روسيا تستثمر في أزمة حليفها الإيراني/ رانيا مصطفى
صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام بأن “بلاده لا تتاجر بمبادئها وحلفائها”، في إشارة إلى كل من طهران وأنقرة ودمشق، وذلك في خطوة منه لرفع سقف الخطاب الروسي، قبل انعقاد الاجتماع الأمني الثلاثي في القدس الغربية أواخر الشهر الجاري، بحضور مسؤولين رفيعي المستوى، هم رؤساء الأمن القومي في كل من روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة.
سيعقد اللقاء الأمني الثلاثي في القدس الغربية. ويجري حاليا جدال كبير حول وضع القدس والتسوية في الشرق الأوسط، وقد دعت إليه إسرائيل، وبرغبة أميركية، وهدفه كما يبدو تعزيز أمن إسرائيل، وفتح أفق للحلول في سوريا والمنطقة عموما، وفق المصالح الإسرائيلية والأميركية المتقاربة. وتمت دعوة روسيا اعترافا من الجانبين الإسرائيلي والأميركي بأحقيتها في النفوذ في سوريا، وفي دورها الأساسي في التسوية بخصوص الأزمة السورية.
يتطابق تصريح سابق لجيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، بأن “أميركا تريد خروج القوات الإيرانية من سوريا في نهاية العملية السياسية”، مع مطلب “تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا” والذي طرحه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لدى زيارته سوتشي منتصف مايو الماضي، ولقائه الرئيس الروسي، وبحضور جيفري، إضافة إلى بنود أخرى تتناول، بحسب تسريبات صحافية، تنفيذ القرار 2254، والتعاون في ملف محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، والتخلص من أسلحة الدمار الشامل في سوريا، وتوفير المساعدات الإنسانية، ودعم دول الجوار، وتوفير شروط عودة اللاجئين السوريين، وإقرار مبدأ المحاسبة عن الجرائم المرتكبة في سوريا.
لا تتفق موسكو مع واشنطن حول تسلسل تنفيذ هذه البنود، لكنها وافقت عليها من حيث المبدأ، لفتح قنوات تواصل مع الولايات المتحدة، اعترافا منها بالدور الأميركي في الشرق الأوسط، رغم أنها لا تريده، وتدرك أن التسوية السورية تحتاج إلى اتفاق مع واشنطن، خاصة مع غموض الأخيرة حول خططها المستقبلية حول البقاء في شرق الفرات.
وكذلك اقترح بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارته موسكو نهاية مارس الماضي تشكيل “فريق مشترك للعمل على انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا”، في إشارة إلى الميليشيات الإيرانية خصوصا.
وافقت موسكو على حضور الملتقى الأمني الثلاثي دون الموافقة على أجندته الإسرائيلية – الأميركية المشتركة، لكن بقصد فتح مسار جديد للتسوية، تريده روسيا مستمرا على شاكلة مسار أستانة، خاصة بعد فشلها في تحقيق تقدم عسكري في إدلب، وفي ترجمة انتصاراتها العسكرية إلى تسوية سياسية، وجذب المجتمع الدولي، خاصة الأوروبيين والعرب، إلى المساهمة في عملية إعادة الإعمار، فما زالت تلك الأطراف تتفق مع الموقف الأميركي الصلب حول رفض المساهمة في إعادة الإعمار أو التطبيع أو رفع العقوبات عن حكومة دمشق، قبل الاتفاق على عملية سياسية.
تأمل موسكو في دور إسرائيلي مؤثر في دوائر القرار الأميركي، من أجل القبول بتخفيف العقوبات على نظام الأسد، وربما القبول بالتطبيع في المرحلة المقبلة، كون حكومة تل أبيب تفضل بقاء نظام الأسد، العدو المسالم الذي تعرفه، على نظام لا تعرفه. في حين أن واشنطن تتشدّد في العقوبات على نظام الأسد وعلى رجال أعمال موالين له، كورقة ضغط على النظام وروسيا.
