سياسة

تركيا وشرق الفرات -مقالات مختارة-

 

 

 

 

 

هل يجرؤ أردوغان؟/ عمر قدور

الحشود التركية مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين السوريتين قد تكون نوعاً من الضغط على الجانب الأمريكي، إلا أنها المرة الأولى التي تبلغ فيها التعبئة التركية هذا المستوى، ما ينبئ بوصول المفاوضات “بشقيها المعلن وغير المعلن” إلى طريق مسدود. المطالب التركية قديمة، وتتعلق بإنهاء العلاقة بين القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة والميليشيات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني، وهي مطالب تراها أنقرة في صلب أمنها القومي، وذلك بالتأكيد ما تدركه الإدارة الأمريكية التي لا تريد التنازل في هذا الملف. ما الجديد إذاً؟

كنا قد شهدنا تزايداً في وتيرة الاتصالات التركية-الأمريكية مؤخراً، بخاصة بعد اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية، وأبدت الحكومة التركية سخاء ملحوظاً في تقديم المعلومات حول حادث الاغتيال للإدارة الأمريكية ومخابراتها. المبادرة والتعاون التركيين كانا واضحين جداً، وهناك تعمّد تركي في كشفه لوسائل الإعلام بهدف ممارسة مزيد من الضغط على إدارة ترامب كي تتخذ موقفاً حازماً من ولي العهد السعودي، أو كي تقدّم تنازلات في الملف الأمني العزيز على أنقرة. نستطيع القول أن الجهود التركية لم تثمر، فإدارة ترامب أصرت على موقفها المحابي لولي العهد، وبقيت على موقفها الداعم للمليشيات الكردية شرق الفرات، ولا ننسى في السياق ذاته العداء والتنافس بين أنقرة والرياض في العديد من الملفات، بما فيها منطقة شرق الفرات التي تخشى الأولى بقاء المظلة الأمريكية فيها بإسناد مالي من الرياض وأبو ظبي يعكس نفوذهما على إدارة ترامب.

كانت القوات التركية قد اجتاحت من قبل معقل المليشيات الكردية في عفرين، ضمن ما بدا أنه اتفاق دولي على مراعاة هواجس أنقرة. وما ينبغي ملاحظته بعناية اليوم أن التهديدات التركية غير موجّهة مثلاً إلى معقل المليشيات الآخر في مدينة القامشلي، حيث لا تخضع الأخيرة للمظلة الأمريكية، وفيها وضع غريب وشاذ من سيطرة المليشيات جنباً إلى جنب مع وجود رمزي لمخابرات الأسد وجزء محدود من قواته. القامشلي، وفق المعايير العسكرية المحضة، هدف أسهل من تل أبيض ورأس العين وقبلهما عفرين، بسبب الطبيعة السهلية للمنطقة قياساً إلى التضاريس الوعرة لعفرين، وهي ليست ضمن الحماية الأمريكية أيضاً، إلا أنها تخضع للحسابات السياسية مع موسكو التي ستعارض بشدة عملية من هذا القبيل.

نظرياً، سيبدو من الغرابة أن يتجرأ أردوغان على مواجهة القوة الدولية الأعظم، بينما يتحاشى أية مواجهة مع موسكو، رغم أن الأخيرة لا تتوقف عن التلويح باستهداف إدلب الخاضعة لتفاهم بينها وبين أنقرة. القوات الروسية نفسها، التي تنتشر بأسلحتها الاستراتيجية في سوريا، تتحاشى أية مواجهة مع القوات الأمريكية، وتكتفي إدارة بوتين ببيانات إعلامية لا قيمة لها من قبيل التأكيد على السيادة المزعومة لسوريا، وعلى أن وجودها “شرعي” بدعوة من “السلطة الشرعية” بخلاف الوجود الأمريكي. الظن أن واشنطن لا تريد إغضاب قوة إقليمية ذات وزن مثل تركيا لا يكفي وحده، لا لأن إدارة ترامب لم تتوقف عن إغضاب حلفاء آخرين لهم وزنهم أيضاً، وإنما لأن العلاقة الأمريكية-التركية في أسوأ مستوياتها منذ عقود، وثمة تباين بين الطرفين في التوجهات الإقليمية عموماً، فوق عدم الرضا الأمريكي المبطن إزاء حكم العدالة والتنمية.

من جهة أخرى لا تُظهِر واشنطن سعياً إلى المواجهة مع أنقرة، والتحذيرات المتتالية التي أطلقتها إزاء الحشود التركية أتت في سياق يدعو إلى التهدئة، فلم تتضمن عبارات استفزازية. أيضاً يمكن فهم التحذيرات الأمريكية للفصائل المدعومة تركياً من المشاركة في الهجوم على محمل النصيحة، لأن واشنطن لم يعد لها عملياً تأثير يُذكر على تلك الفصائل بعد أن تخلت عن دعمها وبعد تسليمها الجبهة الجنوبية للأسد. النصيحة هنا عدم تورط الفصائل في معركة يكون فيها الجيش الأمريكي طرفاً، لأنها ستكون مكلفة جداً للمهاجمين حتى مع وجود تغطية تركية، ولا حاجة للتذكير بالأرجحية التقنية التي تملكها القوات الأمريكية في المنطقة.

باستثناء هيبة أمريكا وقوتها التي لا تُنكر فإن القوات الأمريكية شرق الفرات في أضعف موقع؛ هي ليست موضع ترحيب من سكان المناطق ذات الأغلبية العربية، والملاحظ أنها لم تستخدم نفوذها على المليشيات الكردية الحليفة لتشذيب سلوك الأخيرة إزاء السكان العرب. بالتأكيد الوجود الأمريكي غير مرحّب به روسياً، لرغبة موسكو في الاستفراد بالهيمنة على سوريا، وغير مرحب به إيرانياً لأنه يشرف على طريق طهران-الضاحية الجنوبية. ما يفاقم الوضع تعقيداً أن الحماية الأمريكية لا تحظى حتى بثقة المليشيات الكردية، ولا تستبعد الأخيرة أن تضحي بها واشنطن في أية صفقة قادمة، وضمن هذا السياق لم تجد المليشيات حرجاً في أن تستنجد بقوات الأسد. مجمل هذه العوامل قد تدفع واشنطن إلى تسوية ما مع أنقرة، تمنع من خلالها الهجوم التركي لقاء تفعيل تفاهمات لم تلتزم بها سابقاً مثل التفاهم حول مدينة منبج.

إذا حدث الهجوم التركي فعلاً، بوجود معارضة أمريكية له، فسنكون أمام مفاجأة إما أنها بمثابة حماقة من الطرف المهاجم، أو أنها تعكس تفاهماً روسياً-تركياً بمرتبة تتفوق على التحالفات التقليدية. من المتوقع في هذه الحالة وقوع خسائر باهظة في الأرواح، لن يكون من ضمنها الجنود الأمريكيون أو الأتراك الذين يعملون في الخلف، وإنما عناصر الميليشيات الكردية وعناصر الميليشيات العربية الموالية لأنقرة، وقد تكشف المعارك اختراقات مدبَّرة مسبقاً على الأرض. إلا أن الأهم يبقى هو الانقلاب “أو محاولة الانقلاب” على توازن القوى الحالي، لمصلحة ما يمثّله التحالف الثلاثي بين أنقرة وموسكو وطهران.

ليست هناك لحظة أفضل من المأزق الذي يعيشه ترامب حالياً مع مجلس الشيوخ والكونغرس للضغط عليه، وإذا كان النواب الاميركيون يريدون انسحاباً من حرب اليمن فلن يكونوا متشجعين لمعركة في سوريا. قراءة الوضع الأمريكي الداخلي قد تحفز طموحاً روسياً استراتيجياً جديداً، وقد تحفز طموحاً تركياً منسجماً معه، لكنه أقصر من حيث المدى ولا يُستبعد أن يصب لاحقاً في مصلحة الأول. فهل يجرؤ أردوغان على فعلها؟ أم يتخلى ترامب عن طبيعته ويوجد له مخرجاً لائقاً؟

المدن

 

 

 

 

