ثمن الانتصار المزعوم للنظام السوري/ أكرم البني
هو نوع من الكوميديا السوداء عرض الثمن أو التكلفة التي يتوجب على الشعب السوري دفعها، في عرف النظام وحلفائه لقاء انتصارهم المزعوم على الإرهاب وتمكنهم من استعادة غالبية الأراضي التي خرجت، لسنوات، عن سيطرتهم.
والثمن أن تقف صابراً ومبتسماً في طابور طويل لساعات مديدة وربما لأيام، وعلامات الرضا تعلو وجهك كي تحصل على كمية محدودة من مازوت التدفئة أو على أسطوانة من الغاز للاستهلاك المنزلي، ويفيد هنا أن تغض النظر عن ظواهر الفساد والمحسوبيات خلال عمليات التوزيع، بل ويستحسن أن تناشد السلطات معترضاً بأن مدة إيصال الكهرباء إلى البيوت لـ4 ساعات في اليوم كثيرة؛ ساعتان فقط تكفيان، ولينعم بالباقي صنّاع الانتصار وأعوانهم… أليس حق المتنفذين وأمراء الحرب أن يحصلوا، دون أي معاناة، على حاجاتهم وحاجات أنصارهم؟ وأليس واجباً عليك منحهم هذا الحق لتسديد دين في عنقك لأولئك الذين واجهوا الإرهاب وأعادوا الأمن والأمان إلى ربوع البلاد؟!
والثمن أيضاً؛ أن تعدّ شح المواد الغذائية مسألة طبيعية في بلد خرج للتو من حرب ضروس، وأن تعاتب كل من يبدي احتجاجاً أو يتذمر من وضع معيشي لم يعد يطاق مع الغلاء الفاحش وتوقف غالبية المشروعات الإنتاجية، ولا ضير هنا من أن يعاني أولادك بعض الجوع، وألا يتوفر حليب للأطفال الرضع، فالأولوية لأبناء من قاتلوا وكابدوا في الخنادق عندما كانت أسرتك تنعم بالدفء والنعيم…! وحين تسمع بأرقام الأمم المتحدة التي تتحدث عن أكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر؛ ومنهم 70 في المائة تحت الفقر الشديد، بينما يعاني 60 في المائة من البطالة، فيما تراجع معدل أمد الحياة أكثر من 20 عاماً، وحرم نصف الأطفال السوريين من الرعاية الصحية ومتابعة الدراسة… فعليك أن تقابلها بسخرية وازدراء على أنها أرقام مغرضة وكاذبة، ولأن ترويجها يخدم اليوم المؤامرة الكونية والمخطط الإمبريالي للنيل من معاني الانتصار الفريد لسلطة الممانعة ضد أعدائها! وإذا صدمتك مشاهد مؤلمة للخراب المعمم في غالبية المدن السورية وأريافها، فعليك أن تتفهمه على أنه حملة تطهير وتحديث للبلاد… ألم تكن الأحياء السكنية العشوائية أشبه بدمامل تشوّه جسم الوطن وصورته الحضارية؟ وألم تكن تعاني منذ زمن طويل من تهتك شبكات الكهرباء… من التسرب المريع في قنوات التصريف الصحي… من طرقات متهالكة وضيقة لا تليق ببلد يريد أن ينافس على موقع في سلم الرقي الإنساني؟ وما الضير تالياً في أن يدرج ما حصل من خراب وتدمير على أنه بداية تأسيس لبنية تحتية خدمية حديثة يمكن للوطن وللمواطن أن يفاخرا بها أمام كل زائر أو سائح؟!
ومن تكلفة الانتصار أن تبتسم بامتنان حين تصدمك الحواجز الأمنية والعسكرية مع كل خطوة تخطوها… حين تخضع للتفتيش والابتزاز من دون أدنى احترام لإنسانيتك، فعلى هذه الحواجز يقف حماتك وحماة الوطن، ولولاهم لكانت الرؤوس تتدحرج على الطرقات، والسيارات المتفجرة تحصد الناس زرافات ووحداناً! ويفيد هنا أن تبارك العودة المظفرة للممارسات القمعية وتدعو إلى الأشد والأسوأ لردع البشر وقهرهم، وأن تهنئ أجهزة الأمن على مبادرتها مؤخراً لاعتقال وتغييب العشرات ممن كانوا موالين للسلطة، لأنهم شوّهوا النصر العظيم باحتجاجاتهم المغرضة على سوء الأوضاع، ولا بأس بأن تطالب بمزيد من السجون كي تتسع لكل هؤلاء المتآمرين.