ضعف إيران وحصارها باتا ورقة ثمينة تتمسك بها روسيا بحنكة سياسية في ظل التصعيد الأميركي والإسرائيلي والعربي ضدهاضعف إيران وحصارها باتا ورقة ثمينة تتمسك بها روسيا بحنكة سياسية في ظل التصعيد الأميركي والإسرائيلي والعربي ضدها
ومنذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في خريف 2015، كانت إيران وروسيا شريكتين متكاملتين في دعم سيطرة النظام على مساحات واسعة من الأراضي السورية، فإيران تقدم ميليشياتها الأجنبية الطائفية، وتموّل ميليشيات محلية، بغطاء جوي روسي ناري، إضافة إلى الدعم المالي الذي قدمته طهران لنظام الأسد منذ بداية أزمته عبر الخط الائتماني وتقديم المشتقات النفطية.
ورغم الخلافات بينهما، والمتمثلة باشتباكات مسلحة بين فصائل في الجيش وميليشيات سورية تتبع لكل منهما في دير الزور وحلب والغاب بريف حماة الشمالي، ورغم التنافس بينهما على عقود الاستثمار وعلى السيطرة على قطع الجيش، إلا أن روسيا يبدو أنها تفضل التعايش مع هذه الخلافات، خاصة أنها الطرف الأقوى في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية والتهديدات العسكرية التي تعاني منها حكومة خامنئي.
هناك علاقات اقتصادية وسياسية قوية بين روسيا وإيران، وهما حليفتان، إضافة إلى تركيا، ضمن ثلاثي أستانة؛ والمواقف الروسية الأخيرة داعمة لإيران، سواء برفض اتهامها بالقيام بتفجيرات ناقلتي النفط في خليج عمان، أو بالقول إن الوجود الإيراني في سوريا “شرعي” بدعوى من الحكومة السورية، وإنها شاركت في مكافحة الإرهاب وفي استثمار أموال ضخمة في سوريا، وأن موسكو ستنقل وجهة نظر طهران إلى اجتماع القدس الغربية الأمني.
الدعم الروسي الخطابي الأخير لطهران حول التواجد في سوريا يناقض تصريحات سابقة بضرورة خروجها؛ لكن التشدّد الإسرائيلي – الأميركي بخصوص تحجيم نفوذها في سوريا يدفع موسكو إلى التمسك بها كورقة ثمينة للمقايضة على مكاسب أخرى.
رفضت روسيا تزويد طهران بمنظومة دفاع جوي أس 400، ولا اتفاقيات دفاعية ملزمة لها بمساعدة إيران في حال توجيه ضربات عسكرية إليها، ولا تريد إغضاب الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها العرب، وبالتالي لن تدخل في دعم عسكري لإيران، وكذلك لم تتدخل كوسيط بين طهران وواشنطن بخصوص تخفيف العقوبات الأميركية، أو السعي إلى اتفاق نووي جديد، كما يحاول الأوروبيون. بل بعكس ذلك تماما، روسيا مستفيدة من الحصار الاقتصادي المفروض على الغاز الإيراني، كونه منافسا للغاز الروسي الذي يتم تصديره إلى أوروبا، وكذلك مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط بسبب التصعيد في خليج عمان ومضيق هرمز.
لكن موسكو لا ترغب في حرب على إيران تطيح بنظامها، وتزيل العقوبات والحظر الاقتصادي الأميركي عليها، وتقوي النفوذ الأميركي في المنطقة. وقد تستخدم حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن حيال أي مشروع للتصعيد العسكري في المنطقة.
ضعف إيران وحصارها باتا ورقة ثمينة تتمسك بها روسيا بحنكة سياسية في ظل التصعيد الأميركي والإسرائيلي والعربي ضدها؛ وعليها استثمارها للمقايضة على مطالب تحقق التسوية في سوريا وفق الأجندة الروسية، وعودة سيطرته على مناطق الثروات في شرق الفرات، ورفع العقوبات على النظام السوري وعودة الاعتراف به في المحيط الإقليمي وقبول المجتمع الدولي في المساهمة في عملية إعادة الإعمار؛ لكن يتوجب على روسيا رمي هذه الورقة بأسلوب دبلوماسي، بالاتفاق مع حكومة طهران، خاصة أن ورطة إيران تفرض القبول بانسحاب من سوريا والاكتفاء بنفوذ في العراق في وجه النفوذ الأميركي.
كاتبة سورية
العرب