شرقي الفرات/ بكر صدقي
صادف، قبل سنوات، أنني رأيتُ، في محطة انطلاق باصات السفر في مدينة قونية، وداعاً صاخباً لمجند تركي انتهت إجازته عند أهله ويستعد للعودة إلى قطعته العسكرية. لم تسبق لي مشاهدة وداع مشابه في سوريا. السوريون يعودون إلى مواقعهم العسكرية بلا أي ضجيج. في حين كانت أصوات الطبل والزمر والأغاني التركية الحزينة تملأ محطة الباصات في قونية، ويرفع المجند على أكتاف الشبان المودعين، وتلتقط معه صور وداعية، في حين تنهمر دموع الوداع من عيون نساء عائلته. مشاعر متناقضة كانت تسيطر على مراسم الوداع الشعبية هذه، تتراوح بين الفخر والخوف والحزن. الخوف من أن ابنهم قد لا يعود، فلن يروه مرة أخرى.
تعود تقاليد وداع المجندين، في بر الأناضول، إلى “السفر برلك” أي الحرب العالمية الأولى التي انتهت بتفكك الإمبراطورية العثمانية، حين كان المجندون، في إطار التعبئة العامة، يقتادون إلى اليمن وغيرها من جبهات القتال، فلا يعودون منها. في الفلكلور التركي أغانٍ كثيرة تتحدث عن تلك المأساة، تقول كلمات إحداها:
هنا موش/ طريقها طلعة/ من يذهب لا يعود/ ترى لماذا؟
هنا وان/ طريقها وعرة/ من يذهب لا يعود/ ترى لماذا؟..
وهكذا تمضي مقاطع الأغنية الشعبية، ذاكرةً مدن الأناضول النائية، ومكررة لازمة أن من يذهبون لا يعودون.
لذلك كان أحد شعارات مصطفى كمال “سلام في الوطن، سلام في العالم” بمثابة بوصلة للسياسة الخارجية التي كان يأمل أن تلبي توق الشعب الذي أرهقته الحروب والمجاعة إلى سلام يضمدون فيه جراحهم. (للمفارقة، سيكون هذا الشعار هو عنوان البيان الوحيد الذي أصدرته المجموعة الانقلابية ليلة 15 تموز 2016! لكن هذا يقع خارج حدود هذا المقال).
أما سبب استمرار تقليد وداع المجندين الصاخب، إلى اليوم، فمرده الحرب الداخلية المستمرة، بصورة متقطعة، منذ 34 عاماً، بين القوات المسلحة التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، وبلغت كلفتها على الطرفين أكثر من أربعين ألف قتيل. تلك الحرب التي بدا، قبل بضع سنوات، أنها انتهت، في إطار مشروع الحل السياسي الذي قادته حكومة حزب العدالة والتنمية، واستجاب له الحزب الكردستاني
وواجهته السياسية، اندلعت مجدداً، في صيف 2015، فحصدت مزيداً من الأرواح، وخلفت دماراً كبيراً في عدد من مدن جنوب شرقي الأناضول ذات الغالبية السكانية الكردية، ونزوح مئات آلاف المدنيين إلى مدن ومناطق أكثر أماناً.
انتهت تلك الحرب، في فصلها الساخن فقط، لكن فصلها البارد ما زال مستمراً. أما تلك الآمال الكبيرة، في ربيع العام 2013، باستتباب حل سلمي لهذا الصراع الدموي، فقد ذهبت أدراج الرياح. ثم كانت حملتا “درع الفرات” و”غصن الزيتون” لتنتعش مجدداً روحية “سفر برلك” والحرب ضد “الكردستاني” في الوجدان الشعبي.
أما اليوم، فالترقب بشأن “عملية شرقي نهر الفرات” هو الذي يطبع مناخات الرأي العام في تركيا، بعدما انتقل الأمر من تهديدات متفرقة وعامة، إلى ما يقترب من تحديد موعد العملية، وذلك في تصريح الرئيس أردوغان، يوم الجمعة الفائت، حين تحدث عن “أيام معدودة” على انطلاق الحملة الجديدة.
لاقت تصريحات أردوغان أصداء فورية من مسؤولين أميركيين، حذروا تركيا من عواقب تلك الحملة المرتقبة. وقبل ذلك كانت هناك اتصالات كثيفة بين الجانبين، من المحتمل أن البند الأبرز على جدول أعمالها كان عملية شرق الفرات، منها زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان إلى واشنطن، وزيارة مسؤول الملف السوري في الإدارة الأميركية جيمس جيفري إلى كل من أنقرة وغازي عنتاب.
يستثمر الرئيس التركي، في اندفاعه هذا، في خشية الولايات المتحدة من تعميق التحالف الظرفي بين أنقرة وموسكو، فيزيد من الضغط على واشنطن في موضوع تخييرها بين الحليفة الأطلسية (تركيا) ووحدات حماية الشعب التي تعتبرها
تركيا منظمة إرهابية. في حين تلجأ واشنطن إلى امتصاص الاندفاعة التركية، بتسويف المشكلات العالقة أو بتقديم وعود أو تنازلات صغيرة. لم يصدر أي توضيح بشأن مضمون المكالمة الهاتفية التي جرت، قبل يومين، بين ترامب وأردوغان، وموضوعها عملية شرق الفرات. الطرف الكردي ليس مطمئناً من حليفه الأميركي، وهو ما يعني أن احتمال تقديم واشنطن “شيء ما” لأنقرة مقابل تخليها عن “الكل” ما زال احتمالاً وارداً. تدور التكهنات حول منطقتين فقط من شرقي الفرات، كهدفين محتملين للحملة العسكرية التركية المرتقبة، هما تل أبيض شمال محافظة الرقة، ورأس العين في أقصى الشرق. وذلك لأن الأولى ذات غالبية سكانية عربية، والثانية خليط أقرب إلى التوازن. فهل يقدمهما ترامب لأردوغان لامتصاص الضغوط التركية، أم يقدم له هدية ترضية في منبج؟ لا أحد يمكنه التكهن الآن.
يبقى أن اعتبار تركيا وجود حزب الاتحاد الديموقراطي، وجناحه المسلح وحدات حماية الشعب، خطراً على الأمن القومي التركي، هو مجرد امتداد لفشل تركيا في حل مشكلتها الكردية في الداخل، وذلك بالنظر إلى أن “الحزب” و”الوحدات” لم يقوموا، طوال سنوات سيطرتهم على المناطق المحاذية للحدود، بأي عمل عسكري ضد تركيا، إلا كلما تعلق الأمر برد على قصف مدفعي تركي. أما إذا كان الأمر يتعلق بتوجس تركي من قيام كيان فيدرالي أو إدارة ذاتية كرديين على حدودها الجنوبية، بالانطلاق من هواجسها الداخلية، فلا شيء يمكن أن يطمئن تلك الهواجس إلا العودة إلى مسالك الحل السلمي، بالعودة إلى شعار أتاتورك: “سلام في الوطن، سلام في العالم”.
تلفزيون سوريا

 

 

 

شرق الفرات: هل تحصل المواجهة؟
قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، إن بلاده لا تُعرّضُ حياة الجنود الأمريكيين للخطر من خلال العملية التي تعتزم القيام بها شرقي نهر الفرات في سوريا، وإنما هدفها هو تنظيم «بي كا كا» حسب ما نقلت عنه وكالة الأناضول يوم أمس. ويأتي تصريح المسؤول التركي في سياق تصاعد الأزمة السياسية بين أنقرة وواشنطن، التي تلت إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتزام بلاده القيام بعمليات عسكرية في شرق الفرات بسوريا خلال أيام.
أثارت تصريحات أردوغان، التي جاءت خلال بث تلفزيوني يوم الأربعاء الفائت، موجة من التصريحات الدولية، والأمريكية تحديداً، عبّرت فيها واشنطن عن رفضها لمثل هذه العملية في منطقة تضم قواعد وجنوداً أمريكيين، وترتبط القوات المسيطرة عليها (قوات سوريا الديمقراطية) بتحالف متين مع الولايات المتحدة.
وسارع البنتاغون لإعلان قلق الولايات المتحدة من النوايا التركية، وقال متحدث باسمه بعد ساعات فقط من تصريحات الرئيس التركي، إن أي إجراء أحادي الجانب لأي طرف شمال شرقي سوريا يمثل «مصدر قلق شديد وغير مقبول»، كما حذر من أنه قد يُعرّض قوات أمريكية في المنطقة لمخاطر.
وتبع هذه التصريحات اتصالات ثنائية بين مسؤولين أمريكيين وأتراك خلال الأيام الماضية، إذ أجرى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي، فيما أعلنت رئاسة الأركان الأمريكية عن إجراء اتصال هاتفي بين رئيسي أركان البلدين، ناقشا فيه التهديدات التركية، بينما أعلنت واشنطن أن رئيس الأركان الأمريكي ناقش مع نظيره وضع نقاط المراقبة الأمريكية على الحدود مع تركيا.
بالمقابل، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم كوباني، في تصريح لوكالة رويترز «نحن مستعدون لأي هجوم وسنرد بقوة… وضمن مناطقنا» وأضاف: «وحتى هذه اللحظة محاولاتنا الدبلوماسية مستمرة لردع هذا الهجوم على مناطقنا».
من جهة أخرى أعلنت عدة جهات في المعارضة السورية تأييدها للعمليات التركية شرق الفرات، إذ أعلن رئيس الائتلاف الحالي عبد الرحمن مصطفى دعم الائتلاف للعمليات التي تنوي تركيا تنفيذها شرق الفرات، كما أعربت الفصائل المنتشرة في منطقة عملية درع الفرات و«الجيش الوطني» دعمها للعمليات شرق الفرات وعزمها المشاركة فيها، ونقلت صحيفة عنب بلدي عن الناطق باسم «الجيش الوطني» يوسف حمود تأكيده المشاركة في العمليات بحوالي 14 ألف عنصر من التشكيل.
وفي هذا السياق نقلت وكالة الأناضول نص رسالة قامت واشنطن بإرسالها للائتلاف وفصائل المعارضة، تحذرهم فيها من مغبة الاشتراك في أي عملية شرق الفرات، لأن الفصل بين قوات قسد والقوات الأمريكية في المنطقة مستحيل، ولأن العمليات ستعرض حياة جنود أمريكيين للخطر.
تأتي هذه التصريحات المتواترة في وقت أعلنت فيه أنقرة عن بدء نقل تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع سوريا لبدء المعارك، لكن مصدراً مقرباً من الفصائل قال للجمهورية: «حتى مع إعلام أنقرة الفصائل بقرب العمليات خلال أيام، إلا أن التجهيزات العسكرية حتى اللحظة على الحدود لا توحي بقرب الموعد، إذ إنها تحتاج لأكثر من أسبوع على الأقل حتى تكتمل بالوتيرة الحالية».
وفي ظل هذه التطورات، سيكون تجاهل موقف واشنطن الرافض للعمليات التركية أمراً مستحيلاً، إذ سيكون إجراء أي عمليات عسكرية قد ينجم عنها مواجهة بين الدولتين الحليفتين في «الناتو» أمراً صعباً للغاية. ويبدو أن الإصرار الأمريكي على منع المعارك في منطقة تعتبرها واشنطن حيوية لاستراتيجيتها في سوريا، سيحدد مجال ومدى التحركات التركية.
كذلك فإن عمليات القصف التي قام بها الجيش التركي على ما قال إنها مواقع لـ «حزب العمال» شمالي العراق، والتصريحات الأخيرة للرئيس التركي حول منبج، التي لم تكن حاضرة في التصريحات التركية حول العمليات العسكرية خلال الأيام الأولى، تُظهر استعداد أنقرة للتراجع عن العمليات مقابل مكاسب في منبج، أو في حربها على معاقل حزب العمال في العراق.
وإذا وضعنا هذه الظروف بعين الاعتبار، مع النظر إلى حجم التعزيزات العسكرية على الحدود السورية-التركية، فإن كلّ ذلك يوحي بأن عملية شرق الفرات هي أمرٌ غير مُرجَّح خلال الفترة القصيرة المقبلة، خاصةً أن عملية كهذه قد تهدد بانهيار استراتيجيات واشنطن في سوريا، وإيقاف المعارك الدائرة ضد داعش في بلدة هجين بريف دير الزور.
في الأثناء، ستبحث واشنطن عن مخرج لهذا التوتر، قد يكون عبر نشر قوات «البيشمركة» على الحدود مع تركيا في منطقة شرق الفرات، حسب ما نقل موقع باس نيوز. وقد يكون مثل هذا الإجراء حلاً للأزمة المتصاعدة، مع أن تطبيقه يشهد اعتراضاً من «قسد»، وربما لا يُرضي أنقرة تماماً. أما مصير واتجاه هذه الأزمة المتصاعدة فستحدده الأيام القادمة، التي قد تشهد انقلاباً في المواقف والتحالفات بشكل لا رجعة عنه بين الدول صاحبة النفوذ في سوريا.
موقع الجمهورية

 

 

تركيا وشرق الفرات.. هذه الحسابات/ خورشيد دلي

مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن إطلاق عملية عسكرية في شرق الفرات خلال أيام، تتجه الأنظار إلى موعد هذه العملية، ومن أين ستنطلق؟ وما هي محاورها؟ وهل ستكون برية واسعة أم مجرد قصف بري وجوي، قبل أن يتحول إلى تدخل برّي؟ والأهم كيف سيتم التعامل مع إشكالية الوجود العسكري الأميركي في هذه المنطقة؟ وهل احتمال الصدام مع القوات الأميركية قائم؟ وكيف ستكون مواقف الدول المعنية بالأزمة السورية، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة؟

تشير هذه الأسئلة وغيرها إلى تعقيدات أي عملية عسكرية تركيا في شرق الفرات الذي بات يشكل كيانا خاصا، يتشكل على وقع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على مزيد من هذه المناطق من جهة، وبناء مؤسسات وهياكل أمنية وعسكرية برعاية أميركية في هذه المناطق من جهة ثانية. في دوافع العملية العسكرية التركية، ترى أنقرة أن الكيان المتشكل على حدودها الجنوبية بات يشكل خطرا على أمنها القومي، وأن الولايات المتحدة غير جادّة في التعاون معها لمعالجة المخاوف التركية، فاتفاق منبج لم ينفذ بالكامل، والدعم العسكري الأميركي بالمعدات والأسلحة يتواصل لقوات سورية الديمقراطية، مع أن المعركة ضد “داعش” انتهت تقريبا. وتزيد المخاوف التركية تلك الخطوات الأميركية الأخيرة، سيما إقامة نقاط مراقبة حدودية، وتسيير دوريات مشتركة مع قوات “قسد” في المناطق الحدودية مع تركيا، وتدريب ما يقارب نحو 40 ألفا من العناصر الأمنية لمراقبة الحدود، وهو ما يدفع أنقرة إلى الاعتقاد بأن لواشنطن خططا سرية بخصوص إقامة دولة كردية في المنطقة، ستكون تركيا المتضرّر الأكبر منها مستقبلا.

في المقابل، يرى الكرد، ولا سيما الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سورية، أن المخاوف التركية هذه ليست سوى حجج لمحاربة التجربة الفتية التي نشأت في هذه المنطقة، وأن تركيا تعاني من فوبيا القضية الكردية أينما كانت. وعليه، تريد القضاء على هذه التجربة، وأبعاد المكون الكردي من طاولة تسوية الأزمة السورية، وذلك كله تحت عنوان محاربة إرهاب حزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي.

في توقيت العملية، ثمّة من يرى أن لإعلان أردوغان عن إطلاق العملية خلال أيام، وعلى نحو مفاجئ، علاقة بفشل المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، في أنقرة أخيرا، سيما لجهة رفض واشنطن طلب أنقرة التخلي عن نقاط المراقبة الحدودية. وعليه، يعتقد هؤلاء أن التصعيد التركي يحمل طابع ممارسة الضغط على الإدارة الأميركية، لإجبارها على تقديم تنازلات في المنطقة الحدودية، ولا سيما تنفيذ اتفاق منبج بشكل كامل، وإجراء ترتيباتٍ أمنيةٍ تضمن أمن حدودها الجنوبية، فضلا عن خطواتٍ سياسيةٍ، تؤدي إلى تفكيك سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي لمصلحة جميع المكونات السياسية والاجتماعية في شمال شرق سورية.

ولعل تركيا تنطلق، في ذلك، من قناعةٍ ثابتةٍ بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن تركيا كرمى تحالفها الناشئ مع كرد سورية، فضلا عن قناعة لدى المبعوث، جيمس جيفري، أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تهزم المشروع الإيراني في سورية، ما لم يتم استقطاب تركيا إلى جانبها في الملف السوري.

أبعد من البعد الثنائي في العلاقات الأميركية – التركية، تدرك واشنطن جيدا أن موسكو قد تشجع سرا أنقرة على القيام بعملية عسكرية في شرق الفرات، بغية ضرب النفوذ الأميركي هناك، ولزيادة الخلافات الأميركية – التركية، وإلى مزيد من التقرّب التركي نحوها، بما يصب ذلك كله لصالح الاستراتيجية الروسية في سورية والشرق الأوسط. وعلى الرغم من هذا البعد الروسي الواضح، فإن تركيا بحكم موقعها الجغرافي مستفيدة بقوة من التنافس الروسي – الأميركي، إذ يتيح لها هذا الموقع الاستفادة من الخلافات السياسية بين موسكو وواشنطن، وهو ما يجعل الحصول على موافقة ضمنية من هذا الطرف أو ذاك على شكل صفقة سياسية قائمة لحظة البدء بأي عملية عسكرية في شرق الفرات.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

 

هل تدخل تركيا شرق الفرات/ رانيا مصطفى

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن بدء عمليّة عسكرية قريبا شرقي نهر الفرات، ضد وحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعتبره فرعا لحزب العمال الكردستاني التركي، المصنف إرهابيا في تركيا.

أتى التصعيد التركي بعد ساعات من إعلان البنتاغون، الثلاثاء الماضي، عن انتهاء إقامة مراكز مراقبة أميركية على حدود سوريا، لحماية أمن تركيا، وفصلها عن مناطق تواجد وحدات حماية الشعب، حسب التصريحات الأميركية؛ رغم تقدّم أنقرة بطلب رسمي إلى واشنطن بالعدول عن إقامة تلك المراكز؛ فضلا عن إعلان واشنطن إقامة منطقة حظر جوي شمالَ سوريا، على غرار ما فعلت شمال العراق، مما سيشل قدرة تركيا على الدخول إلى المنطقة.

واشنطن، منذ قرَّرت البقاء في سوريا، تعمل على تعزيز قواعدها العسكرية، وتُقدّم الدعم السياسي والسلاح لحلفائها من الأكراد والعرب في قوات سوريا الديمقراطية، كشريك محلي مضمون الولاء بالنسبة إليها؛ وهي تعترف بشراكة الأطراف الأخرى الفاعلة في سوريا، ما عدا إيران، إذ وافقت على كل اتفاقيات خفض التصعيد التي جرت بين تركيا وروسيا، في شرق حلب وفي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ودرعا. ولم تعترض على دخول تركيا إلى جرابلس أو عفرين، وطردها وحدات حماية الشعب منها، بل واتفقت مع أنقرة على تنفيذ “خارطة الطريق” في منبج، التي لم ينفّذ منها سوى تسيير دوريات مشتركة بين الطرفين.

لكنّ واشنطن، من موقع سيطرتها العسكرية على الثلث الأغنى اقتصاديا من سوريا، تريد إمساك كل خيوط اللعبة السورية المتشابكة، بين الأطراف المتصارعة على أجنداتٍ مختلفة، بل وتستثمر في الملف السوري، لفرض أجنداتها في ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليها، أي أوكرانيا وإيران والعراق، وحتى تركيا نفسها، وصولا إلى الاتحاد الأوروبي، وعبر الأدوات الدبلوماسية وبالعقوبات الاقتصادية.

لكن الإدارة الأميركية تعاني من صراعات داخلية حول درجة التشدّد المطلوبة في كلّ ملفّ، خاصّة مع تراجع قوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسبب الحصار الذي يواجهه بتحقيقات روبرت مولر حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

في ملف العلاقة مع تركيا، يتشدَّد البنتاغون، إذ يستبق نيّة تركيا بالتحرك شرق الفرات بإقامة نقاط المراقبة على الحدود مع سوريا، والإعلان عن إمكانية إقامة منطقة حظر جوي شمالا، لأنه يريد الإمساك بملف الأمن التركي من الجانب الأميركي وحده، الأمر الذي لا يكفي لتطمين تركيا؛ خاصّة مع التلكُّؤ الأميركي في تنفيذ اتفاق منبج، واستمرار تسليح “الوحدات” شرق الفرات بسلاح ثقيل بحجة محاربة تنظيم داعش، وتجنيد آلاف آخرين، وعدم سرعة واشنطن في الفصل بين وحدات حماية الشعب وبين حزب العمال، واستبدال قيادات الصف الأول والثاني من حزب العمال بآخرين سوريين.

في المقابل، يميل جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، والسفير السابق في تركيا، إلى تحسين العلاقة مع تركيا، عبر تهدئة مخاوفها بإجراءات ملموسة، قد تكون بتسريع اتفاق منبج، وربما أن يشمل مناطق على الحدود السورية التركية شرق الفرات، كإشراكها في مراكز المراقبة، والسماح لها بملاحقة العناصر “الإرهابية” من الأكراد، والتسريع في فصل الوحدات عن حزب العمال، وإجراء تغييرات بنيوية في تركيبة قوات سوريا الديمقراطية، خاصة في المناطق ذات الغالبية العربية، كالرقة.

كل ذلك كان ضمن نقاشات جيفري مع المسؤولين الأتراك، منذ أسبوع في أنقرة، في مجموعة العمل الأميركية – التركية، التي أنشأها لهذا الغرض؛ ومن أجل تقارب مع تركيا يبعدها عن الحضن الروسي، خاصة مع تلاقي واشنطن وأنقرة في ملف الحل السياسي وإشراك المعارضة، وفي ملف اتفاق إدلب، الذي ما كان ليتم لولا دعم واشنطن الصريح.

العملية العسكرية التركية المتوقعة قد تبدأ في تل أبيض، حيث تحشد القوات التركية دبابات ومدفعية وعربات مصفحة، إضافة إلى جاهزية الفصائل العربية التابعة لها للمشاركة من الحدود التركية ومن جرابلس، من أجل التوغّل في العمق، وفصل منبج وغرب تل أبيض عن رأس العين وباقي المناطق؛ ولا يمكن أن تنجح العملية دون مشاركة سلاح الجو التركي، والذي يحتاج إلى تنسيق مع الأميركيين، تسعى أنقرة إلى الحصول عليه بالضغط على واشنطن عبر فرض أمر واقع جديد، مع الحفاظ على لهجة الرغبة الدبلوماسية في هذا التنسيق.

تراهن تركيا في نجاح تحركاتها العسكرية على عاملين: الأول عامل بشري يتعلق بامتلاكها عناصر تنتمي إلى مناطق شرق الفرات، خاصة الرقة، تريد العودة إلى ديارها، هذا فضلا عن وقوف عشائر عربية في الرقة وريفها مع تركيا في حال تمت العملية، مع تململ سكان تلك المناطق، العربية الخالصة، من سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي. ويتعلق العامل الثاني بإمكانية الحصول على دعم سياسي روسي وإيراني ومن النظام، فهذه الأطراف متضررة من النفوذ الأميركي شرق الفرات، ولن تعترض قواتُها أيّ تحرك تركي يربك الأميركيين.

