مصر: من جهاز “الكفتة” إلى “الطفل المخترع”… دولة الخرافة تتمدّد/ باسل عبدالله
حين توفي عالم الكيمياء المصري والحاصل على نوبل أحمد زويل عام 2016 عمدت وسائل الإعلام المصرية لاستضافة الفتى وليد محمد العبادي بصفته “عبقري” مصر الصغير ليعلّق على النبأ ولم يتردد الفتى من القول “لو مات زويل فالعلم حيّ لا يموت”، وأضاف بأنه شخصياً سيكمل المسيرة.
ووليد هو طفل مصري تم الترويج له إعلامياً بصفته مخترع وبأنه في طريقه لاكتشاف علاج لمرض السرطان بالموجات فوق الصوتية وبأنه سيفك شيفرة الصواريخ، فجرى استضافته ومنحه الجوائز وفتح الفضاء الإعلامي الرسمي له. تم تكريمه من قبل البرلمان المصري ومن قبل مجلس جامعة دمنهور ومن الكلية الفنية العسكرية لحصوله المفترض على جائزة “أصغر بروفيسور في العالم” من إيطاليا، على رغم عدم وجود مسابقة أو جائزة بهذا الاسم في إيطاليا.
تم تكريمه أيضاً من محافظ البحيرة لحصوله على المركز الأول في مسابقة أرشميدس للبحث العلمي، إحدى أهم المسابقات العلمية في العالم والتي تُقام في روسيا، على رغم عدم اشتراكه في المسابقة من الأساس لا هو ولا أي مصري غيره، وفق ما أوضح الموقع الرسمي للجائزة، إلى جانب استضافته في عشرات البرامج التلفزيونية في قنوات النظام، من دون أن يتطوّع أحد بالبحث عن مدى صدقية ما يدّعيه الطفل أو بالأصح ما يدّعيه والده الأستاذ الأكاديمي في كلية الزراعة بجامعة القاهرة.
مع ذلك استمر الإعلام المصري في تقديمه على مدى السنوات الثلاث الماضية بصفته وجه مصر العلمي الفتي الواعد، وقد استفاد محمد من طلاقته في التعبير للحديث عن اختراعاته المزعومة من دون أن ينسى طبعاً أن يشكر الجيش والدولة المصرية على دعمها له.
المفارقة الهائلة التي تحملها هذه الحكاية مستمرة حتى اليوم، فمصر التي أنجبت علماء فعليين كزويل، وشخصيات بارزة في الثقافة والعلم والفن باتت وسائل إعلامها اليوم تروّج لفتى صغير لم يثبت من علمه أي حقيقة بل إن أي تقصي بسيط للروايات التي يقولها هو ووالده ستظهر أنها مجرد خرافة.
لكن يبدو أن هذه الخرافات والأكاذيب التي ظهرت منذ بداية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي آخذة بالتصاعد وليس الانحسار…
بداية الخرافة
في 22 شباط/ فبراير عام 2014، أعلن المتحدّث باسم القوات المسلحة المصرية عبر صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك” عن تطوير اختراع أول نظام علاجي لاكتشاف فيروس الإيدز وفيروس سي وعلاجهما، من دون الحاجة إلى أخذ عينة من دم المريض والحصول على نتائج فورية. حينها تم تسجيل براءة الاختراع باسم رجال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية وذلك بعد تصريح وزارة الصحة والسكان، ليتضح أن تلك لم تكن فقط كذبة وفضيحة للمؤسسة العسكرية.
قبيل هذا الإعلان نظمت الهيئة الهندسية العسكرية مؤتمراً صحافياً ظهر خلاله شخص مجهول مرتدياً زياً عسكرياً برتبة لواء يشرح طبيعة الجهاز بحضور الرئيس المؤقت عدلي منصور ووزير الدفاع –وقتها –عبد الفتاح السيسي، والذي أكد لاحقاً أن جهازه يعالج جميع الفيروسات ليس في مصر فقط، وإنما جميع الفيروسات المكتشفة في العالم أجمع، وقد أثارت طريقة شرحه غير العلمية سخرية الملايين بعدما عرضها الإعلامي الساخر باسم يوسف خلال برنامجه- الذي تم إيقافه لاحقاً – ذلك الشخص الذي اتضح بعد ذلك أنه فني معمل استطاع إقناع اللواء طاهر عبد الله رئيس الهيئة الهندسية العسكرية وقتها ليمنحه الأخير رتبة اللواء الشرفية.
مصدران اطّلعا على الجهاز شرحا لـ”درج” تكوينه، وأكّدا أن الصندوق الذي ظهر خلف فريق البحث وكان شبه خاوٍ من الداخل إلا من قطعة حجر متصلة بسلكين، ذلك الحجر الذي قال المشرفون إنه حجر مبارك من مكة لديه قدرات خيالية على الشفاء من جميع الأمراض وليس الإيدز والالتهاب الكبدي الوبائي!
لتتضح بعد ذلك كذبة ذلك الاختراع الذي أحالت نقابة الأطباء المشاركين فيه إلى التحقيق أمام هيئة التأديب والتي قضت بعد ذلك بإيقاف 3 من الأطباء المشاركين في هذه الكذبة، عن ممارسة مهنة الطب لمدة عام لكل منهم.
ليس العالم مهمّاً
في حوار سابق للواء طاهر حول الجهاز الذي أكد على قدرته على شفاء مئات المرضى، قال إنهم لا يشغلون بالهم بالعالم، رداً على سؤال حول الخطوات العلمية العالمية التي كان يجب على الجهاز اجتيازها لإطلاق تعريف اختراع عليه، تلك الكلمة التي عبّرت عمّا تلا تلك الفضيحة من فضائح.
فعبر الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري، تم الإعلان في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 عن فوز الفريق البحثي لكلية الطب بالقوات المسلحة على المستوى الأول والميدالية الذهبية بمسابقة IGEM العالمية للبحث العلمي والهندسة الوراثية التي أُقيمت بمدينة بوسطن الأميركية، وذلك لابتكارهم حلاً لسرطان الكبد، من خلال الهندسة الوراثية باستغلال التقنيات المعلوماتية الحياتية وبرامج البيولوجيا التخليقية، وفق ما أعلن المتحدث العسكري، الذي وصفه بالإنجاز الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط.
إلا أن الموقع الرسمي للمسابقة فضح تلك الكذبة أيضاً، موضحاً أن فريق كلية الطب العسكرية المصرية لم يستطع الحصول على أي جائزة من بين 29 جائزة تم منحها للفائزين، وأن كل ما استطاع الفريق الحصول عليه هو هدية شرفية من إدارة المسابقة يتم منحها لجميع المشاركين من حول العالم والذين بلغ عددهم في تلك الدورة 107 فرق.
“البورد” العسكري
كذبة أخرى كانت بطلتها كلية الطب العسكرية، التابعة للأكاديمية الطبية العسكرية، إذ أعلنت الأكاديمية منحها شهادة عليا للأطباء تحت مسمّى «بورد الأكاديمية الطبية العسكرية» في جميع التخصصات، تكون مدة الدراسة فيه 5 سنوات بعد البكالوريوس، موضحة أن الشهادة معتمدة من الزمالة الإنكليزية، وتحت إشراف الكلية الملكية بإنكلترا، على أن تكون تكلفة الدراسة 15 ألف جنيه للمدنيين، و10 آلاف جنيه للعسكريين، وأن تتم الدراسة في مستشفيات القوات المسلحة.
أعقب ذلك الإعلان استفسار من نقابة الأطباء عبر موقعها الإلكتروني حول تلك الشهادة لحرصها على توحيد الشهادات الاكلينيكية في مصر في شهادة تخصصية واحدة مثلما يحدث في معظم دول العالم، وأوضحت أنه كان قد تم الاتفاق عليه مع الأكاديمية وأعضاء المجلس الأعلى للجامعات، لتُفاجئ النقابة باستدعاء النيابة العسكرية لأمين عام نقابة الأطباء للتحقيق معه بصفته المسؤول عن لجنة الإعلام والموقع الرسمي للنقابة، ليُخلى سبيله بعد ذلك بضمان محل عمله.
ولم يكن استدعاء أمين الأطباء هو وحده الغريب في الموضوع وإنما الأكثر غرابة هو عدم وجود أي اتفاقيات أو بروتوكولات بين الأكاديمية العسكرية والكلية الملكية في إنكلترا، أو وعد بأي اتفاقات لإرسال أساتذتها لتدريب الأطباء في مصر، وعدم علمها بأي شيء عن ذلك، ليتضح أن هذا البرنامج ما هو إلا وسيلة للتحايل ومصدر دخل من الأطباء.
مخترع بلا اختراع
قصّة الطفل وليد محمد العبادي أوضح مثال على ما وصلت إليه الخرافات العلمية المفترضة والتي يستمر الترويج لها بشكل مثير للسخرية. هناك كم هائل من الأخبار والمعلومات الملفقة التي يروّج لها إعلام، أمثال الطفل وليد، ومن بينهم أطفال آخرين ليس آخرها المخترع المفترض “عمرو تويج” صاحب خرافة جهاز ترجمة لغة الطيور والحيوانات الذي تم الاحتفاء به على قنوات إعلامية بصفته كشف علمي جديد.
درج