“داعش” يعترض رحلات البحث عن “الكمأ” في صحراء العراق/ ليث ناطق
صار البحث عن الكمأ في الصحراء الغربية في العراق، متاهة واسعة بطول الصحراء وعرضها، لا يسلم منها إلا القليل. فمنذ أواخر كانون الثاني/ يناير، بدأ المدنيون الباحثون عن الكمأ، يتساقطون تباعاً، في شباك عناصر “داعش”، ولا سبيل للخلاص إلا عبر دفع مبالغ ضخمة، لتحرير الأسرى، ضحايا الكمأ.
والكمأ فطر بري موسمي صالح للأكل، ينمو بعد سقوط الأمطار في الصحراء، ويعرف في العراق بـ”لحم الفقراء”، لقرب مذاقه من اللحم. لكنه وبعد 5 سنوات من الاضمحلال، بسبب سيطرة “داعش” على الصحراء، عاد يسجّل حضوره في السوق، بأسعار عالية تفوق أثمان اللحم بثلاثة أو أربعة أضعاف، وربما هذا ما يغري المواطنين القريبين من الصحراء للبحث عنه وإعادة بيعه.
ويبدو أنهم عادوا إلى فترة الحرمان، بعد قرار قيادة عمليات الجزيرة في الأنبار الخميس 28 شباط/ فبراير، بمنع خروج المواطنين إلى الصحراء لجمع الكمأ، “حفاظاً على أرواحهم”.
صيادو “داعش” يقتنصون العزّل
بدأت القصة عند خروج ثلاثة من عناصر القوات الأمنية خارج أوقات الدوام، للتنقيب عن “كنز الصحراء”، في 27 كانون الثاني الماضي بين قريتي “الخسفة” و”الصكرة”، في قضاء حديثة في محافظة الأنبار (265 كلم غرب بغداد)، فسقطوا في فخ عناصر “داعش” الذي لم يتأخر بإعدامهم.
ثم حصلت عمليات خطف في مناطق متفرقة، كمنطقة “المدهم” الواقعة على الطريق القديم، بين حديثة والقائم أو النفايل أو منطقة “المخازن”.
أعدم “داعش” عدداً من المخطوفين، وحرّر آخرين، مقابل مبالغ من المال بعد التفاوض مع ذويهم.
يرى قحطان عودة وهو أحد عناصر الحشد العشائري في حديثة، أن “داعش” لا يفاوض على المخطوفين من أبناء العشائر التي قاتلتهم كعشيرة الجغايفة، ويستشهد بإعدام “داعش” مواطنين من هذه العشيرة، وتفاوضه على مواطنين آخرين من قبائل أخرى، ثم إطلاق سراحهم بعد تحصيل مبالغ لقاء ذلك.
لا تأمن الصحراء
خارج المدينة المأهولة في حديثة وقرب ما يعرف بـ”المخازن”، كان بشير حميد (اسم وهمي بحسب رغبة المتحدث) ورفقاؤه يجمعون “الكمأ” من الطبقة الرملية التي تغطيه، وكان عناصر تنظيم “داعش” يتصيدون اللحظة المناسبة للانقضاض عليهم. بحسب أخيه، فإن “داعش” سمح لأحد أعضاء المجموعة، بالعودة بسبب وجود طفل بينهم، أوكلت مهمة إعادته إلى هذا الشخص.
بعد يومين، جاء الاتصال الأول لعائلة بشير، وبدأت معه المفاوضات على مبلغ الفدية، وأفضت إلى الاتفاق على دفع 20 ألف دولار، مقابل تحرير بشير، يقول أخوه “أمضينا 8 أيام من الخوف حتى تحرّر أخي”.
وبحسب ما سرده بشير حميد لعائلته، فإن عناصر التنظيم أحسنوا معاملة المخطوفين، طيلة تلك الأيام التي أمضوها تحت الأرض، في مكان ما من الصحراء، لم يستطع الاستدلال عليه. وأكد حميد أنه لم يكن بين الخاطفين عناصر غير عراقيين.
منذ أسبوع وبشير ورفقاؤه يتنقلون بين بغداد والأنبار في رحلة من الاستجوابات تقوم بها الأجهزة الأمنية العراقية.
الصحراء تبتلع العزّل… وأخبارهم
لا أعداد دقيقة عن عمليات الخطف والمخطوفين، هذا ما صرح به الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول لـ”درج”، لكن عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار عيد عماش، يؤكد لـ”درج” أن 3 عمليات خطف سُجلت إلى الآن. الأولى غرب حديثة والثانية قرب راوة (326 كلم غرب بغداد)، والثالثة وقع ضحيتها صيادون قرب بحيرة الثرثار، قتل التنظيم عدداً منهم. ووفق عماش، فإن العدد الكلي للمخطوفين لا يتجاوز 20شخصاً، يقول: “القوات الأمنية هي التي قامت بتحرير المخطوفين”.
في جردة سريعة على أنباء عمليات الخطف، نجد أن العدد يتجاوز الـ20، ففي النخيب وحدها (جنوب الأنبار على حدود كربلاء)، أقدم “داعش” في الثامن عشر من هذا الشهر، على اختطاف 12 شخصاً، بحسب مركز الإعلام الأمني، أعدم 6 منهم في اليوم التالي لخطفهم.
ويؤكد قحطان عودة استمرار عمليات الخطف في مناطق صحراء الأنبار، مردفاً: “تقوم قوات من الحشد العشائري والجيش العراقي بجولات في الصحراء، شهدت آخرها حرق عجلة لداعش”. كما أشار إلى “دفع أهالي المُحررين الفدية للتنظيم مقابل عتق أبنائهم، وهذا شيء لا يخفى”.
التنظيم ينعش نفسه في الصحراء
في بيان له، أدان رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي “الأفعال الإجرامية التي ارتكبها داعش بحق المدنيين العزّل”، وطالب بـ”تضييق الخناق على عناصر داعش وملاحقتهم في أوكارهم في عمق الصحراء والقضاء عليهم نهائياً”.
شهدت الصحراء عمليات عسكرية عدة، كانت أبرزها عملية “ثأر القائد محمد” التي أطلقها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لتطهير صحراء الرمادي في كانون الأول/ ديسمبر 2013. وهذه العملية يعتبرها مراقبون، هواءً في شبك، على رغم ما بذله المالكي من تحشيد إعلامي وتحريض وتخصيصات مالية كبيرة، لم تأت بنتائج، فبعد 6 أشهر، سيطر “داعش” على ثلث مساحة الأراضي العراقية.
ورداً على قتل صيادي الثرثار وخطف عدد منهم، أعلنت فصائل من الحشد الشعبي في 24 شباط، انطلاق عملية لتطهير الصحراء من عناصر التنظيم.
منذ ظهوره في العراق، لم ينتهج “داعش” التفاوض أو استحصال الفدية مقابل تحرير مخطوفيه، لكنه ومذ خسر أراضيه وأعلن العراق محرّراً منه في كانون الأول 2017، بدأت طريقته تتحول جزئياً من الخشونة المفرطة إلى “القوة الناعمة”، بحسب تعبير الخبير في الجماعات المسلحة هشام الهاشمي.
يؤكد الهاشمي لـ”درج” تمكنَ “داعش” من صناعة مثلثات موت في أسلوب جديد للتنظيم، تتوزع في مناطق منقطعة ومفتوحة يتحرك فيها بخفة، من دون حاجة إلى عجلات ثقيلة، “يستخدم التنظيم في الصحراء والوديان مفارز راجلة تتألف من 9 إلى 11 عنصراً، وبالتالي لا تستطيع القوات الأمنية مطاردة عناصر التنظيم بحملات عسكرية”، يقول الهاشمي.
ويشدّد على ضرورة التعامل مع هذه المجموعات بطائرات من دون طيار، اعتماداً على جهد استخباراتي دقيق.