سقط الجميع مع بطانة الفستان/ رشا عمران
سامحوها وغفروا لها، وأفرجوا عنها أخيرا، السادة المحامون، وأعضاء النقابات المختصة، والبرلمانيون، وأصحاب الفضيلة، والآباء الذين يحافظون على عفّة بناتهم، والأخوة الذين لا يرضون لأخواتهم أن يغرقن في الفساد، والأولاد المراهقون الذين لا تقبل ذكوريتهم المقبلة أن يرى أحدٌ شعر والداتهم. سامحها أيضا حرّاس الفضيلة في الفضائيات العربية، المذيعون والإعلاميون الذين يسهرون على شرف الأمة، وسامحها حرّاس الفضيلة في شوارع المدن العربية، الذين يوجهون النصائح للفتيات والنساء اللواتي يعبرن في الشوارع بضرورة الاحتشام، حرصا على هوية مجتمعاتنا الشريفة العفيفة. سامحها أيضا المتحرّشون والمغتصبون، والذين يعتدون يوميا على زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم وبنات جيرانهم وقريباتهم.
سامحها ربما أيضا زملاء المهنة الذين لا يرضون لمهنتهم العظيمة أن يلوّث سمعتها فستانٌ يكشف ساقي زميلة، فعرض السيقان خطرٌ كبيرٌ على الفضيلة في مجتمعاتنا العربية، لا يجوز التسامح معه. إذ ربما شاهد هذه السيقان طفلٌ في الرابعة، سيربّى، وهو يظن أنه وسط “غابة من السيقان”. وربما شاهدها مراهقٌ لن يحتمل ما قد تسبّبه له من شهوةٍ فيندفع إلى ممارسة الرذيلة، وربما شاهدتها مراهقاتٌ وأحببن أن يقلدنها، ياللهول! كيف سيصبح حال مجتمعاتنا الفاضلة، إذا ما ارتدت الفتيات فساتين قصيرة تكشف سيقانهن؟ ستحمل مجتمعاتنا كلها ذنب هذا الفحش، المتمثل في عرض سيقان الفتيات، وسيكون مصير الجميع الحرق في جهنم، وسيحرم الحالمون المؤمنون العفيفون من نعيم الجنة وحورياتها. لكن لحسن حظنا، نحن المساكين، أنهم سامحوها أخيرا جميعا، وعادت الفضيلة تتمشّى في شوارعنا العربية مرفوعة الرأس، تتباهى بانتصارها على الإثم والفجور، وشمخت رؤوس الذكور العرب فخرا بالإنجاز العظيم، الذكور أولياء الفضيلة وحرّاسها، والحريصون على الشرف العربي الرفيع من أن تنتهكه ممثلةٌ بفستان يكشف ساقيها.
لا تتمنّى أية امراة في الكون أن تكون في مكان رانيا يوسف أو موقفها، فما تلقته من الإهانات والإساءات يفوق الوصف، وسوق المزايدات الذي فتح لبيع الشرف والعفّة والفضيلة يتفوق على الخيال، وكمية الردح التي تلقاها من ساندها تصيب بالذهول. بدا الأمر وكأن سبب مصائبنا فستان ممثلةٍ قد تكون ارتدته بقصد الشهرة، وقد تكون ارتدته لإعجابها به، ولإعجابها بقوامها الجميل، وقد تكون ارتدته لأيِّ من الأسباب العادية التي تجعل امرأةً ترتدي ثوبا وهي تفكر بالغواية، وكلها أسباب مشروعة وتفعلها كل النساء وقت اختيار ملابسهن، فكيف إذا كانت إحداهن ممثلة، وتريد ارتداء فستان مختلف في مناسبة تتعلق بمهنتها أصلا، وتتسابق فيها الممثلات لعرض قوامهن بفساتين مختلفة الألوان والأشكال والفتحات والموديلات، وتستعد عدسات المصورين لالتقاط صور لهن، وهن يتخذن وضعيات خاصة، هي أصلا جزء من عملهن؟ قد تكون رانيا يوسف ارتدت الفستان الذي كاد يسبب أزمة كونية لأي سبب، عدا السبب الذي اضطرّت لذكره في مقابلتها مع عمرو أديب الذي كان في المقابلة معها يمارس دور محقّق أمني، بكل ما يملكه هذا من استعلاء سلطوي، وتنمر ذكوري سمج.
لم تسقط بطانة الفستان في أثناء نزولها من السيارة، كما اضطرت رانيا يوسف للقول، لتحمي نفسها من السكاكين التي بدأت تنهش لحمها وجلدها وسمعتها. ما سقط هو شرف مهنة الصحافة والإعلام، والتي بدأت بالسقوط المريع مع بدايات الربيع العربي. ما سقط هو شرف مهنة التمثيل وصناعة الفن التي منعت زملاء مهنة لرانيا، مصريين وعربا، من إصدار بيان يتضامن مع حقها في لبس ما تشاء، ويعترض على بيان نقابة المهن التمثيلية الذي اعتبرها مخلةً بأخلاق المجتمع العربي. ما سقط هو مصداقية أصحاب هذه المهنة الذين يدّعون أنها تنويرية، ومع ذلك يصمتون عن شروط توضع خصيصا لهم، تحدّد لهم ما عليهم أن يرتدوه في مناسباتهم العامة، وكأنهم تلاميذ في مدارس داخلية مغلقة. ما سقط أيضا هو مصداقية الحركات النسوية العربية التي لم تحرّك ساكنا أمام كل هذا الانتهاك الذي تعرّضت له امرأة، ولا يبرّر صمتهن الادعاء أنها ممثلةٌ تريد حصد الشهرة عبر لباسها. ما سقط ليس بطانة الفستان. ما سقط هو ورقة التوت التي كانت تحاول أن تستر عري مجتمعات عربية تصمت دهرا عن الانتهاكات التي تمارس، من سنين طويلة، ضد كل فرد فيها، انتهاكات بحق بشريتها وآدميتها وإنسانيتها وحقها في الحياة الكريمة، انتهاكات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وفردية وعامة، ضد كل القيم الإنسانية والأخلاقية التي يجب أن تسود حياة البشر.
العربي الجديد