مقالات

بريد الليل يحمل البُوكَر إلى هدى بركات -مقالات مختارة-

وعكة البوكر/ أمير تاج السر

منذ أيام أعلنت نتيجة الجائزة العالمية للرواية العربية، أو جائزة البوكر كما تسمى، ومنحت هذه المرة للكاتبة اللبنانية المعروفة هدى بركات، عن روايتها القصيرة “بريد الليل” الصادرة عن دار الآداب.

الجديد هنا، في هذه الدورة، أن هدى لم تكن في حاجة للتوتر، وإراقة الهرمونات الصعبة، وهي تجلس مع المرشحين الآخرين في الصفوف الأمامية لقاعة الاحتفال في انتظار النتيجة. فالنتيجة معروفة سلفا، وربما هي معروفة حتى قبل أن تتم قراءة الأعمال، وقد أعلنت بطريقة واثقة وسلسة قبل الحفل بساعات، وبفضل ما تحمله وسائط التواصل الاجتماعي من خير وشر.

وصلت إلى كل مهتم بالكتابة الروائية، وبهذه الجائزة بالتحديد، وأيضا إلى غير المهتمين لأن جائزة البوكر بالتحديد تملك سطوة كبرى لا تملكها الجوائز العربية الأخرى التي نشأت قبلها وبعدها. إنها السطوة التي تجرجر غير الموهوبين، وغير الملمين بالفن الروائي، ليكتبوا أسوة بالملمين، ولدرجة أن كما هائلا من الرداءة ترسخ في السنوات الأخيرة بوصفه نتاجا روائيا عربيا. وحين تحاول الولوج إلى أقرب نص يقع في يدك، تفاجأ بكم من الموانع يصدك: لا فن، لا لغة، لا ابتكار، لا شيء بخلاف السعي إلى جائزة، وياليتها جائزة البوكر، أو على الأقل قائمتها الطويلة.

لقد قلت من قبل، وأقول مرة أخرى، إن إعلان القائمة الطويلة لجائزة البوكر في كل عام، هو بمثابة صيحة كبرى لمناداة الناس للقراءة، فمعظم الناس، الذين يكتبون في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحس بهم يغفون ويستيقظون في الإنترنت، لن يقرأوا أي عمل يصدر ما لم يأت في قائمة لجائزة. وأيضا ليس أي جائزة فكل الجوائز الأخرى غير البوكر، تأتي بقوائمها، وفائزيها، وغالبا لا تجد اهتماما كبيرا، وتنتهي ضجتها مع الاحتفال الأخير.

البوكر بقائمتها الطويلة ستنادي القراء، وستتم القراءة، والمناقشة، وتشتعل أندية القراءة التي أصبحت ظاهرة إيجابية إلى حد ما، مؤخرا، في محاولة تشكيل قائمة قصيرة من روايات القائمة الطويلة. ثم حين تعلن القصيرة، يجتهدون أكثر في تحديد العمل الفائز، الذي في الغالب لن يكون ما تم الاتفاق عليه، بل عملا آخر اختارته لجنة التحكيم، بناء على معطيات وجدتها تناصر هذا العمل ولا تناصر غيره من أعمال القائمة القصيرة.

الذي يحدث أن كل ما يتم من نقاش هادئ أو حاد بين أعضاء لجان التحكيم، مختلفي الآراء والتوجهات، لا يعلم به أحد، وتأتي النتيجة المعلنة في النهاية، وفي ذلك الحفل البهيج الذي يقام في فندق باب البحر بأبي ظبي، مفاجئة لكل من يحضره. فلا تسريبات ولا إعلان مسبق وحتى لو كان ثمة شيء من ذلك، فلن يصل إلى أي منبر إعلامي، سيظل مجرد تسريب قد يصيب وقد يخطئ حتى إعلان النتيجة.

في الحقيقة لم أقرأ “بريد الليل”، وقرأت من قبل لهدى أعمالا عظيمة مثل “حجر الضحك”، و”ملكوت هذه الأرض” التي كانت كما أذكر من ضمن قائمة طويلة منذ أعوام ولم تتقدم أكثر، وبالطبع تستحق هدى بركات أي جائزة تمنح لها. إنعام كجه جي أيضا تستحق بما قدمته من أدب رفيع على مدى سنوات، وقلت مرة أن كجه جي مقلة جدا في كتابتها الروائية لكنها تأتي في النهاية بأعمال تخلب الألباب. ولو تحدثنا عن “صيف مع العدو” للزميلة شهلا العجيلي، نجدها أيضا من روايات الموسم العظيمة، وشهلا في سنوات قليلة قطعت شوطا كبيرا في مسألة الكتابة المتميزة والمتألقة، وتستحق جوائز بلا شك. والكتابة عن المسألة السورية، بهذا الإتقان أمر قليل في زمن كتب الكثيرون فيه عن هذه الأزمة التي لم تحل، وظلت هكذا أزمة سوريا، فيها شعب صبر وصبر، وكافح وفقد وطنا، ما زال يسعى لاستعادته.

أقول إن لا اعتراض على تتويج أحد بأي جائزة، ولا اعتراض على منح هدى جائزة البوكر، ولكن تظل تلك الوسوسة التي تعلق بأذهان الجميع، خاصة حين نعرف أن الرواية أصلا لم تكن مرشحة، وجلبت من بعيد إلى الترشيح، ثم إلى القائمتين، وأخيرا للجائزة الكبرى.

نعم الوسوسة لا بد منها في هذه الحالة، ولا بد من سؤال لجنة التحكيم عن جدوى تلك الشهور التي كان الناس ينتظرون فيها القوائم وعن جدوى الانتظار النهائي وإراقة هرمونات التوتر للمتسابقين ولآخرين تهمهم نتيجة جائزة البوكر، بوصفها الجائزة العالمية التي عبرت بالأدب العربي إلى منابر بعيدة، وقل كثير من الاستخفاف الذي كان يقابل به قديما.

نعم فالعالم يعرف رواية أحمد سعداوي العظيمة “فرانكشتاين في بغداد”، وهي من نتاج جائزة البوكر، ويعرف “ساق البامبو” و”عزازيل”، وكثير غير ذلك من أعمال القوائم الطويلة والقصيرة، التي اضطلعت تلك الجائزة بحملها والعبور بها إلى ما وصلت إليه.

أظن أن البوكر في وعكة، وهي ليست وعكة صغرى، ولكن بحجم الجائزة، فهي جائزة كبرى، ووعكتها كبرى، وأظن أن شيئا من عدم المصداقية سيعشش في أذهان متابعيها، بحيث لن ينظر الناس إلى اختياراتها بجدية في المستقبل.

وأبسط شيء أن يتذكر الناس ما حدث من إعلان للنتيجة قبل موعده بزمن كان يكفي لتعرف الأرض كلها. وبقدر ما كان الإعلان عن القائمة القصيرة منذ عامين في صفحة رئيسة لجنة التحكيم قبل اجتماع لجنته مثيرا للاستغراب، سيثير مناداة نص، وتتويجه وأيضا قبل الموعد، مثيرا لاستغراب أكثر.

لقد أعلنت الصديقة إنعام كجه جي أنها لن تحضر الاحتفال بالرغم من حضورها خصيصا للاحتفال، لأن لا مفاجأة ستتشكل لديها، وكانت على حق، فلا مفاجأة تشكلت في قاعة الاحتفال.

الشيء الإيجابي الذي لا بد من ذكره، أن عام البوكر هذه المرة، كان للمرأة التي دخلت القوائم بكثافة، وحصلت على الجائزة، ولو سارت الأمور بشكلها الطبيعي كما يحدث في كل عام لكان الإنجاز أكثر زخما.

* كاتب سوداني

القدس العربي

البوكر أيضاً وأيضاً: آراء ضد الوصايات الأدبية
ما زال فوز الروائية هدى بركات بجائزة بوكر للرواية العربية، يثير الكثير من الجدل، بين مؤيد ومنتقد. هنا بعض الآراء المأخوذة عن صفحات فايسبوك…

(*) بشير المفتي – صحافي وروائي جزائري: أخطاء
شخصياً، بعيداً من الجوائز العربية والجوائز الوطنية، بعيداً من المافيات الأدبية والثقافية التي تفرض من تريد فرضه، وتهمش من يخرج عن سيطرتها أو طوقها ومن يرفض التزلف للإعلام التي تسيطر عليه المافيا، بعيداً من كل هذا، أنا مؤمن بأن الأدب الحقيقي، الجاد، ينتصر في النهاية. يخلق قرّاءه الأوفياء، يخلق احترامه الشرعي وليس المفروض من الوصايات العفنة، سواء الرسمية منها أو غير الرسمية.. الأدب الذي أكتبه وأعتقد فيه خارج هذا كله.. ولا يريد أن ينتمي لهذا العفن المتجذر في ساحتنا الموبوءة…
لم أتابع حفلة جائزة البوكر. ورغم اعجابي بتجربة الروائية هدى بركات، التي كنت قرأت لها “أهل الهوى” و”سيدي وحبيبي” و”حارث المياه” من قبل، إلا أن رواية “بريد الليل” هي بالنسبة إليّ أضعف رواياتها، وتتفوق عليها رواية شهلا العجيلي “صيف مع العدو” على كل المستويات..
ثم ما معنى تسريب فوز هدى بركات حتى قبل الاعلان عن الفائز، وكأن الأمر طبخة مدبرة مسبقاً.. شيء مؤسف أن واحدة من أهم جوائز الرواية العربية تقع في مثل هذه الأخطاء.

(**) حسن بلاسم – قاصّ عراقي: كوميديا الكتّاب العرب
كلمة السيدة هدى بركات بعد استلامها “بوكر” الإماراتية، تلخص كوميديا الكتّاب العرب والجوائز. الكلمة تدور فقط عن شخصية (الكاتب الإله) ليش ما انطوه الجائزة من قبل.. ليش الكاتب كان زعلان.. ليش بطّل زعل.. ليش روايته مهمة واللي قبلها أهم.. كم هو سعيد بالجائزة.. وكيف الآن أصبحت جائزة بوكر الإمارات ملائكية بعدما كانت شيطانية..
أخذوا جوائز، اوكي، كلش عادي!! بس ليش الكاتب/الكاتبة في البلدان العربية من دون مواقف صريحة ومن دون شجاعة مثل خلق الله من كتّاب آخرين في العالم. يعني بدل الحديث عن الأمور الشخصية والجائزة، ليش ما يستغل الكاتب منبر الجائزة للحديث عن مأساة الرقابة والنشر في العالم العربي، سجناء الرأي، الفقر والجهل والحروب الطائفية، السجون والتعذيب والقمع، حرية المرأة، خراب الجامعات وبؤس البحث العلمي، الذبح في سوريا واليمن وليبيا والعراق. حمار العقل الديني الذي يركبه الجنرالات والملوك والأمراء.

(***) حميد الربيعي – روائي عراقي: “بريد الليل” لا تحمل تفرداً مميزاً
حرصتُ على قراءة هذه الرواية (بريد الليل)، التي فازت منذ أيام بجائزة البوكر. الشبكة العنكبوتية أضحت توفر لنا المواد بسرعة للاطلاع عليها، بعيداً من انتظار طبع الكتاب وتوزيعه، الذي قد يستغرق أشهر طوالاً.
مردّ رغبتي في قراءة هذه الرواية متأت من طريقة فوزها في المسابقة، فقد قيل أن لجنة التحكيم هي التي طلبت من المؤلفة الاشتراك في البوكر، بيد أن هدى بركات كانت رافضة للفكرة. وبحسب منشور عبده وازن، فإن السبب في اختيار هذه الرواية، أنها تضيف الى السرد شكلاً فنياً جديداً، لا بد من ترسيخه، باعتبار الرسائل شكلاً سردياً. ورغم ان هذا السبب غير مقنع، بيد أني قرأت الرواية في يوم فوزها.
“بريد الليل” لا تحمل تفرداً مميزاً في الكتابة السردية، لكنها تدخل إليه من جانب اللغة، فهي تستعمل الشائع والعام، في هذا الجانب، وهي لغة بسيطة من تلك التي تكتب بها الرسائل بين الاشخاص، من دون مراعاة جزالة اللفظ وثراء اللغة وعمقها. فهي في هذا الاطار كانت أقرب الى المعقولية في استعمال المفردات وتركيبة الجملة، والأكثر ملاءمة لطبيعة الشخصيات التي كتبت تلك الرسائل.
الرواية تتوزع في أربعة فصول، في داخل كل فصل مجموعة من الرسائل، التي كتبها وتركها اشخاص منبوذون أو مشردون أو مثليون أو مهاجرون. الرسائل في الأصل موجهة الى مرسل معين، لكنها كُتبت لتلقى في أدراج الخزائن او تُهمل كأوراق منسية في صالات المطارات، بمعنى انها لا تصل الى أصحابها. فهي إذن “اخبارية” عن شخصية كاتب الرسالة، بما يمر به من ظروف وأحداث.
الحكايات كلها، لو جمعت، فأنها تشكل حدثاً سردياً ناضجاً، من الممكن أن يتشكل بشكل آخر ليكون متسلسلاً، بالإضافة الى الكشف والبوح عن الظروف التي مرت بها تلك الشخصيات، إرهاصات اجتماعية او سياسية، من تلك التي تعيشها منطقتنا العربية، بتفاصيلها المؤلمة والتي قد تدفع الى هذه المصائر المتنوعة، بآلامها ومحنها وعذاباتها.
ليس ثمة رابط بين تلك الرسائل، فكل رسالة كتبت بتفرد صاحبها بظروفه الشخصية والذي لا تربطه صلة مع بقية شخصيات كتّاب الرسائل. بيد أن المدقق في القراءة يكتشف، بشغف، أن ثمة أكثر من إشارة ترد بين السطور تدلل على أن تلك الشخصيات تعرف بعضها البعض، وأن الرسائل مربوطة بوحدة موضوع، رغم ان شكل كتابتها فنياً، بعيد من هذه الصلات الخفية بين الشخصيات، وهي اللعبة الذكية التي امتازت بها الرواية وأجادتها الكاتبة باقتدار.
قضيت يومين في قراءة نص طازج، لتوه خارج من الفرن، ولم ينشر بعد.
المدن

“البوكر” الإمارتية و”الإندبندنت” السعودية.. أغطية عالمية لثقافة المنشار/ مصطفى ديب
مع نهاية يوم أمس، طُويت صفحة زلزال الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”. ساد الهدوء أخيرًا على الجبهات المشتعلة، وأزيلت المتاريس، وخفتت الاتّهامات المعتادة، والاتّهامات المضادّة، مع اختلافٍ بسيطٍ بالأسماء فقط. إنّها هدنة طويلة الأمد، مستمرّة حتّى موعد الدورة القادمة من الجائزة التي دقّت المسمار الأخير في نعشها قبل يوم أمس، وأسدلت الستارة على فضيحةٍ سعت لتخفيف حدّتها من خلال عنوان: هدى بركات الفائزة الثانية عشرة بالجائزة العالمية للرواية العربية. أو عنوان: بركات حصدت البوكر بعد مقاطعةٍ استمرّت لسنوات.
الحصيلة في النهاية أنّ بركات توِّجت بالجائزة. هذا هو العنوان الذي اجتُهِدَ لأجل تصديره للآخرين؛ أنّ بركات توِّجت تحديدًا. ترد هذه المفردة للتشديد على مكانةٍ ليست موجودة عند الجائزة. فالأخيرة تُراهن ببساطةٍ شديدة جدًا، على مفردة “البوكر” فقط، إشارةً إلى النسخة الدولية من الجائزة. الواقع في هذه الحالة أنّ هدى بركات هي تمنح أو تتوِّج البوكر، بغض النظر عن الاختلاف أو التوافق عند البعض بشأن أحقيَّتها بكسب الجائزة.
نتحدّث بطبيعة الحال عن روائية أكبر من الجوائز بمسافاتٍ بعيدة جدًا. إنّها تَمنحُ لا تُمنحْ. والتسريبات لما يُطبخ خلف كواليس البوكر، تحدّثت عن أنّ الجائزة طلبت وساطة الناشر لإقناع هدى بركات بقبول ترشيح “بريد الليل”. تسريباتٍ تؤكّد، عدا عن سطوة ونفوذ الناشرين في الجائزة الخاضعة لسطوة المال السياسي، والمزاج السائد للدولة المانحة، سياسيًا؛ تؤكّد أنّ الجائزة هي من ذهبت إلى صاحبة “ملكوت هذه الأرض” رغبةً باسمها، لا العكس إطلاقًا.
في نهاية المطاف، أُعلن فوز الروائية اللبنانية في أمسيةٍ أُقيمت في الأوّل من أمس، وانتهى الأمر. تلا الإعلان مباشرةً معارك طاحنة ومُعتادة في مواقع التواصل. معارك باتت طقسًا ثابتًا من طقوس جائزة البوكر. وبصرف النظر عن اتّساع رقعتها الجغرافية لهذه النسخة، إلّا أنّها فشلت في إثارة الصخب الإعلامي كما جرت العادة قبلًا. السبب هو استثنائية حفل الإعلان، إن لم نقل الدورة كاملةً. فقد تغيّبت الروائية العراقية إنعام كجه جي صاحبة “النبيذة” عن الحفل، ولمّحت إلى مقاطعةٍ شاملةٍ للجائزة. وسُّرِّب عنوان الرواية الفائزة قبل ساعاتٍ من الإعلان الرسميّ، ما جعل من الحفل تحصيل حاصل.
التسريب كان من حصّة صحيفة “الإندبندنت” السعودية، الذراع الإعلامية الجديدة لولي العهد محمد بن سلمان. ومن الصدفة ربّما أنّ الجهة المسرِّبة، والجهة التي تعرّضت للتسريب، تتشابهان جدًا من حيث المبدأ. فالصحيفة السعودية والجائزة الإماراتية تعملان بأسماء عالمية “الإندبندنت” و”البوكر”. والرهان عند هذه المؤسّسات معقود دائمًا على سمعة المؤسّسة الأصل أو الأم. ما معناه أنّ الأسماء غطاء، ما إن تجرّب أن تُزيحه قليلًا، حتّى يتكشّف أمامك جوهرٌ عفن كمستنقع. ولا تعدو العناوين العريضة لهذه المؤسّسات، كثنائية الثقافة والتنوير، مجرّد مظهرين شكليين وخدّاعين.
الصحيفة السعودية الجديدة انطلقت كجزءٍ من سياسات محمد بن سلمان الجديدة، والتي لا تبتعد كثيرًا عن سياسات مرجعه الأوّل، وشريكه في حبك المؤامرات، محمد بن زايد. إطلاق الصحيفة بحدّ ذاته يدلّ على الاستفادة السعودية من التجارب الإماراتية السابقة في تنفيذ وتمرير أجنداتٍ سياسية بغطاء أو أسماء عالمية ذات قيمة. (البوكر نموذج).
هكذا أُطلقت الصحيفة السعودية المسؤولة عن تسريب عنوان الرواية الفائزة. في الوقت الذي تعمل بجهدٍ، بصرف النظر عن مهنية صحفية أو غيره، في ترويج تعديلاتٍ دستورية تُطيل أمد حكم ذراع السعودية والإمارات في مصر، والواصل إلى السلطة بانقلابٍ تكفّلتا بدعمه سياسيًا وماليًا. ولا شكّ في أنّ الصحيفة تفردٍ مقالاتٍ مطوّلة لمهاجمة دولة قطر. وتستضيف سياسيين وعسكريين للهدف ذاته، كنبيل فهمي، وبندر بن سلطان، وعمرو موسى، وآخرون. ولا تتأخّر في دعم حملة خلفية حفتر العسكرية، ذراع الإمارات والسعودية في ليبيا، على العاصمة طرابلس. ولا تتوانى عن مهاجمة النظام التركيّ، والثورات العربية، والإسلام السياسي. إنّها، ببساطة شديدة، نسخة جديدة من صحف ومواقع تُدار بالأموال الإماراتية – السعودية، كالدستور، واليوم السابع، وغيرها. لربّما الاختلاف الوحيد فقط يكمن في أنّ الصحيفة الجديدة تعمل مستندةً إلى اسمٍ يُشار من خلاله إلى المؤسّسة البريطانية الأم.
نفهم أنّ الصحيفة الجديدة، ومن خلال العلاقة المتينة بالإمارات، قد سعت من خلال التسريب إلى تحقيق سبق صحفي يرفع من أسهمها عربيًا نظرًا لحداثة ولادتها. ولكن، بصرف النظر عن الأسباب، فإنّ ذلك لا يُبرّر هكذا سقطة للجائزة أوّلًا، وللصحيفة ثانيًا. فالصحافة لا تكون هكذا، بهذا الشكل، وبهكذا مستويات من الدناءة. هذا من جهة. من جهةٍ أخرى، ما الذي يدفع عبده وازن، الكاتب الصحفي المحترف، وصاحب عددٍ من النظريات المثيرة، إلى كتابة مقال التسريب بنفسه؟ مرّة أخرى، لا يزن عبده وازن ما يقترفه.
الصحفي اللبنانيّ جاء حديثًا إلى الصحيفة السعودية، قادمًا من صحفية سعودية أيضًا، أي “الحياة”، متجاهلًا دماء من يُفترض أن يكون زميله في الصحيفة الأخيرة، أي جمال خاشقجي الذي قضى نحبه داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. مصمِّمًا على العمل في صفوف أدوات المنشار، محمد بن سلمان وصحبه. ولربّما كان حريًا بصديقنا وازن، بدلًا من الاجتهاد في تسريبات كهذه، أن يجتهد أكثر للحصول على تسريباتٍ تتعلّق بحادثة خاشقجي. وإذا كان الأمر مكلفًا، ليلتفت، على الأقل، لقضية لجين الهذلول والكثير من الناشطات السعوديات في سجون بن سلمان، تحت إدارة القحطاني. أو لقضية الشيخ سلمان العودة وصحبه، أو أطفال اليمن. وأقلّ الإيمان، الدعوات السعودية – الإماراتية العلنية للتطبيع مع الكيان الإسرائيليّ. زِنْ الصحافة يا عبده وازن، فما هكذا تكون الصحافة.
الترا صوت

«بوكر» العربية: عن جائزة أدبيَّة في خَطَر…/ رشا الأمير
لا أجزمُ أنّ «النبيذة»، رواية إنعام كجه جي، كانت الأجدر والأوْلى والأحق بأن تنال «الجائزة العالمية للرواية العربية»/بوكر 2019، وإنما أجزم، مع محبّتي الشخصيَّة لهدى بركات الفائزةِ بها عن روايتها «بريد الليل»، أنَّ الملابساتِ التي أحاطت بنيلها إيّاها لن تجعلَ منها، من الجائزة، وِسامًا على صدر سيرتها الأدبية، سيرة هدى، وإنَّما سابقةً يُستشهد بها كُلَّما أُريدَ الاستشهادُ على ما يشوب «نزاهة» الجوائز الأدبيَّة في العالم العربي من شوائب، وما يُطيف بها وبمانحيها وبالفائزين بها من علامات تعجّب ومن علامات استفهام.
في الوقائع: كان الإعلانُ عن القائمة الطويلة للروايات المرشحة دخول سباق البوكر 2019 في 7 كانون الثاني (يناير) من هذا العام وقد بلغ عدد أعيانها 134، وكان الإعلان عن القائمة القصيرة في 5 شباط (فبراير) وقد بلغ عدد أعيانها ٦ روايات، أمّا الإعلان عن الرواية الفائزة فتقرر أن تُجرى مراسمه في فندق فيرمونت باب البحر بأبو ظبي في ٢٣ نيسان (أبريل). وانتظر المنتظرون وراجت التكهّنات بشأن الرواية الأوفر حظًّا إلى أن كان 23 أبريل (نيسان) حيث استبق عبده وازن في الـ «اندبندنت العربية» إعلانَ النتائجِ الرَّسْمِيَّ، وأعْلَنَ من هذا المنبر، عازيًا معلوماته إلى «تسريبة»، ولكن بلغة الواثق من مصادره، أنَّ بوكر 2019 سوف تكون من نصيب هدى بركات وروايتها «بريد الليل»، مُعَمِّيًا على تقمصه قميصَ جوليان أسانج، وعلى ارتضائه بأن يكون «العميلَ السريَّ» الذي تُشهر «التَّسْريبة» على الملأ تحت قلمه، وتُفسد مفاجأة الإعلانِ الرَّسْمِيِّ، ومُعَمِّيًا لربما على ما كان له من يَدٍ في عدد من المحطات التي أفضت بالجائزة إلى من أفضت إليها، بالإشارة إلى «أن الإجتماع الأخير للجنة التحكيم كان شبه عاصف، وشهد سجالًا امتد ساعات وانتهى إلى التصويت».
لا بأس لربما من أن أضيف إلى الوقائع باعتباري كنت شاهدة عليها بوصفي ناشرة «النبيذة»، رواية إنعام كجه جي، أن «تَسْريبَة» أسانج العرب استدعت تَواصلًا فوريًّا مع أوْلياءِ أمْرِ الجائزة، وعلى رأسهم الأستاذ ياسر سليمان رئيس مجلس الأمناء، وطلبًا ملحًّا بأنْ يبادروا إلى التحقيق في الأمر، وبأن يُرْفقوا التحقيقَ بما يرونه مناسبًا من تدابير تحفظ على الجائزة ما لها من صيت وسمعة، وتحفظ على الجهات الرّاعية لها، حاليًّا «دائرة الثقافة والسياحة» في أبو ظبي، ما لها من حق اعتباري على المولجين بإدارتها.
على ما يتوقع الواحد منا والواحدة، وعد الأستاذ سليمان بإجراء التحقيق المناسب، وببيان حيثيات ما كان من تسريب للنتائج قبل إعلانها ووو… ومع شكّنا بأنْ يكون من ذلك شيء، ومع شكنا بأن يتواضع القائمون على الجائزة فيعترفوا بأنًّ خللًا ذا أوجهٍ متعددة، ليس التسريب الذي سبق الإعلان الرسميّ إلّا حبّة المسك منه، قد شاب دورة بوكر 2019، وبأن القائمين على الجائزة ورعاتها الذين يوفّرون لها منذ إطلاقها أسباب الاستمرار المالي سوف يستدركون على ما كان ــ مع شكّنا، فهذا الذي جرى مناسبة تستحق التوقف عندها للتأمّل في ما يعنيه أن يُترجم العربُ تقليدًا ثقافِيًّا راقيًا، في مقامنا هذا الجائزة الأدبيَّة المؤَسَّسَتيَّة، دون أن يمتلكوا، حقَّ الامتلاك، أدوات هذا التقليد، بل ثقافته.
كان إنشاء بوكر العربية في عام 2007 بوصفها النسخة العربية من جائزة بوكر البريطانية. وإذ لا تحب بوكر العربية أن تعرّف نفسها بوصفها ثالثة ثلاثة بوكرات إقليمية تفرّعت عن البوكر الأم حيث سبقتها بوكر روسية وأخرى إفريقية، من المفيد التذكير بأنَّ هذه الجائزة الأدبيّة لم تؤسّس تكريمًا لذكرى شقيق مغمور شأن جائزة غونكور، ولا على يد مثر يهوى الأدب والمال مَعًا شأن جائزة العويس، (ولو أنه لا وجه شبه بين إدمون غونكور وسلطان العويس!)، ولا تفتّقت عنها عبقرية قائد مُلْهَم (من يذكر بعد «جائزة صدام حسين للعلوم والآداب والفنون»؟)، وإنما ولدت تحت نجمة تحالف ثلاثي أركانه «مؤسسة الإمارات» التي خملَ ذكرها من إذاك وورثت عنها جائزة بوكر «دائرة الثقافة والسياحة» و«مؤسسة واينفيلد» التي يركّز العديد من مشاريعها على مفهوم «الحوار الاستراتيجي» وتطبيقاته في شتى المجالات… وجائزة بوكر منها … مقولُ القول إن هذه الجائزة جزئيّة منمنمة من مشهد ثقافي واسع النطاق والطموحات تسعى دولة الإمارات إلى تكوينه في إطار سياسة عامة يعاد معها إعراب محل الإمارات من الخليج، ومن الشرق الأوسط عمومًا. بهذا المعنى، ليست بوكر العربية من شيء يُذكر متى ما نُظِرَ إليها بوصفها قطعةً من المشهد الكبير، ولكنها، بهذا المعنى نفسه، أي بوصفها قطعةً من مشهد كبير ترعاه دولةٌ قارونيَّة الثراء، مشبوبة الطموحات، شيء يُذكر ويستحق التوقف عنده وعند تفاصيله.
لكل هذه الأسباب، لملابسات الولادة (والتباسها)، كما لملاءة الجهة الراعية، أمكن لجائزة بوكر التي أطفأت عامنا هذا شمعتها الثانية عشرة لا غير، أن تُنزل نفسها من المشهد الروائي العربي منزلة من العراقة ومن المرجعية لا تنافسها فيها جائزة أخرى، وخير دليل على ذلك هدى بركات نفسها التي عادت الجائزة طيلة سنوات أشد العداء، وقالت فيها ما لم يقله مالك في الخمر إلى أن كان ما كان وكلّلتْ عامنا هذا بغارها ــ علمًا أنّ غار بوكر ليس مجد ليلة صيف عابرة، وشيكًّا دسمًا فحسب بل بوليصة تأمين للعبور على متن الترجمة إلى كثير من اللغات، وشأنية اعتبارية لا يستهان بها.
يغالط نفسه (وتغالط نفسها)، إذًا، من ينكر على جائزة بوكر ما اشتقّته لنفسها من مقام بين روائيي العربية وروائياتها ومن ثم شرعية السؤال: إلى أين تذهب هذه الجائزة التي باتت تتحكم، شئنا أم أبينا، بذائقة أدبية ما؟ وألَيْسَ الأوجب على القائمين عليها أن يحرصوا على إبقائها نموذج «ترجمة» ناجحًا، وبرسم أن يُحتذى به، لا أن يجعلوا منها شاهدًا إضافيًّا على فشلٍ تَحْذَق فيه «الثقافة العربية» من غدوات ما يُسمى بـ«عصر النهضة» إلى اليوم؟
نعم، في نيسان 2019 كنت، معيَّة إنعام كجه جي وآخرين وأخريات، في أبو ظبي لمتابعة الإعلان عن نتائج البوكر لهذه السنة ورأيت، شأني شأن سواي، «مُنْكَرًا» يتسلسل فصولًا ــ علمًا أنَّ المُنْكَرَ ذاك لا يحتاج للتحقق منه إلى المشاهدة العيانية وأنني إذ أحيلُ إلى ما رأيت بنفسي فمن باب التأكيد والتوكيد على أن الأمْرَ ليس مجرد انطباع أو استتنتاج… ما العمل بين يدي هذا المُنْكَر فلا يتكرّر ويتحول إلى عُرف وسُنّة، ويخرج نعت جائزة بوكر «العربية» من كونه مجرد وصف لها إلى كونه سُبّة لها وشتيمة وداعية إلى الإزدراء بها؟ لا أدّعي أنَّ العمل لإصلاح هذا المُنْكَرِ بالأمر السهل أو اليسير ــ ولا سيما أنَّهُ يقتضي الاعتراف من الأمناء على الجائزة، أوَّلًا، بما كان من خلل، ويقتضي منهم، ثانِيًا، البناء على ذلك الاعترافِ بالخلل والسعي إلى التَّصْويب. فهل يبادر الأمناء على بوكر، مثلًا، إلى الإعلان رسميًّا عن إجراء تحقيق داخلي لكشف مصدر «التسريبة» التي أعلنت النتيجة قبل إعلانها ــ وهذا في الحقيقة أضعف الإيمان… بل هل يبادرون إلى الإعلان بأن جائزة 2019 لم تمنح إلى هدى بركات عن روايتها «بريد الليل» التي استدخلت إلى المنافسة بقرار همايوني وإنما عن مجمل أعمالها؟ ــ وأعمال بركات جديرة، بلا أدنى شك بالتكريم وبالحمل على الراحات…
قد يستكبر البعضُ هذا الاقتراح ويروا فيه شيئًا أدنى إلى طَلَبِ المُحال وما لا يُستطاع… ولهؤلاء نقول: ليس بكثير على جائزة أدبيَّة أُريد لها أصلًا أنْ تكونَ أكثر من جائزة أدبيَّة أنْ تقسوَ على نفسها دفاعًا عن نفسها، وإلّا… فأهلًا ببوكر في متحف الإدعاءاتِ العربية وسهلًا…
درج

جائزة البوكر العربية ورواية “بريد الليل”/ شرف الدين ماجدولين
صاحبت الإعلان عن الفائز بـ الجائزة العالمية للرواية العربية هذا العام الكثير من المفاجآت، فبالإضافة إلى استحواذ كاتبة امرأة عليها لأول مرة في تاريخ الجائزة، تمّ، ولأول مرة أيضا، تسريب اسم الفائزة قبل الإعلان الرسمي عن النتائج بساعات.
قبل ثلاث ساعات، أو أكثر قليلا، كان المتابعون لوقائع إعلان الفائز بنسخة 2019 من الجائزة العالمية للرواية العربية أمام لائحة قصيرة، الكل ينتظر، وفي مقدمتهم المرشحون الستة، بدت الأصداء قبلها مريحة، ولم تخل من إطراء باد للائحة قصيرة قيل إنها منصفة؛ وكم كان الروائي المصري عادل عصمت بليغا حين صرح لإحدى الصحف، بأن اللائحة “تعيد الأمل للكتاب القادمين من الهوامش الثقافية”.
وحين حدثني البروفيسور ياسر سيلمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، عن مقال عبده وازن وما تضمنه من تفاصيل، تبادر إلى ذهني لحظتها، أن ثلاث ساعات فاصل زمني مربك، توقعنا أن تكون ردود الفعل متباينة، بعضها سيعيد التشكيك مجددا في الجائزة وأهدافها، وبعضها سيتناول مضمون مقال الإندبندت، وتحليلات كثيرة ستنصب حول النص الفائز “بريد الليل” لهدى بركات.
افتراءات على اللجنة
“بريد الليل” لهدى بركات ىرواية تحمل الكثير من القسوة والغربة”بريد الليل” لهدى بركات ىرواية تحمل الكثير من القسوة والغربة
المنطق يقول إن النص الفائز إذا كان مقبولا في لائحة النصوص الستة، قد لا يبقى كذلك إذا توج في المحصلة النهائية، ليس لأنه غير جيّد، ولكن لأنه سيقارن بباقي نصوص اللائحة القصيرة التي تتضمن روايات بمستويات تكاد تتماثل في قيمتها، والمنطق يقول كذلك إن من خيّب النص انتظاراتهم سيستسلمون مجددا لأحكام قاعدية مريحة حول الجوائز العربية جملة، وعن البوكر تحديدا، وأن الجائزة يمكن أن تنطوي على كل النوايا، إلا حسن التقدير للإبداع وإنصافه.
لكن لننطلق من البداية، حيث ثمة مشهد ثقافي عربي متابع بالفعل للجائزة العالمية للرواية العربية، ولاختياراتها وما تفرزه من أسماء ونصوص يرفضها جزء من المشهد ويرتاح لها جزء آخر، بيد أنه متطلع دوما إلى حدث وتفاصيل بصدد النتيجة. وثمة أيضا نزوع هوياتي بالغ الضيق في التعامل من النتائج، يمكن أن تكون اللوائح جيدة بمنطق المواطنة، وستكون تافهة بالتأكيد لأنها متمركزة حول أقطار وأجيال وأساليب وأسماء.
وحين نشر عبده وازن مقاله كان حذرا، ولم يهاجم لا الروائية (مواطنته) ولا النص، بيد أنه أهال قدرا من الشكوك حول الفوز، بسرد تفاصيل ما يعتقد أنه جرى. والحال أنه إذا نظرنا إلى كل المقدمات الواردة في المقال الاستباقي، يمكن الوصول إلى نتيجة أوّلية، تفيد بأنه حتى إذا كان عبده وازن مجرد مراهن حالفه التوفيق، فإن “التسريب” المزعوم قد ينظر له بوصفه حقيقة.
غير أن ما يجعل المقال مجرد سردية مكتوبة بحذق، كونه يربط معلومة صحيحة بحيثيات خاطئة؛ وهنا سأسطّر وقائع ما جرى، دون الدخول في التفاصيل، فعلى خلاف ما ورد في المقال لم يكن الاجتماع صاخبا ولا متوترا ولا طويلا، كان هادئا بشكل ملحوظ ومريحا، ومن ثم لم يستغرق إلا أقل من ساعة، وعلى النقيض من زعم المقال لم تلجأ اللجنة إلى التصويت، بل كان ثمة توافق جماعي أفضى إلى الاختيار.
صحيح أن رواية “بريد الليل” لهدى بركات لم تكن واردة في القوائم الأولى التي استلمتها اللجنة، لكنّ المحكمين ارتأوا إدراجها بناء على تحمس أحد الأعضاء للنص، الأمر الذي يسمح به قانون الجائزة، وكان ترشيح نص “بريد الليل” منطلقا من قناعة ترى أنه يستحق الترشيح ويجب أن يأخذ فرصته مثل النصوص الأخرى.
حين كان التوازن في اللائحتين الطويلة والقصيرة بين الأقطار والأجيال والاختيارات الأسلوبية، فليس لأن الهدف هو البحث عن ترضية المشهد المتمركز حول مناطقية ظاهرة، بقدر ما كانت الغاية هي ترجمة ذائقة لجنة وتصورها عن حصيلة السنة الروائية، هكذا كان رد الفعل حول اللائحتين متوازنا كذلك، بصرف النظر عن قراءة النصوص ذاتها. وبناء عليه يستطيع القارئ أن يلتفت إلى ظاهرة عجيبة في تداول نصوص اللائحتين، فمن يصدر حكما إيجابيا على اللائحة الطويلة (ويفترض أنه بنى حكمه على قراءة كل نصوصها) لا يرى ضيرا في القول إنه حين قرأ نصوص اللائحة القصيرة صدم لأنها ضعيفة وسطحية ولم تكن شيئا مذكورا، بما لا يعني شيئا آخر سوى أنه كان كاذبا في حكمه السابق. كما أنه بدا طبيعيا أن يشرع في تقليب مواجع النص الفائز، من أفتى سابقا بجودة اللائحة القصيرة، فمقال عبده وازن، بات هو الفائز وليس “بريد الليل”.
اتهام الجائزة
من هنا يجب أن نضع القارئ مجددا أمام سردية شديدة التعقيد في منطق هذه الجائزة، ولا يهم أن تنطوي على تناقضات بلهاء، فلجان التحكيم يمكن أن يكون بينها مشاركون روائيون، وقد يكونوا مرشحين في دورة ما للجائزة وقد لا يفوز أحدهم بها، فيتهمها ويهاجمها بعنف، ثم قد يُستدعى في سنة ما للتحكيم ويقول شيئا مختلفا يناقض قناعته القديمة، كما يمكن أن يكون أحدهم ناقدا أو صحافيا معتبرا، دائم الشكوى من النصوص الضامرة والعمياء التي تقترحها الجائزة، وذات يوم قد ينسى كل ذلك حين يُستدعى للتحكيم، ومن ثم يسترسل في الكتابة بنحو جيد أو متوازن، فـ”التوازن” هنا كلمة سر مفيدة، وتبدو لي موحية صدفة توازنات الجائزة مع اسم عبده وازن الذي كان عضوا محكّما وقبلها منتقدا غير مهادن، فصديقا ودودا، فخَاطف فرحة فائزة..، وفي النهاية يمكن أن تهاجم الجائزة بشراسة، وتقاطعها ثم تفوز أنت بها فجأة، وتكون النتيجة “منيحة” وهو ما جرى مع عزيزتنا بركات.
كلام هدى بعد فوزها لم يكن، في اعتقادي، موفّقا، كانت فرحتها قد خبت، فتقدمت منطفئة للمنصة، لهذا أعذر انزلاقاتها الكلامية، التي حوّلت حتى من كان سعيدا بالنتيجة إلى مرتاب، ومن ثم فخلط استطرادات هدى بتطريزات عبده وازن وضع وجبة باردة على المائدة. لكن لنعد قليلا إلى “بريد الليل” النص الذي لا أتردد في وصفه بكونه من أكثر النصوص دقة واقتصادا وإقناعا في بنائه السردي، فهو يترجم مزاج أعضاء اللجنة المنحازين في أغلبهم إلى هذا الأسلوب في الكتابة، وممن لم يداروا في نقاشهم ضيقهم بتلك البدانة الروائية الشائعة، ولا أعتقد أنه توجد لجنة في العالم لا تسعى لكي تنتصر لقناعاتها في خاتمة المطاف.
في الدورات السابقة اتهمت الجائزة بأنها مولعة بالأسماء الجديدة، بل ذهب بعضهم إلى الاعتقاد بأنها أنشئت لتعلّم ربات البيوت كيف يقضين وقتا ممتعا مع كتاب مسلّ، لهذا لا أظن أن فوز “بريد الليل” قد أسعد أصحاب هذه القناعة، كما لم يفرح أيضا من مثلت لديهم
تجربة هدى بركات نموذجا روائيا محظوظا. في المحصلة لقد سعدت بالتجربة وبالنتيجة، فهنيئا لهدى بركات، وهنيئا لعبده وازن سبقه الصحافي، وهنيئا للجائزة العالمية للرواية العربية الحفل الصاخب ككل مرة.
ملاحظة: (كاتب المقال شرف الدين ماجدولين رئيس لجنة جائزة البوكر)
كاتب مغربي
العرب

هدى بركات تخطف جائزة البوكر العربية بالتصويت… بعدما رشحتها لجنة التحكيم/ عبده وازن

سجال سبق رواية “بريد الليل” واشاعات كثيرة

فازت الروائية اللبنانية هدى بركات بجائزة البوكر العربية عن روايتها “بريد الليل” (دارالآداب)… هذا الخبر سيعلن عند الساعة السابعة من مساء اليوم في ابوظبي خلال احتفال تقيمه إدارة الجائزة. وكان  الخبر بلغ “اندبندنت عربية” قبل ساعات ، عبر “تسريبة” سرية قد يكون وراءها دار نشر عربية استُبعدت الرواية التي رشحتها،  ومرجعها كما قيل، عضو في لجنة التحكيم هو( أوهي) على صداقة بالإسم المرشح الذي وصل الى القائمة القصيرة. وعلمت “اندبندنت عربية” أن الإجتماع  الأخير للجنة التحكيم أمس كان شبه عاصف وشهد سجالاً امتد ساعات وانتهى إلى التصويت.

أما المفاجأة التي حمتلها الجائزة فتتمثل في فوز كاتبة كانت أصلا رفضت الترشح، واعتذرت من الدار التي تنشر أعمالها، لكنّ لجنة التحكيم هي التي طلبت ترشيحها أو رشحتها بعد استئذان دار الآداب التي اقنعت هدى بركات بضرورة الترشح. وبحسب نظام الجائزة يحق للجنة التحكيم، إذا ما وجدت نقصاً أو ضعفاً في القائمة، أن ترشح رواية غير مرشحة، شرط أن توافق الدار وصاحب الرواية. وما كان حفز بركات إلى رفض الترشح  ليس التبجح او التكبر، بل هو عدم وصول روايتها إلى القائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد للإبداع الادبي هذه السنة، وفي ظنها أن الحظ  لن يواتيها في البوكر. ولكن حصل ما لم يكن متوقعاً، ليس لأن الرواية لا تستحق الفوز، بل لأن الكثيرين اعتبروها رواية قصيرة حتى لتكاد تكون أاقرب الى “النوفيلا” او القصة الطويلة، على خلاف الروايات الدسمة التي تترشح عادة إلى “البوكر”.

خطفت بركات الجائزة ويمكن وصف هذا الفوز ب”الإنتقام” فهي لم تصل إلا مرة واحدة الى اللائحة الطويلة للبوكر العربية عبر روايتها “ملكوت هذه الارض” العام 2013، بينما بلغت القائمة القصيرة لجائزة “مان بوكر العالمية” للعام 2015 التي كانت تمنح آنذاك مرة كل سنتين عن مجمل أعمال الكاتب- الكاتبة وهي من الجوائز المهمة جداً عالمياً ، وفازت أيضا العام 2000 بجائزة نجيب محفوظ عن روايتها “حارث المياه” وبجائزة سلطان العويس العام 2018… اما لجنة تحكيم البوكر فتألفت هذه السنة من: شرف الدين ماجدولين (رئيس اللجنة)، أكاديمي وناقد مغربي متخصص في السرديات والدراسات المقارنة، وفوزية أبو خالد، شاعرة وباحثة سعودية في القضايا الاجتماعية والسياسية، زليخة أبوريشة، شاعرة وناشطة أردنية في قضايا المرأة وحقوق الإنسان ، لطيف زيتوني، أكاديمي وناقد لبناني متخصص في السرديات وتشانغ هونغ يي، أكاديمية ومترجمة وباحثة صينية. وكان على هذه اللجنة أن تتناقش وتتجادل وتختلف ثم تتفق على اسم هدى بركات بالتصويت.

أما الأسماء الأخرى في اللائحة القصيرة التي تنافست على الجائزة الأاولى فهي: الأردنية كفى الزعبي (شمس بيضاء باردة)، السورية شهلا العجيلي (صيف مع العدو)، المصري عادل عصمت (الوصايا)، العراقية إنعام كجه جي (النبيذة)، المغربي محمد المعزوز (بأي ذنب رحلت؟). وبررت اللجنة فوز بركات معتبرة  “أن رواية “بريد الليل” رواية حول بشر هاربين من مصائرهم، وقد اصبح الصمت والعزلة والكآبة والاضطراب كونهم الجديد، وهى رواية إنسانية ذكية الحبكة توازن بين جدة التكنيك وجمال الأسلوب وراهنية الموضوع الذى تعالجه”.

اللافت في رواية “بريد الليل” أن صاحبتها اعتمدت تقنية المراسلة أو كتابة الرسائل  لتسرد حكايات أصحاب هذه الرسائل، وهم شبه مجهولين، كتبوها من دون أن يرسلوها فضاعت، لا سيما بعد عدم مجيء ساعي البريد الذي تمتدحه الروائية وتتحسر على زمانه . الرسائل شاءتها الكاتبة خمساً، بينما تتوزع الرواية على ثلاثة فصول هي: خلف النافذة، في المطار، موت البوسطجي. والعناوين هذه تتداخل رمزياً لترسخ معاناة الأشخاص الذين يكتبون الرسائل والاشخاص الذين تتوجه الرسائل اليهم وهم لن يتلقوها، فتظل مجرد رسائل تروي مآسي شخصية وجماعية. في الرسالة الأولى يكتب رجل إلى حبيبته المفترضة، معترفاً أنه يكتب الرسالة الأاولى في حياته والوحيدة. يروي لها كيف قُبض عليه وعُذب وقُمع وكيف راح يعمل في خدمة عسكري حتى أصبح رجلا قاسيا يقمع الاخرين. في الرسالة الثانية سيدة في فندق تكتب رسالة إلى رجل تنتظر قدومه مع أنها تعلم أنه لن يأتي. في الرسالة الثالثة شاب يكتب الى أمه محاولا إقناعها ببراءته وبأنه لم يرتكب جريمة قتل. وهكذا دواليك…

هدى بركات من مواليد بيروت العام 1952. عملت في التدريس والصحافة وتعيش حالياً في باريس. أصدرت ست روايات ومسرحيتين ومجموعة قصصية بالإضافة إلى كتاب يوميات. وشاركت في كتب جماعية باللغة الفرنسية. ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات. منحتها الدولة الفرنسية وسامين رفيعين. من أعمالها الروائية: “حجر الضحك” (1990)، “أهل الهوى” (1993)، “حارث المياه” (2000) ، “سيدي وحبيبي” (2004) ، “ملكوت هذه الأرض” (2012).

اندبندنت عربية

«بريد الليل»… يحمل البُوكَر إلى هدى بركات.. وتساؤلات حول ظاهرة التسريبات

من منصة التتْويج في معرض أبوظبي للكتاب، أعلن الأكاديمي المغربي شرف الدين ماجدولين، رئيس لجنة تحكيم جائزة «بوكر» العربية، مساء الثلاثاء 23 إبريل/نيسان 2019، عن فوز رواية «بريد الليل» للروائية اللبنانية هدى بركات بهذه الجائزة العربية ذات الرمزية الأدبية الكبيرة، التي ترشحت لقائمتها الصغيرة إلى جانب رواية «بريد الليل» روايات «الوصايا» للمصري عادل عصمت، و«النبيذة» للعراقية إنعام كجه جي، و«صيف مع العدو» للسورية شهلا العجيلي، و«شمس بيضاء باردة» للأردنية كفى الزعبي، و«بأي ذنبٍ رحلت» للمغربي محمد المعزوز. وكانت هدى بركات قد وصلت عام 2013 إلى القائمة الطويلة للبوكر بروايتها «ملكوت هذه الأرض»، كما وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر العالمية» لعام 2015، وفازت بجائزتي نجيب محفوظ عن روايتها «حارث المياه» عام 2000 وسلطان العويس عام 2018.

وما ميز هذه النسخة من جائزة «بوكر» العربية، هو تسريب خبر فوز هدى بركات إلى الصحافة قبل الإعلان الرسمي عنه، على غرار ما حمله مقال الصحافي والشاعر اللبناني عبده وازن في «إندبندنت عربية» والذي جاء فيه قوله: «أما المفاجأة التي حمتلها الجائزة فتتمثل في فوز كاتبة كانت أصلا رفضت الترشح، واعتذرت من الدار التي تنشر أعمالها، لكن لجنة التحكيم هي التي طلبت ترشيحها أو رشحتها، بعد استئذان دار الآداب التي أقنعت هدى بركات بضرورة الترشح». واعتبر وازن أن فوز هدى بركات بالبوكر إنما يمثل بالنسبة إليها «انتقاما» من الجائزة ذاتها.

ومثلما جرت عليه العادةُ لحظة الإعلان عن جائزة البوكر، اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بآراء النقاد والروائيين وتباينت في ما بينها حول مدى أحقية رواية «بريد الليل» بهذا التتويج العربي، ومدى صدقية حُكم لجنة تحكيمها. من ذلك أن الروائية العراقية إنعام كجه جي، وهي من ضمن مُرَشحي القائمة القصيرة، كتبت تدوينة وصفت فيها الجائزة بأنها مثل عرس بنات آوى (عرس واوية) لا تدوم الفرحة فيه طويلا، بل هو مثل سحابةِ صيف ضحلةٍ، سريعًا ما يزول أثرُها، كما أعلنت فيها عن ندمها على المشاركة في البوكر وذلك في قولها: «الآن بدأ في أبو ظبي حفل الإعلان عن الفائز بجائزة البوكر للرواية العربية. وجدت أن من المناسب الامتناع عن حضور الحفل، بسبب التسريبات التي سبقته وتضر بهذه الجائزة. لا يمكنني المشاركة في ما نسميه باللهجة العراقية عرس واوية. مبروك للعزيزة هدى بركات فوزها بالبوكر، وهي تستحق ما هو أفضل من هذه الجائزة التي كانت على حق يوم دعتني لمقاطعتها».

ورأى الأكاديمي والشاعر العراقي محسن الرملي أن «فوز هدى بركات بجائزة البوكر يشبه فوز عادل عبدالمهدي برئاسة وزراء العراق.. كلاهما لم يرشح نفسه لها أصلاً». وتساءل الكاتب المصري شريف صالح قائلا: «لا يبدو مصطلح رواية دقيقًا كعلامة تجنيسية، لأن «بريد الليل» تقع في حوالي 129 صفحة، ومن الناحية الجمالية تتسم بمحدودية الشخصيات، والمقاربة التكرارية للثيمات ذاتها، وعدم تمديد وتوسيع السرد، لذلك هي أقرب إلى جنس «النوفيلا». فهل جائزة البوكر تعامل النوفيلا كتنويعة على الرواية أم كجنس مستقل؟».

والملاحظ في رواية «بريد الليل» هو أنها رواية خفيفةٌ ونظيفةٌ: خفيفة المحكي ونظيفة من الهذر، كما أن السرد فيها ينهض على دعامة الكتابة الترسلية، وهي تقنية فنية قليلة الشيوع في مشهدنا الروائي العربي، حيث نُلفي فيها خمس رسائل موزعة على ثلاثة فصول هي «خلف النافذة»، و»في المطار، و»موت البوسطجي». الرسالة الأولى كتبها حبيب إلى حبيبته، والثانية كتبتها حبيبة إلى حبيبها، والثالثة كتبها ابن إلى والدته، والرابعة كتبتها بنت إلى أخيها والخامسة كتبها ابن إلى أبيه. وفي كل رسالة منها نتعرف حكايةَ كاتبها، ونقف على مشاهد من عذاباته الشخصية سواء في وطنه أو في بلاد الغربة. وهي رسائل لا تصل إلى مَن كُتِبتْ إليهم، وإنما تحملها أقدارُها إلى شخصيات الرواية الأخرى، وهو ما يمنح المحكي في كل واحدة منها صلةً بمحكي الرسائل الأخرى، ويشرح ما وقعت التعمية عليه فيه. وما يميز هذه الرواية هو وجاهةُ منطقِها السردي الذي تُوافق فيه تقنية السرد مادة مضمونه، من ذلك أن إيراد شخصيات الرواية بلا أسماء، وهو ما يُحيلُ إلى تيهها وغربتها وغرابتها، يجد له تفسيرًا في ما نعرف من أمر حكاياتها، فإذا هي شخصيات مطاردة من سلطة بلدانه السياسية أو الاجتماعية، ومقيمة إقامة غير شرعية في بلاد الغرب، بدون أن ننسى صفاء لغةِ الرواية وكثرة طاقتها الإيحائية الاعترافية، والكتابة الترسلية تمنح إمكانية هذا الاعتراف، ناهيك عن اتصالِ موضوعها بمعيش المواطن العربي، خاصة بعد ثورات الربيع العربي وكثرة أزماته الوجودية والاجتماعية، إضافة إلى إكراهات المنفى وما فيه من استغلال للمهاجرين وابتزاز لهم، وهو أمر يُحول الرواية إلى لوحة مكتظة بمشاهد من مِحَنِ المواطن العربي وهو موزعٌ بين انتماءيْن: انتمائه إلى مكان عربي مطرودٍ منه، وانتمائه إلى مكان غربي لم يقدر على الانصهار فيه.

القدس العربي

بوكر العربية” تنام مع أعدائها.. وآراء أخرى

الإعلان الاستباقي عن فوز هدى بركات بجائزة البوكر العربية عن روايتها “بريد الليل”، على طريقة “الاندبندنت العربية”، أمس، قبل إعلان النتيجة رسميًا، ليس مجرد “تسريبة” تنم عن سبق صحافي. بل هو، بتلك التفاصيل الدقيقة عن مداولات لجنة التحكيم، محاولة صريحة لتثبيت النتيجة، وقطع أي مراودة لتغييرها. كما يكشف ترشيح رواية هدى بركات، المستجلب من خارج المسابقة، وبناء على مرئيات لجنة التحكيم، عن نية مسبقة لتتويجها بالفوز بعد أداء مسرحي غير متقن عن كذبة المسابقة والمنافسة وتقارب مستوى الروايات إلى آخر كلمة في أخدوعات تلك الديباجة المبتذلة.

وهو الأمر الذي يؤكد ما يُشاع عن مافيا دور النشر، التي صارت تتحكم في حيثيات الجائزة بعد دورتها الأولى. كما يؤكد على دور مافيا لجان التحكيم التي أودت بسمعة الجائزة، وإسهام بعض المنابر الإعلامية في طبخ النتيجة كل عام.

فما كتبه عبده وازن، بنبرته الواثقة وعباراته الجازمة، إنما يعني أن البوكر العربية تنام منذ زمن مع أعدائها. وأنها صارت اليوم بحاجة إلى مخاطبة القارىء العربي بشفافية أعلى بعد صمت طويل على كل ما يحيط بها من أقاويل…

(*) مدونة كتبها الناقد السعودي محمد العباس في صفحته الفايسبوكية.

_________________

لبناني

ربيع جابر زعل.. فحصل على البوكر

عبده وازن زعل.. فحكّم في البوكر

أ.هدى بركات زعلت.. فحصلت على البوكر

الخلاصة.. لتقترب من البوكر عليك أن تتبع المعادلة التالية:

لبناني + زعلان = البوكر.

(**) تعليق كتبه الروائي المصري أحمد مجدي همام في صفحته الفايسبوكية.

_________________

انعام كجه جي

الروائية اللبنانية، هدى بركات، إذا تقدّمت برواية للمنافسة على الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) فيجب أن تفوز، أو على الأقل تقدر روايتها في اللائحة القصيرة، أو أنها تزعل.. واحتراماً لزعلها، تلحّ عليها لجنة التحكيم للجائزة هذا العام بأن تتقدّم بروايتها الجديدة “بريد الليل”، لكنها ترفض، لأنها إذا لم تفز ستزعل أيضاً، ثم تلح عليها اللجنة أكثر، وكذا ناشرة الرواية رنا إدريس، فتوافق هدى بركات أخيراً على ترشيح الرواية التي تفوز أخيراً بالجائزة الأولى، فلا تزعل هدى بركات طبعاً…

الروائية العراقية، إنعام كجة جي، صاحبة الرواية الأحسن “النبيذة”، تعرف هذه القصة وتفاصيلها، لكنها تحضر إلى أبوظبي لحضور حفلة الجائزة، طالما أن روايتها في اللائحة القصيرة ومرشحة بقوة مستحقة للفوز. لكن أحد أعضاء لجنة التحكيم “يسرّب” مداولات اللجنة، وقرارها فوز رواية هدى بركات، إلى عبده وازن، الصحافي والكاتب المحترف، والذي يُسارع إلى نشر التفاصيل، ويذيع، في متابعة صحافية متقنة في الموقع الإلكتروني الذي صار يعمل فيه، فوز “بريد الليل”، ساعاتٍ قبل حفلة الجائزة.. فتزعل إنعام كجة جي، وتمتنع عن حضور الحفلة، وتُؤثر البقاء في غرفتها في الفندق. هذه هي رواية “بوكر” للعام 2019.. وليست “بريد الليل”.

(***) مدونة كتبها الصحافي معن البياري في صفحته الفايسبوكية.

المدن

عرس البوكر.. روائية لامعة وجائزة مهتزّة/ سفيان طارق

بدا لافتاً وصف الروائية العراقية إنعام كجه جي “الجائزة العالمية للرواية العربية – البوكر” بأنها “عرس واوية” (ثعالب باللهجة العراقية)، وذلك في منشور على صفحتها، معلنةً مقاطعة حفل الإعلان عن الجائزة التي تسرّبت نتيجتها ونُشرت في بعض المواقع قبل الإعلان عنها رسمياً مساء أمس، وكانت رواية كجه جي “النبيذة” ضمن قائمتها القصيرة.

كتبت صاحبة “الحفيدة الأمريكية” على صفحتها في فيسبوك: “الآن، بدأ في أبو ظبي حفل الإعلان عن الفائز بـ جائزة البوكر للرواية العربية. وجدت أن من المناسب الامتناع عن حضور الحفل بسبب التسريبات التي سبقته وتضر بهذه الجائزة”، مضيفةً: “لا يمكنني المشاركة في ما نسميه باللهجة العراقية عرس واوية. مبروك للعزيزة هدى بركات فوزها بالبوكر، وهي تستحق ما هو أفضل من هذه الجائزة التي كانت على حقّ يوم دعتني لمقاطعتها”.

هذا وإن كانت هدى بركات قد حقّقت موقعاً مقدَّراً لدى قرّاء الرواية العربية ونقّادها، فإن فوز روايتها “بريد الليل”، على جدارته واستحقاقه، سلّط، وللمفارقة، الضوء على هشاشة لجان تحكيم “البوكر” وقلة مصداقيتها على مدى السنوات. هذه “الهشاشة” – لا فوز منافستها التي يُضيف اسمها للجائزة أكثر ممّا تضيفه لها الجائزة التي مُنحت في السنوات الأخيرة لأسماء متواضعة جدّاً – هي ما جعل كجه جي تنتفض ضدّ ما بات معروفاً من تهافت البُنى القيمية والمعرفية لهذه الجائزة ومثيلاتها، وعدم كفاءة لجان تحكيمها، وأثرها السلبي المتفاقم على الرواية العربية، وتحديداً على المستوى الفني للأخيرة.

لكن هناك صنفاً آخر من الروائيين قاطعوا البوكر لأسباب جديرة بالتوقّف عندها أيضاً، من بينهم المصري أشرف الخمايسي الذي كتب في منشور على صفحته: “قدّمت في “بوكر”، الدورة التي ستظهر نتيجتها الليلة بـ”ضارب الطبل”. وإذا بسياسات “الإمارات” التطبيعية مع الكيان الصهيوني تتفشّى، بلا حياء أو اعتبار لأي تاريخ أو حاضر يصطبغان بالدم الفلسطيني. فكتبت هنا أعلن عن سحب روايتي من “البوكر” اعتراضاً. وأرسلت إيميلاً لدار “الشروق،” الناشر، بنفس الطلب: سحب روايتي من المنافسات”.

ويضيف صاحب “منافي الرب”: “وأخذتُ أنظر للأمر من زوايا أخرى، فوجدت أن معظم المثقّفين لن ينبسوا بأقل اعتراض على سياسة “الإمارات” التطبيعية يوماً من الأيام، إذا كانوا ينتظرون من مؤسّساتها فوزاً بمسابقة، أو مشاركات بمجلّاتها وندواتها الثرية بالدولارات، أو بأي فعالية من فعالياتها التي صارت منتشرة على ساحة الوطن العربي؛ كـ”بيت الشعر” مثلاً. إن الفم الذي طُعِم، أو يُطعَم، أو ينتظر الإطعام، إن لم يكن حرّاً، لن ينطق بكلمة اعتراض، تزلّفاً أو خوفاً”.

ويختم الخمايسي: “وأسمع اليوم أن “الإمارات العربية المتحدة” ستكون أوّل دولة عربية تجري مناورات عسكرية مع الكيان الصهيوني. “مصر” المربوطة إلى الكيان المحتل بمعاهدة سلام لم تفعلها! لكن “الإمارات” ستفعلها بمنتهى الصفاقة. وسيصمت المثقّفون العرب المغمورون بالدولارات الإماراتية، أو ممن ينتظرون الغمر بجائزة أو فعالية مدفوعة الأجر. وانتظار المال مش عيب. العيب هو إن المال يربط المثقف عن قول ما يجب قوله. الفعاليات الثقافية الإماراتية تحديداً صارت ملغزة ومشبوهة”.

وأياً كان موقف المراقب من “البوكر” ومثيلاتها من جوائز استبدلت القيمة الأدبية بالأضواء الوهمية والضوضاء الاستهلاكية والدولارات، غالباً ما تبقى الرواية العربية التي تقول شيئاً للإنسان العربي وتقدّم إضافة فعلية للفن الروائي، في مكان آخر.

العربي الجديد

كواليس البوكر العربية عام 2019/ صالح الرزوق

الجدل الذي تزامن مع بوكر 2019 برأيي هو ظاهرة صحية، فالاختلاف بوجهات النظر، وحسم الموضوع بالتصويت، يدل على التعددية والديمقراطية. والفن لا يمكن أن يخلو من الجانب الذاتي. وهذا ينسحب على الطرفين، المرسل والمتلقي.

ولنأخذ جوائز نوبل، على سبيل المثال، إن فوز نجيب محفوظ بها لا يلغي دور جبرا إبراهيم جبرا أو محمد ديب أو الطاهر بن جلون، لكن نحن دائما محكومون باعتبارات رمزية، وحصول هدى بركات على الجائزة لهذا العام لا يعني أن رواية كفى الزعبي أو إنعام كجة جي قد خسرتا الرهان.

لقد كان بناء رواية «شمس باردة بيضاء» للزعبي مدهشا ببساطته وتسلسله، وهي رواية وجودية بامتياز تختصر تاريخ صراعنا مع هذا الاتجاه. لقد لخصت الرواية عدة تجارب بدون أن تفضح نفسها، حتى لو أنها أشارت لتيسير سبول وكامو، فقد كانت حريصة على عدم المحاكاة والتقليد. وكانت النتيجة بناء شخصية مختلفة مع ماضيها، لدرجة فقدان التوازن. إن رواية الزعبي أبلغ مثال عن معاناة الإنسان البسيط والمغبون على وجه الإطلاق. وللتحديد: إن المشهد الختامي لا يخلو من إعادة بناء (أو تعريب كما أحب أن أقول دائما) لخاتمة مسرحية آرثر ميلر «عربة شارع اسمها الرغبة». وكل ما في الأمر هو إسقاط معاناة المؤنث على المذكر. وبالمناسبة استطاعت الزعبي بجدارة أن تصور مشاعر شاب في الحلقة المتوسطة من العمر، بعد أن وصل لصدام ثقافي واجتماعي مع واقعه. وقد استغلت معاناته مع الحرمان والاغتراب، لتعيد للأذهان أيضا صورة بطل رواية «الجوع» لكنوت هامبسون بكل ما فيها من فضائحية وتعرية وتقشير عاطفي.

ويمكن أن أقول الشيء نفسه عن «النبيذة» لإنعام كجة جي. فهي رواية مكاشفات ومصارحة. وتبدأ من أجواء الصالونات لتدخل لاحقا إلى أجواء المخادع وغرف النوم. وبهذه الطريقة وضعت كل شخصية أمام نفسها لتكتشف أسباب السقوط والخسارة. وأعتقد أن «النبيذة» كانت بمستوى «الحفيدة الأمريكية» و«طشاري» للكاتبة نفسها. فهي رواية عن النخبة، ولكن أيضا عن أفول المنطقة واندحارها. لقد تمكنت كجة جي في هذه الثلاثية أن تعيد إلى الذهن تجربة جبرا، بما عرف عنها من مزاوجة بين خسارتنا لأنفسنا وخسارتنا للأرض.

وهذا هو موضوع روايات هدى بركات الفائزة بدورة هذا العام. إنها تعود بالذاكرة إلى لحظة الانفجار لتساعدنا على استخلاص العبرة المناسبة. وتبدو لي شخصياتها مهمومة مثل أي تمثال من الجليد. فهي مكشوفة لشمس الحقيقة ولكنها تهرب منها. ولذلك هي عرضة للزوال والذوبان. وموضوعها المتكرر عن حلقات الحروب اللامتناهية في لبنان ليس دليلا على عقدة تثبيت بمقدار ما هو تأمل رواقي بآثار تلك الحروب، على كافة الأصعدة وبالأخص على صعيد البنود اللازمة لتكوين شخصية متوازنة ومستقرة.

ومن هنا يمكن النظر لرواية سقطت من القائمة القصيرة وهي «ليالي العصفورية» لواسيني لأعرج  . لقد أعاد واسيني بروايته للذهن المخاض الذي مرّ به جبران قبل مي زيادة. فقد تعرض لتهمة الجنون مثلها، لكنه لم يدخل المصحة بسبب هجرته المبكرة إلى أمريكا. إن هذه الرواية هي من أجمل كتابات واسيني. كما أنها عمل عن الحرب المستعرة بين القديم والجديد. وأجد أنه استطاع أن يضفي على مي زيادة عدة أبعاد لم يسبقه لها أحد..

أولا روح الممانعة التي رفعت مي من مجرد مثقفة وشخصية صالونات إلى رمز درامي.

ثانيا دورها التنويري الذي كان مختلفا عن عقلية العقاد ورومانسية طه حسين. وحسب الرواية اختارت مي أن تتعامل مع الثقافة والعقل، على أنهما جزء من تجربتها ضد واقع الجمود والتخلف. بعكس العقاد الذي تعالى على واقعه، أو طه حسين الذي تخيل أن الافتراضات الذهنية هي بديل عن الواقع المادي الملموس.

ثالثا وأخيرا مضمونها الاجتماعي الذي كان سببا في أزمتها الصحية. وقد استغل واسيني هذه النقطة ليرسم لوحة معبرة عن أسباب تدهور وانحلال الأرستقراطية العربية. وبظني إنه أشار لمسؤولية هذه الشريحة عما وصلنا إليه من خسارات وفوضى. وجنون مي سواء كان مدبرا أو نتيجة أعراض سريرية هو رمز عن منعطف عصر النهضة وما رافقه من مخاض. وبتعبير الباحثة المعروفة وين جين أويان: كان الجنون في الرواية العربية، هو التعبير العميق عن مشاعر الاغتراب والضعف التي مرت بها الأمة، خلال سعيها لتأسيس دولتها المنتظرة التي تحولت من يوتوبيا إلى حالة من القهر والقمع والتجزئة*.

لقد كانت روايات هذه الدورة متميزة على وجه الإجمال. وشهادة التقدير التي كسبتها هدى بركات لا تقلل من شأن الأعمال المنافسة والتي أقترح أن تجد من ينوه بها سواء بالترجمة أسوة بالرواية الفائزة، أو بعقد ندوات تكريم وتقدير.

٭ أنظر كتابها: «سياسة الحنين واتجاهاته في الرواية العربية». منشورات دار نينوى دمشق. 2017. ص 150 وما بعد. فصل: سيميولوجيا الجنون.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

الناقد عبده وازن: التسريب جاء من خارج لجنة البوكر والهدف حجب الجائزة
الناقد اللبناني عبده وازن يقر بأنه ليس هناك تسريب من داخل الجائزة وما نقله هو خبر فقط، ولو كان في أبوظبي لكان الواقع مختلفا.
جدل كبير رافق الجائزة العالمية للرواية العربية هذا العام، خاصة ما تعلق بتسريب اسم الفائز بالجائزة قبل إعلانه من لجنة التحكيم، حيث كتب الناقد والشاعر اللبناني عبده وازن مقالا مثل سبقا صحافيا بإعلانه عن تتويج هدى بركات وروايتها “بريد الليل”، راويا تفاصيل من كواليس الجائزة، وهو ما خلف جدالا مازالت آثاره مستمرة إلى اليوم. “العرب” حاورت الشاعر والصحافي عبده وازن حول مقاله الذي كتبه في “إندبندنت عربية” وكان في نيويورك، وسبق فيه إعلان الجائزة مؤكدا فوز هدى بركات.
بيروت (العرب) – شهدت جائزة البوكر العربية هذه السنة سجالا كبيرا لم تنته فصوله حتى الآن، وبدت الساحة الأدبية والثقافية العربية مشغولة بهذه الجائزة و“التسريب” الذي تم، والذي روج اسم الفائزة وهي الكاتبة اللبنانية هدى بركات عن روايتها “بريد الليل”، قبل الإعلان الرسمي عن الفائز من قبل لجنة التحكيم. ومما ساهم في اتساع رقعة السجال هو اختلاط ثلاثة امور ببعضها البعض، التسريب وخطاب الروائية الفائزة الذي كان سلبيا وانسحاب إحدى الروائيات من الاحتفال، لسبب قيل إنه عدم فوزها هي بالجائزة. ولم تشهد أي دورة سابقة للجائزة ما شهدته هذه السنة، علما أنها تتعرض دوما لحملات يكمن وراءها في الغالب روائيون لم يفوزوا أو ناشرون لم تفز رواياتهم المرشحة.
خبر وليس تسريبا
لدى سؤاله عما إذا كانت فكرة السبق الصحافي هي الاعتبار الذي وقف وراء نشره اسم الفائزة بالجائزة قبل ثلاث ساعات من إعلانه؟ يقول عبده وازن إن المسألة ليست متعلقة بسبق أو حدث صحافي. ويضيف “لم أبحث شخصيا عن السبق ولم أسع إليه، ولكن حصلت مصادفة هي التي جعلتني أكتب باكرا في ‘الإندبندنت عربية‘، عن نتيجة الجائزة وفوز الروائية هدى بركات بها عن روايتها ‘بريد الليل‘. واسمح لي بأن أكشف كل الملابسات التي اكتنفت القضية”.
يتابع “هذه السنة لم أذهب إلى احتفال الجائزة ولا إلى معرض أبوظبي للكتاب الذي أحبه كثيرا بجوه الرحب وفعالياته، وخصوصا باحتفاله بجائزة الشيخ زايد التي أصبحت عالمية، إذ كنت مدعوا إلى ندوة في جامعة كولومبيا في نيويورك، وقد أمضيت أياما إضافية هناك في إجازة. في الليلة ما قبل منح الجائزة وصلني اتصال هاتفي من أبوظبي في منتصف الليل أيقظني من نومي، وكان من ناشرة تدعوني فيه إلى احتفال تقيمه مع مجموعة من الأصدقاء، في إحدى غرف الفندق الذي تقام فيه عادة حفلة البوكر، وقالت لي إنه احتفال بفوز الروائية الفلانية بالجائزة. كنت نصف نائم وصدقت مبدئيا الخبر، ولو قبل إعلان الجائزة، وقلت مبروك لفلانة ولناشرتها، ثم نمت”.
يضيف عبده وازن “بعد ساعتين أو ثلاث وردتني رسالة على الموبايل تقول إن فلانة ليست هي التي ربحت الجائزة بل هدى بركات مع إشارة إلى أن الخبر انتشر وبات الجميع على علم به. قمت من نومي وكتبت مقالي في الإندبندنت عربية. ولكن بعد ساعتين أو أقل وردني من بعض الأصدقاء أنني حققت سبقا صحافيا، وأعلنت الجائزة قبل إعلانها رسميا، وراحوا يهنئونني بهذا السبق الصحافي. لم أكن أنتظر أن يحدث مقالي ضجة فيها من السلب ما فيها من الإيجاب، إذ كنت أظن الخبر تسرب إلى الجميع. ولكن لم يكن قصدي أبدا الإساءة إلى جائزة البوكر العربية، فأنا أحترم هذه الجائزة وأعتبرها نزيهة، وأحترم هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي التي تمنحها، وأنا من متابعي النشاطات الدائمة للهيئة، وقد دأبت منذ سنوات طويلة على تغطيتها، وأولها معرض الكتاب. ولا تنس أنني فزت أصلا بجائزة الشيخ زايد للكتاب”.
ولدى سؤاله عما إذا كان يقصد أن التسريب جاء من خارج اجتماع اللجنة وبعيدا من أعضائها وليس من داخلها. وكيف يفسر ذلك، يؤكد وازن أن “التسريب حتما جاء من خارج اللجنة. أصلا ليس هناك ما يسمى تسريبا بالمعنى الحرفي. وردني خبر فوز هدى بركات وأنا نائم في نيويورك، وليس فوز الروائية الأخرى التي شاركت في الاحتفال بفوزها، مع إشارة إلى انتشار الخبر وتسربه. وكان عليّ أن أكتب بسرعة لأرافق الآخرين”.
يضيف وازن “لاحقا، تبين لي أنني وحدي الذي كتب الخبر، وكأن المطلوب من الذين أرسلوا لي الخبر مسبقا، أن أتولى أنا نشره باكرا قبل الإعلان الرسمي، وفي نيتهم التشويش على الجائزة وخربطة الاحتفال، وهذا ما حصل، لاسيما أن إحدى الروائيات المتباريات في القائمة القصيرة انسحبت من الحفلة، وهو ربما يدل على حال من الغيرة أو الإحباط، على عكس ما أشاعت الروائية وناشرتها، بأن الانسحاب كان اعتراضا على التسريب. كان في نية الذي سرب الخبر أن يحرم هدى من الجائزة، وفي تصوره أن تسريب الخبر باكرا قد يدفع الهيئة إلى حجب الجائزة، مما يعني عدم فوز هدى. لم يكن هناك من تسريب من داخل الجائزة. ولو كنت في أبوظبي لكان الواقع مختلفا ولاكتشفت اللعبة ولم أكتب باكرا”.
يقول الشاعر والناقد عبده وازن “أود أن أعترف بأن فوز هدى كان متوقعا بقوة وكثيرون تكلموا عنه، فمنذ أن طلبت اللجنة ضم بركات إلى قائمة المرشحات، وهذا من حقها قانونيا، ساد جو يشي بأن الروائية اللبنانية هي من سيفوز. هذا كان انطباع الكثيرين، حتى الذين لا يحبون روايتها ‘بريد الليل‘ ويفضلون عليها رواياتها الأخرى، وأنا منهم. أعتقد أن ‘بريد الليل‘ ليست أفضل روايات بركات. والطريف أن ناشرة الروائية الأخرى التي لم تفز، كانت تصر على فوز مرشحتها، وكتبت على الإنترنت تعدها بأن الورد والغار بانتظارها. وحصل غير المتوقع. وهو ربما ما جعل الغيرة تدب حتى الجنون. ويتساءل وازن، لا أدري لماذا هذه الروح غير السليمة وغير الرياضية كما يقال؟ فالبوكر في النهاية مسابقة وليربح من يربح”.
حادث مستهجن وحول رأيه في ما تردد من أن كلمة قاسية ألقتها هدى بركات في حفل الجائزة وهو ما لقي استغرابا واستنكارا واسعين، يقول وازن “سمعت بالأمر ولم أسمع الكلمة ولم أقرأها. إنما في رأيي أنه لا يحق لهدى ولا وهي الفائزة أن تهاجم الجائزة، ويبدو لي ذلك منها أو من غيرها مستهجنا. ففي يقيني أن اللجنة المحكمة نزيهة والجائزة نزيهة جدا، وهي من أهم الجوائز العربية. والإدارة لا تتدخل بتاتا في النتائج. الجائزة تمنحها اللجنة ولا أحد سواها، وهنا تكمن نزاهتها. والنتيجة مرتبطة بمزاج اللجنة وثقافتها ورؤيتها. وهذا فعلا ما لمسته عندما شاركت في تحكيم إحدى دورات الجائزة. وكنت كتبت مقالا رحبت فيه بإعلان القائمة القصيرة في مدينة القدس، مدينتنا العربية، بينما هاجم إعلام الصمود والتصدي هذه الخطوة المهمة، واعتبرها تطبيعا مع العدو”.
ونسأل عبده وازن عن الانطباع الأشمل الذي تركته فيه الضجة التي أثيرت واللغط الذي دار في الأوساط الثقافية حول اسمه في هذه القضية، فيقول “إن ما كتب من مقالات عن هذا الأمر كان كثيرا، وقد خرجت عن صمتي من خلال جريدة ‘العرب‘ التي أحترمها، لأقول كلمتي في هذا الجدل، فقد اخلتط الحابل بالنابل، وكان بعض المقالات إيجابيا والبعض الآخر سلبيا. لم أقرأها كلها ولكن من بينها مقالات كتبها اشخاص معنيون بالجائزة وكانوا محقين في آرائهم، ومنهم الناقد الكبير شرف الدين ماجدولين الذي كتب مقاله على صفحات جريدتكم”.
الرواية العربية والروائيون العرب يحتاجون إلى جائزة البوكر، فقد باتت تمثل ظاهرة ثقافية بارزة جدا ومهمة وفريدةالرواية العربية والروائيون العرب يحتاجون إلى جائزة البوكر، فقد باتت تمثل ظاهرة ثقافية بارزة جدا ومهمة وفريدة
ويتابع “لكنّ بعض المتطفلين كبتوا مقالات تسيء إلى الجائزة ومعظمهم من المتضررين الذين لم يفوزوا ولم تبرز أسماؤهم في اللوائح الطويلة أو القصيرة. هناك مثلا ناشرة متطفلة كتبت مقالا مضحكا وكأنها تريد البحث عن دور أو أن تجعل الآخرين يشعرون بها. أصلا كل سنة يدور سجال حول البوكر والكاتب أو الكاتبة الفائزة. وأعتقد أن هذا السجال دليل إيجابي، ويعني أن الجائزة حاضرة بقوة في الساحة الأدبية والثقافية العربية. لكن الجائزة لا تستطيع أن ترضي الجميع، ولا أن يفوز بها الجميع. الناس يحبون هذه الجائزة وما تثير من حماسة وتطرح من خيارات. ويجب على هيئة الجائزة ألا تتأثر بما حصل هذه السنة، فهذا لا يحصل إلا مع الجوائز الكبيرة”.
ويضيف عبده وازن “تحتاج الرواية العربية والروائيون العرب إلى جائزة البوكر، فقد باتت تمثل ظاهرة ثقافية بارزة جدا ومهمة وفريدة. ويكفي أن تكون وراءها هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة وهي من أبرز الهيئات الثقافية في العالم العربي، تتوجه بأنشطتها إلى الجمهور الإماراتي والجمهور العربي في وقت واحد. وهي تتخطى فعلا بعض وزارات الثقافة العربية في رؤيتها الثقافية المنفتحة ونشاطاتها الدائمة”.
أخيرا، نسأل عبده وازن عن رأيه في ما دعا إليه بعض الصحافيين والكتاب من ضرورة تطوير جائزة البوكر العربية وتحديثها وتجديد آلية عملها أو منهجها، فيرى أن “البوكر هي وقف على لجنة التحكيم. هذه اللجنة هي التي تختار اللوائح والأسماء الفائزة من دون أي تدخل من قبل الهيئة ومن دون أي توصية. انظروا إلى لجنة التحكيم وحاسبوها هي. قد تضم لجان التحكيم أحيانا أسماء كبيرة في النقد والإبداع فتكون النتائج منصفة وحقيقية، وأحيانا تضم أسماء ضعيفة وغير ضليعة في الرواية أو النقد الروائي فتأتي النتائج ضعيفة أو غير مرضية. إنها وقف على أسماء لجنة التحكيم، وهنا تكمن مسؤولية الجائزة في اختيار المحكمين”.
ويقول “بعض المحكمين لا يقرأون الروايات المتسابقة أو بالكاد يتصفحونها وهذه حقيقة. إنها مسؤولية كبيرة وعلى لجان التحكيم أن تكون جدية. وقد يكون ممكنا جعل التحكيم يمر بمرحلتين: الأولى هي مرحلة الغربلة ويقوم بها أشخاص ضليعون يفرزون الأعمال الصالحة من الأعمال غير الصالحة للترشح، والثانية هي مرحلة التحكيم. الغربلة في المرحلة الأولى تخفف عن المحكمين عبء قراءة هذا الكم الهائل من الروايات، وتسهل عملهم. لكن البوكر تملك شروطها ومعاييرها. ختاما أقول إن كل الروايات المهمة عالميا تتعرض دوما لبعض المشكلات وهذا طبيعي، ويكفي ما حصل أخيرا في جائزة نوبل، كمثال”.
العرب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى