أبحاث

علامَ سيتركّز اهتمام الباحثين حول الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي خلال العام 2020؟/ مايكل يونغ

فرانسيس زي. براون | باحثة في برنامج الديمقراطية والنزاع والحوكمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

في العام 2020 سوف أتابع ما إذا كانت السياسة الأميركية حيال سورية توفّق بين الغايات المتوخاة والوسائل المستخدمة. وجّهت إدارة ترامب في العام 2019 رسائل متباينة للغاية حيال سورية: فبعد أن أمضى المسؤولون الأميركيون الشطر الأكبر من العام 2019 وهم يُعلنون عن طموحات توسعية كبرى مثل إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية ومواجهة إيران وتحقيق الانتقال السياسي، باغتهم الرئيس في تشرين الأول/أكتوبر بإعلان انسحاب القوات الأميركية من سورية. قوّض هذا القرار النفوذ الأميركي بشكل كبير، إذ أضرّ بحملة مكافحة الإرهاب وأضعف شراكات الولايات المتحدة وأدّى إلى معاناة بشرية هائلة. الآن وبعد أسابيع عدة، صرّح المسؤولون مجدّداً بأن الولايات المتحدة ماضية في مسعاها الرامي إلى تحقيق الأهداف الطموحة نفسها في سورية، لا بل زادت إلى قائمة مهامها في البلاد حراسة حقول النفط، وكل ذلك بعددٍ أقل من القوات الأميركية والتزام أخف. وبالتالي، لن يقتنع شركاء الولايات المتحدة ولا خصومها بأن هذه الإجراءات قابلة للاستمرار، وسيتعيّن على إدارة ترامب أن تقرّ في العام 2020 بأنها غير قادرة على تحقيق المزيد من الإنجازات بعديد أقل.

عمر حمزاوي | باحث أول في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، وباحث متميّز في مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون في مؤسسة سبوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد

تستأهل احتجاجات المواطنين العرب المتواصلة الاهتمام الدائب لباحثي مركز كارنيغي للشرق الأوسط. فسواء تمحورت المطالب الشعبية حول السياسات الاقتصادية العادلة، أو إجراءات مكافحة الفساد، أو الحوكمة الديمقراطية، فإن كل ذلك يقود إلى إصلاحات جذرية في الجزائر والعراق ولبنان. مثل هذه القضايا لاتزال أساسية، حتى وإن كانت تنطوي على مخاطر جمّة قد تُسفر عن محصلات عنيفة ونزاعات مديدة بين المؤسسات الحاكمة وبين المحتجين.

كما ينبغي الانتباه إلى تشظي الدولة والحروب الأهلية في ليبيا وسورية واليمن. والسؤالان الرئيسان هنا هما: هل ستتنحى الحملات العسكرية جانباً لصالح تسويات سياسية، وكيف يمكن استعادة الشرعية المتآكلة لمؤسسات الدولة بعد سنوات عدّة عاصفة من العنف والقمع.

أخيرا، لا يجب إهمال النزعات والتوجهات في البلدان التي تسير على طريق الديمقراطية كتونس والسودان، والبلدان التي يتم فيها تعزيز سطوة السلطوية، كالمغرب ومصر. فكلا هاتين الفئتين من الدول تُواجهها أزمات سياسية واقتصادية عميقة، ومستويات مرتفعة من الفقر والفساد وانعدام الثقة الشعبية بالسياسات، وتباينات عميقة بين المواطنين الشبان القادرين على إحداث التغيير وبين المُسنّين الذين يحبذون الاستقرار.

زها حسن | باحثة زائرة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

سيتبدّى مستقبل الديمقراطية في إسرائيل وفلسطين خلال العام 2020، إذ إنهما يتجهان إلى انتخابات في الربيع. بالنسبة إلى إسرائيل، ستكون هذه الانتخابات الثالثة التي تخوضها خلال عام واحد، أما بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية فستكون الأولى منذ العام 2006. ومسألة ما إذا كان هذا المسار سيكون حلّاً للخلافات السياسية داخل المجتمعين أو سيتسبّب بمفاقمتها، ستؤثر على كيفية تمييز المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية أنفسهم حيال أولويات السياسة الخارجية للشرق الأوسط.

مع ذلك، من المستبعد أن تدفع نتائج الانتخابات الإسرائيلية الكنيست إلى نقض القانون الأساسي: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي. فهذا التشريع يُسبغ الموافقة الدستورية على التمييز ضدّ المواطنين الفلسطينيين، ويعطي الأولوية لتوسيع وتعزيز سيادة إسرائيل على الضفة الغربية المحتلة.

كما من غير المحتمل أن تؤدي انتخابات السلطة الفلسطينية إلى إحراز أي تقدّم على صعيد المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي تُعتبر شرطاً أساسياً في التعبئة الشعبية بمواجهة التحديات التي تُعيق حقوق الفلسطينيين ووجودهم. كما أنها تتطلّب اتفاق الفصيلان السياسيان المتنافسان، حماس وفتح، أولاً على القضايا الأساسية المتعلقة بالطابع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وعلاقتها بالسلطة الفلسطينية.

بالنظر إلى هذا المستنقع اللجب، سيجد معظم المرشّحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأميركية أنه من الأسهل الاستناد إلى عبارات شائعة مثل “دولتين لشعبين” أو الحديث عن “العودة إلى المفاوضات الثنائية”. بيد أن هاتين الفكرتين تكادان تخلوان من المعنى، إذ إن إسرائيل على شفير ضمّ أجزاء من الضفّة الغربية بشكل رسمي، وإدارة ترامب على مايبدو مستعدّة للاعتراف بمثل هذا الأمر الواقع.

المؤكد أن العام المقبل سيشكّل نهاية لحقبة عملية السلام وبداية مرحلة أخرى. أما أبرز ما ستحمله هذه الحقبة الجديدة، فسيكون إما تفكيك آليات دولية ومتعددة الأطراف لدعم السلام في الشرق الأوسط، أو تنشيط المؤسسات لدعم إيجاد حلّ للنزاع بما يتماشى مع القانون الدولي وحقوق الإنسان.

آرون ديفيد ميلر | باحث أول في برنامج الشؤون الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

يبدو أن العالم العربي يعاني خللاً مزمناً. فالدول العربية الثلاث الكُبرى، أي مصر وسورية والعراق، التي لطالما تنافست، كلٌّ بطريقتها الخاصة، على القوة والنفوذ، لم تعد تؤدّي دوراً بارزاً. فيما نتهيأ لاستقبال العام 2020، سأصب اهتمامي على القوى الأبرز في المنطقة، أي على الدول الثلاث غير العربية، وهي إيران وإسرائيل وتركيا، التي يمتدّ نفوذها إلى ما هو أبعد من حدودها الجغرافية.

سيتوجّه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع في الأسبوع الأول من آذار/مارس، فهل سيؤدّي التعب والسأم الشعبي من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إضافةً إلى الاتهامات الثلاثة الموجّهة ضده، إلى أفول “حقبة حكمه”؟ وما الذي سيحمله العام 2020 للولايات المتحدة وإيران؟ هل ستشهد علاقتهما تصعيداً خطيراً في العام المقبل، أم أنه سيكون فاتحةً لتهدئة التوتر الناجم عن قرارات رئيس أميركي يميل إلى العزوف عن المخاطرة، ويبدو أنه يتجنّب الحرب مع إيران لصالح قمم لا طائل منها وعمليات تفاوضية؟ في الختام، ماذا يمكن أن نتوقّع من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العام 2020 لجهة التدابير الجديدة في سورية ضد الأكراد أو مع روسيا ونظام الأسد وحلف شمال الأطلسي (الناتو)؟

شريف محي الدين | باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

فيما نشهد ما يمكن اعتباره الموجة الثانية من الربيع العربي، ثمة مواضيع وقضايا عدة جديرة بالمتابعة، من ضمنها تدفّق الأفكار والبشر في أرجاء العالم العربي، والمقاربات الأمنية البديلة لمكافحة الإرهاب والتطرف، والعدالة الانتقالية، والتفلّت من العقاب، والمحاكمات العادلة، والتعويض للضحايا وإحياء ذكراهم.

شهدت كل الدول الواقعة في شمال أفريقيا تقريباً انتفاضات وتظاهرات شعبية كبرى أدّت إلى إسقاط أنظمة خمسة رؤساء منذ العام 2011. لذا، أود التركيز على محاكمات بعضٍ من هؤلاء الرؤساء، ومعرفة ما إذا طُبِّقت آليات العدالة الانتقالية في تلك الحالات أم لا.

إضافةً إلى ذلك، أعتزم مواصلة بحثي حول المناطق الحدودية في شمال أفريقيا، وأودّ أن أستشفّ كيف يسهم التدفّق المتزايد للسلع والبشر والأفكار بين مصر والسودان في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات التي تقطن في المناطق الحدودية.

مروان المعشّر | نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة حول شؤون الشرق الأوسط

أقفل العقد الماضي كما بدأ في العالم العربي: انتفاضات اجتاحت 12 من أصل 22 دولة عربية. لكن، في حين أن العديد من المُعلقين نحّوا جانباً الموجة الأولى من هذه الاحتجاجات بكونها فشلاً محضا، وسارعوا إلى الاستنتاج بأن الأنظمة العربية ركبت بنجاح ظهر هذه الموجة، إلا أن الموجة الثانية من الانتفاضات في الجزائر والسودان ولبنان كانت دليلاً حياً وفاقعاً على أن التحديات التي أثمرت الموجة الأولى لم تُجرِ معالجتها ولا التصدي لها.

لقد دأب باحثو مركز كارنيغي للشرق الأوسط على التكهّن بأن ما تشهده المنطقة الآن، ليس سوى صفحة من كتاب عملية تحوّلات مديدة وعميقة الغور ستحتاج إلى عقود كي تتكامل فصولا. هنا نلحظ، مثلا، أن ثمة فروقات مهمة بين هاتين الموجتين. فالموجة الثانية أكثر نضجاً وسلميةً وصبراً، وهي ترفض الخيار الثنائي الذي تطرحه معظم الحكومات العربية على مواطنيها: إما السلطوية أو الفوضى. بدلاً من ذلك يتنادى المواطنون إلى طريق ثالث: دول مدنية تحت جناح حكم القانون وبمعيّة مكافحة جادةً للفساد.

ثم: في حين أن الموجة الأولى أسفرت عن تفكك دول وبروز قوى متطرفة غير دولتية قوية، على غرار الدولة الإسلامية أو الجماعات الطائفية المسلّحة في ليبيا وسورية وبلدان أخرى، كانت الموجة الثانية بمثابة صرخة تُطالب بالعودة إلى مفهوم الدولة الوطنية، استناداً هذه المرة إلى أسس جديدة تتمحور حول الحوكمة المدنية والمعاملة المتساوية لكل المواطنين.

أتوقع أن يثابر باحثو مؤسسة كارنيغي على تحليل هذه التوجهات، وتمحيص الدروس التي يمكن استقاؤها من هذه النسخة المُتكررة والمُتجددة من الانتفاضات العربية.

مارك بيريني | باحث زائر في مركز كارنيغي- أوروبا. تتركّز أبحاثه على التطوّرات في الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي

ستشهد سورية ومنطقة شرق البحر المتوسط ​والمغرب العربي تطوّرات كبرى، وستكون لها تداعيات تتجاوز حدود المنطقة.

حتى في حال تراجعت وتيرة الحرب في سورية بعد تسع سنوات من الجرائم بحقّ الإنسانية، سيبقى دونها عقبات خطيرة. أولاً، سيستمر الوجود العسكري التركي في عفرين وجرابلس وتل أبيض. هذا الوجود يصفه الكثيرون على أنه احتلال، لكن أنقرة تقول إن خطواتها العسكرية موجّهة ضد الإرهاب. باختصار، لن ينتهي هذا الوضع على خير لأن روسيا وإيران تنويان إعادة الأراضي السورية كافة إلى نظام الأسد.

من المرجّح أن تتسبّب أنشطة الحفر البحرية التركية والاتفاق على الحدود البحرية مع الحكومة الليبية، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، بالمزيد من التوترات بين أنقرة واليونان وقبرص، وكذلك مصر وإسرائيل. لكن نأمل في هذا السياق أن يطغى الحوار على المواجهة في البحر. فقد يدفع الوضع المتوتر في الداخل التركي الحكومة إلى تصعيد السردية الوطنية من أجل إدامة السيطرة السياسية لحزب العدالة والتنمية الحاكم المستمرة منذ سبعة عشر عاماً.

في الوقت نفسه، وعلى الرغم من إجراء انتخابات مؤخراً لانتخاب رئيس جديد للجزائر، من المرجّح أن تتواصل الحركة الاحتجاجية الشعبية لعام ثانٍ. وسيستمر الوضع على هذا المنوال، إلى أن يدرك الجيش الجزائري أنها نقطة محورية فاصلة بالنسبة إلى سياسات البلاد.

بدر السيف | زميل غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. تتركّز أبحاثه على دول الخليج وشبه الجزيرة العربية

سأراقب في العام 2020 ما إذا كان محور السعودية- الإمارات، الذي هيمن منذ انتفاضات 2010-2011، سيبقى، أم سيكون هناك إعادة اصطفاف في هذا التحالف. وعلى صعيد أعم في الخليج، سيكون محط اهتمام كبير شروط التقارب المتسارع في مجلس التعاون الخليجي، الذي شهد بروز الصدع بين قطر وبين شركائها في المجلس: هل سيكون هناك حل دائم، أم مؤقت وفاتر، لمواجهة تهديدات خارجية كإيران؟

في السعودية، وعلى خلفية الإصلاحات الاجتماعية والطفرة الشبابية، ماذا سيكون موقف الشباب في المملكة من هذه التطورات في مجال تشكيل الهوية، والانتماء الديني، والفرص الاقتصادية؟  كما سيكون من المثير في العام 2010 رصد تأثيرات إدراج أرامكو في بورصة صناعة النفط، والإصلاحات الاقتصادية، والعلاقات بين الدولة والمواطنين. وهذه كلها ستكون قضايا أساسية، من حيث المتغيرات الجيلية وعمليات الانتقال السياسي.

كما سأكون مهتماً لأرى ماذا إذا كانت هيمنة دول الخليج في المنطقة العربية، ومعها استمرار ضعف المراكز التقليدية للقوة في الإقليم في مصر وسورية والعراق، ستتواصل. كما سأتطلّع قدماً أيضاً لمعرفة كيف يمكن أن تتغيّر العلاقات بين دول الإقليم، وكيف ستجري لُعبة القوة بينها.

أرميناك توكماجيان | باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الوسط في بيروت

في السنتين السابقتين، نجح النظام السوري، بمؤازرة حلفائه، في استعادة الكثير من المناطق التي سيطر عليها الثوار. كانت القوة العسكرية، ولاسيما القوات الجوية الروسية، أساسية في الانتصارات التي حقّقها النظام. لكنه لجأ أيضاً، خلال عملية استعادة تلك المناطق، إلى شبكات غير عسكرية وغير أمنية – مثل بعثيين سابقين ومسؤولين متقاعدين في الدولة، وقادة قبائل، ومسؤولين بارزين آخرين، وما إلى ذلك. اعتمد النظام على هذه الشبكات لإبرام اتفاقات محلية مع قوى المعارضة أو ببساطة لتسهيل استسلامهم. لذا، أودّ التركيز على كيفية استخدام النظام لهذه الشبكات غير العسكرية وغير الأمنية، وكيف عمل على توسيعها، من أجل تيسير عودته وإحكام قبضته على المجتمع.

جايك والاس | باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. تتركّز أبحاثه على الشؤون الإسرائيلية-الفلسطينية، وتونس، ومكافحة الإرهاب.

سوف أراقب كيف ستتعامل إسرائيل مع أزمتها السياسية المتواصلة، وهي تستعد لإجراء انتخابات الكنيست للمرة الثالثة خلال أقل من عام في آذار/مارس 2020. هل ستكون هذه فعلاً نهاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد فترة طويلة في سُدة الحكم؟ الأكيد أنه لن يُهزَم بسهولة، إذ يناور مع خصومه السياسيين من جهة، ومع المنظومة القانونية من جهة أخرى. هل سيهبّ الرئيس دونالد ترامب لنجدته من خلال دعم خطة ضم وادي الأردن، أو إبرام معاهدة دفاع مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟ في حال نجحت خطة ضم وادي الأردن، ستدقّ هذه المسمار الأخير في نعش أي تصوّر واقعي لحلّ الدولتين. في غضون ذلك، يسعى الفلسطينيون إلى إجراء انتخاباتهم الخاصة. هل سيوافق نتنياهو على ذلك، ويسمح للمواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية بالإدلاء بأصواتهم؟ وهل يبقى الهدوء سيد الموقف في الضفة الغربية في ظل غياب أي أمل واقعي لإنشاء دولة فلسطينية؟

مهى يحيَ | مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

تشي الانتفاضات التي اندلعت في ثماني دول عربية (الجزائر، السودان، لبنان، مصر، الأردن، المغرب، تونس وسورية) بأن الحوكمة، بشطريها السياسي والاقتصادي، لاتزال المسألة الرئيسة في العالم العربي. ذلك أن الفساد المتفاقم، وفقدان الثقة المُتنامي بالطبقة السياسية، وفي الواقع بكل المؤسسات، (العامة والخاصة وفي بعض الأحيان الدينية)، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والتهاوي السريع لمستويات المعيشة، كل ذلك يدفع المواطنين في المنطقة إلى المطالبة بنماذج جديدة للحوكمة.  لا بل يؤدي ذلك في بعض البلدان إلى إطلاق إحساس جديد بالهوية الوطنية وما يترافق معها من حقوق المواطنة.

في العام المقبل سأركّز على التأثيرات الواسعة لحركات الاحتجاج المتواصلة، وأيضاً على التسويات السياسية، في لبنان والعراق وسورية، خاصة وأن السخط من سوء الإدارة السياسية والاقتصادية في هذه البلدان يدفع المواطنين إلى المطالبة بتغييرات شاملة في النظم السياسية.

في لبنان، على سبيل المثال، تُهدّد الأزمة الاقتصادية والمالية بتقويض أسس الدولة اللبنانية نفسها، فيما كانت الطبقة السياسية لاتزال متلكئة في تشكيل حكومة قادرة على استعادة ثقة المواطنين والمجتمع الدولي. التوجهات التي يجب متابعتها هنا تشمل ما إذا كان الانهيار الاقتصادي سيسبق تشكيل الحكومة، أم أن الطبقة السياسية ستُدرك أخيراً الحاجة إلى إنقاذ دولي، مع كل ماينطوي عليه ذلك من شروط.

وفي العراق، ومع فشل قمع الاحتجاجات التي خلّفت أكثر من 400 قتيل، هل ستُعالج أي حكومة جديدة التظلمات الشعبية وتقطع دابر حرب أهلية جديدة؟ وأي أشكال جديدة من التعبئة السياسية ستبرز، وكيف ستؤثّر اليقظة الوطنية في العراق ولبنان على مسألة الحوكمة؟

على الصعيد الإقليمي، أي نوع من التسويات السياسية يمكن أن ينبثق في ضوء المجابهة الأميركية – الإيرانية وتصاعد دور روسيا في المنطقة؟ وإذا ما تم إبرام اتفاقات بين الرئيس دونالد ترامب وإيران، ما تأثير ذلك على حزب الله في لبنان، وعلى قوات الحشد الشعبي وما يرتبط بها من ميليشيات في العراق، وكيف قد يؤثّر ذلك على التوترات بين دول الخليج وإيران؟ كذلك، كيف سيؤثّر هذا على المفاوضات حول سورية، حيث يبدو أن استعادة نظام الأسد للأراضي لم يترجم نفسه إلى صيغة سلام مستدام؟ وما مضاعفات ذلك على قضية عودة اللاجئين وعلى استقرار المنطقة على المدى الطويل؟

سارة يركيس | باحثة في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط. تتركز أبحاثها على تونس، فضلاً عن العلاقات بين الدولة والمجتمع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

سأراقب كيفية تبلور التظاهرات المتواصلة في المنطقة – بدءاً من الجزائر وصولاً إلى لبنان والعراق وإيران. وفي حين نجح المتظاهرون في السابق في إطاحة القادة الذين طال حكمهم، على غرار ما حدث خلال “الربيع العربي” في العام 2011، تتميّز هذه التظاهرات بجوانب مختلفة عدّة، على وجه الخصوص طول مدتها وعدم استعداد المتظاهرين لإجراء تسوية. في العام 2020، سنرى كيف ستتطوّر مطالب المتظاهرين وما إذا كانت حكوماتهم ستتمكّن من تلبية مطالبهم.

كما أنني سأتابع عن كثب إمكانية اندلاع تظاهرات كبرى وطويلة الأمد في دول أخرى في المنطقة، حيث يشعر السكان كذلك بالإحباط بسبب سوء الإدارة والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة وعدم قدرتهم على إسماع صوتهم وغياب المساءلة. سأولي أيضاً أهمية لكيفية ردّ الحكومات على هذه التظاهرات، لجهة اعتمادها مقاربة أكثر حزماً وعنفاً أو استعدادها للإذعان إلى المطالب التي ستكون كفيلةً بإحداث تغييرات إيجابية حقيقية في حياة مواطنيها.

مركز كارنيغي للشرق الأوسط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى