لكن،هل دعم ترامب للطُغاة العرب مُهِم حقا؟/ مايكل يونغ
نادية ليلى عيساوي | عالمة اجتماع فرنسية- جزائرية
ثمة قناعة متزايدة في الجزائر ومعظم البلدان العربية اليوم بأن غالبية الأطراف الغربية – الأوروبيون والأميركيون أو الروس- تعارض كلٌ لدوافعها الخاصة التغيير السياسي الذي قد يُهدد الأنظمة السياسية القائمة حاليا، حتى وإن كانت مثل هذه المعارضة مُضمرة.
لكن مايبدو بمثابة خصيصة لدونالد ترامب وحده هو أنه، وعلى عكس الأوروبيين والرؤساء الأميركيين السابقين الذين كانوا يُضمّخون خطبهم بشعارات الديمقراطية وحقوق الأنسان وأحياناً يضعونها في اعتبارهم حين التعاطي مع قضايا معينة، لايجد غضاضة في إعلان دعمه للأنظمة الاستبدادية. وبهذا المعنى، هو أقرب إلى المواقف الروسية في الشرق الأوسط منه إلى المواقف الغربية “المُعلنة”، التي اعتادت أن تشترط بعض الاصلاحات أو تحسين حقوق الإنسان لقاء دعمها. والحال أن فرائص الناس لم تعد ترتعد حين يعلمون أن ترامب يدعم النظام الذي يثورون ضده.
كل هذا ينطبق على الجزائر، وأعتقد أيضاً على السودان. فمع نزول الملايين إلى الشوارع أسبوعياً، بدأ إحساس جديد بموازين القوى يُطل برأسه، ولايبدو أن مواقف ترامب تؤثّر عليه (الإحساس) كثيرا. هذا بالطبع إذا مابقيت المجابهات سلمية. لكن، إذا ما اندلعت المجابهات العنيفة، كما حدث في ليبيا العام 2011، ستختلف السياسات بسبب الحاجة إلى إمدادات الأسلحة وقرارات مجلس الأمن الدولي، أو إلى عرقلة مثل هذه القرارات.
إيمي هاوثورن | نائب رئيس الأبحاث في “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط”
يحتاج الأوتوقراطيون العرب إلى ما هو أكثر من دعم ترامب كي يمكثوا على كراسي السلطة. فهم، مثلهم مثل السلطويين في كل مكان، يعتمدون في الغالب على الأدوات المحلية التي تشمل السيطرة على القوات المسلحة والشرطة لسحق المعارضة، وعلى الإعلام ونظم التعليم لتشكيل الرأي العام، وكذلك على موارد الدولة لتمويل شبكات الفساد. علاوة على ذلك، يعرف هؤلاء كيف يستغلون التهديدات الأمنية والانقسامات المجتمعية لتبرير الحاجة إلى “الأمن والنظام”، وترسيخ مايكفي من الخوف، أو الاستكانة، لردع معظم المواطنين عن الانتفاض. مع ذلك، الدعم من الرئيس الأميركي هو قيمة مضافة تمحض الديكتاتوريين شرعية عالمية وفسحة تنفس دبلوماسية، وتمويلاً دوليا، وأسلحة تسمح لهم بتمديد أمد حيواتهم السياسية.
صحيح أن الأميركيين الذي يعتبرون الدعم الفاقع وغير الاعتذاري الذي يُسبغه ترامب على حلفائه الأتوقراطيين، على غرار ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، أمراً صادماً، إلا أنهم لايبذلون مايكفي من الاهتمام بالدور الأميركي في العالم العربي. يستبطن أسلوب ترامب الناشز الحقيقة بأن سياسات إدارته تجاه حلفائه الأتوقراطييين العرب، تتطابق في الواقع مع توجهات أولئك الذين قطنوا البيت الأبيض قبله منذ الحرب الباردة. ربما استخدم أسلاف ترامب خطاباً أرقى لتبرير وضع المصالح الأمنية قبل اهتمامات القيم الديمقراطية، وربما كمموا أنوفهم قبل دعم الديكتاتوريين، او حتى أحياناً طرحوا مسائل حقوق الإنسان ولو على الهامش. إلا أنهم، مثل ترامب، واصلوا تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والأمني للقادة الأقوياء المُوالين لواشنطن، ولم يضعوا مقابل ذلك أي شرط ديمقراطي حقيقي. مثل هذا الدعم ساهم في إطالة اعمار الأنظمة الديكتاتورية. وفي هذا السياق، وإذا ما وضعنا صَلَفْ مقاربة ترامب جانبا، سنجد أن إدارته تواصل في الواقع، ولاتقطع، مع تقليد أميركي طويل الأمد في الشرق الأوسط.
عمرو حمزاوي | باحث أول في مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون في معهد Freeman Spogli للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد
إجابتي السريعة هي: قطعاً لا.
والسبب؟ لأن طول عمر الاستبداد وفشل عمليات الانتقال الديمقراطي في العديد من البلدان العربية، هما حصيلة قضايا محلية. فالمواطنون في السعودية ومصر حُرِموا من حرياتهم، إما لأن مؤسسات الدولة القمعية أبقتهم قيد الضبط، أو لأن الخوف من اللاإستقرار وتهديد الحرب الأهلية دفعاهم إلى تفضيل الاستبداد على مراحل الانتقال الفوضوية.
في سورية، ما بدأ العام 2011 كانتفاضة ديمقراطية، سرعان ما انحدر سريعاً إلى هاوية حرب أهلية بشعة، تجلّت فيها في آن وحشية نظام الأسد وما يوازيها من وحشية الجماعات الإرهابية.
وبالتالي، قيام الإدارة الاميركية بدعم المُستبدين العرب (في السعودية ومصر) أو عدم وجود هذا الدعم (كما في سورية) لم يغيّرا في شىء المسار الكارثي للأحداث. فحملات الإعدام التي طالت معارضي النظام في السعودية، نُفِّذت في عهدي أوباما وترامب معا، وسط استنكار باراك أوباما وإذعان دونالد ترامب. ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر مرّر قوانين لادستورية، وكذلك تعديلات دستورية، أيضاً في عهد أوباما ومع دعم ضمني من إدارة ترامب. وفي سورية، لاتحذير أوباما من استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية ولا الخطة المُعلنة لإدارة ترامب لسحب القوات الأميركية، أثرّا على نحو فعّال على مصير السوريين.
في حالات أخرى، كما تشي بذلك الاحتجاجات الأخيرة في الجزائر والسودان، لم يحُل تأييد الإدارة الاميركية للمُستبدين العرب دون إطاحتهم. وبالمثل، بقاء التجربة الديمقراطية التونسية التي بدأت العام 2011 على قيد الحياة، تتعلّق بعوامل محلية، وهي تحدّت بيئة إقليمية معادية ولامبالاة الأطراف الدولية، بما في ذلك الموقف الأميركي الفاتر.
كل ذلك يعني أن الحقائق السياسية العربية هي ظاهرة محلية تزخّمها عوامل محلية. أما العوامل الخارجية، بما في ذلك السياسات الأميركية، فتحتل مرتبة ثانوية. وهذه الحقيقة تسحب نفسها على مسألة تأييد الرئيس دونالد ترامب للمستبدين العرب: إذ هو لايزيد من قدرة المُستبدين على الاستمرار، ولا بمُستطاعه أن يمنع دحرجة رؤوسهم حين تمزّق الانتفاضات الديمقراطية استقرارهم السلطوي.
ميشيل دنّ | مديرة وباحثة أولى في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط
ماتفعله الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لايكون حاسماً دوما، لكنه مؤثّر دائما. مثلا، حين يتعلق الأمر بدعم المُستبدين العرب، لم تؤدِ خطوة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بوقاية ولي العهد السعودي محمد بن نايف من تهم التصفية الوحشية للصحافي جمال خاشقجي، إلى تخلية مسؤوليته في أعين أيٍّ كان، بيد أنها مهّدت الطريق أمام رجال أعمال دوليين لاستئناف ما انقطع من صفقات معه. كذلك، صحيح أن استقبال ترامب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عشية استفتاء شعبي حول تعديلات دستورية تُبقي صولجان السلطة في يده لسنوات عدة، ربما ساعدت على لجم بعض مُنتقديه في أوساط النخبة المصرية، إلا أنها لن تعني شيئاً في الواقع إذا ما قرر الشعب المصري في يوم ما أن الكيل طفح من السيسي.
لذا، مايفعله ترامب عبر هذه السلوكيات ليس إلا استنزافاً مُسرفاً للرأسمال السياسي الأميركي وهدراً واسعاً للقوة الناعمة الأميركية، وهذا من دون أن يحصد، على مايبدو، سوى القليل لقاء ذلك. فقد سبق للسيسي أن هَجَرَ تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي الذي حاكه ترامب، (وهو تحالف الدول العربية الأمني الهادف إلى موازنة إيران). كما لايُحتمل أن يفعل السيسي ولا محمد بن سلمان الكثير لدعم صفقة ترامب للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين حين تطفو هذه الصفقة على السطح، أخيرا.
مركز كارينغي للشرق الأوسط