبت واقعة إحتلال الكونغرس لبضع ساعات، توقعات، وربما آمال أميركية واسعة:هل هذا أقصى ما يمكن ان يفعله رئيس أخرق، صلف، نزق.. لعب ورقته الاخيرة، بطريقة مسرحية مثيرة، وفشل في تغيير النتائج وفي تأجيل رئاسة بايدن، وسلم بسرعة بالموعد الدستوري للتناوب على السلطة، وبحكم المؤسسة وقرارها النهائي.

ثمة فارق كبير بين القول إنها “ليست أميركا التي نعرفها بل هي أشبه بجمهورية موز..” وبين القول بأن “هذه هي أميركا التي شهدت تحولات جذرية على مدى العقود الاربعة الماضية، توجت بالاستقطاب الحاد الذي مثله ترامب بالذات”، بين أرياف يمينية عنصرية شعبوية، وبين حواضر رائدة في العلوم والثقافة والإقتصاد.

ما جرى بالامس كان عينة بسيطة، مثيرة بلا شك، مما ستشهده أميركا في المستقبل من عواقب ذلك الاستقطاب، الذي يمكن ان تخرقه بين الحين والاخر مسرحيات درامية جذابة، تضحك الاميركيين وتحبس أنفاس العالم، لساعات..من دون المس باللعبة الديموقراطية الفريدة، التي تتسامح مع مثل هذا الاداء، لكنها لا تزال تتمتع بضوابط خاصة، لحفظ التوازن الدقيق، الذي يمنع التسلط من جانب أي ولاية أو أي شريحة إجتماعية، على الحياة السياسية.. إلا بالمال، أو السلاح!

لم يكن هناك من داعٍ أبداً لذلك التفجع على الديموقراطية الاميركية التي لم تكن يوما الاكثر تقدماً او نزاهة من باقي الديموقراطيات الغربية، ولم تكن أبداً قبلة الديموقراطيين في العالم، ولا جمهوريتهم الفاضلة، بل ناشرة الاستبداد وحارسته في مختلف أنحاء العالم. ردود الفعل الاوروبية الغربية (عدا فرنسا) على الحدث الاميركي، حصرت الأمر بالعنف المدان، والرئيس الجامح، لا أكثر ولا أقل. من دون التعبير عن الخوف على تلك الديموقراطية التي لا تنفع لغير الاميركيين.

كانت ليلة مشوقة فعلاً. لكنها لم تكن غريبة عن أميركا، وتقاليدها السياسية الخطرة.

المدن

—————————-

اقتحام الكونغرس: دونالد ترامب إذ يذكرنا بهجوم 11 سبتمبر!/ رامي الأمين

ولاية ترامب الرئاسية أشبه بطائرة تحاول ضرب رمزية المؤسسات الأميركية، وتحاول أن تسقط برج الديموقراطية بطريقة انتحارية لا تخلو من جنون العظمة، مع فارق أساسي وخطير عن 11 أيلول: الكوميديا.

على خلاف كثيرين، لم يحلني الانطباع الأول لمشهد اقتحام الكونغرس الذي نفذه أنصار دونالد ترامب، اعتراضاً على نتائج الانتخابات وتنصيب جوزف بايدن، إلى مقارنة ساخرة مع الديكتاتوريات وسلوك شبيحتها في عالمنا العربي. ما فكّرت فيه مع صور الاقتحام الأولى، والتصريح الذي خرج عن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عن أن ما حدث في الكونغرس لا يليق إلا بـ”جمهوريات الموز”، هو 11 أيلول/ سبتمبر 2001. تذكّرتُ هذا اليوم وكيف تلقيتُ الصور الأولى عن تلفزيون أحد الدكاكين في أسواق مدينة النبطية (في جنوب لبنان) حيث تجمع الناس للمشاهدة، ولم يكن هنالك يومها لا هواتف خليوية ذكية ولا انترنت موصول عليها. كنّا مجرّدين من التكنولوجيا، وعلى جهاز تلفزيون قديم وصغير رحنا نشاهد البرجين وهما ينهاران بعد اصطدام طائرتين بهما. سمعتُ حينذاك من المتحلّقين حول التلفزيون من كبار السنّ الذين مرّت عليهم في منطقتنا حروب ونكسات ونكبات كلاماً مفاده أن هذا الهجوم سيكون نهاية “أمريكا”، وكان كثيرون يلفظونها هكذا، بتقديم الراء على الياء وتسكينها. كانوا يقولونها وفي عيونهم لمعة تجمع بين الشماتة بـ”أمريكا”، وبين الخوف من تبعات ما يحدث هناك، حتى ليخال المرء منا في النبطية أنه ينظر إلى أعلى، خوفاً من نزول ركام من مبنيي التجارة العالمية على رؤوسنا.

كانت “أمريكا” تلك عملاقة وبعيدة وما كانت لتظهر على شاشاتنا المحلية الصغيرة والكبيرة إلا من خلال الأفلام الهوليوودية أو الأخبار المصيرية التي تؤثر في السياسات الخارجية الأميركية، وبالتالي تؤثر في مصائرنا ومستقبلنا. تذكّرت 11 أيلول لأن متلقي هذا الحدث في منطقتنا، أدرجوه، لهول وقعه وفداحة خسائره على العملاق الأميركي، في سيناريو نهاية “الشيطان الأكبر”. وقرأت وسمعتُ مع اجتياح أنصار ترامب الكونغرس كلاماً مماثلاً عن نهاية الديموقراطية الأميركية وتفككها وانهيارها. والكلام نفسه، منذ ما يقارب العشرين عاماً، يتكرر اليوم من البيئة نفسها، بلغة مشبعة بالشماتة، يُراد لها أن تشبع تمنيات ليست في متناول اليد بتدمير الولايات المتحدة وهزيمتها، ولتستحيل هذه التمنيات، مع 11 أيلول إلى دمار ينتقل مع جنون جورج بوش إلى العراق عام 2003 لم تنته تداعياته إلى اليوم، ومع اقتحام الكونغرس إلى خيبة أمل كبيرة مع ظهور صلابة الديموقراطية الأميركية في حماية نفسها من الجنون الداخلي الذي فجّره دونالد ترامب بشخصيته المضطربة مع خسارته في الانتخابات الرئاسية.

لم تدمّر طائرات تنظيم القاعدة التي شنت الهجوم على برجي التجارة والبنتاغون “أمريكا”، وكان نظرنا إلى الأعلى في النبطية تحوّطاً من الشظايا التي يمكن أن تطاولنا ونحن على بعد آلاف الكيلومترات من الحدث في مكانه، إذ ما لبثت أن وصلت شظايا أحداث 11 أيلول إلينا في بيوتنا مع تداعيات حرب العراق المستمرة إلى يومنا هذا. مرّت “أمريكا” هذه منذ الـ2001 بمراحل وتغييرات وتحديات كبيرة كانت تزيد يوماً بعد يوم من تماسك ديموقراطيتها، على رغم حركة الصعود والهبوط في “بورصة” سياساتها الخارجية، وعلى رغم الأزمات الاقتصادية التي عصفت بها، والحروب التي خاضتها ضد الإرهاب وتورّطها في صراعات في غير مكان من الكرة الأرضية للحفاظ على نفوذها وسطوتها. ومع ذلك بقي 11 أيلول هو الحدث الأكثر رمزية والأكثر خطورة على صورة الجبروت الأميركية في الألفية الثالثة، وهو حدث يكاد يغطي على الحدث الأبرز الذي أيقظ المارد الأميركي في الحرب العالمية الثانية وهو الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر. في أجيالنا نحن، ستكون حاضرة لوقت ليس بقصير صورة 11 أيلول بما تمثله من ضربة قاسية لأميركا الحديثة. وسيكون هناك دونالد ترامب مع الصور التي طبعتها ولايته في الذاكرة. ولاية ترامب الأخيرة هي بمثابة 11 أيلول جديد امتد لأربع سنوات.

تذكّرت 11 أيلول لأن متلقي هذا الحدث في منطقتنا، أدرجوه،

لهول وقعه وفداحة خسائره على العملاق الأميركي،

في سيناريو نهاية “الشيطان الأكبر”.

ولاية ترامب الرئاسية أشبه بطائرة تحاول ضرب رمزية المؤسسات الأميركية، وتحاول أن تسقط برج الديموقراطية بطريقة انتحارية لا تخلو من جنون العظمة، مع فارق أساسي وخطير عن 11 أيلول: الكوميديا. في شخصية ترامب شيء من التداخل بين التهريج وجنون العظمة والعناد السياسي. وهذا على غرار ما خبرنا مع شخصيات مشابهة في عالمنا العربي، يبعث على الضحك، مع أنه في الآن عينه مصنع للقتل المجاني والتدمير. ألم نضحك طويلاً وكثيراً على سلوك معمّر القذافي وصدام حسين، فيما هما تركا مئات آلاف الضحايا الذين سقطوا في مجازر جماعية لإشباع جوعهما إلى الدماء والقتل؟ ألم ننسج هنا في لبنان آلاف النكات على سلوك رئيسنا ميشال عون، المعجب بصدام حسين ودونالد ترامب، والذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من نهايات تعيسة في عهده بسبب طموحاته السياسية التي لا تهتم لشيء سوى الوصول إلى الكرسي والالتصاق به؟ كان يفترض أن ينسج هذا المقال مقارنات ساخرة بين ترامب وسلوك جمهوره وبين ديكتاتورياتنا العربية وشبيحتها. لكن “المشهد مبكي هنا” على ما تقول جملة شهيرة نطقت بها على الهواء مراسلة تلفزيونية وهي تغطي التهام النيران الغابات والمنازل في نهاية عام 2019 في لبنان. “المشهد مبكي هنا”، في بلادنا ونحن نسخر من الديموقراطية الأميركية التي أوصلت ترامب إلى سدّة الرئاسة وجعلت من أميركا أضحوكة العالم في الأعوام الأربعة الماضية. المشهد ليس مضحكاً. لأن كثيرين هنا، ضحكوا وشمتوا بـ”امريكا” في 11 أيلول 2001 وتنبأوا بسقوطها الوشيك، فانتهى بنا الأمر في سقوط حر منذ ذلك التاريخ حتى تجاوزنا القعر في لبنان والدول العربية التي كان يحكمها أساتذة لدونالد ترامب في البلاهة والجنون. وكما الحال مع تداعيات 11 أيلول، ستتجاوز “أمريكا”، ولو ببطء، الدمار الذي خلّفه دونالد ترامب في بنيتها الدستورية والاجتماعية والاقتصادية. وسنكون نحن المتلقّين للحدث على شاشاتنا عرضة للتداعيات. ستلفظ الولايات المتحدة “التهاباتها” الداخلية لتنفّس عنها في الخارج بعد الشفاء من دونالد ترامب، كما فعل المحافظون الجدد في حربهم مع الإرهاب وفي اجتياحهم العراق وإسقاطهم صدام حسين. “المشهد مبكي هنا”، لكننا “مساكين بنضحك من البلوى”، على ما تقول أغنية للشيخ إمام من كلمات نجيب سرور. نضحك على “أمريكا” ونحن نشاهدها من خارج مدرّجات الجمهور، عبر هواتفنا “الذكية”، وننظر دائماً بحذر إلى أعلى، خوفاً من سقوط شظايا على رؤوسنا التي لا تقيها خيمة ديموقراطية ولا قبّة حديدية ولا من يحزنون!

درج

————————-

بعد الحظر الموقت… هل يطرد “تويتر” ترامب قريباً؟/ ميريام سويدان

يُعتبر دونالد ترامب أكثر الشخصيات مشاكسة على منصات التواصل الاجتماعي لجهة تغريداته المستفزة، والتي عرّضته أكثر من مرة لحذف محتوى، أو تلقيه إنذارات وصلت إلى تهديد بإقفال الحسابات الرسمية نهائياً.

يحيلنا تعليق حسابات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى سجال طويل حول معضلة هذه المنصات، لا سيما “تويتر” على اعتباره موقع التدوين الأول، وعلاقة ذلك بحرية التعبير، خصوصاً أن ترامب هو “رئيس الدولة الحرّة”. فهل كان على تويتر حجب ترامب فعلاً للحد من دعواته للعنف ونشر الأخبار الكاذبة، أم أن ذلك يعد سابقة قد تنعكس سلباً في حالات أخرى مماثلة؟

فعقب الاقتحام التاريخي الذي نفّذه أنصار ترامب في مبنى الكونغرس أثناء انعقاد جلسة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز جو بايدن ونائبه، الأربعاء 6 كانون الثاني/ يناير 2021، علقت منصات “تويتر” و”فايسبوك” و”إنستغرام”، حسابات دونالد ترامب موقتاً بسبب نشر تغريدات تحرّض على العنف، إذ أسفر اقتحام المبنى عن 4 قتلى واعتقال أكثر من 50 شخصاً، وتعليق اجتماع أعضاء الكونغرس لنحو 6 ساعات، قبل استئنافه لاحقاً، فيما نُشرت قوات من الحرس الوطني لوقف الاضطرابات، وفرض حظر تجوال ليلي في واشنطن.

ودافع ترامب عن تصرفات أنصاره وكتب في إحدى تغريداته على “تويتر” المنصة المحببة إليه، “هذه هي الأشياء والأحداث التي تحدث عندما تتم سرقة فوز ساحق مقدس في الانتخابات بشكل غير رسمي ووحشي من الوطنيين العظام الذين عوملوا معاملة سيئة وغير عادلة لفترة طويلة”، خاتماً تغريدته بدعوة أنصاره إلى “العودة إلى ديارهم بالحب والسلام”، وإلى “تذكّر هذا اليوم إلى الأبد”.

قوة نفوذ هؤلاء الأشخاص تجعل خطاباتهم قادرة على التحوّل إلى عنفٍ في الشارع، أو قد تتحوّل المعلومات الخاطئة التي ينشرونها إلى حقيقة عند كثر، وهو ما يُفسّر كتحدّ للسلطة القائمة من زعامات الدول، وليس كقمع لحرية التعبير.

وهو ما دفع إدارة كل من “فايسبوك” و”انستغرام” إلى إصدار بيانات توضيحية تؤكد فيها أن حسابي الرئيس محظوران حتى 24 ساعة بسبب مخالفات لسياسة المنصتين، أبرزها نشره تسجيلاً مصوراً واصل فيه تقديم مزاعم بلا سند، بأن الانتخابات قد زُوِّرت، وهو ما يُعد “ترويجاً للأخبار الزائفة”.

وأصدر “تويتر” بياناً يوضح فيه إعادة تفعيل حساب ترامب بعد مرور 12 ساعة، وذلك بعدما حذف 3 تغريدات بدعوى “خطر العنف”. كما هددت بغلق الحساب بصورة دائمة في حال واصل ترامب انتهاك قواعد الاستخدام المتعلقة بالنزاهة المدنية، وهي ليست المرّة الأولى التي يتلقّى فيها الرئيس الأميركي إنذارات من منصات التواصل الاجتماعي، إذ يعتبر ترامب من أكثر الشخصيات الرسمية إثارة للجدل على منصات التواصل الاجتماعي، حتى أنه مصدر أساسي لنشر الأخبار المضللة، لا سيما في ما يرتبط بالانتخابات الأميركية الأخيرة.

As a result of the unprecedented and ongoing violent situation in Washington, D.C., we have required the removal of three @realDonaldTrump Tweets that were posted earlier today for repeated and severe violations of our Civic Integrity policy. https://t.co/k6OkjNG3bM

— Twitter Safety (@TwitterSafety) January 7, 2021

واقعة الكونغرس أجّجت صراعاً داخلياً مستمراً منذ 4 سنوات في أروقة إدارة “تويتر”، أي منذ بداية ولاية دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، إذ إنه من اليوم الأول لتولّيه المنصب، طلب من شعبه ملاحقة حسابه على “تويتر”، حيث سيدوّن أفكاره وتعليقاته. وهو ما يُفسّر نشاطه على المنصة، وأحياناً استغلاله إياها لتحريك الرأي العام الأميركي. حتى أنه في حادثة الاقتحام الأخيرة، فضّل تحميل فيديو على حساباته، على أن يخاطب الشعب عبر بيانٍ أو أي وسيلة رسمية.

في هذا السياق، يؤكّد مدير منظمة “سمكس” للحريات والحقوق الرقمية محمد نجم، إنه “عند الحديث عن رؤساء دول لا يرتبط الأمر بحرية التعبير باعتبارهم أشخاصاً يعبّرون عن رأيهم بأي قضية، إنما هم شخصيات رسمية ومؤثرة ولهم ملايين المتابعين على حساباتهم، كما تدعمهم جماعات وأجهزة أمنية، وبمعنى آخر قوة نفوذ هؤلاء الأشخاص تجعل خطاباتهم قادرة على التحوّل إلى عنفٍ في الشارع، أو قد تتحوّل المعلومات الخاطئة التي ينشرونها إلى حقيقة عند كثر، وهو ما يُفسّر كتحدّ للسلطة القائمة من زعامات الدول، وليس كقمع لحرية التعبير”.

يقول الصحافي المتخصص بالتحقق من المعلومات محمود غزيّل لـ”درج”، إن “منصات التواصل هي مؤسسات أميركية ولا بدّ لها أن تتبنّى قوانين الدولة التي تنتمي إليها، فكما تحذف المواقع حساباتٍ بذريعة ممارسة الإرهاب أو نشر خطاب الكراهية، فهي بالتالي تمارس السياسة ذاتها مع الحسابات الأخرى التي تخرق معاييرها، أي نشر أخبار كاذبة أو محرّضة على الكراهية والعنف. خصوصاً أن التغريدات التي تُنشر على الصفحة الرسمية للرئاسة الأميركية تُؤرشف بشكل رسمي داخل مكتبة الكونغرس، وهو ما يحّتم الالتزام بمعايير محددة، كما أنه دلالة ضخمة على أن لا حرية مطلقة لأي شخصٍ كان”.

إلا أن اللافت هو ازدواجية المعايير المتّبعة من إدرة “تويتر”، فقد تحجب الأخيرة خبراً مضللاً نشره حساب الرئيس الأميركي، معتبرة أن ذلك يصبّ في المصلحة العامة، فيما تحجب أيضاً منشوراً عربياً يناهض الإرهاب، لمجرّد تضمّنه كلمة “إرهاب”.

وها ما يعيده غزيّل إلى الأهمية الأقل التي تمنحها تلك المنصات للدول المتحدثة باللغة العربية، إذ إن الرقابة الإلكترونية التي تفرضها المنصات مبنيّة على الذكاء الاصطناعي وبرمجيات محددة معدّة مسبقاً، وهي لا تميّز السياقات العامة التي يندرج تحتها الموضوع، بينما في الدول الأخرى تكون تحت إشراف أشخاص فعليين يتولون هذه المهمة.

حوادث سابقة تعزز احتمال حذف حساب ترامب على “تويتر”؟

يُعتبر دونالد ترامب أكثر الشخصيات مشاكسة على منصات التواصل الاجتماعي لجهة تغريداته المستفزة، والتي عرّضته أكثر من مرة لحذف محتوى، أو تلقيه إنذارات وصلت إلى تهديد بإقفال الحسابات الرسمية نهائياً. كما طرحت معضلة حقيقية لدى الإدارات نفسها، لا سيما إدارة “تويتر”، التي تفرض في سياستها المتعلقة بالشخصيات العامة والرسمية أن يتلقّى هؤلاء معاملة خاصة، وهو ما يفرض حساسية بالتعامل مع حساب ترامب.

سبق أن حذفت منصة “تويتر” تغريدات عدة لدونالد ترامب، منها تسجيل فيديو أعاد نشره في تموز/ يوليو 2020، وذلك بسبب “عدم امتلاكه حقوق النشر”، فقد غرّد ترامب بمقطع ترويجي لحملته الانتخابية يحتوي على مقطوعة غنائية لفرقة لينكين بارك (Linkin Park).

pic.twitter.com/bnQMEO2i9u

— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 30, 2020

كما حذفت المنصة ذاتها تغريدة أعاد ترامب نشرها في 30 حزيران/ يونيو الماضي، وهي تتضمن صورة له، وذلك عقب شكوى من صحيفة “نيويورك تايمز الأميركية” التي التقط أحد مصوريها الصورة التي أعاد الرئيس التغريد بها، كما نبّه “تويتر” في تعليق مرفق إلى أن التغريدة تنتهك معايير محاربة خطاب تمجيد العنف.

وهذه الحساسية في التعامل سبق أن طرحت لدى موقع “تويتر”، إذ كانت المنصة تتأرجح بشأن حظر مُنظِّر ما يعرف بـ”نظرية المؤامرة” أليكس جونز، بسبب تجاوزه المعايير المطروحة، إلى أن حُظر جونز أخيراً، بسبب “السلوك المسيء”. وهو ما يطرح أسئلة حول احتمال حذف ترامب، خصوصاً بعد تجّرده من منصبه مع استلام بايدن الرئاسة في 20 كانون الثاني/ يناير 2021، وبعد تمهيد موقع “تويتر” للأمر، عبر تغريدة يُشار فيها بطريقة غير مباشرة إلى إعادة النظر بحساب ترامب والتعامل معه كحساب مواطن أميركي عادي منذ التاريخ المذكور.

درج

—————————–

بايدن والسياسة الخارجية.. عودة أوباما/ رضوان زيادة

مع إعلان أسماء فريق السياسة الخارجية في إدارة بايدن يتضح عودة كل أسماء فريق أوباما للسياسة الخارجية تقريبا مع ترفيع لهم إلى مواقع سياسية أعلى، فـ أنتوني بلينكن عاد وزيرا للخارجية بعد أن كان مساعدا لوزير الخارجية وجاك سوليفان كان مستشارا للأمن القومي لنائب الرئيس فعاد الآن بوصفه مستشار الأمن القومي للرئيس، كما عادت سوزان رايس بوصفها منسقة الشؤون الداخلية وجون كيري بوصفه مبعوثا خاصا للرئيس فيما يتعلق بملف البيئة.

أما على مستوى مواقع وزارة الخارجية والدفاع ومكتب الأمن القومي فتقريبا تم ترقية كل الأشخاص الذين عملوا سابقا مع إدارة أوباما.

السؤال الآن: هل سيعيد هؤلاء الأشخاص المعينون حديثا السياسة الخارجية ذاتها في عهد أوباما، خاصة أنها حصلت على انتقادات كبيرة خاصة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، بالتأكيد أنها ستبني عليها بشكل كبير لكن ربما لن تتطابق معها.

إنها بشكل أو بآخر عودة للسياسة التقليدية مقارنة مع الفوضى التي جرت خلال سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض، الذي لم يكن له أية رؤية استراتيجية للسياسة الخارجية ربما باستثناء إيران، فلم يمتلك رؤية محافظية أو حتى رؤية تدخلية كما ميزت سنوات بوش الإبن الأخيرة في التدخل عبر العالم من أجل نشر الديمقراطية.

إن الدور القيادي الذي تحاول الولايات المتحدة الاضطلاع به يعود بشكلٍ كبير إلى غياب التأثير الجماهيري داخل الولايات المتحدة على قرار السياسة الخارجية الأميركية، بل إن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تنجح باستمرار في جعل مجتمعها يسير خلف سياستها القيادية عبر الاستخدام الأمثل للإعلام ولوسائط التأثير الجماهيري . وهذا بالضبط يشكل محور نظرية كيسنجر الذي يعتبر أن السياسة الخارجية يجب أن تبقى محصورة في العاصمة واشنطن ،دي ،سي لأنه بحكم الخلاف العرقي والطائفي والمذهبي والجنسي الكبير بين مواطني الولايات المتحدة، فإن نزاعهم الداخلي حول السياسة الخارجية ومستقبلها سوف يقصم عرى الروابط الاتحادية بين الولايات أو داخل الجماعات المشكلة لهذه التعدديات الكثيفة داخل الولاية ذاتها، فالانقسام على السياسة الخارجية سيخلق تفككاً داخلياً بكل تأكيد، ولذلك يبدو من الأفضل لأميركا أن تبقى سياستها الخارجية محصور ضمن ما يسمى “مجتمع السياسة الخارجية” الذي ينحصر وجوده داخل العاصمة الأميركية.

فإذا أراد أحد الرؤساء تعبئة الموارد الهائلة للدخول في حرب شعواء ضد خصم سياسي دولي فإن ذلك يتطلب تخطي الحواجز الانعزالية التي يمتاز بها المواطن الأميركي. إذ هو يتساءل لماذا يتوجب على جنود أمريكييين بذل أرواحهم في بلاد نائية لا يعرف أغلب المواطنين عنها شيئاً كثيراً، بل إنهم يجهلون غالباً أين تقع.

ومهمة الإقناع الصعبة هذه يمكن التغلب عليها فقط من خلال تبسيطات فظة، من مثل ضرورة التصدي لعدو خطر شرير صعب المراس، وهو ما حدث من خلال شيطنة صدام حسين، وهو ما دفع بعض المحللين إلى القول إن البناء النظري لعلم العلاقات الدولية في الولايات المتحدة يقوم غالبا ًعلى مفهوم “تقديس السهولة” وذلك عندما تظهر النظريات هذه البنية المانوية للأقطاب المتنافرة، وعندما تجد مثل هذه النظريات هذا التأييد في أوساط الصفوة السياسية كما عبر هارلك موللر.

بيد أن نفوذ المجتمعات يجب أن لا ينحصر فقط في تأثيرها على سياسة حكومتها الخارجية فقط، بل لابد أن تتضافر معاً متجاوزة الدولة ومصالحها الخاصة وهو ما يطلق عليه البعض بنهاية لدولة القوة وولادة ما يسمى الدولة التجارية، التي تتميز من خلال انفتاح الحكومة على الاقتصاد والاشتراك مع الجهات ذات الاهتمام وفي مقدمتها الاقتصاد في تشكيل أهداف سياسة خارجية تسعى إلى أولوية واضحة للعلاقات الاقتصادية في مقابل مسائل القوة والأمن، ومن خلال السعي نحو إنفاق في الحدود الدنيا على التسلح . فالدولة التجارية تتيح نشوء ما يسمى “بعالم المجتمع”.

ربما تكون المنظمات غير الحكومية العابرة للقوميات هي العلامات الأكثر جلاء لهذا التطور وهذا ما يحرّض على بروز القيم الإنسانية الموحدة والمشتركة، على رأسها الديمقراطية، إذ لم يعد يوجد بلد لا يُحكم ديمقراطياً يخلو من منشقين أو منظمات أو جماعات تطالب بالديمقراطية، والاتصالات العابرة للقوميات بوسائل الاتصال الحديثة تشجع هؤلاء لإجبار بلدانهم على دخول “العصر الديمقراطي”.

إن انتشار الديمقراطية اليوم هو واحد من أهم علامات التقارب بين الثقافات والفرص أمام حوار عابر للثقافات إن لم يكن أهمها إطلاقاً. لم يكن ترامب يكترث لفكرة نشر الديمقراطية، بل حد من الكثير من تمويل المنظمات الأميركية التي تسعى إلى نشر الديمقراطية في الخارج .

إن السعي لنشر الديمقراطية لا يعني أبداً أن كل دول العالم ستصبح ديمقراطية بين يوم وليلة، بل إن مسار الديمقراطية نفسه داخل الحضارة الغربية احتاج إلى صراعات وحروب أهلية وطائفية عدة حتى تم تجذره وحتى تحول إلى الصيغة السياسية التي لا رجعة عنها، وهو ما يفرض علينا الدخول في حوار ثقافي عبر الحضارات لتشجيع قيمها الإنسانية والديمقراطية و هو الأنموذج الأفضل لتحقيق ذلك.

فالديمقراطية اليوم تعد من أهم القيم الإنسانية المشتركة بالرغم من الاختلاف على معانيها ومسمياتها المختلفة، صحيحٌ أن الغرب تفرد في التأسيس النظري والمؤسسي لهذا المفهوم، لكن الحضارات والثقافات الأخرى تحمل بذوراً مشتركة تدور حول المفهوم ذاته وتتأسس عليه، إن الديمقراطية بمفهومها الإنساني العام هي التي تتيح للحضارات جميعها أن تتعايش بدل أن تتصادم وأن تتوافق على مفهوم ” القيم الكونية “.

ولذلك لابد لإدارة بايدن الجديدة أن تستعيد إرث الولايات المتحدة في التأكيد على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عنها عبر العالم.

تلفزيون سوريا

—————————

اختبار خطير وتاريخي للديموقراطية الاميركية/ هشام ملحم

تعرضت الديموقراطية الاميركية يوم أمس لأخطر امتحان داخلي في العصر الحديث حين قام مئات المشاغبين من افراد الميليشيات العنصرية والمتطرفين المؤيدين للرئيس ترامب باقتحام الصرح الديموقراطي الاهم في البلاد: المبنى الرئيسي للكونغرس المعروف بالكابيتول، لتعطيل جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ انعقدت بإشراف نائب الرئيس مايك بينس للتصديق على اختيار المجمع الانتخابي للرئيس المنتخب. وللمرة الاولى في تاريخ الولايات المتحدة يقوم رئيس اميركي لا يزال يرفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات وقبل اسبوعين من انتهاء ولايته بتحريض انصاره المتطرفين على اقتحام المؤسسة التشريعية التي تمثل الشعب الاميركي وجوهر الديموقراطية الاميركية في محاولة يائسة وعبثية لتغيير نتائج الانتخابات. وكان الرئيس ترامب قبل أسبوعين قد دعا انصاره للتجمع في واشنطن في السادس من يناير للاحتجاج على جلسة الكونغرس، واعدا اياهم بتظاهرة جامحة Wild.

وظهر أمس خاطب ترامب انصاره المتجمعين قرب البيت الابيض وحضهم على السير على جادة بنسلفانيا باتجاه مبنى الكابيتول قائلا انه سيسير معهم لاعطاء المشرعين الجمهوريين ” الاعتزاز والصلابة التي يحتاجونها لاستعادة السيطرة على بلادنا”. ما حدث بعد ذلك صعق الاميركيين والعالم، وهم يراقبون مئات المشاغبين باقتحام الكابيتول، ولحقهم الالاف الذين حطموا زجاج النوافذ وكسروا أبواب المبنى واحتلوا القاعة الرئيسية لمجلس الشيوخ ومكاتب المشرعين ومن بينهم مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. وبعد أكثر من ثلاثة ساعات من اعمال الشغب والاشتباكات بين رجال شرطة الكونغرس وشرطة مدينة واشنطن مع المتظاهرين، قتلت خلالها متظاهرة داخل المبنى برصاص شرطي، وتوفي ثلاثة متظاهرين حول المبنى في ظروف غير واضحة. ترامب كان صادقا بوعده بتنظيم تظاهرة “جامحة”.

اقتحام الكونغرس جاء بعد ساعات من الاعلان عن نتائج الانتخابات الفرعية في ولاية جورجيا، والتي اعطت الديموقراطيين انتصارا غير متوقعا حين اختار الناخبين المرشحين الديموقراطيين لعضوية مجلس الشيوخ، الذي اصبح منقسما بالنصف بين الحزبين: خمسين عضو لكل حزب، ما يعني ان الديموقراطيين سوف يسيطرون على المجلس، حين تشارك نائبة الرئيس كامالا هاريس في الجلسات التي تتطلب التصويت على مشاريع القوانين الهامة.

الاقتحام حدث خلال الساعة الاولى للجلسة المشتركة، التي بدت تعبيرا جديا عن الديموقراطية الاميركية، خاصة وان مثل هذه الجلسات تعتبر اجرائية وبسيطة ولا تحظى عادة باهتمام اعلامي او شعبي يذكر. وخلال دقائق تحول المشهد الديموقراطي بامتياز الى مشهد فوضوي وترهيبي وكأنه منقول على شاشات التلفزيون من عاصمة دولة اوتوقراطية في العالم الثالث. وشاهد الملايين في اميركا والعالم عملية الاقتحام واطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الدخانية، وشوهد رجال الشرطة السرية (المكلفين بحماية نائب الرئيس) وغيرهم من العناصر الامنية حاملين مسدساتهم الموجهة ضد الرعاع الذين كانوا يحاولون اقتحام قاعات المبنى. وسارعت الشرطة السرية بأخذ نائب الرئيس بينس الى مكان آمن، كما قامت العناصر الامنية الاخرى بمرافقة المشرعين الى الانفاق والقاعات الامنة في المبنى الى حين توقف اعمال الشغب قبل الساعة الخامسة مساء.

وعلى مدى أكثر من ثلاث ساعات التزم ترامب الذي كان يشاهد اجتياح الكونغرس من قبل رعاعه في البيت الابيض، بالصمت حتى بعد ان ناشده قادة الكونغرس من الحزبين على لجم انصاره ودعوتهم للتوقف عن انتهاكاتهم. وهذه هي المرة الاولى التي يتم فيها اقتحام الكابيتول من قبل الرعاع منذ 1814 خلال احتلال القوات البريطانية للعاصمة الاميركية. وللمرة الاولى في تاريخ البلاد شاهد الاميركيون انصار ترامب وهم يحملون ويلوحون بعلم الكونفدرالية الجنوبية التي انفصلت عن الاتحاد وتسببت بالحرب الاهلية قبل أكثر من 150 سنة، داخل قاعات الكابيتول. ويعتبر العلم رمزا للعنصرية والتمييز.

وعلى الرغم من الادانات الشاملة لاقتحام الكابيتول واعمال الشغب الصادرة عن الرئيس المنتخب بايدن والقيادات الجمهورية والديموقراطية في الكونغرس ومناشداتهم الخاصة والعامة لترامب لادانة اعمال العنف والشغب، الا انه رفض ذلك ووجه الاهانات لنائبه بينس –المعروف بتزلفه المقزز لترامب- قائلا ” لم يتحل مايك بينس بالشجاعة لكي يقوم بما كان يجب عليه ان يقوم به لحماية بلادنا ودستورنا وان يعطي الولايات الفرصة للتصديق على لوائح الناخبين البارزين الحقيقيين وليس على الاسماء المزورة التي صدقوا عليها”. وكان ترامب قد طلب من بينس ان يرفض قبول لوائح الاسماء التي قدمتها الولايات المتنازع عليها مثل بنسلفانيا ونيفادا وغيرها. وكان بينس قد ابلغ ترامب في لقاء معه وعلنا في بيان اصدره انه لا يتمتع بالصلاحيات الدستورية التي تعطيه هذه السلطة.

ولكن مع اقتراب اليوم من نهايته وبعد صمته الطويل وزع البيت الابيض شريطا لترامب موجها لانصاره قال لهم فيه انه يتفهم ألمهم وانه يحبهم ثم طلب منهم عدم استخدام العنف والعودة الى منازلهم، ولكنه جدد تضليله لهم حين قال ” لقد سرقوا الانتخابات منا”.

وكان الرئيس المنتخب بايدن قد سبقه الى ادانة الاقتحام واعمال الشغب وطالبه بلهجة قوية بان يطالب انصاره بالتوقف عن انتهاكاتهم للقوانين. ووصف بايدن الاقتحام بانه ” هجوم لا سابقة له” ضد الديموقراطية الاميركية، واضاف ” هذه ليست معارضة، هذا اخلال بالقوانين وفوضى تقترب من حدود الفتنة، ويجب ان تنتهي الان، وانا ادعوا هؤلاء الرعاع للانسحاب لكي تتقدم العملية الديموقراطية”. وأصدر جميع الرؤساء السابقين: جيمي كارتر وبيل كلينتون وجورج بوش الابن، وباراك اوباما بيانات ادانة قوية اللهجة ضد الرعاع. وقال اوباما ” سيذكر التاريخ عنف هذا اليوم في الكابيتول الذي حرّض عليه رئيس يواصل اكاذيبه ودعاءاته التي لا اساس لها من الصحة حول نتائج انتخابات قانونية، على انها لحظة عار كبيرة على بلادنا”.

ومساء الاربعاء استأنف مجلسي النواب والشيوخ عملية فرز اصوات المجمع الانتخابي والتصويت على اعتراضات بعض المشرعين الجمهوريين ، بعد ان انسحب منهم بعض المشرعين بسبب اعمال الشغب. وكانت هناك رغبة كبيرة في اوساط الحزبين حول ضرورة استئناف الجلسة باسرع وقت ممكن للتأكيد للاميركيين وللعالم ان المشرعين الاميركيين لن يسمحوا للرعاع واعمال العنف ان ترهبهم. وكان من اللافت ان نائب الرئيس مايك بينس بعكس ترامب ادان اعمال العنف بلهجة قوية، كما فعل زعيم الاغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال. ولكن بينس وماكونال وغيرهم من المشرعين الجمهوريين تفادوا ذكر ترامب بالاسم، بعكس القيادات الديموقراطية. الاستثناء الجمهوري الوحيد، – والاكثر بلاغة وشجاعة – كان السناتور مت رومني الذي قال “نحن هنا بسبب أنانية رجل يدعي انه مجروح، وبسبب فظاعات انصاره الذين يواصل التغرير بهم منذ شهرين، والذي حرضهم هذا الصباح”. وختم كلمته بالقول ” ما حدث هنا اليوم هو عصيان حرض عليه رئيس الولايات المتحدة”.

ويسعى قادة الحزب الديموقراطي الى انهاء عملية التصديق على انتخاب بايدن، التي استمرت الى ما بعد منتصف الليل، قبل ان يبدأوا جديا ببحث ما يجب ان يفعلوه لمحاسبة ترامب وضمان عدم قيامه باعمال خطيرة ومتهورة خلال الايام القليلة المتبقيه له في السلطة. وطرح بعض المشرعين مقترحات تراوحت بين محاكمة ترامب مرة أخرى، او محاولة اقالته (بالتعاون مع نائبه بينس، وان كان هذا الخيار غير مرجح) اضافة الى توجيه تأنيب برلماني له. وسارعت صحف اميركية الى المطالبة باقالة ترامب وكان من بينها صحيفة واشنطن بوست التي نشرت افتتاحية باسم اعضاء مكتب ادارتها جاء فيها ان ترامب ” اثبت ان بقائه في منصبه يشكل خطرا كبيرا على الديموقراطية الاميركية، ولذلك يجب اقالته”. وطالب حاكم ولاية الينوي الديموقراطي باقالة ترامب، كما طالب حاكم ولاية فيرمونت الجمهوري ايضا باقالته. جاءت هذه التطورات على خلفية تقارير صحفية ذكرت ان بعض المسؤولين في البيت الابيض سوف يستقيلون في الايام المقبلة من بينهم مستشار الامن القومي روبرت أوبرايان. وساهم تحريض ترامب لانصاره لاقتحام مبنى الكابيتول الى تعميق المخاوف في الاوساط السياسية والامنية من قيام الرئيس المحاصر في البيت الابيض باتخاذ اجراءات داخلية او خارجية يمكن ان تزج البلاد في ازمات خطيرة لمجرد انه يريد الانتقام من الجمهوريين الذين تخلوا عنه، ومن خلفه الرئيس المنتخب جوزف بايدن الذي الحق به هزيمة انتخابية قاسية لا يريد قبولها او الاعتراف بها.

النهار العربي

—————————-

انقلاب فاشل.. ديمقراطيون وجمهوريون في مواجهة ترامب بعد أحداث “الأربعاء الأسود”/ وائل قيس

قبل أقل من عام تقريبًا حذر النائب الديمقراطي آدم شيف مجلس الشيوخ من أن عدم التصويت بالموافقة على عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بسبب إساءة استخدام السلطة سيدفعه للاستمرار بذلك، وبالفعل صوت الجمهوريون الذين كانوا يشكلون غالبية المجلس حينها على براءة ترامب من التهم المنسوبة إليه، لكن هذه البراءة فُهمت من قبل الملياردير الجمهوري بأنها بطاقة لتنفيذ “تمرد”، كما وصفه الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية.

ديمقراطيون: ماحدث “محاولة انقلاب فاشلة”

عاش مبنى الكابيتول هيل في العاصمة واشنطن حالة من الفوضى لمدة 14 ساعة، بعدما اقتحم مناصرو ترامب المبنى لإيقاف عملية فرز أصوات المجاميع الانتخابية للرئاسة الأمريكية، والتي أفضت لفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مشهد تخلله رفع لأعلام اليمين المتطرف إلى جانب أعلام الولايات الكونفيدرالية الأمريكية التي ترتبط بتاريخ العبودية، مما دفع بحاكم ولاية نيويورك الديمقراطي أندرو كومو لوصف الأخبار القادمة من العاصمة بأنها “محاولة فاشلة للانقلاب”، قبل أن يضيف متهمًا ترامب بأنه “داس على الدستور وسيادة القانون في كل منعطف”.

We must call today’s violence what it actually is: a failed attempt at a coup.

We won’t let President Trump, those in Congress who enable him, or the lawless mob that stormed the Capitol steal our democracy.

The will of the American people will be carried out. pic.twitter.com/8DSeHJYzmN

— Andrew Cuomo (@NYGovCuomo) January 6, 2021

الأخبار الواردة عبر مراسلي مختلف وسائل الإعلام على المستوى العالمي بدأت بالتتابع اعتبارًا من مساء يوم الأربعاء، مشيرةً إلى اقتحام مناصري ترامب مبنى الكابيتول لتعطيل عملية فرز الأصوات، اقتحام كان تنفيذًا لدعوة من ترامب بدأت فعليًا منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما طالبهم بتنظيم “احتجاج كبير” أمام مبنى الكابيتول، ومن ثم كرر دعوته مجددًا الأربعاء أمام حشد من أنصاره بحثهم على “السير إلى مبنى الكابيتول” من أجل “القتال”.

وبعد ساعات من عملية الاقتحام العنيفة التي أسفرت عن مقتل أربعة محتجين، منهم امرأة برصاص شرطة الكابيتول، أكد المسؤول في مبنى الكابيتول بول إير فينغ تأمين المبنى بشكل كامل، مما يمهد لاستئناف جلسة فرز الأصوات التي أعلنت عنها لاحقًا زعيمة الكابيتول هيل نانسي بيلوسي، والتي انتهت بإعلان نائب الرئيس مايك بنس فوز بايدن بـ306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 لصالح ترامب، الأمر الذي دفع ترامب فيما يبدو للإعلان عن قبوله للنتائج عبر الحساب الرسمي لمساعده دان سكافينو على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي.

عمالقة التواصل الاجتماعي في مواجهة ترامب

كما كان متوقعًا اعتمد ترامب بشكل أساسي على منصات التواصل الاجتماعي في دعوته أنصاره بالتوجه سيرًا إلى “الكابيتول هيل” أو حتى في عديد التغريدات التي أطلقها بعدما دعاهم للعودة إلى منازلهم، بدون أن يتجاهل التأكيد على أن الديمقراطيين “سرقوا الانتخابات”، لكن هذا الاعتماد سرعان ما تبدد بعدما قامت منصة تويتر للتواصل الاجتماعي بحذف ثلاثة تغريدات إلى جانب حظر الوصول إلى ما يفوق خمسة تغريدات، قبل أن تقرر تعليق حسابه لمدة 12 ساعة “بسبب الانتهاكات المتكررة والخطيرة لسياسة النزاهة المدنية”.

وانضمت منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي إلى قرينتها تويتر بإعلانها تعليق حساب ترامب لمدة 24 ساعة بسبب ما وصفته بـ”انتهاك لقواعد” المنصة، بينما قالت منصة يوتيوب التابعة لشركة غوغل إنها حذفت مقطعًا مصورًا لترامب “ينتهك سياستها المناهضة للمحتوى” بزعم وجود “تلاعب واسع النطاق أو أخطاء قد غيرت نتيجة الانتخابات الأمريكية لعام 2020”.

تعليق منصات التواصل الاجتماعي وصول ترامب إلى حساباته دفعه باللجوء إلى حساب مساعده سكافينو لنشر سلسلة من التغريدات قال فيها: “على الرغم من أنني أختلف تمامًا مع نتيجة الانتخابات، والحقائق تؤكد ذلك، إلا أنه سيكون هناك انتقال منظم للسلطة في 20 (كانون الثاني) يناير الجاري”، مضيفًا بأنه “لطالما قلت إننا سنواصل معركتنا من أجل ضمان احتساب الأصوات القانونية فقط”، قبل أن يصف مصادقة الكونغرس على نتائج الانتخابات بأنها “نهاية أعظم ولاية في تاريخ الرئاسة”.

Statement by President Donald J. Trump on the Electoral Certification:

“Even though I totally disagree with the outcome of the election, and the facts bear me out, nevertheless there will be an orderly transition on January 20th. I have always said we would continue our…

— Dan Scavino—— (@DanScavino) January 7, 2021

إقالات للمسؤولين عن أمن الكابيتول

أثار مشهد اقتحام المحتجين لمبنى الكابيتول عاصفة من الانتقادات التي وجهها مسؤولون أمريكيون للمسؤولين عن أمن المبنى، بالأخص أن المقاطع التي جرى تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي أظهرت أحد الضباط يلتقط صورة سيلفي مع أحد الأشخاص الذين اقتحموا المبنى، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مضيفة بأن أحد المقاطع المصورة أظهر كذلك سماح ضباط الشرطة لمناصري ترامب بالاقتراب من المبنى بعدما أزالوا السياج الأمني الذي يفصلهم عنه.

CAUGHT ON VIDEO: The moment Police allow rioters to storm the US Capitol. #Washington #CapitolHill #DC #DCProtests pic.twitter.com/nxQsbNDdME

— Anthony Davis (@theanthonydavis) January 6, 2021

الانتقادات التي وجهت لحرس المبنى كانت في إطار عدم اعتقالهم مثيري الشغب منذ بداية الاقتحام، وهو ما برره أحد مسؤولي إنفاذ القانون المطلعين على الحادث بأنه لم يكن يوجد العدد الكافي من الحرس للقيام بذلك، لكن واشنطن بوست تقول إن هذا التعليق يتناقض مع الطريقة التي تعامل فيها حرس المبنى مع حادثة عام 2013، بعدما أطلق الرصاص على الأمريكية من أصول أفريقية ميريام كاري لزعمها اصطدام المرأة بالحاجز الأمني للكابيتول.

في حين قارنت النائبة الديمقراطية بوني واتسون كولمانما بين الطريقة التي تعامل بها حرس المبنى مع محتجي حركة “حياة السود مهمة” التي نظمت أمام مبنى الكابيتول في الصيف الماضي، وبين الطريقة التي تعاملوا بها مع مناصري ترامب أثناء اقتحامهم للمبنى، مشيرةً إلى أنه خلال احتجاجات الصيف التي خرجت ردًا على عنصرية قوات الشرطة اتجاه الأمريكيين من أصول أفريقية، لم يكن بإمكان المحتجين التحرك بسبب أعداد الشرطة، قبل أن تضيف متسائلة “أين كان (الحرس) اليوم؟”.

ومن المرجح أن تشهد الأيام القادمة إصدار قرارت إقالة متتالية للمسؤولين عن حرس المبنى، وفقًا لما أكده النائب الديمقراطي تيم ريان في حديثه للصحفيين، حيث “من الواضح أنه سيكون هناك عدد من الأشخاص بلا عمل” في القريب العاجل، بينما قال مسؤولين في وكالات إنفاذ القانون إن شرطة الكابيتول والوكالات الفيدرالية الأخرى قللت من التهديدات المحتملة لمناصري ترامب على الرغم من حالة القلق التي كانت تنتاب شرطة العاصمة.

خلال الأيام الماضية كثف ترامب من جهوده لعرقلة مصادقة الكابيتول على نتائج الانتخابات الأخيرة، بإصراره على “سرقة الانتخابات” من الديمقراطيين حتى بعد أحداث يوم الأربعاء، وكان استبقها بمحاولة الضغط على سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرغر لإيجاد أصوات تجعله يفوز بالمجاميع الانتخابية للولاية، ووفقًا لمقطع صوتي حصلت عليه واشنطن بوست يتضمن مكالمة هاتفية بين الاثنين، أظهرت تهديد ترامب للمسؤول الجمهوري بعواقب “جنائية غامضة”.

Audio: Trump berates Ga. secretary of state, urges him to “find” votes https://t.co/Pibw9gBt1A

— The Washington Post (@washingtonpost) January 3, 2021

المكالمة التي نشرتها الصحيفة الأمريكية كانت جزءًا من الضغوط التي مارسها ترامب لتحويل نتائج الانتخابات لصالحه، إلا أن الضغط الأكبر كان يتحمله نائبه بنس الذي حمله ترامب مسؤولية هزيمته في الانتخابات في تغريدته بالقول “لم يكن لدى مايك بنس الشجاعة لفعل ما كان يجب القيام به لحماية بلدنا ودستورنا، إعطاء الولايات الفرصة للتصديق على مجموعة من الحقائق المصححة، وليس المزورة أو غير الدقيقة التي طلب منهم التصديق عليها مسبقًا”، قبل أن يقوم تويتر بحذفها من المنصة.

يُعرف عن بنس وفقًا للصحافة الأمريكية بأنه من أكثر الداعمين لمواقف ترامب، ما برز بشكل واضح خلال التحقيق الذي قاده الديمقراطيون في الكابيتول تمهيدًا لعزل ترامب من منصبه، وتعد عدم موافقته مزاعم ترامب بـ”سرقة الانتخابات” واحدة من النوادر التي يخالف بها قرارات الرئيس، كما يُنظر إليه على أنه من أكثر المسؤولين الجمهوريين المحافظين،إلا أنه على الرغم من ذلك يؤمن بضرورة عدم تجاوز وثيقة الدستور الأمريكي التي وقع عليها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة.

ولعل ذلك يؤكد ما تداولته وسائل الإعلام الأربعاء عن مغادرته مبنى الكابيتول بعد اقتحامه من قبل مناصري ترامب، قبل أن تعود نافية ذلك بالإشارة إلى أنها معلومات مضللة للحفاظ على سلامته الشخصية، وأنه كان على اتصال مع المسؤولين من داخل المبنى، والتي استبقها في بيان صادر عنه يقول مضمونه إن”حكمي المدروس هو أن قسمي بدعم الدستور والدفاع عنه يمنعني من المطالبة بسلطة أحادية– لتحديد أي الأصوات الانتخابية يجب احتسابها وأيها لا ينبغي احتسابها”.

وبحسب ما نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية على لسان مسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية، بمن فيهم وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، فإن بنس لعب دورًا أساسيًا من خلال التنسيق مع وزارة الدفاع لتسهيل قرار حشد أعضاء الحرس الوطني لاحتواء العنف من قبل مناصري ترامب، في الوقت الذي كان الرئيس مترددًا من إصدار مثل هذا القرار، وقال ميلر إنهم قاموا “بتنشيط الحرس الوطني في العاصمة بشكل كامل لمساعدة تطبيق القانون الفيدرالي والمحلي”، بعد مكالمتين منفصلتين أجراهما مع بنس وبيلوسي.

هل تلجأ الحكومة الأمريكية للتعديل 25؟

يمكن القول إن الفترة التي قضاها رجل الأعمال الذي تحول من عالم الاقتصاد والمال إلى السياسة ستكون الأسوأ في تاريخ الحزب الجمهوري، ويأتي ملخصها فيما يمكن وصفه بـ”الأربعاء الأسود” للمسؤولين الجمهوريين، ليس فقط من ناحية محاولة تجاوز ترامب نتائج الانتخابات الأمريكية بالانقلاب عليها، إنما كذلك من جانب خسارتهم للأغلبية في مجلس الشيوخ بعد فوز المرشحين الديمقراطيين جون أوسوف ورافاييل وارنوك بالانتخابات الفرعية لعضوية المجلس عن ولاية جورجيا، ما يمنحهما سيطرة على مجلسي الشيوخ والكابيتول هيل معًا، إضافة لمنصب الرئاسة.

وتلوح أمام الجمهوريين فرصة لاستعادة قاعدتهم الشعبية – المتأرجحة – التي يمكن أن تتحول للديمقراطيين بعد أحداث العنف الأخيرة، إذا ما لجأوا للتعديل 25 من الدستور الأمريكي، بحسب ما نقلت شبكة سي إن إن على لسان مسؤولين ووزراء جمهوريين في الحكومة الأمريكية الحالية، وهو البند الذي يسمح لنائب الرئيس والنسبة الأكبر من أعضاء الحكومة بتفعيله إذا ما وجدوا أن الرئيس “غير قادر على تحمل أعباء منصبه”، مشيرةً إلى أن المسؤولين ناقشوا الفكرة بعدما وجدوا أن ترامب أصبح “خارجًا عن السيطرة”.

وأضافت الشبكة بأن نقاش اللجوء للتعديل 25 لا يزال جاريًا، إلا أنه من غير الواضح أن يكون هناك العدد الكافي من الوزراء لإقالة ترامب، فيما كان واضحًا عدم حصول ترامب على تأييد أبرز الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذين طالما كانوا يدافعون عن تصريحاته في وسائل الإعلام الأمريكية، بمن فيهم السيناتور ميت رومني الذي وصف ترامب بـ”الأناني”، فيما طالب السيناتور توم كوتون – أحد أبرز داعمي ترامب – بأن “يتوقف (ترامب) عن تضليل الشعب الأمريكي”.

في حين قالت واشنطن بوست في مقالها الافتتاحي إن ترامب “لم يعد صالحا للبقاء في مكتب الرئيس” لما تبقى له من فترة ولايته في البيت الأبيض، مشددةً على “كل ثانية يحتفظ فيها بسلطات الرئيس الواسعة سيظل خطرًا على الرأي العام والأمن القومي”، مطالبة أن يقوم نائبه بنس بصورة سريعة بـ”إعلان أن الرئيس ترامب لم يعد قادرًا على أداء واجبات مكتبه والسلطات الممنوحة له”، كما نقلت على لسان الرئيس الديمقراطي بايدن وصفه ما حدث بأنه “ليس احتجاجًا بل تمردًا”.

وهاجمت الصحيفة في افتتاحيتها الجمهوريين الذين أيدوا مزاعم ترامب المرتبطة بـ”سرقة الانتخابات”، وهو ما أدى لتأجيج حالة من الغضب لدى الجمهوريين الذين خدعوا بأحاديث ترامب بالقضية ذات الصلة، ومن بينهم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي رد على مزاعم ترامب بالقول “لا شيء أمامنا يؤكد عدم قانونية الاقتراع في أي مكان وعلى قاعدة واسعة، وبشكل يحرف ميزان الانتخابات، ولو قلبت نتائج الانتخابات بناء على هذه المزاعم فستدخل ديمقراطيتنا دوامة الموت”.

—————————–

عشش في جورجيا و”باض” في واشنطن: بعد محاولة الانقلاب.. هل تختفي آثار ترامب التدميرية برحيله؟

في الحملة التي يديرها ترامب منذ هزيمته في الانتخابات، وافق على دفع كل ثمن من أجل الحفاظ على رؤيته الذاتية كمنتصر. فقد قام بتخريب حملة حزب، مثلما أدرك الديمقراطيون هذا الأسبوع، في جورجيا. ولكن الأكثر من ذلك، عمل ترامب على هز ثقة المواطنين بطهارة الانتخابات. الكثيرون كانوا يأملون أن مفاجآته المدمرة ستختفي معه، لكن مواجهات واشنطن التي وصلت إلى محاولة انقلاب عنيفة، قدمت مثالاً واضحاً على ضرر طويل المدى يتوقع أن يتركه خلفه.

بدأ هذا مثل يوم دراماتيكي في الولايات المتحدة، الذي حدث فيه حادثتان سياسيتان كبيرتان. في الصباح كانت العيون شاخصة نحو جورجيا التي تواصل فيها فرز الأصوات في سباقين انتخابيين مصيريين لمجلس الشيوخ. والمرشح الديمقراطي رفائيل فيرنو، توج في السابق كفائز في أحد هذين السباقين، واعتبر انتخابه حدثاً تاريخياً لأنه الشخص الأسود الأول الذي انتخب لمجلس الشيوخ في هذه الولاية في الجنوب. وكانت المعركة الثانية متقاربة جداً، لكن يظهر فيها أيضاً أن هناك فوزاً للمرشح الديمقراطي جون أوسوف. وإذا فاز الاثنان فسيكون هناك توازن قوى في مجلس الشيوخ، 50: 50. ومع وجود نائبة الرئيس كمالا هاريس مرجحة لهذا التوازن، فستنتقل السيطرة فعلياً إلى أيدي الديمقراطيين، الأمر الذي سيمنح جو بايدن مجالاً أكبر للمناورة.

ولكن في موازاة الدراما السياسية التي تحدث في جورجيا، تستعد واشنطن لمعركة أخرى: جرت في الكونغرس عملية رسمية للمصادقة على تصويت المجمع الانتخابي لانتخاب الرئيس مثلما يقتضي الدستور. أخرى ومثل هذا يعتبر في أي جولة انتخابية حدثاً إجرائياً لم يكن ليحظى باهتمام الجمهور الواسع، وبصعوبة من قبل المشرعين أنفسهم. ولكنها بالنسبة لترامب كانت فرصة لاستغلال الإجراءات لصالحه. منذ خسارته وهو يستغل معظم الإجراءات الرسمية ويحاول تحويلها إلى حملة انتخابات بديلة. وبالنسبة له، كان التصويت أمس محاولة أخيرة للاحتجاج على إرادة الناخب.

12 سناتوراً جمهورياً و140 عضو كونغرس أعلنوا مسبقاً عن ولائهم لترامب، وأعلنوا بأنهم سيعارضون العملية، مع معرفة واضحة بأن هذه ليست سوى خطوة رمزية. ولم يفعلوا ذلك لاعتقادهم بإماكانية تغيير نتائج الانتخابات، بل العكس. وهم يستعدون الآن للانتخابات القادمة في العام 2022 أو 2024، وهذا يتعلق بالمنصب. وكل رغبتهم هي الوصول إلى يوم الناخب وهم في الطرف الجيد لمصوتي ترامب.

استجاب جمهور ترامب لدعوة الرئيس، وتجمع في مركز واشنطن ولم تشغله القضايا القانونية، رغم أن نتائج الانتخابات سبق وتحددت في تشرين الثاني وصادق عليها المجمع الانتخابي في كانون الأول، إلا أن ترامب أقنع الجمهور بأنها فرصة أخيرة لقلبها. ومثلما أوضح عشرات القضاة لكثير من محاميه، فليس لديه دليل على أن “اليسار المتطرف” زوّر الانتخابات، لكن المتظاهرين يؤمنون بذلك من أعماق قلوبهم.

استغل ترامب مسيرته التهديدية لتسوية الحساب مع كل من أدار ظهره؛ فقد أدخل إلى مربع “اليساريين المتطرفين” عدداً من السناتورات الجمهوريين مثل ميت رومني، وحاكم جورجيا براين كامب، ووزير الخارجية براد ريفنسبيرغر، الذي تم نشر تسجيل عن محادثاته معهم في “واشنطن بوست” جمهوريان متعصبان، لكن أثناء فرز الأصوات في ولايتهما فضل الامتثال للدستور وليس للطلبات غير الديمقراطية لزعيم حزبهما – وتم شطبهما.

انقض ترامب أيضاً على معظم الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب لأنهم لم ينضموا لجوقته، كل واحد لأسبابه الخاصة، وأقسم على النضال ضدهم عندما سيتنافسون لفترة ولاية أخرى. “جمهوريون ضعيفون”، كان أحد الصفات التي ألصقها بهم، “يثيرون الشفقة”، هذا كان وصفاً مهيناً آخر.

حتى النائب المخلص لترامب الذي تنازل في السنوات الأربع الأخيرة عن كرامته الشخصية وعن مبادئه لإرضاء الرئيس، وجد نفسه في الطرف غير الصحيح. “آمل أن يفعل مايك بينس الأمر الصحيح، لأنه إذا فعل سنفوز في الانتخابات”، قال ترامب، لكن تعابير وجهه أظهرت أنه لم يعد يثق به مثلما كان في السابق. قبل فترة قصيرة من المسيرة والتصويت في الكونغرس، أبلغت معظم وسائل الإعلام بأن بينس لا ينوي معارضة المصادقة على فوز بايدن.

من اعتقد أن الانقسام الداخلي للحزب الديمقراطي، والذي قاده ترامب في الأشهر الأخيرة سيبقى مقتصراً على منتخبي الجمهور، فقد خاب أمله. تجمع المتظاهرون الذين شاركوا في المسيرة في البداية قرب النصب التذكاري في واشنطن. ولكن بعد ذلك، اخترق المئات منهم حواجز الشرطة وبدأوا بالركض نحو تلة الكابيتول. بعد ذلك، اندلعت مواجهات بين المتظاهرين ورجال الشرطة وسيطرت الفوضى على مبنى الكونغرس.

حسب التقارير، بعض رجال الشرطة الذين قاموا بتأمين المنطقة لم يستطيعوا الوقوف أمام هذا الاندفاع العارم، ولم تساعدهم قنابل الدخان. نجح عدد من المتظاهرين في اجتياز الحماية واندفعوا إلى داخل المبنى، ثم دخلوا إلى اجتماع مجلس الشيوخ. الذعر الذي شعرت به واشنطن، وتردد صدى صور الانقلابات في دول أمريكا الجنوبية اشتد عندما أعلن رئيس البلدية عن حظر تجول عام ومنع سكان المدينة من الخروج إلى الشوارع من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحا. في هذه المرحلة، وعندما خرجت الأمور عن السيطرة، غرد ترامب لمؤيديه وطلب منهم الامتثال لرجال الشرطة. وبهذا حاول إبعاد نفسه عن الجمهور الذي هو نفسه أثار حماسته قبل فترة قصيرة من ذلك، وجهاً لوجه وبدون أقنعة.

ورغم بيانه التصالحي، بقي الخطر الذي يجسده ترامب كبيراً. لديه أسبوعان إلى حين أداء بايدن القسم، وهذا وقت يكفي ويزيد لزرع المزيد من الفوضى والتشويش. قوات الأمن في واشنطن، كما يبدو، ستستخلص الدروس في الأيام القريبة القادمة، لكن ترامب ومؤيديه ما زالوا غاضبين ويمكنهم الانقضاض. حتى لو أصبح الشر وراءنا وحتى إذا كان العنف في واشنطن مجرد تشنج آخر من تشنجات احتضار رئاسة ترامب، إلا أنه تذكار لتراث رعب الرئيس الـ 45. بايدن وزعماء الجمهوريين مثل السناتور مايك مكونال، أصبحوا يدركون أن ترامب يورثهم خطراً واضحاً وفورياً.

بقلم: نتنئيل شلوموبتس

هآرتس

القدس العربي

—————————–

ترامب يتعهد بـ”انتقال منتظم” للسلطة وسط صدمة عالمية بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول

واشنطن – في إقرار واضح بهزيمته في الانتخابات، تعهد دونالد ترامب الخميس بـ”انتقال منتظم” للسلطة في 20 كانون الثاني/يناير، غداة العنف الذي رافق اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول زارعين الفوضى والذعر ومثيرين صدمة في أمريكا والعالم.

وجاء ذلك بعد دقائق على مصادقة الكونغرس على انتخاب جو بايدن رئيسا، في آخر مرحلة قبل تنصيبه رسميا، في عملية كان يفترض أن تكون شكلية، لكن الصور التي لم يكن بإمكان أحد أن يتخيلها والتي التقطت من داخل مبنى الكابيتول العريق الذي يضم الكونغرس الأمريكي في واشنطن، ستدخلها التاريخ.

وفي ختام يوم قد يكون كارثيا لمستقبله السياسي، تعهد ترامب بمغادرة البيت الأبيض في نهاية ولايته، غير أنه استمر رغم ذلك في مزاعمه بحصول تزوير انتخابي.

وكتب في بيان “حتى لو كنت أعارض تماما نتيجة الانتخابات، والوقائع تدعمني، سيكون هناك انتقال منتظم في 20 كانون الثاني/يناير”.

وأضاف “إنها نهاية واحدة من أفضل أولى الولايات في تاريخ الرئاسة، لكنها مجرد بداية معركتنا من أجل أن نعيد لأمريكا عظمتها”.

وأعلن نائب الرئيس الجمهوري مايك بنس في منتصف الليل بالتوقيت الأمريكي وبعد رد اعتراضات عدد من النواب الجمهوريين، المصادقة على فوز بايدن، مؤكدا أن نتيجة تصويت الهيئة الناخبة صبّ لصالح هذا الأخير، بأصوات 306 من كبار الناخبين مقابل 232 لدونالد ترامب.

وكان النواب وأعضاء مجلس الشيوخ قطعوا جلستهم المشتركة لساعات عدة الأربعاء بسبب اقتحام أبر رموز الديمقراطية الأمريكية. واستأنفوها بعد إخلائه من المتظاهرين. ورفضوا اعتراضات قدمها الجمهوريون على فوز بايدن، فيما تراجع عدد من الموالين لترامب عن مواقفهم في أعقاب أحداث العنف.

وكان لمشاهد الأحداث داخل مبنى الكابيتول العريق في واشنطن وقع الصدمة. فقد اجتاز حشد من المتظاهرين الذين كانوا يلوحون برايات بعضها كتب عليه “ترامب رئيسي”، الحواجز الأمنية أمام مقر الكونغرس واقتحموا المبنى وخربوا مكاتب ودخلوا إلى قاعات والتقطوا صورا لهم فيها، مرددين أن الانتخابات الرئاسية مزورة.

وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع خلال عملية استمرت أربع ساعات لإخراج المتظاهرين من الكابيتول. وقالت الشرطة إن امرأة، يعتقد أنها من أنصار ترامب جاءت من جنوب كاليفورنيا، قضت إثر إصابتها بالرصاص وإن ثلاثة أشخاص آخرين لقوا حتفهم في المنطقة في ظروف لم تتضح بعد.

وانتشرت صورة لأحد أنصار ترامب يرتدي سروال جينز وقبعة بيسبول وهو جالس ورجله مرفوعة على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي حيث تُركت رسالة تنطوي على تهديد، في وقت تسلق متظاهرون آخرون منصات أقيمت لحفل تنصيب بايدن في كانون الثاني/يناير، ورفعوا لافتة كتب عليها “نحن الشعب سنخضع دي.سي (واشنطن). لدينا القدرة على ذلك”.

ووصف بايدن أحداث العنف بأنها “تمرد”. وقال بايدن من ولاية ديلاوير، مسقط رأسه، “نظامنا الديمقراطي يتعرض لهجوم غير مسبوق”.

وأضاف “هذا ليس اعتراضا. إنه إخلال بالأمن وفوضى. ويكاد يصل إلى الفتنة. ينبغي أن يتوقف الآن”.

وبعد وقت قصير على تصريحات بايدن، نشر ترامب تسجيلا مصورا دعا فيه أنصاره للمغادرة لكنه كرر اتهاماته التي لا تستند إلى أدلة عن تزوير الانتخابات.

وقال “يجب أن يحل السلام. لذا اذهبوا إلى بيوتكم. نحن نحبكم، أنتم مميزون جدا”.

وقالت صونيا فيتزجيرالد البالغة 34 عاما المناصرة لترامب من ولاية فلوريدا على درج الكابيتول “ستسمعون عن الأمر في كتب التاريخ”.

وفي إجراء غير مسبوق، حجبت منصات تواصل اجتماعي تسجيل ترامب معتبرة أنه يفاقم العنف. وعلق موقع “تويتر” حسابه، محذرا الرئيس من حظر دائم في حال عدم التزمه بقواعد النزاهة المدنية.

“دوامة قاتلة” للنظام الديمقراطي

وتزامنت الفوضى في الكابيتول مع فوز الديمقراطيين بمقعدين في مجلس الشيوخ في انتخابات فرعية في ولاية جورجيا، ما يكرس هيمنتهم على الكونغرس ويمهد الطريق أمام بايدن لتمرير تشريعات بدءا بمساعدات إغاثة في أزمة كوفيد-19.

ويقول المؤرخون إنها المرة الأولى التي يتم فيها اقتحام الكونغرس منذ عام 1814 عندما أحرقه البريطانيون خلال حرب 1812.

ولأكثر من عقدين، جرت الجلسات المشتركة للكونغرس بهدوء، وهي إجراء شكلي تتم فيه المصادقة رسميا على الفائز في الانتخابات، لكن ترامب حض أعضاء الحزب الجمهوري على الاعتراض على النتيجة.

ورفض الكونغرس الاعتراض الأول على فوز بايدن في أريزونا. كما رفض اعتراضا من الحزب الجمهوري على فوز بايدن في ولاية بنسلفانيا.

واعترض 121 نائبا من الحزب الجمهوري على النتيجة، بينما تراجع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن معارضتهم السابقة بسبب أحداث الكابيتول.

وقالت السناتور كيلي لوفلر التي خسرت الانتخابات الفرعية في جورجيا، “الأحداث التي حصلت اليوم أجبرتني على إعادة النظر. ولا أستطيع الآن بضمير حي أن أعترض على المصادقة”.

وتراجع أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ عن الاعتراض على فوز بايدن في جورجيا وميشيغن.

وسعى زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل الذي لطالما كانت مواقفه متناسقة مع ترامب خلال رئاسته، إلى منع الاعتراضات، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات ليست حتى متقاربة.

وقال قبل وقت قصير على أعمال العنف “الناخبون والمحاكم والولايات قالت كلمتها. إذا قمنا بنقضها فسنلحق الضرر بجمهوريتنا إلى الأبد”.

وأضاف “في حال أُبطلت نتيجة الانتخابات استنادا إلى مجرد ادعاءات من الخاسرين سيدخل نظامنا الديمقراطي في دوامة قاتلة”.

لكن السناتور جوش هولي الذي قاد جهود الاعتراض على المصادقة وينظر إليه كمرشح جمهوري مستقبلي طامح للرئاسة، تمسك بموقفه حتى بعد اقتحام الكابيتول.

وقال السناتور البالغ 41 عاما “التغيير لا يتحقق بالعنف”، مشددا على أنه يريد أن يعرض “عملية قانونية” تتيح لمؤيدي ترامب النظر في ادعاءاتهم بحصول تزوير في الانتخابات.

“عار”

أما السناتور ميت رومني، أحد أكبر منتقدي ترامب في الحزب الجهوري، فقال إن أفضل طريقة لاحترام الناخبين هي “بقول الحقيقة لهم”.

وقال “اولئك الذين يستمرون في دعم هذه المناورة الخطيرة … سيُعتبرون إلى الأبد متواطئين في هجوم غير مسبوق على نظامنا الديمقراطي”.

واعتبر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، المرجح أن يصبح زعيم الأكثرية في المجلس بعد انتخابات الثلاثاء، أعمال العنف بمثابة “محاولة انقلاب”. وقال إنها ستدخل التاريخ الأمريكي على غرار الهجوم الياباني على بيرل هاربور.

وأضاف “هذا الحشد في جزء كبير منه صنيعة الرئيس ترامب، حرضتهم كلماته وأكاذيبه”، مضيفا بأن ترامب سيلحق به “عار دائم”.

واعتبر الرئيس السابق باراك اوباما أعمال العنف “مخزية” لكنها ليست “مفاجئة”.

وأضاف “سنخدع أنفسنا إذا قلنا إنّ ما حدث كان مفاجأة تامّة”، ملقياً باللوم على قادة الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الموالية لهم لأنّهم “غالباً ما كانوا غير راغبين في إخبار أتباعهم بحقيقة” أن بايدن حقّق فوزاً كبيراً في الانتخابات.

وشنّ الرئيس الأسبق الجمهوري جورج دبليو بوش هجوماً عنيفاً على القادة الجمهوريين الذين أجّجوا حالة “التمرّد” التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تليق بـ”جمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية”.

في العالم، عبر حلفاء الولايات المتحدة عن صدمتهم. وندد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بما وصفه “مشاهد مخزية”، فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحداث “بالعمل المشين”. وأعربت المستشارة الألمانية عن “حزنها” و”غضبها” مؤكدة أن ترامب يتحمل قسما من المسؤولية.

في باريس، اعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون أن ما حصل في واشنطن “ليس أمريكيا بالتأكيد”.

أعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الخميس عن “حزنها” و”غضبها”، محملة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته قسما من المسؤولية.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أبرز حلفاء ترامب، الخميس أحداث مبنى الكابيتول في واشنطن “بالعمل المشين”، مضيفا “الديمقراطية الأمريكية ستنتصر كما كانت دائما. لطالما ألهمتني”.

وكان يتحدث إثر لقائه وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين الذي يزور القدس والذي قال بدوره إن أعمال العنف التي قام بها أنصار ترامب “غير مقبولة”، مضيفا “حان الوقت لكي تتحد أمتنا وتحترم العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة”.

أما خصوم واشنطن، فاستغلوا الظرف لانتقادها مجددا.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني الخميس إن الديمقراطية الغربية “هشة وضعيفة”، محذرا من صعود “الشعبوية”.

دعوات لتنحية ترامب

ولم يتبق سوى أسبوعين لترامب في البيت الابيض. ومع تراجع نشاطاته العامة منذ أسابيع وتقارير عن عدم قدرته على التعاطي مع الأمر الواقع، ذكرت وسائل إعلام أن الحكومة تبحث بتكتم مسألة عزله كونه غير أهل للمنصب، بموجب التعديل الـ25 للدستور.

وكتب جميع الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس النواب في رسالة إلى نائب الرئيس مايك بنس أن “استعداد الرئيس ترامب للتحريض على العنف والاضطرابات الاجتماعية لإلغاء نتائج الانتخابات يتطابق مع هذا المعيار”.

وكان ترامب حض أنصاره في كلمة غاضبة أمام البيت الأبيض، على السير نحو الكابيتول وطالب بنس بالتدخل لعكس مسار الهزيمة.

لكن بنس الذي بقي مخلصا لترامب طيلة أربع سنوات وصامتا خلال الانتخابات، قال في بيان في اللحظة الأخيرة إنه لن يفعل ذلك.

(أ ف ب)

——————————

فورين بوليسي: أمريكا شهدت يوم الأربعاء محاولة إنقلابية ضد السلطة التنفيذية

إبراهيم درويش

قال الباحث في العلوم السياسية بجامعة ماساشوستس أمهرست بول ماسغريف إن الهجوم على الكابيتال هيل هو انقلاب.

وأضاف أنه في صباح الأربعاء تابع الأخبار في الصحف المعروفة مثل واشنطن بوست وبوليتيكو وول ستريت جورنال حيث كان معظمها مشغولا بنتائج انتخابات الإعادة في جورجيا والوباء المستمر وغير ذلك. إلا أن مقالا لفت نظره في واشنطن بوست لديفيد ناكامورا تساءل فيه إن كانت التحضيرات للإحتجاجات أمام كابيتال هيل تدخل ضمن تعريف الإنقلاب.

واستند في مقالته على شهادات خبراء ومؤرخين قالوا إنها انقلاب، ولكن تطورات الثلاثاء التي تحدثت عنها تلك الصحف لم يكن ينطبق عليها بعد التعريف الأكاديمي للمحاولة الإنقلابية.

وبعد الخرق الأمني للكابيتال وتعليق جلسة عد الأصوات ودخول عصاة إلى مكاتب النواب وأعضاء مجلس الشيوخ فإن ما حدث يعطي صورة أن ما شهدته الولايات المتحدة كان محاولة إنقلابية، أي محاولة بالقوة للسيطرة على السلطة ضد إطار قانوني. وكان الرئيس هو مصدر الإرباك لعملية المصادقة على عملية ستؤدي إلى خروجه من السلطة. وبسبب هذا جرى تعليق آليات الحكومة الدستورية.

وحذر الباحث من إمكانية خسارة الأمريكيين حكومتهم الدستورية بمستوى لا مثيل له حتى أثناء الحرب الأهلية، الفترة التي لم تؤد العملية الإنفصالية نفسها إلى تأجيل الإنتخابات أو عملية نقل السلطة بين الرؤساء. وقال إن اللحظة التي تواجه الأمريكيين اليوم هي مشابهة لما جرى في روسيا آب/ أغسطس 1991 للإطاحة بالرئيس ميخائيل غورباتشوف كرئيس للإتحاد السوفييتي أو المواجهة المسلحة عام 1993 بين المشرعين الروس والرئيس بوريس يلتسين.

لكن وحتى هذه اللحظة هناك كورس من الأصوات يدعونا لعدم القلق.

ويرى الباحث أن السنوات الماضية كانت فترة إزدهار للباحثين السياسيين الذين يعملون على تحليل قضايا تتعلق بتحلل الديمقراطية والإنقلابات، ذكر مقال “واشنطن بوست” عددا منهم. وفي الوقت الذي دخلت فيه الولايات المتحدة مرحلة مجهولة من الديمقراطية توصل الصحافيون والقراء معا أن الصحافة التي تشبه تغطية سباقات الخيل لم تعد قادرة على تفسير السياسة.

وفي الوقت الذي زاد فيه التوتر حصل انقسام بين من يؤمنون بقدرة المؤسسات على حماية الأمريكيين وتفوق القيم الديمقراطية وبين من كانوا واضحين بحدوث مواجهة في أمريكا على قاعدة ضخمة.

والسؤال أين الخطأ؟ يجيب الكاتب أن هناك التزام مثير للإحترام لنزاهة البحث الأكاديمي، من ناحية التزامه بالقواعد. ويرى المركز للسلام المنظم في دليله عن الإنقلابات أن “الثورات الإجتماعية وانتصارات من قوى المعارضة في الحروب الأهلية أو انتفاضات شعبية قد تقود إلى تغيرات جوهرية في القيادة المركزية ليست انقلابات عسكرية”، وحتى يوم الأربعاء لم يحدث شيء من هذا القبيل. ولكن ما حدث في ذلك اليوم يمكن اعتباره انقلابا لأن دليل المركز وتعريفه للإنقلاب هو “السيطرة بالقوة على السلطة التنفيذية والرئاسة من قبل فصيل معارض أو منشق داخل النخبة الحاكمة والسياسية وتؤدي إلى تغير جوهري في القيادة التنفيذية وسياسات النظام السابق”.

و”نرى هذا أمام أعيننا الآن حيث حاول أنصار ترامب وبطريقة منظمة عرقلة عملية عد ومصادقة قانونية للإنتخابات بما في ذلك محاولة إجبار نائب الرئيس مايك بنس على اختيار الرئيس المقبل. ومن الصعب تحديد النية والقصد مع الغوغاء ومن يحرضونهم. ولكن المنظمين المؤيدين لترامب كانوا واضحين على منابر الإنترنت ورغبتهم بقلب نتائج الإنتخابات وإبقاء ترامب في السلطة وكذا تغريدات ترامب نفسه”.

وأنت لست بحاجة للقوة العسكرية كي تقوم بانقلاب مع أن مقال وزراء الدفاع الأحياء السابقين العشرة والذين حذروا من عدم زج الجيش في السياسة وإبقائه في الثكنات ما يدعو للقلق. وقال إن من يترددون باعتبار أحداث الأربعاء انقلابا نابع من تمسكهم بالنزاهة الأكاديمية التي تقوم على التكهن والتوقع الذي يريدون صحيحا وتجاهل ما يحدث في الحقيقة. ومعظم هؤلاء يركزون في دراساتهم على المقارنة التي تدرس السياسة الأجنبية لا الأمريكية، باستثناء مجموعة من المتخصصين في التطورات السياسية الأمريكية الذي يعرفون بتاريخ العنف في تاريخ البلاد السياسي.

وحتى يوم الأربعاء أقام الأمريكيون النتائج الإنتخابية على ما يحصل وليس إن كانت النتائج تهم أم لا. وتدخل الولايات المتحدة مرحلة خطيرة، فعملية نقل السلطة التي تستغرق أشهرا والتي يعرف الجميع أن الولايات المتحدة تكون فيه هشة وينظر إليها بمرحلة خطيرة. ويظل الرئيس في منصبه خلال فترة الإنتقال. ولو حدثت عملية تنصيب لجوزيف بايدن، فستعقد في مكان آمن وليس على درجات الكابيتال المقدسة.

—————————

أمريكا: إطلاق نار ومواجهات مسلحة بين الشرطة وأنصار ترامب خلال اقتحامهم الكونغرس في محاولة لمنع توثيق فوز بايدن

واشنطن – وكالات: نقلت قناة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية أنباء عن حصول مواجهة مسلحة عند باب قاعة مجلس النواب الأمريكي، وقال شهود إن السلطات حاولت إغلاق مبنى الكونغرس الأمريكي (الكابيتول) أمس الأربعاء إثر اختراق حشود تحتج على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن للحواجز الأمنية أثناء مناقشة المجلس للتوثيق الرسمي لفوزه على الرئيس دونالد ترامب.

وتوقف فجأة وبشكل غير متوقع عمل مجلسي الشيوخ والنواب، اللذين كانا يناقشان الاعتراضات المقدمة على فوز بايدن وغادر نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس مبنى المتظاهرين في حماية الشرطة.

وحسب مراسل نيويورك تايمز فإن السيناتور الجمهوري ميت رومني اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتسبب في هذا التمرد، فيما قال زعيم الجمهوريين في مجلس النواب في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” إن الاحتجاجات في مبنى الكونغرس لا تمت لأمريكا بصلة، مشيرا إلى أنه سمع خلال وجوده مع شرطة الكونغرس عبر جهاز لاسلكي إطلاق نار.

وطلبت شرطة الكونغرس من أعضاء مجلس النواب بالبقاء في أمكنة مغلقة وبأخذ أقنعة الغاز من تحت مقاعدهم وأن يكونوا مستعدين لوضعها، كما طالبت الصحافيين البقاء في المبنى والاستلقاء على الأرض. وقالت الشرطة إنها تتعامل مع بلاغات عن احتمال وجود عبوات ناسفة في مناطق متفرقة من واشنطن.

وفرضت عمدة واشنطن حظرا للتجوال على كامل المدينة اعتبارا من السادسة مساء بالتوقيت المحلي

اعتبر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الذين يعترضون على فوز جو بادين في الانتخابات يدعمون “محاولة انقلاب”.

وقال “للأسف يظن بعض عناصر الحزب الجمهوري أن استمراريتهم السياسية رهن بمشاركتهم في محاولة انقلاب”. وخلال جلسة خاصة مشتركة لمجلسي الكونغرس للمصادقة على فوز بايدن اعترض الأربعاء أعضاء موالون للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، على نتائج الانتخابات مكررين الادعاءات بحصول عمليات تزوير.

في هذه الأثناء تابع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إطلاق تصريحات تحريضية، وذلك خلال لقاء عام مع أنصاره في واشنطن، أعاد فيها مزاعمه حول حصول تزوير كبير في الانتخابات، وهاجم فيها المحكمة العليا، وسلطات الولايات الأمريكية، كما هاجم نائبه مايك بنس، الذي أعلن بشكل رسمي أنه لن يعارض المصادقة على فوز جو بايدن.

————————–

واشنطن بوست: ترامب خطرٌ على أمريكا ويجب تنحيته حالا

إبراهيم درويش

دعت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها إلى تنحية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الحكم، واتهمته بالوقوف وراء الهجوم على مبنى الكابيتول هيل في واشنطن.

وقالت الصحيفة إن رفض الرئيس ترامب القبول بنتائج الانتخابات وتحريضه المستمر لأنصاره، قاد يوم الأربعاء لشيء لم يكن أحد يتخيله، هجوم غوغاء متطرفين على الكابيتول في الولايات المتحدة والذين تغلبوا على الشرطة التي أخرجت المشرّعين من القاعة التي كانوا يناقشون فيها نتائج الانتخابات الرئاسية.