«أرواح أبنائنا فداء للوطن وسيد الوطن»… بهذه العبارة يجب أن يفاخر ذوو الشهداء، في حضرة الانتصار العظيم، حتى لو فقدت آلاف الأسر كل شبابها الذكور، وإذا كنت محسوباً على مشوَّهي الحرب، ممن فقد أحد أطرافه أو عينيه أو غدا مشلولاً، فيجب أن تدبج آيات الشكر لأنك ما زلت حياً، وتعض على آلامك وتنسى ما تكابده، بل أن تكف عن مطالبة الدولة برعايتك، وتتنازل عن المكرمة الهزيلة، إذا كانت ثمة مكرمة تمنح لك! أما إذا كان لديك معتقل؛ أخ أو قريب، فما عليك، بعد هذا الانتصار العظيم، غير الإشادة بالسهولة التي باتت متاحة للكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين… الأمر بسيط… ما عليك سوى مراجعة دائرة النفوس في مدينتك لتجد الجواب هناك عن سبب وتوقيت وفاته، وغالباً السبب أزمة قلبية؛ يفترض أن تتفهم حدوثها جراء شعور المعتقل بالحزن والندم الشديدين، لأنه تطاول على أسياده ورفع صوته مطالباً بالحرية والكرامة! وفي حال صادر أحد المقاتلين بعضاً من أملاكك، فيفضل أن تبادر لتهنئته على شرف اختياره أرضك أو منزلك كي يستولي عليه، حتى وإن كان بيتك شهياً وسط مدينة كبيرة، وكانت أرضك خصبة ومروية وتدرّ محاصيل وفيرة!
وأيضاً يفترض بك ألا تتعب من تكرار لازمة عن «معارضة عميلة وخائنة وتخضع لإملاءات الأجنبي»… عن «لاجئين هربوا عندما كان الوطن في حاجة إليهم وليس لهم أدنى حق في العودة»… أن تفاخر بأن بلادك أصبحت بتجربتها المريرة أشبه بفزّاعة لإخافة كل الشعوب من التغيير ومن رفض الواقع القائم، ألم يهدد بعض رجالات السلطة الجزائرية مواطنيهم بأن مصيرهم سيكون كمصير السوريين إن هم استمروا في الاحتجاج على تولي بوتفليقة العاجز، ولاية خامسة…؟!
وأخيراً، لعل من تكلفة الانتصار، أن تفخر بعدد الأعلام الأجنبية التي ترفرف فوق مساحة من أرض بلادك كأنها ملك لها… أن تكون مطمئناً إلى أن ثمة رداً سورياً حاسماً، في المكان والزمان المناسبين، ضد فلتان الطيران الإسرائيلي في سماء الوطن! أن تتغنى باسم روسيا التي أعاننا جيشها على هزيمة التطرف والإرهاب، وتهتف فرحاً لنبرة التحدي في خطابات قادتها… أن تحتفي بمختلف إنجازاتها؛ بما فيها فرقها الرياضية، وأن تبالغ في قوتها العسكرية وتروج القصص والأساطير حول أسلحة فتاكة تمتلكها قادرة في لحظة على هزيمة كل من يعاديها… والأهم أن تنحني بمهابة لكل إيراني يمر بجانبك وتصفق بحرارة لطقوسه المذهبية الغريبة عنك… أن تغض الطرف عن محاولات التغيير الديموغرافي التي تجري على قدم وساق بذريعة حماية بعض المزارات الشيعية، بل يستحسن أن تشجعها، ليس فقط بصفتها طريقاً لإحياء الدين وشعائره، بل لأنها تعزز فرص جبهة الممانعة على الصمود والتصدي…!
الشرق الأوسط