ويجري حديث عن إمكانية سماح تركيا لروسيا والنظام وإيران بهجوم عسكري محدود على إدلب، مقابل صمت الأطراف الثلاثة عن التحركات التركية شرق الفرات. والنظام السوري والميليشيات التابعة لإيران يحشدان منذ أسابيع لهذه المعركة، للسيطرة على الإقليم الأخير للمعارضة. في حين أن روسيا بدورها تسعى للسيطرة على إدلب، لكن دون نقض التفاهمات مع شريكها التركي، وقد تسمح بعمليات موضعية من ثلاثة محاور، هي ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية وريف حلب الجنوبي، حيث يحشد النظام وداعموه، لفتح الطريقين الدوليين. لكنها (روسيا) على المدى الأبعد تريد إنهاء ملف إدلب بالكامل، من أجل التفرغ للأميركيين في شرق الفرات، ولا يزعجها الإرباك الأميركي بشأن التحرك التركي المحتمل.

إذن نحن أمام احتمالين: إما أن تمضي أنقرة في عملياتها العسكرية بدءا بتل أبيض وصولا إلى رأس العين وعلى طول 500 كيلومتر على الحدود السورية التركية، وتفرض واقعها الجديد على الأميركيين، وما سيقابل ذلك من فتح مواجهة في إدلب وكارثة إنسانية وهجرات جديدة، وإما أن تستدرك أميركا التصعيد، عبر مساعي جيفري الدبلوماسية، وتحتوي الموقف التركي بتسريع الاتفاقات وإشراكها في تأمين حدودها. لكن التصعيد الأميركي- الروسي الأخير في أوكرانيا، لا ينبئ إلا بالمزيد من التصعيد في الداخل السوري.

كاتبة سورية

العرب

 

 

 

 

 

 

“شرق الفرات” رغما عن واشنطن؟/ سمير صالحة

“الروليت الروسية” التي يلعبها الأتراك والأميركان في شمال شرق سوريا عملية انتحارية مكلفة. الأوراق في الجانبين باتت تلعب على المكشوف أمام الطاولة ولم يعد هناك من حاجة للمناورة ومحاولة الالتفاف أو “البلف” بعد هذه الساعة، وارتداداتها ستكون موجعة على الطرفين وحلفائهما إذا لم يتم تداركها عاجلا.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية عسكرية تركية جديدة ستتم خلال الأيام القليلة المقبلة في شرق الفرات ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية. واشنطن متمسكة بمواقفها على لسان وزارة الدفاع الأمريكية التي حذرت تركيا من أي هجوم قد تشنه ضد حلفائها الأكراد شمال سوريا وما قاله السفير الأميركي الخاص للمنطقة، جيمس جيفري، بأن الحضور العسكري الأميركي سوف يستمر، وأن من المحتمل أن تطبق واشنطن في شرق الفرات ما طبقته من قبل في شمال العراق، بما يعني تدابير أمنية وعسكرية بينها إعلان المنطقة بقعة حظر جوي والتدخل العسكري المباشر للدفاع عن حلفائها عند الضرورة.

التحرك العسكري التركي الجديد باتجاه الحدود الجنوبية رسالة واضحة للولايات المتحدة الأميركية قبل أن تكون لحلفائها الأكراد أنها لن تقبل بالمشروع الأميركي في شمال شرق سوريا المتعدد الجوانب:

إبقاء ثلث الأراضي السورية الاستراتيجية تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” بغطاء أميركي شامل.

تلاعب واشنطن في ملف منبج وتنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها أميركيا وتركيا لكنها تتقدم بشكل بطيء بهدف الضغط على أنقرة في ملفات سورية أخرى.

إصرار واشنطن على عدم الفصل بين “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي و “حزب العمال الكردستاني” الذي تعتبره تركيا والعديد من العواصم تنظيما إرهابيا.

إقامة مراكز مراقبة على حدود سوريا تحت ذريعة الفصل بين القوات ولمنع أي احتكاك بين الجيش التركي و”وحدات حماية الشعب”.

مواصلة واشنطن لتسليح  “وحدات حماية الشعب ” وتجهيزها لتكون نواة الجيش الجديد المؤلف من حوالي 40 ألف عنصر محلي يأتمرون بالقرار الأميركي.

وتلويح أميركي بإنشاء منطقة حظر جوي لعرقلة أي تحرك تركي في المرحلة المقبلة.

هدف العمليات التركية بات معروفا، في العلن هو “وحدات حماية الشعب” الكردية المحسوبة على حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي والمجموعات التي تساندهما تحت عنوان الحرب على التنظيمات الإرهابية في المناطق الحدودية التركية السورية. أما في العلن أيضا فالهدف هو قطع الطريق على المشروع الأميركي باتجاه تجهيز وإعداد جيش كردي نظامي قوامه 30 ألف عنصر يلعب أكثر من دور ويقوم بأكثر من مهمة في المرحلة الأمنية والسياسية القادمة في سوريا والمنطقة.

الروس والإيرانيون يعرضون الخدمات في إطار صفقة يكون النظام في دمشق الرابح الأول فيها

الروس والإيرانيون يعرضون الخدمات في إطار صفقة يكون النظام في دمشق الرابح الأول فيها. مواقف التحالف الدولي غير واضحة بعد. لكن من يدفع الثمن قبل غيره هم اللاعبون المحليون في سوريا وسكان المنطقة وأهلها المسالمون.

اتهامات رئيس هيئة الأركان الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف للولايات المتحدة بالمراهنة على الأكراد السوريين لإنشاء كيان شبيه بدولة، مستقل عن دمشق شمال البلاد، يقوي الموقف التركي ويشجع على نقل المواجهات شرقا.

لكن واشنطن لم يعد يهمها كثيرا إقناع أنقرة بما تفعله في شمال سوريا وشرقها بقدر ما يهمها -كما جاء على لسان الناطق باسم البنتاغون سين روبيرتسون- أن القيام بعمليات عسكرية في مناطق يوجد فيها أميركيون أمر مقلق، “ونحن نعتبر مثل هذا العمل غير مقبول ” .

أميركا متمسكة بترسيخ حضورها في شمال شرق سوريا وتحويلها إلى منطقة نفوذ دائم لها حيث الورقة الكردية وموارد الطاقة والأراضي الزراعية والحدود السورية العراقية والسورية التركية. وهي تدرك أن موسكو يهمها أكثر من أنقرة إخراج القوات الأميركية من هناك ودفع حصان طروادتها قوات النظام للتمدد والانتشار العسكري كبديل يرضي الجميع ويمنع الكارثة.

واشنطن دخلت في الأشهر الاخيرة في جملة صفقات سياسية محلية وإقليمية بهدف البقاء في شرق سوريا وشمالها وهي اليوم تناور باسم هذا التحالف الذي يجمع لاعبين أكراد وبعض العواصم العربية والاوروبية في مثلث تحرك استراتيجي هام يجمع سوريا والعراق وإيران فهل من المعقول أن تتخلى عنه ؟

ومع أن واشنطن لا تهتم كثيرا باتجاه توضيح ما تفعله في شمال سوريا وشرقها سوى القول إن تحركها يرتبط مباشرة بتعطيل المشروع الإيراني في سوريا. فإن أنقرة تعرف جيدا أن بين أهداف واشنطن التي تتذرع بإيران اليوم، توفير الحماية لحلفائها الأكراد لعرقلة الخطط والنفوذ التركي في المنطقة غدا.

الأصوات التي تردد من الجانب الكردي السوري أن تركيا ستسقط في مصيدة شمال شرق سوريا لأن واشنطن لن تفرط بمصالحها هناك، تعكس حقيقة حجم التقارب والتنسيق الأميركي الكردي الذي لا خيار آخر أمامه بعد الآن حتى ولو كان الثمن تفريط واشنطن بحليف إقليمي وشريك أساسي تحت سقف حلف شمال الاطلسي .

عملية عسكرية تركية في شرق الفرات، لن تكون سهلة إذا وهي ستختلف شكلا ومضمونا عن عمليتي “غصن الزيتون ” و”درع الفرات”، حيث يراد للنهر هذه المرة أن يكون الخط الفاصل بين بقعتين جغرافيتين ويراد له لاحقا أن يكون الخط الحدودي بين كيانين سوريين مستقلين. أنقرة في مواجهة من هذا النوع تعتبر أنها ستقطع الطريق على مشروع بناء جيش حدودي شمالي يذكر بجيش سعد لحد الإسرائيلي في جنوب لبنان ويفصل بين الأراضي التركية والسورية بكيان كردي مستقل يتحكم بالطرفين.

المواجهة حتمية إذ ليس بقرار أميركي أو تركي فقط بل بسبب المواقف المحلية والاقليمية التي وصلت إلى طريق مسدود حتى الآن. احتمال مهم لمنع  الانفجار هو طاولة أميركية روسية عاجلة لبحث مسار الملف السوري بأكمله فهل يكون ذلك؟

احتمال آخر ضعيف وهو أنه إذا ما كان المواطن السوري لا يريد أن يقتل مواطنا سوريا آخر بعد الآن ويريد حقا التخلص من الحماية الإقليمية التي اختارها لتكون ضامنا في إيصاله إلى ما يريد، فعليه ربما الرجوع بأسرع ما يكون للبحث عن مصلحة سوريا وأين تكمن وما هي سبل استرداد القرار وربما استعدادات معركة شرق الفرات قد تكون الفرصة الأخيرة في هذا الاتجاه.

تلفزيون سوريا

 

 

 

 

 

عملية تركية شرق الفرات …لماذا وكيف؟/ ماجد عزام

أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي عن تنفيذ عملية عسكرية في منطقة شرق الفرات خلال أيام لتطهيرها من العناصر الإرهابية في إشارة إلى قوات الحماية الشعبية الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا – وحتى وأمريكا – إرهابياً. أردوغان قال إن بلاده ليست بوارد الصدام مع الولايات المتحدة وجنودها، وأن من الضرورة بمكان التوصل إلى أرضية مشتركة، وإذا لم يحصل فإن الخلافات تجاه القضية السورية لا يجب أن تكون عائقاً أمام تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الحليفين.

الخطوة بدت لافتة، وإن كانت غير مفاجئة، خاصة أن الرئيس التركي تحدث عن اتخاذ الخطوات اللازمة والتحضيرات الضرورية للعملية خلال الفترة الماضية، التي جرى التحذير خلالها مرات ومرات من مغبة تجاهل رفض أنقرة لإقامة كيان إرهابي شرق الفرات، كما انتشار الإرهابيين على حدودها الجنوبية.

الإعلان التركي الرسمي وعلى أرفع المستويات جاء حازماً حاسماً وقاطعاً لجهة المضي قدماً في تنفيذ العملية، وعدم الحذر أو التحسب من إعلان موعدها لضمان عنصر المفاجأة، خاصة مع نشر مزيد من القوات والتعزيزات العسكرية العلنية على الحدود، وإعلان عدة فصائل وتشكيلات ثورية سورية عن جهوزيتها التامة للمشاركة فيها تحت إطار الجيش الوطني الذي تم تأسيسه منذ شهور، ويضم عشرات آلاف المقاتلين.

بالتأكيد ثمة أسباب وخلفيات عديدة للعملية التركية التي تنطلق من موقف مبدئي يرفض وجود الإرهابيين على الحدود، ما يشكل خطراً على سلامة واستقرار البلاد، كما أمن المواطنين في القرى والبلدات الحدودية المتاخمة.

العملية المرتقبة تمثل رد عملي على خطة واشنطن لإقامة مواقع مراقبة على الحدود التركية السورية بحجة طمأنة أنقرة، وهي أي الخطة حملت في طياتها كمّ كبير من التشاطر التذاكي التحايل على حقيقة وجود الإرهابيين على الحدود، كما أنها هدفت بشكل أساسي إلى منع العملية التركية، ومراكمة العراقيل والصعوبات أمام أي تحرّك تركي في المنطقة.

العملية تهدف كذلك للقضاء على فكرة تأسيس الجيش الحدودي المكون من ثلاثين أو أربعين ألف مقاتل التي أعلنت عنه واشنطن أيضاً – استنساخ لفكرة جيش لحد الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان – بشكل رسمي وإجهاض الفكرة في مهدها كونها تمثل خطر كبير وجدّي على المصالح التركية داخل خارج البلاد. كما أن الجيش سيكون بمثابة نواة لتقسيم سوريا، أو فرض تقسيم غير معلن وفي الحد الأدنى إبقاء سيفه مشرعاً، كما لمّح المبعوث الأمريكي جيمس جفري منذ أيام، ورغم التذاكي والادعاء أنه سيضم عناصر وحتى أغلبية من العشائر العربية، إلا أن أنقرة تفهم ما هو واضح للعيان أصلاً كون قيادته الفعلية ستكون لـ بي كا كا والقرار الأول والأخير لواشنطن، ما يحوّل الجيش فكرة وتنفيذاً إلى عامل ضغط وابتزاز أمريكي على الدولة التركية وسياستها في المنطقة.

العملية التركية تسعى أيضاً إلى قطع الطريق على المساعي الأمريكية لاستجلاب خبراء ومدربين عرب من السعودية والإمارات لتدريب قوات بس كا كا – والجيش الحدودي – وإثارة الخلاف مع تركيا، وتحول واشنطن بالتالي إلى حكم ووسيط بينها وبين الدولتين العربيتين. وفي السياق طبعاً خلق واقع جديد يمنع ويراكم الصعوبات أمام أي تحرك تركي أو حضور في منطقة شرق الفرات.

في التحضيرات أو فيما يخص اختيار الوقت الملائم للعملية فلا شك أن تركيا تسعى لاستغلال الأجواء الإقليمية والدولية المؤاتية لصالحها بعد تداعات جريمة قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعوية بإسطنبول، والأجواء التي أثارتها في الساحة السياسية الأمريكية والدولية بشكل عام، والتأييد الكبير للمواقف السياسات التركية الحازمة والمصممة تجاه الجريمة والإصرار على كشف ملابساتها بمعنى أن الإدارة الأمريكية الضعيفة والمضغوطة لن تكون في وضع يسمح لها بالصدام أو معارضة العملية التركية بشكل جدي.

إلى ذلك فإن العقوبات الأمريكية ضد إيران وحاجة طهران إلى تركيا لمواجهتها ستمنعها من الرفض أو العمل على عرقلة العملية التركية حتى لو غلب الطبع على التطبّع في تغطية الحشد الشعبي الإعلامي لها، كما هو الحال مع السياسة التركية بشكل عام.

أمر مماثل يمكن قوله عن الموقف الروسي المؤيد، أو في الحدّ الأدنى عدم الممانع للعملية التركية المحتملة، خاصة مع رفع موسكو الصوت خلال الفترة الأخيرة وانتقاد السياسة الأمريكية، ورفع السقف السياسي تجاه الوجود – الاحتلال الأمريكي شرق الفرات، واتهام واشنطن باستخدام بي كا كا كورقة من أجل تقسيم سوريا.

في السياق التنفيذي أو العملياتي فإن المناطق التي تشملها العملية هي في معظمها عربية احتلتها قوات بي كاكا بدعم أجنبي أو بتواطؤ مع النظام، وتواصل فرض السيطرة عليها بالقوة الجبرية والتغطية الأمريكية السياسية الإعلامية المادية والعسكرية.

حسب ما ينشر هنا في وسائل الإعلام التركية، فإن انطلاقة العملية ستكون من مدينة تل أبيض، وهي مدينة عربية، أو ذات غالبية عربية تفصل الحدود بينها وبين توأمها المدينة التركية أقجا قلعة، والهدف إضافة إلى البيئة الحاضنة المناسبة والمؤيدة للعملية، يتمثل بقطع الطريق وبضربة واحدة على فكرة إقامة كيان انفصالي لـ بي كا كا شرق الفرات، ودفعهم بعيداً عن الحدود باتجاه الرقة التي تبعد 100 كم تقريباً عنها، علماً أن عمق العملية يتراوح بين 20 و50 كم دون تجاهل ولو على المدى الطويل للتواجد غير الشرعي للـ بي كا كا في الرقة نفسها والمنطقة بشكل عام.

يجب الانتباه طبعاً إلى أن قضية الإقليم الانفصالي الممتد حتى البحر المتوسط تم إجهاضها أصلاً والقضاء عليها نهائياً عبر عمليتي درع الفرات غصن الزيتون، والآن سيتم فعل الشيء نفسه، ولكن شرق الفرات ما يبقى الإرهابيين بعيداً عن الحدود، وفي مناطق متفرقة يستحيل معها إعلان كيان انفصالي أو حتى جعل خيار الانقسام عملياً وضاغطاً.

العملية تعبّر أيضاً كما قال الرئيس أردوغان عن رغبة تركيا في تجاوز ملف منبج، وعدم التوقف عنده مع المماطلة الأمريكية، والتلكؤ في تنفيذ الاتفاق أو خارطة الطريق الخاصة بالمدينة.

فى هذا السياق ربما يمكن فهم الإعلان عن العملية، وكأنه استدراج لعروض أمريكية للعودة لخارطة طريق منبج التي تشمل أيضاً استنتساخ للنموذج في مناطق شرق الفرات، ولكن بشكل ثنائي مشترك.

في كل الأحوال تعبّر العملية والإعلان عنها حتى قبل أيام من تنفيذها عن الثقة والحضور التركي الراسخ في القضية السورية. وفى هذا الصدد بدت لافتة إشارة أردوغان إلى أن العملية تأتي بعد النجاح في إدلب وقبول روسيا أوروبا والمجتمع الدولي للمقاربة التركية تجاه المحافظة، وهي نفس المقاربة التي يتم اعتمادها الآن تجاه شرق الفرات بمعنى محاربة الإرهاب، وتسهيل عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم بشكل آمن وزيادة فرص الحلّ السياسي، وليس العكس عبر قتل خيار التقسيم أو فرض أمر واقع يمنع الانتقال إلى الحلّ السياسي القائم على وحدة سوريا وسلامة أراضيها.

الحرب هي استمرار للسياسة، ولكن بوسائل أخرى، هذا الكلام صحيح، ولا يمكن تحقيق أهدافك بوسائل سياسية دون وضع الخيار العسكري على الطاولة بشكل جدي، والتأكيد على أن التهديد ليس كلامي أو إعلامي فقط. وفي كل الأحوال فإن العملية التركية سيتم تنفيذها مع اكتمال الاستعدادات التنفيذية واللوجستية لها، مع الانتباه إلى أن القيادة التركية ليست عبثية أو عدمية، وإذا ما رأت أن ثمة توجه أمريكي جدّي لتنفيذ خريطة طربق منبج بشكل نزيه وأمين. من ثم الانتقال إلى شرق الفرات، فإنها لن تمانع تحقيق نفس الأهداف دون قتال بما يتضمن إبعاد الإرهابيين عن الحدود، تولى الثوار السوريين ومن يمثلهم مدنياً المسؤولية الادارية والأمنية وإعادة اللاجئين والمهجّرين إلى مدنهم وقراهم شرق الفرات، في بيئة آمنة سالمة ومستقرة بعيداً عن نموذج النظام الاستبدادي الأحادي الذي استنسخه بي كاكا في تلك المناطق بدعم أجنبي.

تلفزيون سوريا

 

 

 

 

 

 

عن الأكراد وحربهم في سورية/ مصطفى زين

لسوريون الأكراد فريسة للصراع التركي – الأميركي في شمال شرقي الفرات. يكررون تجربة «اقترفوها» في محطات كثيرة من تاريخهم، فلا واشنطن في وارد التضحية بعلاقاتها التاريخية مع أنقرة، ولا الأخيرة تستطيع الإستغناء عن الحلف الأطلسي. وما التجاذبات الحالية بين الطرفين سوى تعبير عن الخلاف بينهما على مدى نفوذ كل منهما على الأرض السورية، تمهيداً لفرض شروطه خلال المفاوضات السياسية مع موسكو ودمشق في مؤتمر يعقد في جنيف لاحقاً، وفي يد كل من المفاوضين أوراق قوة، أو فلنقل جماعة سورية يتكلم باسمها ويطالب بـ «حقوقها».

الولايات المتحدة غيرت الجماعات التي تتكلم باسمها في سورية مرات عدة، فبعدما كانت تدعم «المسلحين المعتدلين»، و»الجيش الحر» تخلت عنهما، وحاولت تشكيل جماعتها الخاصة لكنها فشلت، بعدما اكتشفت أن معظم الذين دربتهم التحقوا بالجماعات الإرهابية. وامتنعت فترة طويلة عن اعتبار «النصرة» جبهة إرهابية ثم اقتنعت وأقتعت انقرة بذلك. ثم غيرت حجتها في إقامة قواعد عسكرية شرق الفرات بالقضاء على «داعش» وربطته بالوجود الإيراني، على ما أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون الأسبوع الماضي. وهذه هي الحقيقة، فمعروف أن هدفها الإستراتيجي منع التواصل الإيراني السوري – العراقي والحد من نفوذ طهران في بلاد الشام امتداداً إلى بيروت. هدف لا يتناقض مع طموحات أردوغان الساعي، منذ بداية الحروب على سورية، إلى تحقيق حلم عثماني – تركي قديم باقتطاع أجزاء من سورية وتنصيب الإخوان المسلمين في سدة الحكم في دمشق لضمان نفوذ دائم في هذا البلد.

لكن الحلم الأردوغاني يصطدم باستراتيجية البيت الأبيض في ما يتعلق بالأكراد، فواشنطن ترى فيهم أداة للفصل بين بغداد ودمشق من خلال إقامة كانتون خاص بهم، يشبه إقليم كردستان في العراق ويشكل عنصر تهديد دائم لأي نظام في سورية، بينما ترى فيهم تركيا خطراً يهدد وحدتها، نظراً إلى علاقاتهم مع أكرادها الذين يخوضون صراعاً مسلحاً ضدها منذ ثمانينات القرن الماضي. وتصاعد هذا الخلاف بين الحليفين في الآونة الأخيرة، ففيما تصر واشنطن على دعم «وحدات الشعب» وتمكنها من بسط سلطتها على المزيد من الأراضي في شرق الفرات، وتحميها وترعى تغييرها ديموغرافية المنطقة بطرد العرب منها واعتماد مناهج دراسية لا تقرها الحكومة السورية، تهدد أنقرة باجتياح المدن التي تسيطر عليها هذه «الوحدات»، معتمدة على قواتها العسكرية الخاصة بدلاً من «جبهة النصرة» و»حركة نور الدين زنكي» ومسلحي «الإيغور» الصينيين وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي رعتها منذ بداية الأحداث في سورية.

في إعلان عزمه على تحريك جيشه إلى شرق الفرات، حيث القواعد الأميركية، قال أردوغان إن هدفه «القضاء على الإرهاب» في هذه المنطقة، يقصد «وحدات الشعب» الكردية بطبيعة الحال، وأكد أنه لن يصطدم بالجيش الأميركي، أي أن تحركه لن يتجاوز العمل للحد من تعاظم نفوذ الأكراد، ووقف مخططهم لإقامة «حكم ذاتي» يهدد الأمن القومي التركي، مثلما يهدد الأمن القومي العراقي والسوري والإيراني أيضاً.

ليس سراً أن العسكريين الأتراك ينسقون كل خطوة يتخذونها مع نظرائهم الأميركيين، كما ليس سراً أن التنسيق قائم بين البلدين على المستوى السياسي، وحل الخلافات بينهما لن يكون على حساب اي منهما بل على حساب الذين يقاتلون ويتقاتلون نيابة عنهما، متوهمين انتصاراً في حرب ليست حربهمم، تغريهم تجربة بارزاني المعزول في شمال العراق.

الأكراد مؤمنون لكنهم يلدغون من جحر الدول الكبرى في كل مفصل من مفاصل التاريخ.

الحياة

 

 

 

 

 

 

 

 

هل تعيد تركيا رسم خريطة النفوذ شرق الفرات؟/ باسل الحاج جاسم

بات واضحا أن تركيا جادة في تهديداتها،ولن تتوانى عن ضرب الأهداف التي تهدد أمنها القومي، على الرغم من اعراب وزارة الدفاع الأميركية – البنتاغون، عن قلق حيال العملية العسكرية المرتقبة،و التي اعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان،و جاء في بيان البنتاغون،إن أي عمل عسكري من جانب واحد وخاصة في ظل احتمال وجود أفراد من الجيش الأميركي هناك أو في محيط المنطقة محل قلق بالغ، وغير مقبول،وأشار الكوماندر شون روبرتسون المتحدث باسم البنتاغون في بيان ان الولايات المتحدة ملتزمة أمن تركيا الحدودي.

يمكن استبعاد أي صدام اميركي– تركي في ظل تزايد التوتر بين أنقرة وواشنطن،خاصة أن تلك المجموعات التي تهدد امن تركيا إضافة للمجموعات الجديدة التي تنوي واشنطن تشكيلها، موجودة في منطقة جغرافية بالغة الأهمية الاستراتيجية،و لاسيما في ظل تأكيد أردوغان أن بلاده ليس لديها أي عداء لا تجاه الإدارة الأميركية ولا الجنود الأميركيين الموجودين في سورية، مضيفاً: «رغم كل شيء،نرى أميركا كحليف استراتيجي ويمكننا المضي معًا في المستقبل شريطة الالتقاء على أرضيات صحيحة».

وبطبيعة الحال،يبدو ان التركي ماض في تنفيذ خطته بغض النظر عن التوتر المتزايد مع واشنطن،حيث تجمعهما عضوية الـ «ناتو» ،و الدولتان من القوى المؤثرة في الحلف الاطلسي،و أي خلل جدي بينهما قد يؤدي إلى الإطاحة بكامل الحلف،وهو ما يسعد موسكو،التي لا تضع حالياً في حساباتها التصدي عسكرياً لأدوات الولايات المتحدة في سورية،وتصرفت بحنكة حين تركت تركيا،العضو في حلف شمال الأطلسي،لتتولى تلك المهمة، ان كان في درع الفرات ثم لاحقا غصن الزيتون و الان على أبواب العملية الثالثة.

العملية التركية الوشيكة سبقها تراجع واشنطن « إعلاميا» في تصريحاتها،عن تشكيل جيش من قوات «سوريا الديموقراطية» الذي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب في الناتو و دول أخرى،إلا أن ذلك لم يبدد قلق تركيا ،حيث ترى انقرة التنظيم الذي تحاربه منذ الثمانينات يحظى برعاية حليفها الاستراتيجي، ويتمدد على طول حدودها داخل الأراضي السورية بمسمى وغطاء جديدين،بعد كشف المتحدث السابق باسم تلك المجموعة المسلحة المنشق طلال سلو نقلا عن مسؤولين أميركيين أن تسمية قوات سوريا الديمقراطية هي لطمأنة تركيا.

ولا بد من الإشارة،انه بينما تدور أحداث كبرى غرب الفرات في مناطق سيطرة روسيا،تدرب واشنطن عناصر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني في الحسكة شرق الفرات الواقع تحت السيطرة الأميركية،من أجل إنشاء مجموعة مسلحة جديدة، في تجاهل وتهميش آخر جديد للغالبية العربية،لتزداد بذلك تعقيدات المشهد السوري.

والأمر الذي لا مفر من ذكره،ان الكل يتعامل مع ما يجري شرق الفرات من زاوية الأمن القومي التركي،و يتم تجاهل أن هذا الخطر اليوم يهدد ملايين العرب سكان تلك المناطق حيث يشكلون أكثرية مطلقة وفق معظم الدراسات والبيانات،كما يتناسى العالم أن مصير هؤلاء الملايين قرابة نصف سكان سورية بات في مهب الريح،بالإضافة الى التقارير التي صدرت عن منظمة العفو الدولية وتحدثت بوضوح عن جرائم حرب تعرض لها العرب شرق الفرات من تهجير و إزالة بيوتهم و قراهم من على وجه الأرض.

حيث قالت منظمة العفو الدولية ،في تقرير صدر اواخر عام 2015 ،ان بعثتها لتقصي الحقائق في شمال سورية كشفت عن موجة من عمليات التهجير القسري و تدمير المنازل ،تعد بمثابة جرائم حرب نفذتها الادارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي،الحزب الكردي السوري الذي يسيطر على المنطقة ،و قالت لمى فقيه ،مستشارة الازمات لدى المنظمة،» ان الادارة الذاتية،باقدامها عمدا على تدمير منازل مدنيين،وفي بعض الحالات تدمير و احراق قرى باكملها،وتشريد سكانها من دون اية اسباب عسكرية يمكن تبريرها،انما تسيء استخدام سلطتها،وتنتهك بصفاقة القانون الانساني الدولي في هجمات تعد بمثابة جرائم حرب .

والملاحظ اليوم ان اسراع واشنطن في محاولة شرعنة مكاسب تلك المجموعة المسلحة التي لا يختلف وجودها من الناحية القانونية عن وجود داعش أو النصرة داخل اراضي الجمهورية العربية السورية،وذلك عبر سعيها في إقامة نقاط مراقبة على الحدود السورية التركية،وهو الذي بات يدفع تركيا للإسراع ايضا بالتحرك عسكريا قبل فوات الأوان.

الأجواء والظروف اليوم،تشابه تلك التي كانت قبل العمليتين العسكريتين درع الفرات وغصن الزيتون،حيث كل عملية منها كانت لتحقيق هدف محدد بإيقاف شق من المشروع الاستيطاني الانفصالي الذي يستهدف وجود قرابة نصف سكان سورية ملايين العرب سكان مناطق شرق الفرات.

الواضح اليوم ان دمشق لا تثق بتلك المجموعة المسلحة المتمركزة شرق الفرات،و التي غدرت بها في أكثر من مناسبة،وآخرها المجزرة التي ارتكبت بحق مفرزة الأمن العسكري التابعة لدمشق،بالإضافة انها باتت تتحرك كأداة أميركية،و تتمدد أكثر من حجمها مستغلة الدعم الأميركي تحت ذريعة الحرب على داعش،بينما ترتبط دمشق وانقرة بتفاهمات دولية هي أهم للطرفين على المدى المتوسط و البعيد.

من جانبه لفت شون روبرتسون المتحدث باسم البنتاغون،إلى أن تركيا حليف مهم للغاية منذ عشرات السنين داخل حلف شمال الأطلسي،وشريك محوري للغاية للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» .

يبقى القول،ان ما يجري شرق الفرات هو الخطر الاكبر على مستقبل سورية،هذا الخطر ترجمته هي ازالة الجمهورية العربية السورية من الخريطة الجغرافية و السياسية،و من مفرزاته لاحقا،تهديد الامن القومي التركي مبدئيا،ليطال الجغرافيا القريبة و البعيدة في مراحل قادمة.

* باحث في الشؤون الروسية والتركية

الحياة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من أجل نزع فتيل الحرب الكردية العربية/ برهان غليون

هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، الولايات المتحدة، بشن هجوم واسع خلال الأيام المقبلة في منطقة شرق الفرات السورية، لإبعاد خطر مليشيات قوات سورية الديمقراطية (قسد)، الكردية، في إطار تطبيق خطة تركية ترمي إلى منع قيام كيان كردي مستقل شمال سورية، الأمر الذي تعتبره أنقرة أكبر تهديد لأمنها القومي، وهي التي تشكو من تهرب واشنطن من تطبيق الاتفاق الذي توصلت إليه العاصمتان منذ بداية العام بشأن منبج، واستمرار الولايات المتحدة في تسيير دوريات مشتركة مع المليشيا الكردية في المدينة، كما تشكو من استمرار الدعم الأميركي لها، ومن مشروع واشنطن الجديد القاضي بإقامة نقاط مراقبة على الحدود السورية – التركية، بالتعاون مع المليشيات الكردية. وهذا ما ترى فيه تركيا خطة لحماية المليشيات الكردية من الهجمات التركية، بينما تقول واشنطن إن هدفها منه، بالعكس، حماية الحدود التركية. ولعل ما أثار مخاوف الأتراك أيضا تصريح السفير الأميركي الخاص للمنطقة، جيمس جيفري، بأن الحضور العسكري الأميركي سوف يستمر، وأن من المحتمل أن تطبق واشنطن في شرق الفرات، إذا احتاج الأمر، ما طبقته من قبل في شمال العراق، بما يعني إعلانها منطقة حظر جوي فيها.

تترافق هذه التهديدات المتبادلة التركية – الأميركية بتحذيراتٍ روسية جاءت على لسان رئيس هيئة الأركان الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، الذي اتهم، حسب وكالة روسيا، الأربعاء الماضي، الولايات المتحدة “بمحاولة إنشاء كيان كردي مستقل عن دمشق شمال سورية”، و”المراهنة على الأكراد السوريين، لإنشاء كيان شبيه بدولة، مستقل عن دمشق شمال البلاد، ويقومون بتشكيل حكومة ما تسمى فدرالية شمال سورية الديمقراطية”. أما الأميركيون الذين يجمعهم مع الأتراك حلف شمال الأطلسي، فجاء جوابهم على لسان الناطق باسم وزارة الدفاع (البنتاغون)، سين روبيرتسون، أن القيام بعمليات عسكرية في مناطق يوجد فيها أميركيون أمر مقلق، “ونحن نعتبر مثل هذا العمل غير مقبول”.

من الواضح أن الجبهة الرئيسية للمواجهة الدبلوماسية والعسكرية على الأراضي السورية قد انتقلت، أو هي في طريقها للانتقال، إلى منطقة شرق الفرات، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى أن تستعيد من خلالها وترسخ حضورها في المنطقة، وربما أن تحولها إلى منطقة نفوذ دائم لها اعتمادا على القوى الكردية، في سياق غياب حل سياسي، واستمرار التقسيم، وحرمان “سورية الروسية” من 60% على الأقل من موارد البلاد، وأهمها: موارد الطاقة والمياه والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية.

وفي المقابل، تدرك موسكو أنها تفقد أكثر فأكثر قدرتها على التحكم بأوراق المناورة الاستراتيجية والدبلوماسية السورية، بإبقاء الأميركيين أجزاء كبيرة من سورية خارج سيطرة نظام الأسد، الذي جعلت منه حصان طروادة، لفرض وصايتها العليا والكاملة على البلاد، وبعد تأكد فشل الرئيس، فلاديمير بوتين، في إقناع أوروبا والدول الصناعية الغنية بتمويل إعادة الإعمار، لطي صفحة الانتقال السياسي الذي تؤكد عليه جميع القرارات الأممية، وتخفيف العبء عن حلفائه السوريين والإيرانيين. وهذا ما يؤكده أيضا التحذير الأميركي من أن مساري أستانا وسوتشي قد وصلا إلى طريق مسدود، وأنه لا مهرب من العودة بالمحادثات السورية إلى جنيف.

تضغط تركيا بقوات “الجيش الوطني” السورية لدفع واشنطن إلى تغيير سياستها إزاء الشمال والشرق السوريين، وأملا بتقليل الدعم العسكري والسياسي واللوجستي الذي تقدمه لمليشيا “قسد”. أما روسيا فتطمح أساسا إلى تعديل موقف واشنطن في ما يتعلق بالحل السياسي، ومن تطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الداعية إلى انتقال سياسي جدي، والتي لا يمكن تفسيرها بإعادة تأهيل الأسد أو نظامه بأي شكل.

من هنا، تبدو المواجهة حقيقية، وربما حتمية، فتركيا تشعر بأنها تدافع عن أمنها القومي، وأنها في سباقٍ مع الزمن لقطع الطريق على ولادة كيان كردي يشكل موطئ قدم لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تخوض حربا دموية معه منذ عام 1984. وهي فقدت الثقة بواشنطن التي تتهمها بأنها خدعتها في منبج، ولا تزال، في شرق الفرات. ويزيد من قلقها الحديث عن حضور عسكري سعودي في هذه المنطقة، لما يعنيه من ربط أمن تركيا بمواجهة إقليمية تتجاوز المليشيات الكردية. أما واشنطن فليست على استعداد، في اعتقادي، لأي مواجهة جديدة، وتستطيع أن تناور مع جميع الأطراف الإقليمية من أجل الاحتفاظ بوجودها الاستراتيجي في أكثر المناطق حساسية وأهمية، ليس في سورية فحسب ولكن في المشرق، على حدود دول ثلاث رئيسية، تركيا وإيران والعراق، بالإضافة إلى سورية.

وهناك دائما مخرج آمن للقوى الأجنبية المتنازعة على “اقتسام” سورية، يضمن متابعتها رهاناتها الخاصة، من دون الذهاب إلى درجة الصدام في ما بينها، وذلك ببساطة من خلال توجيه المليشيات السورية، التابعة لها بعضها ضد بعض، وهنا “الجيش الوطني” الخاضع للنفوذ التركي ضد مليشيا قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وترك السوريين يقتلون بعضهم بعضا. سوريون يقتلون سوريين، من دون إيذاء “أحد”. هذا ما يحصل منذ ثماني سنوات، في عموم سورية، حتى يتمكّن كل طرفٍ من الأطراف الدولية والإقليمية من تحقيق مصالحه من دون أن يحرق أصابعه بالنار.

لهذا من حق السوريين، والكرد منهم خصوصا الآن، أن يقلقوا على مصير آلاف المدنيين المهدّدين بالتعرّض للكوارث نفسها التي تعرّض لها أشقاؤهم من قبل، ممن خبروا حرب المليشيات وحكمها، في حلب وغوطة دمشق والرقة ودير الزور وإدلب وعفرين ومدن وبلدات سورية عديدة. وأن يسعى نشطاء ومثقفون كثر منهم إلى مناشدة الأطراف المختلفة بإيجاد وسيلة أخرى لفض النزاع الدولي، وفتح مفاوضات جماعية من أجل البحث عن مخرج سياسي يطمئن الجميع، ويحقن دماء إخوتهم، ويوفر على السوريين مزيدا من الموت والدمار. ولكن سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن أيا من الدول المتنازعة، وأولاها نظام الطغيان الأسدي البغيض، تعير اهتماما من أي نوع لمصير الشعب والمدنيين.

في المقابل، ليس لدى السوريين، المتنازعين على الهرب من المركب السوري الغارق، حل آخر سوى التحرر من الوهم الذي سمم وجودهم، ودمر حياتهم وبلادهم، وهو اعتقاد أي فردٍ وأي مجموعةٍ وأي طبقةٍ وأي مذهبٍ وأي قوميةٍ أنها تستطيع أن تهرب بنفسها، وتبني على أنقاض المركب الغارق وطنها الخاص، من دون اعتبارٍ لمصير الآخرين، أو التفكير بمصالحهم، وأن تعمل على إغراقهم مع المركب المحطم وبمساعدة القوى الأجنبية أو بتطبيق سياسات شمشونية.

انتزع الطغيان الوحشي من السوريين، جميع السوريين، وطنهم، وتركهم في العراء، عربا وكردا، مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة وعلويين وإسماعيليين وموحّدين، عشائر وحضريين، مدنيين وريفيين، فلم يعد أحد منهم يشعر بأنه في بيته، أمين على حياته ومستقبل أبنائه. جميعهم يشعرون بأنهم في خطر الموت، وجميعهم يركضون وراء سراب مراكب من خيالهم، ويتعلقون بقشة الدعم الأجنبي، من أجل قطعة وطنٍ تحميهم وتحتضنهم وتطمئنهم بينما يتركون المركب الذي يحملهم يهرب من بين أيديهم. وكلما اقتتلوا عليه، خرج عن سيطرتهم، ووجدوا أنفسهم بين غرقى ومشردين ومهجرين ونازحين في أرضهم، بمن فيهم الذين يعيشون على حطام وطنٍ لم يعد له من اسمه نصيب.

يحق للكرد أن لا يثقوا بسلطة عربية مركزية، بعد ما عاشوه من تشرد واضطهاد، ويحق للعرب أن يشكّوا بنوايا سلطة مليشيات كردية، لا تتردد في قتل الكرد الذين يخالفونها، وتتبنّى سياسة فرض الأمر الواقع على الجميع، تماما كما فعلت وتفعل المليشيات الأخرى السورية، وكل مليشيات العالم. الخطوة الأولى للخروج من المقتلة السورية وتفكيك قنبلة الحرب “الأهلية”، التي تدور منذ ثماني سنوات بين الطوائف والقوميات والأحزاب والطبقات والنخب السورية اليسارية واليمينية، برعاية دولية، ولصالح بقاء الأسد ونظام طغيانه، هي الشفافية، فهي وحدها التي يمكن أن تضع حدا لسياسة “الغموض البناء” التي تتبنّاها جميع الدول الأجنبية المنخرطة في الحرب، للعب على جميع الأطراف السورية، واستخدامها أدواتٍ لخدمة أغراضها الاستراتيجية فحسب. وبالنسبة لما يجري من حربٍ مقنعة ومكشوفة في الشمال السوري، وفي سبيل نزع فتيل حربٍ عربيةٍ كرديةٍ يراهن على إشعالها عدد من دول التدخل الأجنبي، ينبغي أن يؤكد جميع السوريين، أحزابا وهيئات وشخصيات وطنية أيضا، اعترافهم الثابت بالهوية القومية والحقوق المترتبة عليها للكرد السوريين، في إطار سورية ديمقراطية تعدّدية يقرّر الشعب، عبر ممثليه الشرعيين، أي المنتخبين، شكل إدارتها السياسية وتسييرها. وينبغي أن يعلن القادة الكرد، أحزابا ومليشيات وشخصيات وطنية، بعكس ما فعلوه حتى الآن، أن مصير المناطق التي يسيطرون عليها بمساعدة خارجية، ذات أغلبية كردية أو عربية، لا تقرره الأحزاب الكردية، مهما كانت قوتها العسكرية، ولا حلفاؤها الأميركيون، وإنما يقرّره جميع السوريين، في إطار مؤسسات الدولة الشرعية السورية الجديدة التي ينبغي التفاهم على إرسائها، وأن يكفّوا عن الحديث عن الفيدرالية المفروضة من طرف واحد، حتى لو كانت في اعتقادهم العميق، وربما في اعتقاد سوريين كثيرين، هي الحل الأمثل على المدى المتوسط أو البعيد. فلا يمكن لشعبٍ أن يقبل أن يُملى عليه تقرير مصيره من طرف واحد، حتى لو كان حكامه. استبطان هذه القاعدة، هو المدخل للمسار الطويل الذي يقود إلى بناء وطنٍ فعلي، لا غابة وحوش، وولادة شعب، يحترم إرادة جميع أبنائه وجماعاته، لأنه يحترم نفسه. هذا هو مختصر ثورة الكرامة والحرية التي ضحّى من أجلها ملايين السوريين.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

هل يمكن أن يُطيح التنسيق بين الأميركيين والأتراك حول سورية بشار الأسد؟/ مايكل يونغ

أسعد العشي | خبير اقتصادي سوري، ومدير تنفيذي لمؤسسة “بيتنا سوريا” المعنية بدعم المجتمع المدني السوري

قد يؤدي توثيق التعاون التركي – الأميركي إلى التخفيف من حدّة التوترات بين منطقة شمال شرق سورية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، ومنطقة الشمال الغربي الخاضعة إلى سيطرة الأتراك، وإلى تقليص احتمال حدوث أي تصعيد عسكري. أما على المدى الأطول، فقد تسمح شراكة أكثر متانةً بين الطرفين بإرساء أسس التعاون، ما يضع حوالى 40 في المئة من الأراضي السورية تحت مظلة واحدة.

مع ذلك، لن يكون أي من هذين السيناريوهين كافياً لإطاحة بشار الأسد. فقد استثمر الروس والإيرانيون بشكل كبير في الأسد وأعوانه، ولن يكونوا مستعدين للتنازل عن هذا الاستثمار مهما بلغت درجة التقارب بين تركيا والولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، لن تخاطر تركيا بإلحاق الضرر بعلاقتها مع روسيا (ولاسيما أنها أصلاً شريكاً لا تثق به)، بخاصةٍ مع انطلاق العمليات في خط أنابيب الغاز الطبيعي TurkStream بين روسيا وتركيا، وإمكانية تسليم نظام الدفاع الجوي الروسي “أس-400” إلى القوات المسلحة التركية، وهما حدثان مرتقبان في العام 2019.

وعليه، يمكن أن يدفع تعاون أوثق بين الولايات المتحدة وتركيا الأسد بالتأكيد إلى أخذ المفاوضات على محمل الجدّ والانضمام إلى طاولة الحوار لإطلاق عملية سياسية تتمتّع بالمصداقية. يبقى علينا عندئذٍ انتظار اتّضاح نتائج مثل هذه المفاوضات.

دوروثي شميد | زميلة أبحاث بارزة ومديرة برنامج تركيا والشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية

تُعدّ تركيا خصماً صريحاً لبشار الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية، إذ ما انفكّت تطالب بتنحيته. ومع أن أنقرة تقرّبت من روسيا بعد الانقلاب الفاشل في العام 2016، إلا أن عملية تطبيع العلاقات مع النظام السوري لم تكتمل، ناهيك عن تزايد احتمالات نشوب مواجهة مباشرة في محافظة إدلب. لكن من غير المؤكّد ما إذا كانت القوات المسلحة التركية قد تعمد إلى خوض حرب شاملة مع نظام الأسد من دون دعم حلفائها الغربيين.

خلال العام المقبل، سيكون هدف الولايات المتحدة الأساسي احتواء إيران. لذا، قد يؤدّي تحديد مصير الرئيس السوري إلى تعاون سياسي بين أنقرة وواشنطن. بيد أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا متشنّجة، كما أن استراتيجيتيهما في سورية متباينتان حول مسألة أساسية: فالولايات المتحدة تقف بشكلٍ حاسم إلى جانب قوات سورية الديمقراطية التي يغلب عليها الأكراد، لمساعدتها في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، فيما الأكراد يشكّلون مدعاة قلق أساسية لتركيا، وحافزاً قد يدفعها إلى شنّ حملة عسكرية خارج حدودها. في غضون ذلك، استعاد الأسد هامشاً من المناورة، لذا قد لايكون من السهل بالضرورة الإطاحة به.

توما بييريه | باحث أول في المركز الوطني للبحث العلمي – معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والمسلمين

ليس في وسع تركيا فعل الكثير في هذا الصدد، أكثر من تجنّب تقويض موقع واشنطن في شرق سورية؛ وهو الموقع الذي يشكّل مفاتيح الضغط الأميركية على دمشق. هذا هو الإطار الذي يمكن ان يكون التنسيق فيه مفيدا، وإلا فإن أنقرة، وعلى رغم تمنّعها المتواصل عن تطبيع العلاقات مع الرئيس بشار الأسد، لن تضيف الكثير على الشراكة مع الأميركيين في مجال الفعالية والتأثير. صحيح أن تموضعها في شمال سورية يعتبر رصيداً مهما، لكنه في الواقع دفاعي النزعة. فالمناطق التي تحميها تركيا محدودة القيمة الاستراتيجية، بالمقارنة مع الأراضي الغنية بالنفط في شرق سورية. والأهم أن انكشاف أنقرة أمام خطر قيام الأسد وحلفائه بتسليح اللاجئين، يجعلها شريكاً غير محتمل في سياسة تغيير النظام، بما في ذلك حتى عبر الوسائل الدبلوماسية. والواقع أنها أُجبرت بالفعل على التخلي عن أحدى الأدوات القليلة المتوافرة لها ضد دمشق بفعل قبولها، كجزء من اتفاق سوتشي في أيلول/سبتمبر الماضي، بأن يُسلّم متمردو محافظة إدلب نقاط الترانزيت في الأقسام أم-4 وأم-5 في الطرق الرئيسة التي يسيطرون عليها.

سولي اوزل | بروفسور العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس في اسطنبول، وكاتب مقال في صحيفة “هابرتورك”

تتطلّب المرحلة الراهنة من الحرب السورية ما هو أكثر من التفاؤل كي نتوقع إطاحة بشار الأسد من السلطة، سواء قبل الصفقة أو كجزء منها. فحلفاؤه الإيرانيون على وجه الخصوص سيعملون على عدم حدوث ذلك، وفرص التنسيق التركي- الأميركي لإسقاطه، وعلى رغم انها ممكنة، إلا أنها الآن معدومة، لأن لكلا “الحليفين” تصورات غاية في التباين حول ما يشكّل تهديداً إرهابياً في سورية، كما أنه لم يعد واضحاً ما إذا كانت واشنطن مُصرّة حقاً على رحيل الأسد.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الأولوية هي لمنازلة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي مثل هذا القتال، تُعتبر وحدات حماية الشعب الكردية هي الشريك الأمثل الذي يعتد به للقيام بذلك، حتى ولو كان الهدف الأميركي الأكثر طموحاً هو حمل إيران على التراجع. تركيا هي حليف الاختيار بالطبع، لكن وحدات حماية الشعب، وتنظيمها الأم حزب الاتحاد الديمقراطي، تُعتبر لدى أنقرة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يشكّل الخطر الإرهابي الوجودي الأكبر عليها. وقد عمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتّوه إلى وصف الدولة الإسلامية بأنه مجرد تنظيم من الدهماء، وأعاد إلزام نفسه مجدداً بالقضاء على وحدات حماية الشعب- الاتحاد الديمقراطي في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. ومع وجود مثل هذه المصالح المتضاربة، ليس بمقدور واشنطن وأنقرة العمل بشكل منسّق، ما لم تُحل القضية الكردية.

علاوة على ذلك، إذا ما وضعنا في الاعتبار اعتماد تركيا على حسن النيّة والدعم الروسيين في المناطق التي تُسيطر عليها وفي الأراضي الواقعة تحت هيمنتها في محافظة إدلب، سنصل إلى الاستنتاج ان أنقرة ستمتنع عن اتخاذ أي خطوات جذرية من شأنها وضع روسيا على طرفي نقيض معها.

مهنّد الحاج علي | مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، ومؤلّف كتاب بعنوان Nationalism, Transnationalism, and Political Islam: Hizbullah’s Institutional Identity (القوميّة والرابطة العابرة للقوميّة والإسلام السياسيّ– هويّة حزب الله المؤسّسيّة) صدر في العام 2017 عن دار “بالغريف ماكميلان”

من المستبعد للغاية حدوث تنسيق بين الطرفين. وحتى لو حدث ذلك، سيسفر التحالف الأميركي-التركي عن ترسّخ التحالف الذي يجمع موسكو بنظام الأسد. يُضاف إلى ذلك أن استراتيجية تركيا حول سورية تشكّل سبباً آخر يدفع إلى استبعاد هذا التحالف ومثل هذه الحصيلة. فأولوية أنقرة اليوم ليست إطاحة بشار الأسد، بل تعزيز الارتباط الثقافي والسياسي والاقتصادي بين تركيا وبين المناطق السورية التي سيطرت عليها خلال عمليّتي درع الفرات وغصن الزيتون العسكريتين. فقد دشّنت جامعة الحرّان التركية فرعاً لها في مدينة الباب، فيما تتلقّى مئات المدارس كتباً مدرسية من وزارة التعليم التركية. كذلك، تُدرّس اللغة التركية في المدارس على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة. كما تمّ افتتاح مكاتب بريد تركية في كل مدينة، بينما باتت السلطات الدينية التركية الآن تمتلك تأثيراً على مساجد المنطقة والتعليم الديني. ويُعتبر هذا الاستيلاء مماثلاً لما جرى في شمال قبرص، غير أنه يختلف تماماً عن كونه مجرد استثمار في عملية انتقال قيادية سورية. أما السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه حول تدخّل تركيا في سورية فهو: كيف ومتى ستتوسّع غرباً باتجاه محافظة إدلب، وشرقاً نحو المناطق الكردية التي تتعاون راهناً مع الولايات المتحدة؟ وعلى أي حال، الحافز الأساسي لتركيا هو استثمارها طويل الأمد في عملية “تتريك” سورية.

مركز كارنيغي للشرق الأوسط

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى