في مغزى التصعيد الروسي مع إسرائيل/ علي العبدالله
لم تلجأ موسكو إلى تصعيد الخلاف مع إسرائيل بسبب إسقاط الدفاعات الجوية السورية الطائرة الروسية “إيل 20″، بل لأسباب بعيدة عن ذلك كليا. لجأت إلى التصعيد ردا على المناخ الدولي المضاد لتوجهاتها السياسية والعسكرية؛ والذي عبّر عن نفسه برفض تصوّراتها للتعاطي مع ثلاث قضايا سورية: عودة اللاجئين، إعادة الإعمار، إطلاق عملية عسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في محافظة إدلب وريفي حلب وحماة، كانت اعتبرت تمريرها مؤشّرا على اعتراف القوى الإقليمية والدولية بحقها في صياغة الحل الذي تراه للملف السوري. وهذا، بالإضافة إلى وجود مؤشّراتٍ على احتمال انفجار حربٍ واسعةٍ بين الولايات المتحدة وإيران في سورية، آيته تواتر الضربات الإسرائيلية في الأسبوعين الماضيين، وضربتها أخيرا في حديقة قاعدة حميميم الأمامية، سينهي مفاعيل المكاسب العسكرية التي حققتها في حمص والغوطة الشرقية ومحيط العاصمة الجنوبي ومحافظتي درعا والقنيطرة.
أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن جملة إجراءات: تسليم النظام السوري بطاريات صواريخ إس – 300، الحديث عن أربع مجموعات، حوالي مائة صاروخ، تغطي الأرض السورية، إنشاء نظام إدارة موحّدة لقوى الدفاع الجوي ووسائله في جميع أنحاء سورية؛ بما في ذلك وسائل الحرب الإلكترونية، ووسائل إطلاق النار؛ بإنشاء نقطة قيادة مركزية موحّدة، سيتعرف جيش النظام من خلالها على الهدف. وفي الوقت نفسه، سيتأكّد الروس من هوية الطائرات المغيرة، ويؤكّدون لقوات النظام لمن تعود، لخصمٍ أو لصديق، وهذا يثير مخاوف جدية بشأن احتمال صدام مباشر روسي إسرائيلي، نشر أجهزة تشويش كهرومغناطيسية على طول الساحل السوري في شرق المتوسط، أجهزة متطوّرة قادرة على تعطيل كل أنظمة التحكّم في الطائرات والسفن الحربية والأقمار الاصطناعية؛ كما التشويش على الاتصالات بتردّدات على الموجات القصيرة والترددات العالية.
ويحدّ نشر صواريخ إس – 300 من حرية حركة الطائرات الإسرائيلية فوق الأرض السورية. ونشر أجهزة تشويش كهرومغناطيسية على طول الساحل السوري في شرق المتوسط رسالة إلى الولايات المتحدة، والدول التي شاركت سفنها وطائراتها في الغارات الصاروخية على سورية
في إبريل/ نيسان الماضي، ردّا، كما قالت في حينه، على استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية؛ والتي عادت إلى التهديد بردٍّ أشدّ على أي هجوم كيميائي، ينفذه النظام في إدلب وريفي حلب وحماة، عكست الإجراءات توجّها روسيا لتسخين المناخ المحلي والإقليمي والدولي، في محاولةٍ لحفظ ماء وجهها، بعد الانتكاسات في القضايا الثلاث المشار إليها أعلاه، ولاستعادة الردع في مواجهة من رفض أو تحفّظ على تصوّراتها إزاء هذه القضايا، واستدراج عروض ومواقف تفاوضية، أميركية خصوصا، كان لافتا تفاعلها السريع والايجابي مع تعليق وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، على قرار تسليم النظام السوري صواريخ إس – 300، إنه في انتظار لقاء نظيره الروسي، سيرغي لافروف، على هامش مداولات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، للإعراب عن قلق الولايات المتحدة بشأن نية روسيا نقل منظومات إس – 300 إلى سورية. وردّ نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بأن بلاده مستعدّة لبحث كل المواضيع المتعلقة بالوضع في سورية وفي أي مكان آخر مع الولايات المتحدة. واستدرك”لكن نسعى إلى مناقشةٍ مثمرة، وعلى زملائنا الأميركيين ترك محاولات تقديم مقارباتهم وآرائهم الشخصية على أنها الوحيدة الممكنة والمقبولة”. ودعا المسؤولين الأميركيين إلى تقييم الخطوات الروسية، سواء تعلق الأمر بـ الـ إس – 300، أو أي مسائل أخرى، بقدرٍ أكبر من الواقعية والاتزان والحيادية، جعل هذا التفاعل مصير الأزمة الروسية – الإسرائيلية جزءا من العلاقات الروسية الأميركية، وفق قول محلل سياسي روسي. وجدّد ريابكوف دعوة موسكو إلى الولايات المتحدة لتوحيد الجهود في محاربة الإرهاب في سورية، وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
لم تكتف موسكو بالإعلان عن الإجراءات العسكرية التي ستتخذها حماية لجنودها، وفق تصريحات مسؤوليها، بل مرّرت معلوماتٍ عن حجم الوجود العسكري الإيراني على الأرض السورية؛ ونوعية الأسلحة المتطوّرة التي تمتلكها القوات الإيرانية أو الموالية لإيران، قدرات صاروخية بعيدة المدى ودقيقة، وتبريرها هذا الوجود. قال وزير الخارجية، سيرغي لافروف، ردّا على المطالبة بانسحاب إيران من سورية، إن بلاده لا ترى أن إيران تشكل تهديداً إرهابياً في سورية. وقد دفع هذا محللين أميركيين إلى القول “إن تسليم الدفاع الجوي الروسي صواريخ إس – 300 لسورية يهدد بتوسيع الحرب”، وملاحظتهم “أن التسليم يشير إلى ميل الجيش الروسي إلى الوقوف مع إيران ضد إسرائيل”. ودفع معلقا إسرائيليا إلى القول “إن هذا هو السبب في أن القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، لن تتنازل قط عن التكتيك الذي اتبعته حتى الآن في المواجهة النشطة لطهران وحلفائها في سورية ولبنان”. ويفسّر إلى حد بعيد لماذا تعمّدت إسرائيل قصف موقع في اللاذقية، حيث قاعدة حميميم الجوية الروسية، فقد جاء القصف للتعبير عن احتجاجها على سماح روسيا لإيران بإقامة صناعةٍ عسكريةٍ في منطقةٍ خاضعةٍ
لسيطرةٍ روسيةٍ مطلقة، كانت قبلها قد عبّرت عن تحفظها على إعلانات موسكو سحب القوات الإيرانية والموالية لإيران، بعيدا عن خط وقف إطلاق النار في الجولان السوري المحتل، تعدّدت إعلاناتها، وتغيرت المسافات التي أعلنت خلوها من القوات الإيرانية والحليفة لإيران، حيث تراوحت بين 40 و140 كلم. اعتبر محللون الغارة الإسرائيلية في اللاذقية استفزازا متعمّدا من أجل كشف الأوراق، والدفع نحو مواجهةٍ أشمل مع إيران بمشاركة الولايات المتحدة، عبر مواصلة هجماتها الهادفة إلى تقليص الوجود الإيراني في سورية، حتى لو قادت إلى صدامٍ مع القوات الروسية.
تباينت تقديرات المحللين للتصعيد الروسي بين من رأى أن إسقاط الطائرة الروسية سيجعل روسيا تناور من أجل قبض ثمن جنودها القتلى من سورية وإيران وإسرائيل؛ وهذا قد يدفعها إلى التخلي تدريجياً عن إستراتيجيتها المحايدة بالنسبة للصراع بين محور النظام وإيران وحزب الله من جهة وإسرائيل من الجهة الثانية. وفي حال تخلت عن هذه الإستراتيجية، سوف يظهر ذلك عسكريا في التزامها بالكامل بتقديم جميع عناصر النجاح الفنية والتقنية لمنظومة إس – 300، بِمَا يشمل توفير الحماية أيضاً للمقرّات الإيرانية والتابعة لحزب الله في سورية، وبين من رأى أنها دخلت بهذا التحرّك في مغامرةٍ ضخمةٍ في سورية، فهي تعزّز، بشكل كبير، شكل نهاية الحرب الأهلية التي مضى عليها سبع سنوات، لكنها قد تقود إلى صراعٍ أوسع، إذا حدث صدام في المجال الجوي السوري، نتيجة مقاومة فعالة ضد الاختراقات الإسرائيلية المتكرّرة.
العربي الجديد