وأضافت أن “المسؤولية عن هذا الفعل من التمرد، يتحملها الرئيس الذي أظهر أن فترته في الحكم شكلت تهديدا خطيرا على الديمقراطية الأمريكية. ويجب تنحيته”، فقد شجع ترامب الغوغاء على التجمع يوم الأربعاء الذي اجتمع فيه الكونغرس للمصادقة على تعيين جوزيف بايدن رئيسا، وطلب منهم التصرف “بوحشية”. وبعد تكراره سلسلة من نظريات المؤامرة الغريبة، حثّ الجماهير على الزحف نحو الكابيتول “سنزحف إلى هناك وسأكون هناك معكم”. و”لن تستيعدوا بلدنا مرة أخرى بالضعف. وعليكم إظهار القوة وأن تكونوا أقوياء”.

لكن الرئيس لم ينضم للغوغاء، ولكنه راقب من مكانه الخاص عبر التلفاز عندما قام أنصاره بخرق حراسات الكابيتول هيل وتغلبوا على الشرطة التي تحرس المبنى. وأُجبر أعضاء مجلس النواب والشيوخ على الهرب. وأُطلقت الأعيرة النارية التي أدت إلى قتل شخص واحد على الأقل.

وبدلا من التصرف سريعا وشجب العنف والطلب من أنصاره التوقف، نشر ترامب تغريدة عادية طلب فيها منهم أن يتصرفوا بـ”سلمية”. وبعد مناشدات من كبار الجمهوريين، نشر ترامب أخيرا شريط فيديو طلب فيه من المتمردين العودة إلى بيوتهم، ولكنه زاد من أكاذيبه التي كانت وراء تصرفات جماعات فرض النظام بالقوة “نحبكم ونعاملكم بخصوصية”.

وبعد ذلك، برر ترامب تصرفات المتمردين عندما قال: “هذه أمور وأحداث تحدث عندما تتم سرقة انتصار ساحق مقدس بطريقة غير رسمية ووحشية”.

وقالت الصحيفة: “لم يعد الرئيس صالحا للبقاء في مكتب الرئيس خلال الأسبوعين المقبلين. وكل ثانية يحتفظ فيها بسلطاته الواسعة، سيظل خطرا على الرأي العام والأمن القومي. وعلى نائب الرئيس مايك بنس الذي سُحب على جناح السرعة من قاعة مجلس الشيوخ لحمايته، جمع أعضاء الحكومة البارزين واستحضار التعديل الـ25 من الدستور، وإعلان أن الرئيس ترامب لم يعد قادرا على أداء واجبات مكتبه والسلطات الممنوحة له”.

وتضيف: “يجب على الكونغرس المصادقة على التحرك في حالة مقاومة ترامب، ويتولى بنس السلطة حتى تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 كانون الثاني/ يناير. وفي حالة فشل هذا، يجب على كبار مسؤولي الحزب الجمهوري ضبط الرئيس”.

وجاء التمرد في وقت شجب فيه كبار مسؤولي الحزب ترامب، ومن بينهم السناتور ميتش ماكونيل الذي وجه خطابه إلى السناتور جوش هاولي والسناتور تيد كروز والنائب كيفن ماكارثي وستيف سكالايز الذين عبروا عن دعمهم لترامب في تغذية غضب من خدّرهم الرئيس وقادهم للاعتقاد أن الانتخابات مسروقة.

وكان ماكونيل واضحا في النهاية، أن زعم الرئيس لا أساس له: “لا شيء أمامنا يؤكد عدم قانونية في أي مكان وعلى قاعدة واسعة، وبشكل يحرف ميزان الانتخابات. ولو قلبت نتائج الانتخابات بناء على هذه المزاعم فستدخل ديمقراطيتنا دوامة الموت”.

وقالت واشنطن بوست، إن الرهانات بات واضحة، وعلى كل جمهوري بمن فيهم ماكونيل الذي يعدّ وغيره مسؤولا عن الأحداث التي وقعت يوم الأربعاء، واجب وقف ترامب عند حده، وإعادة الثقة بديمقراطيتنا.

وبدأت العملية ليلة الأربعاء باستئناف جلسات الكونغرس. وحاول عدد من المشرعين الاستفادة من الغضب بعد تأجيج ترامب للغوغاء، وتوقفوا عن مواقفهم المعارضة، مع أنهم سيحملون العار دائما لمساهمتهم في أحداث هذا اليوم المخجل.

وأكدت الفوضى مرة أخرى حكمة الناخب الأمريكي برفض ترامب وانتخاب جوزيف بايدن. وكان الرئيس المنتخب على قدر المسؤولية وتعامل بحسم مع اللحظة، عندما دعا الغوغاء للتوقف وفتح المجال أمام الديمقراطية لتقول كلمتها. وقال: “هذا ليس احتجاجا بل تمرد”. و”اليوم هو تذكير مؤلم أن الديمقراطية هشة”.

وتقول الصحيفة: “هو محق؛ لأن أعلى صوت في البلاد هو من حرض على الفتنة، ليس عبر التغريدات، ولكن دعا أنصاره للتحرك”.

وتختم واشنطن بوست بالقول: “ترامب خطر. وطالما ظل في البيت الأبيض، ستظل البلاد في خطر”.

———————-

استقالة مسؤولين في البيت الأبيض بعد اقتحام الكونغرس و”اف بي آي” يطلب المساعدة بالتعرف إلى المتورطين

ذكرت تقارير إعلامية أن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي مات بوتينغر استقال لينضم إلى عدد من المسؤولين المنسحبين من إدارة الرئيس دونالد ترامب، في أعقاب العنف في مبنى الكونغرس، فيما طلب مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” المساعدة بالتعرف إلى المتورطين في الاقتحام.

وذكرت قناة “سي.أن.أن” نقلاً عن شخص مقرب من بوتينغر، أنه استقال، مساء أمس الأربعاء، احتجاجاً على رد فعل ترامب على اقتحام مجموعة من أنصاره مبنى الكونغرس. وكانت وكالة “بلومبيرغ” أول من أعلن نبأ استقالة بوتينغر، الذي أدى دوراً رئيسياً في صياغة سياسة ترامب تجاه الصين.

وبوتينغر صحافي سابق في وكالة “رويترز” وفي صحيفة “وول ستريت جورنال”، وقد ترك الصحافة لينضم إلى مشاة البحرية الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة في 2001، وظل يعمل في البيت الأبيض منذ بداية رئاسة ترامب في 2017.

وتجيء الأنباء عن استقالة بوتينغر، الذي يتحدث اللغة الصينية بطلاقة، في وقت يشهد توتراً مع الصين.

ولم يعلق البيت الأبيض على الأمر حتى الآن، وإن كانت مصادر قد أبلغت “رويترز” بأن استقالة بوتينغر كانت متوقعة.

ولقي أربعة أشخاص حتفهم خلال أحداث العنف، منهم امرأة توفيت بعد إصابتها بطلق ناري، وثلاثة توفوا بسبب حالات طبية طارئة بعد اقتحام المئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس في محاولة لمنع التصديق على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.

وبينما كان أنصار ترامب يقتحمون مبنى الكونغرس، نشر ترامب تسجيلاً مصوراً على “تويتر” وصف فيه أنصاره بأنهم “مميزون”، وكرر مزاعمه بشأن تزوير انتخابات الرئاسة، لكنه حثّ أنصاره على المغادرة.

وأرجأت هذه الأحداث عملية التصديق على فوز بايدن لساعات. وسيجري تنصيب الرئيس الجديد في 20 يناير/ كانون الثاني.

وقالت مصادر مطلعة لـ”رويترز”، إن اثنتين من كبيرات مساعدي السيدة الأميركية الأولى ميلانيا ترامب استقالتا، أمس الأربعاء، في أعقاب العنف في مبنى الكونغرس، بينما يفكر روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي، في الاستقالة.

واستقالت ستيفاني غريشام، كبيرة موظفي السيدة الأولى.

وقالت غريشام في بيان: “تشرفت بخدمة البلد في البيت الأبيض. إنني فخورة للغاية بأني شاركت في مهمة السيدة (ميلانيا) ترامب لمساعدة الأطفال في كل مكان، وفخورة بالإنجازات الكثيرة لهذه الإدارة”.

ولم تذكر غريشام، التي أمضت عاماً في منصب المتحدثة الصحافية باسم البيت الأبيض قبل أن تصبح كبيرة موظفي السيدة الأولى، ما إذا كانت استقالتها رد فعل على العنف في العاصمة، لكن مصدراً مطلعاً على قرارها قال إن العنف كان القشة التي قصمت ظهر البعير.

وقال مصدران لـ”رويترز”، إن ريكي نيسيتا، السكرتيرة الاجتماعية للبيت الأبيض، استقالت أيضاً، وكذلك سارة ماثيوس، نائبة السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض.

وقال مصدر إن هناك أيضاً أحاديث داخل البيت الأبيض عن أن كريس ليدل، نائب كبير الموظفين، قد يستقيل.

من جهته، أطلق مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي “إف بي آي” موقعا إلكترونيا لجمع معلومات، وصورا فوتوغرافية ولقطات مصورة لأنصار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذين اقتحموا مبنى الكونغرس في واشنطن. وبحسب “الألمانية”، قال المكتب على الموقع، إن مكتب التحقيقات الاتحادي يقبل معلومات ومواد إعلامية رقمية تصور أعمال الشغب والعنف في مبنى الكونغرس الأميركي والمنطقة المحيطة به.

———————–

ثغرات أمنية خطرة سهلت اقتحام الكونغرس

دبت فوضى دامية في مبنى الكونغرس الأميركي (الكابيتول)، يوم الأربعاء، عندما داهمت مجموعة من الغوغاء أنصار الرئيس دونالد ترامب قوة الشرطة التي تحمي مقر الهيئة التشريعية في الولايات المتحدة، ما وصفه مسؤولون عن إنفاذ القانون بأنه “فشل كارثي” في الاستعداد للحدث.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في مجال إنفاذ القانون إن حصار الكونغرس، مقر مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، يمثل واحدة من أخطر الثغرات الأمنية في التاريخ الأميركي الحديث، إذ حوّل واحدا من أبرز رموز السلطة الأميركية إلى بؤرة للعنف السياسي.

وفي حين أن أحداثا مثل تنصيب رئيس جديد تنطوي على تخطيط أمني تفصيلي من جانب أجهزة أمنية عديدة، فقد قال المسؤولون إن التخطيط كان أقل بكثير لمهمة حماية الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس التي انعقدت يوم الأربعاء للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

وحدثت تلك الثغرة رغم علامات تحذيرية صارخة على احتمال وقوع أعمال عنف من جانب أنصار ترامب المتشددين، بعد أن ألهبت مشاعرهم اتهاماته التي لا أساس لها عن سرقة الانتخابات، وأمله في عرقلة تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.

وفي البداية، تولت التصدي للمتظاهرين بالكامل قوة شرطة الكابيتول المؤلفة من 2000 فرد، والمخصصة لحماية حرم الكونغرس الواقع على مساحة 126 فدانا.

ولأسباب لا تزال غير واضحة حتى صباح اليوم الخميس، لم تصل أفرع أخرى من أجهزة الأمن الاتحادية الضخمة بشكل واضح قبل ساعات، بينما حاصر مشاغبون مقر الكونغرس.

ويبعد مبنى الكونغرس مسافة قصيرة على الأقدام عن المكان الذي انتقد فيه ترامب في كلمته الانتخابات قبيل بدء الشغب، ووصفها فيها بأنها “اعتداء سافر على ديمقراطيتنا”، وحث فيها أنصاره على “التوجه إلى الكابيتول” وعلى “إنقاذ مسيرة أميركا”.

ولأسابيع سبقت قيام الكونغرس بفرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وهي في العادة عملية شكلية، ترددت تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي بأن احتجاجات مؤيدة لترامب يجري التخطيط لها قد تتطور إلى أعمال عنف.

وقال مسؤول كبير إنه رغم هذه المخاطر لم تطلب قوة شرطة الكابيتول دعما مسبقا لتأمين المبنى من الأجهزة الاتحادية الأخرى، مثل وزارة الأمن الداخلي.

ولم تتم تعبئة تعزيزات الحرس الوطني التي استدعاها رئيس بلدية المدينة لأكثر من ساعة، بعد أن اخترق المحتجون الحواجز الأمنية.

وعلى النقيض من ذلك، عمدت إدارة ترامب إلى نشر قوات تلك الأجهزة بكثافة، خلال الاحتجاجات على وحشية الشرطة في واشنطن ومناطق أخرى في الولايات المتحدة خلال الصيف الماضي.

ولم ترد شرطة مبنى الكابيتول على طلبات للتعليق.

وضباط شرطة الكابيتول مدربون على إبعاد المحتجين عن درجات السلم الخارجي الرخامية، لحماية المجمع وكأنه قلعة.

لكن تيرانس جينر، الذي كان قائدا لشرطة الكابيتول وأصبح فيما بعد أكبر المسؤولين عن إنفاذ القانون في مجلس الشيوخ الأميركي، قال إن العديد من النوافذ والأبواب في المجمع المبني في القرن التاسع عشر يتعذر الدفاع عنها.

ومع تدفق مجموعات من المشاغبين على قلب مؤسسة الحكم الأميركية شوهدوا على الكاميرات وهم يتجولون بحرية عبر القاعات التاريخية، البعض يتأرجح من شرفة وآخرون ينهبون مكتب نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، بل ومنهم من جلس على مقعد رئيس مجلس الشيوخ.

والتقط مصور لـ”رويترز” صورة لمشاغب يرفع علم القوات الكونفيدرالية في الحرب الأهلية الأميركية، وهو يتجول داخل الكونغرس.

وقال جينر: “عندي ثقة كبيرة في الرجال والنساء الذين يحمون الكونغرس. لكن من الضروري أن تحدث محاسبة كاملة”.

وعزا نواب داخل المبنى الفشل الأمني التاريخي إلى عدم الاستعداد للحدث. وقال النائب الديمقراطي فيسنت غونزاليس: “أعتقد أن الشرطة أدت مهمة رائعة في ظل الظروف، لكن من الواضح أنه لم يحدث تخطيط كافٍ”.

وكان بعض الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس، ممن أقلقهم احتمال وقوع أعمال عنف، قد حاولوا لأكثر من أسبوع الضغط على الأجهزة الحكومية للحصول على ما تعرفه من معلومات عن التهديدات وإجراءات التصدي لها وفقا لما قاله مصدر في الكونغرس.

عزا نواب داخل المبنى الفشل الأمني التاريخي إلى عدم الاستعداد للحدث. وقال النائب الديمقراطي فيسنت غونزاليس: “أعتقد أن الشرطة أدت مهمة رائعة في ظل الظروف، لكن من الواضح أنه لم يحدث تخطيط كافٍ”

لكن المصدر قال إنه لم يظهر أي مؤشر على أن أحدا يجمع معلومات جادة عن احتمال وقوع اضطرابات، أو يخطط للتصدي لها.

وقال مسؤول كبير بجهاز اتحادي من أجهزة إنفاذ القانون مطلع على التخطيط لحماية المواقع الاتحادية الأخرى، بما فيها المنطقة التي تحدث فيها ترامب، إنه ذُهل لأن شرطة الكابيتول لم تستعد بشكل أفضل.

وأضاف: “لم يكن يجب أن يحدث ما حدث. فقد كنا جميعا نعلم مقدما أن هؤلاء الناس قادمون، وأول عناصر عمل الشرطة هو أن تكون موجودة.. قوة شرطة الكابيتول هي في الأساس قوة حراسة، لذا من الصعب فهم سبب عدم استعدادها بشكل أفضل”.

ومنذ سنوات، تنعقد جلسات وتُرفع تقارير عن تحديات تأمين الكابيتول. فقد قال جينر إنه اقترح في 2013 إنشاء سياج يطلق عليه بوابة الكابيتول لمنع مثل هذا الاعتداء الواسع.

وأضاف أن الاقتراح لم ينفذ، لأن أعضاء الكونغرس أرادوا الحفاظ على حق الشعب في الوصول إلى الكونغرس، ورفضوا أن يبدو المجمع وكأنه حصن.

كان ترامب قد وعد، في تغريدة على “تويتر” بحدث “جامح” بهدف تغيير هزيمته في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، وبدا أنه يشجع أنصاره على التحرك.

وقال ترامب للجمع الحاشد يوم الأربعاء: “طفح الكيل ببلدنا، ولن نقبل بذلك بعد الآن. عليكم أن تظهروا قوتكم. وعليكم أن تكونوا أقوياء”.

ولم يرد البيت الأبيض على طلبات للتعليق على دور ترامب في التحريض على الاحتجاجات العنيفة أو انهيار الأمن في الكابيتول.

وبعد إلقاء الكلمة، عاد ترامب إلى البيت الأبيض واتجه المحتشدون إلى مبنى الكابيتول.

وقال مسؤولان أميركيان إن مسؤولي مدينة واشنطن كانوا يأملون في الأيام التي سبقت الاحتجاج تفادي أن يكون الرد ذا مظهر عسكري. فقد كانوا يخشون تكرار مشاهد الرد العنيف من الأجهزة الاتحادية على المظاهرات المناهضة للعنصرية التي حدثت أمام البيت الأبيض في يونيو/ حزيران الماضي.

وقال المسؤولان إنه من غير الواضح سبب تأخر قوة شرطة المدينة في الوصول إلى مبنى الكابيتول.

(رويترز)

العربي الجديد

—————————

حلفاء اميركا صدموا من المشاهد المخزية في الكونغرس

علّق القادة في جميع أنحاء العالم على أحداث الكونغرس من قبل حشد مؤيد للرئيس الأميركي دونالد ترامب بمزيج من الصدمة والحزن، ودعوا الرئيس إلى التراجع عن مزاعمه التي لا أساس لها حول تزوير الانتخابات وضمان انتقال سلمي للسلطة.

وقالت مجلة “فورين بوليسي” إن حلفاء الولايات المتحدة الذين كانوا ملهمين بالديمقراطية الأميركية، وجدوا فجأة أنفسهم يصدرون أنواعاً من البيانات المخصصة عادةً للاضطرابات في أكثر دول العالم هشاشةً من الناحية السياسية.

ووصف رئيس الوزراء بوريس جونسون ما حصل بأنه “مشاهد مخزية”، مطالباً بنقل السلطة سلميا إلى بايدن. وقال جونسون في تغريدة: “الولايات المتحدة تدعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ومن المهم الآن أن يكون هناك انتقال سلمي ومنظم للسلطة”.

أما وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب فقال في تغريدة: “الولايات المتحدة تفخر عن حق بديمقراطيتها، ولا يمكن أن يكون هناك مبرر لهذه المحاولات العنيفة لإحباط الانتقال القانوني والسليم للسلطة”.

وفي برلين، قالت المستشارة أنجيلا ميركل إنها كانت “غاضبة” و”حزينة” بسبب ما حدث في كواليس مبنى الكابيتول. وأضافت: “يؤسفني بشدة أن الرئيس ترامب لم يعترف بهزيمته منذ تشرين الثاني/نوفمبر”. وتابعت أن الشكوك التي أثيرت بشأن نتيجة الانتخابات “أجّجت الأجواء” التي أدّت إلى أحداث الأربعاء.

كذلك، دعا وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس أنصار ترامب إلى “التوقف عن الدوس على الديمقراطية”، وكتب: “على ترامب وأنصاره أن يقبلوا في نهاية المطاف بقرار الناخبين”، مضيفا أن أعداء الديمقراطية سيسعدون برؤية هذه الصور المروعة من واشنطن.

أما في فرنسا، فقد عبّر الرئيس إيمانويل ماكرون عن إدانته لمظاهرات اقتحام الكونغرس، قائلاً إن الاحتجاجات “لا تعكس الوجه الحقيقي للولايات المتحدة”، متجنباً أي ذكر لترامب.

وتابع: “أردت فقط أن أعبر عن صداقتنا وإيماننا بالولايات المتحدة. ما حدث في واشنطن ليس أميركياً. نحن نؤمن ، وإنه بقوة ديمقراطيتنا وبقوة الديمقراطية الأميركية”.

كذلك اعتبر وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول “مسّاً خطيراً بالديمقراطية”، مشدداً على “وجوب احترام رغبة الشعب الأميركي”.

من جهته، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في تغريدة: “مشاهد صادمة في واشنطن”، مضيفاً أن “نتيجة هذه الانتخابات يجب أن تُحترم”. فيما اعتبر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن ما حصل في الكابيتول “اعتداء على الديمقراطية الأميركية ومؤسساتها وسيادة القانون”. وكتب في تغريدة: “في نظر العالم، تبدو الديمقراطية الأميركية الليلة تحت حصار”.

إسرائيل كانت لها حصتها من الاستنكار على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تعرض لكمّ من الانتقادات بسبب تأخره في التعليق على أحداث الكونغرس. وقال ننتياهو في بيان الخميس، إن “اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن كان مشينا وينبغي استنكاره بشدة”. وأضاف “كانت الديمقراطية الأميركية، على مدار أجيال، مصدر إيحاء للعالم وإسرائيل. وشكلت الديمقراطية الأميركية دائما مصدر إيحاء لي. وأعمال الشغب العنيفة كانت النقيض للقيم التي يقدسها الأميركيون والإسرائيليون”.

بدوره، وقال وزير الخارجية الإسرائيلية غابي أشكنازي: “صُدمت من مشاهدة الهجوم على الكونغرس الأميركي، معقل الديمقراطية العالمي. وينبغي استنكار ذلك بحزم… وأنا واثق من أن الشعب الأميركي ومنتخبيه سيعرفون كيف يصدون هذا الهجوم والدفاع عن القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة والمهمة لنا جميعاً”.

وفي السياق، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ الخميس، أن الصين تأمل باستعادة الاستقرار والأمن في الولايات المتحدة في أقرب وقت. وقالت: “نحن واثقون من أن سكان الولايات المتحدة يأملون في الأمن والهدوء، خاصة وسط تفشي فيروس كورونا، كما نأمل أيضاً بأن يجد الأميركيون السلام والاستقرار والأمن في أسرع وقت ممكن”.

وفي أنقرة، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن بلاده تتابع بقلق ما تشهده الولايات المتحدة، والأمر ذاته جاء في بيان لوزارة الخارجية التركية، أوصى المواطنين الأتراك في الولايات المتحدة بالابتعاد عن الأماكن المزدحمة وأماكن التظاهرات.

كما دعا رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب الأطراف في الولايات المتحدة إلى التهدئة، مضيفاً في تغريدة “نؤمن بأن حل المشاكل سيتم دائما في إطار القانون والديمقراطية”.

———————————

بايدن رئيساً رسمياً..وترامب يتعهد بانتقال سلمي للسلطة

صدّق الكونغرس الأميركي على فوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة بأغلبية 306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتا للرئيس دونالد ترامب، رغم محاولات أنصار الآخير منع عملية التصديق عبر اقتحام الكونغرس الذي أوقع 4 قتلى.

وقال ترامب في أول تعليق على عملية التصديق: “رغم اعتراضي كلياً على نتائج الانتخابات، والحقائق تؤكد ذلك، سيكون هناك انتقال منظم للسلطة في 20 كانون الثاني/يناير”، موعد تنصيب جو بايدن وتسلمه مهام الرئاسة رسمياً. وأضاف: “قلت دائما إننا سنواصل معركتنا لضمان احتساب الأصوات القانونية فقط… في حين أن هذا يمثل نهاية أعظم فترة ولاية في تاريخ الرئاسة، إلا أنها مجرد بداية معركتنا لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.

وإثر استئناف الكونغرس جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات، ندّد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي يترأس مجلس الشيوخ، ب”أعمال العنف” التي شهدها مقر الكونغرس وعبًر عن أسفه لهذا “اليوم المظلم”. وقال بنس: “حتى بعد أعمال العنف والتخريب غير المسبوقين في مبنى الكابيتول هذا، ها هم ممثلو الشعب الأميركي المنتخبون يجتمعون مرة أخرى في اليوم نفسه للدفاع عن الدستور”.

من جهته، شدّد زعيم الأكثرية الجمهورية ميتش ماكونيل على أن المجلس “لن يتم ترهيبه”. وأضاف “لقد حاولوا تعطيل ديمقراطيتنا وفشلوا”.

بدوره، قال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إن ما جرى الأربعاء نتيجة “كلمات وأكاذيب” ترامب ستترك “وصمة لن تمحى بسهولة”.

وجاء تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات، بعد تظاهرة مؤيدة لترامب في العاصمة واشنطن، تحولت إلى أعمال شغب واقتحام للكونغرس، بعدما طلب ترامب من مناصريه التوجه إلى مبنى “الكابيتول هيل” مقر الكونغرس. ولم تنتهِ الأحداث التي استمرت لساعات، إلا بوصول الحرس الوطني الأميركي.

وأعلنت شرطة العاصمة الأميركية الخميس، أن اربعة أشخاص قد لقوا مصرعهم وجرى اعتقال 52 آخرين، خلال اقتحام أنصار ترامب لمقر “الكابيتول”. وأوضح قائد الشرطة في واشنطن روبرت كونتي أن من بين القتلى امرأة أصيبت برصاص الشرطة، فيما قضى ثلاثة آخرون جراء “حالات طوارئ طبية”.

وقالت الشرطة إن أنصار ترامب قذفوا “مواداً كيميائية مزعجة” أثناء اقتحام “الكابيتول” الذي استمر لساعات قبل أن تتمكن قوى القوى من إخراج المحتجين.

وقال مسؤولو شرطة العاصمة أيضاً إنه تم العثور على قنبلتين أنبوبيتين، إحداهما خارج اللجنة الوطنية الديمقراطية والآخر خارج اللجنة الوطنية الجمهورية. وعثرت الشرطة داخل الكابيتول على مبرد لسيارة (ثلاجة صغيرة) به مسدس وزجاجة مولوتوف.

وإثر هذه الأحداث، أعلنت عمدة واشنطن موريل باوزر الخميس، تمديد حالة الطوارئ لمدة أسبوعين، وهي المدة المتبقية للرئيس ترامب في الحكم.

——————————-

اقتحام الكونغرس:حلفاء ترامب ينقلبون عليه..ويبحثون عزله

قالت وسائل إعلام أميركية أن عدداً من الوزراء في إدارة الرئيس دونالد ترامب ناقشوا إمكانية تنحيته بعد أن اقتحم مئات من أنصاره مبنى الكابيتول لتعطيل جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي فاز بها جو بايدن.

ونقلت ثلاث شبكات تلفزيونية هي “سي إن إن” و”سي بي إس” و”إيه بي سي” عن مصادر أن الوزراء بحثوا إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي.

ويسمح هذا التعديل لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة أن يقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنه “غير قادر على تحمّل أعباء منصبه”، ولكن تفعيله يتطلب أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس للتصويت على قرار تنحية ترامب.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين جمهوريين أن الوزراء ناقشوا فكرة تفعيل التعديل الخامس والعشرين بعدما اعتبروا أن ترامب أصبح “خارج السيطرة”.

بدورها نقلت شبكة “إيه بي سي” عن مصادر متعدّدة أن مناقشات جرت بشأن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتّحدة. لكنّ شبكة “سي بي إس” أكدت أن الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث وأنه لم يتمّ تقديم “أي شيء رسمي” إلى بنس.

بدوره، ذكر موقع أكسيوس أن مسؤولين جمهوريين يدرسون خيارات عديدة ضد ترامب. ومن بين الخيارات المطروحة توجيه اللوم لترامب، أو إقالته، أو عزله عبر التعديل الخامس والعشرين.

ووفقا لمصدرين، فإن كبار المسؤولين في وزارة الخارجية يشجعون مناقشة التعديل الخامس والعشرين، مع مسؤولين آخرين في البيت الأبيض ووزارات أخرى. مع ذلك، اعتبر “أكسيوس” أنه من السابق لأوانه التكهن بنتائج مثل هذا التحرك فيما لم يبق سوى 13 يوماً في ولاية ترامب.

وانقلب العديد من حلفاء ترامب عليه بعد أن اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن إيماناً منهم بما يكرّره دوماً من أنّ الانتخابات الرئاسية “سُرقت” منه.

ودعا النائب الجمهوري تيدي ليو إلى عزل ترامب باستخدام التعديل الخامس والعشرين. وكتب في تغريدة إن “الاعتداء على الكابتيول محاولة انقلابية كل الضالعين فيها يجب أن يحاسبوا”.

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين إن ما فعله “الغوغائيون” في مجلس الشيوخ كان وصمة عار. وتابع: “لقد تحدثت مع أعضاء مجلس الشيوخ، هم يريدون العودة إلى المجلس وإدارة الأعمال.. هذه الرغبة هي من أرقى تقاليد جمهوريتنا”.

بدوره، قال السناتور ليندسي غراهام، الذي كان من أكثر المقربين لترامب، إنه حاول دعم الرئيس لكن “هذا يكفي علينا إنهاء الأمر (المصادقة على فوز بايدن)”.

من جهته، أكد السناتور الجمهوري كيفن كريمر إن ترامب “يتحمّل بعض المسؤولية” عن أعمال العنف في الكابيتول. وقال إن خطاب ترامب الانتخابي، بما في ذلك حثّ أنصاره على التجمع خارج مبنى الكابيتول ، كان “محرضاً” و “يصب الزيت على النار”.

وقالت النائبة ليز تشيني من الحزب الجمهوري لشبكة “فوكس نيوز”: “لا شك في أن الرئيس شكل المجموعات المجرمة، لقد حرض الرئيس للشغب. … وأشعل النيران”. وأصدر السناتور توم كوتون الجمهوري، الذي تحالف بشكل وثيق مع ترامب، بيانًا طالبه بالتنازل. وقال: “لقد حان الوقت لأن يقبل الرئيس نتائج الانتخابات، ويتوقف عن تضليل الشعب الأميركي”.

وعقب أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تخلّلها مقتل امرأة بالرصاص، دعا العديد من البرلمانيين وكتّاب الأعمدة في كبريات الصحف اليومية إلى اللجوء لهذا الخيار الدستوري حتّى وإن لم يتبقّ سوى أسبوعين لترامب في البيت الأبيض.

وأرسل جميع النواب الديموقراطيين الأعضاء في لجنة العدل النيابية رسالة إلى بنس يطالبونه فيها بتفعيل التعديل الخامس والعشرين “دفاعاً عن الديموقراطية”. واعتبر النواب في رسالتهم أن الرئيس المنتهية ولايته “مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج انتخابات 2020 وتقبّلها”.

والفكرة نفسها تكررت في افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست” التي قالت إن “المسؤولية عن هذا العمل التحريضي تقع مباشرة على عاتق الرئيس الذي أظهر أن بقاءه في منصبه يشكل تهديداً خطيراً للديموقراطية الأميركية. يجب عزله”.

وأضافت أن “الرئيس غير أهل للبقاء في منصبه للأيام ال14 المقبلة. كل ثانية يحتفظ فيها بالصلاحيات الرئاسية الواسعة تشكّل تهديداً للنظام العام والأمن القومي”.

—————————-

بايدن ورؤساء سابقون ينددون باقتحام الكونغرس:جمهورية موز

اعتبر الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن اقتحام أنصار الرئيس دونالد ترامب لمقر الكونغرس اعتداء على الشعب وعلى الديمقراطية وعلى من يحميها وعلى أقدس المؤسسات الأميركية.

وقال في كلمة وجهها للشعب الأميركي الخميس تعليقاً على اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس، إن هذا “اعتداء على ممثلي الشعب، الذين أدوا القسم لحماية المصلحة العامة ويشكلون قلب الديمقراطية”، مضيفا أن مشاهد الفوضى التي ظهرت خلال الاعتداء على المبنى “لا تعكس أميركا الحقيقية”.

وعبّر بايدن عن صدمته الكبيرة “لوصول أميركا رمز الديمقراطية إلى هذا الوضع”، معتبراً أن من قام بهذه الأفعال هم “متطرفون خارجون عن القانون”. ودعا الرئيس المنتخب، ترامب إلى التحلي بالمسؤولية، مؤكداً أن التصديق على نتائج المجمع الانتخابي يجب أن يكون مقدساً للديمقراطية الأميركية.

وأثار اقتحام الكونغرس صدمة لدى حلفاء ترامب وخصومه وفعّل موجة استنكار عارمة. وندد 3 رؤساء أميركيين سابقين باقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس. واعتبروا ما حدث تصرفاً لا يليق بالديمقراطية الأميركية.

وقال الرئيس السابق باراك أوباما إن أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول “مخزية” لكنها ليست “مفاجئة”. وأضاف في بيان، “التاريخ سيتذكر أعمال العنف التي حصلت اليوم في الكابيتول، بتحريض من رئيس كذب بلا هوادة بشأن نتيجة الانتخابات، باعتبارها لحظة خزي وعار على بلدنا”.

وأضاف “سنخدع أنفسنا إذا ما قلنا إن ما حدث كان مفاجأة تامة” ملقياً باللوم على قادة الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الموالية لأنهم غالباً ما كانوا غير راغبين في إخبار أتباعهم بحقيقة أن بايدن حقق فوزاً كبيراً في الانتخابات.

من جهته ندد الرئيس السابق بيل كلينتون باقتحام أنصار ترامب مقر الكونغرس، معتبرا ما حصل “اعتداء غير مسبوق” على المؤسسات الأميركية. وقال كلينتون في بيان: “لقد واجهنا اليوم اعتداء غير مسبوق على الكابيتول وعلى دستورنا وعلى بلدنا”، معتبرا أن هذا الهجوم غذته “4 سنوات من السياسات المسمومة” والتضليل المتعمد.

وأضاف أن “الفتيل أشعله ترامب وأشد الداعمين له حماسة، وكثيرون منهم في الكونغرس، بهدف إلغاء نتائج الانتخابات التي خسرها”.

الرئيس السابق الجمهوري جورج دبليو بوش شنّ أيضاً هجوماً عنيفاً على القادة الجمهوريين الذين أجّجوا حالة “التمرد” التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تليق ب”جمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية”. وقال بوش في بيان: “هكذا يتم الطعن بنتائج الانتخابات في جمهوريات الموز، لكن ليس في جمهوريتنا الديمقراطية”.

————————

ترامب يُطرد من وسائل التواصل الاجتماعي

افتتحت شركات التواصل الاجتماعي مسار العقاب للرئيس الاميركي دونالد ترامب بعد اقتحام انصاره لمبنى الكونغرس الاميركي، عبر فرض حظر اعلامي عليه بشكل مؤقت في “تويتر” و”فايسبوك” وتقويض انتشاره.

ووقعت مصادمات بين الأمن ومحتجين من أنصار ترامب داخل مبنى الكونغرس، بعد ساعات على دعوة ترامب خلال تظاهرة في واشنطن الأربعاء سبقت جلسة التصديق على انتخاب بايدن، أنصاره للمسير إلى مبنى الكونغرس ودعوة “النواب الشرفاء” إلى الاعتراض على نتائج انتخابات الرئاسة قائلا: “سنوقف سرقة الانتخابات ولدينا مزيد من الأدلة على فوزنا بتلك الانتخابات”.

واتخذت شركات التقنية خطوات سريعة لتقويض وجود ترامب في الفضاء الالكتروني، في خطوة لاحتواء اي تصعيد قد ينتج عن تصريحات له، علما ان الفضاء الالكتروني هو المنبر الاساس لترامب ويشكل حيثيته الاعلامية.

وحجب “تويتر” تغريدات لدونالد ترامب وجمّد حسابه لمدّة 12 ساعة وهدّد بغلق هذا الحساب بصورة دائمة في حال استمرّ الرئيس المنتهية ولايته في انتهاك قواعد الاستخدام المتعلّقة بالنزاهة المدنية، في إجراءات غير مسبوقة لجأ إليها موقع التواصل الاجتماعي بعد أعمال العنف التي شهدها الكابيتول الأربعاء.

وقال “تويتر” في منشور إنّه “نتيجة للوضع العنيف غير المسبوق والمستمرّ في العاصمة واشنطن، فقد طلبنا من دونالد ترامب إزالة ثلاث تغريدات نشرت في وقت سابق اليوم بسبب الانتهاكات المتكرّرة والخطيرة لسياسة النزاهة المدنية”، محذراً من أنّه “إذا لم تتم إزالة التغريدات، فسيظلّ الحساب مغلقاً”.

ونشر ترامب مقطع فيديو ناشد فيه أنصاره إثر اقتحامهم مقرّ الكونغرس “العودة إلى ديارهم” لكنّه كرّر مزاعمه بأنّ الانتخابات “سُرقت” منه. وحذف هذا الفيديو كلّ من “فايسبوك” و”يوتيوب”.

وأعلن فايسبوك أنّه حذف مقطع فيديو نشره ترامب لمخاطبة أنصاره إثر اقتحامهم مقرّ الكونغرس الأربعاء، معتبراً أنّ الفيديو يحضّ على العنف أكثر مما يدعو للهدوء.

وقال جاي روزن نائب رئيس وحدة النزاهة في فايسبوك إنّ “هذه حالة طارئة، ونحن نتّخذ إجراءات طارئة مناسبة، بما في ذلك حذف فيديو الرئيس ترامب”. وأضاف في تغريدة في “تويتر”: “لقد حذفناه لأنّنا نعتقد أنّه يساهم في تأجيج العنف بدلاً من تقليله”.

كذلك، حذا “فايسبوك” حذو “تويتر” في تجميد حساب ترامب بشكل مؤقت، إذ قال “فايسبوك” في تغريدة في “تويتر”: “لقد وجدنا انتهاكين لقواعدنا على صفحة الرئيس دونالد ترامب نجم عنهما تعليق حسابه لمدة 24 ساعة، مما يعني أنّه فقد القدرة على النشر على المنصة خلال هذه الفترة”.

—————————-

وداعاً دون: هل هي نهاية زمن سلوكيات ترامب إلى الأبد؟

ترجمة – The Guardian

لا يعني انتقاد سلوكيات ترامب التقليل من شأن بشاعة أفعاله، لأن قيمه ومعتقداته تتخللها جميعها.

اتّسم عصر ترامب بالقبح الشديد. تجلى هذا القبح في أقصى معانيه البالغة والمروعة -العنصرية والأكاذيب والقسوة – وتخطى ذلك إلى قبح حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ما جعل من السنوات الأربع الماضية، التي لم تكن أهميتها تضاهي أهمية تصرفات الرئيس، تبدو وكأنها اعتداء سافر على الحواس. بدت هذه الإدارة وكأنها لا تشبه أي إدارة أخرى، تماماً مثلما كانت تتصرف على نحو مغاير لأي من سابقتها. فقد تضاعفت وقاحة تصريحات ترامب بمراحل عدة بفعل لغته التي كانت أكثر إثارة للصدمة إلى حد كبير، على غرار التغريدات الصارخة والمكتوبة بأحرف كبيرة والمحشوّة بالأخطاء وعلامات التعجب، وكراهية النساء التي برزت من خلال السخرية والألفاظ النابية. والواقع أن كل ظهور علني له من دون كمامة كان بمثابة تذكير عميق بمدى التملص من المسؤولية والتقاعس عن أداء واجبه في مواجهة أزمة الصحة العامة.

لا يعني انتقاد سلوكيات ترامب التقليل من شأن بشاعة أفعاله، لأن قيمه ومعتقداته تتخللها جميعها. يبدأ الأمر من مظهره الخارجي، إذ لا يعكس لون ترامب المصطنع المستوحى من سمك السلمون غروره فحسب، بل يعكس أيضاً اعتقاده الخاطئ بأن سمرة البشرة بفعل التعرض للشمس خلال رحلة بحرية في الكاريبي لمدة ثلاثة أسابيع هو مظهر لائق لرجل مكلف بتولي أعلى المناصب وأكثرها جدية. تدل ربطة عنقه الطويلة وبدلاته الواسعة على الأنا المتضخمة لديه. لا يُخفي ترامب حقيقة الأهمية التي تمثلها المظاهر بالنسبة إليه. فعندما أعلن رسمياً عن ترشح مايك بنس كنائب له في الانتخابات في تموز/ يوليو 2016، أشار ترامب إلى أن السجل الاقتصادي لبنس بصفته حاكماً لولاية إنديانا كان “السبب الرئيس الذي جعلني أرغب في اختيار مايك، بخلاف أن مظهره جيد جد، غير أن لديه أسرة رائعة وزوجة وعائلة عظيمة”.

دونالد ترامب بعد رحلة بحرية في الكاريبي

يبدو أنه من الصعب أن نلقي نظرة على مظهر النساء الموجودات حول ترامب من دون أن نتحول إلى شكل من أشكال التمييز الجنساني. إذ لا مكانة أخلاقية رفيعة في السخرية من ضيق الفساتين أو درجة لون صبغة الشعر الأشقر الكلاسيكية. ومع ذلك، هناك أمر مزعج بشدة بشأن ملابس مذيعات قناة “فوكس نيوز” الإخبارية والتي تبدو متقاربة جداً لتلك الخاصة بالنساء اللواتي حول ترامب. إنها مظاهر تحارب فيها المرأة التي تُرضي المجتمع بصبيانيتها البريئة ضد الأفكار الفاسدة الراسخة، ما لا يترك أي مساحة للنساء لكي يظهرن على أنهن أشخاص بالغين بشكل طبيعي. فلنتأمل على سبيل المثال، تصفيفات الشعر الملفوفة والجاذبة لعدسات الكاميرا طوال الوقت، والتي تختلف ما بين مظهر ميدوسا وفتاة جميلة في حفلة عيد ميلادها السادسة عشر. وعلى الرغم من البريق الذي تبدو عليه، فإن ذلك لا يمس لتمكين المرأة بصلة بقدر ما يحاكي قيم النظام الذكوري، التي يبدو أنها تحظى بقبول على نحو واسع ويتم تقديمها مع ابتسامة.

في هذه الأثناء، مزقت ميلانيا ترامب دليل تنسيق أزياء السيدة الأولى واستبدلته بملابس تشبه بشكل غريب النمط العسكري على نحو لافت للأنظار. عادةً ما يخفف وجود السيدة الأولى من حدة الصور الرسمية الجادة للزوج الذي تقف بجواره، ولكن ليست ميلانيا. فقد التزمت بالقواعد في حفل التنصيب عام 2017. وكان القماش الكشمير ذو الوجهين في البدلة التي ارتدتها من تصميم رالف لورين أملس مثل كريمة سكر التزين، وأضاف اللون الأزرق الفاتح الذي يذكرنا بجاكلين كينيدي لمسة الحنين إلى الماضي. ولكنها تحولت بعد فترة وجيزة، إلى ارتداء الملابس ذات الطابع العسكري التي عززت من حدة أنغام الموسيقى التعبيرية القتالية حول ترامب.

ميلانا ترامب مرتدية سترة طبع عليها “أنا لا أهتم حقاً، هل تهتم أنت؟”

في حزيران/ يونيو 2018 تحولت الأجواء بغموض من الغلظة إلى القسوة، عندما ارتدت ميلانيا سترة من ماركة “زارا” طبعت عليها عبارة “أنا لا أهتم حقاً، هل تهتم أنت؟”، عند زيارتها ملجأ للأطفال المهاجرين المحتجزين. وأصبح اللونان الأسود والأخضر الزيتوني هما لونيها المميزة. لو لم تكن تعرف أن المرأة التي كانت تقف بجوار الرئيس هي زوجته، فلربما ظننت – عندما كانت ترتدي خوذة شبه حربية مصنوعة من اللباد أو بدلة ذات مظهر عسكري صارم من تصميم ألكسندر ماكوين باللون الأخضر الخاص بالجيش مع جيوب بأزرار ضغط – أنها كانت قائدة عسكرية في الجيش، صعدت إلى المنصة لتذكير الجمهور بالقوة الكبيرة خلف آلة الحكومة.

أما ابنة الرئيس الأولى إيفانكا، التي كانت تمتلك علامة تجارية خاصة بها حتى إغلاقها عام 2018، فربما تتمتع بأعلى مستوى من الذوق الرفيع، وهي الأكثر حساسية في معسكر ترامب. في الأشهر الأولى من تولي والدها رئاسة البلاد، بدا الأمر وكأنها تستخدم ملابسها لإرسال إشارات بعيدة المدى مثيرة أسئلة عبر صفوف الحزب – أقراط أذن غير متطابقة، على سبيل المثال، كأنها تلمح إلى فكرها الداخلي كامرأة متحررة تتمتع بالاستقلال الفكري التام. وفي الفصول الأخيرة من حكم ترامب، اعتادت على ارتداء ملابس بيضاً بالكامل، وكأنها تؤكد ادعاءها النقاء والكمال، لحماية سمعتها الشخصية بينما أصبحت الإدارة أكثر فساداً بشكل وقح.

إن ما نختار أن نرتديه من ملابس لا يجعلنا أشخاصاً جيدين أو سيئين. ولكن عندما تكون الشعبوية في مركز الصدارة، فإن أسلوب ارتداء الملابس والاستعراض والتباهي يكونون في صميم السياسة. فقد كانت السنوات الأربع الماضية في السياسة الأميركية صعبة المتابعة على مستويات كثيرة. ولذا سيكون مشهد تغيير رئيس البيت الأبيض مشهداً رائعاً وممتعاً للناظرين.

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.
الرابط تضمين
ألصق رابطًا للمحتوى الذي تريد عرضه على موقعك.
معرفة المزيد حول التضمينات(يُفتح في علامة تبويب جديدة)
عذرًا، لا يمكن تضمين هذا المحتوى.

درج

—————————–

الرجل الصامت الذي ضاق ذرعاً بتصرفات رئيسه.. كيف منع بنس انقلاب ترامب وأنقذ الكونغرس في وقت واحد؟

نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس هو البطل الحقيقي لليوم المشؤوم الذي شهد غزوة أنصار ترامب للكونغرس، ففعلياً نحّى بنس ترامب جانباً وأمر الحرس الوطني بالتدخل متخطياً القائد العام للجيش الأمريكي.

فبنس، وليس دونالد ترامب، هو من ساعد في تسهيل قرار تفعيل قوات الحرس الوطني في العاصمة يوم الأربعاء عندما بدأ العنف في مبنى الكابيتول في التصاعد، وفقاً لما نقلته شبكة CNN الأمريكية عن مصدر مطلع.

ولفتت الشبكة إلى أن ترامب، الذي أثبت خلال العام الماضي أنه حريص على نشر الحرس الوطني عند اندلاع أعمال العنف المرتبطة بحركة حياة السود مهمة، قاوم في البداية القيام بنشر القوات في مبنى الكونغرس أمس الأربعاء، عندما اقتحم أنصاره المبنى التاريخي.

في المقابل، لعب بنس دوراً رئيسياً في التنسيق مع البنتاغون حول نشر الحرس الوطني، وحثهم على التحرك بشكل أسرع مما هم عليه.

تثير الأخبار تساؤلات حول من كان يتصرف كقائد أعلى في أحد أحلك أيام أمريكا، والذي شهد اجتياح المجلس التشريعي للبلاد لأول مرة منذ أن هاجم البريطانيون المبنى وأحرقوه في أغسطس/آب 1814.

وسبق ذلك انتقادات حادة من ترامب لنائبه مايك بنس بسبب رفضه التساوق مع دعوات إعلان فوز ترامب، الأمر الذي يشير إلى قطيعة بين الرجلين.

شكوك حول استدعاء ترامب للحرس الوطني بعد تدهور الوضع

وقالت إدارة ترامب، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن تطبيق القانون المدني سيكلف بحماية المنشآت الفيدرالية.

لكن وزارة الدفاع الأمريكية تلقت طلبات للحصول على دعم إضافي من الحرس الوطني يوم الأربعاء، حيث أصبح الوضع خطيراً بشكل متزايد بعدما اقتحم أنصار ترامب الكونغرس، حسبما قال مسؤول دفاعي كبير لشبكة CNN.

مع انتشار الفوضى، أثيرت شكوك حول ما إذا كان ترامب سيأمر الحرس الوطني بالعاصمة بالرد بسبب بطء استجابته.

وزير الدفاع يتجاهل ترامب ويتشاور مع مايك بنس

وأشارت تصريحات لوزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر ومسؤولين كبار آخرين إلى أن بنس هو الذي وافق في النهاية على القرار.

يبدو أن تصريح وزير الدفاع الأمريكي يوم الأربعاء يشير إلى أنه لم يتحدث حتى مع ترامب، حيث ناقش الأمر مع نائبه بدلاً من ذلك.

وأبلغت مصادر مطلعة شبكة CNN بأن الرئيس ترامب كان متردداً حتى في إدانة أعمال العنف التي تُرتكب باسمه.

اقتحام الكونغرس عمل غير مسبوق في تاريخ أمريكا/رويترز

تجنب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي الأسئلة مساء الأربعاء حول ما إذا كان بنس، وليس ترامب، قد وجه الحرس الوطني بالعاصمة ليتم تفعيله، لكنه اقترح أن نائب الرئيس وافق في النهاية على القرار.

عندما سألته فوكس نيوز عن الأخبار بشأن الموافقة على تنشيط قوات الحرس الوطني جاءت من بنس، وليس الرئيس، اعترض مكارثي، لكنه قال في النهاية: “أعرف أن نائب الرئيس كان على اتصال دائم بنا وأيضاً إلى جانب الأمن داخل الكابيتول، لقد تواصلت مع نائب الرئيس في وقت مبكر. كان الأمر يتعلق بإيصال الحرس الوطني هناك. وقال إنه سيتصل الآن”.

وبعد تصديق الكونغرس على فوز بايدن، قال نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، الذي رأس الجلسة بعد استئنافها: “أقول لأولئك الذين أشاعوا الفوضى في مبنى الكونغرس (الأربعاء)، أنتم لم تفوزوا”.

ترامب يدعي أنه هو الذي حرك الحرس الوطني

وبدا أن التعليقات تتعارض مع ما قالته السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني في تغريدة قبل ساعات، عندما أكدت أن ترامب “وجه” الحرس الوطني للرد على الموقف.

في المقابل قال وزير الدفاع إنه تحدث مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، ومع بنس، وليس ترامب، بعد ظهر الأربعاء. وقال أيضاً إنه على اتصال بكبار المشرعين في الكونغرس.

إذ قال “لقد تحدثنا بشكل منفصل مع نائب الرئيس ومع رئيسة مجلس النواب بيلوسي والزعيم ماكونيل والسيناتور شومر والممثل هوير حول الوضع في مبنى الكابيتول الأمريكي. لقد قمنا بتنشيط الحرس الوطني في العاصمة بشكل كامل لمساعدة تطبيق القانون الفيدرالي والمحلي”، وقال في بيان: “نعمل على معالجة الوضع سلمياً”.

ولم يذكر وزير الدفاع الذي عين قبل فترة قليلة أنه تحدث مع ترامب.

وفي لهجة بدت حادة، قال “نحن على استعداد لتقديم دعم إضافي حسب الضرورة والملاءمة حسب طلب السلطات المحلية. شعبنا أقسم على الدفاع عن الدستور وشكل حكومتنا الديمقراطي وسيعملون وفقاً لذلك”.

لماذا لم يدافع الحرس الوطني عن الكونغرس قبل اقتحامه؟

لم يتم تفعيل الحرس الوطني بشكل كامل إلا بعد ساعات من وصول الحشود العنيفة إلى العاصمة، رغم وجود قوات للحرس الوطني في العاصمة.

ويرجع ذلك إلى الاتفاق المبدئي لنشر الحرس الوطني الذي أبرم يوم الإثنين، أصبح بموجبه الحرس الوطني تحت سيطرة البنتاغون، وتضمن دعم مطبقي القانون المحليين.

واقتصرت مشاركة قوات الحرس الوطني على مساعدة قوة إنفاذ القانون المحلية في نقاط مراقبة المرور وفي مترو الأنفاق.

وبموجب هذا الاتفاق، لم يكن لدى قوات الحرس الوطني أوامر لتوفير الحماية للمنشآت الفيدرالية مثل مبنى الكونغرس.

وقال العديد من مسؤولي الدفاع إن كبار القادة العسكريين، بما في ذلك هيئة الأركان المشتركة، كانوا مصممين على إبقاء الخدمة العسكرية بعيدة عن هذا الجهد والحد من دور الحرس الوطني.

كان تركيز البنتاغون منذ فترة طويلة على إظهار أن تطبيق القانون المدني والحرس الوطني الذي تنشطه الدولة كافيان للسيطرة على الاضطرابات المدنية.

في بيان مساء الأربعاء، قال المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان، إنه في وقت سابق من الأسبوع، طلب عمدة العاصمة موريل باوزر “حوالي 340 من رجال الحرس الوطني في العاصمة لمساعدة شرطة العاصمة في الاستعداد للاحتجاجات المحتملة اليوم”.

وأضاف: “تمت الموافقة على هذا الطلب. اليوم، طلب رئيس البلدية التنشيط الكامل للحرس الوطني لمقاطعة واشنطن العاصمة DC Guard)) لدعم تطبيق القانون المحلي والفيدرالي أثناء استجابتهم للوضع في مبنى الكابيتول”.

مايك بنس هو السبب

وقبل واقعة الاقتحام، طعن نواب جمهوريون على نتائج تصويت المجمع الانتخابي لولاية أريزونا وبدء مناقشة لمدة ساعتين للبت في الأمر، ولكن بنس رفض التجاوب مع مساعي إعلان فوز ترامب.

أدى ذلك إلى أن الرئيس الأمريكي هاجم نائبه مايك بنس، بعدما صرح الأخير بأنه لن يعارض المصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.

وقال ترامب في تغريدة: “لم يكن لدى مايك بنس الشجاعة لفعل ما يلزم لحماية بلادنا، ودستورنا، لإعطاء الولايات الفرصة للتصديق على الحقائق المصححة، وليس الحقائق المزورة أو غير الدقيقة، التي طُلب منهم التصديق عليها مسبقاً”.

واختتم الرئيس الأمريكي ترامب المنتهية ولايته التغريدة قائلاً: “الولايات المتحدة تطلب الحقيقة!”.

وأتت تغريدة ترامب بالتزامن مع تمكن مئات المحتجين المؤيدين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اقتحام شرفات مبنى الكابيتول وسط العاصمة واشنطن، حيث تعقد جلسة مشتركة للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية.

بنس مع ترامب ودكتور فاوتشي مسؤول ملف مكافحة كورونا/رويترز

كما قال ترامب أمام أنصاره: “في حال قام مايك بنس بالأمر الصحيح سنفوز بالانتخابات. وهو يملك الحق المطلق في ذلك. وإن لم يفعل سيكون ذلك يوماً مؤسفاً لبلادنا”.

وعرض بنس حججه الرافضة لطلب ترامب في رسالة نشرها قبيل بدء جلسة الكونغرس الخاصة بتسجيل النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية.

وذكر بنس في رسالته أن “الدستور لا يمنحني السلطة لتحديد أي من أصوات المجمع الانتخابي يجب أن تحتسب أو ترفض”.

وينص الدستور الأمريكي على أن دور نائب الرئيس يقتصر على “فتح” الشهادات المرسلة من كل من الولايات الأمريكية لنقل أصوات الناخبين الكبار فيها. ويمكن فقط لأعضاء الكونغرس الاحتجاج على نتائج بعض الولايات.

وعرف عن بنس شخصيته الهادئة التي تبدو نقيضاً لشخصية ترامب، وكان الرجل نادراً في معارضة ترامب وأيضاً لم يكن مؤيداً يزايد عليه مثل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي قال بعد فوز بايدن سيكون هناك انتقال سلس للسلطة لولاية جديدة لترامب.

ووصفت مجلة Politico ما قام به بنس برفضه إعلان فوز ترامب بأنها كانت واحدة من المرات القليلة التي على مدى السنوات الأربع الماضية التي واجه فيها بنس جنون ترامب بالعزيمة بدلاً من العبودية.

وقد يكون اقتحام الكونغرس هو نوعاً من الانتقام من قبل ترامب من موقف بنس (بالنظر للتزامن اللافت بين الحدثين، وقد يكون تحرك الجمهور تم بشكل تلقائي بعد تغريدة ترامب الناقدة لبنس).

ولكن لم يكن بنس هو الهدف الوحيد لانتقام ترامب. أراد أن ينتزع الألم من الديمقراطيين المنتصرين بعد دقائق فقط من سيطرتهم على مجلس الشيوخ.

لكن ترامب أراد بشكل خاص استهداف الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ الذين رفضوا دعوته لمعارضة المصادقة.

بدأ حياته السياسية بالسخرية من العرب

يظهر تاريخ بنس بعض المواقف المثيرة للجدل التي لا تُنبئ بهذا الموقف البطولي.

ولكن يبدو أن الرجل الذي يقدم نفسه باعتباره جمهورياً غير متطرف، ضاق ذرعاً بتصرفات رئيسه فخرج عن هدوئه.

تخرج بنس في كلية الحقوق عام 1986، وعمل محامياً في عيادة خاصة. في عام 1988، ترشح بنس للكونغرس ضد العضو الديمقراطي فيليب شارب، لكنه خسر.

تنافس بنس ضد شارب مرة أخرى عام 1990، واستقال من وظيفته من أجل العمل بدوام كامل في الحملة، ولكن مرة أخرى لم ينجح.

خلال السباق، استخدم بنس “التبرعات السياسية لدفع الرهن العقاري لمنزله، وفاتورة بطاقته الائتمانية الشخصية، ومحلات البقالة، ورسوم بطولة الغولف، ودفع رسوم السيارة لزوجته”، في حين أن الإنفاق لم يكن غير قانوني في ذلك الوقت، فقد ورد أنه قوض حملته.

خلال حملة عام 1990 في انتخابات الكونغرس، نشر بنس إعلاناً تليفزيونياً قام فيه أحد الممثلين، مرتدياً رداء وغطاء رأس ويتحدث بلهجة شرق أوسطية، بتوجيه الشكر لخصمه في الانتخابات، فيليب شارب، لعدم قيامه بأي شيء لفطم الولايات المتحدة عن النفط المستورد خلال عمله كرئيس لمجلس إدارة لجنة فرعية لمجلس النواب حول الطاقة والطاقة.

ورداً على الانتقادات، قالت حملة بنس إن الإعلان لا يتعلق بالعرب، بل كان الأمر يتعلق بافتقار شارب للقيادة.

في عام 1991، كتب بنس مقالاً بعنوان “اعترافات أحد المناضلين السلبيين”، نُشر في مجلة Indiana Policy Review، حيث اعتذر عن عرض إعلانات سلبية ضد شارب.

نجح بنس عام 2000 في الفوز بمقعد في مجلس النواب عن ولاية أنديانا، وفي عام 2011 أعلن عزمه الترشح لمنصب حاكم ولاية إنديانا.

بعد توليه منصب حاكم إنديانا، كان نمو الوظائف في الولاية أدنى قليلاً عن المتوسط الأمريكي، وفي عام 2014، كان اقتصاد إنديانا من بين أبطأ نمو في الولايات المتحدة، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4%، مقارنة بالمعدل على مستوى أمريكا البالغ 2.2%؛ ويُعزى ذلك جزئيا إلى تباطؤ قطاع التصنيع.

وتصفه بعض جماعات حقوق الإنسان بأنه متطرف يستحوذ على السلطة ويمارس النفوذ بقدر أقل من التدقيق من أي نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

ولكنه قد يكون الرجل الذي تدين له الديمقراطية الأمريكية بالفضل مرتين؛ مرة لرفضه التجاوب مع مساعي إعلان فوز ترامب، والثانية باستدعائه للحرس الوطني لحماية الكونغرس، والأهم التأكيد على أن المؤسسة العسكرية الأمريكية مع الديمقراطية.

=———————–

ترامب “خارج السيطرة”… هل تتم تنحيته بواسطة التعديل الـ25 للدستور؟ المصدر: النهار العربي، ا ف ب، وكالات

أفادت وسائل إعلام أميركية بأنّ عدداً من الوزراء في إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب ناقشوا إمكانية تنحيته بعد أن اقتحم مئات من أنصاره مبنى الكابيتول لتعطيل جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها ويرفض الإقرار بنتيجتها.

ونقلت ثلاث شبكات تلفزيونية هي “سي إن إن” و”سي بي إس” و”إيه بي سي” عن مصادر لم تسمّها أنّ الوزراء بحثوا إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي. ويسمح هذا التعديل لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة أن يقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنّه “غير قادر على تحمّل أعباء منصبه”.

ويتطلّب تفعيل هذا التعديل أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس للتصويت على قرار تنحية ترامب.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين جمهوريين لم تسمّهم قولهم إنّ الوزراء ناقشوا فكرة تفعيل التعديل الخامس والعشرين بعدما اعتبروا أنّ ترامب أصبح “خارج السيطرة”.

بدورها نقلت شبكة “إيه بي سي” عن “مصادر متعدّدة” أنّ مناقشات جرت بشأن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتّحدة.

لكنّ شبكة “سي بي إس” أكّدت أنّ الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث وأنّه لم يتمّ تقديم “أيّ شيء رسمي” إلى بنس.

وانقلب العديد من حلفاء ترامب عليه بعد أن اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن إيماناً منهم بما يكرّره دوماً من أنّ الانتخابات الرئاسية “سُرقت” منه.

وأثارت أعمال العنف التي جرت الأربعاء وطريقة تعامل ترامب معها، وتمسّكه بمزاعم لا أساس لها من الصحّة بأنّه خسر الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) بسبب عمليات تزوير واسعة النطاق لم يقدّم أيّ دليل على حدوث أي منها، وغير ذلك من السلوكيات الغريبة، تساؤلات حول القدرات الذهنية للرئيس الأميركي على إكمال الأسبوعين المتبقيين من ولايته.

وعقب أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول والتي تخلّلها مقتل امرأة بالرصاص، بالاضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين، دعا العديد من البرلمانيين وكتّاب الأعمدة في كبريات الصحف اليومية إلى اللجوء لهذا الخيار الدستوري حتّى وإن لم يتبقّ سوى أسبوعين لترامب في البيت الأبيض.

وأرسل جميع النواب الديموقراطيين الأعضاء في لجنة العدل النيابية رسالة إلى بنس يطالبونه فيها بتفعيل التعديل الخامس والعشرين “دفاعاً عن الديموقراطية”.

واعتبر النواب في رسالتهم أنّ الرئيس المنتهية ولايته “مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج انتخابات 2020 وتقبّلها”.

والفكرة نفسها تكرّرت في افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست”.

وقالت الصحيفة الواسعة الانتشار إنّ “المسؤولية عن هذا العمل التحريضي تقع مباشرة على عاتق الرئيس الذي أظهر أنّ بقاءه في منصبه يشكل تهديداً خطيراً للديموقراطية الأميركية. يجب عزله”.

وأضافت أنّ “الرئيس غير أهل للبقاء في منصبه للأيام الـ14 المقبلة. كلّ ثانية يحتفظ فيها بالصلاحيات الرئاسية الواسعة تشكّل تهديداً للنظام العام والأمن القومي”.

لكنّ برلمانيين آخرين من أمثال النائبة إلهان عمر أعلنوا أنّهم بصدد تقديم طلب لمحاكمة ترامب في الكونغرس بهدف عزله، لكنّ هذه الآلية تستغرق وقتاً ومن غير المرجّح أن تنتهي قبل 20 كانون الثاني (يناير) حين سيتسلّم جو بايدن مقاليد السلطة

—————————–

نواب الكونغرس: إدانة ترامب للعنف “ليست كافية”.. وعليه الاعتراف بفوز بايدن

اعتبر العديد من أعضاء الكونغرس، من ديمقراطيين وجمهوريين، أن إدانة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لما حدث في مبنى الكابيتول غير كافية ولم تكن بالشدة المطلوبة، وفقا لما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال“.

وكان ترامب قد دعا أنصاره “للعودة إلى ديارهم”، بعدما اقتحمو مبنى الكابيتول خلال مصادقة الكونغرس بغرفتيه على فوز منافسه جو بايدن في الانتخابات الرئيسية.

وقال ترامب، في تسجيل مصور، “أشعر بألمكم، انتخاباتنا سرقت منا، فوزنا فيها كان ساحقا، والكل يعلم ذلك، لكن عليكم الذهاب إلى دياركم. لابد من أن ننعم بالسلام ونحترم القانون”.

وخاطب ترامب أنصاره قائلا إن أميركا تمر بمرحلة صعبة “لم نشهدها من قبل.. كانت انتخابات مزروة. لكن لا يمكننا أن ننساق وراء هؤلاء الناس.. لقد رأيتم ما حدث والطريقة التي تم بها التعامل مع الآخرين. طريقة سيئة للغاية.. أشعر بكم، لكن اذهبوا إلى منازلكم وانعموا بالسلام”.

وقبل كلمته المصورة، كان ترامب قد دعا أنصاره خلال تجمع أمام البيت الأبيض إلى الاعتراض على المصادقة على فوز بايدن في الجلسة الخاصة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ.

وفي مشهد غير مسبوق في العاصمة الأميركية، دخل متظاهرون كانوا من بين آلاف المحتجين المؤيدين لترامب في واشنطن، فضلاً عن القاعة المستديرة في الكابيتول حيث استخدم الغاز المسيل للدموع. كذلك اجتاحوا ساحات الكابيتول وشرفاته، ما استدعى إخلاء المبنى بناء على أوامر من الشرطة.

ولاحقا غرد ترامب على توتير”هذه هي الأشياء الأمور تحدث عندما يجري تجريدي من فوز ساحق في الانتخابات بشكل غير رسمي.. عودوا إلى منازلكم بالحب والسلام “.

بالمقابل رأى العديد من المسؤولين الأميركيين أن ما إدانة ترامب لما حدث غير كافية، وأعطت تبريرات غير منطقية لما أقدم على المقتحمون.

وقال نائب الرئيس، مايك بنس،: “الاحتجاج السلمي حق لكل أميركي لكن هذا الهجوم على الكابيتول لن نتسامح معه وستجري محاكمة المتورطين ضمن حدود القانون”.

إدانة “غير كافية نهائيا”

من جانبها أوضحت النائبة الجمهورية ليز تشيني أن إدانة ترامب لم تكن كافية، مردفة: “تصريح رئيس الولايات المتحدة ، من وجهة نظري ، كان غير كافٍ تمامًا ، ما فعله وما تسبب فيه هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخنا”.

وفي نفس السياق، اعتبر النائب بيتر ميجر أن تصريحات ترامب غير كافية، وأضاف مخاطبا الرئيس الأميركي: “اعترف ببايدن كرئيس منتخب وقم بوضع حد لهذا الجنون “،

وتابع: “حاصر المشاغبون العنيفون مبنى الكابيتول في ظاهرة لا مثيل لها في العصر الحديث. هذه ليست قيادة “.

وعلى نفس المنوال، قال السناتور الجمهوري، بن ساسي : “للأكاذيب عواقب. كان هذا العنف النتيجة الحتمية والقبيحة لإدمان الرئيس على تأجيج الانقسام باستمرار “، وأيده في ذلك النائب الجمهوري آدم كينزينجز الذي غرد على تويتر: “إنك لا تحمي البلاد”.

ومن جهتها، اعتبرت ، زعيمة ديمقراطية في مجلس النواب،النائبة كاثرين كلارك أن “دونالد ترامب خائن لبلدنا ودستورنا”، و”يجب إقالته من منصبه ومنعه من تعريض بلدنا وشعبنا لمزيد من الأخطار”.

رفض من البيت الأبيض

ورفض البيت الأبيض التعليق على تصريحات ترامب، وقالت السكرتيرة الصحفية كايلي ماكناني في تغريدة على تويتر إن الرئيس استدعى الحرس الوطني وخدمات الحماية الفيدرالية الأخرى.

وأردفت: “نكرر دعوة الرئيس ترامب لمناهضة العنف والبقاء سلميين”.

وعلى الصعيد الدولي، دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أنصار ترامب إلى التوقف عن “الدوس على الديموقراطية”.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن دخول أنصار ترامب مبنى الكابيتول مس خطير بالديموقراطية، متابعا: “نشدد على وجوب احترام رغبة الشعب الأميركي”.

وعد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ما حصل في الكابيتول “اعتداء على الديموقراطية الأميركية”، فيما نوه رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي إلى أن “ما شهده الكابيتول مقلق للغاية”.

الحرة / ترجمات – دبي

————————-

أيام أخيرة معدودة لترامب في البيت الأبيض.. وعلى السوشال ميديا

أقدمت كل من إدارتي تويتر وفيسبوك على حظر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بعد أن نشر مقطع فيديو يعبر فيه عن حبه وتقديره لأنصاره الذين هاجموا مبنى الكونغرس، ليخبرهم فيه أن يعودوا إلى بيوتهم، مكررًا ادعاءاته حول الانتخابات الأمريكية وتعرضها للتزوير على حد زعمه.

وقال ترامب في رسالته لأنصاره “أنا أحبكم”، وقالت منصة تويتر إنها طلبت حذف ثلاثة من تغريداته وذلك لما تضمنته من “انتهاكات شديدة” لسياسة حماية السلم المدني التي تلتزم بها المنصّة.

ومن الوارد بحسب إدارة تويتر أن يتعرض حساب ترامب إلى الإيقاف بشكل نهائي في حال عدم حذف تلك التغريدات، إذ جاء في بيانها إن “أي انتهاكات لاحقة لقواعد المنصة ستتسبب في التعليق النهائي لنشاط حساب ترامب على المنصّة”.

وهذا يعني أن أيام ترامب الأخيرة قد باتت معدودة، سواء في البيت الأبيض أو حتى على منصات التواصل الاجتماعي.

من جهته، كرّر دونالد ترامب، عبر حساب مدير منصات التواصل الاجتماعي في البيت الأبيض على تويتر، دان سكافينو، رفضه لنتائج الانتخابات، إلا أنه مع ذلك أشار إلى تعهده بالالتزام بالانتقال السلمي للسلطة. وأضاف ترامب في تعليقه إلى أن هذا يمثّل نهاية “أعظم فترة رئاسية أولى في تاريخ الولايات المتحدة”، خاتمًا بقوله إن هذه هي “ليست إلا بداية النضال لجعل أمريكا عظيمة من جديد”.

كما قام كل من فيسبوك وإنستغرام بتعليق حساب ترامب لمدة 24 ساعة، كما حذف يوتيوب مقطع الفيديو الذي وجهه لأنصاره. كما تم تقييد حساب ترامب على سنابشات، إذ لم يعد من الممكن نشر المزيد من مقاطع الفيديو عليه. وجاء تعليق فيسبوك على قرار حذف مقطع الفيديو بأنه الخطوة قد أتت بناء على “قناعة بأن الفيديو يؤجّج حالة العنف الجارية بدل أن يسهم في نزع فتيل الأزمة”.

pic.twitter.com/TIwKX1GAUw

— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 7, 2021

وكانت حالة من الفوضى والعنف قد سادت في مقر الكونغرس الأمريكي يوم أمس على إثر اقتحام عدد كبير من أنصار دونالد ترامب المبنى أثناء جلسة لمجلسي النواب والشيوخ للتصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، ما تسبب بتعليق الجلسة، وإعلان حالة فرض التجول في واشنطن العاصمة. كما صادق الكونغرس الأمريكي لاحقًا على فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية بعد الجلسة التي توقفت 6 ساعات على خلفية حالة الفوضى التي عمّت الكابيتول.

———————————

اقتحام الكابيتول هيل يؤجّج معاداة اليمين الشعبوي.. جولة في ردود الفعل/ سفيان البالي

مشاهد لا تبدو مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. رئيس يحرّضُ مناصريه على الزحف ناحية مبنى الكونغرس، والجماهير المسلحة تستجيب، تقتحم مبنى الكابيتول وتخليه ممن اجتمعوا فيه، تعيث فيه تخريبًا فتسقطُ ضحية إثرَ محاولة الإخلاء بالقوة. هذا كان سيناريو ليلة “سوداء” عاشتها العاصمة واشنطن، وخطيرة لدرجة دفعت المراقبين، أمريكيين كانوا أم دوليين، إلى التنديد بالتهديد الذي اعتبروا أنه وقع على الديمقراطية العالمية.

ترامب وحاشيته يتراجعون عن الموقف

فرقٌ شاسع بين النبرة التي خرج بها دونالد ترامب دقائقَ قبلَ اقتحام الكونغرس، صادحًا أمام مناصريه أن “هؤلاء النواب اليساريين الراديكاليين يحاولون سرقة الفوز الذي أحرزناه!”، آمرًا إياهم بـ “الزحف نحو مبنى الكابيتول” لإيقاف ما أسماه بالسرقة. وبين تلك التي تزامنت مع مشاهدِ العنف الحاصلة، محاولًا احتواء ما يقع، قائلًا “إنني أحس بألمكم، لكن يجبُ عليكم العودة إلى البيت!”. تراجعٌ حاد هو الذي يبرزه الفرق في النبرتين، رغم تشبث الرئيس الأمريكي بتشكيكه في نتائج الانتخابات، ورفضه الاعتراف بها.

نفس النهج اتبعه كذلك أبرز النواب المناصرين لترامب تحت قبة البرلمان، على رأسهم تيد كروز، الجمهوري قائدُ مناورات التشكيك في النتائج الانتخابية، الذي قسمَ هو الآخر خطابه نصفين؛ واحد يتّهم خصومه بنشر “الكراهية والانقسام”، و”ازدراء نصف البلاد التي تعارض نتائج الانتخابات”. وآخرُ داعٍ لوقف الهجوم على مبنى الكابيتول، محذرًا من أن “الدستور يكفل الاحتجاج السلمي، لكن العنف خطأ يضرّ القضية التي ندافع عنها”.

التراجعُ بلغَ أشدّه وقت مصادقة الكونغرس على فوز المرشّح الديمقراطي، جو بايدن، حيث اعترف ترامب أخيرًا: “هي نهاية ولاية عظيمة في التاريخ الرئاسي، وبداية نضالنا لتعود أمريكا عظيمة مرة أخرى”. متعهدًا بـ “انتقالٍ عادي للسلطة” يومَ الـ 20 كانون الثاني/ يناير.

جمهوريون وديمقراطيون ضدَ ترامب

لم يحاب موقف الرجل الثاني في الجمهورية رئيسه وأنصاره. مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي، أدان هو الآخر في خطابه، بعدَ عودة النواب إلى جلسة المصادقة، العنف الذي حصلَ تحت قبّة الكونغرس، كما نعى الروح “التي سقطت داخل المبنى المقدّس”. مخاطبًا الجماهير:” لقد أخفقتم اليوم! العنف دائمًا يخسر، فيما تفوز الحرية التي تؤكد أن هذا المكان لازال بيت الشعب!”. من جانبها نانسي بيلوسي، رئيسة البرلمان الأمريكي، اعتبرت أن الهجوم الذي وقع “أمرٌ مخجل، لكنه لن يثنينا عن مسؤوليتنا في المصادقة على جو بايدن كرئيس للجمهورية”، مؤكدة “كنا نعلم أن هذه المسؤولية ستبقينا هنا طوال الليل، لكن مهمّتنا هي أن ننهيها”.

بين النواب سادَت كذلك الإدانة لأعمال العنف، فيما توجه أغلبهم، ومن الحزبين، إلى تحميل ترامب مسؤليتها. على رأسهم الجمهوري ميت رومني، الذي وجّه بيانًا شديد اللهجة، استهله بالتنديد بما أسماه ” تمردًا” أججته “الكرامة المجروحة لرجل أناني والغضب الأرعن لجموع مناصريه المضللين إعلاميًا طوال الشهرين الماضيين”. مسترسلًا في مخاطبة التيار الترامبي داخلَ الكونغريس بالقول: “أولئك الذين لا يزلون يدعمون مناورته الخطيرة، بمعارضة نتائج الانتخابات، سينظرُ إليهم كشركاء في هذا الهجوم غير المسبوق على الشرعية الديموقراطية”. داعيًا زملاءه داخل القبة أنه “لا يجب علينا الخضوع لتهديداتهم، بل الاستمرار في إتمام مهمّتنا الدستورية”.

فيما ذهب الجانب الديموقراطي بعيدًا، داعيًا إلى عزل الرئيس فيما تبقى له من أيام بالبيت الأبيض. هكذا غرّدت النائبة الديموقراطية ألكزاندريا أوكاسيو كورتيس: “العزل”. وأقرت نائبة ديمقراطية أخرى، هي إلهان عمر، أنها بصدد كتابة بنود قانون المحاكمة البرلمانية الرئاسية. وحمّل سيناتور فيرمونت، الديموقراطي بيرني ساندرز، المسؤولية لترامب فيما حدث، قائلًا: “على ترامب أن يرحلَ إلى الأبد ليسجل في التاريخ أنه كان أخطرَ رئيس عرفته الولايات المتحدة الأمريكية”.

عزلٌ آخرَ، مطالبٌ به هذه المرة على لسان الرابطة الوطنية للمصنعين، أكبر تجمع لرجال الأعمال وأرباب الصناعة الأمريكية، يهدد ترامب. ذلك ما أقرّه رئيسها التنفيذي، جاي تيمونس، الذي قال إن “ترامب حرّض على استعمال العنف، وحاولَ التمسك بمنصبه بالقوة”. كما دعى تيمونس نائب الرئيس مايك بينس إلى “تفعيل البند 25 من الدستور لحماية الديموقراطية”، ذات البند الذي يعطي بينس صلاحية تولي منصب الرئيس بعد عزله.

مثّلت أحداث مبنى الكابيتول الشرارة التي أعادت الزخم لصراع اليمين المتطرف ونظيره المعتدل، على الرغم من إجماع الطرفين في إدانة ما حصل. هكذا كان “الغضب والحزن” الكلمات التي وصفت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأمر، كما الأسى على “عدم اعتراف الرئيس ترامب بهزيمته، وتشكيكه في نتائج الانتخابات خالقًا المناخ الذي أجج أعمال العنف التي شهدناها”.

من جهته الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ظهرَ في تسجيل مصورٍ انتصب في خلفيته العلم الأمريكي رفقة الفرنسي والأوروبي، تأسف هو الآخرُ على أعمال العنف التي عرفتها العاصمة واشنطن، مذكرًا بروابط “الحريّة” التي تجمع بلاده بالولايات المتحدة واعترافها باستقلال أمريكا “كشعارِ للديمقراطية”، لهذه الأسباب “أعلن وقوف فرنسَا بقوة إلى جانب الشعب الأمريكي” إزاء “التهديد الذي تتعرضُ له ديموقراطيتنا”. قبل أن يختم خطابه قائلًا بلغة إنجليزية: “ما حدث لم يكن أمريكا التي نعرفها، لكن لدينا ثقة في قوة الديموقراطية الأمريكية كي تتخطى ذلك”.

في تعليقٍ على خطاب ماكرون، استغربت زعيمة حزب التجمّع الوطني الفرنسي، مارين لوبان، وجودَ الراية الأمريكية خلف الرئيس ماكرون، والتي تنص العادة على وجودها فقط في حال زيارة الرئيس الأمريكي للبلاد. كما اتخذت زعيمة الحزب اليميني المتطرف فرصة الخطاب لتكيلَ الانتقادات لسياسة ماكرون، متهمة إيّاه بأنه “يريد استيراد أسوأ ما في المجتمع الأمريكي”، في إشارة إلى ما اعتبرته انقسامات وصراعات عرقية وإثنية داخلَ ذلك المجتمع.

داخلَ اليمين المتطرّف الأوروبي كذلك، غرّدَ ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة الإيطالي، قائلًا:” العنف ليس حلًا. عاشت الحريّة والديمقراطية”. يميني متطرف آخرٌ تفاعل مع الأحداث، هو سانتياغو آباسكال، زعيم حزب فوكس الإسباني، الذي استغربَ من “تنديد اليسار التقدمي بأحداث مبنى الكابيتول”، متّهما الأغلبية الحاكمة ببلاده بالقول: “هنا لدينا نائب رئيس الحكومة دعا إلى اقتحام البرلمان، وكذلك من اقتحموا من قبل البرلمان الكتالوني يحكمون بيننا اليوم”. مضيفًا: “ربما إخواننا الشيوعيون والاشتراكيون قد خسروا حتى احتكارهم للعنف”.

على ادعاءات آباسكال، ردّ النائب الإسباني عن حزب بوديموس اليساري الحاكم، بابلو إيشنيك، “نحن نشهدُ الآن كيف يقود فوكس كلًا من حزب الشعب وسيودادانوس إلى تبني نفس طرحه، لقد منعهم حتى من تقديم شجب قوي لمحاولة ترامب الانقلابية”، مضيفًا أن “هذا يعادلُ اختطاف ترامب للحزب الجمهوري الأمريكي الذي انتهى إلى المحاولة الانقلابية، واختطاف حركة UKIP لحزب المحافظين البريطاني الذي أخرج البلاد من الاتحاد الأوروبي”.

يساري آخرُ تفاعلَ مع الأحداث، هو الرئيس البرازيلي السابق، لولا داسيلفا، الذي قال إن “اجتياح الكونغرس هو النتيجة التي تحصل عليها عندما تبدل السياسة واحترام التصويت بالأكاذيب والكراهية، حتى في بلاد تعد نفسها بطلة العالم في الديموقراطية”. مضيفًا بأن “هذا تحذير للبرازيل، بل وأسوأ من ذلك يمكن له الحصول هنا، إذا لم يتمّ احتواء بولسونارو وميلشياته”.

—————————

اقتحام الكونغرس كما قرأته أنقرة وطهران… ومخاوف في تل أبيب

مع اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبنى الكونغرس، سارعت تركيا وإيران إلى توظيف ما جرى في خدمة أجنداتهما السياسية.

من الناحية التركية، اعتبر مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الولايات المتحدة في طريقها إلى التفكك، وعليه فإن أنقرة كانت على صواب حينما سلكت طريقها الخاص لتصبح ضمن كبار القوى العالمية الجديدة.

أما في إيران، اعتبر التيار المحافظ هذه الأحداث دليلاً على صحة موقفهم في عدم التفاوض مع ترامب، كاشفين أن هناك مفاوضات كانت على وشك أن تبدأ مع الرئيس الأمريكي.

ودقت هذه الحادثة جرس إنذار في تل أبيب، حيث عبّر عددٌ من السياسيين عن مخاوفهم من احتمالية أن يُكرّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذه الأحداث، إذ سبق وأعلن أن “الشعب لن يسمح بسرقة الحكومة منه”.

تركيا أول المعلقين

كانت تركيا أول دولة شرق أوسطية تُعلّق على الصراع السياسي الدائر في الولايات المتحدة.

وذكرت في بيان مقتضب نشرته وكالة “الأناضول” التركية الحكومية: “تدعو تركيا جميع الأطراف في الولايات المتحدة إلى استخدام الاعتدال والحس السليم للتغلب على هذه الأزمة السياسية الداخلية”.

وقال رئيس البرلمان التركي مصطفى سينتوب على تويتر: “نتابع بقلق الأحداث في الولايات المتحدة وندعو كافة الأطراف إلى الهدوء. في تركيا، كنا دائماً نؤيّد القانون والديمقراطية ونوصي الجميع بذلك”.

وعلّق كبير مستشاري الرئيس التركي يجيت بولوت على أحداث الكونغرس في تغريدة، واصفاً إياها بـ”حرب أهلية”، مشيراً إلى “صعوبة بقاء الولايات “متحدة”.

وقال بولوت إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة تدهور سريع، ويتوقع وفاة حلف شمال الأطلسي، كاتباً أن تركيا أصبحت واحدة من ثلاث قوى عظمى في نظام عالمي جديد بعدما رسمت طريقها الخاص.

فيما تمنت أصوات تركية تتحدث بالعربية حدوث انقلاب في واشنطن، إذ كتب الناشط محمد أردوغان على تويتر معلقاً لدى النائب الجمهوري آدم كينزينغر: “ما نشهده هو محاولة انقلاب”.

وأضاف الناشط المعروف بالترويج لسياسة تركيا : “لِم لا! كم انقلاب زرعتم خارج أمريكا وقد آن الأوان لتذوقوا حصاد زرعكم”.

وسرعان ما ردّت سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور على البيان التركي، بالقول: “انتظر أردوغان وقادة مثل بوتين وقتاً طويلاً لإصدار بيانات كهذه”.

وأضافت في تغريدة لها: “لكن ليست الديمقراطية هي التي تحرض على هذا العنف أو تغذي حملة ترامب لسرقة الانتخابات، بل تبني ترامب للتكتيكات الاستبدادية التي يعتمد عليها هؤلاء الطغاة كل يوم”.

اعتراف ايراني

في إيران، علّق الرئيس الإيراني حسن روحاني على الأحداث التي جرت في مبنى “الكابيتول هيل”، قائلاً: “ما رأيناه الليلة الماضية في أمريكا، أظهر أن الديمقراطية الغربية ضعيفة… انظروا إلى ما فعله شعبوي بأمريكا. لقد شوّه صورة بلاده وأضر بعلاقات أمريكا مع العالم كله”.

وبعد السخرية من الديمقراطية الأمريكية، حاول روحاني مغازلة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، قائلاً إنه يأمل في أن “يصلح الأضرار التي سببها ترامب” و”يعيد الأمة الأمريكية، وهي أمة عظيمة، إلى مكانها الصحيح”.

وكتب حسين دهقان، أحد مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، قائلاً إن “مهندس كل أعمال الشغب والانقلابات والثورات الملونة اليوم، تُغلب عليه في الكونغرس من قبل المحتجين على الانتخابات الرئاسية”. وأضاف في تغريدة: “العالم يراقب الحلم الأمريكي”.

وفي تعليق على أحداث الكونغرس، اعترف علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن هناك من كان على وشك أن يتفاوض مع ترامب.

وقال شمخاني في تغريدة: “في انتخابات 2016، تم التشكيك في صحة ترامب العقلية. بعد أحداث الكونغرس، طالب بعض أعضاء مجلس الشيوخ بإقالته بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور لنفس السبب. ما الرد على من كانوا على وشك التفاوض مع هذا المجنون في إيران؟”.

وكتب المحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان تغريدة على تويتر: “نحن شعوب العالم الثالث نطالب الرئيس دونالد ترامب وأنصاره من المحتجين على نتائج الانتخابات احترام الديمقراطية وقواعد اللعبة لأن ذلك يضر بمصداقية الولايات المتحدة في رعايتها للديمقراطية والدفاع عنها في بلداننا ومعارضة أي قانون يتعارض مع حقوق الإنسان. أنقذوا ما تبقى من مصداقية!”.

وأضاف صدقيان في تغريدة أخرى: “الكرنفال الديمقراطي في الولايات المتحدة. الحمد لله الذي أبقانا أحياء لنرى آليات الديمقراطية الغربية كيف تريد أن تعلم البشرية كيف يجب أن تحترم نتائج الانتخابات؟ والله يا زمن”.

وكتب المحلل أمير موسوي على تويتر: “ما يحصل في أمريكا من فوضى يدل على هشاشة النظام الأمريكي وتمزق الهيئة الحاكمة، وفشل ترامب داخلياً وخارجياً ولم يسجل نجاحاً إلا مع الضعفاء الإنبطاحيين في المنطقة حيث استطاع أن يمرر إملاءات عليهم بسهولة”.

وفي وقت سابق، رفعت الحكومة الإيرانية “إشعارًا أحمر” إلى الإنتربول يطالب باعتقال ترامب و 47 مسؤولًا أمريكياً آخر بتهمة اغتيال قاسم سليماني. وأصدر العراق، في 7 كانون الثاني/ يناير الحالي، إشعاراً مماثلاً.

تكرار السيناريو

دان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم على الكونغرس، من قبل أنصار ترامب، وشدّد على أن الديمقراطية الأمريكية سوف تسود.

وألقى نتنياهو هذه الكلمات بعد مرور عدة ساعات على الأحداث، وذلك خلال لقائه في القدس مع وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوتشين. ولم ينتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي ترامب، ولم يُشر إليه مباشرة أو إلى أنصاره.

من جهته، دان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الهجوم على مبنى الكابيتول بعد وقت قصير من وقوعه، كما فعل وزير الخارجية غابي أشكنازي في غضون ساعات قليلة.

لكن هذه الأحداث أثارت مخاوف لدى عدد من السياسيين الاسرائيليين الذين يخشون تكرار نتنياهو هذا السيناريو بسبب رفضه التخلي عن الحكم.

وكتب عضو الكنيست الإسرائيلي المعارض إيلي أفيدار: “منذ أشهر قال نتنياهو أن الناس لن يسمحوا بسحب الحكومة منهم، كيف يختلف هذا عن ترامب؟ … دعواته التحريضية ستسبب في وقوع أسوأ الأعمال”.

وكان نتنياهو ألقى خطاباً بعد اتهامه من قبل المدعي العام في قضايا فساد أعلن فيه أن هناك مؤامرة للإطاحة به وهو ما لن يقبله الشعب.

وبينما كانت البيانات والتعليقات تخرج من دول الشرق الأوسط، جاءت الأخبار من واشنطن بتولي السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز المعروف بمواقفه المعارضة بشدة لأردوغان وقادة مصر والسعودية واسرائيل رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ.

وأصدر مينيندي بياناً مطولاً يدين فيه ترامب لتحريضه على العنف في مبنى الكابيتول، وقال إن مشاهد العنف التي اندلعت هي نعمة لـ “المستبدين” “وأعداء أمريكا”.

وقال السيناتور الذي أثار تعيينه تفاؤلاً كبيراً بين جماعات حقوق الانسان: “من موسكو إلى بكين وما ورائها، من المحتمل أن يبتسم المستبدون وهم يرون أمريكا في حالة فوضى، وفي حرب مع نفسها، ولم تعد رسولاً موثوقاً به للقيم الديمقراطية التي لطالما حددت جمهوريتنا العظيمة”.

—————————–

===================

تحديث 08 كانون الثاني 2020

———————-

أمريكا بعد اقتحام الكابيتول: مَن يجبّ الترامبية؟/ صبحي حديدي

قد يصحّ الإقرار، بادئ ذي بدء، أنّ نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على علاته ومظانه الكثيرة، أثبت مرونة عالية في الجوانب الإجرائية التي تعود قواعدها إلى ما سنّه «الآباء المؤسسون»؛ وتسري بالتالي على الحزبين الوحيدين، الجمهوري والديمقراطي، ولا تملك مؤسسة ديمقراطية عليا مثل الكونغرس سبيلاً لتعطيله على نحو يغيّر أصول اللعبة جذرياً، حتى إذا تعرّضت إلى مسّ هنا أو هناك، رقيق أو عنيف. ذلك ما تشهد به وقائع ما بعد انتخاب جو بايدن رئيساً وكمالا هاريس نائبة للرئيس، رغم صنوف المقاومة العنيفة التي اعتمدها الرئيس الخاسر دونالد ترامب؛ والتي تطورت على نحو منهجي حتى بلغت ذروتها في العصيان الذي نفّذه أنصاره في قلب العاصمة، واقتحام مبنى الكابيتول أثناء انعقاد اجتماع مشترك لمجلسَيْ النواب والشيوخ للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية.

غير أنّ هذه المرونة لا يصحّ لها أن تجبّ مقدار العطب الداخلي العميق الذي أصاب، ويواصل إصابة، الديمقراطية الأمريكية المعاصرة كما تعاقبت فصولها منذ نهايات الحرب العالمية الثانية على أقلّ تقدير؛ بافتراض أنّ سماتها التكوينية الإيجابية، القياسية إذا جاز القول، خرجت من عباءة الليبرالية التنويرية لتدخل تحت عباءة النيو ــ ليبرالية، المتوحشة المناهضة للتنوير إلى درجة الاصطفاف المحافظ واليميني في أمثلة عديدة. وليس مثال العطب الأبرز، والراهن، سوى صعود ترامب والترامبية، ليس في مستويات السياسة والاجتماع والاقتصاد والعلاقات الدولية والثقافة، فحسب؛ بل كذلك في سيرورات متكاملة من استطالة الترامبية في قلب الحزب الجمهوري، الذي لم يتوقف عند مزيد من الانغلاق المحافظ والعصبوية البيضاء والعنصرية المبطنة أو حتى الصريحة، بل استمرأ حالة من التبعية والخضوع و»التقولب» حول شخص ترامب، تكاد تذكّر بظاهرة عبادة الفرد دون سواها.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، لأسباب داخلية وخارجية في آن معاً، قدوة غالبية من أنصار الحزب الجمهوري؛ ومن الإنصاف الافتراض، اليوم، بأنه اهتز في قبره لمرأى مشاهد اقتحام الكابيتول (ولسنا نعرف حتى الساعة ما إذا كان تمثاله داخل المبنى قد صمد أمام غضبة الجموع الترامبية). ففي خطبة الوداع، مطلع كانون الثاني (يناير) 1989، ذكّر ريغان الأمريكيين بأنه لم يكفّ عن التغنّي بـ»»المدينة المضيئة» على التلّ، رمز الديمقراطية الأمريكية المشيدة على «صخور أقوى من المحيطات» التي باركها الربّ رغم عصف الأنواء كي تتآخى مع «شعوب من كلّ نوع تعيش في اتساق وسلام». لم تكن هذه حال التآخي التي خامرت ذهن ريغان حين أفسحت الصخور الدروب الواسعة لاجتياح الرمز المضيء، بأعلام عنصرية وعصبوية ونازية، وبشعارات لم تعد تعترف من الديمقراطية إلا باسم ترامب وإسقاط نتائج الانتخابات الرئاسية؛ في غمرة ذهول أجهزة الأمن والاستخبارات المحلية والفدرالية في عاصمة القوة الكونية الأعظم، على مرأى ومسمع العالم بأسره.

وذلك الباب الشهير، في قاعة الكابيتول الكبرى، الذي يدلف منه رؤساء أمريكا لإلقاء الخطبة السنوية التقليدية حول حال الاتحاد، تجاوزت أحدث صورة له المخيّلة السوريالية: ثلاثة من رجال الأمن يصوبون مسدساتهم نحو نفر من أنصار ترامب يحاولون تحطيم الباب. أمّا مكتب نانسي بيلوسي، رئيسة البرلمان والهيئة التشريعية الأعلى إلى جانب مجلس الشيوخ، فلم يُشبع غليل المقتحمين أنهم عبثوا به، بل توجّب أن يتركوا لها رسالة وعيد: عائدون! «انقلاب» جدير بأنظمة العالم الثالث، اهتدى بعض المعلقين الأمريكيين إلى العبارة الملائمة؛ أو «عصيان» في التعبير المهذب الذي استخدمه الرئيس المنتخب بايدن؛ وقلّة استعادوا العبارة التي تُنسب إلى سنكلير لويس، الكاتب والمسرحي الأمريكي حامل نوبل: «حين تصل الفاشية إلى أمريكا سوف تكون ملفوفة بالعَلَم والصليب»…

وتلك، لا يخفى، سياقات تردّ إشكالية الراهن الأمريكي إلى قيمة عليا دائمة، لا تحول ولا تزول، هي مفهوم «الحلم الأمريكي»؛ ذاك الذي يعلن ترامب أنه يريد إحياء جذوته في النفوس عبر الشعار الأثير حول جعل أمريكا عظيمة مجدداً. المفهوم صوفي بالطبع، وهو سحري سار ويسير على ألسنة الساسة الأمريكيين في كلّ مناسبة تخصّ، أو تمسّ، علاقة الولايات المتحدة بالعالم ما وراء المحيط؛ أو، في التكملة، كلما تعيّن عليهم أن يدغدغوا أنفة الأمريكي أو غطرسته الموروثة بمعنى أدقّ؛ فما بالك إذا اتصل الأمر بالذات، التي تضخمت خلال أربع سنوات من الترامبية البيضاء والعنصرية وشبه الفاشية أو بعض الفاشية كاملة متكاملة. التاريخ الأمريكي من جانبه يروي تفاصيل أخرى عن الحلم، فيسجّل قيامه على الفلسفة الطهورية أوّلاً، ثم انفتاحه ــ سريعاً ودون مقدّمات لاهوتية أو أخلاقية ــ على شهوات لاطهورية، قوامها الفتح والتوسع والهيمنة والأسواق والاستثمار والاحتكار، وما إلى هذه من أخلاقيات رأسمالية.

وبالطبع، الحكاية الأشهر في هذا الصدد تقول إنّ المهاجر الإنكليزي جون ونثروب أبحر في عام 1630 على ظهر السفينة أرابيلا، في طريقه إلى «العالم الجديد»؛ وعلى مبعدة فراسخ قليلة من شواطىء أمريكا نطق ذلك البيوريتاني الحالم بالجملة الذهبية: «إنني أحلم بأمريكا على هيئة مدينة في أعلى هضبة خضراء، تحفّ بها البراري والمراعي والكنائس». هكذا بعفوية شاعرية رعوية، ولكن بما يكفي من براغماتية جعلته يردف بالقول: «هدفي هو الحرّية، ولكنّ مخططاتي على المدى البعيد ستكون الاستئثار بأقصى ما يتيحه لي الربّ من عقارات وثروات». وبالفعل، أرسى ونثروب قلوعه عند صخرة ماساشوستس الأشهر، ثم أقام مستعمرة بوسطن، وأسّس شركاته من عرق الزنوج العبيد ودمائهم، وانتُخب حاكماً مدى الحياة.

ومذاك، ما انفكت هذه المشكلة البكر تتفاقم وتتضخّم: أنّ «الأمّة الأمريكية العظيمة» مصابة بتخمة الحديث عن الصخرة البيوريتانية والحلم الأمريكي، في التجريد والإطلاق والضبابية والصوفية؛ ولن يعلو نجم سياسي، جمهوري أم ديمقراطي، ليبرالي يساري أم محافظ يمين، علماني أم متدين… إلا وبعض بضاعته المستعادة هي الحلم الأمريكي؛ وتستوي في هذا التنويعات اللفظية، والكثير منها ركيك كسيح الدلالة. المشكلة الأخرى أنّ صخوراً من نوع مختلف كانت تنتظر خطاب ونثروب الانفتاحي ذاك، وعليها تكسّر الخطاب الأصلي بسرعة قياسية، بمنأى حتى عن صخرة ماساشوستس التي يحرسها طهوريون غلاة يرسمون مبادىء الحلم الأمريكي على غرار تقنيات راعي البقر في جمع القطيع.

هو الحلم ذاته الذي رفع ترامب إلى مصافّ مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات 2016، رغم النقائض والفضائح والعراقيل؛ ثمّ إلى سدّة البيت الأبيض، وموقع اتخاذ القرارات التي طوت أكثر من صفحة سطّرها رؤساء جمهوريون أعلى منه شأناً ومكانة؛ وصولاً إلى القبض على مقادير الحزب الجمهوري وتحريك كبار ممثليه في مجلس النوّاب والشيوخ كما تُساق النعاج. وإنه، بذلك، الحلم الذي يتوجّب أن يذكّر بمساوئ الديمقراطية الأمريكية، بعد استذكار محاسنها غنيّ عن القول، وفي الطليعة منها أنّ صعود ترامب وأمثاله لم يكن مصادفة أو ضربة عشوائية، وليست اعتبارات الأمن والاقتصاد والشعبوية والعنصرية والبذور الفاشية هي وحدها المسؤولة؛ إذْ ثمة سوابق كثيرة لا تضرب بجذورها إلا في التربة ذاتها التي تختصر أزمات النظام الرأسمالي المعاصر.

هذه هي أمريكا المعاصرة، ما قبل ترامب وما بعده أيضاً؛ وتكفي متابعة أعمار الجموع التي اقتحمت مبني الكابيتول كي يدرك الناظر أنّ هستيريا الأمريكي السبعيني كانت تكمل سعار الأمريكي العشريني أو الثلاثيني؛ وما بينهما نساء عجائز ونساء صبايا، سواء بسواء. والسؤال بذلك بسيط مشروع: أين ينتهي الحلم وتبدأ الديمقراطية، أم العكس؟ وبالأحرى: بعد اقتحام الكابيتول، مَن يجبّ الترامبية؟

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————

«غزوة» الكونغرس: آخر كوارث ترامب؟

تابع العالم بذهول كبير، أحداث يوم اقتحام أنصار للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمبنى الكابيتول، مركز مجلسي النواب والشيوخ، بدءا من وقوف ترامب بين أولئك الموالين له، حيث استمرّ بتكرار مزاعمه حول «سرقة» الرئاسة منه، ومهاجما، كالعادة، كل من يخالفونه، بمن فيهم نائبه الحالي مايك بنس، لأنه رفض استخدام موقعه كرئيس لمجلس الشيوخ لعرقلة تنصب الرئيس الفائز جو بايدن، وقضاة المحكمة العليا، التي لم تستجب لطلباته باستخدامها لمنع وصول خصمه جو بايدن للرئاسة، رغم أنه عمل على مدى السنوات الماضية على زيادة عدد المحافظين المؤيدين له داخلها.

ترامب، الذي رفع منذ فترة حملاته الانتخابية عام 2016 شعار «فلنرجع أمريكا عظيمة مجددا» تمكن، خلال «غزوة الكونغرس» من تسديد أكبر الضربات المهينة لصورة الولايات المتحدة الأمريكية كدولة ديمقراطية، بتحريض المتطرّفين من أنصاره على الهجوم على مركز إصدار القوانين وتمثيل الأمة الأمريكية، وأحد أهم المواقع الرمزية للعظمة التي يتغنى بها، وبإهانته كل عناصر هذه العظمة، بدءا من مؤسسة الرئاسة نفسها، التي أصبحت، خلال حكمه، مركزا لإطلاق الأكاذيب، وإثارة الغرائز، وتحريض قسم من الشعب على القسم الآخر، مرورا بالمحكمة العليا، المنوطة بحماية الدستور والقوانين، ومجلسي النواب والشيوخ، اللذين تعرضا للاقتحام، ولمحاولة التلاعب بهما بكافة الأشكال الممكنة، ومرورا بالقضاء والأجهزة الحكومية، والمؤسسات الأمنية، وانتهاء بالإعلام، الذي كان محطا لهجماته وإساءاته.

حفلت عملية الاقتحام بإشارات رمزيّة كبيرة، منها رفع أنصار ترامب لعلم الولايات الانفصالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1864) وظهر أحد المقتحمين داخل الكابيتول واقفا أمام لوحة سياسي كان من أبرز المدافعين عن العبودية كما ظهر بعض الأنصار حاملين علم إسرائيل، وجلس آخر في مكتب رئيس مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، وكتب بعضهم على أحد الأبواب «اقتلوا الإعلام» وكلّها رسائل مبطّنة تدعو للحرب الأهلية وإعادة العبودية ومناصرة إسرائيل واحتقار الديمقراطية والإعلام.

أشكال التعبير الأولى عن هذه الكارثة التاريخية الأمريكية يمكن تلمسها من تعليقات بعض مسؤولي الأنظمة الدكتاتورية، الذين وجدوا في هذه الأحداث مناسبة لتبرير قمع شعوبهم، وللسخرية من النظم الديمقراطية، كما فعل رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي الذي قال إن الولايات المتحدة «لن تكون قادرة بعد الآن على فرض وتحديد معايير الانتخابات في الدول الأخرى» فيما علّق مسؤول صيني مشبّها ما حصل من اقتحام للكونغرس بالاحتجاجات الشعبية ضد بكين في هونغ كونغ، بل إن بعض أنصار الاستبداد العربيّ وجدوا في ما حصل مناسبة للتشنيع على الحراكات العربية وأشكال الاحتجاج ضد الأنظمة المتسلطة والفاسدة.

انتبه بعض المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين لهذه النقطة، فأشار وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس إلى أن «أعداء الديمقراطية سيسعدون برؤية هذه الصور المروّعة» وكان بعضهم أكثر دقة بتحميله المسؤولية مباشرة لترامب، كما فعل وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني، الذي وصف ما حصل بـ»اعتداء متعمد على الديمقراطية من قبل رئيس حالي» ورئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أردرن التي قالت إن «الديمقراطية لا ينبغي أبدا إبطالها على يد الغوغاء».

إضافة إلى كلمات العار والفوضى والانقلاب، التي استخدمتها وسائل الإعلام العالمية لتوصيف ما فعله ترامب وأنصاره، وإغلاق وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وانستغرام لحساباته، ودعوات نواب لعزله قبل أسبوعين من انتهاء ولايته باعتباره «مريضا عقليا» واقتراح آخرين لسجنه في غوانتانامو، لا بد أن كثيرين في العالم كانوا يأملون في انتهاء «إنجازات» ترامب، الذي بدلا من «إعادة أمريكا عظيمة» فقد أصبح الرئيس الأول منذ 90 عاما، الذي يخسر محاولة الاستمرار في الرئاسة لولاية ثانية والأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وختم حكمه بهذه الطريقة المريعة.

القدس العربي

—————————–

يوم سقطت واشنطن/ أسامة أبو ارشيد

وقفت أميركا والعالم مَشدوهَيْنِ، يوم الأربعاء الماضي، أمام مشهد اقتحام مبنى الكونغرس في واشنطن من أنصار الرئيس دونالد ترامب، الذي حرضهم هو نفسه على العنف، بذريعة أن الانتخابات الرئاسية سُرقت منه. كانت العظمة الأميركية تتهاوى أمام شاشات التلفزة، وبدت صور عصابات بيضاء متطرّفة، وهي تعبث برمز الديموقراطية الأميركية “المقدّس” وتدنّسه، كأنها آتية من العالم الثالث، أو من الصين أو روسيا، تلك الأجزاء من العالم التي توبّخها الولايات المتحدة مراراً في تصريحات مسؤوليها، أو في التقارير السنوية التي تصدرها وزارة خارجيتها عن حقوق الإنسان والديمقراطية.

ما جرى كان وصمة عار في جبين الديموقراطية الأميركية، جعلت منها محل سخرية بين خصومها الذين لطالما جرّعتهم من الكأس نفسها. الأخطر أن ما جرى، وهو ما لم تنته فصوله بعد لحظة كتابة هذه السطور، قد تكون له تداعيات مستقبلية كارثية، آنية وفي المديين المتوسط والبعيد. تعيش أميركا اليوم انقساماً مجتمعياً حادّاً، عمودياً وأفقياً، وهو قد يزداد عمقاً وتتسع هوته، خصوصاً في وجود سياسيين انتهازيين، وإيديولوجيين سطحيين نافخين في كير الكراهية، اللهم أن تكون هناك إرادة وقدرة على إنفاذ مشروع إصلاح وطنيٍ شامل ومُتَبَصِّرٍ، وهو أمر مشكوك فيه، في ظل المعطيات الراهنة، وإنْ لم يكن مستحيلاً.

لا أريد أن أقفز إلى حكم قيمي حول انهيار “النموذج الأميركي”، ففي هذا تعجّل، ويحتاج الأمر مزيداً من الفحص والتدقيق، ولو أنه قد يُجادل كثيرون في أن “النموذج الأميركي” مجرّد وهم، سواء لناحية الاختلالات العرقية والاقتصادية والسياسية في البلاد، أو لناحية افتراق السياسة الخارجية الأميركية عن القيم الديموقراطية الداخلية التي تباهي بها العالم. لكن، في كل الأحوال، إن حجم الضرر المريع الذي لحق بنموذج الديمقراطية الأميركية داخلياً، والصورة المستقرّة عن رسوخ مؤسساتها وعراقة أعرافها وتقاليدها وأمنها الصارم، أكبر من أن يُنْكَرَ أو أن يتجاهله أحد.

هناك حديث في الولايات المتحدة، ومن أقطاب كبيرة في مؤسسات الحكم والفكر والإعلام، عن أن الديموقراطية الأميركية هشة. لقد عرَّاها ترامب، بل فضحها على رؤوس الأشهاد، ولا يمكن أحداً أن يجادل بعد اليوم بأن في أميركا شرائح مجتمعية واسعة وعريضة تعاني من جهلٍ مطبق، وعنصرية بغيضة، وكراهية عميقة، وعنف متأصل فيها. هي مجرد براميل بارود تنتظر صاعق تفجير، وكان ترامب واحداً من تلك الصواعق. وحتى إذا تجاوزت أميركا حقبته، فإن براميل البارود هذه ستبقى جاهزة للانفجار، في انتظار صاعق جديد، الذي لن يطول أمد غيابه، إلا أن تتمَّ معالجةٌ جذريةٌ لأسباب الغضب، خصوصاً بين نسبة معتبرة من البيض، وهي قضية أخرى سبق أن كتبت فيها مرّات عدّة في “العربي الجديد”.

في سياق الأعطاب التي يعاني منها “النموذج الأميركي”، يمكن سرد ثلاثة منها الآن تتصل باقتحام مبنى الكونغرس، خلال تصديق أعضائه على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جو بايدن، ويرفضها ترامب، ويعتبر هو وقاعدته الشعبية الواسعة جدّاً أنها خضعت للتزوير من “الدولة العميقة”.

العطب الأول، أن من حرّض، ولا يزال، على العنف ضد الدولة ومؤسساتها وقياداتها ومواطنيها، هو الرئيس نفسه. الأدهى أن الدوغمائي ترامب، على مدى أربع سنوات تمتع بحصانة من حزبه الجمهوري في الكونغرس، ضد كثير من أفعاله التي وُصِفَ بعضها بالخيانة. فجأة، يصحو نائب الرئيس، مايك بينس، وزعيم الأغلبية (الأقلية الآن) الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، على أن الرجل مصابٌ بجنون العظمة، ومريض نفسياً، وله نوازع استبدادية فاشية تشكّل خطراً داهماً على الجمهورية! ما كان ترامب ليُحدِث كل هذا الضرر الفادح بالولايات المتحدة، مجتمعاً ونموذجاً وقيماً ورمزيات ومؤسسات حكم، لولا وجود سياسيين جبناء في حزبه، يتوسّلون رضاه، علهم يحظون بدعم بعض قاعدته الانتخابية من الغوغائيين.

العطب الثاني، نجده في كيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع العصابات المتطرّفة التي اقتحمت رمز الديموقراطية الأميركية “المقدّس”، وعاثت فيه فساداً وتخريباً، مهدّدة سلامة أعضائه في مجلسي النواب والشيوخ، ونائب الرئيس نفسه. كثير من الإعلام والسياسيين الأميركيين تكلموا في هذه النقطة بالذات، عاقدين مقارنة بين تعامل السلطات الخشن مع احتجاجات السود السلمية، في أغلبها، قبل أشهر، وتعاملها مع عصابات بيضاء، تجرّأت على تدنيس مقر السلطة التشريعية الأميركية. لقد تأخرت الحكومة الفيدرالية في نشر قوات الحرس الوطني لحماية مبنى الكونغرس. كانت هناك معلومات استخباراتية عن أن بين المتظاهرين المؤيدين لترامب من ينوي القيام بأعمال شغب في العاصمة، بل إن الرئيس نفسه هو من وجّههم نحو الكونغرس. لم يقف الأمر عند ذلك الحد، حيث رأينا كيف كانت عناصر الأمن، ومن ثمَّ قوات الحرس الوطني التي نُشِرَت بشكل متأخر، تتعامل بضبط نفس كبير مع الذين اعتدوا على أحد رموز الحكم والهيبة الأميركية، بل وعليهم. ترى، لو كان هؤلاء في غالبهم الأعظم بيضاً، أكانت السلطات تعاملت معهم بهذه الطريقة؟ هذا سؤال يطرحه كثيرون في أميركا، وأظن أن الإجابة واضحة، ونماذجها المغايرة أكثر من أن تعد وتحصى هنا.

العطب الثالث، يتمثل في سقوط الرمزيات الأميركية على يد بعض أبنائها أنفسهم. كانت المرّة الأولى والأخيرة التي اقتحم فيها الكونغرس عام 1814. حينها كان المقتحم جيشاً أجنبياً غازياً، هو الجيش البريطاني، الذي دمر المبنى وأحرقه. وفي السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، كان المقتحمون والمخرّبون له مواطنين أميركيين، بذريعة أنهم يريدون حماية نزاهة الانتخابات الرئاسية التي خسرها مرشحهم. هذه لحظة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، وتؤسّس لسابقة خطيرة قد تقود إلى المسِّ بالهوية الوطنية الجَمَعِيَّةِ الأميركية. ولمن أراد دليلاً على ذلك، فليتابع صور بعض المعتدين على الكونغرس الذين جابوا أروقته وقاعاته، حاملين علم الكونفدراليين الذين أشعلوا حرباً أهلية أميركية (1861-1865) بغرض الانفصال عن الاتحاد.

باختصار، ما شهدته الولايات المتحدة من أحداث في السنوات الأربع الماضية، وما زالت تحت رئاسة ترامب، ما هي إلا تعبيراتٌ عن أزمة بنيوية يعيشها “النموذج الأميركي”. وإذا كانت واشنطن قد سقطت في السادس من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، فإن ذلك ينذر بانهيار كامل لذلك الأنموذج في السنوات المقبلة، وقد يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، وصولاً إلى تفكّك الولايات المتحدة نفسها بأيدي أبنائها. هل هذا قدر محتوم؟ لا. تبقى القدرة الأميركية على الإصلاح الذاتي كبيرة، في ظل وجود قيم وأعراف وتقاليد عريقة، ومؤسّسات قوية ما زالت قادرة على تمتين بنائها.

العربي الجديد

——————————

الأربعاء الأسود… أمريكا المنقسمة/ سامح المحاريق

هل بدأ الانقسام في أمريكا مع الرئيس ترامب، دعونا لا نحاول أن نعطي الرجل أكبر من حجمه، ففي الحقيقة الانقسام قائم قبل أن يعلن ترامب ترشحه لانتخابات 2016. في بداية الألفية الجديدة تعززت الأفلام الأمريكية، التي تقدم حياة السود حصرًا، وكأنهم منفصلون تمامًا وجوهريًا عن بقية الأمريكيين، وكان ذلك يمثل رد الفعل على سنوات طويلة من التجاهل في الدراما الاجتماعية الأمريكية، وبالاقتراب أكثر من الصورة، فإن الأمر يختلف عن موسيقى الجاز التي عبرت عن الأمريكيين من أصول افريقية في ولايات الجنوب، التي كانت إعلانًا عن الوجود، وفعل مقاومة، لأن الموجة الجديدة في حد ذاتها تظهر مجتمعًا منفصلًا ومنكفئًا على ذاته، مجتمعًا يصر على بناء جديد، وكانت ذروة التعبير عن وجوده مع انتخاب الرئيس باراك أوباما رئيسًا سنة 2008، وهو ليس أمريكيًا افريقيًا نموذجيًا، إذ لا ينتمي إلى أسر حقول القطن والاضطهاد القديم، فوالده مهاجر كيني حديث نسبيًا، وأمه أمريكية بيضاء، أي أنه لا يعبر عن المأساة السوداء بكامل تفاصيلها.

لحظة أوباما أشعرت الأمريكيين البيض، خاصة المتعصبين بالخطر، فالرئيس الصاعد كان تعبيرًا عن المهاجرين الجدد، وتوسعه في الخدمات مثل الرعاية الصحية يجعل الولايات المتحدة تتكبد المزيد من المال، الذي يعتقد البيض أنهم يدفعونه لتمويل المهاجرين، وتمكينهم من الحياة بينهم، وإذا كانت الأجيال الأولى من المهاجرين، لا تستطيع أن تنافس البيض في الوظائف والتأثير، فالأجيال التالية من المولودين في الولايات المتحدة، أو القادمين في سن مبكرة، يمكنهم أن يفعلوا ذلك، والصومالية المولودة في مقديشو إلهان عمر، بوصولها إلى عضوية مجلس النواب نموذج واضح لذلك، وهذه النائبة مثلت تحديدًا الاستفزاز الأكبر لترامب، فهو لا يراها في أفضل الأحوال سوى عاملة نظافة في أحد فنادقه، فكيف تصبح مشرعًا يمكنه أن يعترض على توجهات الرئيس وقراراته.

هذه المشاعر كانت تحضر بشكل أو بآخر لدى آلاف الأمريكيين، الذين حاصروا مبنى الكونغرس، وتمكنوا من اقتحامه في مشهد رعب، كان مكانه أفلام المستقبل التي تتوقع انهيار الولايات المتحدة، وكان معظم الناس يتعاملون معها على أنها فانتازيا خالصة، ولكنها حدثت، وقدرة المؤسسة الأمريكية العميقة على استيعابها بالأمس، بعد اشتباكات محدودة ستبقى موضعًا للتساؤل قبل الجولات المقبلة.

نعم توجد جولات مقبلة، والعنف الذي شهدته العاصمة سيعتبره الأمريكيون البيض يومًا ملهمًا وسيبنون عليه، ربما بطريقة تشبه ما حدث مع أندية الشاي التي كانت بداية التمرد على السلطة البريطانية، على الولايات الأمريكية. ستختمر الحالة الترامبية التي كانت مجرد حالة من الشكوى والغضب، والرغبة في التنمر، لتصبح تيارًا سياسيًا سيجد بين وقت وآخر قادمين جدد من الحزب الجمهوري، الذي يتراجع مع الفشل المتواصل الذي يلحق بنموذج الليبرالية الجديدة، وستولد أمريكا الفاشية تكساس ونورث داكوتا وكنساس ومونتانا وألاباما. والأمريكيون البيض الذين اعتبروا جوزيف سميث نبيًا وأسسوا ديانة المورمون، التي تعبر عن قابلية الأمريكيين للوهم بكل سذاجة، ربما سيجدون في ترامب نبيهم الجديد، وهو ما يحاول أن يفعله الرئيس، وعلى الأغلب بصورة غير واعية عندما خرج ليتحدث لهم مطالبًا بالسلمية والتهدئة، في رداء من المظلومية التي يدعي أنها لحقت به.

ترامب يعتبر نفسه ناجحًا في أمريكا التي تخصه، وهي التي بدأت بتجاهل أمريكا الأخرى السوداء واللاتينية، وأي نسخ أخرى، ولكن التجاهل ليس قابلًا للاستمرار، والصدام يبدو حتميًا، أو هو المنطق الذي يفضله التاريخ، فما الذي سيحدث، أو يمكن أن يحدث إن لم ينجح الأمريكيون في تداركه. كما استوعبت المؤسسة العميقة في الولايات المتحدة صدمة الجلسة المشتركة للنواب والكونغرس للتصديق على فوز جو بايدن، فإن طاقاتها يمكن أن تستوعب تمرير السنوات المقبلة من رئاسته، إن لم تحدث مفاجآت في منتصفها مثل، وفاته أو عجزه عن ممارسة دوره لتتولى مكانه كامالا هاريس الرئاسة، ولكن ما ستعجز عنه المؤسسات المختلفة، هو التفاعلات في المدن الصغيرة والولايات الجمهورية الميول، ذات الأغلبية البيضاء، خصوصًا أن الفوضى الجمهورية في الولايات، والجدل حول إجراءاتها في الانتخابات، أظهر الولايات المتحدة مجموعةً من الدول التي ترتبط فيدراليًا، وكأن الفيدرالية سلطة قهرية تريد أن توجهها، وهو ما سيجعل الغضب يتصاعد داخل بعض الولايات، وربما نشهد حديثًا عن رغبة في الانفصال عن الاتحاد الأمريكي، ومغامرات قانونية مختلفة، ومماحكات غير متوقعة.

ليلة ستبقى طويلًا في ذاكرة الأمريكيين، هذا إن كان الأمريكيون سيمتلكون منذ اليوم ذاكرة جمعية، فأمريكا المنقسمة هي التي ولدت رسميًا في الأربعاء الأسود، وكانت قبل ذلك جنينًا، وستحتاج بعض الوقت لتتعلم المشي، ثم الركض، أين؟

بدأت أمريكا تاريخها بالركض في المساحات الشاسعة المفتوحة أمام المستوطنين القادمين من أوروبا، من أجل فرض الأمر الواقع على الأرض بموازاة اجتثاث السكان الأصليين، وكان مزيدًا من الركض يعني المزيد من الثروة، أمام اليوم، فإن العودة إلى ثقافة الركض واحتلال المساحات، كما كان المشهد الذي يقدم أحد مقتحمي الكونغرس يحتل مكتب نانسي بيلوسي رئيسة الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، فأين سيوصلهم الركض هذه المرة؟ ويبقى أنه من الصعب أن يقضوا على أمريكا الأخرى (السوداء أو اللاتينية) كما فعلوا سابقًا مع السكان الأصليين.

كاتب أردني

—————————-

أمريكا في أزمة مع «الحقيقة»: الترامبيّة… اليوم التالي/ ندى حطيط

يوم الأربعاء الماضي توافد الآلاف من مؤيدي الرئيس دونالد ترامب إلى واشنطن العاصمة للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 والمطالبة بإلغائها. واستمعوا إلى رئيسهم يقول إنه لن يعترف أبداً بخسارته، والانتخابات الأمريكية لم تعد حرة أو نزيهة. ثم ناشد جمهوره أن يسيروا إلى مبنى الكابيتول، حيث كان الكونغرس منعقداً للتصديق على انتخاب بايدن. وبعد لحظات، كان مؤيدو ترامب قد اخترقوا خطوط الشرطة المتهاونة حول المبنى واقتحموه وأثاروا فيه فوضى عارمة تسببت في إلغاء جلسة التصديق وتهريب المجتمعين بحماية رجال الشرطة والحرس الوطني.

وبالطبع سارعت التلفزيونات العالميّة والمواقع الإخباريّة على الإنترنت إلى تقديم متابعة حيّة لتطورات الأحداث على التلّة الشهيرة، حيث يفرق كل أمر عظيم من شؤون البشر، وأبدى كثير من المعلقين والمذيعين دهشتهم مما يجري في أهم (ديمقراطيّات) الكوكب، ووصفوا أنصار ترامب بالرّعاع والهمج الذين دنّسوا قدس أقداس راعيّة (الحريّات) في العالم.

لكن ما حدث لم يكن وليد لحظة غضب عابر، أو ردّة فعل على خسارة ترامب بقدر ما هو استمرار بطرق أخرى وتصاعد لعمليّة التزوير العلنيّ ل»الحقيقة» التي يشارك بها هؤلاء المعلقون والمذيعون أنفسهم منذ إخفاق النيوليبراليّة وتفجّر الأزمة الماليّة في 2008، وما ترتّب عنها من إذلال وإفقار للملايين وسرقة لأموالهم ومستحقاتهم لإنقاذ المضاربين والبنوك. معظم هؤلاء الغاضبين – وبينهم دون شك مهووسون ومتطرفون لا يخلو منهم الأمر – أناس عاديّون تم شرنقتهم في مجموعات كراهيّة عبر وسائل التّواصل الاجتماعي وإمدادهم بنظام غذائي مستدام من أكاذيب إعلاميين مأجورين، وسياسيين مهووسين ومثقفين انتهازيين عبر منافذ الإعلام وشاشات التلفزيون، فيصوّر بعضهم ترامب ضحيّة لعصابة مهووسين يسيطرون على الدّولة الأمريكيّة فيما يصوره البعض الآخر مجنوناً يريد قلب البلاد إلى فاشيّة لذوي البشرة البيضاء. والضحيّة في الحالين الحقيقة: أن النّخبة الأمريكيّة الحاكمة ليست أكثر من وحش واحد ذي رأسين، إن لم ينهش أحدهما الجمهور المغلوب على أمره باسم الحزب الجمهوريّ، نهشه الرأس الآخر باسم الحزب الديمقراطيّ.

أوهام للجميع حسب الطلب

وسائل الإعلام الأمريكيّة بتوزعها على جانبي الشقّ المفتعل بين المواطنين الأمريكيين خلقت لأنصار اليمين الجمهوري وهماً بأنّ ترامب لديه خطة كبرى للاحتفاظ بمنصبه بطريقة سحرية وأنّه على نسق زحف القمصان السوداء الفاشية على روما سيقود الأمّة ويسيطر على السلطة باسم الشعب، فيما منحت أنصار اليسار الديمقراطي شعوراً مفتعلاً بالانتصار وطوي صفحة ترامب إلى الأبد. ولذا رأينا أمريكيين يرفضون قبول خسارة ترامب ويشعرون بالمرارة ليس فقط على الجمهوريين في الكونغرس الذين رفضوا إنكار نتائج الانتخابات، ولكن على ترامب نفسه، الذي «من الأفضل له أن يفعل شيئاً ما حيال كل هذا غداً، أو أنه سيكون أكبر خائن لنا جميعاً». بينما على المقلب الآخر تمّ بناء انطباع بأنّ ترامب أصبح خارج اللعبة تماماً وأن أنصاره سَيُسقَط في أيديهم ويتفرقوا دون إحداث فوضى حقيقة، وأنّ الخلاص ينتظرنا على قارعة الطريق اعتباراً من 20 يناير/ كانون الثاني الحالي،موعد تنصيب بايدن .

ترامب: ليس أوباما ولا جورج بوش

ترامب، بصفته رئيس الولايات المتحدّة لأربع سنوات متتالية يدرك أكثر من غيره الديناميّات التي تحكم الدولة الأمريكية، ويعلم تماماً أن المنظومة الحاكمة شديدة التماسك، وليس من المسموح لأحد مهما علا منصبه بأخذ دولة العالم الأعظم إلى فوضى تامّة. ولذا فهو لن يقاتل للبقاء في المنصب مقابل أن يسجّل – كما فعل يوم الأربعاء الماضي تماماً – أمام أتباعه الموالين أنّه خسر السّلطة نتيجة مؤامرة وغش وتزوير تقاطعت أطراف مشبوهة داخل النّظام على تنفيذها ضدّه.

لكن ترجلّه عن صهوة جواد السّلطة، قد لا يعني بالضرورة أنّ الرجل سيمضي مثل جورج بوش إلى مزرعة مسوّرة في تكساس يقضي أيّام تقاعده بهدوء يرسم لوحات ويعانق الأحفاد أو مثل أوباما يدّون مذكرات وينتج أفلاماً وثائقيّة أو كما اعتاد الأمريكيّون على سلوك رؤسائهم السابقين بعد أيّامهم في البيت الأبيض. لقد تمكّن ترامب – وهو الآتي من صناعة أوهام التلفزيون -، وبتواطؤ بعض النخب في ترسيخ قاعدة تأييد شاسعة بين ما يقرب من نصف الأمريكيين، فصوّت له في الانتخابات الأخيرة 70 مليوناً، أي أكثر ب 6 ملايين صوت حصل عليه عام 2016 رغم أربع سنوات من الصراعات السياسيّة مع الديمقراطيين على مسرح واشنطن العاصمة، وفشله – الأقرب إلى الجريمة – بإدارة وباء «كوفيد – 19» الذي يفتك بملايين من مواطنيه. ولذا هو سيمضي في النهاية وقد شيّد قلعة تعاطف شعبيّة هي الأوسع من نوعها ودفع حالة الاستقطاب المجتمعي إلى أقصاها. وهذا يعني أن سلطة بايدن الجديدة قد لا تعيش أزمانا مشمسة في السلطة، وقد يعكف ترامب على التحضير المنهجي لرحلة العودة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسيّة التالية بعد أربع سنوات، سواء بشخصه أو من خلال مرشّح يُصنع على عينه وبقياساته، وسيكون في ذات الوقت قوّة فاعلة في إطار الحزب الجمهوري الذي – حتى بعد خسارة مقعدين للديمقراطيين في انتخابات تكميلية أجريت في ولاية جورجيا يوم الثلاثاء الماضي – يسيطر مناصفة على الكونغرس، وسيمتلك أن يجعل من كل محاولة للتشريع بمثابة كابوس مزعج.

اليوم التالي

لا وصفة جاهزة لحل الأزمة الأمريكيّة التي تتلاحق فصولاً في واشنطن، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى أنه ليس هنالك مذنب وحيد تسبب في كلّ هذه الفوضى – غير المألوفة – والشعبويّة المفرطة ولا حتى ترامب نفسه، وبالتالي فإن غياب أو إقصاء شخص واحد عن الصورة العامة – سواء عن شاشات التلفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعي – لن ينهي التأزم بصفة فوريّة، وربما يلعب دوراً عكسيّاً في زيادة شعبيته وتعزيز الولاء له ك(مقاوم) من داخل النّظام.

شاشات الإعلام المرئي وصحفه المقروءة، ومنصات التواصل الاجتماعي التي تديرها شركات كبرى قريبة من مركز الهيمنة في النظام الأمريكيّ كلّها كانت شريكة بالهجوم على الحقيقة والترويج للأكاذيب والمعلومات المضللة وتضخيم الأحداث وربطها بأنساق مؤامراتيّة الطّابع طوال العقد الماضي، الأمر الذي دفع كتلاَ ضخمة من مواطني الولايات المتحدة للانخراط في ثقافة المؤامرة والأيديولوجيات المتطرفة العنيفة من أجل فهم وتفسير عالم لا يثقون به. وما شاهدناه الأربعاء الماضي ليس إلا نتاجاً طبيعيّاً لتسرّب أغراض هذه البرمجة الإعلاميّة المسمومة إلى عقول وأجساد كثير من الأمريكيين طوال سنوات.

لقد كان ترامب رمزاً وتتويجاً لمخاض سياسي في لحظة تاريخية محدّدة من زمن صعود الفاشيّات الجديدة في الغرب، ولذا، مهما كانت نتيجة محاولته تعكير انتقال السلطة لبايدن، فستبقى الترامبيّة حاضرة في المشهد السياسي حتى بعد غياب ملهمها، ولن تنحسر دون مراجعة صادقة مع الذات لا يبدو أنّ أحداً من النخبة الحاكمة وأبواقها الإعلاميّة شركاء الجريمة مستعد لها أو عازم على القيام بها.

٭ إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن

القدس العربي

———————————

فاتورة عربية لخطيئة اقتحام الكونغرس/ ممدوح الشيخ

نعم .. هناك عواصم عربية قد تدفع مع الرئيس الأميركي، ترامب، فاتورة الواقعة. أول مفردات هذه الفاتورة التي يمكن أن تدفعها عواصم بسبب خطيئة اقتحام الكونغرس الأميركي قد تكون إعادة اعتبار كبيرة للحالة الديمقراطية في العواصم الحليفة لواشنطن، كمعيار أكثر تأثيرًا في قوة العلاقات العربية الأميركية. وخلال السنوات القليلة الماضية، كانت تحالفات ترامب العربية غرائزيةً وقصيرة النظر بشكل بائس. والاعتماد قصير النظر على تحالف عربي أميركي مع أنظمة مغرقة في العداء للديمقراطية، كانت في الولايات المتحدة، قضية جدلية سنوات طويلة، باستثناء هدنة قصيرة خلال الفترة الثانية من رئاسة جورج بوش الابن، وأرجّح أن تتحوّل إلى قضية مفصلية، لأسباب موضوعية وأخرى آنية.

والاتفاقات المتعجلة التي قدمتها دول عربية للتطبيع مع إسرائيل في سياق علاقتها بإدارة ترامب استهدفت، بشكلٍ لا تخطئه العين، تحسين فرصة ترامب للفوز بفترة رئاسية ثانية، كما أنها استهدفت إجبار الإدارة المقبلة على تبنّي أجندة هذه العواصم، كجزء من الأجندة الأميركية في المنطقة، أي أنهم توهموا إمكان “اقتياد” أميركا من خلال “شراء” الرئيس شخصيًا، بدلًا من الاتساق مع سياسة أميركية تمثل الدولة.

من ناحية أخرى، فإن الأموال العربية التي تدفقت على جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة الأميركية، بحجم غير مسبوق، ولتحقيق أهداف لم يسبق لعاصمة عربية أن سعت إلى تحقيقها، ستكون موضوع مراجعة ستقلّص قدرة بعض هذه العواصم، وستقلّص جرأتها في الوقت نفسه، على السعي إلى تحقيق مثل هذه الأهداف مرّة أخرى، وبخاصة في ظل المكاسب الكبيرة التي حققتها روسيا في المنطقة، برعاية بعض هذه العواصم. وإدارة أوباما التي يعيد بايدن إنتاجها تقلق كثيرين في الخليج وخارجه، والثارات التي ظلت حاضرة في ممارسات حلفاء ترامب (وفي خطاب ترامب نفسه بعد انتهاء حكم أوباما بسنوات) مرشّحة لأن تعكر المياه. وقد كان اقتحام الكونغرس مشهد الختام في ملهاة سياسية عربية/ أميركية، ارتبطت فيها عواصم حليفة لواشنطن بمساعٍ معلنة لمنع الديمقراطيين بـ “أي ثمن” من العودة إلى السلطة.

وقائمة مخازي ترامب الطويلة في سياساته تجاه الرياض وأبوظبي، وغيرهما من العواصم، شكلت عامل استقطاب ديمقراطي/ جمهوري حاد. صحيحٌ أنه كان للقضايا الداخلية الأميركية الأولوية القصوى، لكن المنطقة العربية أصبحت أكثر حضورًا في واشنطن منذ بدأ “الربيع العربي”، وكان حضورها في قلب عاصفة الصراع على مستقبل أميركا، وفي الكفة الخطأ. والتغاضي عن واقع الحريات في المنطقة، خلال سنوات رئاسة ترامب، وصولًا إلى الاغتيال المأساوي للصحافي السعودي، جمال خاشقجي، سوف يكون، على الأرجح، سلاحًا من أسلحة تصفية الحسابات مع ترامب. وتصفية الحساب هذه المرة ستكون عبر إعادة هيكلة نفوذ حلفاء ترامب الذين اشتروا صمتًا أميركيًا في اليمن وليبيا وسورية… وغيرها من الملفات، لا على حساب القيم الأميركية وحسب، بل على حساب المصالح كذلك، والوجود الروسي المتنامي على سواحل البحرين، المتوسط والأحمر، والتحالف الروسي التركي، ليس كل الخسائر.

واقتحام الكونغرس، مترافقًا مع جمع الحزب الديمقراطي أغلبية في الكونغرس بمجلسيه، منح الديمقراطيين مشهد ختام صاخبا، وزخمًا ربما لو ذهبوا بخيالهم إلى أبعد حد لما تخيلوه، والرغبة في تقويض الديمقراطية الأميركية ستكون، في الأجل المنظور، التعبير الأكثر إثارة لغضب الأميركيين، فصورة الاقتحام، بتفاصيلها الهزلية الصادمة، وفرت للرئيس المنتخب، بايدن، رأس المال الرمزي الأكثر قيمة لحشد الأميركيين، وراء عملية إعادة هيكلة قادمة لا محالة، للعلاقات الأميركية مع الحلفاء الذين ساعدوا “الرئيس الانقلابي” مساعداتٍ سخيةً مالية وسياسية، بأمل الإملاء على عاصمة القوة الكبرى في العالم. لقد كانت الفترة الثانية من حكم باراك أوباما فترة بناء حواجز واضحة بين مصالح أميركا ومصالح حلفائها، فكانت هناك “جفوة” كبيرة بين واشنطن من ناحية وتل أبيب والقاهرة وعواصم الخليج، وكان موقف إدارته من “الربيع العربي” وإيران أكثر الملفات خلافية، وكلا الملفين اليوم حاضر، والخلاف حوله سيعاد إنتاجه، قطعًا، في ظل إدارة رئيسٍ كان نائبًا لأوباما فترتين. وأحسب أن ما كان محتملًا قبل اقتحام الكونغرس سيكون شبه مؤكّد بعده. والمرجّح أن تكون فاتورته عربيًا كبيرة.

العربي الجديد

——————————-

الشرخ الأميركي… أثر يتجاوز الحدود/ ناصر السهلي

لم يكن اقتحام الكونغرس الأميركي، بما يرمز إليه من مفاهيم الحرّية والديمقراطية في الوعي الأميركي، من قبل أنصار الرئيس الخاسر في الانتخابات دونالد ترامب، سوى نتيجةٍ لتراكمات أسّس لها الأخير في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع داعمين ومؤيدين له في الحزب الجمهوري. هذا الحزب، ومؤسسته، سيتوقفان مليّاً أمام الضرر الذي أحدثه الرجل بهما، ربما من خلال الإجابة عن سؤال: هل نحن جمهوريون، أم ترامبيون و”براود بويز”؟ فهذه الجماعة اليمينة المتطرفة، والمسلحة، والتي كان ترامب طالبها بأن تكون مستعدة، خلال أولى مناظراته الرئاسية مع منافسه الديمقراطي، الرئيس المنتخب جو بايدن، لن يكون اختفاؤها سهلاً من المشهد الغربي المقبل.

وأخطر ما أسّس له ترامب طوال العام 2020، في لعبته الشعبوية المفضلة، هو تقويض ثقة الأميركيين بالانتخابات الديمقراطية. فشعار مناصريه، أي “سرقة الانتخابات”، عُد أحد أهم أهدافه ومعسكره المؤيد، لما يحمله من ضرب لقواعد اللعبة الديمقراطية. وعلى طريقةٍ عالمثالثية، أراد ترامب الاحتفاظ بالسلطة بكل الوسائل، ومنها التهديد المباشر والمبطن، وبمشاركة أسرته، كابنه إريك، الذي هدّد الجمهوريين، وعلى طريقة مكالمة أبيه مع سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري، براد رافنسبيرجر.

يجب الاعتراف بأن ترامب استطاع اللعب على مشاعر الخوف، في الأغلب لدى البيض، ببثّ أكاذيب ونشر نظريات المؤامرة. وظلّ بنفسه يتصدى للنتائج المؤكدة لخسارته، إلى أن وصلت الصورة إلى أوجّها، بطريقة تُذكّر باقتحام برلمانات الديمقراطيات الصورية/النامية، أو العرجاء.

ذلك، وغيره كثير، يؤشر في الجوهر إلى أن الأمة الأميركية، التي شكّلت ديمقراطيتها أيقونة اجتذبت ملايين المهاجرين من حول العالم، تعيش أزمة وجودية. وبالطبع صور أول من أمس الأربعاء، ستحفر مكانها في النفس الأميركية.

الشرخ الداخلي، في سجال الهوية الأميركية، الذي أوصلته نظرية المؤامرة إلى ما هو عليه، لم يعد مجرد نظريات أو تحليل خبراء. والعالم يهتم بالحدث الأميركي، لأن الولايات المتحدة، شئنا أم أبينا، تشكل “قوة عظمى” في توازنات عالمية، ونموذجاً معيناً، سواء للأعداء أو للحلفاء. الصورة اهتزت بلا شك، وقد تشكل فرصة أمام هؤلاء الحلفاء، أو الأعداء، لمواصلة التفكير ببناء التحالفات الجديدة؛ ينسحب ذلك على الضفة الأوروبية للأطلسي، وعلى خارجها. كما هي فرصة لمناهضي أميركا، لكسب مساحة مناورات غير مسبوقة.

في المحصلة، فإن الحالة الأميركية المستجدة قد تسجل، للمؤمنين بالأنظمة التسلطية، سابقة لمزيد من فرض الاستخفاف والاستهزاء بالديمقراطية الدستورية، والحرّية عموماً. ينسحب ذلك على الديمقراطيات الأوروبية، التي عاشت منذ وصول ترامب أزمة تقدم الشعبويين واليمين المتطرف، ومنهم من يشبه “براود بويز”، لترجمة ممارسات تتجاوز الدساتير وقواعد اللعبة الديمقراطية، بحجة “استعادة السلطة من الطبقة السياسية الفاسدة”.

قد يشعر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بنشوة الخدش الذي أصاب صورة الديمقراطية الأميركية، علماً أن الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين كان قد سبق سلوك ترامب وأنصاره بوقت طويل، حين أدت خلافات دستورية بين السطات إلى قصف الدوما/البرلمان (مجلس السوفييت الأعلى)، في العام 1993.

لكن بوتين ليس وحده في هذا السياق، فللرئيس الروسي أصدقاء وحلفاء متطرفون في أوروبا. ففي أستوكهولم وكوبنهاغن وبرلين وفيينا وروما ووارسو وبودابست، وغيرها من العواصم، ثمة قوى باقية على نهج الترامبية الانقلابية. والقصة لا تتعلق بمعسكر شعبوي يتخذ من الخطاب الإعلامي – السياسي وسيلة، بل بقوى تؤمن بأن الطبقة السياسية التقليدية، من يمين وسط ويمين متشدد، لم تعد تمثل “قيم” المجتمعات، وسط تزاحم نظريات المؤامرة.

إذا، المشهد الأميركي ليس بمعزل عن تداعيات مشاهد أخرى غربية، مارس فيها للأسف يمين الوسط التقليدي ما مارسه الحزب الجمهوري في واشنطن، في مجاراة ومنافسة قوى التطرف القومي، خوفاً من فقدان ثقة الناخبين.

الأخطر، إنْ لم يجر لجم كرة الثلج على الأسس المتينة للدساتير العريقة، أن تُشرعن الفاشية، تحت مسميات مختلفة في أوروبا، استلهاماً من “براود بويز” وغيرها على أرض “الشقيقة الكبرى” أميركا، فيصير الحلم كابوساً جدياً للديمقراطية الغربية.

العربي الجديد

—————————

الإمبراطورية الهشّة/ وليد شرارة

بعد اقتحام «الدهماء الإرهابية» للكونغرس الأميركي، بحسب التوصيف الذي بات معتمداً في وسائل الإعلام الرئيسية لطليعة أميركا الترامبية التي زحفت إلى واشنطن لنصرة قائدها، دقّ الرئيس المنتخب جو بايدن ناقوس الخطر: الديموقراطية، الهشّة بطبيعتها، مهدّدة، وهي بحاجة إلى «الشجعان» لحمايتها. اجتياح الجموع الغاضبة للمؤسّسة «الأكثر قداسة» للديموقراطية الأميركية، و«المؤتمنة على حماية الدستور ومصالح الشعب»، صدم وأدمى قلوب جميع من أملوا، من الولايات المتحدة والعالم، أن تستعيد بلاد العم سام، بعد انتصار بايدن، وجهها «الناصع». سارع الأخير إلى التأكيد أنّ المهاجمين لا يمثّلون أميركا «الحقيقية»، لكن ما تجلّى بوضوح مع «هبّة الكابيتول الدامية» أمام أنظار شعوب المعمورة، هو الشرخ المتعاظم في داخلها وتمرّد قطاع معتبر من شعبها على النظام ومؤسّساته. تحميل ترامب وخطابه التحريضي مسؤوليةً حصرية عمّا جرى لن ينجح في حجب هذا الواقع. فحتى لو كانت كلمات الرئيس لها وزن كبير، كما أشار بايدن، فهي غير كافية لتفسير انفجار كلّ هذا الغضب. لم يقم ترامب سوى بصبّ الزيت على نار متّقدة، وقودها اقتناع راسخ لدى أميركا «العميقة»، أي سكّان الأرياف والمدن الصغيرة والمتوسّطة في وسط البلاد، أنّ النخب المعولمة والأقليات «المؤتلفة» في مدن الساحلَين الشرقي والغربي، سرقت منها انتصارها الانتخابي، لتكرّس سيطرتها على النظام السياسي ومقدّرات البلاد. أميركا العميقة كانت جزءاً من الكتلة الموالية للدولة، وحتى أكثر تيّاراتها وتنظيماتها تطرّفاً، كالميليشيات والمجموعات العنصرية، كانت من قوى النظام الأميركي القائم فعلاً على أرض الواقع، لا الذي يصفه الدستور، وقوة احتياطية من الممكن أن يستعين بها في مواجهة تحدّيات داخلية. لكنّ التحوّلات العميقة التي شهدتها أميركا والعالم، أدت إلى انفكاك هذه الكتلة عن النظام. وبما أنّ الأسباب البنيوية العميقة لهذا الانقسام الأهلي ترتبط بمشروع العولمة النيوليبرالية الذي رعته الإمبراطورية الأميركية منذ نحو أربعة عقود، وفقدت قدرتها على التحكّم فيه بسبب تراجع قدراتها وصعود دور المنافسين في إطاره، فإنّ مساعي الإصلاح التي وعد بها بايدن ستواجه مصاعبَ هائلة. هو محقّ في اعتباره الديموقراطية هشّة بطبيعتها، غير أنّ هشاشتها تتضاعف عندما تكون نظاماً سياسياً في مركز إمبراطوري تنحدر هيمنته.

النخبة السياسية الأميركية، بما فيها قسمٌ واسعٌ من تلك «الجمهورية»، تريد التخلّص من ترامب بسرعة وبأقل الأكلاف. الهجوم من كلّ حدب وصوب يتركّز على الرجل ورغبته المجنونة بالبقاء في السلطة بأيّ ثمن. مايكل هيرش رأى في مقال على موقع «فورين بوليسي»، بعنوان «أصبحنا نعرف الآن ما يترتّب على رفض رئيس التنازل عن السلطة»، أنّ «التداول السلمي للسلطة كان ممكناً أساساً، ليس بسبب المبادئ المنصوص عليها في الدستور، بل بفضل الأشخاص الذين التزموا بها واحترموها… ترامب نرجسي مريض انتخبه الأميركيون، وظهرت صفاته الأسوأ بأكثر الطرق دراماتيكية خلال الأيام الأخيرة لرئاسته. فمن دون أدنى الإثباتات على وجود تزوير، هو أطلق حملة لنزع الشرعية عن الانتخابات، ودعا أنصاره إلى الاحتشاد في واشنطن».

لا شك في أنّ جموح وانعدام توازن الرئيس الذي تشارف ولايته على الانتهاء قد لعبا دوراً في تأجيج التناقضات السياسية الداخلية، وكذلك نقمة «أميركا المهزومة»، لكنّ تناول هذا البعد حصراً في الخطاب السياسي والإعلامي السائد يشي بإرادةٍ للتعامي عن الأبعاد الأخرى لما وقع في واشنطن، خصوصاً تلك المتّصلة بقاعدته الموالية. حاز ترامب أصوات 74 مليون ناخب على رغم سلوكه المشين والعلني، والهجوم الإعلامي – السياسي الذي لم يتوقّف ضده. السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُطرح يتعلّق بهذه القاعدة الموالية الضخمة، التي تضمّ مكوّنات وازنة باتت ترفض الإقرار بشرعية النظام السياسي الأميركي ومؤسّساته المنتخبة، وتحضّ علناً على التمرّد عليه. مجموعات وتيارات يمينية متطرّفة، كالميليشيات وأنصار تفوّق العرق الأبيض والجماعات الإنجيلية المتشدّدة، ليسوا ظواهر جديدة في الولايات المتحدة. هم نمَوا باطراد مع بداية التسعينيات، وتوسّع نفوذهم في الحزب الجمهوري منذ تلك الفترة، خلال ما عرف بـ«الثورة المحافظة»، التي كان نيوت غينغريتش، النائب والمتحدّث باسم مجلس النواب بين عام 1995 – 1999، أحد أبرز رموزها، واستمرّت في الصعود مع ما سُمّي «حفلات الشاي»، في بداية الألفية الثانية. «ثورة محافظة» أيديولوجية – ثقافية، مغرقة في الرجعية، انتشرت في أوساط أميركا العميقة، داخل الحزب الجمهوري وخارجه، بالتزامن، وهذا هو اللافت، مع مسار العولمة وما رافقه من سرديات عن «القرية العالمية» و«التبعية المتبادلة والانفتاح»، و«نهاية التاريخ» والسيادة الأبدية لنموذج «ديموقراطية السوق». هذا المسار، الذي قادته وتحكّمت فيه في بداياته الولايات المتحدة، والذي ارتكز على ما سمّاه المؤرّخ البريطاني بول كينيدي «التوسّع الإمبراطوري الزائد»، هو سبب الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية البنيوية التي تفاقمت في أميركا في العقود الماضية. استندت السياسات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية الناجمة عن هذا المسار – الخيار، وما نتج عنها من تصفية للخدمات الاجتماعية العامة ومن تحرير للرساميل وللتجارة ومن نقل للصناعات نحو البلدان ذات اليد العاملة الرخيصة، إلى رهان النخب السياسية الأميركية في الحزبين الرئيسيين، على قدرة بلادهم على توظيف العولمة لخدمة مصالحها أولاً وتعظيم منافعها. غير أنّ الضمور المستمر في قدراتها على السيطرة، الوثيق الصلة بحروبها الباهظة الأكلاف والفاشلة في تحقيق أهدافها، والأزمة المالية والاقتصادية في عام 2008، في سياق تسارع صعود المنافسين على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية على صعيد عالمي، جميعها عوامل بنيوية أسهمت في انحدار هيمنتها وتسعير تناقضاتها الداخلية. أميركا العميقة ترى نفسها ضحية لعولمة خدمت مصالح «الآخرين»، بدءاً بنخب الساحلين، وصولاً إلى الصين وجنوب شرق آسيا والهند وغيرها، على حسابها. وما يزيد من حنق هذه الكتلة البيضاء الغاضبة، المشحونة بموروث العنصرية الأميركية المتجذّر والأطروحات الجديدة المستلهمة منه، هو شعورها بضمور نفوذها في مقابل غير الغربيين، بل واعتقادها أنّها قد تخضع لهيمنتهم في بلادها. من يلقي نظرة على نظريات المؤامرة على الأميركيين «الأصليين» الشائعة في صفوف هذه الكتلة، لن يفاجأ بحصول ما هو أكبر وأعنف ممّا تمّ في الكونغرس. ولا ريب في أنّ تضافر الانقسامات السياسية، وتلك العرقية، الداخلية مع تلك الخارجية، المتمثّلة أولاً في احتدام «التنافس بين القوى العظمى»، سيفاقم من هشاشة الديموقراطية الإمبراطورية في السنوات المقبلة، ومن انحسار نفوذها المحتوم.

الاخبار

——————————-

هُزم ترمب… هل انتصرت الترامبية؟/ ممدوح المهيني

بعد مقاومة طويلة لأكثر من شهرين، أعلن الرئيس ترمب هزيمته، ولكن بعد ليلة صاخبة مثيرة عندما اقتحم أنصاره الكونغرس معترضين على نتائج الانتخابات. وحتى إعلان الهزيمة جاء كما هو متوقع على طريقته المتباهية، عندما قال إن هذا ينهي أعظم فترة رئاسية في التاريخ الأميركي. مبالغة ولكن بالتأكيد أنها فترة رئاسية شديدة الإثارة من أول يوم دخل فيه البيت الأبيض؛ ليس فقط سياسياً واقتصادياً، ولكن إعلامياً؛ حيث زادت مشاهدات وقراءات حتى وسائل الإعلام المعادية له.

السؤال الأهم الآن هو: سيخرج ترمب من الباب ويذهب إلى منتجعه في فلوريدا؛ لكن هل ستخرج معه الحالة السياسية والاجتماعية والفكرية التي صنعها خلال السنوات الأربع الماضية؟ ترمب هُزم، ولكن هل هُزمت الترامبية؟ لا أحد قادر على الإجابة عن هذا السؤال؛ حتى ترمب نفسه الذي أشار في خطابه قبل يومين لمن يتوقعون عودته بعد أربع سنوات؛ حيث قال إنه مهتم بما حدث خلال الثمانية أسابيع الماضية، وليس الأربع سنوات القادمة، لم يرد أن يوهن عزيمة مناصريه في الاعتراض على النتائج الحالية والتفكير في المستقبل البعيد.

هناك قراءات فقط لمصير الترامبية بعد العشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي. ولكي نعرف ما هو مصيرها من المهم أن نتعرف على طبيعتها. الترامبية ارتبطت بشخصية الرئيس الأميركي الـ45، وبالظروف التي ساعدت على انتخابه في 2016. شخصيته الصاخبة المثيرة للجدل والصريحة والصادمة التقت مع الظروف الداخلية التي يعيشها قطاع واسع من الأميركيين الذين يشعرون بالغضب من الأوضاع الاقتصادية المتراجعة التي يعيشونها، والأوضاع الثقافية التي جعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية. انضم لهذا الفريق الغاضب فريق آخر جمهوري مسيّس يرى أن الحكومة في عهد أوباما تمددت ويجب تحجيمها، والقيم المحافظة تتعرض للانتهاك وتجب حمايتها، والنخبة السياسية في واشنطن تحتاج لهزة عنيفة أو حتى انقلاب كامل، كما دعا لذلك مستشاره السابق ستيف بانون. وقد رأينا عدداً كبيراً من المثقفين السود يصطفون مع ترمب ويدافعون عنه، وينتقدون الساسة الديمقراطيين الذين يستغلون معاناة السود لأغراض انتخابية صرفة.

كل هذا الغضب والهموم والأفكار انعكست بشكل واضح في خطاب ترمب السياسي والاقتصادي والثقافي الذي كان عنوانه العريض إعادة العظمة المفقودة لأميركا. تحدث عن الجدار العازل مع المكسيك الذي سيمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين حمايةً لوظائف الأميركيين، وهاجم بشراسة النخبة السياسية بواشنطن التي سعت لإسقاطه مرتين، ودخل في معركة عنيفة مع وسائل الإعلام. رغم أن صدره خالٍ من الدين فإنه قدم نفسه مدافعاً عن المسيحية، ورفع الإنجيل أمام الكنيسة المحترقة التاريخية «سانت جورج». ورغم علاقاته الغرامية خارج الزواج دافع عن قيم العائلة المحافظة، ورغم ثرائه صور نفسه نصيراً للفقراء. كيف نفهم هذه المتناقضات؟ التفسير الوحيد أن هذه الجموع الغاضبة بحثت عن منقذ لها ووجدته في ترمب الذي عرف كيف يضغط على أزرارها الغريزية والنفسية. وبسبب خبرته في «الميديا» عرف الدرس الأول، وهو: عليك أن تعرف جمهورك المستهدف. ولهذا خاطبه بلغة بسيطة شعبية قريبة منه؛ لأنه الجمهور الوحيد المهم بالنسبة له، وهو الذي سيعيد انتخابه.

سِجِل ترمب في البيت الأبيض ناجح في السنوات الثلاث الأولى: نمو اقتصادي مطرد، وتراجع للبطالة، ولم يدخل في حروب، وقتل إرهابيين دمويين، وتفاخر أمام أنصاره قائلاً إنه قتلهم مثل الكلاب الضالة. وعندما أمر بالضربة الأولى لسوريا قال إنه كان بجانب الرئيس الصيني ويأكل كعكة شوكولاتة لذيذة، في وقت كانت الصواريخ تنهمر فيه على القواعد السورية (وقد قال مؤخراً إنه كان يفكر في قتل بشار الأسد، لو لم يمنعه وزير الدفاع حينذاك جيمس ماتيس). هذه العربة جيدة التركيب تفككت بسبب الوباء الذي يعد العنصر الأبرز الذي تسبب في هزيمته. أما السبب الثاني فهو ترمب نفسه. ترمب فعلاً هزم ترمب عندما لم يُدر المعركة مع «كوفيد – 19» بالطريقة الصحيحة، ونجح الديمقراطيون في صناعة حملة ذكية قامت على عنصرين مهمين: التركيز على فشله الكبير في إدارة الأزمة، والعنصر الآخر هو جعل الاستفتاء يقوم على شخصه أكثر منه على مشروعاتهم وأفكارهم. المترددون اصطفوا مع بايدن كراهية في ترمب الذي أثار ذعرهم بسلوكه غير الرئاسي الذي تدهور أكثر بعد الجائحة. حتى بمعايير ترمب نفسه، فقد تخطى الحدود فيما يمكن قبول صدوره من رئيس أميركي. لقد دخل في مشاحنات صبيانية مع مذيعين غير معروفين، ووصف مرة رأس النائب الديمقراطي آدم شيف بالبطيخة. يمكن وصف رئاسة ترمب بثلاث سنوات ناجحة وسنة أخيرة هي عبارة عن فقدان توازن تام استغله خصومه بذكاء. ممكن أن يوصف أيضاً بأنه رئيس سيئ الحظ، داهمه وباء في الوقت الغلط والحرج (في السنة الانتخابية الحاسمة) خرج من خفاش في سوق ووهان، لينتشر في أرجاء العالم ويخلف ضحايا بالملايين.

كل هذا يقودنا للسؤال: هل تعني نهاية ترمب أننا نشهد انهياراً للترمبية أمام أعيينا؟ الترامبية مرتبطة بكل صفاته الشخصية المذكورة سابقاً، وتعبيره بطريقة ذكية عن هموم مناصريه. ربما الجواب على الأرجح أنها ستبقى بوجوده في الساحة السياسية وستختفي بغيابه. فمن الصعب أن نركب معادلة كيميائية كالتي حدثت في الأعوام الماضية. خليط من الشخصي والظرفي. أما الجمهوريون الغاضبون منه هذه الأيام لأنه قسم حزبهم وأضر بسمعتهم (وهذا صحيح) فسوف يرضون عنه قريباً؛ لأنهم بحاجة إلى الـ74 مليوناً الذين خرجوا في عز البرد والوباء لدعمه. رغم كلمات التوبيخ الموجهة له في خطبهم أمام شاشات التلفزيون لتجييش أنصاره لاقتحام الكونغرس، فإن كل شيء سيتغير مع دخول بايدن البيت الأبيض. سيعود الصراع الحزبي بين الفريقين لطبيعته الكلاسيكية، وتبدأ من جديد العملية الانتخابية المصلحية التي تفكر في النصر فقط، حتى لو كان على يد ساسة نرجسيين وصاخبين وخارجين عن المألوف.

* المدير العام لقناتي «العربية» و«الحدث»

الشرق الأوسط

——————————

الدولة أكبر من الرئيس/ عبد الرحمن الراشد

وجد السياسيون المتضامنون مع الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترمب، أنفسهم بين خيارين؛ إما خسارة الحكومة أو خسارة الحكم، الأغلبية اصطفت مع الدولة، فالمؤسسة أهم من الفرد.

ما جرى أمس في واشنطن قانوني، بما في ذلك الاعتراض على النتائج وضد ترئيس جو بايدن، باستثناء اقتحام الكونغرس وتهديد أعضائه.

اهتزت صورة الولايات المتحدة، البلد الذي يفاخر بنظامه ويحاضر على الأمم الأخرى بأخلاقياته، لكن ما يقال عن انهيار الولايات المتحدة وحرب أهلية وفشل النظام السياسي، لا يمت للواقع هناك بشيء. أميركا بلد مؤسسات، ونظامها راسخ. وما فعله الرئيس ترمب وشكك ملايين الناس في النظام كان امتحاناً لمؤسسات الدولة التي تفوقت عليه في الأخير.

هناك فارق كبير بين التنافس على الحكومة والصراع مع النظام السياسي. الدولة أكبر من الحكومة ومن الأحزاب، وهي تمثل المؤسسات المختلفة، الرئاسة والتشريعية والقضائية والحكومة البيروقراطية، والحكومات الفيدراليات، ونشاطاتها ومنشآتها المدنية والعسكرية. والمؤسسة العميقة، المتهم الرئيسي في نظرية ترمب المؤامراتية، هي الأجهزة القوية للحكم، سواء عسكرية أو أمنية أو اقتصادية أو سياسية، مثل الحزبين الحاكمين في أميركا. ومن الطبيعي، بغض النظر عن هراء نظريات المؤامرة، أن هذه المؤسسات ستحمي الدولة، لا الحكومة أو الرئيس، ولن تسمح لترمب أو غيره بتدمير الهيكل أو هزّ أركانه. لا توجد هنا مؤامرة، ترمب فاز بالرئاسة بفضل النظام الذي يهاجمه، سمح له بالترشح والفوز والحكم، مع أنه لم يعمل في حياته في السياسة. نفس النظام الذي أدخل ترمب البيت الأبيض هو النظام الذي يخرجه منه اليوم، من خلال القوانين. وحديثه عن التزوير وسرقة الحكم كلام بلا أسانيد موثقة. النظام الأميركي ليس بريئاً تماماً، فهو يصنع قادته ويسمح للمتنفذين بذلك من خلال التبرعات وقوى الضغط ووسائل الإعلام، ضمن منظومة تشريعات معقدة تنتج مخرجات محددة. ودائماً في داخل الولايات المتحدة فئات ترفض هذا النظام وتتمرد عليه، وقد ثارت عليه في الستينات وكانت ثورتها في حركة الحقوق المدنية أعظم مما شاهدناه اليومين الماضيين وعمت كبريات المدن. لكن النظام الأميركي أكبر منهم جميعاً ولديه القدرة على استيعاب الغاضبين وإشراكهم، لهذا رأينا باراك أوباما من الأفارقة الأميركيين وكامالا هاريس من أصول هندية جامايكية.

للأميركيين، الدولة وسلامتها أهم من اعتراضات ترمب وجمهوره، وتلجأ السلطة إلى القوة لحماية نفسها، وإلى عزل الرئيس إن شكل خطراً على نظامها. الجمهوريون بأغلبيتهم وقفوا أمس في الكونغرس ضد رئيسهم لأنهم يعتقدون أنه أصبح يهدد نظام الحكم ويشق صف الشعب. وهم في البداية ساندوه في شكواه وشكوكه في سلامة نتائج الانتخابات. مكنوه من استخدام كل السبل القانونية، رفع 50 دعوى في المحاكم الفيدرالية وخسرها إلا واحدة، كانت على عدد صغير من الأصوات. وذهب للمحكمة العليا التي معظم قضاتها من معسكر ترمب، وهي الأخرى رفضتها. رفاقه وقادة حزبه الجمهوري أيضاً رفضوا اعتراضاته، حكام الولايات المعنية الجمهوريون أيضاً قالوا له إن ادعاءاته غير صحيحة. لا يعقل أن كل هؤلاء متآمرون ضده! الفارق أنهم أبناء المؤسسة الحاكمة وهو دخيل عليها، لكن ترمب يتفوق عليهم بشعبيته الجارفة ومع أن ما يقوله عن المؤامرة والتزوير أوهام، وربما هو مقتنع حقاً بصحتها. وهذا لا ينفي أن خصومه ثعالب يعرفون كيف يديرون المعارك والانتخابات أفضل منه بدليل أنهم سهلوا عملية التصويت بالبريد التي كانت لصالحهم، مستفيدين من ظروف الوباء، وهو نظام لم يعرف ترمب كيف يتحداه مبكراً ويقيده بحيث يحرم خصومه من استغلاله.

النظام الأميركي، طالما أنه يملك آلة صناعية هائلة، وسوقاً اقتصادية غنية، وجامعات ومراكز أبحاث مبدعة، وأمة حية، فإنه سيبقى قوة متفوقة. وما حدث أخيراً فصل مخجل ومحرج وسيتجاوزونه.

الشرق الأوسط

——————————-

المرض “الغامض” الذي يفتك بالديمقراطية/ فارس خشّان

تعاني الديمقراطية، كنظام حكم، منذ مدة من “مرض غامض”. ما حصل في واشنطن، في السادس من يناير الجاري، في محاولة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنع الكونغرس من التصديق على انتخاب جو بايدن خلفاً له، ليس سوى عارض حاد من عوارض هذا المرض الفتّاك.

حتى الساعة، لا تزال الديمقراطية قادرة على معالجة نفسها بنفسها، بفعل ما تتمتّع به من مناعة أكسبتها إياها العقود والتجارب والكبوات والأعراف، ولكن ثمّة خشية حقيقية من أن تضعف هذه المناعة مع الأيّام، إذا لم تنصب الجهود على معالجة أساس هذا “المرض الغامض”.

منذ سنوات، ينكب الباحثون على تشخيص هذا المرض، من دون أن يتوصّلوا الى نتائج حاسمة.

في تشخيص هؤلاء برزت احتمالات وترجيحات، أبرزها الوهن الذي يصيب الثقة بالمؤسسات التي ترتكز إليها الديمقراطية، الأمر الذي يوفّر لنظريات المؤامرة آذاناً صاغية، تُفيد أكثر ما تفيد، التوجهات الديكتاتورية.

وإذا ما جرى التدقيق في ردّات الفعل الدولية على اقتحام مناصرين لترامب للـ”كابيتول”، ندرك، بطبيعة الحال، أنّ الاحتفالات عمّت مقرّات الطغاة والسفّاحين و”الرؤساء الى الأبد” الذين راحوا، من أمام أبواب معتقلاتهم وعلى قبور ضحاياهم، يلقون الدروس عن “الديمقراطية الحقة”.

فعلوا ذلك، على الرغم من أنّ “مسيرة السادس من يناير”، أثبتت أنّ الرئيس الأميركي، وإن شاء، فهو خلافاً لهؤلاء الطغاة، لا يتحكّم لا بقدر بلاده ولا بمصير شعبه، فحكمه على الانتخابات ليس “حكماً إلهياً” بل وجهة نظر ناقضتها المؤسسات المختصة، ومعارضته إيصال خصمه الى البيت الأبيض بقيت أمنية رفضت تلبيتها السلطات المعنية، وشعبيته التي نزلت الى الشارع لم تكن قناعاً لأجهزة المخابرات ولم يحشد لها الموظفون الحكوميون.

وإذا كان دونالد ترامب قد استعار من الطغاة أسلوبهم في “تأبيد” أنفسهم، فهو أدرك، وبسرعة، أنّه ارتكب خطأ حياته، فما يفعله هؤلاء في دول طوّعوها، مؤسسات وشعباً، بالنار والحديد، لا يمكن فعل ما يماثله في الولايات المتحدة الأميركية التي لا يتحكّم بها شخص، مهما كان علو كعبه، بل مؤسسات وقانون ومبادئ.

-2-

على أيّ حال، ما هي مؤشرات هذا “المرض الغامض”؟ تشكّل حرية التعبير الركيزة الأساسية للديمقراطية، فمن دون هذه الحرية لا تمكن مناقشة قرارات الحاكم ولا مساءلته على أفعاله ولا فضح تجاوزاته ولا تهيئة بدائله.

ولكن لحرية التعبير منابر لا بد منها، تتقدّمها وسائل الإعلام التي يرعى القانون عملها، ولذلك فهي تأخذ، بجدية، تبعات المسؤولية عن دقة ما تنشره.

وعليه، فإنّ الحاكم الذي يجد نفسه مضطرّاً الى أن يعود الى شعبه دورياً، إمّا لإعادة انتخابه وإمّا لانتخاب شاغلي السلطات الأخرى في بلاده، يجد لزاماً عليه أن يُخفّف من وطأة الرقابة الإعلامية عليه، بحيث لا تُثير أفعاله أو قراراته، شبهات “المدّعي العام الشعبي”.

“الطغاة” و”السفاحون” و”الرؤساء الى الأبد” أوجدوا حلّاً لهذه المشكلة، فكانت الصحف الموالية التي تشيد بحمدهم وبحكمتهم وبأفضالهم، وكان الاعتقال والقتل والترهيب والنفي حلّاً لأيّ مشكلة تختلقها قلّة قليلة، يمكن أن تعصيَ.

وبما أنّه يستحيل على الحاكم في الدول الديمقراطية أن يفعل كل ذلك، ظهرت، في العقد الأخير، نظرية تهشيم المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها.

وهذه النظرية أخذت مداها مع الثورة التكنولوجية الأخيرة التي لم تشهد نمواً منقطع النظير للمواقع الإلكترونية فحسب، بل النجاح العظيم لمنصات التواصل الاجتماعي، أيضاً.

وهذه النظرية التي تهشّم حرية التعبير ومنابرها، دخلت كعامل جديد على الأنظمة الديمقراطية وبدأت، رويداً رويداً، في تغيير المعادلات.

لم تعد المحاكم تفصل في صحة أو عدم صحة ما تنشره هذه الوسائل من معلومات، بل بات المسؤول هو “المحكمة” و”المرجعية” و”الميزان”، وهو الذي يكذّب ما هو منشور، يهاجم الجهة الناشرة، يسخر منها، يضرب مصداقيتها، ويطلب من ناسه مقاطعتها.

وهذه النظرية، كانت في متن تقرير استراتيجي لل”سي.آي.إي”. ويقول المؤرخ والصحافي الفرنسي ألكسندر آدلر إنّه كان على مكتب دونالد ترامب، عند دخوله الى البيت الأبيض.

آدلر، كان قد نشر، بالتزامن مع انتخاب ترامب كتاباً بعنوان” العالم في العام 2035 كما تراه الـ سي.آي.إي”، وهو ترجمة لتقرير صدر عن “المجلس الوطني للمعلومات” الأميركي.

ولا تحتاج طريقة تعامل ترامب مع وسائل الإعلام الى مراجعة لتحديد طبيعتها، فهو، حتى آخر خطاب له، يهاجمها بعنف ويحرّض الجمهور ضدّها.

وطوال عهده، حوّل ترامب حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص منها “تويتر”، إلى منابر شبه حصرية، يخاطب عبرها صنّاع القرار وجمهوره.

وهكذا، بدأت أفكار الحاكم وميوله وتطلعاته وأهدافه، تصل إلى الجمهور، من دون أيّ واسطة، على أن يلقى كل من يعترض عليه نصيبه من التهشيم والاتهام بشتى الموبقات ومن بينها التآمر.

وهذا السلوك، يسحب نفسه، شيئاً فشيئاً، إلى سائر السلطات والمؤسسات التي تفعل ما لا يتوافق مع هوى أو مصالح الحاكم.

-3-

إنّ النظام الديمقراطي أمام هذه المشهدية، يُصاب، من حيث يدري أو لا يدري، بعدوى الأنظمة الشمولية، إذ يتوهّم الحاكم أنّه “السيّد المطاع” وأنّه “الرابح الدائم” وأنه” يحتكر الحقيقة”.

ويؤدي ذلك إلى نمو الشعبوية التي تفسّر الأحداث على هواها، وتحكم على التطورات بما يناسبها.

ويستفيد الحاكم في انحيازه إلى هذا النهج من أرضية جهّزها له الآخرون، فهو يرث فئات معترضة على النظام، بفعل ميولها المتطرفة التي تتوارثها من فلسفات قهرها الزمن، ويستغل استياء شعبياً من الهوة التي تزداد اتساعاً بينهم وبين “النخبة الحاكمة”، ويتغلغل إلى وجدان فئة واسعة من الناس الذي كوّنته الأفلام والمسلسلات التي تصوّر الطبقة السياسية على أنّها مجرّد عصابة تتوسّل في مسارها كل أنواع الجريمة ومن ضمنها الفساد والتزوير للوصول إلى القمة.

-4-

بطبيعة الحال، لا يمكن اختصار “المرض” الذي تعاني منه الديمقراطية بهذا البعد فقط، ولكن من المؤكد أنّه واحد من أهم مؤشرات هذا المرض، خصوصاً وأنّه يتفاقم كلّما تفاقمت مشاكل الدول والمواطنين، بفعل أزمة اقتصادية هنا أو أزمة وبائية هناك أو أزمة أمنية هنالك، على اعتبار أنّ الناس، في ظلّها، يذهبون للتفتيش عن “مخلّص” وعن “منقذ” وعن “بطل” وعن “ساحر”.

وممّا لا شك فيه أنّ الجمود الذي أصاب الديمقراطية بهاجس مواجهة الأزمات المتلاحقة، سمح للطغاة بترويج أنفسهم ونموذجهم.

وتؤكد نظرة واقعية على خارطة الدول أنّ هذا المنحى يأخذ مداه بدءاً بالمجر الأوروبية وصولاً الى البرازيل الأميركية.

ولهذا السبب بالتحديد، فإنّ الدول الحريصة على الديمقراطية هي الدول التي أصابها اقتحام مبنى الكابيتول بالهلع، ذلك أنّ “الترامبية” ليست حالة معزولة، بل هي حالة عالمية، إذ إنّ في كل مجتمع هناك “دونالد ترامب” ما ينتظر دوره وساعته.

ويدرك هؤلاء أنّ النظام الأميركي الذي يصفه كثيرون بأنّه يبني نفسه على أعرق ديمقراطية في العالم، قادر على مداواة نفسه، لأنّه طالما خاض تجارب قاسية جداً وانتصر عليها، ولكنّ هؤلاء أنفسهم ليسوا واثقين بقدرة الأنظمة التي يعيشون فيها على النهوض من أيّ كبوة قد تصيبهم، وهم الذين سبق لهم أن عانوا الويلات من تجارب كادت تقضي على وجودهم، لولا المساعدة الرائدة التي وفّرتها واشنطن نفسها.

الحاجة ملحّة إلى مداواة الديمقراطية من مرضها، مثل الحاجة الى تحرير الإنسانية من عبء جائحة كوفيد-19.

إنّ “مسيرة السادس من يناير” الترامبية، بكل ما حملته من أبعاد ومن دروس، يمكن تحويلها الى فرصة من أجل القيام بتشخيص دقيق ل”المرض الغامض” تمهيداً لتوفير الدواء اللازم.

وإذا كان رنهولد نايبور قد قال إنّ “نزعة الانسان الى الظلم تجعل الديموقراطية ضرورة”، فإنّ الفرد إي سميث جزم بأنّه “يمكن علاج علل الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية”.

الحرة

——————————-

هل يجرؤ جو بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني؟/ سيلفان سيبيل

يتولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني 2021. ومن بين القضايا الساخنة في السياسة الخارجية، توجد مسألة العلاقات مع طهران. هل تختار واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي؟ هل ستتمكن من تجاوز المقاومات الإسرائيلية والسعودية؟ شيء واحد يبدو مؤكدًا، لن يطرأ أي تغير أساسي في الملف الفلسطيني، حيث إن اصطفاف البيت الأبيض مع تل أبيب يعد ثابتا في السياسة الخارجية الأمريكية.

ترجم هذا المقال من الفرنسية حميد العربي.

تحدث كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، عن المقابلة التي خصه بها جو بايدن، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة. تحدث هذا الأخير كثيرًا عن القضايا الداخلية بعد حالة الركود الذي تركها دونالد ترامب كإرث. كما تناول القضايا الدولية وأشار إلى أولويتين في هذا المجال. تتعلق الأولى بعلاقات بلاده مع الصين وهذا باختصار ملف ضخم يريد بايدن أن يمنح نفسه الوقت فيه. لكن الأولوية الثانية في نظره مستعجلة، وهي استئناف الحوار مع إيران.

يعتزم بايدن العودة دون مماطلة إلى أحكام ما يسمى “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تم التوقيع عليها مع إيران سنة 2015 من قبل الولايات المتحدة وخمس دول (فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، روسيا والصين) بشأن الحد والمراقبة الدولية للإنتاج الإيراني للمواد الانشطارية ذات الاستعمال العسكري. وتمنع هذه الاتفاقية إيران من تصنيع أسلحة ذرية خلال الخمس عشر سنة القادمة مقابل -بالأساس- رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية التي تطال الإيرانيين. وهي الاتفاقية التي أدانها ترامب، مما أثلج صدر قادة إسرائيل ودول الخليج العربي، قبل أن يصعد بشكل غير مسبوق في حجم العقوبات المالية على إيران.

الأولوية، العودة إلى الاتفاق

أشار بايدن في البداية بشكل مبطن إلى فكرة العودة إلى هذه الاتفاقية مع وضع عدد من الشروط المسبقة. وقد صرح خلال الحملة الانتخابية في 16 سبتمبر/أيلول 2020 بأنه على طهران القيام بالخطوة الأولى و“العودة إلى الاحترام الصارم للاتفاق النووي”، كأنها ليست الولايات المتحدة التي ولت ظهرها لهذا الاتفاق. كان بايدن يريد خاصة التفاوض في نفس الوقت على تمديد فترة الحظر المفروض على الإنتاج الإيراني لليورانيوم المخصب، وأيضا على تحديد صارم للصواريخ الباليستية المتوفرة لدى الإيرانيين. لكن بعد ستة أسابيع من هذا التصريح، بدا كلامه أقل حدة. لن يتخلى بايدن عن حمل إيران على التفاوض بشأن قضية الصواريخ، لكن تبقى الأولوية القصوى هي استعادة الثقة، ثقة في الكلمة الأمريكية التي يعرف أنها ضعفت بشكل رهيب في إيران.

رغم أنه لا يقول ذلك صراحة، فهو يعلم أنه حتى وإن كانت هناك مقاربات غير معلنة مع طهران جارية بالفعل، فلن تفتح أي مفاوضات جادة دون أن تظهر الولايات المتحدة أولاً بأن عودتها إلى اتفاق 2015 ليست لفظية فحسب. يجب أن يُتبع ذلك بأفعال، بدءًا من رفع العقوبات بشكل فعلي. وفي جوابه لفريدمان، الذي حثه على أن يكون أكثر صرامة مع طهران، رد بايدن بصراحة: “انظر، يقال الكثير عن الصواريخ الباليستية، وخاصة عن سلسلة كاملة من الأشياء [التي يقوم بها الإيرانيون] التي تزعزع استقرار المنطقة. لكن أفضل طريقة لتحقيق نوع من الاستقرار في هذه المنطقة هو التفاوض حول القضية النووية أولا”. لأنه إذا تحصلت إيران على القنبلة الذرية – وهو يعتقد أن ذلك سيحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق – فإن إمكانية الانتشار النووي ستصبح خطيرة بشكل مروع. “وآخر شيء لعين نحتاجه في هذا الجزء من العالم هو توسيع القدرة النووية”.

فضلا عن ذلك، يرى بايدن أنه يجب التصرف بسرعة. لا شيء يضاهي بضعة إجراءات قوية لإقناع طهران بالنوايا الحسنة للإدارة الجديدة. يعقب فريدمان بقلق: أليست هذه مخاطرة؟ يجيبه بايدن بأن العقوبات التي ترفع يمكن أن يعاد فرضها إذا لزم الأمر. بعبارة أخرى، لنبدأ برفعها. إذا سارت المفاوضات بشكل سيئ، فالتراجع ممكن دائما. وهو ينوي المضي قدما رغم أن ذلك “سيكون صعبا”. سيكتشف بايدن قريبًا بالتفصيل الوضع الذي ترك فيه ترامب الملف الإيراني. قبل أسبوع من مقابلته، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، قام كوماندوز يفترض أنه إسرائيلي بقتل علي محسن فخري زاده، الذي قُدِّم على أنه المشرف الرئيسي على البحث النووي العسكري الإيراني. لم يتطرق بايدن في حواره لهذا الحدث. لكنه يعلم بأنه قبل خمسة أيام من جريمة القتل، التقى مايك بومبيو – وزير خارجية دونالد ترامب – برجله القوي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في المملكة العربية السعودية، إلى جانب بنيامين نتنياهو. وقد تم الكشف على الفور عن هذا اللقاء “السري”…

بتنفيذه هذا الاغتيال يكون نتنياهو إما قد أراد أن يُظهر لبايدن بأنه يظل مصمماً على تقويض أية مفاوضات مع إيران، وإما أن إسرائيل تصرفت بناءً على طلب صريح من ترامب. وفي الحالتين، فالقصد من هذا الفعل ليس فقط إظهار للإيرانيين بأن إسرائيل قادرة على ضرب قادتها الأكثر حماية، بل تتمثل الغاية أكثر في إحداث فوضى بهدف تخريب السياسة الإيرانية التي يرغب الرئيس الأمريكي الجديد في تطويرها. وإذا بقي بايدن صامتًا بشأن جريمة القتل هذه فإن العديد من مقربيه كانوا جد قاسيين بخصوصها، إذ غرد بن رودس، نائب المستشار الأمني السابق لأوباما بأنه يرى في ذلك “عملًا شائنًا يهدف إلى تقويض دبلوماسية الإدارة الأمريكية القادمة تجاه إيران”. ووصفها مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، جون برينان، بأنها “عمل من أعمال إرهاب الدولة”.

مناورات دونالد ترامب

هل مازال بإمكان ترامب والمتواطئين معه من الإسرائيليين إحباط طموح بايدن الإيراني قبل تنصيبه في غضون أسبوعين؟ يبدو ذلك غير محتمل. فكما قال مارك فيتزباتريك، المسؤول السابق عن منع الانتشار النووي في وزارة الخارجية الأمريكية، “لم يكن سبب اغتيال فخري زاده إعاقة القدرة النووية الإيرانية، بل كان إعاقة دبلوماسية الإدارة القادمة”. لكن روبرت مالي، رئيس منظمة مجموعة الأزمات الدولية، لا يؤمن بفعالية هذه الطريقة ويرى أن ترامب ونتنياهو لن يتمكنا من “قتل الدبلوماسية”. وبالفعل، لم ترد إيران حتى الآن بعدوانية على مقتل عالمها. ومع ذلك، تبقى العودة إلى علاقة أكثر هدوءا بين الولايات المتحدة وإيران غير مؤكدة. لم يتخل الإسرائيليون والسعوديون وأنصار ترامب في الولايات المتحدة عن السعي لإحباط أي انفتاح من واشنطن تجاه طهران. فهم يعلمون أنه حتى في إيران أصبح الرئيس حسن روحاني، الذي دعا خلال أربع سنوات إلى ضبط النفس في مواجهة “مجنون” واشنطن، في حالة ضعف اليوم، وبأن بايدن سيواجه صعوبات مع رأيه العام بخصوص الرهان الإيراني. لكن فوز نائبين عن الحزب الديمقراطي في ولاية جورجيا في 6 يناير/كانون الثاني يعطي أغلبية لجو بايدن في مجلس الشيوخ، ما سيسهل عمله في عدة ملفات، ما عدا اللف الإيراني، إذ يبقى الكونغرس مناهضا لأي اتفاق نووي مع إيران.

من جهتهم، شرع المسؤولون الإيرانيون في الضغط على بايدن، إذ أعلنوا في 4 يناير/كانون الثاني عودة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% والذي فرض عليهم اتفاق 2015 التنازل عنه. وهي طريقة لإبصال الرسالة التالية: إن كانت واشنطن تنوي العودة إلى الاتفاق، فعليها تقديم تعهدات ملموسة. من جهة أخرى، من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في إيران في 18 يونيو/حزيران 2021. وإن انتخب صاحب السلطة الرئيسية، مرشد الثورة علي خامنئي، مرشحًا معاديًا للمفاوضات، فإن محاولات جو بايدن لتحقيق اتفاق موسع مع طهران قد تسقط بسرعة. لكن هذا ليس رأي سید حسین موسویان. كان هذا الدبلوماسي الإيراني الكبير سابقا، المقرب من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، متحدثا باسم الوفد الإيراني في المفاوضات الأولى مع الغرب من 2003 إلى 2005، وهو اليوم أستاذ في جامعة برينستون. موسویان مقتنع بعودة محافظ إلى الرئاسة في إيران في غضون أشهر قليلة، لكن هذا لن يضع حدًا لرغبة خامنئي، مهما كانت مخاوفه، في العودة إلى طاولة المفاوضات.

ويصل موسويان إلى تحديد ملامح محادثات واسعة النطاق قد ترضي جو بايدن… والإيرانيين. وقد كتب في موقع ميدل إيست آي أن طهران سترى ابتداءً من الأشهر الأولى للإدارة الجديدة للبيت الأبيض عودة حقيقية لشروط اتفاقية عام 2015، وبالتالي إلى رفع العقوبات. وبعد تحقيق هذه النقطة يمكن أن تركز بقية المفاوضات على الطلبات الأمريكية لتوسيع نطاق الاتفاقية. وفي هذه الحالة، وفقا للأخذ والعطاء، سيكون من اللياقة أن تقوم واشنطن أيضًا بمبادرة، قد يمثل شطب “الحرس الثوري” من قائمة التنظيمات الإرهابية إحداها. وتوقيف العقوبات الاسمية ضد القادة الإيرانيين أخراها.

ثم ستأتي، عاجلاً أم آجلاً، مسألة الصواريخ الباليستية. يريد الغربيون أن تكف طهران عن تجميعها. ويقول موسويان أنه بالنسبة لإيران، يتعين حل المشكلة من خلال “مقاربة متعددة الأطراف”. ويذكر بأن المملكة العربية السعودية تتوفر على العديد من الصواريخ الصينية التي يصل مداها إلى أكثر من 5000 كيلومتر، وبأن إسرائيل تمتلك مئات الرؤوس النووية ولديها 5000 صاروخ أريحا لحملها. وبالتالي ستتم دعوة هذين البلدين وغيرهما إلى مفاوضات متعددة الأطراف. باختصار، نقطة انطلاق الموقف الإيراني بسيطة. إذا تخلت إسرائيل والسعودية والقوى الإقليمية الأخرى أو حدت من عدد صواريخها، فستقوم طهران بعمل مماثل. وإذا رفضت، فلماذا تذعن إيران لذلك؟ مساحة الغربيين للتفاوض ليست منعدمة ولكنها ضعيفة. ولكن الحال كان مماثلا عند بداية المفاوضات النووية (التي استمرت قرابة 15 عامًا).

“إعادة تقييم” العلاقة مع الرياض؟

من المؤكد أن الرد السعودي والإسرائيلي على مثل هذا الطلب سيكون رفضًا غاضبًا. لكن من خلال القيام بذلك، سيحدث الإيرانيون ثغرة إضافية بين إدارة بايدن وحليفيها الإقليميين. وفي هذا الصدد، بدأت فجوة تظهر بمجرد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، وهو فوز استقبله نتنياهو ومحمد بن سلمان بقليل من الحماس والدفء. منذ ذلك الحين، وكما كتب عاموس هاريل، المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، يتعمد نتنياهو “تسخين الأجواء مع اقتراب دخول بايدن إلى البيت الأبيض”. وقد قامت إسرائيل بموافقة من القاهرة بإرسال غواصة عبر قناة السويس باتجاه الخليج. وأكد نتنياهو أمام طلاب مدرسة الطيران العسكرية أن إسرائيل ستمنع في كل الظروف إيران من امتلاك أسلحة نووية.

أما بايدن، فهو ليس من المعجبين بالتحالف الذي أقامه ترامب في الشرق الأوسط والذي من خلاله انضمت مملكات الخليج (وكذلك مصر) إلى المحور الأمريكي-الإسرائيلي في جبهة معلنة مناهضة لإيران. وقد لمح إلى أنه بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض قد يطلب “إعادة تقييم” علاقته بالرياض. وبأنه سيطالب على الخصوص الكونغرس بإنهاء الدعم المالي للتدخل السعودي في حرب اليمن. أما بخصوص علاقته بإسرائيل، ووراء مظاهر الصداقة الراسخة، فإن بايدن الذي شاهد كيف أهان نتنياهو باراك أوباما بنجاح يدرك أنه إذا روج لاتفاق جديد مع إيران سيتعين عليه مواجهة عداء إسرائيلي ربما يكون أكبر من الذي واجهه أوباما. الإسرائيليون، بدءًا من الغالبية العظمى من طبقتهم السياسية، هم أيتام دونالد ترامب. وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات الأمريكية أن اليهود الإسرائيليين يؤيدون ترامب بنسبة 77٪ (مقابل 22٪ فقط فضلوا بايدن). وبعد انتخاب بايدن، صرّح نتنياهو أنه “لا يمكن أن تكون أية عودة إلى الاتفاق النووي السابق” مع إيران. الفجوة صارخة من الوهلة الأولى.

إذا كان جو بايدن مصمماً على العودة إلى اتفاق مع طهران، يتعين عليه إذن مواجهة الإسرائيليين. أهو مستعد لذلك؟ ماذا سيقدم لهم، إذا اقتضى الأمر، لجعلهم يرضخون؟ يسجل بايدن نفسه ضمن تقليد كان فيه حزبه الديمقراطي تاريخيًا الأكثر تفضيلًا لإسرائيل في الولايات المتحدة، وذلك قبل تشكيل تحالف شبه انصهاري بين اليمين الجمهوري الأمريكي والراديكالي، سواء أكانوا من الإنجيليين أو القوميين، واليمين الإسرائيلي الاستعماري المتطرف، وكلاهما يعرف نموا قويا في بلديهما. حاول سلفاه الديمقراطيان بيل كلينتون وباراك أوباما حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن دون جدوى ولا يعود ذلك لقلة الجهد. وفي كلتا الحالتين، منعت إسرائيل أي اتفاق، برفضها قبول وجود دولة فلسطينية في جميع الأراضي التي احتلتها منذ حرب يونيو/حزيران 1967. وقد اختار الرئيسان الديمقراطيان في كل مرة عدم مواجهة الإسرائيليين. هل يستطيع بايدن أن يفهم بعد كل هذه الإخفاقات وبالنظر إلى استمرار سياسة الاستحواذ وتفكيك الأراضي الفلسطينية التي يقودها الإسرائيليون بشكل ممنهج، بأن “مفاوضات” بين شريكين غير متكافئين على جميع المستويات بشكل غير عادي وتؤدي إلى وجود دولتين “تعيشان بسلام جنباً إلى جنب” قد باتت سرابًا وهميًا؟ مجرد تعويذة (مانترا) ليس لها من مضمون سوى ضمان استمرار الوضع القائم، وبالتالي استمرار الاحتلال العسكري والاستعمار.

إنهاء احتلال فلسطين

هل يمكن لبايدن أن يفهم أن ما هو على المحك الآن ليس “السلام” بل إنهاء احتلال الفلسطينيين؟ أن يفهم أنه ليس لديهم سلاح آخر غير مجرد وجودهم، في حين أن الإسرائيليين، بسبب الإفلات المتراكم من العقاب، عالقون في عقلية استعمارية تمنعهم من التصور بأنفسهم أفقا آخَر غير استمرار هيمنة أبدية على شعب آخر؟ باختصار، هل بمقدور بايدن فهم بأنه لا يوجد سبب يدعو الإسرائيليين للانخراط بمفردهم في عملية توازن بين فكرة التسوية والمساواة في الحقوق والكرامة مع أولئك الذين يضطهدونهم؟ لكي يتم قبولهم بذلك، يتعين إجبارهم. ما عدا ذلك، فلن يتحركوا، بل سيواصلون تخريب كل اتفاق ممكن مدعين بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام، مع الاستمرار يوميا في جز القليل مما تبقى لديهم من تقرير المصير. هل بايدن مدرك لهذا الواقع؟ هل هو مستعد لتغييره؟ يبدو ذلك غير محتمل جدا. لم تتوقف حاشيته، خلال حملته الانتخابية، عن تكرار بأنه لن يغير تحت أي ظرف في الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل (3.8 مليار دولار سنويًا من إمدادات مجانية بالأسلحة مرفوقة بإلغاء الديون). وقد كتب بيتر بينارت، الأخصائي في العلوم السياسية ومدير مجلة يهودية تقدمية: “إذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك لا يعطي [لنتنياهو] سببًا يُذكر لإعادة النظر في سلوكه الحالي. […] إنه أمر مقلق. مخيف حتى.”

الإشارات التي أرسلها بايدن حتى الآن ليست مطمئنة كثيرا. صحيح أنه قال بأنه سيعيد فتح التمثيل الأمريكي لدى الفلسطينيين وتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وكلاهما أغلقها ترامب، كما أعلن بأنه سيعيد مساهمة الولايات المتحدة إلى الأونروا، وكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. لكنه رافع أيضا بالاحتفاظ بالسفارة الأمريكية في القدس. وفوق كل شيء، لم يكن يتحدث كثيرًا عن الموضوع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولا بد من القول هنا بأن هذه المسالة تراجعت خلال عقد من الزمن بعدة درجات في أولويات السياسة الدولية الأمريكية.

اختيار غير جريء لوزارة الخارجية

أخيرًا، بتعيينه لأنطوني بلينكن في وزارة الخارجية، كان من الصعب على بايدن أن يكون أكثر لطفًا مع الإسرائيليين. وقد صرحت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة لأرييل شارون، وهي من اليمين الوسط، بأنه الخيار “الأفضل” لإسرائيل. وقال دوري غولد، وهو منظّر من اليمين الاستعماري المقرب جدا من نتنياهو بأنه “مطمئن”. بعد بيل كلينتون الذي رفضه اليمين الإسرائيلي، وباراك أوباما الذي كانوا يكرهونه، هاهو جو بايدن، من خلال تسمية بلينكن، يبدو لهم أكثر تفهمًا. بلينكن لم يثن على نقل ترامب للسفارة الأمريكية إلى القدس فحسب، بل قال أيضًا إنه مؤيد “للحفاظ على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج […] لدفع هذه الدول ليكونوا فاعلين مثمرين في جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية”. هذا “التطبيع” بين إسرائيل والأنظمة الملكية في المنطقة بُني، من بين أمور أخرى، على الفكرة الإسرائيلية جدا المتعلقة بـ“السلام الاقتصادي” مع الفلسطينيين، والذي يفترض أنه يقنعهم بالتخلي نهائيا عن أية مطالب سياسية.

على عكس جزء من الحزب الديمقراطي الذي أصبح يتحرر بشكل متزايد من “العلاقة الثابتة” مع إسرائيل، يجسد بلينكن موقفه التقليدي من القضية الإسرائيلية الفلسطينية. وهذا الموقف كان دائمًا مفيدا لأنصار الاستعمار ويضمن لهم الاستفادة من الإفلات من العقاب. في هذا الصدد ما انفك بلينكن، طوال الحملة الانتخابية لبايدن يؤكد مرارا وتكرارا في المنتديات اليهودية الأمريكية عن “التزامه الراسخ تجاه إسرائيل”. وأضاف أنه في حالة حدوث خلافات مع القادة الإسرائيليين، فإن بايدن “يؤمن بشدة بضرورة إبقاء الخلافات بين الأصدقاء خلف الأبواب المغلقة”. ليس بلينكن هو الذي سيعامل إسرائيل كما عامل دولة أخرى هي أيضاً “صديقة” الولايات المتحدة، أي المملكة العربية السعودية. ففي الوقت نفسه، أعلن بلينكن أيضًا: “سنراجع علاقتنا مع الحكومة السعودية التي منحها الرئيس ترامب صكًا على بياض لسياساتها الكارثية، بما في ذلك الحرب في اليمن، وكذلك مقتل جمال خاشقجي وقمع المنشقين في بلادها”.

خمسة أشهر لاتخاذ قرار

باختصار، بلينكن الذي لعب دورًا رائدًا في المرحلة النهائية لإعداد الاتفاقية النووية مع إيران في عام 2015، يعتقد أو يريد الإقناع بأن بإمكانه التوفيق بين إعادة الارتباط مع إيران والحفاظ على المصالح الإسرائيلية كما يراها الاسرائيليون ولجم محمد بن سلمان. بعبارة أخرى، فهو ينوي أولاً طمأنة الكونغرس الأمريكي (الداعم بلا شروط لإسرائيل والمعادي جدًا لطهران ولكن أيضًا للرياض). قد يتيح ذلك القيام بسياسة اتِّصال ولكن ليس بدبلوماسية متماسكة.

الصعوبة الرئيسية التي تواجهها إدارة بايدن هي أن التحالف الذي أقامه ترامب في الشرق الأوسط بين كل أولئك الذين يفكرون مثله “بلدي أولاً”، يبدو قائما على مصالح مشتركة قوية نسبيًا. تحالف يجمع دولة، إسرائيل، التي لديها الكثير مما تقدمه لأصدقائها الجدد بدءا من فتح العديد من الأبواب في واشنطن إلى توريد معدات متخصصة للغاية للمراقبة الإلكترونية للمواطنين، وأنظمة أظهر “الربيع العربي” الأخير مدى خشيتها من انتفاضة شعوبها. يبدو هذا التحالف أيضًا أكثر تماسكًا وأسهل للتجسيد من مشروع إعادة توازن القوى بين الأطراف في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يرى تريتا بارسي، محلل إيراني يعيش في الولايات المتحدة (وهو رئيس سابق للمجلس الوطني الإيراني-الأمريكي)، بأن أمام بايدن خمسة أشهر فقط، إلى غاية الانتخابات في إيران، لتطهير العلاقة الأمريكية الإيرانية من الإرث الذي خلفه ترامب. فإذا تخلى عن ذلك، أو إذا تعثرت المحادثات، كما يقول، فإن هذه العلاقة “ستعرف تدهورا خطيرا مما يزيد بشكل كبير في احتمال نشوب حرب”.

سيلفان سيبيل

صحفي وعضو سابق في رئاسة تحرير جريدة اللوموند ومدير سابق لمجلة “كوريي أنترناسيونال، مؤلف كتاب”المطمورون، المجتمع الإسرائيلي…

—————————–

بموقفه الحازم ضد اقتحام الكونغرس.. استبعاد تنفيذ الجيش الأمريكي أي قرار عسكري لترامب ضد إيران

ترتب عن الوضعية السياسية الصعبة التي يمر منها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أعقاب اقتحام أنصاره للكونغرس استبعاد أي مغامرة عسكرية في الشرق الأوسط ضد إيران خلال ما تبقى له من فترة الحكم، وذلك بعدما أدار البنتاغون ظهره له بشكل نهائي واتخذه منه قادة الجيش موقفا سلبيا ومنها قطع الاتصالات إلا في الحد الأدنى.

وكانت تحاليل تذهب إلى احتمال توجيه الرئيس ترامب ضربة إلى المنشآت النووية في إيران خلال هذه المدة. وارتفع هذا الشعور عند مجموعة من المحللين بعد قرار البنتاغون الإبقاء على حاملة الطائرات في بحر العرب بالقرب من الخليج العربي ثم إرسال قاذفتين من نوع بي 52 التي تحمل قنابل ذكية وضخمة ضد التحصينات.

وعلى الرغم من أن هذا الوجود العسكري غير كاف نهائيا لمواجهة إيران بل حتى تخويفها، اعتقد البعض في احتمال إقدام الرئيس ترامب خلال الأسبوعين الأخيرين من حكمه على تقديم هدية إلى إسرائيل وهي ضرب منشآت نووية إيرانية ولو بشكل رمزي لتقويض هيبة طهران. لكن هذا الاحتمال لم يعد واردا نهائيا بسبب تدهور العلاقة بين الجيش والبيت الأبيض.

وخلال الانتفاضة الحقوقية التي شهدتها الولايات المتحدة في أعقاب مقتل جورج فلويد الأمريكي من أصول إفريقية على يد شرطة مينيابوليس، أراد ترامب إنزال الجيش، لكن قادة المؤسسة العسكرية ثم القادة السابقين رفضوا بل شنوا حملة ضد الرئيس متهمين إياه بتوريط الجيش مع الشعب. وتدهورت العلاقة بشكل مستمر خلال الشهور الماضية، ومنها خلال الحملة الانتخابية والشهرين الأخيرين.

وليس من باب الصدفة تراجع ترامب عن مواقفه المتعنتة كلما رفع الجيش صوته منبها ومحذرا. وبعد تشدد في عدم الاعتذار عما حصل من اقتحام في الكونغرس والاستمرار في عدم الاعتراف بفوز المرشح الديمقراطي، قبل في آخر المطاف لكن بعد تغريدة للبنتاغون. وجاء في هذا البيان الصادر أمس: “تتعهد وزارة الدفاع الأمريكية بتأمين نقل السلطة سلميا إلى الرئيس المنتخب جو بايدن”.

وأبرز القائم بأعمال وزير الدفاع كريس ميلر، عبر صفحة البنتاغون في تويتر: “أنا والأشخاص الذين أقودهم في وزارة الدفاع، سنواصل أداء واجباتنا وفقًا للقسم الذي أديناه، وسأنفذ عملية الانتقال السلمي للسلطة إلى الرئيس المنتخب بايدن في 20 يناير (كانون الثاني)… “أدين بشدة أعمال العنف هذه (اقتحام مبنى الكونغرس) التي تتعارض مع ديمقراطيتنا”، مشيرا الى أن ما جرى في الكونغرس “مخالف لمبادئ دستور الولايات المتحدة”.

وفي أعقاب اقتحام أنصار ترامب الكونغرس، يبدو أن الجيش اتخذ موقفا متشددا من الرئيس ترامب، ولن يقبل منه أي أوامر عسكرية في ظل التشكيك في استمرار شرعيته بعد انسحاب عدد من الوزراء وتشديد النواب في الكونغرس على إقالة ترامب قبل 20 يناير الجاري.

وهذا الوضع يؤدي مباشرة إلى الاستبعاد الكلي لأي مغامرة عسكرية في الأيام الأخيرة لدونالد ترامب باستهداف المنشآت النووية الإيرانية بحكم عدم امتثال الجيش لأوامر الرئيس باستثناء في حالة تعرض البلاد لهجوم أو تعرض مصالحها الخارجية لعملية كبيرة.

—————————–

نيويورك تايمز: نهاية عنيفة لرئيس حرض على الغضب وترك “مذبحة أمريكية” تعهد بوقفها

تحت عنوان “غوغاء وخرق أمني: النهاية العنيفة لعهد ترامب”، قال بيتر بيكر في صحيفة نيويورك تايمز “بهذه الطريقة انتهت، رئاسة دونالد ترامب التي نبعت منذ البداية من الغضب والانقسام ونشر نظريات المؤامرة. تغلق صفحتها باقتحام عميق للكابيتال وبتحريض من رئيس مهزوم يحاول التمسك بالسلطة وكأن أمريكا دولة ديكتاتورية أخرى”.

وقال إن المشاهد في واشنطن لم يكن أحد يتخيلها: “هياج في قلعة الديمقراطية الأمريكية ورجال شرطة يلوحون بالبنادق في مواجهة لحماية قاعة مجلس النواب. قنابل مسيلة للدموع في القاعة المستديرة للمشرعين. متطرفون جلسوا في مكان نائب الرئيس في منصة بمجلس الشيوخ وأخر جلس على كرسي رئيسة مجلس النواب”.

والعبارات التي استخدمت لوصف ما حدث مثيرة للخوف: انقلاب، عصيان وفتنة. فجأة تمت مقارنة الولايات المتحدة بجمهورية موز وتتلقى رسائل من العواصم القلقة. وبدا أن “المذبحة الأمريكية” لم تكن ما يمكن للرئيس ترامب وقفها كما وعد عندما تولى الرئاسة ولكن ما سيقدمه للأمريكيين بعد أربعة أعوام وبنفس البناية التي أقسم فيها.

وجاء الانفجار في واشنطن نتيجة 1.448 يوما من عاصفة تويتر الاستفزازات والتصيد والدوس على الأعراف وخرق الحكم ولي الحقيقة من المكتب البيضاوي الذي ترك البلد منقسمة بطريقة لم تشهدها منذ أجيال.

ومن حذروا من أسوأ السيناريوهات تم استبعادهم واتهامهم بإثارة المخاوف، لكنهم اكتشفوا أن ما حذروا منه قد حدث بالفعل. وفي نهاية اليوم ناقش الجمهوريون تنحية ترامب بناء على التعديل 25 من الدستور الأمريكي بدلا من الانتظار لحين تنصيب جوزيف بايدن بعد أسبوعين.

ويرى بيكر أن غزو الكابيتال المثير للدهشة هو المحاولة اليائسة والأخيرة من معسكر يواجه الطرد السياسي. وكانت رئاسة ترامب تفلت من يديه حتى قبل أن تطأ أقدام العصاة بناية الكابيتال. فقد أحكم الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس الشيوخ بفوز مزدوج في ولاية جورجيا، وحمل الجمهوريون الغاضبون ترامب وسلوكه مسؤولية الخسارة. وقرر اثنان من حلفائه، نائبه مايك بنس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل التخلي عنه، وهو أمر لم يكن متخيلا في الماضي ورفضا المضي في لعبته الداعية لقلب نتائج انتخابات ديمقراطية، وبعد سنوات من المشي وراءه ودعم سياساته خلال سنواته الأربع في السلطة. وبعد الهجوم على الكابيتال تخلى عنه الكثير من الجمهوريين مع أن المعظم ظلوا معه. وخسر نصف الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذين بدأوا النقاش بالاعتراض على نتائج الانتخابات ولم يتبق سوى ستة منهم بعد تنظيف البناية من العصاة.

وقالت النائبة الجمهورية كاثيس ماكموريس رودجرز “ما شهدناه اليوم غير قانوني وغير مقبول”. وقالت “قررت دعم نتيجة المجمع الانتخابي وأدعو وأشجع ترامب على وقف هذا الجنون”. واتهمت ليز تشيني، النائبة عن وايومينغ وثالث أهم نائب جمهوري في مجلس النواب إن ترامب هو المسؤول عن العنف “لا مجال للشك أن الرئيس هو الذي شكل الغوغاء والرئيس هو الذي حرضهم والرئيس هو الذي خطب أمام الغوغاء”. وقال السناتور عن ميسوري روي بلانت إنه لم يعد مهتما بما سيقوله ترامب بعدما أجبر المشرعين على الهروب من غرف الكونغرس “لا أريد الإستماع لشيء” و”كان يوما مأساويا وكان جزءا منه”.

ولم يقف الحد عند المشرعين فمن داخل الدائرة التي حوله برز انتقاد حول استعداده للذهاب بعيدا لقلب نتائج الانتخابات. وأعلن عدد من المسؤولين الذين رافقوه طوال الوقت عن استقالتهم. وبعد شجب بايدن التمرد ودعوته ترامب لشجبه ووقفه خرج الرئيس بفيديو دعا فيه أنصاره الذهاب إلى بيوتهم ولكنه تمسك بموقفه الزائف وبدلا من شجبهم تحدث عن مظالمهم ومعزتهم عنده. وقال توم بوزيت الذي عمل مستشارا للرئيس في شؤون الأمن القومي إن “هذا أبعد من كونه خطأ وغير قانوني” و”عمل غير أمريكي وقام الرئيس بتقويض الديمقراطية الأمريكية ولعدة أشهر بدون أدلة. ولهذا فهو يتحمل مسؤولية الحصار والعار الكامل”.

ومع أن واشنطن شهدت الكثير من الاحتجاجات عبر السنوات الماضية إلا أن الأربعاء كان مختلفا عن أي شيء شهدته المدينة في الأزمنة الحديثة خلال عملية انتقال للسلطة. فقد قامت بإرباك عملية مصادقة دستورية على انتصار انتخابي. وكان الهجوم على الكابيتال أكثر عدوانية منذ قيام البريطانيين بنهب البناية عام 1814 وذلك حسبما قالت الجمعية التاريخية للكابيتال. وفي عام 1954 دخل أربعة من القوميين البورتريكيين قاعة الزوار وفتحوا النار حيث جرحوا خمسة. وفي 1998 دخل مسلح وقتل رجلي أمن من حرس الكابيتال. ولم يكن أي من الهجمات بتحريض رئيس أمريكي كعملية الأربعاء. فقد قال أمام أنصاره “لن نتتازل ولن نعترف بالهزيمة، ولم تحدث ولن تتنازلوا عندما تحصل سرقة، وعانى بلدنا ما يكفي ولن نتحمل أكثر وهذا كل ما في الأمر”.

—————————–

الغارديان: المتمردون الحقيقيون كانوا داخل الكونغرس وليس خارجه

إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: “لا تلوموا ترامب فقط ولكن لوموا من ساعدوه” من أصحاب البدلات الجديدة ومن تخرجوا من جامعات النخبة الذين تجمعوا في قاعة الكونغرس من أجل الاعتراض على النتائج الانتخابية الشرعية التي فاز بها المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن.

قال لورنس دوغلاس، استاذ القانون والفقه والفكر الإجتماعي بكلية أمهرست ماساشوستس الأمريكية، بمقال نشرته صحيفة “الغارديان”، إن انصار ترامب الذين اقتحموا الكونغرس لم يكونوا العصاة الوحيدين في داخل بناية الكابيتول يوم الأربعاء، بل كان في داخله عدد آخر من المشرعين الذين تجمعوا في غرفها قبل أن يتم خرق الحواجز المحيطة بالبناية.

ومقارنة مع المحرضين بقمصانهم التي كتب عليها شعار “ماغا” أو “لنجعل امريكا مرة أخرى” ومعاطفهم العسكرية، فالعصاة داخل الكونغرس كانوا يرتدون بدلات عندما افتتحت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الجلسة. وهم نتاج مدارس النخبة في ستانفورد ومدارس القانون في ييل وبرنستون وهارفارد. وكانوا يعرفون أن ترامب قد خسر بشكل حاسم، ومع ذلك اختاروا وبطريقة انتهازية المشاركة في الهجوم الأخطر على الديمقراطية الأمريكية. ومن هنا فلوم ترامب على العنف لا معنى له لأن الذين اتبعوا هذا الرئيس يعرفون أنه لن يعترف بالهزيمة.

وتحول ترامب خلال الشهرين الماضي للقائد الأعلى للتخريب في الولايات المتحدة، حيث عمل طوال الوقت لقلب نتائج عملية ديمقراطية.

ويوم أمس، تحدث أخيرا زعيم الجمهوريين ميتش ماكونيل مطالبا الوحش بالعودة إلى القفص متناسيا أربعة أعوام من تريبته لهذا الوحش. إلا أن دفاع ماكونيل هو بطولي مقارنة مع الأصوات الخافتة من تيد كروز. ويموضع كروز نفسه لأن يكون ترامب الثاني ولكن بصورة ديماغوجي أكثر تشذيبا وفصاحة من النسخة الأولى. فترامب يكذب بطريقة صارخة فيما يغلف كروز أكاذيبه بغلاف من النقاش المنطقي. ويوم أمس، استمعنا له وهو يقترح “طريقة أخرى” يمكن أن تساعد المشرعين على تجنب الخيارات “الرديئة”. وكان الخيار الرديء الأول الذي اقترحه هو وضع نتائج الانتخابات جانبا. مع أن هذا الخيار ليس رديئا فقط ولكنه دعوة للفتنة. وكان ثلثا الجمهوريين في الكونغرس يحاولون الاندفاع لتبنيه.

أما الخيار الثاني الرديء فهو الذي يفرضه الدستور الديمقراطي، أي المصادقة على النتائج التي أقرتها الولايات ووافقت عليها المحاكم. ولكن ما الذي يجعل هذا الخيار رديئا هو ما قاله كروز وهو أن “نصف البلاد تعتقد بتزوير الانتخابات”. ولكن السناتور ينسى أن هذا الاعتقاد ناجم عن التضليل الذي يقوم هو وترامب بتغذية الشعب الأمريكي به وبطريقة إجبارية.

وبعد ذلك قام رجل الدولة كروز باقتراح خيار بديل وهو إنشاء لجنة مثل تلك التي أنشئت لحل النزاع الذي نشأ في أعقاب انتخابات 1876. فلجنة هيز- تيلدين كما عرفت واجهت أزمة حقيقية في الانتخابات ولكن اليوم لا توجد خلافات حول نتائج الإنتخابات الأخيرة باستثناء الخداع الذي ساعد كروز على اختراعه.

ويعتبر اقتراح كروز صورة عن السياسات الترامبية والتي تقوم على: اكذب بما يكفي حتى تكون قادرا على اختراع واقعك القوي. ولم يكد كروز ينتهي من خطابه حتى كانت تلك الحقيقة الزائفة والقوية واضحة.

ويمكن للواحد تخيل الغضب الذي سيصيب كروز لو حاول البعض وضع خط لموقفه وربطه بالعنف الذي أعقب ذلك. وسيكون جوابه المتوقع كالآتي: كيف تتجرأ على هذا؟ لو كان هناك من يلام فهم الديمقراطيون، وهذا ما يحدث عندما تتجاهل مظاهر القلق الشرعية لملايين الأمريكيين.

ويبدو أن العنف في يوم الأربعاء صدم بعض المشرعين الجمهوريين ودفعهم لإعادة التفكير بحكمة هذه التجربة في سياسة الاندفاع نحو الهاوية الدستورية. وسواء تم تعلم الدروس أم لا فنحن بانتظار معرفة هذا. ويقول دوغلاس “قد لا نكون ألمانيا في عام 1933 ولكننا قد نكون في ميونيخ في 1923، ففي 8 تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام قام آلاف من النازيين بتنظيم محاولة انقلابية فاشلة ضد جمهورية فايمار. وبعد عشرة أعوام قام نفس العصاة بالسيطرة على السلطة في ألمانيا وعبر الطرق الانتخابية”.

——————————–

الديمقراطيون يقتربون من مساءلة ثانية لترامب بعد اقتحام مبنى الكونغرس

يدرس الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي اليوم الجمعة، اتخاذ إجراءات لمساءلة الرئيس دونالد ترامب للمرة الثانية بغرض عزله، بعد يومين من اقتحام حشد من أنصاره مبنى الكونغرس (الكابيتول هيل) إثر ادعاءات ردّدها بلا سند عن تزوير الانتخابات.

ودعا كبار زعماء الديمقراطيين، بمن فيهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إلى إجراءات مساءلة فورية إذا رفض نائب الرئيس مايك بنس والوزراء في إدارة ترامب اتخاذ خطوات لإزاحة الرئيس الجمهوري عن السلطة.

وقالوا في بيان مساء أمس الخميس إن “تصرفات الرئيس الخطيرة والمثيرة للفتنة تتطلب إقالته فورا من منصبه”، متهمين ترامب بالتحريض على “تمرد”.

ومع تصاعد الدعوات للإطاحة به أمس الخميس، نشر ترامب مقطع فيديو ندد فيه بالعنف الذي أودى بحياة خمسة أشخاص.

وظهر الرئيس الجمهوري في مقطع الفيديو أقرب من أي وقت مضى من الاعتراف بخسارته في الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، ووعد بضمان انتقال سلس إلى “إدارة جديدة”. ومن المقرر أن يؤدي الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن اليمين في 20 يناير/ كانون الثاني.

ومثّلت كلمات ترامب في مقطع الفيديو تناقضا صارخا مع خطابه يوم الأربعاء، عندما حث حشدا من الآلاف على التوجه إلى مبنى الكابيتول حيث كان الكونغرس مجتمعا للتصديق على فوز بايدن في الانتخابات.

واقتحم غوغاء المبنى، مما شكل ضغطا على الشرطة وأجبر السلطات على نقل المشرعين لمواقع آمنة حفاظا على سلامتهم.

وقالت شرطة الكابيتول في وقت متأخر أمس، إن أحد أفرادها توفي متأثرا بجروح أصيب بها في الهجوم. وقُتلت متظاهرة برصاص السلطات وتوفي ثلاثة أشخاص بسبب مشاكل صحية طارئة.

وعرض مكتب التحقيقات الاتحادي مكافأة تصل إلى 50 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى المسؤول عن وضع قنابل أنبوبية في مقر الحزبين الأمريكيين الرئيسيين. ونشر المكتب صورة مشتبه به يرتدي ملبسا بقلنسوة وعلى يديه قفاز ويحمل شيئا.

الوقت ينفد؟

مع اقتراب موعد رحيل ترامب خلال أقل من أسبوعين، ليس من الواضح ما إذا كان هناك متسع من الوقت لإكمال عملية المساءلة. ولم تعلن بيلوسي عن قرار، على الرغم من أنها أوضحت في مؤتمر صحافي أن الديمقراطيين يطالبون باتخاذ إجراء في أعقاب حصار الأربعاء.

وإذا تمت مساءلته في مجلس النواب، فسيواجه ترامب نظريا محاكمة في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون والمقرر أن يكون في عطلة حتى 19 يناير/ كانون الثاني. ولم يحدد مساعدو ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ما سيفعله إذا وافق مجلس النواب على مواد المساءلة.

وأقر مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون مساءلة ترامب في ديسمبر/ كانون الأول 2019 فيما يتعلق بضغوط مارسها على رئيس أوكرانيا للتحقيق مع بايدن، لكن مجلس الشيوخ برأه في فبراير/ شباط 2020. ولم يخضع للمساءلة سوى رئيسين فحسب في تاريخ الولايات المتحدة، ولم يواجه أي منهما المساءلة مرة ثانية.

وسيسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ بعد أن فازوا باكتساح في جولتي إعادة في ولاية جورجيا يوم الثلاثاء، لكن العضوين الجديدين في مجلس الشيوخ، جون أوسوف ورافاييل وارنوك، لن يؤديا اليمين حتى تصدق الولاية على النتائج. وآخر موعد للتصديق هو 22 يناير/ كانون الثاني لكن تصديق الولاية قد يحدث قبل ذلك.

وفي مقطع الفيديو الذي نشر أمس، تحدث ترامب بنبرة تصالحية نادرا ما تصدر عنه، داعيا إلى “التعافي”. لكنه حتى صباح الخميس كان لا يزال يردد أن الانتخابات سُلبت، ولم يصل إلى حد الاعتراف بخسارته.

ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني، انتقد ترامب بلا سند نتائج الانتخابات ووصفها بأنها “مزورة” وشهدت تلاعبا واسع النطاق.

وأقامت حملة ترامب وحلفاؤها عشرات الدعاوى القضائية للطعن على النتائج، لكنها رُفضت كلها تقريبا في محاكم الولايات والمحاكم الاتحادية. وقال مسؤولو الانتخابات إنه لا يوجد دليل يدعم مزاعم ترامب.

وتوجهت بيلوسي وشومر بالدعوة إلى بنس وإدارة ترامب لتفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، والذي يسمح بتجريد الرئيس من صلاحياته إذا لم يستطع أداء واجبات منصبه. لكن بنس يعارض الفكرة، بحسب أحد المستشارين.

وقال اثنان على الأقل من الجمهوريين هما لاري هوغان حاكم ولاية ماريلاند، والنائب الأمريكي آدم كينزينجر، إن ترامب يجب أن يرحل. ودعت صفحة افتتاحية جريدة وول ستريت جورنال، التي يُنظر إليها على أنها صوت بارز في المؤسسة الجمهورية، ترامب إلى الاستقالة مساء الخميس.

واستقال العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب احتجاجا على اقتحام مبنى الكابيتول ومن بينهم اثنان من إدارة ترامب هما إيلين تشاو وزيرة النقل وزوجة ماكونيل، ووزيرة التعليم بيتسي ديفوس.

وفي مؤتمر صحافي لتقديم من وقع عليه اختياره لمنصب وزير العدل، حمّل بايدن مسؤولية التحريض على الهجوم لترامب لكنه لم يعلق على احتمال عزله.

وصدّق الكونغرس على فوز بايدن في الانتخابات في وقت مبكر أمس، بعد أن أخلت السلطات مبنى الكابيتول. وصوّت أكثر من نصف الجمهوريين في مجلس النواب وثمانية أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ للطعن على نتائج انتخابات بعض الولايات في مسعى لدعم ترامب.

وعزل الرئيس نفسه بين دائرة صغيرة من المستشارين المقربين، وانتقد من يعتبرهم غير موالين، بمن فيهم بنس الذي أراد ترامب منه أن يحاول منع الكونغرس من التصديق على فوز بايدن، وفقا لمصادر.

(رويترز)

—————————-

“لوموند”: اقتحام الكونغرس هو تتويج لرئاسة مضطربة انتهت بتقسيم أمريكا

آدم جابر

في افتتاحية تحت عنوان: “العنف في مبنى الكابيتول: يوم عار في الولايات المتحدة الأمريكية”، قالت صحيفة ‘‘لوموند’’ الفرنسية إن اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي من قبل حشد من المؤيدين المتطرفين لدونالد ترامب، كان يوماً مظلماً، متوجاً لرئاسة مضطربة انتهت بتقسيم البلاد إلى قسمين، أحدهما يحترم النظام الدستوري وقرارات القضاء، وآخر يعيش في عالم موازٍ.

وأضافت الصحيفة الفرنسية في افتتاحيتها، أن هذا العالم، الذي تغذيه نظريات المؤامرة، هو واقع بديل لم يخسر فيه دونالد ترامب الانتخابات بفارق 7 ملايين صوت شعبي وتصويت 302 صوتا في المجمع الانتخابي مقابل 232، لكنه يريد الاعتقاد أنه تمت سرقة الانتخابات من خلال عملية احتيال واسعة النطاق ومدبرة.

“أمريكا حصدت ما زرعه ترامب”

تتابع “لوموند” أنه “في عالم الإنكار هذا، لا يهم كون حوالي ستين قرارا قضائيا، بما في ذلك من أعلى المستويات، كقرار المحكمة العليا، قد رفضت الطعون المقدمة لإلغاء الانتخابات. فكل ذلك لا يهمّ في عالم الإنكار هذا، إذ أن الرئيس دونالد ترامب نفسه طلب عبر الهاتف، في يوم الثاني من الشهر الجاري، من كبير مسؤولي الانتخابات في ولاية جورجيا تعديل نتائج الاقتراع في الولاية لصالحه”.

واعتبرت ‘‘لوموند’’ أن الأمة الأمريكية حصدت، يوم الأربعاء، ما زرعه رئيسها الشعبوي والديماغوجي والنرجسي على مدى أربع سنوات، بتواطؤ من الحزب الجمهوري. فلم يخفِ السيد ترامب أبدا نواياه المثيرة للفتنة، لقد رفض باستمرار، قبل الانتخابات، التعهد باحترام نتيجة التصويت إذا لم تكن في صالحه. كما قدم دعمه للجماعات اليمينية المتطرفة مثل Proud Boys، والتي طلب منها ‘‘أن تكون جاهزة’’.

أسلحة بايدن لإعادة بناء هذه الديمقراطية المهزوزة

وبحسب الصحيفة، سيكون على الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، الآن، إعادة بناء هذه الديمقراطية المهزوزة بشدة، موضحة أنه باتت لديه الوسائل المساعدة على ذلك، بفضل الانتصار الحاسم للديمقراطيين بمقاعد مجلس الشيوخ في جورجيا يوم الأربعاء، مما منحهم السيطرة على مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى البيت الأبيض ومجلس النواب. فهو يتمتع بالشخصية المناسبة، كما ظهر من خلال رد فعله الصارم والواضح على محاولة التمرد “الترامبية’”، كما تقول ‘‘لوموند’’، معتبرةً أن صدمة يوم الأربعاء قد تساعده.

ومع ذلك، رأت الصحيفة أنه يبقى هناك الكثير من المجهول، متساءلة: “ماذا سيحدث لرئيس المتمردين دونالد ترامب، الذي ما يزال أمامه أسبوعان في البيت الأبيض وتركه نائبه؟ وهل سيتعين عزله من منصبه رغم أنه وافق أخيرا على التنحي؟ وماذا سيكون تأثير أكثر من 100 عضو جمهوري في الكونغرس الذين واصلوا صباح أمس الخميس رفض نتيجة الانتخابات بحجة التزوير الشامل؟ وكيف سيكون رد فعل 74 مليون ناخب من الذين صوتوا على دونالد ترامب؟ وهل سيتعلم القادة السياسيون للحزب الجمهوري الدروس الجيدة من هذه الكارثة المعلنة؟ فالعالم الذي أذهلته هذه الهشاشة الكبيرة ينتظر بفارغ الصبر الإجابات”.

————————–

نيويورك تايمز: احتلال الغوغاء للكونغرس هزّ صورة أمريكا كمنارة للديمقراطية في العالم

إبراهيم درويش

تناول المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” روجر كوهين، الهجوم على مقر الكونغرس من قبل “إرهابيين محليين” كما وصفهم الرئيس المنتخب جوزيف بايدن.

وقال إن اقتحام الكابيتول هيل يوم الأربعاء يعتبر ضربة موجعة لصورة أمريكا الديمقراطية المضطربة. وأضاف إن العصاة أو الغوغاء في واشنطن الذين حاولوا إرباك عملية النقل السلمي للسلطة يمثلون تهديدا لكل الديمقراطيات حول العالم، وذلك في استعادة لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وقف أمام العلم الأمريكي معلنا: “نؤمن بقوة ديمقراطياتنا ونؤمن بقوة الديمقراطية الأمريكية”، لكن موقف ماكرون التأكيد على إيمانه بصمود الديمقراطية الأمريكية مع اقتراب فترة رئاسة ترامب من النهاية أمر مثير للإعجاب، لأن ما يهدد أمريكا ينسحب على بقية الديمقراطيات في العالم.

ويقول كوهين إن سمعة أمريكا ربما تلطخت، لكن هويتها في الدفاع العالمي عن الديمقراطية تظل متفردة. ومن هنا، فعندما قام غوغاء باقتحام مبنى الكابيتول، ودنسوا قداسة غرفه باحتقار المتغطرسين للمشرعين الذين تجمعوا للمصادقة على انتصار جوزيف بايدن، فإن هشاسة الحرية ظهرت آثارها في باريس وبقية أنحاء العالم.

وقال ماكرون في خطابه الذي بدأه بالفرنسية وأنهاه بالإنكليزية، إن الهجوم أدى لإضعاف الفكرة العالمية “شخص واحد وصوت واحد” وقال إن المبنى هو “معبد الديمقراطية الأمريكية” والذي تعرض للهجوم.

ورغم عودة النظام في الساعات الأولى من اليوم التالي، إلا أن حكم الغوغاء في واشنطن ضرب على وتر حساس في الديمقراطيات الغربية المتشظية. فهي تواجه نماذج غير ليبرالية شعبوية في كل من هنغاريا وبولندا، وصعودا للحركات اليمينية المتطرفة في كل من ألمانيا وإيطاليا. مما قاد زعماء مثل فلاديمير بوتين للإعلان عن نهاية الليبرالية كفكرة مهجورة. أما الرئيس الصيني شي جين بينغ، فقدّم نموذج الرقابة في بلاده للعالم، في وقت قام بسحق المعارضة في هونغ كونغ.

وقال الباحث السياسي جاك روبنيك: “بالنسبة للمجتمعات الأوروبية كانت هذه صورا صادمة. وحتى ولو لم تعد أمريكا منارة، فلا تزال عمودا حافظ على الديمقراطية الأوروبية ووسّعها شرقا بعد الحرب الباردة”.

وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إنها “غاضبة وحزينة” وحمّلت ترامب وبدون تردد مسؤولية الهجوم على مقر الكونغرس الذي خلّف امرأة قتيلة. وقالت إن “الشكوك حول نتائج الانتخابات أججت وخلقت مناخا سمح لأحداث الليلة الماضية”.

وراقب الألمان الذين كانت الولايات المتحدة الحامية لهم ولنموذجهم الليبرالي بغضب محاولات ترامب تخريب العملية الديمقراطية وحكم القانون. وزاد قلقهم في السنوات الماضية بسبب ترنح الديمقراطية عبر الاستقطاب والعنف والتفكك الاجتماعي والمعاناة الاقتصادية والتي لم تكن مقتصرة على الولايات المتحدة. فقد زاد فيروس كورونا القلق وعدم الثقة بالحكومة.

وفي هذا السياق، فإن صور الغوغاء وهم يندفعون نحو الكابيتول كانت انعكاسا للقوى المخربة التي تحوم في الكثير من أجزاء العالم الغربي. ولو حدث هذا في قلب الديمقراطية، فإنه قد يحدث في أي مكان. وفي العام الماضي عندما اندلعت التظاهرات المعادية للعنصرية في معظم المدن الأمريكية، صورت مجلة “دير شيبغل” ترامب في مكتبه البيضاوي وهو يحمل علبة كبريت، ووصفته بـ”دير فويرتوفيل” أو “شيطان النار”، وكانت الرسالة واضحة، وهي أن الرئيس الأمريكي يلعب بالنار. وكان هذا محلا لاستعادة الألمان ذكريات النيران التي اشتعلت في الرايخستاغ عام 1933، مما سمح للنازيين بإلغاء جمهورية فايمار الديمقراطية الهشة، وصعدوا إلى السلطة.

والذكريات المؤلمة لا تقتصر على ألمانيا، بل في كل أنحاء القارة الاوروبية، التي لا يزال فيها منظور الديكتاتورية بعيدا، ولكن عاشه بعض الناس الأحياء اليوم، ورأوا في هجوم ترامب على القضاء المستقل والصحافة الحرة وقداسة الانتخابات نذير شؤم.

وبدأت المستشارة الألمانية حياتها السياسية في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وراقبت الحماس يتبخر لخلق عالم ديمقراطي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة عام 1989. وتضاءل بصعود الحكومات الديكتاتورية وهجمات ترامب على أسس حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فيما نُظر إليه على أنه محاولة منه لحرف الميزان نحو الاتجاه غير الليبرالي. ولكنه هُزم واستطاعت المؤسسات الأمريكية تجاوز الفوضى التي خلقها، وتمت المصادقة على فوز بايدن في الكونغرس رغم ما حدث. كما رفض نائبه، مايك بنس الذي حاول ترامب تجنيده لقلب نتائج الانتخابات، المضي في اللعبة، ومارس دوره في المصادقة على الانتخابات.

وبعد قرار الكونغرس، أصدر ترامب بيانا وعد فيه بانتقال سلس للسلطة في اعتراف واضح بالهزيمة. وحقق الديمقراطيون انتصارا ثانيا بالسيطرة على الكونغرس، بعد فوزهم في جورجيا، في شجب واضح لترامب وسياساته. ولكن هل هذا يعني أن أمريكا بخير؟

يجيب كوهين بالنفي، “فالفكرة الأمريكية والقيم الأمريكية- الديمقراطية وحكم القانون، والدفاع عن حقوق الإنسان عانت من ضربات مستمرة أثناء حكم ترامب”.

وقال روبينك إنه سيكون من “الصعب” على بايدن تقديم أمريكا على أنها “المنظم لمجتمع الديمقراطيات”. وسيظل العالم ولوقت ينظر لأمريكا بنوع من الشك عندما تحاول الترويج للقيم الديمقراطية، فصور اقتحام الكابيتول ستظل حاضرة.

وكان واضحا في عنوان “لوفيغارو” الفرنسية: “تهشم الديمقراطية”. حيث قالت في افتتاحيتها إن “نرجسية ترامب تفوقت على أي كرامة، وأساء استخدام المؤسسات وداس على الديمقراطية وقسم معسكره وأنهى رئاسته في الحفرة”.

وهناك إشارات على تراجع جاذبية ترامب في أوروبا، فقد قام رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس، وهو من المعجبين بالرئيس الأمريكي، بحذف صورته على حسابه في فيسبوك وهو يرتدي قبعة عليها “جمهورية تشيك قوية” على شاكلة شعار ترامب “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”. وغيّر الصورة إلى واحدة يرتدي فيها قناعا مزينا بالعلم التشيكي.

وكشفت الاضطرابات في واشنطن عن أن أمريكا هي أكبر من رجل واحد. وهو ما بدا واضحا في تصريحات ماكرون الذي تحدث عن دعم الولايات المتحدة وفرنسا للحرية وحقوق الإنسان منذ القرن الثامن عشر. وذكر أليكس دو توكفيل ومديحه للديمقراطية في أمريكا، كما تحدث عن دفاع أمريكا عن الحرية أثناء الحربين العالميتين.

—————————-

يمكن إزاحة ترامب من الرئاسة بموجب التعديل الـ 25؟

قال مصدر في الحزب الجمهوري لشبكة “سي أن أن” إن بعض أعضاء إدارة الرئيس الأميركي الخاسر في انتخابات نوفمبر دونالد ترامب، والذي تنتهي ولايته في 20 يناير الجاري، أجروا نقاشات أولية حول استخدام التعديل الخامس والعشرين لإزاحة ترامب من منصبه، وهو التعديل الذي يستخدم كملاذ أخير لإزاحة رئيس مارق أو عاجز.

وأشارت “سي أن أن” إلى أن عملية اقتحام مثيري الشغب لمبنى الكونغرس بناءً على طلب الرئيس قد ينتهي بها الأمر لتكون أول حالة طارئة يُطبق عليها التعديل الخامس والعشرون في تاريخ الولايات المتحدة.

وطبقاً للتعديل الـ 25، فإنه سيتعيّن على نائب الرئيس مايك بنس، لكي يتم نزع السلطة من ترامب، أن يتفق مع أغلبية من مسؤولي إدارة ترامب على أن الرئيس لم تعد لديه القدرة على أداء سلطات وواجبات منصبه.

وأوضحت “سي أن أن” أنه في حال قام ترامب بتقديم رسالة اعتراض على ذلك إلى الكونغرس، فإنه سيكون أمام بنس ومجلس الوزراء أربعة أيام لمنازعته، ثم سيكون بإمكان الكونغرس إجراء تصويت على نزع السلطة من الرئيس، ويتطلب الأمر أغلبية، ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، عادةً 67 عضواً في مجلس الشيوخ و290 عضواً في مجلس النواب لإقالته نهائياً.

وبدأ المشرّعون الأميركيون بمعاينة مسألة نقل السلطة من الرئيس في أواخر خمسينيات القرن الماضي لدى اعتلال صحة الرئيس دوايت دي أيزنهاور.

وبات الأمر أكثر إلحاحاً بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963. ووافق الكونغرس على التعديل الخامس والعشرين في عام 1965 وصادقت عليه بعد ذلك بعامين ثلاثة أرباع الولايات الأميركية الخمسين كما هو مطلوب. ويتناول القسم 3 من التعديل الخامس والعشرين نقل السلطات الرئاسية إلى نائب الرئيس عندما يعلن الرئيس أنّه غير قادر على تحمّل أعباء منصبه.

ويتناول القسم 4 موقفاً يقرّر فيه نائب الرئيس وأغلبية أعضاء مجلس الوزراء أنّ الرئيس لم يعد قادراً على أداء واجباته. ولم يسبق أن تمت الاستعانة بهذا القسم.

ثلاث مناسبات

استخدم القسم 3 ثلاث مرات. الأولى في يوليو/ تموز 1985 عندما خضع الرئيس رونالد ريغان لعملية جراحية تحت التخدير العام لإزالة ورم سرطاني من أمعائه الغليظة. ويومها عُيّن نائب الرئيس جورج بوش الأب رئيساً بالوكالة لثماني ساعات بينما خضع ريغان للعملية الجراحية. نقل الرئيس جورج دبليو بوش السلطة مؤقتًا إلى نائبه ديك تشيني في يونيو/ حزيران 2002 وفي يوليو/ تموز 2007 أثناء خضوعه لتنظير روتيني للقولون تحت التخدير.

وبعد إصابة ريغان بجروح خطيرة في محاولة اغتيال عام 1981، تم إعداد خطاب يستحضر القسم 3 لكنّه لم يُرسل إلى الكونغرس. بموجب القسم 3، فإنّ الرئيس يبلغ الرئيس الذي سيتولى السلطة مؤقتاً، أو الرئيس الآني لمجلس الشيوخ – وهو حالياً الجمهوري تشاك غراسلي – ورئيس مجلس النواب – وهي حاليًا الديموقراطية نانسي بيلوسي – خطياً بأنه غير قادر على ممارسة مهام منصبه وأنه سينقل السلطة مؤقتاً إلى نائب الرئيس.

بموجب المادة 4، يقوم نائب الرئيس وأغلبية أعضاء مجلس الوزراء بإبلاغ قادة مجلسي الشيوخ والنواب بأنّ الرئيس غير قادر على أداء واجباته وأنّ نائب الرئيس سيصبح رئيساً بالنيابة.

وقال النائب الجمهوري آدم كينزينغر من إلينوي بعد الفوضى التي حدثت الأربعاء في واشنطن، “حان الوقت لاستحضار التعديل الخامس والعشرين وإنهاء هذا الكابوس”. وأضاف “الرئيس غير مؤهل. الرئيس مريض”.

وإذا اعترض الرئيس على وصفه بأنه غير قادر على القيام بمهامه، يُناط مصيره بالكونغرس الذي يتعيّن عليه التصويت بأغلبية الثلثين في كلا مجلسي النواب والشيوخ لإعلان أن الرئيس غير أهل للبقاء في منصبه. وادّعى النائب السابق لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي أندرو مكابي أنّ نائب المدّعي العام السابق رود روزنستاين أثار إمكانية استحضار القسم 4 ضدّ ترامب بعد أن أقال الأخير فجأة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي في مايو/ أيار 2017. لكنّ روزنستاين نفى هذا الادعاء.

وكان الكونغرس الأميركي قد صدّق على فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية بعد جلسة ماراثونية بدأت الأربعاء وتوقفت 6 ساعات على خلفية اقتحام مؤيدين للرئيس دونالد ترامب مبنى الكونغرس قبل أن تُستأنف.

وكان مئات من أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اقتحموا مبنى الكونغرس الأربعاء سعياً لإجبار المشرعين على تغيير خسارة الرئيس للانتخابات، ليحتلوا رمز الديمقراطية الأميركية ويجبروا الكونغرس على تأجيل جلسة للتصديق على فوز الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، مؤقتاً.

وصدّق نائب الرئيس الجمهوري مايك بنس على نتيجة تصويت الهيئة الناخبة الذي صبّ في مصلحة بايدن بأصوات 306 من كبار الناخبين مقابل 232 لدونالد ترامب، في ختام جلسة لمجلسي النواب والشيوخ قاطعها أنصار للرئيس المنتهية ولايته زرعوا الفوضى والذعر في مبنى الكابيتول.

العربي الجديد

————————-

ترامب يتنصل من اقتحام الكونغرس..وعزله صار مستبعداً

أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استيائه البالغ من الهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن. وقال في مقطع مصور على “تويتر”، إنه وعلى غرار كل الأميركيين يشعر “بغضب من العنف وانعدام سيادة القانون والفوضى”.

pic.twitter.com/csX07ZVWGe

— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 8, 2021

وأضاف ترامب “لقد نشرت فوراً الحرس الوطني وقوى إنفاذ القانون الاتحادية لتأمين المبنى ودحر المتسللين”. وشدد على أن من “تورطوا بأعمال العنف في مبنى الكونغرس دنّسوا مقعد الديمقراطية. ولا يمثلون بلدنا وسيدفعون الثمن. إن أميركا أمة قانون ونظام ولا بد أن تكون كذلك”.

ووجّه ترامب دعوة لتوحيد الأمة قائلاً: “هذه لحظة للتعافي والتصالح وقد كان 2020 عاماً مليئاً بالتحديات لسكان الولايات المتحدة. هزيمة الجائحة وإعادة بناء أعظم اقتصاد على وجه الأرض يتطلبان العمل سوياً”. وأكد اهتمامه بانتقال سلمي للسلطة، بقوله “ملتزمون بانتقال سلس للسلطة وسيتم تنصيب الإدارة الجديدة في 20 كانون الثاني/يناير”.

وقال الرئيس الأميركي إن حملته سلكت “كل الطرق القانونية للطعن في نتائج الانتخابات،” مضيفاً أن “هدفه الوحيد كان التأكد من نزاهة الانتخابات”. وتابع: “سأواصل الدعوة إلى إصلاح قوانين الانتخابات للتأكد من هوية وشرعية الناخبين وضمان الثقة”.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مستشار في البيت الأبيض قوله إن ترامب سجل هذه الكلمة؛ بسبب تهديدات باستقالات وشيكة ومحاكمة برلمانية محتملة. وقال المستشار إن جميع كبار موظفي البيت الأبيض كانوا على وشك الاستقالة؛ مما دفع ترامب لتسجيل المقطع.

يأتي ذلك فيما تستمر سبحة الاستقالات من إدارة ترامب إثر اقتحام مناصريه الكونغرس. وأضحت وزيرة التعليم الأميركية بيتسي ديفوس ثاني عضو يُعلن استقالته من الإدارة. وقالت الوزيرة في رسالة وجّهتها إلى ترامب: “لا يُمكن إنكار أن خطابكم كان له تأثير على الوضع، وهذا كان نقطة تحوّل بالنسبة إليّ”.

وقبل ساعات، أعلنت وزيرة النقل الأميركيّة إيلين تشاو، زوجة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، استقالتها من منصبها. وأشارت تشاو في بيان، إلى أنها اتّخذت هذه الخطوة لأن ما حصل في الكابيتول كان “حدثاً صادماً وكان يمكن تجنّبه تماماً”. وأضافت “أزعجني كثيراً إلى درجة أنّني لا أستطيع تجاهله”.

وسارع برلمانيون ديموقراطيون إلى الترحيب بقرار تشاو، مطالبين نائب الرئيس مايك بنس ووزراء الحكومة بالتصويت على تنحية ترامب بموجب التعديل ال25 للدستور. لكن صحيفة “نيويورك تايمز” أفادت أن بنس يُعارض اللجوء إلى التعديل ال25 لإجبار ترامب على التنحّي عن منصبه.

وقالت الصحيفة إن موقف بنس هذا مدعوم من العديد من الوزراء الذين سيكون تأييدهم ضرورياً لتنفيذ التعديل ال25. وأضافت أن هؤلاء المسؤولين “يرون أن إجراءً كهذا من شأنه أن يزيد من الفوضى الحاليّة في واشنطن”.

ونقلت شبكة “سي إن بي سي” الأميركية عن ثلاثة مصادر مطلعة أن وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منوشين بحثا إمكانية تفعيل التعديل 25. وقالت المصادر إن بومبيو ومنوشين أجريا محادثات غير رسمية لهذه المسألة داخل إدارتهما حول ملامح تفعيل التعديل المذكور.

وبحسب “سي إن بي سي”، أن تفعيل المادة تلك تشوبها تعقيدات عدة، من بينها أن العملية يمكن أن تستغرق نحو أسبوع، مما يعني أنه لن يكون لها الأثر المباشر خاصة وأنه لم يتبقَّ لترامب سوى أقل من أسبوعين في السلطة. وتتمثل المشكلة الأخرى في ما إذا كان بوسع وزراء ثلاثة يتولون منصبهم بالوكالة التصويت حول تفعيل المادة من دون موافقة مجلس الشيوخ.

من جهة ثانية، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصدرين قولهما إن ترامب طرح على مساعديه في الأسابيع الأخيرة رغبته في أن يصدر عفواً عن نفسه. وقالت الصحيفة إن إصدار ترامب عفواً عن نفسه سيكون خطوة أولى من نوعها في التاريخ الأميركي إذا أقدم عليها.

وأضافت أن ترامب قال لمستشاريه أثناء مناقشات عديدة منذ يوم الانتخابات في 3 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي 2020 إنه يفكر في إصدار عفو رئاسي عن نفسه، كما سألهم أيضاً عما إذا كان يجب عليه القيام بذلك، وعن الأثر السياسي أو القانوني المترتب على القرار.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب قد بحث الموضوع مجدداً مع مساعديه بعد اقتحام الكونغرس الذي أدى إلى دعوات عديدة أطلقها مشرعون من أجل عزله.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مصادر أن ترامب سأل محامين -بمن فيهم مستشار البيت الأبيض القانوني بات سيبولوني- عن سلطته في العفو عن نفسه. وأضافت المصادر أن ترامب استفسر عن تبعات قانونية وسياسية يمكن أن تترتب على العفو عن نفسه.

المدن

———————————

يوم أميركا “القاتم”..هل كان محاولة انقلاب من ترامب؟

رأت تحليلات صحافية أميركية أن ما حصل الأربعاء من هجوم على الكونغرس من قبل أنصار الرئيس دونالد ترامب، كان اعتداءً على الديمقراطية يجب ألا يمر مرور الكرام.

وتقول مجلة “فورين بوليسي”: “لما يقرب من قرنين ونصف القرن، كان الأميركيون راضين تماماً عن الانتقال السلمي للسلطة كل أربع أو ثماني سنوات، ويفخرون بأن لديهم “حكومة قوانين وليس حكومة رجال”، كما قال جيرالد فورد في خطابه الذي لا يُنسى، بعد تأديته اليمين الدستورية رسمياً إثر استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1974”.

كان جون أدامز، أول شاغل للبيت الأبيض، متيقناً من هشاشة الجمهورية الفتية ويخشى الديماغوجيين. بعد فترة وجيزة من انتقاله إلى البيت الأبيض، كتب رسالة إلى زوجته يطلب فيها بركات السماء قائلاً: “أدعو أن لا يحكم تحت هذا السقف إلا الحكماء والأمناء”. نُقِشَت صلاته لاحقاً على عباءة الموقد في البيت الأبيض.

لكن لم يدرك العديد من الأميركيين مدى ضعف الخيط الذي يعلق عليه الدستور: نعمة ونزاهة الشخص الجالس في المكتب البيضاوي، حتى هجوم الأربعاء العنيف المذهل على مبنى “الكابيتول هيل”، بتحريض من الرئيس “المتعنت والواهم” دونالد ترامب.

وترى “فورين بوليسي” أنه كان هناك الكثير من الحظ ساعد في وجود رؤساء مثل أبراهام لينكلن قبل الحرب الأهلية، وفرانكلين روزفلت خلال الانكماش الكبير والحرب العالمية الثانية، وجون كينيدي لإدارة أزمة الصواريخ الكوبية. لكن هذا هو الحظ: في النهاية هو ينفذ منك. في ترامب، انتخب الأميركيون شخصاً نرجسياً مريضاً تظهر أسوأ صفاته، بأكثر الطرق دراماتيكية في الأيام الأخيرة من رئاسته.

من دون دليل على وجود تزوير، أعاد ترامب إطلاق حركته لنزع الشرعية عن الانتخابات من خلال دعوة المتظاهرين إلى المسيرة الأربعاء. كان كل هذا دليلاً واضحاً على أنه مثلما يعود الأمر لرئيس الولايات المتحدة في إحترام الدستور -كما أقسم أن يفعل- يمكنه أيضاً إلحاق ضرر فادح به، إذا أراد. خاصة عندما يتعلق الأمر بالتمرد. والآن لم يعد بإمكان الأميركيين الشعور بالرضا عن النفس.

وفي تقرير آخر تسأل “فورين بوليسي” عن كيفية وصف ما يحدث – ماذا نسميه. انقلاب؟ تمرد كما وصفه الرئيس المنتخب جو بايدن؟ مجرد شغب؟.

ويتحدث في التقرير، جوناثان تيبيرمان من مجلة “فورين بوليسي” إلى نونيهال سينغ، الأستاذ في الكلية الحربية البحرية ومؤلف كتاب الاستيلاء على السلطة: المنطق الاستراتيجي للانقلابات العسكرية. تم تحرير هذه المحادثة من أجل الطول والوضوح.

يقول سينغ رداً على سؤال، إن ما حصل ليس بالتأكيد انقلاباً عسكرياً، كما أنه ليس كما وصفه البعض بأنه “انقلاب مدني”، لأنه في الحالتين لم يجرِ استخدام السلطات أو القوة العسكرية. ويضيف أن الأمر بالغ الأهمية “أن العنف الذي نراه يأتي من المتظاهرين في الشوارع الذين حرضهم ترامب. هو رئيس الولايات المتحدة. إنه أقوى رجل في العالم. ومع ذلك فهو لا يستخدم أياً من سلطاته الرسمية. إنه يستخدم منبره المتنمر لإثارة مجموعة من المتظاهرين سيئة التنظيم الذين يتم التعامل معهم بقفازات الأطفال بغير الطريقة التي تمّت فيها معاملة المتظاهرين السلميين في بورتلاند، في العاصمة، وفي جميع أنحاء البلاد الصيف الماضي”، في إشارة إلى حركة “حياة السود مهمة”.

وأضاف أنه “في كلتا الحالتين لا يشكل هذا في الواقع تهديداً للجمهورية. ولكن، انظر، سواء تم استخدام القوة أم لا، فقد انخرط الرئيس في محاولة غير شرعية وغير أخلاقية وربما غير قانونية للاستيلاء على السلطة”.

بدورها، اتهمت صحيفة “واشنطن بوست” الرئيس وداعميه من الجمهوريين بتحريض المتظاهرين الذي اقتحموا الكونغرس، “ضد الحكومة التي يقودونها والأمة التي يدعون أنهم يحبونها. لا يمكن السماح بمثل هذا الأمر”.

وتضيف أن ترامب أثار هذه الاعتداءات. لقد انتقد لشهور الحكم الذي أصدره الناخبون في تشرين الثاني/نوفمبر. كان ما فعله ترامب الأربعاء، أداء رجل غير راغب في القيام بواجباته كرئيس أو لمواجهة عواقب سلوكه. وترى أنه “يجب أن يُحاسب الرئيس -من خلال إجراءات الإقالة أو المحاكمة الجنائية- وينطبق الشيء نفسه على مؤيديه الذين نفذوا أعمال العنف”.

هذا ليس مجرد هجوم على نتائج انتخابات 2020، تقول الصحيفة. إنها سابقة -إذن لمعارضة مماثلة لنتائج الانتخابات المقبلة. يجب رفضه بوضوح، ووضعه في مكان بعيد عن اعتباره سلوكاً جائزاً. الحزب الجمهوري الحديث، يسعى عبر جهود منهجية لقمع التصويت، ورفضه الاعتراف بشرعية الانتخابات التي خسرها، إلى الحفاظ على سلطته السياسية على أساس الحرمان من التصويت. تمرد يوم الأربعاء هو دليل على الرغبة المقلقة لمتابعة تحقيق هذا الهدف عبر العنف.

ووجهت الصحيفة اللوم للجمهوريين الذي أيدوا ترامب، رغم محاولة البعض منهم التملص من التأييد في اللحظات الآخيرة، مثل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي رفض محاولة بعض الجمهوريين نقض نتيجة الانتخابات. لكن بلاغته لم تكون سوى تعريف للفتة صغيرة جداً ومتأخرة جداً. “من يزرع الريح يحصد العاصفة”.

الهجوم على الكونغرس تذكير بهشاشة الحكم الذاتي. سيصبح يوم 6 كانون الثاني/يناير 2021 يوماً مظلماً. السؤال هو ما إذا كانت أميركا، حتى مع انتهاء فترة رئاسة ترامب، في بداية الانحدار إلى حقبة أكثر قتامة وانقساماً أو نهاية عهد. الخطر حقيقي، لكن الجواب ليس مقدراً مسبقاً، تختم الصحيفة تقريرها.

——————————–

«الجنّي البرتقالي» الذي زعزع أركان «الجمهوريّة»

كان المشهد استثنائياً وتاريخياً؛ البعض وجده مثيراً للسخرية، والبعض الآخر صادماً: أحد مقتحمي مبنى «الكابيتول» في واشنطن يجلس على كرسي رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، واضعاً حذاءه على الأوراق المبعثرة على المكتب؛ وفي إحدى الزوايا، منصّة تحمل الختم الذهبي للكونغرس منتزعة من مكانها، ووثائق مؤطّرة أزيلت من على الجدران، وجرى تمزيقها؛ وفي الممرّات، مقتحمون يحملون لافتات كُتب عليها «ترامب رئيسي»، وأعلام الكونفدرالية. ثمّ في مكان آخر، موظَّفون في الكونغرس تحصّنوا تحت مكاتبهم وخلف كراسيهم، بينما عناصر الشرطة يسعون إلى صدّ المهاجمين من كلّ حدب وصوب، في انتظار حضور “الحرس الوطني” والعملاء الفدراليين، الذين لم يظهروا قبل حلول المساء.

ما سبق لا يختصر موقعة الكونغرس، التي جرت بعد ظهر الأربعاء في السادس من كانون الثاني/ يناير. المشهد أكبر من ذلك. فقبل أقل من ساعة من اقتحام مبنى “الكابيتول”، كان الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، يتوجّه إلى مؤيّديه، بالقول: «سيتعيّن علينا القتال بقوّة أكبر». طلب منهم أن يسيروا من البيت الأبيض إلى “الكابيتول” لـ«إنقاذ ديموقراطيّتنا». حتّى إنّه قال إنه سيذهب معهم، لكن بالطبع كان ذلك مجرّد وعد لم تكن لديه نيّة للوفاء به. اذهبوا إلى الكونغرس «بسلام ووطنية»، قال لهم. وبالفعل، بعد دقائق، سقطت الحواجز خارج المبنى، وكان مؤيّدو الرئيس يتهيّأون لاقتحامه، فيما احتلّ بعضهم منصّات أقيمت لحفل تنصيب جو بايدن، ورفعوا لافتة كتب عليها «نحن الشعب سنُخضع دي سي (واشنطن). لدينا القدرة على ذلك».

الجمهوريون الذين فشلوا في قلب نتيجة الانتخابات، كانوا «ضعفاء» و«مثيرين للشفقة»، وقد سمحوا للديموقراطيين بتدمير البلاد… هذا ما دأب ترامب على تكراره منذ خسارته في الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر. هو حضّ نائبه السابق المخلص، وصرخ بالحشد من على منصّة أُقيمت على مسافة من البيت الأبيض، قائلاً: «مايك بنس يجب أن يتحرّك من أجلنا، وإذا لم يفعل، فسيكون هذا يوماً حزيناً لبلدنا». ولكن بينما كان يتحدّث، قفز بنس من القطار، وللمرّة الأولى، فعل عكس ما قاله له رئيسه. حصل ذلك خلال جلسة مشتركة لمجلسَي النواب والشيوخ، عُقدت للتصديق على انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة. هنا، أيضاً، برزت مواقف استثنائية: نوّابٌ جمهوريون قدّموا اعتراضاً على نتائج انتخابات أريزونا، وبنسلفانيا، قابلهم بنس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بمحاولة لوضع حدّ لتحرّكهم… هذان الاثنان أرادا، مع معظم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، القفز من قطار ترامب، قبل أن يصل إلى محطّته الأخيرة، في محاولة لوضع حدّ لتوهّمه بأنّ الرئاسة ستُعاد إليه، بعد الهزيمة الانتخابية. سعى ماكونيل، الذي لطالما اتّسقت مواقفه مع مواقف ترامب، إلى منع الاعتراضات، مشيراً إلى أنّ نتائج الانتخابات ليست حتّى متقاربة. وقال قبل وقت قصير على بدء أعمال العنف: «الناخبون والمحاكم والولايات قالت كلمتها. إذا قمنا بنقضها، فسنُلحق الضرر بجمهوريتنا إلى الأبد». كذلك، أضاف إنّه «في حال أُبطلت نتيجة الانتخابات استناداً إلى مجرّد ادّعاءات من الخاسرين، فسيدخل نظامنا الديموقراطي في دوامة قاتلة». لم تكن كلماته كافية، فقد واصل عدد من النواب الجمهوريين اعتراضاتهم. إلّا أنّ الكونغرس رفض الاعتراض الأول على فوز بايدن في أريزونا، كما رفض الاعتراض الثاني على فوزه في ولاية بنسلفانيا. وبين هذا وذاك، توقّفت جلسة التصديق على انتخاب بايدن لساعات بسبب اقتحام المبنى، ثمّ استؤنفت أمس بعد إخلائه من المتظاهرين. فكان أن تراجع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن معارضتهم السابقة.

في المحصّلة، جرى التصديق على انتخاب بايدن رئيساً، وبالتالي أزيلت آخر العقبات التي خلقها ترامب أمامه قبل تبوّئه منصبه. ولكن ذلك لن يمحي الصوَر التي التُقطت من داخل مبنى “الكابيتول” العريق. بل إنّها ستؤرّخ ما أبرزته وسائل الإعلام الأميركية على أنّه «بعضٌ من مظاهر وصول هجوم دونالد ترامب على الديموقراطية الأميركية إلى أوجه»، واصفة مؤيّديه الذين اقتحموا الكونغرس بـ«مشاغبي ترامب» و«جنود ترامب» وبـ«الإرهابيين» و«المتمرّدين».

النهار كان طويلاً وحافلاً، و”الكابيتول” تحوّل إلى ساحة اشتباك بين «مشاغبي ترامب» والشرطة التي أطلقت الغاز المسيّل للدموع لوقف تدافع المقتحمين. لم تمرّ الواقعة من دون جرحى وقتلى، فقد توفيت امرأة متأثّرة بجروحها، بعدما أطلقت الشرطة النار عليها. كذلك، أفادت السلطات بأنّ ثلاثة آخرين ماتوا في «غرف الطوارئ» على مدار اليوم، في حين أصيب عدد من عناصر الشرطة. «جنود ترامب» هاجموا أيضاً الطواقم الإعلامية خارج المبنى، كما عثرت السلطات على قنابل أنبوبية خارج مكاتب اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي، واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، فضلاً عن زجاجة مولوتوف في “الكابيتول”.

بتعبير بايدن، إنّ «نظامنا الديموقراطي يتعرّض لهجوم غير مسبوق». الرئيس المنتخَب رأى أنّ «هذا ليس اعتراضاً. إنه إخلال بالأمن وفوضى. ويكاد يصل إلى الفتنة. ينبغي أن يتوقف الآن». ووصف أحداث العنف بأنّها «تمرّد»، مطالباً سلفه بأن يتحدّث عبر التلفزيون الوطني ويطلب من أنصاره التراجع. وبالفعل، بعد وقت قصير على تصريحاته، نشر ترامب تسجيلاً مصوَّراً دعا فيه أنصاره إلى المغادرة، لكنّه كرّر اتهاماته التي لا تستند إلى أدلّة بتزوير الانتخابات. وقال: «يجب أن يحلّ السلام. لذا اذهبوا إلى بيوتكم. نحن نحبّكم، أنتم مميّزون جداً».

في النهاية، «حقّق ترامب ما هدّد به. فقد أوضح، منذ أشهر، أنّه كان مستعدّاً لإحداث مذبحة في النظام السياسي الذي رفعه إلى أقوى منصب، إذا قرّر التخلّي عنه»، وفقاً لجوليان بورجر في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية. ولكن أحداث يوم الأربعاء كشفت عن جانب آخر، وهو أنّ الحزب الذي مكّن ترامب من الصعود، ثمّ خاف منه، أصبح محطَّماً ومنقسماً إلى درجة أنّ الجمهوريين خسروا مقعدَي مجلس الشيوخ في جورجيا.

«إنّه الجنّي البرتقالي، الذي ظلّ خارج القمقم لمدة أربع سنوات والذي عمِل على منح الجمهوريين كلّ أمنية، وهو لم يكن ليعود من دون أن يهدم جدران القصر، ويقلب أنصار الحزب ضدّه»، هذا ما كتبه بورجر، وما تردّد في أكثر من مرثية للحزب الجمهوري.

استقالات بالجملة

أعلنت وزيرة النقل الأميركية إيلين تشاو، أمس، استقالتها من منصبها، غداة اقتحام أنصار للرئيس دونالد ترامب مبنى الكابيتول، في أول خطوة من نوعها يُقدم عليها وزير في إدارة الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته احتجاجاً على ما حصل. وقالت تشاو، في بيان نشرته على حسابها في موقع «تويتر»: «أعلن اليوم استقالتي من منصبي وزيرة للنقل»، مشيرة إلى أنّها اتّخذت هذه الخطوة لأنّ ما حصل في الكابيتول كان «حدثاً صادماً وكان من الممكن تجنّبه تماماً، وقد أزعجني كثيراً إلى درجة أنّني لا أستطيع تجاهله».

وتأتي استقالة تشاو بعدما ذكرت تقارير إعلامية أنّ نائب مستشار الأمن القومي الأميركي مات بوتينغر استقال لينضمّ إلى عدد آخر من المسؤولين المنسحبين من إدارة ترامب. وأفادت وكالة «رويترز»، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأنّ اثنتين من كبيرات مساعدي السيدة الأميركية الأولى ميلانيا ترامب استقالتا، بينما يفكّر روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي، في الاستقالة.

واستقالت ستيفاني غريشام، كبيرة موظفي السيدة الأولى. ولم تذكر غريشام، التي أمضت عاماً في منصب المتحدثة الصحافية باسم البيت الأبيض، قبل أن تصبح كبيرة موظفي السيدة الأولى، ما إذا كانت استقالتها ردّ فعل على العنف في العاصمة، لكنّ مصدراً مطّلعاً على قرارها قال إن العنف كان القشّة التي قصمت ظهر البعير. كذلك، أفاد مصدران بأنّ ريكي نيسيتا، السكرتيرة الاجتماعية للبيت الأبيض، استقالت أيضاً، وكذلك سارة ماثيوس، نائبة السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض. وقال مصدر إنّ هناك أيضاً أحاديث داخل البيت الأبيض عن أنّ كريس ليدل، نائب كبير الموظفين، قد يستقيل.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)

—————————

مجلس شيوخٍ منقسم: «الحزب الكبير» بلا مخالب

مرّر ناخبو جورجيا، الولاية الجنوبية الجمهورية تقليدياً، «رسالة مدوّية»، على حدّ تعبير الرئيس الأميركي المنتخَب، جو بايدن. رسالةٌ أسهم في إيصالها الرئيس المنصرف، دونالد ترامب، الذي كبّد حزبه الجمهوري هزيمةً نكراء في انتخابات الإعادة لمقعدَي مجلس الشيوخ في الولاية الحمراء، والتي اختارت، والحال هذه، الحزب الأزرق، حتّى في الانتخابات الرئاسيّة. بهذه النتيجة المفاجئة، أحكم الديموقراطيون سيطرتهم، إلى جانب البيت الأبيض، على الكونغرس بمجلسَيه، أي السلطتَين التشريعية والتنفيذية، بعد فوزهم التاريخي الأوّل في انتخابات جورجيا الفرعيّة، أوّل من أمس، ليقودوا مجلساً منقسماً، تشبه حاله حال الولايات المتحدة، التي دخلت دوامة من الفوضى باتت تتهدَّد مصير «الديموقراطية». وهي نتيجة تمثّل هزيمة لترامب الذي أصبح أوّل رئيس أميركي، منذ عام 1932، يخسر الرئاسة، ويخسر حزبه مجلسَي الكونغرس بعد فترة ولاية واحدة.

مساعي الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، على مدى الشهرين الماضيين، إلى قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لمصلحته عبر إطلاق مزاعم تزوير، والصخب الذي رافق خسارته أمام بايدن، هي عوامل ألقت بثقلها على تأييده للمرشحَين الجمهوريين اللذين شارك شخصياً في حشد الدعم لهما، بعد توجّهه إلى الولاية يوم الاثنين الماضي. وعلى رغم محاولته استمالة الناخبين الذين صوّتوا بأعداد قياسية بالنسبة إلى انتخابات فرعيّة لعضوية مجلس الشيوخ، لم يتمكّن الرئيس الحالي من أحداث أيّ خرقٍ يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فيما مثّل أداء الديموقراطيين، في هذه الولاية الجنوبية المحافظة تقليدياً، إهانة قاسية لـ»الحزب الكبير». وجاءت هذه النتيجة لتؤكّد التحوّل الكبير الذي شهدته جورجيا والجنوب الأميركي الأوسع.

وبحصول النصر المزدوج، خسر الجمهوريون كل أوراق قوتهم بعد أربع سنوات أحكموا فيها سلطتهم على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، فيما ضمن الديموقراطيون السيطرة على المجلس بعد فوز جون أوسوف بالمقعد الثاني في ولاية جورجيا متغلّباً على الجمهوري ديفيد بردو. وضَمن هذا الفوز، بعد فوز الديموقراطي رافييل وارنوك بالمقعد الأوّل، والغالبية الديموقراطية في مجلس النواب، للرئيس المنتخب، جو بايدن، كلّ مستلزمات السلطة للمضيّ قدماً في برنامجه. ومن شأن هذا الفوز أن يشكّل مجلساً منقسماً، ولا سيّما أن الحزب الديموقراطي حصل على 50 مقعداً في مجلس الشيوخ، وهو العدد نفسه الذي حصل عليه الجمهوريون. لكن، وكما ينص الدستور الأميركي، سيكون لنائبة الرئيس المستقبليّة، كامالا هاريس، سلطة تحديد الأصوات، أي ترجيح كفة الميزان إلى الجانب الديموقراطي. ونجح هؤلاء، المدفوعون بفوز جو بايدن في الولاية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو الأوّل منذ عام 1992، في حشد ناخبيهم، وخصوصاً الأميركيين من أصل أفريقي، والذين يعتبرون مفتاح أيّ نصر ديموقراطي. وتعليقاً على النتيجة، أشاد بايدن بفوز حزبه بالغالبية في مجلس الشيوخ، واعتبر ذلك مؤشراً إلى رغبة الأميركيين في المضيّ قدماً، داعياً إلى التعاون بين الحزبَين الديموقراطي والجمهوري. وقال بايدن، في بيان هنأ فيه المرشحَين الديموقراطيين على فوزهما بمقعدَي ولاية جورجيا في مجلس الشيوخ، «حان الوقت لطيّ الصفحة. يطالب الشعب الأميركي بالتحرّك ويرغب في الوحدة. أنا متفائل أكثر من أيّ وقت مضى أن في إمكاننا تحقيق الأمرين».

——————————-

شرطة الكابيتول رفضت عرضين للمساعدة رغم توالي التحذيرات من اندلاع أعمال شغب

كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، الجمعة، أن شرطة مبنى الكونغرس (الكابيتول)، رفضت عرضين للمساعدة قدمهما كل من الحرس الوطني، ووزارة العدل، وذلك أثناء اقتحام المبنى من قبل متظاهرين مناصرين للرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

وأوضح تقرير الوكالة أن شرطة الكابيتول رفضت عرضا للمساعدة قدمه الحرس الوطني قبل ثلاثة أيام من الواقعة، كما رفضت الشرطة أيضا عرض وزارة العدل بدفع عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بالتزامن مع الاقتحام، الأربعاء.

وقال التقرير إنه على الرغم من توالي العديد من التحذيرات من احتمالية اندلاع تمرد، وبغض النظر عن وفرة الإمكانيات والوقت اللازم للتجهيز، فإن شرطة الكابيتول وضعت خطة تأمين خاصة بمظاهرة تعبيرية فقط.

وأكد التقرير أن ما حدث من اقتحام للكونغرس ومقتل أربعة متظاهرين، بما في ذلك امرأة بطلق ناري داخل المبنى، ومقتل شرطي، الخميس، بعد إصابته يوم الاقتحام، كانت نتيجة عدم التحضير المناسب ورفض عروض الجهات الأمنية من قبل شرطة الكابيتول.

ووصف رئيس شرطة هيوستن، آرت أسيفيدو، والتي استجابت إدارته للعديد من الاحتجاجات الكبيرة العام الماضي بعد وفاة جورج فلويد- الواقعة بأنها “فشل في القيادة.. يجب أن تعمل شرطة الكابيتول بشكل أفضل ولا أرى كيف يمكننا التغلب على ذلك”.

وقال وزير الجيش الأميركي، رايان مكارثي، بأنه تبين أن شرطة الكابيتول قد اجتيحت بشكل واضح، مع اندلاع أعمال الشغب، وهذا يعود في رأيه إلى عدم وجود تخطيط للطوارئ تم وضعه مسبقا لمواجهة مثل هذا السيناريو.

وقال مكارثي “كان عليهم (شرطة الكابيتول) أن يسألونا، جيب أن يصل الطلب (المساعدة) إلينا”.

وأفادت وسائل إعلام أميركية، الخميس، بأن مدير شرطة الكابيتول ،ستيفن صند، قرر الاستقالة من منصبه على خلفية اقتحام موالين لترامب مبنى الكونغرس، وطريقة تعامل الشرطة مع العملية.

كما أضحت وزيرة التعليم الأميركية، بيتسي ديفوس، ثاني عضو يُعلن استقالته من إدارة ترامب، بعد الاقتحام.

من ناحية أخرى، دعت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تنحية ترامب، معتبرةً إياه شخصاً خطيراً للغاية وينبغي أن لا يستمرّ في منصبه”.

لكن، دعا مشرعون أميركيون أعضاء إدارة ترامب ومسؤولي البيت الأبيض إلى البقاء في مناصبهم لضمان نهاية مستقرّة للولاية الرئاسيّة.

الحرة

——————————

صحيفة: ترامب رفض الاعتذار عن اقتحام الكابيتول واتهم بنس بـ”طعنه في ظهره”

نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مصادر مطلعة أن عددا كبار من المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد ناقشوا مسألة تفعيل التعديل الخامس والعشرين الذي يتيح للحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس عزل الرئيس وإبعاده وعن مهامه.

وقالت الصحيفة إن تلك النقاشات قد جرت بشكل غير رسمي وأن لا يوجد مؤشر على خطة فورية لتنفيذ الأمر، وأن الغاية من تلك النقاش منع ترامب من القيام بأي تصرفات أخرى غير مقبولة على غرار ما حدث من سكوت على اقتحام لمبنى الكابيتول والذي أثار أزمة غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة.

وبحسب بعض مستشاريه فإن ترامب بقي لوقت طويل يدافع عن سلوك أنصاره وأعمال الشغب التي قاموا بها، قائلا: “ظل “الغالبية العظمى منهم سلميون. ماذا عن أعمال الشغب التي وقعت هذا الصيف؟ ماذا عن الطرف الآخر؟ لم يهتم أحد عندما قاموا بأعمال شغب. أنصاري مسالمون وليسوا بلطجية”.

استياء كبير

ونقلت الصحيفة عن مساعدين لترامب، دون أن يكشفوا عن هويتهم، أنهم شعروا باستياء شديد وغضب جراء الأحداث التي جرت في مبنى الكابيتول.

ووصف أحدهم سلوك ترامب في التعامل الأزمة الأخيرة بكلمات قاسية، إذ أن ترامب رفض لمدة 24 ساعة إدانة تصرفات أنصاره الذين اقتحموا مبنى الكونغرس، قبل أن يظهر في تسجيل مصور يدين فيه ما حدث ويتوعد بمحاسبة المعتدين.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية للصحيفة إن “ترامب كان في حالة مزاجية سيئة واتخذ موقفا دفاعيا وكان الجميع يدركون أن ارتكب خطأ فادحا”.

وقبل بث الكلمة المصورة لترامب، كان بعض موظفي البيت الأبيض قد حاولوا إقناع رئيسهم بالإدلاء بتصريحات لقناة “فوكس نيوز”، بيد أنه رفض ذلك الاقتراح.

وذكرت مصادر مقربة من ترامب إن ترامب قد أشار في كلمته إلى مزاعم تزوير الانتخابات رغم أن مساعديه طلبوا منه عدم الحديث عن هذا الأمر.

وأوضح أحدهم أن فكرة تعرض لمعامله بشكل غير عادل كانت مسيطرة بشكل كبير أعجزته عن رؤية الأوضاع كلها بشكل واضح.

“طعنني في ظهري”

وأشار ذلك المسؤول إلى أن ترامب كان غاضبا جدا من نابئه، مايك بنس، مشيرا إلى أنه كان “منزعجا للغاية من “خيانته” وكان يردد طول الوقت لقد صنعت ذلك الرجل وأنقذته من موت سياسي وفي النهاية طعنني في ظهري”.

وبحسب الصحيفة فإن ترامب كان قد رضخ لفكرة إدانة ما حدث في الكابتيول بعد أن رأى أن الكثير من المقربين له قد تخلوا عنه وهاجموه بشدة مثل ما فعل زعيم الأغلبية الجمهورية مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل والسيناتور الجمهوري البارز، ليندسي غراهام.

مايك بنس وماكونيل يرفضان اوامر ترامب ويصدقان على نتائج الانتخابات

ووفقا لمصادر الصحيفة فإن ماكونيل أبلغ بعض المقربين منه أنه لا ينوي الاتصال بترامب مرة أخرى، فيما قال غراهام:”، يحتاج الرئيس إلى فهم أن أفعاله كانت هي المشكلة وليست الحل”.

أما كبير موظفي البيت الأبيض السابق، جون كيلي، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ صرح لشبكة “سي إن إن” أن ما حدث في مبنى الكابيتول “كان نتيجة مباشرة لتسميم يرامب عقول الناس بالأكاذيب”.

وحث مجلس الوزراء على الاجتماع لمناقشة الاحتجاج بالتعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي لعزل ترامب من منصبه.، وهو نفس الأمر الذ دعا إليه العشرات من المشرعين الديمقراطيين في الكونغرس، وهو ما وافق عليه النائب الجمهوري ، وكذلك النائب آدم كينزينجر، وحاكم ولاية ماريلاند، لاري هوغان.

الحرة / ترجمات – دبي

——————————–

حلفاؤه تخلوا عنه والاتهامات انهالت عليه وعاجز عن التغريد.. كواليس الساعات العصيبة التي عاشها ترامب

وصف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في وقت متأخر من يوم الخميس 7 يناير/كانون الثاني، اقتحامَ حشدٍ من أنصاره لمبنى الكابيتول بأنه “هجوم شنيع”، وقال إنه سيترك منصبه بسلام في 20 يناير/كانون الثاني، وذلك بعد أن واجه انتقادات حادة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لرد فعله المتهاون مع أعمال الشغب وتصاعد الضغوط من أجل إقالته.

هذه التطورات التي شهدتها واشنطن، خاصة التحول الكبير في موقف ترامب، سلطت الضوء على كواليس اللحظات التي عاشها الرئيس في ظل هذه الضغوط الكبيرة التي انهالت عليه.

بحسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، فإن مقطع الفيديو الذي نُشر على موقع تويتر بعد الساعة 7 مساءً بقليل، جاء بعد ضغوط من مستشاريه بضرورة إبداء ردٍّ أشد قوة على أعمال الشغب التي وقعت في مبنى الكابيتول، والتي خلفت أربعة قتلى.

دونالد ترامب في حالة غضب وعزلة

كان عدد من أقرب مستشاري الرئيس قد أدانوا علناً رد فعله المتقاعس على العنف الذي وقع، وحذر مستشار البيت الأبيض الرئيسَ من أنه يخاطر بالتعرض للمساءلة القانونية عن أعمال الشغب التي امتنع عن إدانتها على نحو واضح، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على المحادثة بينهما.

قبل ذلك، كان ترامب قد أمضى يومه في البيت الأبيض في انقطاعٍ إجباري عن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت يوماً داعمه الأساسي في الوصول إلى السلطة، وأشار مستشارون إلى أنه أمضى يومه في عزلة وغضب متصاعدين، وذلك بعد أن أُغلق حسابه على موقع تويتر لفترة، وحظر موقع فيسبوك صفحته، مستندين إلى منشورات اعتبروها تحرّض على العنف أو تنطوي على محاولات تقويض للعملية الانتخابية.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت مصادر إلى أن أعضاء في الدائرة المقربة لترامب، منهم رئيس موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز وكبير المستشارين ستيفن ميللر والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني ومحامي البيت الأبيض بات سيبولوني وابنة ترامب إيفانكا، كل هؤلاء حثّوه على إصدار بيان آخر يوم الخميس؛ لأن الناس -بحسبهم- في حاجة إلى السماع مباشرة من الرئيس.

فيما قال مساعدون لترامب إن دائرته المقربة نصحته بأنه من المهم ثني المؤيدين عن المشاركة في أي أعمال شغب عنيفة باسمه، خاصةً مع اقتراب يوم التنصيب.

في لحظات الأزمات الماضية، غالباً ما كان يقضي ترامب يومه بالساعات على الهاتف، ويتصل بالعشرات من أصدقائه ومستشاريه للحصول على ما يريده. لكن هذا لم يكن الحال يومي الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني والخميس 7 يناير/كانون الثاني.

كما أكد مساعدو ترامب أن العديد من أقرب مستشاري الرئيس أدانوا علانيةً رده المتهاون على أعمال الشغب. كما أنه رفض تلقي مكالمات من مستشارين له، منهم حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستس، الذي قال إنه أمضى 25 دقيقة يوم الأربعاء في محاولةٍ للوصول إلى الرئيس لحثِّه على الدعوة صراحةً لوقف العنف.

علاوةً على ذلك، قال مستشارون إن ترامب لا يزال مستغرقاً في غضبه حيال نائبه مايك بنس، بشأن ما اعتبره خيانة لرفض الأخير محاولة منع تصديق الكونغرس على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن في الانتخابات.

في الوقت ذاته ابتعد كثير من مسؤولي البيت الأبيض عن مكتب ترامب يوم الخميس، راغبين في تجنب الرئيس الذي وصفه أحد المستشارين بأنه “في عزلة مظلمة”، وقال مستشارون إن ترامب يبدو أكثر انشغالاً بخسارته في الانتخابات من ندمه على أعمال الشغب التي وقعت.

فيما قال مستشار آخر تحدث إلى الرئيس مؤخراً: “إن الأمر أشبه برؤية شخص ما وهو يدمر نفسه أمام عينيك، لكنك عاجز عن فعل أي شيء له”.

المسؤولون يتخلون عن ترامب

على الجانب الآخر، انزعج عديد من مساعدي ترامب من هجماته الحادة على نائبه بنس، أحد أشد حلفائه ولاءً، فيما أشاد بعض مستشاري الرئيس الآخرين بموقف بنس، لاتباعه الدستور رغم ضغوط ترامب لإلغاء نتيجة الانتخابات.

وقال مقربون إن الدائرة المقربة من ترامب تقلصت لتصبح أصغر من أي وقت مضى، خاصة بعد أن بلغ الأمر ببعض أقوى المدافعين عنه حدَّ إعلان النأي عنه، وعلى رأسهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي أعلنها في قاعة مجلس الشيوخ يوم الأربعاء: “اعتبرني منسحباً [من تأييد هذا الموقف]. لقد طفح الكيل”. ووصف أحد المستشارين سلوك الرئيس بأنه غير منتظم على نحو متزايد ولا يمكن التنبؤ به.

كما تبدت ملامح هذا الانفضاض عن الرئيس مع إعلان وزيرة النقل إيلين تشاو استقالتها من الحكومة يوم الخميس، وما تبعها من استقالة وزيرة التعليم بيتسي ديفوس مساء الخميس، والتي قالت في رسالة إلى ترامب إنه “لا يمكن لأحد أن يخطئ في أنه كان ثمة تأثير لخطابك” في أحداث يوم الأربعاء. كما استقال ما لا يقل عن خمسة مسؤولين آخرين في الإدارة، وفكر آخرون، منهم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، في القيام بذلك، على حد قول مساعدين.

في المقابل، كافح مساعدو ترامب لإقناعه بضرورة إدانة العنف الذي وقع في الكابيتول، وقال أشخاص مطلعون على المحادثات إن مستشاري الرئيس، ومنهم نائبه، شعروا بالفزع بسبب إحجامه عن القيام بذلك.

غموض حول الأيام المتبقية لترامب في الرئاسة

لا يزال من غير الواضح كيف ستبدو الأيام الثلاثة عشر المتبقية من رئاسة ترامب، لا سيما مع إشارة عديد من المسؤولين إلى صعوبة إبقاء تركيز انتباه ترامب على الأمور السياسية والأوامر التنفيذية المفترض توقيعها.

وفي ظل هيمنة نقاشات العفو على مسؤولي الإدارة في الأسابيع الأخيرة، قالت مصادر إن ترامب أبلغ مستشاريه مؤخراً بأنه يفكر في إصدار عفو عن نفسه قبل مغادرة المنصب، وإن كان ثمة شكوك قانونية تحيط بذلك الأمر. وكانت صحيفة The New York Times أول من أشار إلى التفات ترامب إلى هذا الأمر.
أيقونة الموقع

لكن، وفي حين قالت وزارة العدل في مذكرة قانونية تعود إلى عام 1974 إن الرئيس لا يمكنه العفو عن نفسه بموجب المبدأ القانوني القائل: “لا يجوز لأي شخص أن يكون قاضياً في قضيته”، فإن بعض العلماء القانونيين يختلفون مع هذا الرأي، علاوةً على أن ترامب قال في عام 2018 إن لديه “الحق المطلق” في العفو عن نفسه، قبل أن يضيف: “لكن لماذا أفعل ذلك، وأنا لم أرتكب أي شيء خاطئ؟”.

———————————–

=======================

تحديث 09 كانون الثاني 2020

———————-

مجنونٌ أم ممثلٌ لأحد وجوه أمريكا/ نهلة الشهال

كانت مشاهدَ مذهلة! مسليةً و”ممتعة”، مثل فيلم سينمائي يذّكر بأفلام الكاوبوي، على الرغم من تسبب ما جرى بمقتل أربعة أشخاص. الشرطةُ المولجة بحراسة مبنى الكابيتول تفرُّ أمام جموع هائجة. سجّل الجميع في أنحاء العالم، وكذلك الصحف الأمريكية الكبرى، قلة عدد أفراد الشرطة، “الملفت للنظر” كما يقال بتهذيب موحي بإن هذا الضعف الشديد في الحراسة – وهو غير معتاد حتى في جلسات عادية للكونغرس – كان مقصوداً. ولم يتحرك “الحرس الوطني” إلا بعد ساعات، مع أنه يرسَل هو والشرطة الفيدرالية إلى مقاطعات أخرى ما إن تحدث فيها مظاهراتٌ حاشدة.. ومع أن ما جرى كان متوقعاً، بل دعا إليه صراحة الرئيس الأمريكي قبل سويعات من وقوعه، في مهرجان حاشد بالقرب من مقر الكونغرس، وقال لهم “اذهبوا لحث أعضاء الكونغرس على احتساب الأصوات بشكل صحيح”. ثم سمّى من اقتحموه بـ”الوطنيين”، وقال لهم “أحبكم”، قبل أن يدعوهم للعودة إلى البيت، مع استمراره على التأكيد على أنه الفائزُ، وأن هناك تزويراً، وقال لهم أيضاً “لا تستسلموا أبداً”.. وهو ما كتبه أنصاره على ورقة تُركت على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

هل المظهرُ “الهمجي” لبعض هؤلاء الأنصار، ملابسهم – وقد ارتدى بعضهم فراء حيوانات فوق صدور عارية، ووضعوا على رؤوسهم قرونها، في تبنٍ للبدائية والوحشية – الألوان المرسومة على وجوههم وأجسادهم، تلويحهم بأذناب الجواميس المقطوعة، السلاح الذي تباهوا بحيازتهم له داخل أروقة الكونغرس، ارتداء بعضهم لبزات عسكرية (وقد عُرِفّوا بأنهم من جماعة “برايد بويز”)، وضع أرجلهم بالأحذية الضخمة فوق المكاتب الخ.. هل ذلك كلُّه مجرد تمثيل؟ هل صفاقةُ ترامب، التي تتجاوز الخيال، صفةٌ شخصية؟ حتى نائبه، مايكل بنس، حتى نتنياهو، صُدموا ! فالمخاطرة التي أقدم عليها الرئيس كبيرةٌ، وها حساباته على تويتر وفيسبوك عُلّقت، وها النقاشات دارت وتدور حول عزله، أو تنحيته بسبب “عدم الأهلية الصحية” (المادة 25 من الدستور الأمريكي، وهي التي يمكن الاعتداد بها)، قبيل بضعة أيام من انتهاء ولايته، وبعد أن صادقَ الكونغرس – الذي عاد لاستئناف انعقاده – على صحة انتخاب بايدن. لماذا؟ كعقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كما يقال همساً، كالإقدام مثلاً على إشعال الحرب مع إيران في الأيام الأخيرة من ولايته، وهذا بحسب صحف أمريكية كبرى. وهذه اعتبرت السادس من كانون الثاني 2021 “أحد الأيام الأكثر قتامةً في تاريخ الولايات المتحدة (واشنطن بوست)، بينما قالت نيويورك تايمز “هو من حرّض أتباعه ويجب عزله”.

المدهشُ كذلك في ما جرى هو ميوعة الطرف المقابل. أوباما وآل كلينتون صامتون لساعات، بايدن يدعو ترامب للظهور على التلفزيون و”ضب” جماعته، وتؤيده في ذلك نائبته، من دون إبداء أي غضب أو تشنج. والجميع يشدد على ضرورة الحفاظ على الديمقراطية ورموزها، والجميع يتمنى استعادة قاعدة التوازن بين الحزبين الكبيرين، التي تحكم السياسة والسلطة في الولايات المتحدة. لعل الديمقراطيين خافوا من النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة، والتي يمكن أن تفتح الباب لفوضى وما سُمّيَ “حرباً أهلية”، وتطيح بالتالي بمكانتهم، وتغيّر تماماً قوانين اللعبة. لعل ذلك يفسر أيضاً ميوعة الإجراءات التي أعقبت الحدث، إذ يقال إنه بعد ظاهرة عدم مقاومة الاقتحام وعدم حماية الكابيتول، فلا توقيفات، ولا محاسبات، وقد كنا أمام فاعلين من الذكور البيض. أي ممن يحوزون شرعية الانتماء إلى أمريكا.

يعني حُلّت عشائرياً!

المؤكدُ أن هذا الذي جرى، بكل تفاصيله، يعبّر عن واقع قائم في البلاد: مصالح كبرى متقاسمة بين الكتل السياسية بغض النظر عن توزعها على الحزبين، وانشطار عنيف بين المدن الكبرى، والتي لديها بالمقابل مشكلاتها العويصة، وعلى رأسها المسألة العنصرية، والتمييز ضد السود واضطهادهم، والأرياف والمناطق الداخلية، التي تعيش إيقاعاً مختلفاً، وتخشى ببلاهة غزوة “اليساريين”! وهذا كله أحد جوانب الموقف. فعسى ما جرى يحفّز على تفحص أمريكا كما أصبحت، وكما هي الآن.

لقد ولد زعيمٌ سياسي في هذا اليوم، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات. فترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة على الرغم من كل محاولاته، والأرجح أنه في هذا اليوم، وهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها، ولمفاهيمَ تمثّلها، وهو سيسعى من خلالها إلى العودة إلى الرئاسة في الانتخابات القادمة.

السفير العربي

——————————

إرهابي في «البيت الأبيض»؟

رأي القدس

حسب عدد مجلة «نيوزويك» الصادر في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي فإن الجيش الأمريكي كان قد أصدر مذكرة حمراء قبل أسابيع من الحدث الأخير، تحسبا من طلب دعم الجيش الأمريكي لإعادة السلم الأهلي خلال فترة التنصيب وانتقال السلطة، وأن قيادة الجيش اتخذت هذا القرار من دون التشاور مع ساكن «البيت الأبيض»، وأن قيادة القوات المسلحة الأمريكية كانت متأهبة لاحتمال ارتكاب ترامب أزمة، عبر تحريض الميليشيات الخاصة شبه المسلحة المؤيدة له لتخريب عملية انتقال السلطة ولإثارة العنف في العاصمة.

من المفيد التذكير، أنه حتى قبل استلامه للسلطة، فإن ترامب كان قد هدد عدة مرات باستخدام القاعدة الجماهيرية المؤيدة له، وضمنهم ميليشيات مسلحة، وتنظيمات يمينية متطرفة، في حال أن نتائج الاقتراع لم تؤد إلى نجاحه وإسقاط هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية للرئاسة آنذاك.

رغم أن مؤيدي ترامب نفذوا سيناريو «منقحا» للعملية التي كان الجيش الأمريكي متأهبا للتصرف تجاهها، لكن مفاعيل الاجتياح الذي تعرّض له الكابيتول (المبنى الذي يقع فيه مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان)، كانت هائلة، على الصعيدين الأمريكي والعالمي، وكان من تداعياته دعوة كثير من السياسيين والكتاب والإعلاميين والناشطين لعزل ترامب، بعد تسببه بتلك العاصفة السياسية – الأمنية غير المسبوقة.

في شرحه لضرورة عزل ترامب، كتب المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور، تغريدة على موقع «تويتر»، قال إن الرئيس المنتهية ولايته خلال أقل من أسبوعين، هو التهديد الأول للأمن الوطني الأمريكي، كونه خطط، وهيّج، وحرّض، ونظّم هجوما إرهابيا على الكابيتول، مما أدى لمقتل أشخاص، ولارتكاب الآلاف من المهاجمين لجريمة».

اختار كثيرون، بينهم سياسيون وإعلاميون، تعبيرات مخفّفة تراوحت بين أوصاف «المرض العقلي»، و»الجريمة السياسية»، وقام وزراء وموظفون كبار ضمن إدارته بالاستقالة، وبدا الرئيس الأمريكي، لأول مرة في تاريخه السياسي، مضطرا للتراجع، والإقرار أخيرا بهزيمته أمام بايدن، بل إنه هاجم أيضا الأشخاص الذين قام بتحريضهم، واعتبره ما حصل «هجوما مقيتا».

أشار بعض الناشطين في حركة «حياة السود مهمة» إلى ما اعتبروه انحياز الأجهزة الأمنية لصالح المتظاهرين المؤيدين لترامب، وهو ما يفسّر دخولهم بسهولة إلى مقرات الكونغرس، وذكروا بالقرارات الصارمة التي اتخذها ترامب ضد مناصري الحركة المناهضة للعنصرية، وتساءل بعضهم ما الذي كان سيحصل لو أنهم هم من قاموا باجتياح الكونغرس.

توصيف بعض المعل

——————————–

ترامب وأدوات الديكتاتور العربي/ غالية العلواني

الواقع أن وصف ترامب الدائم لرأي كل من يعارضه، بعبارة “أخبار كاذبة”، سيبقى إلى الأبد في ذاكرة المنتمين إلى المجتمعات المعرفية، الذين شعروا للمرة الأولى في الولايات المتحدة بالإحباط والهزيمة والتجاهل التام خلال فترة توليه منصبه.

اقتحم حشد من مؤيدي ترامب مبنى الكابيتول خلال جلسة احتفالية لفرز أصوات المجمع الانتخابي والمصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن. كانت هذه الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة بأكمله، لكن الذين يعيشون في العالم العربي شعروا بأنها شديدة الشبه بما يحدث في أوطانهم.

سرعان ما انتشرت النكات والمقارنات على منصات التواصل الاجتماعي. وفي لبنان، تبادل الناس الدعابات حول أوجه التشابه بين أنصار ترامب وحشود “حزب الله” في الشوارع -ومؤيدي الجماعات الشبيهة في البلدان المجاورة- الذين غالباً ما يتسببون في الفوضى ويعرقلون الديموقراطية، وشعروا بأنهم في هذه اللحظة يتشاركون الإحساس ذاته بالعجز مع المواطنين الأميركيين. لكن خطاب الكراهية هذا وتأثيره في الجماهير، أمر غير جديد على الشرق الأوسط.

في الحقيقة، كانت تصرفات ترامب طوال فترة ولايته تشبه كثيراً تصرفات أيّ ديكتاتور عربي، وكانت الولايات المتحدة خلال سنوات حكمه الأربع تشبه نوعاً ما الأنظمة الاستبدادية التي نعرفها جيداً، ربما باستثناء الميزانية الأعلى بكثير.

حينما شاهدت العنف، والغضب الذي يحرك هذه الحشود المتوجهة إلى مبنى الكابيتول الشهير لاقتحامه، لم يسعني سوى استحضار كلمات علاء الأسواني في كتابه “متلازمة الديكتاتورية”، الذي وضع فيه قائمة تحدد سمات الديكتاتور العربي، جاعلاً الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك محور دراسته، إلى جانب أمثلة أخرى لبعض الاستبداديين سيئي السمعة من العالمين العربي والغربي. عندما تصفحت الكتاب مرة أخرى، وجدت أن جميع الصفات المذكورة في قائمة سمات الدكتاتور تنطبق على ترامب.

نظرية المؤامرة

كتب علاء الأسواني، “حقق كافة الاستبداديين، دون استثناء، الذين وصلوا إلى السلطة خلال العصر الحديث نجاحاً باهراً من فكرة نظرية المؤامرة”. ووفقاً للأسواني، يستغل الديكتاتور نظرية المؤامرة لحصد الكثير من المزايا، وسنوضح في ما يلي الوسائل التي يستخدمها لتحقيق ذلك والتي ذكرها الأسواني في كتابه.

أولاً، يتم تشويه صورة أيّ معارضٍ للزعيم، مع اعتباره خائناً للوطن، وهو ما يجعل من اليسير التحريض على كراهيته من دون قيد أو شرط. يأتي هذا بالتزامن مع أداة خطيرة، تتمثل في بث الخوف في النفوس، لأن الذين يصدقون تلك التهم يخافون بالفعل من أن تؤتي هذه المؤامرة ثمارها وتنتصر عليهم، ومن أن تتضرر حياتهم بشدة.

يوضح الأسواني ذلك كاتباً، “سوف تستاء الجماهير -المسحورة بشخصية زعيمها والتي تؤمن بنظرية المؤامرة- من أفراد المعارضة أولئك، وسوف تحتقرهم بل وحتى ستقتلهم إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لأن المعارضة من وجهة نظرهم تتشكل من حفنة من الخونة والعملاء الذين يتآمرون على الأمة”.

من السهل تطبيق ذلك على الوضع في الولايات المتحدة: فقد حرض ترامب أتباعه على الديموقراطيين مراراً وتكراراً، ولجأ إلى الأيديولوجيا لجعل من يؤيدونه يصدقون حقاً أن من لا يتفق معهم في الرأي يريد أن يلحق ضرراً جسيماً بالوطن.

ثانياً، تكمن قوة نظرية المؤامرة في أنها تعفي الديكتاتور من أيّة مسؤولية عن جرائمه. فعندما يرتكب الديكتاتور أيّ خطأ، سوف يحيل السبب في هذا الفشل إلى تلك المؤامرة الكبرى، بغض النظر عن طبيعتها، وسوف “تتشبث الجماهير أكثر به، لأنه وحده القادر على مواجهة أولئك المتآمرين”.

أفضل مثال على قيام ترامب بذلك هو طريقة تعامله مع أزمة “كورونا”، فقد خُلد فشله الذريع في محاربة الوباء: بدايةً من ثقته المفرطة التي لم تكن في محلها، إلى قمعه آراء خبراء الصحة وهوسه بالاقتصاد على حساب صحة مواطنيه. لكنه على رغم ذلك، أعفى نفسه كلياً من أيّ مسؤولية عندما صار من الجلي للغاية أن الولايات المتحدة تمر بأزمة صحية كبيرة. بل في المقابل اتهم الحكومة الصينية ومنظمة الصحة العالمية وكذلك الديموقراطيين “بالمبالغة في خطورة الفايروس”. وكانت فكرة تحويل الحوار إلى حظر السفر مع الصين فعالة بوجه خاص، فقد أبعدت الأنظار عن طريقة إدارته بالغة السوء للوضع وجعلتها تتمحور بدلاً من ذلك حول قراره “الشجاع” الذي سيجعل أميركا آمنة من “خطر” الأجانب. ووصف أيّ شيء ينطوي على توجيه أيّ نقد له بالمؤامرة التي يحيكها من يعتزمون إلحاق الضرر بالأمة، وكانت تلك هي طريقة تعامله مع الوضع خلال التصريحات التي أدلى بها بعد ذلك.

ثالثاً، قد تكون نظرية المؤامرة بالغة الخطورة إذا ما قُدمت ضمن هذا السياق، وهي أن تصبح ذريعة لتأجيل إرساء قواعد الديموقراطية في سبيل “الحماية” من حدوث ضرر محدق. أوضح الأسواني ذلك قائلاً، “عادةً ما يتحدث الديكتاتور بإسهاب حول الظروف التي تمر بها بلاده وكأن الظروف هي التي تعوق تحقيق الديموقراطية في الوقت الراهن”.

في الفترة التي أفضت إلى وقوع أحداث اقتحام مقر الكونغرس الأميركي، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن مكالمة هاتفية استمرت ساعة، تحدث خلالها ترامب مع سكرتير ولاية جورجيا، وطلب منه مرات عدة إعادة إحصاء الأصوات، وأصرّ على وجود 11780 صوتاً مفقوداً. وعلى رغم أنه غني عن البيان أن جو بايدن انتخب من دون تحيّز ومن خلال المسار الديموقراطي، رئيساً للولايات المتحدة، فقد أصبحت نظرية المؤامرة التي يتبناها ترامب حول “الأصوات المفقودة” بالغة الأهمية ومثيرة للفوضى إلى الحد الذي جعل أتباعه يتنصلون من “الديموقراطية”، و”يثورون” تكريماً له.

فقد بدا ذلك جلياً في ما قاله ترامب لِسكرتير الولاية، مشدداً باستمرار على حدوث مؤامرة، “من المستحيل أن أكون قد خسرت الأصوات في جورجيا، لا يمكن أن يحدث ذلك بأي حال. فقد فزنا بفارق مئات الآلاف من الأصوات”.

فضلاً عما قاله ترامب في إحدى تغريداته يوم اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس الأميركي، “الولايات تريد إعادة التصويت، لقد اكتشفوا أنهم صوتوا بناءً على احتيال وتزوير، والمجالس التشريعية لم توافق أبداً. دعوهم يصوتون مجدداً. كونوا أقوياء!”.

الاضطراب الفكري

يقول الأسواني في كتابه، “عندما يصل الديكتاتور إلى السلطة، يعزل المفكرين والمثقفين من واجبهم الطبيعي في تنوير العقول وتوفير الزخم اللازم للنشاط الفكري”. مضيفاً أنه “في المجتمع الاستبدادي، لا مجال لأي فكر جاد مستقل، وذلك لأن النشاط الفكري لا يؤتي ثماره إلا في المجتمع الحر”.

الواقع أن وصف ترامب الدائم لرأي كل من يعارضه، بعبارة “أخبار كاذبة”، سيبقى إلى الأبد في ذاكرة المنتمين إلى المجتمعات المعرفية، الذين شعروا للمرة الأولى في الولايات المتحدة بالإحباط والهزيمة والتجاهل التام خلال فترة توليه منصبه. فقد شن حرباً ضد الصحافيين، وشبه كل من يعارضه بأنه عدو؛ فقد أصبح المفكرون خونة يتعين كرههم لا تصديقهم. وقد فعل الشيء نفسه مع خبراء الصحة أثناء أزمة جائحة “كورونا”، وتلاعب بالحقائق العلمية وتجنب الاستماع إلى أي شخص يتمتع بأي خبرة في هذا المجال.

“عندما يصل الديكتاتور إلى السلطة، يعزل المفكرين والمثقفين من واجبهم الطبيعي في تنوير العقول وتوفير الزخم اللازم للنشاط الفكري”.

وراهناً كانت لجنة فرعية معنية بفايروس “كورونا” تابعة لمجلس النواب الأميركي أصدرت تقريراً يوثق تعرض العلماء للتجاهل أو تعديل مقترحاتهم لما يصل إلى 47 مرة. فضلاً عن أن ترامب هدد بأنه إذا أُعيد انتخابه فإنه سيُقيل الدكتور أنتوني فاوتشي، الذي يرأس المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية منذ عام 1984، وكثيراً ما كان يُعتبر صوت العقل والمنطق الوحيد خلال الجائحة في الولايات المتحدة (بعد الكثير من المناسبات التي شكك فيها ترامب في آراء فاوتشي على نحو خطير في ذروة الأزمة).

الواقع أن المفكرين لا مكان لهم في الأنظمة الاستبدادية، نظراً إلى أنهم قد ينفرون الجماهير بعيداً من دكتاتورِهم المخادع، ويوجهونهم نحو العقل، وهو ما يعتبر العدو المطلق في ظل أي نظام ديكتاتوري مُسيطر. إذ يعتمد الديكتاتور “الناجح” في حكمه على المشاعر لا المنطق.

يقول الأسواني، “إن الديكتاتور لا يخاطب أبداً العقل، بل يحاول التأثير في عواطف الجماهير الذين يذعنون تماماً لمشاعرهم، ولا يُعملون تفكيرهم، بل يتعاطفون مع الديكتاتور… وهذا يُعد شكلاً من أشكال التنويم المغناطيسي الجماعي”.

الديكتاتورية والإرهاب

كان لخطاب ترامب الذي اتسم دائماً بالكراهية والعداء وتوجيه الاتهامات عواقب وخيمة؛ تماماً مثلما كان للأنظمة الاستبدادية العربية أو القوى المحتلة، عواقب وخيمة فيما يتعلق ببزوغ عصر جديد من الإرهاب. إذ إن الاستمرار في التلاعب بالجماهير للاعتقاد بأن كل من هم خارج دائرة مؤيدي الزعيم يريدون إلحاق الأذى بهم، وأنهم لا حول لهم ولا قوة من دونه، من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى شعور مُهلك بأنهم ضحايا، واتخاذ موقف دفاعي فتاك. إن تصوير ترامب الدؤوب للمعارضة بوصفها متطرفة وخطيرة “ويسعون للنيل منا”، هي أداة تستخدمها نفس المجموعات التي يزعم ترامب أنها إرهابية في هذه المنطقة.

يقول علاء الأسواني في كتابه، “إن الشعور بالدونية، والظلم الاجتماعي، والإحساس باليأس وفقدان الأمل في التقدم المهني، جميعها عوامل مُهيِئة للإرهاب…”، مضيفاً “أن الرغبة في الانتقام من هذا الإذلال الذي تتعرض له يُشكل عاملاً مهيئاً للإرهاب”.

كان من السهل للغاية أن تمر جميع سنوات الضرر الذي ألحقه بسلام، لكن إذا كان جيشه من الإرهابيين قد نشأ على مدى فترة ولايته فقط، ومن خلال محاكاة مجموعة أدوات الديكتاتور العربي، فلك أن تتخيل ما جناه الرجال الذين يسيطرون على الحكم في الشرق الأوسط على مدى العقود الماضية. لقد تعلمنا من قصة ترامب مدى فعالية هذه الأساليب، ولكن السّؤال الذي لا زال مطروحاً الآن هو: كيف لنا أن نبدأ قلب الموازين؟

——————————-

عن هشاشة الديمقراطية/ محمد أبو الغيط

في الخطاب المقتضب الذي ألقاه الرئيس الأميركي المنتخب، بايدن، بالتزامن مع أحداث اقتحام الكونغرس، قال إن ما حدث “تذكير مؤلم بأن الديمقراطية هشّة”. وهو طرح ليس جديدا، لكنه يحمل دلالة مهمة، حين يأتي من صاحب لقب “قائد العالم الحر”. .. ولكن بايدن ذكر أن الحفاظ على الديمقراطية يتطلب “قادةً يعملون للصالح العام، وليس للسلطة والمصالح الشخصية”، أي أنه اكتفى بتحميل المسؤولية للعوامل الشخصية للنخب، وعلى الرغم من أنه عنصر بالغ الأهمية، لكنه لا يكفي وحده.

من المفيد هنا التذكير بتجارب تاريخية معروفة، فقد كانت ألمانيا وإيطاليا مطلع القرن الماضي دولاً ديمقراطية، ترتفع بها نسب التعليم، إلا أن هذا لم يحمها من التحوّل إلى النازية والفاشية، وذلك باستخدام الآليات الديمقراطية نفسها في حالتها “الصندوقراطية”!

بعد مشاركة هتلر في محاولة انقلابية عسكرية فاشلة على “جمهورية فايمار”، تم سجنه وحظر حزبه، لكنه لاحقاً تمكّن من رفع حظر الحزب، بعدما أظهر للمسؤولين أنه اقتنع بالعمل عبر القنوات الشرعية. وعام 1924، حصل الحزب على 3% فقط من الأصوات، لكن الصورة تغيّرت بدرامية، مع تأزم الأوضاع الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى. وتصاعد الشعور الشعبي بالإذلال بسبب قيود الاستسلام، وتصاعد الانقسام في المجتمع الألماني بين شيوعيين وقوميين، وعموم الفوضى والإضرابات، وتزايد مخاوف البرجوازية، وعدم فاعلية البرلمان المفتّت بين الأحزاب. هكذا قفزت أصوات الحزب النازي إلى 37.4% في 1932، ليقود هتلر حكومة ائتلافية.

سرعان ما دبّر النازيون حادث إحراق مبنى البرلمان، وتم تحميل اللوم للشيوعيين، لتنطلق موجة عنفٍ على يد آلاف من المليشيا الشبابية للحزب. بعد تسلسل أحداثٍ أمكن لهتلر الحصول على تصويتٍ من أغلبية ثلثي البرلمان على ما يسمّى “قانون التمكين”، وينص على تفويض مجلس الوزراء بسلطات تشريعية أربع سنوات. تم ذلك تحت ضغط الرعب المعنوي والمادي على النواب، وكذلك تقديمه إغراءات، مثل التعهد لحزبٍ بحقوق أوسع للكنائس. لم يستغرق الأمر أشهراً حتى صدر قانون بحظر الأحزاب، ثم سلسلة قوانين جمعت كل السلطات بيد هتلر، وتم تأييد ذلك باستفتاء شعبي عام 1934.

في إيطاليا، حصل الحزب الفاشي في انتخابات 1919 على أقل من 2% من الأصوات. ولكن لظروف اقتصادية وسياسية شبيهة بالأزمة الألمانية، حدث صعود انتخابي سريع لمن يقدّم نفسه الرجل القوي الذي سيعيد إيطاليا “عظيمة مرة أخرى”، وإنْ لم يصل إلى الأغلبية.

عام 1922، أطلق موسوليني مسيرة “الزحف إلى روما”، أتى عشرات آلاف من أنصاره ذوي “القمصان السوداء” إلى العاصمة، يحملون تراثا من أعمال العنف والاغتيال والتفجير. رأت النخب والمؤسسات أنها أضعف من مقاومته، فضلا عن تقاطعات مصالح أو عداوات مشتركة، فتم تكليفه برئاسة الوزراء. وفي 1924، تمكّن موسوليني من تمرير قانون انتخابي جديد، يمنح ثلثي المقاعد للقائمة التي تحصل على النسبة الأكبر على ألا تقلّ عن ربع الأصوات، وهكذا نال حزبه السيطرة التامة على التشريع، وسرعان ما أصدر البرلمان قوانين بحل الأحزاب غير الفاشية، والنقابات، واستعادة عقوبة الإعدام، وغيرها.

استفادت الدول الغربية من تجاربها المؤلمة على الصعيد الإجرائي، حيث تم تسليح الديمقراطية بآلياتٍ أكثر حزماً، ومؤسساتٍ أكثر استقلالا واستقرارا، وهكذا أمكن سحق محاولات الرئيس ترامب العبثية، على الرغم من استلهامه مشاهد حشد الأنصار لحصار البرلمانيين وإرهابهم.

يحظر الدستور الأميركي أي تعديلات لا تهدف إلى مزيد من الحريات والحقوق. هذه أمور تم منع إخضاعها للتصويت أو الأغلبية. وفي المقابل، ما زالت جذور الأزمة الحالية بعيدة عن الحل، وجوهرها أسباب اقتصادية واجتماعية، أبرزها تصاعد أزمة اللامساواة العالمية، وغضب فئات عمالية ووسطى فقدت مكتسباتها.

ويظل الأمل بإصلاحات كبيرة قائما، ما دامت الديمقراطية توفر أدواتها، وعبرها يصعد جناح تقدّمي متسارع في الحزب الديمقراطي. ولكن هذا التنافس السلمي الحاد لن يتحقق إلا في ديمقراطية مستقرّة، تنشأ بعد التوافق على الدولة، وبالتوازي تنشأ المؤسسات الراسخة.

على الرغم من أن كل هذا النقاش يبدو بعيدا عن “خصوصيتنا” العربية، إلا أن من المفيد نشر الوعي به، أملاً في أن نذكره في مراحل انتقال ديمقراطي منشود.

العربي الجديد

——————————

وسائل التواصل تهزم ترامب/ بيار عقيقي

تغيّر العالم فعلاً في السنوات العشرين الأخيرة. حقاً لم يعد كما كان في مطلع عام 2000 مثلاً. وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد “جزءاً أساسياً” من الإعلام العالمي، بل أضحت الركيزة الأساسية فيه. وإذا كان التمثيل والتزلّف والتصنّع من سِمات التلفزيون والسينما والراديو والإعلام المكتوب، فإن المواقف الفجّة والصادمة وجدت نفسها في وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك، يبقى صداها أقوى من تحقيق تلفزيوني. أن ترى موظفاً يسرق مال الدولة على فيديو متداول في وسائل التواصل الاجتماعي مدة 30 ثانية أقوى وأكثر تأثيراً من تحقيق مدة عشر ساعات عبر برنامج تلفزيوني. بالتالي، لم يكن الرئيس الأميركي الخاسر، دونالد ترامب، بعيداً عن هذه الأجواء. يُسجّل له أنه من روّاد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال رسائله. وفي سنواته الأربع في الرئاسة، كان يكفي له نشر تغريدة على “تويتر” حتى تهتزّ الأسواق المالية والأوضاع السياسية. كان يبدو الوضع متفلّتاً، وأوحى الأمر وكأنه يُمكنك التحكّم بالتلفزيون والراديو والصحف، من دون أن تجد القدرة على التحكّم بمواقع التواصل الاجتماعي.

كل شيء تغير في الأشهر القليلة الماضية، خصوصاً بعد الانتخابات الأميركية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. حارب موقع تويتر تغريدات ترامب الرافضة نتائج الانتخابات، لمنع تدهور مصداقيته. بدا “تويتر” في صراعٍ قاسٍ مع البيت الأبيض، مدركاً أن انتصاره عليه سيضعه على مشارف تغيير شامل في سياسة الموقع عالمياً. منح ترامب الفرصة لـ”تويتر” و”فيسبوك” و”إنستغرام” للحصول على ما يريدونه في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي، عندما واكب اقتحام أنصاره الكونغرس في العاصمة واشنطن، بتغريداتٍ وفيديوهاتٍ غير رافضة أقلّه للعنف المتمادي. شعرت منصّات التواصل الاجتماعي وكأن ضوءاً أخضر ومض في أثناء هروب أعضاء من الكونغرس من وجه المتظاهرين، فأعلنت عن توقيف حسابات ترامب، في أكبر عقاب جماعي لشخص، لا منظمة أو حزباً، من إدارات وسائل التواصل الاجتماعي.

لم يرفع ترامب العلم الأبيض، سوى بعد شعوره بالعزلة عن العالم. لا وسيلة إعلامية تستنطقه، ولا “فوكس نيوز”، ولا حسابه على “تويتر” مُتاح أمامه، فأعلن إدانته للعنف في العاصمة، مقتنعاً بتسليمه السلطة في 20 يناير الحالي لخلفه المنتخب جو بايدن بسلاسة. لم يكن ترامب ليتخذ هذه المواقف الانهزامية، وفقاً لشخصيته، إلا بسبب الحصار الإلكتروني الذي أُطبق عليه. شخص مثله وبعقليته، لا يقبل عادة التراجع عن مواقفه، سقط أمام منصّات التواصل الاجتماعي، في تأكيد على أمرين: وصول العالم إلى المستقبل الآن، وتأكيد إدارات تلك المنصات قدرتها على التحكّم بمليارات الحسابات بسهولة، سواء بحجبها أو إقفالها.

العالم تغيّر. وسائل التواصل الاجتماعي باتت أكبر مما كان متوقعاً، والفوضى التي تحكّمت فيها في العقد الماضي، ستختفي تباعاً في السنوات المقبلة. فمن يمنع رئيس أكبر قوةٍ عظمى في العالم من استخدام حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي سيمنع، لاحقاً، وفق قوانين وسياسات متحركة، كل شخص في الكوكب من الإدلاء بموقف مخالف لتلك القوانين. التشدّد إزاء سيد البيت الأبيض سيتيح تشدّداً أوسع تجاه كل إنسان على هذه الأرض. في البداية، سيكون الأمر جميلاً، أي ستخفت الخطابات العنصرية والمتشدّدة والمحرّضة على العنف بشدّة، ثم يتحوّل الأمر إلى محاولة للجيل التالي من الأنظمة في كل دولة للسيطرة على تلك المنصّات بالكامل. وفي غضون عقد أو أقلّ، تُصبح مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بتلفزيوناتٍ رسميةٍ في جمهوريات بائدة.

هنا يمكن طرح سؤالين: ما مصير المستوى الجديد من وسائل التواصل المستقبلية.. هل ستنخرط في النظام الجديد الذي يتشكّل حالياً أم ستتمرّد عليه؟ السؤال الثاني والأهم: ما هي حدود إدارات تلك المنصّات، أين تبدأ وأين تنتهي ومن يتحكّم بها؟ يُمكن لكثر الغوص في عالم المؤامرات، لكن الواضح أن إدارات تلك المنصّات لن تكتفي بالسيطرة على العالم الإلكتروني، بل ستصنع السياسة في العالم.

العربي الجديد

—————————–

حزب البعث الجمهوري/ مهند الحاج علي

كان مشهد اقتحام مبنى الكابيتول، وما رافقته من شعارات عنفية ويمينية متطرفة، مؤلماً لكل مؤمن بالتعددية وحرية التعبير في العالم. وهذا الموقف كان جليّاً في المواقف الأوروبية، وفي النقد المتواصل لمن أيّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة المتحدة، وتحديداً في أوساط حزب المحافظين وأنصار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. كتب أحد المسؤولين الشباب في الحزب البريطاني الحاكم أن العار لن يُفارق مؤيدي ترامب والهاتفين له بعد هذا اليوم.

هذه الصورة أكثر قتامة في الولايات المتحدة. ذلك أن الرئيس الأميركي الحالي حفر وصمة عار على “الحزب الجمهوري” من الصعب محوها، إذ حرّض أنصاره على غزو مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس وأحد أبرز رموز الديموقراطية الأميركية. سيُسجّل التاريخ أن رئيساً جمهورياً وراء الاعتداء الثاني في تاريخ هذا المبنى، بعدما حرقه البريطانيون إثر غزوهم واشنطن مطلع القرن التاسع عشر.

كان واضحاً اعلان الرئيس الأميركي قبل يومين أمام أنصاره أن هناك نوعين من الجمهوريين، أقوياء يقفون الى جانبه في رفض الانتخابات ونتيجتها، وضعفاء يحتاجون الى التأديب. تجلّت مهمة الحشد الغاضب، في تأديب ضعفاء الجمهوريين ممن تقاعسوا عن دعم الرئيس ومزاعمه بخصوص بطلان الانتخابات الرئاسية وفوزه فيها “بغالبية ساحقة”.

كلمتا “لم يسبق” عرّفتا كل التغطية الإعلامية، التلفزيونية منها والمكتوبة، في وصف الاعتداء على الكونغرس. هذا رئيس لم يقبل بخسارته في الانتخابات، بل سعى الى قلب الطاولة من خلال رفض عملية الاقتراع. بيتر وينر كتب في مجلة “ذي أتلانتك” أن المسؤولية تقع في المقام الأول على ترامب نفسه، لكنها لا تقف هنا فحسب. بل إن الجريمة “من مسؤولية عدد مهول من مساعدين وأنصاره، في الاعلام اليميني والداعمين الانجيلين للرئيس، ومنهم ما يُسمى بالمثقفين وبالمؤرخين. وتقع المسؤولية أيضاً على جمهوريين في الكونغرس وخارجه وكل من وقف مع ترامب في كل لحظات رئاسته الفاسدة والمُفسدة”. وهي أيضاً “مسؤولية حلفاء ترامب الذي هاجموا كل من حذر من ضرره وخبثه ومن تدميره المؤسسات بما يُمثل خطراً على الأمة، ومن تحريضه المتواصل وعنصريته الخفية ومن تلذذه في تقسيم الاميركيين والتركيز على مظالمهم ضد بعضهم البعض”. كان الرئيس الأميركي، وفقاً لهذه السردية، يحمل سمات خطيرة أخذت البلاد الى أماكن مظلمة جداً. وبقي حزبه يُصفق له ويُؤيده دون اعتبار لنزعاته غير الديموقراطية ورفضه خسارة الانتخابات دون أدلة. صفّق أغلب الجمهوريين له وهو يأخذ البلد الى الهاوية، وكأنهم فرق أو شعب في حزب “البعث العربي الاشتراكي” بنسختيه السورية والعراقية.

في نهاية المطاف، ما حصل هذا الأسبوع من اعتداء على الكونغرس هو أكبر في تاريخ الحزب الجمهوري، من فضيحة “ووترغايت” التي أودت بالرئيس السابق نيكسون، وربما أعمق أثراً من الكساد الاقتصادي العظيم في ثلاثينات القرن الماضي.

الرئيس الأميركي جاء على ظهر موجة من المصفقين في الكونغرس والحزب الجمهوري ممن بقوا على تأييدهم لترامب حتى اللحظة الأخيرة وبعدها أيضاً. ليس سهلاً على هؤلاء تبرير مشاهد عصابات اليمين المتطرف وشعارات النازية في مقر الديموقراطية الأميركية، ولن يفوت على الكثيرين مفارقة أن أكثر الرؤساء تأييداً إسرائيل أدخل النازيين الجدد الى مبنى الكابيتول.

الأرجح أن أحداث هذا الأسبوع ستكون أعمق أثراً في صوغ السياسات الأميركية، باتجاه مواجهة أكثر شراسة مع الشعبوية ورموزها.

المدن

——————————

الإعلام الأميركي: الديموقراطية قبل الموضوعية!/ شهلا نصرالدين

يعتمد الإعلام الأميركي مبدأ: الهجوم على صحافي واحد هو هجوم على الصحافيين جميعاً وبالتالي التهديدات التي تعرّض لها أهل الإعلام والصحافة في تغطية التمرّد أخذت حيّزاً كبيراً من التغطيات والنقاشات داخل الاستديوات الإعلاميّة.

“الصحافة هي نشر ما لا يريد شخص آخر نشره، وكل ما عدا ذلك هو علاقات عامة ” جورج أورويل

مرّة جديدة يخوض الإعلام الأميركي معركة حريات في مواجهة التحدّيات الداخليّة التي تعصف بالولايات المتّحدة الأميركيّة في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للبلاد عام 2016.

فبينما انشغل الإعلام في نقل جلسة الكونغرس لتنصيب الرئيس جو بايدن رسميّاً، اقتحم عدد من المتمرّدين مبنى الكابيتول في الكونغرس الأميركي لتشهد الولايات المتّحدة إحدى أغرب وأكبر عمليّات التمرّد في العهد الحديث صارخين “اعدموا الإعلام” Murder the Media، وهذا بعدما وصف ترامب الإعلام بـ”عدو الشعب” قبلها بساعات قليلة، فكيف غطّى الإعلام الأميركي الحدث؟

الأداء الإعلامي

بدايةً، اتفق الإعلام الأميركي على تسمية الحدث “تمرداً” وليس “تظاهرات” باعتباره محاولة انقلاب على سلطة منتخبة ديموقراطيّاً في ظلّ انتهاك حرم الكونغرس والتعدّي على الأملاك العامّة والفيدراليّة. أمّا بايدن وغيره من المحامين والخبراء، فوصفوا المعتدين بـ”إرهابيين محليّين”domestic terrorists.

ومن ثمّ بدأت الوسائل الإعلاميّة بتفكيك الحدث وأسبابه وطرح أسئلة عن كيفيّة تنظيمه، وضعف الإجراءات الأمنيّة والجهاز الأمني في محيط الكونغرس، الأمر الذي دفع إلى استقالات عدّة، آخرها لرئيس شرطة الكابيتول ستيفن سوند، الرقيب في مجلس الشيوخ مايكل ستينغر، الرقيب في مجلس النواب بول إيرفينغ.

وتطرّق الإعلام إلى كيفيّة محاسبة المعتدين ومراجعة النصوص القانونيّة عبر استقبال نخبة من المحامين في سبيل الضغط لتحقيق العدالة والمحاسبة، إضافة إلى إلى الحديث عن عزل الرئيس ترامب باستخدام التعديل 25 من الدستور الأميركي.

ولم يغفل الإعلام الأميركي التذكير مرّات عدّة بالضحايا الذين سقطوا نتيجة هذا الاعتداء السافر على مقرّ الكونغرس فضلاً عن ضبّاط الشرطة والإعلاميّين الذين تمّ الاعتداء عليهم في حرم المبنى، مع التزامه في المقابل بعدم عرض صور ومشاهد دم وعنف مفرط.

إضافة إلى ذلك، يعتمد الإعلام الأميركي مبدأ: الهجوم على صحافي واحد هو هجوم على الصحافيين جميعاً وبالتالي التهديدات التي تعرّض لها أهل الإعلام والصحافة في تغطية التمرّد أخذت حيّزاً كبيراً من التغطيات والنقاشات داخل الاستديوات الإعلاميّة.

وعلى رغم التعتيم الإعلامي على ترامب وأي خطاب تحريضي ولكن لم يهاجم الإعلام الحزب الجمهوري برمّته بل استضاف الكثير من وجوهه الكبيرة التي استنكرت الحدث استنكاراً شديداً، مشدّدة على أهميّة الديموقراطيّة وسلطة القانون. فالوحدة الوطنيّة والسلم والمصلحة العامّة والديموقراطيّة هي الركائز الأساسيّة التي يلتزم بها الإعلام وتفوق بأهميتها السباق والمنافسة الإعلاميّة ونسب المشاهدة.

أمّا وسائل التواصل الاجتماعي فكان ردّها قاسياً وغير مسبوق فإدارة “تويتر” أغلقت حساب ترامب لمدّة 12 ساعة مع إلغاء بعض تغريداته، فيما أعلن مارك زوكربيرج بنفسه عن إغلاق حسابات ترامب على “فايسبوك” و”إنستغرام”.

الوصفة السحريّة والقوانين المرعيّة

إذاً وصفة الإعلام الأميركي السحريّة هي بالبساطة التالية:

الدقّة في نقل الحدث، إعطاء المعلومات الوافية وزيادة الوعي المجتمعي، انتقاء الكلمات المناسبة، تجنّب التحريض والابتعاد منه، تفكيك الحدث بوضوح وتحميل المسؤوليّة للجهات المعنيّة، التطرّق للبعد القانوني، البحث عن القطب والخلفيّات المخفيّة، التعاطف مع الضحايا والمطالبة بالمحاسبة وتحقيق العدالة وفقاً لما يقتضيه القانون.

والأهم من هذا كلّه: الدفاع بكل شراسة عن النظام الديموقراطي المؤسساتي القائم ومواجهة كل ما يتنافى مع مفاهيم الديمقراطيّة والحريّات وقيمها. فالإعلام الأميركي في معركة دائمة للدفاع عن الديمقراطيّة والحريّات.

لكن فوق كلّ هذا يأتي القانون الأميركي الذي يحمي ويكرّس حريّة التعبير والصحافة في التعديل الأوّل للدستور الأميركي الذي ينصّ على الآتي:

“لا يجوز للكونغرس أن يضع أي قانون لا يحترم إنشاء ديانة أو يحظر ممارستها بحريّة؛ أو يقيّد حرية التعبير أو حرية الصحافة؛ أو حقّ الشعب في التجمّع سلمياً، وتقديم عريضة إلى الحكومة من أجل إنصاف ورفع المظلوميّات”.

ولكن على رغم سياسة الحريّات الواسعة فهي تبقى غير مطلقة من ناحية معاقبة التشهير والذمّ (فقط في الحالات التي يتم فيها تقديم معلومات كاذبة/ ملفّقة كحقيقة) أو نشر وثائق مصنّفة سريّة تعنى بالأمن القومي ولكن في مقابل هذا التصنيف ينصّ قانون حرية المعلومات FOIA، الذي صدر عام 1966 على أن يقدّم الفرع التنفيذي للحكومة الأمريكية المعلومات التي يطلبها المواطنون بهدف الحدّ من سريّة الوثائق.

والقطاع الإعلامي الأميركي منظّم ولا تشوبه الفوضى من ناحية إعطاء تراخيص على أساس مواجهة احتكار الإعلام من قبل أقليّة واتباع المحطات القواعد المتعلقة بالإعلان السياسي، وتوفير منتدى عام للنقاش، وخدمة المجتمعات المحلية والأقليات والتي تراقبه لجنة الاتصالات الفيدرالية Federal Communications Commission (FCC) وفق ما نصّ عليه قانون الاتصالات عام 1934.

نموذج مميّز

يُعدّ الإعلام الأميركي نموذجاً مميّزاً، نظراً إلى معايير الدقّة التي يعتمدها في تغطية الأخبار. فمثلاً خلال عمليّة فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، انقسم الإعلام العالمي إلى مجموعتين، مجموعة تقودها بشكل أو بآخر “أسوشييتد برس” التي قرّرت حسم بعض المعارك قبل فرز الأصوات كلها، ومجموعة أخرى تقودها المؤسسات الإعلاميّة الأميركيّة الضخمة على رأسها CNN وNew York Times وWashington Post التي فضّلت التمهّل في حسم أي معركة حتّى فرز جميع الأصوات، إيماناً منها بأهمية كلّ صوت، عوضاً عن التسرّع والاستعجال خصوصاً مع الاهتمام العالمي الضخم بنتائج الانتخابات الأميركيّة.

فهذا نقاش طويل وأزليّ في الإعلام بين السرعة والدقّة في نقل الخبر، والذي حسمه الإعلام الأميركي منذ زمن: الدقّة والصدقيّة أولويّة وهذا ما أكسب الإعلام الأميركي صدقيته العالية وبات مرجعاً ومصدراً للمعلومات.

أمّا في تغطية “كوفيد-19″، فلم يتردّد الإعلام الأميركي يوماً في “تكذيب” رئيسه ومواجهته في ما يتعلّق بالمعلومات المغلوطة والخاطئة عن الوباء ومحاولة تصويب الرأي العام. هذا فضلاً عن تغطيّة التظاهرات الشعبيّة في إطار حملةBlack Lives Matter والتشديد على أهميّة العدالة والعدل بين المواطنين على اختلافهم.

الدقّة والصدقيّة أولويّة وهذا ما أكسب الإعلام الأميركي صدقيته العالية وبات مرجعاً ومصدراً للمعلومات.

كما أضاف الأميركيّون للإعلام ظاهرة الإعلام الساخرsatire الذي مُنح حريّة قصوى في التهكّم على الشخصيات العامّة دونما استثناء وكسر التابوات السياسيّة والاجتماعيّة.

ومن من خرّيجي الإعلام لم يدرس في الجامعة فضيحة ووترغيت التي كشف من خلالها الصحفيان كارل برنستاين وبوب وودوارد عن أعمال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون غير الشرعيّة، الأمر الذي دفعه لاحقاً إلى تقديم استقالته.

ازدواجيّة المعايير

ولكن في مقابل المهنيّة العالية والدقّة في نقل الأخبار والأحداث المحليّة والدفاع عن المظلومين والمطالبة بالمحاسبة، تظهر ازدواجيّة في المعايير لدى تغطية الإعلام الأميركي أحداثاً خارج حدود الولايات المتّحدة الأميركيّة تحديداً في ما يتعلّق بسياسة الدولة الخارجيّة.

فعلى رغم تحسّن الأداء الإعلامي في هذا المجال، يبقى قاصراً عن التعامل مع القضايا الخارجيّة بالدقّة والموضوعيّة والحياد والانسانيّة المطلوبة.

في مقال لـ”واشنطن بوست” بعنوان: “كيف كانت ستغطّي وسائل الإعلام الغربية اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي لو حدث في بلد آخر؟”، تستعرض الكاتبة بطريقة ساخرة الخطاب الغربي في تغطية أحداث العنف خارج الولايات المتّحدة الأميركيّة، باستخدام تعابير كالتطرّف والإرهاب واستخدام خطاب استعماري تقسيميّ عرقي وعنصري فيه الكثير من التعميم والتسخيف. فالإعلام الأميركي على الصعيد الدولي لا يزال بعيداً من تحقيق المهنيّة المرجوّة، ولكنّه بلا شكّ في تطوّر مستمرّ.

درج

—————————–

الديمقراطية الأميركية: هزة فوق تلة الكابيتول/ د. خطار أبودياب

لم تشهد المؤسسات الأميركية، طوال تاريخها الممتد قرابة قرنين ونصف القرن، مشهدا مماثلا لعملية اقتحام أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكونغرس. ومما لا شك فيه اهتزت صورة الولايات المتحدة وسمعتها. لكن بالرغم من الضربة التي أصابت الديمقراطية الأميركية في الصميم، دللت أحداث الأربعاء 6 يناير على مناعة النموذج الأميركي الذي كانت مصداقيته على المحك خلال سنوات الولاية الرئاسية الترامبية.

ستحدث الهزة التي حركتها جموع الغاضبين في “الكابيتول هيل” ارتدادات على مجمل المشهد السياسي الأميركي وكذلك على انقسامات المجتمع الأميركي وتحولات الحزب الجمهوري ومصير ترامب السياسي والشخصي.

لن تنسى العاصمة الفدرالية بسهولة “يوم العار” كما وصفه كثيرون أو “التجاوز الأخير” لترامب حسب وصف فرنسيس فوكوياما، وسيطبع ذلك بدايات ولاية جو بايدن ومهمته الصعبة في لملمة الجراح وتوحيد الأميركيين وإرجاع الولايات المتحدة إلى قيادة العالم.

وأثار الهجوم العنيف الذي تعرض له الكابيتول ردود أفعال عالمية من أبرزها قلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على “إحدى أقدم الديمقراطيات في العالم”، ووقوف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ضد نهج صديقه ترامب مطالبا باحترام الانتقال السلمي للسلطة.

لكن اللافت كان الكلام الصادر عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشيف الذي صرح قائلا “انتهى عيد الديمقراطية.. لا يحق للولايات المتحدة، بعد اليوم، أن تقوم بتلقين الدول الأخرى دروسا في الديمقراطية”.

وأبدت الصين شماتتها مقارِنة الوضع في واشنطن بالتظاهرات المطالبة بالديمقراطية. وبشكل أكثر جدية حذرت وزارة الخارجية الصينية من “تورط واشنطن في الشؤون الداخلية الصينية” ملمحة إلى إمكانيات الرد الصيني مما يعني أن الشكل الجديد للحرب الباردة بين الجانين ستكون له انعكاساته على داخل البلدين.

يتبين جليا أن الهجوم العنيف على الكونغرس الأميركي والذي قادته ميليشيات اليمين المتطرف والعنصريين البيض، فضلا عن جهود بعض أعضاء الكونغرس لإلغاء نتائج الانتخابات في نوفمبر، لم يكن ليحدث لولا عدم رغبة الرئيس ترامب في التنازل عن خسارته أمام الرئيس المنتخب بايدن، الأمر الذي يكسر تقليد الانتقال السلمي للسلطة الذي كان السمة المميزة للديمقراطية الأميركية لأكثر من قرنين من الزمان. ولهذا فإن المواقف الدستورية المسؤولة لنائب الرئيس مايك بنس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتشيل ماكونيل وغالبية الشيوخ الجمهوريين تدحض مزاعم وجود “مؤامرة” لإسقاط ترامب. والأكثر دلالة كان فوز المرشحين الديمقراطيين وارنوك وأوسوف في انتخابات مجلس الشيوخ الفرعية في ولاية جورجيا، في 5 يناير، أكد أن تصويت ولاية جورجيا لبايدن في نوفمبر كان صحيحا، وأن كل التشكيك بنتائج الولايات المتأرجحة دحضته المحاكم والوقائع. ولذا بعد فضيحة الاقتحام ومجرياته وبعد نتائج جورجيا والعزلة التي أخذ يتعرض لها، أدان ترامب الذين اقتحموا الكابيتول متوعدا إياهم بالعقاب متناسيا أنه هو الذي قام بتحريكهم ويحاول على الأرجح تفادي العزل والمحاسبة وحفظ ماء الوجه.

وبالفعل فوت ترامب الفرصة الأخيرة لإثبات أنه سياسي، أو حتى رجل دولة مستغلا الموقف بالاعتراف بخسارته في الانتخابات، رغم تحفظاته، أو حتى “التهنئة” دون كلمة “خسارة” لمنافسه الديمقراطي بايدن، بوصفه “الرئيس المنتخب”. لكنه لم يفعل، بل واصل نرجسيته وديماغوجيته. لكنه اضطر إلى الاعتراف بفشله والتسليم بأن إدارة جديدة ستتولى البيت الأبيض في 20 يناير، مغلفا هذا التراجع بقوله إن اعتراضاته القضائية للتشكيك في الانتخابات كانت دفاعا عن الديمقراطية ووصلت الغرابة معه للقول إن “رحلتنا التي لا تصدق قد بدأت للتو”، وهذا يعني أنه لا يريد ترك المسرح السياسي وهذا ما يفسر الانقسام في الحزب الجمهوري الذي سيشهد تجاذبا بين أنصار ترامب ومن يسعى لتجديده أو إعادته إلى خطه التاريخي.

يعتبر أكثر من مراقب للشأن الأميركي أن العديد من سبعين مليون أميركي أو أكثر صوتوا لترامب لم يفعلوا ذلك كثيرا لأنهم أعجبوا بترامب الشخص، ولكن لأنهم شعروا أنه يدعم سياسات أو مواقف ثقافية كانت أكثر انسجاما مع قيمهم من تلك الخاصة بالديمقراطيين. وبدا أن الجمهوريين العاديين كانوا على استعداد للتغاضي عنها لأنهم اعتقدوا أنه سينفذ أجندتهم. والآن بعد الذي حصل في الكابيتول سيكون الحزب الجمهوري مدعوا للمراجعة من أجل استعادة الثقة بالمؤسسات والالتزام بالدستور.

لكن هذا الجهد لا يكفي من دون إصلاحات تتيح منع الشرخ الأميركي وتحصين شرعية الديمقراطية الليبرالية عبر دراسة تغيير نظام الحزبين وإصلاح النظام الانتخابي وتقليص الفوارق الاجتماعية الصارخة. ولذا يتعين على بايدن إعادة بناء ديمقراطية أميركية هزتها أحداث الكابيتول والانحراف الشعبوي في السنوات الأخيرة، خاصة أنه يملك الأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ بعد انتخابات جورجيا، ولا تنقصه الخبرة ولا الحزم والحكمة كما بدا من خلال ردة فعله على فضيحة الكابيتول.

ومن هنا إذا لم يتمكن الرئيس بايدن وفريقه من الاستجابة لهذا التحدي، ستتأكد هشاشة الديمقراطية الأميركية ونموذجها، وتسقط طموحاتها في تعزيز الأفكار الديمقراطية الليبرالية حول العالم. ولم تعد تقدم نموذجا يقتدي به الآخرون، خاصة في حال استسلام مؤسساتها للخلل الوظيفي، ويكون “شحوب النور” فوق الكابيتول إنذارا لإطفاء المنارة الأميركية وبدء نهاية “الإمبراطورية الأميركية”.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العربي

————————–

خيار بايدن لملف الشرق الأوسط..معارض للانسحاب من سوريا

ذكرت وسائل إعلام أميركية أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن اختار المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” بريت ماكغورك، كمنسق للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي.

وماكغورك من المدافعين عن الوجود العسكري الأميركي في سوريا، حيث استقال من مهامه كمبعوث أميركي للتحالف الدولي أواخر عام 2018 بسبب قرار الرئيس دونالد ترمب سحب القوات الأميركية من شمال سوريا.

من جانب آخر تحدثت تقارير صحافية غربية أن تعيين ماكغورك سيزيد من تعقيد العلاقات الأميركية-التركية، إذ كان لماكغورك مواقف منتقدة للتدخل العسكري التركي ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية، كما انتقد أنقرة لعدم تأمين حدودها الجنوبية الشرقية مع تدفق الأجانب إلى سوريا للانضمام إلى “داعش” بالإضافة الى انتقاده لسياستها الإقليمية في المنطقة.

وماكغورك محام ودبلوماسي أميركي عيّنه الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015 ليكون المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش” خلفاً للجنرال جون ألين بعدما كان نائبا له منذ 2014.

قبل ذلك عمل ماكغورك نائباً لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون العراق وإيران، وقاد مفاوضات سرية مع إيران ما بين تشرين الأول/أكتوبر2014 وكانون الثاني/يناير2016 أدت إلى الإفراج عن 4 سجناء أميركيين من سجن إيفين في طهران، وكان من بين السجناء الذين أُطلق سراحهم مراسل صحيفة “واشنطن بوست” جيسون رضائیان.

ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” فإن تلك المهمة التي استمرت لمدة 14 شهراً بالإضافة إلى العديد من المهمات الأخرى التي قادها ماكغورك عززت من سمعته كشخص قادر على تنفيذ المهام الصعبة. كذلك عمل ماكغورك مساعداً خاصا للرئيس السابق جورج دبليو بوش ومديراً لشؤون العراق وأفغانستان.

———————————-

أعمال العنف في الكونغرس ستلقي بثقلها على أجندة بايدن الخارجية

واشنطن: وعد جو بايدن بأنه في ظل رئاسته ستستعيد أمريكا دورها القيادي في العالم لكن الفصل الأخير من رئاسة دونالد ترامب عبر تحريض مناصريه على التظاهر أمام الكونغرس وقيامهم لاحقا باقتحام المبنى ستلقي بثقلها على أجندته على الساحة الدولية.

يرى العديد من أعضاء الكونغرس والخبراء أن الرئيس المنتخب المعروف باهتمامه بالسياسة الخارجية، سيضطر للتركيز على الوضع الداخلي للولايات المتحدة حيث أقنع دونالد ترامب ملايين الأشخاص بأن الانتخابات مزورة.

تقول إليسا سلوتكين وهي محللة سابقة لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وتشغل حاليا مقعدا في مجلس النواب: “حقبة ما بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر انتهت”، مضيفة: “التهديد الأول للأمن القومي اليوم هو انقساماتنا الداخلية”.

وتابعت: “إذا لم نتمكن من إعادة وصل شقي أمريكا فإن التهديدات لن تأتي بالضرورة من الخارج”.

ووعد بايدن بتنظيم “قمة للديموقراطيات” في السنة الأولى من ولايته لكي يظهر أن التعددية عائدة وانتهاء الانعزالية التي سادت سنوات حكم ترامب.

لكن عقد هذه القمة في واشنطن قد يكون صداه مختلفا بعد الهجوم الذي شنه آلاف المتظاهرين المناصرين لترامب على مبنى الكابيتول، صرح الديموقراطية الأمريكية، لوقف تصويت يثبت فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.

وأعمال العنف التي أوقعت خمسة قتلى أثارت صدمة في الدول الديموقراطية فيما تحدثت الأنظمة السلطوية عن نفاق الولايات المتحدة.

وقالت سارة مارغون من مركز الأبحاث التقدمي “أوبن سوسايتي فاونديشنز”: “لقد فقدت الحكومة مصداقيتها هنا، لكن أيضا في الخارج حيث تلعب الولايات المتحدة دورا رائدا في تعزيز احترام القوانين والديموقراطية”.

وأضافت: “لذا فإن ما حدث يجعل السياسة الداخلية والدبلوماسية أقرب إلى بعضهما البعض”، مشيرة إلى أن القادة الأجانب سيراقبون عن كثب الإجراءات التي اتخذتها إدارة جو بايدن ضد مرتكبي أعمال العنف.

“الدفاع عن الديموقراطية”

رفض وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو “افتراءات” أولئك الذين شبهوا الولايات المتحدة بـ “جمهورية موز” مؤكدا أنه تم تفريق المهاجمين وأن عمل أعضاء الكونغرس استؤنف مجددا.

في بيان أعاد العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين نشره، اعتبرت السفيرة الأمريكية في أوغندا ناتالي براون أنه لا مفر من “تشكيك البعض في حق الولايات المتحدة في الحديث عن الديموقراطية في بقية أنحاء العالم”.

وكتبت: “لكن عندما نندد بانتهاكات حقوق الإنسان، فإننا لا نفعل ذلك لأن هذه الانتهاكات لا تحدث في الولايات المتحدة. عندما نتحدث عن حرية الصحافة، فإننا لا نفعل ذلك لأن الصحافيين الأمريكيين لا يتعرضون لمضايقة. حين ندافع عن استقلال القضاء، لا نقوم بذلك لان القضاة الأمريكيين يتجنبون أي تأثير”.

وأضافت: “على العكس من ذلك. نحن نقوم بذلك لأننا ندرك العمل الذي لا يزال يتعين القيام به في التجربة الديموقراطية الأمريكية ولأن تاريخنا يعلمنا أنه من أجل أن تستمر، يجب الدفاع عن الديموقراطية”.

الدول التي كثيرا ما تنتقدها الولايات المتحدة بسبب معاملتها لحقوق الإنسان لم تنتظر كثيرا للرد.

فقد دعا رئيس زيمبابوي إيمرسون منانغاغوا الخميس إلى رفع العقوبات التي مددها دونالد ترامب العام الماضي مشيرا الى أن “أحداث الأمس أظهرت أن الولايات المتحدة ليس لها أي حق أخلاقي في معاقبة أمة أخرى تحت ستار فرض احترام الديموقراطية”.

في فنزويلا حيث لا تعترف واشنطن بشرعية الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو، أدانت الحكومة الانقسامات السياسية في الولايات المتحدة، معربة عن أملها في أن يتمكن الأميركيون من “فتح طريق جديد نحو الاستقرار والعدالة”.

“مراجعة الذات”

حذرت مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية متخصصة في منع النزاعات قلما ركزت على السياسة الأمريكية من أن خطر العنف لا يزال مرتفعا.

ولفتت الى أن “الولايات المتحدة اليوم بلد حيث هناك ملايين الأشخاص مقتنعون بأن الرئيس الجديد لم ينتخب بشكل شرعي” مضيفة: “الكثير منهم مسلحون ويبدو أنهم عازمون على اللجوء إلى إجراءات متطرفة لتحقيق مطلبهم”.

وخلص مركز الأبحاث إلى القول إنه “حان الوقت للولايات المتحدة التي أمضت عقودا وهي تخبر الدول الأخرى بما يجب أن تفعله لحل مشاكلها، أن تقوم بمراجعة الذات”. (أ ف ب)

القدس العربي

——————————

قاصداً ملعب الغولف.. “يسوع أمريكا”: ماذا لو أمرتهم بضرب إيران بعد فشلي أمام “الشيطان” في “غزوة الكونغرس”؟

لم يكن للجموع التي انقضت على تلة الكابيتول خطة لترامب حين دعاهم إلى “استعادة أمريكا”، وفهموا قوله ببساطته. إلى أين يذهبون؟ إلى البيت الأبيض الذي لم يكن هناك سبب يدعوهم للذهاب إليه، إذ لا يزال رجلهم هناك. بقي الكونغرس.

بعضهم انتظر المعجزة: نار تهبط من السماء فتحرق المبنى الضخم، الذي يفرض وجوده على المدينة بأسرها، على البلاد بأسرها. سيُنقذ اليسوع، وسيبيد نانسي بلوسي، رئيسة مجلس النواب التي يسمونها في يافطاتها “الشيطان”. حان يوم الدين، وسيكونون هناك، ليروا المعجزة. اقتنع البعض بسرقة الانتخابات، ومن واجبهم استرداد ما سرق. أناس طيبون، سذج، مشوشون. اعتقدوا أن وجودهم في المكان سيؤثر على سلوك كبار رجالات الجمهوريين، من نائب الرئيس مايك بينيس ودونه. “إنهم ضعفاء”، قال ترامب في خطاب ألقاه على مسامعهم، واقفاً من خلف زجاج واق للرصاص. يجب الضغط عليهم.

سعى بعضهم لاستعراض احتقارهم تجاه أمريكا الأخرى، الليبرالية، متعددة الثقافات. رفعوا أعلام الكونفدرالية، وأعلام الجنوب القديم، الأبيض، العنصري. وانجرف بعضهم وراء القطيع، دون التفكير إلى أين ولماذا وأين الحدود. وبحث بعضهم عن الحركة، والاتصال الجسدي، والنوافذ المحطمة. الناس المذهولون وأفلام الفيديو مشاهد تثبت لكل العالم من الرجل، ومن الحاكم.

وقف مئات منهم أمام الكابيتول منذ الصباح. تعانقوا مع أفراد الشرطة: الترامبيون يحبون الشرطة، ولا سيما أولئك الذين أطلقوا النار على الشبان السود. بعد خطاب ترامب، انضم إليهم عشرات الآلاف، فتدافعوا وحطموا سلسلة الشرطة. اقتُحمت الأبواب، حُطمت النوافذ والعشرات، والمئات اقتحموا الدائرة الفاخرة، المبهرة، من تحت القبة الضخمة، التي تفصل بين مجلسي الشيوخ والنواب، إلى المكاتب والقاعات. لم يعرف المقتحمون ما يفعلونه بعد ذلك. أمرهم ترامب بأن يأخذوا أمريكا. ولم يرو لهم كيف.

أحرق البريطانيون مبنى الكابيتول في 1814. أربعة إرهابيين من بورتوريكو فتحوا النار من مدرج المتفرجين في 1954. اقتحم أحدهم في 1998 وقتل شرطيين. اقتحامات أول أمس كانت غير مسبوقة بمعنى واحد: المقتحمون بعث بهم رئيس الدولة، القائد الأعلى. ودور الرئيس جعل الحادثة حدثاً بحجوم صادمة. ليست مظاهرة فقدت السيطرة، بل “انتفاضة”، “تمرد”، “محاولة انقلاب”، “انقلاب عسكري”. وليس كارهو ترامب وحدهم يتحدثون هكذا، بل كبار رجالات حزبه. لقد كان انتخاب ترامب رئيساً خطـأ تاريخياً. أحد الكُتّاب الصحافيين الأمريكيين وصفه أمس كمحب للحرائق عُين قائداً لمحطة إضفاء الحرائق. في أربع سنوات ولايته تبين أنه نرجسي عديم الصلاح، كاذب منتظم، شعبوي سائب وديماغوجي. وعلى الرغم من ذلك، صوت له 75 مليون أمريكي. هذا يقول شيئاً ما مقلقاً عن أمريكا.

وجدت نواقص ترامب تعبيراً موجزاً لها في الشهرين السابقين منذ خسر في الانتخابات. فقد أقنع نفسه بأنه انتصر وبدأ بحملة مضادة لمؤسسات الحكم، ضد المحاكم، وضد الجمهوريين في الولايات المترددة، وضد وزراء حكومته. كلهم ارتبطوا بمؤامرة ظلامية. وكانت النتيجة الفورية للحملة هي الهزيمة التي تكبدها الجمهوريون في انتخابات جورجيا. هزيمة كلفتهم السيطرة على مجلس الشيوخ. والنتيجة التالية كانت المسرحية العنيفة في الكونغرس.

الدروس التي تتعلمها إسرائيل تكاد تكون مفهومة من تلقاء ذاتها: حاكم يتآمر على مؤسسات الحكم، والقوانين الأساس والجهاز القضائي، حاكم يجعل من أجندته الشخصية أيديولوجيا، حاكم يستعبد حزبه لنزواته… سينتهي مثل ترامب.

عندما شاهدت الصور من داخل المبنى فكرت بمحاولة مناحم بيغن السيطرة بالقوة على الكنيست في 1952. عوقب بيغن وتعلم الدرس. فكرت بخطاب نتنياهو من على الشرفة في ميدان صهيون. من يحرض الجمهور يعتلي ظهر نمر: لا يعرف إلى أين يأخذه النمر.

الحدث الذي جرى في الكابيتول أيقظ المطالبات بإنهاء ولاية ترامب بالإقصاء. نظرياً هذا ممكن، من خلال الكونغرس أو الكابينت. ولكن قياساً بما تبقى له (أسبوعان فقط) فهذا ليس عملياً ولا يستحق العناء. وترامب انتهى: البيت الأبيض ينهار من حوله؛ إذا ما دعا قائد القوات المشتركة وأمره مثلاً بأن يهاجم إيران، سيرد عليه الجنرال نعم، سيدي الرئيس ولن يفعل شيئاً. سيذهب ترامب إلى ملاعب الغولف الخالدة؛ أما الترامبية فستبقى.

بقلم: ناحوم برنياع

يديعوت 8/1/2021

القدس العربي

————————–

إذا لم يتنحَ ترامب بسرعة..سيتحرك الكونغرس

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة، إنه لن يحضر حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 كانون الثاني\يناير. وكتب ترامب في تغريدة: “إلى جميع من سألوا، لن أحضر حفل التنصيب”.

وستكون المرة الأولى منذ 150 عاما التي لا يشارك فيها رئيس أميركي في تنصيب خلفه. وذكرت وكالة رويترز أنه من المتوقع أن يغادر ترامب إلى منتجعه في فلوريدا قبل يوم من موعد التنصيب.

في المقابل، أعلنت زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي الجمعة، أنها تواصلت مع الجيش الأميركي للتأكد من أن ترامب لن يكون قادراً على استخدام الرموز النووية، متوعدة بأن الكونغرس سيتحرك إذا لم يتنح سريعاً.

وكتبت رئيسة مجلس النواب في رسالة إلى زملائها الأعضاء: “تحدثت هذا الصباح إلى رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي لمناقشة التدابير الوقائية المتوافرة بهدف تجنب أن يشنّ الرئيس دونالد ترمب هجمات عسكرية عدائية أو يستخدم رموز الإطلاق ويأمر بضربة نووية”، متعهدة بأن يتحرك الكونغرس في حال لم يتنحَّ ترامب “طوعاً وفي وقت وشيك”، من دون أن تحدد طبيعة هذا التحرك.

ووفق “سي إن إن”، أكدت بيلوسي لنواب ديمقراطيين وجود دعم ديمقراطي لمساءلة ترامب مجدداً أكبر من المساءلة الأولى، كما أبلغت نواباً ديمقراطيين بأنها تفضل تفعيل المادة 25 من الدستور أو استقالة ترامب على المساءلة.

لكن “سي إن إن” نقلت عن ثلاثة من مستشاري البيت الأبيض أن ترامب لا ينوي الاستقالة من منصبه قبل 20 كانون الثاني. وقال أحد المستشارين عن فرص الاستقالة: “لا شيء”. وعلق آخر بأن فرص حدوث ذلك “صفر”، مضيفاً أن ترامب “لا يعتقد أنه ارتكب أي خطأ”.

وفي خضم هذا الجدل الأميركي الداخلي قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول إن مطالب العزل والمحاكمة البرلمانية ستأخذ وقتاً. وأضاف “أتمنى أن يقوم ترامب بما فعله نيكسون ويستقيل”، في إشارة إلى الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، بعد تورطه بفضيحة “ووترغايت”.

وتابع أن على أحدهم أن يتوجه إلى ترامب ويخبره بأن الأمر قد انتهى وأن الطائرة تنتظره في الخارج، وفي هذه الحالة لن يستقيل فقط وإنما سيقوم بقطع الطريق على الذين قاموا بهذا الاقتحام لإلغاء الانتخابات.

من جانبه قال القائم بأعمال المدعي العام الفدرالي للعاصمة واشنطن مايكل شروين إن التحقيقات التي أُطلقت حول الهجوم على مبنى الكونغرس ستشمل الرئيس ترامب أيضاً. وأضاف أن الجهات المعنية ستفحص التصريحات التي أدلى بها ترامب والمتحدثون الآخرون الذين شاركوا في التجمع الذي سبق الاعتداء على الكونغرس.

كما أشار إلى أن التحقيقات لا تشمل الأشخاص الذين اقتحموا المبنى فحسب، بل أيضاً من ساعدوهم أو من لعبوا دوراً في ذلك.

———————

أول دعوة علنية من حزب الرئيس: الجمهورية ليزا موركوفسكي: أريد ترمب خارج السلطة

واشنطن: دعت السناتور الجمهورية المعتدلة ليزا موركوفسكي دونالد ترمب إلى الاستقالة بعد أعمال العنف التي شهدها مقرّ الكونغرس، لتكون أول ممثل عن حزبها يدعو علانية الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته إلى ذلك.

وقالت موركوفسكي المعروفة بمواقفها الوسطية التي دفعتها أحياناً إلى التصويت إلى جانب الديموقراطيين في الكونغرس، “أريده أن يستقيل، أريد أن أراه يغادر (السلطة)، لقد تسبب بما يكفي من الأضرار”.

والأربعاء، اقتحم مناصرون لدونالد ترمب مقرّ الكونغرس قبيل التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة.

وجاء ذلك بعيد رفض الملياردير الجمهوري مجدداً الإقرار بهزيمته الانتخابية داعيا مناصريه خلال تجمّع قرب البيت الأبيض إلى التوجّه “سلمياً” إلى الكابيتول.

وقال أمامهم “لن تستعيدوا ابدا بلدنا وأنتم ضعفاء، عليكم إظهار القوة”.

وقالت السناتور الجمهورية في مقابلة مع صحيفة “انكورج ديلي نيوز”، “كيف يفترض بهم (أنصاره) أن يفهموها؟ إنّه أمر من الرئيس، وهذا ما فعلوه. جاؤوا وتشاجروا فأصيب أشخاص وقضى آخرون”.

ويغادر ترمب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير، ليتسلم السلطة من بعده الرئيس ال46 للولايات المتحدة.

ورأت موكوفسكي أنّ ترمب لم يركز جهوده في الأسابيع الأخيرة على تطورات الأزمة الوبائية “إذ كان إما يلعب الغولف أو غاضباً في المكتب البيضاوي منشغلاً بالتضحية بكل من كانوا أوفياء له ومخلصين”.

وقالت إنّه “يريد فقط البقاء من أجل اللقب (…) من أجل غروره. عليه أن يرحل. إنّه الأمر الذي يجب فعله، لكنّي لست متأكدة من قدرته على فعل أمر جيّد”.

وكان النائب الجمهوري آدم كيسينجر دعا الخميس إلى عزل دونالد ترمب، مستنداً إلى التعديل ال25 في الدستور الأميركي الذي يتيح إعلان “العجز” عن اداء مهامه.

كما أنّ عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بن ساس، الذي سبق له انتقاد ترمب، أكد الجمعة أنّه سينظر في التهم الموجهة إلى الرئيس في حال أطلق مجلس النواب إجراءات العزل.

وفي مؤشر إلى الاستياء بين مؤيدين للحزب الجمهوري وانتقادات دونالد ترمب له، لم تستبعد ليزا موركوفسكي إمكانية مغادرتها الحزب.

وقالت “إذا صار الحزب الجمهوري مجرد حزب لترمب، سأتساءل جدياً عمّا إذا كان مناسباً لي”.

——————–

يوم اقتحام الكونغرس.. ترامب أجرى اتصالا لعرقلة التصديق على فوز بايدن والشرطة أوقفت شاحنة متفجرات

بينما يستعد الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي لإطلاق إجراءات محاكمة برلمانية للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على خلفية اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس؛ تكشّفت تفاصيل جديدة بشأن الوقائع التي حدثت يوم الاقتحام.

وقالت شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية إن المحققين الفدراليين أوقفوا شاحنة محملة بالأسلحة والمتفجرات في محيط مبنى الكونغرس (الكابيتول) قبيل اقتحام أنصار ترامب المبنى.

وذكرت أن المحققين أكدوا أنهم أوقفوا رجلا من ولاية ألاباما داخل الشاحنة الصغيرة، التي تبين أنها محملة بـ11 قنبلة ومسدسات وبنادق هجومية، وذلك على بعد مربعين سكنيين فقط من مبنى الكابيتول.

كما أكد المحققون توقيف رجل آخر في العاصمة واشنطن كان يحمل بندقية ومئات طلقات الذخيرة الحية، وكان قد أخبر معارفه أنه يريد إطلاق النار على رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي أو دهسها.

في الوقت نفسه، كشف سيناتور جمهوري عن أن ترامب أجرى اتصالا هاتفيا خلال وقائع الاقتحام للمطالبة بتأخير التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة.

وقالت “سي إن إن” إن كلا من ترامب ومحاميه رودي جولياني أجرى اتصالا عن طريق الخطأ بالسيناتور الجمهوري مايك لي، حين كانت أعمال الشغب الدامية تجري داخل مبنى الكونغرس الأربعاء الماضي.

ووفقا لتلك الأنباء -التي أكدها للشبكة المتحدث باسم السيناتور لي- فإن المقصود بذلك الاتصال الهاتفي كان السيناتور الجمهوري تومي تابرفيل، المنتخب حديثا عن ولاية ألاباما.

واتصل ترامب بالهاتف الشخصي للسيناتور لي في حدود الساعة 2 عصرا بالتوقيت المحلي، وكان المشرعون وقتئذ أخلوا القاعة الرئيسية لمجلس الشيوخ، وانتقلوا إلى غرفة أخرى هربا من أعمال الشغب.

ورد السيناتور لي على ترامب، وتبين أن الرئيس أخطأ الرقم، إذ طلب منه إعطاء الهاتف إلى تابرفيل حتى يتحدث معه.

ونقلت “سي إن إن” عن مصدر قوله إن ترامب تحدث مع تابرفيل لنحو 10 دقائق، وطلب منه تقديم اعتراضات إضافية خلال جلسة التصديق النهائي على فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية، والتي يفتح فيها المجال للاعتراض على نتائج كل ولاية من الولايات.

المحاكمة البرلمانية

في غضون ذلك، يمضي الديمقراطيون في مسار سريع لإطلاق محاكمة برلمانية للرئيس ترامب إذا لم يتقدم باستقالته.

ورغم الصعوبات التي ينطوي عليها هذا المسار، خاصة مع بقاء نحو 10 أيام فقط قبل انتهاء ولاية ترامب؛ فيبدو أن الديمقراطيين مصممون على اتخاذ إجراء قوي، لا سيما أن احتمال نجاح المحاكمة قد يؤدي إلى منع ترامب من الترشح للرئاسة في المستقبل أو تولي أي منصب رسمي.

وقالت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي إنها أصدرت تعليمات للجنة القواعد في المجلس للاستعداد لإطلاق محاكمة برلمانية لترامب ما لم يقدم استقالته.

وأضافت بيلوسي -في بيان أصدرته الجمعة بعد اجتماعها مع الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب- أن المجلس يحتفظ بكل خياراته، بما في ذلك التعديل 25 للدستور أو محاكمة الرئيس برلمانيا. ويخول التعديل 25 لنائب الرئيس تولي السلطة حين لا يكون الرئيس صالحا لأداء مهامه.

وينوي الديمقراطيون تقديم لائحة الاتهام ضد ترامب الاثنين المقبل، وتتضمن تهمة واحدة؛ هي “التحريض على التمرد”.

لائحة الاتهام

ونشر المشرعون الديمقراطيون مسودة اللائحة، التي تركز على أفعال الرئيس الجمهوري ترامب بعد انتخابات الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتقول إن محاكمته سببها تحريضه على العنف واقتحام مبنى الكونغرس.

وتنص المسودة على منع ترامب من تقلد أي منصب حكومي في المستقبل.

ونشر النائب الديمقراطي تيد ليو على صفحته في تويتر نسخة من المسودة تضمنت بندا واحدا حمل عنوان “التحريض على التمرد”.

وجاء في الوثيقة أن ترامب من خلال تكرار الادعاء بفوزه في الانتخابات، وتشجيع أنصاره على الاعتداء على الكونغرس؛ عرّض أمن الولايات المتحدة والمؤسسات الحكومية للخطر، وهدد نزاهة النظام الديمقراطي، وأعاق الانتقال السلمي للسلطة.

وتضيف الوثيقة أن ترامب أظهر أنه لا يزال يمثل تهديدا للأمن القومي والديمقراطية والدستور إذا سُمح له بالاستمرار في منصبه.

وقال النائب ليو إن أكثر من 150 نائبا وقعوا على لائحة الاتهام بعد ساعات قليلة من نشرها، وأكد أن نص الاتهام صيغ بطريقة تهدف إلى الحصول على دعم المشرعين الجمهوريين.

جدول المحاكمة المحتملة

من ناحية أخرى، وزع زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل على الجمهوريين في المجلس مذكرة توضح كيف ستجري المحاكمة المحتملة لترامب إذا وجه مجلس النواب الاتهام إليه.

ووفقا للمذكرة -التي حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post)- فإن ماكونيل أخبر الجمهوريين أن مجلس الشيوخ لن يجتمع قبل 19 يناير/كانون الثاني الجاري، لكونه عمليا في فترة استراحة.

ويعني ذلك أن إجراءات المحاكمة البرلمانية -التي تعقد في مجلس الشيوخ- قد لا تبدأ إلا بعد انتهاء ولاية ترامب في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، نظرا إلى أن المجلس يأخذ يوما على الأقل لإطلاق العملية بعد تلقيه لائحة الاتهام من مجلس النواب.

من جهة أخرى، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاد ديري أمس الجمعة إن محاكمة ترامب في الكونغرس مع بقاء 12 يوما فقط على انتهاء ولايته لن تؤدي إلا إلى زيادة حدة الانقسام في البلاد.

ويأمل الديمقراطيون أن تؤدي التهديدات بالمحاكمة البرلمانية إلى تكثيف الضغوط على مايك بنس نائب الرئيس وعلى الحكومة لتفعيل التعديل 25 بالدستور للإطاحة بترامب قبل انتهاء ولايته.

ومن أجل تفعيل ذلك التعديل، يتعين على بنس وأغلبية أعضاء الحكومة إعلان أن ترامب غير قادر على أداء مهام الرئاسة. وقال أحد المستشارين إن بنس يعارض الفكرة.

في غضون ذلك، كشف استطلاع لـ”رويترز-إبسوس” عن أن 57% من الأميركيين يرغبون في عزل ترامب على الفور. وقال 70% ممن شاركوا في الاستطلاع إنهم لا يتفقون مع تصرفات ترامب في الفترة التي سبقت اقتحام الكونغرس يوم الأربعاء.

وإذا صوّت مجلس النواب لصالح توجيه اتهام لترامب لإطلاق محاكمته، فسيكون بذلك أول رئيس أميركي يحاكمه الكونغرس مرتين.

فقد سبق أن أطلق مجلس النواب إجراءات المحاكمة البرلمانية ضد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2019، على خلفية اتهامات بالضغط على الرئيس الأوكراني لفتح تحقيق يتعلق بابن جو بايدن، لكن مجلس الشيوخ قضى ببراءة ترامب في فبراير/شباط 2020.

نوايا ترامب

في المقابل، نقلت شبكة “سي إن إن” عن مستشارين في البيت الأبيض قولهم إن ترامب لا يفكر أبدا في الاستقالة، ولا يعتقد أنه ارتكب أي خطأ.

كما نقلت شبكة “سي بي إس” (CBS) عن مستشارين بالبيت الأبيض أن ترامب لن يستقيل ولن يسلم السلطة إلى نائبه مايك بنس ويطلب منه إصدار عفو رئاسي بحقه.

من جهة أخرى، قال مايكل كوهين -المحامي السابق لدونالد ترامب- إنه سيدلي بشهادته بشأن مخالفات ارتكبها ترامب وعائلته.

وكتب على تويتر الجمعة “لقد تلقيت طلبا ووافقت على التعاون مع العديد من الوكالات الحكومية للإدلاء بشهادة بشأن المخالفات التي ارتكبها ترامب وعائلته”.

————————-

بعد إيقاف حسابه نهائيا.. ترامب يهاجم تويتر ويتهمه بالتآمر لإسكاته

اتهم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب موقع تويتر بالتآمر لإسكاته، والتنسيق مع الديمقراطيين واليسار الراديكالي لوقف حسابه، وذلك بعد أن أوقف الموقع نهائيا الحساب الشخصي لترامب بسبب ما وصفه بخطر حدوث مزيد من التحريض على العنف، وذلك بعد يومين على أعمال شغب دامية لعدد من أنصاره اقتحموا مبنى الكونغرس لعدة ساعات، في حادث غير مسبوق بالتاريخ الأميركي.

وجاء رد ترامب بسلسلة تغريدات على الحساب الرئاسي الرسمي حذفها تويتر لاحقا، وقال فيها إن تويتر ذهب بعيدا في منع حرية التعبير.

وأضاف الرئيس المنتهية ولايته أنه سينظر في إمكانية بناء منصته الخاصة، مشيرا إلى أنه لولا المادة 230 من قانون الاتصالات لما كان تويتر لينجو بفعلته.

وفي السياق، اعتبر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن قرار موقع تويتر حظر حساب الرئيس ترامب نهائيا يشكل خطأ جسيما، وقارن بين سماح الموقع للمرشد الإيراني علي خامنئي بنشر تغريدات ومنع ترامب، مشيرا إلى أن “ذلك يشي بالكثير عن أولئك الذين يديرون تويتر”.

وأوضح الموقع أن قراره جاء بعد المراجعة الدقيقة لتغريدات ترامب الأخيرة والظروف المحيطة بها، كما أوقف تويتر لاحقا حساب حملة ترامب الانتخابية.

وكان تويتر قد حظر الجمعة حسابات لشخصيات مؤيدة لترامب، من بينها الجنرال مايكل فلين أول مستشار أمن قومي لترامب، وذلك بسبب ترويجه لنظريات مؤامرة من طرف منظمة “كيو أنون” (QAnon) اليمينية المتطرفة، وفق الموقع.

كما حذف موقع تويتر تغريدات عدة للرئيس الجمهوري المنتهية ولايته الذي واصل الطعن في صحة الانتخابات الرئاسية، وجمد حسابه لمدة 12 ساعة، قبل أن يعيد تفعيله أول أمس الخميس.

وهدد الموقع حينها بإغلاق حساب ترامب نهائيا في حال استمراره بانتهاك قواعد الاستخدام المتعلقة بالنزاهة المدنية.

واتخذت عدة منصات للتواصل الاجتماعي -بينها تويتر وفيسبوك ويوتيوب- إجراءات عقابية ضد الرئيس ترامب تشمل تعليقا مؤقتا لحساباته عقب اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن الأربعاء، وذلك وسط اتهامات له بتأجيج العنف.

فقد أعلن الرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ الخميس تعليق حسابَي ترامب على فيسبوك وإنستغرام إلى أجل غير محدد ولمدة “أسبوعين على الأقل”.

وقال زوكربيرغ في بيان إن “أحداث الساعات الـ24 الماضية الصادمة تظهر بجلاء أن الرئيس دونالد ترامب ينوي استخدام فترته المتبقية في المنصب لتقويض انتقال سليم وقانوني للسلطة إلى خلفه المنتخب جو بايدن”.

ومنذ انتخابات الرئاسة -التي أجريت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفاز فيها المرشح الديمقراطي جو بايدن- بات الرئيس المنتهية ولايته ينشر بشكل مكثف عبر تويتر تغريدات يتحدث فيها عن تزوير الانتخابات الرئاسية على نطاق واسع، فضلا عن استمراره في مهاجمة وسائل الإعلام التي يصفها بالزائفة وبأنها “عدوة للشعب”.

ودفع ذلك المسؤولين عن تويتر إلى وضع إشارات تحذير على التغريدات التي ينشرها ترامب مثل “مضللة”.

وفي إجراء متزامن، أعلن رئيس موقع إنستغرام عن تعليق حساب الرئيس الأميركي على هذه المنصة لمدة 24 ساعة.

كما حذف موقع يوتيوب مقطع الفيديو الذي نشره ترامب على حسابه في هذه المنصة، والذي دعا فيه أنصاره للانسحاب من مبنى الكونغرس، وتحدث فيه مجددا عن تزوير الانتخابات.

بدورها، حظرت “سناب شات” على الرئيس الأميركي المنتهية ولايته النشر في المنصة للسبب نفسه.

——————————

قاض اتحادي يجهض محاولات إدارة ترامب الأخيرة لتعديل نظام اللجوء

منع قاض اتحادي في ولاية كاليفورنيا إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أمس الجمعة من تنفيذ قرار جديد كان من شأنه أن يغير شكل نظام اللجوء الأميركي، ويضع قيودا على الأحقية في اللجوء بالنسبة للمهاجرين الباحثين عن ملاذ في الولايات المتحدة.

ويعد الأمر القضائي تقويضا لمساع تبذلها إدارة ترامب في أيامها الأخيرة لترسيخ سياساتها المتشددة إزاء الهجرة إلى الولايات المتحدة، وذلك قبل تولي الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وأصدر قاضي المنطقة الشمالية في كاليفورنيا جيمس دوناتو أمرا قضائيا سعت وراءه جماعتان للدفاع عن حقوق المهاجرين، لمنع تنفيذ القرار الذي أصدرته إدارة ترامب في 11 ديسمبر/كانون الأول وكان من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ يوم الاثنين.

وسعت الجماعتان لمنع تنفيذ القرار على أساس أنه صادر عن تشاد وولف القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي، والذي لم يعد تعيينه في المنصب قانونيا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، كان قاض في بروكلين قد منع للسبب نفسه، محاولة إدارة ترامب إنهاء برنامج العمل المؤجل للوافدين الأطفال، وهو البرنامج الذي يحمي بعض المهاجرين من الترحيل.

وسحب ترامب ترشيح وولف للمنصب يوم الخميس، بعد أن دان الأخير أعمال الشغب التي ارتكبها مؤيدو ترامب داخل مبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن، وقال إنه “يدعم انتقالا منظما للسلطة إلى بايدن”.

وكان من شأن القرار الأخير أن يقطع طريق اللجوء على المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود الأميركية المكسيكية، من خلال سلسلة من التغييرات في معايير الأحقية في اللجوء، حسبما قال خبراء وجماعات حقوقية.

—————-

=====================

تحديث 13 كانون الثاني 2021

————————–

سيناريوهات إقالة ترامب ومستقبل الحزب الجمهوري

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

اقتحم عشرات من مؤيدي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مبنى الكونغرس، في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، بتحريضٍ مباشر منه، للاحتجاج على إجراءات تصديق مجلسي النواب والشيوخ على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها جو بايدن. وقد مثلت أحداث الاقتحام العنيف وسقوط خمسة قتلى واضطرار أعضاء في الكونغرس، إضافة إلى نائب الرئيس، إلى الاحتماء في أماكن سرّية، صدمةً كبيرة في الولايات المتحدة وخارجها. وبسبب دور ترامب في “التحريض على التمرّد”، باشرت الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب بالتحضير لإجراءات عزله، فهل هناك إمكانية فعلًا لإزاحته من السلطة قبل انتهاء ولايته دستوريًا، في 20 كانون الثاني/ يناير؟

خيارات التخلص من ترامب ومدى واقعيتها

هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة لإنهاء رئاسة ترامب قبل 20 كانون الثاني/ يناير: العزل والإقالة من خلال الكونغرس، وتفعيل التعديل الدستوري الخامس والعشرين وتنحيته من خلال وزراء حكومته ومسؤوليها الكبار، والضغط عليه للاستقالة طوعًا.

1. العزل والإقالة من خلال الكونغرس: أعلن الديمقراطيون رسميًا نيتهم الشروع في إجراءات عزل ترامب في مجلس النواب بتهمة “التحريض على التمرّد، وتعريض الأمن الأميركي ومؤسسات الحكومة إلى خطر كبير”. وبحسب نصٍّ أولي للائحة الاتهام التي أعدّها نواب ديمقراطيون، أظهر ترامب أنه يمثّل “تهديدًا إذا بقي في المنصب”، وأنه “أدلى عامدًا بتصريحاتٍ شجعت على عملٍ مخالفٍ للقانون في مبنى الكونغرس”. وإذا ما تمَّ عزله في مجلس النواب، فستكون هذه أول مرة يباشر فيها المجلس بعزل رئيسٍ مرتين؛ إذ سبق أن وافق على عزله أواخر عام 2019 بعد فضيحة ضغطه على الرئيس الأوكراني لإجراء تحقيقٍ يشمل منافسه الديمقراطي حينها، جو بايدن، وابنه، بتهم فساد، إلا أن الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ حينها أفشلت مسعى الديمقراطيين لإقالته.

ينص الدستور الأميركي في المادة الأولى، الفقرة 2، البند 5، على أن لمجلس النواب وحده السلطة الحصرية للمباشرة في عزل الرئيس؛ بمعنى توجيه الاتهام إليه، في حين أن لمجلس الشيوخ وحده حصريًا، بحسب المادة الأولى، الفقرة 3، البند 6، حق محاكمته بتلك التهم وتبرئته أو إقالته. كما ينص الدستور في مادته الثانية، الفقرة 4، على أنه يمكن إدانة الرئيس وإقالته في مجلس الشيوخ بناء على الاتهامات الموجهة إليه في مجلس النواب بسبب “الخيانة، أو الرشوة، أو غيرهما من الجرائم والجنح الكبيرة”. ويتطلب الدستور أغلبية بسيطة في مجلس النواب لتوجيه لائحة الاتهام. أما قرار الإدانة في مجلس الشيوخ فيتطلب تصويت ثلثي أعضائه (67 عضوًا من أصل 100). وفي حال تمّت إدانة الرئيس وإقالته في مجلس الشيوخ، فإن هذا يعد حكمًا نهائيًا لا يستطيع الرئيس استئنافه. في هذه العملية، يقوم مجلس النواب، إذا وافق على العزل، عمليًا بدور الادّعاء، في حين يؤدّي مجلس الشيوخ دور القاضي أو هيئة المحلفين.

وعلى عكس عملية عزل ترامب أواخر عام 2019، التي استغرقت أسابيع طويلة، فإن الديمقراطيين يقولون إن العملية هذه المرّة ستكون سريعة، ولن تستغرق إلا أيامًا قليلة، لأنه لن تكون هناك تحقيقات ولا جلسات استماع، بحيث يتم التصويت سريعًا على لائحة الاتهام. ويؤيد نوابٌ جمهوريون هذه المرة عزل الرئيس، وهو مغايرٌ لما جرى في المرة الأولى. إلا أن المشكلة ستكون في مجلس الشيوخ، إذ على الرغم من إعلان عدد من أعضائه الجمهوريين تأييدهم إقالة ترامب بعد اقتحام الكونغرس بتحريض منه، فإن الديمقراطيين لن يتمكّنوا على الأرجح من تأمين 17 صوتًا بين الجمهوريين لتحصيل أغلبية الثلثين. وربما كان هذا أصلًا هدف الديمقراطيين، وهو تصعيد أزمة الحزب الجمهوري بإحراجه في التصويت على عزل ترامب بعد ما فعَله.

وفضلًا عن ذلك، لن يجتمع مجلس الشيوخ فعليًا إلا في 19 كانون الثاني/ يناير، أي قبل يوم من انتهاء رئاسة ترامب للنظر في إقالته، على الرغم من أن بعض الديمقراطيين والجمهوريين على السواء يشدّدون على ضرورة القيام بالتصويت على إقالة ترامب، حتى لو بعد مغادرته منصبه، من أجل منعه من الترشّح لأي منصب عام بعد ذلك. وينص الدستور في المادة الأولى، الفقرة 3، البند 7، على أنه يمكن مجلس الشيوخ أن يُتبع التصويت على إقالة الرئيس بتصويتٍ آخر يقضي بحرمانه من الترشّح لمنصب مستقبلي، علمًا أن هذا الإجراء لا يتطلب إلا أغلبية بسيطة (50+1)، في حال تم التصويت على إقالته بأغلبية الثلثين. ولكن إدانة الرئيس وإقالته لا تعنيان أن الكونغرس يملك صلاحية سجنه؛ إذ إن هذه محاكمة سياسية. ولكن يمكن ملاحقته على نحو مستقلٍّ قضائيًا بناء على تُهم جنائية، وهو ما أعلن مدّعون عامون، كما في واشنطن وجورجيا ونيويورك، نيتهم القيام به.

لذلك، من غير المرجّح أن تنجح هذه المحاولات في مجلس الشيوخ في ظل معارضة جمهوريين كثيرين، كما أن بايدن نفسه لا يبدو متحمّسًا لها، لما قد يسببه ذلك من صرف الانتباه عن أجندته للمئة يوم الأولى، وتعميق الانقسام القائم أصلًا داخل المجتمع الأميركي.

2. تفعيل التعديل الدستوري الخامس والعشرين: لا تُخفي قيادات الديمقراطيين في الكونغرس، ومعهم أعضاء جمهوريون ومسؤولون في إدارة ترامب تفضليهم هذا الخيار. وينظم التعديل الدستوري الخامس والعشرون، لعام 1967، في الفقرة الرابعة منه، عزل الرئيس من طرف نائبه، بتأييد أغلبية أعضاء الحكومة عندما يعتقدون أنه “غير قادر على الاضطلاع بصلاحيات وواجبات منصبه”. ولم يحصل أن فُعِّل هذا النص، مع أنه تمَّ التفكير فيه أكثر من مرة خلال رئاسة ترامب، بسبب سلوكيات له عُدّت غير سويّة ومهدّدة للأمن القومي. وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست على نائب الرئيس، مايك بنس، لتفعيل هذا النص، فإنه ما زال مترددًا في ذلك.

3. الاستقالة طوعًا: يقضي الخيار الثالث بأن يبادر ترامب نفسه إلى الاستقالة طوعًا، على أن يُكمل بنس مدته الدستورية حتى 20 كانون الثاني/ يناير، يمنح خلالها ترامب عفوًا عامًا. إلا أن ترامب لن يقبل ذلك على الأرجح، وخصوصًا أن علاقته بنائبه وصلت إلى مستوى عالٍ من التوتر وعدم الثقة.

ترامب ومستقبل الحزب الجمهوري

وضع اقتحام الكونغرس بتحريض مباشر من ترامب الحزب الجمهوري أمام معضلةٍ حقيقيةٍ تهدّد بانقسامه تيارين؛ ينادي الأول بضرورة الابتعاد عن ترامب ووضع آلياتٍ لا تسمح له بالعودة إلى قيادة الحزب. ويشدّد الثاني على أن ترامب هو إحدى أوراق الحزب الرابحة. وبناء عليه، لا ينبغي التمرّد عليه أو التخلي عنه. ويقول رأي ثالث إن ترامب بات فعليًا يسيطر على الحزب الجمهوري، وإن أي محاولةٍ للتخلص منه ما عادت تُجدي نفعًا.

يرى أصحاب الرأي الأول أن اقتحام الكونغرس أضرّ على نحو كبير صورة الحزب الجمهوري، وأنه أصبح “يواجه تهديدًا وجوديًا” إذا لم يتمايز في موقفه، ويبتعد عن رئيسٍ منفلتٍ تتحكّم فيه نزوات سلطوية جامحة. وبحسب السيناتور الجمهوري، جون ثون، من ولاية ساوث داكوتا، فإن “هوية” الحزب الجمهوري تمحورت في السنوات الماضية حول قيادة الحزب، وينبغي أن تتمحور الآن حول “الأفكار والمبادئ والسياسات”. ويسوق هؤلاء حججًا كثيرة في ضرورة الابتعاد عن ترامب، منها الهزائم الانتخابية التي لحقت بالحزب أخيرا، وآخرها الخسارة غير المتوقعة لمقعدَي مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، وهو ما يعني خسارة الأغلبية لصالح الديمقراطيين. وبهذا، يكون الجمهوريون قد خسروا البيت الأبيض ومجلسَي الكونغرس؛ النواب والشيوخ، اللذين كانا تحت سيطرتهم مع بداية رئاسة ترامب عام 2017. ويحذّر أصحاب هذا الموقف من أن البقاء تحت عباءة ترامب سيحدّ من قدرة الحزب على الفوز في أي انتخاباتٍ عامة قادمة، وجمع الأموال، فضلًا عن إيجاد مرشّحين أقوياء. ويؤيد هؤلاء فكرة التصويت على إقالة ترامب في مجلس الشيوخ، بعد عزله في مجلس النواب، والتصويت تاليًا على منعه من تبوُّؤ أي منصبٍ عام في المستقبل. ويخشى هؤلاء الجمهوريون من عودة ترامب إلى الترشّح للرئاسة بعد أربع سنوات، وخصوصًا أن استطلاع رأي أُجري في كانون الأول/ ديسمبر 2020 يشير إلى أن ترامب يتمتع بتأييد 87% بين الجمهوريين، على الرغم من أنه لا يحظى بشعبية كبيرة على المستوى الوطني. في حين أفاد استطلاع رأي آخر أُجري في الفترة نفسها بأن 77% من الجمهوريين يصدقون مزاعم ترامب إنه خسر الانتخابات لبايدن من جرّاء عمليات التزوير التي جرت على نطاق واسع.

أما أصحاب الرأي الداعي إلى التمسّك بترامب، فحجتهم أنه حصل على أكثر من 74 مليون صوت، أي ما نسبته 46.9% من مجموع الناخبين الأميركيين. ويقولون إن الحزب الجمهوري استطاع أن يقلص الفارق مع الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب بفضل وجود مرشحيه على القائمة الانتخابية نفسها لترامب، كما أنهم يرون أن ترامب ساهم في الحفاظ على عديد من المقاعد الجمهورية في مجلس الشيوخ. وبحسب استراتيجيين جمهوريين عديدن، فإن ترامب عزّز وضع الحزب بين ناخبي الطبقات العاملة، عبر ترويجه أجندةً قوامها توفير الوظائف وتخفيض الضرائب. بل يرى هؤلاء أن أجندة ترامب وسياساته المتعلقة بالضرائب والهجرة يمكن أن تساعد الحزب الجمهوري على استعادة الدعم بين ناخبي الضواحي الذين انفضّوا عنه بسبب أسلوبه الشخصي، وليس بسبب سياساته، ويسوقون دليلًا على ذلك فوز عديد من المرشحين الجمهوريين في مجلس النواب عن تلك المناطق.

في حين يعتقد أصحاب الرأي الثالث أن سيطرة ترامب على الحزب ستستمر بعد خروجه من الرئاسة، بل إن نجله، دونالد ترامب جونيور، لم يتردّد، قبل اقتحام الكونغرس بساعات قليلة، في تهديد الأعضاء الجمهوريين الذين أعلنوا نيّتهم التصديق على فوز بايدن بأنهم سيواجهون العواقب، على أساس أن “هذا لم يعد حزبهم الجمهوري. بل بات حزب دونالد ترامب الجمهوري”. وفي مؤشّر على استمرار الدعم الذي يحظى به ترامب داخل الحزب الجمهوري، أعيد انتخاب رونا مكدانييل وتومي هيكس جونيور، وهما حليفان مقرّبان منه، في 8 كانون الثاني/ يناير، أي بعد يومين فقط من اقتحام الكونغرس، في منصبين رئيسين في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري. كما يتمتع ترامب بدعمٍ قويٍّ بين ناخبي الطبقة العاملة والمسيحيين الإنجيليين والريفيين. وبحسب استطلاع رأي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال وشبكة إن بي سي نيوز يغطي عام 2020، فإن نحو 60% من الجمهوريين وصفوا أنفسهم بأنهم مؤيدون لترامب، وليس للحزب الجمهوري، وأنهم يدعمونه على نحو مطلق.

انطلاقًا من ذلك، يمكن فهم إصرار ستة شيوخ جمهوريين، و121 نائبًا عن الحزب، المضي في تحدّي نتائج انتخابات بعض الولايات كأريزونا، حتى بعد الاقتحام الدامي لأنصار ترامب مبنى الكونغرس، وانفضاض جمهوريين كثيرين عنه، وتصاعد الدعوات إلى الوحدة وضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة.

خاتمة

على الرغم من حالة الغضب العارم التي تسبَّب بها تحريض ترامب أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس، بما في ذلك في صفوف المسؤولين الجمهوريين، فإن مسألة إقالته أو تنحيته عن الحكم قبل نهاية ولايته تبدو أمرًا مستبعدًا. لكن في كل الأحوال، فإن اقتحام جماعات متطرّفة الكونغرس بالقوة، بتحريضٍ من الرئيس الأميركي نفسه، خلّف وصمة في تاريخ الولايات المتحدة، إما أن تنجح في تجاوزها وإيجاد سبل للحوار الداخلي، وشرط ذلك تهميش ظاهرة ترامب ونزع الشرعية عن الشخص ذاته، أو ستمضي أبعد في تمزق نسيجها الاجتماعي والسياسي. وهكذا، سيجد بايدن نفسه في 20 كانون الثاني/ يناير أمام أميركا أخرى، غير التي تركها حينما كان نائب الرئيس عام 2017؛ بلد مستقطب منقسم على ذاته، ضعيف اقتصاديًا بعد جائحة كورونا وغيرها، إضافة إلى تراجع هيبته عالميًا، بسبب السياسات والممارسات التي ارتكبها ترامب وأنصاره.

——————————-

احتمالات المواجهة الأميركية الإيرانية

قسم الدراسات

لم يعد ترابط الملفات الأربعة، في العراق وسورية ولبنان واليمن، موضعَ خلاف؛ لكون إيران تشكّل فيها لاعبًا أساسيًا في إطار مشروعها التوسعي في المنطقة، بالاعتماد على ذراعها الضارب خارج الحدود “فيلق القدس” الذي قاده قاسم سليماني، واتبع إستراتيجية تشكيل وتدريب وتسليح ميليشيات تابعة له في كل دولةٍ باتت أداته في السيطرة والتوسع، وربما كان “حزب الله” اللبناني أكثرها تأثيرًا وقوة وولاءً، ميليشيات عابرة للحدود مسلحة بعقيدة طائفية، تزجّ بها إيران حيث تقتضي الساحة هذا الحضور الكثيف، وكانت سورية المثال الأبرز، حيث حضرت عشرات الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، وفي مقدمتها “حزب الله” اللبناني، بقيادة قاسم سليماني المباشرة، لقمع ثورة السوريين، وقد قتلت عشرات الألوف منهم، ودمّرت مدنهم وقراهم، حتى قبل التدخل الروسي؛ ذلك بأن إستراتيجية إيران قامت على محاولة السيطرة على المنطقة بأيدي أبنائها، وسوف تخوض حروبها بالوكالة خارج أراضيها، ما أمكنها ذلك.

منذ التدخل الروسي في سورية 30 أيلول/ سبتمبر 2015، بطلب من قاسم سليماني، بحسب ما صرّح حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة مع قناة الميادين، اتضح أن قدرة إيران على التمدد وصلت إلى نهايتها، وبعد هزيمة مشروع (داعش) عام 2017، جاء القرار الأميركي الإسرائيلي، برضا روسيا، عقب لقاء الأطراف الثلاثة في القدس، في تموز/ يوليو 2019، الذي يقضي بمنع إيران من التموضع على الأراضي السورية، ثم جاء اغتيال قاسم سليماني، بقرار وتنفيذ أميركي بتاريخ 3 كانون الثاني/ يناير2020، ضربةً قاصمةً لها تداعياتها على مجمل المشروع الإيراني.

تراجع السطوة الإيرانية في المنطقة:

هناك عوامل عدة جعلت الساحات الأربع، في السنتين الأخيرتين، التي طالما تبجح المسؤولون الإيرانيون بأنها باتت في قبضة السيطرة الإيرانية، تعيش حالة من الاضطراب والتراجع في السطوة الإيرانية، ولعلّ أهمها الحراك الثوري للشعب العراقي الذي انطلق من محافظات الجنوب، ثم عقوبات الضغط الأقصى الأميركية على إيران وعلى “حزب الله” اللبناني، لكن الواضح أن الساحتين العراقية والسورية هما الساحتان الأكثر سخونة واضطرابًا في هذه المرحلة، لجهة تأثيرهما على مستقبل الهيمنة والنفوذ الإيرانيين، بسبب تعقيدات الوضع في كلتا الساحتين، والسبب الأهمّ هو الوجود الكثيف للميليشيات التابعة لإيران في كلا البلدين، وتغلغل الأصابع الإيرانية في مفاصل التحكم في كليهما. وبالنظر إلى هذا الترابط، يصبح من المنطقي القول إن كلّ تراجع للنفوذ الإيراني في إحدى الساحتين سينعكس إيجابًا في الساحة الأخرى.

فأولًا: على الساحة السورية، حيث خاضت الميليشيات التابعة لإيران وبعض وحدات الحرس الثوري الإيراني أقسى المعارك، بقيادة قاسم سليماني المباشرة وبعض كبار جنرالاته، في أكثر من جبهة، على مدى سنوات الصراع، دفاعًا عن نظام الأسد الذي ظهر، منذ الأشهر الأولى للثورة، عجزُه عن استيعابها، وقد قامت هذه الميليشيات بعمليات قتل وتهجير للسوريين، ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واشتغلت إيران على التغيير الديموغرافي، وتسريع حركة التشييع في سورية، لكن الأخطر كان هو تشكيلها ميليشيات محلية تتبعها، على غرار ما فعلت بالعراق، وقد قُدّر عدد أفرادها بأكثر من خمسة عشرة ألفًا، تنتشر بشكل أساسي في جنوب سورية وفي المنطقة الشرقية، ولا يخفى تغلغل إيران في الجيش وفي بعض الأجهزة الأمنية وكذلك في بعض مفاصل الحكم، حيث استحوذت على كثير من المنافع الاقتصادية، وعلى الرغم من أن حدة المعارك قد خفتت على الأراضي السورية، فإن إيران ما زالت تبقي على القسط الأكبر من الميليشيات التي جلبتها بغية الحفاظ على نفوذها.

وعلى الرغم من الوعود الروسية بتحجيم الوجود الإيراني في سورية، فإنها عمليًا لم تُنفّذ إلا القليل على هذا الصعيد، ليس لأنها لا ترغب في ذلك، بخاصة أن إيران تقاسمها النفوذ والسيطرة على النظام السوري، وهو ما لا تريده بالقطع، إنما لأنها لم تحصل حتى الآن على المقابل من الطرف الأميركي ومن إسرائيل على الأرجح، وعليه فهي تكتفي بغض الطرف المتفق عليه عن الغارات الإسرائيلية، حيث نفّذت إسرائيل مئات الغارات الجوية مستهدفة مقار ومستودعات أسلحة تلك الميليشيات على كامل الجغرافيا السورية، وأوقعت فيها خسائر بشرية ومادية لا يستهان بها، لكن إيران ما زالت تتحمل من دون أن ترد، وذلك من ضمن رهانها على حدوث تغيير في شروط العلاقة مع الولايات المتحدة في عهد الإدارة الجديدة.

وثانيًا: على الصعيد العراقي، حيث إن توتر الأوضاع هناك على أشده، ويحتدم الصراع بين قوى الدولة وقوى اللادولة التي تمثلها الميليشيات، وقد سرّع وتيرة الصراع حِراكُ أكتوبر الثوري، وكذلك تصاعد المواجهة الأميركية الإيرانية، منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ثم زادها دفعًا اغتيال سليماني، وليس أدلّ على ذلك مما عاشته بغداد من توتر وحرج، ليلة 25 كانون الأول/ ديسمبر 2020، إذ انتشرت عناصر مسلحة تابعة لميليشيا “عصائب أهل الحق” التي يقودها قيس الخزعلي، وعناصر لميليشيات أخرى متضامنة معها، وانتشرت مقاطع فيديو تُظهر هذه المجموعات وهي تهدد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مطالبة إياه بالإفراج عن عضو العصائب الذي اعتقلته القوى الأمنية العراقية بتهمة إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء، يوم 22 كانون الأول/ ديسمبر، وأصابت إحداها السفارة الأميركية بأضرار مادية.

رفض رئيس الوزراء العراقي الخضوع لهذا الابتزاز والتطاول على الدولة، وأمر بنشر قوة مكافحة الإرهاب في محيط العاصمة، ثم نزل وتجول في شوارع بغداد، برفقة عدد من القادة الأمنيين والعسكريين، وفي نهاية المطاف؛ انسحبت العناصر المسلحة من العاصمة، بناءً على رواية غير مؤكدة تقول إن “الانسحاب جاء بناءً على وساطات داخلية، وربّما أوامر إيرانية”.

تفكيك الميليشيات.. الممكنات والتحديات:

بغض النظر عن صحة أو عدم صحة رواية الضغط الإيراني، لوقف تصعيد الميليشيات ضد الكاظمي، ثمة سؤالٌ يطرح نفسه بقوة، يدور حول أسباب تصرّف الكاظمي على هذا النحو، وقد جاءته الفرصة ولم يكمل خطوته بتصفية الميليشيات التي تزرع الفوضى والانفلات الأمني في العراق! أو على الأقل العمل على تصنيفها، قانونيًا، بأنها منظمات إرهابية خارجة عن القانون، وتهدد وحدة وأمن العراق؟

في سياق البحث عن جواب لهذا السؤال، وغيره من الأسئلة، لا بدّ من إلقاء نظرة على اللوحة العراقية، ومحاولة تقصي الصراعات ما بين القوى العراقية وتلك الصراعات من الخارج، في ضوء التوتر الأميركي الإيراني، والتحولات وتغيرات القوى والسيطرة في المشهد العراقي، حيث بات هناك خمسة عناوين لقوى تتفاعل داخل تلك اللوحة، وهي:

1 – ميليشيات “الحشد الشعبي”، فالحشد الذي يشمل ثمانين فصيلًا لم يعُد بعد مقتل سليماني والمهندس، كما كان قبله، فهو أولًا أصبح في الإطار العام حشدَين: حشد ولائي يجاهر بتبعيته لطهران، وحشد العتبات، وهي أربعة فصائل تتبع مرجعية السيستاني الدينية في النجف، وقد خرجت من الحشد، ووضعت نفسها تحت تصرف القائد العام، حيث بات الخلاف في التوجهات بينها وبين الفصائل الولائية واضحًا، فالعداء لتنظيم (داعش) الذي كان يوحدهما لم يعد قائمًا، والعنصر الأهم هو الموقف من ثورة العراقيين ومطالبها، فحشد المرجعية يتبنى إلى حدٍ كبير مطالب المتظاهرين، في حين أن فصائل الولائي قتلت حتى الآن أكثر من ستمئة متظاهر، فضلًا عن الإصابات والخطف والتصفيات، وأصابع الاتهام في هذه النقطة تتجه أكثر ما تتجه إلى ميليشيا “بدر” التي يقودها هادي العامري، والأمر الثاني أن الميليشيات الولائية لم تعد على تلك الدرجة من الولاء والتبعية لطهران، كما كانت، لكنها لم تقطع معها تمامًا، فطهران، بحكم أزمتها الاقتصادية المتمادية بفعل العقوبات الأميركية الشديدة، لم تعد قادرة على تقديم الدعم المالي لهذه الميليشيات، كما كانت سابقًا، لكنها ما زالت تمدّها بالسلاح، وأصبح لهذه الميليشيات أجنداتها الخاصة وأحيانًا المحلية، ومصادر تمويلها الذاتية من عائدات الحواجز والتهريب وفديات الخطف والتهريب والسطو على بيوت وأرزاق العراقيين وسرقتها.

إن عدم انضباط بعض الميليشيات الولائية بتوجهات طهران، وقصفها أحيانًا لأهداف أميركية دون أوامر، جعل منها عبئًا على طهران في هذه المرحلة، وهذا يعود في جزءٍ منه إلى افتقاد قائد “فيلق القدس” الجديد إسماعيل قاآني لكاريزما سليماني وخبرته في الملفّين العراقي والسوري، حتى إن علي الياسري (قائد سرايا الخراساني) غمز من طرف قاآني، ووصفه بأنه “لا يملك الخبرة الكافية في العراق”، كما تسربت معلومات عن اتفاق بين قاآني والكاظمي على ضبط فوضى الفصائل، وتفكيك بعض فصائل الحشد، وتوزيع عناصرها على بقية الميليشيات، وذلك خلال اجتماعهما في بغداد، في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 ، ويعتقد بأن اعتقال علي الياسري ونائبه حامد الزائري وأربعين عنصرًا مقربًا منهما، وإغلاق ثلاثة مقار للخراساني، وثلاثة مقار أخرى للجماعة الإسلامية في منطقتي الكرادة والجادرية في بغداد، هي من ضمن هذا الاتفاق، الأمر الذي أشاد به مقتدى الصدر داعيًا إلى “إخلاء الكرادة والجادرية من تجار الجهاد”.

2 – الحراك الثوري في الجنوب العراقي المستمر منذ أكثر من عام، بانتظار تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها، وفي مقدمتها فكّ الارتباط بإيران، وتحسين الأوضاع المعيشية، ومواجهة فساد النخبة الحاكمة وأحزابها، وهو حراك ثوري عجزت قوى البطش عن إخماده وبات حقيقة لن تستطيع الأحزاب تجاهلها، على الرغم من أن وتيرته خفت بسبب كورونا، وأيضًا في سبيل إتاحة الفرصة أمام الكاظمي لترتيب ما يمكن ترتيبه من أوضاع العراق، والإعداد لانتخابات عامة باتت قريبة، يعتقد أن الشعب العراقي سيقول فيها كلمته حول هذه النخبة السياسية التي خطفت العراق ونهبته ورهنته راضية للنفوذ الإيراني.

3 – الطرف الإيراني: يبدو الطرف الإيراني، وكأنه يمرّ بأضعف حالاته في هذه المرحلة، منذ انطلاقة مشروعه التوسعي في المنطقة بُعيد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فقد أنهكته العقوبات الاقتصادية الأميركية (عقوبات الضغط الأقصى) بعد انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي الذي وقع في العام 2015، وأضعفت قدرة إيران على تمويل أذرعها، إضافة إلى أن أذرعها الميليشياوية المنتشرة في سورية تتعرض لضربات مؤلمة ومتواترة من الطيران الإسرائيلي على مدى العامين الماضيين، وقد انكشف وضعها الأمني، حيث تعرضت لكثير من التفجيرات مجهولة المصدر، كان أخطرها تفجير نطنز كرسالة تحذيرية، لكن الأكثر إيلامًا كان اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة في الآونة الأخيرة، وربما يكون الأهم من كل ذلك خشيتها من خسارة الحاضنة الشيعية في العراق، حيث أطلق متظاهرو العراق من ضمن تلك الحاضنة شرارة الانقلاب على الهيمنة الإيرانية، وهناك طبعًا الوضع الداخلي المتوتر، ثم جاء اغتيال سليماني كضربة قاصمة للإستراتيجية الإيرانية التوسعية.

لقد مرّت طهران العام الجاري بحذر شديد، فهي لم تكن لتعط ترامب الفرصة لضربها، ذلك أن كل تهديدات مسؤوليها -على مختلف مواقعهم- بالانتقام لسليماني، لا تعدو أن تكون رسائل للداخل الإيراني، وتوزيعًا في الأدوار على عادة الساسة الإيرانيين، ما بين الدعوات للتهدئة والاستعداد للتفاوض، وما بين التشدد ورفع مستوى الاشتراطات التي تكذبها قنوات الرسائل الخلفية، عبر الوسيط العُماني أو السويسري، وكل ما يصدر من أذرع إيران في المنطقة، ضمن ما يسمى “حلف المقاومة”، هو للتذكير بقدرة إيران على الإيذاء في المحيط، وتحسين شروط إيران في التفاوض المعقود عليه الأمل، بعد أن يتسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.

لا شك في أن إيران لا تسعى لمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وهي ليست قادرةً عليها، لكن إذا جرت الأمور عن غير قصد باتجاه مواجهة من مستوًى ما، فإن التوجه الإيراني سيكون نحو أن يجعل من العراق ساحته، أو أي ساحة أخرى من ضمن الساحات الأربعة التي تتحكم فيها إيران.

4 – الولايات المتحدة الأميركية: منذ أن ألغى الرئيس ترامب الاتفاق النووي تنفيذًا لوعوده الانتخابية، تصاعد التوتر في العلاقة الأميركية الإيرانية، وتراجعت عما كانت عليه في عهد أوباما، فقد فرض ترامب عقوبات واسعة وقاسية ومتصاعدة، أنهكت الاقتصاد الإيراني ومنعت بقية دول العالم من التعامل معها، ثم جاء التفاهم الأميركي الإسرائيلي، برضا روسي، عام 2018 على منع إيران من التموضع الإيراني في سورية، حيث تتصاعد وتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية ومستودعاتها ومراكز تصنيع الصواريخ الخاصة بها، وكانت الضربة الأكثر إيلامًا اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وهو من كان يقود مشروع التوسع الإيراني في المنطقة، ولا يبدو أن إيران قادرة على تعبئة الفراغ الذي خلفه مقتل سليماني، بحكم خبراته وكاريزميته وارتباط المشروع به تخطيطًا وبناءً وإدارةً.

الولايات المتحدة ليس في خططها شنّ حرب على إيران، إلا إذا دُفعت إلى ذلك، حسبما تقتضيه إستراتيجيتها، أو إذا استطاعت إيران إيقاع أذى كبير بها لا يمكنها السكوت عنه، لكنها ستحاول متابعة الضغوط الاقتصادية وربما السياسية، بغية إجبارها على إعادة التفاوض حول الملف النووي والملف الصاروخي، وسياستها التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، وكل التحليلات التي تذهب إلى أن ترامب سوف يضرب إيران، في الأيام المتبقية له في البيت الأبيض، بغية تكبيل أيدي الإدارة القادمة تجاه إيران، تجانب الصواب والمنطق، فليس في العرف السياسي الأميركي أن يُقْدم الرئيس الراحل على توريط الرئيس القادم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ترامب الذي ترك انطباعًا، بأنه الرئيس الذي يصعب التنبؤ بما سوف يقوم به، يبقى في المحصلة جزءًا من إدارة واسعة، لا تُخضع مصلحة الولايات المتحدة لرؤية شخص، أيًا يكن، على أهمية الصلاحيات التي يملكها الرئيس، ما دام على رأس عمله، وكل الحشود العسكرية الأميركية في الخليج، وآخرها إرسال الغواصة النووية (يو إس إس جورجيا)، وما يقال عن غواصة إسرائيلية أيضًا، واستعراض القوة التي نفذته أخيرًا قاذفتا بي 52، تدلل أن هذه الحشود هي رسائل ردع لإيران ليس إلا، ما دامت إيران لم تتجاوز الحد الذي يمكن لأميركا أن تتحمله، وهي لن تتجاوزه.

5 – رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي: هو ضابط أمن محترف، لا ينتمي إلى أي حزب، جاءت به ثورة أكتوبر 2019، بعد أن أسقطت حكومة عبد المهدي، كما أسقطت خيارات لبدائل طرحتها القوى المتحكمة في المشهد العراقي وإيران، وقد حظي بقبول المرجعية الدينية لمهمة أساسية هي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وضبط فوضى السلاح، وملاحقة قتلة المتظاهرين، وإذا كانت إيران قد قبلت بتوزيره على مضض، فربّما كانت غايتها إفشاله من خلال إظهار عجزه عن إنجاز المهمات التي تصدى لها، لكن بالمقابل من غير المعروف المدى الذي تدعمه فيه الولايات المتحدة، وإذا كان لهذه القراءة نصيبٌ من الواقعية، يكون الرجل في وضع من الصعوبة لا يحسد عليه، لأن خصومه الداخليين أو الخارجيين ليسوا بالسهولة التي يمكن المداورة معها، خاصة أنه يحاول تحييد العراق عن الاستقطاب الأميركي الإيراني، وألا يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين. هذا الوضع يجعل الرجل مضطرًا إلى إجراء الحسابات الدقيقة في كل موقف وقبل كل كلمة، وقد لوحظ أنه يحاول الانفتاح على البيئتين العربية والإقليمية، حيث سرّع مسيرة التطبيع وفتح المعابر مع السعودية، وسعى لتعزيز علاقات العراق بمصر والأردن وتركيا، وذلك لتعزيز موقفه الداخلي، محاولًا عدم استفزاز إيران قدر الإمكان، بدليل إرساله المستشار أبو جهاد الهاشمي (المحسوب على إيران) كمبعوث من قبله لشرح مواقفه الأخيرة، وإبلاغ طهران بنفاد صبر بغداد تجاه تصرفات الميليشيات التي أطلقت الصواريخ على السفارة الأميركية.

بالعودة إلى السؤال الأساس وخطوة الكاظمي غير المكتملة، نجد هناك نقاطًا عدة:

أ – إذا كانت قراءة الكاظمي للمشهد تقرّ بتراجع النفوذ الإيراني، كنتيجة للضغوط التي تتعرض لها في أكثر من ساحة، وصعوباتها الاقتصادية والتوتر الداخلي؛ فإن إستراتيجية الضغط والمحاصرة التدريجية للفصائل المحسوبة على طهران، تكون أجدى من استعجال مواجهة معها غير مضمونة النتائج، في مرحلة انتقالية يمرّ بها الوضع الأميركي، ويصبح الرهان على ضعف الفصائل، بمساعدة ضغط الشارع وإضعاف تبعيتها لإيران، رهانًا معقولًا.

ب – إذا كانت المعطيات الداخلية لديه تشير إلى أن الأحزاب التي أدارت العراق منذ العام 2003، ستُهزم أو ستخسر من رصيدها إلى حدٍ كبير في الانتخابات القادمة، التي ستجري بتاريخ 7 تموز/ يوليو القادم؛ فإن تأخير المواجهة مع الفصائل يصبح خيارًا أكثر نفعًا ومعقولية، حيث لوحظ أن هذه الأحزاب أيضًا لا تدفع باتجاه المواجهة، كي لا تدفع ثمن مواقفها هذه في تلك الانتخابات، ومن جهة أخرى، يلاحظ سعي التيار الصدري واستعداداته لملء الفراغ الذي ستخلفه النتائج على رصيد تلك الأحزاب، إذا لم تخيب ظنه ساحات التظاهر، وهذا مرجّح، لأن مواقفه تجاه التظاهرات لم تكن أقلّ سوءًا من القوى الأخرى، عندما فشل في تجيير التظاهرات لخدمة مصالحه.

ج – وإذا كان -بحكم موقعه الأمني السابق- على دراية دقيقة بالخلل الذي يعانيه الجيش العراقي والقوى الأمنية العراقية، وسيطرة إيران وأذرعها العسكرية أو الأمنية من العراقيين على مفاصل السيطرة والتحكم داخل المؤسستين؛ فإن العمل على ترتيب الأوضاع داخلهما، وعزل العناصر التابعة لإيران، يكتسب أهمية تفوق الدعوات للمواجهة واتهامه بالتردد أو الجبن، أو تلك التي تتهمه بأنه ليس في وارد القطع مع طهران، ولا يعدو أن يكون نسخة جديدة تلائم مستجدات الوضع الإيراني.

وبالمجمل؛ إذا كانت هذه القراءة تنطوي على قدر معقول من الواقعية، فإن نصف خطوةٍ ثابتةٍ على أرض صلبة، باتجاه الهدف، أفضل وأكثر جدوى من خطوة في الفراغ، مهما كانت طويلة، ولا يخفى على أحدٍ حجمُ التغلغل الإيراني في العراق، وأن تخليصه من براثن السيطرة الإيرانية يحتاج إلى إستراتيجية دقيقة ذات نفس بطيء، وإلى تعاون عربي وإقليمي فاعل، وإلى انفجار الوضع الداخلي في إيران؛ حيث إن إيران تعُدّ العراق، بحكم ثرواته وتركيبته الاجتماعية، درّةَ ما تحصلت عليه من نفوذ في المنطقة، ولن تفرّط فيه، سواء في تفاوضها أم في مواجهتها مع الطرف الأميركي وإسرائيل، على الرغم من أهمية وجودها في سورية، لحماية طريق حلمها بالوصول إلى المتوسط، وبالنتيجة نجد أن أي حديث عن مواجهة وشيكة، بين إيران والولايات المتحدة، ليس واردًا في المدى المنظور.

مركز حرمون

——————————–

خيارات بايدن في سوريا/ بهاء العوام

القوات الأميركية تدفع بتعزيزات عسكرية إلى محافظة دير الزور شرق سوريا. ليس بأمر من الرئيس المنتخب جو بايدن، وإنما تمهيدا لما ينتظر فعله من ساكن البيت الأبيض الجديد حيال أزمة تقترب من إتمام عقدها الأول دون بوادر حل سياسي.

التعزيزات تلت تصاعد عمليات داعش شرق نهر الفرات، وسواء كان ذلك مدبّرا من دمشق وحلفائها أم لا، فإن حربا جديدة ومحدودة على الإرهاب هناك تلوح في الأفق، وقد ترسم محددات سياسة بايدن في سوريا خلال سنوات حكمه.

التعزيزات أيضا جاءت بعد هدوء التوتر بين قوات الدفاع الوطني التابعة للحكومة وقوات الأسايش في مدينة القامشلي. وبالنسبة إلى الرئيس بايدن الذي يعتبر الأكراد حلفاء تجب حمايتهم، فإن كل من يرفع السلاح ضد هؤلاء الحلفاء هو إرهابي لا بدّ من مطاردته. فكيف إن كان هذا الإرهابي مدعوما من روسيا أو إيران أو حتى تركيا التي لا يبدو الرئيس المنتخب مهتما بمخاوفها إزاء تأسيس إقليم كردي سوري يمثل امتدادا لنظيره وجاره العراقي، ويلهم أبناء القومية ذاتها في بقية دول الجوار.

قد تبدو فكرة التقسيم مغرية لبايدن، وهو من أنصارها منذ أن طرحت إبّان الغزو الأميركي للعراق.

كان بايدن نائبا في الكونغرس فقط، أما اليوم وقد أصبح رئيسا للولايات المتحدة وتبدو الظروف مواتية جدا للتقسيم في البلدين، فربما يمضي في مشروعه المؤجل منذ نحو ثلاثة عقود.

هنا يكون ما تركه سلفه دونالد ترامب إرثا قيّما، وتكون الوصايا التي تركها المبعوث الأميركي السابق بالنسبة إلى الملف السوري والتحالف الدولي ضد داعش، جيمس جيفري، هي ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

جيفري دعا الإدارة الجديدة للبيت الأبيض إلى مواصلة نهج ترامب في التعامل مع الأزمة السورية. وأبرز إنجازات ترامب في هذه الأزمة على مدار السنوات الأربع الماضية، هي هدم “دولة” الدواعش، وعرقلة تطبيع دول العالم مع “الرئيس” بشار الأسد، ومنح أراض مجانية لتركيا شمال البلاد، ودعم إنشاء إقليم كردي مستقل شرق نهر الفرات. قد تبدو هذه الإنجازات متناقضة قليلا، ولكنها تمنح الإدارة المقبلة للبيت الأبيض مرونة في التعامل مع الأزمة وفقا للمصلحة الأميركية العليا.

في دعوته إلى تبني نهج سلفه في الأزمة السورية، يترك جيفري للرئيس المنتخب ثلاثة خيارات أسس لها ترامب وفق مستجدات المنطقة على ضوء علاقة بلاده مع إيران وروسيا وتركيا، الأول هو إعادة الشرعية إلى الأسد بعد إجراء إصلاحات داخلية تنفيذا للقرار 2254، والتعاون مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، والتخلص ممّا بقي لديه من أسلحة كيمياوية، ثم “محاسبة” مرتكبي جرائم الحرب التي وقعت خلال عقد من الأزمة، وأخيرا ضمان عودة “حرة” و”كريمة” للاجئين والنازحين.

الخيار الثاني المستشف من تلك المقابلة الصحافية التي أجراها جيفري مؤخرا، وهو أيضا لا يتضمن إسقاط النظام، يتمثل بتقسيم سوريا إلى عدة أجزاء. وجود هذا الخيار هو حقيقة لا يستطيع أحد نكرانها، وهي ما تدفع بغالبية الأطراف الدولية والمحلية المعنية إلى المماطلة في حل الأزمة، إمّا لأنها تفضل هذا الخيار وتعمل على تمرير الوقت كي يتحوّل إلى خيار يتيم، وإمّا لأنها تستفيد من عصاب التقسيم لتخويف خصومها ومنافسيها، ودفعهم نحو تنفيذ مقترحاتها وخططها لحل الأزمة في البلاد.

المبعوث السابق يقول إن الجيش التركي في إدلب السورية بات يقدّر بعشرات الآلاف، وهو بدعم من الأميركيين والأوروبيين، يستطيع عدم إعادة المحافظة إلى سيطرة “الدولة”.

ومع اعتراف واشنطن بتبعية الجولان المحتل لإسرائيل، وتوسيع دائرة دعمها للأكراد شرق نهر الفرات اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، إضافة إلى قبولها بالوجود العسكري الروسي في سوريا إلى الأبد، نستنتج أن مشروع تقسيم سوريا وارد، ولم تصرف الولايات المتحدة النظر عنه مهما ادّعت عكس ذلك في وسائل الإعلام.

مع أخذ المعطيات السابقة بعين الاعتبار، يصبح خروج إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وروسيا من سوريا مستبعدا، ولا يتبقى إلا إيران التي يريد بايدن عقد اتفاق جديد معها ومصالحتها بمجرد دخوله إلى البيت الأبيض. لن يسمح الرئيس المنتخب للخمينيين ببناء قوة عسكرية جنوب سوريا على غرار حزب الله جنوب لبنان، ولكنه لن يحارب ميليشياتهم التي تغلغلت في المجتمع السوري فكرا واقتصادا وسياسة، خاصة وإن وافقت طهران على وضع ضوابط أميركية لبرنامجيها النووي والصاروخي.

يعرف جيفري أن إيران لن تخرج من الدول العربية التي تهيمن عليها دون حرب تجبرها على ذلك. ولأنه يجهل إن كانت المنطقة تنتظر حربا فعلا، أم أنها مقبلة على صفقة جديدة بين بلاده وطهران، وضع خيارا ثالثا أمام الإدارة الأميركية الجديدة يتمثل بتعليق أزمات الشرق الأوسط إلى أجل غير مسمى. وهذا يعني الاستمرار بتقليم أظافر الخمينيين خارج حدودهم حتى بعد إبرام اتفاق يضبط برنامجهم النووي، وهو عكس ما فعل الرئيس الأسبق باراك أوباما في اتفاق لوزان عام 2015.

ولأن أولويات عديدة تتقدم أزمات المنطقة على أجندة بايدن في السياسة الخارجية، يمكن أن يكون خيار جيفري الثالث هو الأكثر واقعية، خاصة وأنه تجنب الخوض كثيرا في أزمات العراق وسوريا واليمن ولبنان خلال حملته الانتخابية. وكأن لسان حاله يقول إن إدارته لن تسعى إلى استقرار الشرق الأوسط إن جرت الرياح على عكس ما تشتهي سفن الديمقراطيين في تنفيذ أجندة أميركية تعيد فيها الولايات المتحدة صياغة التحالفات والاتفاقيات الدولية بما يناسب تطلعاتها في المنطقة والعالم عموما.

صحافي سوري

العرب

——————————–

تعليق حسابات ترامب وسجال مواقع التواصل العملاقة

قرار «تويتر» و«فيسبوك» بتعليق حسابي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرمه من 88 مليون متابع على موقع التواصل الاجتماعي الأول و35 مليون متابع على الموقع الثاني، وأفقده بالتالي وسائل اتصال سياسية واقتصادية وإيديولوجية وثقافية مع أعداد هائلة وغير مسبوقة من الأنصار والخصوم على حد سواء. وكان طبيعياً أن يطلق حجب الحسابين نقاشاً يتجاوز التبريرات التي ساقتها الشركتان، وتنحصر عموماً في الخشية من لجوء ترامب إلى الحسابين للتحريض على العنف وتسعير المزيد من مشاعر الفرقة والكراهية على غرار الوقائع التي تابعها العالم بأسره خلال اقتحام مبنى الكابيتول استجابة لدعوات صريحة أو مبطنة كان «تويتر» و«فيسبوك» ومواقع أخرى حاضنة لها.

أساس الاختلاف حول قرار التعليق ينطلق من فريق أول يرى فيه حداً من حرية الرأي والتعبير ويجعل من هذه الشركات أجهزة رقابة عملاقة لا ضوابط تحكم خياراتها، وفريق ثانٍ مواز ينطلق من مبدأ بسيط بدوره مفاده أن حرية الرأي والتعبير مسقوفة بحدود تهديد الأمن العام أو التحريض على العنف أو خرق القوانين. لكن هذا النقاش سرعان ما يفسح المجال أمام مستوى أعمق وأبعد أثراً، هو أن الحساب موضوع التعليق ليس عادياً من جهة أولى، وأن صاحبه من جهة ثانية هو رئيس القوة الكونية الأعظم حتى إذا كان على أعتاب مغادرة منصبه.

وبهذا المعنى لا يجوز التغاضي عن حقيقة التوقيت الذي اقترن باتخاذ قرار التعليق، ليس لجهة اقتحام مبنى الكابيتول بل على وجه التحديد لأن ترامب على وشك مغادرة البيت الأبيض، فلماذا لم يلجأ الموقعان إلى إجراء سبق لهما أن اتخذاه للحدّ من سوء استخدام المنصتين، أي وسم كتابات ترامب بعلامة تحث المتابع على تدقيق المعلومة؟ ولماذا الإجراء الزجري الشديد الآن، بعد سنوات طويلة سبقت انتخاب ترامب وشهدت إصراره على نشر الأكاذيب والأقوال الزائفة والتحريض، وتغاضت عنها منصات التواصل؟

صحيح أن تغريدات ترامب وتعليقاته تستحق كل شجب وإدانة، وهذا استحقاق قديم وليس ابن اليوم أو وليد الهجوم على مبنى الكابيتول، ولكن قرار تعليق حساباته الآن تحديداً يثير أيضاً المخاوف الجدية حول هيمنة مواقع التواصل الاجتماعية على أقدار الهيئات والدول والأمم والأفراد، خاصة وأنها يمكن أن تُمارس خارج قواعد ناظمة تراعي حق الرأي والتعبير، وخاصة كذلك أن هذه المواقع هي شركات عابرة للقارات ليست بمنأى عن البورصة وصراعات الأسهم وتأثيرات الرأسمالية المعاصرة. وإذا كانت قد لعبت، وتلعب دائماً، سلسلة أدوار حيوية في تناقل المعارف وتبادل المعلومات واحتضان منابر الحريات وتشجيع النضالات الديمقراطية، وانتفاضات «الربيع العربي» خير مثال، فإنها في الآن ذاته ليست بحد ذاتها ديمقراطية ولا في الآن ذاته معادية للديمقراطية، ويتوجب بالتالي إخضاعها للقوانين ذاتها التي تحكم عمل شركات كونية عملاقة تُحسب ميزانياتها وأرباحها بعشرات المليارات.

ولم يكن غريباً رأي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في أن قرار تعليق حساب ترامب «إشكالي» والأرجح أنها عكست تلك الخشية من أن تنقلب مواقع التواصل الاجتماعي إلى سلطات عليا حاكمة ضمناً، تترسخ سلطاتها من دون المرور بإرادة شعبية أو انتخابية ذات شرعية واضحة، وتمتع في الآن ذاته بنفوذ لا سابق له ولا منافس.

القدس العربي

—————————

حتى رمقهم الأخير في الحكم… وبعده!/ جلبير الأشقر

ما أن اتضح أن دونالد ترامب خسر الانتخابات الرئاسية قبل شهرين ونيّف حتى بدأت قيادة الحزب الترامبي ـ الذي لن يلبث على الأرجح أن ينشقّ عن الحزب الجمهوري ـ تسير في اتجاهين تصدّياً للحدث. تزعّم الاتجاه الأول ترامب نفسه، وقد رمى إلى قلب نتيجة الاقتراع بواسطة القضاء الموالي للجمهوريين، مصحوباً بحملة تحريض واسعة مرتكزة إلى الكذب الوقح على طريقة الدعاية النازية، تتوجّهما محاولة انقلابية عن طريق احتلال عصابات فاشية لمبنى الكونغرس الأمريكي، وذلك من أجل تعطيل التصديق على رئاسة جو بايدن وخلق حالة من التمرّد المسلّح تتيح لترامب استخدام القوات المسلّحة الفدرالية استناداً إلى قانون عام 1807 الذي يُجيز اللجوء إليها في وجه «انتفاضة». وقد فشلت الخطة من خلال المشهد البائس الذي شهده العالم قبل أسبوع.

والحال أن النية التي نسبناها لترامب بصورة تهكمية قبل شهرين (مقال «مكالمة سرّية خطيرة بين ترامب والسيسي» بتاريخ 10/11) تأكدت حقيقتها قبل عشرة أيام لمّا حذّر عشرة وزراء سابقين للدفاع، بمن فيهم مارك إسبر، آخر وزراء الدفاع العاملين تحت ترامب والذي أقاله هذا الأخير حالما تأكدت هزيمته الانتخابية، حذّروا وزارة الدفاع في رسالة مشتركة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» (3/1) من ارتكاب «أي أعمال سياسية تنسف نتيجة الانتخاب». وهذا ما يفسّر سعي الديمقراطيين المحموم لتجريد ترامب من سلطاته الرئاسية بالرغم من أنه سوف يفقدها رسمياً بعد أيام قليلة، خشية من أن يستخدمها في تكرار السيناريو الانقلابي بمناسبة حفل تسليم الرئاسة لخصمه.

أما الاتجاه الثاني، فكان الاستعداد للخروج من الحكم في حال فشلت الخطة الأولى، وقد تضمّن ذلك جملة تدابير مستعجلة في الشؤون المحلّية كما في السياسة الخارجية. فكانت أبرزها في المجال الداخلي إجراءات العفو الذي منحه ترامب لمعاونيه المسجونين بسبب خرقهم للقوانين الأمريكية، لاسيما من خلال الكذب لحماية أنفسهم وحماية ترامب في آن واحد. وقد أشرف مايك بومبيو على اتخاذ كل ما يستطيع من تدابير في السياسة الخارجية قبل خروجه من المسرح، وآخرها حتى كتابة هذه الأسطر إدراج حوثيي اليمن على قائمة الإرهاب الأمريكية (علّقت عليه افتتاحية «القدس العربي» يوم أمس) وإعادة إدراج كوبا على تلك القائمة بعد أن كانت إدارة باراك أوباما قد أخرجتها منها. وفي هذين التدبيرين شكرٌ للناخبين كوبيي الأصل المقيمين في فلوريدا والذين أدلوا بأصواتهم لترامب بأغلبية واسعة، وخدمة بالطبع لحلفاء إدارة ترامب الخليجيين في صراعهم مع إيران. وتندرج في هذا السياق الأخير مساعي صهر ترامب جاريد كوشنر في ترتيب «المصالحة» الخليجية الأخيرة وفك الحصار الذي كان مفروضاً على قطر منذ أولى أشهر ولاية ترامب، تفادياً لحصول الأمر نفسه بشكل محتوم في ظلّ إدارة بايدن بما يُظهره بصورة فاقعة على أنه هزيمة نكراء للمساعي التي بذلها متولّي العهد الإماراتي محمد بن زايد في محاولة تركيع قطر.

وطبعاً، كالمعتاد مع الإدارة الترامبية، فإن المستفيدة الأولى من سياستها الخارجية هي إسرائيل، لاسيما أن أعزّ أصدقائهم بنيامين نتنياهو ما زال يتزعّمها. فقد طعن بومبيو قبل شهر بالسياسة الأمريكية التقليدية إزاء مسألة الصحراء الغربية، معترفاً رسمياً بانتمائها إلى الأراضي المغربية، بما أثار حفيظة بعض الجمهوريين البارزين من طاقم السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك بغية الحصول على «تطبيع» المملكة المغربية لعلاقاتها بالدولة الصهيونية. ولا شك في أن قيام حكومة نتنياهو بالتعجيل في قرار بناء 850 وحدة سكنية جديدة في المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية، وذلك قبل عشرة أيام فقط من تولّي فريق بايدن لزمام السلطة التنفيذية الأمريكية، إنما تم بتشجيع من فريق ترامب.

وفي كل ما سبق صورة جلية عن المشهد الذي ينتظرنا في السياسة الدولية بدءاً من هذا العام: فمثلما تحالف نتنياهو بصورة وقحة مع الجمهوريين في الضغط على إدارة أوباما، سوف يتابع تحالفه هذه المرة ليس مع الجمهوريين، أو ليس معهم وحسب، بل مع الحزب الترامبي تحديداً في وجه إدارة بايدن وفي إطار تحالف دولي يضمّ الدولة الصهيونية إلى ما وصفناه قبل شهرين (17/11) تحت تسمية «الحلف الثلاثي الرجعي» المكوّن من روسيا فلاديمير بوتين وإمارات محمد بن زايد ومصر عبد الفتّاح السيسي. ويشكّل هذا الحلف السند الخارجي الوحيد الذي يستطيع متولّي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن يرتكن إليه في سعيه وراء التربّع على العرش السعودي ونقل حكم المملكة من السلالة السعودية القائمة على الوراثة بين أبناء عبد العزيز بترتيب العمر إلى سلالة جديدة، سلمانية، قائمة على الوراثة ابناً عن أب.

ويفتح هذا الأفق جادة واسعة أمام إيران في التقارب مع إدارة بايدن والاستفادة من التوتّر بينها وبين ألدّ أعداء طهران الإقليميين، لولا أن جناح الحكم الإيراني المتشدّد المهيمن في طهران، والذي يشكّل جيش «حرّاس الثورة الإسلامية» عموده الفقري، يبذل قصارى جهده لتنفيذ إجراءات استفزازية، منها زيادة تخصيب اليورانيوم ومنها خطف باخرة كورية جنوبية، ناهيكم من التصعيد السياسي الذي تقوم به ملحقات «الحرّاس» في لبنان والعراق، وذلك بغية الحؤول دون العودة إلى انفتاح يستفيد منه الجناح الإصلاحي الإيراني. أما الخلاصة الأكيدة فهي أننا قادمون في المرحلة المقبلة على كل شيء ما عدا أيام هادئة.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

——————————

لم يكن انقلابًا/ حيان جابر

نخضع منذ الصغر لمحاولات قولبة جاهزة ومحكمة، على جميع الصعد والمستويات، وغالبًا ما تنحصر ضمن ثنائيات مقيتة وحاسمة: أبيض-أسود، خير-شرّ، مهذّب-غير مهذّب، نعم-لا، والعديد العديد منها، وهذا يقودنا إلى استسهال الأحكام الجاهزة والناجزة والحاسمة تلقائيًا، من دون أي حاجة إلى التفكير أو التحليل، ومن تلك الثنائيات الجاهزة مقولة: “العلم نور والجهل ظلام”، والقاعدة السياسية التي تدعي “متانة النظم الديمقراطية”، وقس عليهما العديد من الأعراف والعبارات الناجزة والحاسمة، التي تخفي العديد من الحقائق المدوية في تلافيفها.

فيما يخص “العلم والجهل والنور والظلام”، يهدف هذا المثل الشعبي إلى تسليط الضوء على أهمية العلم، ودوره الحاسم في مجالات الحياة، وكأنه مصباح علاء الدين السحري الذي يفتح كل الأبواب المغلقة، بينما الحقيقية مختلفة قليلًا، وربّما كثيرًا. فصحيح أن العِلم يُعدّ وسيلتنا الفضلى للتغلب على مصاعب الحياة ومشكلاتها، وتطويعها في كثير من الأحيان، إلا أنّ مسار العلم والتعلّم الحقيقي مسارٌ صعبٌ حافل بالتعقيد، وبالأبواب المغلقة التي تحرّض طالب العلم على البحث والتجريب بغية فتح أحدها، وما إن يفتح أحدها حتى نصدم بعدد الأبواب المغلقة التي فتح الطريق لها. لا أعني فلسفة الموضوع بقدر ما أعني تصوير المسار العلمي الواقعي القائم على البحث الدائم والتجربة غير المنتهيين؛ فكل تقدم علمي هو مقدمة لتوارد الأسئلة والمسائل المستعصية على الحل، وذلك على عكس الفهم التقليدي المتداول الذي يحلم بالعلم الكامل والمتكامل والناجز لجميع المعارف. الأمر الذي دفعني إلى الاعتقاد -في مرحلة سابقة- بأن المقولة الأصدق ربما تكون معكوسة، أي إن الجهل نور والعلم ظلام؛ فصاحب الجهالة عابث وغير مدرك لحجم الأخطار التي تحيط به، لذا فهي لا تقضّ مضاجعه، على حين أن صاحب العلم، على النقيض تمامًا، غارقٌ في مئات الأسئلة والمخاوف، من نتائج هذا الفعل أو ذاك، ومنها ما هو مفتوح على المجهول أحيانًا، مما لم يحسمه العلم بعد، مما يثير الريبة والقلق ويحفز على البحث العلمي والاستقصائي، وكأنه هو القابع في ظلام الواقع الصعب، على عكس الجاهل المنتشي بأنوار خادعة وكاذبة متخيلة، لكنها جميلة.

وينطبق هذا الأمر كذلك على الديمقراطية، التي تحوّلت، بفعل تسطيحها وتنميطها، إلى مجرد روتين انتخابي سخيف خالٍ من مضمونه الأساسي والجوهري؛ فالديمقراطية -بالأساس- هي عملية معقدة ومركبة، تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة بين الجميع، على قاعدة إلغاء التمييز والتمايز القسري، سواء أكان تمايزًا ماليًا أم عقائديًا أم جندريًا أم أي شكل من أشكال التمايز الأخرى، وعلى ذلك؛ فالديمقراطية هي وسيلة لتحقيق العدالة والمساواة والحرية لجميع البشر دون تمييز، وهو ما يشير إلى أحد أهم شروطها المنسيّة والمخفية، المتمثلة في التأسيس لمجتمع واع لحقوقه وواع لواجباته، وقادر على نبش الحقائق وتحليلها بعلمية وموضوعية. في حين تحولت الديمقراطية المعاصرة إلى مجرد إجراء انتخابي يمنح المنتخبين حق الاختيار الشكلي، بين خيارين أو ثلاثة أو حتى مئة من الخيارات المتشابهة في خواتيمها، فجميعها خيارات لا تحقق أهداف الديمقراطية الجوهرية في التأسيس والحفاظ على مجتمع، تسود فيه قيم العدالة والمساواة والحرية بين جميع أبنائه.

ومما يظهر من التدقيق، في البيانات الوطنية والعالمية العديدة، مدى توسّع الفجوة المعرفية والمالية داخل الدول وفيما بينها، حيث تعكس الأرقام حجم الكتل الاجتماعية المفقرة، حتى في دول العالم المتقدّم المعروفة سياسيًا بـ “الدول الديمقراطية”، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، كما تعكس مدى انحسار الفرص التعليمية، وتصاعد المظالم الاجتماعية والاقتصادية، استنادًا إلى تباين القوة والإمكانات بين مالكي وسائل الإنتاج والعاملين بها. وبناء على ذلك، تمّ نسف القاعدة الأساسية المؤسسة للعملية الديمقراطية، عبر خلق مجتمعات متباينة في القدرات والظروف، وفي الإمكانات، الأمر الذي انعكس بأشكال عديدة مشوهة، وإن حملت عناوين ديمقراطية، أو تمت عبر عملية شكلية انتخابية.

شهدنا أحد مظاهر تلك الحال البائسة في واشنطن، قبل بضعة أيام، عندما اقتحم مجموعة من المتظاهرين مبنى الكونغرس الأميركي، معبّرين عن تمسكهم بما يعتقدونه “حقّ ترامب بولاية رئاسية ثانية”، وربما ثالثة ورابعة، طبعًا لا فائدة تذكر هنا من محاولة معالجة المسألة عقلانيًا؛ إذ لا تستند البنية السياسية الأميركية إلى أي منطق ديمقراطي حقيقي في جميع تفاصيلها الرئيسية، من حيث قوة الولايات وقوة تمثيلها، وقاعدة الاحتساب الانتخابي، أو ما يعرف بالمجمع الانتخابي، ومن ناحية التمايز العرقي والقومي، ومن غياب المعايير الجامعة والبنية التحتية المتساوية، ومن ناحية التحرر الاستهلاكي والاستعباد البشري، وغيرها الكثير الكثير من التناقضات الصارخة التي أسهمت في تحويل الانتخابات إلى مجرد معركة تافهة وشكلية، كان من السهل إدارتها في السنوات الماضية، وفق نمط بيروقراطي ثابت دون أي مفاجئات أو تقلبات تذكر، إلى أن صعد ترامب رئاستها. ولم يجد ترامب أي غضاضة من كسر نمطية الصراع السلطوي في أميركا، دون أي مساس بجوهر الصراع، فقد سار ترامب وفق قواعد اللعبة الأميركية الجوهرية القائمة على سحق أسس الديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية بل السياسية، عبر تغييب قيم الحرية والعدالة والمساواة بين الجميع، في حين عمل على إجراء تبديل في طبيعة الصراع وشكله، ليحوّله من صراع صناديق، إلى صراع نفوذ وسطوة، ولذا لم يتوانَ ترامب عن إبراز قدراته الاجتماعية، عبر حثّ حاضنته الاجتماعية على التعبير عن ولائها له، ودفعها إلى أقصى درجات التنمر والتمرد والرفض، التي توجت اقتحام مبنى الكونغرس.

فمن ناحية شكلية بحتة، يحمل سلوك مؤيدي ترامب الروح الديمقراطية التي عمل طويلًا على تكريسها أميركيًا وليبراليًا، فهي مشهد احتجاجٍ شعبي ذي سلوكات عنفية محدودة، مع بوادر لتحوله إلى سلوك عنفي خطير، بحكم الأسلحة والمعدات الحربية التي يملكونها شرعيًا، وفق القانون الأميركي ووفق القاعدة الأميركية القائمة على تكريس الحرية الاستهلاكية، والأسلحة سلعة، كما نعلم، وفق الفهم الليبرالي. وبذلك هذه نتيجة مفاجئة، لكنها طبيعية لانحطاط الديمقراطية الأميركية، أخلاقيًا وقيميًا، بالحد الأدنى، أي حصر الديمقراطية بعملية انتخابية دورية والحرية بالتحرر الاستهلاكي، والمساواة بحق المشاركة الانتخابية، في حين حوّلت العدالة إلى جسم هلامي، وفق الحالة التي نعالجها، بشرط عدم مساسها بحق أصحاب رؤوس الأموال في التربح ومراكمة الأرباح.

لا أعلم سبب أصرار البعض على اعتبار أحداث واشنطن انقلابًا ترامبيًا، بينما هي مجرد تمرّد، وربما أقلّ من تمرد، لكونها نتاج ديمقراطية شكلية مقيتة ومشوهة، إذا ما قارناها بالمعايير الديمقراطية التي تصبو إليها الغالبية البشرية، باستثناء أصحاب رؤوس الأموال؛ فعندما نستسهل البناء الديمقراطي ونحوّله إلى مجرد إجراء انتخابي دوري خاو من مضامينه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، سوف نصل إلى مرحلة يقودها ويؤثر فيها أحد معاتيه ومجانين هذا العالم الاستغلالي الظالم.

مركز حرمون

——————————-

«حزب أمريكا العظيمة» لصاحبه دونالد ترامب/ محمد كريشان

صديق لي ما فتئ يكرر أن لا مخرج للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته مما هو فيه من كرب شديد سوى التوجه إلى تأسيس حزبه الخاص ولنطلق عليه مثلا تسمية «حزب ترامب الشعبي» أو «حزب أمريكا العظيمة» أو أي تسمية أخرى. إنها طريقته المثلى، كما يرى صديقي، لرأسملة شعبيته بين أنصاره والخمسة وسبعين مليونا الذين صوتوا له حتى يقول للجميع إن هؤلاء هم قوته الأساسية لمواجهة ما يتعرض له من مؤامرات لإقصائه وهم قوته كذلك للعودة بعد أربع سنوات.

لا أحد تحدث حتى الآن عن خيار كهذا، ولكن نظريا لا شيء يمنعه في وقت لم يعد فيه من فاصل واضح بين الحزب الجمهوري وتوجهات ترامب حتى حين دخل مرحلة «الجنون» الأخيرة بتنظيمه تجمعا شعبيا قرب البيت الأبيض تنديدا بـ«تزوير الانتخابات» ودعوته الحاضرين فيه إلى التوجه إلى الكونغرس للحيلولة دون تنصيب خلفه بايدن قائلا إنه سيكون معهم لكنه تخلف عنهم.

هؤلاء «الرعاع» الذين اقتحموا مبنى الكونغرس وعبثوا بمحتوياته وتسببوا في صدمة غير مسبوقة بين المؤسسات الأمريكية هم بمثابة عينة من «الميليشيات» المؤيدة لترامب التي يمكن أن نراها قريبا في عمليات هنا وهناك نصرة لمن يرونه «زعيما» دغدغ أسوأ ما في الأمريكان البيض من مشاعر تفوق وكره للآخرين الذين شكّلوا تنوع المجتمع الأمريكي وفرادته التي قامت على أنه مجتمع مهاجرين يتيح لهم التفوق والإبداع والتنوع.

حزب ترامب المقترح من صديقي، الذي نصحته بارسال فكرته إلى ترامب نفسه لعله يستحسنها ويعمل بها (!!) من شأنه أن يقضي على الانتهازية التي تفشت في أوساط الحزب الجمهوري الذي بات مسؤولوه يخشون سطوة ترامب القادر على تأليب قواعد الحزب ضدهم، بل وحتى القضاء على مستقبلهم السياسي، سواء كان هؤلاء أعضاء في مجلس النواب أو الشيوخ أو مسؤولين في حكومات الولايات وبرلماناتها. أجواء الرعب هذه دفعت أغلب هؤلاء إلى التزام الصمت ليس فقط تجاه مزاعم التزوير التي لم يكل ترامب من تردادها وإنما أيضا تجاه مساعي عرقلة التصديق على فوز بايدن ورفض حضور حفل تنصيبه.

ربما كان السياق أفضل بكثير بالنسبة لترامب لو كان أعلن حزبه، المفترض جدلا، قبل «غزوة الكونغرس» لأن ما أفرزه الحدث بعد ذلك من تداعيات قد يكون أثنى البعض على الالتحاق به بعد أن تحولت سمعته من حزب شعبوي يقف على يمين الحزب الجمهوري نفسه إلى حزب بلطجية لا يتردد في التحطيم والتخريب، ولم لا في الإعداد لتفجيرات وعمليات قتل اعتمادا على ما كشف عن شاحنة قرب الكونغرس معبأة بالمتفجرات أو استعداد جماعات يمينية متطرفة مسلحة للتوجه إلى العاصمة واشنطن لإفساد حفل تنصيب الرئيس الجديد.

إذا تسارعت الأمور وانتهت إلى محاكمة ترامب أو سجنه سواء بسبب تحريضه على الاعتداء على الكونغرس وعرقلة الانتقال السلمي للسلطة، أو بسبب القضايا العديدة التي تنتظر لحظة خروجه من البيت الأبيض من تهرب ضريبي وغيره كثير، فسيصبح لزعيم هذا الحزب المتخيّل «سجل نضالي» أو»شرعية نضالية» يمكن لأنصاره أن يسارعوا إلى تحويلها إلى «أصل تجاري» لجلب مزيد من الأعضاء وتطعيم «سردية المظلومية» التي يشتكون منها دائما.

أما إذا تدهورت الأمور أكثر ووصلت حد المواجهات المسلحة بين قوات الأمن والحرس الوطني من جهة والجماعات المسلحة اليمينية المتطرفة الموالية لترامب فسيتحول هذا الأخير إلى «أيقونة نضالية ملهمة» لاسيما وأن مثل هذا الاحتمال ليس مستبعدا بالمرة إذا ما استمرت أجواء الشحن والتصعيد داخل المجتمع الأمريكي. لا ننسى أبدا ما قاله الصحافي الأمريكي الشهير توماس فريدمان حين حذر قبل ثلاثة أشهر فقط من أن بلاده قد تكون مقبلة على حرب أهلية ثانية، مستندا إلى مخاوفه وقتها من عدم قبول ترامب بنتائج الانتخابات وعدم تسليمه السلطة للفائز والتسبب في أزمة سياسية خطيرة للبلاد قد تؤول إلى فوضى مسلحة. فريدمان قال وقتها «لقد بدأت مشواري كصحافي بتغطية الحرب الأهلية الثانية في تاريخ لبنان، وأنا الآن مذعور من اكتشاف أنني أنهي مشواري كصحافي أغطي الحرب الأهلية الثانية، الممكنة، في تاريخ أمريكا».

لم يظهر ترامب فجأة هكذا، كرجل غريب الأطوار ولا يمكن توقع أفعاله مسبقا، فقد بدا كذلك منذ يومه الأول لكن الضحية لم يكن طوال سنواته الأربع سوى الأجانب والمهاجرين وكل من كانت له علاقة بواشنطن من الحلفاء والأعداء على حد سواء سواء أوروبا أو الصين أو روسيا أو الفلسطينيين فضلا عن استهتاره بكل التزامات بلاده الخارجية من الاتفاق النووي إلى اتفاقية المناخ إلى منظمة الصحة العالمية وغير ذلك. الآن نقل ترامب حريقه إلى الداخل بعد أن كان يتسلى بإشعاله في الخارج.

وسواء أخذ ترامب بنصيحة صديقي في تأسيس حزبه الخاص أو ظل جمهوريا على طريقته فإن ما سيحدث في الفترة المقبلة هو ما سيحدد ما إذا كانت «الترامبية» ستتواصل كفكر سياسي ووزن مجتمعي وانتخابي أم أنه لن يكون سوى مجرد فقاعة ستتلاشى تدريجيا، هي وزعيمها.

كاتب وإعلامي تونسي

القدس العربي

—————————–

رايات الفاشية ووشم النازية و«غزوة» الكونغرس/ إبراهيم نوار

السادس من يناير 2021 يوم اقتحم السوقة والغوغاء من أنصار ترامب مقر الكونغرس الأمريكي، سيبقى نقطة سوداء في تاريخ الديمقراطية الأمريكية، تشير إلى أن التساهل مع اليمين القومي المتطرف، تحت أي مبررات، يقود إلى كوارث لا نجاة منها. النموذج الأمريكي أصبح محلا للمساءلة والشكوك، منذ فشلت الإدارة في اختبارات عالمية رئيسية مثل، حماية البيئة ومكافحة الفقر والحد من التفاوت، ورفع معدلات النمو وإتاحة الأمل للشباب، والمحافظة على صحة الأمريكيين وأرواحهم خلال جائحة كورونا.

السادس من يناير 2021 سجل أيضا تحولا سياسيا خطيرا، وهو أن الديمقراطية الغوغائية، التي كان يرعاها ويحرض عليها سياسيون أمريكيون ضد مواطنيهم من أصول غير أوروبية، تحولت إلى سلاح ضد ديمقراطية البيض أنفسهم، بمحاولة منع ممثليهم المنتخبين في الكونغرس من التصديق على نتائج الانتخابات. العنف الغوغائي في 6 يناير لم يكن ضد أفارقة، ولا ضد آسيويين، أو مواطنين من أصول لاتينية، كان ضد أغلبية من سياسيين بيض، تم انتخابهم بمقتضى النموذج الذي وضعه الآباء المؤسسون للديمقراطية الأمريكية، الذين كانوا جميعهم من البيض المنحدرين من أصول أوروبية.

ببساطة لقد تحول النموذج الأمريكي إلى رمز للفشل التام، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا خلال أربع سنوات من حكم دونالد ترامب، الذي صوت له في سعيه للحصول على فترة رئاسة ثانية 70 مليون ناخب أمريكي من البالغين الراشدين العاقلين. أليست هذه مفارقة تاريخية في الدولة التي تزعم قيادة النظام الديمقراطي الليبرالي في العالم؟ اللافت للنظر في عملية اقتحام مقر الكونغرس، التي وقعت لمنع التصديق على نتائج الإنتخابات، هو أن أنصار ترامب رفعوا رايات الفاشية، ورسموا على صدورهم وملابسهم وشم النازية، بينما كان رئيسهم يحرضهم داعيا إياهم إلى «استعادة أمريكا» بالقوة، وتخليصها من جماعات السياسيين الضعفاء (الديمقراطيين) والمستسلمين (الجمهوريين غير المؤيدين لترامب). وقد ذكرت في مقال سابق عن حرب ترامب على الديمقراطية الأمريكية، أن هناك جذورا لأفكار التعصب العرقي، وثقافة تفوق الرجل الأبيض، والعنف ضد غير البيض، وأن عملية تداول السلطة لن تكون سلسة، وأن جمهور هذه الثقافة يمثل القاعدة السياسية التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2016، وكانت تتوق إلى استمراره لمدة أربع سنوات أخرى، أو ربما أكثر من ذلك، حتى لو تطلب الأمر الانقلاب على الديمقراطية.

وخلال الفترة منذ نهاية انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا على مقعدي مجلس الشيوخ وفوز مرشحي الحزب الديمقراطي، أحدهما من أصول افريقية، والثاني يهودي، وما تلا ذلك من أحداث في واشنطن، بدأت في الولايات المتحدة موجة مراجعة للثقافة السياسية، وإعادة تقييم ما يحدث، من زوايا تتجاوز مجرد رصد الأحداث وتحليلها، إلى آفاق تلامس نوافذ وأبواب مستقبل الولايات المتحدة، وهو ما اتضح بصورة جلية في إسهامات مؤرخين ومفكرين من أمثال تيموثي سنايدر أستاذ التاريخ في جامعة ييل، وجيفري ساكس أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة كولومبيا، وجوزيف ناي أستاذ نظم الحكم في جامعة هارفارد.

فساد النظام السياسي

يؤكد عالم فلسفة التاريخ تيموثي سنايدر في مقال نشرته «نيويورك تايمز» (9 يناير 2021) أن ترامب لم يؤمن قط بالديمقراطية، ولم يقبل نسختها الأمريكية. لكن هذا التأكيد يثير إشكالية خطيرة تكمن في جوهر النظام السياسي الأمريكي، ألا وهي كيف أن شخصا لا يؤمن أساسا بالديمقراطية، تمكن من أن يصبح رئيس أقوى دولة في العالم، تزعم قيادتها للأنظمة الديمقراطية، وتجعل من شعار الدفاع عن الديمقراطية أهم محركات سياستها الخارجية؟ إن الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة، عملية سياسية معقدة، وواسعة النطاق، تضمنت في حال ترامب تزكية الحزب الجمهوري بقواعده وقياداته، وحصوله على دعم مالي وتبرعات ضخمة من أفراد ومؤسسات ترى لها مصلحة في فوزه، واستفادته من حملات إعلامية قوية ذات أصداء تتردد في كل مكان لضمان حصوله على أغلبية أصوات الناخبين في الولايات المختلفة، طبقا لقواعد النظام الانتخابي الأمريكي. الإشكالية إذن تتجاوز ترامب إلى النظام السياسي الأمريكي برمته، الذي فشل في إغلاق بوابة تسلل منها شخص لا يؤمن بالديمقراطية إلى كرسي رئاسة الدولة، التي تتربع على قمة النظم الديمقراطية في العالم. سنايدر في مقالته شديدة الأهمية، أسس حجج إدانته لفترة حكم ترامب، على فرضية رئيسية مفادها أن ترامب اعتمد على فن الكذب ثم الكذب ثم الكذب في سياسته بشكل عام. وكان فلاسفة عظماء مثل أفلاطون وأرسطو قد حذروا من خطورة الحكام المستبدين بشكل عام، لأنهم سرعان ما يصبحون محاطين بشخصيات تتركز مهاراتها في ممارسة النفاق، وموافقة الحاكم المستبد في كل ما يقول ويفعل. وكان أرسطو قد أثار أيضا خطورة سيطرة مجموعة قليلة من الأثرياء والديماغوجيين على أي نظام ديمقراطي بسهولة، نظرا لقدرتهم على التحكم في ثقافة وسلوك الشعب. وقال سنايدر إن ترامب ليس وحده هو المسؤول عن محاولة إفساد وتلويث الديمقراطية الأمريكية، وإنما يشترك معه في المسؤولية عدد كبير من الجمهوريين من أعضاء الكونغرس، الذين وقفوا معه طوال فترة حكمه، وحالوا دون مساءلته، ثم أولئك الذين أعلنوا تأييد ما اقترفه من جرائم في التحريض على اقتحام مقر الكونغرس بالقوة. غير أن سنايدر لم يعف الرأي العام والجماعة السياسية من المسؤولية، لكنه قال إن العمل من أجل تعليم المواطنين كيفية مقاومة جاذبية الكذب الذي يعتقدون فيه، أو يجدون فيه مصلحتهم، هي مهمة شاقة جدا. وهو هنا يلقى بشكل غير مباشر جانبا مهما من المسؤولية على الحزب الديمقراطي ومؤسسات الإعلام والنخب الأمريكية.

جاذبية النموذج الأمريكي

تناول جوزيف ناي (الابن) العميد السابق لكلية نظم الحكم (جون كينيدي) في جامعة هارفارد وأستاذ السياسة في الجامعة، أحداث اقتحام مقر الكونغرس بواسطة عصابة ترامب وبتحريض منه في مقال مهم نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» في 9 يناير الحالي ناقش فيه كيف تأثرت مصادر القوة الناعمة والغاشمة للولايات المتحدة، خلال حكم ترامب، وقال إن السنوات الأربع من حكمه، ثم محاولته الانقلاب على الكونغرس بعد سقوطه السياسي، لم تقدم أي فائدة للقوة الأمريكية. ومن المعروف أن ترامب دخل في حروب اقتصادية مع العالم، مستخدما سياسة العقوبات المالية، والمساعدات لتوسيع نفوذ السياسة الأمريكية، لكن هذه السياسة أدت غالبا إلى عكس الأهداف المرجوة منها أو المعلنة لها. وأشار ناي إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية، كانت تميل دائما إلى التدخل لأسباب مختلفة، وأسفر ذلك عن دخول واشنطن في 7 حروب ونزاعات مسلحة، لم تكن ترتكز مباشرة على تهديد لتوازن القوى في العالم.

وعن المستقبل قال جوزيف ناي إن نفوذ الولايات المتحدة عالميا سيتوقف على جاذبية مصادر القوة الناعمة، التي تشمل الثقافة والقيم السياسية والسياسات في المجالات المختلفة مثل، الدفاع عن الحريات، وحقوق الإنسان، واحترام قرارات مؤسسات النظام الدولي المتعدد الأطراف. ومن الواضح استنادا إلى ردود الفعل العالمية على ما يحدث في الولايات المتحدة أن جاذبية الثقافة والقيم السياسية والسياسات الأمريكية لدول العالم المختلفة، تراجعت بشدة، بل إن ما حدث يثير الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على قيادة الديمقراطيات الغربية، حيث تعرضت لانتقادات شديدة من جانب قيادات دول مثل، ألمانيا وفرنسا، وحتى في بريطانيا التي تعتبر أقرب حلفاء أمريكا في العالم تاريخيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا. ونظرا لطبيعة التحديات الداخلية التي ستواجهها الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، فإنه ليس من المتوقع أن تكون حظوظ جوزيف بايدن كبيرة في استعادة النفوذ العالمي لبلاده.

تحدي التغيير

وكتب جيفري ساكس أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة كولومبيا يوم 8 يناير مقالا مهما يعرض فيه دلالات وأصول ما حدث في 6 يناير في النشرة الاسبوعية لمجموعة (بروجكت سنديكيت). وذكر أن جذور ظاهرة الغوغائية والعنف السياسي ممتدة في تاريخ الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية، وأن طبقة السياسيين استخدمت هذه الظاهرة لمصالحها الخاصة في الصعود الانتخابي، وخلال الدورات السياسية، لتحويل نقمة قطاعات من الناخبين إلى طاقة من الغضب ضد الأقليات التي تشارك في بناء الولايات المتحدة. وقال إن هذه الظاهرة ترتبط أيضا بثقافة مشروعية حيازة الأسلحة الشخصية. ومن المعروف أن الجماعات المتعصبة قوميا والمؤمنين بتفوق الرجل الأبيض، وجمهور الرابطة الأمريكية لحائزي الأسلحة الشخصية، يمثلون منذ حملة ترامب الانتخابية الأولى العمود الفقري لقوته السياسية جنبا إلى جنب مع المزارعين، وكبار الأثرياء المعنيين بتخفيض الضرائب، والحصول على الامتيازات على حساب المجتمع ككل. لذلك فإن ساكس لا يعتبر ما حدث من اعتداءات همجية على الأقليات وعلى مقر الكونغرس جديدا في جوهره، لكنه يقول إن وجه الاختلاف هذه المرة يتمثل في وقوف المعتدين للمرة الأولى ضد جزء من النخبة الحاكمة ذات الأصول الأوروبية.

وحذر جيفري ساكس من خطورة السنوات المقبلة التي قد يتحول فيها النظام السياسي الأمريكي إلى أقلية بيضاء، تتحكم في أغلبية من المواطنين المنتمين إلى ثقافة وانتماءات وأصول عرقية افريقية وآسيوية ولاتينية. وقال إن التغيرات الديموغرافية تشير إلى حتمية تراجع نفوذ ثقافة تفوق الرجل الأبيض، لأن نسبة البيض بين الناخبين ستنخفض على مرّ السنين إلى أقل من نصف عدد سكان الولايات المتحدة في منتصف القرن الحالي، مقارنة بأكثر من أربعة أخماس عدد السكان في عام 1970. وقدم ساكس أحد العوامل المطمئنة على المستقبل بالقول إن إدراك الأجيال الجديدة لأهمية التنوع العرقي تفوق بكثير الأجيال السابقة. لكن الملاحظ وجود إجماع بين المفكرين في الولايات المتحدة والعالم على التحذير من خطورة الأوضاع في المستقبل، إذا استمرت على المنوال الذي تسير عليه حتى الآن. جوزيف ناي استنتج بوضوح أن «الديمقراطية الأمريكية ليست بخير».

كاتب مصري

———————————-

الأربعاء الأسود/ حسن أوريد

دخل يوم 6 يناير التاريخ من أبوابه الواسعة، في تاريخ أمة تهزأ من التاريخ، وتعتبر كل شيء غير ذي أهمية بالقول «هو جزء من التاريخ». دخل إلى جانب تواريخ أخرى فاصلة، كما قصْفُ الطيران الياباني لمرفأ بيرل هاربر في 7 ديسمبر 1943، ما كان حافزا كي تدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وتُغيّر مسارها، أو تاريخ 11 سبتمبر 2001 حين تم تحطيم برجي المركز التجاري الجديد، فرفعت الولايات المتحدة إثرها لواء الحرب على الإرهاب، وانغمرت في بارديغم جديد في سياستها الخارجية والداخلية، وتوارى انشغالها بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.

تاريخ 6 يناير، يوم اقتحم رعاع مبنى الكابيتول، وانتهكوا حرمته وأتلفوا ممتلكاته، لن ينمحي بسهولة من نفوس الأمريكيين، رغم أنه لا يبلغ في حجمه وتأثيره ما كان للهجوم على مرفأ بيرل هاربر أو هدم البرجين التوأمين.

لم تكن الولايات المتحدة تفخر بقوتها الاقتصادية، ولا مقدراتها العسكرية فحسب، ولكن بقْيمها كذلك، من حرية ومساواة، وإمكانية أي كان تحقيق حلمه، وتلتقي جميعها حول الديمقراطية.. كانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم طبقت مبادئ فلسفة الأنوار، التي بزغت من رحم عاصمة الأنوار، وحارب الفرنسيون جنبا إلى جنب مع الأمريكيين البريطانيين المحتلين، ونقل الآباء المؤسسون ما انتهى إليه فلاسفة الأنوار من سيادة الشعب، وتوازن السلط، والنفور من الأنظمة الوراثية، وكان ما لفت انتباه ملاحظ ثاقب النظر هو ألكسيس دو تكفيل، أن غرس الديمقراطية أينع في أمريكا، أكثر من التربة التي بزغ فيها، والتي ظلت مشدودة إلى مخلفات النظام القديم، وما يقوم عليه من تراتبية. كان الأمريكيون منذ الحرب العالمية الأولى يتباهون بنظامهم السياسي، وجعلوه عقيدة، منذ إرهاصات الحرب الباردة، وتباهوا بنظامهم القائم على حكم الأغلبية والحرية، وفعالية المجتمع المدني، على خلاف المنظومة الشيوعية التي تقوم على حكم الأقلية، والخوف والبوليس السياسي، ثم جعلوا الديمقراطية عقب سقوط حائط برلين واحدا من محددات سياستهم الخارجية. من دون شك بأن مهد الديمقراطية الحديثة هو بريطانيا، ولكن الأرض التي جعلت من الديمقراطية بمثابة عقيدة لها هي الولايات المتحدة. حتى عهد قريب، كان الرئيس أوباما يتباهى بأن البلد الوحيد في العالم الذي يتيح لواحد من الأغيار أن يتسنم سُدّة أعلى منصب في الدولة هو الولايات المتحدة، لذلك لم يكن اقتحام مبني الكونغرس الأمريكي، أن لا يسترعي الانتباه، أو يثير الأسئلة والتخوفات. ليست هي أول مرة في التاريخ يتعرض «معبد» الديمقراطية للانتهاك، فقد سبق لضابط إسباني أن دخل مبنى «الكورتيس» عام 1981 وهدد بمسدسه النواب المجتمعين، ليجهض المسار الفتي للديمقراطية الإسبانية، التي لم تكن تخلصت من مخلفات الديكتاتورية الفرانكوية (نسبة لفرانكو) وقصفت فوهات المدرعات مبنى الدوما في روسيا عام 1994، ولم يكن لأحد أن يزعم أن روسيا ديمقراطية راسخة، ولذلك طُوي الحدث بفشل المحاولة الانقلابية، لكن ما حدث من هجوم غوغاء على مبنى الكابيتول، للتأثير في الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات في الدولة، التي تجعل الديمقراطية عقيدة، وتعلي من قيمة الحرية وسيادة القانون، أمر مثير، وهو أكثر من ذلك، مخيف.

ليست أقرب الصور لما حدث في واشنطن ما جرى في الكورتيس الإسباني، ولا في الدوما الروسي، وإنما ما تعرض له مبني «الرايخ شتاغ» في ألمانيا سنة 1933 من عملية حرق من قِبل عناصر نازية، لم تقبل بنتائج الانتخابات. خطورة ما حدث في واشنطن هو أنه ينطوي على نزوع فاشي، ليس ما حدث عملا معزولا وانفلاتا، ولكن التعبير عن اتجاه يؤمن بالقوة وسمو الإنسان الأبيض، ويعتبر آلية الديمقراطية تفضي إلى تنظيمات رخوة، وميكانيزمات غير فعالة. والاتجاه، كسابقه في إيطاليا وألمانيا في الثلاثينيات من القرن الماضي، وصل للسلطة عبر ميكانيزمات ديمقراطية. ليست الفاشية مرحلة انتهت وطُويت، فلكل زمن فاشيته كما يقول الكاتب الإيطالي بريمو ليفي. ترامب ليس شخصا، ولكن يحيل إلى ظاهرة تثير الكثير من الإعجاب لدى شرائح واسعة في الولايات المتحدة، وإلا لما حاز على سبعين مليون صوت، بل خارج الولايات المتحدة، ممن جعلوه رمزا لهم، من بوريس جونسون في بريطانيا وجاير بولسونارو في البرازيل أو مودي في الهند. نعم أبانت الولايات المتحدة عن سلامتها من خلال تحرك المؤسسات، على كل المستويات للحد من تصرفات رعناء تشين الديمقراطية، لكن الحدث ليس حريقا تم إطفاؤه، وإنما اتجاه له أذرع وامتدادات ومرجعية تنظيرية. ينسف الاتجاه دعوة أمريكا لرفع راية الديمقراطية، كما أن مقتل الشاب الافريقي الأمريكي جورج فلويد خلخل خطاب الولايات المتحدة حول حقوق الإنسان. لم تنته القصة، فالترامبية واقع، هي فصل من الشعبوية الزاحفة.

ما يعتمل في أمريكا لا يهم أمريكا وحدها، فهي قائدة العالم الحر، كما تنعت نفسها، وهي القوة العسكرية الأولى، وهي قطب الرحى في الناتو، وهي عضو دائم في الأمم المتحدة، فضلا عن المؤسسات المالية العالية، التي تخضع لها، أو مؤسساتها التي تؤثر في الاقتصاد. كل ما يحدث في أمريكا، ينتهي أثره إلى أرجاء المعمورة، لذلك لا يمكن أن نستهين بما وقع، ونعتبره شأنا أمريكيا صرفا. سابقة الفاشية تفيد بأنها أفضت إلى توزع مجتمعات، وشيطنة شرائح منها، وانتهت إلى العسكرة، وانغمرت دولها في مغامرات عسكرية، انتهت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.. وكانت كل الخطاطة، التي انبنت عقب الحرب العالمية الثانية هي لدرء أي جنوح للفاشية، لكن الفاشية تلوح بيدها اليوم، من خلال الاتجاهات الشعبوية اليمينية في أوربا كلها، وفي الهند، وكانت تجد في ترامب أيقونتها.

الخطورة لا تكمن في تصرفات لرئيس يجمع الجميع على أنه أهوج، ولكن في الجذوة المتسترة تحت الرماد، والتي يمكن للأزمة الاقتصادية إن استفحلت، أو للشرخ الاجتماعي إن تعمق في الولايات المتحدة أن تنفث فيها فتحيلها أَوَارا.

كاتب مغربي

——————————

مهاجمو الكونغرس تحدثوا عن “الموت لأجل الرئيس” وشنّ حرب”… وترامب: جهود عزلي ستتسبب بـ”غضب واسع”

لندن ـ “القدس العربي” ووكالات: وصف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، في أولى تصريحاته أمام الإعلام، أمس الثلاثاء، بعد اقتحام مبنى الكونغرس الأسبوع الماضي، الجهود لعزله بأنها “سخيفة للغاية”.

وفيما التقى ترامب بنائبه مايك بنس، بعد أن توترت علاقتهما عقب رفض بنس عرقلة عملية المصادقة على نتائج الانتخابات، وأكدا على وحدة صفهما، اتهم وزير الخارجية مايك بومبيو إيران بأنها باتت “المقر الجديد” لتنظيم القاعدة.

وحذر ترامب أمس الثلاثاء من أن محاولات عزله ستتسبب بـ”غضب واسع”.

وجاء ذلك في أولى تصريحات له أمام الصحافيين، بعد حادثة اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس الأسبوع الماضي، حسب ما نقلت شبكة “سي أن أن” الأمريكية. وقال ترامب حول العزل: “إنه امتداد لأكبر عملية مطاردة ساحرات في تاريخ السياسة، إنها سخيفة، إنها حقا سخيفة، عملية العزل هذه ستتسبب بغضب واسع، وأنتم تفعلونها، إن ما يفعلونه أمر سيىء”. وتابع: “من أجل أن تُكمل نانسي بيلوسي وتشاك شومر الطريق، أعتقد أن الأمر يتسبب بغضب واسع لبلادنا، يتسبب بغضب واسع، ولا أريد العنف”، حسب قوله. ولم يتحدث الرئيس الأمريكي عن دوره في أحداث الأربعاء في الكونغرس التي تسبب بها أنصاره، لكنه قال: “لا نريد العنف، لا نريده أبدا، لا نريد العنف مطلقا”.

ورأى ترامب أنّ خطابه الأسبوع الماضي أمام أنصاره قبيل الاعتداء على مقرّ الكونغرس كان “مناسبا تماما”. وقبيل توجهه إلى تكساس، أشار إلى خطابه في ذاك اليوم وبالأخص “الجملة الأخيرة” منه، معتبراً أنّها “مناسبة تماماً”. وقال إنّ قرار وسائل تواصل اجتماعي على غرار تويتر بوقف حسابه “خطأ كارثي”.

ومساء الإثنين، التقى ترامب بنائبه مايك بنس في البيت الأبيض، ما يعكس نيتهما في تشكيل جبهة موحدة في مواجهة الديمقراطيين الذين يطالبون برحيل الرئيس فورا. والرجلان اللذان عقدا أول لقاء بينهما منذ خلافاتهما وأعمال العنف في مبنى الكابيتول، أجريا “محادثة جيدة” حسب مسؤول أمريكي.

ومن المتوقع أن يصوت مجلس النواب الأمريكي اليوم الأربعاء حول ما إذا كان سيبدأ إجراءات مساءلة ثانية للرئيس، لكن هذه المرة بتهمة التحريض على التمرد.

وقال المسؤول الأمريكي الذي رفض الكشف عن اسمه، إن ترامب وبنس “تعهّدا بمواصلة عملهما في سبيل البلاد حتى نهاية ولايتهما”. وعمليا هذا يعني أن ترامب لا يعتزم الاستقالة قبل انتهاء ولايته في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، موعد تنصيب الديمقراطي جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة. كما يعني اللقاء أن بنس لا يعتزم تنحية الرئيس بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور الذي يجيز لنائب الرئيس بالاتفاق مع أغلبية أعضاء الحكومة تنحية الرئيس إذا ما ارتأوا أنّه “غير مؤهل لتحمل أعباء منصبه”.

وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أمس الثلاثاء أن مكتباً تابعاً لمكتب التحقيقات الاتحادي في فرجينيا أصدر تحذيراً داخلياً، في اليوم السابق لاقتحام مثيري شغب من أنصار الرئيس دونالد ترامب لمبنى الكابيتول (الكونغرس)، من أن متطرفين يخططون للحضور إلى واشنطن ويتحدثون عن شن “حرب”.

وقالت الوثيقة التي حصلت عليها الصحيفة إن المكتب “ناقش موضوع دعوات محددة للعنف على الإنترنت تشمل القول “كونوا مستعدين للقتال”، “الكونغرس في حاجة لسماع صوت تحطم زجاج وركل أبواب وإراقة دماء من جنودهم العبيد أتباع مبادرة حياة السود مهمة والحثالة”، وكذلك: “كونوا عنيفين. توقفوا عن تسمية ذلك مسيرة أو تجمعا حاشدا أو احتجاجا. توجهوا إلى هناك وأنتم على استعداد للحرب. إما أن نعيد رئيسنا أو نموت. لن يحقق شيء آخر هذا الهدف”.

كما أكد متحدث باسم مكتب التحقيقات الاتحادي أمس الثلاثاء أن المحققين في مدينة نيويورك اعتقلوا أرون موستوفسكي فيما يتعلق بالهجوم على مقر الكونغرس الأسبوع الماضي، ليضاف إلى قائمة كبيرة من المشتبه بهم الذين يواجهون اتهامات.

واعتبر زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر أمس الثلاثاء أنه من الضروري منع أنصار الرئيس دونالد ترامب الذين اقتحموا مبنى الكونغرس من السفر لما يمثلونه من تهديد للأمن القومي. وقال شومر إن على المسؤولين الأمريكيين أن يضعوا المقتحمين على قائمة “حظر سفر” اتحادية. وأضاف في إفادة صحافية “لا يمكننا السماح لدعاة التمرد هؤلاء باستقلال طائرة والتسبب في مزيد من العنف والدمار”.

وفي سياق آخر، اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في خطاب ألقاه الثلاثاء قبل ثمانية أيام من انتهاء ولاية ترامب، إيران بأنها باتت “المقر الجديد” لتنظيم القاعدة.

وأكّد بومبيو تقريرا نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في تشرين الثاني/نوفمبر ذكر أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله قُتل في طهران في آب/أغسطس على أيدي إسرائيليين، لكنه لم يقل إن الاحتلال نفذ العملية.

وقال بومبيو في كلمة ألقاها في نادي الصحافة الوطني: “تنظيم القاعدة لديه مقر جديد. إنه جمهورية إيران الإسلامية”. وأضاف: “أود أن أقول إن إيران هي بالفعل أفغانستان الجديدة، كمركز جغرافي رئيسي للقاعدة، لكنها في الواقع أسوأ”.

وتابع: “على عكس أفغانستان، عندما كانت القاعدة مختبئة في الجبال، فإن القاعدة اليوم تعمل تحت حماية النظام الإيراني”.

وطالب بمزيد من الضغط الدولي، واصفا التحالف المزعوم بأنه “قوة هائلة للشر في كل أنحاء العالم”. وقال “إذا تجاهلنا محور الشر هذا إيران/القاعدة، فسنكون مسؤولين عن ذلك. علينا أن نواجهه، علينا أن ننتصر عليه”.

ولم يصل بومبيو إلى حد الدعوة إلى عمل عسكري، قائلاً: “إذا كان لدينا هذا الخيار، إذا اخترنا القيام بذلك، فهناك مخاطرة كبيرة جدا بتنفيذه”.لكنه أعلن فرض عقوبات على عدد من الأفراد ومكافأة مقدارها سبعة ملايين دولار مقابل معلومات عن عضو في تنظيم القاعدة قال إنه يعتقد أنه موجود في إيران ويُعرف باسم محمد أباتاي أو عبد الرحمن المغربي.

لكن بومبيو قال إن إيران في السنوات الأخيرة أعطت القاعدة مساحة أكبر من الحرية، بما في ذلك إصدار وثائق سفر، وأن التنظيم لديه “قيادة مركزية” في طهران. ولفت إلى أن “طهران سمحت للقاعدة بجمع الأموال والتواصل بحرية مع أعضاء القاعدة الآخرين في أنحاء العالم والقيام بالعديد من المهمات الأخرى التي كانت توجه في السابق من أفغانستان وباكستان”.

ورد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الثلاثاء، على تصريحات نظيره الأمريكي قائلاً: “لا أحد ينخدع (بما يقوله بومبيو). كل إرهابيي 11 أيلول/سبتمبر أتوا من الوجهات المفضلة (لواشنطن) في الشرق الأوسط. لا أحد من إيران”.

وأضاف: “من إدراج كوبا (على قائمة الدول الراعية للإرهاب)، الى رفع السرية الخيالي بشأن مزاعم إيران والقاعدة، السيّد “نحن نكذب، نغش، نسرق” ينهي بشكل مثير للشفقة مسيرته الكارثية بمزيد من الأكاذيب العدائية”.

وسبق لظريف ان استخدم مصطلح “السيد “نحن نكذب، نغش، نسرق” للإشارة الى بومبيو. وتعود العبارة الى تصريح أدلى به الوزير الأمريكي عام 2019، وتطرق فيه الى عمله على رأس وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي ايه” خلال العامين 2017 و2018. وأقرّ بومبيو حينها بالقول: “لقد كذبنا، لقد غششنا، ولقد سرقنا”.

——————————

مجلس النواب الأميركي يصوت لصالح عزل ترامب… وبنس يرفض

صوّت مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، لحث نائب الرئيس مايك بنس على بدء تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي لإقالة الرئيس دونالد ترامب من منصبه، على الرغم من أن نائب الرئيس قال بالفعل إنه لن يفعل ذلك.

ولتفعيل التعديل الخامس والعشرين، سيحتاج بنس وأغلبية أعضاء حكومة ترامب إلى إعلان أن ترامب غير قادر على أداء واجباته.

ورفض بنس هذا المسار في وقت سابق يوم الثلاثاء.

وقال نائب الرئيس الأميركي، الثلاثاء، في رسالة إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، إنه يعارض اللجوء إلى التعديل الخامس والعشرين لعزل الرئيس من منصبه.

وأكد بنس: “مع بقاء ثمانية أيام فقط في فترة ولاية الرئيس، أنتِ والكتلة الديمقراطية تطلبان منّي ومن الحكومة تفعيل التعديل الخامس والعشرين” للدستور، والذي يجيز لنائب الرئيس بأن يقرّر بالاشتراك مع أغلبية الوزراء تنحية الرئيس إذا ما وجدوه غير قادر على تحمّل أعباء منصبه”.

وأضاف: “لا أعتقد أنّ مثل هذا الإجراء يصبّ في مصلحة أمّتنا أو يتماشى مع دستورنا”.

ومن المتوقع أن يصوت مجلس النواب، اليوم الأربعاء، على مساءلة ترامب بتهمة التحريض على التمرد ضد الحكومة الأميركية.

إلى ذلك، عبّر رئيس مجلس الشيوخ الأميركي المنتهية ولايته، الجمهوري ميتش ماكونيل، ومجموعة نواب جمهوريين، عن دعمهم لإجراءات عزل ترامب، بعد سلوكه الذي رافق اقتحام الكونغرس، الأربعاء الماضي، من قبل أنصاره الرافضين لنتائج الانتخابات التي فاز بها الديمقراطي جو بايدن

وذكر جون كاتكو، العضو الجمهوري في مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، أنه سيصوت لمساءلة الرئيس ترامب فيما يتصل باقتحام الكونغرس، ليصبح أول نائب جمهري ينضم للديمقراطيين في مساعيهم لمساءلة الرئيس، حسبما أفاد موقع “سيراكيوز” الإخباري الذي نقل عن بيان صدر عن كاتكو، وفق ما أوردت “رويترز”.

وأيضا، أكدت النائبة الجمهورية ليز تشيني، التي تتولى منصبا رفيعا في قيادة الحزب الجمهوري بمجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، إنها ستصوت لمساءلة ترامب.

وفي بيان أشار إلى أن ترامب “استدعى هذا الحشد… وألهب شعلة هذا الهجوم” على مبنى الكابيتول، قالت تشيني: “سأصوت لمساءلة الرئيس”.

وتشيني هي ابنة ديك تشيني، النائب الجمهوري السابق باسم الرئيس جورج دبليو بوش.

والثلاثاء، صرح ترامب للصحافيين من البيت الأبيض، بأن مسعى عزله من منصبه يسبب “غضباً هائلاً” في صفوف الأمة.

وفي ما يتعلق بالعزل، قال ترامب، عندما كان يغادر البيت الأبيض متوجهاً إلى تكساس لتفقد الجدار على الحدود مع المكسيك، إنه “أمر فظيع حقاً ما يفعلونه”، إلا أنه قال إنه لا يريد “عنفاً”.

وأشار ترامب إلى أن خطابه في الأسبوع الماضي أمام أنصاره قُبيل الاعتداء على مقرّ الكونغرس كان “مناسباً تماماً”. وقال إنّ قرار وسائل التواصل الاجتماعي، على غرار تويتر، وقف حساباته “خطأ كارثي”.

ويمنح الديمقراطيون ترامب فرصة أخيرة، الثلاثاء، لترك المنصب قبل أيام من انتهاء ولايته، وإلا واجه مساءلة للمرة الثانية في حدث لم يسبق له مثيل، وذلك بسبب اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس في السادس من يناير/ كانون الثاني.

ويعتزم مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، التصويت ربما الأربعاء، على بند المساءلة الذي يتهمه بالتحريض على التمرد ما لم يقدم استقالته أو يتحرك نائبه مايك بنس لعزله بموجب مادة في الدستور.

وقال زعماء الديمقراطيين إنه إذا لم يقدم ترامب استقالته، أو لم يتحرك بنس بحلول يوم الأربعاء، فإنهم سيطرحون إجراءات مساءلة الرئيس في مجلس النواب، بعد أسبوع واحد من أعمال الشغب التي أجبرت أعضاء الكونغرس على الاختباء لساعات، وأودت بحياة خمسة أشخاص، بينهم ضابط بالشرطة.

تنديد قادة الجيش باقتحام الكونغرس

وعلى صعيد متصل، أصدرت هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، التي تضم قادة الأفرع المختلفة للجيش، يوم الثلاثاء، رسالة نادرة لأفراد الجيش يعلنون فيها أن أعمال الشغب العنيفة التي وقعت الأسبوع الماضي كانت هجوما على العملية الدستورية الأميركية وانتهاكا للقانون.

وقطعت الرسالة المشتركة صمتا دام أسبوعا من قادة الجيش بعد هجوم أنصار ترامب على مبنى الكونغرس دفع المشرعين إلى الاختباء وأدى إلى مقتل خمسة أشخاص.

وبينما ندد أعضاء في حكومة ترامب، من بينهم كريس ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع، بالهجوم، لاذ كبار قادة الجيش الأميركي، ومن بينهم الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بالصمت إلى الآن.

وقال الجنرالات السبعة وأميرال في مذكرة داخلية للجنود: “أعمال الشغب العنيفة في العاصمة الأميركية واشنطن في السادس من يناير 2021 كانت اعتداء مباشرا على الكونغرس وعلى مبنى الكابيتول وعمليتنا الدستورية”، وأضافوا أن الجيش يظل ملتزما بحماية الدستور والدفاع عنه.

وجاء في المذكرة، التي اطلعت عليها “رويترز”: “الحقوق المتعلقة بحرية التعبير والتجمع لا تعطي أحدا الحق في اللجوء إلى العنف والفتنة والعصيان”.

وقال قادة الجيش إن الرئيس المنتخب جو بايدن سيجري تنصيبه يوم 20 يناير/ كانون الثاني وسيصبح قائدهم.

وأضافت المذكرة القول: “أي عمل لتعطيل العملية الدستورية لا يتعارض مع تقاليدنا وقيمنا واليمين فحسب، وإنما يتعارض أيضا مع القانون”.

وقال مسؤولون أميركيون إن رئيس الأركان لم يعلق على أحداث الأسبوع الماضي لأنه أراد أن ينأى بنفسه عن السياسة.

وعبر بعض أفراد الجيش في أحاديث خاصة عن قلقهم لأن كبار القادة لم يقدموا توجها في أعقاب الهجوم على الديمقراطية الأميركية يوم الأربعاء.

وكان هناك أيضا تركيز متجدد على التطرف داخل الجيش الأميركي بعد اقتحام مبنى الكونغرس، حيث قسم كبير من أفراد الجيش بيض وذكور.

وقال الجيش لـ”رويترز” يوم الثلاثاء إنه يعمل مع مكتب التحقيقات الاتحادي لمعرفة ما إذا كان من بين المهاجمين أفراد حاليون في الجيش، ولمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة لتدقيق إضافي في نحو عشرة آلاف من أفراد الخدمة السرية وقوات الحرس الوطني الذين سيتولون مهمة تأمين حفل تنصيب بايدن.

العربي الجديد

—————————-

عندما تحمي الديمقراطية نفسها/ علي أنوزلا

تحمي الديمقراطية الحقيقية نفسها بنفسها، فهي تحمل داخل جيناتها الأجسام المضادّة لكل فيروس يهاجمها، وهذا ما حصل في السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري في الولايات المتحدة عندما أنقذت الديمقراطية الأميركية نفسها بنفسها. ففي لحظة جنونٍ فريدة، كشفت لنا الديمقراطية عن هشاشتها وأعراض مرضها المفاجئة، وغير المتوقعة، مثل تسونامي يمكن أن يدمّر كل شيء في لحظاتٍ غير محسوبة. ما شهدنا مساء ذلك اليوم لم يكن استثنائياً يجب أن نبحث له عن مفرداتٍ تناسبه في القاموس السياسي، بل كان محاولة انقلابٍ واضحٍ على الديمقراطية، تم بثه حياً على شاشات التلفزيون وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. أظهر لنا إلى أي حدٍّ يمكن أن تبدو الديمقراطية هشّة، حتى في أقوى دولة. ولكنه في الوقت نفسه أبان لنا عن قوة الجهاز المناعي للديمقراطية، عندما تكون مبنية على أسس صحيحة. وطوال ساعات الانقلاب، تابع العالم على المباشر، وبشفافية كاملة، ما كان يجري، كما تابع تدخل الفاعلين السياسيين، وسمع انتقاداتٍ قويةٍ ومباشرةٍ لقائد الانقلاب الذي هو في الآن نفسه رئيس الولايات المتحدة الأميركية ورئيس جيوشها. كذلك شاهد العالم كيف تدخلت الشرطة والحرس الوطني لفرض القانون. وكان الشعور السائد لدى السياسيين والمعلقين على شاشات التلفزيون، وعلى المواقع الاجتماعية، هو الغضب مما كان يجري، لأنه يشوّه صورة الديمقراطية، ولم يجد الخوف أي مكان له في تلك الفوضى المباشرة التي لم يكن يعلم أيُّ أحدٍ متى وكيف ستنتهي.

كان الأمر بمثابة فيلم رعب، فيه كثير من التشويق والفرجة لمن يحبّ هذا النوع من الأفلام، لكن تأثيره لم يتعدّ مدة العرض وجدران القاعة التي كان يعرض داخلها. وفي الخارج، وعلى بعد أمتار من “قاعة العرض” كانت الحياة عادية، والغالبية العظمى من الأميركيين حافظت على هدوئها، ولم نشاهد خروج الناس إلى الساحات والميادين وهم في حالة هلع أو غضب، ولم تحتل الدبابات والمدرّعات شوارع المدن ومفترقات الطرق. كان الجميع متأكداً أن الأمر يتعلق بحادث سير غير عادي، لكنه لا يستدعي قطع الطريق ووقف حركة السير، لأن القانون، في النهاية، هو الذي سيطبق، وسيفرض احترامه على الجميع.

صحيحٌ أن صورة الديمقراطية الأميركية تضرّرت بشكلٍ يصعب إصلاحه في المنظور القريب، وأضرّت معها بشكل كبير سمعة الديمقراطية في العالم، إلى درجةٍ ستجعل الطغاة في العالم، والشامتين من أميركا وأعداء الديمقراطية يسخرون منها وينتقدونها، وهذا كان يحصل حتى قبل محاولة الانقلاب الفاشلة. والآن سيجعل فترة الشماتة تمتد، ولو بشكل سخيف، لأنها تصدر عن أناسٍ لا علاقة لهم بالديمقراطية وقيمها العليا.

ما حصل يوم الأربعاء الأسود هو “محاولة انقلاب”، لأنه لا يمكن إيجاد وصفٍ أدقّ لما كان يجري أكثر من كونه انقلاباً كان يقوده رئيس الدولة ضد مؤسساتها، لكن من أسقط هذا الانقلاب ضد الديمقراطية هي قيم الديمقراطية التي انتصرت، وهذه ليست مجرّد شعارات، وإنما سلوك حضاري تجلّى في تصريحات السياسيين الأميركيين، وفي قرارات مؤسساتهم، لحظة محاولة الانقلاب وبعده وقبله، فقد تابعنا كيف أن القضاء الأميركي ظل غير متحيز طوال فترة الانتخابات وما بعدها، وكيف حافظت مؤسسة الجيش على حيادها واستقلاليتها عن السلطة التنفيذية، وقبل ذلك كيف لعب الإعلام أربع سنوات دور حارس القلعة الديمقراطية بلا خوفٍ أو تردّد.

ما حصل في أميركا كان متوقعاً، لأنه نتاج سنوات طويلة من الدوس على قيم الديمقراطية في العالم من أكبر ديمقراطية، ومن الدولة المفروض أنها قائدة العالم الحر. ليست المناسبة هنا للتشفي، وإنما للتذكير بأن سنوات التدهور الديمقراطي الأميركي بدأت منذ سنوات، بل ومنذ عقود طويلة، عندما كانت الأنظمة الأميركية المتعاقبة تدبر الانقلابات وتباركها وتحميها في جميع أنحاء العالم، وعندما كان ساستها يعتبرون أن قيم الديمقراطية إنما وجدت لتطبق في بلادهم، وينعم بها شعبهم. وفي السنوات الأربع الأخيرة، مع مجيء رئيسٍ بلا مبادئ ولا أخلاق، عمل، طوال فترة ولايته، على تغذية سيكولوجيا الكراهية وإرضاء أمراضه النرجسية وتقسيم المجتمع الأميركي، تدهورت هذه القيم حتى داخل الولايات المتحدة نفسها. وكان طبيعياً أن يصل التدهور إلى الصور الصادمة التي شاهدناها في مبنى الكونغرس، فما حصل كان تتويجاً لأربع سنوات من الاستهتار بقيم الديمقراطية. لذلك كان ضرورياً أن يقع هذا الحادث لإنقاذ الديمقراطية من أخطائها، ولينبهنا جميعاً إلى فضائل النظام الديمقراطي، لأنه وحده القادر على حماية نفسه بنفسه، عندما يكون مؤسساً على أسس قوية.

وللديمقراطية، مثل كل الأنظمة، نقاط ضعها، ومواطن هشاشتها، ولحظات سقوطها، لكنها تبقى، كما كان يقول رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، أو يُنسب إليه قوله، “أسوأ نظام عرفته البشرية، لكنها لم تعرف نظاماً أفضل منه”. وبالتالي، لا حل للبشرية من غير استمرار هذا النظام والتمسك به، والدور على نصرة هذا النظام في جميع أنحاء العالم سيكون على عاتق الإدارة الأميركية الجديدة، ليس لأنها عانت من مخاطر انهياره، وإنما انتصاراً لقيم الديمقراطية التي وعد الرئيس الجديد، جو بايدن، بالحفاظ عليها وصونها داخل أميركا وفي العالم، وصرّح مراراً وتكراراً طوال حملته الانتخابية بأنه لن يتسامح مع الأنظمة الاستبدادية التي تقمع حق شعوبها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. الديمقراطية اليوم تعيش أزمة خطيرة في عقر دارها، وعلى رئيس أميركا القادم، كما وعد هو نفسه بذلك، عقد قمة عالمية للديمقراطيات هذا العام، وأن يرفع هذا التحدّي، ويعيد للديمقراطية وهجها، ليس داخل أميركا فقط، وإنما في جميع العالم، إذا أراد أن يستعيد لبلاده مصداقيتها في العالم.

كانت أميركا في حاجةٍ ماسّة إلى مثل هذه الصدمة، لكسر جدران الانعزالية التي حاول الرئيس المنتهية ولايته فرضها عليها، وبات مصير الديمقراطية الأميركية بيد الأميركيين أنفسهم الذين أوصلوا شخصاً أخرق إلى قيادة ديمقراطيتهم، لأنه نجح في أن يفرض خطابه السياسي الذي يبرّر شرعية اغتنائه، بل ويقنع الأميركيين بأنه في مصلحتهم العامة. كما كانت الديمقراطية في أمسّ الحاجة إلى مثل هذا التحدّي في عقر دارها، لتجديد نفسها، بعد أن تراجعت في مواجهة أنظمة شمولية واستبدادية. كانت تجربة حكم ترامب، بكل مآسيها، مفيدة لأميركا، لأنها كشفت إلى أين يمكن أن يؤدّي الاستسلام لنرجسية زعيمٍ أخرق، فضح بتصرّفاته المتهوّرة ضوابط توازن المؤسسات التي تقوم عليها ديمقراطيتهم، وكاد يسقط الهيكل عليه، وعلى خصومه وأعدائه.

لقد عرّت محاولة الانقلاب الفاشلة في أميركا عيوب الديمقراطية وأمراضها، وما أكثرها، وأسقطت كل خطابات النخبة المرتشية والانتهازية التي كانت تزيّن للمستبد أخطاءه، وتقنع الرأي العام بأنها تندرج في مصلحته العامة، وفي الوقت نفسه، كانت فرصة لإسقاط كل الخطابات الديماغوجية والشعبوية التي كان يغذّيها الرئيس المنتهية ولايته، لتبقى الديمقراطية الأميركية، بكل ما لها وما عليها، تلك “المدينة المشرقة على التل”، كما يقول الأميركيون أنفسهم عن ديمقراطيتهم. ربما فقدت بعض تألقها خلال السنوات الأربع الماضية، لكنها لا تزال قوية وملهمة لكل الأحرار والديمقراطيين في العالم.

العربي الجديد

—————————-

عن “غزوة” الكابيتول” ومفاعيلها/ عبد اللطيف السعدون

يحفظ الأميركيون اللاتينيون نكتة ساخرة، مفادها أن تلميذاً سأل معلمه: لماذا لا يحدث انقلاب في الولايات المتحدة؟ أجابه المعلم: لأنه لا توجد سفارة لأميركا في واشنطن.

هذه المرّة، تنقلب الصورة، إذ يُقْدم رئيس الولايات المتحدة نفسه على محاولة قيادة “انقلابٍ”، مع سبق الإصرار والترصد، وغرضه البقاء رئيساً لولاية ثانية، وربما مدى الحياة إذا ما كان فكّر في أن يجعل من حكامنا الذين يتمسّكون بكراسيهم إلى آخر العمر قدوة له، وقد يكون قد فكّر مثلهم أيضاً في أن يهيئ من يخلفه بعد موته، ابنته إيفانكا مثلاً، المهم ألا يحتل الكرسي “الذهبي” بعد رحيله أحد من خارج العائلة.

مثل هذه الخطط “الجهنمية” يمكن أن تحدث في دولة من العالم الثالث المبتلى بحكامه. ولكن أن تخطر في رأس رئيس الدولة العظمى، والتي يفترض أنها تعتنق “الديمقراطية” في أفضل تجلياتها، فذلك أمرٌ كان يعدّه بعضهم من قبيل المحال، قبل أن يصل “تاجر العقارات” و”نجم تلفزيون الواقع”، دونالد ترامب، في لحظةٍ مجنونة، إلى منصب “رئيس الدولة”، وإذا به عندما تخذله الصناديق بعد سنوات أربع، بدلاً من أن يحزم حقائبه، ويحمل أوراقه، ويخرج سالماً من البيت الأبيض، يعطي إشارة البدء لأنصاره من قوى اليمين المتطرّف للشروع بغزو الكابيتول، حيث يجتمع المشرّعون للتصديق على انتخاب خليفته: “لن نتخلّى عن حقنا، فقد سرق اليساريون الراديكاليون فوزنا.. تحرّكوا بسرعة وقاتلوا بهمة أكبر.. توجهوا إلى الكابيتول.. هذا وقت القوة.. سنستعيد بلدنا!”، ولعله استنسخ عباراته تلك من لغة الانقلابيين التي اعتدنا سماعها في بلداننا، وهذا ما حدث بالفعل، إذ توجه أنصاره إلى الكابيتول (مقر الكونغرس) واقتحموه، وخرّبوا وحطموا مكاتب مشرّعين، وسرق بعضهم ما خفّ حمله، واحتلّ أحد “الغوغاء” كرسي الرئاسة قبل أن يستطيع رجال الأمن السيطرة على الموقف. وخلّفت هذه “الغزوة” قتلى وجرحى، واعتبرها عديدون بمثابة تنفيذ انقلابٍ يهدف إلى اغتصاب السلطة بالقوة، للمرّة الأولى في التاريخ الأميركي. في حينها كان مصمّم “الغزوة” وراعيها ترامب يتابع مشاهد الاقتحام عبر الشاشات مع أسرته، وهم يضحكون ويمزحون على النحو الذي نقلته “فيديوهات” مواقع التواصل. ولكن السحر انقلب على الساحر، إذ تحقق إجماع داخل المؤسسة السياسية على أن تهديداً محدقاً بأميركا يوشك أن يحدُث، وتنادى الجميع إلى وقف الكارثة، وبينهم أعضاء بارزون في الحزب الجمهوري.

سعى ترامب في مواجهة ذلك إلى أن ينجو بجلده. أنحى باللائمة على رجاله الذين قاموا بالهجوم، وتعهد بمعاقبتهم، وبانتقال سلس للسلطة، لكنه ظل مكابراً، إذ أعلن أنه لن يحضر مراسيم التنصيب، ولم ينفعه تراجعه، كما لم يعد لتغريداته مكان، بعدما أوقفت مواقع التواصل حساباته. ولكن العاصفة التي تصاعدت ضده لم تهدأ، فقد أوقع نفسه في المصيدة، وحانت الفرصة لخصومه كي يقضوا عليه، وتكاثرت عليه السكاكين، وارتفع صراخ خصومه أن “اطردوه وامنعوه من ممارسة السياسة مدى الحياة”. وقالت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي: “إنه مختل ومضطرب عقلياً ويشكل خطراً على قيمنا”. وتطوع محاميه الخاص، مايكل كوهين، للشهادة ضده، وحذّرت ماري ترامب ابنة شقيقه من أن عمها “يعاني من الاضطراب.. وقد يحرق كل شيء.. ولا بد من إدانته وعزله”.

هكذا أصبح مصيره معلقاً على كلمة يقولها المشرّعون، بعد أن كان، إلى ما قبل ليلة، مالئاً الدنيا وشاغلاً الناس. والظاهر أن محاولة النفاذ بجلده قد تبوء بالفشل، بعد الإجماع الشامل من رجال المؤسسة السياسية على إدانته، وربما عزله أو استقالته، وقد يكون ذلك نهاية مجده السياسي، ولن يتمكن من العودة إلى الكرسي “الذهبي” مستقبلاً.

هل ستنتهي “غزوة” الكابيتول عند هذا الحد؟ لا نعتقد ذلك، إذ لن يكون بإمكان الأميركيين أن يخلدوا إلى النوم بعد “غزوة” الكابيتول، وأن يطمئنوا إلى سلامة نظامهم الديمقراطي، وقدرته على مواجهة أية محاولة للنيل منه. وإذا كانت المؤسسات قد نجحت في إجهاض الغزوة، وحجمت فعل قوى اليمين المتطرّف، من يضمن أن تلك القوى سوف تنحني أمام العاصفة، ولا تعاود نشاطها وفاعليتها، ما دام ملايين الأميركيين في صفها. وقد ينتهي ترامب سياسياً. ولكن من قال إن “الترامبية” لن تكون قادرة على التحوّل إلى تيار “أيديولوجي” يستثمره “النازيون الجدد” و”جماعة الأولاد الفخورين” وأضرابهم، لترصين جبهتهم، بما يصعد من تأثيرهم داخل الأوساط الشعبية من جديد؟ ذلك هو السؤال الكبير.

—————————-

ألف مرّة فوضى الديمقراطية ولا جنّة التسلّط/ أرنست خوري

بينما كانت الولايات المتحدة تعيش مخاضها الخاص بتداول السلطة، ودونالد ترامب يحاول هدم جدار إضافي في البناء الديمقراطي الأميركي، كان رموز التسلط حول العالم يراكمون الحجج لتأكيد صواب الديكتاتورية والحكم من خلال السجن والحرمان والإفقار وإهانة العلم والعقل. علي خامنئي، الذي لم يُعرف عنه تخصص في الطب، وجد وقتاً يوم الجمعة الماضي ليفتي في كورونا من على شاشة التلفزيون. نبش في أرشيف مواجهة الإمبريالية ليقرّر حرمان شعبه من اللقاح الذي استصدر له جنسيات وطنية: صار هناك في أدبيات خامنئي شيء اسمه “اللقاح الأميركي” و”اللقاح البريطاني”. لا فايزر ــ بيونتيك، ولا موديرنا، ولا أسترازينيكا ــ أكسفورد. فقط بريطاني وأميركي. الشر والشر المطلق تجسّدا في لقاحَين اثنين اشترك في إنتاجهما علماء من جنسيات مختلفة، ورؤوس أموال لا تعرف الهويات الوطنية العزيزة على قلب خامنئي. ولأن الرجل لا يرى العالم إلا فسطاطَين ومسرحاً لحروب لا تنطفئ، فقد أطلق أحدث حروبه على اللقاحَين، وحظر استيرادهما. ومع أن الرجل ليس مطالًباً بتقديم حجة لقراره المُنزَل، فإنه تنازل، وبرّر منع استيراد هذه اللقاحات بالتشكيك في فعاليتها، والأهم أنه طعن “بالنوايا الأميركية والبريطانية”، لأن هذين البلدين يريدان “تجربتها (اللقاحات) على الشعوب الأخرى”. ولمزيد من الضحالة، وللإيغال في إهانة مستوى ذكاء من استمع إليه أو قرأ ما أدلى به، رمى خامنئي ما لا يرقى إلى مستوى محو الأمية، فقال: “إذا تمكن الأميركيون من إنتاج اللقاح، لماذا حدثت هذه الفضيحة إذاً؟ فقبل أيام خلال 24 ساعة توفي أربعة آلاف أميركي”. فليمت إذاً الإيرانيون من دون لقاحات على مذبح حروب مرشد نظامهم.

بعد الإفتاء في الطب وقبله، كان خامنئي وزملاؤه في نادي العقل الممانِع، يتابعون الحدث الأميركي كطفل وجد برنامجه المفضل على الشاشة بعد حرمان طويل. والرفاق منتشرون بين القارات، وهم تهافتوا على التصريح والتغريد ومفاقمة التلوث السمعي من مختلف قارات الأرض. قالوا الكثير وسخروا أكثر، ولهم الحق في ذلك أمام كابوس من وزن دونالد ترامب. لكن ما قد يكون أبرز ما تقيأوا به، هو عتبهم على درجة سلمية قوات الأمن المولجة بحماية مبنى الكونغرس، فكيف يسقط فقط أربعة قتلى من بين مهاجمي مبنى الكابيتول في حدث جلل كهذا؟ لم يعبأوا بالتقصير الفاضح في أوساط أجهزة الأمن، ولا بما يرجح أن يكون تواطؤاً أو تقصيراً وظيفياً جُرمياً. كل همّهم تركز على كيف أنه في حدث كبير كالذي حصل، لم يقتل إلا أربعة أشخاص؟ يا لضعف أميركا فعلاً، ويا لعظمة أنظمة المؤامرة والممانعة والدم حيث، حين يجب أن يموت البشر، فإنهم يُقتلون بالمئات لسبب أو من دونه.

المتيَّمون بالدم وبالتسلط ممن وجدوا في الحدث الأميركي مسلسلهم المفضل، لم يجدوا في ما حصل تهديداً للديمقراطية من قبل الشعبوية والفاشيين الجدد، بما يُفترض أن يُقلق أي حريص على أي نظام سياسي ينظم علاقات البشر داخل حدود أي بلد بأقل سوء. على العكس من ذلك، اعتبروا أن الاقتحام وما تلاه من تسريبات حول خطط عصابة ترامب لإشعال اقتتال أهلي عشية تنصيب جو بايدن، هو نتيجة للديمقراطية الأميركية، هو تكريس لها. بحسبهم، الديمقراطية هي فوضى، والتسلط استقرار. الديمقراطية هي الهشاشة، والتسلط هو الجبروت. فصل السلطات وسيادة القانون الوضعي وسموّ مؤسسة القضاء وتداول الحكم والاستفتاء الشعبي والاختيار بالانتخاب… كلها أدلة ضعف لا تنتج إلا مشاهد مماثلة لما قدمه لنا رعاع واصلون لتوّهم من مجاهل العصور الوسطى. وإن كانت هذه تعني هشاشة، فإنها تُحسب لمصلحة الديمقراطية لا عليها. الهشاشة بهذا المعنى، تترك مجالاً لتعديل السلوك ولحقن الدماء. تعالج الأزمة في المحاكم وفي عزل أمثال ترامب بالتصويت في البرلمان، بدل قصفه مثلما حصل ذات مرة في مقر مجلس النواب الروسي أيام محاولة انقلاب 1993.

عاشت الهشاشة، وليذهب الجبروت إلى الجحيم. ألف مرة أعطاب الديمقراطية … ولا لحظة جنّة التسلط.

العربي الجديد

————————–

دروس روسية للأميركيين/ بسام مقداد

في زمن دراستنا في موسكو ، كانت تكثر النكات ، التي كان يتداولها الروس عن المقارنة بين الحياة في كل من الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة . واحدة من هذه النكات كانت تقول ، بأن أميركياً كان يتباهي أمام روسي بالديموقراطية الأميركية ، قائلاً : عندنا ديموقراطية في أميركا تسمح لك ، بأن تقف أمام البيت الأبيض وتشتم نيكسون ما وسعك ، من دون أن يتعرض لك أحد . فرد عليه الروسي بقوله : وعندنا في روسيا أيضاً ديموقراطية تسمح لك ، بأن تقف في الساحة الحمراء وتشتم نيكسون ما وسعك ، من دون أن يتعرض لك أحد.

ما يدور في روسيا الآن بشأن الحدث الأميركي ، يشبه إلى حد بعيد هذه النكتة ، حيث يقارن الروس بين ديموقراطيتهم والديموقراطية الأميركية ، وبين نظامهم الإنتخابي والنظام الأميركي ، ليستنتجوا أفضلية ديموقراطيتهم ونظامهم الإنتخابي ، مستشهدين بالحدث الأميركي الراهن . وزير الخارجية سيرغي لافروف ، وفي سياق تذكره لحديث قديم مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس ، وصف نظام الإنتخابات الأميركي بأنه “مغرق في القدم” ، فردت عليه رايس ، بأنهم عل اطلاع على عيوب النظام ، لكنها طلبت منه عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، إلا أنها عادت وسألته عن نظام الإنتخابات الروسي ، حسب موقع “موسكوـــــ باكو” الأذري ، من دون أن يذكر الموقع ما الذي كان يعني رايس في نظام الإنتخابات الروسي.

رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الإتحاد كونستانتين كوساتشيف قال ، بأن الديموقراطية الأميركة أخذت تعرج على الساقين ، وأن أحداث واشنطن الأخيرة أثبتت ، أن الولايات المتحدة فقدت الحق بفرض النهج السياسي على البلدان الأخرى ، حسب موقع قناة التلفزة “ren.tv” . كما نقل الموقع عن الناطقة الرسمية بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها ، بأن الإضطرابات في الولايات المتحدة إندلعت بسبب عيوب تظام الإنتخابات ، الذي لا يفي بالمعايير الحديثة ، ويتضمن إمكانية إنتهاكه.

كما ينقل الموقع عن بوليتولوغ روسي تأكيده مع ترامب ، بأن الإنتخابات الرئاسية الأميركية لم تكن شفافة ، ولهذا بالذات ، برأيه ، نظم أنصار الرئيس ترامب الشغب في الكابيتول . ويرى بأن شغب “الترامبيين” كان ردة فعل على عدم الإحترام من قبل النخب الأميركية ، التي “حطمت الديموقراطية منذ زمن بعيد”.

توقف السياسيون الروس والمواقع الإعلامية الروسية بصورة خاصة عند وقف حسابات دونالد ترامب على الفيسبوك وتويتر ، ونبهوا الأميركيين إلى عيوب ديموقراطيتهم ونظامهم الإنتخابي . فقد اعتبر الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف ، أنه أصبح مع ترامب متشابهين في حظرهما على شبكات التواصل الإجتماعي ، وقرر إملاء درس عليه في …الديموقراطية وحقوق الإنسان . فقال بأن ترامب سيق وأن فرض عليه الحظر في شبكات التواصل الإجتماعي ، لكن “العلي القدير استرجع العدالة” ، وتم حظر حسابات “ترامب المتمرد” في هذه الشبكات . فلو كان قد احترم الديموقراطية وحقوق الإنسان ، لكان من المحتمل ألا يحصل شيئ من هذا ، كما جاء على الموقع الأذري المذكور.

فلاديمير سالافيوف ، مقدم البرنامج السياسي الأشهر على قناة التلفزة الرسمية الروسية “المساء مع فلاديمير سالافيوف” المعروف بفظاظته مع أصحاب الرأي المختلف عن رأي الكرملين ، يملي بدوره على الأميركيين درساً آخر في إحترام دستورهم بشأن حقوق الإنسان. فقد نقلت عنه نوفوستي تذكّره كيف لم يسمحوا لترامب حظر تغريداته على تويتر عن بعض المستخدمين ، لأن مثل هذا الحظر ينتهك الحق في حرية الكلمة. لكن اليوم تجري عملية عكسية ، برأيه، إذ يفرضون حظراً دائماً على حسابات ترامب من دون إذنٍ من المحكمة ، مستندين فقط إلى قواعد الشركة الداخلية . ويتساءل سالافيوف ، ما إن كان هذا يشير إلى أنهم يسمحون للشركات الخاصة بإقامة مناطق غير خاضعة لأحكام الدستور الأميركي ، وما إذا كان هذا كله لا يمس بكل فردٍ أميركي، لأنه يُظهر بوضوح إنتهاك حقوق المواطنين الأميركيين.

كما تنقل نوفوستي أيضاً عن رئيس لجنة العلاقات مع أجهزة الإعلام في مجلس الإتحاد الروسي ألكسي بوشكوف ، إملاءه درساً إضافياً على الأميركيين في تحذيرهم من دور شبكات التواصل الإجتماعي الأميركية . يقول بوشكوف في تعليق له على حظر حسابات ترامب في تويتر وفيسبوك ، بأن ما قامت به هاتان الشركتان حيال ترامب هو “رمز آخر من رموز عالم أورويل( عالم جورج أورويل المتخيل) ، وإشارة إلى كل من بقيت لديه أوهام بهذا الشأن” . ويقول بأن شركات التواصل الإجتماعي الأميركية هذه أصبحت تقوم بدور الوصي على النظام الليبرالي وبأن غوغل ليس منصة معلوماتية ، بل منصة سياسية ، وبأنه جعل الرقابة جزءاً لا يتجزأ من عمله.

صحيفة الإزفستيا نقلت عن رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي قولها ، بأن إقتحام الكابيتول كان بمثابة الهدية ل بوتين. ورأت أن ترامب هو “أداة” روسيا من أجل تخفيض دور الديموقراطية في العالم ، وقالت ، أنه بين هدايا ترامب الكثيرة لبوتين ، قدم له بالأمس الهدية الأكبر . وذكّرت الصحيفة بدعوة بيلوسي إلى إزاحة ترامب الفورية عن السلطة ، بموجب التعديل 25 على الدستور الأميركي.

ونقلت الصحيفة عن رسلان حزباللاتوف ، الرئيس الأخير لمجلس السوفيات الأعلى في روسيا السوفياتية ، إعتقاده بأنه ، على الرغم من الإضطرابات في واشنطن ، إلا أن الأمر لن يبلغ حد عزل ترامب عن منصبه ، وذلك ، لأنه لم يتبق سوى أيام معدودة على تسلم جو بايدن السلطة.

كما تنقل الصحيفة ، مع غيرها من المواقع الروسية ، عن بوليتولوغ ، لم تحدد ازفستيا هويته ، أو أي من المواقع الأخرى ، والذي نبه بدوره الأميركيين والعالم ككل ، إلى أنه لم يكن من ديموقراطية في الولايات المتحدة في يوم من الأيام ، وأن إنتخابات 2020 الأميركية زادت الوضع تعقيداً.

صحيفة الكرملين “vz” كان لها التنبيه الأشد للأميركيين ، إذ عنونت نصها بشأن الحدث بالقول “طرد ترامب من شبكات التواصل الإجتماعي ، ستكون له عواقب كثيرة على الولايات المتحدة”. وقالت ، بأنه يخطئ من يظن ، أن النخب الأميركية ردت على إقتحام الكابيتول بالحوار مع أنصار ترامب ، بل هي ردت بالقمع ، وليس في العالم الحقيقي فقط (التسريح من العمل للمشاركين في الإقتحام ، والتهديد بعزل ترامب) ، بل وفي العالم الرقمي أيضاً . فحظر ترامب وكبار أنصاره من شبكات التواصل الإجتماعي ، يعني عملياً حرمانهم من الوسيلة الأهم والوحيدة للتواصل مع العالم ، إذ أن وسائل الإعلام الأميركية التقليدية ، هي بيد الليبراليين ، او مسؤولي النظام.

تبشر الصحيفة شركات شبكات التواصل الإجتماعي الأميركية ، بأنه حتماً سوف يظهر بديل للفيسبوك وتويتر وأمثالهما لكي يتمكن المعترضون من إسماع صوتهم ، ولا بد ، برأيها، أن تظهر “روسيا اليوم” ، لكن على شكل شبكة تواصل إجتماعي . وترى ، أن حظر اليمينيين الأميركيين من قبل الليبراليين ، ينقذ اليمينيين ، لأنه بعد وصول بايدن ، وخسارة مجلس الشيوخ ، وخيانة النخب اليمينية ، وإقتحام الكابيتول ، تبدو الحركة اليمينية مشوشة وغير منظمة . والإضطهاد يمنحهم إمكانية رص صفوفهم ، والبرهان على أنهم ليسوا طائفة رئيس محدد ، بل هم تلك القوة ، التي تستطيع من جديد “أن تجعل أميركا أميركا”.

ذلك هو الدرس الأخير ، الذي تمليه على الأميركيين صحيفة الكرملين ، وتريدهم أن يحبوا أميركا ويعيدوا لها مجدها ، الذي اضاعه الليبراليون برأيها.

المدن

————————-

“كيو أنون” معاقبة بعد ترامب.. وسط مخاوف أمنية

حظر تطبيق “تويتر” أكثر من 70 ألف حساب مرتبط بحركة “كيو أنون” المؤيدة لنظرية المؤامرة عقب اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن، حسبما أعلنت شبكة التواصل الاجتماعي الثلاثاء.

وحركة “كيو أنون”، يقول مؤيدوها إن الرئيس دونالد ترامب يقاتل ضد نخبة عالمية من عبدة الشيطان المتحرشين بالأطفال الذين يديرون عصابة للاتجار بالأطفال.

وبحسب بيان “تويتر”: “نظراً للأحداث العنيفة في واشنطن العاصمة، وزيادة مخاطر الأذى، بدأنا تعليقاً نهائياً لآلاف الحسابات التي كانت مخصصة في الأساس لمشاركة محتوى كيو أنون بعد ظهر يوم الجمعة”. وقال “تويتر” إنه في كثير من الحالات كان هناك شخص واحد يدير حسابات عديدة.

واشتكى العديد من الأشخاص في فلك ترامب، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو، في الأيام القليلة الماضية من فقدان عشرات الآلاف من المتابعين.

واقتحم حشد من أنصار ترامب، بعضهم يحمل أعلام ورموز “كيو أنون”، مبنى الكابيتول الأسبوع الماضي أثناء تصديق الكونغرس على انتخاب جو بايدن رئيسا في انتخابات قال ترامب دون أي دليل أنها تم تزويرها.

وكررت حركة “كيو أنون”، التي تعتقد أيضاً أن ما يسمى بالدولة العميقة تتآمر ضد ترامب، ادعاءات ترامب الزائفة بأنه فاز في الانتخابات.

ويأتي ذلك في ظل ارتفاع المخاوف من وقوع أعمال عنف جديدة خلال حفلة تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/يناير في واشنطن، مع إعلان وزير الأمن الداخلي بالوكالة تشاد وولف الإثنين استقالته في خطوة مفاجئة.

ويغادر وولف منصبه بعد خمسة أيام على قيام حشد من أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب باقتحام مبنى الكابيتول لمقاطعة جلسة المصادقة على فوز بايدن في الانتخابات.

وتشرف وزارة الأمن الداخلي على عدد من قوات إنفاذ القانون ومن بينه الجهاز السري المكلف ضمان أمن البيت الابيض والرئيس. ووصف الوزير بالوكالة الهجوم الذي تسبب بمقتل خمسة أشخاص بأنه “مأساوي” و”مثير للاشمئزاز”، في وقت يكثف المسؤولون المحليون وقوات الأمن الجهود لمنع وقوع أعمال عنف جديدة. وأوضح وولف أنه يستقيل لأسباب إجرائية، وعين مدير الوكالة الفدرالية للأوضاع الطارئة بيت غاينور ليحل محله.

غير أن هذه الخطوة لم تضع حداً للتساؤلات بشأن أمن العاصمة الفيدرالية خلال الأسبوع المقبل. وحذر مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) في وثيقة داخلية بأن أنصارا لترامب يخططون للقيام بتظاهرات مسلحة في الولايات الخمسين خلال الفترة الممتدة من نهاية الاسبوع إلى موعد أداء بايدن اليمين الدستورية، وفق ما كشفت وسائل إعلام.

وأعلن البيت الأبيض في بيان أن ترامب “أعلن حال طوارئ في واشنطن دي سي وأمر بمساعدة فيدرالية لمساندة جهود واشنطن للاستجابة للظروف الطارئة الناتجة عن مراسم تنصيب الرئيس التاسع والأربعين من 11 كانون الثاني/يناير إلى 24 كانون الثاني/يناير 2021”.

وجاء في البيان أن الأمر أعطى وزارة الأمن الداخلي الصلاحية للتحرك “من أجل إنقاذ أرواح وحماية الممتلكات والصحة والسلامة العامة وخفض أو تفادي مخاطر وقوع كارثة في قطاع كولومبيا”.

——————————

هيومن رايتس ووتش تدعو بايدن لترك القضاء يأخذ مجراه في حق ترامب

– أ. ف. ب.

جنيف: اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن يترك القضاء يأخذ مجراه في حق دونالد ترامب محذرة من أن أي محاولة منه لمجرد طي الصفحة بهدف توحيد البلاد سيكون “خطأ فادحا”.

وقال كينيث روث المدير العام للمنظمة المدافعة عن حقوق الانسان في مقابلة مع وكالة فرانس برس قبل نشر التقرير السنوي لهيومن رايتس ووتش الاربعاء “على بايدن أن يسمح للمدعين المهنيين بالمضي قدما وإحالة الجرائم التي ارتكبت، أيا كانت، على القضاء”.

ويأتي ذلك بعد أسبوع على هجوم أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على الكابيتول الذي أوقع خمسة قتلى وأثار صدمة في الولايات المتحدة والعالم.

وأطلق الديموقراطيون إجراء عزل جديدا في حق ترامب. وشجع روث إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن الذي تبدأ ولايته في 20 كانون الثاني/يناير على ترك مدعين مستقلين يلاحقون ترامب قضائيا بتهم مخالفات أخرى محتملة للقانون.

وقال خلال المقابلة في منزله بجنيف “لقد رأينا ترامب مستعدا للدوس على الديموقراطية بأشكال مختلفة” طوال فترة رئاسته.

وأضاف “كان السادس من كانون الثاني/يناير الذروة الطبيعية لتوجه استمر بالفعل لمدة أربع سنوات (…) ومن المهم بالنسبة للولايات المتحدة أن تقول بحزم: هذا السلوك المشين غير مقبول على الإطلاق”.

واعتبر روث أنه من الضروري أن تظهر الولايات المتحدة أن الرئيس “ليس فوق القانون”.

وشدد على ضرورة أن يتجنب بايدن عند وصوله الى البيت الأبيض، بأي ثمن “تكرار الخطأ الذي ارتكبه (الرئيس السابق باراك) أوباما برغبته التطلع الى المستقبل وتجاهل الماضي”. وكان اوباما تخلى عن مقاضاة سلفه جورج دبليو بوش الذي شرّعت إدارته التعذيب بحجة الحرب ضد الإرهاب التي أطلقت بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001.

وتابع روث “كان أوباما يتحدث عن ضرورة تجاوز الإفراط في التعذيب خلال حكم بوش” للحفاظ على أجندته التشريعية مضيفا “هناك دائما مبرر لترك الماضي وراءنا”.

لكن في الحالة الراهنة “سيكون ذلك خطأ فادحا” لأن “ما حاول ترامب فعليا زعزعته، هو فكرة أن الرئيس ليس فوق القانون”.

يضيف روث “هذه إحدى ركائز الديموقراطية ولن يؤدي الخطاب المبهم حول المصالحة الى إصلاح الضرر” الذي تسببت فيه هذه النظرة للأمور. وقال “يجب أن نعيد التأكيد على سيادة القانون وهذا يعني السماح للمدعين العامين المهنيين بالنظر في الأدلة بهدف ملاحقة ترامب عن الجرائم التي قد يكون ارتكبها”.

في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، يرى روث أن إدارة ترامب كانت “كارثة” وأن على جو بايدن أن يفعل أكثر من مجرد محاولة لململة الأمور.

وقال “التحدي الحقيقي لبايدن ليس فقط إصلاح الأضرار التي تسبب بها ترامب وانما التأكد من أن شخصا آخر مثل ترامب لن يقوم بالشيء ذاته”.

وتابع “على بايدن أن يجد طريقة لترسيخ حقوق الإنسان بشكل أفضل في السياسة الأميركية حتى لا يتسنى للرئيس المقبل ان يتخلى عنها بمثل هذه السهولة”.

واعتبر أن هذا ينطبق على الساحة الدولية حيث خسرت الولايات المتحدة الكثير من المصداقية في التزامها الدفاع عن حقوق الإنسان.

وحض بايدن الذي يهتم بالسياسة الدولية على أن يستوحي من جيمي كارتر الرئيس الأميركي الأسبق (1977-1981) الذي أدخل حقوق الإنسان كمبدأ يوجه السياسة الخارجية الأميركية.

وأضاف روث انه بالنسبة لجو بايدن فهذا يعني على سبيل المثال إلغاء المساعدة العسكرية “لانظمة تعسفية صديقة مثل السعودية ومصر او اسرائيل”.

وخلص الى القول “من خلال إظهار أنه يجعل هذا الأمر مسألة مبدأ، يمكن لبايدن كبح ميول رئيس مقبل لإعادة طرح هذه الالتزامات”.

—————————-

إرث ترمب: أزمة الديمقراطية!/ عبد المنعم سعيد

في العشرين من يناير (كانون الثاني) الجاري، سوف يحلف جو بايدن اليمين الضرورية لتولي مهام الإدارة الأميركية للرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة.

لن يكون الحدث جارياً على الطريقة المعتادة، لن تبدأ المسيرة من البيت الأبيض؛ حيث يصطحب الرئيس الذاهب الرئيس القادم، ويتاح لهذا الأخير مسيرة يلوح فيها للجماهير المحتشدة التي تحتفل بالجديد في القيادة؛ بقدر ما يكون الاحتفال بالديمقراطية الأميركية التي يجري فيها تداول السلطة بسلاسة ويسر، حتى لو كانت بعد معركة انتخابية مريرة.

ما سوف يحدث أن الرئيس المنتخب وزوجته سوف يمشيان مسافة قصيرة، يلوحان فيها لأنصارهما من الديمقراطيين، ثم يحلف اليمين، ويذهبان إلى البيت الأبيض؛ بلا استقبال، ولا معرفة بالغرف التي سوف يقيم فيها الرئيس. المؤكد أنه لن يكون هناك احتفال بالديمقراطية، ولا بالتبادل السلمي للسلطة؛ بل قدر كبير من الخشية والقلق من ظواهر الاعتراض على سلامة الانتخابات، وباختصار شرعية الرئيس الجديد.

ما حدث هو أن الرئيس ترمب لم يكف أبداً عن التأكيد على أن الانتخابات زُورت، وجرى التلاعب بها؛ وهي مفاجأة تقلب ما هو معتاد في بلاد أخرى؛ حيث جرت العادة على ألا تكون شكوى التزوير قادمة من الرئيس القائم في السلطة؛ وهذه المرة فإن الرئيس هو الذي يشكو المعارضة، ولم يحدث ذلك في الانتخابات التي جرت في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) فقط، وإنما بدأت منذ انتخابات عام 2016 واستمرت حتى الآن، ويبدو أنها سوف تكون الشعار الغالب على السياسة الأميركية في المستقبل المنظور.

وبقدر ما تكون الديمقراطية الأميركية في مأزق، فإن الفكرة الديمقراطية كلها تصير من ناحية موضع التساؤل، ومن ناحية أخرى عما إذا كانت هي بالفعل فكرة عالمية قابلة للتطبيق، بغض النظر عن المكان والزمان.

وليس سراً على أحد أن الديمقراطية في الفكر السياسي لم تكن من الأفكار المحببة في الفلسفات اليونانية والرومانية القديمة؛ ولا جاءت بعد ذلك في كثير من الفلسفات الشرقية، وفي العصر الحديث فإنها تعرضت لانتقادات عنيفة من الفلسفات الفاشية والاشتراكية، وعما إذا كانت تحقق العدالة والكفاءة في الحكم.

تجربة ترمب وضعتها في اختبار جديد؛ خصوصاً أن النموذج «الترمبي» لم يحدث في الولايات المتحدة وحدها، وإنما ظهرت له نسخ ممن وصلوا إلى السلطة في بولندا والمجر والبرازيل والهند، ولكن النسخ كانت أكثر في الشارع السياسي والبرلمانات الغربية في عمومها. وفي بريطانيا فإنها قادت إلى شرخ «العولمة» التي هي واحدة من الامتدادات الفكرية المهمة للديمقراطية؛ وقادت إلى الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

خروج ترمب من البيت الأبيض بالطريقة التي سوف يخرج بها متمرداً على النظام كله، وغير معترف بتقاليده وطرقه في الخروج من السلطة، خلقت اهتزازاً عميقاً في النظم السياسية الغربية، وجعلت من «أزمة الديمقراطية» واحدة من أهم معضلات هذا الزمن.

للوهلة الأولى، فإن تشخيص ما حدث للديمقراطية دار حول فكرة «الشعبوية» التي نبه لها فلاسفة اليونان منذ زمان بعيد، وجعلوها مرضاً يصعب الشفاء منه، ويصير ابتلاء لمن يصيبه من الشعوب. وثانياً فإن التشخيص اتجه إلى ضرورة إصلاح «ميكانيكا الديمقراطية»، أي الطريقة التي استقر عليها أمر الديمقراطية في الولايات المتحدة، واستغلها «الشعبوي» ترمب لأخذ البلاد كلها إلى الفوضى المتوقعة.

أصبحت الفترة الزمنية ما بين موعد الانتخابات في الثلاثاء الأول من نوفمبر وحتى موعد تسلم السلطة في العشرين من يناير فترة زمنية طويلة، تتيح للرئيس إذا ما كان من النوع «الترمبي» أن يخلخل الفكرة الديمقراطية كلها. كذلك فإن التفرقة المتوقعة ما بين «الأغلبية الشعبية» تبعاً لعدد من صوتوا للمرشح الرئاسي من جميع الولايات، والأغلبية الشرعية الممثلة للأغلبية في المجمع الانتخابي، خلقت بلبلة فيمن سوف يكون الرئيس الشرعي للبلاد؛ خصوصاً أن احتمالات تكرار ذلك باتت ممكنة، بعد أن حدثت مرة في انتخابات 2000 بين آل غور وجورج بوش الابن، ومرة أخرى بين دونالد ترمب وهيلاري كلينتون.

لم يكن فوز آل غور ولا هيلاري كلينتون بالأغلبية الشعبية يعني الكثير في مواجهة أغلبية المجمع الانتخابي. أضف إلى ذلك مسلسل إعلان نتيجة الانتخابات بواسطة أجهزة الإعلام، ثم التأكيد عليها بشهادة من كل ولاية بعد التعامل مع الاحتجاجات والطعون، ومن بعدها الحصول على شهادة من المجمع الانتخابي، ثم بعد ذلك التصديق على هذه الشهادة من قبل الكونغرس بمجلسيه، وإذا لم يتيسر التصديق يكون للمحكمة الدستورية العليا القول الفصل في مراجعة العملية كلها، ومنها عد الأصوات مرة أخرى، وكل ذلك والأميركيون ينتظرون، والعالم ينتظر!

ترمب لم يترك ثغرة من كل ذلك لم يستغلها، ومهما كانت النتيجة محبطة، سواء أمام القضاء أو أمام الرأي العام، فإنه كان يستمر مصمماً على أن الانتخابات مزورة. ولم يعدم مجموعة غير قليلة من ممثلي الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب يؤيدونه فيما ذهب إليه، مما يفتح الباب لانقسام الحزب الجمهوري ذاته، وهو ما يرفع عن الديمقراطية الأميركية واحدة من أهم مميزاتها، وهي استقرارها بين حزبين رئيسيين قادرين على التوازن وتبادل السلطة بطريقة سلمية.

ولم يجد ترمب أي معضلة في مخاطبة المسؤول عن الهيئة الانتخابية في ولاية جورجيا، براد رافينسبيرغر، ويطلب منه مباشرة التلاعب في نتيجة الانتخابات، في حديث مسجل تظهر فيه الغواية بقدر ما فيه من تهديد. ولحسن الحظ فإن إحدى الصحف الأميركية أذاعت التسجيل الذي عقب عليه ريتشارد هاس – رئيس مجلس الشؤون الخارجية والأكاديمي والسياسي والدبلوماسي الأميركي – بالقول: «بالاستماع إلى مكالمة دونالد ترمب الحقيقية المسجلة، فإنه يستحيل التعجب حول الانكشاف طويل المدى للديمقراطية الأميركية، وكذلك عما إذا كان ممكناً للولايات المتحدة أن تكون قادرة على تشجيع الديمقراطية في دول أخرى مرة ثانية». أندرو ويسمان، أحد المحققين في فريق روبرت مولر في «الاستقصاء الروسي»، قال إن المكالمة تحتوي على «نية الجريمة» أو Criminal Intent. آخرون قالوا إن المكالمة احتوت على مخالفات للقوانين المحلية والفيدرالية.

الأقوال أكثر من ذلك، وبعضها يرى في أقوال وأفعال ترمب خيانة للديمقراطية الأميركية؛ وبعضها الآخر يرى فيها جذور الاستبداد.

ما هو أعمق من ذلك أن «أزمة الديمقراطية» كامنة فيما هو أكثر من التواؤم مع الحقائق التكنولوجية الجديدة، والاختبار القائم على الدولة الحديثة من جراء أزمات مالية أو صحية أو حتى مناخية، والانقسام العالمي ما بين النظم «الديمقراطية» وتلك «الاستبدادية». ما نراه الآن في الولايات المتحدة ومن قبلها المملكة المتحدة، أن الديمقراطية باتت نوعاً من السوط الآيديولوجي المراد به إلهاب ظهر العالم، لكي يعيش وفق نظم وعهود كانت لها ظروفها التاريخية والاجتماعية والثقافية المختلفة. وفي كل الأحوال فإن التفكير في الأزمة يحتاج ما هو أكثر من التفكير في العار الذي يسببه ترمب و«الترمبية»، كأنهما مجرد جملة اعتراضية على مسيرة مظفرة.

الشرق الأوسط

—————————–

مجنونٌ أم ممثلٌ لأحد وجوه أمريكا/ نهلة الشهّال

ولد زعيمٌ سياسي في يوم العصيان هذا، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات.

لماذا السعي لعزل ترامب؟ عقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كالإقدام على إشعال حرب مع إيران في أيام ولايته الأخيرة!

ترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة وبهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها ومفاهيمها وسيسعى للرئاسة في الانتخابات القادمة.

* * *

كانت مشاهدَ مذهلة! مسليةً و”ممتعة”، مثل فيلم سينمائي يذّكر بأفلام الكاوبوي، على الرغم من تسبب ما جرى بمقتل أربعة أشخاص. الشرطةُ المولجة بحراسة مبنى الكابيتول تفرُّ أمام جموع هائجة.

سجّل الجميع في أنحاء العالم، وكذلك الصحف الأمريكية الكبرى، قلة عدد أفراد الشرطة، “الملفت للنظر” كما يقال بتهذيب موحي بإن هذا الضعف الشديد في الحراسة – وهو غير معتاد حتى في جلسات عادية للكونغرس – كان مقصوداً.

ولم يتحرك “الحرس الوطني” إلا بعد ساعات، مع أنه يرسَل هو والشرطة الفيدرالية إلى مقاطعات أخرى ما إن تحدث فيها مظاهراتٌ حاشدة..

ومع أن ما جرى كان متوقعاً، بل دعا إليه صراحة الرئيس الأمريكي قبل سويعات من وقوعه، في مهرجان حاشد بالقرب من مقر الكونغرس، وقال لهم “اذهبوا لحث أعضاء الكونغرس على احتساب الأصوات بشكل صحيح”.

ثم سمّى من اقتحموه بـ”الوطنيين”، وقال لهم “أحبكم”، قبل أن يدعوهم للعودة إلى البيت، مع استمراره على التأكيد على أنه الفائزُ، وأن هناك تزويراً، وقال لهم أيضاً “لا تستسلموا أبداً”.. وهو ما كتبه أنصاره على ورقة تُركت على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

هل المظهرُ “الهمجي” لبعض هؤلاء الأنصار، ملابسهم – وقد ارتدى بعضهم فراء حيوانات فوق صدور عارية، ووضعوا على رؤوسهم قرونها، في تبنٍ للبدائية والوحشية.

الألوان المرسومة على وجوههم وأجسادهم، تلويحهم بأذناب الجواميس المقطوعة، السلاح الذي تباهوا بحيازتهم له داخل أروقة الكونغرس، ارتداء بعضهم لبزات عسكرية (وقد عُرِفّوا بأنهم من جماعة “برايد بويز”)، وضع أرجلهم بالأحذية الضخمة فوق المكاتب الخ..

هل ذلك كلُّه مجرد تمثيل؟ هل صفاقةُ ترامب، التي تتجاوز الخيال، صفةٌ شخصية؟ حتى نائبه، مايكل بنس، حتى نتنياهو، صُدموا!

فالمخاطرة التي أقدم عليها الرئيس كبيرةٌ، وها حساباته على تويتر وفيسبوك عُلّقت، وها النقاشات دارت وتدور حول عزله، أو تنحيته بسبب “عدم الأهلية الصحية” (المادة 25 من الدستور الأمريكي، وهي التي يمكن الاعتداد بها)، قبيل بضعة أيام من انتهاء ولايته، وبعد أن صادقَ الكونغرس – الذي عاد لاستئناف انعقاده – على صحة انتخاب بايدن.

لماذا؟ كعقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كما يقال همساً، كالإقدام مثلاً على إشعال الحرب مع إيران في الأيام الأخيرة من ولايته، وهذا بحسب صحف أمريكية كبرى.

وهذه اعتبرت السادس من كانون الثاني 2021 “أحد الأيام الأكثر قتامةً في تاريخ الولايات المتحدة (واشنطن بوست)، بينما قالت نيويورك تايمز “هو من حرّض أتباعه ويجب عزله”.

المدهشُ كذلك في ما جرى هو ميوعة الطرف المقابل. أوباما وآل كلينتون صامتون لساعات، بايدن يدعو ترامب للظهور على التلفزيون و”ضب” جماعته، وتؤيده في ذلك نائبته، من دون إبداء أي غضب أو تشنج.

والجميع يشدد على ضرورة الحفاظ على الديمقراطية ورموزها، والجميع يتمنى استعادة قاعدة التوازن بين الحزبين الكبيرين، التي تحكم السياسة والسلطة في الولايات المتحدة.

لعل الديمقراطيين خافوا من النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة، والتي يمكن أن تفتح الباب لفوضى وما سُمّيَ “حرباً أهلية”، وتطيح بالتالي بمكانتهم، وتغيّر تماماً قوانين اللعبة.

لعل ذلك يفسر أيضاً ميوعة الإجراءات التي أعقبت الحدث، إذ يقال إنه بعد ظاهرة عدم مقاومة الاقتحام وعدم حماية الكابيتول، فلا توقيفات، ولا محاسبات، وقد كنا أمام فاعلين من الذكور البيض. أي ممن يحوزون شرعية الانتماء إلى أمريكا.

يعني حُلّت عشائرياً!

المؤكدُ أن هذا الذي جرى، بكل تفاصيله، يعبّر عن واقع قائم في البلاد: مصالح كبرى متقاسمة بين الكتل السياسية بغض النظر عن توزعها على الحزبين، وانشطار عنيف بين المدن الكبرى، والتي لديها بالمقابل مشكلاتها العويصة، وعلى رأسها المسألة العنصرية، والتمييز ضد السود واضطهادهم، والأرياف والمناطق الداخلية، التي تعيش إيقاعاً مختلفاً، وتخشى ببلاهة غزوة “اليساريين”!

وهذا كله أحد جوانب الموقف. فعسى ما جرى يحفّز على تفحص أمريكا كما أصبحت، وكما هي الآن.

لقد ولد زعيمٌ سياسي في هذا اليوم، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات. فترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة على الرغم من كل محاولاته، والأرجح أنه في هذا اليوم، وهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها، ولمفاهيمَ تمثّلها، وهو سيسعى من خلالها إلى العودة إلى الرئاسة في الانتخابات القادمة.

* نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية، رئيسة تحرير “السفير العربي”.

المصدر | السفير العربي

—————————

الحزب الجمهوري إلى أين؟/ يوسف مكي

سيستأثر الحزب الديمقراطي بالسلطتين التنفيذية والتشريعية لسنتين أو لأربع سنوات.

الحزب الديمقراطي بقي فترة طويلة على يمين الحزب الجمهوري فكرا وممارسة مدافعاً عن قيم الإقطاع القديمة!

تشيع أشكال المكارثية عند أي تهديد محتمل لتوازنات القوة القائمة التي يمثلها الحزبان الرئيسيان الديمقراطي والجمهوري.

كان الحزب الجمهوري مدافعاً عن طبقة رأسمالية فتية أظهرت المؤشرات أنها الأقدر على قيادة المجتمع، وإلحاق الهزيمة بمنظومة القيم القديمة.

تأثر الديمقراطيون بنظرية كينز ودولة الرفاه واستمر فوز أحد الحزبين بالكونغرس أو الرئاسة قرابة قرنين مرتبطا بمستوى التضخم والانكماش والبطالة.

الحزب الجمهوري سيعيد بناء هياكله ويجري مراجعة نقدية وإذا لم يقبل بذلك فالتراجع الاقتصادي والعسكري إزاء الصين وروسيا سيتفاقم بتراجع سياسي وتغير توازن القوة الدولي.

* * *

يعود تأسيس الحزب الجمهوري الأمريكي، إلى الحركة المناهضة لاستمرار الرق، بالولايات المتحدة خلال خمسينات القرن التاسع عشر، وأعلن عن تأسيسه، تحت مسمى الاتحاد القومي في 6 يوليو/تموز عام 1854.

فاز ابراهام لينكولن (لِنكِن) برئاسة الحزب، عام 1860، وفاز في نفس العام بالانتخابات الأمريكية، ضد منافسه من الحزب الديمقراطي الجنوبي، ستيفن دوغلاس، وممثل حزب الاتحاد الدستوري الجديد جون بيل.

وقد تركز الصراع بين المتنافسين آنذاك، حول معركة إلغاء الرق، التي قادها الجمهوريون، وعارضتها أحزاب الجنوب.

الحزب الديمقراطي، هو الأقدم بين الحزبين الرئيسيين؛ حيث تأسس بالجنوب الأمريكي عام 1828م، واستمر لاعباً رئيسياً، مثل نظيره الجمهوري، في الحياة السياسية بالولايات المتحدة.

ما يهم في هذه المقدمة، ليس ظروف نشأة الحزبين؛ بل القوى الاجتماعية التي يمثلانها. الحزب الجمهوري، ظل منذ بداياته ممثلاً للأوليجاركية الصناعية، في حين كان الحزب الديمقراطي بالجنوب، هو الحارس الأمين لمصالح الإقطاع، والمنافح بشدة ضد إلغاء الرق، لأن ذلك سيحرم ملاك الأراضي، من القوة البشرية، التي يحتاجون إليها لحراثة الأرض.

الحزب الديمقراطي، بقي لفترة طويلة، بالفكر والممارسة على يمين الحزب الجمهوري، مدافعاً عن قيم الإقطاع القديمة، في حين كان الحزب الجمهوري، مدافعاً عن الطبقة الرأسمالية الفتية، التي كانت كل المؤشرات تشير إلى أنها الأقدر على قيادة المجتمع، وإلحاق الهزيمة بمنظومة القيم القديمة. وعلى ذلك فإنه كان في تلك الحقبة، الممثل الحقيقي للقيم الليبرالية.

هذا الواقع، تغير لاحقاً بشكل جذري، بعد إلحاق الهزيمة بالإقطاع؛ حيث تحول الحزب الديمقراطي، من كونه حزباً يتمركز في الولايات الجنوبية، إلى حزب يعمل على امتداد الساحات الأمريكية بأكملها، ويتغلغل في الطبقات المتوسطة، وينتقل من يمين الجمهوريين إلى يسارهم، فيغدوا حزباً راديكالياً، بالقياس إلى أوليجارشية الحزب الجمهوري.

وفي الوقت الذي بقى الحزب الجمهوري، ثابتاً في مواقعه الفكرية، تأثر الديمقراطيون بالنظرية الكنزية، ودولة الرفاه. واستمر صعود أحد الحزبين، سواء للكونغرس، أو سدة الرئاسة، قرابة قرنين من الزمن، مرتبطاً بمستوى التضخم والانكماش، في الاقتصاد الأمريكي.

وهنا مربط الفرس، في الإجابة عن السؤال الذي تصدر عنوان هذا الحديث: أي مستقبل للحزب الجمهوري، بعد اقتحام مبنى الكابيتول، من قبل أنصار الرئيس، رونالد ترامب، في السادس من هذا الشهر.

في الولايات المتحدة، لا توجد أحزاب سياسية، قادرة على التنافس مع الحزبين الرئيسيين. وقد لا نجانب الصواب، حين نقول إن ذلك، أمر غير مسموح به، عملياً، من قبل المكونات الاجتماعية المهيمنة، وإن غابت القوانين التي تنص على ذلك.

وليس أدل على ذلك، من شيوع المكارثية، بمختلف أشكالها، عند أي تهديد محتمل لتوازنات القوة القائمة، التي يمثلها وجود الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري.

إن غياب أحد الحزبين الرئيسيين عن الساحة السياسية، مع عدم وجود أحزاب أخرى منافسة، يحمل معنى واحداً فقط، هو سقوط النظام الديمقراطي، بنسخته الأمريكية.

وذلك ما لا تسمح به القوى الفاعلة في صناعة السياسية الأمريكية، سواء في مجموعة المصالح أو الدولة العميقة، أو القوى الاجتماعية المهيمنة، والمتمثلة، حالياً في الطبقة الأرستقراطية، التي تقود الحزب الجمهوري أو الطبقة المتوسطة، التي يمثلها الحزب الديمقراطي.

ومن هنا نفهم، لماذا يتحدث جوزيف بايدن، عن أهمية عودة التماسك والوحدة للحزب الجمهوري، لأن تفكك الحزب وانقسامه، يضعف المعارضة للحزب الديمقراطي.

وذلك ما يترك فراغاً سياسياً هائلاً في النظام السياسي الأمريكي، قد تسده قوى من خارج الحزبين. وهو ما يتعارض مع شكل النظام الحالي، ويعرض مصالح القوى الاجتماعية التي تقف خلفه للمخاطر.

وبهذا أيضاً نفهم، لماذا تراجع ترامب عن خطابه الأول التحريضي، فتبرأ من العصاة، الذين حرضهم في العلن، على التظاهر، واكتساح مبنى الكابيتول. إنه بالتأكيد ضغط قادة الحزب على الرئيس، بسبب الخشية من ضياع هيبة الحزب، وتعرضه للانقسام.

سيستأثر الحزب الديمقراطي بالسلطتين: التنفيذية والتشريعية، على الأقل بالسنتين القادمتين، لحين انفضاض الانتخابات النصفية القادمة للكونغرس الأمريكي. وقد تمتد سيطرة الحزب على المؤسستين لأربع سنوات.

لكن الحزب الجمهوري سيعيد بناء هياكله، وسيقوم بمراجعة نقدية لسياساته، وإذا لم يقبل الحزب وهو أمر مستبعد، بتحقيق ذلك، فإن التراجع الاقتصادي الأمريكي والعسكري، في مواجهة الصين وروسيا، سيعزز بتراجع سياسي، بما يعجل في تغيير توازن القوة الدولي، على جميع المستويات، وهو ما لا نحسب أن أوانه سيأخذ مكانه بالقريب العاجل.. وليس علينا سوى الانتظار.

* د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي

المصدر | الخليج

————————

«تويتر» حاكم بأمره/ حسن مدن

تتخذ تويتر وفيسبوك وإنستغرام «قرارات تحريرية بالتدخل فيما يكتبه المستخدمون».

حظر فرضته منصات على حسابات ترامب «يثير تساؤلاً كبيراً جداً» حول كيفية تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي.

وضع قواعد للنشر خطر على حرية التعبير ويمنح حكومات مستبدة إمكانية اعتبار أي نقد يوجه لها: بث كراهية أو فتنة أو تحريض على السلم الأهلي.

* * *

لم يكن الترحيب وحده ردة الفعل على قرار إدارة «تويتر» ومنصات تواصل اجتماعي أخرى، بينها «فيسبوك» و«إنستَغرام»، حجب حسابات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، فالقرار أثار، في المقابل، احتجاجات وتساؤلات.

وإذا كان بعض الساسة الأمريكيين، خاصة غرماء ترامب من «الديمقراطيين»، وفي مقدمتهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وفي معرض ترحيبهم بقرار الحجب، قالوا إن «تويتر» تأخرت في اتخاذ هذه الخطوة، التي كان يتعين عليها القيام بها قبل زمن، فإن ترامب والملايين من مناصريه اعتبروا القرار تعدياً على حرية التعبير.

على صلة بهذا السجال تستوقفنا تصريحات لساسة أوروبيين مرموقين، فهم وإن لم يتدخلوا في أمر السجال الداخلي الأمريكي الذي سعره اقتحام مبنى «الكونجرس» من قبل غلاة مؤيدي ترامب، فقد طرحوا تساؤلات حول «أحقية» إدارة «تويتر» وسواها من منصات التواصل الاجتماعي، التي هي شركة خاصة في نهاية الأمر، في أن تضع قيوداً تراها ضرورية على حرية التعبير على منصاتها.

من أبرز هؤلاء الساسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورغم ما طبع العلاقة بين ترامب وميركل من فتور طوال سنوات حكمه الأربع، فإن ناطقاً باسمها قال: إن لميركل تحفظات بشأن طريقة حظر «تويتر» لحساب ترامب، وإنها ترى أن المشرعين، وليس الشركات الخاصة، هم من يتعين عليهم وضع الضوابط لما ينشر على منصات التواصل.

من جانبه اعتبر وزير بريطاني بارز أن الحظر الذي فرضته تلك المنصات على حسابات ترامب، «يثير تساؤلاً كبيراً جداً» حول كيفية تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه أظهر أن تلك الشركات تتخذ الآن «قرارات تحريرية، بالتدخل فيما يكتبه المستخدمون».

نحن إزاء إشكالية معقدة. دوافع «تويتر» وسواه في حجب حسابات ترامب تبدو وجيهة، بالنظر للظرف الدقيق الذي تمر به أمريكا هذه الأيام، حيث بوسع تغريدة لترامب من سطر أو سطرين أن تصب المزيد من الزيت على أوار الأزمة!

وهناك رأي مفاده أنه من حق هذه المنصات، كونها خاصة، تقرير القواعد الملزمة لمستخدميها، لكن يظل السؤال عن أحقية هذه الشركات في الانفراد بقرارات بهذه الأهمية، في غياب تشريعات منظمة لذلك.

هناك محذور آخر للمسألة لا يقل أهمية، فوضع قواعد للنشر على هذه المنصات، سيمنح الحكومات في مختلف بلدان العالم، خاصة المستبدة منها، إمكانية أن تدرج أي نقد يوجه لها، مهما كان مشروعاً ومنطقياً ومنضبطاً، في خانة المحظور، تحت عناوين من نوع: بث الكراهية أو الفتنة أو التحريض على السلم الأهلي، ما يشكل خطراً أكبر على حرية التعبير.

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر | الخليج

——————————-

واشنطن بوست: الاستخبارات الأميركية فشلت في تقييم حقيقة أعمال الشغب بمبنى الكونغرس

وصف تقرير حصري بصحيفة واشنطن بوست (The Washington Post) أداء الاستخبارات الأميركية بأنه فاشل ومتناقض أمام التعامل مع هجوم مؤيدي الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على مبنى الكونغرس الأربعاء الماضي.

وأورد التقرير أنه وقبل يوم من اقتحام المشاغبين الكونغرس، أصدر مكتب التحقيقات الفدرالي في فرجينيا تحذيرا صريحا من أن المتطرفين كانوا يستعدون للسفر إلى واشنطن لارتكاب أعمال عنف و”حرب”، وفقا “لوثيقة داخلية راجعتها الصحيفة” تتعارض مع تصريح مسؤول كبير عن المكتب قال إن المكتب لم تكن لديه معلومات استخباراتية تشير إلى أن أي شخص في مظاهرات الأسبوع الماضي خطط لارتكاب أعمال عنف.

صورة “رهيبة”

وأكدت الصحيفة أن إصدار تقرير المعلومات الميدانية تمت الموافقة عليه في اليوم السابق لأعمال الشغب، مضيفة أن التقرير رسم صورة “رهيبة” للخطط الخطرة، بما في ذلك الأفراد الذين يشاركون خريطة أنفاق المجمع، ونقاط التجمع المحتملة للمتآمرين المحتملين للاجتماع في كنتاكي وبنسلفانيا وماساشوستس وكارولينا الجنوبية، والتوجه في مجموعات إلى واشنطن.

وتقول الوثيقة -التي حصلت عليها الصحيفة- إنه وقبل أعمال الشغب، تلقى مكتب التحقيقات الفدرالي معلومات تشير إلى دعوات للعنف في واشنطن ردا على “عمليات الإغلاق غير القانونية”، مضيفة أن موضوعا على الإنترنت ناقش دعوات محددة تشمل: “كن مستعدا للقتال، الكونغرس يحتاج إلى سماع كسر الزجاج وركل الأبواب وسقوط الدماء من جنودهم، كن عنيفا، توقف عن تسمية هذا بالمسيرة أو التجمع أو الاحتجاج، اذهب هناك مستعدا للحرب، نحصل على رئيسنا أو نموت، لا شيء آخر سيحقق هذا الهدف”.

المخابرات والفشل

ووصفت الصحيفة هذا التحذير بأنه أقوى دليل حتى الآن على الفشل الاستخباراتي الكبير الذي سبق الفوضى، التي أودت بحياة 5 أشخاص، رغم أن أحد مسؤولي إنفاذ القانون -الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب الإجراءات التأديبية- قال إن الفشل لم يكن بسبب المخابرات، ولكن بسبب العمل بناء على تقارير المخابرات.

وقال مسؤولون إنه وفي مكتب التحقيقات الفدرالي في نورفولك، تمت كتابة التقرير في غضون 45 دقيقة من تلقي المعلومات، وتمت مشاركته مع نظرائهم في واشنطن.

وقال رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي في واشنطن ستيفن دي أنتونو للصحفيين يوم الجمعة إن المكتب لم تكن لديه معلومات استخباراتية تشير إلى أن التجمع المؤيد لترامب سيكون أكثر من مجرد مظاهرة قانونية.

وخلال مؤتمر صحفي عُقد بعد نشر الصحيفة هذا التقرير، قال إن وثيقة الاستخبارات المثيرة للقلق تمت مشاركتها “مع جميع شركائنا في إنفاذ القانون” من خلال فرقة العمل المشتركة للإرهاب، والتي تضم شرطة مبنى الكونغرس، وشرطة المنتزه، وشرطة العاصمة، والوكالات الفدرالية والمحلية الأخرى.

ربما فشل المحققون في تسجيل درجة الخطر لأن الأغلبية العظمى ممن شاركوا في المسيرة كانوا من المحافظين البيض (الفرنسية)

تناقض في التصريحات

وأشار إلى أنه لم يكن هناك قدر كبير من علاقة إنفاذ القانون بالمعلومات، لأن مكتب التحقيقات الفدرالي في ذلك الوقت لم يكن يعرف من الذي أدلى بهذه التعليقات، مضيفا “كان ذلك موضوعا على لوحة رسائل لم يُنسب إلى شخص فردي”.

ولم يتحدث دي أنتونيو عما فعله مكتب التحقيقات الفدرالي أو الوكالات الأخرى بشكل مختلف -إن وجد- نتيجة لتلك المعلومات، كما أنه لم يوضح سبب إخباره الصحفيين يوم الجمعة بعدم وجود مثل هذه المعلومات الاستخباراتية.

وقال ستيفن سوند، الذي استقال من منصب رئيس شرطة مبنى الكونغرس -في مقابلة أمس- إنه لم يتلق ولم يتم إبلاغه بنشرة مكتب التحقيقات الفدرالي الميدانية، وأصر على أنه كان هو وآخرون سيأخذون التحذير على محمل الجد لو تمت مشاركته.

وأشارت الصحيفة إلى أنه ومنذ أعمال الشغب، كان العملاء والمدعون العامون عازمين على تعقب واعتقال أكثر المشاركين عنفا في أعمال الشغب، تحسبا لاشتباكات محتملة جديدة يوم الأحد المقبل، ومرة أخرى في يوم التنصيب.

المشاغبون كانوا بيضا

وقال العديد من مسؤولي إنفاذ القانون بشكل خاص في الأيام الأخيرة إن مستوى العنف الذي ظهر في مبنى الكونغرس أدى إلى مناقشات صعبة داخل مكتب التحقيقات الفدرالي والوكالات الأخرى حول العرق والإرهاب، وما إذا كان المحققون فشلوا في تسجيل درجة الخطر لأن الأغلبية العظمى ممن شاركوا في المسيرة كانوا من المحافظين البيض الموالين بشدة لترامب.

واستمرت واشنطن بوست تقول إنه على مدى الأسابيع التي سبقت الحدث، استبعد مسؤولو مكتب التحقيقات الفدرالي أي إشارة إلى أن أنشطة مؤيدي ترامب الغاضبين من الموافقة على فوز بايدن يمكن أن تشكل تهديدا أمنيا على نطاق واسع مثل مظاهرات العدالة العرقية التي أعقبت مقتل الشرطة جورج فلويد في مينيابوليس في مايو/أيار الماضي.

في حين أن عاصمة البلاد هي واحدة من أكثر المدن التي تخضع لحراسة مشددة على هذا الكوكب، وسعت وكالات إنفاذ القانون المحلية والفدرالية إلى اتباع نهج منخفض المستوى في حدث الأسبوع الماضي، معربة علنا وسرا عن مخاوفها من أنها لم ترغب في تكرار قبح العام الماضي: اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة.

الأيام القادمة

وفيما يتعلق باستعدادات الأيام القادمة، قال مسؤولون إن العملاء الفدراليين في حالة تأهب قصوى مع اقتراب موعد التنصيب، حيث تستعد السلطات لأعمال العنف المحتملة ليس فقط في واشنطن، بل في جميع أنحاء البلاد أيضا.

وأصدر مكتب التحقيقات الفدرالي مؤخرا مذكرة مختلفة تقول إنه تم التخطيط “لاحتجاجات مسلحة” في كل من عواصم الولايات الخمسين، وفي العاصمة، في الفترة التي تسبق التنصيب.

ووصفت واشنطن بوست المعلومات التي احتوتها المذكرة بأنها مثيرة للقلق، بما في ذلك وجود بيانات تشير إلى أن الناس قد يقتحمون المكاتب الحكومية، أو ينظمون انتفاضات في حال عُزل ترامب من منصبه.

المصدر : واشنطن بوست

—————————

“كيو” من المؤامرة إلى المواجهة.. جولة في بعض الغيبية السياسية الأميركية/ حسن منيمنة

ضمن مسلسل الخيال العلمي الشهير من ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته “درب النجوم – الجيل التالي”، ترد شخصية متجاوزة للأبعاد، بقدرات إلهية على الخلق والإفناء وطي الزمان والمكان، هي شخصية “كيو”. عابثة، مطّلعة على كامل الخفايا، ومنشغلة بالإنسان عامة، وبقائد المركبة الفضائية، بطل المسلسل، خاصة. حاضرة في أولى حلقات المسلسل، ثم عند خاتمته، إلى حد يمكن معه إعادة تصوير المسلسل بكامله، رغم غيابها عن معظمه، على أنه قصة السجال، الصراع، التفاعل، بين هذه الشخصية المجسدة للعالم الكبير، وقائد المركبة الإنسان والذي يختزل العالم الصغير.

بل في هذا التصوير استعادة ضمنية لرواية من الأسفار العبرية. ألم يكتسب “يعقوب” اسم “إسرائيل” بعد صراعه مع كائن علوي، هو ملاك الإله في بعض التفسيرات، أو الإله نفسه في تفسيرات أخرى، لتكون الغلبة له، أي للإنسان، أو على الأقل دون أن تكون الغلبة للكائن العلوي، بما يرفعه، يعقوب، الإنسان، إلى مقام مخصّص؟ (اسم “إسرائيل” دمج لعبارة مبهمة قد تكون بمعنى “من رفعه الإله” أو “من ارتفع على الإله”).

السردية الرائجة في الأوساط التي تشهر شعار “كيو” في المحيط السياسي المساند للرئيس الحالي دونالد ترامب. تتماهى عمداً واتفاقاً مع مقومات عدة من رواية “كيو” في الخيال العلمي والديني، وترتقي معها بترامب إلى مرتبة المصطفى المختار. هي سردية على طبقات، تبتدئ بأقدار من المعقولية، لتصل إلى عميق الشطح الغيبي.

ترفض سردية “كيو”، حتى عند أقرب صيغها إلى المعقول، ما توافق عليه الخطاب السياسي في الولايات المتحدة بأمسه، بأن الخلاف هو بين أطراف متواطئين تجمعهم المصلحة وإرادة الخير بالإجمال، وإن خطّأ بعضهم البعض الآخر، وإن ظهر بينهم بأفراد التفصيل، من ساءت نواياه.

الآخر، في عموم سردية “كيو”، ليس الخصم الذي يستحق أن يُصغى إليه، بل هو ضال أو مضِّل، قاصر أو مقصّر، وفي كل الحالات متسبب بالأذى، غارق بالشر، مستوجب للإدانة.

لسان حال الطبقة الأولى من سردية “كيو” هو أنه ثمة “نخبة” متفرّدة في الولايات المتحدة، ذات امتدادات عالمية، تهيمن على السياسة والمال والإعلام، وتدفع ما يناسب مآربها على الفكر والثقافة والمجتمع. لها من الميول والسلوك ما يتعارض مع قناعات عموم الناس وتقاليدهم ودينهم، غير أنها قادرة على تغليبها بالإغواء والتأثير، أو بالقوة والإكراه، ومن خلال إخضاع أعداد واسعة من التابعين، بإتاحة الفتات لهم وتسييرهم وفق رغباتها.

“كيو” ترى أن دونالد ترامب يشكل بالتالي خطراً جسيماً على هذه “النخبة” إذ هو قد عقد العزم على الإطاحة بمخططاتها وتمكين المواطن في الولايات المتحدة من استعادة ما خسره من ثروة ووظائف ومن تحقيق العزّة التي افتقدها.

كيف يصحّ هذا الطرح، تشخيصاً ودواء، في حين أن ترامب، بسجلّه وخلفيته وعلاقاته وطموحه المعلن، هو من نتاج هذه “النخبة”، وإن لم يتمكن من البروز فيها؟ لا حاجة للإجابة، فالمسألة هي بالقناعة الإيمانية لا بالحجة العقلية.

ما تضيفه سردية “كيو” على الطرح الطبقة الأولى هذا، وهو الطرح الراسخ في كامل القاعدة الانتخابية لترامب، هو إشارتها إلى تنسيق خفي بين ترامب، المولج بحكم موقعه الرئاسي بالتصدي لهذه النخبة، وبين «كيو» نفسه كجهة مطلعة على دقائق الأمور في هذه المواجهة الحرجة، مفوّضة من ترامب، وإن دون إفصاح أو إشهار، إبلاغ القاعدة ما يتوجب عليها الاطلاع عليه.

الطبقة التالية من السردية، وهي كذلك ذات رواج واسع، هي التي تجعل لهذه “النخبة” المعولمة شريكاً في “الدولة العميقة”، أي في مؤسسات الحكم الولايات المتحدة. فالعدو بالتالي ليس “النخبة” التي استولت على الدولة وحسب، بل الدولة نفسها والتي تشكل نقيضاً للمصلحة الوطنية. فالإطاحة بـ”النخبة” كان ليكون ممكناً من خلال الانتخابات لولا أن “الدولة العميقة” قادرة على التزوير بما يجعل تحقق الإنصاف مستحيلاً.

دونالد ترامب خاض انتخابات 2016 في مواجهة “النخبة”، ثم خاض انتخابات 2020 في مواجهة “الدولة العميقة”. وكلامه قبل معاد التصويت حول أن خسارته لن تكون إلا بالغش والتلاعب ليس نتيجة غرور وغطرسة، بل تبيان لطبيعة المواجهة غير المتوازية وغير المتوازنة مع “الدولة العميقة” الممسكة بزمام الأمور.

أين الدليل على هذه اليد العليا القابضة؟ وأليس نقض المحاكم والمرجعيات، المستقلة منها والمحازبة من كلا الحزبين، لعشرات الاعتراضات والدعاوى حول التزوير المفترض والمخالفات المزعومة برهاناً قاطعاً على أن هذه الرؤية تفتقد الصدقية؟ لا، بل العكس هو الصحيح، أي أن رفض الجهات القضائية والتنفيذية، من المحاكم الابتدائية في الولايات إلى المحكمة الدستورية العليا قبول الطعون، وإصرار المسؤولين الإجرائيين، بمن فيهم الجمهوريين، على السير قدماً بالنتائج المزعومة للانتخابات هو الدليل الحاسم على مدى استفحال نفوذ “الدولة العميقة”. نعم، غياب الدليل هو بحد ذاته الدليل على قدرة هذه القوة الخفية على إخفاء الدليل.

حين كانت المرأة في القرون الوسطى في أوروبا تتهم بأنها ساحرة، الحكم كان يقضي برميها مقيّدة في النهر. فإن تمكنت من الإفلات من قيدها والنجاة يكون ذلك الدليل على أنها بالفعل ساحرة، فيقبض عليها وتقتل. أما إذا غرقت وماتت، فتكون قد أثبتت براءتها.

منطق “كيو” يحاكي منطق محاكم القرون الوسطى. فالقضية ليست استيضاح ما إذا كانت ثمة مادة متوفرة من المعطيات والقرائن والأدلة تؤيد الطرح حول حقيقة مواجهة مفترضة مع “النخبة” و”الدولة العميقة”، بل السؤال عن كيفية نجاح هذه “النخبة” وهذه “الدولة العميقة” بإخفاء المادة التي تدينها. فالقناعة هنا إيمانية والمنطق دائري.

غير أنه لسردية “كيو” طبقات أعلى. فالمواجهة ليست حصراً سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية أو ثقافية. بل العالم يشهد احتدام الصراع بين “قوى الخير” و”قوى الشر”، فيما يتعدى التصوير المجازي.

الحياة الدينية في الولايات المتحدة تزخر بأعداد من “الأنبياء” الذين يخاطبون الإله ويخاطبهم، بشهادتهم الذاتية، وهؤلاء مجمعون بأن الإرادة الإلهية، بل الربانية، هي بأن ترامب هو المصطفى، للرئاسة بعهدة ثانية بالتأكيد، ولكن كذلك لجلاء الوعد المكتوب في الأسفار المقدسة. بعض هؤلاء “الأنبياء” يقع خارج إطار التصنيف الديني المباشر، أي قد يمزج المسيحية بالديانات الجديدة ومذاهب “العصر الجديد”. غير أن أكثرهم هم من الإنجيليين. وإن كانوا بمجموعهم لا يخاطبون مباشرة إلا أوساط محدودة حتى من الإنجيليين، إلا أن أطياف مواقفهم المتقدمة هذه تطال العديد من الدعاة والمؤمنين بفعل زخمها الخطابي وإمكانيات الربط بين مقتضياتها والقراءات التفسيرية للنبوءات القديمة.

وفيما يتعدى الإنجيليين، فإن إيجاد مكان للمرحلة الحالية ولشخص دونالد ترامب في القراءات الدينية ينشط، وإن بنسبة أقل، في أوساط الكاثوليك الرافضين للمنحى التقدمي للكنسية منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، وهؤلاء يزدادون عدداً واندفاعاً، وتنمو في أوساطهم القراءة التي تجعل من ترامب السند في مواجهة هجمة شيطانية، بالمعنى الحقيقي للكلمة، تشكل الجائحة وجهاً من أوجهها، تمهيداً لخروج الدجال.

وعند هامش التجربة الدينية اليهودية في الولايات المتحدة، يعمد بعض الربانيين المتصوفين (القباليين) إلى فك ألغاز مفترضة في نصوص التوراة تضع ترامب في صدر الملاحم والفتن الموعودة إرهاصاً بقدوم المسيح.

هذا الشطح، من الغيبية السياسية التي ترى قوى شر دنيوية، نخبة ودولة عميقة وعولمة، في صلب المؤامرة التي يتصدى لها دونالد ترامب، إلى الغيبية الدينية التي تقحم الشيطان والعفاريت والملائكة، لا يشكل قناعة ثابتة أكيدة لدى كل من اعتنق “كيو”، ولكنه حاضر، بمقادير وتأثيرات متفاوتة في صفوف المتابعين لهذا التوجه، بما ينقل مركز الارتكاز الفكري في الأوساط المؤيدة لترامب إلى تثبيت المؤامرة. أي أن القول بانعدام المؤامرة سذاجة، والقول بالغيبية الدينية ربما مبالغة. وعليه فالإقرار بأن قوى خفية تتحكم بالعملية السياسية في الولايات المتحدة هو التصور الوسطي المنطقي الموضوعي.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن اقتحام مبنى الكونغرس ليس اعتداء على رمز وطني، ويحك، بل هو تأكيد موجّه للدولة العميقة، ومعها النخبة وقوى العولمة، بأن الساحة ليس متاحة لها دون تحديات. وهو تأكيد معرّض لأن يتكرر دون شك في المراحل المقبلة.

الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة كشفت للتوّ عن خطط لاعتداءات على المباني الحكومية تستعد لها مجموعات مؤيدة لترامب. لن تفضّ هذه المسألة من خلال ملاحقة أفراد هذه المجموعات وتحذيرهم أو توقيفهم وحسب، بل لا بد من مواجهة واقع أن “اليمين” في الولايات المتحدة يشكل حاضنة عقائدية منتجة للتطرّف، عبر التدرج الذي تجسده طروحات “كيو”. المسألة على قدر كبير من الخطورة، لا ينفع معها التسفيه والتجاوز والقمع والإنكار. بل لا بد من التحضير لمواجهة طبقات هذه السردية، من أقصاها الغيبي إلى أدناها المعقول.

ملاحظتان على الهامش: الأولى هي الدعوة للقارئ العربي أن يعتبر الشطح السياسي الديني في الولايات المتحدة ليقارنه بما تشهده ساحته الفكرية والدينية. ذلك أن أوجه التشابه، إلى حد التماهي، عديدة رغم اختلاف المنطلقات. والثانية هي أن الإشارة هنا هي إلى الشطح الغيبي لدى “اليمين” في الولايات المتحدة، دون أن يكون ذلك حكراً عليه وأن مظاهره لدى “اليسار” ذات حدّة وعواقب تجاري ما لدى هذا “اليمين”.

الحرة

——————————

ترامب لن يُعزل ولن يُقال، والسؤال: هل يمكن معاقبته بحرمانه من مميزاته كرئيس سابق؟

عربي بوست

يمكن القول إن أمر إكمال دونالد ترامب الأيام المتبقية من رئاسته قد حسم بعد أن رفض نائبه مايك بنس تفعيل التعديل 25 من الدستور، والسؤال الآن هل يمكن للكونغرس أن يجرد ترامب من مميزاته كرئيس سابق عن طريق استكمال إجراءات محاكمته برلمانياً؟

ماذا يعني فشل تفعيل التعديل 25 لإقالة ترامب؟

التعديل 25 من الدستور الأمريكي هو مادة تسمح لنائب الرئيس وأغلبية الوزراء بنقل سلطات الرئيس لنائبه في حالة كون الرئيس “غير قادر” على القيام بمهام منصبه وفي تفسير آخر “غير مؤهل” لتأدية مهامه كرئيس، وفي هذه الحالة تجتمع الحكومة في غير وجود الرئيس وإذا وقعت الأغلبية على تفعيل المادة 25 من الدستور، يتم إرسال خطاب لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ.

لكن البند الرابع من المادة 25 هو محل نقاش دائماً نظراً لأن تفسير “عدم القدرة” أو “عدم الأهلية” غير محدد بحالات معينة تتعلق بالقدرة الجسدية أو القدرة الذهنية والعقلية وفي ظل عدم وجود سابقة لتفعيل تلك المادة في تاريخ الولايات المتحدة، لا يزال تفسير النص محل جدال بين خبراء القانون والدستور.

لكن الأمر المحسوم هو أن الكونغرس لا يمتلك صلاحية تفعيل المادة 25، وبالتالي فإن تحرك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر في هذا الاتجاه هو عبارة عن مناشدة لنائب الرئيس مايك بنس كي يقوم بتفعيل تلك المادة، في أعقاب اقتحام أنصار ترامب للكونغرس وتعريض أثناء جلسة التصديق على فوز بايدن وتعريض حياة المشرعين، بمن فيهم بنس نفسه الذي كان يترأس جلسة التصديق، لخطر داهم.

وفي ظل هذه المعطيات، أقر مجلس النواب بالفعل مساء الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني على مشروع قرار قدمه النائب الديمقراطي جيمي راسكين من ميريلاند يناشد بنس “بتفعيل سلطاته فوراً بموجب البند الرابع من التعديل 25، وأن يقوم بحشد المسؤولين الرئيسيين في الإدارات التنفيذية في وزارات البلاد وإعلان الأمر الواضح لأمة تشعر بالرعب: أن الرئيس ليس قادراً على القيام بمهام وظيفته بشكل ناجح”. وطالب نائب الرئيس بأن “يتولى مهام وواجبات الرئيس على الفور”، بحسب تقرير لشبكة CNN.

لكن القرار الذي صوّت عليه مجلس النواب لا يحمل أي سلطة فعلية ويعتبر فقط خطوة رمزية، في ظل إعلان بنس قبل التصويت وفي خطاب رسمي أرسله لبيلوسي رفض فيه فكرة تفعيل التعديل 25 من الأساس: “في ظل تبقي 8 أيام فقط في رئاسة الرئيس، أنتِ والمشرعون الديمقراطيون تطلبون مني ومن مجلس الوزراء تفعيل التعديل 25. أنا لا أعتقد أن هذا السبيل يصب في مصلحة أمتنا أو يتوافق مع الدستور”.

ماذا عن إجراء عزل ترامب؟

رفض بنس تفعيل التعديل 25 لم يكن مفاجئاً، وتحسبت له بيلوسي والمشرعون الديمقراطيون، حيث أمهلوا نائب الرئيس 24 ساعة فقط وبعدها سينتقلون للخطوة التالية وهي البدء في إجراءات عزل ترامب للمرة الثانية، ليكون الرئيس الجمهوري أول رئيس في تاريخ البلاد يتعرض لإجراءات العزل مرتين خلال عام واحد تقريباً.

وكإشارة على إصرار الديمقراطيين على عزل ترامب رغم تبقي 8 أيام فقط في رئاسته، وهو ما يعني عملياً استحالة إتمام إجراءات عزل الرئيس من خلال الكونغرس في الوقت المتبقي من رئاسته، أعلنت بيلوسي بالفعل مساء الثلاثاء أسماء المشرعين التسعة الذين سيتولون تقديم لائحة الاتهام ضد ترامب في مجلس الشيوخ.

ومن المقرر أن يصوت مجلس النواب مساء الأربعاء 13 يناير/كانون الثاني (تزامناً مع مرور أسبوع على أحداث اقتحام الكونغرس الأربعاء الماضي) على قرار عزل ترامب أو بمعنى أكثر دقة توجيه اتهام برلماني له وتضم لائحة الاتهام مادة واحدة هي “التحريض على التمرد”، وفي ظل تمتع الديمقراطيين بالأغلبية المطلوبة سيتم تمرير قرار محاكمة ترامب، حتى لو صوت جميع النواب الجمهوريين ضدها.

وفي ظل وجود بعض المشرعين الجمهوريين، أمثال ليز تشيني، عزمهم التصويت لصالح قرار عزل ترامب في مجلس النواب، الأمور شبه محسومة تماماً، والسؤال: ماذا يعني ذلك؟

الخطوة التالية في محاكمة ترامب بهدف عزله هي إرسال مجلس النواب للائحة الاتهام إلى مجلس الشيوخ حيث تتم إجراءات المحاكمة، وفي ظل وجود مجلس الشيوخ في عطلة لن يعود منها المجلس إلا مساء 19 يناير/كانون الثاني، أعلن الديمقراطيون أنهم لن يبدأوا إجراءات محاكمة ترامب إلا بعد مرور 100 يوم على الأقل من رئاسة جو بايدن، بغرض إفساح المجال أمامه لتنفيذ برنامجه الرئاسي.

هل يمكن معاقبة ترامب بعد انتهاء رئاسته؟

لا توجد سابقة في تاريخ الولايات المتحدة لعزل رئيس بعد انتهاء رئاسته بالفعل، لكن بما أن الغرض من إجراءات المحاكمة في الكونغرس بهدف العزل تمثل عقوبة في حد ذاتها، كما يشير خبير القانون مايكل بولسين في تقرير لموقع ياهو نيوز، “لا يوجد في الدستور الأمريكي نص يقيد العزل على وجود المسؤول الفيدرالي في منصبه”.

ويتفق معه أيضاً برايان كولت أستاذ القانون في جامعة ميشيغن بقوله إن “العزل المتأخر (أي بعد أن يغادر المسؤول منصبه) كانت تتم ممارسته في إنجلترا وعلى عكس ما تم تداركه في القانون الإنجليزي، لم يتم النص صراحة أبداً على استبعاد هذا الاحتمال في أمريكا. وفي الواقع أن دساتير بعض الولايات الأمريكية قد نصت صراحة على إجراء العزل المتأخر أو حتى المطالبة به”.

إذن من الناحية النظرية لا يوجد ما يمنع المضيّ قدماً في إجراءات العزل بحق ترامب بعد أن تنتهي رئاسته، وبالتالي من الممكن أن تصل محاكمة ترامب إلى مجلس الشيوخ بالفعل بعد أن تنتهي رئاسته، لكن إدانته تتطلب موافقة أغلبية الثلثين في المجلس، وحالياً المجلس منقسم تماماً بين الديمقراطيين 50 عضواً ومثلهم 50 عضواً للجمهوريين، وهو ما يعني أن الموافقة على إدانة ترامب قد لا تتم، إلا إذا قرر 17 عضواً جمهورياً التصويت مع الإدانة عندما يحين وقت التصويت.

وفي حال إدانة ترامب، يعقد مجلس الشيوخ تصويتاً لمنعه من تولي أي منصب رسمي مرة أخرى، وهو ما يعني أيضاً أنه سيفقد المزايا الممنوحة له كرئيس سابق بموجب قانون الرؤساء السابقين لعام 1958 والتي تشمل معاشاً وتأميناً صحياً وفريق حراسة من أموال دافعي الضرائب، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

—————————

لا “ترامبية”… بعد ترامب/ خيرالله خيرالله

لا “ترامبية” ولا من يحزنون بعد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني (يناير) الجاري. اذا كانت التصرفات الحمقاء للرئيس الأميركي المنتهية ولايته، بعد غزوة الكابيتول كشفت شيئاً، فهي كشفت أن الرجل لا يمتلك عقلاً سياسياً راجحاً يسمح له بتشكيل حزب سياسي ذي وزن. لا وجود لإرث سياسي لدونالد ترامب الذي استطاع تسجيل نقاط في مجالات معيّنة، خصوصاً على صعيد السياسة الخارجية، لكنّه ارتكب سلسلة من الأخطاء التي لا يمكن للشعب الأميركي القبول بها او نسيانها يوماً. رذلت أميركا دونالد ترامب لسبب في غاية البساطة يعود الى انّه لا يليق بها وبمؤسّساتها.

لا يمكن للشعب الأميركي ولا للمؤسسات السياسية الأميركية القبول برئيس يرسل مناصريه الى الكابيتول (مقر الكونغرس) من أجل تغيير نتائج الانتخابات الرئاسية. أسوأ ما في الأمر أن ترامب اعتقد أن ذلك ممكنٌ ولم يستطع الاعتراف بأنّ هناك قواعد للعبة السياسية الأميركية عمرها يزيد على قرنين. لهذا السبب وليس لغيره، لن يذهب ترامب الى أي مكان غير بيته او الى أحد فنادقه ليمارس لعبة الغولف… أو الى السجن. سيذهب الى السجن في حال إصرار عدد من النواب والشيوخ على ملاحقته قانونياً وعلى عزله قبل انتهاء ولايته، ولو كان ذلك قبل يوم واحد من العشرين من كانون الثاني (يناير) الجاري.

هناك أسباب مثيرة يمكن أن تودي بدونالد ترامب الى السجن. من بين هذه الأسباب الشريط الذي يظهر فيه مع أفراد عائلته وهو يتابع باهتمام ظاهر اقتحام مناصريه لمبنى الكابيتول معتقداً أن ذلك سيكون كفيلاً بمنع مجلس الشيوخ من الموافقة على انتخاب جو بايدن رئيساً بعد حصوله على غالبية أصوات المجمع الانتخابي. كان بايدن في حاجة الى 270 صوتاً، فإذا به يحصل على أصوات 302 من أعضاء المجمع الانتخابي…

تفوق بايدن على ترامب في التصويت الشعبي بنحو ثمانية ملايين صوت. الأكيد ان أصواتاً كثيرة سترتفع وتقول انّ هناك نحو 74 مليون أميركي صوتوا للمرشح الجمهوري وأنّ هؤلاء سيبقون قوّة متماسكة تدعم سياساته. كان ممكناً لمثل هذا الكلام الاستناد الى منطق ما، لولا الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته والذي أظهر أنّه غير مؤهّل لتأدية أي دور سياسي مستقبلاً. قبل كلّ شيء، لا يمكن ضمان أيّ تماسك بين الذين صوتوا لدونالد ترامب. يدلّ على ذلك الخلاف الذي وقع بينه وبين أكثر الأشخاص وفاء له، أي نائب الرئيس مايك بنس.

عندما جاءت لحظة الخيار بين الولاء لترامب والولاء للدستور الأميركي، اختار بنس الولاء للدستور. لم يعترض، بصفة كونه رئيساً لجلسة مجلس الشيوخ تلك، على أن يكون بايدن رئيساً استناداً الى تصويت المجمع الانتخابي. رفض طلب الرئيس منع مجلس الشيوخ من المصادقة على نتيجة الانتخابات. كان يعرف أن ذلك ليس من حقّه…

كان بنس يعرف أيضاً أن رئاسته لمجلس الشيوخ، الذي يضمّ 100 عضو، في مثل هذه المناسبة، ليست سوى مسألة ذات طابع احتفالي وأن لا خيار آخر أمامه سوى الموافقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية. وقف في وجه الرئيس وانقطعت لغة الكلام بينهما بعد مشادة قصيرة. نسي دونالد ترامب أنّه في الولايات المتحدة الأميركية وليس في “جماهيرية” معمّر القذافي أو في سوريا حافظ وبشّار الأسد، حيث عدّل الدستور ليناسب عمر بشّار عندما خلف والده في عام 2000. كذلك، نسي انّه ليس في جمهورية الموز اللبنانية حيث أغلق “حزب الله” مجلس النوّاب سنتين ونصف السنة من أجل فرض انتخاب الماروني ميشال عون، مرشّح الحزب، رئيساً للجمهورية.

دافع الأميركيون عن بلدهم وعن نظامه الديموقراطي. يعرف أعضاء الكونغرس أن الدستور هو القاعدة وأنّ هناك أعرافاً وقوانين لا بدّ من احترامها. في النهاية، مهما حقّق الرئيس الأميركي، أي رئيس من إنجازات على الصعيد الخارجي، ليس مسموحاً له بارتكاب حماقات او الإقدام على أي تجاوزات. يظلّ ريتشارد نيكسون، بطل فضيحة “ووترغيت” أفضل مثل على ذلك. كان نيكسون رئيساً استثنائياً، كان وراء الانفتاح على الصين وإقامة علاقات معها في العام 1972. ذهب ضحيّة “ووترغيت”. اضطر الى الاستقالة. لم يسمع له بعد ذلك صوت طوال سنوات.

لن يكون لدى دونالد ترامب من خيار آخر غير السير على خطى نيكسون، هذا في حال لم يذهب الديموقراطيون، على رأسهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، خلفه. في النهاية، لا يمكن تسمية الحماقة شيئاً آخر غير الحماقة. تسبّب انصار ترامب، الذين ما لبث أن تبرّأ منهم، بمقتل أربعة اشخاص. خرجوا عن كلّ التقاليد المتبعة في أميركا. أرادوا تنفيذ انقلاب من أجل إبقاء دونالد ترامب في البيت الأبيض. هل يمكن لشخص يظنّ أن الانقلاب ممكن، من طريق مجموعة من الرعاع غزوا الكابيتول، أن يكون له مستقبل سياسي من أيّ نوع وأن يعتقد ولو للحظة أن هناك شيئاً اسمه “الترامبية”؟

النهار العربي

—————————-

تعيينه يعكس نهج بايدن الخارجي… الدبلوماسي المخضرم وليام بيرنز لإدارة الـ”سي آي إيه”

في خيار يعكس توجه الإدارة الأمريكية المقبلة نحو لغة الحوار والدبلوماسية في حل النزاعات، أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن ترشيح الدبلوماسي المخضرم وليام بيرنز لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية المعروفة باسم “سي آي إيه”.

تشير مواقف بيرنز المعلنة، من خلال مقالاته وكتبه، إلى أنه يفضل لغة الحوار على سياسات تغيير الأنظمة، ولا يدعم صفقة القرن، ويدعو إلى وقف الحرب في اليمن، وكان يؤيد تسليح المعارضة السورية كما حثّ على استهداف نظام الرئيس بشار الأسد.

ولا يبتعد ترشيح بيرنز عن اختيار المبعوث الأمريكي السابق للتحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكغورك مبعوثاً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تظهر الصورة الكاملة أن الرئيس الجديد اختار فريقاً يتبنى خيار العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.

من هو وليام بيرنز؟

كان بيرنز الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة نائباً لوزير الخارجية وسفيراً في روسيا خلال عهد جورج بوش، وعمل دبلوماسياً لأكثر من 30 عاماً، وكان أحد أكثر الأصوات الأمريكية احتراماً في قضايا السياسة الخارجية لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

على الرغم من أن بيرنز البالغ من العمر 64 عاماً لا يتمتع بخبرة كبيرة في عالم الاستخبارات، إلا أن تعيينه يُعد واحداً من عدة تعيينات تلقي الضوء على نهج السياسة الخارجية للرئيس المقبل.

بحسب مراسل صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في واشنطن بن صموئيل، فإن بيرنز وسطي وغير سياسي وذي خبرة وجدير بالثقة.

وكان بيرنز أول مفاوض رئيسي لإدارة أوباما في المحادثات السرية التي أدت إلى الاتفاق الإيراني عام 2015، قبل أن تحل محله ويندي شيرمان مرشحة بايدن لمنصب نائبة وزير الخارجية.

جادل بيرنز منذ فترة طويلة بأن الاتفاق النووي يجعل إسرائيل في الواقع أكثر أماناً، إذ قال في عام 2015: “أعتقد أن تصرفات إيران في لبنان وسوريا واليمن من المرجح أن تهدد مصالحنا ومصالح أصدقائنا، وستكون أكثر تهديداً إذا أصبحت مسلحة نووياً أو إذا كان برنامجها النووي غير مقيد وغير خاضع للرقابة”.

شارك بيرنز في كتابة مقال رأي في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 في صحيفة “نيويورك تايمز” مع جيك سوليفان الذي عيّنه بايدن كمستشار جديد للأمن القومي حث فيه إدارة ترامب على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران.

ودعا إلى وقف التصعيد المتبادل، مؤكداً أنه يجب على الولايات المتحدة إنهاء مشاركتها في حرب اليمن.

وفي كتابه لعام 2019، بعنوان “القناة الخلفية”، أشار بيرنز إلى أنه دعم وحث الولايات المتحدة لتسليح وتدريب المعارضين السوريين في وقت مبكر من عام 2012، متحدثاً كذلك عن نهج التفاوض السري مع إيران، بالقول: “تساعد السرية في منع المعارضين في كلتا الجانبين من خنق المبادرة في سريرها، لكنها ستحمل تكاليف مستقبلية، وتغذي انتقادات من بعض أقرب شركائنا، وخاصة الإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين”.

وأشار أيضاً إلى دور سلطنة عُمان إذ وصفه بـ”التسهيلي” وليس “الوسيط”، قائلاً: “العمانيون، المتجمعون حول رأس الطاولة، كانوا يقدمون بضع كلمات ترحيب موجزة ثم غادروا”.

وأشار أيضاً إلى أنه فضّل هو وسوليفان توجيه ضربات جزئية على قوات النظام السوري وذلك لإعلام إيران بأن الولايات المتحدة لن تقبل طهران بسلاح نووي.

في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية عام 2019، اعتبر بيرنز أن تساهل إدارة أوباما في الرد على تجاوز دمشق “الخط الأحمر باستخدام الأسلحة الكيميائية” في نهاية عام 2013 أضعف أمريكا وأثّر سلباً على دورها في العالم، لكنه أشار إلى ضرورة تحلي واشنطن بالواقعية إزاء التعاطي مع الأزمة السورية؛ لأنه في السنوات السابقة “وضعنا أهدافاً كبيرة من دون توفير الأدوات لتحقيقها”.

وحول موقفه من القضية الفلسطينية، كان بيرنز من أشد المنتقدين لخطة الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قائلاً: “خلال ثلاثة عقود ونصف من الخدمة الحكومية، لم أر قط رئيساً أمريكياً يتنازل كثيراً، مقابل القليل”.

وكان بيرنز أيضاً مبعوث الإدارة الأمريكية لحل الأزمة المصرية بعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، واعتصام جماعة الإخوان في ميدان رابعة عام 2013، من دون أن تسجل جهوده نجاحاً في حل الأزمة، ما أدى إلى فض الاعتصام بالقوة ووقوع المئات من الضحايا.

وقبل أسابيع، وقّع بيرنز مذكرة وُجّهت لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع نحو 20 دبلوماسياً، طالبوا بعدم تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.

تعيين بريت ماكغورك

يأتي ترشيح بيرنز كواحد من عدة ترشيحات حديثة اقترحها بايدن والتي اعتُبرت أنها ستؤثر على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ سبق ذلك إعلان تعيين بريت ماكغورك منسقاً للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.

وكان ماكغورك المبعوث الخاص لإدارة أوباما في التحالف الدولي ضد داعش، واحتفظت به إدارة دونالد ترامب. ويُعرف بأنه يتمتع بعلاقات قوية مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

ومع ذلك، استقال في كانون الثاني/ ديسمبر عام 2018 بعد أن قرر الرئيس ترامب فجأة سحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا.

في آب/أغسطس الماضي، أشاد ماكغورك بتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، قائلاً: “الاتصالات مستمرة منذ سنوات، واتخاذ هذه الخطوة الأخيرة يتطلب شجاعة”.

ورأى أن الدولتين ستعملان على مواجهة التهديد المشترك الذي تشكله السياسات الإقليمية لتركيا، معتبراً أن هذا التحدي هو المحرك الرئيسي لاتفاق التطبيع.

يُعرف ماكغورك بأنه منتقد صريح لعلاقات ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال مرة إن “علاقة ترامب بأردوغان قوّضت أي جهد جاد لدفع تركيا في اتجاه أكثر إيجابية”.

وشغل ماكغورك سابقاً منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران، وقاد محادثات سرية مع إيران بشأن إطلاق سراح الأمريكيين المسجونين هناك خلال مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015، كما انتقد سياسة ترامب في ممارسة أقصى قدر من الضغط على طهران، ووصفها بأنها غير متسقة ولا يمكن التوفيق بينها وبين استراتيجيته للأمن القومي.

مثّل ماكغورك الولايات المتحدة في سلسلة من الاجتماعات السرية بين إسرائيل وروسيا عام 2017 في سلطنة عمان، وفي عاصمة أوروبية أخرى بشأن وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، حسب صحيفة “هآرتس”. وركزت المفاوضات على إقامة “مناطق آمنة” على الحدود السورية الإسرائيلية والسورية الأردنية.

في هذه الاجتماعات،التي عُقدت قبل أيام قليلة من إعلان روسيا والولايات المتحدة عن اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار في ذلك الوقت، قدمت إسرائيل اعتراضات عديدة على الصفقة، قائلة إن القوتين لا توليان اهتماماً كافياً لأهمية إخراج القوات الإيرانية من سوريا.

وذكر في تصريحات أخرى في وقت لاحق من ذلك العام أن القوات المدعومة من إيران يجب أن تغادر سوريا من أجل استقرارها. وكان ماكغورك أيضاً ضمن طاقم عمل مجلس الأمن القومي للرئيس السابق جورج بوش، ما يعني أنه يحظى أيضاً بدعم من الحزب الجمهوري.

رصيف 22

——————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى