مبيضات مطبوعة تنجب صغاراً بصحّة جيّدة وتجدّد طرح السؤال عن الخَلق الإلهيّ/ ياسمين ابراهيم
في أواسط العام الماضي، كتبت المحرّرة العلميّة كريستين سامويلسون (من شيكاغو) عمّا كشفته دراسة أعدّتها كلّية فينبرغ للطب وكلّية ماكورميك للهندسة في جامعة نورث وسترن، من أنّ عالَم إنتاج الأعضاء المطبوعة بثلاثة أبعاد بات يضمّ تركيبات مبيضات قابلة للزرع، وقادرة فعليّاً على الإباضة، بفضل تصميمها.
وفي التفاصيل، التي تجيز طرح السؤال عن نظريّة الخلق الإلهيّ الدينيّة، أنّه عند إزالة مبيض فأرة واستبداله بمبيض بيولوجيّ مصنّع، لم تستطع الفأرة الإباضة فحسب، بل وضعت فئراناً صغاراً تتمتّع بصحة جيّدة، كما تمكّنت الفأرة من إرضاع صغارها.
والحال أنّ المبيضات البيولوجيّة المصنّعة تُبنى من سقالات مطبوعة بثلاثة أبعاد تحتوي على بويضات غير ناضجة، وقد نجحت في زيادة إنتاج الهورمونات واستعادة الخصوبة في الفئران، وهو الهدف الأساسيّ والأبعد من البحث.
في هذا الإطار، ووفقاً لبحث نُشر في مجلّة “نايتشور كوميونيكايشنز”، قالت الدكتورة تيريزا وودراف، وهي باحثة علميّة ومديرة معهد أبحاث يتعلّق بصحة المرأة في كلّية فينبرغ: “يُظهر هذا البحث أن المبيض البيولوجيّ المصنّع يقوم بوظائفه لفترة طويلة وبطريقة مستدامة”، وأضافت: “إن توظيف تقنيّات الهندسة البيولوجيّة، بدلاً من زراعة الأعضاء البيولوجيّة البديلة لبناء هيكليّات أعضاء تعمل وتعيد صحّة الأنسجة المتضرّرة عند الشخص، إنّما يشكّل ذروة الهندسة الحيويّة للطبّ التجديديّ”.
بماذا يتميّز هذا البحث عن غيره من الهيكليّات المطبوعة بثلاثة أبعاد؟
الأمر الذي يميّزه عن غيره من البحوث هو هندسة السقالات والمادّة، أي “الحبر”، التي يستخدمها العلماء، حسبما قالته راميل شاه، الأستاذة المساعدة في علم الموادّ والهندسة في كلّية ماكورميك للهندسة وفي الجراحة في كلّيّة فينبرغ للطبّ. وأمّا المادّة فهي الجيلاتين، وهي عبارة عن هيدروجيل بيولوجيّ مصنوع من الكولاجين المكسّر، الذي يمكن استخدامه في الجسم البشريّ. وكان العلماء على دراية بأنه أيّاً كانت السقالة المصنوعة، يجب أن تكون من موادّ عضويّة، جامدة بما فيه الكفاية بحيث يسهل التحكّم بها خلال الجراحة، ومساميّة بما فيه الكفاية كي تتفاعل طبيعيّاً مع الأنسجة في جسم الفأرة.
وشرحت شاه: “تعتبر غالبية الهيدروجيلات ضعيفة جدّاً لأنها مكوّنة بغالبيتها من الماء، وقد تتهدّم على نفسها في معظم الأحيان. لكنّنا وجدنا حرارة للجيلاتين تسمح بأن تقوم بحدّ ذاتها من دون أن تتهدّم، الأمر الذي يؤدّي إلى بناء طبقات متعدّدة. لم يتمكّن أحد من قبل من طباعة جيلاتين بهذه الهندسة الدقيقة”.
هذه الهندسة تتعلّق بشكل مباشر بما إذا كانت بصيلات المبيضات، وهي خلايا دعم منظّمة لإنتاج الهورمونات حول بويضات غير ناضجة، ستعيش في المبيض، وهو الاختراق الأبرز الذي حققته هذه الدراسة. وقد أضافت شاه: “إنها الدراسة الأولى التي تبرهن أن هندسة السقالات تحدث فارقاً في بقاء البصيلات، وأنّه ما كان ممكناً تحقيق هذا الإنجاز لولا استخدام الطابعة الثلاثيّة الأبعاد”.
أمّا في ما يتعلّق بتأثير هذا الإنجاز العلميّ على البشر، فلعلّ هدف العلماء الوحيد من تطوير مبيضات بيولوجيّة مصنّعة كان استعادة الخصوبة وإنتاج الهورمون عند المرأة البالغة التي خضعت لعلاجات السرطان، أو المرأة التي تغلّبت على السرطان في الطفولة لكنّها باتت معرّضة أكثر من غيرها لمخاطر العقم، ومشاكل في النمو بسبب الهورمونات.
وفي هذا الصدد، أفادت الدكتورة مونيكا لاروندا التي شاركت في البحث، وهي باحثة سابقة في مختبر وودراف في سياق إعدادها لأطروحة دكتوراه، بأن مبيضات بعض النساء المريضات بالسرطان لا تعمل بمستوى عالٍ بما فيه الكفاية، وأنّ أولئك النساء يحتجن إلى العلاج باستخدام الهرمونات البديلة للحثّ على الخصوبة. وأمّا الهدف من هذه السقالة فهو استعادة كيفيّة عمل المبيض”. وهي لم تنس أن تضيف تفاؤلها: “نحن نفكّر بأفق أوسع، بكلّ مرحلة من مراحل حياة المرأة، أي من سنّ البلوغ، مروراً بحياتها كإمرأة ناضجة، وصولاً إلى مرحلة الطمث الطبيعيّة”.
علاوةً على ذلك، من شأن النجاح في بناء أعضاء قابلة للزرع باستخدام الطابعة الثلاثيّة الأبعاد كي تحلّ محلّ الأنسجة الليّنة المعقّدة، أن تؤثّر إيجابيّاً على مستقبل العمل على الأنسجة الليّنة ضمن إطار الطبّ التجدّديّ.
وجدير بالذكر أنّ لاروندا تشغل اليوم منصب الأستاذ المساعد في معهد ستانلي ماين للبحوث الخاصّ بالأطفال والتابع لمستشفى آن وروبرت لوري للأطفال.
لكنْ تقنيّاً، كيف تتمّ طباعة الأعضاء الحيويّة بطابعة الأبعاد الثلاثيّة؟
قالت ألكسندرا روتز، التي شاركت في إعداد هذه الدراسة، وهي زميلة سابقة في الهندسة الطبيّة الحيويّة في مختبر شاه لهندسة الأنسجة وصناعة الأعضاء (تيم) في معهد سيمبسون كيري، إن طباعة بنية المبيض مشابهة لطفل يلعب بلعبة لينكولن لوغز (أي قطع الحطب التي يمكن بناء أشكال عدّة بها)، إذ يمكنه وضع قطع الحطب على بعضها البعض في الزوايا المناسبة لبناء الهياكل. وبحسب المسافة بين القطع، يتغير الهيكل لبناء نافذة أو باب، أو ما إلى ذلك.
وأضافت روتز، وهي اليوم باحثة ويتاكر الدوليّ لدراسات ما بعد الدكتوراه في كليّة أيكول دي مين في سانت إتيان في غاردان بفرنسا: “تتم الطباعة ثلاثيّة الأبعاد عن طريق إيداع خيوط. يمكنك التحكّم بالمسافة التي بين تلك الخيوط، فضلاً عن الزاوية التي بين طبقات، وعن ذلك تنتج مسامّات بأحجام مختلفة ومسامّات بهندسة مختلفة”. وفي مختبر جامعة نورث وسترن، يطلق الباحثون على هذه الهياكل المطبوعة بثلاثة أبعاد تسمية “سقالات”، ويشبهونها بالسقالات التي يُحيط بها المبنى مؤقتاً عندما يخضع لأعمال الصيانة.
ومن جهتها قالت وودروف، وهي أيضاً أستاذة في الأمراض النسائيّة والتوليد في كلية توماس ج. واتكينز ميموريال، وعضو في مركز روبرت لوري الشامل للسرطان في جامعة نورث وسترن: “كلّ عضو له هيكل عظميّ، ولقد عرفنا كيف يبدو الهيكل العظميّ الخاصّ بالمبيض، واستخدمناه كنموذج لزرع المبيضات البيولوجيّة المصنّعة”.
في المباني، تدعم السقالات الموادّ اللازمة لإجراء أعمال الصيانة في المبنى إلى أن تتمّ إزالتها في نهاية المطاف. أما ما يتبقّى بعد إزالتها فهو هيكل قادر على التماسك. وبالمثل، يتم زرع “السقالة” أو “الهيكل العظميّ” المطبوع بالأبعاد الثلاثيّة، في الأنثى، ويمكن استخدام مسامّاتها لتحسين الطريقة التي تتماسك بها البصيلات، أو البويضات غير الناضجة، داخل السقالة.
وتدعم السقالة بقاء خلايا البويضات غير الناضجة عند الفأرة والخلايا التي تنتج الهرمونات لتعزيز إنتاجها، كما يسمح الهيكل المفتوح أيضاً لخلايا البويضات أن تنضج، وللأوعية الدمويّة أن تتشكّل داخل العضو المزروع لتمكين الهرمونات من الانتقال عبر مجرى دم الفأرة وإطلاق عملية الرضاعة بعد الولادة.
وأفادت شاه أنّ التعاون الذي اقتصر على نساء من ماكورميك وفاينبرغ لغرض هذا البحث كان “مثمراً للغاية”، بل “محفِّزاً”.
درج