مقالات

“أنت لا تعرف أي شيء” ونصائح أخرى في الكتابة من توني موريسون

ترجمة كريم عبدالخالق

لا يمكنني أن أُفكر في كاتبٍ آخر يحبه العالم مثل “توني موريسون”. كتاباتها رائعة، تراثها لا غبار عليه، وهي دائمًا تُظهر عبقريتها في كلّ فرصة. كانت أيضًا تُحاضر في جامعة برينستون، وأعتقد أنه من الآمن أن أعتقد أنها تعرف شيئًا أو اثنين عن رعاية العقول الشابة. لذا بحثتُ في مقابلاتها وخُطبها، لأعرف رأيها في الكتابة.

اكتب ما تريد أن تقرأه

كتبتُ الكتاب الأول لأنني أردت أن أقرأه. ظننت أنَّ كتابًا من هذا النوع، بهذا الموضوع – عن هؤلاء الفتية السود الأكثر عرضة للهجوم، الأكثر تهميشًا، والأكثر تحقيرًا- لم يكن موجودًا أبدًا في الأدب. لم يكتب أحدٌ عنهم على الإطلاق. ولأنني لم أجد كتابًا عن ذلك، فكرت “حسنًا، سأكتب ذلك ثم أقرأه”. لقد كانت حقًا الرغبة في القراءة هي ما جعلتني أكتب. -من مقابلة عام 2014 مع مجلة NEA arts

اعرف كيف تعمل بطريقة أفضل

أُخبر تلامذتي أن واحدًا من أكثر الأمور أهمية التي يجب أن يعرفوها، هو كيف يكونوا في أفضل حالاتهم الإبداعية. يجب أن يسألوا أنفسهم، ما هي الغرفة المناسبة من أجلهم؟ هل هناك موسيقى؟ هدوء؟ هل هناك صخب في الخارج أم راحة نفسية؟ ماذا أحتاج من أجل أن أحرّر خيالي؟ -من مقابلة the paris Review عام 1993

استخدم العالم المحيط بك

كلّ شيءٍ أراه أو أفعله، المناخ والماء، المباني.. كل شيء مميزٌ حقًا وأنا أكتب. إنه مثل قائمة، أو صندوق عدة كبير، ويمكنني أن أختار ما أشاء. حين لا أكتب، أو الأكثر أهمية، حين لا أملك شيئًا في ذهني لأكتبه، وقتها أرى فوضى، ارتباك، وانعدام النظام. -من مقابلتها عام 2009 مع O Magazine

دع الشخصيات تتحدث عن نفسها

أحاول حقًا جاهدة، حتى لو كانت هناك شخصية ثانوية، أن أسمع سطورها التي لا تُنسى. إنها تطفوا في رأسك وأنت تكتبها، مثل الأشباح أو الأحياء. لا أصفهم بدقة عادة، فقط خطوط عريضة. لا تعرف عادة ما هو طولهم، لأني لا أريد أن أجبر القارئ على رؤية ما أرى. مثل سماع الراديو وأنت صغير. كنت وأنا صغيرة أبني التفاصيل. لقد قال “أزرق” ويجب أن أتخيل أية درجة من الأزرق. أو إذا وصف أمر ما بطريقة واحدة فقط، يجب أن أراه كذلك. الأمر يعتمد على المشاركة. -من مقابلة عام 2014 مع مجلة NEA arts

انفتح

الأهم أن تنفتح، لا أن تخربش إلى أن تصل لنتيجة، أن تحفر في التفاصيل، لا أن تبني شيئًا، بل تنفتح على المشهد وتؤمن أن ما لا تعرفه سيكون مُتاحًا لك. الأمر أكبر من إدراكك أو ذكائك أو حتى مواهبك؛ إنّهُ في الخارج في مكان ما ويجب أن تتركه يتغلغل داخلك. -من مقابلتها عام 2009 مع O Magazine

لا تقرأ عملك علانية إلا بعد أن تنتهي.

أنا لا أثق بالأداء. يمكن أن أتلقى رأيًا يجعلني أظن أن ما كتبته كان جيدًا في حين أنه ليس كذلك. الصعوبة بالنسبة لي في الكتابة -من بين العديد من الصعوبات-  أن أكتب لغة تنجح جيدًا على الورق لقارئ لا يسمع أي شيء. من أجل هذا، يجب على المرء أن يعمل جيدًا على “ما بين” السطور. ما لم يُقل هو المقياس والإيقاع، وهكذا. لذا، ما لا تكتبه هو ما يُعطي ما كتبته القوة. -من مقابلة the paris Review عام 1993

لا تشتكِ

أعتقد أن بعض جوانب الكتابة يُمكن تعليمها. بالطبع، لا يمكن أن تعليم الرؤية والموهبة. الثقة، لا يمكن أن أصنع الكثير حولها. أنا صارمة جدًا حول ذلك. فقط أقول لهم: يجب أن تفعل ذلك، لا أريد أن أسمع شكوى عن صعوبة الأمر. لا أتساهل مع هذه الأمور، لأن أغلب الكُتاب قد كتبوا تحت ضغط كبير، وأنا من ضمنهم. الشكوى من صعوبة الكتابة أمر سخيف. ما يمكنني أن أفعله جيدًا هو ما اعتدت أن أفعله، وهو التحرير. يمكنني أن أتتبع حبل أفكارهم، أرى أين تأخذهم لغتهم، أقترح بعض السُّبل الأخرى. يمكنني أن أفعل ذلك، يمكنني أن أفعل ذلك جيدًا. أحب أن أتعرض للمسوّدات. -من مقابلة عام 1998 مع مجلة صالون

لا تكتب عما تعرف

قد أكون مخطئة حول هذا، ولكن يبدو أنه رغم خيالية الكتابات، فإنَّ كتابات الشباب عادة ما تكون عن أنفسهم. الحبُّ والموت وأشياء أخرى. لكن حبي، موتي، أشيائي. الجميع مجرد شخصيات ثانوية في هذه المسرحية. حين كنت أُدرّس الكتابة الإبداعية في جامعة برينستون، قيل [لطلابي] طوال حياتهم أن يكتبوا ما يعرفونه. دائمًا أبدأ منهجي بقول “لا تُعر أي إهتمام لهذا”. أولًا، لأنك لا تعرف أي شيء، ثانيًا لأني لا أريد أن أقرأ عن حبك الحقيقي، أمك، أبيك وأصدقائك. فكر في شخص لا تعرفه. ماذا عن نادلة مكسيكية في ريو غراندي بالكاد تتحدث الإنجليزية؟ ماذا عن جدة في باريس؟ أشياء خارج مخيمهم الخاص. تخيل، اخلق. لا تُسجل ثم تحرّر حدثًا ما عايشته. كنت دائمًا منبهرة بتأثير ذلك. لقد فكروا تمامًا خارج الصندوق حين أُعطيت لهم رخصة تخيل شيء خارج وجودهم تمامًا. أعتقد أنه تدريب مناسب لهم. حتى لو انتهى بهم الأمر لكتابة سيرة ذاتية، يمكنهم أن يتأملوا أنفسهم بعيون غريبة. -من مقابلة عام 2014 مع مجلة NEA arts

احترس من العمل الزائد عن اللزوم

هذه [الفقرات] التي تحتاج لإعادة كتابة أعمل عليها طالما أقدر. أعني أني راجعت ست مرات، سبع مرات، ثلاثة عشرة مرة. لكن هناك خط فاصل بين المراجعة والتخريب، العمل كثيرًا حتى تقتل كتابتك. من المهم أن تدرك جيدًا متى تكون قاتلًا لكتابتك؛ حين تبدأ في قتل كتابتك لأنها ليست جيدة، عليك أن تتخلص منها. -من مقابلة the paris Review عام 1993

احتضن الفشل

ككاتبة، الفشل بالنسبة لي مجرد معلومة. إنه مجرد خطأ فعلته وانا أكتب، أو أمر غير دقيق أو غير واضح. أدرك الفشل – وهو أمر مهم؛ بعض الناس لا يدركوه – وأصلحه، لأنه بيانات، معلومات، معرفة ما لن يُفلح. هذه هي إعادة الكتابة والتحرير.

مع الفشل الفيزيائي، الكبد، الكلى، القلب، شيء آخر يجب أن يُفعّل، أمر ترميمي ليس بيد المرء نفسه. لكن إذا كان الأمر بين يديك، يجب وقتها أن تنتبه جيدًا، عوضًا عن الإحباط والإكتئاب والشعور بالعار. لا شيء من هذا يفيد. كأنك في معمل وتعمل على تجربة مستخدمًا المواد وفئران التجارب، وفشلت التجربة. لم يظهر المُركَب. وقتها لا تهرب من المعمل. بل تتأمل المكونات وتدرك الخطأ الذي حدث ثم تصلحه. إذا نظرت [للكتابة] على أنها معلومات، يمكنك أن تقترب أكثر من النجاح. -من مقابلة عام 2014 مع مجلة NEA arts

تعلّم كيف تقرأ وتنتقد أعمالك

الناس تقول، أكتب لنفسي، قولٌ سخيف ونرجسي، لكن إذا كنت تعرف كيف تقرأ أعمالك -مع المسافة النقدية المناسبة- سيصنع هذا منك كاتبًا ومحررًا أفضل. حين أُدرّس الكتابة الإبداعية، أتحدث عن أهمية تعلم كيف تقرأ كتابتك؛ لا أعني أن تستمتع بها لأنك كتبتها. أعني، ابتعد عنها، واقرأها كأنك تراها لأول مرة في حياتك. انتقدها بهذا الشكل. لا تتفاعل مع جُملك المثيرة وكل هذه الأمور.. -من مقابلة the paris Review عام 1993

اسعَ إلى القداسة

ما سأقوله سيبدو في غاية الكِبر ، لكن أعتقد أن الفنان، سواء كان رسامًا أو كاتبًا، يجب أن يكون مقدسًا. دائمًا له علاقة بالرؤية، بالحكمة. يمكن أن تكون لا أحد، لكن الرؤية من زاوية الكتابة أمر مقدس، يشبه الآلهة. أعلى من الحياة العادية وإدراك البشر. أن تعلوا بمكانتك، وطالما أنت فوق، حتى لو كنت شخصًا سيئًا – خاصة لو كنت شخصًا سيئًا- فأنت ترى أشياء تتجمع، وتهزك، أو تحركك، أو تبين لك أمرًا لم تكن لتدركه خارج فنك. إنها حقًا رؤية فوقية أو مستقبلية. -من مقابلة مع Granta

اصنع الأفضل مما لديك

لديّ روتين رائع للكتابة لم أحصل عليه أبدًا، وهو أن أحصل على تسعة أيام متصلة دون أن أكون مرغمة على الخروج من البيت أو الرد على الهاتف. وأن أحصل على مساحة تكفي لعدة مناضد كبيرة. انتهى بي الحال مع مساحة كهذه [رسمت مربع صغير على الطاولة] في كل مكان أذهب إليه، ولا يمكنني الهرب من هذا. أتذكر دائمًا المكتب الصغير الذي كانت تكتب عليه إيميلي ديكنسون، وأضحك كلما تخيلتها. لكن هذا كل ما سنحصل عليه: فقط هذه المساحة الصغيرة ومهما كان نظام الملفات لديك، أو كم مرة تعيد تنظيمه – الحياة، الملفات، الرسائل، الطلبات، الدعوات، الفواتير. لا يمكنني أن أكتب بانتظام. لم أقدر أن أفعل ذلك أبدًا- خاصة وأنَّ لديّ وظيفة من التاسعة إلى الخامسة. يجب أن أكتب بين هذه الساعات على عجل، أو أقضي العديد من نهايات الأسبوع والساعات قبيل الفجر في الكتابة..

لقد حاولت أن أتغلب على عدم الحصول على مساحات مناسبة بأن أرتب أولوياتي، لذا حين يحدث أمر ما، شاهدته أو فهمته، أو كانت الإستعارة قوية كفاية، وقتها يمكنني أن أضع كل شيء جانبًا وأكتب لأوقاتٍ مستمرة. -من مقابلة the paris Review عام 1993

لغة الاضطهاد هي لغة ميتة

النهب المنهجي للغة يُمكن إدراكه من ميول أصحابها للتخلي عن الدقة، التعقيد، والصفات التوليدية من أجل التهديد والإخضاع. لغة الاضطهاد تصنع أكثر من تقديم العنف؛ إنها عنف في حد ذاتها؛ تصنع أكثر من تقديم تحجيم المعرفة؛ إنها تُحجم المعرفة. سواء كانت تحجب اللغة الأصلية للدولة أو لغة مُصنعة من قبل الميديا؛ سواء كانت اللغة المتفاخرة لكن المتكلسة للأكاديمية أو لغة السلع المدفوعة للعلم؛ سواء كانت اللغة الخبيثة للقانون دون أخلاقيات، أو لغة مصممة من أجل الأقليات المغتربة، مخبئين عنصريتهم بين طيات أدبهم. يجب أن يتم رفضها، تغييرها وكشفها. إنها اللغة التي تشرب الدماء، نقاط الضعف، وتجهز أحذية الفاشية أسفل ملابس التحضر و المسؤولية والوطنية حيث تتحرك بلا هوادة إلى خط النهاية، وهناك اللغة الجنسية، واللغة العنصرية واللغة الإيمانية. كلها نماذج نمطية لحراسة لغة التمكين. ولا تشجع أي من المعرفات الجديدة أو تشجع تبادل الأفكار..

اللغة لا يمكن أن “تُثبّت” العبودية، الإبادة الجماعية والحرب. ولا يجب أن تتطلع إلى فعل ذلك.

سواء كانت كبيرة، صغيرة، مختبئة، متفجرة أو رافضة للقداسة؛ سواء كانت ساخرة أو كانت بكائية دون حروف، الكلمة المختارة، الصمت المختار، اللغة غير المستغلة ترتقي نحو المعرفة، لا إلى خرابها. لكن من لم يسمع عن أدب تم منعه لأنه يُلقي علامة استفهام؛ فقد مصداقيته لأنه انتقادي؛ تم حذفه لأنه مجرد بديل؟ وكم منا غاضب من فكرة اللسان الذي دمر نفسه؟ -من خطبة نوبل للأدب عام 1993

موقع تكوين

المصدر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى