أبحاث

مقارنة بين سلاحي “حزب الله” و”حزب عبدالله”/ هوشنك اوسي

سلسلة من الخصال والصفات تجمع سلاحي الحزبين، اللبناني والكردستاني، لكأنّهما رضعا من ثدي أيديولوجي واحد، على رغم الاختلاف الظاهري بين الجماعتين العقيديتين.

كثيراً ما اتهمَ “حزب الله” اللبناني منتقدي سلاحه بأنهم “خونة، عملاء، مرتزقة، مدافعون عن المشروع الصهيوأميركي، ضد المقاومة والممانعة”. من بين أولئك “الخونة”، كتّاب ومثقّفون ورجال دين شيعة لبنانيون. هؤلاء اتهمهم الحزب، تهمة إضافيّة إلى لائحة التهم السابقة، وهي، “شيعة السفارة”! ومارس الحزب التصفية الجسديّة في حق معارضيه اللبنانيين. لكن، لم يسبق لي أن قرأت أن تاريخ “حزب الله” عامر وزاخر بالتصفيات الداخليّة، بالمستوى الذي يزخر به تاريخ حزب العمال الكردستاني PKK، الذي يرأسه عبدالله أوجلان. هذه الخصلة الشائنة، يتميّز بها “حزب عبدالله” عن “حزب الله”. وإذا كنتُ مخطئاً، بإمكان الأصدقاء اللبنانيين، تصحيح هذه الملاحظة- المقارنة وتصويبها.

هناك سلسلة من الخصال والصفات الأخرى التي تجمع سلاحي الحزبين، اللبناني والكردستاني، لكأنّهما رضعا من ثدي أيديولوجي واحد، على رغم الاختلاف الظاهري بين الجماعتين العقيديتين، لجهة أن إحداهما، جماعة علمانيّة، يساريّة، والأخرى، إسلاميّة، طائفيّة – شيعيّة. ومن تلك التقاطعات التي تجمع سلاحيهما:

أولاً: سلاح “حزب الله” اتجه إلى صدور لبنانيين في سياق حروب مع الإسرائيليين. كذلك فعل حزب عبدالله. إذ دخل في صراع دموي مع العائلات والقبائل والأحزاب والمجموعات الكرديّة في تركيا. ودام الصراع من 1978 إلى 1980، وراح ضحيته العشرات. في حين أعلن الحزب الكفاح المسلّح ضدّ تركيا عام 1984.

ثانياً: برر “حزب الله” حمله السلاح، على أنه ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولأجل مقاومته، وتحرير القدس. لكن بعد زوال الاحتلال عن جنوب لبنان، بقي الحزب متمسّكاً بسلاحه. ويرى كثيرون أن الحزب أسس لنفسه دويلة داخل دولة لبنان. في حين أن الحقيقة تقول إن لبنان مجرّد دويلة منهوبة ومسلوبة الإدارة، داخل دولة “حزب الله” الإيراني (اللبناني).

أمّا PKK، فبرر حمله السلاح بأنه يريد تحرير إقليم كردستان وتوحيده. لكنه تخلّى عن هذا الشعار عام 1993. بل يقول محامي معتقلي حزب PKK، في السجون التركية مطلع الثمانيات، حسين يلدرم، إن أوجلان أعلن تخليه عن الدولة القوميّة عام 1988، في حوار له مع الصحافي التركي محمد علي بيراند. وبعد اعتقال أوجلان عام 1999، صار يحارب الدولة القومية، ويرى استقلال كردستان تخلّفاً، وفي خدمة الأعداء، والامبرياليّة والحداثة الرأسمالية… إلخ! وأن خياره هو تشكيل جمهورية ديموقراطيّة مع الأتراك وبقية شعوب تركيا. وأكد أنه يريد تشكيل كونفدرالية الشرق الأوسط، وتشكيل أمّة ديموقراطيّة، بحيث تكون مزيجاً من شعوب المنطقة. لكن، لا أحد من قيادات الحزب وأنصاره وكتبته، يجرؤ على طرح سؤال: وما حاجة هذه الأهداف النبيلة إلى السلاح؟ هذه الأهداف تستوجب الإقناع لا العنف والإكراه والتهديد والوعيد بالسلاح! هذه الأهداف والشعارات بحاجة إلى حزب سياسي، سلمي، مدني، وليس إلى حزب عسكريتاري! المقصد هنا: سلاح حزب عبدالله أوجلان، فقد مبررات وجوده. بل الحزب كلّه على بعضهِ، فقد أسباب وجوده ومبرراته، حين تخلّى الحزب عن شعار الدولة القوميّة “تحرير كردستان” الذي تأسس الحزب بموجبه ولأجل تحقيقه! زد على هذا وذاك، أنصار الحزب داخل تركيا؛ “حزب الشعوب الديموقراطي”، الموجودين في البرلمان التركي.

ثالثاً: سلاح “حزب الله” خرج من نطاق لبنان، متجهاً إلى سوريا، دفاعاً عن نظام الأسد. ووصل هذا السلاح إلى اليمن والعراق. كل ذلك، تحت الأمر والنهي الإيرانيين، والسمع والطاعة لمصالح إيران. أمّا سلاح حزب عبدالله، فبعد فشله العسكري في تركيا، نجح في استثمار الوضع السوري. ودخل هذا السلاح في صفقة مع نظام الأسد، تقضي بتسليمه المناطق الكرديّة، بهدف تحييد الكرد، ونكاية بتركيا. صحيح أن حزب عبدالله، لم يقاتل مع جيش النظام، كتفاً إلى كتف، إلاّ أن سلاح PKK، نجح في تشكيل سلطة استبداديّة وقامعة لكرد سوريا، وتسبب في احتلال مناطق عفرين، رأس العين، وتل أبيض، من قبل تركيا ومرتزقتها التكفيريين الإرهابيين. دخل هذا الحزب في صفقة أخرى مع الأميركيين، في الحرب على “داعش” وتسبب في فقدان ما يزيد على 15 ألف مقاتل ومقاتلة كرديّة في تلك الحرب، بالنيابة عن الجنود الأميركيين، فقط كي تزيل واشنطن اسم الحزب من لائحة المنظمات الإرهابيّة. إذاً، تحررت سوريا من “داعش” و15 ألف شاب وصبية كرديّة، صاروا تحت التراب، وبقي “حزب العمال الكردستاني” على لائحة المنظمات الإرهابيّة في أميركا وأوروبا.

بالتوازي مع استحواذ حزب عبدالله، عبر قوة سلاحه، على مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط، وتشكيله ما يسمّى بـ”الإدارة الذاتية الديموقراطيّة” وتحكّم الحزب بهذه الإدارة من خلف الستار، تماماً كما يتحكّم حزب الله بالحكومة اللبنانية، وبل أفظع من ذلك أيضاً. إلا أن لا أحد يسأل “حزب عبدالله” عن عوائد النفط والغاز، التي وضع يده عليها منذ 8 سنوات؟ ناهيكم بالأسلحة والمعونات الأميركيّة التي يفترض أنها وصلت إلى “قوات سوريا الديموقراطيّة”، ماذا فعل العمال الكردستاني بكل ذلك؟! أين ذهبت؟ ولماذا “الإدارة الذاتية الديموقراطيّة” لا تكشف بشفافيّة عن ميزانيّتها؟ ولماذا عوائد النفط والغاز، خط أحمر، يرفض العمال الكردستاني الاقتراب منه؟ لماذا لم تفتح هذه الإدارة شارعاً، أو تبني مدرسة واحدة، يضافان إلى ما تركه نظام البعث هناك!؟

تحررت سوريا من “داعش” و15 ألف شاب وصبية كرديّة، صاروا تحت التراب، وبقي “حزب العمال الكردستاني” على لائحة المنظمات الإرهابيّة في أميركا وأوروبا

عام 1983، وقّع كل من مسعود بارزاني وعبدالله أوجلان، اتفاقاً ينظّم العلاقة بين حزبيهما. بموجب ذلك الاتفاق، سمح بارزاني لحزب عبدالله أوجلان بالذهاب إلى مناطق جبال قنديل فقط، شريطة ألا يتدخّل في شؤون كردستان العراق. لكن العمال الكردستاني، الآن يسيطر على مساحة تعادل أو تزيد على 25 في المئة من كردستان العراق. ذلك أن مناطق الشريط الحدودي من زاخوح وحتى السليمانيّة، ومناطق زاب، غاره، مخمور، شنكال…، يسيطر عليها الحزب، جعلته يفرض شروطه وهيمنته على كردستان العراق، وكأنّه حزب كردي عراقي! حاليّاً هناك حرب إعلاميّة طاحنة بين حزب عبدالله أوجلان، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بسبب عدم انسحاب الأول من المناطق التي سيطر عليها، طيلة العقود الماضية. ويتحجج حزب عبدالله بوجود الأتراك. بينما الأتراك يبررون وجودهم بوجود حزب (PKK). طبعاً، مبرر حزب عبدالله، واهي وهشّ. لأن وجود الأتراك، يفترض بالحزب أن ينقل قواته من كردستان العراق إلى كردستان تركيا، حيث يفترض، بل يجب أن يكون سلاح حزب عبدالله أوجلان، لمقارعة الجيش التركي هناك. ذلك أن طريق تحرير ديار بكر لا يمرّ من أربيل، دهوك، سنجار… إلخ! ما يعني أن سلاح هذا الحزب، لم يعد كابوساً جاثماً على صدر الكرد السوريين وحسب، وبل صار يهدد أمن كردستان العراق واستقراره أيضاً.

رابعاً: سلاح “حزب الله” اللبناني استفادت منه كل من إيران وإسرائيل. الأولى، على صعيد توسيع مناطق النفوذ. والثانية، على صعيد تقديم صورتها كمظلومة ومستهدفة من سلاح هذه الجماعة الإيرانيّة– اللبنانيّة. استفادة نظام الأسد من سلاح “حزب الله”، وتأتي في سياق المنفعة الإيرانيّة. أمّا سلاح حزب عبدالله، فقد استفادت منه أنظمة الشرق الأوسط؛ “السوري، الإيراني، العراقي، التركي”، واستفادت منه اليونان، أرمينيا، روسيا وأميركا. تحوّل سلاح هذا الحزب. المتضرر الوحيد منه، هو الشعب الكردي. هذا السلاح خدم القضيّة الكرديّة من 1984 ولغاية 1994. لكن في ما بعد، تحوّل إلى وبال على هذا الشعب.

يقدّم حزب عبدالله نفسه على أنه حركة تحرر وطنية، اجتماعية، كرديّة وعالميّة، وسلاحه دافع عن الكرد في مواجهة تنظيم “داعش”، وهو يطالب الكرد بعبادة هذا السلاح، وإبداء كل أشكال السمع والطاعة لهذا السلاح! بحيث صار يعتبر سلاحه فوق القضيّة الكرديّة، وفوق مصالح الكرد وحقوقهم. في حين يفترض به العكس، إذ يكون السلاح في خدمة القضيّة الكرديّة، لكن حوّل الحزب سلاحه إلى قضيّة وجود. وإذا كانت تركيا غير جادّة في حواراتها السلميّة مع حزب عبدالله أوجلان. وهذا صحيح. لكن الصحيح أن الحزب أيضاً، غير جادّ في التخلّي عن سلاحه الذي يعتبره إكسير وجوده.

تشتين غونغور

عام 1982، وفي المؤتمر الثاني لـ”حزب العمال الكردستاني”، وقف تشتين غونغور (اسمه الحركي سمير: أحد مؤسسي الحزب، ومسؤول منظمة الحزب في أوروبا)، وأعلن انتقاده لبروز المظاهر الدكتاتوريّة لزعامة عبدالله أوجلان، وتفرّده بقرارات الحزب. وانفصل عن الحزب. قام الأخير وزعيمه بشيطنة سمير على أنه ضد اتخاذ قرار الحزب البدء بالدعاية المسلّحة والتوجّه إلى الكفاح المسلّح. فاغتيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 1985.

عام 1990، وفي المؤتمر الرابع لـ”حزب العمال الكردستاني”، وقف أحد مؤسسيه؛ محمد شنر، وأعلن عن مشروع إصلاحي للحزب، على أن مرحلة الكفاح المسلّح وصلت إلى الإشباع، وينبغي على الحزب الذهاب إلى الاعتصامات والتحرّكات الجماهيريّة، والتركيز على العمل السياسي، وفك خناق الستاليتيّة عن الحياة في الحزب. تم اعتقاله بأمر من أوجلان. وحين هرب من سجن الحزب،  تعرّض للاغتيال في القامشلي. وعلى رغم أن إصابته لم تكن بليغة، إلاّ أن مخابرات نظام الأسد، منعت الأطباء في مستشفى القامشلي من تزويده بالدم والمعالجة، حتى فارق الحياة عام 1991، بسبب النزف.

عام 1996، صرّح شمدين ساكك، عضو اللجنة المركزيّة، وأحد أبرز القادة العسكريين في الحزب، بأن الكفاح المسلّح مع تركيا، صار يستنزف الحزب والشعب الكردي، في مواجهة دولة عضوة في الناتو، مدعومة من أميركا وإسرائيل والعالم أجمع. وعلى الحزب البحث عن خيارات سياسية. وقتها، أجرى أوجلان محاكمة لساكك، في دمشق، وأصدر حكم الإعدام في حقّه، مع وقف التنفيذ. وتمت شيطنة هذا القيادي، إلى أن هرب إلى تركيا، بمساعدة “الحزب الديموقراطي الكردستاني”، عام 1998.

أوجلان، بعد اعتقاله ومحاكمته، صار ينادي بمطالب أقل بكثير جداً، مما كان طالب به سمير، وشنر وساكك. وبل هؤلاء الثلاث، تعتبر مطالبهم متطرّفة وثوريّة جداً قياساً بمطالب أوجلان وحزبه الآن.

حاصل القول: يحتفل حزب عبدالله أوجلان في 27 تشرين الثاني بذكرى تأسيسه الثانية والأربعين. وما من أحد يمكنه مطالبة الحزب بإجراء جردة حساب نقديّة حيال جدوى سلاحه، على رغم أن أوجلان صرّح في آذار/ مارس 2013، بأن مرحلة الكفاح المسلّح، صارت خارج التاريخ. ولكن الحزب لمّا يزل مستميتاً في الحفاظ على سلاحه. طبقاً لرأي أوجلان، فحزبهُ حالياً خارج التاريخ، لاستمراره في حمل السلاح. وما زال حزب عبدالله أوجلان، يسقي الشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق وايران، كأس الدم والخسارات والحروب، التي تطحن الكرد، وتصب نتائجها في طاحونة الأنظمة التي تضطهد الكرد.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى