انتصار الأسد في سوريا حظي بتأييد العالم وتشجيعه/ كيستوفر فيليبس
بعد مرور أكثر من 7 سنوات على الحرب الأهلية التي شرّدت نصف سكان سوريا ودمّرت المدن وحوّلتها إلى أنقاض وقتلت ما يزيد على 500 ألف شخص، يبدو أن الرئيس بشار الأسد على وشك الانتصار. الشهر الماضي، استعادت الوحدات الموالية له سيطرتها على درعا، حيث بدأت الاحتجاجات السلمية التي تحولت إلى تمرّد عنيف ضده لأول مرة عام 2011. وجاءت عملية إعادة السيطرة في الوقت الذي هاجم فيه الأسد الجنوب، أحد آخر معاقل المتمرّدين.
لم تنته الحرب بعد، إِذ لا يزال الشرق الكردي وإدلب اللذان يسيطر عليهما المتمرّدون، بعيدين كل البعد من متناول النظام، وقد تكون تكلفة أي انتصار باهظة، نظراً إلى الخراب الذي أحدثته الحرب. ومع ذلك، يبدو أن الأسد لن يذهب إلى أي مكان.
كيف نجا الأسد؟
كان بعض المراقبين متفائلين بشأن الانهيار الوشيك للنظام، إِذ شهد الربيع العربي الإطاحة بالحكّام المستبدّين في البلدان المجاورة. ومع ذلك، يتمتّع أصحاب المناصب بمزايا هائلة أثناء حركات التمرّد المسلّحة، ومُنِيت معظم حركات التمرّد بالهزيمة منذ الحرب العالمية الثانية. كما مارس خصوم الأسد في الداخل والخارج ضغوطاً كبيرة على النظام، لدرجة أن الانهيار الداخلي بدا ممكناً في مراحل عدّة. لكن نجاة الأسد لم تحدث مصادفة: فهناك أسباب داخلية وخارجية واضحة. استخدم النظام أساليب ملتوية ووحشية للحفاظ على الدعم الرئيسي في الداخل، فيما حظي بحلفاء ثابتين في الخارج، مقابل أعداء متردّدين وغير مؤهّلين.
ساعدت المؤسّسات السورية الأسد على تحمّل ضغوط الاحتجاجات والحروب. ومن الجدير بالذكر، أن الأجهزة الأمنية ظلّت موالية له. لم يكن هناك انقلاب ضد الأسد. فعلى رغم انشقاق أفراد من الجنود بمجرّد بدء القتال، إلا أن هؤلاء جاؤوا من وحدات التجنيد الخاصة بغير النخبة ومن دون معدّات ثقيلة. وتسبّبت الخسائر والانشقاقات في تقليص جيش الأسد من 325 ألفاً إلى 125 ألفاً، في غضون أربع سنوات، لكن فرّ كثيرون بدلاً من القتال، ونادراً ما وصلت أعداد المتمرّدين إلى أكثر من 50 ألف.
وبغض النظر عن الأمور العسكرية، جاءت أبرز حالات الانشقاق عام 2012 عندما فرّ كل من مناف طلاس، وهو من قيادات الحرس الجمهوري، ورئيس الوزراء، جهاد مقدسي، والمتحدّث باسم وزارة الخارجية. كانت هذه الشخصيات بارزة، لكن لم يكن لديها أي نفوذ حقيقي. وتضاعف عدد هؤلاء الذين يمتلكون نفوذاً فعلياً– مثل القيادات الأمنية وكبار الشخصيات العسكرية وقادة الصناعة– خلف الأسد.
ويُعزى هذا في الأساس إلى أن الأسد ورث نظاماً انقلابياً من والده وسالفه حافظ الأسد. وعزّز حافظ المناصب الأمنية ووحدات النخبة بالموالين له، ينتمي الكثير منهم إلى الطائفة العلوية، وهي من الطوائف المهمّشة تقليدياً وتمثّل 10 – 12 في المئة من السكان. وتم إقناعهم بأن عائلة الأسد هي المسار الأفضل لتحقيق الأمن والامتيازات. ففي الحرب الأهلية، هيمن العلويون على وحدات الجيش الحيوية، وبخاصة الأقارب المقرّبين للأسد. عام 2011، كان شقيق الرئيس وصهره وابن عمّه، من أقوى قادة الأجهزة الأمنية. وكانت المؤسّسات الأمنية والعسكرية البارزة مرتبطة كثيراً بمصير الرئيس.
ثانياً، استطاع الأسد الاحتفاظ بالدعم الفعّال أو الضمني من القطاعات الرئيسة من السكان السوريين. وتمثّلت إحدى الحيل في التلاعب المتعمّد بالهوية الطائفية. وفاز كل من حافظ وبشار الأسد بدعم العلويين، والمسيحيين (8 في المئة من السكان) والدروز (3 في المئة)، إضافة إلى الكثير من العلمانيين الذين دخلوا ضمن الـ65 في المئة من الذين شكّلوا العرب السنة. لقد فعلوا ذلك بتقديم أنفسهم على أنهم مدافعون علمانيون عن التعددية الدينية. وبمجرّد اندلاع الاضطرابات عام 2011، وصف الأسد المتظاهرين زوراً بأنهم متطرّفون إسلاميون متعصبون، وظهرت اللافتات الحكومية التي تحذّر من الانقسامات الطائفية. وفي نهاية المطاف، نجح هذا الأسلوب. كانت المظاهرات المبكرة متنوّعة، ولكن بمرور الوقت، بقي العلويون والمسيحيون والأقليات الأخرى على الحياد.
كما تمت أيضاً ممارسة ضغوط مادية. فقد تسبّبت سياسات الأسد الاقتصادية في إحداث التمرّد، الذي كان أقوى في المناطق الريفية المُهملة وبين الشباب الذين يعاني 25 في المئة منهم من البطالة. ومع ذلك، لا تزال الدولة توفّر 20 – 30 في المئة من الوظائف، ويخشى البعض من خسارة الراتب. في الواقع، استمر الأسد بذكاء في دفع الرواتب، بل ورفع رواتب العاملين بالدولة طوال الحرب (على رغم التضخّم الشديد الذي شهدته البلاد)، بما في ذلك المناطق التي تقع خارج نطاق سيطرته. وكانت الطبقات المتوسّطة التي استفادت من سياسات الأسد بطيئة في التخلي عنه. فعلى رغم قيام البعض في مدينة حمص المتمرّدة بتمويل المعارضة، ظلّت حلب ودمشق الأكثر ثراءً هادئة إلى حد كبير.
كان هناك أيضاً دعم أيديولوجي حقيقي للأسد. منذ البداية، أصرّ الأسد على أن التمرّد كان من المخطّطات التي تم تدبيرها في الخارج، وبعد حياة كاملة من الترويج، صدّقه البعض. وشعر آخرون بالخوف من عدم الاستقرار السياسي. وقام النظام بجذب المناصرين بطرائق ملتوية وذلك من خلال تقديم بصيص من الإصلاحات، مثل وضع دستور جديد. ففي حين رفض خصومه مثل هذه “التنازلات” عن حق باعتبار أن لا طائل من ورائها، فبالنسبة إلى المؤيّدين حظيت تلك التغييرات بالأهمية.
كانت هناك حيلة رئيسة أخرى تمثّلت في حملة من الترهيب. زعم المعارضون أن “جدار الخوف” قد انهار نتيجة احتجاجاتهم، ولكن كان ذلك مجرّد أمنية. انطبعت آثار آخر تمرّد ضد أحد أفراد عائلة الأسد في أذهان كثيرين، عندما ذبح حافظ ما لا يقل عن 10 آلاف شخص في حماة عام 1982. وكانت حملة القمع التي شنّت بعد عام 2011 بمثابة محاكاة أضخم لذلك. ففي حين جازف كثيرون بحياتهم بكل شجاعة، ارتدع آخرون بشكل واضح.
وبعد ذلك، كان هناك جهد ناجح من جانب النظام لتقسيم المعارضة ونزع شرعيتها وإضفاء صبغة التطرّف عليها. فقد هدّد المتظاهرون الذين خرجوا عام 2011 دكتاتورية الأسد لأنهم شكّلوا حركة سلمية شعبية تتّسم بالديموقراطية. وفضّلت الحكومة سحقهم بدلاً من الإصلاح، لكنها أقرّت بأن السكان لن يتحمّلوا العنف غير المبرّر. لذا، اختلقت الحكومة قصة لإضفاء الشرعية على ذلك: فقد صوّرت المعارضين على أنهم متطرّفون إسلاميون متشدّدون وأجانب.
بعد أن وضع النظام روايته الزائفة، شرع في تنفيذها على أرض الواقع. وتم استهداف المنظّمين السلميين على وجه التحديد، وبحلول تموز/ يوليو عام 2011، تم اعتقال 8 آلاف شخص، وتعرّضوا للتعذيب والاعتداء الجنسي والإذلال. ومن بين هؤلاء المحظوظين بما يكفي ممّن تم إطلاق سراحهم (إضافة إلى “اختفاء” ما يزيد على 75 ألف شخص)، فرّ كثيرون إلى الخارج أو أصبحوا متطرّفين. وعندما تحوّلت المعارضة في النهاية إلى صراع عنيف، كان كثيرون من الناشطين السلميين الذين قاوموا إما في السجن أو في المنفى أو ماتوا.
من ناحية أخرى، أطلق النظام سراح الجهاديّين عن عمد، على أمل بأن يدفعوا المعارضة إلى التطرّف ولتأكيد مزاعم الأسد بأنها جماعة إسلامية عنيفة. فقد كان قادة اثنين من الميليشيات الإسلامية البارزة – حسّان عبود من أحرار الشام وزهران علّوش من جيش الإسلام – في سجون الأسد أوائل عام 2011. وكان مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة “النصرة” زملاءهم في السجن. ووجّه النظام في ما بعد الأولوية للقتال ضد المعارضين المعتدلين، في حين ترك “داعش” الذي كان في مرحلة التكوين آنذاك من دون أي أذى بشكل عام. كان هذا الأمر يتّسم بطابع الواقعية بشكل جزئي، إِذ كان تنظيم الدولة الإسلامية يقبع في المناطق النائية في الشرق، فيما هدّد متمرّدون آخرون المعاقل الغربية، لكن كان ذلك استراتيجياً أيضاً. فمثلما استهدف الأسد المعارضين السلميين ليضمن أن يتحوّل التمرّد إلى العنف، ركّز على المتمرّدين المسلّحين المعتدلين، على أمل بأن يبقى الجهاديون والنظام أمام السوريين والعالم ليختاروا من بينهم.
إذا لم يكن هناك تدخّل خارجي، لربما كانت هذه الحيل والذرائع الداخلية كافية لنجاة الأسد. لكن سُرعان ما أصبحت الانتفاضة دولية. ودعت الحكومات الغربية الأسد إلى التنحّي في آب/ أغسطس عام 2011، إضافة إلى فرض العقوبات. وقطعت الحكومات الإقليمية بقيادة قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية العلاقات. وفي وقت لاحق، قدّم أعداء الاسد الخارجيون الرعاية لخصومه السياسيين وساعدوا المتمرّدين المسلّحين. ومع ذلك، تضاءلت هذه الرعاية نتيجة للعون الذي قدّمه حلفاء النظام وإيران وروسيا.
لقد قدّم أصدقاء الأسد أكثر من أعدائه على نحو متواصل، إذ قاموا بتوفير الدعم الحيوي في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. واستخدمت روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 12 مرّة لحماية الأسد من القرارات الغربية. وقدّمت موسكو وطهران شريان الحياة الاقتصادية الحيوية لمحو الآثار المترتبة على العقوبات والحرب. فعلى سبيل المثال، طبعت روسيا الأوراق النقدية لسوريا للالتفاف أو التحايل على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، فيما وافقت إيران على تقديم قروض لسوريا بقيمة 4.6 مليار دولار، دُفِعت مقابل الأسلحة والرواتب وأبقت على أداء الدولة المتعثرة.
كما قدّمت كلتا الحكومتين مساعدات عسكرية مهمّة. في البداية أرسلت إيران أسلحة ومستشارين، لكنها عززت دورها بعد أن عانى الأسد من هزائم عدة في عامي 2012 – 2013. وقامت بنشر الميليشيات الشيعية الأجنبية، ومن بينها “حزب الله” وأعادت تنظيم القوات السورية. وقدّمت روسيا الأسلحة في وقت مبكر، وتدخّلت مباشرة من طريق قواتها الجوية عام 2015، عندما بدا الأسد ضعيفاً. كان هذا السبب في تحويل الدفّة في نهاية المطاف، ما سمح للأسد باستعادة المناطق الرئيسة من المتمرّدين و”داعش”. وبالتالي أصبح فلاديمير بوتين صاحب النفوذ الرئيسي، وتمكّن من عقد صفقات مع إيران وتركيا والولايات المتحدة لتجميد الصراع مع المتمرّدين. ومع ذلك، فقد ثبت أن هذه الصفقات عديمة القيمة عندما خرق الأسد وقف إطلاق النار عام 2018 – بدعم من بوتين.
في الوقت ذاته، عمل الحلفاء الأجانب للمعارضة السياسية على زيادة حدّة الانقسامات الأيديولوجية والتكتيكية. فقد فضّلت الحكومات الأجنبية المهاجرين على النشطاء الداخليين عندما قدّمت الحكومات الرعاية لهم في المنفى مثل ائتلاف المعارضة السورية (SOC). ومكّنت تركيا وقطر الإسلاميين داخل هذه الهيئات، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين السوريين المنفيين. أثار هذا حال غضب في المملكة العربية السعودية، التي تكره الإخوان، ودفعت بالفصائل المدعومة من قطر والسعودية إلى داخل المعارضة. وأدى ذلك في النهاية إلى استقالة الرئيس الأول لائتلاف المعارضة السورية بعد أشهر قليلة فقط. كانت هذه الانقسامات الداخلية بمثابة الهدية بالنسبة إلى النظام.
وبالمثل، قوّضت القوى الخارجية المعارضة المسلّحة. فقد تشكّلت الميليشيات في الغالب محلياً، وكانت نتائج المحاولات المتعلّقة بتوحيدها تحت هيكل قيادة وطنية متباينة. وأدّت الخلافات الأيديولوجية، وبخاصة التي تتعلّق بالدور المنوط بالجماعات ذات النزعة الإسلامية، إلى زيادة انقسام المقاتلين. كما تم تهميش الإسلاميين العلمانيين والمعتدلين من قبل المتشدّدين مثل “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” وجبهة “النصرة” و”داعش”. وعمل ذلك أيضاً على إقصاء الأكراد (10 في المئة من السكان)، الذين اضطهدهم نظام الأسد طويلاً، لكنهم علمانيون إلى حد كبير، ما دفعهم إلى أن يصبحوا قوة ثالثة محايدة تعارض الأسد والمتمردين، و”داعش، في ما بعد. ودعم الحلفاء المتمرّدون الخارجيون هذه الاتجاهات.
وزعمت قطر أنها تدعم فقط ميليشيات الجيش السوري الحر المعتدلة (FSA)، لكنها تدعم في الواقع مجموعة من المقاتلين، كثر منهم من الإسلاميين. وفضّلت تركيا الجماعات المتحالفة مع الإخوان المسلمين ثم دعمت أحرار الشام. وفي نهاية الأمر، توصّلت المملكة العربية السعودية، التي فضّلت الجيش السوري الحر FSA في البداية، إلى دعم جيش الإسلام السلفي. لسنوات عدة، لم تقدم دول الخليج سوى القليل لمنع التبرّعات الإسلامية الخاصة المتّجهة إلى سوريا. ومن ثم، كان الرعاة الأجانب يشجّعون ميليشيات المعارضة على التناحر من أجل الأموال الخارجية بدلاً من التوحّد، فيما أحبطت قلة منهم التحوّل نحو التطرّف.
كان من الممكن أن يؤدّي التدخل الغربي الأكثر حسماً إلى الإطاحة بالنظام، إلا أن باراك أوباما وجّه الأولوية إلى مخاوف أخرى بدلاً من هزيمة الأسد. فقد دعمت الولايات المتحدة المتمرّدين منذ البداية، وأشرفت الاستخبارات المركزية الأميركية CIA على جهود التسليح. وذهبت هيلاري كلينتون وديفيد بتريوس إلى القول إن الولايات المتحدة عليها أن تعزّز دورها عبر فحص المتمرّدين المعتدلين وتدريبهم وتزويدهم بالمعدّات، لكن أوباما رفض ذلك، معتقداً أنه لن يتسبّب في إحداث التوازن، كما خشي من أن الأسلحة ربما تنتهي في أيدي الجهاديين. لقد كان لديه ما يدعو للقلق. فالاتجاه صوب التطرّف (بمساعدة الأسد) قطع شوطاً كبيراً، فيما لم تمنع الرعاية الأميركية للمتمرّدين في ليبيا، قطر وغيرها من جماعات الدعم المتطرّفة. وبعد سنوات من اندلاع الحرب، عندما استهلّت الولايات المتحدة برنامج التدريب والتجهيز، سرق الجهاديون بعض المقاتلين الذين قاموا بتسليحهم، في حين باع آخرون أسلحتهم. وسواء كان على صواب أم على خطأ، فقد قدّم أوباما القتال ضد الجهاديين على القتال ضد الأسد.
كانت هناك أولوية مشابهة عندما تعلّق الأمر بالتدخّل المباشر للولايات المتحدة. فقد هدّد أوباما الأسد بأن استخدام أو نقل مخزونه الأساسي من الأسلحة الكيماوية، يعني تجاوزاً للخط الأحمر. ومع ذلك، عندما زُعِم بأن الأسد شن هجوماً بالغاز على المتمرّدين في الغوطة عام 2013، تراجع أوباما عن الضربة المقترحة، وفضّل إبرام اتفاقية بوساطة روسية لإزالة الترسانة. وعلى رغم أن الضربة الأميركية كان من الممكن أن تردع الأسد عن شن هجمات أخرى أو أن تقوّض قوّاته بشكل كاف يسمح بانتصار المتمرّدين، كان أوباما على دراية بالمخاطر. فقد أطاح بمعمر القذافي في ليبيا، ما أدّى إلى حال من الفوضى، وليس الاستقرار، وخشي من حدوث الشيء ذاته في سوريا. إلا إنه بعد مرور عام، شنّ أوباما هجمات في سوريا – ضد “داعش”، بعد استيلائه على الموصل. ومرّة أخرى، تفوّقت المعركة ضد الجهاديين على المعركة ضد الأسد.
قبل أن يصل دونالد ترامب إلى السلطة، يمكن القول إن موقف الأسد كان آمناً بالفعل. وعلاوة على ذلك، كان تركيز ترامب في سوريا منصباً على محاربة “داعش”، واستمر في سياسات أوباما المتمثّلة في دعم القوّات الكردية على أرض الواقع كما تجاهل بشكل كبير استرداد الأسد المناطق الغربية التي يسيطر عليها المتمرّدون. ففي حين أنه هاجم الأسد مرّتين بعد أن عزّز استخدامه للأسلحة الكيماوية، كانت أولويته تتمثل في أن يظهر أنه أقوى من أوباما وليس تدمير النظام. كما ساهم تقاربه من روسيا في التواطؤ النسبي، لدرجة أنه لم يفعل أي شيء ليمنع الأسد من استعادة السيطرة على درعا، حتى على رغم أنها تقع ضمن منطقة خاضعة لوقف لإطلاق النار والتي ضمنها ترامب بنفسه عام 2017. وفي ظل رغبة ترامب في أن يكون نداً لأوباما، استمر ترامب في سياسة سلفه المتمثّلة في تقديم الأولوية لقضايا أخرى على هزيمة الأسد، ما مكّنه من النجاة.
من الظاهر، لا يبدو انتصار الأسد انتصاراً على الإطلاق. فهو أشبه بملك الرماد، الذي يشرف على بلد مضطرب من قصره الرئاسي. لا يزال عليه أن يغزو مساحات شاسعة من الأراضي وأن يواجه هجمات إرهابية متواصلة من الخلايا النائمة للجهاديين. كما يجب عليه أن يعيد بناء اقتصاد متعثر مُثقل بالديون، إضافة إلى وجود عدد قليل من السكان المجردين من الكثير من مهاراتهم التقنية والفكرية. إنه يعتمد على حليفين أجنبيين قويين، روسيا وإيران، اللتين تسللتا إلى مؤسسات الدولة والاقتصاد ومارستا نفوذاً هائلاً. يجب عليه أن يسترضي ملايين السوريين الموالين له ممن بذلوا دماءهم وأموالهم لإبقائه على عرشه.
لكن بالنسبة إلى الأسد والمقرّبين منه، الذين خاضوا لعبة طويلة الأجل، يجب أن تبدو تلك المشكلات وكأنها من الممكن التغلّب عليها، حتى لو استغرق الأمر عقوداً. بالنسبة إليهم، كانت الحرب من أجل البقاء، ومن هذا المنطلق فازوا بها. ومكّنتهم السخرية والقسوة في الداخل فضلاً عن المساعدات الحاسمة من الخارج (سواء كانت متعمّدة أم لا)، من البقاء في السلطة. لقد كان التعامل وحشياً وغير إنساني، لكنه نجح من وجهة نظرهم. يا له من درس مروّع للطغاة الآخرين.
هذا الموضوع مترجم عن موقع The Atlantic ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي
https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/08/assad-victory-syria/566522/
درج