رداً على سيدا.. عن حزب الاتحاد الديمقراطي/ خورشيد دلي
نشرت “العربي الجديد” مقالا، عنوانه “حزب الاتحاد الديمقراطي.. دور إشكالي ومستقبل ضبابي” في 30/ 4 /2019، للكاتب والسياسي السوري الكردي عبد الباسط سيدا، تحدث فيه عن نشأة حزب الاتحاد الديمقراطي وعلاقته بالنظام السوري، وارتباطه العضوي بحزب العمال الكردستاني، واعتماد الولايات المتحدة الأميركية عليه في إلحاق الهزيمة بتنظيم (داعش) في شرقي الفرات. وتحدث المقال عن تفرّد الحزب بالساحة الكردية السورية، وفشل الجهود التي بذلت، طوال السنوات الماضية، لتوحيد الصف الكردي، بسبب إصراره على التفرد وإبعاد الخصوم السياسيين عن هذه الساحة، ليستخلص سيدا، في النهاية، أنه لا يمكن ترتيب الساحة الكردية السورية، ما لم يفكّ حزب الاتحاد الديمقراطي ارتباطه بحزب العمال الكردستاني، حتى يتحوّل إلى حزب كردي سوري، ويطرح السؤال المستقبلي بهذا الخصوص، وهو: “هل سيتمكّن حزب الاتحاد الديمقراطي من الإقدام على خطوةٍ كهذه، ويؤكّد أنه حزب كردي سوري في المقام الأول؟ أم أنه سيستمر في تبعيته لحزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من القضية الكردية في سورية ورقةً في حساباته الإقليمية”؟
جميل ان يطرح عبد الباسط سيدا قضية إشكالية، تهيمن على الساحة الكردية السورية، وهي توحيد الصف الكردي، وتأسيس مرجعية كردية واحدة أو مشتركة، تعبر عن آمال الكرد السوريين وتطلعاتهم وتعايشهم مع الآخر والمحيط الجغرافي، ولكن تصوير الأمر وكأنه يتوقف على حزب الاتحاد الديمقراطي، وارتباطه بحزب العمال الكردستاني، أمر يفتقر إلى الدقة والرؤية الشاملة للوصول إلى هذا الهدف. إذ يدرك سيدا جيدا أنه، منذ تأسيس أول حزب كردي سوري في 14 حزيران/ يونيو 1957، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقي هذا الحزب مرتبطا بالحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة الملا مصطفى البرزاني الأب، ثم البرزاني الابن. وباستثناء الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي، بزعامة حميد حاج درويش الذي ارتبط بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة مؤسسه الراحل جلال الطالباني، فإن الساحةالكردية السورية ظلت مرتبطةً بأربيل إلى أن قدم حزب العمال الكردستاني إلى الساحة السورية، وأسس أتباعا له، تجسّدوا في حزب الاتحاد الديمقراطي، ومن ثم لتشهد الساحة الكردية السورية استقطابا حادا بين الطرفين، وصل، في لحظات مفصلية، إلى حد المحاربة والتخوين، إذ يتهم كل طرف الأخر بالعمل وفقا لأجندات كردستانية عراقية أو تركية. وبسبب هذه الاتهامات المتبادلة، فشلت الجهود التي بذلت لتوحيد الصف الكردي.
يرى سيدا أن شرط الوصول إلى تفاهمات كردية – كردية سورية، هو فك حزب الاتحاد الديمقراطي ارتباطه بحزب العمال الكردستاني. ولكن ماذا عن الطرف الآخر؟ وماذا لو طلب هذا الآخر من أحزاب المجلس الوطني الكردي فك علاقتها بأربيل؟ وماذا لو طلب هذا الآخر من المجلس الوطني الكردي الاعتراف بالإدارة الذاتية، بعد أن أصبحت إدارة أمر واقع؟ لدى كل طرف مجموعة من الشروط للتفاهم مع الآخر، ولعل في مقدمة شروط المجلس الكردي سماح الإدارة الذاتية بعودة بشمركة “روج آفا” من إقليم كردستان العراق إلى الساحة الكردية السورية، وفتح مقار أحزاب المجلس، والكفّ عن سياسة الاعتقالات، واحتكار الساحة، فيما تطالب الإدارة الذاتية المجلس بالانسحاب من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والكف عن المطالبة بإدراج وحدات حماية الشعب في قائمة الإرهاب، وفك الارتباط بأربيل… وبسبب هذه الشروط والشروط المضادة، ثمة من يرى أن الحوار الكردي – الكردي حوار طرشان، وفي الأصل، ليس القرار لدى الطرفين، وإنما بيد كل من أربيل و(جبال) قنديل. وعليه، طالما أن الخلاف بين هذين مستمر، ستبقى الساحة الكردية السورية منقسمة بين الطرفين، وأي حديث باتجاهٍ واحد يعمق من الانقسام، ولا يقرب الصفوف ويوحدها.
في حديثه عن الجهود التي تبذل حاليا، لترتيب البيت الكردي السوري، ربما أراد عبد الباسط سيدا الإشارة إلى الدور الذي تقوم به فرنسا، من دون تسميتها، فالمعروف أن فرنسا رعت، قبل أسابيع، اجتماعا بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي، على أن ترعى اجتماعا ثانيا في
الأيام القليلة المقبلة بين الطرفين، لكن السؤال هنا يتعلق بمدى تأثير فرنسا وقدرتها على القيام بهذا الدور؟ ثمّة من يرى أن هذا التأثير قليل جدا، إن لم يكن موجودا في الأصل، وأنه أمام الشروط الصعبة للطرفين، لن تحقق الجهود الفرنسية المرجوّ منها، ويرى هؤلاء أن الجانب الأميركي وحده قادر على التأثير على الطرفين، كما عمل سابقا، عندما أجبرت الإدارة الأميركية الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على عقد اتفاق مصالحة عام 1998 بعد حرب طاحنة بينهما. أي جهد لترتيب الصف الكردي السوري وتوحيده مركّب، وليس باتجاه واحد، ويتطلب أولا من قنديل وأربيل الكفّ عن سياسة التأثير على الساحة الكردية السورية. وثانيا تحرّر الأحزاب الكردية السورية من تأثير الطرفين. وثالثا إجراء مراجعة حقيقية للتجربة السياسية، وطرح خطاب يتواءم مع الحالة الكردية السورية، مدخلا إلى تشكيل مرجعية مشتركة أو موحدة. ومن دون ذلك، يبقى أي خطاب في دائرة المراوحة، والوقوف عند خشبة الاتهامات المتبادلة، والتهرّب من المسؤولية الحقيقية.
ختاما، يكشف الانقسام الحزبي في الساحة الكردية السورية على هذا النحو عن ظاهرة خطرة، وهي سيادة الحزبية الضيقة على حساب غياب رأي عام فعال، إذ ثمّة من يرى أنه لو كان الأخير موجودا وفاعلا، لأجبر الطرفين على التوافق والتفاهم، بعيدا عن تأثيرات قنديل وأربيل، سيما أن اللحظة الراهنة تشي بصعود كردي في سورية والمنطقة.
العربي الجديد