النظام السوري يختنق اقتصاديا/ رانيا مصطفى
يعاني النظام السوري من الانكماش الاقتصادي؛ وتبين أن لشح المحروقات خلال الأزمة الأخيرة دورا أساسيا في ذلك، بعد توقف الخط الائتماني الإيراني منذ 15 أكتوبر الماضي.
كان هذا الخط يورّد ما يقارب ناقلتين شهريا، تحتوي الواحدة على مليون برميل من النفط الخام، تُكرر في مصفاتي حمص وبانياس، وتوفر 90 بالمئة من حاجة الاستهلاك المحلي للوقود في مناطق سيطرته، والباقي يحصل عليه من شرق الفرات، وجزء شحيح من فنزويلا توقف نتيجة الأوضاع الأخيرة هناك.
اعترف النظام السوري منذ عشرة أيام بعجزه عن تأمين المحروقات، إذ يحتاج يوميا إلى 136 ألف برميل بقيمة 200 مليون دولار، ولا يملك السيولة من القطع الأجنبي لسد العجز، مع تسريبات عن نفاد الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، ولا تستطيع وزارة النفط السورية تأمين أكثر من 24 بالمئة من الاحتياجات الفعلية من المحروقات، حسب تصريحات حكومية.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا في 2011، راهن كثير من الناشطين على الضغوط الاقتصادية التي سيواجهها النظام، بسبب تضرر القطاعات الإنتاجية والتجارية. لكن التدخل الإيراني أنقذ النظام؛ حيث فتحت طهران خطا ائتمانيا إلى دمشق، تجاوزت قيمته حتى الآن الـ5.5 مليار دولار، كديون يترتب دفعها على دمشق، فيما بلغت مجمل ديون إيران 22-20 مليار دولار، عدا عما دفعته من رواتب للمقاتلين بلغت 40 مليار دولار.
لكن العقوبات الاقتصادية الأميركية أنهكت إيران، حيث تقترب مدة الإعفاء الممنوحة لثماني دول، تستورد النفط من طهران، من الانتهاء، مع رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجديدها، ومع فرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني، والذي ترتبط به معظم القطاعات الاقتصادية والتجارية في إيران، إضافة إلى الاحتجاج الشعبي الداخلي بسبب الأزمة الاقتصادية، والتي فاقمتها أزمة السيول.
كل ذلك دفع إيران إلى إعادة رسم إستراتيجيتها في سوريا والمنطقة؛ إذ لم تعد قادرة على تقديم المزيد لحكومة دمشق، دون مقابل فوري، حصّلته باستئجار ميناء اللاذقية مؤخرا مقابل تسوية الديون المترتبة على الجانب السوري.
تشعر طهران برغبة الجميع في خروجها من سوريا، وربما لم تراهن على البقاء عسكريا، لكنها تريد تحصيل مكاسب تتعلق بعقود إعادة الإعمار، وبالتواجد في المياه الدافئة في البحر المتوسط، إضافة إلى عودة العمل بعقود استثمار الفوسفات شرق تدمر لمدة 99 سنة، بعد إيقافها من قبل روسيا، واستحواذ شركة إيرانية تابعة للحرس الثوري على مشغل ثالث للهاتف النقال، و5 آلاف هكتار من الأراضي للزراعة والاستثمار.
وقبل أسبوعين، منعت الحكومة المصرية سرا مرور ناقلات النفط الإيرانية عبر قناة السويس، بإيعاز من الرئيس ترامب بعد لقائه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. فيما قصف التحالف صهاريج قادمة من العراق، كانت تحمل النفط إلى مناطق النظام، ما يعني صعوبة نقل النفط الإيراني بريا.
وفي مناطق شرق الفرات، الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية الكردية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، التي تشكل ثلث مساحة سوريا، وتضم 90 بالمئة من النفط ونصف الغاز السوري، قد توقف توريد النفط السوري إلى مناطق النظام بإيعاز أميركي، لتشكيل ضغوطات على نظام الأسد وروسيا وإيران.
وتراجع إنتاج تلك المناطق من 360 ألف برميل يوميا قبل 2011، إلى 24 ألف برميل، وكانت تصرّف عبر حكومة النظام في السوق المحلية، باتفاق شبه رسمي، عبر وسيط “شركة قاطرجي الدولية” الخاضعة لعقوبات أوروبية، بحيث تحصل الإدارة الذاتية على 60 بالمئة من عائدات بيع النفط محليا، مقابل 40 بالمئة للنظام. الأمر الذي أفقد الإدارة الذاتية موردا ماليا رئيسيا؛ فيما نشطت حركة التهريب إلى مناطق النظام، رغم الملاحقات من الإدارة الذاتية، ومن التحالف، وأدت إلى ارتفاع سعر المحروقات شرق الفرات بحدود 10 آلاف ليرة للبرميل.
وغير ذلك سيحاول النظام إيجاد طرق للالتفاف على العجز الحاصل في أزمة المحروقات، لكنها محدودة التأثير، عبر عمليات تهريب متفق عليها، سواء من شرق الفرات، أو من مناطق المعارضة، حيث تنشط حركة التهريب من معابر العيس والمنصورة في ريفي حلب الجنوبي والغربي، والمنافذ المؤقتة في خطوط التماس بين المعارضة والنظام، الأمر الذي أدى إلى رفع سعر المشتقات النفطية في إدلب أيضا بما يقارب 10 بالمئة، فيما ظهرت أزمة نقص في الغاز، أدت إلى ارتفاع سعر الاسطوانة في السوق السواء إلى 7000 ليرة.
أمّا جهات التهريب الأوفر حظا فهي من الأراضي اللبنانية؛ لكنها أيضا محكومة بالمراقبة الأميركية، كونها ستؤدي إلى ارتفاع سعر المحروقات، خاصة البنزين، في لبنان أيضا، بشكل ملفت للانتباه.
قدمت روسيا العون العسكري للنظام، ودعما سياسيا في مجلس الأمن؛ مقابل بناء قواعد عسكرية في اللاذقية وطرطوس، حيث نصبت منظومتي الدفاع الجوي إس- 400 وإس- 300، إضافة إلى عقود استثمار الفوسفات والغاز، واستعدادها لإدارة ملف إعادة الإعمار، وبرضا كل الأطراف الدولية والإقليمية، الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وأوروبا والعرب، لكن بعد التوصل إلى حل سياسي.
لكن موسكو غير مستعدة لتقديم دعم مالي للنظام السوري، على غرار ما فعلت إيران، بسبب تردي وضعها الاقتصادي، نتيجة العقوبات الأميركية، وانخفاض سعر النفط.
والاتفاق الأخير الذي جرى بين نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، والنظام السوري، في دمشق الأسبوع الماضي، حول توسيع اتفاق استثمار القاعدة العسكرية البحرية في طرطوس، الموقع بين روسيا والحكومة السورية في 2016، لتشمل كامل ميناء طرطوس السوري، جاء لمصلحة روسيا، مقابل تدخل سريع لحل مشكلة الوقود، عبر شحنات النفط الروسية، بعد توقف توريد النفط إلى أوكرانيا. لكن كلفة نقل النفط الروسي مرتفعة؛ والنظام بدوره يستغل أزمة المحروقات الأخيرة، لرفع الدعم عنها؛ حيث ستدرّ لبرلة قطاع النفط أموالا هائلة على خزينته، ما سينقذه من حالة أزمته لبعض الوقت.
هذه الخطوة ستكون كارثية على الشعب السوري، الذي يعاني بالأصل من صعوبة المعيشة؛ إذ تفيد أرقام البنك الدولي بأن 87 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وتراجعت نسبة الطبقة الوسطى من 60 بالمئة إلى أقل من 10 بالمئة، ما يهدد إمكانية إرساء الاستقرار، وينبئ بفوضى واحتجاجات شعبية مستقبلية.
كاتبة سورية
العرب