سؤال “الله” في الحرب السورية/ حازم درويش
في الأسابيع الأخيرة رجع النظام السوري في دمشق إلى عادته الأثيرة: القتل. هذه المرّة في إدلب، والضحايا معظمهم أطفال. في الفيديوات ترى أجساماً صغيرة محصورة بين الحجارة تستصرخ للنجاة، أو جثثاً غارقة بدمائها أو تهرول بين الركام، والغبار يعلو وجوهها، بحثاً عن ملجأ من القصف وعن أهل كانوا هنا قبل قليل واختفوا. لا بيانات استنكار عالمية إلّا تلك الخجولة، ولا شيء يردع النظام المجرم وهو يعرف أنّ الجميع يريد التخلّص من هذه الحرب ولاجئيها بأي ثمن. حتّى لو كان هذا الثمن هو بقاء هذا النظام وقتله وضحاياه.
لكنّ السؤال الذي يعيد سوريون كثيرون طرحه مع كل مقتلة، كما هم فاعلون منذ بداية الحرب، هو: أين اللّه؟ كيف يسمح الله بقتل هؤلاء الأطفال على هذا النحو المجّاني؟ ما هي حكمته في ذلك؟ على اعتبار أنّ للّه في كل شيء حكمة، لا يستطيع البشر إدراكها إلّا بعد زمن طويل، بخاصة أنّ الكلّ في حرب سوريا يحتكر الله أو جزءاً منه ومن حكمته أو يدافع عنه. فالكلّ هنا ناطق باسم الله وممثل عنه. لكن غالباً ما يرتبط طرح السؤال عن فاعلية الله ووجوده بالجهة المتفرجة من الحرب وأهلها، لأنّها لا تملك إلى الفعل السياسي أو العسكري سبيلاً، فتروح تتهم اللّه بالقصور وقلّة الحيلة، لتكفر به أو تصمت عن جرائم بشرية يستحيل أن يقف الله أمامها موقف المتفرّج.
لكنّ طبيعة هذه الأسئلة كما طبيعة إجاباتها المحدودة الإقناع تقودنا إلى طبيعة الإيمان نفسه ضمن الحقل السياسي العام كما ينظر إليها المؤمن ويعايشها. لكن هل هي ذاتها بين شرق وغرب؟ بين نظام ديكاتوري وآخر ديموقراطي؟ بالتأكيد، لا.
فهناك تحت سلطة الأنظمة القمعية، لطالما تمّ تصوير اللّه على أنّه كلّي القدرة، وجه آخر للديكتاتور نفسه. وليس لنا أمام قدرته الكلّية إلّا طأطأة الرؤوس وتصريف الأيام بأقل الأضرار الممكنة. أمّا حين نريد أن ننتفض على ظلم ما، فإنّ مصيرنا هو القتل والتهجير، بذنب صمتنا الطويل على جرائم هذا النظام كما بذنوبنا اليومية الكثيرة، التي سلّط الله علينا هذا النظام، ليعاقبنا بها. حلقة مفرغة من قلّة الحيلة، يقف اللّه فيها كما في العهد القديم غاضباً ومتوعّداً شعبه التائه بالمزيد من التيه. يصبح الإيمان نقمة على أصحابه، لا نعمة.
أمّا في نظام ديموقراطي حيّ، فاللّه لا يملك أي إرادة خاصة. إرادته تتبدى من خلال رغبات الأفراد المؤمنين أنفسهم وقدراتهم على فعل الصواب من أجلهم ومن أجل المجتمع ككل. السؤال عن مكان الله وقدرته، يصبح سؤالاً عن مدى قدرة كل فرد على تمثّل الله في بحثه اليومي عن الحقّ والعدل والجمال.
الله المتهم في الحالة الأولى يصبح إلهاً بريئاً في الحالة الثانية. الإنسان نفسه كما واقعه الذي يجد نفسه فيه هو المتهم البريء. لذا، فالمسألة ليست حول طبيعة الله بقدر ما هي حول طبيعة الإيمان وطبيعة النظام الذي يعيش الإنسان في كنفه. كلما كانت الفرصة أكبر في أي نظام أو مجتمع للمشاركة والعدل والمساواة، فقد سؤال المسؤولية الإلهية أهميته ليحلّ محلّه سؤال المسؤولية الفردية التي هي أبرز تجلٍّ للإيمان ومعانيه.
أطفال إدلب لا يزال أمامهم الكثير ليعانوه مع الدم والركام والخوف وهذا سؤال برسم عالم وبشر لا يقيمون للعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وزناً، ويكثر الحديث فيه عن تفوّق جيني أو آخر ثقافي أو ديني. فالنظام السوري كما كل البلاد المشاركة في الحرب أو تلك التي تلتزم الصمت تؤثر نفسها ومصالحها وشعوبها على مصالح الناس الآخرين. هؤلاء الذين ليسوا إلّا “باقي الناس” والأفضل لهم أن يبقوا بعيداً من رفاهنا ومناطقنا. في عالم كهذا يبدو الحديث عن الإيمان في الفعل السياسي رفاهية، لا يملك الضحايا وقتاً للاستماع إليها.
في نظام ديموقراطي حيّ، فاللّه لا يملك أي إرادة خاصة. إرادته تتبدى من خلال رغبات الأفراد المؤمنين أنفسهم وقدراتهم على فعل الصواب من أجلهم ومن أجل المجتمع ككل. السؤال عن مكان الله وقدرته، يصبح سؤالاً عن مدى قدرة كل فرد على تمثّل الله في بحثه اليومي عن الحقّ والعدل والجمال.
درج