الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 16 متجدد
أحداث
روسيا تحذر الأكراد… وتدعو واشنطن إلى إنهاء «احتلال» التنف
وزارة الدفاع أعلنت نشر 15 نقطة مراقبة سورية على الحدود
سوتشي: رائد جبر
وجه الكرملين رسالة تحذيرية إلى الأكراد في منطقة الشمال السوري، وأكد أن عدم انسحابهم من المناطق التي نص عليها الاتفاق الروسي التركي، سوف يضعهم في مواجهة مع ضربات الجيش التركي.
ونشرت موسكو أمس، تفاصيل إضافية، عن الاتفاق الذي وقعه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في سوتشي، أول من أمس، وأعلنت عزمها على تطبيقه بشكل كامل، بينما حددت وزارة الدفاع الروسية مناطق انتشار مراكز المراقبة التي سيقيمها حرس الحدود السوري على الشريط الحدودي.
وبعد مرور يوم واحد على توقيع الاتفاق الذي وصفه بوتين بأنه «مصيري»، حذر الكرملين كل الأطراف من عواقب عدم الالتزام به. وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، إنه في حال امتنعت القوات الكردية عن مغادرة المناطق المحددة في الاتفاق، فإن الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سوف ينسحبان من المنطقة الحدودية، ما يعني أن الأكراد «سيواجهون ضربات الجيش التركي». وزاد بيسكوف أن الولايات المتحدة «تخلت عن الأكراد في شمالي سوريا وخانتهم».
وكان الطرفان الروسي والتركي قد اتفقا على الحفاظ على الوضع الراهن في منطقة عملية «نبع السلام»، التي تمتد بين تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كيلومتراً، على أن تبدأ موسكو في نشر وحدات الشرطة العسكرية مع وحدات لحرس الحدود السوري، في مناطق حدودية مجاورة لنطاق العمليات العسكرية التركية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن الجيش السوري يعتزم إنشاء 15 نقطة مراقبة على الحدود مع تركيا.
وقالت في بيان إن نقاط المراقبة سيتم إنشاؤها وفقاً للاتفاق الروسي – التركي. ونشرت الوزارة خريطة توضيحية دلت على أن نقاط المراقبة للجيش السوري سيجري إنشاؤها خارج مناطق عمليات الجيش التركي. وأظهرت الخريطة مناطق تمركز الأطراف المختلفة، مضافاً إليها التغيرات التي أدخلها الاتفاق الروسي – التركي الأخير.
وتنفيذاً للاتفاق، أعلن أمس، عن دخول رتل من الشرطة العسكرية الروسية إلى مدينة عين العرب (كوباني) شرق الفرات، شمالي سوريا.
وبدأت الشرطة العسكرية الروسية في الوقت ذاته مهمة المناوبة في الخطوط الأمامية للجيش السوري بشمال شرقي مدينة منبج في محافظة حلب. وقال متحدث باسم الشرطة العسكرية الروسية، إن الشرطة بدأت المناوبة على بعد كيلومترات من نهر ساجور، وليس بعيداً عن نقطة التقائه مع نهر الفرات. وكانت هذه المنطقة قبل عشرة أيام تشهد دوريات من قبل القوات الأميركية التي سحبتها واشنطن، بعد بدء العملية التركية في شمال سوريا.
إلى ذلك، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إن حقول النفط في شمال شرقي سوريا يجب أن تكون تحت سيطرة الحكومة السورية. وأضاف بوغدانوف أن موسكو تأمل في أن يقدم المقاتلون الأكراد ضمانات للخروج من منطقة الحدود التركية السورية. في حين شدد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين على أن موسكو لا ترى ضرورة لإنشاء منطقة أمنية في شمال شرقي سوريا تحت المراقبة الدولية، في أول رد فعل روسي على اقتراح ألمانيا إنشاء منطقة آمنة تشرف عليها قوات دولية. وكانت موسكو قد أعلنت في وقت سابق أنها تدرس المقترح الألماني.
وقال فيرشينين: «من وجهة نظرنا، فإن ما حدث في سوتشي (الاتفاق الروسي التركي) هو حل للمشكلة، أي أن النشاط العسكري لتركيا في هذه المنطقة تم إيقافه، وتم منع المواجهات العسكرية المختلفة، وتم وضع الأساس لحل جميع القضايا من خلال الحوار. لا يبدو لي أن هناك حاجة إلى بعض الإجراءات الإضافية».
تزامن ذلك مع تجديد فيرشينين دعوة موسكو للولايات المتحدة بإنهاء احتلال منطقة التنف في الجنوب السوري. وقال فيرشينين خلال مؤتمر صحافي في موسكو، أمس: «هناك الجيش الأميركي موجود بشكل غير قانوني. في دائرة قطرها 55 كيلومتراً. هذه أرض سورية أيضاً، وهم يوجدون فيها بشكل غير قانوني، ويغلقون الطريق التي تربط العراق وسوريا. نحن نعتبر وجودهم غير قانوني، ونطالب بإنهاء هذا الاحتلال».
ونص الاتفاق الروسي التركي على رزمة إجراءات تطلق نشاطاً مشتركاً لموسكو وأنقرة في منطقة الشمال السوري، من خلال تسيير دوريات مشتركة، بعد إنجاز المرحلة الأولى منه التي تتضمن إخلاء المنطقة من المسلحين الأكراد، وسحب الأسلحة الثقيلة منها.
– يؤكد الجانبان التزامهما بالحفاظ على الوحدة الإقليمية والسياسية لسوريا، وعلى حماية الأمن الوطني لتركيا.
– أكد الرئيسان التصميم على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وتعطيل المشروعات الانفصالية في الأراضي السورية.
– سيتم الحفاظ على الوضع الراهن في منطقة عملية «نبع السلام» الحالية، التي تغطي تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كيلومتراً.
– يؤكد الطرفان مجدداً أهمية اتفاق أضنة، وستسهل روسيا تنفيذ هذا الاتفاق في ظل الظروف الحالية.
– اعتباراً من الساعة الـ12:00 ظهراً يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيدخلان إلى الجانب السوري من الحدود السورية التركية، خارج منطقة عملية «نبع السلام»، بغية تسهيل إخراج عناصر «ي ب ك» وأسلحتهم، حتى عمق 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية، وينبغي الانتهاء من ذلك خلال 150 ساعة. ويبدأ الطرفان تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية «نبع السلام» بعمق 10 كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي.
– سيتم إخراج جميع عناصر «ي ب ك» وأسلحتهم من منبج وتل رفعت.
– يتخذ الجانبان الإجراءات اللازمة لمنع تسلل عناصر إرهابية.
– سيتم إطلاق جهود مشتركة لتسهيل العودة الطوعية والآمنة للاجئين.
– سيتم تشكيل آلية مشتركة للرصد والتحقق، لمراقبة وتنسيق تنفيذ هذه المذكرة.
– يواصل الجانبان العمل على إيجاد حل سياسي دائم للنزاع السوري، في إطار آلية آستانة، وسيدعمان نشاط اللجنة الدستورية.
————————
القوات الكردية تنسحب من مواقع حدودية مع تركيا
القامشلي: انسحبت القوات الكردية من مواقع عدة في شمال شرق سوريا حدودية مع تركيا، تطبيقاً لاتفاق أبرمته موسكو وأنقرة مكنهما من فرض سيطرتهما مع دمشق على مناطق كانت تابعة للإدارة الذاتية الكردية.
وبدأت القوات الروسية الأربعاء بموجب الاتفاق تسيير أولى دورياتها في المناطق الشمالية قرب الحدود مع تركيا، لتملأ بذلك فراغا خلفه انسحاب القوات الأميركية، في وقت نوّه الرئيس دونالد ترامب بالاتفاق الروسي التركي.
ويقضي الاتفاق الذي توصلت إليه روسيا وتركيا بانسحاب القوات الكردية من منطقة حدودية مع تركيا بعمق 30 كيلومتراً وطول 440 كيلومتراً، ما يعني تخلي الأكراد عن مدن رئيسية عدة كانت تحت سيطرتهم.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة فراس برس الخميس “انسحبت قوات سوريا الديموقراطية من ست نقاط بين الدرباسية وعامودا في ريف الحسكة عند الشريط الحدودي مع تركيا”.
ولا تزال القوات الكردية تحتفظ بمواقع جنوب الدرباسية، وفق المرصد.
وأفاد المرصد عن اشتباكات بين قوات سوريا الديموقراطية وفصائل سورية موالية لها قرب بلدة تل تمر في الحسكة (شمال شرق).
ويتعيّن على الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري بموجب الاتفاق الذي تم توقيعه في سوتشي في روسيا، “تسهيل انسحاب” قوات سوريا الديموقراطية التي تعد الوحدات الكردية عمودها الفقري، مع أسلحتها من المنطقة الحدودية، خلال مهلة 150 ساعة، تنتهي الثلاثاء.
وكانت قوات سوريا الديموقراطية انسحبت في وقت سابق هذا الأسبوع من منطقة حدودية ذات غالبية عربية تمتد بطول 120 كيلومتراً من رأس العين حتى تل أبيض، على وقع تقدم أحرزته القوات التركية والفصائل الموالية لها في إطار هجوم بدأته في التاسع من الشهر الحالي.
– “نزوح” –
وترغب تركيا في مرحلة أولى بإقامة “منطقة آمنة” بين رأس العين وتل أبيض تنقل إليها قسماً كبيراً من 3,6 مليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيها منذ اندلاع النزاع في العام 2011.
وبموجب اتفاق سوتشي، ستبقى هذه المنطقة تحت سيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، بخلاف المناطق الحدودية الأخرى حيث ستسيّر تركيا وروسيا دوريات مشتركة.
ومنذ بدء تركيا هجومها، فرّ أكثر من 300 ألف مدني من بلداتهم وقراهم الحدودية، وفق الأمم المتحدة، في وقت تبدو عودة الأكراد منهم على الأرجح صعبة.
وتعد تركيا الوحدات الكردية منظمة “إرهابية” وامتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود.
وراهن الأكراد على أن يكون لتضحياتهم في قتال تنظيم الدولة الإسلامية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، ثمن في المقابل. لكن عوض دعم مشروعهم السياسي، بدأت الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا، واضعةً بذلك حداً لطموحات الأقلية الكردية في سوريا بالحكم الذاتي.
وأشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي واجه قراره سحب قواته من شمال سوريا انتقادات شديدة واتُهم بتخليه عن الأكراد، بالاتفاق الروسي التركي الأربعاء.
وفي كلمة في البيت الأبيض اعتبرت إعلاناً رسمياً عن تخلي بلاده عن المنطقة التي كان لواشنطن تواجد عسكري فيها مع المقاتلين الأكراد لصالح تركيا وروسيا، قال ترامب “لندع الآخرين يقاتلون” من أجل البلد “الملطخ بالدماء”.
– ضمان “أمن النفط” –
ويشير ترامب على الأرجح إلى روسيا التي كرّست باتفاقها مع تركيا نفسها، وفق محللين، كصاحبة اليد الطولى في سوريا، دعماً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويقول الباحث والأستاذ الجامعي فابريس بالانش لفرانس برس “يستعيد الأسد ثلث مساحة البلاد من دون أن يطلق رصاصة”.
وستحتفظ الولايات المتحدة، وفق ما قال ترامب، بقوات لها في شرق سوريا حيث بدأت قوات النظام الانتشار بدعوة كردية مؤخراً من دون أن تستلم زمام الأمور ميدانياً بشكل كامل.
وقال ترامب “ضمننا أمن النفط. وبالتالي، سيبقى عدد محدود من الجنود الأميركيين في المنطقة حيث النفط”.
ويشكل استعادة شمال وشرق سوريا أولوية بالنسبة إلى دمشق، كون المنطقة غنية بحقول النفط الغزيرة والسهول الزراعية.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” الخميس أن أرتالا جديدة من الجيش السوري دخلت الخميس ريفي الرقة (شمال) والحسكة (شمال شرق) لتعزيز انتشاره في شمال شرق البلاد.
ورغم تخلي الأميركيين عنها، تحافظ القوات الكردية على علاقاتها مع واشنطن التي لا زالت تملك حضوراً عسكرياً كبيراً في مواقع أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد ترامب أنه تحدث مع قائد قوات سوريا الديموقراطية الكردي مظلوم عبدي الذي كان “ممتنا جدا” للولايات المتحدة، بحسب قوله.
لكن على الأكراد أن يفاوضوا بشأن مستقبلهم اليوم مع روسيا التي باتت القوة الأجنبية الأكثر نفوذاً في سوريا بدون منازع.
وقالت “القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية” في بيان الأربعاء إنّ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس أركان الجيش الروسي فاليري غيراسيموف أجريا اتصالاً متلفزاً مع عبدي، أعرب خلاله الأخير عن شكره لموسكو لعملها على “نزع فتيل الحرب في مناطقنا وتجنيب المدنيين ويلاتها”.
———————–
اوروبا تتجاهل الاتفاق الروسي-التركي..وستعاقب أنقرة!
يحاول البرلمان الأوروبي، الذي بات مفتتاً بين كتل يمين الوسط واليمين الشعبوي المتطرف، التوافق على إدانة العملية التركية “نبع السلام” في شمال سوريا، بعدما توقفت فعلياً. ويبدو البرلمان الأوروبي بهذا المعنى، خاضعاً للنزعة الشعبوية التي تقودها إيطاليا، ومتأخراً زمنياً بفهم طبيعة الاتفاقات الروسية-التركية والأميركية-التركية، التي انتهت إلى التوافق على إعادة تقسيم مناطق النفوذ في الشمال السوري.
وجاء في نص مشروع قرار يتوقع أن يوافق عليه البرلمان الأوروبي، الخميس، أن البرلمان “يرفض بشكل قاطع طموحات تركيا بشأن المنطقة الآمنة”، ويحث أيضاً على فرض عقوبات على المسؤولين الأتراك المسؤولين عن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في الهجوم على المنطقة التي تسيطر عليها “قسد” في الشمال السوري.
ويطالب النص كذلك مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار بإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا بموجب تفويض من الأمم المتحدة. وكانت موسكو قد رفضت عرض وزيرة الدفاع الألمانية حول منطقة آمنة برعاية دولية، وهو الأمر الذي لم يلقَ توافقاً حتى داخل الحكومة الألمانية.
ويدعو مشروع القرار البرلماني الأوروبي إلى تجميد المعاملة التفضيلية للصادرات الزراعية التركية إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأيضا تعليق الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي مع أنقرة. وذلك في الوقت الذي رفعت فيه الولايات المتحدة العقوبات التي فرضتها على تركيا.
ويتصدر ممثلو “حزب الرابطة” الشعبوي اليميني الإيطالي، الحملة في البرلمان الأوروبي ضد أنقرة. وقالت البرلمانية الأوروبية فرانشيسكا دوناتو من “حزب الرابطة” إنه “بعد جدال حافل بالتصريحات ضد العمليات العسكرية التركية ضد أكراد سوريا والحث على التصرف بحزم لوقف العمليات الحربية، رفض البرلمان الأوروبي الاقتراح المقدم من كتلتنا لإلغاء التمويل الممنوح لتركيا”. وأضافت أن الطلب كان بمثابة “المبادرة الأوروبية الملموسة الوحيدة التي من شأنها وقف إردوغان”، أو “وضع حد لتواطؤنا مع ديكتاتور دموي عنصري على أي حال”.
في المقابل، رحبت ألمانيا بالاتفاق بين تركيا وروسيا بشأن إنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية السورية، إذ قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إن برلين تأمل في أن يسهم الاتفاق التركي الروسي في تهدئة حدة التوترات.
في حين أعلن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنه يرحب بالاتفاق الروسي التركي حول تسوية الأوضاع في شمال شرقي سوريا. وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام فرحان حق، في بيان صحافي، إن غوتيريش “يرحب بجميع الجهود الرامية إلى خفض التصعيد وحماية المدنيين على أساس ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني”.
وأضاف حق: “نحن على علم بالمحادثات بين روسيا وتركيا، وإعلان تركيا عن عدم وجود حاجة في المرحلة الراهنة إلى خوض عملية جديدة خارج نطاق خوض العملية الحالية”. وتابع حق أن الأمين العام للأمم المتحدة “يعترف بأن الطريق ما زال طويلا نحو حل فعال للأزمة في سوريا”. وقال المسؤول الأممي إن عودة اللاجئين السوريين إلى مساكنهم يجب أن تجري بشكل طوعي وآمن وبطريقة شفافة تماما. وأضاف: “نتابع التطورات في المنطقة عن كثب”.
من جهته، عبّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يانس ستولتنبرغ، عن قناعته بأن الوقت لا زال مبكراً على الحديث عن نتائج الاتفاق الروسي–التركي. وكان ستولتنبرغ يتحدث في مؤتمر صحافي عقده، قبيل انعقاد اجتماع وزراء دفاع دول الحلف، الخميس والجمعة، في العاصمة البلجيكية.
وأسهب المسؤول الأطلسي في الثناء على الإعلان الذي تم التوصل إليه قبل أيام بين الولايات المتحدة والأتراك، وقال: “أرحب بانخفاض حدة العنف بعد هذا الإعلان، وأدعو كافة الأطراف لممارسة ضبط النفس واحترام القانون الدولي الإنساني”. واعتبر ستولتنبرغ، أن الوضع المعقد الحالي في شمال شرق سوريا “يظهر أهمية التحرك باتجاه حل سياسي يشمل جميع الأطراف”، مشيراً إلى دعم الحلف لأي جهد دولي بهذا الاتجاه.
من جانبه، أكد الاتحاد الأوروبي أن عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم يجب أن تتم ضمن شروط تحافظ بالدرجة الأولى على أمنهم وكرامتهم. ويعتبر الاتحاد، كما جاء في تصريح للمتحدثة باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد فيديريكا موغيريني، أن هذه الشروط يجب أن تُحدد من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويحاول الاتحاد الأوروبي النأي بنفسه عن الجدل القائم حالياً بشأن المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا، معتبراً أن الشروط لا تزال غير متوفرة حالياً لعودة اللاجئين.
وأوضحت المتحدثة مايا كوسيانيتش، أن التطورات الوضع في شمال شرق سوريا أثبتت مرة أخرى “صحة الرؤية الأوروبية” ومفادها ضرورة إيجاد حل ساسي تفاوض شامل للأزمة السورية. ومضت كوسيانيتش تقول: “لا زلنا ندعم جهود الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي لسوريا غير بيدرسن، ونعتبر أنها الطريقة الوحيدة لإعادة السلام والاستقرار لسوريا”.
——————————
الوحدات الكردية تعلن استعدادها للانضمام إلى جيش الأسد
أعلن مسؤول في مليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، اليوم الخميس، أنهم عن استعداد لبحث الانضمام لجيش نظام بشار الأسد، وذلك بعد فشله بمواجهة عملية “نبع السلام” التي تشنها تركيا بمشاركة الجيش الوطني السوري المعارض في مناطق شرق الفرات شمالي سوريا.
وذكرت وكالة “رويترز”، نقلاً عن مسؤول في المليشيا، التي تشكل الوحدات الكردية قوتها الضاربة، أنّ “المسلحين الأكراد انسحبوا لمسافة 32 كم من الحدود التركية”.
من جانب آخر، قالت مليشيا “قسد”، في بيان اليوم الخميس: إن “تركيا وحلفاءها من مقاتلي المعارضة السورية شنوا، يوم الخميس، هجوماً برياً كبيراً استهدف ثلاث قرى رغم المهلة المتفق عليها بين أنقرة وواشنطن”، وحثت الولايات المتحدة على التدخل على الفور لوقف الهجوم.
وأضافت “قسد” في بيان أن “الهجوم الذي نفذته القوات التركية على القرى الواقعة خارج منطقة وقف إطلاق النار، وما زالت المعارك جارية هناك”.
من ناحية أخرى قال مصطفى بالي، المسؤول بقوات سوريا الديمقراطية، على “تويتر”: إن “قواته ستمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس”.
Turkish army have been attacking villages of Assadiya, Mishrafa and Manajer with a large number of mercenaries and all kinds of heavy weapons despite the truce. SDF will exercise its right to legitimate self defense and we are not responsible for the violation of the agreement.
— Mustafa Bali (@mustefabali) October 24, 2019
وسبق للوحدات الكردية أن تحدثت عن إمكانية وجود تعاون بينها وبين نظام الأسد لمواجهة العملية العسكرية التركية في مناطق شمالي سوريا، إلا أنّ ذلك لم يحدث بشكل مؤكد تماماً، في ظل وجود القوات الأمريكية في مناطق سيطرتها.
وكانت تركيا والولايات المتحدة توصلتا، في 17 أكتوبر، إلى اتفاق بشأن تعليق عملية “نبع السلام”، ووافقت أنقرة بموجبه على وقف إطلاق النار 120 ساعة، لتمكين مقاتلي “وحدات حماية الشعب” الكردية من إخلاء المنطقة المذكورة.
وفي 9 أكتوبر، شن الجيش التركي عملية “نبع السلام” العسكرية ضد المليشيات الكردية، في سعيها لتأمين الحدود وإقامة “منطقة آمنة” على حدود تركيا شرق الفرات شمال سوريا.
——————————-
تركيا تعلن وقف «نبع السلام» وتبدأ الإجراءات المشتركة مع روسيا
أكدت أنها ستطبق اتفاق أضنة مع موسكو لعدم قدرة النظام
أنقرة: سعيد عبد الرازق
أعلنت وزارة الدفاع التركية بدء الإجراءات المشتركة بين تركيا وروسيا اعتبارا من أمس (الأربعاء) في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي أول من أمس، حول المنطقة الآمنة شمال سوريا. وذلك بعد أن قالت في وقت سابق أمس، إنه لم تعد هناك حاجة لمواصلة عملية «نبع السلام» العسكرية في شرق الفرات.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، نديدة شبنام أك طوب، في مؤتمر صحافي في أنقرة، إنه لم يعد هناك داع لتنفيذ عملية جديدة في هذه المرحلة خارج نطاق العملية الحالية، في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع روسيا، بدأنا اليوم الإجراءات المشتركة في إطار الاتفاق بين الرئيسين إردوغان وبوتين.
وكان إردوغان وبوتين قد توصلا خلال لقائهما في سوتشي، أول من أمس، إلى اتفاق بشأن المنطقة الآمنة في شمال سوريا تضمن التزامهما بالحفاظ على الوحدة الإقليمية والسياسية لسوريا وعلى حماية الأمن الوطني لتركي، والحفاظ على الوضع الراهن في منطقة عملية «نبع السلام» الحالية، التي تغطي المنطقة بين تل أبيض ورأس العين بعمق 30 كم.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في تصريح خلال عودته من سوتشي الليلة قبل الماضية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد له أن مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية لن يُسمح لهم بالبقاء في سوريا على الحدود مع تركيا «تحت عباءة النظام السوري».
وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية إن عملية «نبع السلام» أسهمت بشكل كبير في تطهير المنطقة مما سمته بـ«الإرهاب»، وإنهاء اضطهاد وظلم الوحدات الكردية للسكان المحليين. وشددت على أن تركيا ستواصل محاربة الإرهاب بكل حزم، ولن تسمح أبدا بإنشاء حزام إرهابي على الحدود الجنوبية للبلاد.
وكانت تركيا أعلنت في ساعة مبكرة من صباح أمس، أن الولايات المتحدة أبلغتها أن انسحاب المقاتلين الأكراد من المنطقة الآمنة في شمال سوريا قد اكتمل. وأكد بيان لوزارة الدفاع التركية، أنه «لا توجد حاجة في هذه المرحلة لشن عملية أخرى خارج المنطقة الحالية للعمليات». وأضاف البيان «وعملاً بالاتفاق المذكور (بين تركيا والولايات المتحدة الخميس الماضي)، الذي يتضمن المبادئ المتعلقة بأمن حدودنا خارج منطقة العملية وإخراج عناصر وحدات الحماية الكردية لمسافة تمتد لـ30 كيلومتراً، لا يقتضي الأمر شن عملية جديدة في هذه المرحلة باستثناء منطقة عملياتنا الحالية». ولفت البيان إلى أنه «واعتباراً من اليوم (أمس الأربعاء) ستبدأ الجهود المشتركة مع روسيا في ضوء الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مدينة سوتشي، أول من أمس.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول الرسمية أمس، إنه بموجب الاتفاق التركي الروسي المبرم في سوتشي، فإن المنطقة الآمنة تبدأ من نهر الفرات بما فيها عين العرب (كوباني) وشرق القامشلي، وتمتد حتى الحدود العراقية. سيتم إخراج الإرهابيين (مقاتلي الوحدات الكردية) وأسلحتهم حتى عمق 30 كم خلال 150 ساعة من الحدود السورية التركية. وستبدأ القوات التركية والروسية تسيير دوريات مشتركة غرب وشرق منطقة عملية «نبع السلام» بعمق 10 كم، باستثناء مدينة القامشلي عقب انتهاء مهلة الـ150 ساعة، مشيرا إلى ضرورة استمرار هذه الدوريات حتى التوصل إلى حل دائم في سوريا، بما في ذلك الانتخابات.
وأوضح أن تركيا ستقوم بالسيطرة على المناطق التي تنسحب منها الوحدات الكردية مع السكان المحليين «والآن ستكون روسيا هناك، وحرس الحدود للنظام السوري، وستشكل إدارات محلية بمشاركة مختلف أطياف الشعب، فليس لدينا مخاوف أو تردد بهذا الصدد.
المهم هو اختفاء الكيانات الإرهابية من هناك». ولفت إلى أن المناطق التي توجد فيها القوات التركية شمال سوريا معظم سكانها من العرب الذين يشكلون نحو 80 في المائة من السكان، مضيفا «هناك أيضا التركمان والمسيحيون وأقليات أخرى، ولكن الإعلام الغربي والسياسيين يعتبرون أنها مناطق كردية بشكل كامل لأن الوحدات الكردية هي من يسيطر عليها، ويقولون هاجموا الأكراد، مع الأسف هؤلاء غير صادقين».
وشدد الوزير التركي على أن غالبية السكان شمال سوريا، من العرب، موضحا أنهم سيكونون ضمن الإدارات في المناطق ذات الأغلبية العربية، وكذلك سيكون الأكراد في المناطق ذات الأغلبية الكردية ضمن إدارات تلك المناطق بشكل أكبر. وذكر أن نحو 350 ألفا من الأكراد السوريين الموجودين في تركيا يرغبون بالعودة إلى المنطقة الآمنة، مؤكداً أن هؤلاء لم يستطيعوا العودة لأن الوحدات الكردية لم تسمح لهم بذلك».
وعن اتفاقية أضنة، قال جاويش أوغلو إن تركيا تقوم لوحدها بما يلزم من أجل القضاء على «الإرهابيين» في حال عدم قدرة سوريا على منع التهديدات الإرهابية ضد تركيا. وأكد عدم وجود اتصال مباشر بين تركيا والنظام السوري، مضيفا «قد تكون هناك اتصالات على مستويات الاستخبارات، هذا طبيعي، وخاصة بمكافحة الإرهاب، كما أن النظام في سوريا غير قادر على تطبيق اتفاقية أضنة حتى لو أراد ذلك، فلا سلطة له هنا». وتابع أن النظام السوري حالياً ليس في وضع يسمح له بإدارة كامل البلاد، قائلاً: «النظام لا ينفذ التزاماته المنصوص عليها باتفاقية أضنة، لذلك فإن روسيا ضامنة النظام ستلعب دورا لتسهيل تطبيق الاتفاق».
واعتبر جاويش أوغلو أن أكبر بلدين في العالم (روسيا وأميركا)، قَبِلا بشرعية عملية «نبع السلام» التي نفذتها تركيا شرق نهر الفرات. وقال إن «التاريخ سجل اتفاقيتي تركيا مع أميركا وروسيا بخصوص سوريا على أنهما نجاح سياسي ودبلوماسي، مقاتلو الوحدات الكردية سينسحبون 30 كيلومترا من الحدود التركية نحو الجنوب (بما في ذلك القامشلي)، تمكنت تركيا في غضون 5 أيام من إبرام اتفاقيتين مع أكبر قوتين في العالم، يعدان مهمين جداً لأمننا القومي، وفي إطار المطالب المشروعة لأنقرة، لتبديد مخاوفها الأمنية».
وأكد الوزير التركي التزام بلاده باحترام وحدة الأراضي السورية أكثر من أي بلد آخر، وأضاف «سيتم الحفاظ على الوضع الراهن في هذا الوقت، حتى تحقيق حل سياسي». وحول عودة السوريين، قال جاويش أوغلو إنهم سيعودون عندما يشعرون أنهم في أمان، مشيرا إلى أن دول الجوار مع سوريا، تركيا ولبنان والأردن والعراق، تريد استضافة مؤتمر حول عودة اللاجئين، موضحا أن الموضوع له أبعاد كثيرة.
وأكد ضرورة تلقي ضمانات من النظام في سوريا في مناطق سيطرته كي يشعر اللاجئون السوريون بأنهم في أمان، مشدداً على أهمية مراقبة ذلك. وأوضح أن تركيا ستعمل مع روسيا بخصوص عودة اللاجئين، مضيفاً «قد يتطلب عقد اجتماع مانحين من ناحية تهيئة البنية التحتية الضرورية من أجل اللاجئين، لأن هذا ليس بالأمر الذي تقوم به تركيا وروسيا لوحدهما».
وذكر جاويش أوغلو أن التوازنات في سوريا تغيرت بالكامل من خلال عمليات «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، و«نبع السلام»، وأن هذا نتاج قوة تركيا ميدانيا وفي طاولة المفاوضات، واعترفت الأطراف كلها، بما في ذلك الدول الأوروبية، بشرعية العملية التركية رغم انتقاداتها. وتابع: «إذا كنتم موجودين على الأرض فأنتم موجودون أيضاً على الطاولة… وإذا كنتم أقوياء على الطاولة فإنكم لا تخسرون مكتسباتكم الميدانية».
وأشار جاويش أوغلو إلى أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، أكد له خلاله مغادرة جميع عناصر الوحدات الكردية من المنطقة، قائلا إن «تركيا ستتابع التطورات في إطار الاتفاق التركي الأميركي. نحن نقبل هذا الضمان المكتوب من الولايات المتحدة، لكن إذا ظهر في طريقنا عناصر من الوحدات الكردية فإننا سنعمل على تطهيرها».
————————–
وصفه ترامب بـ”الرائع”.. مظلوم عبدي يناور بين روسيا وأميركا
طالب أعضاء جمهوريون وديموقراطيون بمجلس الشيوخ الأميركي، وزارة الخارجية، بإصدار تأشيرة دخول لقائد “قوات سوريا الديموقراطية” مظلوم عبدي كوباني، بسرعة، حتى يتسنى له زيارة الولايات المتحدة لبحث الموقف في شمال شرق سوريا.
وكتب الأعضاء ليندسي غراهام، ومارشا بلاكبيرن، وكريس فان هولين، وجين شاهين، وريتشارد بلومنتال، لوزير الخارجية مايك بومبيو، الأربعاء يطالبونه بإصدار تأشيرة للقائد العسكري مظلوم كوباني.
وجاءت المطالبة بعد ساعات من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن وقف إطلاق النار في سوريا أصبح “دائماً”، وأنه قرر رفع العقوبات عن تركيا نتيجة لذلك. كما رفض ترامب الانتقادات الموجهة إليه بشأن قراره سحب القوات الأميركية من شمال سوريا.
وكان قائد “قسد”، قد شكر موسكو، في اتصال هاتفي، ليل الأربعاء، مع وزير الدفاع الروسي، على الاتفاق الذي أبرمته مع أنقرة، بشأن “التسوية” في شمال شرق سوريا ما “نزع فتيل الحرب” و”جنّب المدنيين ويلاتها”.
وقالت “القيادة العامة لقوات سوريا الديموقراطية” في بيان إنّ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ورئيس أركان الجيش الروسي فاليري غيراسيموف، أجريا اتصالاً متلفزاً بكوباني، الذي أبدى “تحفّظه على بعض بنود الاتفاق والتي تحتاج إلى نقاشات وحوارات بغية تقريب وجهات النظر”.
وفي موسكو قالت وزارة الدفاع الروسية إنّ كوباني “شكر روسيا الاتحادية والرئيس فلاديمير بوتين على حماية الشعب الكردي”.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية، أن شويغو أبلغ كوباني، أن وحدات الشرطة العسكرية الروسية التي تنتشر في المناطق السورية على حدود تركيا، وقوات حرس الحدود السوري، ستضمن أمن السكان المدنيين من الأكراد هناك، وبالتالي لا ضرورة لأن يغادروا هذه المناطق.
وذكرت الوزارة أن المكالمة التي شارك فيها أيضا رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف، تناولت سير تنفيذ الجانب الكردي للخطوات المنصوص عليها في مذكرة التفاهم بين موسكو وأنقرة.
وقالت الوزارة إن شويغو أبلغ كوباني بخطط لتوسيع مسارات الدوريات وزيادة عدد وحدات الشرطة العسكرية الروسية في منطقة الحدود بين سوريا وتركيا.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد قال في اتصال هاتفي مع عبدي، إن القوات التركية لن تجتاح عين العرب “كوباني” كما تعهد له بذلك نظيره التركي. وطمأن ترامب الجنرال عبدي، بحسب ما قاله نائب الرئيس الأميركي مايك بنس.
وأضاف عبدي، في “تويتر”، أن ترامب تعهد بمواصلة الدعم في “مجالات مختلفة”. في حين أورد المكتب الإعلامي لـ”قسد” نقلاً عن عبدي: “تحدثت للتو مع الرئيس ترامب وشرحت له الانتهاكات التركية للهدنة التي لم تكن لتتحقق لولا جهوده الكبيرة، ونشكر الرئيس ترامب على جهوده الدؤوبة التي أوقفت الهجوم التركي الوحشي والجماعات الارهابية ضد شعبنا”.
وتابع: “وعد الرئيس ترامب بالحفاظ على الشراكة مع قوات سوريا الديموقراطية والدعم طويل الأجل في المجالات المختلفة”.
ونشر الرئيس الأميركي، تغريدة، توجه فيها بالشكر للقائد العام مظلوم عبدي، على كلماته وشجاعته، وطلب منه نقل تحياته وأمنياته الطيبة للشعب الكردي معرباً عن تطلعه للقاء عبدي قريبا.
وقال ترامب: “تحدثت منذ قليل مع مظلوم عبدي، إنه شخص رائع. وأعرب عن شكره البالغ على ما فعلته الولايات المتحدة… وأكد أن تنظيم داعش في قبضة محكمة”.
المدن
——————
“فيلق المجد” يوقف عناصره المتهمين بالانتهاكات
اعلنت لجنة المتابعة والتحقيق في “الجيش الوطني” عن اعتقال عناصر من “فيلق المجد” التابع لـ”الجيش الوطني”، شاركوا في معركة “نبع السلام”، بعد انتشار مقطع مصور يظهر فيه أحد العناصر يهين جثث قتلى من “قوات سوريا الديموقراطية” في ريف تل ابيض الغربي، بحسب مراسل “المدن” محمد أيوب.
معاون وزير الدفاع في “الجيش الوطني” رئيس لجنة المتابعة والتحقق العميد حسن الحماده، قال لـ”المدن”، إنه بعد تلقي اللجنة مقطع الفيديو، قامت بالتقصي عنه، وتوصلت لتبعية أفراد المجموعة التي ظهرت فيه، وتم التواصل مع القائد المسؤول عنها لتسليم العناصر للشرطة العسكرية. وأكد أن التحقيق معهم سيتم من قبل قسم التحقيق التابع لإدارة الشرطة العسكرية، قبل إحالتهم للقضاء العسكري لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
الحماده، اوضح لـ”المدن”، ان الفيديو تم تصويره بعد تفجير “قسد” بسيارة مفخخة موقعاً كانت تتمركز فيه تلك المجموعة من “فيلق المجد” بالقرب من قرية الصليبة في ريف تل ابيض الغربي، وراح ضحيتها ثلاثة قتلى. وبعد ذلك، هاجمت مجموعة من “قسد” موقع التفجير، حيث تصدت لها قوات “الجيش الوطني”، وقتلت تلك المجموعة من العناصر التي تظهر جثثها في المقطع المصور.
الحماده دان تصرف عنصر من “فيلق المجد”، عندما دعس على جثة مقاتلة من “قسد”، واضاف: “نتيجة حرص الحكومة السورية المؤقتة ووزارة الدفاع الالتزام بالمعاهدات الدولية والقانون الدولي الانساني، تم تشكيل لجنة المتابعة والتحقق من اجل منع حصول تجاوزات، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات”، وأكد أن “اللجنة تقوم بدورها القانوني والاخلاقي والانساني على اتم وجه”.
وتهيب “اللجنة”، بحسب الحماده، بكافة عناصر “الجيش الوطني” بالالتزام التام بتعليمات القيادة وتوجيهات لجنة المتابعة والتحقق وادارة التوجيه المعنوي، منعاً لحدوث أي تجاوز.
مسؤول مكتب التصوير في “فيلق المجد” ابوالكرم الحلبي، أكد لـ”المدن”، إدانة قيادة “الفيلق” لتصرف عناصرها، واصفا إياه بـ”التصرف الفردي”. وقال ان الفيديو تم تصويره “بعد استشهاد ثلاثة من عناصر الفيلق نتيجة العملية واصابة 13 عنصر، وكان هذا التصرف عاطفياً بسبب الصدمة، بينما يلتزم الفيلق بتعليمات قيادة الجيش الوطني وتم تسليم المسيئين للشرطة العسكرية لتتخذ الاجراءات القانونية بحقهم”.
وعلمت “المدن”، أن هناك العديد من عناصر “الجيش الوطني” رهن الاعتقال لدى قيادة الشرطة العسكرية بسبب ارتكابهم تجاوزات وانتهاكات في مناطق عمليات “نبع السلام”، ما يدل على جدية قيادة “الجيش الوطني” في ردع الانتهاكات.
وفي السياق، قال الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود، لـ”المدن”، ان لدى الجيش خطة لنشر الشرطة العسكرية في مدينتي تل ابيض ورأس العين، خلال اليومين المقبلين، لضبط الامن وتلقي الشكاوى من الاهالي عن أي تجاوزات او انتهاكات بحقهم من أي جهة كانت، لتتم محاسبتها.
من جانب آخر، أوضحت مصادر في “الجيش الوطني” السوري المعارض، لـ”الأناضول”، أن 93 عنصراً منه قد قتلوا وجرح 357، في المواجهات مع “وحدات حماية الشعب” الكردية، ضمن عملية “نبع السلام”.
——————-
سوريا… من “الأسد للأبد” إلى “روسيا وبس“
موسكو تصبح اليوم الفاعل الوحيد والحقيقي في سوريا بعد الاتفاق مع تركيا.
دمشق – يثبّت الاتفاق الروسي التركي على انسحاب المقاتلين الأكراد من شمال سوريا روسيا كلاعب وحيد في سوريا باعتبار أن الاتفاق سيحد من أطماع تركيا العسكرية في البلاد هذا إضافة لانسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا.
ومثل الاتفاق مناسبة أخرى لتظهر فيها موسكو بمظهر المنقذ الذي يرتب الأمور في النزاع السوري وليظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صورة “الحاكم الفعلي لسوريا”، وهو ما يضعف صورة النظام ورئيسه بشار الأسد الذي كان أنصاره يرفعون حتى وقت قريب شعار “الأسد للأبد”.
وتزايد الحديث عن استفراد روسيا بسوريا منذ انسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا مطلع الشهر الحالي، لاسيما بعدما توسطت لإبرام اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والجيش السوري.
وينص الاتفاق الذي رعته موسكو بين قسد والنظام السوري على انخراط عناصر قسد في الفيلق الخامس الذي تقوده روسيا.
وأصبحت روسيا اليوم الفاعل الوحيد والحقيقي في المنطقة حيث يجني الكرملين الآن ثمار سياسته في سوريا منذ تدخله لإنقاذ النظام سنة 2015. ويقول مراقبون إنه “لم يعد بالإمكان تحريك أي عنصر من عناصر اللعبة دون موافقة بوتين”.
واتفقت روسيا وتركيا، الثلاثاء، على ضمان انسحاب القوات الكردية من مناطق سورية محاذية لتركيا إضافة إلى البدء بتسيير دوريات مشتركة.
ويعكس هذا التغير حقيقة أن تركيا، التي كانت تتطلع لأن تصبح القوة المهيمنة على “المنطقة الآمنة”، سيتعين عليها الآن مشاركة هذه الأراضي مع الأسد وبوتين اللذين قالا إن القوات التركية لا يمكنها البقاء في سوريا على المدى الطويل.
وقال يوري بارمين المختص بشؤون الشرق الأوسط في مركز أبحاث مجموعة موسكو للسياسات “الجزء الأهم من الاتفاق الروسي التركي هو وصول حرس الحدود السوري إلى الشمال الشرقي، وهو أمر كانت دمشق وروسيا تسعيان إليه منذ فترة طويلة”.
وعبرت قوات روسية، الأربعاء، نهر الفرات في سوريا متجهة إلى الحدود مع تركيا في إطار الاتفاق الروسي التركي. وقالت وزارة الدفاع إن “رتلا للشرطة العسكرية الروسية عبر الفرات في اتجاه الحدود السورية-التركية ظهر اليوم”.
وأضافت أن الشرطة العسكرية “ستساعد في انسحاب وحدات حماية الشعب (الكردية) وإزالة سلاحها على عمق 30 كلم” في القسم الأكبر من شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا.
وحذرت روسيا قوات وحدات حماية الشعب الكردية السورية من أنها ستواجه صراعا مسلحا جديدا مع تركيا إذا لم تمتثل لمطالب بانسحابها من كامل حدود سوريا الشمالية الشرقية مع تركيا.
تعكس هذه التطورات سرعة وتيرة التغيرات في سوريا منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الشهر سحب قواته من الشمال السوري مما هز التوازن العسكري في منطقة تمثل ربع مساحة البلاد.
مراقبون يرون أنه لم يعد بالإمكان تحريك أي عنصر من عناصر اللعبة دون موافقة بوتينمراقبون يرون أنه لم يعد بالإمكان تحريك أي عنصر من عناصر اللعبة دون موافقة بوتين
وأشاد الرئيس الأميركي، الأربعاء، بالاتفاق الذي توصلت إليه تركيا وروسيا لإخراج المقاتلين الأكراد من المنطقة على الحدود بين سوريا وتركيا، ووصفه بـ”النجاح الكبير”.
وواجه ترامب انتقادات شديدة لقراره المفاجئ سحب القوات الأميركية من شمال سوريا ما مهد لتركيا شن هجوم ضد الأكراد الذين كانوا حلفاء واشنطن في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.
وتسعى روسيا لاستغلال ارتباك واشنطن لسحب القوات الأميركية من مواقع أخرى في سوريا.
وأكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف أن موسكو تتوقع من الولايات المتحدة إغلاق قاعدتها العسكرية المتبقية في جنوب سوريا.
وشدد ريابكوف على ضرورة مغادرة القوات الأميركية من القاعدة الموجودة في التنف قرب الحدود الأردنية.
واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي في تصريحات إعلامية، الأربعاء، أن التواجد الأميركي غير الشرعي في سوريا يجب أن ينتهي للسماح للحكومة السورية باستعادة السيطرة كاملة على البلاد.
في المقابل يحاول الاتحاد الأوروبي الخروج من السلبية التي طبعت موقفه من النزاع السوري بقيادة ألمانيا التي اقترحت إنشاء منطقة آمنة تحت إشراف دولي وهو ما رفضته موسكو.
وذكرت وكالة ريا نوفوستي للأنباء، الأربعاء، نقلا عن وزارة الشؤون الخارجية الروسية أن روسيا لا ترى حاجة لإقامة منطقة آمنة تحت إشراف دولي في شمال شرق سوريا.
——————
مصدر: “الوطني السوري” ينتزع مواقع من “قسد” في الرقة
سيطر “الجيش الوطني السوري” على قرى ومزارع في الريف الشمالي لمدينة الرقة، بعد اشتباكاتٍ مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، رغم أن تركيا مازالت تؤكد التزامها تعليق إطلاق النار بين الطرفين بناءً على تفاهم تركي ـ أمريكي يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر، تنسحب بموجبه قسد من “المنطقة الآمنة” خلال مدّة 5 أيام.
وقالت مصادر عسكرية لـ بروكار برس، إنّ قوات “الجيش الوطني” سيطرت على قرى وبلدات الحلوية والخفية والبو عاصي جنوب غرب تل أبيض، في الريف الشمالي للرقة.
بدوره، أعلن قائد “قسد” مظلوم عبدي، أنّ الأتراك والفصائل السورية التابعة لهم يواصلون شنّ هجماتهم على الجبهة الشرقية لسير كاني.
في حين حثّ مدير المكتب الإعلامي لـ قسد، مصطفى بالي على مراقبة وقف إطلاق النار المتّفق عليه، ودعا في تغريدةٍ على حسابه في تويتر، إلى محاسبة منتهكي الاتفاق.
ولم تعلن قسد عن خسارتها اليوم لأي منطقة حتّى لحظة كتابة الخبر.
روسيا تعزز وجودها شمال شرقي سوريا وتتحدث عن «انسحابات كردية»
موسكو تطلب مغادرة الجنود الأميركيين من شرق الفرات
انسحبت القوات الكردية من مواقع عدة في شمال شرقي سوريا حدودية مع تركيا؛ تطبيقاً لاتفاق أبرمته موسكو وأنقرة مكّنهما من فرض سيطرتهما مع دمشق على مناطق كانت تابعة للإدارة الذاتية الكردية، في وقت بدأت موسكو تسيير دورياتها شمال شرقي سوريا وأعلنت عزمها إرسال المزيد من قوات الشرطة العسكرية لسوريا خلال أيام.
وبدأت القوات الروسية الأربعاء بموجب الاتفاق تسيير أولى دورياتها في المناطق الشمالية قرب الحدود مع تركيا، لتملأ بذلك فراغاً خلفه انسحاب القوات الأميركية، في وقت نوّه الرئيس دونالد ترمب بالاتفاق الروسي – التركي.
ويقضي الاتفاق الذي توصلت إليه روسيا وتركيا بانسحاب القوات الكردية من منطقة حدودية مع تركيا بعمق 30 كلم وطول 440 كلم؛ ما يعني تخلي الأكراد عن مدن رئيسية عدة كانت تحت سيطرتهم.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية، الخميس «انسحبت (قوات سوريا الديمقراطية) من ست نقاط بين الدرباسية وعامودا في ريف الحسكة عند الشريط الحدودي مع تركيا».
ولا تزال القوات الكردية تحتفظ بمواقع جنوب الدرباسية، وفق «المرصد». وأفاد عن اشتباكات بين «قوات سوريا الديمقراطية» وفصائل سورية موالية لها قرب بلدة تل تمر في الحسكة (شمال شرق).
ويتعيّن على الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري بموجب الاتفاق الذي تم توقيعه في سوتشي في روسيا، «تسهيل انسحاب» «قوات سوريا الديمقراطية» التي تعد الوحدات الكردية عمودها الفقري، مع أسلحتها من المنطقة الحدودية، خلال مهلة 150 ساعة، تنتهي الثلاثاء.
وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» انسحبت في وقت سابق هذا الأسبوع من منطقة حدودية ذات غالبية عربية تمتد بطول 120 كلم من رأس العين حتى تل أبيض، على وقع تقدم أحرزته القوات التركية والفصائل الموالية لها في إطار هجوم بدأته في التاسع من الشهر الحالي.
وترغب تركيا في مرحلة أولى في إقامة «منطقة آمنة» بين رأس العين وتل أبيض تنقل إليها قسماً كبيراً من 3.6 مليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيها منذ اندلاع النزاع في عام 2011.
وبموجب اتفاق سوتشي، ستبقى هذه المنطقة تحت سيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، بخلاف المناطق الحدودية الأخرى، حيث ستسيّر تركيا وروسيا دوريات مشتركة.
ومنذ بدء تركيا هجومها، فرّ أكثر من 300 ألف مدني من بلداتهم وقراهم الحدودية، وفق الأمم المتحدة، في وقت تبدو عودة الأكراد منهم على الأرجح صعبة.
وتعد تركيا الوحدات الكردية منظمة «إرهابية» وامتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود. وراهن الأكراد على أن يكون لتضحياتهم في قتال تنظيم «داعش» بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، ثمن في المقابل. لكن عوض دعم مشروعهم السياسي، بدأت الولايات المتحدة في الانسحاب من سوريا، واضعة بذلك حداً لطموحات الأقلية الكردية في سوريا بالحكم الذاتي.
وأشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي واجه قراره سحب قواته من شمال سوريا انتقادات شديدة واتُهم بتخليه عن الأكراد، بالاتفاق الروسي – التركي الأربعاء.
وفي كلمة في البيت الأبيض، اعتبرت إعلاناً رسمياً عن تخلي بلاده عن المنطقة التي كان لواشنطن تواجد عسكري فيها مع المقاتلين الأكراد لصالح تركيا وروسيا، قال ترمب «لندع الآخرين يقاتلون» من أجل البلد «الملطخ بالدماء».
ويشير ترمب على الأرجح إلى روسيا التي كرّست باتفاقها مع تركيا نفسها، وفق محللين، كصاحبة اليد الطولى في سوريا، دعماً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وتحتفظ الولايات المتحدة، وفق ما قال ترمب، بقوات لها في شرق سوريا، حيث بدأت قوات النظام الانتشار بدعوة كردية مؤخراً من دون أن تستلم زمام الأمور ميدانياً بشكل كامل. وقال ترمب «ضمنا أمن النفط. وبالتالي، سيبقى عدد محدود من الجنود الأميركيين في المنطقة، حيث النفط».
ويشكل استعادة شمال وشرق سوريا أولوية بالنسبة إلى دمشق؛ كون المنطقة غنية بحقول النفط الغزيرة والسهول الزراعية.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) الخميس، أن أرتالاً جديدة من الجيش السوري دخلت الخميس ريفي الرقة (شمال) والحسكة (شمال شرق) لتعزيز انتشاره في شمال شرقي البلاد.
وطالبت روسيا الخميس بمغادرة أي جنود أميركيين باقيين، متهمة الولايات المتحدة بأنها قوة احتلال في الدولة التي مزقتها الحرب والواقعة في الشرق الأوسط.
وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الحكومية (تاس): «بالنسبة لوجود جنود أميركيين، فإن
موقفنا معروف جيداً. وجود الوحدات الروسية في سوريا هو فقط الشرعي بدعوة من القيادة السورية». وأعلنت وزارة الدفاع الروسية الخميس عزمها إرسال المزيد من قوات الشرطة العسكرية لسوريا خلال أيام. وذكرت الوزارة اليوم أنها تعتزم نقل 276 من رجال الشرطة العسكرية الروسية، و33 وحدة من المعدات العسكرية إلى سوريا في غضون أسبوع، وذلك «في ضوء التحديات الجديدة».
ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن الوزارة القول، في بيان، إنه «سيتم نشر كتيبتين من الشرطة العسكرية في سوريا في غضون أسبوع». وقالت الوزارة: «لا يوجد الآن قتال حقيقي في سوريا، كل شيء متوقف».
ومن المتوقع أن تشارك الشرطة العسكرية الروسية في عملية انسحاب الأكراد من شمال سوريا، وفقاً لما تم الاتفاق عليه مؤخراً بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان.
ومن بين أهم ما اتفق عليه الجانبان، الإبقاء على الوضع الراهن بمنطقة عملية «نبع السلام» التركية الأخيرة، التي تغطي تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كلم داخل الأراضي السورية.
واتفق الجانبان أيضاً على بدء مهلة 150 ساعة، بدأت ظهر أمس، لتدخل الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري إلى الجانب السوري من الحدود السورية – التركية، خارج منطقة عملية «نبع السلام»؛ بغية تسهيل إخراج المسلحين الأكراد وأسلحتهم حتى عمق 30 كلم من الحدود السورية – التركية.
—————
الخطة الألمانية لإقامة منطقة آمنة تحظى بتأييد أنقرة وواشنطن
طرحت وزيرة الدفاع الألمانية على حلف شمال الأطلسي اقتراحا لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا أمس الخميس وحظيت بدعم تركيا والولايات المتحدة لكن الأمين العام للحلف أشار إلى أنها قد تتطلب مشاركة الأمم المتحدة.
وقال دبلوماسيون لوكالة رويترز إن الوزيرة أنيجريت كرامب كارينباور أبلغت حلفاء بلادها بأن إقامة منطقة تتم السيطرة عليها دوليا يتطلب أيضا مشاركة روسيا، القوة المهيمنة حاليا في سوريا، حتى يتسنى بذلك حماية المدنيين النازحين وضمان استمرار قتال تنظيم الدولة.
وأكدت الوزيرة في اجتماع لوزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي في بروكسل على أن مهمة تنفيذ دوريات على الحدود التركية السورية لا يمكن أن تترك لموسكو وأنقرة فحسب وقالت للصحفيين “الوضع الحالي غير مرض”.
وذكرت كرامب كارينباور إنها تلقت تطمينات من أنقرة على أن العمليات العسكرية التركية لن تسفر عن “إعادة توطين جماعية للسكان أو تطهير عرقي”.
وأضافت للصحفيين “اتفاق سوتشي لم يجلب السلام ولا يوفر أساسا لحل سياسي على المدى الطويل. نبحث عن حل يشمل المجتمع الدولي”. في إشارة منها إلى الاتفاق التركي الروسي الذي نص على إبعاد قسد 30 كليومترا عن الحدود بمساعدة موسكو.
وحظيت خطة الوزيرة الألمانية بترحيب تركيا ووزير الدفاع الأميركي مارك إسبر والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج.
وقال دبلوماسي من الحلف “من الضروري إجراء المزيد من المحادثات لكن الوزير التركي قال إنه منفتح على الاقتراح” في إشارة لمحادثات ثنائية بين وزيرة الدفاع الألمانية ونظيرها التركي خلوصي أكار الذي أطلع كل وزراء دفاع الحلف على عمليات بلاده العسكرية في سوريا.
وقال دبلوماسي آخر إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يمكنها أن تناقش الخطة مع نظرائها من تركيا وبريطانيا وفرنسا في قمة للحلف تعقد في لندن في الرابع من كانون الأول.
وقال ستولتنبرج إنه ليس هناك دعوة لوجود بعثة للحلف في شمال سوريا وأضاف أن ما يعرفه هو أن الأمر قد يحتاج “لإجراءات في الأمم المتحدة”.
وتابع قائلا “بالطبع ليس من الممكن القول اليوم إذا ما كان الأمر سهلا أم شديد الصعوبة ولذلك أعتقد أن هذا الاقتراح يجب أن تجرى مناقشته بمزيد من التفصيل”.
وقال إسبر قبل اجتماع الحلف إنه يدعم الاقتراح الألماني على الرغم من أنه لم يمعن النظر في تفاصيله بعد مشيرا إلى أن واشنطن لا تعتزم المشاركة بقوات برية. وأضاف إسبر “أعتقد أن الأمر مقبول. أعتقد أنه من الجيد أن تلك الدول تريد المشاركة في تحسين الأمن في هذا الجزء من العالم”.
الشرطة العسكرية الروسية تواصل الانتشار على الحدود السورية التركية
عدنان أحمد
اعتبرت تركيا أن اتفاقها مع روسيا بشأن مناطق شمالي سورية يُنفذ بشكل طبيعي، فيما تواصل قوات النظام السوري والشرطة العسكرية الروسية الانتشار في بعض المناطق هناك وسط احتكاكات محدودة مع قوات المليشيات الكردية الموجودة في المنطقة.
وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار اليوم السبت، إن الاتفاق “يسير بشكل طبيعي، ووفق ما هو مخطط له، ومهلة 150 ساعة في إطار الاتفاق، تنتهي الساعة السادسة من مساء يوم 29 من أكتوبر تشرين الأول الحالي”، مضيفاً في تصريحات نشرتها وكالة “الأناضول”: “نتابع الأحداث عن كثب حتى ذلك الوقت، وسنقوم باللازم بعد تقييم المستجدات”.
وكان الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، قد اتفقا في 22 الشهر الجاري على سحب كل القوات الكردية من الشريط الحدودي لسورية بعمق 30 كيلومترًا، خلال 150 ساعة، إضافة إلى سحب أسلحتها من مدينتي منبج وتل رفعت بريف حلب.
وبموجب هذا الاتفاق، انتشر رتل عسكري روسي في الريف الغربي لمدينة عين العرب (كوباني) شمالي سورية على الحدود التركية، وذلك عقب انتشار قوات روسية أخرى في وقت سابق داخل المدينة، فيما سيرت القوات الروسية دوريات عند الشريط الحدودي مع تركيا بريف منطقة الدرباسية.
وانتشر صباح اليوم رتل كبير تابع لقوات النظام والقوات الروسية مؤلف من مئات الآليات المزودة بمعدات عسكرية ولوجستية وأكثر من 2000 جندي، على طريق الحسكة – حلب المعروف باسم m4 .
وقالت مصادر محلية أن تلك القوات التي ترافقها قوات روسية قدمت من الطبقة نحو عين عيسى واتجهت نحو طريق الحسكة، حيث بدأت في الانتشار على الطريق، ووضع حواجز ونقاط عليه مشيرة الى أن هذا الرتل يعد الأكبر من نوعه منذ الاتفاق بين النظام السوري والإدارة الذاتية الكردية والاتفاق الروسي – التركي، كما أن عملية الانتشار هذه هي الأضخم منذ انتهاء وجود قوات النظام في المنطقة قبل 5 أعوام.
كما انتشرت الليلة الماضية وحدات من قوات النظام السوري في قرية أم الكيف الواقعة على طريق تل تمر – رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، في حين تواصل قوات النظام انتشارها بريف مدينة القامشلي.
كذلك وصلت قوات من النظام برفقة قوات روسية يوم أمس إلى قرية الجرن بريف تل أبيض. وفي الوقت نفسه، تستمر الاشتباكات بوتيرة متقطعة بين “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في أرياف رأس العين وتل تمر، وتل أبيض.
كما دارت اشتباكات مساء أمس بين “مجلس منبج العسكري” التابع لقوات “قسد” و”الجيش الوطني” على محور أم عدسة شمال غرب منبج، فيما ألقت طائرات تركية منشورات ورقية على القرى والبلدات التي باتت تحت سيطرتها بريف تل أبيض تحذر السكان من حيازة السلاح، وتطالبهم بالإبلاغ عن “الإرهابيين” في حال ملاحظتهم.
وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قصفت القوات التركية بالصواريخ مواقع سيطرة القوات الكردية في كل من مطار منغ العسكري، وقرية مرعناز بريف حلب الشمالي، فيما قصفت القوات الكردية المتمركزة في قرية مرعناز مدينة إعزاز الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” بريف حلب الشمالي.
كما ذكر المرصد أن رتلاً عسكرياً أميركياً دخل الأراضي السورية بعد منتصف ليل الجمعة – السبت، من معبر سيمالكا قادماً من شمال العراق واتجه نحو النقاط الأميركية بمحافظة دير الزور، مشيراً إلى أن الرتل يتكون من عشرات الآليات التي تحمل معدات عسكرية ولوجستية، وذلك على الرغم من القرار الأميركي بالانسحاب من سورية.
————-
أنقرة ترفض اتهامات “العفو الدولية”: مزاعم العودة القسرية “كاذبة“
رفضت مصادر دبلوماسيّة تُركيّة اتّهامات منظمات دولية بترحيل لاجئين سوريين فيها قسراً إلى الأراضي السورية قبل شهور، وقالت المصادر إنّ “المزاعم بعمليّات العودة القسريّة ليست صحيحة”. وأضافت أنّ “أحداً لم يُجبر على توقيع أيّ وثيقة، هذا غير وارد”. وأردفت أنّ تركيا تريد أن يعود اللاجئون إلى سوريا بـ”طريقة طوعيّة وآمنة وتحفظ كرامتهم”.
ورفض المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة التركيّة حامي أكسوي، الاتّهامات، وقال في بيان إنّ “المزاعم الواردة في التقرير حول إعادة السوريين قسرا والتهديد وإساءة المعاملة كاذبة ووهمية”. وأضاف “تركيا تريد أن يعود اللاجئون إلى سوريا بطريقة آمنة وكريمة، وتعتقد أنّ هذه العمليّة يجب أن تتمّ وفق القانون الدولي”. وشدّد أكسوي على أنّ تركيا تلتزم “بدقّة” مبدأ “عدم الإعادة القسريّة” ولم تُغيّر نهجها.
وتستضيف تركيا حاليا نحو 3.6 مليون لاجئ فروا من الحرب السورية، ولكن مع تنامي الاستياء العام تجاههم بمرور الوقت تأمل أنقرة في إعادة توطين ما يصل إلى مليوني شخص في المنطقة الآمنة المزمع إقامتها في شمال شرق سوريا. وتقول أنقرة إن أكثر من 350 ألف لاجئ سوري عادوا بالفعل طوعاً إلى بلادهم.
وكانت منظّمتا “العفو الدوليّة” و”هيومن رايتس ووتش”، قد اتهمتا أنقرة، الجمعة، بأنّها رحّلت سوريين قسراً إلى بلدهم خلال الأشهر التي سبقت إطلاق عمليّتها العسكريّة في شمال شرق سوريا.
واتّهمت المنظّمتان في بيانين منفصلين تركيا بإجبار سوريّين على توقيع وثائق تفيد بأنّهم يريدون العودة “طوعاً” إلى سوريا، وذلك عبر “الخداع أو الإكراه”.
وقالت منظّمة العفو إنّ عناصر من الشرطة التركيّة ضلّلوا سوريّين بالقول لهم إنّ توقيع الوثيقة، المكتوبة باللغة التركية التي لا يُمكن لكثيرين قراءتها، يعني أنّهم يُعربون عن رغبتهم بالبقاء في تركيا أو لتأكيد “استلامهم بطّانيّة”.
وقالت الباحثة المعنيّة بحقوق اللاجئين والمهاجرين في منظّمة العفو آنا شيا، إنّ “عمليّات العودة لا تعدّ حتّى الآن آمنة وطوعيّة”. وأضافت “ملايين اللاجئين الآخرين من سوريا عرضة (الآن) للخطر”، داعيةً إلى “وضع حدّ لإعادة الأشخاص قسراً”.
وأعلنت المنظمة أنّها وثّقت “20 حالة تمّ التحقّق منها”، لكنّها رجّحت أن يكون العدد “بالمئات خلال الأشهر القليلة الماضية”.
من جانبها، ذكرت هيومن رايتس ووتش أنّها جمعت شهادات 14 سورياً أكّدوا أنّهم رحّلوا بين كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر إلى محافظة إدلب.
—————-
الاتفاق الروسي-التركي: “يسير بشكل طبيعي”..و”يضمن حقوق الجميع“!
أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن الاتفاق الذي توصلت إليه بلاده مع روسيا حول الشمال السوري “يسير بشكل طبيعي ووفق ما هو مخطط له”.
وجاء ذلك خلال تصريحات للصحافيين في ممثلية تركيا الدائمة لدى حلف شمال الأطلسي، عقب اجتماع وزراء دفاع الحلف بالعاصمة البلجيكية بروكسل، مساء الجمعة. وقال أكار: “إن مهلة الـ150 ساعة في إطار الاتفاق، تنتهي الساعة 18.00 من 29 تشرين الأول”. وأضاف: “نتابع الأحداث عن كثب حتى ذلك الوقت، وسنقوم باللازم بعد تقييم المستجدات”.
وردّا على المزاعم المتعلقة بعملية “نبع السلام”، قال أكار إن “التطهير العرقي ليس كلاماً يُطلق جزافاً”. واستدرك: “الحديث عن مزاعم لا تمت للحقيقة بصلة في هذا الصدد أمر غير أخلاقي”.
وشدّد على أنه “لم يحدث على الإطلاق أي انتهاك لحقوق الإنسان، أو استخدام سلاح كيماوي أو ممارسات غير إنسانية خلال عملية نبع السلام”.
في حين أكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، أن الاتفاق المبرم مؤخرا بين روسيا وتركيا في سوتشي بخصوص شمالي سوريا، “يضمن حقوق جميع الأطراف التي ستنفذه”.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي، عقب لقائه نظيرته النروجية إينه إريكسن سوريدي، في مدينة كيركينيس بالنروج.
وأشار لافروف إلى دعم النظام السوري و”وحدات حماية الشعب” الكردية، للاتفاق الذي تم التوصل إليه في سوتشي، الثلاثاء. وقال الوزير الروسي: “بالطبع سيجري احترام حقوق جميع الأطراف التي ستنفذ الاتفاق”.
وتطرق إلى الاقتراح الألماني حول إنشاء منطقة آمنة تحت رقابة دولية شمالي سوريا، قائلًا إن “سيطرة الناتو على المنطقة الآمنة ليست فكرة جيدة. هناك اتفاقات روسية-تركية تدعمها دمشق يجب تنفيذها”.
وكانت وزارة الدفاع الروسية، قد أعلنت الجمعة، أن قوات من شرطتها العسكرية، سيّرت دورية جديدة على مسار جديد على الحدود السورية التركية، بموجب تفاهم أنقرة وموسكو بمدينة سوتشي.
وأفاد البيان أنه “بلغ طول الطريق الذي سارت فيها الدورية أكثر من 210 كم انطلاقا من مدينة القامشلي على الشريط الحدودي”. وأضاف أن الشرطة العسكرية الروسية تساعد في سحب عناصر “وحدات حماية الشعب” بأسلحتهم خارج نطاق عمق 30 كيلومتراً من الحدود التركية السورية.
————–
موسكو تتهم واشنطن بـ”سرقة” النفط السوري
قالت وزارة الدفاع الروسية إن نقل النفط السوري إلى خارج البلاد، يتم “تحت حراسة العسكريين الأميركيين”، ونشرت صوراً تم التقاطها بالأقمار الصناعية، قالت إنها لقوافل النفط تتجه إلى خارج سوريا.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف، تعليقاً على الصور التي نشرتها الوزارة، السبت: “تدل الصور التي قدمتها الاستخبارات الفضائية، أن النفط السوري كان يستخرج، تحت حراسة قوية من العسكريين الأميركيين، ويجري نقله بواسطة الصهاريج إلى خارج سوريا لتكريره، وذلك قبل وبعد دحر إرهابيي داعش شرقي الفرات”.
ونشرت وزارة الدفاع الروسية خريطة للحقول النفطية في سوريا وصوراً من أقمار صناعية، تم التقاطها في أيلول/سبتمبر.
وقال كوناشينكوف إن “ما تقوم به واشنطن الآن هو الاستيلاء على الحقول النفطية بشرق سوريا وبسط سيطرتها العسكرية عليها، أو ببساطة السطو والنهب على مستوى الدولة”.
وأشار إلى أن قيام واشنطن “بحماية الثروة النفطية السورية من سوريا وشعبها” يتعارض على حد سواء مع أعراف القانون الدولي والتشريعات الأميركية. وشدد على أن “كافة الثروات الباطنية الموجودة في الأراضي السورية تعتبر ملكاً للجمهورية العربية السورية، وليس لإرهابيي داعش ولا للحماة الأميركيين”.
وكانت وزارة الدفاع الأميركيّة قد أعلنت أنّها خطّطت لتعزيز وجودها العسكري في شمال شرق سوريا. وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، إن هدف واشنطن من تعزيزي قواتها المسلحة في سوريا هو منع وقوع حقول النفط السورية في يد تنظيم “الدولة الإسلامية” أو إيران أو قوى أخرى مزعزعة للاستقرار.
وتسيطر “وحدات حماية الشعب” الكردية، وقوات عسكرية تابعة للتحالف الدولي، على آبار النفط والغاز شرقي سوريا.
ومن المتوقع أن يبقى التحالف الدولي في عملياته الجوية شرقي سوريا، وأن تبقى قاعدة التنف بيد الولايات المتحدة، مع وجود عناصر من متعاقدين من شركات عسكرية خاصة قرب آبار النفط ومعامل الغاز السورية.
وعلى عكس الادعاءات الروسية، كان تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد قال إن القوات الكردية تبيع النفط والغاز إلى النظام السوري، بسعر 30 دولاراً للبرميل، وبعائد يومي إجمالي 420 ألف دولار، وشهري تحصل بالتالي شهرياً على نحو 12.6 مليون دولار، وسنوي 378 مليون دولار عدا عن عائدات الغاز.
وكانت “المدن” قد نشرت تقاريراً عن دور “شركة القاطرجي” كوسيط بين “داعش” والنظام، ولاحقاً بين “قسد” والنظام، في عمليات تمويل النظام بالمشتقات النفطية.
ولا تبدو عملية التهريب التي تحدثت عنها وزارة الدفاع الروسية منطقية، فالنفط الخام المنتج في مناطق سيطرة “قسد”، لا يجد من يشتريه فعلياً سوى النظام السوري، إذ يستحيل تصديره بالصهاريج إلى العراق الغني بالنفط، أو إلى تركيا خصم “قسد” الرئيسي. كما أن النظام يعاني من نقص حاد في المشتقات النفطية بعد تراجع الشحنات النفطية الإيرانية المقدمة عبر الخط الإئتماني بسبب العقوبات الدولية على نقل النفط الإيراني.
كما أن الجانب الروسي، الذي يتهم الأميركيين بسرقة النفط السوري، كان قد استولى على انتاج وصناعة الفوسفات، وعلى حق التنقيب عن الغاز والنفط في الساحل السوري، وعلى أهم القطاعات الانتاجية السورية. كما حصل الجانب الروسي، بعقود استئجار طويلة، على إدارة مرفأ طرطوس، وسط أنباء عن استثماره مطاري دمشق وحلب.
—————-
تل أبيض بريف الرقة.. كيف تبدو المدينة بعد سيطرة المعارضة؟
عمر يوسف-شمال سوريا
بعد أيام قليلة من المعارك العنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني السوري المدعوم بالقوات التركية، باتت مدينة تل أبيض بريف الرقة بعهدة المعارضة السورية ضمن العملية العسكرية المشتركة “نبع السلام”.
أطراف المدينة الواقعة قرب الحدود السورية التركية تشهد على ضراوة القتال والقصف، في حين يبدو المشهد وسط المدينة مختلفا تماما حيث تتوافد كل يوم أعداد من أهالي المدينة الذين نزحوا مع بدء المعارك في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
حميد البوظان وهو أحد النازحين العائدين إلى المدينة، عبّر للجزيرة نت عن ارتياحه وغبطته بعد نزوح دام قرابة عامين في تركيا، مشيرا إلى أنه يتلهف وأسرته لزيارة منزلهم والأهل والأقارب في تل أبيض.
ويقول البوظان إنه فضل النزوح على الجلوس تحت سلطة قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تقوم بالاعتقالات التعسفية للأهالي بين الحين والآخر.
بقايا صور
في إحدى كنائس المدينة لا تزال صور الزعيم الكردي المعتقل لدى السلطات التركية عبد الله أوجلان مركونة في زاوية صالة، في وقت تحمل فيه الجدران عبارات ورسومات خطتها الإدارة الذاتية للبرلمانية التركية من أصل كردي ليلى كوفن، التي أضربت عن الطعام في وقت سابق لإطلاق سراح أوجلان.
وتبدو حركة البيع والشراء في أسواق المدينة مقبولة بالمقارنة مع عدد السكان في المدينة الخارجة من المعركة الفاصلة، ويشهد فرن المدينة إقبالا ملحوظا من الأهالي.
يبدي السكان تفاؤلا حذرا مع الهدوء العام جراء توقف المعارك وإعلان قوات سوريا الديمقراطية نيتها الانسحاب مما باتت تعرف بالمنطقة الآمنة بشمالي سوريا، والتي حددت بعمق 30 كلم من الحدود مع تركيا، وفق التفاهمات الدولية الأخيرة.
الرائد يوسف حمود، وهو المتحدث باسم الجيش الوطني السوري (تابع للمعارضة) قال للجزيرة نت إن الوضع في تل أبيض يسير بشكل جيد على كافة المستويات الأمنية والاجتماعية ما عدا استهداف المدينة يوم الأربعاء بسيارة مفخخة أدى لإصابة عدد من الأشخاص بجروح.
وذكر حمود أن المحلات التجارية منذ اليوم الثالث لسيطرة الجيش الوطني فتحت أبوابها، كما تم تشغيل الأفران أيضا، في حين أن نسبة السكان تتزايد باستمرار وعودة النازحين من أهالي المدينة بلغت أكثر من 70% من نسبة السكان.
وأشار حمود إلى أن لقاءات عدة عقدت بين وجهاء المدينة وعائلاتها مع قيادات الفيلق الثالث في الجيش الوطني، وتم الاستماع للشكاوى والحديث عن بعض التجاوزات من قبل بعد العناصر، حيث تم تلافيها على الفور.
في حين تم تعيين رئيس للمجلس المحلي بالمدينة وهو الآن -وفق المتحدث- يكمل تسمية أعضاء المجلس من أهالي المدينة ومن كافة أطيافها.
وعن الوضع الميداني في المدينة، أفاد المتحدث باسم الجيش الوطني بأنه لا تزال هناك اشتباكات في محاولة من قوات سوريا الديمقراطية تنفيذ تسللات باتجاه قوات الجيش الوطني في محوري غربي وجنوبي تل أبيض.
تخوف السكان
ورغم خروج قوات سوريا الديمقراطية من المدينة، فإن حالة من الخوف لا تزال تنتاب بعض السكان خشية أعمال الانتقام والتفجيرات الانتحارية، ردا على سيطرة الجيش الوطني السوري على المدينة.
وكانت المدينة شهدت الخميس الفائت تفجيرا انتحاريا بسيارة مفخخة، يعتقد أن تكون قوات سوريا الديمقراطية وراءه، وهو ما تسبب في إصابة عدد من الأهالي بجروح.
يقول محمد العثمان من أهالي المدينة للجزيرة نت إن قوات سوريا الديمقراطية سوف ترسل المفخخات إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني لتنتقم من السكان، مستهدفة المدنيين الأبرياء.
ويرى العثمان أن على المدنيين الحذر وعدم التجمهر بكثافة، مطالبا القوى الأمنية في الجيش الوطني بتوخي الحذر ومراقبة السيارات والأشخاص المشبوهين في شوارع المدينة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ المدينة.
المصدر : الجزيرة
—————–
الأمم المتحدة: 30 ألف سوري عادوا إلى سوريا منذ بدء “نبع السلام“
أعلن مكتب الأمم المتحدة لـ تنسيق الشؤون الإنسانية، أن نحو 30 ألف نازح سوري عادوا إلى سوريا، منذ بدء العملية العسكرية “نبع السلام” المشتركة بين الجيشين التركي والوطني السوري.
وقال المتحدث باسم المكتب الأممي (ينس ليركيه) للصحفيين في مدينة جنيف السويسرية، أمس الجمعة، إنه “حتى 23 تشرين الأول… عاد 61.2 ألف شخص إلى مناطقهم، بمن فيهم 32 ألفاً إلى محافظة الحسكة و29 ألفاً إلى محافظة الرقة”.
وأضاف المتحدث أن “نحو نصف هؤلاء الأشخاص عادوا إلى المناطق الواقعة حالياً تحت سيطرة الجيشين التركي والوطني السوري، وتحديداً إلى تل أبيض وعين وسلوك في ريف الرقة”.
ولفت “ليركيه” إلى أن عدد النازحين في شمال شرقي سوريا كان يبلغ 139 ألف شخص، يوم 23 تشرين الأول الجاري، منهم 87 ألف شخص غادروا منازلهم في محافظة الحسكة، وأكثر مِن 35 ألفاً في الرقة، ونحو 17 ألفاً مِن سكّان حلب.
مِن جانبه، قال وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو)، إنه وفقاً لـ معطيات الأمم المتحدة فإن 30 ألف شخص بدؤوا بالعودة إلى ديارهم في المناطق التي جرت بها عملية “نبع السلام”، حسب ما ذكرت وكالة “الأناضول”.
يأتي ذلك، بعد عملية عسكرية أطلقها الجيشان التركي والجيش الوطني تحت اسم “نبع السلام” شرق الفرات، يوم الـ 9 مِن شهر تشرين الأول الجاري، قبل أن تتوصل تركيا وأميركا، يوم 17 تشرين الأول الجاري، إلى اتفاق وقف إطلاق نار (مدته 120 ساعة) لحين انسحاب “قسد” مِن الحدود، أعقبه اتفاق آخر بين تركيا وروسيا، يوم الأربعاء الفائت، يقضي بانسحاب “قسد” بأسلحتها، خلال 150 ساعة، مِن الحدود التركية مسافة 30 كم.
————-
معطيات جديدة أفرزتها عملية “نبع السلام” في دير الزور..آبار النفط و”جيش القرى“
أفرزت التطورات، التي أعقبت، بداية وتوقف عملية “نبع السلام” التركية، ضد قوات “قسد” شرق الفرات بسورية، عدداً من المعطيات الجديدة في محافظة ديرالزور، التي تنقسم فيها السيطرة، بين “قسد”، وقوات الأسد والميليشيات الإيرانية.
منع وصول قوات الأسد
تعد أولى المعطيات، هي ظهور مُعارضة واضحة من شرائح واسعة، في دير الزور، لعودة قوات الأسد، إلى مناطقهم، تحت أي تفاق يجري مع “قسد” على غرار التفاهمات، بشأن ريفي الحسكة والرقة، و قضت بتسلم قوات الأسد مناطق هناك، منها مطار الطبقة العسكرية جنوب غربي الرقة، وبلدة تل تمر شمال غرب الحسكة.
وحاول أهالي المناطق التي تسطير عليها “قسد”، في قسم ديرالزور المسمى محلياً بمنطقة الجزيرة، التعبير عن رفضهم، عبر مظاهرات رعتها العشائر العربية هناك، للمطالبة بتحييد نظام الأسد، وميليشيات إيران عن اتفاقات شرق الفرات.
وتوجد في الضفة اليسرى من نهر الفرات المسمات “الجزيرة”، أكبر حقول النفط في سورية، وهو حقل “العمر النفطي” الذي تتخذه حالياً قوات التحالف كقاعدة عسكرية، وهو يُعد دافعاً مهماً لقوات الأسد، للعبور من الضفة اليمنى التي تسمى “الشامية”، إلى اليسرى، حيث تتوزع هناك عدة آبار للنفط وعدداً من الحقول أهمها (الجفرة، التنك الورد)، وحقل كونيكو للغاز وتوليد الطاقة الكهربائية، وهي جميعها تخضع لسيطرة “قسد” حالياً.
وينطلق الأهالي من رفض عودة نظام الأسد، لمناطقهم مُجدداً، خشية عودة سياسة التنكل والقمع وملاحقة المطلوبين لأجهزة المخابرات، على اعتبار أن المنطقة خرجت عن سيطرة النظام منذ أكثر من سبع سنوات، إضافة إلى انخرط بعض أبناء العشائر في صفوف قوات “الجيش الوطني”، الذي قاتل مع الجيش التركي في عملية “نبع السلام”.
كما يُعد انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرقي سورية، بمقابل إبقاء القوات الأميركية في ديرالزور لحماية حقول النفط والتصدي لتنظيم “الدولة الإسلامية” وإيران، من أبرز التغيرات التي طرأت مؤخراً، وهذه وما أكده ترامب، بقوله إن واشنطن ستحتفظ بـ “عدد صغير” من القوات الأمريكية في سورية، لكنه لم يحدد المكان الذي سيتمركز فيه الجنود، أو عدد القوات التي يفكر فيها، بل اكتفى بالقول “سنحمي النفط.. وسنقرر ما الذي سنفعله به في المستقبل”، إضافة للحديث الأمريكي، عن بقاء قواتٍ في قاعدة التنف.
خطة جديدة لواشنطن
تُشير التقديرات الأولية إلى وجود خطة جديدة لواشنطن باستمرار التنسيق مع “قسد”، لحماية حقول النفط والغاز، وقطع يد قوات الأسد من الاقتراب إليها، أو الاستفادة منها، هذا فضلاً عن وجود مباحثات بين قادة العشائر العربية ،مع التحالف، وطلب ضمانات جدية بعدم عبور قوات الأسد لمناطقهم.
واعتبر محللون، أن انسحاب قوات “قسد” من الشمال إلى الجنوب نحو مناطق عمق ديرالزور، يأتي ضمن استراتيجية واشنطن لحماية حقول النفط، ومنع خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” من الاستيلاء على تلك الحقول، وسط معلومات ترجح محاولة التنظيم إعادة تشكيل نفسه مجدداً في المنطقة.
وضمن أحدث الترتيبات الجديدة للتواجد الأمريكي في ديرالزور، أكدت مصادر محلية لـ “السورية نت”، بدء التحالف الدولي بإنشاء قاعدتين جديدتين، الأولى قربة بلدة الباغوز، والثانية في مدينة الصور، ونوهت المصادر إلى وصول عدد من الجنود والعتاد إليها، وإنشاء مهبط للطيران المروحي.
إيران وميليشياتها
لم يكن الموقف الإيراني من “نبع السلام” موافقاً لتركيا، على الرغم من تأكيد الرئيس روحاني بتفهمه لضرورة حماية تركية لحدودها الجنوبية، لكن عقب انطلاق العملية العسكرية، دعت إيران، في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية، إلى “وقف فوري” للعملية العسكرية التركية، الأمر الذي لم يرق للجانب التركي، وهذا ما حدا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لانتقاد المواقف الصادرة من بعض المسؤولين الإيرانيين حيال عملية “نبع السلام”، وقال أردوغان في هذا السياق: “ثمة أصوات مزعجة تصدر من الجانب الإيراني، وكان ينبغي على السيد روحاني إسكاتها، فهي تزعجني أنا وزملائي”.
وتعمل إيران على ترسيخ قدمها أكثر في شرقي ديرالزور، عبر إنشاء مزيد من الميليشيات، وبالتالي فإن إيران تخشى من تعزيز القوات الأمريكية لتواجدها في ديرالزور، وهو ما يمثل ضرباً لمصالحها هناك، ومحاولتها المتكررة لدفع قوات الأسد، للعبور إلى مناطق “قسد” على الضفة المقابلة.
كما عملت إيران مؤخراً على تقوية ميليشياتها في الضفة اليمنى من نهر الفرات، وبالتحديد في مناطق قريبة من حقول النفط، عبر إعادة تشكيل خلايا تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، حيث تقاطعت المعلومات عن إنشاء إيران لميليشيا جديدة تحت اسم “جيش القرى” في مقره الرئيسي في مدينة الميادين، والتي تبعد عن حقل العمر النفطي مسافة 20 كم، إضافة إلى مقرات أخرى في قرية محكان، التي تبعد عن الميادين 5 كم باتجاه مدينة البوكمال الحدودية، معقل تجمع الميليشيات الإيرانية في دير الزور.
وتؤكد المعلومات أن “جيش القرى” هو خلايا محلية تنتشر في القرى، بذريعة الحفاظ على الأمن، وذلك تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، فيما ترى شبكة “عين الفرات” أن “تأسيس هذا الجيش سيساعد إيران في التحكم بدير الزور والسيطرة عليها دون ظهور علني للميليشيات الإيرانية تجنباً للاستهداف”.
————–
===================
مقالات
سقوط الجيوش السورية/ عمر قدور
انتهت العملية التركية المسماة “نبع السلام” إلى ما يمكن وصفه بسقوط مدوّ لطرفين سوريين مشاركين فيها. “الجيش الوطني”، وهو كيان يجمع فصائل موالية لأنقرة، كان إنشاؤه منذ البداية موجهاً ضد وحدات الحماية الكردية، ولا علاقة له بالتصدي لقوات الأسد، ناهيك عن مقاتلتها في أماكن سيطرتها. بصريح العبارة، كان هذا الكيان منذ استيلاده ساقطاً في أعين غالبية السوريين، وضمناً في أعين مناصريه الذين يدركون تبعيته المطلقة المخالفة لوطنيته المزعومة، وهناك نسبة عالية منهم تناصره بحكم ولائها لأردوغان ليس إلا.
وحدات الحماية الكردية سقطت عسكرياً مع رفع الغطاء الأمريكي عنها، وشهدنا تكراراً سريعاً لتجربة عفرين. الاستفادة الوحيدة من تلك التجربة هي في سرعة الانصياع للاتفاق الأمريكي-التركي، ما جنّبها وجنّب المدنيين خسائر فائضة لن تغيّر في النتيجة المقررة سلفاً. تصرفت قيادة وحدات الحماية بما يخالف قاعدتها الشعبية التي راحت تروّج لصمود ومقاومة يكلّفان أنقرة غالياً، واستعادتها العلاقة الدافئة مع الأسد هي بمثابة انتحار مؤجل، وتاريخ العلاقة بين الطرفين يؤشر إلى استعداده للتضحية بها وقت الحاجة، الاستعداد الذي لا يقل عن تلهفه لقمعها في كافة الأوقات.
قبل ذلك، من يذكر “الجيش الحر”؟ بصرف النظر عن كونه أشبه بتسمية مجازية، كانت هناك لوقت ما قيادة أركان تطرح نفسها ممثلة له، وبديلاً مستقبلياً عن قوات الأسد، وثمة فصائل تنسب نفسها إليه رغم استقلاليتها التامة، بما في ذلك استقلالية الحصول على الدعم المالي والإمدادات العسكرية. يوماً ما خرج رئيس الأركان ليطالب واشنطن بالسماح بوصول صواريخ مضادة للطائرات إلى فصائله، متعهداً بعدم وقوعها في أيدي فصائل إسلامية متطرفة. الضابط المنشق، الذي غابت سيرته بعد تنحيته من رئاسة الأركان، سيعاود الظهور تحت المظلة التركية إياها ولمناسبة العملية التركية شرق الفرات بعد أن لم يتبقّ أثر للجيش الحر.
أثناء استخدام اسم الجيش الحر، أنشئت جيوش تحت مسميات مختلفة، منها ما اتخذ الاسم صريحاً مثل جيش الإسلام، ومنها ما اكتفى بتسميات فصائلية. ما يجمع بينها أنها جميعاً نشأت على مفهوم الجيش التقليدي، وحازت أسلحة متوسطة وثقيلة تكون عادة في عهدة الجيوش. الأهم من ذلك أنها جميعاً بسطت سيطرتها على مساحات جغرافية، تتسع أو تضيق بحسب إمكانياتها، ووضعت قوانينها الخاصة في أماكن سيطرتها، أو تولت تنفيذ توجهاتها الاعتباطية على السكان من دون وجود قوانين صريحة ومعلنة.
بعد التقدم الذي أحرزته تلك الجيوش حتى خريف عام 2012، بدأت مسيرة الانحسار واستعادت قوات الأسد زمام المبادرة بدءاً من تأمين قوتها في دمشق ومحيطها. لن نستعيد السيناريو المعروف، والمعاركُ التي خيضت حتى وصل الحال إلى ما وصل إليه كانت معارك تقليدية بسمتها العامة، وكان لسلاح الجو الذي يحتكره الأسد وحلفاؤه الكلمة الفصل، وهو ما كان معروفاً ومتوقعاً طوال الوقت بسبب عدم وجود وسائل دفاع جوية لدى جيوش المعارضة.
تنبغي هنا الإشارة إلى أن جيش الأسد “الجيش العربي السوري” كان أول جيش يسقط في سوريا، بسبب زجه في مواجهة متظاهري الثورة. سقط أولاً بفعل الانشقاقات في صفوفه، ولم تنجُ منها سوى النواة الصلبة الأشبه بالميليشيات أصلاً مثل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة. وسقط ثانياً، رغم وجود تلك الميليشيات، حين لم يعد قادراً على مواجهة فصائل المعارضة رغم امتلاكه الجو، فاضطر للاستعانة بالميليشيات الشيعية ثم بالحليف الروسي. بالطبع كان هذا الجيش قد سقط أخلاقياً منذ إطلاقه أول رصاصة على المتظاهرين العزّل، وهذا السقوط الأخلاقي استئناف لمسيرة حكم البعث الذي أتى بانقلاب عسكري على سلطة منتخبة.
وحشية جيش الأسد إزاء المناطق الخارجة عن السيطرة معروفة جداً، بينما غير معروفة على نطاق واسع انتهاكاته الموجهة للسكان الواقعين تحت سيطرته، بمن فيهم من يُفترض أنهم موالون وداعمون له. الواقع أن الانتهاكات تترواح بين إذلال الناس على الحواجز المنتشرة بكثرة وبين عمليات قتل لأسباب غير سياسية، مروراً بعمليات سطو ممنهجة تقوم بها عادة الحواجز نفسها إما لتسهيل عبور الأشخاص أو البضائع، وفي الحالة الأخيرة يدفع ثمنها المستهلك مهما كانت ميوله السياسية. مثل هذه الانتهاكات شهدناها لدى عسكر آخرين خارج سلطة الأسد، بل باتت بمثابة نموذج رائج للتسلط والربح المالي.
ما نستطيع قوله أن الجيوش الخارجة عن سيطرة الأسد لم تقدّم نموذجاً مغايراً للعسكر عموماً، فنحن كنا طوال الوقت أمام عسكرة أشد وسياسة وتنظيم مدني أقل، وفي أحسن الأحوال يتبع التنظيم المدني العسكر مباشرة. الحالة الوحيدة التي كان فيها نوع من التكامل والانضباط المركزيين هي حالة وحدات الحماية الكردية والإدارة الذاتية المرتبطة بها، إلا أن اليد الطولى بقيت لوحدات الحماية وقادتها الذين يرسمون السياسات العامة، وكالعادة تكفلت سلطة العسكر باستهداف معارضيها وقمعهم، من دون أن نخوض في الانتهاكات الموجهة لغير الأكراد أو المرافقة للعمليات العسكرية.
في الحصيلة العامة، تتقاسم موسكو وطهران النفوذ على جيش الأسد، بينما أصبح ما تبقى من فصائل “معارضة” تحت النفوذ التركي، وتبدو وحدات الحماية حائرة بين الانضواء كلياً تحت سيطرة الأسد وحلفائه أو الإبقاء على أمل ضعيف يتعلق ببقاء المظلة الأمريكية على بعض أماكن تواجدها. هذه الحصيلة تأتي بعد خوض الكثير من المعارك التقليدية التي خلّفت خسائر باهظة في الأرواح والممتلكات، فوق الخسائر المعنوية المتعلقة بقضايا مثل الثورة السورية والمسألة الكردية، والخسائر تعني أولاً وأخيراً الجيوش الخارجة عن سيطرة الأسد، لأن جيش الأسد رفع منذ البداية شعار “الأسد أو نحرق البلد” وسار وفقه.
ةنخطئ إذا اعتبرنا الارتهان للخارج، ثم خسارة الرهان على الأخير، مآلاً غير متوقع لمسار هذه الجيوش التي لا تستند إلى قوى ذاتية كافية. المسألة هي في أصلها ونشأتها، فأي ميليشيا تقوم على مبدأ الجيوش التقليدية ستخوض الحروب بالمنطق ذاته حيث الغلبة للجيوش الأفضل تسليحاً، وحيث لا ينفع نبل قضية أو بسالة مقاتلين. لقد كان فشل خيار الحرب التقليدية واضحاً منذ سنوات، وما نشهده في نهاياتها لا يزيد عن كونه إمعاناً في تلقين الدرس الذي فات أوان الاستفادة منه من أجل الحاضر.
—————
المدن
السياسات الدولية في الصراع السوري بوصفها «ألعاب خفة»/ بكر صدقي
قال «الخبير» التركي في شؤون الصراع السوري «آكدوغان أوزكان»، تعليقاً على انسحاب القوات الأمريكية من سوريا: «إنها أكبر هزيمة عسكرية للولايات المتحدة منذ حرب فيتنام»! وذلك في معرض تعليقه على مقاطع فيديو صورت آليات أمريكية منسحبة باتجاه الحدود العراقية وهي تتلقى من غاضبين كرد مقذوفات من البندورة والبطاطا والحجارة.
نعم، يستطيع الإعلام، بمراسليه وخبرائه وصوره ومقالاته، أن يصنع انتصارات وهزائم قد لا تعكس أبداً واقع الحال. فالإعلام هو، في وجه منه، صانع سياسي من خلال تأثيره على الرأي العام، وليس مجرد مرآة تعكس الأحداث السياسية بدرجات متفاوتة من الأمانة. أحداث الأيام الأخيرة، بدءاً من مكالمة ترامب – أردوغان في السادس من الشهر الحالي، وصولاً إلى مذكرة التفاهم الروسية -التركية التي تم توقيعها في سوتشي، 22 منه، هي من النوع الذي يمكن تدريسه – مستقبلاً – في كليات الإعلام والسياسة. فقد صعد عدد من الحواة إلى المسرح ولعبوا أمامنا ألعاب خفة من نوع إخراج وردة من الأذن أو أرنب من القبعة أو قطع جسد امرأة بالمنشار.
6 ساعات من «المباحثات» بين بوتين وأردوغان أنتجت مذكرة تفاهم من عشر نقاط، فخرج منها كلا الطرفين رابحاً يبتسم. وقبلها «تباحث» وفد أمريكي، برئاسة نائب الرئيس بنس، مع الرئيس التركي، فأنتجا تفاهماً على موضوع المنطقة الآمنة التركية. في حين «سهلت» روسيا أمر تفاهم موازٍ بين النظام الكيماوي وقوات «قسد» في قاعدة حميميم. بهذه التفاهمات الثلاثة تم إرساء ستاتيكو جديد «شرقي نهر الفرات» كما يقال، ولهثت وسائل الإعلام لمواكبة هذه التطورات الكبيرة في الصراع السوري. ولكي «يكتمل النقل بالزعرور» على قول المثل السوري السائر، قام بشار الكيماوي بزيارة تحدٍ إلى تجمع لقواته في موقع هبيط في محافظة إدلب التي ما زالت «متنازعاً عليها» بين الروس والنظام وتركيا وهيئة تحرير الشام.
ثمة رواية تتشارك فيها جهات عدة، على رأسها محور الممانعة، تقول إن الولايات المتحدة حاولت إسقاط نظام بشار الكيماوي، من خلال دعم المعارضة، وفشلت في ذلك. تتكرر الآن الرواية نفسها بشأن تركيا التي «أفشلت» الولايات المتحدة في سعيها لإقامة دولة كردية في سوريا، وأرغمت الأمريكيين على سحب قواتهم من سوريا. إذا قرأنا أحداث الشهر الحالي من هذا المنظور فسوف نصل إلى نتيجة مفادها أن واشنطن خسرت، مقابل ربح تركيا وروسيا والنظام الكيماوي. و«يتعمق» خبراء في هذا التحليل فيقولون إن الولايات المتحدة لم تعد تلك القوة العظمى التي كانتها قبل عقدين من الزمان، ولم تعد كلية القدرة في تقرير مصائر العالم. حتى لو سلمنا بصحة هذا التقدير إلى حد ما، فهل روسيا أو تركيا هما من القوة بما يكفي لإفشال الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها؟ هل تعرضت واشنطن في سوريا حقاً «لأكبر هزيمة عسكرية منذ حرب فيتنام» كما زعم الخبير التركي المذكور في مطلع المقالة؟
في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، اتصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرئيس التركي طالباً منه فتح «كوريدور» على الأراضي التركية يسمح بمرور مقاتلين بيشمركة من إقليم كردستان في شمال العراق إلى مدينة كوباني المحاصرة من قبل قوات داعش. واستجاب الرئيس التركي فمرت قافلة لمقاتلي البيشمركة مع أسلحتهم عبر الأراضي التركية لمؤازرة مقاتلي «وحدات حماية الشعب» في كوباني، وذلك بعد أسابيع على إغلاق حدود تركيا المطلة على كوباني وتبشير الرئيس التركي بسقوط المدينة بين ساعة وأخرى.
لقد فعل الاتصال الهاتفي فعله السحري في أنقرة التي فتحت أراضيها أمام مقاتلين «أجانب» (حتى لا نقول «إرهابيين») ليؤازروا وحدات الحماية «الإرهابية» وفقاً للتوصيف التركي، في منطقة ملاصقة للحدود التركية.
الآن، اتصال هاتفي آخر بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس التركي نفسه، في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، «تمكن» فيها أردوغان من انتزاع الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي بغزو مناطق هي تحت الحماية العسكرية الأمريكية. علماً أن فتح الأراضي التركية لمرور البيشمركة إلى كوباني، في 2014، قد تم حين لم يكن هناك جندي أمريكي واحد على الأراضي السورية.
فقد بدأ دخول القوات الأمريكية إلى سوريا، أيضاً في شهر تشرين الأول/أكتوبر، عام 2015، أي بعد التدخل العسكري الروسي بفترة قصيرة جداً. واضح أن الهدف من ذلك كان موازنة القوة الروسية لكي لا تستفرد بمصير سوريا.
والآن ينسحب الأمريكيون بموجب قرار اتخذه الرئيس ترامب، منذ عام تقريباً، بدوافع تخص استراتيجيته الخاصة بسوريا، وليس خوفاً من البعبع التركي أو الروسي. كذلك يتعلق الأمر، في الحالتين، بالحرب على داعش: في 2015 كان الأمريكيون بحاجة إلى حليف ميداني وجدوه في «وحش» (قوات حماية الشعب) وبدأ عدد محدود من الخبراء العسكريين يتوافد إلى الأراضي السورية لمهمات تدريبية واستخبارية، ثم ارتفع عدد القوات، بالتدريج، وفقاً للحاجات، ومن ذلك تأمين مظلة حماية للحليف المحلي الذي بدأت تركيا تهدده. أما وقد تم تحقيق الهدف المتمثل في إزالة دولة البغدادي، على ما يرى ترامب، فقد آن الأوان لسحب تلك القوات من هناك وفاءً بوعده لناخبيه. مقاومة وزارة الدفاع والكونغرس لقرار ترامب لا تعني غير أنهما ينظران إلى الأمر من زاوية مختلفة عن زاوية نظر ترامب. أي الموقفين هو «الصحيح» من وجهة نظر المصالح القومية الأمريكية؟ هذا من شأن الأمريكيين أنفسهم. أما أن يتم تصوير الأمر على أنه هزيمة أمريكية وانتصار روسي أو تركي، فهذا ما يدخل في باب ألعاب الخفة.
دخلت القوات التركية إلى «شرق الفرات» في 9 من الشهر الجاري، والهدف المعلن هو إنشاء منطقة آمنة تمتد على طول الحدود المشتركة (480 كلم) وبعمق 32 كلم، خالية من قوات «وحش» وبناء مساكن لعودة مليوني لاجئ سوري. بعد مذكرتي التفاهم بين أنقرة من جهة، وكل من واشنطن وموسكو من جهة أخرى، تم اختصار المساحة المذكورة إلى 120 كلم طولاً، بين تل أبيض ورأس العين، و32 كلم عمقاً، وصولاً إلى الطريق الدولي (M4).
لفت الصحافي التركي فهمي كورو النظر إلى خريطة للمنطقة الآمنة التركية المفترضة، مطابقة تماماً لما سيتم التوصل إليه من تفاهمات بين أنقرة وواشنطن وموسكو، نشرها موقع «دبكا فايلز» الإسرائيلي المقرب من الموساد، في 9 تشرين الأول (أكتوبر)، أي في يوم بدء العملية العسكرية التركية!
كاتب سوري
المعارضة السورية: التفاهم التركي-الروسي “كارثي”!/ خالد الخطيب
يسود الجدل بين أطياف المعارضة حول بنود وثيقة الاتفاق التركي-الروسي، والتوقف المفاجئ للعملية العسكرية “نبع السلام” قبل تحقيق أهدافها المفترضة. وتطالب المعارضة وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” وقيادة “الجيش الوطني” بتوضيح سبب القبول بالاتفاق الذي وصفوه بـ”الكارثي”، والذي يضمن لمليشيات النظام الروسية سيطرة واسعة، ويبدد آمال العودة لمئات الآلاف من المهجرين والنازحين إلى مناطقهم في منبج وتل رفعت والرقة وديرالزور والحسكة شرقي الفرات.
“الجيش الوطني” صامت
صدرت تصريحات قليلة من قبل قادة “الجيش الوطني” حول الاتفاق التركي-الروسي، ومعظم التصريحات الصادرة تدعو للتريث وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام السوداوية حول الاتفاق، والتوقف عن وصفه بـ”الخسارة المدوية” للمعارضة وإنه يصب كلياً في مصلحة النظام. وعلى الأغلب ليس لدى الفصائل ولا وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” تفسيرات واضحة للبنود الواردة في الوثيقة المعلنة، لذلك تفضل الصمت وتمتنع عن التصريح بشكل رسمي، وتبدو عاجزة بالفعل عن طمأنة أنصارها الغاضبين. وهي في انتظار انقضاء مهلة 150 ساعة التي حددها الاتفاق لتنكشف بنوده، وإمكانية تطبيقه من عدمها.
المعارضة: الفصائل تتحمل المسؤولية
دعا ناشطون سوريون لوقفات احتجاجية في ريف حلب، الخميس والجمعة، وسيشارك فيها مُهجّرون من منبج وتل رفعت، لمطالبة تركيا بإيضاحات حول بنود الاتفاق وتوقف العملية العسكرية، وتوضيح مصير المناطق الحدودية شرقي وغربي الشريط تل أبيض-رأس العين، والمناطق العربية التي كان من المفترض أن تشملها “نبع السلام”.
ويبدو أن المعارضة هي الخاسر الأكبر من الاتفاق، ويبدو أنها صدمت بالفعل ببنوده، ولم تكن تتوقع أنها ستخسر الأمل الأخير في استعادة تل رفعت ومنبج بعد اعتراف الاتفاق بسيطرة مليشيات النظام الروسية عليها. وبسيطرة المليشيات على عين العرب لم يعد هناك إمكانية للاتصال البري بين مناطق سيطرة “نبع السلام” شرقي الفرات ومناطق ريف حلب.
وتُحمّلُ المعارضة الفصائل المشاركة في “نبع السلام” جزءاً كبيراً من المسؤولية لأنها كانت السبب في مكاسب النظام المفترضة. وتقول المعارضة إن الفصائل لا تتعلم من تجاربها السابقة، وكان من المفترض فتح محاور القتال في الداخل بالتزامن مع المحاور التي انطلقت من الجنوب التركي، لأن فرضية الانسحاب الأميركي المفاجئ واستغلال النظام لها كانت متوقعة، وكان من الممكن قطع الطريق على النظام. وقد تعرضت المعارضة للخديعة ذاتها في عملية “درع الفرات” عندما انسحب تنظيم “الدولة” أمام تقدم مليشيات النظام من المنطقة الصناعية شرقي المدينة ووصولها الى مشارف مدينة الباب ما أغلق الطريق على المعارضة ومنعها من التوغل جنوباً.
هل تبقى “الإدارة الذاتية”؟
من المفترض أن يضمن الاتفاق لتركيا انسحاب “وحدات حماية الشعب” الكردية من ريف حلب، ومن أهم معاقلها جنوبي عفرين وجنوب شرقي إعزاز ومن محيط مارع وصولاً إلى الأطراف الغربية من منطقة الباب. وستكون “الوحدات” بحسب الاتفاق مجبرة على سحب المظاهر المسلحة كاملة من 30 قرية وبلدة ومزرعة على الأقل، أكبرها في تل رفعت.
ويتوجب عليها الانسحاب من خطوط التماس مع المعارضة كاملة، والتي ستسلمها لمليشيات النظام الروسية. وسيبقى بامكان “الوحدات” الاحتفاظ بسلاحها في منطقة محدودة قرب مخيم الشهباء في فافيي وحاسين وتل قراح وتل شعير وتل جيجان وأطراف كلية المشاة.
وتطالب “الوحدات” بأن تبقى “الإدارات الذاتية” على وضعها الحالي في البلدات التي ستنسحب منها عسكرياً، تطبيقاً للاتفاق العسكري بين مليشيات النظام و”الوحدات” الذي يشمل مختلف مناطق سيطرة الأخيرة شرقي وغربي الفرات.
وترفض “الوحدات” الانسحاب من جبهات جنوبي عفرين وريف حلب عموماً، وتطالب باستثناء المنطقة من الاتفاق التركي-الروسي، وتطلب أن تبقى المنطقة خاضعة للاتفاق العسكري الذي شمل أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب والريف الشمالي بداية تشرين الأول/أكتوبر.
ومنذ صدور وثيقة الاتفاق صعّدت “الوحدات” عملياتها ضد المعارضة، ونفذت عمليات تسلل وقصف استهدف مواقع المعارضة والمدن والبلدات المدنية في ريف حلب، وقتلت 4 عناصر من “الجيش الوطني” في خطوط التماس الممتدة بين مارع واعزاز غرباً. واستهدفت المدفعية التركية مواقع “الوحدات” بعشرات القذائف المدفعية رداً على التصعيد.
ويشمل انسحاب “الوحدات” عسكرياً مناطق منبج غربي الفرات وعين العرب شرقه، وصولاً إلى أطراف مناطق سيطرة “نبع السلام” في تل أبيض، وإلى الشرق من رأس العين، وبعمق 32 كيلو متراً. وتطالب “الوحدات” أيضاً أن لا يشمل الانسحاب العسكري منبج لأنها تتخوف من تسليمها في مرحلة لاحقة لـ”الجيش الوطني”. وينص الاتفاق العسكري بين مليشيات النظام و”الوحدات” على عدم إقامة مقرات عسكرية للنظام داخل المدن والبلدات التي تريدها خاضعة لـ”الإدارة الذاتية” ضمن منطقة 32 كيلومتر، وكذلك في الرقة والطبقة وغيرها من مناطق العمق جنوباً، شرقي الفرات.
لم تشر وثيقة الاتفاق التركي-الروسي إلى الجهة التي من المفترض أن تسيطر في مناطق الـ32 كيلومتر التي سيشملها الانسحاب العسكري لـ”الوحدات”، ولا في منبج وتل رفعت. ولن تسمح تركيا ببقاء المنطقة تحت سلطة “الإدارة الذاتية” ولا تريد كذلك الاعتراف بسيطرة النظام. كما أن مطلب الإبقاء على “الإدارة الذاتية” لا يمكن أن تتنازل عنه “الوحدات” في الوقت الحالي، وربما يدفعها إلى رفض الالتزام بالاتفاق. وهو ما تراه المعارضة فرصة للنجاة من الاتفاق الكارثة الذي يصب في صالح النظام باعتباره الرابح الأكبر من الاتفاق.
رفض تطبيق الاتفاق من جانب “الوحدات” بالشكل الذي يُرضي تركيا، قد يدفع باتجاه استئناف المعركة، ولكن هذه المرة نحو منبج وعين العرب وتل رفعت، التي تتيح السيطرة عليها وصل منطقة “نبع السلام” شرقي الفرات بـ”درع الفرات” غربه، وهو تحرك قد تدعمه روسيا مقابل مكاسب لها في أماكن وملفات أخرى.
ادلب والاتفاق التركي-الروسي
على الرغم من التصريحات الروسية المتضاربة بشأن بنود الاتفاق إلا أنها لا تعكس الرؤية المشتركة الروسية-التركية. ويبدو أن تطبيق الاتفاق بين الجانبين سيكون على مراحل، والأهم في المرحلة الأولى إبعاد سلاح “الوحدات” من منطقة الـ32 كيلومتراً، والانتقال للمراحل التالية؛ حل “الإدارة الذاتية”، وتأسيس مجالس مشتركة، ومن ثم انسحاب مليشيات النظام من منبج وعين العرب وتل رفعت ومناطق سيطرة “الوحدات” في أطراف عفرين. في المقابل، قد تتقدم مليشيات النظام الروسية وتسيطر على منطقة خفض التصعيد في محيط ادلب، وتسيطر على ما تبقى من الطريق الدولي بين حلب وخان شيخون.
فرضية المقايضة، بدت واقعية بعد زيارة رئيس النظام بشار الأسد، إلى بلدة الهبيط جنوبي ادلب، والتي تزامنت مع اجتماع الرئيسين التركي والروسي. وخلال الزيارة استمع الأسد لشرح مفصل من القادة العسكريين حول العملية المحدودة المفترض انطلاقها في أي لحظة للسيطرة على منطقة خفض التصعيد. وفي الخريطة تمت الإشارة الى “هيئة تحرير الشام” بأنها هي التي تسيطر على المنطقة المفترض استهدافها. ومناطق العمق بحسب خريطة النظام، تخضع لسيطرة وزارة الدفاع في “المؤقتة” و”الجيش الوطني”. ومن المحتمل أن تكون المرحلة الأخيرة من التفاهم التركي-الروسي تنفيذ عملية عسكرية لـ”الجيش الوطني” في ادلب تستهدف “تحرير الشام”.
المدن
العملية التركية في شمال سوريا/ د.شفيق ناظم الغبرا
لم تأت العملية التركية في شمال سوريا والتي بدأت في 9 تشرين الأول (أكتوبر) من فراغ، فقد جاءت بعد أن نجحت إيران، وإن نسبيا، في هز صورة الولايات المتحدة عبر سلسلة عمليات لها في الإقليم، فالإقليم أمام موازين قوى جديدة ومتغيرة، لأن الولايات المتحدة تعيش لحظة تراجع نسبي لا تقل قيمة عن لحظة التراجع البريطانية في منطقة الخليج والعالم العربي في أعقاب إعلان خروج بريطانيا من منطقة الخليج في العام 1968.
لقد بدأ العد العكسي للدور الأمريكي العالمي، هذا ما تؤكده العملية العسكرية التركية في سوريا، والظروف التي تؤثر على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فبسرعة تراجعت الولايات المتحدة عن حمايتها للأكراد، وبنفس الوقت عندما ارتفعت الضغوط من الكونغرس على البيت الأبيض بسبب التخلي السريع عن الأكراد، سعت الإدارة الأمريكية لإقناع تركيا بوقف لإطلاق النار لخمسة أيام مقابل إقناعها الأكراد بالانسحاب من المنطقة وتسليم السلاح الثقيل. وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا لإنجاز ذلك الهدف. يمكن القول بأن الولايات المتحدة تداركت نفسها ولم تتخل عن الأكراد بالكامل، لكنها بنفس الوقت تفاعلت مع الأهداف التركية وسعت لوضع قيود عليها. وهنا يبرز التعقيد الجديد في سوريا. لقد نجحت تركيا في تعزيز مكانتها في الملف السوري دون أن يعني ذلك تحقيقها حتى الآن لكل أهدافها، ودون أن يعني ذلك خروجا شاملا للولايات المتحدة من الوضع السوري. مازال للدور الأمريكي مكان، لكنه تراجع بصورة واضحة نسبة لما كان عليه الحال قبل العملية التركية.
لقد جاءت العملية العسكرية التركية في شمال سوريا بعد سنوات من التدمير الممنهج لسوريا، إذ مارس النظام السوري قمعا شديدا بحق شعبه، وانتهى الأمر بمقتل مئات الألوف من أبناء وبنات الشعب السوري، وتحول ملايين السوريين نحو اللجوء، وقد وصل لتركيا نحو 3.5 مليون سوري. وقد أدى الوضع السوري منذ بداياته للتدخل الخارجي، إذ تدخلت إيران بعد اهتزاز قواعد النظام السوري بعد ثورة 2011. وعندما فشلت إيران في تحقيق ذلك تدخلت روسيا لحماية النظام من السقوط، وقد قامت عدة دول خليجية بدعم فئات مختلفة من المعارضة المسلحة وذلك بعد أن تسلحت الثورة السلمية بفضل انشقاقات الجيش السوري الذي رفض الكثير من عناصره إطلاق النار على المتظاهرين السلميين في 2011.
وقد كانت التوقعات تشير في خضم كل التدخلات الخارجية في سوريا لإمكانية تدخل تركيا مثلا في العام 2015 او 2016، لكن تركيا انتظرت. إن العملية التي بدأت في 9-10 من هذا الشهر لم تكن لتقع بهذا المستوى لولا خسائر الرئيس أردوغان السياسية والانتخابية بسبب أثر المشكلة السورية على تركيا (اللاجئين، الامن، الاقتصاد)، وبسبب علاقة أكراد سوريا بأكراد تركيا عبر الحدود، فقيادة قوات سوريا الديمقراطية الكردية الطابع في الجانب السوري والتي تدعمها الولايات المتحدة في أغلبها قيادات كردية تركية.
وبسبب حجم العملية العسكرية، أدانت جامعة الدول العربية العملية التركية، لكن العملية التركية لم تأت من فراغ، ومن يقرأ إدانة الجامعة العربية سيشعر أن الجامعة خرجت من الحدث ولا علاقة لها بالواقع. إن التدخل التركي هو بالفعل تدخل خارجي، لكنه يوازي الروسي والإيراني. بل قد تكون هذه التوازنات مفيدة للمشروع السوري لإخراج القوات الاجنبية من سوريا. بل يمكن القول بأن القوات الكردية من خلال علاقاتها مع إسرائيل والأجهزة الأمريكية بإمكانها أن تخلق مشكلة أكبر لكل من سوريا وتركيا. لهذا يمكن الاستنتاج بأن تركيا، ودون قصد، خدمت مشروع وحدة الأراضي السورية.
إن التصرف تجاه سوريا وكأن شيئا لم يقع منذ 2011، وكأن النظام الذي شرد ملايين السوريين وقتل مئات الألوف لم يقم بشيء، وإن التصرف على أن سوريا تعاني الآن فقط من تدخل تركي، بينما في الحقيقة تعاني سوريا من وجود أجنبي على كل صعيد ومن نظام سوري يعاني من ضعف في الوعي والإدارة والمعرفة، لن يخدم المشروع السوري.
لكن الحرب هي الحرب، ولا يوجد ضمان للشكل الذي ستتخذه العملية التركية ومدى الخسائر التي سيتعرض لها الأكراد، بل هناك أسئلة عن مدى دقة مشروع توطين مليون أو مليوني مواطن سوري في مناطق ستحتلها تركيا في عمق 32 كيلومترا داخل الأراضي السورية. وهنا يبرز السؤال: ما هو الثمن الإنساني للسوريين أكرادا وعربا في كل هذا؟ إن العملية التركية في بداياتها وستتضمن مفاجآت ومن الصعب أن تسير كل أبعادها كما خطط لها. وهذا يشمل بنفس الوقت الدور الإيراني والروسي ودور النظام وسياساته. فسوريا في مستنقع لا يبدو أنها ستخرج منه في المدى المنظور.
حتى اللحظة لم يغير النظام السوري من روايته بينما سبقه التاريخ وتجاوزه، ولهذا بالتحديد سيبقى الواقع السوري عرضة للمفاجآت حتى يعود الشعب السوري لحركته في بناء أفق لإصلاح سوريا. الاصلاح أولا، ومشروع الوطن الحقيقي، وبناء دولة تعتني بمواطنيها في ظل العيش الكريم والكرامة الإنسانية هو جوهر ما سعى إليه الشعب السوري منذ 2011. إن عدم وعي النظام السوري بمتطلبات المرحلة وضرورة العفو العام، وعودة السوريين، والمصالحة الجادة، وبناء وضع دستوري يضع حدودا للدولة الفاسدة والقمعية والدولة غير المساءلة والمهووسة بالسجون والتعذيب والسلاح والاغتناء غير المشروع سيدمر ما تبقى من سوريا. ليقع تطور حقيقي في مشروع لسوريا على النظام أن يتفاهم أولا مع معارضيه وشعبه، وعليه أن يكتشف الطريق لإعادة إدخال الجيش الحر لبنيته، عليه أن يكتشف كيف ينتقل بعد حرب أهلية نحو وضع إنساني وديمقراطي، وأن يكتشف أن هذا هو السبيل الوحيد لتوحيد سوريا وإبعاد شبح السيطرة الأجنبية.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
القدس العربي
—————————–
الهجوم التركي في شمال شرق سوريا.. المتوقع، المفاجىء والمجهول
إن هجوم الجيش التركي في شمال شرق سوريا، حملة “نبع السلام” التي بدأت في 9 تشرين الأول/أكتوبر، هو الهجوم الثالث الذي تنفذه تركيا في شمال سوريا، ويشكل الخطوة الأكثر طموحا لها حتى اليوم في سوريا بل والهجوم الذي أثار الانتقاد الدولي الأكبر. فالخطوات التي أدت إلى الهجوم ونتائجه هامة اقليميا ودوليا وتخرج عن المعركة المحددة.
إن القرار التركي للدخول إلى شمال شرق سوريا كان متوقعا في ضوء التهديدات المتواترة من جانب أنقرة لعمل ذلك، والتي بلغت ذروتها في خطاب ألقاه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر.
عرض اردوغان في حينه خريطة تضمنت ترسيم ما تسميه تركيا “منطقة آمنة” تتطلع لاقامتها في شمال شرق سوريا. فمنذ الهزيمة الاقليمية لتنظيم داعش، وجدت إدارة ترامب صعوبة في أن تبرر مواصلة دعمها للحزب الديمقراطي الموحد، الذي يتماثل مع التنظيم السري الكردي الذي يعمل في تركيا، حزب العمال الكردي. وكان الحزب الديمقراطي المعروف باسم قسد حليفا للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) ومسؤولا عن هزيمة القوات الإسلامية في القتال البري.
وفي المباحثات بين الولايات المتحدة وتركيا، والتي جرت في محاولة للوصول إلى توافق حول “المنطقة الامنية”، بدت فجوة هامة في تصميم الطرفين وكذا في الأهمية التي يولياها للموضوع. صحيح أنه في مداولات سابقة حاولت الإدارة الأمريكية أن تضمن حدا ادنى من المس بحلفائها، ولكن الرئيس ترامب الذي فاجأ مرة أخرى حتى مؤيديه الأقربين، أمر بعد مكالمة هاتفية مع اردوغان بانسحاب القوات وهكذا مهد التربة لبدء الحملة التركية.
بالنسبة لتركيا، هذا موضوع مركزي ذو أهمية سواء في الجانب الأمني أم في الجانب الداخلي. من ناحية أمنية رأت تركيا كتهديد نشوء الكانتونات الكردية ذات الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا وعملت على منع نشوء تواصل اقليمي بينها. وبواسطة الحملة الحالية تسعى تركيا لإعادة الدولاب إلى الوراء، بمعنى السيطرة الكردية الذاتية على هذه المناطق.
من ناحية داخلية، يتضح في تركيا ضجيج متصاعد ضد تواجد نحو 3.6 مليون لاجيء من سوريا في الدولة. ولمواجهة هذه المشكلة تخطط أنقرة لإعادة اللاجئين إلى ارض تسيطر عليها هي في المستقبل في سوريا. وبزعم محافل تركية رسمية، وإن كانت الأعداد لا تبدو دقيقة، فإن نحو 350 ألف لاجيء عادوا منذ الآن “طوعا” إلى المناطق التي احتلتها تركيا في حملاتها السابقة في الاراضي السورية.
تطور آخر كان يمكن حصوله مسبقا، كان خيار الحزب الديمقراطي التوصل إلى اتفاق مع نظام بشار الاسد في ضوء تنفيذ التهديدات التركية. في هذا السياق يذكر أنه في التسعينيات من القرن الماضي كان تعاون وثيق بين التنظيم السري الكردي، حزب العمال الكردستاني، وبين نظام الاسد الاب، وأدى هذا التعاون بتركيا وسوريا إلى حافة الحرب إلى أن استسلم الطرف السوري للضغوط التركية. في ضوء الوضع غير المستقر القائم اليوم في شمال شرق سوريا، ينبغي التحفظ والقول إنه لا تزال هناك شكوك حول قدرة الطرفين على التمسك بهذا الاتفاق على مدى الزمن.
وبالنسبة للجوانب الأكثر مفاجأة في الحملة – قرار قسد الاتفاق مع دمشق جاء بعد أربعة ايام فقط من بدء الهجوم التركي. وقدر كثيرون قبل الهجوم أن القوات الكردية ستصمد لزمن أطول أمام الأتراك قبل وصولهم إلى هذا القرار. ولكن في إطار الاتصالات السابقة بين الأمريكيين والاتراك، والتي كان هدفها منع عملية تركية من طرف واحد في شمال شرق سوريا، طلب الأتراك أن يفكك الأكراد التحصينات التي بنوها على طول الحدود مع تركيا. تفكيك التحصينات، والذي بدأ به الأكراد، ساهم في دونيتهم امام الجيش التركي في الهجوم الحالي.
الهجمات التركية على التجمعات الكردية ليست ظاهرة جديدة، ولكن الهجوم التركي الحالي نال انتقادا دوليا واسعا نسبيا. وقد وجد هذا تعبيره بفرض حظر سلاح من جانب دول اوروبية وعلى رأسها المانيا، فرنسا وايطاليا. ويشار إلى انه حسب زعم تركيا، فإن نحو 70 في المئة من احتياجات الجيش التركي تتم ذاتيا منذ الآن. ومع ذلك، لا تزال تركيا بحاجة إلى منظومات متطورة وقطع غيار بشكل يمنح حظر سلاح كهذا تأثيرا معينا.
إن قرار الرئيس ترامب اصدار الأمر مرة أخرى بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، حتى وإن كان من ناحية تكتيكية فاجأ الجهات الاقليمية والدولية، كان في خلفية المداولات التي جرت مع أنقرة وطرحت ايضا في محادثات سابقة بينه وبين اردوغان. والدينامية التي نشأت في العلاقات الأمريكية التركية منذ القرار الأمريكي بالانسحاب وبدء الحملة التركية، بما في ذلك نشر رسالة ترامب إلى اردوغان في 9 ايلول – التهديد بفرض عقوبات “ثقيلة” على تركيا – إلى جانب اعادة انتشار القوات الأمريكية في سوريا وفي العراق وزيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إلى أنقرة، وفي أعقاب ذلك الاعلان في 17 تشرين الأول/اكتوبر عن التوصل إلى اتفاق لوقف النار لـ 120 ساعة، هي نتيجة مباشرة لحاجة الإدارة للتصدي للنقد الحاد الموجه للولايات المتحدة، بما في ذلك من جانب مشرعين جمهوريين كبار. وأكد هذا النقد المعاني الأخلاقية والعملية لهجر الحلفاء الذين قاتلوا إلى جانب الولايات المتحدة، على قدرتها على تجنيد حلفاء في المستقبل وعلى مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وقدرتها على الردع في وجه تهديدات متصاعدة ولا سيما من جانب إيران.
مخاوف أخرى ناشئة تركز على إمكانية التفكيك المتوقع لقوات سوريا الديمقراطية، والتي سادت فيها القوات الكردية، مما سيزيد احتمال اعادة نهوض تنظيم داعش ككيان يسيطر على اراض اقليمية. مسألة اخرى بقيت حاليا بلا جواب هي حل الرئيس ترامب يعتزم الأمر أيضا بإنهاء تواجد القوات الأمريكية المتواجدة في جنوب سوريا، في منطقة معبر تنف، التي لها مساهمة هامة في الجهود لتصعيب الأمور على ايران وحلفائها من حيث العبور من اراضي العراق إلى اراضي سوريا.
بالنسبة للاتفاق بين الأكراد ونظام الاسد، يثور السؤال ما الذي سيتبقى للأكراد من الحكم الذاتي الذي نجحوا في خلقه لأنفسهم بعد اندلاع الحرب الأهلية في الدولة.
وسؤال مرتبط: حتى لو حقق الأكراد تنازلات من النظام، فهل سيتحترم الاتفاقات على مدى الزمن، وهل يمكنه بالفعل أن يفرض حكمه في هذه المناطق. سؤال حاسم آخر هو إلى أي حد ستضغط موسكو على الأسد للسماح بالتواجد التركي القائم منذ الآن وذاك الجديد ايضا، على مدى زمن طويل، و/ أو ستدفع النظام السوري لأن يسمح بعودة اللاجئين إلى المناطق التي اعاد سيطرته عليها.
من ناحية تركية، حتى الآن حققت الحملة أهدافا عسكرية وسياسية هامة. فضلا عن ذلك، في نظر أنقرة، مثلما أيضا من ناحية لاعبين إقليميين ودوليين آخرين فان القرار الأمريكي بالانسحاب، مثل تصريحات الرئيس ترامب ايضا، تشدد على اهتمامه بوضع حد للتدخل العسكري الأمريكي في النزاعات الاقليمية. يعزز هذا المفهوم الفهم بأنه يجب الاستعداد سياسيا وعسكريا لواقع استراتيجي مختلف، سواء في سوريا أم في المجال الاقليمي، مع التشديد على مجالات المناورة، لاتخاذ خطوات أكثر جرأة للدفاع عن المصالح، أو كبديل، العمل على خطوات استراتيجية اخرى، تقدم جوابا للتهديدات. من المتوقع لهذا أن تكون معان ايضا بالنسبة لإسرائيل ولمنطقة شرق البحر المتوسط، حيث شددت تركيا جدا نشاطها هناك وتتخذ سياسة في التأكيد الذاتي.
إن مظاهر العطف في إسرائيل تجاه الأكراد على خلفية الهجوم التركي الحالي جاءت سواء من اليمين أم من اليسار. وبينما الانتقاد على تركيا ولا سيما على اردوغان، بات موقفا متواترا في إسرائيل، يتضح أيضا تماثل أساسي أكثر مع الشعب الكردي. رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، شجب الهجوم التركي وأطلق وعدا إسرائيليا بتقديم المساعدة الانسانية للأكراد، رغم أن قدرة إسرائيل على الوصول إلى تلك المنطقة محدودة. من ناحية أنقرة، وبالتأكيد من ناحية الجمهور التركي، يعد هذا تعبيرا عن التأييد للتنظيم السري الكردي، والذي يماثل المس بالأمن القومي.
في السطر الأخير، إن قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا ضعضع جدا الاستقرار في هذا الجزء من الدولة. وهجر الشراكة الكردية في إطار قوات سوريا الديمقراطية، والتي كانت القوة الحاسمة البرية ضد داعش، هو اشارة تحذير لشركاء آخرين للولايات المتحدة.
إن انصراف القوات الأمريكية، وبالشكل الذي تم فيه، يمنح انتصارا سهلا أكثر من المتوقع لخصوم الولايات المتحدة، ولا سيما لإيران. وهو من المتوقع أن يسهل بقدر كبير على إيران تفعيل المحور البري الشيعي على العراق إلى سوريا وإلى لبنان، ويترك إسرائيل وحدها عمليا في المعركة ضد تثبيت التواجد الايراني في المنطقة.
بقلم: غاليا ليندنشتراوس والداد شافيت
نظرة عليا 24/10/2019
——————————-
الضامن التركي أبعد من المراقبة في سورية/ عمر الشيخ
شنّت قوات النظام السوري، قبل أسابيع، مدعومة بالحلفاء الروس، هجوماً على ريف حماة الشمالي الذي نجحت في السيطرة عليه، وأكملت إلى ريف إدلب الجنوبي، لتضع يدها على بعض تلك القرى، أبرزها خان شيخون، الإستراتيجية، الشاهد الأخير على مجزرة ضربها بالسلاح الكيميائي (4 إبريل/ نيسان 2017) التي اتهم بها نظام الأسد. وطوال فترة القصف الماضية بالطيران والمدفعية وتمشيط المناطق، اكتفت نقاط المراقبة التركية، قرب خطوط التماس هناك، بالمراقبة والتنسيق مع الروس، وزجّت فصائل هيئة تحرير الشام في محرقة المعارك، في وقت كانت تركيا سياسياً تصرّح بأن عودة اللاجئين السوريين من بلادها مرتبطةٌ بتوسيع خريطة سيطرتها شمالاً على حساب المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية وقوات سورية الديمقراطية (قسد) على شريط حدودها مع سورية.
وعلى الرغم من أن القوات الأميركية كانت تدّعي إرسال تعزيزات عسكرية محاولة منع العملية العسكرية شرق الفرات آنذاك، والتي هدّد بها الرئيس التركي أردوغان، منطلقاً من اتفاق أضنة عام 1998 الذي سمح نظام الأسد بموجبه بتوغل القوات التركية في سورية من حدودها شمالاً مسافة خمسة كيلومترات لمحاربة الإرهاب، والمقصود هنا مليشيات حزب العمال الكردستاني، إلا أن المعركة بدأت في التاسع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بتوغلٍ قد تجاوز المسافة تلك. في الوقت عينه، هدأت جبهة ريف إدلب الجنوبي بتوجيه من الروس، وبات الأكراد ومناطقهم الضحية الكبيرة التي وقعت، وكثرت السكاكين حولها، لتستنجد بالروس والنظام، وتخسر مزيدا من التعاطف الشعبي. في حين أصيب مشهد الشمال السوري بصدمة التخلّي الأميركي عن دعم الأكراد عسكرياً، ثم ظهرت بوادر الرضى الروسي عن العملية العسكرية التي تقودها تركيا بمشاركة فصائل “الجيش الوطني السوري”، والذي كان جنوده يرفعون العلم التركي إلى جانب أعلامهم، أسوة بجيش النظام الرافع أعلام روسيا وإيران ومليشياته، كما جاءت تصريحات الكرملين أخيرا بوجوب “ألا تضرّ العملية العسكرية التركية بالعملية السياسية في سورية”.
وبالعودة إلى بدايات يوليو/ تموز الماضي، نتذكّر تصريحاً لوزارة الدفاع التركية باستلام أولى دفعات صواريخ “إس 400” روسية الصنع التي تعتبر تذكرة قبول لمخطط أنقرة بتوسيع سيطرتها شمال سورية بعد “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، فالحياة في تلك المناطق تحمل شكلاً مدنيّاً تاماً تحت الوصاية والحماية التركية من مؤسسات وخدمات وإمداد مياه وكهرباء واتصالات وقيادة أمنية وعسكرية وإشراف عام على التعليم!
هذا التطبيع التركي لا يعني موسكو، ولم يكن لديها أي شك أن العملية مقبلة، وكان ثمنها قضم بعض المناطق من ريف حماة الشمالي والتقدّم جنوب إدلب. والذريعة الجاهزة هي قتال أبناء جبهة النصرة، عماد قوات هيئة تحرير الشام، فيما تتخبّط إيران بعد ابتعاد الولايات المتحدة عن شمال سورية، ولم يعد لديها “بطولات” مزعومة تقارع عليها حلفاء إسرائيل بالتوسّع في مواقع سورية، بغض النظر عن شراكتها مع الروس، فهؤلاء، إلى جانب الأتراك، حسموا الأمر بالاتفاق لتوزيع مناطق لهذا “الحليف” في مقابل مناطق لذاك “الضامن”، والغاية هي تقسيم التراب السوري، وإضعافه أمام عيون العالم، بسبب عجز المعارضة والنظام عن التأثير في المشهد السياسي والعسكري أو قيادته.
ومنذ غابت الولايات المتحدة عن اللقاءات بين زعماء تركيا وروسيا وإيران، بشأن اتفاقيات أستانة الكثيرة مثلاً، ولقاءات جنيف بين المعارضة والنظام، وتحرّكات عديدة معنية بصنع القرار الدولي على الأرض، وهي تدعم سياسياً وتنتشر “بخجل” عسكرياً في قواعد لا ثقل لها بين الأكراد، البعيدين أصلاً عن أشكال التفاهم السياسي مع اللاعبين المسيطرين في الميدان، كان الهدف، على الأرجح، من تجربة الإدارة الذاتية هو السيطرة من دون وعي سياسي والتحالف ضد فزّاعة “داعش”، إلا أن تلك التجربة تُظهر جلياً أن الانتحار هو مصيرها المحتوم، إذ لم تكن الولايات المتحدة في موقع الجديّة للدفاع عن وجودها في سورية، فهي تكتفي اليوم بموطئ قدم مهم استراتيجياً في جنوب سورية، يتمثّل في السيطرة على مثلث واسع من نقطة التقاء الحدود السورية والأردنية والعراقية معاً، إضافة إلى الأرباح التي جنتها من النفط طوال فترة مكوثها في الشمال السوري. على الرغم من ذلك، تدّعي الإدارة الأميركية أنها أعلنت عن “عقوباتٍ سوف تدمر الاقتصاد التركي”، حسب وصف الرئيس الأميركي ترامب (…) كتهديد إعلامي، واجهته تركيا بالقول: “لا يمكن لأحد أن يوقفنا بعد أن بدأت “نبع السلام” رغم التهديدات والعقوبات الاقتصادية” حسب وصف الرئيس التركي أردوغان، أخيرا.
ولفهم كيف تحولت تركيا من موقع المراقب في الأحداث الأخيرة على الخارطة السورية إلى محرّك الغزو الجديد، تكمن الإجابة في الاجتماع الأخير، ربما، لرؤساء تركيا وروسيا وإيران في منتصف سبتمبر/ أيلول الفائت في أنقرة، إذ قالت طهران إن هدف الاجتماع هو نقاش إصلاح الدستور والانتخابات لعام 2021 في سورية وقتال “العناصر الإرهابية” في إدلب! أما تركيا فقد أكدت على أولوية عودة اللاجئين. ويبدو أن الثقل التمثيلي الذي كوّن اللجنة الدستورية كان لجهة روسيا وإيران وما يتوافق معهما في مقابل إتاحة الطريق لتركيا سياسياً ودولياً لتنفيذ رؤيتها بعودة النازحين، فبدأت المعركة شمال سورية، والتي تنوي قتال قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في حين ليس لدى أنقرة أي مشكلة مع سيطرة النظام على مواقع الأكراد، خصوصاً بعد تصريحات وزارة الدفاع الروسية بوصول قوات الأسد إلى القاعدة العسكرية في منبج التي أخلتها القوات الأميركية، وذلك ما اعتبره أردوغان ليس تطوّراً “سلبياً جداً” طالما أنّ السيطرة على هذه المدينة لم تعد بأيدي “قسد”، والتي تصنفها أنقرة على قائمة الإرهاب. في حين كانت إيران تجامل تركيا برفض مزعوم على لسان وزارة خارجيتها التي قالت إن العملية العسكرية التركية لن تسهم في إزالة المخاوف الأمنية التركية، بل ستؤدي إلى أضرار مادية وإنسانية واسعة، مؤكدة معارضتها العملية العسكرية التركية داخل الأراضي السورية، على حد زعمها.
في المحصلة، سوف يضع هذا الأخذ والرد السياسي في تبادل التوسع التركي الروسي في سورية المتخاصمين في كفّة واحدة للوصول إلى تسويةٍ ما، بعد دمار لا حدود له على مذبح النديّة في الهيمنة على السلطة، ولا أحد من السوريين يستطيع أن يحرّك يافطة لحاجز عسكري من دون إذن الرعاة الدوليين، ثم يأتي من يؤكد أن “الحل” في سورية سياسي. ولكن يمكن القول إن هذا الحل لم يعد سوريّاً، بل مجرّد تهويم للتضحية بمزيد من الوقت لإطالة أمد الحرب ورسم حدود الاحتلالات الجديدة بتفويضٍ مشترك، كان أكثره انقساماً في المعارضة التي جاءت، أصلاً، من ثقافة النظام السوري ووحشيته وذهنيته.
العربي الجديد
————————
“نبع السلام”: من الفائز؟/ عائشة كربات
ليس من الواضح ما إذا كانت العملية العسكرية التركية الأخيرة في شمال شرق سوريا ستستمر ولكن هناك بالفعل عواقب تغيير اللعبة على الجميع. أولاً، يمكننا أن نقول إن الولايات المتحدة تغادر اللعبة وإن تركيا يجب أن تتعامل مع روسيا من الآن فصاعداً، على الرغم من مصالحهما المتضاربة.
كانت تركيا تحاول إيجاد مساحة لنفسها بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا. بالنسبة لأنقرة، لم يكن وجود الجنود الأميركيين في سوريا مشكلة، لكن المشكلة كانت دعمهم لوحدات حماية الشعب الكردية.
لوقت طويل كانت أنقرة تقول أيضاً إنها ستدخل الضفة الشرقية لنهر الفرات لتدمير ما تعتبره تهديداً كبيراً لها في المستقبل؛ دولة تقوم الوحدات الكردية بتشغيلها تحت حماية الولايات المتحدة.
حاولت الولايات المتحدة، بعد هزيمة “داعش” بمساعدة وحدات حماية الشعب، وبينما كانت تزعج تركيا حليفتها في حلف “الناتو”، تحديد مهام جديدة لنفسها من أجل خلق أسباب للبقاء في سوريا. أن يكون لها رأي في مستقبل البلد على طاولة المفاوضات عبر الوجود العسكري للوحدات هناك؛ للتأكد من أن وكلاء إيران يغادرون من أجل أمن إسرائيل وتحقيق التوازن بين روسيا في المنطقة. لكن الأداة الوحيدة لواشنطن هي وحدات الحماية، التي لم تكن قادرة على تحقيق كل هذه النتائج.
لا شك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ينتمي لنفس طراز نظيره التركي رجب طيب أردوغان، هو تاجر جيد للغاية. لقد لاحظ أنه مع القليل من الاستثمار، أي وحدات حماية الشعب، لا يمكن لبلاده الحصول على هذه الفوائد العالية. لقد أدرك أيضاً أن الإصرار على هذا الاستثمار الذي انتهت مدة صلاحيته بالفعل وهو تراث سلفه باراك أوباما، سيكلف الكثير مثل خسارة تركيا.
لذلك استسلم وسحب قواته. لكن في الوقت نفسه، لتخفيف المعارضة في الكونغرس، جعل تركيا تقبل “التوقف” عم العمل. ترفض تركيا تسمية الاتفاق وقف إطلاق النار. الآن سيحاول بيع قراره بالقول: سوريا ليست بهذا القدر من الأهمية، لقد وجهت تركيا لمحاربة “داعش” (كان هذا أحد شروط الولايات المتحدة، بينما كانت تنسحب قواتها).
ربما لم يعد الأميركيون يقفون عائقاً أمام إنشاء المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا في سوريا. لكن الآن هناك حقائق جديدة على الأرض.
المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا هي بعمق 30 كيلومتراً وبطول 440 كيلومتراً. لكن الولايات المتحدة أعطت أنقرة 120 كيلومتراً فقط على طول الحدود. الباقي يعتمد على روسيا الآن، وهذا سبب زيارة أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء.
عندما يتعلق الأمر بروسيا فهي لم تعطِ السلاح للوحدات الكردية كما فعلت واشنطن، لكن موسكو لم تتردد أيضاً في إبقاء الوحدات كورقة. بينما كانت العملية التركية تسير، توسطت روسيا مجدداً بين وحدات الحماية والنظام السوري وهذا ما سمح لقوات النظام بالدخول إلى منبج وعين العرب (كوباني)، أو ربما وحدات الحماية غيروا لباسهم من الأميركي إلى الروسي.
من الآن وصاعداً، ليس هناك شك بأن روسيا هي اللاعب الرئيسي في سوريا. يمكن للروس اللعب كما يريدون، خصوصاً في غياب التوازن بخروج الولايات المتحدة.
بالتأكيد، تريد روسيا الإبقاء على علاقات جيدة مع تركيا، ففي النهاية، علاقات جيدة مع أنقرة تساعد موسكو على تحقيق أهدافها العالمية مثل خلق الشقوق داخل “الناتو”، الاستمرار في كونها المزود الرئيسي لأوروبا بالغاز وهكذا. كذلك عندما يتعلق الأمر بسوريا أولويتها هي إعادة سيطرة النظام على كل أنحاء البلاد.
لكن باختصار، في الوقت الحالي، الفائز الحقيقي في العملية التركية في سوريا، هو النظام السوري. كل هذه التطورات تطرح سؤالاً افتراضياً؛ لو كانت تركيا قادرة على حل مشكلتها الكردية، فهل كانت كل هذه الأشياء ستحدث؟ هل كان يمكن أن تكون الأمور مختلفة؟
المدن
————————–
ماذا بعد “روج آفا”.. أندلس الأكراد المفقود؟/ عبدالناصر العايد
لم يكن من الصعب التنبؤ بالهدف الاستراتيجي لشركاء مسار استانة الثلاثة، موسكو وانقرة وطهران، وهو اخراج واشنطن من سوريا، ما يتيح لهم تحقيق أهدافهم: تفرض موسكو هيمنتها الجيوسياسية في سوريا والإقليم، وتتخلص تركيا من مشكلة الاقليم الكردي الناشئ، ويتحرك قاسم سليماني على كامل الجغرافية السورية كأنه في منزله. هذا، وقد بلغوا هدفهم، يبدو أنهم قاب قوسين أو أدنى من الانتقال إلى المرحلة التالية؛ فرض نظام جديد/ قديم في سوريا، يمثل مصالحهم كمنتصرين، لكن ماذا عن الخاسرين الكثر؟ وعن أحدثهم اليوم؛ أكراد سوريا.
وهم الدولة
لن يمضي وقت طويل قبل أن تتحول خريطة شمال وشرق سوريا التي حكمها الأكراد تحت المظلة الأميركية لبضع سنوات، إلى بكائية جديدة تُضاف إلى السردية الكردية العامرة بالمظالم والخيانات، سيكون عنوانها: لقد حكمنا هذا السهل الخصيب الممتد من دجلة إلى الفرات يوماً. لكن، ليس للكردي سوى الجبال!
إذا كانت “الروج آفات” ستغني التراث الكردي من دون شك، باضافة مهمة في الثقافة، إلا أنها على الاغلب ستكون محطة لا تدعو إلى كثير من الفخر بالنسبة لاداء الساسة والقادة الأكراد. وعندما سيمر الكردي بروج آفا، كما يمر العربي اليوم بالاندلس، سيرشقهم بتلك العبارة التوبيخية الشهيرة: “ابكوا كالنساء ملكاً لم تحافظوا عليه كالرجال”. الساسة الأكراد اخفقوا مرة أخرى في قراءة خريطة السياسة ورياحها، وفي استثمار الفرص التي سنحت لهم، لا بل حولوها إلى نكسات تعمق يأس واحباط جمهورهم وتدفعه إما إلى التشدد العدمي، أو النكوص عن الحلم القومي وربما التنازل عنه في نهاية المطاف.
قبلة الحياة الاميركية العابرة
في “السيرة” المختصرة للتجربة الكردية شمال شرقي سوريا يُمكننا القول إنها بدأت بإيعاز من نظام الأسد لحليفه القديم حزب “العمال الكردستاني”، الذي تخلى عنه حافظ الأسد نهاية القرن الماضي عند تسليمه عبدالله اوجلان لتركيا. إذ سمح النظام لمسلحي الحزب بالدخول إلى سوريا وانشاء قوة عسكرية، للضغط على تركيا من ناحية، ولمنع الأكراد من الانخراط في الثورة السورية العامة، وافقاد الثورة العنصر الكردي المهم والفعال وتجريدها من البعد الوطني الديموقراطي، وحصرها في كونها تمرداً “سنياً” ضد نظام حكم “علوي”. ما دفع بتلك الانتفاضة للتحول شيئاً فشيئاً إلى تمرد لجماعات دينية متطرفة، تستعدي كل دول العالم.
سارت الأمور بشكل معقول مع “وحدات حماية الشعب” الكردية، التي استأثرت بالبلدات والمدن ذات الغالبية الكردية، وتولت مسؤولية حماية حقول النفط لصالح نظام الأسد، الذي منحهم جزءاً وافراً من العائدات. واستمر ذلك حتى ظهور تنظيم “داعش” في المنطقة في العام 2014، وتوجهه إلى المناطق الكردية الغنية بالنفط لانتزاعها، وسط ترحيب النظام السوري من جهة، ورضا الأكراد من جهة أخرى، وقبول السكان العرب المجاورون للأكراد في الجزيرة من جهة ثالثة، بعد قيام “وحدات الحماية” باستفزازهم في مواضع متعددة.
كادت مناطق سيطرة “وحدات الحماية” أن تسقط وتنتهي، لولا أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قرر التدخل واتخاذ الطرف الكردي حليفاً، بعدما فشل تحالفه مع فصائل الجيش الحر، او تم افشاله عنوة من طرف تركيا.
وتمكنت “قوات سوريا الديموقراطية”، الاسم الجديد لـ”وحدات الحماية” الكردية، تحت مظلة كثيفة من الطيران الاميركي، من تحقيق الانتصار على تنظيم “داعش”، من كوباني إلى الباغوز. ومنحتها وسائل الاعلام العالمية، المبتهجة بالنصر على التطرف الإسلامي، جرعة “افيون اعلامي”، فتخيل القادة الأكراد تحت تأثيرها، بأنهم حازوا دولة أو شبه دولة، وبأنهم اصبحوا حكاماً على أرض و”شعوب” وموارد، ويتمتعون بتحالفات دولية مع أقوى دول العالم، وبأن ذلك سيمكنهم من التفاوض مع الجميع من موقع يضمن لهم في أسوأ الأحوال اقليماً يحكمونه، وينطلقون منه لتحقيق بقية المشروع الكردي التاريخي ودعمه، خاصة في تركيا.
ولكن ذلك كان سراباً، بعد أشهر قليلة من اندحار “داعش”، وانتهاء الدور الوظيفي لمسلحي “وحدات الحماية”، وتخلي الرئيس الاميركي دونالد ترامب عنهم بوقاحة غير مسبوقة، ليواجه الساسة الأكراد الحقيقة العارية؛ “دولتهم” حدث مرتبط بـ”الدولة الإسلامية”، ظهوراً وزوالاً، وإن الدور الوظيفي الذي اسنده لهم نظام الأسد أيضاً قد انتهى بانتهاء الثورة السورية فعلياً، وهو ما شاركوا بإنجازه بفعالية ايضاً، ولم يعد لهم من استخدام ممكن سوى كونهم تلك الشوكة التي تقلق راحة تركيا إذا ما شاء بوتين أو الأسد او خامنئي ابتزازها، وهو ما يتم تكييف اكراد شمال سوريا لأجله اليوم.
هل كان بإمكان الأكراد أن يتجنبوا هذا المصير؟
إن ما ستؤول إليه الأحداث في شمال شرق سوريا سيكون على الأرجح استيلاء نظام الأسد مجدداً على المنطقة، وتجريد الأكراد من مناطق نفوذهم بالتدريج، مقابل وعود ومزاعم سياسية بمنحهم حقوقاً دستورية معترفاً بها، تنتهي بإلقاء السلاح بالكامل، وعودة كوادر قنديل إلى مواقعهم السابقة، لمعاودة الاستفادة منهم في مناسبة أخرى، مصير مشابه لما آل إليه قادة تنظيم “داعش” سابقاً، وما سيؤول إليه تنظيم “القاعدة-جبهة النصرة” لاحقاً.
جمهور “العمال الكردستاني” في البلدات الكردية الحدودية، سيهجر المنطقة، خاصة النخب التي انخرطت في التجربة الاخيرة، شأن نشطاء الثورة السورية الاوائل، ومن سيبقى منهم سيعيش في حالة اغراق سكاني، واضطهاد متعدد الأطراف، كما الوضع القائم اليوم في مدينة عفرين.
هل كان بإمكان القيادة الكردية تلافي هذه النهاية المريرة في السرديات السورية؟ بالطبع كان بإمكانهم ذلك، كما كان بإمكان من سبقوهم إلى المصير ذاته أن يفعلوا، وذلك ببساطة باللجوء إلى الطرف الأقوى والابقى في القضية السورية؛ “الشعب السوري”، مع ضبابية المفهوم والاختلافات حوله. ولو شئنا أن نكون أكثر تحديداً وسياسوية، فإننا نقول لو أن النخب الكردية منعت نفسها من الوقوع تحت تأثير “المخدرات” الإعلامية، ورأت بشكل واقعي حجمها المحلي في شرق الفرات، وحده، وحجم المكون العربي المستعد للانخراط معها في نضال وطني حقيقي، وقدمت ما يتوجب عليها لبناء الثقة، لما وقف الأكراد وحدهم في وجه العاصفة التركية، ولا في مواجهة ضغوط نظام الأسد وموسكو، ولقدموا ارقى نموذج في هذه المرحلة، ووقفت إلى جانبهم معظم المعارضة السورية المؤثرة، والقوى العربية في الاقليم، ولتشجعت القوى الإقليمية ودعمتهم على أساس إنه النموذج الخلاصي للقضية السورية، ولما تم التعامل معهم كجماعة اثنية محلية، سواء كانت مضطهدة او غير مضطهدة.
لكن الساسة والقادة الاكراد لم يشذوا عن القاعدة في الحالة السورية، والعامة في حالة المجتمعات المتأخرة في المنطقة، فاستحوذت فئة منغلقة على ذاتها، من كوادر قنديل، على السلطة الكاملة، وحرمت منها الأكراد غير الموالين لها، والعرب الذين يمثلون الغالبية المطلقة من السكان. وكما فعل نظام الأسد وغيره تم استخدام بعض المرتزقة من هذه المكونات لتزيين المشهد هنا وهناك، مع عجز تام عن الوصول إلى العمق الاستراتيجي لهذه المجتمعات، ناهيك عن الارتقاء إلى مفهوم وطني أو انساني ديموقراطي حقيقي، وفرضت صور وتعاليم اوجلان بطريقة لا تختلف قيد انملة عن الطريقة التي يفرض بها أعدى خصومها رموزهم؛ النظام القومي التركي ورمزه اتاتورك، والنظام البعثي ورمزه حافظ الأسد وولديه. “العمال الكردستاني” لم يكن إلا صدى باهتاً لمضطهديه بالذات.
أي مستقبل؟
لن يغيب الوجود الكردي عن شمال سوريا بين ليلة وضحاها، لكنه سيبقى وجود “اقلية” تعتاش على هذا الوضع المميز الذي تتمتع به أقليات أخرى كثيرة في سوريا. فموقع الأقلية المميزة، أو الأغلبية الثانية، التي تقف في وجه الأغلبية السنية المطلقة، سيبقى محجوزاً للطائفة العلوية، وربما يكون هذا سبباً آخر لتدهور حالة الأكراد مستقبلاً. فنظام الأسد يبحث عن أقليات تحتمي به، لا أن تنافسه على الموقع الفريد، وهو ما سيفاقم معاناة الأكراد بطرق مختلفة.
لكن مع كل ذلك التشاؤم والمؤشرات الظاهرية السلبية، ثمة مؤشر غير منظور يتقدم ويتصاعد في الخفاء، وسيفرض نفسه يوماً ما بقوة التجربة والخطأ، وعلى الجميع دفعة واحدة، وسيكون مفيداً لو ان النخب السورية تستوعبه مسبقاً، ومنها النخب الكردية. عنوان هذا المؤشر “سقوط الأفكار اللبنية” المتمثلة في هذا الكم الكبير من الأوهام التي تعتنقها شعوب وجماعات المنطقة، عن ذاتها وعن الآخر، بالوصول إلى قناعة باستحالة إلغاء الآخر أو تهميشه. فعلياً، ما كان بالإمكان أن تسقط تلك الأفكار “اللبنية” لولا كل هذه الحروب.
المدن
—————————-
أزمة الأوروبيين في الشمال السوري/ بهاء العوام
بين الفينة والأخرى يتذكر الأوروبيون ما يجري في سوريا، فيخرجون بتصريح دعم هنا أو بيان إدانة هناك. ولكن العدوان التركي الأخير على مناطق شرق الفرات استدعى من الاتحاد الأوروبي نشاطا استثنائيا. ليس لإنهاء الأزمة السورية المستمرة منذ نحو تسع سنوات، ولكن لتجنب أزمة أوروبية في تلك المناطق.
يلهث الأوربيون اليوم وراء قوة دولية تحمي مناطق شرق الفرات شمال سوريا. تلك المناطق التي تعج بالنفط، وتعج أيضا بدواعش القارة العجوز المعتقلين في سجون قوات سوريا الديمقراطية. لا يريد الأوروبيون القوة الدولية لحماية الأكراد من العدوان التركي طبعا، وإنما لمنع فرار الدواعش من السجون.
خشية من الدواعش فقط بات التوغل التركي شمال سوريا عدوانا سافرا. ليس كل الشمال طبعا وإنما الشمال الواقع شرق نهر الفرات. فالأتراك يحتلون الحدود السورية الشمالية غرب الفرات منذ زمن، ولكن لا أحد يكترث لذلك لأنه لا يوجد نفط ولا دواعش هناك، مجرد سوريين يقاتلون بعضهم.
في عام 2018 عندما دخل الأتراك مدينة عفرين، المدينة الكردية في أقصى شمال غرب سوريا، لم نسمع عويل الأوروبيين، ولم تخرج عن بروكسل مقترحات لعقوبات على الاقتصاد التركي أو محاولات لطرد أنقرة من حلف الناتو. بقي الأوروبيون حينها يدعون لضبط النفس حتى اكتمل الاحتلال التركي للمدينة.
الموقف الأوروبي من العدوان التركي منافق جدا. وربما لو تكفلت تركيا أو أي دولة أخرى بنقل الدواعش في مناطق شرق الفرات إلى سجونها قبل العدوان، لتسابقت الدول الأوروبية في إصدار البيانات التي تعرب فيها عن تفهمها للمخاوف الأمنية التي استدعت من أنقرة إطلاق عملية نبع السلام شرق الفرات.
خطر الدواعش في سوريا والعراق لا يشكل مأزقا بالنسبة للأوروبيين. المأزق الحقيقي يكمن في عودة الدواعش إلى الدول التي جاؤوا منها، وبالتالي انتقال الإرهاب إلى القارة العجوز. هناك لا يمكن استخدام القنابل ولا الطائرات، ولا يجوز أن تؤثر محاربة الإرهاب على مستوى معيشة المواطنين أو رفاهية حرياتهم.
إن جاز التعبير، ثمة جانب لا أخلاقي في الحرب الأوروبية على الإرهاب ثبتته عملية “نبع السلام” التركية. لا ضير بالنسبة للأوروبيين من بقاء دواعشهم معتقلين في سوريا والعراق إلى الأبد، حتى أنهم يفضلون محاكمتهم بقوانين الدولتين من أجل إعدامهم وضمان عدم عودتهم إلى الدول الأوروبية بأي شكل كان.
بات واضحا أن الإبادة هي الخيار المفضل لدى الأوروبيين في التعامل مع دواعشهم. لا يهم كيف وعلى يد من، ولكن المهم أن يزول عصاب عودة هؤلاء إلى أوطانهم. ولا يهم أيضا إن كان ذلك يتعارض مع حقوق الإنسان الأوروبية، فخارج حدود القارة العجوز تختلف المعايير ويتحول البشر إلى مجرد أرقام.
جانب مظلم آخر في السياسة الأوروبية سلط العدوان التركي الضوء عليه، ألا وهو تبعية دول القارة العجوز للولايات المتحدة. تلك التبعية التي أوقعت الأوروبيين في مأزق عندما انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، واليوم تعيش مأزقا جديدا بسبب انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
يتعمد الأوروبيون هذه التبعية في أحيان كثيرة، وفي أحيان أخرى لا يمتلكون غيرها. وفي الحالتين لا تبدو الإدارة الأميركية الحالية مهتمة لمبررات الأوروبيين، ولا يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتباهى بقطبية أميركا اليتيمة في الكوكب. جل ما يشغل بال هذا الرجل هو كم يدفع الآخرون مقابل الخدمات التي تقدمها بلاده.
الرسالة في الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران كانت واضحة. رغم ذلك لم يتعظ الأوروبيون، وتجاهلوا تحذيرات ترامب بالانسحاب من سوريا. وعندما وقعت الواقعة راحوا يستعطفون طوب الأرض كي يتوقف العدوان التركي، لا لشيء إلا لأن هذا العدوان سيشغل الأكراد عن حراسة سجون الدواعش.
العدوان التركي بيّن أيضا متانة صداقة الأوروبيين مع المعارضة السورية. فعندما فشل الأوروبيون في إقناع مجلس الأمن بوقف هذا العدوان، استنجدوا بالروس، أعداء الثورة السورية، وراحوا يستعطفون الرئيس فلاديمير بوتين كي يحتل مناطق شرق الفرات تحت عنوان قوة دولية تحمي شعوب تلك المناطق.
نسي الأوروبيون أن الروس أنفسهم هم من دمروا مناطق المعارضة واحتلوها الواحدة تلو الأخرى منذ عام 2015. نسي الأوروبيون أن القصف الروسي لمدن حلب وحماة ودرعا وريف دمشق وحمص وغيرها، هو من أجبر الملايين على النزوح، وأدى إلى سقوط مئات الآلاف من السوريين بين قتيل وجريح.
تساقط أصدقاء المعارضة الواحد تلو الآخر، ولا أحد يعرف كيف سينتهي انقلاب حلفاء الثورة السورية عليها. ليس هذا هو المهم. المهم الآن هو موقف وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، من القارة الأوروبية. قبل سنوات شطب الوزير السوري القارة بأكملها من خارطة العالم لأنها وقفت ضد نظام بشار الأسد، فهل يشفع رفض العدوان التركي على مناطق الشمال للأوروبيين عند المعلم ويعترف بوجود قارتهم؟
صحافي سوري
العرب
————————
استياء غالبية الأتراك من الانتقادات الغربية لعملية “نبع السلام” في شمال سوريا/ عائشة كارابات
موقف الشعب والأحزاب التركية
أيد معظم المواطنين الأتراك التوغل التركي في سوريا وهم منزعجون من عدم فهم الغرب الواضح للوضع على حدود بلادهم الجنوبية ومن عدم تفريقه بين الأكراد ووحدات حماية الشعب الكردية، في حين يستاء سكان أكراد في تركيا من إعادة لاجئين سوريين عرب إلى “منطقة آمنة” في أراضٍ سورية تقطنها أغلبية كردية. الصحفية التركية عائشة كارابات تبين لموقع قنطرة موقف الشعب والأحزاب المعارضة لإردوغان والحليفة.
بالنسبة لبعض المواطنين الأتراك، فإن سماعهم أن عملية نبع السلام التي يقوم بها إردوغان يُنظر إليها على أنها عمل عدواني وتُوصف بأنها غزو من قبل مراقبين عرب وغربيين يُشعرهم بإحباط شديد. لأنه بالنسبة لهم، كانت عملية نبع السلام عبارة عن حملة لمكافحة الإرهاب لا بد من تنفيذها.
بدأ الجيش التركي توغّله في الشمال السوري، مع مجموعات سورية مدعومة من تركيا، في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019، قائلاً إنه يريد إنشاء “منطقة آمنة”، وتطهير الحدود من وحدات حماية الشعب (YPG) وتمهيد الطريق لعودة ملايين اللاجئين السوريين. أُوقِفت العملية مؤقتاً بعد ثمانية أيام، وطوال هذا الوقت تلقّت الدعم، أو على الأقل الموافقة، من غالبية المجتمع التركي، كما أشار العديد من المراقبين.
حرص أحد هؤلاء المراقبين، أستاذ العلوم السياسية “تانجو توسون”، على التأكيد أنه لا يوجد بيانات تجريبية لقياس هذه الموافقة أو مستوى الموافقة، بيد أن الإحساس السائد يشير إلى تأييد شعبي مستمر. يقول توسون لقنطرة: “كان للعملية تأثير مهدئ على السياسة الداخلية. كان هناك فترة راحة في الاستقطاب والتوتر بين الحكومة والمعارضة”.
يواصل توسون: “على الرغم من نقدهم للسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، فإن حزب الشعب الجمهوري (CHP) والحزب الصالح القومي فضّلا أن يدعما حزب العدالة والتنمية الحاكم فيما يتصل بالمصالح القومية”.
“قد تكون هناك فروقات في الآراء، بين مسؤولي الحزب وناخبي القاعدة الشعبية. من المرجح أيضاً أن وسط اليمين التركي ووسط اليسار التركي لا يدعمان العملية بالمستوى نفسه وإلى الحد ذاته. أعتقد أن القطاعات الأكثر ليبرالية من المجتمع التركي الأكثر ارتباطاً مع وجهة نظر العالم الخارجي ترى القضية من منظور القانون الدولي والعلاقات الدولية، بينما العناصر الأكثر قومية تميل إلى أن تكون أكثر تأييداً”، كما يقول توسون.
رداً على الحجة التركية بأن القانون الدولي إلى جانب أنقرة، وصف وزيرُ الخارجية الألماني هايكو ماس هجومَ الجيش التركي ضد ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية في الشمال السوري بأنه “غزو لا يتوافق مع القانون الدولي”. وفي سياق تحذيره تركيا من إمكانية خسارتها للمدفوعات الأوروبية في إطار خطة لإبقاء اللاجئين السوريين في تركيا، يتابع ماس: “كما أننا لا نوافق على إرسال لاجئي الحرب الأهلية السورية الموجودين في تركيا الآن إلى شمال شرق سوريا إلى هذه المنطقة الآمنة.، على الأرجح ضد إرادتهم”. ينبغي مناقشة هذه المواضيع فيما يتعلق باتفاق اللاجئين، “لأننا لن ندفع المال مقابل أشياء نعتقد أنها غير شرعية أو غير قانونية”.
عدم احتمال أي معارضة
كما أشار إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، والذي يستمد معظم دعمه من مناطق تركيا ذات الأغلبية الكردية، كان الحزب السياسي الوحيد المُمثّل في البرلمان التركي والذي عارض العملية علناً.
وها هما الرئيسان المشترَكان لحزب الشعوب الديمقراطي، سيزاي تيميلي، وبيرفين بولدان، قيد التحقيق بسبب انتقادهما الصريح لعملية نبع السلام، وهما متّهمان بـ “تنفيذ دعاية لمنظمة إرهابية، والإساءة للحكومة التركية علناً”.
بيد أنهما ليسا الوحيدين. إذ اتّخذت الشرطة التركية إجراءات قانونية ضد أكثر من 100 شخص بسبب “إثارة الكراهية والعداء عبر حملة تشويه”، بما في ذلك رئيسا تحرير اثنتين من وسائل الإعلام المعارضة وسيزغين تانريكولو، وهو نائب عن حزب الشعب الجمهوري والرئيس السابق لنقابة المحامين في ديار بكر.
وفي الوقت ذاته، تعرّض رئيس اتحاد نقابات المحامين الأتراك، متين فوزي أوغلو، لانتقادات من بعض زملائه بسبب تعليقات أدلى بها في برنامج تلفزيوني حول التوغل التركي. إذ أكّد أنه إذا تعرضت دولة لهجوم من مجموعة تستخدم مدنيين كدروع بشرية فإن الدولة ليست مسؤولة عن حماية أرواح هؤلاء المدنيين.
غير أن الجدل الفوري كان قصير الأجل. وقد تابع فوزي أوغلو هذه الملاحظة برأي آخر يعكس الشعور الشعبي المهيمن حول العملية، والقضية الأوسع. إذ قال إن هؤلاء الذين “لا يُدِينون” حزب العمال الكردستاني المحظور (PKK) حتى “بفتور” ينتقدون تركيا فعلياً.
أما حزب العمال الكردستاني، فهو مدرجٌ على قائمة المنظمات الإرهابية من قِبَل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتقول أنقرة أن امتداده في سوريا -أي وحدات حماية الشعب (YPG)- تشكّل تهديداً تشاركت معه الولايات المتحدة في قتالها ضد داعش.
ويميل الرأي العام الواسع الانتشار إلى أن يعكس وجهة نظر فوزي أوغلو. بالنسبة للقوميين، فإن تبنّي موقف كهذا، يعني أن تكون ضد تركيا بصورة متعمدة، حتى أن البعض يزعم أن وجهة النظر هذه تخفي رغبة عميقة في تدمير تركيا.
الاستياء من أوروبا
ومن ناحية أخرى، يقول الليبراليون أن الغضب بين المجتمع الدولي ينبع من أنانية أو جهل بالقضية. فقد صرّح الصحفي والمعلّق مراد يتكين لتلفزيون ميديا سكوب (Medyascope) المستقل أن الدول الغربية كانت تتصرف كما لو أن الوضع في سوريا مستقر وأن عملية تركيا تضرُّ بهذا الاستقرار. كما أعلن أن القلق الوحيد للدول الأوروبية هو منع اللاجئين، الذين من المحتمل أن يفرّوا من المنطقة، من الوصول إلى أوروبا.
قد يتفق المواطنون الأتراك مع هذا. إذ أنهم يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي لا يتشارك عبء اللاجئين بمافيه الكفاية. وقد قالت السلطات التركية إن أحد أهداف العملية ضمان عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم. وهذا أحد الأسباب الرئيسية لموافقة الجمهور بأغلبية كبيرة على العملية. ليس من السهل على أي بلد تحمّل المشاكل السياسية والمالية والاقتصادية لـ 3.5 مليون لاجئ، ويشعر غالبية الأتراك أن الغرب قد تخلّى عنهم فيما يتعلق بهذه القضية.
كشف استطلاع رأي أجرته شركة استطلاع إبسوس (Ipsos) في تموز/يوليو 2019، أن 59% من الأتراك يريدون أن تُغلق الحدود أمام اللاجئين.
من جهة أخرى، هناك أيضاً مسألة إعادة لاجئين سوريين عرب بشكل أساسي إلى “منطقة آمنة” والتي ستُنشأ في مناطق تقطنها أغلبية كردية. يقول الدكتور وهاب جوساكون، وهو أكاديمي من كلية الحقوق في جامعة دجلة في ديار بكر، أن هذا يتحول إلى مسألة مقلقة لبعض المواطنين، ولا سيما السكّان الأكراد في تركيا. يقول: “يغذّي خطاب كهذا فكرة أن تركيا تتبع سياسة معادية للأكراد. يصبح من الصعب مقاومة هذا الانطباع”.
وفي حين أن الهدف الرئيسي الآخر للعملية تطهير الحدود التركية من وحدات حماية الشعب (YPG)، انتقد العديد من الأشخاص في تركيا حقيقة أن تغطية وسائل الإعلام الغربية وتغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد صوّرت العملية على أنها حرب بين الأتراك والكرد.
فإشارة وسائل الإعلام الغربية إلى مقاتلي وحدات حماية الشعب بكلمة “أكراد” فقط وتقديم العملية على أنها عمل عدواني ضد مدنيين أكراد قد عمّق من الإحباط الشعبي في تركيا. والافتقار في تغطية وسائل الإعلام الغربية لبعض الجوانب، مثل الأيديولوجية الرسمية للكيان الموجود في شمال سوريا الذي يخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب، يعادل “الأبوجية”، وهو مصطلح مستمد من اسم زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان.
ولا يخفى أن وحدات حماية الشعب يقودها الرئيس الأوروبي السابق لحزب العمال الكردستاني والابن المُتبنى لأوجلان “شاهين جيلو”، الذي تلقى اتصالاً من ترامب وامتدحه باعتباره “الجنرال مظلوم”. وقد ولّد هذا التعاطف خيبة أمل كبيرة في الشعب ووسائل الإعلام التركية.
ومع ذلك، كما يؤكد توسون، فإن خطاب مبهم كهذا -فاشل في التفريق بين وحدات حماية الشعب وبين الكرد- هو أيضاً شيء تستغله تركيا لصالحها، وهي مسألة لها قدرة على إثارة مشاعر معادية للأكراد داخل حدودها. يقول: “ينبغي على الدولة أن تقوم بشيء ما لمنع التوتر”.
كما أن الأتراك غاضبون من الاتهامات الموجّهة لدولتهم فيما يتعلق بالدولة الإسلامية. ففي نهاية المطاف، فقدت تركيا الكثير من المواطنين في هجمات شنتها داعش. وكنتيجة، يشعر العديد من الأتراك أن ثقتهم في الغرب تتآكل، مما يغذّي بشكل طبيعي الخطاب القومي القائل أن “لا صديق للأتراك سوى الأتراك”.
إضافة إلى أن هناك بعض الأشخاص الذين يعتقدون أن شعور العزلة هذا يعكس الوضع الراهن في تركيا. إذ يكتب يلدراي أوغور، كاتب عمود في صحيفة سربيستيت “Serbestiyet” المستقلة، أن فشل أنقرة في التواصل بشكل فعّال يرتبط بأخطاء فعلتها: النكسات في الديمقراطية، والافتقار إلى حرية الصحافة، وتدهور حكم القانون، أضعفت جميعها من فرص تركيا في صنع قضية مقنعة.
حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2019
ar.Qantara.de
لماذا تُحارب تركيا الأكراد في سوريا؟
يتفق الجميع تقريباً على أنّ الفوضى التي عمَّت سوريا عندما غزت تركيا المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا بعد إعلان إدارة ترامب انسحابَ القوّات الأميركيّة، كانت واحدةً من الآثار الدامية الناجمة عن الخيانة. ولكن ما يزال النقاش دائراً حول تحديد مَن أقدَم على هذه الخيانة في المقام الأول، وطعَن الآخر في ظهره.
أعلنت القوّات الكرديّة المُتمركزة في سوريا أنّ الولايات المتّحدة قد تخلَّت عنها، دون سابق إنذارٍ أو مبرِّر، بعد سنواتٍ من التعاون في مكافحة تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘ (داعش). وفي المقابل صرَّحت تركيا أنّ قرارَ الولايات المتّحدة إقامةَ شراكة في المقام الأول مع القوّات الكرديّة السوريّة -التي تعتبرها تركيا واحدةً من الجبهات المتحالفة مع ’حزب العمّال الكردستانيّ‘، وهو جماعة انفصاليّة كرديّة في تركيا- كان في حدِّ ذاته خيانةً لأحد حلفاء واشنطن في منظّمة حلف شمال الأطلسيّ (ناتو). وقد بدا أنّ الرئيسَ الأميركيّ دونالد ترامب يؤيِّد ذلك الرأي في مؤتمرٍ صحفيّ عقده يوم الأربعاء الماضي في البيت الأبيض.
قد يبدو أنّ من السهل بمكانٍ البتُّ في الادِّعاءات التي يزعمها الجانب الكرديّ: فقد قدَّم الجيشُ الأميركيّ وعوداً للأكراد، أو على الأقل التزامات ضمنيّة، وفشل في الوفاء بها. بيد أنّ الادِّعاءات التركيّة -التي تستند في الأساس على أنّ القوّات الكرديّة السوريّة متحالِفة مع الإرهابيّين- تبدو أكثرَ تعقيداً وأكثرَ إثارةً للريبة. وإليكم السبب.
مَن هم الأكراد؟
يُمثّل الأكراد اليوم، بعد ظهورهم لأوّل مرة في القرن العاشر، أكبرَ مجموعةٍ عِرقيّة في العالم بلا دولة خاصّة بهم، مع أنّهم قد وُعِدوا بالحصول على الحكم الذاتيّ في ’معاهدة سيڨر‘، بين الدولة العثمانيّة ودول الحلفاء، التي عُقدت في 10 أغسطس/آب عام 1920 عقب الحرب العالميّة الأولى. بيد أنّ المؤرخ بريان جيبسون كتَب مؤخّراً في مقالةٍ نُشِرت في مجلة ’فورين بوليسي‘ قائلاً “لقد تقاعست القوّتان العُظمَيان آنذاك، بريطانيا وفرنسا، عن الوفاء بهذه المعاهدة عام 1923، وقسَّمَتا الأراضي الكرديّة بين تركيا وإيران والعراق وسوريا وَفقَ الوضع القائم في العصر الحديث”. ومنذ ذلك الحين، ظلَّ الأكراد يقاتلون من أجل الحصول على شكلٍ ما من أشكال الاستقلال؛ وغالباً ما كان ذلك في ذروة فظائع الدولة، مثل استخدام الزعيم العراقيّ الراحل صدام حسين الأسلحةَ الكيميائيّة ضد المدنيّين الأكراد. وقد صار أقرب ما وصل إليه الأكراد من أشكال الدولة المستقلّة هو تمكُّنهم من إقامة منطقة تتمتّع بالحكم الذاتيّ في شمال العراق، حظِيَت بإدارة ذاتيّة إلى حدٍّ كبير منذ الغزو الأميركيّ عام 2003.
ما هو ’حزب العمّال الكردستانيّ‘؟
أُسِّس ’حزب العمّال الكردستانيّ‘، المعروف اختصاراً باللغة الكرديّة PKK، كجماعة ماركسيّة-لينينيّة في تركيا عام 1978، لمواجهة التمييز الذي تدعمه الدولة ضد أكراد تركيا، بهدف إقامة دولة ’كردستان‘ مستقلّة. وبدأ تمرد ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ ضد الدولة التركيّة عام 1984، واستمرَّ القتال بين الجانبين بصورة متقطِّعة منذ ذلك الحين، وصاحَبَه قمعٌ عنيف من جانب تركيا في المناطق الكرديّة، مما أسفَرَ عن مقتل أكثر من أربعين ألفَ شخص، مُعظمُهم من المدنيّين الأكراد. ومن جانبه، ركَّز ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ هجماتِه على المؤسَّسة العسكريّة التركيّة على مدى سنوات، ولكنّه أصاب أيضاً أهدافاً مدنيّة. وقد صنَّفت تركيا والولاياتُ المتّحدة ’حزبَ العمّال الكردستانيّ‘ منظمةً إرهابيّة.
ما هي ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ – قسد؟
أُسِّست ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ -التي يُشار إليها اختصاراً بـ’قسد‘- رسميّاً في شمال سوريا في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، للدفاع عن المنطقة في خضَمِّ الحرب الأهليّة في سوريا وفي أوج صعود تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘. تضمّ المنظمة ميليشيات عربيّة وآشوريّة، ولكنّ المكوِّن الأساسيّ فيها هو ’وحدات حماية الشعب‘ الكرديّة (التي يشار إليها اختصاراً باللغة الكرديّة YPG). وقد شجَّعَت الولايات المتّحدة على تشكيل ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘، وتحالَفت معها في القتال ضد تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘.
ما العلاقة بين ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ و’حزب العمّال الكردستانيّ‘؟
تتكوّن ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ أساساً، كما وُصِفَت أعلاه، من ميليشيا ’وحدات حماية الشعب‘. تلك الميليشيا أُسِّست رسميّاً عام 2011، باعتبارها الجناح المسلَّح لـ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ الكرديّ السوريّ PYD. تقوم مزاعم تركيا على أنّ ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ ليس سوى فرعٍ لـ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ التركيّ، وأنّ الأخير منخرطٌ في تشكيل ’وحدات حماية الشعب‘، فيما ينفي ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ تلك الصِّلات.
الأمر الذي لا جدالَ فيه هو أنّ ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ كان له وجودٌ في سوريا حتّى عام 1998، حينَ حظرته الحكومة السوريّة. تشكّل ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ في سوريا بعد ذلك بخمسة أعوام، من خلال العديد من نفس أعضاء الحزب المحظور. غير أنّ الأمر الأقلّ وضوحاً هو ما إذا كانت هنالك صِلات تنظيميّة وعمليّاتيّة بين الحزبَين. تقول تركيا إنّ التعاون بين الحزبَين واضحٌ، مع أنّها نادراً ما تقدِّم دليلاً ملموساً على ذلك. فيما أكّد وزير الدفاع الأميركيّ الأسبق أشتون كارتر، في شهادته أمام الكونغرس عام 2016، أنّ هناك “روابط جوهريّة” بين الحزبَين؛ وأشارت أيضاً تقارير مستقلّة إلى وجود تداخُل في العضويّة.
ومع هذا، نفى ألدار خليل، وهو سياسيٌّ كرديّ سوريّ رفيع المستوى، وجودَ أيِّ صِلاتٍ من هذا النوع، وكتب في مقالةٍ له نشرتها مجلة ’فورين بوليسي‘ عام 2017 أنّ ’حزبَ الاتّحاد الديمقراطيّ‘، مثل جميع التنظيمات السياسيّة الكرديّة السوريّة الأخرى، يلتزِم تماماً بمبدأ عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى. وأضاف “يؤلِمنا أنْ نرى هؤلاء على الجانب التركيّ من الحدود يُعانون القمعَ والخوف في ظلّ حكم أردوغان. إلّا أنّ هذا ليس كفاحنا، وقد قلنا علناً وسنظلّ نقول مراراً وتكراراً أنّ أراضينا ومواردنا لن تُستخدَم من قِبَل ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ أو أيّ جماعة أخرى تُحارِب تركيا”.
إلّا أنّه يظلّ من الخطأ القول بعدم وجود روابط إطلاقاً بين ’حزب العمّال الكردستانيّ‘ المتمركز في تركيا وبين ’حزب الاتّحاد الديمقراطيّ‘ السوريّ وبالتبعيّة ’وحدات حماية الشعب‘ (ومن ثَمّ ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ لاحقاً). ووَفقَ ما أوضحه ألدار خليل في مقالته المنشورة في ’فورين بوليسي‘، يلتقى الحزبان في اتّباعِهما أفكاراً تُعزَى إلى التعاليم السياسيّة لمؤسّس ’حزب العمّال الكردستانيّ‘، عبد الله أوجَلان، المعتقل حالياً في تركيا. بغضِّ النظر عن مدى التعاون بين التنظيمَين على أرض الواقع، فإنّ كلّاً منهما يتعاطف بوضوح مع الأهداف السياسيّة للآخر.
والآن، هل ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ تنظيم إرهابيّ أم حلفاء للإرهابيّين؟
جرَت المبالغة في الخطاب التركيّ حول هذه النقطة؛ فغالباً ما يزعم الرئيس رجب طيّب أردوغان ووسائل الإعلام التركيّة أنّ أكرادَ سوريا لا يختلفون أبداً عن تنظيم ’الدولة الإسلاميّة‘ الذي حاربوه، إن لم يكونوا أسوأ منه (وقد ردَّد ترامب وجهة النظر هذه في مؤتمره الصحفيّ). هذا الأمر، وَفقَ أيّ معايير منطقيّة، هو ببساطة غير صحيح. فقد أدارَ الأكراد الأراضي التي سيطروا عليها بصورةٍ أفضل مما كان كثيرون يخشونه، مع غيابٍ تام لأشكال المذابح الطائفيّة التي ارتكبتها الفصائل المسلَّحة السوريّة الأخرى؛ ولذا نالَت منطقة روجافا متعدّدة الأعراق إشاداتٍ باعتبارِها قصّة نجاح ديمقراطيّ استثنائيّ.
ومن غير الواضح مدى انتشار ونَجاعَة مفهوم ومغالَطة “ثبوت الذنب بالارتباط”، أو الشخصَنة، في منطقةٍ ملتهِبة وغير مستقرّة كهذه. فلا تُعاني المنطقة نقصاً في التنظيمات غير الحكوميّة المنخرطة في العنف، سواء في تركيا أو في الدول المجاوِرة لها. ففي سوريا نجد أنّ بعضَ تلك التنظيمات، مثل هيئة تحرير الشام، يمكن اعتبارُها من حلفاء تركيا نفسها. في الوقت الذي يتواصل فيه الجميعُ في الشرق الأوسط مع فاعلين مبغوضين، فإنّ الإشارةَ إلى الصِّلات التي تنخرط فيها ’قوّات سوريا الديمقراطيّة‘ ربّما يُعدّ سياساتٍ حاذقة، لكنّها موضعُ رِيبة من الناحية الأخلاقيّة.
هذا المقال مترجم عن foriegnpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.
درج
—————-
معركة “نبع السلام” انتهت والأكراد خسروها دون قتال/ أحمد الأحمد
تعيش جميع مناطق “شرق الفرات” هدوءً شبه تامّ، فلا وجود لعمليات عسكرية أو اشتباكات أو معارك. توقّفت عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا وتنفّذها المعارضة السورية بشكل نهائي، ولكن المعركة حقّقت غايتها سياسيًا قبل أن تحقّقها عسكريًا، فقد أدّت المعركة مبكّرًا إلى تقاسم تركة “قوات سوريا الديمقراطية” بين النظام السوري وتركيا والولايات المتحدة، كلُّ منهم أخذ حصّته من تركة “الرجل المريض”.
اتفاقان اثنان أبرمتهما تركيا، الأول مع الولايات المتّحدة والثاني مع روسيا، أنهت بموجبه العملية دون تحمّل تكلفة الآلة العسكرية المادّية والبشرية، في حين اتجه كلًّا من النظام السوري وتركيا والولايات المتّحدة لتحاصص المناطق.
ماذا قال المدنيون
لغاية لحظة وقف إطلاق النار، وتوقّف العملية العسكرية بشكلٍ كامل، لم يعد أي من النازحين الذين زاد عددهم عن 300 ألف نازح إلى مناطقهم سواء في تل أبيض أو رأس العين أو غيرها. يتقاسم هؤلاء المدنيون، وهم خليط من الكرد والعرب المخاوف، بين من يخاف من الاعتقالات التي قد تطاله من جانب النظام السوري وحليفته روسيا، أو من يخاف من عمليات انتقام قد تقوم بها المعارضة المتحالفة مع تركيا. ومن بين هؤلاء النازحين، أحمد أبو نائل، من مدينة رأس العين، نزح مع عائلته منذ بدء عملية “نبع السلام” ولكنّه لم يعد حتّى الآن.
يقول أبو نائل: “سيطر النظام على منطقتنا ثم سيطرت المعارضة في عام 2012، وبعدها سيطر عليها “داعش” في عام 2014، ثم سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” في نفس العام، ثم سيطرت عليها تركيا مؤخّرًا”.
ويضيف: “نزحت للمرّة الخامسة على التوالي ولم أعد أقوى على النزوح من مرّة أخرى في كل معركة تشهدها المنطقة” موضحًا أن كل ما يريده هو العيش بسلام بعيدًا المعارك والنزوح”.
لا تأمن الشابّة فاطمة العودة إلى بلدتها سلوك، خوفًا من الاعتقال أو الانتقام الذي قد تلاقيه من الفصائل المقرّبة من تركيا.
تقول فاطمة: “رأينا وسمعنا ما فيه الكفاية عن الانتهاكات التي حصلت في عفرين، ولا أريد أن أعيشها بشكل مباشر وأكون فريسة للمسلّحين الموالين لتركيا”.وتتابع الشابّة، أنها لا تثق بمقاتلين جاؤوا إلى سوريا على ظهور دبّابات أجنبية لتحقيق أجندة دولة ليست دولتهم، بعيدًا عن أي مشروع سوريا.
وبالمقابل، يتخوّف عشرات آلاف الشبّان من السوق الإجباري للخدمة العسكرية أو الاعتقال بسبب خلفيات أمنية، والذي قد تشنّه قوات النظام السوري ضدّهم بعد وصولها إلى مساحات واسعة من شمال شرق سوريا
“منطقة آمنة” دون قتال
يوم الخميس الفائت، توصّل نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، إلى اتفاقٍ مع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، يقضي بتجميد العمليات العسكرية لمدّة 120 ساعة، على أن يتم استمرار هذه الهدنة في حال انسحبت “قسد” من المدن والبلدات التي تريد تركيا تأسيس المنطقة الآمنة فيها.
عقب الاتفاق مباشرةً أعلن بينس أن هذه المنطقة ستكون بعمق 32 كيلو متراً، ولكنّه لم يشر إلى طولها.
من جهةٍ أخرى، فإن القوات التركية وحليفها “الجيش الوطني السوري” في الأيام الأولى للحملة العسكرية، تغلغلا في الداخل السوري فعلًا بعمق نحو 30 كيلو مترًا من جهة القطاع الأوسط لمنطقة “شرق الفرات”، وتحديدًا في مدينة “رأس العين” التي انسحبت “قسد” منها.
وجاء في بنود الاتفاق المكوّن من ثلاثة عشر بندًا، تأكيد الولايات المتحدة وتركيا على علاقة الصداقة بينهما، والتنسيق الوثيق بينهما شرق الفرات، إضافةً إلى حماية أراضي الناتو، والالتزام بدعم حقوق الإنسان والمجتمعات الدينية والعرقية، والاستمرار بمحاربة “داعش” والتنسيق بشأن مرافق احتجاز مقاتلي التنظيم وعائلاتهم.
كما نصَّ الاتفاق، على مكافحة الإرهاب، والتزام تركيا بضمان سلامة ورفاهية سكان جميع المراكز السكانية في المنطقة الآمنة والحرص على سلامة المدنيين والبُنى التحتية، والتزام البلدين بوحدة سوريا، وسحب الأسلحة الثقيلة من وحدات حماية الشعل الكردية وتعطيل تحصيناتهم، ومضيّ تركيا في تأسيس المنطقة الآمنة، فضلًا عن إيقاف عملية “نبع السلام” 120 ساعة للسماح بانسحاب “وحدات حماية الشعب”، وإيقاف العملية نهائيًا عند استمرار الانسحاب، وفور إيقاف العملية، ستوافق الولايات المتحدة على عدم مواصلة فرض العقوبات ضد تركيا.
حصّة الولايات المتّحدة
بموجب هذا الاتفاق، يتوضّح أن الولايات المتّحدة الأمريكية، التي أكملت انسحابها الكامل من الأراضي السورية، قد منحت تركيا ما ترمي إليه بتأسيس هذه المنطقة الآمنة، بعمق 32 كيلو متراً دون تحديد عرضها، ما يفتح الباب أمام دخول النظام السوري على الخط ليحصل على حصّته من تركة الأكراد.
أما الولايات المتّحدة، فاكتفت بنشر قواتها في مناطق حقول النفط، لتمنع وصول تنظيم “داعش” إليها من جهة، وتضمن استمرار سيطرتها عليها من جهةٍ أخرى.
وبحسب مصادر خاصة لـ “درج” فإن الجيش الأمريكي سيّر صباح اليوم الأربعاء، دوريات عسكرية تابعة له على ضفاف نهر الفرات في منطقة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، بهدف حماية حقلي العمر والتنك النفطيين في المنطقة.
وما تزال القوات الأمريكية تحت غطاء التحالف الدولي تحتفظ بقواعدها العسكرية في حقل العمر وحقل التنك إضافة لحق كونيكو أكبر حقول الغاز في سوريا.
حصّة النظام السوري
بعد الاتفاق التركي مع الولايات المتّحدة، تعهّدت تركيا بعدم الدخول إلى عين عرب “كوباني” والموافقة على دخول قوات النظام إلى منبج.
كذلك أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو أن بلاده أبقت مدينة القامشلي بريف الحسكة خارج عملياتها، لتفادي الاشتباك مع قوات النظام الموجودة هناك.
هذا الأمر عزّزه مذكّرة التفاهم الروسية – التركية، التي توصّل إليها الجانبان الثلاثاء في سوتشي، وذلك بعد جلسة مغلقة امتدّت لخمس ساعات بين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
نص الاتفاق النهائي بين الرئيسي على ١٣ بندًا، من أهمها، أن تحافظ تركيا على ما سيطرت عليه من مناطق خلال الأيام الاولى من معركتها “تل أبيض ورأس العين” بعمق ٣٢ كيلو متراً، بينما تنتشر دوريات روسية وتركية على طول كامل الحدود السورية – التركية في شرق الفرات بعمق ١٠ كيلو متر، في حين سيتم تسيير دوريات روسيا مع عناصر من حرس الحدود التابع للنظام السوري في المنطقة التي يمتد عمقها من ١٠ إلى ٣٢ كيلو متر، مع تعطيل عمل وبذلك ينسحب المقاتلين الأكراد بسلاحهم الثقيل، بعمق ٣٠ كيلو متر بعيدًا عن الحدود السورية – التركية، على أن يتم الانتهاء من هذه العملية بحدود 150 ساعة، ابتداءً من الساعة 12 ظهراً من يوم 23 أكتوبر الجاري.
وبموجب هذا الاتفاق، تكون تركيا قد سيطرت على رأس العين وتل أبيض، في حين سيطر النظام السوري على عين عرب ومنبج والقامشلي، وتمكّن من فرض سيادة “منقوصة” على بقية المناطق الحدودية مع وجود دوريات روسية وتركيا تجول على الحدود بعمق 10 كيلو متر من المنطقة الحدودية، في حين تبدّدَ المشروع الكردي.
درج
“داعش” تجني مكاسب الانسحاب الأميركي من سوريا
قال مسؤولون إن “القوات الأميركية وشركائها، بقيادة الأكراد في سوريا، كانوا ينفذون ما يقرب من 12 مهمة لمكافحة الإرهاب في اليوم الواحد ضد داعش”. لكن تلك العمليات قد توقفت.
وأطلق هؤلاء الشركاء أنفسهم -أي قوات سوريا الديمقراطية- سراح بعض سجناء تنظيم الدولة الإسلامية ودمجهم في صفوفهم، وذلك كوسيلة لإبقائهم تحت المراقبة. أصبح ذلك أيضاً الآن معرضاً للخطر.فعبر الحدود التي يسهل اختراقها بين العراق وسوريا، شنَّ مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية حملة اغتيال ضد رؤساء القرى المحليين، في محاولة لترويع المخبرين الحكوميين.
عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب هذا الشهر أنه سيسحب القوات الأميركية من شمال سوريا مُفسحاً المجال لشن هجوم تركي على الأكراد -حلفاء واشنطن في وقت ما- حذر كثيرون من أن ترامب يُضعِف بذلك شوكة الحملة الرامية إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف أيضاً بداعش.
الآن، يقول المحللون إن ترامب قد أهدى داعش بانسحابه أكبر فوز لها منذ أكثر من أربع سنوات وأمّن آفاق مستقبلها. وفي الوقت الذي تسارع فيه القوات الأميركية إلى الخروج من البلاد، قال مسؤولون أميركيون الأسبوع الماضي، إنهم بالفعل يفقدون قدرتهم على جمع المعلومات الاستخباراتية الهامة حول العمليات التي ينفذها التنظيم على أرض الواقع.
في هذا الصدد قالت لينا خطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية ‘تشاتام هاوس’ وهو مركز أبحاث في لندن، “لا شك في أن داعش هو أحد أكبر الفائزين مما يحدث في سوريا”. في حين أعاق وقف دعم قوات سوريا الديمقراطية قدرة الولايات المتحدة وشركائها السابقين على ملاحقة فلول التنظيم.
من ناحية أخرى، تهللت أسارير أنصار التنظيم فور انتشار أنباء الانسحاب الأميركي على شبكات التواصل الاجتماعي والدردشة المشفرة. كما رفعت الروح المعنويّة لمقاتلي التنظيم في الأذرع البعيدة مثل ليبيا ونيجيريا.
وبإزاحة قوة مضادة فعّالة مثل الولايات المتحدة، سهّل الانسحاب الأميركي من بروز نواة تنظيم الدولة الإسلامية كشبكة إرهابية أو حركة تمرد أكثر تقليدية وأطول عمراً، مقرها سوريا والعراق.
وعلى الرغم من إعلان ترامب المتكرر عن انتصاره على تنظيم الدولة الإسلامية -حتى أنه تباهى أمام زعماء الكونغرس بأنه شخصياً قد “أوقع داعش في الأسر”- إلا أن التنظيم لا يزال يُشكل تهديداً. ففي مارس/آذار الماضي، وبعد فقدان آخر رقعة من الأراضي التي كانت يوماً خاضعة لسيطرته في سوريا والعراق، وزع التنظيم أنصاره وجنوده ليندمجوا وسط المجموعة السكانية الكبيرة أو ليختبئوا في الجبال والمناطق الصحراوية النائية.
أبقى التنظيم على ما يصل إلى 18 ألف “عضو” له في العراق وسوريا، بما في ذلك ما يصل إلى 3 آلاف عضو من البلدان الأجنبية، طبقاً للتقديرات المذكورة في تقرير حديث صدر عن وزارة الدفاع الأميركية “البَنْتَاغُون”. ولا يزال أبو بكر البغدادي، الخليفة المزعوم للتنظيم، حراً طليقاً.
من جانبه، أعلن البغدادي في رسالة مصوّرة صدرت في أبريل/نيسان الماضي قائلاً “إن معركتنا اليوم معركة استنزاف وإنهاك للعدو”. بدا في هذه الرسالة المصورة مرتاحاً وبصحة جيدة، كما كان جالساً على أرضية غرفة خالية من الأثاث، ومحاطاً بالجنود وتظهر إلى جانبه بشكل ملحوظ بندقية هجومية.
واستطرد قائلاً لأنصاره “إن الجهاد مستمر حتى قيام الساعة”، وفقاً للنص الوارد عن مجموعة سايت للاستخبارات.
وقياساً على المؤشرات المرجعية وسيطرة التنظيم على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، فإن أي احتمال للعودة إلى سابق عهدهم ما هو إلا حلم صعب المنال.
هذا لأن التغييرات في السياق السياسي في سوريا والعراق قلّصت قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على إثارة العداء الطائفي النابع من شعور المسلمين السنة بالإحباط نتيجة حكم السلطات الشيعية -أو ذات الصلة بالشيعة- في سوريا والعراق، وهي الوسيلة المميزة التي يلجأ إليها المتشددون من داعش وغيرهم.
فقد نجحت الحكومة العراقية في نيل دعم المسلمين السنة في العراق على نطاق واسع. وضيق الرئيس السوري بشار الأسد، من خلال سحق الثائرين ضده والداعين لسقوطه، المجال أمام المقاتلين السنة للحشد والتعبئة. كما يعارض كثيرون ممن عاشوا تحت قبضة تنظيم داعش الحديدية عودة التنظيم.
ولكن من ناحية كونه حركة تمرد سرية، يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية قد مُنِح قبلة الحياة.
من جهة أخرى، واصل مقاتلو التنظيم تنفيذ “عمليات اختطاف واغتيال وهجمات انتحارية وحرق للمحاصيل في كل من العراق وسوريا”، وفقاً لتقرير صادر الصيف الماضي عن المفتش العام للعمليات ضد التنظيم في البنتاغون. كما قال التقرير إن التنظيم قد أنشأ “خلايا انبعاث” في سوريا وسعى إلى بسط سيطرته وتوسيع نطاق قيادته في العراق.
هذا وقد شرع المقاتلون في حرق المحاصيل وإخلاء قرى بأكملها. كما سعوا إلى جمع الأموال من خلال تنفيذ عمليات اختطاف للحصول على فدية، وابتزاز المسؤولين المحليين بفرض الضرائب، وذلك عن طريق اقتطاع جزء لحسابهم من تعاقدات إعادة البناء.
أما هجماتهم على رؤساء القرى -التي قُتِل فيها 30 رجلاً على الأقل في العراق عام 2018، وفقاً لتقرير البنتاغون- فما هي إلا محاولة لترويع الآخرين من التعاون مع بغداد.
وأضاف التقرير موضحاً أن “ارتفاع وتيرة عمليات تنظيم الدولة مع تنفيذ هجمات متعددة على مساحات شاسعة من الأراضي” قد يُقصَد به خلق انطباع عن أن التنظيم يملك القدرة على ضرب أي مكان “وأن يفلت من العقاب”.
قال ترامب بدايةً في ديسمبر/كانون الأول الماضي إنه يعتزم سحب آخر ألفي جندي أميركي في سوريا، لكن وزارة الدفاع الأميركية قلّصت هذا العدد وسحبت حوالي نصف أولئك الجنود.
مع ذلك، يقول المسؤولون العسكريون إن مساعدة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ملاحقة الخلايا السريّة والمقاتلين الفارّين، تتطلب تدريبات ودعم استخباراتي أكثر من ذاك الذي تتطلبه معركة مفتوحة من أجل السيطرة على الأرض. بل إن الانسحاب الجزئي، كما جاء في التقرير الصادر عن المفتش العام في البنتاغون، قد يلحق “الضرر” بمهمة القوات الأميركية في العراق وسوريا.
ففي الشهر الماضي، ولتأكيد وجوده الحيوي المستمر، أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن تفجير حافلة صغيرة أسفر عن مقتل 12 شخصاً بالقرب من مدخل مدينة كربلاء العراقية التي تعد مزاراً شيعياً. كان هذا هو أعنف هجوم ينفذه التنظيم منذ خسارته لآخر معاقله.
وفي غضون ساعاتٍ من إعلان ترامب، منذ حوالي أسبوعين، انسحاب القوات الأميركية من الحدود السورية مع تركيا، استهدف انتحاريان من داعش قاعدة لقوات سوريا الديمقراطية في مدينة الرقة السورية.
“استسلم الصليبيون”، هكذا صاح أنصار التنظيم، وفقاً لليث الخوري، المحلل والمدير بمؤسسة “فلاش بوينت بارتنرز”، التي ترصد الخطابات الإعلامية للتنظيم على الإنترنت.
وقال الخوري، إن رسائل أخرى “حثت (جنود) داعش بكل مكانٍ على مضاعفة جهودهم”.
اشتملت المهمات والعمليات التي نفذتها قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم الدولة -والتي بلغ عددها أحياناً 24 عملية في اليوم الواحد- على دوريات لمكافحة الإرهاب وغارات على خلايا مقاتلي داعش. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، فقد نُفذت بعض العمليات بمشاركة جنود أميركيين، والبعض الآخر نفذته قسد بمفردها.
لكن لاقى الأكراد -وهم أقلية عرقية يحط العرب في سوريا من قدرها أحياناً- استياءً من السكان العرب في شمال سوريا.
وفي محاولة منهم لكسب تأييد تلك المجتمعات المحلية، عفت قوات قسد التي يقودها الأكراد عن مئات المحتجزين من مقاتلي تنظيم الدولة أو المناصرين لهم وأطلقت سراحهم في إطار ما يسمى باتفاقات المصالحة، معتمدين على الزعماء المحليين الذين تربطهم بهم علاقات غير رسمية من أجل تولي عملية إعادة إدماجهم.
بل ضمّت الميليشيا بعض من محتجزي التنظيم المُطلق سراحهم إلى قواتها، حسبما قالت دارين خليفة، وهي باحثة في مجموعة الأزمات الدولية، زارت المنطقة كثيراً ووثقت حالات العفو التي اشتملت عليها هذه “المصالحة” في تقرير نشر الصيف الماضي.
وخلال مقابلة مع خليفة أخبرتنا أن قادة الميليشيا الكردية قالوا لها، “ما الذي تريدين منا صنعه، أن نقتلهم كلهم؟ أو أن نسجنهم جميعاً؟ الوسيلة المثلى للمضي قدماً هي مراقبتهم عن قربٍ وذلك من خلال إبقائهم ضمن قوات قسد”. مضيفةً أن أولئك المُجندين لم يكونوا من زعماء تنظيم الدولة وأنهم لم يرتدوا أو يعاودوا ممارسة جرائم التنظيم حتى الآن.
لكن حالياً يهدد الانسحاب الأميركي، المصحوب بتوغلٍ تركي، عملية المراقبة غير الرسمية على أولئك السجناء السابقين، على حد قول خليفة، مع احتمالية معاودة بعضهم القتال مرة أخرى لصالح تنظيم الدولة.
فقد قامت تركيا، التي حاربت الميليشيات الكردية الانفصالية في الداخل على مدى عقودٍ، بهذا الغزو لدحر تلك القوات التي يقودها الأكراد في سوريا بالدرجة الأولى. ومع غياب الحماية الأميركية، غيّر الزعماء الأكراد الآن ولائهم وتحالفوا مع بشار الأسد.
وفي العراق أيضاً، يقول البعض إن الفرص قد تكون سانحة أمام تنظيم الدولة لإثارة مشاعر الاستياء لدى السنة مرة أخرى في المناطق التي كانت تخضع لسيطرته. إذ لم يتم الإيفاء بوعود إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب. وما زالت الميليشيات الشيعية التي ظهرت من أجل محاربة تنظيم الدول باقية، بل وتسعى في بعض الأحيان إلى التربُّح من السكان المحليين وفرض الضرائب عليهم.
وقال ريناد منصور، مدير مبادرة العراق في تشاتام هاوس، “يتساءل الناس في المناطق المُحررة: لماذا ما تزال هذه المجموعات المسلحة موجودة؟ ولماذا ما زالوا يعتبروننا جميعاً من داعش، ولماذا يفرضون علينا الضرائب أو يبتزوننا ويأخذون كل أموالنا؟”
وأضاف أن الحملة ضد تنظيم الدولة “كانت تسويةً عسكرية لأزمة اجتماعية وسياسية بالأساس”.
ومن جانبه، أصرَّ ترامب مراراً على ضرورة أن تأخذ تركيا على عاتقها مسؤولية القتال ضد تنظيم الدولة في سوريا. وقال ترامب إنه أخبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “هذه ستكون مسؤوليتكم”.
لكن يقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن الجيش التركي لديه سجل قاتم في عمليات مكافحة الإرهاب ولن يستطيع أن يملأ الفراغ الذي ستخلفه القوات الأميركية وقوات سوريا الديموقراطية.
هذا المقال مترجم عن nytimes.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.
درج
——————-
المرحلة ما قبل الأخيرة كُردياً/ آلان حسن
بات الآن كل شيءٍ واضحاً بعد سنوات من الحالة الضبابية التي اتشحت بها الحالة الكُردية في سورية، من تحالف مع الحكومة السورية بدايات الثورة ربيع عام 2011، إلى الاستدارة نحو الولايات المتحدة عقب معارك استعادة السيطرة على عين العرب (كوباني) أواخر عام 2014، إلى مرحلة غياب أي حليف عقب العملية العسكرية التركية المسمّاة “نبع السلام” أواخر عام 2019.
كان مشروع الإدارة الذاتية ضرورة مرحلية عقب انسحاب جيش النظام السوري من المناطق ذات الغالبية الكُردية إبّان الحرب في سورية، الأمر الذي أحدث فراغاً إدارياً ملأه حزب الاتحاد الديمقراطي بالتنسيق مع الحكومة السورية في سبيل منع دخول فصائل المعارضة السورية المسلحة، ولاحقاً التنظيمات الأصولية إلى هذه المناطق. وكانت سيطرة تنظيم (داعش) على معظم مدينة عين العرب قد حوّل مسار تحالف “الاتحاد الديمقراطي” إلى نقطة لم يتوقعها هذا الحزب الماركسي في أيٍّ من مراحل تأسيسه منذ عام 2003، وهي التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية (رمز الرأسمالية العالمية)، كان هذا نقطة تحول في مسيرة الحزب، وجعله يدخل في عدة مشاريع كانت بعيدة عن إيديولوجيته اليسارية.
كان تحالف “الضرورة” ذاك بداية لنشوء قوات سوريا الديمقراطية (تشكل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري)، وكذلك ذراعها السياسية، مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”.
أصبح اسم قوات سورية الديمقراطية (قسد) مرادفاً للانتصارات على تنظيم (داعش) إلى انتهاء وجوده العسكري في منطقة شرق الفرات في مارس/ آذار 2018. لم يستطع المجلس أن يُجاري انتصارات قواته على الأرض، ظلّ على الدوام ظلاً له، ولم يقدّم سوى مشروع يتيم، حشد كل جهوده لتأسيس فيدرالية مجتمعية ربيع عام 2016، حملت اسم “الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا”. ولعله مشروع أضرّ باتساق المشروع السياسي للحزب، وكذلك بأهل المنطقة، وفي مقدمتهم الكُرد، ذلك أن جميع فرقاء الأزمة السورية قد أجمعوا على اعتباره مشروعاً انفصالياً ينبغي وأده قبل أن يرى النور، كان التحوّل من الإدارة الذاتية إلى الفيدرالية صكّ إدانة ضد الشعب الكُردي من الحلفاء قبل الخصوم.
راهن مجلس سوريا الديمقراطية بشكل مطلق على الولايات المتحدة، وغضوا الطرف عن جملة حقائق برزت في أثناء الحرب السورية، مفادها أن روسيا الاتحادية هي التي تمسك بخيوط اللعبة في سورية، وأن مفتاح حلّ أيّ ملف يمرّ عبر الكرملين، مروراً بوزارة الخارجية الروسية. وكانت العلاقة العسكرية بين “قسد” ومؤسسات الإدارة الأميركية هي مع وزارة الدفاع (البنتاغون) وحسب، حيث إن البيت الأبيض ظل ينأى بنفسه عن الخوض في أي مشروع مستقبلي في سورية. ولم تضغط وزارة الخارجية الأميركية لإشراك أي ممثلين مفترضين لها في العملية السياسية الجارية منذ بدايتها عام 2014. أما وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، فقد ابتعدت عن المشهد السوري تماماً بعد فشلها في تدريب المعارضة السورية ثلاث سنوات.
والغريب أن الرهان على الولايات المتحدة استمرّ حتى بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أواخر عام 2018 نيته سحب جميع قواته من سورية خلال ثلاثين يوماً، وتأكيده إنكار أيّ أهمية لسورية في القاموس الأميركي. كان ترامب واضحاً حين وصف سورية ببلد الرمال والموت وحسب، وأنه يصرف مالاً كثيراً من دون طائل. ومع ذلك، أصرّ بعض الساسة في شمال سورية وشرقها على تغيير الموقف الأميركي والمراهنة على بلورة استراتيجية أميركية في سورية، بعد غيابها طوال سنوات الحرب السورية الثماني.
وكان يمكن أن يعتبر الموقف الأميركي أخيراً بالسماح لتركيا بالتوغل داخل ما باتت تعرف
بالمنطقة الآمنة، بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، وبعمق 32 كم، المسمار الأخير في نعش التحالف الهشّ ذاك، لكن الرهان المفاجئ كان على مواقف بعض النواب في مجلس الشيوخ الأميركي.
اتفقت “قسد” على مضض، مع الحكومة السورية، وبرعاية روسية، على نشر الجيش السوري في بعض المدن الحدودية، وكذلك في المناطق التي كان متوقعاً توغل الجيش التركي فيها، وهذا ما كان، وبسرعة قياسية، فقد كان انتشار الجيش السوري مانعاً تقدّم القوات التركية باتجاه مدن تل تمر وعين عيسى ومنبج، لكن ذلك لم يشفع للاتفاق بأن يستمر بالوتيرة نفسها، فظلّ الرهان على تغيّر ما في موقف الرئيس ترامب الذي كان يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية، لتغيير موقفه من احتمال حصول “إبادة للكُرد”، وليس لمبدأ الانسحاب. وليس أدل من ذلك مواقف قيادات “قسد” وزيارات مسؤولي “مسد” للولايات المتحدة للحصول على فرصة جديدة لعودة العلاقات مع الولايات المتحدة.
سيكون الاتفاق الروسي التركي المعلَن أخيراً الحل ما قبل النهائي لقضية شرق الفرات، فعلى الرغم من بنود سلبية فيه، إلا أنها تقي سكان شرق الفرات شبح الحرب، وتعطي المجال للحل السياسي عبر الحوار بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية، وبرعاية روسية. وهذا الحوار، وإن تأخر، سيصبّ في مصلحة جميع السوريين، فشرق الفرات جزء أصيل ومهم من سورية، والنسيج الاجتماعي السوري لا يكتمل إلا بوجود شعوبها كلها. وعليه، على مفاوضي الإدارة الذاتية والحكومة السورية أن يكونوا مرنين لتحقيق اتفاقٍ يصبو إليه الجميع، وأن يبتعدوا عن التصلب في المواقف، وألّا يكون التعامل وفق مبدأ المنتصر والمهزوم، فالانتصار للجميع، وكذلك الهزيمة. تتطلب المصلحة العليا لسورية التعالي على فكرة الانتقام، والمضي في عمليةٍ سياسيةٍ تزيد من التماسك المجتمعي الذي آذته الحرب كثيراً، والانفتاح على التنوع الثقافي والعرقي الموجود، أفضل وأبقى لحاضر سورية ومستقبلها.
العربي الجديد
————-
بيدرسن:الاتفاق الروسي-التركي”مؤقت”..والأطلسي يناقش “منطقة دولية“
أعلن مبعوث الأمم المتّحدة إلى سوريا غير بيدرسن، أنّ الاتّفاق الروسي-التركي في شمال شرق سوريا سيكون “موقّتاً”.
وقال بيدرسن في مقابلة مع وكالة الأنباء السويسريّة “إيه تي إس”، “آمل أن يصمد وقف إطلاق النّار الذي تفاوضت بشأنه روسيا وتركيا. هذا هو الأهمّ”.
وأضاف ان الدوريّات المشتركة بين الجنود الأتراك والروس في المنطقة الحدوديّة الشماليّة من سوريا “يجب أن تكون مؤقّتة. ولا يوجد خلاف على ذلك”.
وأبدى بيدرسن تفاؤله حيال نتائج الاجتماع الأوّل لـ”اللّجنة الدستوريّة السوريّة” الأسبوع المقبل في جنيف، وقال إنّ “هذه فرصة تاريخيّة” يجب أن تترافق مع مزيد من عمليّات الإفراج عن معتقلين. وأضاف “هذه هي المرّة الأولى” التي تتوصّل فيها الحكومة والمعارضة “إلى اتّفاق” منذ ثماني سنوات ونصف سنة من النزاع.
من جهته، ندّد السفير السوري لدى الأمم المتّحدة بشدّة بـ”العدوان” التركي على بلاده، معتبراً أنّ من “الغريب” أن تستخدم أنقرة المادّة 51 من ميثاق الأمم المتحدة حول الدفاع الشرعي عن النفس من أجل تبرير عمليّتها العسكريّة. كما دعا إلى “الاحترام الكامل للسيادة السوريّة” و”سحب جميع القوّات الأجنبيّة غير الشرعيّة” من سوريا.
وردّ السفير التُركي فريدون سينيرلي أوغلو، في اجتماع عقد ليل الخميس/الجمعة، بالقول: “أرفض وأدين بشدّة أيّ تحريف لعمليّة مكافحة الإرهاب التي قُمنا بها (وإظهارها) على أنّها عمل عدواني”. وشدّد على أنّ الأمر كان يتعلّق بـ”عمليّة محدودة لمكافحة الإرهاب” كان هدفها خصوصاً “ضمان سلامة سوريا الإقليميّة ووحدتها”، مشيرًا إلى أنّ العمليّة “لم تستهدف سوى إرهابيّين ومخابئهم وأسلحتهم وآليّاتهم”.
واعتبر السفير التركي من جهة ثانية أنّ “الحلّ الدائم الوحيد” للجهاديين الأجانب وعائلاتهم المحتجزين في سوريا هو إعادتهم إلى بلدانهم. وقال “حرمان الناس من جنسيّاتهم ليس الطريقة الجيدة لمحاربة الإرهاب”.
وطمأن فريدون سينيرلي أوغلو بشأن عودة اللاجئين في تركيا إلى سوريا، واعدا بأن تتم العودة بشكل “طوعي وآمن وكريم”.
من جهته، يتواصل اجتماع حلف شمال الأطلسي لليوم الثاني. وقال الأمين العام لحلف الاطلسي ينس ستولتنبرغ، في تلخيصه لليوم الأول من اجتماع وزراء الحلف: “هناك خلافات جوهرية معروفة. والنقاش كان صريحا ومفتوحاً”. ورفض إدانة العملية التركية وأقر بوجود “قلق مشروع” لدى انقرة بشأن أمنها لتبرير العملية.
وقال دبلوماسي رفيع المستوى إن المحادثات “ستكون حامية” لكن “من غير الوارد أن تحدث مواجهة كلامية”، مضيفا “من غير الوارد معاقبة انقرة او استبعادها، ليس هناك اجراءات من أجل ذلك”. وتابع “لن نخسر تركيا لأنها حليف استراتيجي”.
وأكد وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، هذه المقاربة. وقال عند وصوله الى بروكسل “تركيا تضعنا جميعاً في وضع رهيب” عبر عمليتها العسكرية في سوريا. وأضاف “أعتقد أن لا مبرر للتوغل” التركي في سوريا. وأكد أنه يقع على عاتق الحلف الأطلسي حالياً “العمل معاً لتعزيز شراكتنا معهم وإعادتهم إلى الاتجاه (الصحيح) ليعودوا حليف الماضي القوي والذي يمكن الاعتماد عليه”.
وأقر الوزير الأميركي بأن الولايات المتحدة قلقة من رؤية “حليف جيد يتجه الى فلك روسيا بدلا من أن يكون في فلك حلف شمال الأطلسي”.
وزيرة الدفاع الألمانية انغيريت كرامب-كارنباور، قالت: “أنا سعيدة لأن نظيري التركي أكد لنا أن الحكومة التركية لا تنوي تنفيذ برنامج إعادة توطين كبير في شمال شرق سوريا وأن العملية العسكرية ليست برنامجاً للتطهير العرقي”. كما أشادت الوزيرة “بانفتاح تركيا على مشاركة المجتمع الدولي” في تأمين المنطقة.
ودافعت الوزيرة كرامب-كارنباور عن فكرة إنشاء منطقة حماية دولية في شمال سوريا، تحت رعاية الأمم المتحدة. وأصرت في الاجتماع على أن مهمة تنفيذ دوريات على الحدود التركية السورية لا يمكن أن تُترك لموسكو وأنقرة فحسب وقالت للصحافيين “الوضع الحالي غير مرض”. وأضافت: “اتفاق سوتشي لم يجلب السلام ولا يوفر أساسا لحل سياسي على المدى الطويل. نبحث عن حل يشمل المجتمع الدولي”.
لكن الاتفاق بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين ضرب مشروعها. وقال نظيرها البلجيكي ديدييه رايندرز: “لقد تغير الوضع اليوم على الأرض”. وقال ممثل دولة أوروبية: “يجب علينا أن نتحدث في الأمر مع روسيا”.
وأكد ينس ستولتنبرغ أن “الأولوية يجب أن تعطى لاستمرار القتال ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. الجميع متفق على ذلك”.
ومع ذلك، تريد فرنسا توضيحات حول موقف الولايات المتحدة وتدعو إلى عقد اجتماع لوزراء دول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية على هامش الاجتماع في بروكسل. وترى باريس أن تدخل تركيا العضو في هذا التحالف الذي شكلته واشنطن، يعرض للخطر الحرب ضد التنظيم المتطرف لأنه موجه ضد القوات الكردية التي حاربته على الأرض.
وقال مارك اسبر “التزامنا تجاههم (الأكراد) ليس إقامة دولة تتمتع بالحكم الذاتي أو الدفاع عنهم ضد تركيا. هذه هي الحقيقة المرة”.
من جهته، اتّهم قائد “قوات سوريا الديموقراطية” مظلوم عبدي في تغريدة تركيا بـ”خرق” اتّفاق وقف إطلاق النار، وشنّ هجمات شرق رأس العين. ودعا “الجهات الضامنة لوقف إطلاق النار إلى القيام بمسؤولياتهم في لجم الأتراك ووقف عملياتهم”.
وخلال تصريحات للصحافيين في الحسكة، أبدى عبدي دعم قواته لاقتراح ألماني يقضي بنشر قوات دولية لإقامة “منطقة آمنة” في شمال شرق سوريا. وقال “هناك مشروع بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا حول مبادرة جديدة تحدّ من التعدّيات وهجوم الدولة التركية ويهدف لتموضع قوّات دوليّة في المنطقة الآمنة”، موضحاً أنّه “لم يتبلور بشكل كامل ويحتاج إلى دعم أميركي وروسي”.
الاخوة العربية الكردية:السلام لروحها/ أحمد عمر
إتصل بي صديقي أبو البر، ليلاً، وقال حالة إسعافية، والإسعاف يكون في غير شأن الطب والصحة، فلبست أخفّ ثيابي، ولم أصطحب معي من السلاح والحلقة سوى الدراجة ومعطف المطر، وكان قد أرسل لي العنوان، ووجدت الباب مفتوحاً بانتظاري، والجدل محتدماً. شرح لي أبو البر ملخص القصة، فقال: إن الأعمى والبصير، مختصمان بسبب لعبة شطرنج، الأعمى كردي والبصير عربي، نشأت صداقتهما في المخيم، وهما صاحبا دين وتقوى، وكلاهما يحبّ الطرب أيضاً، ويعزف على آلة العود الموشحات والابتهالات، وقفت زوجة البصير حزينة، وقد أظلم وجهها لما وقع بينهما من شحناء، وكان قد علا صوتهما، وخافت من شكاوى الجيران الألمان الذين ينامون باكراً، أن يتصلوا بالشرطة، فأغلقت النوافذ بإحكام. اقترح عليّ أبو البر أن أتولى الكردي ويتولى هو العربي، فطلبت منه أن نعكس الولاية، وأتولى أنا العربي، فقبل، واختلى كل منا بصاحبه، صاحبي كان في المطبخ منفياً في الشقة الصغيرة، حرجاً من مواجهة الأعمى. شرح لي العربي سبب الخصومة، هما يخوضان كل يوم معركة شطرنج، فقد يربح أحدهما ويخسر الثاني، ويزور أحدهما الآخر حسب النشاط والكعك الذي تعدّه الزوجة، وقد توافق الزيارة صلاة العشاء، فيصلي صاحب البيت إماماً بصاحبه، لكن جديداً جدَّ هذه الليلة، وانفجر لغم تحت الأقدام، الأعمى ذكي ويحفظ الرقعة، ويحرك الحجارة بذكاء، وكان قد انفجر به مدفع رمضان في العاشرة من عمره، وأصاب عينيه، فعمي. مدَّ يده إلى الوزير وتلمس موقعه ليكرّ به على الحصان، فحذّره صاحبنا العربي وهو من إدلب، وقال: بهذه الحركة تخسر الوزير يا أبا صلاح، فتوقف أبو صلاح الكردي وجمد وقال: معناها غشّيت، وحركتَ الحصان من محله يا أبا نادر، قال: والله ما حركتُ الحصان، أنا أغشّك يا أبا صلاح! على إيش. أبو صلاح كبرت في رأسه، وأصرّ على أن أبا نادر غشاش، والدليل على ذلك قسَمه، فقد حلف وهذه علامة كذب، فهي المرة الأولى التي يحلف بها، فهو ينزّه لسانه عن القسم مع أن الحلفان بالله عادة عربية وكردية، يحلف بها العربي على كل أمر، والله الجو حلو، والله الدنيا برد، حتى غدت التسمية بالله مفتاحاً للحديث لا قسماً. الألمان هنا تأثروا من زملائهم الترك، وهم كثر فيها، لأنها أول مدينة استقدمت أتراكاً للعمل، فيكثر الطلاب من قول “فالله”، لأن الترك لا يحسنون نطق الواو، بينما أتقنها الكرد السوريون بسبب العشرة الطويلة مع العرب.
سهّل عليّ أبو نادر البصير المهمة، ما دام تقياً، فذكرت له فضل الإحسان، وكررت له الآيات القرآنية في العفو، وهي كثيرة، وسردت بعضاً من أخبار العفو وفضائله، وفي السيرة النبوية وأخبار الخلفاء والصالحين المتقدمين والمتأخرين، فلانَ وذكر لي أنه لم يغضب من اتهام صاحبه له بالغش، فلعلها حماسة جاهلية، لكنه اشتطّ وقال: أنتم العرب غشاشون، من أسوأ الناس، إرهابيون، ودواعش، وليس من رجل يستحق الكرامة والتقدير سوى النبي، الذي لا يعرف كيف اختاره الله من العرب، وأنه لو اختاره كردياً لكان خيراً للجميع!
كنت قد أفرغت جعبتي من الأمثلة، وخرستُ بعد ذكر هذه الملاحظة، حاولتُ تهدئته وأعدْتُ له بعض الأمثلة، فلعلّها زلة لسان، وذكرت له أن النبي عليه الصلاة السلام لم يعاتبه ربه سوى مرة واحدة في أعمى، وأنه ليس على الأعمى حرج. وسكتنا ننتظر المفاوضات في الغرفة الثانية.
كانت أخبار عملية نبع السلام والحمى التي صاحبتها هي السبب، الكردي هو بطل الأخبار العالمية، والماكينة الإعلامية الألمانية لا تكفّ عن شتم أردوغان، لي جيران ألمان يعيشون في كومونة هيبية، برية، كانوا قد أشعلوا الليل أمس بأغان كردية حماسية حربية، وقد وقعت شجارات، وطُعن تركي في مظاهرة، وجلسنا ننتظر أبا البر ونحن نسمع همهمته من الغرفة الثانية، وما لبث أن عاد أبو البر فقال: عجزت.. ما في أمل.
كنا ننتظر نهاية سعيدة، فالعميان بصيرون غالباً، كل المتنبّئين في السرديات العربية والعالمية عميان، ترزياس في أوديب لسوفوكليس مثلا، العميان من أكثر العارفين بالله، لأنهم في راحة من عمى الألوان وبريق الذهب الكاذب وفتن النساء: أبو العلاء المعرّي، وابن سيده، والعكبري، وزين الدين الآدمي، والرازي، وطه حسين.. المدوّنات السردية التي كان بطلها أعمى كثيرة؛ أمبرتو إيكو، وساراماغو، وكورولنكو، وغسان كنفاني، ويوسف إدريس، ومحمد خضير، وإبراهيم أصلان، وهـ.ج. ويلز.
جاء ابن أبي صلاح، وأخذه من يده إلى بيته مرشداً، وخرجنا أنا وأبو البر، وآخر ما سمعته من أبي نادر أنه أمر ابنه بأن يحذف اسم صاحبه من جهاز الهاتف. كنا مكتئبين، لفشلنا في إنقاذ صداقة شهد لها أبو البر بالمودة والأخوّة. سرد ما جرى له مع صاحبه، صبَّ جهده لإقناع أبي صلاح بأن أبا نادر لو شاء لغشه بطريقة أسهل، وهي أن يدّعي أنَّ الحصان محمي بجندي، وأن الكردي كان يمكن أن يصبر ويؤجل حسم المعركة بلعبة أخرى، وأخبر الكردي أنه لا متعة في انتصارٍ مغشوش، وأن الحرب بينهما سجال، فلمَ يغش هذه المرة؟! لكنه كان ينحت في الصخر، وكان تقديره أن الإعلام العالمي أفسد هذه الصداقة، بجعل الكرد يأخذون فياغرا أوربية وامريكية، ويستعينون بالأمريكان، ويصفون العرب بالدواعش بلا استثناء، من أدنى اليمين حتى أقصى اليسار، ويقيمون دولة بأسرع وقت ممكن حتى على رقعة الشطرنج، ويحتلون القرى العربية ويهجّرون أهلها، ويسمونها بأسماء كردية، مثل حزب البعث الذي سمّى القرى الكردية بأسماء عربية، كنت ساكتاً، يجب أن يكون بين الكرد حليم واحد حتى يثبت شذوذ القاعدة.
روى لي أبو البر ثلاث قصص من ذكرياته، هذه إحداها، قال:
كان معي في الخدمة العسكرية زميل كردي، وكنا في خيمة بالصحراء، ونجلس على الأرض، فيصطدم دوماً بكوب الشاي فيهرقه، فأقول له: اعتذر، ولم يكن يعتذر، كانت تلك طريقته في المزاح، فنهضت في الكوب الثالثة المهرقة، وأمسكته من ذراعه ولويتها وراء ظهره وقلت اعتذر، ولم يفعل، لويتها أكثر، وهو صامت، قسماً بالله كدت أخلعها من محلها وهو صامت، حتى خشيت عليها من الخلع، فقلت لنفسي: العمى! إن كان أحمق، فهل أتحامق مثله فتركتها.
ودرت ظهري لأعود إلى مكاني، فانقضّ عليّ ولوى ذراعي، ولواها لياً قاسياً، وقال: اعتذر، فاعتذرت لأني خشيت على ذراعي من الخلع.
المدن
————–
عندما ينتصر الأسد وتصفّق المعارضة/ سميرة المسالمة
مزهوأ بالسماح له بزيارة الهبيط كان الرئيس السوري بشار الأسد على بعد شريط وهمي يفصله عن خطوط ما سمي بـ”الجيش الوطني” المحسوب على المعارضة الرسمية الذي يناصر تركيا في حملتها على شمال شرق سوريا. لم تكن الزيارة فقط للتذكير بأن هذه المدينة لم تحظَ بمقاومة هذه “الفصائل مجتمعة” لتمنعها من الوقوع تحت سيطرة قوات النظام، ولكنها كانت لتأكيد حقيقة ان ما يحدث في سوتشي من اتفاق روسي- تركي يتضمن حالة استسلام تام لقبول الواقع الميداني وفق ما يقرره خصوم الأمس، أصدقاء اليوم، ومن ثم انصياع الفصائل لإرادة تركيا في تبادل “هدايا” انتهاء الصراع المسلح الذي أفضى إلى تحقيق ما أرادته الدول المتصارعة، بمن فيهم النظام، على حساب ما أراده الشعب السوري عندما أطلق ثورته.
صمدت الهبيط بوابة ريف إدلب الجنوبي منذ عام 2012، واستعصت على جيش النظام حتى آب أغسطس 2019، وعلى الرغم من تسريبات مؤكدة عن اتفاقات آستانة وسوتشي، حول إعادة الطرق الدولية لنظام الأسد، ومنها دمشق – حلب، وما يعنيه ذلك من عودة الهبيط حكماً للأسد، بموافقة تركية، وصمت الفصائل المسلحة التابعة لها، لأن الهبيط تمثل نقطة ارتكاز في الوصول إلى تلك الطرق، عبر كامل البلدات والمناطق التي تفضي إلى تنفيذ الاتفاقات، من دون إعلانها من جانب “تركيا” التي تمثل المعارضة وترعاها، ما يعني أن كل تلك المعارك كانت محسومة النتائج لمصلحة النظام وبموافقة المعارضة المسلحة التي جلست إلى طاولة مفاضات آستانة، والضحايا على الطرفين من السوريين كانوا أدوات تجميلية لاستمرار سير كل طرف في مساره، أحدها النظام برعاية روسية، والآخر تركيا المدعومة من المحسوبين على المعارضة السورية، وللمفارقة ليس العكس، ما أفضى إلى مشهد يوم الثلاثاء 22 تشرين الأول/ أكتوبر مع صورة “الأسد في الهبيط”.
صفقت المعارضة لما حدث من استكمالات لاتفاق المنطقة الآمنة (التركي- الأمريكي) على الرغم من أنه قدم للأسد المناطق الحدودية التي لم يسع لها، ودخل مدناً كانت خارج سيطرته من دون قتال، وأصبح جاراً لمناطق وجود القوات التركية، وباتفاق تركي- روسي (سوتشي 22/10) متضمناً قبول “الجيش الوطني” الذي لن يستطيع إلا أن يكون سلاحه موجهاً إلى عدو تركيا، وهو طبعاً ليس النظام الذي رحب الرئيس التركي بوجوده في مناطق تسيطر عليها القوات الكردية “قسد”.
على ذلك فإن التصفيق جاء لعودة النظام وتقاسمه منطقة “الجزيرة” مع تركيا، وربما يعكر صفو هذا الاتفاق ما أعلنته الولايات المتحدة الأميركية عن بقاء حقول النفط بيد الكرد، مكافأة لما قدموه في حربهم معها ضد داعش، ما يعني بقاء هذا “الجيش الوطني” محكوماً للتمويل التركي مالياً وخططاً، كحال “قسد” المحكومة للأجندة الأميركية وتوافقاتها مع روسيا، وكحال النظام الذي ينقسم على اثنين بين روسيا وإيران.
صورة الأسد في الهبيط هي لتأكيد اتفاقات آستانة بأنه مستمر في تقدمه كما أكدت روسيا حتى عودته إلى كامل مساحة سوريا، ربما ينقصها اليوم المنطقة الآمنة التركية التي هي آمنة لها ولمصالحها، ومهمتها تحطيم السور الذي أقامه القرار 2254 لمنع سيولة الأموال على عملية إعادة الإعمار قبل الحل السياسي، وهو ما يجعلها خارج الحل السياسي الذي سيبدأ التسويق له يوم 28 من هذا الشهر، مع عقد أول اجتماع للجنة الدستورية برعاية أممية، من دون ان يكون الجدول الزمني لكامل أعمالها محدداً كما كان حال تشكيلها.
تصفيق المعارضة لانتصارات الأسد رافقه دائما تضحيات سورية كبيرة، منذ بدء تنفيذ مناطق خفض التصعيد التي أدت إلى تسليم المناطق للنظام، بعد تدمير مناطقهم وموت أولاد لهم وتشريد معظمهم، وحتى المنطقة الآمنة التي أقيمت على حساب مئات آلاف المشردين وعشرات القتلى وضياع الحل السياسي لكامل سوريا وتموضع المصالح الدولية بديلا من المصالح السورية.
اختلفت سرعات الفصائل في التسليم للأسد لكنها في النتيجة جميعها ذهبت إليه بطرائق مباشرة عبر التسويات، او بطرائق غير مباشرة عبر آستانة ومنطقة تركيا الآمنة، أو عبر عقد اتفاق مباشر معه والانضمام إلى جيشه ما يجعلنا نسلم ونستعير من ثورة الشعب اللبناني شعارهم “كلهم يعني كلهم” حرفوا الثورة وأخذوها حيث يريد الأسد، ومن ثم سلموها له، سواء تحت الراية التركية أم الأمريكية وقبلها تحت المسميات الفصائل الإسلامية.
———–
ما بين سطور اتفاق روسيا وتركيا/ هنادي الخطيب
طال انتظار نتائج الاجتماع المكثف والطويل بين الرئيسين التركي والروسي الذي قارب على تجاوز ست ساعات متواصلة، الأمر الذي أكد للمراقبين أن المفاوضات كانت صعبة وتفصيلية، كما طال قبله الاجتماع التركي الأمريكي، وكأن طول مدة المفاوضات في ما يخص سوريا أصبح عرفاً.
من البدهي بعد كل اجتماع يخص سوريا، تأكيد -ضمن أي إعلان- وحدة أراضي سوريا وسلامتها، ولكثرة تكرار هذه العبارة، وانفصالها عن الواقع السوري على الأرض، يستثني الصحافيون ذكرها، إذ تحولت إلى روتين بروتوكولي في الاتفاقات الدولية حول سوريا.
ضمن الاتفاق الروسي التركي تلفت النظر عبارة “الوحدة السياسية” في أولى فقرات المذكرة جنباً إلى جنب مع “سلامة أراضي سوريا الإقليمية وأمن تركيا القومي”، حسناً، لا يوجد تعريف واضح لكلمة الوحدة السياسية لكنها تستخدم عادة نقيضا أو مخالفا للحكم اللامركزي بأنواعه، واللافت للنظر أيضاً أن النسخة الروسية لم تتضمن هذه العبارة، أي ما سمعه الجمهور من وزير الخارجية الروسي يختلف قليلاً عما سمعه من وزير الخارجية التركي، والاختلاف لم يفسد للاتفاق قضية، ولكنه حفظ ثوابت البلدين، كل لجمهوره.
المذكرة تشدد أيضاً على رفض أي تقسيم للأراضي السورية، ما يشي بأنهما سيمانعان ربما أي شكل من الحكم اللامركزي الذي يطالب به “مجلس سوريا الديمقراطية”، أي القضاء على حلم “قسد”، وعلى بوتين ضمان موافقة الأخيرين على ذلك، والانسحاب الكلي مع ترك الهدف الأساسي خلفهم إلى غير رجعة ربما.
تضمنت المذكرة تغييباً لعدداً من الثوابت التركية، إذ لم توصف قوات “الواي بي جي” بالإرهابية مباشرة. وإنما وضعت عبارة فضفاضة تتكلم عن كل تجليات الإرهاب الذي له تعريفات مختلفة بين الجانبين.
بالعودة إلى البنود العشرة، فإن تركيا ستحتفظ بكامل السيطرة على ما يسمى منطقة العمليات الحالية، أي ما بين رأس العين وتل أبيض وبعمق 30 كم، وعلى طول 150 كم، من دون أي إشارة أو تلميح إلى أي أجل ستبقى تحت السيطرة التركية، أما 250 كم المتبقية شرق منطقة العمليات التركية وغربها، عدا القامشلي، فإنها ستكون أساسا تحت سيطرة روسية، يوازيها وجود لحرس الحدود التابع للنظام السوري، ما يعني “شكليا” ألّا قوات نظامية عسكرية ستدخل هناك، فهل سيستبدل النظام الزي الرسمي من عسكري إلى حرس حدود مثلاً؟
يبدو الجميع راضيا “ما عدا السوريين طبعاً”، إذ ستمتلك تركيا مساحة كافية للمراقبة على طول الحدود، وبإضافة هذه المسافات إلى مدينتي منبح وعين العرب، فإن الرئيس التركي يمكنه الادعاء أنه حقق أهدافه بأقصى ما يمكن.
من الواضح أن الزعيمين راضيان تمام الرضى، على الرغم من طول مدّة محادثاتهما قياسا بالاجتماعات السياسية التي تحدث في مستوى القمة، وكما عبر أردوغان فإنه أراد الاتفاق على مبدأ “رابح-رابح”، إذ ضمن إبعاد قوات سوريا الديمقراطية وقوات واي جي بي، بضمانات روسية، مع احتفاظ تركيا بالقدرة على مراقبة التطورات عن كثب ومسافة قريبة، وروسيا من جهتها سعيدة بهدية ترامب لها، فبوتين يعمل منذ سنوات على ملء أي فراغ ينجم عن تراجع أمريكي، ويحارب بشدة كي لا يتمدد الحلف الغربي نحوه.
قال وينستون تشرشل: “في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة”، وهذا ينطبق على الحالة السورية، إذ من الناحية العملية، يقول محللون روس: إن مجلس سوريا الديمقراطية وفواتها سيحتفظون بالسيطرة على البنية السكانية لمنطقة الجزيرة، وبخاصة مع بقاء قوات أمريكية حول آبار النفط التي قال عنها المسؤولون الأمريكيون إنها لحماية الآبار من داعش، لكن هل ستكون مسمار جحا بالنسبة إلى الأمريكيين؟ وخصوصاً أن البيان التركي الأمريكي السابق على التركي الروسي والوفد لم يكن واضحا حول المنطقة الآمنة إذ ألمح في وقتها نائب الرئيس الأمريكي أنها فقط منطقة العمليات التركية الحالية، بينما قال مسؤولون أتراك إن الاتفاق الأمريكي التركي يشمل كامل الخط الحدودي من العراق إلى منبج، ولم يعلق الأمريكيون رسميا. ما يشير إلى أن ذلك الاجتماع كان يهدف إلى إعلان نصر إعلامي لترامب بتحقيق وقف إطلاق نار، من دون ضمانات أمريكية خارج منطقة العمليات. وفي ما يبدو أن هذا أيضاً ما قدمه بوتين لأردوغان، نصر إعلامي غائم.
من الصعب القول إلى ماذا سيؤدي هذا الاتفاق حاليا، فبعد 8 سنين من المأساة السورية من الخطورة التكهن بالآتي، والأخطر الركون إلى تفسيرات نظريات مؤامرة كونية. فالجميع -في ما يبدو- يلعب اللعبة حول سوريا بمرونة وتكتيكات قابلة للتعديل دائما. ولا ننسى أن وزير الدفاع الأمريكي تكلم البارحة عن احتمال فتح تحقيق في جرائم حرب، وهذه عادة تكون ورقة ضغط سياسي احتياطي للمقبل من الأيام. ما يمكن استنتاجه حاليا أن هذه الاتفاقيات ستؤمن بعض الهدوء النسبي، وتوقف زيادة عدد الضحايا السوريين في هذه الحروب. لكن إلى متى؟ من الصعب معرفة ذلك. فعلى الرغم من أن روسيا تركض بكل قوة لملء ما تراه فراغا بعد الأمريكيين، إلا أن الثابت أنها لا تملك قدرات أمريكا وتأثيرها وسطوتها، فهل ستنجح؟ هل سيكون لزيارة بوتين الأخيرة إلى الخليج العربي أثر في دعم تحركها في المنطقة؟ الملفات معقدة جدا، وللأسف بما أن لا معارضة سورية ناضجة تمثل السوريين، ولا بوتقة توحد أغلبهم أو بعضهم، ومع بقاء الطاغية في قصره ينتظر أوامر موسكو وطهران، فليس للسوريين سوى الترقب والمراقبة وحبس الدموع والخوف.
————-
أسئلة ما بعد “نبع السلام”/ حسين عبد العزيز
حققت عملية “نبع السلام” العسكرية التركية هدفها الرئيس، القضاء على مشروع “الإدارة الذاتية” لحزب الاتحاد الديمقراطي، وفي المقابل أسّست لعملية رسم جديدة لخريطة النفوذ في عموم الشمال والشمال الشرقي من سورية، ولن يكون من السهل تحديد معالمها بدقة على الرغم من انجلاء جزء منها.
ما هو معطى، حتى الآن، أن الوحدات الكردية انهارت بوصفها مكونا عسكريا حاملا مضمونا سياسيا، بعد خسارتها أجزاء لا يستهان بها من الأراضي، وتوقف قوتها بعد انكشاف الغطاء الأميركي عنها جزئيا. وما سيحدث، على الأرجح، هو استيلاء النظام السوري بدعم روسي وتراخ أميركي على أجزاء أخرى من مناطق الوحدات الكردية خارج السياج الحدودي بشكل تدريجي. وتشير تحرّكات قوات النظام في الحسكة إلى محاولة السيطرة على كامل حدودها مع تركيا والعراق في آن، من دون الاقتراب من منابع النفط والغاز في هذه المرحلة. وستجعل هذه السيطرة على حدود الحسكة الدولية مع السيطرة على مناطق في وسط المحافظة النظام قادرا على تأمين طرق إمداد عسكرية، والتحرّك عبرها بسهولة شرقا وشمالا.
الأهمية الكبرى للنظام هي منابع النفط والغاز في الحسكة ودير الزور، ولكن مع بقاء الحضور الأميركي على الأرض، سيصعب عليه السيطرة على هذه النقاط الاقتصادية. ومن خلال
تصريحات الرئيس الأميركي، ترامب، ومسؤولين في إدارته، بعيد الكباش السياسي الأميركي ـ الأميركي، يبدو أن واشنطن قرّرت الاحتفاظ بجزء من قواتها العسكرية في التنف وفي محيط منابع النفط والغاز. وأول ترجمة عملية لذلك كانت مع قصف القوات الأميركية المتمركزة في حقول النفط في ريف دير الزور الشرقي مواقع في ناحية خشام التي تسيطر عليها قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية. وثاني ترجمة تتمثل في ما أعلنه السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، أن قادة عسكريين أميركيين يعدون خطة من شأنها منع تنظيم الدولة الإسلامية من العودة إلى الظهور في سورية، ومنع وقوع النفط السوري في أيدي إيران أو التنظيم المتشدد، في وقت يقترح فيه المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، فكرة الفصل بين المقاتلين الأكراد والمقاتلين العرب في قوات سورية الديمقراطية (قسد) لبناء قوة مقاتلة لردع إيران، بعيداً عن الحدود التركية.
في ضوء ذلك، لا يبدو معروفا، في المديين القريب والمتوسط، مصير “قوات سوريا الديمقراطية”: الانخراط الكامل في صفوف قوات النظام، أم المحافظة على خصوصيتها قوة عسكرية في بعض المناطق المهمة، وهو ما تريده واشنطن بحسب تصريحاتها، وما لا تريده روسيا وتركيا والنظام السوري. غير أن رسم معالم النفوذ في شرق الفرات لا يقتصر على ذلك، إذ يبدو أن ثمّة نزاعا سيتصدر الواجهة بين روسيا وتركيا ليس في الأجل القريب، محوره إعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى المنطقة التي تسيطر عليها تركيا بين تل أبيض ورأس العين. وهذه هي المسألة المضمرة الخطيرة، والهدف الاستراتيجي الثاني لتركيا من عمليتها العسكرية، فمن وجهة نظر صناع القرار في أنقرة، لا تكفي شرعنة الوجود العسكري عبر الموافقة الأميركية ـ الروسية، ذلك أن التجربة السورية علمت الجميع عدم وجود ستاتيكو عسكري مستدام، وأن الأوضاع سرعان ما تتغير بشكل كبير. وعليه، تسعى تركيا إلى الحصول على شرعية أممية لوجودها العسكري، ولا يتم ذلك إلا بوجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في المنطقة الآمنة، لأن وجودهم يتطلب تأمين الحماية لهم، ولا تسمح الوقائع سوى لتركيا بتحقيق هذه الحماية، وهكذا تكون تركيا عبر ورقة اللاجئين قد حققت ثلاثة أهداف:
تخفيف أعداد اللاجئين السوريين في أراضيها، الأمر الذي ينعكس إيجابا في الشارع التركي
سيكون لمصلحة حزب العدالة والتنمية. رسالة إلى المجتمع الدولي أن تركيا هي الدولة الوحيدة من بين الدول الفاعلة في الملف السوري، القادرة على إيجاد حل، ولو جزئي، لمشكلة اللاجئين السوريين المقيمين ليس في أراضيها فحسب، بل أيضا الموجودين في أوروبا. ويبدو أن هذه الرسالة لقيت آذانا صاغية في أوروبا، أولا عبر وزيرة الدفاع الألمانية، كرامب كارنباور، التي دعت إلى جعل المنطقة التي تسيطر عليها تركيا منطقة آمنة دولية، وثانيا عبر توجيه البرلمان الأوروبي طلبا لمجلس الأمن الدولي بإصدار قرار بإنشاء منطقة أمنية في شمال سورية، بموجب تفويض من الأمم المتحدة. وحتى ولو صدر قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن هذه المنطقة، فسيكون لتركيا بحكم الجغرافيا الدور الأكبر في هذه المنطقة لو حصلت. وهذا سيؤدي إلى الهدف التركي الثالث، شرعنة وجودها في هذه المنطقة، تحسبا لمواجهة متوقعة مع روسيا في المراحل المقبلة، فموسكو، وإن قبلت بالوجود التركي في الشمال السوري، فإنها فعلت ذلك بحكم الأمر الواقع. ولكن في حال انسحبت الولايات المتحدة نهائيا من سورية، سوف يتغير الموقف الروسي حيال تركيا.
وأكثر ما تخشاه موسكو إعادة لاجئين سوريين إلى هذه المنطقة، وقد عبرت عن ذلك بشكل غير مباشر مرتين: الأولى، من خلال الفقرة الثامنة ضمن الاتفاق الروسي ـ التركي في سوتشي، وتنص على “بذل جهود مشتركة لتسهيل عودة اللاجئين بطريقة طوعية وآمنة”، وتعني هذه الفقرة أن مسألة إعادة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وبإشراف روسي ـ تركي مشترك. الثانية، حين رفضت المقترح الألماني بتشكيل منطقة آمنة دولية، على اعتبار أن الوضع في سورية لا يتطلب إقامة مثل هذه المنطقة.
أمام هذه المعطيات، ستكون منطقة شرق الفرات بكاملها بؤرة الصراع في المرحلة المقبلة، ولكن هذه المرة ستكون بين ثلاثة لاعبين فقط: روسيا، الولايات المتحدة، تركيا.
العربي الجديد
—————-
في الانقسام بشأن العملية التركية/ أحمد ماهر
كما يحدث بشأن أي حدث جلل، ينقسم جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك المهتمون بالشأن العام، إلى معسكرين متناحرين. كانت العملية العسكرية التركية في شمال سورية محور النقاش أخيرا، القوميون العرب والناصريون والدولجية (أنصار السلطة أيّا كانت) ومعهم كارهو الثورات العربية، يتباكون على سيادة الدولة السورية ويشجبون الاحتلال التركي لشمال سورية، يتذكّرون القومية العربية، ويتحدثون عن المؤامرات الغربية – التركية لتقسيم الوطن العربي، ويشبهونها بأنها “سايكس بيكو” الثانية لتقسيم الأمة العربية.
وفي الوقت نفسه، كان فريق يدافع بشراسة عن العملية التركية، أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين، يدافعون عن حق التدخل التركي في سورية، بهدف حماية أمنها القومي، أو بهدف الدفاع عن الإسلام، أو أن التدخل التركي ليس اعتداء، بل هو لإيقاف المؤامرات الكردية أو مؤامرات نظام بشار الأسد، أو أنه ضرورة من أجل الأمة لوقف المؤامرات الإيرانية والروسية.
كان هناك فريق يتلقى اللعنات من الجانبين كالعادة، هو الذي كان يعتبر التدخل التركي استعماريا، لا يختلف كثيرا عن التدخلات، الإيراني والروسي والأميركي، وأن من الممكن إدانة العدوان التركي بمقدار إدانة عدوان إيران وروسيا والولايات المتحدة وتدخلاتهم قبل ذلك، وأن التدخل التركي ليس بالضرورة مؤامرة غربية على المنطقة، كما يروج أنصار نظرية المؤامرة، بل هو دفاع تركيا عن مصالحها ونفوذها، كما فعلت من قبل إيران وروسيا والولايات المتحدة.
في العلاقات بين الدول، هناك ما تطلق عليها نسبية القيم، خاصية أساسية من خصائص العلاقات الدولية، بجانب أن كل دولة تدّعي أن الخير لمواطنيها وللبشرية هو تحقيق مصالحها، وهذا هو
الهدف الأسمى للدولة، فالعلاقات الدولية لا تعرف الأخلاقيات. ولذلك، هناك تعريفات عديدة للخير والشر فيما يخص العلاقات الدولية، وهناك تعريفات عديدة للإرهاب، وتعريفات عديدة لما يطلق عليها المصلحة العليا للدولة، وذلك طبقا لوضع كل دولة وتاريخها وجغرافيتها وتحالفاتها، وطبيعة الطبقة الحاكمة والنظام الحاكم، فما يعتبره بعضهم إرهابا يعتبره آخرون مقاومة مشروعة ودفاعا شرعيا عن النفس، والعكس صحيح، فالولايات المتحدة والغرب لا يرون غير “الإرهاب الإسلامي” في الوقت الحالي، مثلما كان مصطلح الإرهاب يطلق على التنظيمات الشيوعية المسلحة التي تواجه المصالح الإمبريالية في أثناء الحرب الباردة وبعدها. أما ما تفعله إسرائيل من جرائم إبادة فتعتبرها الولايات المتحدة دفاعا شرعيا عن النفس ضد الإرهاب الفلسطيني الذى نعتبره نحن مقاومة ودفاعا عن الحقوق. أما إيران التي ارتكبت جرائم عديدة تحت شعارات دعم المقاومة فإن تعريف الإرهاب لديها هو كل ما يهدّد مصالحها التوسعية ومصالح أذرعها الرئيسية، حزب الله في لبنان مثلا وبشار الأسد في سورية، والحوثيون في اليمن يمثلون أذرع إيران، ويحققون مصالحها الجيوسياسية، ولا يمكن لإيران أن تتخلّى عنهم أو تسمح بسقوطهم.
وعند الجانبين، السعودي والإماراتي، الإرهاب الرئيسي هو القادم من إيران، وخصوصا ذراعها الحوثية في اليمن. ومن أجل مواجهة هذا التهديد الإيراني، ترتكب السعودية والإمارات مجازر عديدة، وانتهاكات في اليمن العربي، وفي حق الشعب اليمني، ولا مانع لديهما من التعاون مع إسرائيل، وتحسين العلاقات معها، من أجل الحماية من الخطر الإيراني، ولا عزاء لشعارات القومية والعروبة واعتبار إسرائيل العدو الأول والتاريخي للعرب.
وفي مصر، يعلم جميعنا أن تعريف الإرهاب لا يقتصر على التنظيمات الجهادية، بل يتعدّى كل فصائل الإسلام السياسي، ليتسع ويشمل كل من يعارض السلطة، وكل من لديه ملاحظات على السياسة العامة للحكومة، فتهمة الانضمام لجماعة إرهابية أصبحت الأشهر التي يتم بها حبس الجميع، لا فرق بين علماني وإسلامي، مسلم أو مسيحي، كهل أو شاب، مؤمن أو ملحد، رجل أو امرأة، بل حتى يتم حبس من كان على درجة كبيرة من معاداة جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي.
وبالنسبة للعملية العسكرية التركية “نبع السلام”، هناك أهداف معلنة، مثل إقامة منطقة آمنة لتوطين اللاجئين السوريين وحماية حدود تركيا من المليشيات الإرهابية، ولكن كتابات تحليلية تتحدث عن الأهداف الحقيقية لتلك العملية مثل مواجهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتقويض مساعي قيام دولة كردية في الشمال السوري، بالإضافة إلى توطين أغلبية عربية سورية من اللاجئين السابقين في تركيا، ما يحقق عدة فوائد، ويضمن وجود جالية سورية أقل عداء لتركيا، إن لم تكن ذات أغلبية موالية، بالإضافة إلى هدف آخر، أشار بعضهم إليه، وهو تقليل حدة المعارضة الداخلية للرئيس أردوغان، بعد المشكلات الاقتصادية أخيرا، باللعب على الحسّ القومي التركي، فعند الحرب يتم رفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
ولأن السياسة الدولية تخلو من الأخلاقيات، فإن في تلك الأهداف التركية مشكلات أخلاقية عديدة، قياسا على قيم حقوق الإنسان، فتغيير التركيبة الديمغرافية في مناطق معروفة بالأغلبية الكردية
تاريخيا يتشابه كثيرا مع حروب الإبادة والتهجير التي كانت ترتكبها القوى الاستعمارية، بالإضافة إلى تقارير كثيرة، تتحدث بالفعل عن انتهاكات القوات التركية والقوات الموالية لها في المنطقة المراد السيطرة عليها. وهناك كتابات كثيرة تتوقع أن تسهم تلك الخطوة في زيادة التوتر في المنطقة، وزيادة تدخلات الأطراف الأخرى اللاعبة في المنطقة، بالإضافة إلى أن فكرة مساومة الغرب باستخدام ورقة منع تدفق اللاجئين إلى أوروبا، أو التهديد بفتح الحدود أمام موجات اللجوء لأوروبا يعتبر كذلك ابتزازا غير أخلاقي، يتشابه مع هذا الذي يستخدم ورقة محاربة الإرهاب من أجل حبس شعبه وقمعه.
مواقف الأنصار المؤيدين لسياسات وتحرّكات حكومة ما، أو الرافضين والمهاجمين تلك السياسات يتحرّكون كذلك بعيدا عن قيم موحدة أو معيار موحد للصواب والخطأ، فهناك من يؤيد ويعارض طبقا للانتماء الديني، أو الإثني، أو طبقا للانحياز الأيديولوجي، وربما القبلي، فلوحظ أن القوميين والناصريين وداعمي السلطوية يهاجمون العملية العسكرية التركية باعتبارها احتلالا، في حين تأييدهم أو تغاضيهم عن التدخلات الروسية والإيرانية، وهي التي أشد وطأة ووحشية وانتهازية، فروسيا تورّطت في مذابح مباشرة وغير مباشرة ضد الشعب السوري، وكذلك مليشيات الحشد الشعبي وباقي المليشيات المدعومة من إيران التي ارتكبت مذابح لا تقل قبحا ووحشية عما ارتكبه تنظيم داعش.
وكذلك يتغاضى أنصار السلطوية العربية عما يحدث في السنوات الأخيرة من تعاون شديد وتطبيع بين إسرائيل ودول عربية، مثل السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان، كما يتجنب بعضهم المناقشة الجادة لفكرة تأسيس دولة كردية مستقلة في شمال الدولة السورية، ويحيل كل ما حدث ويحدث من صراعات إلى الغرب ونظريات المؤامرة. وكان بعض مؤيدي التدخل التركي وأنصاره يستخدمون الدعاية الدينية في دفاعهم، في محاولة للإيحاء بأن العملية التركية تهدف إلى نصرة الإسلام والمسلمين، متجاهلين حقيقة أن الأكراد هم أيضا مسلمون، ولهم دور تاريخي كبير كذلك في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، في حين أن كارهي التدخل التركي يسوقون نظريات المؤامرة والتخويف من “سايكس بيكو” ثانية.
—————–
الشمال السوري والسيادة/ حذام زهور عدي
لم يتوقف نهر الاتفاقات والتفاهمات حول الوضع السوري لحظة عن الجريان منذ بدأت الثورة السورية، قرارات دولية وأممية وعربية وإقليمية ومحلية تحت أسماء وأشكال شتى، حيناً باسم قرارات وأخرى باسم اتفاقات وثالثة باسم تفاهمات.. مصالحات …إلخ ما كان منها علنياً فوق الطاولة أو تحتها.. ما سُرب منها عمداً أو خدمة لطرفٍ ما وما تناقلته أجهزة إعلامٍ موضوعية أو مشبوهة، بالمقلب الآخر فإن السوريين بمكوناتهم المختلفة يعيشون واقعاً قلقاً، فكل ما جرى ويجري يجعل أمورهم دوماً في مهب المجهول…
وإذا كان حديثي اليوم يتطلب وضع ما حدث في مؤتمرات الداخل والخارج جانباً وبخاصة قرارات جنيف واحد إلى سلسلته المفتوحة، وأستانا وفيينا وسوتشي والاجتماعات الثنائية والثلاثية والخماسية …فإنه سيقف عند ما يحدث اليوم من تفاهمات تذاع أحياناً باسم اتفاقات حول ما يجري في شمال وشرق الأرض السورية وبالتحديد ما يُطلق عليه اليوم (شرق الفرات)، محاولاً فهم ما بين السطور…
الاتفاق أو التفاهم الأخير الذي جرى بين الإدارة الذاتية والنظام الأسدي والذي عملت عليه الديبلوماسية الروسية أشهرا متعددة، وفق محاورات مكوكية (بين تركيا والنظام الأسدي تنظيمات قسد، والـ ب ك ك، والإدارة الذاتية، والـ ب واي ك )، وبموافقة ضمنية من الإدارة الأمريكية، الاتفاق الذي يقضي بانسحاب القوات المسلحة الكردية لما بعد عشرين ميلاً أو أكثر بقليل، وتسليم الشريط الحدودي للجيش السوري النظامي، وبهذا تتوقف الهجمة التركية من جهة لزوال أهم مبرراتها، ولا يتعرض الكرد لمقتلة يعجزون عن ردها…
لكنَ المشكلة الحقيقية هي في تفاصيل ذلك الاتفاق، فالإدارة الذاتية تُعلن أنها لن تسمح للجيش السوري بالوجود إلا في أماكن تحددها له وهي أماكن حدودية تماما، وستستمر بوضعها المنفصل واقعياً عن الدولة السورية ونظامها وكأنها تحقق على الأرض ما يُماثل إقليم كردستان العراق، بل أكثر منه من خلال سيطرتها على مدن الحسكة والرقة ودير الزور ومن خلال فرض حواجز وحدود للداخلين والخارجين وعمليات التطهير العرقي للعرب والكرد المختلفين معها، هذا غير التفرد إدارياً بالاقتصاد والتعليم والجيش و..و…أما الأتراك فيعلنون قبولهم بوجود الجيش السوري على الحدود من خلال رهانهم على الشرعية المعترفة له دولياً، والنظام الأسدي يتقبل فكرة تحول جيشه الضعيف المنهك إلى ما يشبه قوات فصل أممية علَه يستعيد مستقبلاً السيادة على الأرض السورية وفق وعود الروس الذين يرقصون ببهلوانية على حبال الديبلوماسية….
إن ذلك الاتفاق يعترف واقعياً باستقلالية الإدارة الذاتية، وإلا لِمَ تحتاج دولة ذات سيادة(!!)لتوقيع اتفاق مع إدارة ذاتية لبعض محافظاتها من أجل نشر قواتها على أراضيها للدفاع عن حدودها؟ اتفاق تصنعه وتفرضه وتضمن قبوله وتنفيذه دولة روسيا، وهل سيمنع الاتفاق الجيش السوري من السيطرة على تلك المحافظات وإعادة إدارتها إلى الحكومة المركزية؟؟ وتنفيذ قوانينها وفق الدستور الحالي ريثما يتبدل ذلك الدستور وتتحدد صلاحيات الإدارة الذاتية وعلاقتها بمركزية الدولة؟؟
هل هناك تفاهمات روسية – أمريكية غير معلنة تعطي التنظيمات الكردية ذلك الحق أم هي تفاهمات تركية روسية؟ أم روسية سورية مختلفة؟ أم روسية- تركية؟ أم أمريكية – تركية؟؟؟ والتحرك الأمريكي اليوم يعلن انسحابه من الحدود وتموضعه حول آبار البترول قرب دير الزور للإشراف على إدارتها بعد أن اعتمد قسد لتلك الإدارة…(وهذا ما صرح به السيناتور ليندسي غراهام رئيس لجنة العدل في مجلس الشيوخ الأمريكي أثناء مقابلته لقناة فوكس ونشره موقع كلنا شركاء مترجما، وأضاف بأن عائدات النفط ستكون لقسد فقط)…فهل هذا من بنود الاتفاق أيضاً؟؟
إنها تساؤلات برسم من يحتفل بالانتصارات المزيفة ولايرى ما وراء الأكمة، ويقيناً أن أحداً من الدول صاحبة القرار لن تهتم بدولة لاتملك قرارها.. هذا عدا عن تراكم أسبابٍ لاحصر لها تشي بخلوها من مقومات أية دولة….
أما مسألة المنطقة العازلة أو الآمنة، فهي اتفاق تركي- أمريكي- بقبولٍ روسي ضمني لكنه واقعياً لن يحل المشكلة التركية- الكردية، ولا مشكلة المهجرين السوريين في تركيا أو بالداخل السوري وبالطبع لن يحل المشكلة الكردية السورية فضلاً أنه لن يعيد السيادة للدولة السورية بكل الأحوال….
إن شريطاً فاصلاً بين تركيا و تنظيمات الأكراد المسلحة والتي تعتبرها تركيا خطراً على أمنها القومي، شريطاً مقتطعاً من الأرض السورية، بحجة اللاجئين، لا يضمن حتى لو بقي الجيش التركي به عقوداً من السنين أو أوكل أمره إلى قوات دولية – كما يُقال- لايضمن هجمات الـ ب ك ك أو ما يماثله من التنظيمات طالما هما على تماس دائم في حدود ذلك الشريط… وبالتالي لن يشعر سكانه بالأمان وسيظلون بحالة اضطراب وعدم استقرار مما سيتسبب بهجرة جديدة لهم، ويزيد الأمر اضطراباً إذا لم يكونوا من ساكنيه القدماء أنفسهم، ولن تترك التنظيمات الكردية المسلحة العمق التركي بسلام طالما أن مشكلتهم معلقة…
إن المشكلة الكبرى للتنظيمات الكردية هي جذرياً في تركيا، وحزب العمال الكردستاني هو حزب تركي، بمعنى تنظيمه وقيادته ومجال وجوده التاريخي، ويبدو أنه الأعلى صوتاً، بالرغم من اعتباره تنظيماً إرهابياً في القرارات الأممية، والأشد تنظيماً، كما يبدو أن معظم المقاتلين الأكراد في سورية يتحركون بتوجيهاته، بالرغم من اختلاف كثير من الأكراد السوريين معه إيديولوجياً، وحرصهم على التمايز عنه، ودون حل تلك المشكلة سيبقى الأكراد ورقة تلعب بها مصالح الدول الأقوى، والحقيقة أن الدولة التركية منذ أواخر العهد العثماني إلى اليوم تعتقد أن القوة هي الوسيلة الأنجع في كبح جماح الكرد ولاسيما المتطرفين منهم، والكرد بدورهم تقامر تنظيماتهم المسلحة بشعبهم، فلم يتعلموا دروس تاريخهم، ولم يتنبهوا لما حدث في دولة مهاباد في إيران زمن الاتحاد السوفييتي، وكردستان العراق، أو تاريخ علاقتهم بالدول الموجودين بها والنظام العالمي…
عندما بشَر كيسنجر بدولة كردية مستقبلية أوائل سبعينات القرن الماضي اعتقد بعض زعمائهم أن تحالفاً مع الولايات المتحدة كفيلٌ بظهور تلك الدولة. لكنَ رياح النظام العالمي كانت باتجاه آخر وكلام السرايا لا يتطابق غالبا مع رغبات القرايا كما يقول المثل.
الإخوة الأكراد السوريون لكم قوميتكم التي تبلورت بوضوح بالقرن الماضي ولكم الحق بالحفاظ على تمايزكم عن شركاء الوطن الآخرين. لكن ليس لكم الحق بالاستيلاء على أراض مختلطة أو ليست واقعياً ذات أغلبية كردية وليس من الحكمة أو المصلحة أن تتحولوا إلى أداة عدم استقرار وإلى جرح مفتوح للعداوة مع من شارككم التاريخ والحاضر وبالتأكيد المستقيل، وفي ذلك يُقال الكثير، ولعل مقال الشاعر الكبير السوري الكردي “سليم بركات” المنشور منذ سنوات، والذي يدلي برأي متميز في مسألة أكراد سورية، خيرما يُستحضر اليوم، إن استغلال الوضع السوري الحالي من أجل حالة يعتقد بعضكم أنها تحقق مصالحهم، خطأ استراتيجي يضاعف المشكلة بدل حلها.
الحوار مع شركاء الوطن، والعمل من أجل دولة مواطنة تعددية تحقق العدالة والتنمية، هو ما يساهم بإيجاد حلٍ للقضية الكردية في سورية، النظام الأسدي أيام الأب ثم الابن هما المسؤولان الأساسيان في ظهور تلك المشكلة وتفاقمها في سورية، ولذلك تفصيل آخر، ولابد من تشابك الأيادي الكردية العربية مع بقية المكونات السورية لإنهاء تلك الأسباب… وهذه أيضاً مسؤولية النخب العربية في أرجاء الوطن الكبير وفي سورية بخاصة، بل عليهم المسؤولية الأكبر، إن التوصل لحلول مستدامة من أجل وطن سوري يكفل المساواة والكرامة والتنمية لكل أبنائه…هو فقط ما يفتح طريق السلامة وما يردم سكة الندامة.
تلفزيون سوريا
————–
نفاق أوروبي تجاه “نبع السلام”/ ماجد عزام
جاء الموقف الأوروبي من عملية “نبع السلام” صاخباً مفعماً بالنفاق والازدواجية ومفاجئاً حتى كون أهداف العملية الرئيسية تمثل ولو شكلاً عناوين للسياسات والمواقف الأوروبية تجاه القضية السورية.
للتذكير، فقد شملت تلك الأهداف محاربة التنظيمات الإرهابية، الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتهيئة بيئة مناسبة أمام عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم ووطنهم، الملف الضاغط على أكثر من دولة أوروبية، والذي كان سبباً لانخراط أوروبي أكبر ولو نسبياً في القضية السورية بعد سنوات من الصمت وتجاهل نظام بشار الكيماوي وجرائمه ضد البشر والحجر في سوريا.
لا بأس من التذكير أيضاً أن الاتحاد الأوروبي يعتبر بي كا كا تنظيماً إرهابياً، ويعرف أنَّ “قسد” مجرد اسم حركي لجناحه السوري من اختراع الشيطان الأميركي بريت ماكغورك، ويعرف ما تعرفه واشنطن أيضاً وما صرح به الزعيم العراقي الكردي مسعود برزاني علناً، وما نشرته وكالة أوروبية – وكالة أكي الإيطالية – عن تحكم قادة بي كا كا المتمركزين في جبال قنديل التام بقسد كتابع وجناح له في سوريا.
الوكالة الإيطالية كانت قد نشرت-مارس 2017- بالتفصيل أسماء قادة التنظيم فى سوريا وجلهم من أكراد أتراك -بعضهم علويون – لا يتحدثون العربية ولا حتى الكردية.
من هنا، يبدو التساؤل منطقياً عن أسباب هذا الضجيج والصخب الأوروبي والنفاق تجاه عملية يفترض أن تحقق نفس الأهداف الذي يقول الاتحاد أنه يسعى لتحقيقها في سوريا.
الإجابة تتضمن عدة بنود أولها أن بروكسل كانت متأكدة من نتائج العملية وأنها ستؤدي إلى زيادة وتضاعف قوة تركيا سياسياً وعسكرياً، وتكريس حضورها ونفوذها في المنطقة، وهذا شيء لا تريده بالتأكيد لصعوبة فرض أي أجندات أو مطالب خاصة بها على أنقرة.
هنا نتحدث طبعاً عن تركيا الجديدة غير الخاضعة للوصاية الخارجية أو المنفصلة عن تاريخها وعقلها الجمعي، تركيا المدنية الديمقراطية التي يجلس قادتها بانتظام لامتحان الشعب بوعيه السياسي والتاريخي.
السبب الآخر للموقف الأوروبي المشين والمنافق، يتعلق بالرغبة في استنزاف وإضعاف تركيا عبر بي كا كا بجناحيه، وإشغالها في مشاكل إقليمية ترهقها، أو على الأقل تمنعها من التحول إلى قوة كبرى سياسياً اقتصادياً جيوسياسياً، وحتى استراتيجياً.
ثمة بُعد فكري سياسي أو تاريخي سياسي يتعلق بالعداء للإسلام – تركيا العنوان بينما إيران حليف تاريخي هنا – في أوروبا، مع تزايد قوة اليمين الفاشي وتأثيره المضطرد على الأجندات السياسية للحكومات الأوروبية.
أما فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب فتعرف أوروبا أن “قسد” تنظيم إرهابي، ولكنها استغلته وتستغله كأداة رخيصة للتخلص من دواعشها بعدما غضت الطرف عمداً عن سفرهم إلى سوريا، كما لحماية مصالحها الاقتصادية والنفطية في سوريا، كما حصل مع فضيحة مصنع الإسمنت الفرنسي الذي استخدم وساطات وحتى قدّم رشاوى لتنظيم داعش لتسهيل عمله وتجارته.
ثمة سبب جوهري إضافي يتمثل باستخدام أوروبا لـ قسد كسجّان رخيص لمقاتلي داعش، مع نسائهم وأطفالهم في سوريا، حيث يوجد نحو عشرة آلاف مقاتل من داعش مع خمسين إلى ستين ألفاً من أسرهم -النساء والأطفال- في معتقلات تمولها أوروبا وتحرسها “قسد” كون الأولى لا تريد استعادة مواطنيها حتى الأطفال منهم، وهي الحجة التي يستخدمها ضدهم دائماً الرئيس الأمريكي ترامب.
وإذا ما تجاهلنا أكذوبة أو أوهام دعم تركيا لداعش التي طلبت قوائم بأسماء أعضاء التنظيم لمنعهم من دخولها، بينما سهلت أوروبا سفرهم للتخلص منهم في سوريا، وهي تعلم علم اليقين أن تركيا دولة تحترم نفسها وستحاكم المعتقلين ثم تعيدهم مع أسرهم إلى بلادهم، ولن يكون بإمكان أوروبا التملص أو التعامل معها كما تتعامل مع “قسد”.
هنا، لا بد من تذكر فضيحة تفجيرات مطار بروكسل –مارس 2016-، حيث اعتقلت تركيا الخلية المسؤولة عن التفجير، ثم أرسلتهم معتقلين متهمين إلى بلادهم، مع تفاصيل عن عضويتهم في تنظيم داعش لكن تم إطلاق سراحهم قبل التفجيرات بفترة وجيزة، أيضاً ما يثير الريبة والشكوك حول مجمل التعاطي الأوروبي مع الملف.
إلى ذلك لم يصدر عن أوروبا هذا الصخب والصراخ تجاه الاحتلال الروسي، وارتكابه جرائم حرب في سوريا وعدم فرض عقوبات ضد موسكو، كما فعلت مثلاً في القضية الأوكرانية، هذا هو بالضبط النفس العنصري تجاه الدم العربي الإسلامي الرخيص بنظرهم.
لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن أوروبا أو قواها ومراكزها الكبرى شريكة رئيسية في تحالف أمريكا – الدولي – لمحاربة داعش الذي تقول الأمم المتحدة إنه أي التحالف ارتكب جرائم حرب موصوفة في سوريا، بمعنى اشتراك أو تورط أوروبا فيها التي تحاضر تركيا الآن عن حقوق الإنسان وحماية وسلامة المدنيين.
فيما يخص المدنيين فقد كانت أوروبا أيضاً شريكة أساسية في نموذج “عين العرب”، الرقة، الموصل، الباغوز التدميري الذي تم فيه تدمير المدن، تشريد أهلها حتى إجراء تغيير ديموغرافي فيه هو ما لا يحدث أبداً مع النموذج التركي في “درع الفرات”، “غصن الزيتون” ثم “نبع السلام”.
أوروبا شاهدة كذلك وعن قرب على ممارسات بي كا كا السوري في مناطق سيطرته بسوريا، وكما قالت الأمم المتحدة ومنظماتها، فقد شملت تلك الممارسات التطهير العرقي التغيير الديموغرافي الإخفاء القسري والتجنيد الإجباري، تماماً كما يفعل النظام في مناطق سيطرته.
النفاق الأوروبي الذى رأيناه تجاه “نبع السلام” نجده بشكل عكسي في الموقف اللين والمتراخي، من إيران وجرائمها في المنطقة، من سوريا إلى العراق مروراً بلبنان واليمن، ناهيك عن البلطجة الفظة ضد السفن في الخليج العربي.
عموماً فلا شيء يفضح النفاق الأوروبى أكثر من المطالبة بمنطقة حظر جوي، في سماء منطقة نبع السلام شمال سوريا، علماً أن هذا كان المطلب الأساسي لتركيا طوال السنوات الماضية، لحماية المدنيين من جرائم نظام الأسد دون أن تحرك أوروبا ساكناً، ثم وبعد العجز الأوروبي عن إدانة العملية في مجلس الأمن، أو عرقلتها في الميدان، جرى طلب اللقاء مع تركيا من أجل الحوار حول طبيعة المنطقة الآمنة وأهدافها، وهي حيثيات لا تخفيها أنقرة منذ طرحت الفكرة لأول مرة قبل ست سنوات تقريباً، بقعة محمية للاجئين والنازحين في وطنهم دون النظام ودون الإرهابيين على اختلاف مسمياتهم، وعلى قاعدة وحدة أراضي سوريا والسعي لحل سياسي عادل وفق قرارات ومواثيق الأمم المتحدة.
تلفزيون سوريا
————–
التوافقات الأميركية الروسية حول سورية بين التخمينات والوقائع/ عبد الباسط سيدا
تسارُع الأحداث في منطقة شرق الفرات، وشمال شرق سورية تحديدًا بصورة لافتة، يؤكد أن ما يجري لا يخرج عن نطاق الاتفاق غير المعلن، بين اللاعبين الأساسيين في الملف السوري: أميركا وروسيا، وفي الخلفية “إسرائيل”.
بعد أعوام من التنسيق العسكري الميداني، بين الروس والأميركيين المتواجدين بقواتهما العسكرية على الأرض، وتحكّمهما في السماء السورية، والتنسيق العالي المستوى بينهما في ميدان الطلعات الجوية، بالمشاركة مع “إسرائيل” وقت اللزوم، إلى جانب اللقاءات والاتصالات الأمنية والسياسية التي جرت وتجري بين المسؤولين الأمنيين والسياسيين على مختلف المستويات، بما في ذلك المستوى الرئاسي؛ يبدو أن الأمور قد انتقلت إلى مستوى آخر من التفاهمات التي يُستشف منها أنها بداية لتوافق حول تسويق حلّ ما. فكل هذه القرائن والمعطيات تؤكد أن الحديث عن إمكانية وجود خلاف جوهري في الملف السوري بين الروس والأميركيين مسألة تخمينية، لا تدعمها الوقائع الميدانية، وطبيعة التوافقات التي تُعلن تباعًا. فالطرفان متوافقان على بقاء الأسد؛ الروس عبر دعمهم العلني لنظام حكمه، والأميركيون من خلال ترديد عبارة أن عملية إزاحة الأسد لا تدخل ضمن نطاق أولوياتهم.
أما “إسرائيل”، فهي منذ اليوم الأول لم تكن مع إزاحة الأسد، بل كانت تعتبره أفضل الخيارات بالنسبة إليها. والآن أصبح أكثر قبولًا لديها؛ فهو أضعف من الضعيف، مسلوب الإرادة تمامًا، ينفذ ما يطلبه منه الروس الذي أكدوا للإسرائيليين استمرار مصداقيتهم في مراعاة مصالحهم، والحفاظ على أمنهم، وبمعرفة النظام الإيراني وتابعه “حزب الله”.
بناء على ذلك، لم تكن الاستعدادات التركية للعملية العسكرية الأخيرة تحت اسم “نبع السلام” بعيدة من التنسيق مع الأمريكان والروس، بل لم يكن مسموحًا لتركيا أن تُقدم على خطة كهذه لولا موافقتهما.
وعلى الرغم من التغريدات المتناقضة التي أطلقها ترامب، والإرباك الكبير الذي أحدثه بمواقفه المتقلبة؛ يبدو أنه كان يتحرك بصورة عامة ضمن المسار المتفق عليه مع الروس. فقد سمح للجيش التركي بالتقدم حينما أعلن سحب قواته من المنطقة التي كانت هدفًا مباشرًا للهجوم التركي، وهي الممتدة بين تل أبيض ورأس العين، وفتح المجال أمام الطيران التركي، وبالتنسيق مع الروس بطبيعة الحال؛ الأمر الذي خلط كل الأوراق، ووضع المنطقة على حافة كارثة إنسانية كبرى؛ خاصة بعد الانتهاكات التي أقدمت عليها العناصر السورية التي دخلت مع الجيش التركي، تحت مسمّى “الجيش الوطني” الخاضع تمويلًا وتسليحًا وتوجيهًا للقيادة التركية، ويلتزم بحرفية الأوامر التي يتلقاها من الجانب التركي.
منذ بداية الحملة التركية، كان من الواضح أن الأمور تسير وفق المقادير المتوافق عليها مع الجانبين الأميركي والروسي؛ وهذا ما استنتج من الإعلان عن اللقاء بين الرئيسين الروسي بوتين والتركي أردوغان من جهة، وبين الأخير والرئيس الأميركي ترامب من جهة ثانية. الأمر الذي يُستنتج منه أن تركيا في نهاية المطاف محكومة بأبعاد التوافق الأميركي – الروسي، حول الملف السوري. ويبدو أن النظام السوري نفسه هو جزء من هذا التوافق، وسيكون له دور، ولو في الحدود الدنيا، ضمن التوافق المذكور. ولعل هذا ما يفسر الترويج للجنة الدستورية بغية خلق انطباع زائف مفاده إمكانية الوصول إلى حل سياسي للموضوع السوري، وذلك بعد الانتهاء من موضوع شرقي الفرات، وربما معالجة ملف إدلب الذي لن يكون صعبًا، إذا وصلت التوافقات بين القوى الإقليمية والدولية إلى مراحلها النهائية أو شبه النهائية.
ما ورد في بنود مذكرة التفاهم بين تركيا وروسيا حول شمال شرقي سورية، بعد لقاء سوتشي 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 الذي جمع بين الرئيسين بوتين وأردوغان، يؤكد رغبة الجانبين في ضبط الأوضاع، وبمشاركة النظام السوري، وإن كانت المشاركة شكلية. فهناك فقرة تؤكد أهمية تنفيذ اتفاقية أضنة الأمنية بين تركيا وسورية 1998 بمساعدة روسية. وفقرة أخرى تتحدث عن مشاركة حرس الحدود السوري، التابع للنظام، في آلية ضبط الحدود بمساعدة روسية، ومشاركة تركية؛ وذلك بعد إبعاد قوات (ب. ي. د) العسكرية من الحدود مسافة 30 كم، وعلى طول الحدود التركية السورية ما عدا قامشلي. وعلى الرغم من التكهنات التي كانت حول منطقة رميلان والمالكية/ ديريك حيث النفط، أعطي انطباع أولي بأنها ستكون أيضًا ضمن التوافق الروسي – التركي. ولكن ما أعلنه ترامب لاحقًا أكد وجود توافق آخر، ينص على أن تلك المنطقة ستكون خاضعة للنفوذ الأميركي، وهي بالتالي خارجة عن إطار التوافق التركي – الروسي المشار إليها.
كان لافتًا في هذا السياق، الكلام الإطرائي الذي وصف به ترامب -في معرض تناوله هذا الموضوع- كلًا من الرئيس التركي والقائد العسكري لوحدات (ب. ي. د)؛ وهذه إشارة تستوجب التوقف عندها، فكلام ترامب المشار إليها ربما الغرض منه هو التمهيد لصيغة من صيغ الحوار أو المفاوضات بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية.
لكن الأمر الأكثر جذبًا للانتباه والتمعن يتشخص في دعوة ترامب لكل من تركيا وسورية إلى حماية حدودهما من (داعش)، وهذا بصريح العبارة فحواه الإقرار بدور مستقبلي لنظام بشار، وأمر كهذا يطرح سؤالًا مهمًا حول دور ومستقبل القوات العسكرية السورية (المحسوبة على المعارضة الرسمية) التي شاركت في العملية التركية المذكورة.
الأمور لم تحسم بعد، ولكن من الواضح أن الأطراف المختلفة ملتزمة بعدم التصعيد، وبالتحرك ضمن الحدود المسموح بها. أما الحملات الإعلامية، والشعارات التعبوية، فهي كلها تندرج ضمن إطار سياسة استهلاك محلية، الغرض منها تسجيل النقاط عند الأنصار، وزيادة الشعبية الداخلية، أو تسجيل نقاط انتخابية، وهذا هو واقع الحال في كل من الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وروسيا.
الخاسر الأكبر من كل ما جرى ويجري من معارك وتوافقات، هم الكرد السوريون الذين دفعوا ضريبة باهظة تتجاوز حدود إمكانياتهم بكثير، ضريبة تجسّدت في الأعداد الكبيرة من الضحايا والمعاقين، فضلًا عن الأعداد الهائلة من المهجرين. لقد كانت اللعبة أكبر من حجمهم وإمكانياتهم الفعلية، وتحولوا من دون إرادتهم إلى أداة في مشاريع الآخرين.
كما أن الشعب السوري بكل مكوناته هو الخاسر، فبعد كل التضحيات التي كانت، وبعد كل التدمير الذي طال بلادهم، والتهجير الذي دفع بأكثر من عشرة ملايين سوري إلى ترك منازلهم ومدنهم وقراهم، وتحوّلهم إلى نازحين في الداخل الوطني، ومهاجرين في الجوار الإقليمي؛ بعد كل هذا يبدو أن التوافقات الدولية والإقليمية تسير باتجاه إعادة تأهيل النظام، ولو بشروط خاصة تتناسب مع المتغيّرات التي كانت، والظروف التي استجدت.
هل ستنتهي الأمور عند هذا الحد؟ أم أن هناك متسعًا للمفاجآت؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام المقبلة. فالأوضاع الثورية في لبنان، وتلك التي كانت، وما زالت، في العراق، تؤكد أن شعوب منطقتنا قد امتلكت وعيها الذاتي، ولم تعد تنطلي عليها ألاعيب الأنظمة الفاسدة المفسدة، وأضاليل الأيديولوجيات القوموية والمذهبية، وهي ستتحرك عاجلًا أم آجلًا، بعد أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتصل إلى قناعة تامة بأن المنقذ يتمثل في المشاريع الوطنية التي تحترم الخصوصيات والحقوق، وتكون بالجميع وللجميع على أساس المشاركة التامة في رسم السياسات، والاستفادة العادلة من إمكانيات الدولة ومواردها.
————
——————————
لا قوات سورية في سورية/ مها غزال
على خلاف ما توقّع بعضهم، لم تكن الحرب في تل أبيض ورأس العين في شمال سورية ضمن العملية العسكرية التركية “نبع السلام” طويلة، غير أنها حوّلت مجرى الصراع في منطقة الجزيرة العربية، وقلبت الموازين، وغيرت خريطة السيطرة العسكرية، بعد الانهيار السريع وغير المتوقع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتوجهها نحو تغيير تحالفاتها الدولية، وتسليم معظم أماكن سيطرتها لروسيا ونظام الأسد.
وبغض النظر عن الموقف من الحرب في الشمال السوري بين القوات التركية وتنظيمات في المعارضة السورية المسلحة من جهة و”قسد” من جهة أخرى، فربما تكون هذه الحرب الأكثر أهمية لجهة أنها تقدّم الصورة الأوضح لما صارت إليه التشكيلات المسلحة، سواء قوات سوريا الديمقراطية أو تشكيلات المعارضة المسلحة الأخرى، بما فيها التابعة لنظام الأسد. جميعها صارت، في بناها ومساراتها وقراراتها، مرتبطة بقوى إقليمية ودولية، تقرّر حضورها أو غيابها، وتقرّر مساراتها، وتشكل قوة الحسم في القرارات المتخذة، وإذا قرّرت تلك القوى الإقليمية أو الدولية الراعية التخلي عن هذا التشكيل أو ذاك، فيمكن أن ينهار على نحو ما أصاب قوات “قسد” التي لجأت، في مواجهة خسارتها المعارك الأولى من الحرب، إلى تسليم مناطق سيطرتها وأسلحتها، بل ورؤوس جنودها وضباطها لجيش النظام الذي طالما شهّرت به، واصطدمت معه سياسياً وعسكرياً، أو ادّعت ذلك على الأقل، وهذا ما يطرح أسئلةً جوهريةً بشأن ماهية تلك التشكيلات وهويتها ومرجعياتها وانتمائها وقدرتها على الدفاع عن نفسها، قبل أن تدافع عن مشروعها أو الأرض التي تقف عليها.
ولأن عملية “نبع السلام” أدت إلى طرح الأسئلة السابقة، فإن الأسئلة ذاتها كان ينبغي أن تُطرح في معركة غصن الزيتون 2018 التي خاضتها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية، حيث عجزت الأخيرة عن التصدّي للقوات التركية ومناصريها من المعارضة المسلحة، وانسحبت من مناطق كانت تحت سيطرتها بغطاءٍ من معارك شكلية، لم يتم فيها استخدام ما تملكه من أسلحة حصلت عليها من الولايات المتحدة، ولا أظهرت القوة التي حاربت فيها مليشيات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قبل المعركة وبعدها، لكن أحداً لم يسأل تلك الأسئلة، ربما بسبب محدودية المعركة، ونتائجها المحدودة.
زادت قوات “قسد” في “نبع السلام” خطواتٍ أخرى لما حصل من قبل، أن مقاتليها، عند انسحابهم من تل أبيض ورأس العين، دمّروا كثيرا من تحصيناتهم قبل البدء بالعملية أخيرا، تحديدا بعد الاتفاق التركي الأميركي. ولا يمكن القول في هذا إن “الإدارة الذاتية” وثقت بأن هذا الاتفاق سيضمن بقاء سيطرتها مدنياً على تل أبيض ورأس العين، لأن تاريخ الخذلان الذي تعرّضت له القوى الكردية في هذه المنطقة كان يجب أن يفرض عليهم حذرا كثيرا، قبل منح الثقة لتلك الاتفاقيات.
وفي الواقع، لم تكن “قسد” القوة الوحيدة التي مضت في هذا السلوك في صراعها المسلح، فالذاكرة السورية حافلة بالحالات المماثلة، ولعل بين الحالات الأهم ما صاحب الحرب على حلب في عام 2016، إذ هاجم النظام وحلفاؤه المدينة وحاصروها، وفشلت كل النداءات للقوى المسلحة في المناطق السورية الأخرى لفتح الجبهات على قوات النظام وحلفائه لإفشال الحرب على حلب، أو تخفيف حدّتها على أمل إيجاد ظروف أفضل، وهو ما لم يحصل، بل ثبت أن بعضهم مضى إلى ما هو أسوأ من التخاذل، إذا تأكّد أن فصائل كانت تتوسّط قوى إقليمية ودولية لتسليم ما تسيطر عليه من جبهات قتال مقابل خروجها من حلب، وحصل مثله في معركة حمص القديمة، حيث ارتفعت صرخات استجداء الفصائل المسلحة عام 2014 من أجل فتح المعارك على مختلف الجبهات، للتخفيف من الضغط الذي يتعرّض له المقاتلون في حمص القديمة وضمان عدم سقوطها. ومثل ذلك، أو قريب منه، تكرّر إبّان معارك انتهت بسقوط داريا ومضايا والزبداني ووادي بردى ودرعا والغوطة وغيرها، من دون أن تتلقى الفصائل الموجودة في هذه المدن أي دعم من قوى المعارضة المسلحة في المدن والمحافظات الأخرى.
وواقع الأمر أنه، ومنذ عام 2013، لم تتدخل أيٌّ من القوى المسلحة التابعة للمعارضة لدعم جبهة أو قوة أخرى في مواجهة هجمات قوات النظام وحلفائه، وغالباً ما دخلت هذه القوى معارك فيما بينها، كما حدث مراراً في الشمال، كما معارك “أحرار الشام” و”فيلق الشام” مع شقيقاتهما من الفصائل الإسلامية، والأمر نفسه حدث وتكرّر في الغوطة الشرقية بين “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”، في وقت كانت فيه الغوطة تحت حصار ممتد سنوات. بل وصلت الخلافات والصراعات البينية إلى التشكيلات المسلحة التابعة للنظام، حيث لم تسلم تشكيلات جيش الأسد الذي صدّعته انقساماتٌ، أبرزها مجموعة ذات روابط مع إيران، وأخرى ترتبط بروسيا عبر قاعدة حميميم.
السبب الرئيس لهذه الظاهرة يكمن في تبعية تلك التشكيلات لدول موجودة على خريطة الصراع السوري، سواء بصورة مباشرة كما هو حال روسيا وإيران وتركيا، أو بصورة غير مباشرة، والأمثلة في الأخيرة كثيرة، تشمل الولايات المتحدة ودولا عربية وأوروبية. وثمّة أسباب أخرى، منها غياب المرجعيات السياسية أو انهيارها، وضعف المستوى السياسي والأخلاقي لقادة تلك التشكيلات، وتراكضهم من أجل تحقيق مكاسب مادية وسريعة على حساب القضايا التي يعلنون أنهم يخدمونها.
لقد أثبتت تلك التشكيلات سقوطها المريع، وصار بين أولى الخطوات المطلوبة تصفية تلك الجماعات على كلا الضفتين، لكن ذلك يحمل، في طياته، عشرات الأسئلة المُرّة، وكثير منها لا جواب عليه، اليوم على الأقل.
العربي الجديد
————————————————————
اتفاق بوتين-اردوغان بين مكاسب تركيا وخسائر المعارضة السورية/ منهل باريش
نجحت أنقرة مع انتهاء مدة 120 يوما التي يتوجب على قوات سوريا الديمقراطية خلالها الخروج من المنطقة الآمنة (منطقة عمليات نبع السلام) في ابرام اتفاق آخر مع روسيا، يوم الخميس 22 تشرين الثاني (أكتوبر) يتعلق بباقي مناطق الشريط الشريط الحدودي مع سوريا، تم الإعلان عنه من قبل وزيري خارجية البلدين، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب اردوغان في مدينة سوتشي، بعد لقاء بين الجانبين استمر أكثر من ست ساعات.
وينص الاتفاق على عشرة بنود أهمها التزام الجانبين على الوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها وحماية الأمن القومي التركي والإبقاء على الوضع القائم في المنطقة التي تشملها عملية “نبع السلام” بعمق 32 كلم، والتي تتضمن تل أبيض ورأس العين. وستدخل الشرطة العسكرية الروسية خارج حدود منطقة نبع السلام لتسهل خروج مقاتلي وحدات حماية الشعب وأسلحتها إلى عمق 30 كم من الحدود السورية المشتركة، خلال 150 ساعة بدأت منذ ظهر اليوم التالي لتوقيع الاتفاق (23 تشرين الأول /أكتوبر عام 2019) وتسيير دوريات روسية تركية مشتركة في غرب وشرق منطقة عملية نبع السلام بعمق 10 كم باستثناء مدينة القامشلي، التي يتقاسم النظام سيطرتها مع وحدات الحماية الكردية، وإخراج جميع عناصر الوحدات الكردية وأسلحتهم من منبج، وتل رفعت (غرب الفرات) وستبدأ جهود مشتركة لتسهيل عودة اللاجئين بطريقة آمنة وطوعية.
المكاسب الروسية
أدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا إلى تفاهم بين وحدات الحماية الكردية مع النظام السوري وإدخاله إلى عدة مواقع حدودية مع تركيا مثل عين العرب أو تسليمه نقاط شمال منبج في منطقة الدادات قرب نهر الساجور.
وبدأت موسكو بملء الفراغ الذي تسببه الانسحاب الأمريكي، بحذر وهدوء بسبب الارتباك الأمريكي والتصريحات المتناقضة في مجلس الشيوخ والرئيس والبنتاغون.
واستغلت روسيا الخشية التركية من إعادة تعويم وإنتاج الوحدات الكردية وهو ما كان يشكل هاجسا بالنسبة لتركيا وما دفع اردوغان لعقد قمة مستعجلة مع نظيرة الروسي فلاديمير بوتين نتج عنها التوصل إلى اتفاق مطمئن لتركيا ويبعد الوحدات ليس عن الشريك الحدودي بل يخرجها من أبرز معاقلها في المدن الكردية مثل عين العرب/كوباني والدرباسية وعامودا والقامشلي وأجزاء كبيرة في المثلث السوري العراقي التركي.
وركز الاتفاق على أكثر الملفات التي تعتبرها موسكو بوابة الحل السياسي في سوريا وهي ملف اللاجئين حيث ستعمل الدولتان معاً لتسهيل عودة اللاجئين بطرية آمنة وطوعية والتشديد على “إيجاد حل سياسي دائم للنزاع السوري في إطار آلية أستانة وسيدعمان نشاط اللجنة الدستورية”.
ونجحت روسيا بإغلاق شبه نهائي لملف منبج، وتخل تركي عن المدينة مقابل دخول الشرطة العسكرية الروسية إليها وإخراج مقاتلي الوحدات الكردية.
ويعتبر التنويه إلى اتفاق اضنة والتذكير به في نص الاتفاقية مجرد تفويض تركي لروسيا، تنازلت فيه تركيا عن حقها في “اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم” حسب الملحق الرابع من اتفاق اضنة الذي وقعه رئيس شعبة الأمن السياسي اللواء عدنان بدر الدين حسن عن الجانب السوري عام 1998 ومعاون الأمين العام لوزارة الخارجية التركية السفير أوغور زيال.
وفي المقابل، وصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الاتفاق بانه “تفاهم تاريخي بخصوص مكافحة الإرهاب” فأنقرة تنظر إلى الاتفاق على انه أبعد مقاتلي الوحدات لمسافة 30 كم عن حدودها وهو ما لم يوفره اتفاق اضنة بنصه وملحقاته الأربعة.
وتبقى صدمة المعارضة السورية وفصائل الجيش الوطني متعلقة بوضع منبج وتل رفعت، فمن الواضح أن أنقرة لم تتمكن من انتزاع شيء بالنسبة للمعارضة في الاتفاق، بينما ضمنت إبعاد الوحدات الكردية من تل رفعت ومنبج حسب تصريح الرئيس اردوغان. وغيبت دهشة الاتفاق أصوات الكثير من قادة الفصائل وسياسييهم، فيما قال المسؤول السياسي في فرقة المعتصم مصطفى سيجري “إن من المبكر الحكم على شكل ومآلات ومستقبل شرق الفرات، والاتفاق الأخير وحسب البنود المعلنة لا يلبي آمال وتطلعات الشعب السوري، ولا معنى للمنطقة الآمنة بوجود عصابات الأسد والوحدات هم أحد أدوات وأذرع النظام في الفترة السابقة، والأسد رأس الإرهاب في المنطقة ولا يمكن القبول بوجوده”.
أمريكياً، تمكن البنتاغون ونتيجة الضغط الهائل على ترامب من قبل مجلس الشيوخ والرأي العام وصناع القرار بالسماح بابقاء على 200 جندي في منابع النفط السورية لمنع النظام من الإستفادة منها، إضافة لرقابة للتحالف الدولي لتأمين ومراقبة سجون مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” ومخيمات أسرهم في شرق الحسكة. وبالطبع فإن هذا البقاء سيضمن تمديد الشراكة مع الوحدات الكردية، ما يعني انحصار الكتلة الصلبة للوحدات في شرق دير الزور والأجزاء الشرقية من محافظة الحسكة. فيما يتراجع نشاط الوحدات في المناطق التي دخل إليها النظام في الرقة والطبقة والمنطقة الممتدة جنوب طريق M4 المعروف بطريق حلب-الحسكة. وحتى تتضح خريطة الانتشار العسكري الجديدة للتحالف الدولي لمحاربة داعش، يرجح أن تخسر الوحدات أجزاء هامة من الطريق إلى جبال قنديل، معقل حزب العمال الكردستاني.
ضمنت عملية “نبع السلام” الأمن القومي التركي بكل تأكيد وحققت أنقرة ما لم تحلم به أو يستطيع اتفاق أضنة تحقيقه بما يتعلق بالوحدات الكردية، لكن نتائج العملية على المعارضة السورية وجمهور الثورة كانت كارثية باعتبارها سمحت بعودة النظام وأدخلته في المنطقة. فالنتائج العسكرية هناك سرعان ما ستترجم إلى نتائج سياسية، تحث إيران وروسيا تركيا على بدء حوار وتنسيق أمني مع النظام، وسيدفع وجود المنطقة الآمنة في جيب يحيط به النظام من ثلاث جهات إلى بدء تنسيق أمني ولو عبر الوسيط الروسي بهدف تلافي المشاكل والصدام على حدود المنطقة، وهو ما سيكون عمليا بوابة لتطبيع لاحق، سيصبح أمرا واقعا مع تراجع الدور الأمريكي.
—————————————-
أميركا تسلّم روسيا ملفّ شرق الفرات/ رانيا مصطفى
انسحبت أغلب القوات الأميركية من شرق الفرات، عقب اتفاق تهدئة مع الحكومة التركية لمدة خمسة أيام، لإيقاف العملية العسكرية التركية “نبع السلام” مؤقتا، والتي حققت هدفها في مرحلتها الأولى، بالسيطرة على المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض.
بدت الهدنة، التي انتهت الثلاثاء الماضي، كما لو أنها مرحلة انتقالية متفق عليها، لتتسلم روسيا من الولايات الأميركية ملفّ التفاوض مع تركيا حول المنطقة الآمنة وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية حتى عمق 32 كيلومترا؛ حيث زار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مدينة سوتشي الروسية في نفس موعد انتهاء الهدنة، وأكمل التفاوض مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد أن كانت حكومته قد بدأت فيه التفاوض مع الأميركيين.
ويبدو أن هناك توافقات روسية- أميركية لا يرغب الطرفان في إعلانها، بدت واضحة مع تجول الصحافيين الروس بحرية في القواعد الأميركية، وفي تكتيك الانسحاب الأميركي المنظم من شرق الفرات، وتسليمه للروس، وللنظام بآلية منظمة، بعد أن كان ممنوعا عليهما تجاوز نهر الفرات من قبل، وقد تعرضت قواتهما للقصف أكثر من مرة لدى محاولة ذلك.
تنصّ مذكرة التفاهم الروسية- التركية، الموقعة في سوتشي في 22 أكتوبر الحالي، على أن تتولى الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع للنظام، خلال مدة 150 ساعة تنتهي الثلاثاء القادم، مهمة مراقبة انسحاب الميليشيات الكردية من المنطقة الحدودية.
وبالفعل أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الخميس الماضي، عن إرسال كتيبتين من الشرطة العسكرية الروسية، تضمّان 276 من رجال الشرطة، إضافة إلى 33 وحدة من المعدّات العسكرية، وذلك في غضون أسبوع إلى المنطقة.
أقرّت موسكو بإبقاء الوضع الراهن في منطقة عملية “نبع السلام”، أي بأحقية سيطرة أنقرة، والفصائل السورية التابعة لها، على منطقة بطول 120 كيلومترا، والواقعة بين رأس العين وتل أبيض، وبعمق 32 كيلومترا، وهو ما أنجزته تركيا في عشرة أيام من عمليتها العسكرية خلال الشهر الجاري، قبل أن توقفها الولايات المتحدة، بوضع حدود للتوغل التركي، وبالتلويح بالعقوبات الأميركية ردا على تجاوز تلك الحدود؛ وكذلك منعها انتشار جيش النظام برعاية روسية من التقدم في اتجاه مدن تل تمر وعين عيسى وصولا إلى منبج.
لكن الإقرار الروسي بسيطرة تركيا على منطقة “نبع السلام”، ذات الغالبية العربية لا يتضمن القبول بمخططها حول إعادة جزء من 3.6 مليون لاجئ سوري إليها، يقيمون في تركيا؛ فيما تريد تركيا أن تكون تلك المنطقة على غرار منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون. بقيت مناطق عين العرب/ كوباني ومنبج شمال شرقي حلب تحت السيطرة الروسية؛ حيث اتخذت روسيا منطقة بطول 19 كيلومترا وعرض خمسة كيلومترات شمال غرب منبج لحماية المنطقة.
بذلك أعطت روسيا لتركيا جزءا صغيرا من مطالبها، فيما تركت الجزء المتعلق بإتمام انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من المدن الرئيسية من الشريط الحدودي مع كامل أسلحتها، مرهونا بتوافقات تركية مع النظام السوري، بوساطة روسية؛ وهنا على أنقرة أن تقبل بتطويع المعارضة التابعة لها، والانسحاب من جنوب إدلب، وقبولها الحل الروسي القائم على تمرير بقاء نظام الأسد في دمشق، عبر تسهيل أعمال اللجنة الدستورية في جنيف، والتي من المفترض أن تبحث في إصلاحات دستورية تمر عبر قبة البرلمان السوري.
انسحبت قوات سوريا الديمقراطية من ست نقاط بين الدرباسية وعامودا بريف الحسكة عند الشريط الحدودي مع تركيا، وتم طردها من المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض من القوات التركية، والفصائل السورية الموالية لها، خلال عمليتها العسكرية، فيما تشترط لإتمام الانسحاب؛ الإبقاء على الإدارة الذاتية، وبقاءها في المدن الرئيسية، والإبقاء على سيطرتها على آبار النفط والمعابر التي تدر عليها تمويلا ذاتيا، وأن تنسحب لمسافة 10 كيلومترات بدلا من 32، وأن تكون مفاوضاتها مع النظام برعاية أممية، للاستفادة من التعاطف الدولي، خاصة الأوروبي، مع دورها في محاربة تنظيم داعش.
كان النظام السوري قد أبدى تساهلا، خلال المباحثات السابقة، في ما يتعلق بالإدارة الذاتية للأكراد، وإدارتها للمدن الرئيسية، لكنه يريد هو والروس استعادة السيطرة على الموارد النفطية، الأمر الذي حسمته الإدارة الأميركية، بإبقاء بعض الجنود لحماية آبار النفط من احتمال سيطرة تنظيم داعش عليها. ويبدو أن منع روسيا والحكومة السورية من الاستفادة من الموارد النفطية والغاز سيبقى ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة، للحفاظ على فعالية العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، وضمان انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا، ولتظل واشنطن الشرطي المتحكم في توزيع الأدوار بالمنطقة، رغم انسحابها، ونيتها بالانكفاء.
زيارة الأسد للهبيط رسالة قوية من روسيا إلى تركيازيارة الأسد للهبيط رسالة قوية من روسيا إلى تركيا
ستستكمل المفاوضات المعقدة لتركيا حول المنطقة الآمنة مع كلا الطرفين، الروسي والأميركي، كل على حدة؛ حيث تقررت زيارة إردوغان إلى واشنطن في 13 نوفمبر القادم، للقاء ترامب. بالتأكيد التوافقات الأميركية- الروسية، والأميركية- التركية، غير بعيدة عن شرط تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، ومنعه من إقامة ممر بري من العراق إلى لبنان، يمر عبر الجزيرة السورية.
تركيا ما زالت تحتفظ بعلاقات قوية مع إيران، وتساعدها في التحايل على العقوبات الأميركية، وتقدم لها تسهيلات اقتصادية واسعة، لكنها بدت منزعجة من معارضة طهران لعملية “نبع السلام”، حيث لوّح المسؤولون الأتراك بإمكانية التخلي عن دعمهم لإيران.
وفي توقيت المفاوضات الجارية لتقاسم النفوذ في شرق الفرات، يلوّح النظام بجاهزيته لإكمال العملية العسكرية في إدلب.
وتعتبر زيارة الأسد للهبيط، على بعد بضعة كيلومترات من مناطق سيطرة المعارضة، وبدء القصف المحدود في بعض المناطق، رسالة قوية من روسيا إلى تركيا، بأن عليها التساهل في موضوع الضغط على المعارضة، لتسليم مناطق جنوب الطريق الدولي؛ اللاذقية حلب للنظام، والضغط على المعارضة للقبول بالحلول السياسية الروسية، وفرضها على المجتمع الدولي، وتمرير مشاريع إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين.
يبدو أن التوافقات الروسية- الأميركية، حول سوريا، تقر بأحقية روسيا بالنفوذ في سوريا، بشرط منع الميليشيات الإيرانية من التوغل، وتحجيم النفوذ التركي، وهي غير بعيدة عن المساعي والرغبات الإسرائيلية. فيما سيكون العرب، الذين أدانوا التدخل التركي، عبر جامعة الدول العربية، ويدعمون تظاهرات العشائر السورية في دير الزور ضد التدخل الإيراني، راضين عمّا ترتبه الدول العظمى لسوريا.
كاتبة سورية
العرب
————————-
“طالعة يا نازلة” التركية في سوريا/ سمير صالحة
لن ينسى الأتراك بسهولة تواريخ السابع والسابع عشر والثاني والعشرين من شهر تشرين الأول الحالي. الأول هو انطلاق عمليتهم العسكرية “نبع السلام ” السورية والثاني هو تاريخ الاتفاق التركي الأميركي على إخراج “قسد” من منطقة تل أبيض ورأس العين. أما الثالث فهو يوم الاتفاقية التركية الروسية على إنهاء العملية وفتح الطريق أمام حالة ميدانية وسياسية جديدة في الشمال السوري.
أنقرة اليوم تلعب أوراقها داخل المد والجزر السوري بطريقة جديدة فرضتها تطورات المشهد والمتغيرات الكثيرة هناك. هي تفاوض واشنطن وموسكو على التموضع الجديد لكنها تريد معرفة شكل الخارطة الميدانية والسياسية في سوريا المستقبل التي يفكران بها. في العلن هي تفاهمات أمنية سياسية ثنائية تهدف لابعاد وحدات الحماية ومجموعات حزب الاتحاد الديمقراطي عن مناطق الحدود التركية السورية، لكنها في العمق هي اتفاقيات الترويكا التركية الروسية والأميركية على حساب الكثير من اللاعبين المحليين والإقليميين في الملف السوري.
شعار المرحلة المقبلة في مسار الأزمة السورية هو التسويات. التسويات بدأت شفهية بطابع سياسي، ثم أعقبها تسويات أمنية على الورق وبعدها تكون عملية تدوين التسويات السياسية وتنفيذها. اتفاقية أنقرة التركية الأميركية هي خطة تسوية أمنية ميدانية، وكذلك الاتفاقية التركية الروسية التي وقعت بعد 5 أيام في سوتشي. لكن الأهداف والأبعاد الحقيقية للاتفاقيتين هي سياسية بامتياز.
سارعت قيادة حزب العدالة والتنمية إلى إدخال تعديل جذري على سياستها السورية والالتفاف على مواقفها وطروحاتها السابقة وخلال أسابيع فقط بعدما شعرت بحجم الخطر المهدد وثقل الاستهداف الذي يعده البعض لها عربياً وأوروبياً وإسرائيلياً . وهي قررت أن تفعل ذلك مع الكبار مباشرة.
في مطلب المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا بطول 440 كلم وعمق 30 كلم ساهمت واشنطن بتسهيل التمدد التركي حوالي 120 كلم دون أن ينجح الرئيس الأميركي في إقناع أنقرة بالجلوس والحوار مع “قسد” كما كان يمني النفس. لكن روسيا كانت أكثر تشددا في رفض منح أنقرة السيطرة على المساحة المتبقية بحدود 320 كلم. هي بدلا من ذلك عرضت مساومات ميدانية سياسية متداخلة ومتشابكة تفرض التواصل والحوار بين أنقرة ودمشق عبر العودة إلى اتفاقية أضنه.
موسكو ضمنت لتركيا تعطيل إقامة الكيان الكردي على حدودها لكنها لم تضمن دعم إنشاء المنطقة الآمنة أو عرقلة أي مشروع أميركي ما زال قائما في العمق السوري حول جائزة الترضية الكردية. موسكو تدرك جيدا مدى حاجتها لتركيا إلى جانبها في المنطقة لذلك هي لا تريد إغضابها في سوريا وأكثر ما قد تطالب أنقرة به هو إعادة تلميع وتحديث اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا عام 1998، ويبدو أن هذا هو الذي حصل في قمة سوتشي الأخيرة دون أن يتم كشف النقاب عن تفاصيله بعد.
واشنطن التي قررت إطلاق يد روسيا في سوريا تتطلع من خلال سلة الاتفاقات الجديدة التاكد من إضعاف إيران في سوريا وحماية أمن إسرائيل في الخاصرة السورية وعدم غبن الحليف المحلي الكردي في التسويات.
أنقرة أيضا قبلت كما يبدو أن فكرة المنطقة الأمنة لا يمكن أن تتم دون تفاهمات تسبق حول التسويات السياسية في سوريا وأن ما ستحصل عليه في شمال البلاد لن يكون أكثر من ضمانة بعيدة المدى بعدم لعب ورقة الكيان الكردي على حدودها الجنوبية وقبول موسكو لعدم التمسك بنظام الأسد خلال بحث المرحلة الانتقالية في البلاد.
أما موسكو التي خرجت المنتصر الأول فهي وعلى ما يبدو ستذهب بمنحى منح واشنطن ما تريده حول إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا لأن ذلك يخدم مصالحها وحساباتها ولأن محاولة هيمنتها على الملف السوري لن تنفعها دون تفاهمات مع دول الجوار التي تمسك أميركا بالكثير من الثقل الوازن فيها وحيث هي قادرة على تضييق الخناق إقليميا على موسكو ومصالحها في إسرائيل والأردن والعراق.
كل ما حصدته طهران حتى الآن من التفاهمات الجديدة هو إعلانها أن الاتفاق الروسي – التركي فرصة لحوار بين أنقرة ودمشق. هي نسيت بقاء أميركا في المشهد كما يبدو. الذي قد تقبل أنقرة به أيضا المساومة مع واشنطن وموسكو على النفوذ الإيراني عبر تشكيل آلية جديدة في الملف تضم واشنطن وموسكو وأنقرة دون التخلي عن آلية الأستانة بل الاكتفاء بإضعافها وتحييدها إلى حين أن تحسم أميركا موقفها حيال السياسة الايرانية الاقليمية.
حسابات الورقة والقلم تقول إنه بين الرابحين أيضا من قرأ المشهد بواقعية ومنطقية ووقف إلى جانب تركيا في خطتها العسكرية والسياسية الأخيرة وابتعد عن تهديدات وتصعيد الجامعة العربية والمجموعة الأوروبية ضد أنقرة.
من خيبت تركيا آمالهم لم يتراجعوا طبعا فهناك الكونغرس الأميركي المراهن على إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية وهناك القاهرة التي تستيضف شريك أحمد في القيادة رياض درار، وكذلك هيئة الأركان الروسية التي استمعت إلى ما يريده “مظلوم كوباني” عبر حلقة نقاش متلفزة عل وعسى.
تمكنت أنقرة من إزالة الجمود وحالة المماطلة في التعامل مع الملف السوري وهي نجحت بتحركها العسكري والدبلوماسي الأخير في فرض الكثير مما تريده وتقوله على الجانبين الأميركي والروسي وإغضاب المجموعتين العربية والأوروبية أكثر فأكثر عبر تهميش دورهما ونفوذهما في سوريا، لكن الضغوطات والسيناريوهات المفاجئة لم تنته بعد بالنسبة لتركيا. التفاهمات الثلاثية في شمال سوريا ستبعد وحدات الحماية عن المنطقة إلى العمق السوري لكنها ستفتح الطريق بالمقابل أمام تقدم وانتشار قوات النظام أولا وهي التي قد تطالب تركيا بعدم التدخل بما سيجري في العمق السوري ثانيا، وقد يدفعها للقبول بصيغة أميركية تركية بديلة عن خطة المنطقة الآمنة ثالثا.
ثم هناك محاولات بعض العواصم العربية والأوروبية للانتقام من تركيا لن تتوقف وربما هي قد تتحول إلى مواجهة مفتوحة تصل إلى ملفات سياسية واقتصادية وأمنية ثنائية وإقليمية عديدة.
تلفزيون سوريا
——————————
الأكراد والمواطنة التي تستهلكها آلة الحرب/ جمال الشوفي
أعادت حملة تركيا العسكرية، على الشمال السوري ومنطقة شرق فراته، حوار السوريين لجملة من المتناقضات شديدة التباين بين المؤيد والداعم الكلي والرافض القطعي؛ ويبدو هذا المشهد بحديته هو المشهد الأكثر تكراراً، ويحق لنا القول ألماً وبلا نتيجة، في سياق الحالة السورية بخاصة ومسارها المشتت لليوم.
في ملابسات المشهد اليوم: يقول مواطن سوري يعيش في دول الشتات: لا يمكنني العودة إلى مدينتي حمص ومثلي ملايين، لكن الآن بات يمكنني العودة إلى سورية إذا وفرت لي العمليات التركية في الشمال السوري منطقة آمنة في سوريا، وبخاصة أن الدول الضالعة في المسألة السورية كلها لم تستطع فرض الحل السوري بالانتقال والتغيير السياسي الذي يضمن عودة آمنة إلى سورية بما فيها من حقوق مدنية وإنسانية، تتمثل جذراً في حق المواطنة المفقود إلى اليوم.
يضيف سياسيون معارضون أن كل من PYD و PKK وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) تمثل مشروعاً انفصاليا عن الهوية السورية والدولة الوطنية، وهم مدعومون عسكرياً من الأمريكيين، كقوى خارجية، ويعود السؤال عن هذا إلى أحقية الأكراد في التوطين التاريخي الأول لهم منذ بدايات القرن المنصرم بوصفهم نازحين من الجوار التركي أيام السلطنة العثمانية، ومحاولاتهم اليوم السيطرة غير المشروعة على أراضي الجزيرة العربية كاملة بالقوة العسكرية بعدما هادنوا سلطة النظام السوري وعملوا على تغيير وجه المنطقة السياسي والسكاني وتحويل أسماء مدنها وقراها إلى أسماء كردية وفرض سيطرتهم بالقوة عليها، وهو ما تجلى بوضوح في تعاملهم الأمني حتى مع أقرانهم من بقية الأكراد السوريين الرافضين لكل خطوات النزعة الانفصالية العسكرية تلك.
فيما يذهب فريق كردي للدفاع المستميت عن حق الأكراد السياسي والثقافي بإقامة منطقة حكمهم الذاتي في المنطقة، متسلحين مرة بحق تاريخي تشوبه كثير من الحقائق، وبقوة الحماية الأمريكية من جهة أخرى. ويضيفون أن الاعتداء التركي العسكري سيهدد أمن المواطنين كرداً وعرباً في حياتهم ومعاشهم واستقرارهم، وأنهم لا يأمنون جانب سلطة النظام الذي تشير الاتفاقات التاريخية له بحسب تسريبات اتفاقية أضنة لعام 1998 بين الجانبين السوري والتركي، إلى إمكانية الأتراك ملاحقة أعضاء التنظيم الكردي PKK الموسوم بالإرهابي، داخل الأراضي السورية بعمق 5 كم.
تباينات المسألة الكردية هذه لا تختلف كثيراً بتداعياتها وتناقضاتها الدولية أيضاً، وربما تعكس اللوحة والمشهد السوري الحالي اليوم؛ المشهد الذي أصيب بتخمة المشروعات والأجندات التي جرى تناولها تحليلاً وتوصيفا في كثير من الدراسات والمقالات من دون نتيجة ترجى إلى اليوم، سوى أن الاتفاقات الدولية مفروضة وقابلة للتمرير عسكرياً، إن لم تسمح بها الأدوات السياسية، وهذا ما يحدث اليوم في عملية الأتراك شرق الفرات.
بين هذا وذاك يبرز الصوت المتمسك بالهوية الوطنية السورية بعمقه الثوري وانتمائه العميق إلى أهداف الثورة السلمية المدنية التي كان الأكراد من أوائل المشاركين فيها، وكلنا يذكر الشهيد مشعل تمو، ويذكر تظاهرات عامودا والقامشلي وغيرها، وجمعة آزادي، قبل أن تحول السياسة والمشروعات الإقليمية من دون إكمال وجهها الحق في دولة المواطنة، دولة العقد الاجتماعي الوطني الذي يتساوى فيه الجميع بالحقوق والواجبات التي لا تلغي أبدا حق الاختلاف بكل صوره الفكرية والسياسية والانتماءات الدينية وحق ممارستها؛ هذا الموقف المختلف اليوم يعود إلى نقطة البداية في حوار المسألة الوطنية وضروراتها المحقة، وهو الموقف ذاته الذي يفصل بين خط السياسة الشائن وأنماط الانتفاع والاستثمار المقيت في المظالم العامة لصالح جهة خاصة، والمشروع الوطني السوري لكل السوريين. فمع رفض التدخل العسكري التركي في الشمال السوري أيضا رفض المشروع الانفصالي الكردي الذي تمثله واجهة قواه السياسية، وتأكيد حماية المدنيين السوريين وحقهم في المواطنة من دون تمييز بين عرب وأكراد وغيرهم من باقي طوائف وفئات المجتمع السوري، وهذا لن يتحقق أبداً في ظل مشروعات الهيمنة العسكرية التي يمارسها كل الأطراف في المسألة السورية لليوم، روسية وايرانية داعمة لسلطة النظام أو أمريكية وتركية داعمة لإحدى فصائل المعارضة السورية عربية كانت أو كردية.
المسألة الكردية اليوم، وقبل أي كسب سياسي يرجأ لجهة بخلاف غيرها، يجب أن يعاد طرحها في موضوعة الكل والجزء، موضوعة الهوية الوطنية العامة فالكل لا يأخذ حق الأجزاء ولا الأجزاء تفترض كلها خلاف غيرها، فالخاسر العام من أي عمل عسكري كان وم ازال بإدارة دولية وأذرع محلية هو المشروع الوطني السوري، فأي كسب جزئي لطرف فيه هو خسارة للطرف الآخر، وأي تصعيد في مستويات العنف واستقدام مزيد من آلة الحرب والقتل الجزاف هو مزيد من تعميق الجروح الوطنية وتغول أكثر في هويتها. وبالضرورة العملية التركية شمال شرق الفرات المسماة “نبع السلام” بحجة إقامة المنطقة الأمنة فيها لن تجلب السلام وليست آمنة بالأساس، ليس لأنها ستأتي على حساب المدنيين في المنطقة وحسب، بل لأنها تكرس مزيدا من الانفلاقات السورية في مستوياتها ما دون الوطنية وتهددها بمزيد من التشظي، وستزيد من التعنت السياسي الكردي في مشروعهم الانفصالي ذاته حيث إن بقية الأكراد السوريين غير الموافقين على سياسات فصائلهم العسكرية في ذلك سيجدون أنفسهم مجبرين على التمسك بكرديتهم أكثر من ذي قبل بدلا من هويتهم الوطنية التي عانوا فيها بين مطارق السياسة متعددة المصالح والهويات.
فإذا كان محمود درويش قد أنشد للكرد يوماً أن “ليس للكردي إلا الريح” فاليوم يمكننا القول ليس للسوري، وكل سوري عربيا كان أم كرديا، مسلما كان أو من باقي طوائفه الإثنية والعرقية والقومية، سوى “قبض ريح” في الحل السياسي المزمع بمرجعياته العسكرية متعددة الاستقطابات هذه، بينما أرضه وهويته الوطنية هي خيمته الباقية التي عليها التمسك بها بكل الطرائق المتاحة والممكنة، وإن كان فعل المصالح الدولية وتغول أدوات العسكر الروسية والإيرانية في العمق السوري أدى إلى تهجير ملايين السوريين، فلا يمكن للعملية التركية هذه إلا أن تكون محدودة النتائج السياسية، ويبدو هذا متفقا عليه روسياً وأمريكياُ، وبالضرورة لن يحقق النتائج التي يدافع عنها بشراسة الطرف المؤيد لها فهل من طريق آخر، وكذا هي الحماية الأمريكية المفترضة للأكراد قبل هذا.
قد تسبق الأحداث المتواردة من المنطقة مسار أي طرح أو بيان آخر، وقد تلعب الأدوات الإعلامية بترويجها وتزينها لأحد طرفي المعادلة دوراً فاعلا في مزيد من العداء والتباين، لكن مهما كان فعل العسكر وأدواتها السياسية اليوم، فهي تبقى رهينة السيطرة بحكم القوة فقط، لكن مفعولات القوة الحية والحقيقية المستمرة عبر التاريخ هي أدوات الحوار العقلي وتغليب المصلحة العامة على أجندات الأفراد والجماعات مهما استقوت بحلفاء الخارج؛ وللسوريين تاريخ طويل في هذا المضمار منذ عهد الدويلات مروراً بالعهد السلطاني، إلى التاريخ القريب في تركة سايكس بيكو والاستعمار الغربي. ويدرك المجموع الوطني العام السوري، أن مشروعات الاحتلال كلها كما التقسيم زائلة ولا تدوم، هذا إذا ما التقت الإرادة الوطنية العامة مع مصالح المجموع المجتمعي بمختلف تلويناته المجتمعية، وإذا ما ترافق هذا مع قادة العمل السياسي المعارض السوري مع الكردي على أن الحرب خسارة عامة لكلية المجتمع والوطن جملة وتفصيلاً. وأظن أن الممكن الوحيد والوحيد فقط الذي يجب أن يطرح اليوم على السوريين كلهم هو سؤال المواطنة والهوية الوطنية التي تصر الآلة العسكرية والحرب القذرة على استهلاكها لليوم، وإجابتها الممكنة ولو بحدها الأدنى هي قبل أي مكاسب سياسية قصيرة النظر وقابلة للتغير سريعا بحكم متغيرات السياسية واللوحة الدولية القائمة عليها.
بروكار برس
أنظر تغطيتنا للحدث
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 4–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 5
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 6
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 7
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 8
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 9
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 10
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 11
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 12
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 13
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 14
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 15