أين هو تنظيم داعش في سوريا اليوم؟
دفع قرار الانسحاب الأميركي من سوريا بالسؤال عن مصير تنظيم داعش إلى الواجهة مجدداً، فالتنظيم الذي لم يتم القضاء عليه نهائياً حتى اللحظة قد يستفيد من هذا القرار لإعادة ترتيب صفوفه، إلا أن مثل هذا السيناريو ليس محتماً ولا أكيداً.
بالمقابل، فإن التحركات الدبلوماسية والإجراءات الميدانية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بعد قرار الانسحاب، تؤكد نية الولايات المتحدة القضاء على التنظيم قبل انسحابها، وتؤكد استمرارها في العمليات العسكرية ضده بصرف النظر عن حجم تواجد قواتها البري.
وعلى الرغم من أن التنظيم قد استفاد من فترة هدوء العمليات ضده في الجيب الذي يسيطر عليه شرق الفرات، إلا أنه تعرض لانكسارات متتالية على تلك الجبهة، منذ خسارته السيطرة على بلدة هجين، ومن ثم سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على أغلب مساحة بلدة الشعفة التي يقاتل التنظيم في أجزاء صغيرة منها الآن.
ولا يزال داعش يسيطر على بلدتي السوسة والباغوز وأجزاء من بلدة الشعفة، ضمن جيب صغير شرق نهر الفرات بالقرب من مدينة البوكمال على الحدود مع العراق، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قيادة التنظيم في تلك المنطقة قدمت عرضاً للانسحاب مقابل فتح الطريق لها نحو البادية العراقية، إلا رد قوات التحالف وقسد جاء بالرفض، متضمناً عرضاً وحيداً هو الموت أو الاستسلام، حسب ما نقل المرصد.
وفي سوريا ينتشر التنظيم أيضاً في منطقة البادية الممتدة بين الأطراف الغربية لنهر الفرات، وحتى أطراف محافظة السويداء والقلمون الشرقي وريف دمشق، وقد استفاد التنظيم جداً من تلك المساحات الواسعة جداً خلال مراحل نشاطه، وهو يمتلك خبرة واسعة للعمل في مناطق مماثلة منذ بداياته في العراق. وإذ تضم بادية الأنبار العراقية مجموعات للتنظيم، ليس هناك معلومات مؤكدة عن حجمها، إلا أن خبرة التنظيم في تلك المنطقة قد تجعلها الملجأ الأخير له، مع الإبقاء على تواجد له في البادية السورية، بما يمنحه قدرة على الحركة بشكل متكرر في مساحات واسعة يصعب ضبطها.
وعلى الرغم من تراجع حدة المعارك ضد التنظيم في البادية السورية بعد سيطرة قوات النظام على تلال الصفا شرق السويداء نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، إلا أن الهزائم المتتالية التي تعرض لها، قد أثرت بشكل مستدام على بنيته التنظيمية وطبيعة حركته وأهدافه في المرحلة المقبلة، حتى بات من غير المرجح أن يحاول التنظيم استعادة السيطرة على مناطق جديدة في سوريا قريباً، نتيجة الإنهاك الكبير الذي تعرض له.
التحول في بنية التنظيم وطبيعة تواجده الجغرافي، دفعت به إلى تغيير أنماط القيادة والتحكم والسيطرة، وعن هذا يقول الباحث سعد الشارع: «تشكلت خلال العام الماضي لجنة من قيادات في الصف الثاني بعد مقتل معظم قيادات الصف الأول، تسمى اللجنة المفوضة، وتفيد المعلومات المتوافرة عنها بأنها غير متواجدة في الجيوب التي يسيطر عليها التنظيم، كما أنها غير موجودة في مكان واحد، وتقوم بتوجيه التعليمات والأوامر لقيادات الصف الثالث والرابع في المجموعات المقاتلة، إلا إنها في وضع لا يسمح لها برسم استراتيجيات واضحة».
وبينما يسيطر الهاجس الأمني والخوف من عودة المقاتلين الأجانب على أوروبا والولايات المتحدة، فإن التنظيم ليس اليوم في وضع يسمح له بتنسيق عمليات أمنية واسعة، أو بالقيام باختراقات مهمة على الأرض في سوريا أو العراق، ليبقى مصير «المهاجرين» الملف الرئيسي بالنسبة للقوى الدولية. وقد قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أكثر من 600 شخص فروا من الجيب الذي يسيطر عليه تنظيم داعش شرق الفرات يوم الخميس العاشر من كانون الثاني 2019 نحو مناطق سيطرة قسد، وبين هؤلاء عدد من عائلات المقاتلين الأجانب.
وعلى صعيد العمليات الأمنية التي ينفذها التنظيم في سوريا، فإن ساحتها الرئيسية اليوم هي مناطق سيطرة قسد شرق الفرات، حيث تقوم خلايا تابعة للتنظيم بتنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرات. وبالمقابل، فإن الحملات الأمنية التي نفذتها فصائل محافظة إدلب ضد عناصر التنظيم، قد قللت بشكل كبير من قدرته على القيام بتحركات واسعة ومنسقة هناك، ما يجعلها منطقة غير مرجحة للقيام بإعادة تمركز للتنظيم الذي يعاني من تراجع كبير.
نتيجة لهذه الأوضاع، فإن احتمال عودة قوية للتنظيم في سوريا أو العراق يبدو أمراً مستبعداً جداً خلال الفترة القريبة، إلا أن استمرار الأوضاع السياسية في البلدين على حالها، واستمرار الأسباب السياسية والاجتماعية التي أدت إلى بروزه في العراق في المقام الأول، ستتيح للتنظيم اللجوء إلى فترة كمون قد تكون طويلة، لكنها تُهيء لعودة جديدة في السنوات المقبلة إذا ما استمرت عوامل كالوجود الإيراني والنظام السوري والتركيبة الحاكمة في العراق على حالها. كما أن تراجع وتيرة الاستنفار العسكري والأمني في الفترات المقبلة، قد يسمح للتنظيم بالقيام بعمليات على غرار العمليات الانتحارية التي كان ينفذها في العراق طوال سنوات، لكن في هذه المرة قد تكون سوريا ساحة جديدة لها.
وربما يكون هدف التنظيم الرئيسي في الوقت الحالي هو الانتقال إلى منطقة جديدة لبناء نفسه مجدداً، ووقد تكون مناطق عديدة تشهد أزمات وتوترات مرشحة لذلك، من بينها مناطق في آسيا الوسطى واليمن وشمال إفريقيا. وإذا كان مؤكداً أن الولايات المتحدة مصرة على القضاء على الجيب الذي يسيطر عليه التنظيم شرق الفرات نهائياً قبل انسحابها، لتقديم إنجازها هذا للإعلام والرأي العام الأمريكي والعالمي ، إلا أن هذا لن يعني بحال من الأحوال أنه قد تم القضاء داعش.
موقع الجمهورية