مارك بييريني : مُتوسّط مضطرب
مايكل يونغ
يوضح مارك بييريني، في مقابلة مع “ديوان”، طبيعة المناورات التركية والأوروبية في ليبيا وفي البحار قرب اليونان وقبرص.
مارك بييريني باحث زائر في مؤسسة كارنيغي- أوروبا، حيث تركّز دراساته على التطورات في الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي. عمل بييريني كدبلوماسي متمرّس في الاتحاد الأوروبي من كانون الأول/ديسمبر 1976 إلى نيسان/إبريل 2012، وكان سفيراً ورئيس وفد لدى تركيا (2006-2011)، وسفيراً في تونس وليبيا (2002-2006) وسورية (1998-2002) والمغرب (1991-1995). كما شغل منصب المنسّق الأول للشراكة اليورو- متوسطية من 1995 إلى 1998، وكان المفاوض الرئيس لإطلاق سراح الرهائن البلجيكيين من ليبيا من 2004 إلى 2007.
أجرت “ديوان” مقابلة مع بييريني في أواسط كانون الثاني/يناير للاطلاع على رأيه حيال المنظور التركي والاوروبي للوضع في ليبيا. وهذا الحوار يتساوق مع المقابلة الأخرى التي أجريناها مع جلال هرشاوي والتي نشرناها في “ديوان” الأسبوع الماضي.
مايكل يونغ: ما الأسباب التي حدت بتركيا، التي لديها أصلاً حضور عسكري في سورية، إلى إبداء الاستعداد لإرسال المزيد من القوات إلى ليبيا، في خضم ما قد يكون حرباً بالواسطة طويلة ومديدة؟
مارك بييريني: ألحظ وجود أسباب عديدة تدفع إلى مثل هذا التموضع: أولاً، كان لدى تركيا عقود كبيرة في ليبيا حين اندلعت الانتفاضة العام 2011، وبالتالي فهي تنوي العودة إلى البلاد لمواصلة لعمل كالمعتاد فيها. ثانياً، المشير حفتر والجيش الوطني الليبي الذي يقود يحظى بدعم مصر. وهذا سبب آخر يحفز تركيا على اتخاذ موقف معاكس، لأنها ومصر متنازعتان بحدة حيال جماعة الإخوان المسلمين. ثالثاً، وهنا الأهم، أن التدخّل العسكري في ليبيا يسير جنباً إلى جنب مع السردية القومية العنيقة التي يتردد صداها الآن على نطاق واسع في تركيا، والتي تستند إلى ذكريات الوجود العثماني في ليبيا. ثم أن التموضع العسكري في هذه الأخيرة، يّعزّز فكرة “تركيا القوية” القادرة على الدفاع عن مصالحها وعلى استعراض قوتها في منطقة نفوذها السابق. بيد أن هذا أمراً من السهل التداول به، لكن من الصعب تحقيقه على أرض الواقع.
يونغ: فرنسا تدعم قوات خفتر في ليبيا، لكن، ما حسابات الفرنسيين، والأوروبيين عموماً، من خلال التدخّل في النزاع الليبي؟
بييريني: يوصف الموقف الفرنسي عموماً بأنه داعم لحفتر. لكن في الواقع تحبّذ فرنسا والاتحاد الأوروبي برمته تسوية متفاوض عليها برعاية الأمم المتحدة. فشركات الطاقة الأوروبية- وليس فقط الفرنسية- كالشركات البريطانية والهولندية والألمانية والإسبانية والإيطالية، لها مصالح طاقة ضخمة في ليبيا. وفي الوقت نفسه، العديد من هذه الشركات حريصة على الاشتراك مع السلطات الليبية في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. ومثل هذه الأهداف لا تُخدم على نحو ملائم سوى عبر تسوية سلمية أولاً في ليبيا.
يونغ: كيف تتوقّع أن تتدبّر تركيا وروسيا أمر علاقتهما، فيما هما يدعمان طرفين متنازعين في الصراع؟
بييريني: كما رأينا في 14 كانون الثاني/يناير في موسكو، غادر حفتر من دون أن يوقّع على اتفاقية وقف إطلاق النار التي اقترحتها تركيا وروسيا، بسبب مشاركة تركيا في مراقبة مرحلة مابعد وقف إطلاق النار. وتلا ذلك تهديد من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”تلقين حفتر درساً”. وهكذا، انتهى الاجتماع بعداء شخصي بين حفتر وأردوغان، ما يؤدي بطريقة ما إلى تجميد مواقف كلا الطرفين، والأهم أنه يترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمرة القيادة. وكما يجري إلى حد كبير في سورية، تتسامح روسيا مع النشاطات التركية، لكنها هي التي ترسم معالم االخطوط الحمر.
يونغ: وقّعت تركيا وليبيا اتفاقاً ثنائياً يُحدّد نطاق منطقة بحرية واسعة في المتوسط. كيف سيؤثر ذلك على مصالح تركيا في الغاز، وكذلك على علائقها مع قبرص واليونان، وهل تتوقعون أنتم اندلاع نزاع هناك؟
بييريني: يجب اعتبار خطوة تركيا لإعادة تعريف الحدود البحرية بمشاركة ليبيا خطوة من جانب واحد. والواقع أن حكومة الوفاق الوطني لاتسيطر على الشاطئ الشرقي من البلاد الذي يوجد قبالة المنطقة التركية. ولذلك، الهدف هنا هو إجبار بلدان الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على إعادة فتح المحادثات حول الحدود البحرية في شرق المتوسط. وهذا يتساوق مع عمليات التنقيب عن الغاز حول قبرص التي تقوم بها سفن تركية بمؤازرة ومواكبة عسكرية. صحيح أن قبرص واليونان تتمتعان بدعم كامل من الاتحاد الاوروبي، إلا أن هذا لن يكون كافياً لوقف الخطوات التركية الاقتحامية.
أنا أقارب الخطوات التركية بوصفها جهداً للإحراج يستهدف فرض مفاوضات على بلدين أوروبيين على الأقل هما اليونان وقبرص حول الحدود البحرية وحول حقوق التنقيب، وإن أمكن تقويض مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط إسرائيل مباشرة باليونان وإيطاليا. السياسات المحلية تلعب دوراً رئيساً في هذه المجال، لكن من المشكوك فيه أن يكون الجيش التركي قادراً على تحمّل وطأة مجابهة حقيقية مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، إذا ما وصلت الأمور إلى هذه المرحلة.
مركز كارينغي للشرق الأوسط