دولة سنية في سوريا… وشرق أوسط جديد بحدود «ألف ليلة وليلة»
من يصوت لليمين ليس معروفاً بآرائه السياسية بل بضعف عقله ووهن روحه المزعوم ـ لا جديد. وعليه فليس واضحاً ما سبب الصخب في ردود الأفعال على مقابلة شبتاي شافيت في صحيفة «معاريف». وفي الوقت نفس كان بعض الجديد والمفاجئ في أقوال أخرى قيلت في المقابلة هي برأيه موضع اهتمام خاص. وهاكم ثلاثة منها:
الأول، نحن نعيش في ذروة عملية تصميم لشرق أوسط جديد، ما يمكن أن يحصل فيه هو أن يتقلص العراق في أراضيه وكذا سوريا، وعندها سيكون مكان لدولة سنية. ولماذا؟ لأنه في اتفاق سايكس بيكو في 1916، حين رسمت حدود الشرق الأوسط، لم يكن تعبير للسُنة. كما أن الأكراد سينالون دولة أو حكماً ذاتياً.
الثاني، يجب أن يكون هناك حل للنزاع مع الفلسطينيين، وبالتالي في نهاية المطاف سيتعين عليهم أن يفرضوه على إسرائيل والفلسطينيين. من يفرضه؟ الأمريكيون، بل حتى ترامب.
الثالث، إذا قرر العالم أن محاوره هو السلطة الفلسطينية فيمكنه أن يجعل حماس «تتبخر».
فوق كل شيء، فإن في هذه الأقوال خطأ تاريخي صعب بالنسبة للقول بأن السُنة لم يلقوا تعبيراً في اتفاق سايكس بيكو. العكس التام هو الصحيح. فالقوى العظمى لم تعترف إلا بالسُنة، فيما أن الشيعة لم يكونوا في نظرهم أي شيء، لا في لبنان ولا في العراق ولا في أي مكان. الأقلية السُنية في العراق حصلت على السيطرة على الأغلبية الشيعية والتي استمرت حتى إسقاط صدام حسين.
من هنا خطأ آخر: إقامة دولة سُنية بين سوريا والعراق وفقاً لرأي شبتاي. من هو هذا الكائن الحي؟ دولة داعش؟ دولة من؟ دولة قبائل الصحراء السورية؟ أين ستقع بالضبط؟ لا يوجد ظل من الشك بأننا في عملية يتصمم فيها وجه وربما حدود الشرق الأوسط، ومن الصعب أن نتوقع كيف سيكون الواقع بعد أن تنتهي كل الهزات الأرضية الجغرافية ـ السياسية. ولكن أن تقام دولة ما تسمى «دولة سُنية»؟ يبدو ليس هذا هاذياً. وإذا كان لا بد، فإن من ستعود لتحتل مكانها كدولة يسيطر فيها السُنة هي سوريا. سوريا، ذات الأغلبية السُنية الحاسمة، كانت منذ استقلالها بسيطرة النخبة السُنية، حتى صعود نظام الأسد في 1970 الذي أدى إلى سيطرة الطائفة العلوية الصغيرة (أقل من 10 في المئة) على سوريا. والآن، نقف مع أقل من مليوني علوي مقابل 16 مليون سُني. كم من الوقت يمكن أن تستمر هذه السيطرة الدموية؟
والآن لفرض التسوية وتصفية حماس. هل يمكن لأحد ما أن يشرح لي كيف تفرض التسوية؟ ما هو مصير التسوية المفروضة؟ ألدى أحد ما فكرة لامعة كي يمكّن العالم أن «يبخر» حماس؟ فهل سيسكبون عليها الحامض؟ حسب فهمي، هذه أفكار مغرقة في الخيال ومصدرها هو: ثمة وضع صعب ولا حل واقعياً له، على الأقل ليس في المدى القريب، وعندها ولأننا نشتعل رغبة في توفير الحل، فإننا نعطي المجال لخيالنا، فنجد حلولاً على نمط ألف ليلة وليلة. بالطبع توجد تفسيرات أخرى، وسيكون هناك من يقولون إننا ملزمون بأن نحلم. المشكلة هي أننا مفعمون بالخيال من كل الأنواع والأصناف، وأصحاب الخيال مقتنعون بأنهم محقون والحقيقة معهم، وأن الآخرين مخطئون وعميان. مثلاً، الخيال عن العودة إلى عهد داود وسليمان الملك؛ الخيال عن دولة فاشية. وفي سياق آخر: خيال ترامب عن خطة العصر، هي بالفعل علاء الدين والمصباح السحري.
عاموس غلبوع
معاريف 27/6/2019 القدس العربي