سياسة

الخلاف التركي ــ الروسي: أبعد من إدلب؟ الجزء الثالث، ملف متجدد يتم تحديثه كل يوم –

==============================

تحديث 2 أذار 2020

—————————–

تابع مقالات الأسابيع الماضية عن نفس الموضوع

الخلاف التركي ــ الروسي: أبعد من إدلب؟ -مقالات مختارة – 1 –

الخلاف التركي ــ الروسي: أبعد من إدلب؟ -مقالات مختارة – 2

———————————–

قنابل وتصريحات، مآسٍ وتحليلات/ بكر صدقي

قتل النظام، بموافقة روسية، 34 جندياً تركياً، فيما شكل نقطة تحول هامة في الصراع الدائر في إدلب. وجاء الرد التركي بسلسلة من الهجمات لا أحد يعرف، على وجه اليقين، خسائر النظام الناجمة عنها، بالنظر إلى أن معلومات وزارة الدفاع التركية بهذا الخصوص تبدو مبالغ فيها (طائرة بدون طيار، 8 طائرات هليكوبتر، 103 دبابات، 72 راجمة ومدفعية، 3 بطاريات صواريخ دفاع جوي، 2212 جندياً بين قتيل وجريح حسب وزير الدفاع خلوصي آكار، في تصريحات أدلى بها بعد ظهر الأحد قبل إسقاط طائرتي السوخوي اللتين اعترف إعلام النظام بسقوطهما).

على هامش هذه الأرقام، لا بد من الإشارة إلى أن العصابة الحاكمة في دمشق لا تتأثر بارتفاع خسائرها البشرية وغير البشرية، مقابل الصدمة التي تلت خبر مقتل الجنود الأتراك، والصرخات المطالبة بالانتقام لهم. ومقابل أعداد غير معروفة من قتلى ميليشيات النظام، برز خبر مقتل نحو عشرة من “مجاهدي” حزب الله الإيراني في لبنان، فهؤلاء وراءهم دولة بحجم إيران ودويلة تابعة في الضاحية الجنوبية، في حين أن من يقتلون في صفوف ميليشيات النظام لا أحد يهتم بهم غير أهاليهم.

لا يمكن الجزم بشأن آفاق التصعيد الميداني التركي فيما يتجاوز الانتقام لقتلى الجيش التركي كضرورة داخلية لامتصاص الصدمة. أما الأهداف المعلنة التي لخصتها تركيا في وجوب انسحاب قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، فلم تجد آذاناً مصغية في موسكو. موسكو التي أغلقت أبواب الكرملين أمام أردوغان وأعطت مقاتلات النظام إحداثيات القافلة العسكرية التركية لتضربها، أرادت فرض “رؤيتها” على تركيا بفظاظة. فجاء الرد التركي، بعد اجتماع أمني – سياسي رفيع المستوى في القصر الرئاسي استمر6 ساعات، بشن هجمات كبيرة متزامنة على مواقع قوات الأسد وبعض مطاراته، بالتوازي مع اتصالات مع أبرز الحلفاء في الناتو، واجتماع عاجل للحلف لم ينتج عنه وعد بدعم عسكري مباشر، بل مجرد دعم سياسي لا ينفع في المواجهة الخطرة بين تركيا وروسيا.

ومن جهة أخرى تواصلت الاجتماعات بين وفدين تركي وروسي في أنقرة بحثاً عن توافق على احتواء التصعيد، ثم كانت المكالمة الهاتفية بين بوتين وأردوغان، أعلن الكرملين أنهما اتفقا خلالها على احتواء التصعيد و”مواصلة الحرب على الإرهابيين”! مع تراجع بوتين عن رفضه لقاء أردوغان، فقد أعلن الكرملين أن اللقاء سيتم في موسكو في الخامس من شهر آذار كما كانت تركيا تأمل. لكنه لن يكون لقاء رباعياً، بحضور كل من ميركيل وماكرون. أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فقد عرض على الرئيس التركي، بعد مقتل مقاتلي حزب الله، قمة ثلاثية تضمهما إلى بشار الكيماوي، وبغياب فلاديمير بوتين!

ومن نتائج الاجتماع الأمني المخصص للتباحث حول وسائل الرد على مقتل الجنود الأتراك، فتح الحدود الغربية لتركيا أمام عبور اللاجئين باتجاه الدول الأوروبية، في محاولة للضغط على تلك الدول لتقف مع تركيا في صراعها مع روسيا. وفتحت السلطات التركية أبواب مراكز احتجاز “المهاجرين غير الشرعيين” وقدمت لهؤلاء حافلات مجانية لنقلهم إلى البوابات الحدودية مع اليونان وبلغاريا. بل إن التلفزيون الرسمي التركي، بقناته الناطقة باللغة العربية، بثت “خريطة الطريق” من مختلف أنحاء تركيا باتجاه الحدود الغربية!

النازحون السوريون الفارون من جحيم قنابل بوتين والأسد، يجدون أمامهم الجدار الإسمنتي الذي يمنع عبورهم إلى تركيا، في حين فتحت تركيا حدودها الغربية فتدفق أكثر من 76 ألفاً منهم (حسب الرقم الذي أعلنه وزير الداخلية التركي) على أمل العبور إلى الدول الأوروبية. منع عبور من جهة وتشجيع على العبور من الجهة المقابلة. كما لو كان السوريون مجذومي هذا العصر الذين تتهرب جميع الدول من الاهتمام بمأساتهم. علق عشرات الآلاف في المنطقة المحايدة الفاصلة بين نقاط العبور التركية ونظيرتها اليونانية والبلغارية، في البرد والعراء. استخدمتهم تركيا كورقة ضغط، ولا تأبه الدول الأوروبية لمصيرهم. لا عزاء للسوريين الموزعين بين جحيم الأسد وجحيم مناطق “خفض التصعيد” والمنافي.

من المحتمل أن تواصل موسكو غض نظرها عن الرد الانتقامي التركي ضد ميليشيات النظام إلى حين اجتماع موسكو في الخامس من الشهر الجاري الذي سيحدد مصير الصراع الدائر ويرسي تفاهمات جديدة بين أنقرة وموسكو.

تلفزيون سوريا

——————————-

لن أعود إلى تركيا ولا أستطيع دخول اليونان… “الحدود قدرنا”/ أحمد حاج حمدو

وفقاً لمعاينة قام بها “درج” لمحطّات انطلاق اللاجئين، فإن النسبة الأكبر ممّن توجّهوا نحو الحدود اليونانية هم من الأفغان والإيرانيين ثم الصوماليين ثم السوريين، الذين كانت أعدادهم الأقل.

في شارع “وطن” وسط اسطنبول، كانت امرأة خمسينية تمسك بكلتا يديها بوجه شابٍ يبدو أنّه ابنها، وتواصل تقبيله من مناطق مختلفة من وجهه من دون توقّف، بينما هو يحاول تهدئتها.

استمرَّ المشهد بضع ثوانٍ قبل أن تتوّقف عن احتضانه، بينما هو حزم حقيبته على ظهره، ثم أخرجت المرأة من جيبها موزة وأعطته إيّاها قائلةً له: “خليها معك بيجوز تجوع والمنطقة مقطوعة”.

عندما اقتربتُ منه، وعرف أنّني صحافي، أشار لي بيده حتى أبتعد منهما، يبدو أنّه رفض تصوير أمّه وهي باكية، كما أخفى دمعته وصعد نحو الحافلة.

في الشارع ذاته، لم يكن لأحدٍ أن يجد الوقت لمشاهدة هذا المشهد التراجيدي، كلٌّ يسعى نحو هدفه في إيجاد حافلةٍ تقلّه إلى “النقطة الصفر” على الحدود بين اليونان وتركيا.

على بعد أمتار من المشهد ذاته، يقف رجل سوري، وبيده فنجان بلاستيكي من القهوة وهو يصيح “عاليونان بمية ليرة”، محاولاً تعبئة الحافلة بالمهاجرين ليستلم الحافلة التي تليها، بينما وضع نشطاء وبلديات، حافلات مجّانية على بعد مئات الأمتار من الشارع ذاته لنقل المهاجرين مجّاناً.

ذلك كله حدث بتصريحٍ واحد، قلب الأمور رأساً على عقب، وأعاد مشهد “ذروة اللجوء” التي حدثت عام 2015 إلى الأذهان.

تزايد الأعداد على الحدود

ما حدث أنّه في ليل الخميس – الجمعة (27- 28 شباط/ فبراير)، سرّب مسؤول تركي خبراً لوكالة “رويترز” أكّد فيه أن “تركيا لن تعيق حركة المهاجرين الراغبين باللجوء إلى أوروبا”، وما إن نُشر هذا الإعلان بدأت البلديات والنشطاء يجهّزون حافلات تنطلق من المناطق الحيوية في اسطنبول نحو الحدود اليونانية.

ومنذ صباح الجمعة، بدأ مئات اللاجئين يتمركزون على النقاط الحدودية التركية، من دول عدة وهي أفغانستان، إيران، الصومال، العراق، سوريا.

وفقاً لمعاينة قام بها “درج” لمحطّات انطلاق اللاجئين، فإن النسبة الأكبر ممّن توجّهوا نحو الحدود اليونانية هم من الأفغان والإيرانيين ثم الصوماليين ثم السوريين، الذين كانت أعدادهم الأقل.

وحتّى الآن فشل معظم المحتشدين على الحدود اليونانية في الدخول، باستثناء قلّة قليلة نجحت في التسلّل، البعض منهم تم إرجاعه من الداخل اليوناني إلى تركيا بعد مصادرة هواتفهم المحمولة وإجبارهم على خلع ملابسهم والعودة إلى تركيا “عُراة”.

وفقاً لآخر إحصاء صادر عن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، فإن عدد المهاجرين غير النظاميين الذين غادروا من ولاية أدرنة شمال غربي البلاد باتجاه أوروبا بلغ أكثر من 100 ألف شخص”.

الرئاسة التركية نشرت بياناً بالتزامن مع ازدياد عدد اللاجئين قالت فيه: “عدّلنا سياستنا ولن نمنع اللاجئين من مغادرة تركيا، نظراً إلى محدودية مواردنا وموظفينا، لذلك نركّز على التخطيط لحالات الطوارئ في حال حدوث موجات هجرة جديدة من سوريا، بدلاً من منع اللاجئين الذين يعتزمون اللجوء إلى أوروبا”.

وأضافت الرئاسة: “نواصل تطبيق “الحماية الموقتة” للسوريين في بلدنا. لم يُطلب من أي من إخواننا وأخواتنا السوريين المغادرة، إذا اختاروا البقاء فيمكنهم ذلك، وإذا اختاروا المغادرة فيمكنهم ذلك أيضاً”.

ثلاثة أسباب للهجرة

بالنسبة إلى الاجئين السوريين، فهناك ثلاثة أسباب، دفعت أعداداً منهم لمحاولة الوصول إلى اليونان، وفقاً لمقابلات أجراها “درج” معهم.

خلال صعوده في الحافلة للانتقال إلى الحدود اليونانية، التفت الشاب السوري ياسر، وأبلغنا أنه “لا يملك وثائق ويخاف من الترحيل في المستقبل”، وذلك عندما كنّا نحاول سؤاله عن سبب رغبته في الوصول إلى أوروبا، ثم صعد إلى الحافلة وأكمل طريقه.

الوثائق في تركيا وعلى رأسها “بطاقة الحماية الموقّتة” أصبحت هاجساً لدى معظم السوريين في الأشهر الماضية في تركيا، لا سيما أن هذه البطاقة تتيح لهم الوجود القانوني، وعلى أساسها يحصلون على التعليم في المدارس والجامعات والخدمات الصحّية وغيرها من الأمور الحياتية الضرورية، وبما أن نسبةً منهم لا تملك هذه البطاقة، في حين يتعثّر الحصول عليها من المدن الرئيسية مثل اسطنبول وأنقرة، فإن الهجرة كانت حلّاً بديلاً.

“تركيا قست على عائلتي كثيراً”، بهذه الجملة حاول أحمد بكّور، المنحدر من ريف دمشق تلخيص سبب إقدامه على الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى اليونان. أحمد قرّر الدخول في هذه المقامرة مع زوجته وطفلته الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، ويقول إنه يعلم جيّداً صعوبة هذه الرحلة وخصوصاً بالنسبة إلى طفلته وزوجته، ولكنّه يواسي نفسه “وجع ساعة ولا كل ساعة”.

منذ وصوله إلى تركيا قبل 4 سنوات، كان أحمد يعمل 16 ساعة يومياً في ورشة خياطة، ومع ذلك لا يستطيع تأمين أساسيات الحياة لعائلته بسبب راتبه الذي لا يزيد عن 1800 ليرة تركية (نحو 300 دولار)، فشل في إرسال ابنته إلى الروضة بسبب تكلفتها المرتفعة، كما تعرّض منزله للسرقة في تركيا، وهي مشكلات تُضاف إلى أن بطاقة الحماية الموقّتة الخاصة به صادرة عن اسطنبول، في حين أن بطاقة زوجته صادرة عن ولاية أضنة، وهو ما يجعله يفشل في تسيير أي معاملة حكومية قانونية لعائلته.

رفض أحمد الخوض في نقاش عمّا قد يحدث لطفلته في هذه الرحلة، يبدو أنّه كان مغلوباً على أمره ولا يريد الحديث أكثر ومن ثم تحمّل تأنيب الضمير.

بالنسبة إلى معظم الشابات والشباب الذين قابلناهم، والذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 30 سنة، فإنّهم يجمعون على أنّهم يبحثون عن فرص أفضل لمستقبلهم، لأن الحياة في تركيا لم تحمل لهم أي مستقبل واضح، بما في ذلك إتمام الدراسة الجامعية التي فشلوا في إتمامها في سوريا، وإيجاد فرص عمل بشهاداتهم تؤمّن لهم حياةً كريمة.

وائل مصطفى، شابٌ سوري يحمل شهادة في طب الأسنان، ولكنّه منذ أكثر من عامين يعمل في ورشة للخشبيات، لأنّه لم يتمكّن من العمل في شهادته.

عن ذلك يقول وائل: “هناك شروط للعمل، أوّلها أن أكون تركي الجنسية، وأن أتقن اللغة التركية، ثم تعديل الشهادة عبر الدراسة لمدّة ثلاث سنوات في الجامعات التركية، لكي أتمكّن من افتتاح عيادة وممارسة مهنتي”، موضحاً أن هذه الشروط تحتاج إلى راحة مادّية تمكّنه من التركيز على دراسته لسنوات، ولكنّه رمى شهادته وانخرط في أي عمل بحثاً عن لقمة العيش.

في الطريق إلى اليونان

الوصول إلى اليونان يتم إمّا عبر الحافلات المجّانية التي خصّصتها البلديات، أو عبر حافلات وسيّارات خاصّة.

تجتمع هذه الحافلات في منطقة الفاتح، إمّا في ميدان أكسراي، أو قرب محطة مترو “توب كابي”، أو قرب ميدان “زيتون بورنو” في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول.

من هذه الأماكن تبدأ رحلة المجهول، يختار المهاجرون الحافلات المناسبة لهم، البعض منهم جاء وحيداً، لذلك يحاول الاقتراب من التجمّعات للبحث عن أحدٍ من “أبناء جلدته” يشاركه ونس الرحلة.

يمتد الطريق بين اسطنبول وأدرنة الحدودية على مدار أربع ساعات. عند الاقتراب من النقاط الحدودية هناك الكثير من النقاط التابعة للجيش التركي، تقوم بإرشاد المدنيين إلى النقاط التي لا ضغط كبيراً عليها، إذ يتم توزيع المهاجرين على نقاط عدة، تتشارك جميعها في جزئية واحدة، أنّها تقع في مناطق لا نشاط بشرياً فيها، لا منازل ولا أسواق ولا محال تجارية ولا حتّى أضواء للإنارة.

عقب النزول من الحافلة، يمشي المهاجرون نحو ساعة للوصول إلى النقطة المطلوبة، ويتجمّعون هناك قرب النقطة، ليجدوا أمامهم عناصر من الجيش اليوناني مدجّجين بكل أنواع الأسلحة بانتظارهم على الحدود.

يقف فراس، وهو شاب سوري قرب إحدى النقاط، منذ ثلاثة أيام، ويصر على أنّه سوف يدخل على رغم تعرّضه لأربع قنابل مسيّلة للدموع، ويُمني النفس بأنّه مع الوقت سوف يزداد عدد المهاجرين أكثر وبالتأكيد سوف تفلت الأمور من يد الجيش اليوناني ليبدأ الدخول الجماعي إلى الخطوة الأولى نحو أوروبا.

ويقول فراس: “لن أعود إلى تركيا ولا أستطيع الدخول إلى اليونان” ثم يضيف: “الحدود قدرنا”.

المبيت في العراء

منذ بدء توافد المهاجرين، لم تفارق الصحافية السورية ديما السيد الحدود اليونانية، تنطلق كل يوم صباحاً مرافقةً دفعات المهاجرين، وتعود في وقتٍ متأخّر بعد منتصف الليل. من هناك تحاول ديما بث فيديوهات مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لنقل ما يحصل، متنقّلةً بين نقطةٍ حدودية وأخرى.

تتّفق ديما، على أن السبب الأساسي للهجرة هو صعوبة تلبية متطلّبات الحياة وخصوصاً للعائلات، إضافةً إلى غياب الاستقرار والمستقبل عن الحياة في تركيا، إضافةً إلى الخوف من اللعبة السياسية التي قد تعيدهم إلى سوريا وهناك قد يواجهون مخاطر على حياتهم.

تتحدّث ديما لـ”درج” عن مشاهداتها على الحدود قائلةً: “من يذهب بشكلٍ شخصي، يكون قد حدّدً مسبقاً النقطة الحدودية التي يريد الذهاب إليها، في حين أن الذاهبين مع الحافلات المجّانية لا يختارون النقاط بل يتم توزيعهم عليها وفق الضغط”.

وتضيف: “في الليل تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، وتنعدم الإضاءة بشكلٍ كامل، بحيث لا يستطيع أحد أن يرى يده أمامه. عندما وصلتُ إلى إحدى النقاط التي وضعتنا الحافلة فيها، وُضِعنا في منطقة زراعية نائية، كان شكلها مخيفاً وفيها حيوانات وحشرات من مختلف الأنواع الخطرة، وفور النزول قرّرت أربع عائلات العودة إلى اسطنبول خوفاً على أطفالها”.

بحسب ديما، فإنه بالقرب من نقطة “أبسلا” الحدودية هناك مركز إيواء لينام اللاجئون هناك، ويتم توزيع بعض الاطعمة الخفيفة من قبل هيئات إغاثية تركية، ولكن بالنسبة إلى النقاط الأخرى، فلا يوجد أي نوع من المساعدة، ويضطر اللاجئون وعائلاتهم إلى النوم في العراء ليلاً.

عنف الجانب اليوناني

تُعتبر نقطة “بازار كولي” الحدودية، الأكثر خطراً، فهناك تندلع اشتباكات يومية بين الجيش اليوناني واللاجئين، يستخدم فيها الطرف اليوناني الرصاص المطّاطي والقنابل الغازية مسيّلة الدموع، وفي بعض الأحيان يتم إطلاق الرصاص الحي في الهواء لإبعاد اللاجئين من النقاط الحدودية، وقد وقعت إصابات نتيجة ذلك.

ولكن الفاجعة كانت عندما قُتل أول لاجئ سوري على الحدود اليونانية، بعد إطلاق الجيش اليوناني النار عليه، ما أدّى إلى إصابته، ووفاته بعد ذلك.

وفقاً لشهادة ديما، فإن الجيش اليوناني استنفر وكثّف نقاطه على الحدود، في محاولةٍ لمنع أي لاجئ من الدخول إلى الأراضي اليونانية.

ونشر شابٌ سوري مقطع فيديو يحتفل فيه مع عشرات اللاجئين بعبور الأراضي اليونانية، وأعطى الأمر للكثير من اللاجئين بالدخول.

ولكن الصحافية السورية آية سلطان نشرت صورةً معه من أحد مراكز الإيواء في الجانب التركي، حيث قبضت عليه القوات اليونانية وأعادته إلى الجانب التركي مع بقية اللاجئين.

في هذا السياق، قرر مجلس الأمن القومي، رفع مستوى الإجراءات الأمنية على الحدود الشرقية والبرية والبحرية للبلاد من قبل قوات الأمن والقوات المسلحة لمنع الدخول غير القانوني إلى البلاد.

وقرّر المجلس، التعليق الموقت لاستقبال طلبات اللجوء لمدة شهر واحد لمن يدخلون البلاد بشكلٍ غير شرعي، إضافةً إلى الإعادة الفورية لمن يدخلون بعد هذا القرار.

درج

—————————–

 هل من حق اليونان أو أي دولة منع اللجوء ولو بالقتل؟ الإجابة لدى القانون الدولي لشؤون اللاجئين

    كيف قتل الشاب السوري؟

    ما الفرق بين المهاجر واللاجئ والنازح؟

    ماذا تقول اليونان؟

    ماذا يحق للاجئ بحكم القانون الدولي؟

الأنباء عن إطلاق قوات حرس الحدود اليونانية الرصاص على الراغبين في اللجوء وسقوط شاب سوري صريعاً تطرح تساؤلاً مهماً بشأن ما يقوله القانون الدولي في هكذا حالة! وما الفرق بين اللجوء والنزوح والهجرة؟

كيف قتل الشاب السوري؟

اليوم الإثنين 2 مارس/آذار، قال مصدران أمنيان تركيان لرويترز إن مهاجراً سورياً كان يسعى للعبور من تركيا إلى اليونان لقي حتفه متأثراً بجروحه بعدما تدخلت قوات الأمن اليونانية لمنع عبور مهاجرين تجمعوا على الحدود.

كانت تركيا قد أعلنت الأسبوع الماضي عن فتح حدودها للسماح للمهاجرين بالعبور إلى أوروبا، وحاول أكثر من عشرة آلاف مهاجر المرور عبر الحدود البرية حيث أطلق الحراس الغاز المسيل للدموع على الحشود التي حوصرت في المنطقة الواقعة بين السياجين الحدوديين بين البلدين.

هذا الموقف المأساوي يطرح مجموعة من الأسئلة تتعلق بقضية اللجوء والحدود من الناحيتين القانونية والإنسانية، وما تفرضه نصوص القانون الدولي على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فيما يخص الهجرة واللجوء وكيف يكون الموقف إذا ما تعارضت القوانين الدولية مع القوانين المحلية لكل دولة على حدة.

ما الفرق بين المهاجر واللاجئ والنازح؟

نبدأ القصة من توضيح الاختلاف في التعريف بين الهجرة واللجوء والنزوح من منظور القانون الدولي؛ فنجد أن تعريف المهاجر هو “الإنسان الذي يتنقل بشكل فردي أو بشكل جماعي من مكان إلى آخر، في سبيل البحث عن وضع اجتماعي أفضل أو اقتصادي أو حتى  في سبيل الوصول إلى وضع ديني أو سياسي مناسب أكثر لمعتقداته وتوجهاته، مع العلم بأن انتقال الفرد من مكان إلى آخر في حالة الهجرة يكون بشكل إرادي وبرغبة من داخل الشخص المهاجر نفسه، ويظل يتمتع بحق العودة إلى بلده الأصلي والتمتع بحقوقه كمواطن”.

أما اللاجئ فهو مجموعة الأفراد الذين يتم إجبارهم على أن يتركوا منازلهم بسبب خوفهم من التعرض للظلم والعدوان وذلك لعدة أسباب ممكن أن تكون أسباباً دينية أو عسكرية أو إنسانية، وبحسب تعريف الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “اللاجئون هم أشخاص لا يمكنهم العودة إلى بلدهم بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد أو الصراع أو العنف أو ظروف أخرى أخلّت بالنظام العام بشكل كبير، وهم بالتالي بحاجة للحماية الدولية”.

وتم الاتفاق على تعريف عام للاجئين ورد في معاهدة الأمم المتحدة عام 1951 فيما يتعلق بوضع اللاجئين (المعاهدة الخاصة  في اللاجئين)، فيعرف اللاجئ على أنه من “بسبب مخاوف حقيقية من اضطهاد بسبب العرق، الدين، الجنسية، انتمائه إلى طائفة اجتماعية معينة أو ذات رأي سياسي، تواجد خارج البلد الذي يحمل جنسيته، وغير قادر، أو بسبب هذه المخاوف غير راغب في الاعتماد على حماية دولته أو العودة لبلده بسبب المخاوف من الاضطهاد”.

المصطلح الثالث النازح وهو الفرد أو الجماعة الذي ينتقل من منطقة جغرافية إلى منطقة جغرافية أخرى ضمن نفس الدولة، ويكون ذلك بشكل إجباري على الشخص النازح جراء تعرضه لمؤثر يهدد حياته، ومن الأمثلة على تلك المؤثرات المجاعات، الحروب، التصحر والجفاف، الكوارث البيئية، وأي سبب آخر يجعل النازح ينتقل إلى مكان آخر طمعاً في إيجاد ظروف أفضل سواء تم ذلك طوعاً أو كرهاً وبشكل مفاجئ واضطراري بسبب وجود نزاعات أو صراعات مسلحة أو تعد وانتهاك لحقوقهم الإنسانية أو بسبب العوامل الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير والزلازل أو حتى كوارث بسبب الإنسان.

ماذا تقول اليونان؟

أمس الأحد 1 مارس/آذار، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على تويتر إن اليونان عازمة على حماية حدودها، وحذر المهاجرين من أن بلاده ”ستردهم إذا حاولوا دخول البلد بطريق غير مشروع”، وقال أيضاً إنه سيزور الحدود البرية للبلاد مع تركيا في منطقة إيفروس يوم الثلاثاء ومعه رئيس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل.

ليسوا مهاجرين بل لاجئين

الملاحظ هنا أن اليونان وكذلك مسؤولي الاتحاد الأوروبي لا يستخدمون مصطلح “لاجئين” عند الإشارة لعشرات الآلاف من السوريين الذين وصلوا بالفعل للحدود اليونانية بعد أن فتحت أنقرة حدودها أمامهم، على الرغم من أن هؤلاء السوريون ليسوا “مهاجرين” بل هم “لاجئون” يفرون من جحيم الحرب، وذلك بتعريف القانون الدولي.

ماذا يحق للاجئ بحكم القانون الدولي؟

والفارق بين اللاجئ وطالب الهجرة – بتعريف القانون الدولي – يعني أنه لا يحق لأي دولة منع اللاجئين إليها هرباً من صراع مسلح يهدد حياتهم وهي الحالة التي تنطبق على السوريين الذين يحاولون دخول اليونان، وهنا نشير إلى ما تقوله اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي تم اعتمادها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي التي عرفت اللاجئ على أنه “الشخص الذي يريد اللجوء إلى بلد هرباً من الاضطهاد”.

المعاهدة في البداية كانت قاصرة على اللاجئين داخل أوروبا، ولكن تم تعديلها في عام 1967، لتشمل اللاجئين من جميع أنحاء العالم.

هذه المعاهدة لا تعطي اللاجئ الحق في الدخول فقط، لكنها أيضاً تمنحه الحق في ألا تتم إعادته إلى وطنه، إلا في الظروف القصوى.

وبالإضافة إلى عدم إعادتهم الى بلدانهم، يتمتع اللاجئون بالعديد من الحقوق الأخرى، بما في ذلك الحماية القانونية من الملاحقة بتهمة الدخول غير القانوني للدول المشتركة في المعاهدة، والحق في السكن والعمل والحصول على التعليم والحصول على المساعدات العامة والوصول إلى المحاكم والحق في الحصول على وثائق الهوية والسفر.

هذا بالطبع يفسر إصرار اليونان على عدم استخدام “لاجئين” عند الإشارة لعشرات الآلاف من السوريين الذين يحاولون دخول أراضيها، واليوم الإثنين أصدرت بياناً قالت فيه إن غالبية من يحاولون الدخول ليسوا سوريين وإنما هم أفغان وباكستانيون، وزعمت أنه لا يوجد سوريون من إدلب.

————————

إدلب: “السلطان” في مواجهة “القيصر”…/ ماجد كيالي

باتت العلاقة الروسية ـ التركية على المحكّ، تبعاً لتطور الأوضاع في سوريا، وتبعاً لمآلات الاختبار بين عناد السلطان (رجب طيب أردوغان) وصلافة القيصر (فلاديمير بوتين).

لم يعد الأمر يقتصر على مجرد تصريحات سياسية، إذ بات يشمل الاشتباك، ولو غير المباشر، على الأرض، وفي الجو، في نوع من إصرار كل طرف على فرض أجندته على الطرف الأخر.

والحال، فقد وجد أردوغان نفسه على عتبة الخروج من الملف السوري من بوابة إدلب، وهو شعور متأخّر بالطبع، في حين أخذ الغرور ببوتين الذي شعر أن بإمكانه فرض أجندته على تركيا، بتحجيم دورها، أو مكانتها، في الملف السوري.

في نقاش الصراع الدائر بين الطرفين، اللذين كانا بمثابة حليفين سيما في سوريا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، يفيد طرح الملاحظات الآتية:

روسيا كانت السباقة للتدخل العسكري المباشر في سوريا 2015، في حين حصل التدخل العسكري التركي المباشر في عملية “درع الفرات” (شمالي حلب) بعد سنة 2016، وبينما كان التدخل الروسي (سيما عبر سلاح الجو) يشمل سوريا كلها عدا شرقي الفرات فإن التدخل العسكري التركي (بقوات برية) اقتصر على الشمال السوري.

ثانياً، من حيث المشروعية لا يملك النظام شرعية دعوة أية دولة لإرسال قواتها للقتال في سوريا، لأن الدعوة ليست لصدّ اعتداء خارجي من دولة أخرى، وإنما لوأد تطلع الشعب الى الحرية والتغيير السياسي، ولأن الدعوة تتضمن إشراك الجيش الروسي في قتل وتشريد ملايين السوريين وتدمير عمرانهم (بمشاركة إيران وميليشياتها)، علماً أن ذلك يفتح على نقاش فكرة “السيادة”، فهل هي للحاكم أم لمجموع المواطنين، أي للشعب، باعتباره هو مصدر السيادة في النظم السياسية الجمهورية؟

ثم من أين تستمد روسيا (أو إيران) الشرعية بقصفها المدنيين السوريين، وتشريدها إياهم من بلدهم؟ ومثلا، فهل كان بإمكان الرؤساء مبارك والقذافي وبن على والبشير وبوتفليقة وعادل عبد المهدي دعوة روسيا أو غيرها أيضاً للدفاع عنهم؟

ثالثًا، لا يمكن نقاش مسألة الشرعية بمعزل عن تحول سوريا إلى ساحة للصراع الدولي والإقليمي، بوجود قوات عدة دول منها روسيا وإيران (مع ميلشيات لبنانية وعراقية وإيرانية وأفغانية)، من جهة النظام ووجود مناطق نفوذ لتركيا (في الشمال السوري) والولايات المتحدة الأمريكية (شرقي الفرات)، دون أن ننسى الذراع الطويلة لإسرائيل، واعتبارها منطقة الجنوب كمنطقة آمنة لها.

المهم أنه بالنظر الى كل تلك المعطيات، وبواقع وجود حدود طويلة بين تركيا وسوريا، فإن التدخل التركي بات بمثابة تحصيل حاصل، علماً أن تركيا تحيل مشروعية تدخلها إلى اتفاق أضنة الموقع بينها وبين الحكومة السورية في ظل حافظ الأسد (1998)، بل إن ذلك اكتسى شرعية جديدة من اتفاق سوتشي 1(سبتمبر 2018) و2 (اوكتوبر2019)، في لقائي القمة الذين جمعا بوتين بأردوغان، وهو اتفاق اكتسب قبولاً دولياً ضمن مسار أستانة، وفوق كل ذلك فإن تركيا هي الأكثر تأثراً من مجريات الصراع في سوريا، بخاصة مع تدفق ملايين اللاجئين السوريين إلى أراضيها.

رابعاً، من تفحص مجريات الأمور، حتى الآن، يمكن ملاحظة أن الطرفين لا يتوخيان الدخول في صدام عسكري مباشر، وإن ما يجري هو بمثابة محاولة لي ذراع كل واحد منهما للأخر، لكن من جهة أخرى لا يمكن لأحد التكهن بما قد يحصل، بالنظر لعناد السلطان، وصلافة القيصر، بمعنى أنه يمكن للأحداث أن تتطور، من دون تحديد مستوياتها ومداخلاتها الخارجية. لكن يبقى أن السيناريو الأفضل يتمثل بتحجيم الدور الروسي، ووضع بوتين عند حده، وهذا هو أقل ما هو مطلوب بعد كل ما فعلته روسيا في سوريا، وما جلبته من كوارث على الشعب السوري، لكن ذلك يتطلب، فقط، تصليب الموقف التركي، الذي تأخر كثيراً، إذ أن “السلطان” لا يملك التراجع لأنه سيخسر داخلياً وخارجياً، في حين أن القيصر لديه هامش معين للتراجع أو للوصول إلى حل وسط.

خامساً، الفكرة السابقة مصدرها أن موقفاً تركياً صلباً، مع دعم دولي قوي، وعملي، من شأنهما أن يضعا حداً لصلافة بوتين، لأن هذا الطريق وحده هو الذي يمكن يمهد لخريطة حل سياسي، لإنهاء الصراع السوري، علماً أن ذلك مرهون بالموقف الأمريكي أساساً.

بصراحة فإن ذلك الاستنتاج ليس مستحيلا، أو غير واقعي، فتركيا قوية، اقتصادياً وعسكرياً، لو أحسنت إدارة أوضاعها وتحالفاتها، وروسيا بوتين هي مجرد رجل مريض ومترهل يعيش على ما تبقى له من ادعاءات وتوهمات وعضلات مترهلة باتت عبئاً عليه، ولا يشهرها إلى في وجه شعوب لا تملك الحد الأدنى من وسائل القوة لصد عنجهيته، لذا ربما أن الأوان للقول له لا، وهذا لا يحتاج إلى حرب، بقدر ما يحتاج إلى موقف حاسم.

سادسا، كل التحليل السابق لا يغطي على حقيقة مفادها أن تركيا، بقيادة أردوغان، أخطأت في التعامل مع الملف السوري، من البدايات، ويأتي ضمن ذلك التشجيع على العسكرة والأسلمة، وتمكين فصائل معينة دون غيرها، أو على حساب الجيش الحر، كما يأتي ضمن ذلك ابتعادها عن الولايات المتحدة الأمريكية، ورفضها المشاركة في الجهد الدولي لمقاتلة “داعش”، ما فتح المجال لقوات قسد، وهنا يأتي أيضا كيفية تعاطيها مع الملف السوري الكردي، وعدم فصلها له عن الملف الكردي في تركيا، وقوات البي كي كي.

بديهي أن ذلك يشمل انخراطها في تحالف استانة الثلاثي غير المفهوم وغير المقبول، مع شريكي النظام (روسيا وإيران)، وهو التحالف الذي ابتدع قصة المناطق الأربعة “منخفضة” التصعيد، ومسار التفاوض في استانة، وهو ما استمر ثلاثة أعوام (2017ـ2020). ومعلوم أنه في غضون تلك السنوات تمكن النظام (بمعونة روسيا) من شطب ثلاثة مناطق في الشمال والجنوب والوسط، بتسهيل أو بسكوت من تركيا (ضامنة المعارضة)، ما شكل ربحاً صافياً للنظام، ما يعني أن تحركها الأخير أتى فقط بعد أو وصل التهديد إلى حدودها عبر منطقة خفض التصعيد الرابعة (المتبقية) وهي إدلب.

الجدير ذكره أن التوتر الروسي ـ التركي الحاصل نشأ على خلفية تراجع روسيا عما تم الاتفاق عليه في سوتشي 1 وسوتشي 2 ، لجهة وجود نقاط تركية في منطقة إدلب ودوريات مشتركة عند الطريقين الدوليين إم 5 (دمشق حلب) وإم 4 (حلب اللاذقية)، ما تم ترجمته بإعطاء ضوء أخضر للنظام السوري وميليشياته لأخذ مناطق خان شيخون والمعرة وسراقب لتأمين الطريقين، واستبعاد تركيا، بل وتوجيه ضربات مباشرة لجنودها أدت إلى مصرع عدد منهم.

المهم أن الرد التركي في الأيام الماضية استعاد المسألة السورية إلى رأس جدول الأعمال، وأن التداعيات الناشئة أكدت أن الحل العسكري سيكون مكلفاً لكل الأطراف، وأن الأولوية يفترض أن تكون لوضع بيان جنيف 1 على رأس الأجندة، نظرياً وعملياً.

درج

————————-

تركيا تفاوض روسيا بالنيران في إدلب/ مصطفى أبو شمس

تتواصل المعارك العنيفة على جبهات سراقب شرقي مدينة إدلب، وعلى جبهات جبل الزاوية وجبل شحشبو وسهل الغاب بريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي الغربي. وكانت الأوضاع على الجبهات قد شهدت تغيراً تدريجياً منذ الرابع والعشرين من شباط الماضي، عندما بدأت فصائل المعارضة عملية عسكرية بدعم تركي، استعادت خلالها السيطرة على بلدة النيرب ثم مدينة سراقب، إلا أن معالم التغير النوعي بدأت تتضح بعد استهداف رتل تركي في جبل الزاوية بالقرب من قرية بليون، ما أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثين جندياً تركياً، وهو ما دفع القوات التركية إلى الدخول بفعالية أكبر على خط العمليات العسكرية ضد قوات النظام وحلفائها.

وقد اكتملت عناصر التدخل التركي في المعركة مع نهاية يوم التاسع والعشرين من شباط، أي مع نهاية المهلة التي حددتها تركيا لقوات النظام وحلفائها للتراجع إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية في أرياف إدلب وحلب وحماة، ليعلن وزير الدفاع التركي رسمياً عن أن ما يجري منذ مساء السابع والعشرين من شباط هو عملية عسكرية تركية تهدف إلى إجبار النظام على الانسحاب إلى الحدود التي رسمها اتفاق سوتشي. وهكذا تحولت فصائل المعارضة من الدفاع إلى الهجوم واستعادة المناطق التي خسرتها، كما تحولت القوات التركية من الرد على هجمات كانت تتعرض لها إلى تنفيذ هجمات واسعة النطاق بالمدفعية والصواريخ والطائرات المسيرة، ما أحدث فارقاً كبيراً خلال اليومين الماضيين في سير العمليات العسكرية.

وكانت قوات النظام قد تقدمت في مناطق واسعة في أرياف إدلب وحلب وحماة منذ مطلع العام الجاري، واستطاعت إحكام سيطرتها على كامل طريق حلب دمشق الدولي، وعلى جميع المدن والبلدات والقرى المطلة عليه، بما فيها مدن رئيسية مثل معرة النعمان وسراقب، كما سيطرت على مدن وبلدات بالغة الأهمية في ريف حلب الشمالي الغربي والغربي، أبرزها حيان وحريتان وعندان وعينجارة وقبتان الجبل، ثم تقدمت بعدها في ريف إدلب الجنوبي وجبل الزاوية لتسيطر على كفرنبل وحاس وكفرعويد وسفوهن وجبل شحشبو، ليبدو واضحاً أن أنظارها كانت تتجه إلى السيطرة على طريق حلب اللاذقية الدولي، وسط انهيارات كبرى في دفاعات الفصائل وانسحابها من قرى وبلدات عديدة دون مقاومة جديّة، وفي غياب أي رد فعل جديّ من القوات التركية التي كان يبدو أن مزيداً من نقاط تمركزها على وشك أن يقع تحت حصار قوات النظام.

لكن الدعم التركي الحاسم الذي مكّن الفصائل من استعادة سراقب في 24 شباط، وهو الأمر الذي أدى إلى خسارة النظام لسيطرته مجدداً على جزء من طريق حلب دمشق الدولي، أعطى انطباعاً أن تركيا عازمة فعلاً على منع قوات النظام من تنفيذ خطتها في السيطرة على الطرقات الدولية وتهجير سكان جميع المناطق المطلة عليها، وعازمة فعلاً على تنفيذ تهديداتها بعد نهاية المهلة المحددة، وهو الأمر الذي دفع قوات النظام وحلفائها إلى اختبار جديّة تركيا عبر استهداف عدد كبير من جنودها في جبل الزاوية، الأمر الذي قاد إلى تغيير في معطيات المعركة واتجاهاتها.

ولم يكن واضحاً ما هي خطة تركيا للتعامل مع سيطرة روسيا والنظام السوري المطلقة على المجال الجوي في إدلب، لكن الأيام التي أعقبت هجوم جبل الزاوية أظهرت أن تركيا كانت تعتمد على طائراتها المسيرة، التي راحت تستهدف قوات النظام وحلفائها على نطاق واسع، تعدّى خطوط الاشتباك ليشمل مطارات عسكرية في حلب وحماة، بالإضافة إلى الآليات والجنود ومرابض المدفعية ومنظومات الدفاع الجوي.

وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار عن مقتل أكثر من 2000 عنصر لقوات النظام وحلفائها، بالإضافة إلى تدمير ثماني مروحيات وطائرة مسيرة ومئة وثلاث دبابات واثنين وسبعين مدفعاً وراجمة صواريخ وثلاثة أنظمة دفاع جوي. وقد أظهرت مقاطع فيديو بثّتها الحكومة التركية عمليات الاستهداف تلك، كما أسقطت الطائرات الحربية التركية التي تحلّق فوق المناطق الحدودية طائرتين حربيتين لقوات النظام يوم أمس الأحد، وأصابت طائرة ثالثة دون أن يؤدي ذلك لإسقاطها، وكان قد سبق ذلك إسقاط طائرتين مروحيتين للنظام بمضادات الطيران في إدلب خلال الأسابيع الماضية.

ترافق الهجوم الجوي التركي مع عمليات برية محكمة لفصائل المعارضة بدعم مدفعي وصاروخي تركي، استطاعت خلالها السيطرة على عدد من القرى والبلدات في جبلي الزاوية وشحشبو، وفق خطة عسكرية تتشابه مع ما كانت تفعله قوات النظام في السابق، وذلك من خلال إحكام السيطرة على التلال الحاكمة في المنطقة وعزل المدن والبلدات والقرى الكبيرة لتأمين دخولها بأقل الخسائر.

يظهر سير العمليات العسكرية الحالية عزم تركيا على تنفيذ مطالبها بالقوة بعد فشل الحلول السياسية، وذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور، أولها تثبيت السيطرة على مدينة سراقب التي باتت ثقباً أسود يبتلع قوات الأسد وحلفاءها أثناء محاولاتهم العنيفة والمستمرة لاستعادتها، ثم التوجه بمحاذاة الطريق الدولي نحو خان السبل فمعرة النعمان من شمالها. أما المحور الثاني فهو محور جبل الزاوية كفرنبل، التي تدور فيها الآن معارك شرسة بعد سيطرة الفصائل على محيطها، ثم التوجه بعدها نحو كفرومة للوصول إلى معرة النعمان من غربها. وأما المحور الثالث، فيتمثل في التوجه نحو كفرنبودة بعد السيطرة على جبل شحشبو واستعادة مناطق في سهل الغاب.

لا يزال مبكراً الحديث عن مدى قدرة الفصائل على استعادة كل المناطق التي خسرتها منذ نيسان (إبريل) 2019، لكن من تواصلنا معهم من مقاتلين على الجبهات يقولون إن وجهة العمليات العسكرية لن تقتصر على هذه المحاور الثلاثة، بل ستستمر حتى استعادة كافة المناطق التي خسرتها المعارضة خلال الأشهر الماضية، في إشارة إلى جيب خان شيخون مورك اللطامنة، وكذلك قلعة المضيق، وهو ما يوافق الكلام التركي بفك الحصار عن كافة نقاط المراقبة التركية، والعودة إلى حدود اتفاق سوتشي.

وقد تحدثنا إلى أحد القادة الميدانيين في فصائل المعارضة في ريف إدلب الجنوبي، وهو يقول إن الفصائل تعتمد استراتيجية الالتفاف على قوات الأسد في محيط القرى والبلدات بهدف إجبارها على الانسحاب قبل الوقوع في الحصار، ويقول إن الفصائل استعادت نحو خمس عشرة قرية كانت قد خسرتها خلال الأيام الماضية، وسط انهيارات كبيرة في صفوف قوات النظام التي انسحبت من المنطقة بعد تدمير قسم كبير من آلياتها وعتادها الثقيل، وقتل أعداد كبيرة من عناصرها وانسحاب من تبقى منهم إلى الخطوط الخلفية، مؤكداً أن سلاح الجو الروسي يحاول ترجيح كفة قوات النظام، لكن الدعم التركي يحول دون ذلك، وأن قوات النظام قد تشهد انهياراً متسارعاً خلال الأيام القادمة بعد خسارتها الجسيمة خلال الأيام الماضية.

يقول مقاتل آخر في ريف إدلب الجنوبي إن الخطوط الدفاعية لقوات النظام قد انكسرت، ومع استعادة الفصائل لمدينة كفرنبل ستتراجع هذه القوات، ولن تصمد طويلاً بعد أن زجت بمعظم مقاتليها في الخطوط الأمامية وخسرت أعداداً كبيرة منهم، مضيفاً أن سلاح الطيران كان العامل الحاسم في ترجيح كفة قوات النظام خلال السنوات الماضية؛ «يبدو أن الأمور اختلفت بعد إسقاط الطائرتين، إذ غابت المروحيات عن سماء إدلب، وتراجعت فعالية الطيران الحرب، ما سيؤثر على المعارك الحالية».

وكانت ميلشيات تابعة لإيران قد شاركت بفعالية في المعارك البرية الأخيرة لقوات النظام، خاصة في ريف حلب الجنوبي الذي فرضت سيطرتها عليه بالكامل، وفي جبهات سراقب. وقد أعلنت إيران عن مقتل واحد وعشرين من عناصرها التابعين للوائي «فاطميون وزينبيون» خلال المواجهات الأخيرة، متهمة في القوات التركية في بيان لها باستهداف قواتها، وداعية أنقرة للتصرف بحكمة. ولا يخلو البيان الصادر عن المركز الاستشاري الإيراني في سوريا من لهجة تهديد مبطنة، إذا ألمح إلى وجود نقاط المراقبة التركية في مرمى القوات الإيرانية وإمكانية استهدافها. كما أعلن حزب الله عن مقتل تسعة من عناصره في العمليات العسكرية في إدلب.

لا تزال المعركة التركية في بدايتها، ويبدو مبكراً الحديث عن انقلاب شامل في مسار المعارك لصالح الفصائل وتركيا، خاصة أن أبعاد ردة الفعل العسكرية الروسية لم تتضح بعد، لكن مجريات الأيام الأخيرة تؤكد أن هدف النظام وحلفاءه في السيطرة على الطريقين الدوليين ومحيطهما، وبالتالي معظم محافظة إدلب، قد بات هدفاً بعيد المنال، ويبقى أن المفاوضات السياسية المعلنة وغير المعلنة بين روسيا وتركيا هي التي سترسم معالم المرحلة القادمة في إدلب، إلى جانب «المفاوضات» الميدانية الدامية على الجبهات.

تقاتل سائر الفصائل في إدلب بتنسيق مرتفع وعبر غرفة عمليات موحدة، ويتناقل سكان إدلب أخبار المعارك الدائرة وتقدم الفصائل بسعادة بالغة، نظراً لما يعنيه هذا التقدم من احتمال عودة مئات آلاف السكّان إلى المناطق التي تم تهجيرهم منها، وإنهاء الكارثة الإنسانية التي يعيشونها في المخيمات والعراء، ونظراً لما يعنيه من إبعاد شبه النزوح والاقتلاع عن المناطق التي لم يدخلها النظام.

موقع الجمهورية

—————————

سوريا .. ثالث المعارك التركية المقدسة/ عدنان نعوف

كان لِمَقتل عدد من الجنود الأتراك في سوريا مؤخراً أثرٌ أبعَد من العَسكَرة والسياسة، فقد شكّل هذا الحدث نقطة فاصلة في النظرة لهذه المعارك، إذ لم يَعُد ممكناً اعتبارها عَملاً اعتيادياً تحت بند الأمن القومي، فتحولت تدريجياً إلى ما يشبه “معركة وجود” أو”هويّة” تلفّها رغبة بالاعتماء على “الذات التركيّة” دون تجاهل حجم التضامن القادم من خارج الحدود.

يُمكن تلمّس ذلك من الحالة الوجدانية المتقدمة التي أصبحت تطبع الموقف التركي الرسمي والشعبي، وذلك إثر تصاعد وتيرة الأعمال العسكرية في الأيام الماضية.

وكعادة هذا البلد في المواقف ذات البُعد “الوَطني” والمرتبطة بمفهوم “الشهادة” تحديداً، ينحسر الجدل الداخلي بين أقطاب الحكومة والمعارضة نسبيّاً ويُؤجَّل، ويتحوّل الأسى والحزن إلى مصدر قوة مُستمَدّة من محطات التاريخ الحاسمة بالنسبة لتركيا، وانتصارها على “أعدائها”.

ووسطَ أشكال التعبير المختلفة التي غصّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، كان لافتاً تداول صورة لها رمزيتها العميقة كونها تضع “قتال الأتراك في سوريا” في مَصاف الأحداث المصيرية بالنسبة لهم.

وفي هذه الصورة نقرأ عبارة ” إذا تغيّر التاريخ فالفِطرة لا تتغيّر” في إشارة إلى أنّ عقيدة القتال لا يبدّلها الزمن. ورافقَ هذه الجُملة مَشاهد تجسّد لحظات مؤسِّسَة في حياة “الأمّة التركيّة”؛ أوّلها فتح القسطنطينية عام 1453 (والتي صارت “اسطنبول” بعد سيطرة السلطان العثماني محمد الفاتح عليها). وثانيها مشهد مماثل (صلاة جماعة لجنود) لكن من معركة شاناكالي أو “جناق قلعة” المُخلّدة لدى الأتراك والتي جرت عام 1915 إثر محاولة أسطول دول التحالف خلال الحرب العالمية الأولى -في مقدمتها إنكلترا وفرنسا- احتلال مدينة اسطنبول، وفشلها في ذلك. ويتناول الجزء الثالث من الصورة حالة مشابهة من سوريا 2019 (في إشارة إلى عملية نبع السلام التركية).

وفي إطار الرد على الأصوات المُعارضة لتواجد الجيش التركي خارج البلاد، استعاد البعض مَوقعة “جناق قلعة” وهذه المرّة من منظور آخر يُمجّد التضحيات السورية دفاعاً عن الدولة العثمانية حينها، فقد أوردَ أحد المغردين على موقع تويتر صورة فيها قائمة باسم “شهداء” من مدينة إدلب قُتلوا خلال تلك المعركة، وأرفق ذلك بتعليق يقول :”هنا شاناكالي..هؤلاء لم يقولوا ماذا نفعل في شاناكالي” تعليقاً على المُعتَرِضين من الأتراك ممن يتساءلون: لماذا نحن في سوريا.

    Burası ÇANAKKALE, onlar “Çanakkale’de ne işimiz var” demedi. #TurkeyisnotAlone pic.twitter.com/9C2lhHWX0z

    — Nurettin Şimşek (@NurettinnSimsek) February 29, 2020

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن هذه الثيمة (امتزاج الدم السوري بالتركي خلال الفترة العثمانية وتحديداً في الحرب العالمية الأولى) حضَرَتْ بشكل متكرر عقب تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا بأعداد كبيرة بعد عام 2014، وكان لها وقْعُها لدى الشعب التركي بما دَفَعَه لاتخاذ موقف أكثر إيجابية من موضوع “الاستضافة”، ونزع فتيل الحوادث العنصرية التي تقع بين حين وآخر، لكنّ تأثير هذه الفكرة تراجع مع تغيّر أوضاع اللاجئين عالمياً، وزيادة التجاذبات السياسية الشعبوية.

لكنّ الحالة التضامنية لم تقف عند هذا الحدّ، بل أخذت بُعداً مختلفاً مع نشر مقاطع فيديو على موقع تويتر لإقامة سوريين صلاة الغائب على الجنود الأتراك الذين قضوا قبل أيام.

    Idlib in coming together to show support for Turkey, many civilians, the regime has made yesterday in absentia funeral prayers for the martyrs of the elements of our fallen soldiers conducted an air raid. #TurkeyisNotAlone pic.twitter.com/TCX5FBx453

    — Beybaba 🇹🇷 (@cedardeu) February 29, 2020

وجاءت هذه التغريدات ضمن هاشتاغ #Turkeyisnotalone لتعكس حالة أوسع مع تركيا شارك فيه مغرّدون أجانب من جنسيات مختلفة.  

    We don’t share borders, or even the same continent, we don’t speak the same language or even have a similar look, but believe me if I say that lions of Africa are ready to die to defend Turkey 🇹🇷 #SomaliaStandsWithTurkey #TurkeyisnotAlone pic.twitter.com/B8aglPx5oR

    — Hersi Sharmarke 🇸🇴 (@xirsisharmaarke) February 29, 2020

    May Allah have mercy on the soul of martyrs! The Muhammadan defenders of #Idlib will not retreat in the face of oppression. The valiant Ottomans fought oppressors at the Syrian fronts, their grandchildren will continue to do so!#Turkey #TurkishArmy#TurkeyisnotAlone pic.twitter.com/51tqeVd24q

    — Ayisha💖عائشہ (@AyishaViews) February 29, 2020

وإنْ كان الهاشتاغ وحملات التضامن مع تركيا مفهومة ضمن سياق معين، فإنها بالمقابل لا تُغفِل شعوراً تركيّاً بالغضب والتخلَي منَ الحلفاء الدوليين خصوصاً من حلف الناتو الذي تعرّض لانتقادات كبيرة، إذْ توقّف الكاتب التركي تشاغري إرهان عند “عجز الحلف” وتقاعسه عن دعم بلاده، وهو “ما لا يمكن تبريره بمَواد المعاهدة أو بمفهومها الاستراتيجي” حسب قوله، مشيراً إلى مجموعة أمثلة تؤكد توسع المنطقة الجغرافية لعمليات الحلف تاريخياً وفقاً لعدد من المتغيرات.

ورأى إرهان أن السبب الفعلي لعدم تدخل الناتو لصالح تركيا يَعود إلى إحجام دول بعينها (وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) عن مناقشة موضوع التدخل، لتكون النتيجة تجرّؤ النظام السوري على مهاجمة الجنود الأتراك.

هذا الأسلوب التحليلي السياسي العقلاني لم يكن طاغياً، بل غلَبَ على الكتابات الصحافية التي تَلَتْ استهداف الجيش التركي في سوريا لغة مشحونة بالعواطف لم تِخلُ أحياناً من حديث الخيارات وحسابات “السلم والحرب” لكنها بدتْ وأنها مؤجلة بمعظمها لتسود بدلاً عنها لغة التكاتف و”احترام دماء الشهداء”. وهو ما أبرزه الكاتب إبراهيم كراجول الذي لم يَفتهُ أن يُحمّل مسؤولية ما جرى لقوات بلاده في سوريا لأكثر من طرف سواء من حلفاء تركيا أو أعدائها.

واعتبر كراجول أن ما شهدته تركيا -بمقتل جنودها- هو ملخص الألفية الماضية. واستعاد الكاتب سلسلة من الصعوبات التي عصفت بتركيا، ولكنها بقيت “أمة قوية استطاعت النجاة من أحلك الظروف”. ليخلص بالنتيجة إلى الأهم وهو أنّ هذه الحرب التي تخوضها تركيا ستستمرّ لا محالة “سواء أردناها أم لا” حسب قوله.

وعلى العكس، كان للكاتب أورهان أوروغلو نظرة مختلفة، لذا فلم يخفِ تحفّظاته العديدة على خيارات حكومة “العدالة والتنمية”، من دون أن ينسى فتح النار على “الأصدقاء”، معتبراً أنه “ليس للتركي صديق إلا التركي.. لا ترامب ولا بوتين ولا ميركل أو ماكرون”.

ومع تشديد الكاتب أن “جميع الردود العسكرية التي حصلت وستحصل لن تعيد شهداء بلاده إلى الحياة”، فإنه عادَ للتأكيد أنّ الوقت الحالي هو لـ “الوحدة” بالنسبة للأمة التركية. وكما البقية، طغى على كلمات أوروغلو الإعلاء من فكرة “الشهادة في سبيل الوطن” من منطلق قومي، وأورد حادثةً تعود للعام 1924 حين احتجّ مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك على لافتة مكتوبة تقول إن “التركي يساوي عشرة من الأعداء”، ليؤكّد أن قيمته أكبر، فهوَ “يساوي العالم”.

المدن

———————

سوريا: أهداف العملية العسكرية التركية وحدودها

أعلنت أنقرة أمس الأحد، على لسان وزير دفاعها خلوصي أكار، أن «درع الربيع»، العملية العسكرية التي تشنّها ضد قوات نظام بشار الأسد وحلفائه في إدلب ومناطق أخرى، تهدف إلى إنهاء مجازر نظام الأسد، ووضع حد للتطرّف، وإيقاف الهجرة»، ورغم تأكيد أكار على أن لا نية لبلاده لـ«التصادم مع روسيا» فإنها، في المقابل، تنتظر استخدام موسكو لوقف هجمات النظام وإجباره على الانسحاب إلى حدود اتفاقية سوتشي.

كان رئيسا تركيا وروسيا قد اتفقا في 17 أيلول/سبتمبر 2018 على «إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومترا على طول خط التماس» بين سوريا وتركيا، على أن تقوم تركيا بإخراج «الفصائل الجهادية» ونزع أسلحتها الثقيلة من دبابات وصواريخ ومدافع هاون، وعلى أن تقوم شرطة البلدين بمراقبة المنطقة «منزوعة السلاح»، وعلى فتح حركة المرور بين حلب واللاذقية، وبين حلب وحماه.

الأمر الذي لم يتمّ الاتفاق عليه بين الدولتين، كان هجوم النظام السوري وحلفائه من ميليشيات إيرانية ولبنانية على «منطقة خفض التصعيد» وانتزاعها بالقوة، والذي أدى لفظائع وحشيّة خلفت مئات القتلى من المدنيين، كما أدى إلى نزوح مئات الآلاف باتجاه الحدود التركيّة، وهو ما يمكن اعتباره إخراجاً قسريا لتركيا من «الاتفاق» وتحميلها مسؤولية قرابة مليون نازح جديد.

وحين تبع ذلك استهداف مباشر لنقاط مراقبة الجيش التركي وعناصره فيها كانت ذروته قتل 32 جندياً وجرح العشرات قبل أيام، بدا واضحا لأنقرة أن المقصود هو إخضاع روسيا للقيادة التركيّة بالقوّة وفرض شروط جديدة عليها، الأمر الذي لا يعد إخلالا بالاتفاقات فحسب بل يمثل خطرا وجودياً على الدولة التركيّة نفسها.

امتحان روسيا لقدرة تركيا على التحمل جاء على خلفيّة خروج الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا و«حلف الأطلسي» من معادلة مقتلة الشعب السوري على يد نظام الأسد، وباستثناء الحركة الاستعراضية المفردة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقصف مطار سوري بعد إبلاغ الروس بموعد الضربة لإخلائه، فإن الموقف الأمريكي – الأوروبي تركّز على مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتمكين حزب العمال الكردستاني الذي ما زال مسيطرا على مناطق ذات أهمّية اقتصادية وعسكرية في شمال غرب سوريا، واستقبال بعض بلدانه للاجئين السوريين.

مع ترك الغرب لتركيا بمواجهة روسيا بمفردها، ورفضه إمدادها بمنظومة دفاع باتريوت، أو بحظر المجال الجوي السوري على الطيران السوري والروسي، تمكنت أنقرة من حل المشكلة باستخدام الطائرات المسيّرة المتطورة التي ساهمت مع وحدات المدفعية بتدمير أنظمة دفاع جوية للنظام، وكذلك باستخدام «أنظمة الحرب الالكترونية» وطائرتي بيرقدار وأنكا، مما أخرج عدة مطارات عسكرية للنظام من الخدمة وإسقاط ثلاث مقاتلات وتقدم لقوات المعارضة السورية على الأرض (وكذلك لاشتباكات مع النظام في الجنوب).

تغيّرت المعادلة التركيّة ـ الروسيّة بعد تمكّن القوات المسلحة التركيّة من إحداث تغيير نوعيّ في جبهة الشمال السوري، وهو ما يفتح الباب لاتفاق جديد يتجنّب فيه الأتراك ثغرات الاتفاق القديم، وأهمّها تركيز الروس على «ملاحقة الإرهابيين»، والذي تستخدمه موسكو لاستهداف قرابة ثلاثة ملايين ونصف المليون مدني، ومحاولتهم تقليص مساحة وجود الأتراك إلى عمق 5 إلى 10 كيلومترات، وكذلك اللعب الروسي على أن الاتفاق مؤقت، وهو ما تريد أنقرة تغييره لمنع خرقه لاحقا، إضافة إلى قضايا أخرى كالدوريات المشتركة وسراقب وجبل الزاوية، ونقاط المراقبة، والحظر الجوي.

على عكس روسيا، التي تقوم استراتيجيتها على دعم نظام متهالك ووحشيّ واقع تحت عقوبات دولية كبرى (ستزيد بشكل كبير مع تطبيق قانون سيزر الأمريكي خلال أشهر)، فإن تركيا تدافع عمليا عن وجودها القوميّ، وهو ما عبّر عنه اردوغان بالقول إنه «في حال لم نقاتل في إدلب فسنقاتل في جنوب تركيا لاحقا»، وبالتالي فإن المواجهة الآن بين الغطرسة الامبريالية الروسيّة ودفاع المستميت، الذي يذكر الأتراك بالطبع بأهداف روسيا خلال الحرب العالمية الأولى، والتي كانت موعودة من الغرب بتسلم إسطنبول لاستعادة مركز الأرثوذكسية المسيحية القديم، وبين الموقفين فارق هائل.

القدس العربي

————————

“نيران صديقة” في مقتلة إدلب تدفع نحو جلاء الجيوش الأجنبية عن سوريا/ علي الأمين

لم تكن الضربة التي تلقتها الميليشيات التابعة لإيران في سوريا متوقعة (25 قتيلا بين إدلب وحلب)، بل بدت مباغتة لإيران وحزب الله، فبعد سقوط نحو 50 جنديا تركيا في سوريا خلال شهر فبراير الماضي، من ضمنهم استهداف قافلة عسكرية تركية أدى إلى مقتل أكثر من 30 جنديا تركيا، لم يكن حزب الله، ومن خلفه إيران، يتوقعان أن يكون الردّ التركي على مواقع عسكرية تابعة لإيران وميليشياتها، بسبب أن مسؤولية قتل الجنود الأتراك كانت تشير إلى روسيا والنظام السوري، خصوصا أن غارات جوّية هي التي حصدت العدد الأكبر من القتلى الأتراك، فيما إيران وحزب الله لا يستخدمان طائرات حربية كما هو معلوم في سوريا.

الضربة المعنوية التي تلقاها حزب الله بمقتل عشرة من محازبيه في الشمال السوري تتجاوز الضربة العسكرية، فالحزب الذي سارع بعد تلقيه الضربة إلى إيفاد المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم للقاء المسؤولين الأتراك، كشف في خطوته هذه عن ارتباكه ومحاولته الحدّ من الخسائر السياسية والعسكرية. فحسب المعلومات التي يتم تداولها من أوساط قريبة من حزب الله في بيروت، أن “ثمة تواطؤا تعرضت له الميليشيات الإيرانية كان طرفاه روسيا وتركيا في الحدّ الأدنى وربما الجيش السوري النظامي”، إذ أشارت هذه الأوساط إلى أن استهداف المواقع الإيرانية والتابعة لحزب الله، بدا وأنه بدل عن ردّ تركي على القوات الروسية، بحيث بدت القوات الإيرانية وميليشياتها الحلقة الأضعف التي تتيح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعادة ماء الوجه بعد الضربة التي تعرض لها الجيش التركي ليل الخميس، وفي ظل إدراكه للكلفة التي قد يدفعها في حال استهدف القوات الروسية.

الضربة المعنوية أيضا هي لكل ما كان المحور الإيراني يسعى إلى ترميمه في العلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين، إذ ليس خافيا على المتابعين ما يجري في منظومة علاقات المحور الإيراني، هو السعي الإيراني لإعادة ترميم العلاقة مع حزب الله بعد التصدعات التي أحدثها بين الطرفين تورطه في دعم نظام بشار الأسد في مواجهة الثورة السورية، ففي السنوات الأخيرة وتحت عناوين فلسطين والقدس والمقاومة، عمل حزب الله وعبر حركة حماس أولا، على إعادة ترميم علاقاتها مع النظام السوري في الحدّ الأدنى، فضلا عن الدعوات التي تلقتها قيادات من هذه الحركة لزيارة إيران بشكل لافت في السنوات الأخيرة، ومن خلال هذه العلاقة بدأت جهات إيرانية رسمية بزيارة تركيا في سبيل إعادة بناء العلاقة بين إيران وتنظيم الإخوان، مستغلة العلاقات السيّئة لهذا التنظيم مع معظم الدول العربية.

من هنا كانت صدمة حزب الله بعد استهدافه من قبل الجيش التركي، لاسيما أن هذه الضربة ترافقت مع عمليات تهجير لمئات الآلاف من المواطنين السوريين من إدلب ومن ريف حلب، في ظل التمدد العسكري للنظام السوري بدعم من إيران ومن روسيا، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المناطق هي أيضا مناطق نزوح للملايين من السوريين الذين فروا من بطش النظام السوري وحلفائه في السنوات الأخيرة وقدم جزء منهم في عمليات شهيرة تم خلالها نقل عشرات الآلاف من المقاتلين من مناطق دمشق وريفها ومناطق الزبداني والقلمون ومن بلدة القصير على الحدود مع لبنان.

لم يكن أمام المشروع الإيراني في المنطقة العربية في السعي لكسر العزلة التي يعيشها على المستوى العربي والإسلامي، إلا ترميم العلاقة مع الإسلام السياسي ومحاولة تغطية تمدده في العالم العربي من خلال ترميم العلاقة مع الإخوان، حيث عمد حزب الله إلى العمل على فتح القنوات مع التنظيم وتعزيزها، وعملت القيادة الإيرانية على استثمار علاقاتها مع تركيا وقطر في سبيل تحقيق هذا الخرق، ورغم الجهود التي بُذلت على هذا الصعيد فإن عودة المياه إلى مجاريها بقيت متقطعة وأسيرة نهر الدماء في سوريا.

كان الجيش السوري عرضة لضربات تركية أدت إلى خسائر بشرية ومادية وعسكرية، إلا أن الضربة القاصمة التي يصعب تعويضها كانت الضربة التركية، ذلك أنّ الترحيب بهذه الضربة من قبل السوريين، خاصة اللاجئين في تركيا، أظهر وجود مسافة بين الشعب السوري من جهة، والوجود الإيراني في سوريا من جهة أخرى.

اللواء عباس إبراهيم، وهو الذي يتولى عادة نقل رسائل من الدولة اللبنانية ومن حزب الله إلى جهات مخابراتية عربية وغربية، توجه إلى تركيا من أجل إيجاد مخارج تحول دون تدهور العلاقة بين حزب الله وتركيا، في لحظة سياسية تلمس من خلالها الحزب أنه وقع في فخّ نُصبَ له بإحكام، فخ لم يكن الروس بعيدون عنه ولم تكن تركيا غير مرحبة به، وأظهر ضعف إيران في المعادلة السورية.

شهدت مدينة القصير الإعلان العسكري عن بدء دخول حزب الله في الحرب السورية، وقد كلف ذلك حزب الله عشرات القتلى الذين وقعوا في أفخاخ من الألغام نصبت على مداخل المدينة وفي أنفاقها، فهل يكون فخ الشمال السوري الذي استدرج حزب الله إليه، الإعلان الرسمي والعسكري لنهاية تورطه، وربما إيران، في حرب سورية جرّت المآسي على الشعب السوري أولا ولبنان ثانيا؟

كاتب لبناني

العرب

———————–

معركة إدلب… قراءة في مشهد الصراع السوري/ صادق الطائي

يبدو المشهد السوري أكثر تعقيدا في إطار المعركة الدائرة للسيطرة على مدينة إدلب بين الجيش السوري المدعوم روسياً من جهة، وفصائل المعارضة السورية المسلحة المدعومة تركياً من جهة أخرى، إذ ينطلق كلا طرفي الصراع مستندا إلى معطيات اتفاقيات سابقة، محاولا التأكيد على ما ينفعه من بنودها، ليتمسك به على الأرض، فالإشارات كثيرة اليوم إلى اتفاقية سوتشي 2018 التي نظمت العلاقة بين قوات النظام السوري والقوات التركية، التي انتشرت في 12 نقطة على طول خط الحدود الفاصل بين قوات الطرفين على أطراف ريف محافظة إدلب شمال غرب سوريا.

وقد نظمت جولات المفاوضات الروسية التركية الإيرانية السابقة، طبيعة انتشار القوات في كل مرحلة، وقد نظر لها المراقبون على إنها كانت خطوات استعاد النظام السوري عبر جولاتها سيطرته على الأراضي، التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة، فبعد تسع جولات في مدينة أستانة في كازاخستان، وعدد من الجولات في مدينة سوتشي الروسية، بالإضافة إلى مفاوضات جنيف التي تمت تحت إشراف الأمم المتحدة، وصل الحال إلى أن النظام السوري، تمكن من استعادة أغلب الاراضي السورية، ولم يتبق خارج سيطرته سوى محافظة إدلب والشريط الحدودي، الذي تسيطر عليه تركيا كحزام أمني، لحماية أمنها القومي من هجمات مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى مناطق الإدارة الذاتية في روجافا (كردستان سوريا) التي يديرها أكراد سوريا بتنسيق، أو بتشاور مع حكومة دمشق.

كانت مفاوضات سوتشي 2018 قد تضمنت الإشارة إلى مناطق خفض التصعيد، التي تعني مناطق منزوعة السلاح الثقيل تشرف عليها تركيا، وتمنع تواجد الفصائل المسجلة كتنظيمات إرهابية فيها مثل، تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة)، وبعض الفصائل الجهادية القريبة منها. وفي المقابل نشرت أنقرة 12 نقطة عسكرية لمنع تقدم الجيش السوري، ومهاجمة أدلب التي أصبحت بالنتيجة بؤرة لتجميع كل الفصائل المعارضة للنظام التي انسحبت من مختلف الأراضي السورية بعد سيطرة النظام عليها.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2019 ابتدأ الجيش السوري، مدعوما بغطاء جوي روسي كثيف، عملياته لاستعادة السيطرة على ما تبقى من ريف حلب، وبعد ذلك تقدم للسيطرة على إدلب وريفها، ما دفع حكومة اردوغان إلى إطلاق التهديدات بوجه النظام السوري، محذرة من إنها سوف تلجأ إلى المواجهة العسكرية ضد قوات الأسد، لكن خطوات التصعيد أخذت بالتصاعد، مع تقدم القوات السورية وسيطرتها على مدن مهمة مثل معرة النعمان وسراقب، وأدى مقتل أكثر من 20 جنديا تركيا إلى إطلاق الرد التركي، الذي واجه القوات السورية، وكبّدها خسائر في الأرواح والمعدات، وصفها الجانب التركي باأها كبيرة، كما دعم الجيش التركي تقدم فصائل المعارضة السورية، واستعادتها لمدينة سراقب الاستراتيجية، التي ما زال القتال يدور حولها. بدوره سعى اردوغان إلى التفاوض مع بوتين، لغرض تحييد، أو تقليص الدعم غير المحدود، الذي يقدمه الروس لنظام الأسد، وقد خاض الأتراك والروس ثلاث جولات من المفاوضات في موسكو وأنقرة، وقد دارت الجولة الثالثة في أنقرة بشكل رئيس حول الوضع في إدلب. لكن يبدو أن الموقف الروسي كان مصمما على دعم الجيش السوري، ولم يسمح للأتراك باستعمال الطائرات، أو الطائرات المسيرة في أجواء إدلب، ما يعني أن أي هجوم تركي سيكون بدون غطاء جوي، وبالتالي سيكون عرضة للقصف الجوي السوري والروسي الذي سيدمره ويفشله.

لذلك سعى اردوغان إلى لعب ورقة الموازنة بتقربه من إدارة ترامب، التي رحبت بدورها بهذا التقارب، وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي جورج بومبيو بدعم إدارته لحكومة أردوغان ومساعيها الإنسانية للحفاظ على السكان المدنيين في إدلب التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، ودعا بومبيو حلف شمال الاطلسي لدعم الجيش التركي، عبر تقديم المعلومات اللوجستية، وتقديم الدعم العسكري، لكن من دون أي أشارة إلى تواجد عسكري أمريكي، أو أطلسي، كما أشارت إدارة ترامب الى إمكانية زج السعودية في دعم الأتراك ماديا ولوجستيا، ما يعني تحميل السعودية العبء المالي للعمليات العسكرية التركية، ما أربك المشهد وزاده تعقيدا.

لطالما كان موقف الإمارات والسعودية عدائيا لنظام اردوغان، على خلفية حملتهما على حركة الاخوان المسلمين، التي يدعمها وينتمي لها اردوغان، لكن يبدو تشابك المواقف اليوم معقدا، إذ أعلن الإماراتيون في تصريحات شبه رسمية وجوب وقوف الدول العربية مع سوريا في مواجهة ما وصفوه بـ«الغزو التركي» للأراضي العربية السورية، علما أن دولة الإمارات والمملكة السعودية، كانتا من أبرز الداعمين لفصائل المعارضة المسلحة، التي حاولت إطاحة نظام بشار الأسد طوال تسع سنوات، والتي تتمترس بقاياها اليوم في إدلب.

موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة أصابه الارتباك أيضا، فقد هدد اردوغان بشكل معلن دول الاتحاد الاوربي، وتحديدا ألمانيا وفرنسا بقوله «إن العمليات العسكرية في إدلب ستقود إلى كارثة إنسانية، وستنتج موجة لجوء مليونية جديدة». فبحسب الإحصاءات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة هنالك أكثر من مليون ومئتي ألف نازح من المدنيين هربوا من مناطق النزاع في إدلب باتجاه الشريط الحدودي الفاصل بين تركيا وسوريا، الذي يضم معسكرات إيواء اللاجئين المكتظة بسكانها، وقد أشار اردوغان إلى عدم قدرة تركيا على استيعاب موجة هجرة سورية جديدة تضاف الى الثلاثة ملايين لاجئ الموجودين حاليا في تركيا، ما يعني تهديده بفتح الحدود التركية الاوروبية لموجة لجوء عارمة تذكر بموجة 2015 التي اجتاحت أوروبا حينها. هذا الأمر جعل التصريحات الرسمية الاوروبية تحابي اردوغان وتغازل مساعيه الإنسانية للحفاظ على السكان المدنيين وحمايتهم من هجوم الجيش السوري على إدلب، لكن الطلب التركي كان منصبا مؤخرا على عقد قمة رباعية تركية ألمانية فرنسية روسية، يبدو إن الغرض منها تدعيم الضغط الأوروبي على روسيا لزحزحة موقفها الداعم للنظام السوري.

أزمة ادلب بدورها انعكست على الداخل التركي، على شكل أزمة تواجه نظام اردوغان، فبعد ازدياد أعداد القتلى بين أفراد الجيش التركي، والمليارات التي تصرف على دعم فصائل المعارضة السورية، وعلى التواجد التركي في الداخل السوري، بات سؤال المعارضة التركية الملح هو؛ ما جدوى تصرفات حكومة اردوغان، التي تسببت بكل هذه الخسائر لتركيا، وبات موقف الحكومة التركية محرجا، ولم يعد سبب الحفاظ على الأمن القومي كافيا لإقناع المعارضة باحتمالية الدخول في حرب مواجهة مع دولة عظمى بحجم روسيا. لكن من جانب آخر يرى المراقبون أن موقف اردوغان بات عصيبا والخيارات التي أمامه بات أحلاها مرا، إذ لا يستطيع التراجع عن دعم فصائل جهادية بعضها ذو عرقية تركية مثل، كتائب السلطان مراد، وكتائب السلطان محمد الفاتح، ولواء سمرقند ولواء القوقاز، بالاضافة الى فصائل جبهة تحرير الشام (النصرة سابقا) وبعض الفصائل الأخرى، إذ أن إيقاف الدعم التركي لهذه الفصائل وتركها بمواجهة الجيش السوري سيعني انسحابها إلى الداخل التركي، واحتمالية تحولها إلى بؤر إرهابية، وسيترتب على حكومة اردوغان قتالها في تركيا مستقبلا. لذلك تبدو احتمالية الحرب الشاملة ومواجهة روسيا سيناريو صعب التحقق، وأن إطلاق عمليات عسكرية محدودة يقوم بها الجيش التركي في ادلب وريفها في الايام المقبلة هو السيناريو الاكثر ترجيحا أمام الجيش التركي، ليضمن انسحابا يحفظ ماء وجهه في معركة عسيرة سيتقرر فيها مصير مدينة إدلب.

كاتب عراقي

القدس العربي

———————

أردوغان يراوغ ويساوم ولا يعقل أن يواجه روسيا وأمريكا وأوروبا منفردا/ عصام نعمان

أبرز الرؤساء في العالم حضوراً على شاشات التلفزيون هذه الأيام هو رجب طيب أردوغان . يبدو للمشاهدين أنه يواجه وحده قادة روسيا وأمريكا وأوروبا، ناهيك من سوريا وإيران. يتصل بالرئيس فلاديمير بوتين راجياً عقد قمة معه، حيثما يريد، لكنه يصرّ على أن طائراته الحربية تقصف وحدات الجيش التركي، في محيط مراكز المراقبة التركية في محافظة إدلب. يهدد سوريا باستهداف «عناصر حكومتها»، ويعاود إغراق دول اوروبا بعشرات آلاف السوريين اللاجئين اضطراراً إلى دياره.

ماذا يريد الرئيس التركي وماذا لا يريد؟

يريد أن يبقى في غرب سوريا وفي شرقها، بدعوى مواجهة الكرد السوريين الذين يبتغون، في زعمه، إقامة دولة على طول حدود تركيا مع سوريا، من الحسكة شرقاً إلى عفرين غرباً. يريد إقامة «مناطق آمنة» بعمق لا يقلّ عن 30 كيلومترا في شمال سوريا، لمنع الكرد من تحقيق غايتهم، ولمشاركة الولايات المتحدة في وضع اليد على حقول النفط واستغلالها في تلك المناطق.

يدفع آلاف المسلحين من مختلف الجنسيات، الذين انهزموا في مختلف ساحات سوريا، واحتشدوا في محافظة إدلب إلى القتال في ساحات ليبيا، الغنية بحقول النفط، ولمنافسة دول أوروبا الطامعة باستغلالها وجني عائداتها. يحرص على التواجد بقواته في أراضي سوريا والعراق وليبيا ليضع في يديه أوراقاً لمساومة خصومه ومنافسيه وليس لمقاتلتهم يريد كل هذه الأمور لكنه يحاذر الاصطدام بروسيا وأمريكا وأوروبا. إنه يراوغ ليساوم، لا ليقاتل.

يعقد اتفاقات مع بوتين في سوتشي عام 2018 تقضي بإقامة مراكز تركية في محافظة إدلب، في سياق عملية للفصل بين المقاتلين الإرهابيين والمعارضين السوريين المسلحين، واعداً بإفساح المجال أمام الجيش السوري وحلفائه الروس لضرب فصائل الإرهاب، وطردها من الاراضي السورية، لكنه لا يفي بوعده، بل يسلّح بعض التنظيمات الإرهابية التي غيّرت أسماءها لتوحي بأنها ما عادت إرهابية، ويشدّ إزرها في محاربة الجيش السوري. يقوم بتتريك كل مناحي الحياة، إدارياً وتربوياً واجتماعياً، في المناطق السورية، حيث لتركيا وجود عسكري كعفرين وشمال محافظة إدلب وشرق الفرات. يغري روسيا بالسكوت عن هذه الانتهاكات، لاتفاقات سوتشي بغية الحصول على صواريخ S-400 للدفاع الجوي، مقابل تسهيل مرور خط «تورك ستريم» لنقل الغاز الروسي عبر أراضي تركيا إلى دول أوروبا.

موسكو تتغاضى عن انتهاكاته، لظنّها أنها بتسليح جيشه تشجعه على الخروج تدريجياً من حلف شمال الأطلسي، إلى أن تكتشف، متأخرة، أنه يغشها وأنه يراوغ ليساوم على مكاسب أخرى أكبر وأخطر.

مع الولايات المتحدة ، يلعب اردوغان لعبة مغايرة وجريئة. يوحي لرئيسها ترامب، الممالئ لـِ»إسرائيل» ، أن إقامة «مناطق آمنة» في شمال سوريا وبقاء قوات لتركيا ولحلفائها في إدلب يسهم في تفكيك سوريا وتقسيمها، الأمر الذي يخدم مصالح أمريكا و»إسرائيل». ترامب ونتنياهو يسعدهما ذلك، بطبيعة الحال، لكنهما يحاذران أن يتورطا في منازعة مع روسيا التي لها مصالح استراتيجية في سوريا، ما يحملها بالتأكيد على التصدي لمطامح اردوغان ومطامعه الجامحة.

روسيا بدأت، في الواقع التصدي لأردوغان، هي أعلنت حرصها على دعم سوريا في تحرير اراضيها من اي احتلال وبسط سيادتها عليها، وهي في هذا السياق تعتبر وجود تركيا في شمال سوريا وغربها تهديداً لوحدتها وسيادتها، بل ترى في ذلك خطراً على قاعدتها البحرية في طرطوس، وقاعدتها الجوية في مطار حميميم. لذلك ضاعفت دعمها العسكري، الجوي والبري، للجيش السوري في حملته الجادة لتحرير محافظة إدلب من التنظيمات التي تدعمها انقرة. وليست الضربة الموجعة التي سددها سلاح الجو الروسي للقوات التركية في محيط مدينة سراقب، وادّت إلى مقتل عشرات الجنود الأتراك، إلاّ الدليل الساطع على عزيمة موسكو الجادة في هذا السبيل.

يبدو أن اردوغان أدرك أخيرا المخاطر التي تحيق بمطامعه ومطامحه الجامحة، وبات جاداً في استرضاء موسكو، لتفادي دعمها الميداني المتصاعد للجيش السوري في إدلب.

ولعله أدرك أيضاً أن أمريكا و»إسرائيل» تحسستا أخيراً خطراً آخر مقلقا وماثلاً، هو مضاعفة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، للردّ على التوسع التركي المهدد لوحدة حليفتها الاثيرة في محور المقاومة وفي مواجهة أمريكا و»اسرائيل»، هكذا يجد اردوغان نفسه محكوماً بمفاوضة موسكو واسترضائها لتفادي تداعيات خذلانه من أمريكا الحريصة على أمن «إسرائيل»من مخاطر تكثيف إيران وجودها في سوريا، كما لتفادي مخاطر ابتزاز اوروبا المتخوّفة من سيل اللاجئين السوريين المتدفق إلى ربوعها.

هل يتعقّل اردوغان؟

كاتب لبناني

القدس العربي

——————————-

الأتراك في سوريا…البندقية والفضيلة/ إحسان الفقيه

يقول الكاتب والمؤلف الفرنسي لاروشفوكو: إن الفضائل تضيع في المصلحة الذاتية، كما تضيع الأنهار في البحر».

ربما كان معنى هذه العبارة حاضرًا في معظم التدخلات السياسية والعسكرية، التي تقوم بها الدول في شؤون دول أخرى، حيث لا وجود للفضائل والجوانب الأخلاقية، بحضور الأجندات السياسية إلا النزر اليسير.

سوريا، تلك القطعة الغالية من جسد الأمة، تحولت إلى مسرح حرب عالمية جديدة، فيها الأحلاف، وفيها الحرب المباشرة، والحرب بالنيابة، يغيب سكانها عنها، مع مرور الوقت خارج الحدود، أو تحت الأرض في القبور أو الخنادق، لتصبح الأرض خاوية إلا من الجيوش التي أتت بها المصالح.

ولنكن صرحاء حين نقول إن كل الأطراف في النزاع السوري تبحث عن مصالحها، فليس من دولة تتدخل في سوريا إلا ولها مصالحها، فليس هناك من أحد يتدخل (لوجه الله الكريم)، وهذا الكلام يشمل الجميع بمن فيهم تركيا.

ولكن إذا كان هذا الإقرار جزءًا من الحقيقة، فينبغي، بأي حال، أن لا نهمل الجزء المتمم لها، وهو النظر في مشروعية التدخل من ناحية، والنظر في شكل وأسلوب التدخل، الذي ينطلق من مبدأ تحقيق المصلحة من ناحية أخرى. روسيا الآتية من بعيد، أبرز أطراف الصراع في سوريا، هدفها المعلن هو الحفاظ على أمنها القومي، من خلال القضاء على الإرهابيين، خشية أن يستوطنوا في بؤر إرهابية في آسيا تهدد روسيا، وهو محض هراء، فكلنا يعلم قوة القبضة الحديدية لروسيا، التي استطاعت إجهاض المقاومة في القوقاز، بما يستبعد معه أن يمثل الإسلاميون الروس المنخرطون في الصراع على أرض سوريا، خطرًا على الأمن الروسي يستدعي التدخل العسكري لموسكو بهذا الشكل القوي، لكنّ لروسيا أهدافا أكثر واقعية ومنطقية، وهي الحفاظ على نظام الأسد الحليف الاستراتيجي الأبرز لها في المنطقة، وأكثر المعتمدين على سوق السلاح الروسي. كما تهدف إلى الوصول للمياه الدافئة في المنطقة، وهو حلم القياصرة، ويشهد لهذا، التواجد المستمر في المياه الإقليمية السورية، وترغب كذلك في تجربة ترسانة أسلحتها الفتاكة، بما يُعد تدريبا يسير التكلفة، واستعراضا لقدراتها التسليحية، بما يُمكّنها من توسيع نطاق صفقات بيع السلاح، وقد سبق لنائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف أن صرح بأن الدول الأجنبية اصطفت في طابور لشراء الطائرات الروسية التي أظهرت قدرتها في سوريا. وفي سبيل تحقيق هذه الأطماع البعيدة عن حفظ أمنها، تقصف روسيا بطائراتها المستشفيات والبيوت، والتجمعات الخاصة بالمدنيين، بدعوى وجود إرهابيين، من دون اكتراث بالدماء التي تسيل ولم يحمل أهلها بندقية، في إزهاق واضح للقيم الإنسانية.

وإيران التي تمثل رئة النظام الأسدي والراعي الرسمي له، تتدخل في سوريا من خلال قوات الحرس الثوري، والأذرع الشيعية التي تقاتل لمنع سقوط بشار نيابة عن الولي الفقيه، وأبرزها حزب الله اللبناني، الذي صرح زعيمه من قبل أن حزبه يمثل إيران داخل لبنان، وغيره من الفصائل الشيعية من عدة دول. وهي بذلك تسعى للحفاظ على عميلها الذي يضمن وجوده إتمام مشروعها التوسعي في المنطقة، بعد أن ابتلعت العراق، وفي سبيل ذلك تبيد أهل هذه الأرض لا تفرق بين مدني وعسكري، وتورطت في ارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين، إضافة إلى التغيير الديموغرافي الذي تحدثه في تلك البلاد. إذن هاتان القوتان لا يحركهما الخوف على حدودهما من أخطار تهددها بقدر ما هي أطماع توسعية.

وأما تركيا، فهي كغيرها من الدول تتحرك وفق مصالحها، لكن مصالحها مشروعة تدور حول حفظ أمنها القومي، فهي مهددة بمساعٍ إلى إقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية مع سوريا، وتسعى لتطهيرها من وحدات حماية الشعب الكردية، التي تمثل امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يسعى لحكم ذاتي في جنوب شرق تركيا، ويقوم بعمليات إرهابية ضد المصالح التركية. وهي مع رغبتها في تحقيق مصالحها، تسعى لإنشاء منطقة آمنة تستوعب عودة اللاجئين السوريين. تتدخل تركيا عسكريا نعم، بطريقة مباشرة وبدعم المعارضة نعم، لكن لنا أن ننظر إلى الجانب الأخلاقي في التدخل التركي، من جهة الدقة الشديدة في تحديد أهدافها العسكرية وتجنب تعريض المدنيين لأضرار الاشتباكات، ومن جهة الجهد الإغاثي الذي يبذله الأتراك للتقليل من آثار المعاناة المعيشية للشعب السوري، من توفير السلع الغذائية وبناء المساكن وملاجئ الاختباء، وبناء المدارس، وتقديم الخدمات الطبية ونحو ذلك. إذن نستطيع تلخيص طبيعة التدخل التركي في سوريا على أنه حماية للأمن القومي التركي، في إطار أخلاقي يراعي سلامة وأمن الشعب السوري، ويدعم قوات المعارضة التي تمثل الثورة السورية ضد نظام الأسد الفاشي غير الشرعي.

لقد أثار مقتل جنود أتراك في إدلب بقصف من قوات النظام، جدلا واسعًا في الأوساط العربية، حيث انهالت التصريحات والتعليقات الشامتة لكُتاب ومغردين ومدونين على مواقع التواصل، أبدوا سعادتهم بما حدث للجنود الأتراك، وروجت الصحف والمواقع الإلكترونية للحدث على أنه بداية النهاية لحكم أردوغان، الأمر الذي أثار إحباط الكثيرين من مؤيدي تركيا.

إن الشامتين المهللين لمقتل الجنود الأتراك، هم أنفسهم الذين يتبعون حكاما وأنظمة معادية لثورات الربيع العربي، تراهن على بقاء الأسد في السلطة وتقدم له الدعم. وبعض هذه الأنظمة التي يفترض بها رفض وجود الأسد في حل سياسي، بلغ بها العداء لتركيا أن تسعد للعملية العسكرية التي نفذها النظام ضد الجنود الأتراك في إدلب.

وعند هؤلاء وهؤلاء يسقط الشعب السوري وثورته على الطاغية من الحسابات، فلم نسمع لهم حسًا ضد التدخل الروسي والإيراني، ولم نسمع منهم لفظ احتلال روسي أو إيراني، رغم أنهما وحلفاءهما يدعمون النظام الهمجي الدموي، الذي سفك دماء مئات الآلاف من السوريين، حتى لا يترك كرسي الحكم، بينما تعالت الصيحات والصرخات عندما تدخلت تركيا وتم وصف تدخلها بالاحتلال، رغم أنها الدولة الوحيدة التي تعمل في سوريا بما يتوافق مع تطلعات الشعب السوري وثورته. ورغم أن تركيا محاطة بسياج من الأزمات والتآمر من قبل العديد من الدول والجهات العربية والأجنبية، إلا أن البشريات قد عادت مع الردود الحازمة للقوات التركية، بحرا وجوا على مواقع عديدة للنظام المدعوم من روسيا، وقد كشفت هذه الهجمات التركية عن مدى ما وصلت إليه أنقرة من تطور في صناعات الأسلحة المحلية.

وإنا لنستبشر خيرًا في نجاح المهام التركية لسبب بسيط، وهو أنها الجهة الوحيدة التي تعمل بما يتوافق مع صالح الشعب السوري، ولذا أدعو جميع من يقرأ هذه الحروف إلى إعادة تقييم موقفه من التدخل التركي في سوريا لا على أساس مصالح تركيا، وإنما على أساس مصالح الشعب السوري الذي يحق له أن ينعم بدولة غير مقسمة كما يراد لها، لا يحكمها هذا الطاغية الذي حول بلاده إلى شلالات من الدماء في سبيل البقاء في الحكم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

كاتبة أردنية

القدس العربي

———————–

السوريون والتجاذبات التركية الروسية/ حيّان جابر

يترقب الجميع نتائج التجاذب والتصادم الروسي التركي في الشمال السوري بشيء من الحذر والتوجس والتخوف، وبقليل من الأمل بتوقف المقتلة السورية ولو لبضعة أشهر. إذ يجمع غالبية المحللين على عدم رغبة كلا الطرفين في تطور الأمور بينهما نحو مواجهةٍ عسكريةٍ شاملة، حرصاً على مصالحهما المشتركة، وهو ما يغفل بعض الحقائق، مثل أن تحالفهما هو خيار بديل فرضته الظروف عليهما معا، وذلك بحكم التلاعب الأميركي، وتنافسهما الشديد في المنطقة، ما سوف يفرض عليهما تقديم تنازلاتٍ جمّة إن أراد الطرفان حقا تجنب مواجهةٍ مفتوحة اليوم أو غداً. الأمر الذي يجعلنا نعتقد بعزمهما على الموازنة بين الصدام أحيانا والتقارب في أحيان أخرى، على أمل أن ينجح أحدهما في إزاحة الآخر، والاستحواذ على كامل السلة الاقتصادية والجيوسياسية والأمنية طبعاً.

وتنعكس ضبابية المشهد التركي الروسي على المشهد السوري في الأوساط الباحثة عن المصلحة الوطنية العليا على شكل انقسامٍ بين رؤيتين أساسيتين، يمثل طرفها الأول بعض المتحمسين للغة الثأر الذين ينشدون أي هزيمة عسكرية لمعسكر النظام، مهما ارتفع ثمنها، وأيا كانت نتائجها عسكريا وأمنيا واجتماعيا، بل حتى لو كان الواقع الجديد مشابها حد التطابق لما سبقه، بل ولا يضمن عدم معاودة القصف الجهنمي السوري والروسي بالحدّة والقوة نفسيهما، وربما أقوى بعد بضعة أشهر. أما الطرف الثاني فيعبر، بصوت خافت، عن عبثية التجاذب التركي الروسي، مهما تصاعد واشتد عوده، ويرى أن لا مصلحة سورية بذلك، بل على العكس يجد أن تسليم إدلب قد يكون مقدمةً لهزيمة الأسد ورحيله، نتيجة فشل الأسد في إدارة مرحلة ما بعد الحرب؛ وعجزه عن تلبية مطالب حلفائه الداخليين والخارجيين، كما عبر عن ذلك مقال غازي دحمان “تحرّروا من إدلب ليسقط الأسد” في “العربي الجديد” (25/2/2020)، وهي رؤية تستند إلى حقائق ومعطيات انتقائية، من وحي التجربة السورية مع نظام الأسد، كفشله على جميع الأصعدة باستثناء نجاحه أمنيا، أي نجاح الأسد في أسر السوريين وسجنهم وقمعهم، بل وقتلهم، لا سيما بعد اندلاع الثورة.

ويكمن إرباك وتشويش كلا الرؤيتين في اجتزائهما للواقع، وإهمال جملة من الحقائق التي تضرّ مصلحة السوريين وتقوضها، فالمعارضة السياسية أو العسكرية التي يطالبها دحمان بمفاوضة الجانب الروسي على تسليم إدلب وباقي المنطقة المحيطة في مقابل الحصول على بعض الممكن، كما حصل في درعا، هي معارضة تابعة للجانب التركي، ونعلم جميعا أنها لا تملك قرار نفسها. وإن حدث وتجاوزت المعارضة تبعيتها، فإننا نعلم كذب الروس وتنصلهم من جميع الاتفاقات والتعهدات التي أبرموها مسبقا، سواء مع دول كتركيا، أو مع مجموعات سورية معارضة، كما حصل في درعا وريف دمشق الشرقي وحلب، التي أدت إلى إطلاق يد النظام في هذه المناطق كي تنهب وتسرق وتقتل وتعتقل من دون حسيب أو رقيب، ما يجعلنا نتساءل عن مدى وحشية وقسوة المصير الذي سوف ينتظره المدنيون الموجودون اليوم في إدلب ومحيطها، وفق هذا السيناريو الافتراضي.

ولو فرضنا جدلا توقف آلة القتل والنهب الأسدية، بعد اتفاق المعارضة مع الروس على تسليم إدلب، وفشل الأسد الساحق في مرحلة ما بعد الحرب، وتزايد حدّة الصراعات داخل العصابة الحاكمة، ألن يقود ذلك إلى استبدال الأسد بشخصيةٍ مشابهةٍ وتابعة؛ كالأسد تماما؛ للروس وربما للإيرانيين أيضا، من دون أي تغيير على معيشة السوريين وظروفهم. وبالتالي، لا يمكن اعتبار سقوط الأسد مع بقاء المنظومة الأمنية والاستبدادية والإجرامية نفسها، والمافيا الحاكمة نفسها، وفي ظل قوى خارجية تحتل الأرض وتسيطر على كل شيء، انتصارا للثورة أو حتى للشعب السوري، لأنه سقوط خادع وكاذب، لا ينطوي على أي تغيير حقيقي يلبي مصالح السوريين وتطلعاتهم في وطن تسوده قيم الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة.

من جهة أخرى، نستطيع تفهم مشاعر المهجّرين والمشرّدين من إدلب وما حولها، وكل من شرد أو هجر سابقا، أو تعرّض لموجات القصف الجنونية المجرمة، وكل من فقدوا عزيزاً وقريباً على يد قوات الأسد وداعميه، إن عوّلوا على تدخل عسكري تركي قد يوجّه ضربة قاصمة ومهينة للأسد ورجاله، ظانين أنها من أنواع الثأر أو القصاص من القتلة والمجرمين، من دون أن يساق هذا لتبرير تحليلات سياسية مضللة تستجدي التدخل التركي، وتصوره انتصارا للثورة، وتغفل فضح مسؤولية الأتراك وحاشيتهم عما نحن فيه اليوم، كما تغفل ذكر أسباب تدخلاتها الحقيقية التي قد لا تختلف كثيراً عن أسباب التدخل الروسي بذريعة مواجهة الإرهاب، فكلا التدخلين لا يقيم أي وزن أو اعتبار لمصالح السوريين وحقوقهم الآنية والمستقبلية، بل يعمل على سحقها كليا من أجل تحقيق مصالحهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، عبر فرض قوى أمر واقع تابعة لهم، لها الصفات والسمات نفسها، وإن اختلفت الوجوه والأشكال، ولنا في تجارب السنوات الثورية الماضية دليلا كافيا ووافيا على ذلك.

في الختام، يجب أن نعترف بأن الخيارين المذكوريْن يمثلان مسارات محتملة لا نملك القدرة على اختيار أي منها، فكلاهما خاضع للعبة التفاهمات والتجاذبات الدولية، وكل منهما سوف يأخذ سورية والسوريين إلى مرحلة جديدة، خالية من حقوق السوريين ومصالحهم. مرحلة تعبر عن واقع بتنا نعرفه جيداً، وإن تجاهلنا الاعتراف به أحيانا، مفاده أن جميع السوريين خاضعون اليوم لسيطرة قوى احتلال خارجية متعدّدة؛ روسية وتركية وأميركية وإسرائيلية و…؛ ذات أدوات داخلية رجعية وطائفية واستبدادية وإجرامية، لا تختلف في ما بينها قيد أنملة. وعليه، يتمثل الخيار الوحيد الذي نمتلك ترف اختياره في إقرارنا بضرورة العودة إلى ذاتنا الفردية والجماعية، من أجل استنهاض قواها الثورية الوطنية، ومواجهة الواقع المزري بكل ما أوتينا من قوة، استنادا إلى فجاجة الواقع السوري الراهن الذي أثبت لجميع السوريين، مؤيدين ومعارضين، أن لا طائل يذكر من الاستقواء بعضهم على البعض الآخر بأيٍّ من قوى الاحتلال الخارجية، فضريبة هذه التدخلات يدفعها جميع السوريين من دمائهم وحريتهم وحقوقهم وثرواتهم.

العربي الجديد

————————–

سوريا ورسائل مبلَّلَةٌ بالدَّم/ غسان شربل

استولَى الهلعُ من فيروس «كورونا» على سكان «القرية الكونية» واحتلَّ الصدارة في اهتمامات زعمائها وحكوماتها. رجلان بَقِيَا خارج هذه المعادلة الجديدة. الأول فلاديمير بوتين، والثاني رجب طيب إردوغان. في مكتبيهما تقدَّمت نار المواجهات في إدلب على كل ما عداها. تحولت الاحتكاكات الدموية بين الجيشين التركي والسوري إلى امتحان صعب لعلاقة الرئيسين التركي والروسي. امتحان للهيبة والصورة والقدرة على حماية المصالح.

أقسَى الاختبارات هي تلك التي لا تستطيع الأطراف المنخرطة فيها التراجع وقبول الخسارة. يواصل بوتين في سوريا سياسة حاسمة تقوم على تمكين نظام الرئيس بشار الأسد من استعادة كامل التراب السوري. لم يظهر قلقاً من المشاهد التي تعيد التذكير بـ«الحل» الذي فرضه في غروزني. أي العنف الأقصى للوصول إلى الانتصار الكامل. لكن سوريا ليست الشيشان. ربَّما لهذا السبب فضَّل بوتين سياسة القضم التدريجي على التهام الوجبة الساخنة دفعة واحدة. استراحات آستانة وسوتشي كانت مجرد هدنات لالتقاط الأنفاس، ثم استكمال البرنامج الروسي بلا تغيير.

أغلب الظن أن بوتين كانَ يأمل استكمال البرنامج بلا عثرات كبرى، خصوصاً أنَّه يضعه تحت عنوان «محاربة الإرهابيين المتحصنين في إدلب». علَّمته السنوات الماضية أنَّ أميركا لا تريد الانخراط في النزاع السوري. وأنَّ أوروبا قارة هرمة تدبج البيانات لتخفف من عذاب الضمير. وأنَّ حلف «الناتو» فقد شهية الاشتباك خارج الملعب الأوروبي. وأنَّ بيانات أعضاء مجلس الأمن تُشبه دموعَ الأرملة التي لا تُعيد الفقيد.

استلزمت سياسة القضم مجموعة إجراءات. تعطيل دور مجلس الأمن في الأزمة السورية بإشهار سيف «الفيتو»، وغالباً ما انضمت الصين إلى الموقف الروسي. تحييد إسرائيل عبر السماح لها بشن حرب ضد البنية العسكرية الإيرانية على الأرض السورية وإقامة علاقة دافئة مع بنيامين نتنياهو. استلزمت أيضاً تطويع الموقف التركي بعد إسقاط الطائرة الروسية، ثم التحرك لزرع الشكوك بين أنقرة وحلفائها في حلف الأطلسي. ونجحت سياسة التطويع هذه إلى حد أن تركيا أدخلت صواريخ «إس 400» الروسية إلى ترسانتها الأطلسية، ما أثار قلق أميركا ودول الحلف. وذهب بوتين أبعد من ذلك حين أعطى تركيا الضوء الأخضر للقضاء على «الكيان الكردي» الذي راح يرتسم على الجانب السوري من الحدود.

استخدم سيدُ الكرملين المنصة السورية للقول إنَّ روسيا لم تعد مصابةً بغبار الركام السوفياتي. وإنَّها ليست قوة إقليمية تطوقها بيادق الأطلسي. وإنَّها دولة كبرى استردت أنيابها العسكرية والسياسية والدبلوماسية، على رغم حجم اقتصادها الذي يكاد يوازي حجم الاقتصاد الإيطالي. استخدم المنصة للتأكيد أنَّ أميركا تزداد انسحاباً من المنطقة، وأنَّ أوروبا تفتقر إلى أدوات الدور حتى لو رغبت في القيام به.

لم تكن سوريا حلم بوتين وحده، بل كانت قبل ذلك حلم إردوغان. أنشأ مع رئيسها علاقة تعاون وتبادل، وكان يردد مبتهجاً عبارة «صديقي بشار». ولاجتذاب سوريا المجاورة أرسل إردوغان وزير خارجيته السابق أحمد داود أوغلو 50 مرة إلى مكتب الأسد. مع «الربيع العربي» تغيَّرت الحسابات. فتح إردوغان الحدود أمام المقاتلين الجوَّالين للتسلل إلى الأراضي السورية، فهرعوا إليها من كل حدب وصوب. تضاعفت حاجته إلى انتصار في سوريا بعدما أبعدَ الجيش المصري كأسَ «الإخوان» عن شفتي مصر وروحها. لم تنجح إيران وحدها في إنقاذ النظام السوري، وجاء التدخل العسكري الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015 ليضع حداً للحلم الإردوغاني.

في قصره الشاسع يستقبل إردوغان الليلَ الذي نزل مجبولاً بالسم. جثث الجنود الأتراك تَصِلُ تباعاً. ضربة موجعة يعرف جيداً أنَّها ما كانت لتسدد إلى قواته إلا بمشاركة روسية أو مباركة على الأقل. لن يتَّهمَ روسيا مباشرة لأنَّ الصدام معها يفوق قدرته على الاحتمال. سيتَّهم الجيش السوري، لكن تصريحاته كشفت اعتقاده أنَّ العسل الروسي كان مخلوطاً بالسم. وأنَّ الاتفاقات كانت مجرد هدنات لتمرير سياسة القضم. وأنَّ اهتمام موسكو بإبقاء العلاقات مع أنقرة لا يبلغ حد السماح لها بتأديب قوات الأسد وعرقلة البرنامج الكبير. وتذكَّر أنَّ قواته تقف في الصف المواجه لروسيا في إدلب وكذلك في ليبيا.

دفع جحيم إدلب نحو مليون سوري في اتجاه الحدود التركية. استمرار المعارك ينذر بدفع مليون آخر. وفي موازاة عملية الثأر على الأرض والتي أصابت أيضاً عناصر من «حزب الله» اللبناني، حرَّك إردوغان سلاح اللاجئين في وجه القارة الأوروبية، خصوصاً بعدما تبيَّن أنَّ التضامن الأطلسي محدود، وأن لا رغبة لدى إدارة دونالد ترمب بالوصول في الدعم إلى الشق العسكري المباشر.

انقضى زمن «تصفير المشاكل»، وهذا زمن «تصفير الصداقات». أسلوب إردوغان يكرسُه أستاذاً في سوء التفاهم. لا يتذكَّرُ الصداقات إلا حين تضربه الخيبات. وغالباً ما يكون تأخَّر. هذا حدث حين اتصل «السلطان» بترمب يشكو إليه طعنات «القيصر».

في الليل المبلَّل بدم الجنود يستغرب إردوغان أنْ يتغاضى العالم عن امتلاك إيران القرار «في 4 عواصم عربية» ولا يقر لتركيا بجزء من الكعكة السورية. ثمة سيناريو آخر يؤرقه. يخشى أنْ يغادر ذات يوم قصر الرئاسة التركي، وأنْ يستمر قصر الرئاسة السوري مقيماً في ظل بشار الأسد.

تمرد الجانب التركي على اللعبة التي يديرها الجانب الروسي. أعادَ شيئاً من التدويل إلى الأزمة السورية. لكنَّ تبادل الرسائل المبللة بالدم لن يقودَ إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيشين التركي والروسي. الطرفان محكومان بالتوصل إلى اتفاق جديد تريده أنقرة أوضح وأكثر إلزاماً. وأغلب الظن أنَّ تركيا تريد إقامة طويلة على الأرض السورية.

الشرق الأوسط

—————————

حيث أخطأت تركيا/ شورش درويش

لمّا أسقطت أنقرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 المقاتلة الروسية سوخوي 24، برّرت الأمر بأنه يتطابق وقواعد الاشتباك، لكنها ما لبثت أن عدلت عن إفادتها بالقول إنه وقع نتيجة اختراق جماعاتٍ معاديةٍ الجيش التركي. وقتئذ ظنّ مراقبون أن روسيا قد تُقدم على عملٍ يرد لها اعتبارها، غير أن مهارة الروس كانت في امتصاص الحادثة، وتحويلها إلى مقدّمة لبناء وشائج اقتصادية وعسكرية؛ مثّلت صفقة صواريخ إس 400 درّة تاجها، فيما تسبّب التقارب بين البلدين في غضب أطلسي، تراوحت شدّته بين فرض عقوبات أميركية على الاقتصاد التركي وآراء تناولت مسألة مصير تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

بمهارة ورويّة، أخرجت روسيا المسألة السورية من أروقة جلسات جنيف، لصالح مساري أستانة وسوتشي، في وقت وضعت تركيا نفسها طرفاً ثانياً في مواجهة موسكو، من دون أن تتحزّم بتحالفها الأميركي في لقاءات أدّت إلى تجريف مناطق المعارضة، في الغوطة وحلب وريف اللاذقية، لصالح إعادة تموضع تركي في المناطق التي كانت في حوزة وحدات حماية الشعب غربي الفرات (عفرين). ومنحت صيغة استبدال الأراضي ومناطق سيطرة تركيا رغبة أكبر في ضم الشمال السوري بأكمله إلى سيطرتها، غير أن موسكو صوّرت العقبة الكأداء في طريق استكمال مشروع تقسيم سورية في أنه يتوقف على بقاء الأميركان الداعمين للأكراد (قوات سوريا الديمقراطية)، الأمر الذي يحول دون تنفيذ برنامج التقسيم غير المعلن.

تسرّعت تركيا في مسألة الإلحاح في إخراج الولايات المتحدة من الملعب السوري، حصل ذلك في وقت صوّرت فيه موسكو لزميلتها تركيا أن واشنطن تسعى إلى إقامة كيان كردي “انفصالي”، الأمر الذي زاد من مخاوف تركيا، وأفضى إلى جنوحها إلى مناصبة المصالح الأميركية العداء، وإلى المطالبة بخروج قوات التحالف، وتسليم المنطقة التي تحتكم عليها قوات سورية الديمقراطية والولايات المتحدة إلى الدولة التركية، إدارةً ورعاية. بطبيعة الحال، كانت حدّة الشقاق التركي الأميركي تريح موسكو وتدفعها إلى تهدئة الأوضاع في مناطق المجابهة بين قوات النظام ومسلّحي المعارضة، تسرّعت تركيا أيضاً حين قرّرت أن مسألة “الكيان الكردي الانفصالي” تمثّل الخطر الوجودي الأعظم على أمن تركيا واستقرارها، على الرغم من فروق القوّة الهائلة بين تركيا، ثاني قوّة في الناتو وذات الاقتصاد المهيب، والإدارة الذاتية “الكردية” التي سعت مراراً إلى طمأنة تركيا، فضلاً عن إرضائها كيما تتجنّب الحرب والصدام المسلّح. ولأجل هذا الاندفاع التركي لتحطيم نموذج الإدارة القائم، قدّمت تنازلتٍ مضاعفة للروس، ومن دون أيّ مسوّغ سوى أنها باتت تتحرّك وفق بوصلة معاداة التجربة الكردية الناهضة.

بشيء من الحذر، يمكن القول إن روسيا مقبلة على طيِّ سورية من أقصاها إلى أقصاها تحت جناحيها، مهما بلغت مصالحها الاقتصادية مع تركيا، ومهما أظهرت تركيا رغبتها في إقامة العلاقات العسكرية وإياها، أو هدّأت من التصعيد العسكري على جبهة المعارضة، إذ كان على أنقرة مراجعة مواقف وقراءاتٍ عربيةٍ خاطئة، مطلع الاحتجاجات في سورية، حين ظنّت دول عربية أن الموقف الروسي، والفيتو في مجلس الأمن، يمكن شراؤه بالمال الوفير، في وقتٍ كان يجب قراءة أهمية سورية في قلب السياسة الروسية المشرقية.

في الأثناء، لا تُبدي واشنطن، وكذا الاتحاد الأوروبي، أي إمكانية لانتشال تركيا من مأزقها السوري، فالعلاقة المفتوحة بين روسيا وتركيا، وتدخّل الأخيرة في سورية بشكلّ متسرّع، لم يحظيا برضا واشنطن وبروكسل، وعليه يصبح من السهل توقّع ما يدور في ذهن حلفاء أنقرة: لينتزع كلٌّ شوكه بيديه!

ربّما آن لتركيا المكلومة، إثر مقتل 33 من جنودها في سورية، مراجعة سياساتها التوسّعية والعودة إلى مركزها المتقدّم في مسارات التنمية ونشر الثقافة التعددية، وعدم التفريط بمكانتها الأطلسيّة واختراع أعداء موضوعيين، كما في حالة أكراد سورية، بيد أن ما يقال في صالح تركيا تبدّده سياسات ردود الأفعال التي بدأت تدمغ السياسة التركية الحالية، ليس آخرها تهديد أوروبا بإغراقها باللاجئين السوريين، وهو خطأ قد تدفع أنقرة ثمنه، كما بقية الأخطاء.

العربي الجديد

————————-

إيران الحائرة في سوريا/ بهاء العوام

حتى الأمس القريب كانت إيران الضامن الثالث، إلى جانب روسيا وتركيا، في تفاهمات أستانة وسوتشي حول سوريا. لكن ما يحدث اليوم على الأرض في إدلب، يقول إن الحوار بشأن المناطق الشمالية غرب نهر الفرات بات محصوراً بين أنقرة وموسكو فقط. وقد أقصيت منه طهران، كما أقصيت من قبل في مفاوضات مناطق شرق الفرات، التي جلس على طاولتها الأتراك والروس والأميركيون.

يعلم الجميع أن التفويض الذي منحه الأميركيون لطهران في سوريا قد سحبه الرئيس دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018. منذ ذلك الوقت والقوات الإيرانية في سوريا تتحرك بخوف شديد من استهداف إسرائيلي أو مجهول على طول البلاد وعرضها. كما تتحرك بالحدود الدنيا من الإمكانات التي تكاد تنضب بسبب الحصار الذي تعيشه طهران في ظل العقوبات الأميركية.

كل ذلك بقي نظام الخميني قادرا على احتوائه والتعامل معه، حتى قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اللواء الإيراني قاسم سليماني. غاب عراب الميدان السوري وفقدت معه طهران البوصلة التي ترشد أذرعها العسكرية هناك. أصبح الأمر يخضع إلى اجتهادات أكثر مما يعتمد على التخطيط، ولم يعد هناك من يملي الأوامر الإيرانية المسموعة على قادة الجبهات للجيش السوري وحزب الله.

كان سليماني يمسك بزمام الأمور في الميدان السوري، وكان يمتلك من المعرفة في تشعباته ما يجعله قادرا على اتخاذ القرارات المصيرية التي تحمي مصالح إيران ومكتسباتها. لا يحتاج سليماني إلى الرجوع لطهران في كل صغيرة وكبيرة، بل كان يخطط ويوزع المهام وينفذ بيده أحياناً. وباختصار كان في سوريا يمسك الأرض بما يخلق توازنا بين طهران وموسكو التي تسيطر على السماء.

التصعيد الحالي في إدلب وريفها هو أول منعطف تمر به إيران في سوريا دون سليماني. هي حائرة في التعامل معه كثيرا. ويبدو أنها، بشكل أو بآخر، لا تملك إجابة عن أسئلة كثيرة من قبيل أين يجب أن تقف في الحرب المستعرة شمال غرب سوريا؟ من يجب أن تساند؟ وما هو سقف المساندة؟ وما هو مصير حضورها العسكري في سوريا على ضوء متغيرات كثيرة؟

الأزمات التي تعيشها إيران بين مرض كورونا والعقوبات الاقتصادية والانقسام بين الإصلاحيين والمحافظين في الداخل، وبين الثورات الشعبية التي تواجه نفوذها في لبنان والعراق، والاستهداف الإسرائيلي لقواتها في سوريا؛ كلها تشكل ضغطا على السياسة الخارجية الإيرانية، يجعلها تعاني تخبطا في التعامل مع أزمة منطقة خفض التصعيد التي حددتها مع الروس والأتراك في إدلب قبل أعوام.

بالنسبة إلى الروس والأتراك تبدو الحيرة الإيرانية واضحة وهي تلائمهم كثيرا. لذلك هم يعززونها عبر مواقف متضاربة وإشارات متناقضة بشأن دور طهران في ما يجري على الأرض. وأمام هذه الضبابية في المشهد يبادر الرئيس الإيراني حسن روحاني بالدعوة إلى قمة ثلاثية تجمعه مع نظيريه التركي والسوري لبحث الأزمة، فتردّ أنقرة بقصف إيرانيين كانوا يقاتلون إلى جانب الجيش السوري في ريف إدلب.

ربما يكون هذا القصف هو الرسالة الأكثر وضوحا التي تلقتها إيران بشأن إقصائها عن مفاوضات إدلب. والرسالة الثانية جاءت عبر موسكو من خلال إجراء ترتيبات لقمة ثنائية وليست ثلاثية حول إدلب، تجمع فقط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. وطبعا يشارك الرئيسان أفكارهما مع الأوروبيين والأميركيين الذين يحاولون أيضاً التدخل في مسار الأحداث.

يتفق الروس والأتراك ضمنيا على أن طاولة المفاوضات هذه المرة ليس بالضرورة أن تضم إيران، أو على الأقل هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيسان التركي والروسي كي يرسما الخارطة الجديدة لإدلب ومحيطها. لكلّ أسبابه في تجنب إشراك الإيرانيين في القمة المقبلة، لكن غياب طهران لا يعني القطيعة بينها وبين أنقرة أو موسكو. فلا تزال المصلحة تجمع الدول الثلاث في سوريا.

الدبلوماسية التي يتحدث بها الروس والأتراك عن إيران، تدلل بوضوح على تمسكهم بالإبقاء على شعرة معاوية مع طهران. لا يفضل أي منهم القطيعة معها لأنه يستعد لجميع الاحتمالات، إضافة إلى أن التضحية بإيران أو مخاصمتها في سوريا تصبان في مصلحة دولة واحدة هي الولايات المتحدة، وهي لم تقرر بعد إن كانت ستقف على الحياد في إدلب أم ستساند تركيا الشريكة في الناتو.

السياسة الرمادية للأتراك والروس في التعامل مع إيران، خاصة في أزمة إدلب، زادت من إرباك نظام طهران. لم يعد الإيرانيون يعرفون ماذا ينتظرهم في المفاوضات بين موسكو وأنقرة، ولا يبدو ترقب النتائج والتعامل معها لاحقا رهانا جيدا. ولكن طهران لا تقدر أن تفرض نفسها على طاولة المفاوضات بين الروس والأتراك لأنها باتت الطرف الأضعف ميدانيا، وأبرز أسباب هذا هو مقتل سليماني.

الخيار الوحيد أمام إيران الحائرة الآن هو القتال على جبهات الجيش السوري كي تمنع انهيارها. صحيح أن هذه المهمة باتت أصعب بكثير بعد مقتل سليماني، وبعد أن أصبح تدخل الطيران الروسي في المعارك على الأرض يتناغم مع إيقاع مفاوضات الأروقة المغلقة مع أنقرة. إلا أن التخلي عن دمشق وجيشها الآن، يعني ببساطة إطلاق نظام الخميني النار على قدميه وقبوله بالخسارة في سوريا.

العرب

————————-

تركيا تسقط مقاتلتين للنظام وتوجه ضربات واسعة لمطاراته… وروسيا: «لا نضمن سلامة الطيران التركي» في سوريا

هبة محمد وإسماعيل جمال

عواصم – «القدس العربي» – ووكالات: علنت تركيا رسمياً إطلاق عملية «درع الربيع» ضد النظام السوري، واستهلها الجيش التركي بحملة واسعة من الضربات الجوية، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية إسقاط مقاتلتين للنظام السوري من طراز «سوخوي 24»، إثر مهاجمتهما من قبل مقاتلات تركية، كما أوضح بيان «الدفاع» أن القوات التركية دمرت 3 منظومات دفاع جوي للنظام السوري، بينها واحدة «تسببت بسقوط طائرة تركية مسيرة في إدلب»، حسب وزارة «الدفاع» التركية، فيما أعلن رئيس مركز المصالحة الروسي في سورية، أوليغ غورافلوف ، أمس الأحد، أن موسكو لا تضمن سلامة الطيران التركي فوق سوريا بعد إغلاق المجال الجوي فوق إدلب، حسب قناة «روسيا اليوم»، وهو ما يعتبر تهديدا مضمرا بإمكانية إسقاط المقاتلات التركية.

جرى ذلك وسط تقدم بري للمعارضة السورية التي استعادت عدداً من المناطق وصل إلى أكثر من 9 قرى، حسبما قال المتحدث العسكري باسم الجبهة الوطنية النقيب ناجي مصطفى، لـ»القدس العربي»، تزامناً مع تأكيد أنقرة أن لقاء سيعقد بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في الخامس من الشهر الجاري في موسكو، وذلك على وقع استمرار أزمة المهاجرين وعبور 80 ألف شخص الحدود التركية نحو دول الاتحاد الأوروبي، الذي دعا لقمة طارئة على مستوى وزراء الخارجية.

ومع انتهاء مهلة نهاية شباط/فبراير التي منحها الرئيس التركي للنظام السوري من أجل الانسحاب من حدود نقاط المراقبة التركية واتفاق «سوتشي»، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الأحد، أن «عملية درع الربيع»، ضد قوات النظام السوري في محافظة إدلب، بدأت «عقب الاعتداء الغادر على القوات التركية في 27 شباط الماضي»، وأنها «مستمرة بنجاح».

وقال أكار: تم تحييد ألفين و212 عنصراً تابعاً للنظام السوري، وتدمير طائرة مسيرة، و8 مروحيات، و103 دبابات، و72 مدفعية وراجمة صواريخ، و3 أنظمة دفاع جوي لغاية اليوم»، مشدداً على أنه «لا نية لدينا للتصادم مع روسيا، هدفنا هو إنهاء مجازر النظام ووضع حد للتطرف والهجرة».

وقالت وكالة النظام «سانا» إن وحدات الجيش أسقطت الأحد 3 طائرات مسيرة «للنظام التركي «خلال عملياتها ضد التنظيمات الإرهابية على محور سراقب بريف إدلب الجنوبي الشرقي». كما اعلنت «القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة» إغلاق المجال الجوي لرحلات الطائرات ولأي طائرات مسيرة فوق المنطقة الشمالية الغربية من سوريا. وعقب ذلك، أكدت المعارضة السورية أنها أسقطت طائرة سوخوي ثالثة تابعة للنظام السوري، الذي اعترف بسقوط طائرتين له ونجاة الطيارين، معلناً إسقاط عدد من الطائرات التركية المسيرة وإغلاق المجال الجوي لمحافظة إدلب شمال البلاد.

وبالتزامن مع ذلك، واصلت الطائرات التركية المسيرة تنفيذ ضربات مكثفة ضد أهداف للنظام السوري في إدلب وحلب وحماة. وبثت وزارة الدفاع التركية مشاهد لتدمير دبابات وعربات عسكرية وتجمعات لجنود النظام، كما أعلنت الوزارة استهداف مطار النيرب العسكري في حلب وإخراجه من الخدمة.

من جهة أخرى عادت محافظة درعا، جنوب سوريا، إلى دائرة التصعيد مجدداً، حيث حاصرت قوات النظام السوري، فجر الأحد، مدينة الصنمين في الريف الشمالي لدرعا، وقصفتها بالدبابات والهاون، ما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين بينهم طفل وسيدة، فيما خرجت مظاهرات سلمية في كل من مدينة درعا البلد وبصرى الشام، شرقي درعا للمطالبة بإسقاط النظام وإنهاء وجود الميليشيات الإيرانية في الجنوب.

وقالت مصادر محلية ان قوات «الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، اقتحمت مدينة «الصنمين» بالمدرعات والدبابات.

وفي الطرف المقابل، قتلت وجرحت مجموعة من عناصر من قوات النظام خلال الاشتباكات مع فصائل المعارضة في مدينة الصنمين, وأفادت مصادر خاصة أن عناصر سابقين في فصائل المعارضة استهدفوا بقذيفة «آر بي جي» مجموعة لقوات النظام كانت تحاول اقتحام مدينة الصنمين شمالي درعا.

80 ألف مهاجر سوري على أبواب اليونان و»خارجية» الاتحاد الأوروبي تدعو لاجتماع طارئ

قال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، إن عدد المهاجرين غير النظاميين الذين غادروا الأراضي التركية باتجاه أوروبا، بلغ 80 ألفاً و888 شخصاً. وقامت السلطات اليونانية بالتصدي لموجات المهاجرين بالقوة. وتحدثت مواقع ووكالات عن حرق بعض مخيمات النازحين على الحدود، فيما حذرت مفوضية الأمم المتحدة السلطات من الإفراط في استعمال القوة ضدهم.

في السياق ذاته، دعا الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وزراء خارجية الاتحاد إلى اجتماع طارئ الأسبوع المقبل لبحث التطورات في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، مبدياً استعداد الاتحاد الأوروبي للمساهمة من أجل إنهاء الأزمة.

شيّع حزب الله عدداً من قتلاه الذين سقطوا في الأيام القليلة الماضية في محيط سراقب في منطقة إدلب في سوريا، بعد استهدافهم من قبل الجيش التركي، ما أدى الى مقتل حوالى 12 عنصراً وجرح حوالى 30، حسب حصيلة غير نهائية.

تزامناً، تمّ عبر خدمة الواتساب التداول بتسجيل صوتي لشاب لم تتأكد هويته، يطلب الدعاء للعودة سالمين من سوريا. وقال الشاب بصوت حزين «نسمع أخباراً أنه في سوريا عملوا اتفاق الأتراك والروس وجيش النظام على شباب الحزب، روّحوا خيرة الشباب بسوريا».

————————————–

بلومبيرغ: نشر تركيا طائراتها المسيرة في سوريا هو تحد لأنظمة بوتين الدفاعية

لندن – “القدس العربي”: نشر موقع “بلومبيرغ” تقريرا أعده مراسلها سيلجان هاجاوغلو عن أثر الطائرات المسيرة التركية القاتلة التي نشرتها أنقرة في المواجهة الحالية في سوريا وتمثل تهديدا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وجاء فيه إن تركيا نشرت طائراتها القاتلة لضرب قوات النظام السوري المدعومة من روسيا فيما وصف مسؤول بارز إن الطيران المسير يعتبر إبداعا عسكريا يظهر القوة التكنولوجية التركية في ساحة المعركة.

وقال مسؤول تركي بارز إن انتقام تركيا على مقتل 33 من جنودها الأسبوع الماضي جاء على شكل فعل منسق من العمليات بالطائرات المسيرة. وأضاف هذا المسؤول المطلع على سياسة أردوغان في سوريا إن هذه هي المرة الأولى التي تسيطر فيها تركيا على المجال الجوي السوري عبر نشر أسراب من الطائرات المسيرة.

ويضيف الموقع إن سلسلة الغارات التي شنتها تركيا من خلال طائرات موجهة منذ الخميس، ضربت قواعد عسكرية ومراكز للحرب الكيماوية حسبما قال الجيش التركي. إلا أن تركيا حددت ودمرت دفاعات جوية صاروخية مما أثار أسئلة حول فاعلية الأجهزة الروسية التي نشرتها موسكو لحماية النظام السوري لمنع الغارات الجوية.

وفي تغريدة نشرها على تويتر تشارلي ليستر، مدير برنامج التطرف ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط: “هذا أمر لم تستطع عمله سوى إسرائيل حتى الآن”، في إشارة إلى لقطات فيديو التقطتها الطائرات التركية المسيرة وتظهر الدمار الذي حل بالدفاعات الجوية. وقال إن تركيا تقوم “بشن حملة جوية من خلال طائرات مسيرة” مدعومة بغارات صاروخية. ويشير الموقع إلى تكتيك يهدد بوضع تركيا، عضو الناتو بمواجهة مباشرة مع روسيا مما يزيد من حالة التوتر في العلاقات التركية- الروسية، في وقت يحضر فيه أردوغان للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جهد لتخفيف التوتر بسوريا. وعمل الزعيمان معا لإنهاء الحرب الأهلية السورية المشتعلة منذ تسعة أعوام رغم وقوفهما على الجانب المضاد فيها. ولكنهما اختلفا حول من سيسيطر على محافظة إدلب، في شمال- غرب سوريا والقريبة من الحدود التركية.

وتسيطر روسيا على الأجواء السورية كجزء من العملية العسكرية التي شنها بوتين لحماية الرئيس بشار الأسد، ونشر نظام إس-400 الصاروخي لتأمين المجال الجوي، في وقت تقوم فيه المقاتلات الروسية بتوفير الغطاء الجوي للقوات التابعة للأسد. وتدعم القوات التركية المقاتلين المعارضين للأسد، وفي الوقت نفسه عبرت أنقرة عن مخاوفها من موجة رحيل جماعي جديدة باتجاه حدودها. وردت سوريا على حملة الطائرات المسيرة التركية بالإعلان عن إغلاق المجال الجوي فوق إدلب.

وقالت وكالة الأنباء السورية نقلا عن مسؤول عسكري سوري لم تسمه: “أي طائرة تخرق المجال الجوي السوري سيتم التعامل معها كمقاتلة معادية يجب إسقاطها”. وأعلنت تركيا يوم الأحد عن إسقاطها مقاتلتين تابعتين للنظام في دمشق من نوع سو-24 ، كما ودمرت ثلاث دفاعات جوية سورية مؤكدة سقوط طائرة بدون طيار.

وترغب تركيا برسم منطقة بشمال سوريا كجزء من محاولاتها إعادة توطين ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون حاليا في تركيا. ويناقش بوتين أن سيطرة النظام السوري على كل المناطق في البلاد هو الضامن الوحيد لأمن تركيا وحدودها.

ونفت روسيا أية مشاركة في الهجوم الذي قتل 33 جنديا تركيا في 27 شباط/فبراير ويعد أكبر خسارة للجيش التركي منذ عقود، مع أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف علق قائلا إن روسيا لا تستطيع السيطرة على القوات السورية التي تقوم بضرب “الإرهابيين” في إدلب. واتهم المسؤولون الأتراك روسيا بعدم عمل ما يجب للحد من عدوان جيش النظام السوري.

وطالما استقبلت تركيا مناورات عسكرية للناتو باسم “مناورة نسر الأناضول” التي يتم فيها التدرب على ضرب أنظمة الدفاع الروسية. وشاركت إسرائيل مرة في مناورة من هذه المناورات. ووصفت تركيا عمليتها العسكرية الرابعة في سوريا بـ”درع الربيع”. وبدا واضحا من محاولة تركيا إظهار قدرتها الجوية حيث نشرت وزارة الدفاع سلسلة من لقطات الفيديو على تويتر وتظهر تدمير الدبابات والمدافع السورية نتيجة لهجمات الطائرات المسيرة.

————————

أردوغان: كبدنا النظام السوري أكبر خسارة في تاريخه

أردوغان: كبدنا النظام السوري أكبر خسارة في تاريخه أردوغان: ليست لتركيا أي مشكلة مع روسيا وإيران في سوريا (Getty)

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن التركي كبّدت النظام السوري أكبر خسارة في تاريخه، معتبراً أن خسائر النظام البشرية والمادية حتى الأن، “ما هي إلا بداية”.

أردوغان وخلال مشاركته في فعالية ل”حزب العدالة والتنمية” في العاصمة أنقرة، قال: “سنؤكد لهؤلاء الغافلين، على أننا دولة كبيرة لا تنحني ولو قُطع رأسنا، وأقول لروسيا وإيران مجددا، ليست لتركيا أي مشكلة معكما في سوريا”.

وأكد الرئيس التركي أن قوات النظام السوري سيكون مصيرها الهلاك في حال لم تنسحب إلى الحدود التي أوضحتها تركيا، لافتاً إلى أن تقارير اللجنة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، أظهرت ارتكاب النظام السوري جرائم حرب باستهدافها المدنيين والمنظمات الطبية.

وتواصل تركيا تنفيذ عملية عسكرية، باسم “درع الربيع” أطلقتها الأحد ضد قوات النظام السوري في إدلب، رداً على استهداف النظام 33 جندياً تركياً في 27 شباط/ فبراير.

وفي معرض تعليقه على عملية درع الربيع ، قال أردوغان: “واجب علينا دحر وتدمير من تسبب في استشهاد جنودنا”.

وفي كلمة أخرى ألقاها خلال لقائه مع ممثلي المنظمات المدنية في أنقرة، قال أردوغان: “مقابل كل شهيد لنا قمنا بتحييد العشرات من قوات النظام السوري، وبإسقاط طائراته وتدمير دباباته.. جعلناه يدفع الثمن غاليا”.

وأعلن أنه سيبحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين التطورات الحاصلة في إدلب، معرباً عن أمله في التوصل إلى خطوة لوقف اطلاق النار أو خطوات أخرى لإنجاز عملية درع الربيع بسرعة.

وأضاف “نسعى لتفعيل كافة القنوات الدبلوماسية إلى جانب كفاحنا الميداني، من أجل إنجاح العملية بأسرع وقت، ووقف نزف مزيد من الدماء”.

وأشار إلى أن الجهات التي فشلت في تركيع تركيا خلال محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو 2016، تجدد محاولاتها هذه المرة عبر سوريا، لافتا أن بلاده ستلحق هزيمة جديدة بهذه الجهات.

وعن تدفق ملايين اللاجئين والمهاجرين نحو أوروبا، قال أردوغان: “منذ فتح حدودنا أمام اللاجئين، بلغ عدد المتدفقين نحو الدول الاوروبية مئات الآلاف وسيصل هذا العدد الى الملايين”، مؤكداً أن بلاده عازمة على عدم تحمل عبء مستدام لملايين اللاجئين على حدودها والفارين من النظام الظالم والمنظمات الإرهابية.

وعن التطورات العسكرية في عملية “درع الربيع” في إدلب، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن “درع الربيع” تتواصل بنجاح وفق المخطط لها. وقال: “تتواصل العملية إلى الآن بنجاح وفق المخطط لها، والتي تأتي في إطار الدفاع المشروع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات أضنة وسوتشي وأستانة، بهدف توفير الأمن والاستقرار في المنطقة، وحماية حدودنا وشعبنا وإنهاء المأساة الإنسانية في المنطقة”.

وأكد الوزير التركي أن القوات المسلحة التركية ردّت وسترد بالمثل وبشكل أقوى على جميع الاعتداءات. وأعلن أنه تم تحييد 2557 عنصراً للنظام السوري في إطار عملية درع الربيع، بجانب تدمير مقاتلتين و8 مروحيات وطائرتين مسيرتين و135 دبابة و5 منصات دفاع جوي، و16 مضاد طيران، و77 عربة مدرعة، و9 مستودعات ذخيرة.

وأوضح أن بلاده كدولة ضامنة التزمت وتواصل التزامها بكافة مسؤولياتها المنبثقة من الاتفاقيات، داعيا روسيا للوفاء بالتزاماتها أيضا وإيقاف هجمات النظام السوري واستخدام نفوذها في إرجاع النظام لحدود اتفاقية سوتشي.

المدن

——————-

نائل بلعاوي.. المشهد المظلم في أوروبا 2020

لم تعد أوروبا 2020 هي تلك التي عرفناها في 2015، تلك المتسامحة والمرحبة والفاتحة أبوابها في وجوه اللاجئين، فقد تبدلت الأحوال والمعطيات والسياسات والمشاعر، واختلفت الوقائع بالتالي عما كانت عليه آنذاك.. صارت مظلمة وقاسية ونقيضة لسابقاتها الوردية والإنسانية الكثيفة!

ذهب التسامح الأوروبي وغاب الترحاب، والأبواب أغلقت، وعادت ثقافة “نحن اولاً” إلى مطرحها الأثير والراسخ في الوعي الجمعي عند سكان هذه القارة الموحدة الان، رسمياً وشعبياً، حول خطاب “لا نريد المزيد من الاجانب”!

رسمياً وشعبياً، أكرر، فالخطاب الرسمي المعلن والواضح والصريح، يؤكد أن أبواب القارة لن تٌفتح، وردود الأفعلل الشعبية مرحبة وسعيدة بمثل هكذا قرار، وهي واضحة ومعلنة ومرئية في المواقع والصحف، كما في المقاهي والشوارع والسجالات الدائرة حول هذه القضية.

اتحدث هنا عن الوقائع ولا أحلل بالطبع، والوقائع هادرة ولا تحتاج تحليلاً أو عبقرية تفكك ألغازها: اليمين الأوروبي في أوج تألقه وسطوته، وخطابه يدور حول ثيمة واحدة : “خطر الأجانب”! والأزمات الاقتصادية مشتعلة في أنحاء القارة.. ثم كورونا! نعم كورونا.. هذا الفيروس الذي تحول إلى سبب جديد لرفض استقبال المزيد من اللاجئين: “لا نعلم شيئاً عن أعداد الذين أصيبوا بكورونا من بين هؤلاء الذين يحاولون الوصول الينا، ماذا لو كانت الأعداد كبيرة، وهذا ممكن، ومذا سنفعل حينها؟”.

قرأت هذا الكلام حرفياً في صحيفة نمساوية اليوم، وهو منتشر الآن في الإعلام الأوروبي عموماً!

المشهد مظلم تماماً، ولا أعتقد بأن اولئك الذين يحلمون بمغادرة تركيا واليونان إلى أوروبا الغربية، على علم أكيد بظلامية المشهد القائم. وربما يعلمون ولا يبالون؟ فأوضاعهم الكارثية تستدعي الركون للأحلام والأوهام والاشتباك بمخالب المجهول، وهنا بالضبط تبرز مهمة المنظمات السورية الفاعلة والصادقة، إن وجدت، لتقول لأولئك الضحايا الذين تقطعت بهم السبل: لا تضعوا حيواتكم وأموالكم القليلة في سلال تجار الأوهام والأرواح، فأوروبا اليوم ليست أوروبا 2015، ومراكز الاحتجاز الكبيرة تنتظر على الحدود.

وهي مهمة جليلة ومطلوبة على الفور.

(*) مدونة نشرها الكاتب الفلسطيني نائل بلعاوي في  صفحته الفايسبوكية.

—————————-

النظام يخترق سراقب..والمعارضة على أبواب أيقونة الثورة

شهدت جبهات جنوب وشرق إدلب، الاثنين، معارك هي الأعنف بين قوات النظام والمعارضة السورية، وحقق طرفا القتال في الدفاع والهجوم مكاسب ميدانية كبيرة وسط تصعيد غير مسبوق لعمليات القصف المتبادل، جواً وبراً، ووقوع خسائر من الطرفين في الأعداد والعتاد الحربي.

وتمكنت قوات النظام والمليشيات الموالية لها من التقدم داخل أحياء مدينة سراقب، الاثنين، وسيطرت على أكثر من 75 في المئة من أحياء المدينة بعد أن هاجمتها من محورين رئيسيين، جهتي الشرق والجنوب.

ومهدت قوات النظام والمليشيات لتقدمها الذي بدأ منذ فجر الاثنين، بقصف جوي وبري هائل استهدف مواقع المعارضة المتقدمة على الطريق الدولي السريع “إم5” والذي كان الخط الفاصل في خريطة السيطرة بين الطرفين داخل المدينة التي شهدت وما تزال معارك عنيفة قتل خلالها العشرات من مقاتلي المعارضة والمليشيات.

الطائرات الحربية نفذت عشرات الغارات الجوية على أحياء سراقب، وأطرافها بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، واشتركت المليشيات الإيرانية بشكل أكبر في الهجمات البرية والاشتباك المباشر مع مقاتلي المعارضة داخل المدينة وفي الأطراف. وتحاول القوات المهاجمة فرض سيطرتها الكلية على المدينة عبر تكثيف الهجمات والقصف لإجبار المعارضة على الخروج، في حين دفعت الفصائل المعارضة مؤخراً بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى جبهات سراقب للتصدي لقوات النظام والمليشيات.

وقال الناشط الإعلامي عبد الفتاح الحسين ل”المدن”، إن قادة من “فيلق القدس” المدعوم من الحرس الثوري الإيراني، وقادة ميدانيين من “حزب الله اللبناني” قادوا المعركة في سراقب وضواحيها شرقي ادلب. وأوضح أن مقاتلي حزب الله والمليشيات الإيرانية استخدموا سيارات الإسعاف للتنقل بحرية في جبهات القتال وتفادي قصف الطائرات التركية المسيرة التي حلقت بكثافة في الأجواء.

مصادر عسكرية في “الجبهة الوطنية للتحرير” أكدت ل”المدن”، أن قوات النظام والمليشيات تعرضت لخسائر كبيرة في هجماتها الأخيرة في أحياء سراقب ومحيطها. ودمرت الفصائل ثلاث مدرعات واغتنمت أسلحة وذخائر، واستهدفت الطائرات التركية عددأً من آليات المليشيات الثقيلة في أطراف المنطقة الصناعية وسوق الهال بينها أربع راجمات صواريخ. كما استهدفت بشكل مركز مجموعتين للمليشيات المقتحمة.

وبحسب المصادر، انتشرت تعزيزات الفصائل في محاور القتال داخل المدينة وفي أطرافها وبدأ العمل على استعادة المواقع التي تقدمت فيها القوات المهاجمة.

وتحاول قوات النظام والمليشيات الموالية تحقيق السيطرة الكاملة على سراقب ومحيطها وتأمين الطريق الدولي السريع “إم5” مجدداً لما له من رمزية يمكن التعويل عليها لرفع معنويات تشكيلاتها التي بدت منهارة خلال الأسبوع الماضي بسبب الهزائم المتواصلة والخسائر الكبيرة في صفوفها، وبشكل خاص “حزب الله” والمليشيات الإيرانية عموماً والتي أصبحت تعتبر المعركة تخصها، لذا دفعت بنخبة قواتها في الهجمات الأخيرة.

على أبواب كفرنبل

حققت المعارضة تقدماً جديداً في جبهات القتال في الأطراف الجنوبية لمنطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب. وسيطرت الاثنين، على قرى البريج ومعارة مخص حرش كفرنبل وعدد من المواقع والنقاط في المدخل الغربي للمدينة، وتتواصل المحاولات من قبل الفصائل لدخول الأحياء الأولى لكفرنبل “أيقونة الثورة” وسط قصف بري متبادل.

واستهدفت الطائرات التركية المسيرة عدداً من المركبات العسكرية والمدرعات لقوات النظام في محيط كفرنبل، ودمرت راجمات صواريخ ودبابتين على الأقل، في حين اغتنمت الفصائل المهاجمة دبابة وأسلحة متوسطة من المواقع التي تقدمت فيها في ضواحي المدينة والتلال المحيطة.

وأكدت مصادر ميدانية ل”المدن”، أن استعادة السيطرة على كفرنبل يسهل على الفصائل المعارضة مواصلة عملياتها الهجومية بشكل أسرع باعتبارها المركز العمراني الأكبر من بين القرى والبلدات التي تقدمت نحوها قوات النظام والمليشيات الموالية منذ 23 شباط/فبراير في ريف ادلب الجنوبي وسهل الغاب شمال غربي حماة.

تصعيد مرتقب

وفي اليوم الثاني من العملية العسكرية “درع الربيع” والتي أطلقها الجيش التركي ضد قوات النظام في إدلب يتوقع أن توسع الفصائل المعارضة جبهات القتال لتشمل محاور جديدة خلال الأيام القليلة القادمة، مستفيدة من حالة الاستنزاف التي تعاني منها قوات النظام والمليشيات الموالية في غالبية جبهاتها، وأيضاَ، الاستفادة بشكل أكبر من الدعم الناري الذي يقدمه الجيش التركي، براً وجواً.

———————

إدلب:النظام عاجز..والمليشيات الايرانية تحشد/ خالد الخطيب

تشهد جبهات إدلب تطورات ميدانية متسارعة وتغير مستمر في خريطة السيطرة بين المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام والمليشيات الموالية لها من جهة ثانية، والتي بدت منهارة في محاور العمليات جنوبي إدلب، وعاجزة عن استعادة المبادرة في الجبهات الشرقية بسبب الخسائر الكبيرة في المعارك والقصف الجوي والبري الذي استهدف مواقعها القريبة من خطوط التماس وفي مناطق العمق.

الجبهات الجنوبية

وتابعت فصائل المعارضة هجومها البري الأعنف في جبهات جنوبي إدلب مستهدفة مواقع قوات النظام والمليشيات في محوري سهل الغاب والأطراف الجنوبية لمنطقة جبل الزاوية، وتمكنت من استعادة السيطرة على أكثر من 10 قرى وبلدات، أهمها الفطيرة والقاهرة والدار الكبيرة، وتستمر الفصائل في عملياتها الهجومية وتمهد لتقدمها بقصف مواقع قوات النظام والمليشيات في محوري التقدم.

الطائرات التركية المسيرة ركزت في غاراتها الجوية على استهداف خطوط إمداد قوات النظام ومقراتها وقواعد مدفعيتها الثقيلة القريبة من خطوط التماس، واستهدفت الطائرات بشكل أكبر أرتال الدعم والإسناد المتنقلة بين المحاور وقيدت حركتها بشكل شبه كامل بعد أن أعطبت ودمرت عدد كبير من الآليات العسكرية، وتشترك النيران التركية البرية في التمهيد الناري، وتقصف بشكل مركز دفاعات قوات النظام وتجمعاتها في أطراف البلدات المستهدفة بالهجوم البري.

خسائر قوات النظام والمليشيات الموالية كانت الأعلى، الأحد، حيث تمكنت المعارضة من تدمير أكثر من 20 آلية عسكرية خلال عمليات التقدم، بينها مدرعات ودبابات، واغتنمت مستودع ذخيرة ومدافع هاون ودبابة t72 وصواريخ مضادة للدروع في بلدة القاهرة، واغتنمت ثلاثة دبابات أخرى في محاور سهل الغاب وجبل الزاوية.

المنسق الإعلامي في “الجيش الوطني” يحيى مايو أكد ل”المدن”، أن دفاعات قوات النظام والمليشيات الموالية في انهيار مستمر مع بداية العمليات العسكرية الأكثر جدية في إطار عملية “درع الربيع” التي أطلقها الجيش التركي وفصائل المعارضة مؤخراً. وأوضح أن فصائل المعارضة اغتنمت ودمرت الجزب الأكبر من عتاد القوة الهجومية لقوات النظام في جبهات جنوبي إدلب، ملاحقة فلول قوات النظام جواً وبراً متواصلة.

الجبهات الشرقية

فشلت قوات النظام والمليشيات الموالية مجدداً في استعادة مدينة سراقب وضواحيها القريبة في ريف ادلب الشرقي، وبرغم تكرار محاولاتها، الأحد، وبدعم ناري جوي وبري كثيف إلا أنها لم تنجح في تخطي الطريق الدولي السريع “إم5” والوصول إلى أحياء المدينة الغربية، وتعرضت مواقعها ومجموعاتها المنتشرة في حي الصناعة لقصف صاروخي ومدفعي عنيف شنته الفصائل المعارضة والجيش التركي وتسبب في مقتل وجرح عدد كبير من عناصرها.

وتمكنت قوات النظام والمليشيات من التقدم جزئياً في بعض المحاور في ريف المدينة الجنوبي وما تزال المعارك مستمرة بين الطرفين، وتحاول قوات النظام الاستفادة من التعزيزات العسكرية التي تتوافد بكثافة إلى جبهات القتال شرقي إدلب لاستعادة مواقعها والانتقال من الحالة الدفاعية إلى الهجوم بعد أن أنهكت بسبب القصف والمواجهات المباشرة.

لواء الباقر في سوريا

ودفعت قوات النظام بالمزيد من المجموعات النوعية من المليشيات الإيرانية في جبهات شرقي إدلب لتحقيق توازن في المعارك القريبة، أبرز المليشيات المشتركة في العمليات الهجومية، “حزب الله اللبناني” و “لواء الباقر” و “لواء زينبيون” و “لواء فاطميون” و”فيلق المدافعين عن حلب” و “فوج ذو الفقار” و “قوات الرضا” وغيرها.

حزب الله والمليشيات الإيرانية

وبدت الميليشيات الإيرانية مؤخراً أكثر انخراطاً في المعارك إلى جانب قوات النظام في منطقة العمليات شرقي إدلب وهي من تقود العمليات فعلياً وتنتشر في أكثر من 80 في المئة من خطوط التماس على الأطراف الغربية للطريق الدولي السريع “إم5”. وبدا اندفاع المليشيات الإيرانية تحدياً عملياً للجيش التركي والمعارضة وخطوة متقدمة للانتقام لقتلاها الذين سقطوا بالعشرات خلال اليومين الماضيين.

وكانت المليشيات الإيرانية قد منيت بخسائر كبيرة في صفوفها بسبب الضربات الجوية التركية التي استهدفت مواقعها القريبة من خطوط القتال شرقي ادلب ومواقعها البعيدة في محيط حلب وريفها الجنوبي والشمالي، وزاد عن 40 عدد عناصرها الذين قتلوا في المواجهات المباشرة والقصف، وتوزعوا على عدة تشكيلات، أبرزها، فاطميون زينبيون والباقر وحزب الله اللبناني والمدافعين عن حلب، وخسرت بلدتا نبل والزهراء لوحدهما أكثر من 10 عناصر قتلوا في محور الطلحية إلى جانب قتلى حزب الله.

 دخول المليشيات الإيرانية بشكل أكبر في معارك ادلب، وبالأخص المجموعات التي يقودها “حزب الله اللبناني”، يبدو تحركاً موازياً للتهديدات التي أطلقها أنصار الحزب، والتي تدعو للانتقام بسبب الخسائر الأخيرة.

—————–

عندما تتساقط الطائرات في سماء إدلب

تصاعدت العمليات العسكرية في ريف إدلب بين قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها من جهة وبين الجيش التركي والمعارضة السورية من جهة أخرى. وتوسعت رقعة المواجهات لتشمل الطائرات الحربية لكلا الطرفين.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية عن إسقاط مقاتلتين للنظام السوري من طراز سوخوي 24. وذكر بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية أن إسقاط المقاتلتين التابعتين للنظام جاء إثر مهاجمتهما مقاتلات تركية.

كما أوضح البيان أن القوات التركية دمرت 3 منظومات دفاع جوي للنظام السوري، بينها واحدة تسببت في سقوط طائرة تركية مسيرة في إدلب.

وقال مصدر عسكري تركي إن طائرات حربية إف 16 اعترضت بصواريخ “جو جو” طائرتين حربيتين لقوات النظام من نوع سوخوي 24، وتسببت بإسقاطهما في منطقة معرة النعمان التي تسيطر عليها قوات النظام.

وأوضح المصدر أن الطائرات الحربية التركية نفذت ضرباتها من داخل الأجواء التركية، وذلك رداً على إسقاط النظام طائرة تركية مسيرة في أجواء مدينة إدلب.

واعترفت وكالة “سانا” التابعة للنظام بإسقاط الطائرتين، وقالت إن تركيا استهدفت طائرتين حربيتين وإن الطيارين هبطا بالمظلات بسلام ضمن مناطق سيطرة النظام.

كما أعلنت “سانا” أن قوات النظام أسقطت 3 طائرات مسيرة تركية في محيط مدينة سراقب.

وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المعارضة السورية تمكنت من اسقاط طائرة حربية تابعة لقوات النظام في ريف إدلب، وألقت القبض على الطيار وهو على قيد الحياة.

وبعد دقائق على الحادث أعلنت قوات النظام السوري عن إسقاط طائرة تركية مسيرة فوق مدينة سراقب، كما أعلنت عن إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات في شمال شرق البلاد، وهددت بإسقاط أي طائرة تخترقه.

وبحسب وكالة الأناضول فقد خرج مطار النيرب العسكري في حلب عن الخدمة بعد استهدافه من قبل الجيش التركي.

وفي وقت سابق، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن “عملية درع الربيع ضد قوات النظام السوري في إدلب بدأت عقب الاعتداء على القوات التركية في 27 شباط/ فبراير.

وأشار إلى أن حصيلة خسائر النظام السوري جراء العملية شملت تحييد ألفين و212 عنصرا، وتدمير طائرة مسيرة، و8 مروحيات، و103 دبابات، و72 من المدافع وراجمات الصواريخ، و3 أنظمة دفاع جوي.

————–

أردوغان يمعن في تهديد أوروبا بورقة اللاجئين

غرق طفل وفقدان آخرين قبالة سواحل جزيرة ليسبوس اليونانية في عمليات إبحار سهلتها السلطات التركية لابتزاز أوروبا ماليا وسياسيا وجرها إلى مستنقع الحرب السورية.

كاستانيي/ليسبوس – مأساة اللاجئين تطفو على السطح مجددا بعد أن لقي طفل حتفه إثر غرق قارب للمهاجرين قبالة سواحل جزيرة ليسبوس اليونانية، في أول حالة وفاة يتم الإعلان عنها منذ أن فتحت الحكومة التركية الحدود الأسبوع الماضي للسماح للمهاجرين بالوصول إلى أوروبا في حركة ابتزاز مالي وسياسي للحصول عن تأييد أوروبي لعملياتها العسكرية في شمال سوريا وخصوصا في إدلب، والحصول على مزيد من الأموال.

وقال خفر السواحل اليوناني، الاثنين، إن طفلا توفي بعد أن سُحب من مقعده عندما غرق قارب كان محملا بنحو 50 شخصا قبالة جزيرة ليسبوس اليونانية، وقد وصل إلى هناك برفقة سفينة تركية. وتم إنقاذ 46 شخصا ونُقل طفلان إلى المستشفى لكن لم يتمكن الأطباء من إنعاش أحدهما.

ووصل نحو 1300 طالب لجوء بين صباح الأحد وصباح الاثنين إلى الجزر اليونانية الخمس في بحر إيجه القريبة من تركيا، في ارتفاع كبير في أعدادهم منذ قرار أنقرة فتح أبوابها أمام المهاجرين، حسب ما أكد مانوس لوغوتيسيس مسؤول وكالة اللجوء اليونانية.

وقال لوغوتيسيس “الارتفاع في عدد الوافدين كبير، فقد انتقلنا من معدل 200 أو 300 مهاجر في الأسبوع، إلى ما بين 500 و800 في الأيام الأخيرة”.

والأسبوع الماضي قالت تركيا، التي تستضيف 3.7 مليون مهاجر سوري بينما يوجد مليون آخرون على أعتابها نزحوا بسبب موجة جديدة من القتال، إنها ستتوقف عن تطبيق اتفاق يعود لعام 2016 منع المهاجرين من بلوغ أوروبا.

واتهم المسؤولون اليونانيون أنقرة بإدارة مسعى منسق لدفع المهاجرين لعبور الحدود.

وقال ستيليوس بيتساس المتحدث باسم الحكومة للصحفيين بعد اجتماع بخصوص الأمن القومي في أثينا إن “تركيا تدفع وتشجع هذا التحرك”.

ووصف تدفق المهاجرين على الحدود بأنه “تهديد فعال وخطير وغير متوازن للأمن القومي للبلاد”.

وقال مراسل لرويترز من جزيرة ليسبوس إن قاربا آخر يقل نحو 30 أفغانيا وصل إلى الجزيرة في الصباح الباكر. وأعلن خفر السواحل إنقاذ 32 آخرين قبالة فارماكونيسي، وهي جزيرة صغيرة قريبة من تركيا.

وقال وزير التنمية أدونيس جورجياديس لقناة سكاي تي.في الاثنين “هذا غزو”.

وكتب رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على تويتر في وقت متأخر من مساء الأحد إن بلاده عازمة على حماية حدودها وحذر المهاجرين من محاولة عبور الحدود حيث تم رفع درجة التأهب الأمني إلى أقصى درجة.

ومن المتوقع أن يزور ميتسوتاكيس الحدود، الثلاثاء، مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل.

واندلعت اشتباكات بين الشرطة والمهاجرين، السبت والأحد، عند الحدود البرية وأطلقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لصد مئات المهاجرين على الجانب التركي.

وفي المقابل، يواصل الرئيس التركي استثمار ورقة اللاجئين، بغية الحصول على الدعم الأوروبي. فقد كرر الاثنين قوله إن على أوروبا المشاركة في تحمل “عبء” المهاجرين.

وحض أردوغان أوروبا على المشاركة في تحمل “عبء” استقبال المهاجرين، متعهّدا بأن تواصل بلاده السماح للاجئين بمغادرتها باتّجاه دول الاتحاد الأوروبي.

كما أكد خلال خطاب ألقاء في أنقرة “بعدما فتحنا أبوابنا، تلقينا العديد من الاتصالات الهاتفية، قالوا لنا أغلقوا الأبواب. لكنني قلت لهم لقد تم الأمر، انتهى. الأبواب مفتوحة. وعليكم الآن أن تتحملوا نصيبكم من العبء”.

من الحدود اليونانية التركية

وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “التضامن الكامل” لفرنسا مع اليونان وبلغاريا اللتين تواجهان موجة تدفق للمهاجرين من تركيا، واستعداد بلاده “لتقديم مساعدة سريعة وحماية الحدود” في إطار “جهود أوروبية”.

وأعلن ماكرون في تغريدة، مساء الأحد “التضامن الكامل مع اليونان وبلغاريا، فرنسا مستعدة للمساهمة في الجهود الأوروبية لتقديم مساعدة سريعة وحماية الحدود”.

وأضاف “علينا العمل معاً لتفادي وقوع أزمة إنسانية وأزمة هجرة”.

وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، السبت، أن الاتحاد يراقب “بقلق” تدفق المهاجرين دون ضوابط من تركيا نحو حدود الاتحاد الشرقية في اليونان وبلغاريا.

وأوضحت في تغريدة “أولويتنا الأساسية في هذه المرحلة هي ضمان حصول اليونان وبلغاريا على دعمنا الكامل. نحن جاهزون لتقديم دعم إضافي، خصوصاً بواسطة فرونتكس (الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود) عند الحدود البرية”.

وعززت السلطات اليونانية والبلغارية أمن حدودها مع تركيا بعد إعلان أنقرة أنها ستسمح للمهاجرين بالعبور نحو أوروبا.

وأعلن مسؤول تركي كبير، الجمعة، أن أنقرة لن تمنع المهاجرين بعد اليوم من الوصول إلى الحدود مع أوروبا، في أعقاب مقتل 33 عسكرياً تركياً على الأقل في إدلب في شمال غرب سوريا بضربات جوية نسبتها أنقرة إلى النظام السوري المدعوم عسكرياً من موسكو.

ومن المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، الاثنين، في أنقرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمناقشة تطور الوضع في إدلب وتدفق المهاجرين إلى أبواب الاتحاد الأوروبي.

وعلى عكس الحدود اليونانية مع تركيا، حيث تجمّع آلاف المهاجرين الذين عمدت قوات الأمن اليونانية على منعهم من التقدم، لم تشهد الحدود البلغارية أي حركة مماثلة.

ولبلغاريا علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع جارتها تركيا. وبين البلدين حدود بطول 250 كلم، بنت عليها صوفيا سياجاً منذ عام 2016 لمنع المهاجرين من الدخول.

=====================

 الأمم المتحدة: تركيا قد تتحمل «مسؤولية جنائية» عن جرائم حرب في شمال سوريا

حذر محققون من الأمم المتحدة من أن أنقرة قد تكون أمام «مسؤولية جنائية» في جرائم حرب ارتكبت ضد الأكراد في شمال سوريا أواخر عام 2019، بينها إعدام مسؤولة سياسية كردية.

يأتي ذلك في سياق تصعيد قوي بين تركيا والقوات السورية المدعومة من موسكو في إدلب آخر معاقل المعارضة في سوريا، لكن الاتهامات التي يتحدث عنها المحققون غير مرتبطة بالمواجهات الأخيرة في المحافظة، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وفي تقرير نشر اليوم (الاثنين) ويتحدث عن الفترة الممتدة بين يوليو (تموز) 2019 و10 يناير (كانون الثاني) الماضي، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا أن تركيا قد تتحمل مسؤولية جنائية للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها حلفاؤها في سوريا.

وغزت تركيا وحلفاؤها في سوريا جزءاً من شمال البلاد، بعد إطلاق عملية في أكتوبر (تشرين الأول) ضد القوات الكردية أدت إلى فرار عشرات الآلاف من الأشخاص.

وتشير اللجنة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2011 إلى تقارير عن عائلات كردية نازحة، ومدنيين آخرين، اتهموا القوات السورية المدعومة من أنقرة بارتكاب عمليات إعدام ونهب ومصادرة أملاك.

وتلقي اللجنة الضوء خصوصاً على إعدام تلك القوات في 12 أكتوبر المسؤولة السياسية الكردية هفرين خلف والسائق الذي كان معها.

وكانت خلف البالغة من العمر 35 عاماً عضواً في إدارة «المجلس الديمقراطي السوري» والأمينة العامة لحزب «سوريا المستقبل». وأوقفها عناصر من الكتيبة 123 في «الجيش الوطني السوري» حينما كانت في سيارة على طريق سريع قادمة من القامشلي. وقد سحبوها من السيارة ومثلوا بجسدها قبل إعدامها، بحسب اللجنة.

واعتبر محققو الأمم المتحدة أن «هناك أسباباً للاعتقاد أن المقاتلين في الجيش الوطني السوري ارتكبوا جريمة حرب هي القتل، وارتكبوا أكثر من جريمة نهب».

ويضيف التقرير: «إذا تبين أن عناصر من المجموعات المسلحة كانت تتصرف تحت القيادة والسيطرة الفعلية للقوات التركية، يمكن أن ينتج عن هذه الانتهاكات تحميل مسؤولية جنائية للقياديين الذين كانوا على علم بهذه الجرائم، أو كان يجب أن يكونوا على علم بها، ولم يتخذوا كل الإجراءات اللازمة لمنعها».

واتهمت لجنة التحقيق الدولية أكثر من مرة مختلف أطراف النزاع السوري بارتكاب جرائم حرب، وأحياناً جرائم ضد الإنسانية.

——————————–

 حرب جوية تركية ـ سورية تختبر روسيا

أوروبا {عاجزة} عن التدخل في إدلب… وغليان في درعا بعد اقتحام النظام مدينة الصنمين

أنقرة: سعيد عبد الرازق – باريس: ميشال أبو نجم – درعا: رياض الزين

اندلعت «حرب جوية» بين الجيشين التركي والسوري، أمس، تضمنت إسقاط دمشق طائرات «درون» واستهداف القوات الجوية التابعة لأنقرة طائرتين حربيتين في ريف إدلب، ما يشكل اختباراً لروسيا لجهة تصرفها المرتقب إزاء ذلك.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري أنه «بينما كانت طائرتان سوريتان تنفّذان مهمة في منطقة إدلب، قام الطيران الحربي التركي باعتراض الطائرتين وإسقاطهما فوق الأراضي السورية». وأكد المصدر أن الطيارين قفزوا بالمظلات «بسلام». وأكدت وزارة الدفاع التركية إسقاط «طائرتي (سوخوي – 24) كانتا تستهدفان طائراتنا»، مشيرة أيضاً إلى «تدمير سلاح مضاد للطيران أسقط إحدى طائراتنا المسيّرة، فضلاً عن منظومتي مضادات طائرات».

وفي وقت سابق صباح أمس، أفاد مصدر عسكري سوري بـ«إغلاق المجال الجوي فوق محافظة إدلب». وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بدء عملية عسكرية في شمال سوريا، لافتاً إلى أنّ أنقرة لا تريد مواجهة روسيا، الحليف القوي للنظام السوري.

وقالت مصادر أوروبية إن التصعيد العسكري وتشعباته أظهر أن الاتحاد الأوروبي هو «العاجز عن التأثير الفعلي فيها».

إلى ذلك، استفاقت الصنمين في درعا على أصوات اشتباكات لم تألفها المدينة منذ اتفاق التسوية منتصف 2018، الأمر الذي أدى إلى غليان وقيام أهالٍ بالهجوم على مواقع للنظام.

—————————–

تركيا: إسقاط مقاتلتين وتحييد ألفين من النظام في إدلب

اتصال هاتفي بين لافروف وجاويش أوغلو… وتحذير إيراني

أنقرة: سعيد عبد الرازق

صعدت تركيا من ضرباتها لقوات النظام السوري وأشعلت جبهات القتال في أرياف إدلب وحلب في إطار الهجمات التي أطلقتها بعد مقتل 36 من جنودها في ضربة جوية لقوات النظام السوري على إحدى نقاط مراقبتها في جنوب إدلب ليل الخميس الماضي. وأكدت أنه ليست هناك نية للمواجهة مع القوات الروسية في سوريا وأن المباحثات مع موسكو مستمرة من أجل التوصل إلى الاستقرار في إدلب.

وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس (الأحد)، إطلاق اسم «عملية درع الربيع» على الهجوم الذي بدأته القوات التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا ضد قوات الجيش السوري في محافظة إدلب، عقب الهجوم على القوات التركية في 27 فبراير (شباط) الماضي.

وقال أكار، في تصريح من غرفة العمليات العسكرية في ولاية هطاي الحدودية مع سوريا، أمس، إن عملية «درع الربيع» مستمرة بنجاح وإنه تم تحييد ألفين و212 عنصرا من قوات الجيش السوري، وتدمير طائرة مسيرة، و8 مروحيات، و103 دبابات، و72 مدفعية وراجمة صواريخ، و3 أنظمة دفاع جوي حتى صباح أمس. وشدد على أنه «لا نية لدينا للتصادم مع روسيا، هدفنا هو إنهاء مجازر النظام ووضع حد للتطرف والهجرة… ننتظر من روسيا استخدام نفوذها لوقف هجمات النظام وإجباره على الانسحاب إلى حدود اتفاقية سوتشي».

وأضاف أكار: «لا يجب أن يساور أحد الشك في أننا سنرد ضمن حق الدفاع المشروع عن النفس على جميع الهجمات ضد نقاط المراقبة والوحدات التركية في إدلب. هدفنا الوحيد في إدلب هو عناصر النظام السوري المعتدية على قواتنا المسلحة، وذلك في إطار الدفاع المشروع عن النفس».

ولفت الوزير التركي استمرار «كفاح» قوات بلاده المسلحة ضد أي خطر يهدد أمن الحدود والمواطنين الأتراك، مشيرا إلى أن هجمات النظام السوري التي بدأت يوم 6 مايو (أيار) 2019 على إدلب، تسببت بمأساة إنسانية كبيرة. وقال أكار إن هجمات النظام على إدلب، ساهمت في تعاظم ظاهرة التطرف والهجرة، وأدت إلى مقتل أكثر من ألف و500 مدني وإصابة أكثر من 5 آلاف آخرين، ونزوح مليون و335 ألفا من ديارهم. وتابع أن «حماية حق الحياة لإخوتنا السوريين الفارين من هجمات النظام، واجبنا التاريخي والإنساني، وهدفنا الرئيسي هو إحلال الاستقرار ووقف إطلاق نار دائم».

وأوضح وزير الدفاع التركي، أن القوات التركية تواصل عملياتها بإدلب، في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات أضنة وأستانة وسوتشي. ولفت أن محادثات بلاده مع روسيا بشأن تطورات الأوضاع في إدلب، مستمرة، وأن أنقرة تنتظر من موسكو الالتزام بتعهداتها ووقف هجمات النظام وإجباره على الانسحاب إلى حدود اتفاقية سوتشي.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، إسقاط مقاتلتين تابعتين لسلاح الجو السوري من طراز «سوخوي 24» روسية الصنع، إثر مهاجمتهما مقاتلات تركية. وأضافت الوزارة، في بيان، أن القوات التركية دمرت 3 منظومات دفاع جوي للنظام السوري، بينها واحدة تسببت في سقوط طائرة تركية مسيرة في إدلب، أمس.

وذكرت وسائل إعلام رسمية سورية، الأحد، أن الجيش السوري أسقط ثلاث طائرات تركية مسيرة كانت أنقرة تستخدمها بكثافة لقصف مواقع تابعة للجيش وقواعد جوية في شمال غربي البلاد. وأن القوات التركية استهدفت طائرتين تابعتين للجيش السوري في منطقة إدلب بشمال غربي البلاد، وأن الطيارين تمكنوا من الخروج بالمظلات وحالتهم جيدة. وكان مصدر عسكري سوري أعلن، في وقت سابق، أمس، أنه تم إغلاق المجال الجوي فوق المنطقة الشمالية الغربية من سوريا وبخاصة فوق محافظة إدلب، مشيرا إلى أنه «سيتم التعامل مع أي طيران يخترق مجالنا الجوي على أنه طيران معاد يجب إسقاطه ومنعه من تحقيق أهدافه العدوانية».

ونشرت وزارة الدفاع التركية، مشاهد جديدة لنجاح طائرات مسيرة تابعة لها في تدمير مواقع للنظام السوري في محافظة إدلب وريف حلب. تظهر فيها عمليات قصف دقيقة نفذها طيران مسير تركي على أهداف للنظام السوري في مدينة سراقب بريف إدلب، وبلدات الزربة، والشيخ أحمد، والطلحية بريف حلب. ووفق المشاهد، أدى القصف إلى تدمير أسلحة ثقيلة تابعة للجيش السوري بينها دبابات وناقلات جنود، ومضادات دروع، ومركبات عسكرية أخرى. وأفادت وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية التركية بأن مطار النيرب العسكري السوري في حلب خرج من الخدمة إثر استهدافه من قبل قوات الجيش التركي.

واستعادت فصائل المعارضة السورية، بدعم تركي، السيطرة على خمس قرى جديدة في ريف حماة، بعد أن كانت أطلقت أول من أمس السبت معركة في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب وسهل الغاب في حماة. وأفادت مصادر محلية بأن الفصائل سيطرت على قرى العنكاوي والقاهرة والمنصورة وتل زجرم وقليدين في سهل الغاب بريف حماة، بعد مواجهات مع قوات النظام والميليشيات الداعمة لها. كما أعلنت الفصائل أمس سيطرتها على بلدة الدار الكبير في جنوب إدلب بعد سيطرتها مساء أول من أمس على قرى كفرعويد وسفوهن والحلوبة في ريف إدلب، إضافة إلى الزقوم وقسطون في ريف حماة.

– مقتل عناصر ميليشيات إيرانية

نقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر إيرانية أن 21 عنصراً من الميليشيات الإيرانية قتلوا نتيجة القصف التركي الذي استهدف مواقعهم في منطقة «خفض التصعيد» في شمال غربي سوريا.

واعترف التلفزيون الإيراني الرسمي بمقتل هذه العناصر في الضربات التي نفذها الجيش التركي في إدلب، موضحا أن القتلى ينتمون إلى ميليشيا «فاطميون» و«زينبيون»، وأنهم قتلوا في إدلب يوم الجمعة الماضي. وأكدت «المستشارية العسكرية الإيرانية» في سوريا، في بيان أمس، استمرار القصف المدفعي التركي في إدلب، ودعت أنقرة إلى «تحكيم العقل» والأخذ بعين الاعتبار «مصالح شعبها».

وفي إشارة إلى القصف التركي لمواقع النظام السوري، أول من أمس، وإصابة عناصر إيرانية ولبنانية من أعضاء حزب الله، أفاد البيان، بأن المستشارية أصدرت أوامر لقواتها بعدم الرد على العسكريين الأتراك في إدلب حفاظا على أرواحهم.

ووجه بيان المستشارية العسكرية تحذيرا للقوات التركية بالقول: «نؤكد مرة أخرى أن أبناء الشعب التركي في الجيش بمنطقة إدلب في مرمى قواتنا العسكرية، حيث من السهولة بمكان أن ننتقم منهم لقصف مراكزنا ولكننا طالبنا قادتنا العسكريين بالعمل على ضبط النفس». ودعا البيان العسكريين، الأتراك، إلى «الضغط على قادتهم السياسيين للحيلولة دون إراقة دماء العسكريين الأتراك على الأراضي السورية». وأسفرت الضربات التركية عن مقتل 10 من حزب الله اللبناني في ريف إدلب، و4 آخرين من ميليشيات عاملة معه، أحدهم ضابط في الحرس الثوري الإيراني.

وبحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره الإيراني حسن روحاني التطورات في إدلب، في اتصال هاتفي بينهما، مساء أول من أمس. وفي ظل تصاعد المواجهات في إدلب، بحث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، هاتفيا، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أمس، التحضيرات للقاء الرئيسين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين، بحسب ما ذكرت مصادر دبلوماسية تركية.

———————-

باستخدامها سلاح “اللاجئين”.. هل تركع أوروبا أمام تركيا؟

لطالما كان ملف اللاجئين خلال السنوات الماضية من أكثر الملفات المعقدة التي تثير قلقاً لدى الدول الأوروبية، مع ارتفاع خطاب اليمين المتطرف الرافض لاستقبال أي لاجئ مهما كانت خلفية البلد الذي قدم منه.

واحتلت سوريا الرقم الأبرز من بين دول العالم بعدد اللاجئين؛ حيث تجاوزت أعدادهم عتبة الـ7 ملايين لاجئ حتى عام 2019، في حين يوجد أكثر من 5 ملايين نازح داخل البلاد.

وتستقبل تركيا وحدها قرابة 3.6 ملايين سوري، نحو 200 ألف شخص منهم يقيمون في مخيمات اللجوء في مدن الجنوب التركي القريبة من الحدود مع سوريا.

وشكلت تركيا على مدار السنوات السابقة بوابة اللجوء نحو دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن اتفاقاً بين الجانبين، عام 2016، خفض أعدادهم إلى بضعة آلاف فقط سنوياً.

واشتكت أنقرة أكثر من مرة من أن الاتحاد الأوروبي لا يفي بتعهداته، ولا يقدم المتفق عليه من أموال للحكومة التركية التي قدمت قرابة 40 مليار دولار منذ بدء أزمة اللجوء السوري عام 2011.

ومع عدم اكتراث دول العالم بالوضع الإنساني في إدلب فتحت تركيا الحدود أمام اللاجئين السوريين وغيرهم (أفغان وإيرانيون ومن دول أفريقية)؛ كضغط على دول العالم للتحرك العاجل.

فتح الأبواب

وبعد الإعلان عن مقتل 33 جندياً تركيا وإصابة نحو 36 آخرين في إدلب شمالي سوريا، على يد النظام السوري بدعم من روسيا، توجه مئات اللاجئين نحو الحدود التركية الأوروبية، يوم الجمعة (28 فبراير 2020).

وقال مسؤول تركي بارز لوكالة “رويترز”، طلب عدم ذكر اسمه: “قررنا اعتباراً من الآن عدم منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى أوروبا براً أو بحراً”.

وأردف: “أصبح عبور كل اللاجئين، ومن ضمنهم السوريون، إلى الاتحاد الأوروبي مرحباً به”.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم السبت (29 فبراير 2020): “فتحنا أمس الأبواب أمام اللاجئين (نحو أوروبا) ولن نغلقها خلال الفترة القادمة”.

وأكد في كلمته أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم أن أنقرة “لن تغلق الحدود أمام طالبي الهجرة عبر تركيا، مضيفاً: “لقد قلنا إننا سنفتح الأبواب أمام اللاجئين، لم يصدقونا، فتحنا الأبواب والآن يوجد قرابة 18 ألف لاجئ على البوابات الحدودية، ويتوقع أن يصل عددهم اليوم إلى 25 ألفاً”.

وأوضح أردوغان أن تركيا “تستضيف 3.7 ملايين سوري، ولا طاقة لنا لاستيعاب موجة هجرة جديدة”، لافتاً إلى أن بلاده “لم تعد تثق بالوعود الأوروبية بشأن تقديم المساعدات للاجئين”، مضيفاً: “لا نثق بالأوروبيين، وسنحل مشكلاتنا بأنفسنا مع النظام السوري المجرم”.

ويبدو أن السلطات التركية تريد الضغط على الدول الأوروبية عبر ملف اللاجئين الحساس الذي تخشاه بعض الحكومات، خصوصاً تلك المحسوبة على الوسط واليسار مع صعود اليمين المتطرف الذي قد يفوز بأي انتخابات تشريعية مقبلة.

كما أن موضوع التهديد بملف اللاجئين ليس جديداً بالنسبة إلى تركيا؛ فقد تطرق له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، ويظهر أن الحكومة بدأت بتنفيذ وعودها.

وإن كان اللاجئون السوريون هم الأبرز حضوراً باللجوء التركي إلا أن آلاف المهاجرين غير الشرعيين من غير السوريين هم على أبواب أوروبا اليوم.

فقد نقلت وكالة “رويترز” عن شاهين نبي زاده، وهو مهاجر أفغاني عمره 16 عاماً، مع مجموعة من أصدقائه قوله: “سمعنا بأنباء فتح الحدود من التلفزيون”.

وقال مهدي داود، رئيس منبر الجمعيات السورية في حديث مع “الخليج أونلاين”: إن “المنبر أجرى لقاءً عاجلاً لتوجيه الناشطين والجمعيات والمتطوعين لمساعدة الأشخاص العالقين على الحدود”.

وأضاف أن المنبر لا يشجع السوريين في ظل الظروف الحالية على الهجرة نحو أوروبا، وإن كان الموضوع ليس خياراً ولكن هناك مخاطرة بالحياة إن وجد أطفال ونساء”.

وناشد رئيس المنظمة المهتمة بشؤون اللاجئين السوريين بعدم هجرة أي عائلة في ظل الظروف الحالية، مبيناً أن الشباب يمكن أن يتحملوا وعورة الطريق إلى حد معين، لكن لا أشجع ذهاب النساء والأطفال”.

وأكّد أن “الطرقات في تركيا مفتوحة ولن يمنع أي لاجئ من العودة إلى تركيا في حال منعه من دخول الدول الأوروبية”.

تركيز إعلامي

كما كان لافتاً للغاية قيام وسائل الإعلام التركية بتغطية واسعة لم يسبق لها مثيل لعملية خروج اللاجئين من عدة مدن تركية نحو الحدود.

وذكرت وكالة “الأناضول” التركية الرسمية أن أعداداً كبيرة من اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين تواصل توجهها نحو المناطق الحدودية بهدف العبور نحو أوروبا.

ومنذ الساعات الأولى ليومي الجمعة والسبت (28و 29 فبراير 2020)، تحرك الآلاف من المهاجرين الأفغان نحو أدرنة الواقعة على الحدود مع اليونان، وبلغاريا، حيث أكدوا رغبتهم في العبور إلى الدول الأوروبية.

وتجمع المهاجرون كذلك في منطقة أيفاليك بولاية جناق قلعة؛ بهدف التوجه نحو جزيرة ميديللي اليونانية، وكذلك الحال بمدينة إزمير.

كما أن محطة حافلات السفر بولاية إسكي شهير شهدت ازدحاماً منذ ساعات الصباح، حيث لوحظ ازدياد الطلب على الرحلات المتجهة نحو عدد من الولايات؛ مثل أدرنة، وإزمير، وآيدن، وجناق قلعة، وموغلا.

ولم تكن “الأناضول” وحدها من نقل حدث تحرك اللاجئين نحو أوروبا، بل غطت كل وسائل الإعلام التركية النبأ، وتوجهت كاميرات وسائل إعلام متنوعة إلى الحدود لنقل الحدث لحظة بلحظة.

    #تركيا.. #المهاجرون يواصلون التدفق نحو الحدود إلى #أوروبا

    كاميرا الأناضول، رصدت عبور نحو 500 مهاجر غير نظامي من أدرنة التركية نحو الأراضي اليونانية عبر نهر “إفروس”

    https://t.co/4C7ZDc7pdW pic.twitter.com/DdrQiw9MXX

    — ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) February 28, 2020

    آلاف المهاجرين يواصلون التدفق إلى الحدود التركية اليونانية

    للعبور إلى #أوروبا

    https://t.co/f6fCJcv6wX pic.twitter.com/2kI5w7MWGP

    — ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) February 29, 2020

    آلاف المهاجرين يواصلون التدفق إلى الحدود التركية اليونانية

    للعبور إلى #أوروبا

    https://t.co/f6fCJcv6wX pic.twitter.com/f33PMYlTsL

    — ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) February 29, 2020

ما موقف دول أوروبا؟

وتخشى الدول الأوروبية من الخطوة التركية، فقد سارعت المفوضية الأوروبية تأكيد أن اتفاق “إعادة قبول اللاجئين” المبرم مع تركيا ما زال سارياً.

وقال المتحدث باسم المفوضية، بيتر ستانو، مساء الجمعة (28 فبراير 2020): “لم تصدر أي تصريحات رسمية من تركيا في هذا الاتجاه، بالنسبة إلينا اتفاق إعادة قبول اللاجئين المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي ما يزال سارياً، وننتظر من تركيا الالتزام بتعهداتها وفق الاتفاق”.

وأشار إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يراقب الأوضاع من كثب، وسيبدأ التحرك إن استدعت الضرورة.

وفي مارس 2016، وقعت الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي ثلاث اتفاقيات تقبل فيها تركيا اللاجئين من دول الاتحاد الأوروبي مقابل حرية التنقل للمواطنين الأتراك داخل الاتحاد الأوروبي.

وتنص الاتفاقية على إعادة كل لاجئ وصل إلى اليونان قبل 20 من مارس 2015 إلى تركيا، مقابل لاجئ ستستقبله دول الاتحاد الأوروبي بشكل قانوني.

وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، حينها: “لقد نجحنا من خلال هذه الاتفاقية في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال”.

ومع وجود حشد كبير من المهاجرين واللاجئين على حدود اليونان، التي تعتبر أكبر بوابة للعبور نحو أوروبا، قالت: “ليس لليونان يد في الأحداث المأساوية التي تعيشها سوريا، ولن تتحمل عواقب القرارات التي يتخذها الآخرون”.

وحذر رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في تغريدة على “تويتر” من دخول اللاجئين إلى بلاده، قائلاً: “أقولها بصراحة؛ لن نتسامح مع أي دخول غير قانوني، وسنشدد من التدابير الأمنية على الحدود”.

وعند معبر بازاركولي الحدودي مع اليونان واجه عشرات المهاجرين أسواراً شائكة وقنابل دخان، وتقطعت السبل بالبعض في المنطقة الفاصلة بين البلدين، وحاولوا العودة إلى الجانب التركي هرباً من الدخان ليتم صدهم.

وقال اللاجئ حميد محمد، الذي كان يحمل فتاة صغيرة، إن الشرطة اليونانية أعادته، مضيفاً: “نريد من الحكومات التركية والأوروبية فتح هذه البوابة”، وفق وكالة “رويترز”.

من جانبه قال رئيس الوزراء البلغاري، بويكو بوريسوف: “في الوقت الذي نفرض فيه رقابة أشد على الحدود بسبب فيروس كورونا تخيل لو كان لدينا تدفق لمئات الآلاف من المهاجرين.. ليس بوسعنا تحمل ذلك”.

الخطوة التركية دفعت بالأمم المتحدة ومنظمات حقوقية إلى التحرك لمساندة تركيا ودعمها في موضوع اللاجئين.

فقد دعا المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بابار بالوش، بمؤتمر صحفي المجتمع الدولي لمواصلة وزيادة الدعم المقدم لتركيا فيما يخص اللاجئين السوريين.

بدوره طالب ماسيمو موراتي، المسؤول في منظمة العفو الدولية، كلاً من بلغاريا واليونان بفتح أبوابهما أمام اللاجئين الذين يحاولون دخول أراضيهم.

وشدد موراتي في تصريحاته للصحفيين على ضرورة تحرك دول الاتحاد للتخفيف عن تركيا من خلال الدعم المالي وتأمين ممرات آمنة للوصول إلى أوروبا.

وأوضح أن على اليونان وبلغاريا تأمين دخول الناس الذين يبحثون عن الحماية إلى أراضيها، وعلى حرس الحدود تجنب استخدام القوة المفرطة ضد الناس المتجمعين على الحدود.

—————-

معارك إدلب في مرحلتها الثالثة.. انخراط تركي واسع وحرب جوية وبرية متزامنة وخسائر فادحة للنظام

دخلت اليوم المعارك في الشمال السوري بين النظام وداعميه وقوات المعارضة مدعومة بتركيا مرحلتها الثالثة منذ انهيار اتفاق سوتشي وبدء النظام حملته العسكرية لاستعادة المناطق التي في يد المعارضة.

وتميزت المرحلة الجديدة بانخراط تركيا الواسع، ودخول قوي لطائراتها المقاتلة، مقابل تراجع لقوات النظام وتقدم للمعارضة المسلحة في أكثر من جبهة.

وأعلنت اليوم وزارة الدفاع التركية إسقاط مقاتلتين تابعتين للنظام السوري من نوع سوخوي 24 إثر مهاجمتهما مقاتلات تركية، وتدمير ثلاثة أنظمة دفاع جوي، في حين أعلنت وسائل إعلام تابعة للنظام عن إسقاط ثلاث مروحيات تركية في إدلب.

من هجوم النظام إلى تراجعه

ويمكن القول إن الوضع في إدلب وما حولها مر خلال الأسابيع الماضية بثلاث مراحل على النحو التالي:

– المرحلة الأولى: تمثلت في الهجوم البري الواسع لقوات النظام مدعومة بغطاء جوي واسع من الروس تمكنت خلاله من السيطرة على مساحات واسعة في ريفي حلب الغربي وإدلب وريف حماة.

– المرحلة الثانية: بعيد هذا الهجوم الكاسح من قبل قوات النظام تدخلت تركيا وأرسلت تعزيزات عسكرية، خصوصا بعد تعرض بعض نقاط المراقبة التابعة لها لاستهداف من قبل قوات النظام والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه.

وخلال هذه المرحلة بدأت المعارضة -بغطاء تركي- استعادة جزئية لزمام المبادرة، وتمكنت من كسر خطوط الدفاع للنظام في ريف إدلب، حيث سيطرت بعد عدة محاولات على النيرب ثم سراقب، لكن قوات النظام كانت في الوقت ذاته تمدد نطاق سيطرتها في جبهات أخرى.

اعلان

– المرحلة الثالثة: بدأت هذه المرحلة بعد مقتل الجنود الأتراك ودخول الطائرات المسيرة التركية ذات الفعالية الواضحة في الميدان، ويمكن القول إنها بدأت بشكل فعلي صباح اليوم بعد انتهاء المهلة التي منحتها تركيا لقوات النظام السوري للعودة إلى ما قبل حدود اتفاق سوتشي.

وتميزت هذه المرحلة بهجمات تركية واسعة أوقعت خسائر فادحة في صفوف قوات النظام.

 درع الربيع

وبينما كانت الطائرات المسيرة التركية تدك عشرات المواقع التابعة للنظام خرج وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ليعلن أن التحرك العسكري الجديد جاء ضمن عملية أطلق عليها “عملية درع الربيع ضد قوات النظام السوري في إدلب بدأت عقب الاعتداء الغادر على القوات التركية في 27 فبراير/شباط الماضي”.

وقدم أكار حصيلة لنتائج العملية منذ انطلاقتها، حيث كانت خسائر النظام حتى الآن “تحييد 2212 عنصرا وتدمير طائرة مسيرة وثماني مروحيات و103 دبابات و72 من المدافع وراجمات الصواريخ وثلاثة أنظمة دفاع جوي”، بالإضافة إلى مقاتلتي سوخوي 24.

كما أكدت وكالة الأناضول أن مطار النيرب العسكري في حلب خرج من الخدمة بعد استهدافه من قبل الجيش التركي.

وضمن تفاعلات هذه العملية في الداخل التركي، يتوقع أن يعقد البرلمان التركي الثلاثاء جلسة مغلقة للاستماع إلى وزيري الدفاع خلوصي أكار، والخارجية مولود جاويش أوغلو بشأن آخر التطورات في إدلب شمالي غربي سوريا.

مناطق القصف

وتتزامن هذه التطورات مع تكثيف الجيش التركي قصفه المدفعي وبالطائرات المسيرة لعشرات المواقع التابعة للنظام في ريفي إدلب وحلب منذ ليلة أمس، واستعادة المعارضة قرى جديدة في المنطقة.

وقال مراسل الجزيرة في وقت سابق إن القصف التركي تركز بشكل كبير في محيط مدينتي سراقب ومعرة النعمان وقرى جبل الزاوية بريف إدلب، بالإضافة إلى مواقع في ريف حلب الغربي.

وأشار كذلك إلى أن طائرات مسيرة تركية استهدفت مواقع قوات النظام في حي جمعية الزهراء ومطار النيرب العسكري بحلب.

وقد تزامن استهداف مواقع النظام مع اشتباكات عنيفة خاضتها المعارضة السورية في ريف إدلب أسفرت عن تقدمها ودخولها إلى قرى القاهرة وقليدين والعنكاوي في سهل الغاب بريف حماة كما يقول المراسل.

ونقل عن المعارضة أنها قتلت عشرات الجنود ودمرت عددا من الآليات، كما تصدت لمحاولات قوات النظام التقدم في جنوب سراقب، وذكر أن المعارضة سيطرت على بلدتي سفوهن والفطيرة بريف إدلب الجنوبي.

كما أفاد مراسل الجزيرة بأن تسعة مسلحين من حزب الله اللبناني قتلوا، وأصيب عدد آخر في المعارك.

وبالتوازي مع ذلك، يرتفع عدد قتلى غارات النظام وروسيا على إدلب وريف حلب إلى ثمانية مدنيين.

 قتلى إيرانيون

وعلى صعيد آخر، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن 21 مقاتلا من لواءي “فاطميون” و”زينبيون” قتلوا أثناء المواجهات المسلحة الأخيرة في إدلب.

وقد دعت قيادة القوات الإيرانية في سوريا -التي تعرف نفسها باسم المركز الاستشاري الإيراني بسوريا- أنقرة إلى التصرف “بحكمة” لضمان مصالح الشعبين التركي والسوري.

وأفاد المركز بأن القوات التركية في سوريا كانت في مرمى “قوات المقاومة” طوال الشهور الماضية، لكن لم يتم استهدافها نتيجة الاتفاقيات السياسية وقرار القيادات العسكرية.

وأضاف أن “القوات التركية استهدفت قواتنا الأيام الماضية، وعلى الرغم من جهودنا لحل الوضع فقد استمرت الهجمات التركية، مما أدى إلى مقتل عدد من أفراد قواتنا”.

المصدر : الجزيرة + وكالات

—————

كيف استخدمت القوات الجوية الروسية الأراضي السورية لتجربة أسلحتها؟

زعم خبير عسكري أميركي أن روسيا استغلت الحرب التي تعصف بسوريا منذ سنوات لتجربة جيل جديد من أسلحتها وطرق استخدامها في العمليات العسكرية.

 وذكر الخبير العسكري سيباستيان روبلين في مقال بمجلة ناشونال إنترست الأميركية، أن ذلك تجلى بشكل واضح في جهود روسيا المنتظمة لنشر كل ما في ترسانتها الحربية من طائرات مقاتلة، بما فيها نماذج أولية من طائرات الشبح وقاذفات القنابل الإستراتيجية.

 وأشار روبلين إلى أن موسكو شرعت بقوة في برنامج جديد لتحديث وإصلاح منظومتها العسكرية بعد أن لاحظ المراقبون العسكريون داخل وخارج روسيا ضعف أداء سلاح الجو الروسي إبان الحرب الروسية الجورجية في عام 2008 التي استمرت خمسة أيام.

 ووُضعت تلك الإصلاحات تحت الاختبار عندما قرر الرئيس فلاديمير بوتين في سبتمر/أيلول 2015 إرسال القوات الجوية الروسية -التي أُعيد تنظيمها حديثا- لخوض أول حرب لها بعيدا عن قواعدها، في محاولة منه لدعم نظام بشار الأسد “المترنح” في سوريا.

 قوات جوية

وبعد سلسلة من النتائج المتباينة والعديد من “الانسحابات” في ساحات القتال في بادئ الأمر، بدا واضحا بحلول عام 2017 أن تدخل القوات الجوية الروسية في الحرب قلب موازين القوة “بشكل حاسم” لصالح نظام الأسد.

 وبحسب سيباستيان روبلين، فإن وزارة الدفاع الروسية ادعت أن 80% من طواقمها المقاتلة أدوا بحلول عام 2018 خدمة عسكرية قتالية في سوريا.

 وقد أتاحت العمليات الجوية الروسية فرصة للمراقبين للوقوف على مدى تأقلم عتاد القوات الجوية وعقيدتها العسكرية مع معارك على أرض الواقع.

 وتناول الخبير العسكري في مقاله بعض العمليات التي أقحمت فيها القوات الجوية الروسية طائراتها المقاتلة في شن هجمات على الأراضي السورية خلال الفترة من 2015 إلى 2018.

 قاذفات قنابل

ولما كانت طبيعة الحرب في سوريا برية لم يكن مفاجئا استخدام روسيا لقاذفات قنابل تكتيكية وطائرات مقاتلة مصممة خصيصا لمثل تلك العمليات الحربية.

 ووفقا لروبلين، لم تهدف القوات الجوية الروسية بانخراطها في الحرب السورية أن تحذو في عمليات قصفها الجوي حذو نظيرتها الأميركية من حيث الدقة.

 ولطالما امتلكت روسيا منذ وقت بعيد في ترسانتها ذخائر دقيقة التوجيه، إلا أنها موجودة بكميات أصغر بكثير.

 ونقل روبلين عن المؤرخ المتخصص في شؤون الطيران والدفاع توم كوبر القول إن 97% من الضربات التي شنتها القوات الجوية الروسية استُخدمت فيها قنابل “غبية” غير موجهة.

استطلاع ومراقبة

ويضيف الكاتب أن القوات الجوية الروسية لجأت بشكل كبير إلى شن ضربات “ارتجالية” على أهداف ثابتة حددها الجيش السوري، وذلك بسبب النقص الذي تعانيه في أجهزة وأنظمة الاستخبارات والاستطلاع والمراقبة.

 وكانت روسيا في بداية حملتها العسكرية في سوريا تستخدم طائرات مسيرة (درونز) ذات مدى قصير للكشف عن مواقع مدفعية الجماعات المسلحة، فاضطرت قواتها الجوية فيما بعد للاستعانة بطائرات مسيرة إسرائيلية الصنع من طراز هيرون ذات قدرات تحمل أكبر.

 ولم تفلح الضربات الارتجالية من علو منخفض على أهداف ثابتة في تمكين القوات البرية السورية من تحقيق نجاحات في ساحات القتال. فالافتقار لقدرات تتعلق بالاستخبارات والاستطلاع والمراقبة تسبب في أن يفقد الطيران الروسي مرارا فرص الانقضاض على أرتال سيارات تنظيم الدولة الإسلامية، رغم أن مثل تلك الأرتال ظلت هدفا مثاليا للطيران منذ الحرب العالمية الأولى.

 ولفت سيباستيان روبلين في مقاله إلى أنه في عام 2016 ونزولا عند طلب الجيش الإيراني، بدأت طائرات “سوخوي 25” التابعة للقوات الجوية الروسية في دكّ ممر أعزاز للإمداد الممتد من الحدود التركية حتى مدينة حلب شمالي غربي سوريا.

 صفوة القول إن الطيران الروسي أظهر تحسنا في مجال الممارسة الفنية والعملياتية بحلول عام 2018، بما في ذلك أخذه ببعض عناصر الحرب المركزة حول الشبكات، وهي نهج جديد لإدارة الحروب تقوم على تنسيق وحدات أو أفراد جيش من الجيوش عملياتهم العسكرية عبر اتصالهم ببعض بعضا.

المصدر : ناشونال إنترست,الجزيرة

————————–

مازن أوطه باشي يحذر الحالمين بأوروبا: السلطة بيد المرأة!/ حسن عارفة

فيما تغص الحدود اليونانية التركية بالسوريين والسوريات الباحثين عن حلم الاستقرار في أوروبا، يظهر لنا أحد مشاهير السوشل ميديا السوريين، بفيديو مباشر، ناصحاً ومحذراً أبناء بلده بأن هدفهم المأمول والبلاد التي يتمنون الوصول إليها، لا تحوي أشجاراً يقومون بهزها فتنزل لهم الدولارات!

فيما تغص الحدود اليونانية التركية بالسوريين والسوريات الباحثين عن حلم الاستقرار في أوربا، يظهر لنا أحد مشاهير السوشل ميديا السوريين، بفيديو مباشر، ناصحاً ومحذراً أبناء بلده بأن هدفهم المأمول والبلاد التي يتمنون الوصول إليها، لا تحوي أشجاراً يقومون بهزها فتنزل لهم الدولارات!

هكذا، بدأ “مازن أوطه باشي” الذي يعرف نفسه كـ”فنان وناشط سوري على السوشل ميديا” بثه الحي. انطلق “الفنان” اللاجئ في أحد البلاد الأوروبي بالتوضيح، والحديث عن تجربته المأساوية الحزينة خلال لجوئه، قبل أن يقاطعه كائن ما “قط أو كلب أو أحد الحيوانات الأليفة المنزلية”، ويخرجه مازن متحدثاً إليه باللغة الإنكليزية، ليعود ويمتعنا ويبهرنها بأفكاره.

خلال نحو ست دقائق أذهلنا أوطه باشي بالبلاد الأوربية البائسة، مبيناً أنها بلاد الجحيم على السوريين، الناس اللاجئة تعيش في وحدة هناك، السلطات تتدخل بهم وبطريقة تربيتهم لأولادهم وحتى في بيوتهم، السوريون يعيشون بحالة اكتئاب، ومتاهات ودائرات مغلقة للوصول إلى الاستقرار، يا له من جحيم!

لكن بعيداً عن كل التخويفات والتحذيرات التي وجهها مازن للسوريين الذكور الهاربين نحو أوروبا، مرّر فكرة خطيرة، إن كانت بقصد فهي مصيبة، ولو أنها من دون قصد فهي مصيبة أخرى تبيّن تراكم المجتمع الذكوري الذي هو ضحيته أيضاً، ولم يستطيع إنقاذ نفسه منه رغم السنوات الأوربية التي مرّت عليه.

مرّر الشاب تحذيراً في الدقيقة الخامسة حين قال: “هون السلطة كل السلطة للمرأة”، ملخصاً بهذه الجملة أفكاره كاملة، وأفكار مجتمع ذكوري بكل أركانه التسلطية والمناهضة لحقوق المرأة، بأن لا تأتوا إلى هنا، في هذه البلاد العصمة ليست بيدكم، ليبدو جلياً الخلط الكبير والواضح بين المساواة وعدمها، فلم تكن هذه السنين كافية لشاب مثله كي يستوعب الفرق بين أن تكون المرأة مساوية للرجل بالحقوق والواجبات، وبين أن تكون طيلة حياتها تحت مظلة ولي الأمر، والخانات الأربع والقيود الكاملة وغيرها.

(نازحون وهاربون من القصف على طريق حزانو باب الهوی/ تصوير عماد بركات بتاريخ ١ يناير ٢٠٢٠/ خاص حكاية ما انحكت)

يعزف أوطه باشي في بثه الحي على وتر يطرب آذان قسم من السوريين الذكور، لكن لا يطرب الحي كاملاً، والمصيبة، أنه ما زال يظن أن كل أبناء جلدته متخلفين لا يعرفون ما هي أوربا وما قوانينها وغير ذلك، بمنتهى التعميم الفج. بيد أن الذي لم يخطر على باله، وبال كثيرين من اللاجئين واللاجئات السوريين القدامى في أوربا، الخائفين من هذه الموجات الجديدة القادمة، حتى لا تنافسهم على المساعدات وتضرب استقرارهم، أن الهارب من تركيا.. معه ما يكفي من الحجج والدوافع ليخاطر بحياته للوصول إلى هدفه.

ماذا ستفعل لو كنت حاملاً لبطاقة الكملك “الحماية المؤقتة التركية” والتي لا تستطيع بها السفر من مدينة إلى مدينة دون أذن سفر؟ ماذا ستفعل حين تضطر للوقوف على طوابير المساعدات ساعات طويلة؟

هنا، يجب على أوطه باشي وأمثاله أن يسألوا أنفسهم: ماذا ستفعل لو كنت حاملاً لبطاقة الكملك “الحماية المؤقتة التركية” والتي لا تستطيع بها السفر من مدينة إلى مدينة دون أذن سفر؟ ماذا ستفعل حين تضطر للوقوف على طوابير المساعدات ساعات طويلة؟ ماذا ستفعل حين تضطر للانتظار في طوابير أقسى من طوابير المازوت والخبز في سوريا لتنقل بيان السكن الخاص بك في حال تغيير منزلك؟ ماذا ستفعل لو كنت تعمل في مكانٍ ما ويتم رفض أذن العمل لك دون أن تعرف السبب وتجبر على ترك عملك؟ ماذا ستفعل لو كنت حاملاً الإقامة السياحية ومضطراً لتجديد جواز سفرك كل سنتين ودفع مبلغ كبير لقاء ذلك؟ ماذا ستفعل لو كنت مهدداً في أي لحظة بالترحيل إلى سوريا لتواجه قصف النظام السوري وميليشياته أو العيش تحت حكم مرتزقة يتبعون لبلد خارجي؟ ماذا ستفعل، كسوري خسر بلده ليحكي بحريته، ولا يتجرأ على انتقاد حكومة بلد يعيش فيه خوفاً من الترحيل إلى المجهول؟ ماذا ستفعل لو أنك تعيش كل تفاصيل السوريين هنا في تركيا؟

هكذا، لا تنتهي الأسئلة التي يجب على كل سوري أو سورية مقيمين في أوروبا، طرحها على أنفسهم قبل انتقاد أو تحذير أي أحد من أبناء وبنات بلدهم كي لا يذهبوا خارج تركيا.

لكن الأسئلة على صعيد آخر مهمة، لماذا مازن أوطه باشي وأشباهه مقيمون في أوروبا، وهم لا يطيقون الحرية والمساواة وحقوق المرأة والطفل فيها؟ يبدو الجواب عند “الجوب سنتر وما يشبهه في كل دولة”.

(المقال يعبّر عن رأي الكاتب وحده)

حكاية ما انحكت

————————-

“درع الربيع” وسباق ما بعد أستانا وسوتشي

بروكار برس – هيئة التحرير

التطورات المتسارعة في شمال غرب سوريا، وما يرافقها من مواقف متبدلة بسرعة على ضوء المستجدات المتلاحقة على الأرض، تؤكد وبما لا شك فيه صحة التقديرات التي ذهبت، في وقت مبكر، إلى أن معركة إدلب ستغيِّر مجرى الحرب في سوريا. وانطلقت تلك التقديرات من أن روسيا أرادت من خلال فتح هذه المعركة فرض خارطة عسكرية وسياسية جديدة، عبر تفسير جديد لـ”مسار أستانا” و”اتفاقية سوتشي” في صالح استراتيجيتها الداعمة لنظام بشار الأسد، ليس من موقع اعتباره حلفياً بل تابعاً ينفِّذ الإملاءات التي يفرضها رجل الكرملين القوي.

بالمقابل لم يكن واضحاً خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من المعركة كيف سيتم على أرض الواقع ترجمة سيل التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزيرا الدفاع والخارجية والعديد من المسؤولين الأتراك، والتي تمحورت حول استعداد أنقرة للقيام بعمل عسكري في حال عدم قيام موسكو بالضغط على نظام بشار الأسد لسحب قواته إلى خلف حدود “اتفاق سوتشي”، الموقع عليه من قبل الرئيس الروسي بوتين ونظيره التركي أردوغان، 17 أيلول/سبتمبر 2018، والذي قضى بإقامة منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب والريف الشمالي لمحافظة حماة، داخل منطقة خفض التصعيد، استناداً إلى ترتيبات “عملية أستانا”، على طول خطوط التماس بعمق 15- 20 كيلومتراً.

وعليه بقيت الحسابات والتقديرات متذبذبة، حيث مالت في الأيام الأولى من المعركة لصالح الخطة الروسية، ومع التقدم السريع لقوات النظام والميليشيات الإيرانية المتحالفة معها، في مناطق غرب حلب وريف إدلب الجنوبي وجبل الزاوية، بدعم عسكري روسي مباشر، بدا وكأن تركيا مرتبكة وغير قادرة على حسم خياراتها في مواجهة الحليف الروسي، إلى أن جاءت اللحظة التي قلبت كل الحسابات، بمقتل وجرح العشرات من الجنود الأتراك جراء استهداف طيران النظام لقافلة عسكرية تركية بإدلب، في 27 شباط/فبراير الماضي، وهو ما استلزم رداً عسكرياً قاسيا من أنقرة.

مفاوضات صعبة، على حد وصف الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، سيخوضها بوتين وأردوغان في القمة المزمع عقدها بينهما في موسكو في الخامس أو السادس من شهر آذار/مارس الجاري، والتي يعتبر انعقادها تراجعاً في الموقف الروسي يشير إلى مأزق الكرملين، فقد سبق أن نفى بيسكوف وجود نية لدى بوتين للقاء أردوغان، وتزامن ذلك مع تقدم سريع لقوات النظام والميليشيات الإيرانية المتحالفة معه، قبل أن تبدل موسكو موقفها بعد الضربات المؤلمة التي أوقعها الجيش التركي بجيش النظام والميليشيات الإيرانية.

النتائج التي حققتها القوات التركية في الأيام الأخيرة، وتقدم الفصائل العسكرية للمعارضة بريف إدلب الجنوبي وجبل الزاوية وريف حماة الشمالي وسهل الغاب فرضت معادلة جديدة، ومن المقدر وفق حسابات أنقرة أن تحقق القوات التركية وفصائل المعارضة المزيد من الانجازات بعد الإعلان عن عملية “درع الربيع”، بيد أن الموقف يعتمد أيضاً على ردود الفعل التي ستتخذها موسكو إزاء التحركات العسكرية التركية، مع التأكيد على أنه دون ذلك حسابات معقدة للطرفين الروسي والتركي، الذين تجمع بينهما العديد من العلاقات الاقتصادية المهمة، وتفرق بينهما التوجهات حيال سوريا.

بانتظار القمة

تراهن الحكومة التركية على دعم عملي من حلف الناتو يحول دونه حتى الآن الموقف الأمريكي الذي يراوح في حدود الدعم الإعلامي، وفي حال حصول أنقرة سريعاً على دعم الناتو سيعزز ذلك من موقفها العسكري، وفي الضفة المقابلة من شأنه أن يكبح احتمال إقدام روسيا على ردود فعل تؤجج الوضع، إذا ما قامت بتقديم دعم استثنائي لقوات النظام والميليشيات المؤيدة له في مواجهة الجيش التركي والفصائل المسلحة للمعارضة السورية.

بدورها تراهن روسيا على استمرار الوضع على ما هو عليه، لجهة افتقار تركيا لدعم جدي من حلف الناتو، في ظل عدم وجود مؤشرات على أن واشنطن بصدد تزويد تركيا بمنظومة صواريخ باتريوت في القريب العاجل… حسابات تصب في مضمار سعي متبادل لامتلاك أوراق قوة يمكن أن تفرض نفسها على أجندات القمة والنتائج التي ستتمخض عنها.

في كل الحالات الجميع يدرك أن روسيا أطلقت رصاصة الرحمة على “مسار أستانا”، بدعمها للهجوم الواسع الذي شنه جيش النظام والميليشيات الإيرانية المتحالفة معه، وشاركت فيه الطائرات الحربية الروسية بمئات الغارات، التي أودت بأرواح المئات من المدنيين السوريين، وأوقعت آلاف الجرحى، فضلًا عن نزوح أكثر من مليون و700 ألف مدني من محافظة إدلب باتجاه الحدود مع تركيا، وفق أرقام أعلن عنها “فريق منسقو الإستجابة” بالشمال السوري.

لقد استطاعت روسيا خلال الأعوام الماضية، قبل وبعد “اتفاق سوتشي” استغلال تراخي المواقف التركية، وعملت على تقوية موقع نظام الأسد على حساب قوى المعارضة، وتنفيذ عملية قضم تدريجي للمناطق التي كانت تسيطر عليها الفصائل العسكرية للمعارضة. لكن يبدو أن روسيا أخطأت في حسابات فتح معركة إدلب، التي رأت فيها تركيا أنه تحشرها في الزاوية، وتعرض أمنها القومي لخطر كبير، وسبق لتركيا أن أعلنت غير مرة أن إدلب خط أحمر، تجاوزه سيؤدي إلى اقتراب من تصنفها تركيا بـ”مجموعات إرهابية” من الحدود التركية، وموجات جديدة وضخمة من اللاجئين نحو تركيا، في وقت تستضيف فيه تركيا أكثر من 3.5 ملايين لاجئ سوري، وهو ما دفعها للتلويح بورقة اللاجئين في وجه الاتحاد الأوروبي لإخراج السياسات الأوروبية من حالة اللامبالاة حيال الحرب على الشعب السوري.

ويبقى أن كلا الطرفين، التركي والروسي، يدركان أنهما يمضيان إلى القمة، في حال انعقادها، دون امتلاك أدوات تفتح الأفق أمام تسوية سياسية مقبولة، وهنا يأتي دور فصائل المعارضة بإعادة تصويب أوضاعها وتوحيد قواها لقطف الثمار السياسية لمعركة إدلب، بالتكاتف مع تركيا، بعد سنوات من الضياع في متاهة “مسار أستانا”، الذي شقه الكرملين على أنقاض “مسار جنيف” بعد إفراغه من مضمونه بالتفسيرات الخاصة من قبل كاهن السياسة الروسية لافروف.

ومن نافل القول؛ إن عودة الزخم لدور فصائل المعارضة يمكن أن يستنهض الموقف العربي في حدود ربما تكون مقبولة، دون إغفال محورية دور بعض الدول العربية في البحث عن مسار سياسي لإيجاد حل يضع حداً لنظام الاستبداد، ويؤسس لنظام ديمقراطي تعددي يحترم حقوق المواطنة لكل السوريين، ويكفل التداول السلمي للسلطة.

            بروكار برس

——————————

خيارات الرد التركي على موسكو

عندما أغلقت الأبواب وبدأ الاجتماع السياسي الأمني الطارىء برئاسة رجب طيب أردوغان في القصر الجمهوري ومشاركة رؤساء القوات التركية وجهاز الاستخبارات لبحث سبل الرد على استهداف الجنود الأتراك في إدلب ، كان واضحاً أنَّ أنقرة تعد لخطة تحرك سياسي ودبلوماسي وعسكري سريعة متعددة الأهداف والجوانب .

المؤشر الأول على ذلك كان العمليات العسكرية البرية والجوية ضد مواقع النظام وجنوده وآلياته التي استهدفت بالعشرات. المؤشر السياسي كان التحرك الدبلوماسي الواسع نحو الغرب لتحريك حلف شمال الأطلسي ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي لتحديد مواقفه واتخاذ قراراته حيال ما يجري . التوجه الثالث كان نحو موسكو لإفهامها أن أنقرة جاهزة للتضحية بالكثير مما أنجزته معها لأنها وصلت إلى قناعة وجود المؤامرة الروسية ضدها في سوريا والمنطقة ومحاولة روسيا المساومة من وراء ظهر الأتراك مع لاعبين إقليميين في ملفات سوريا وليبيا وشرق المتوسط على حساب المصالح التركية. مشكلة أنقرة الوحيدة هي مع العواصم العربية الرئيسية في المنطقة وإسرائيل وهي علامات استفهام قائمة لا نعرف إذا ما كانت ستحمل لنا المفاجآت والجديد إذا ما قررت تركيا المضي في خططها الجديدة حتى النهاية.

أوجز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته الأخيرة أمام نواب حزبه أن بلاده تتحرك لإفشال مخطط نقل الأزمة الأمنية في شمال سوريا إلى مدن جنوب تركيا عبر لعب ورقة التنظيمات الإرهابية وتحريكها هناك . لكن أردوغان لم يقل لنا من هي الجهة التي تتآمر على تركيا. التوتر التركي الروسي المتصاعد في إدلب والاتهامات الموجهة لموسكو في دورها المكشوف عبر تحريك قوات النظام لاستهداف القوات التركية قد يعني أن رسالته هي موجهة للشريك الروسي المتمسك بحماية نظام الأسد وإبقائه في غرفة الإنعاش إلى أن ينتهي مفعوله. لا يوجد أي مؤشر حقيقي حول احتمال بروز التفاهمات التركية الروسية في إدلب رغم 4 جلسات حوار بين الجانبين ورغم إعلان القيادات السياسية عن استمرار التنسيق والتفاوض لمنع الانفجار الأكبر بينهما في سوريا. واشنطن تقول مجددا إنها جاهزة لتقديم كل الخدمات ما إن تعلن أنقرة عن تركها قرار الانفتاح الواسع على روسيا وتقليصه إلى مصالح تجارية واقتصادية مشتركة لا غير.

انقلاب الخطة الروسية التي كانت تحيكها ضد أنقرة وبعكس ما تشتهي موسكو حولها إلى قوة معزولة مستهدفة دبلوماسيا وسياسيا في سوريا. هل ستواصل أنقرة استغلال هذه الفرصة بدعم أميركي أوروبي وتحاول تسجيل المزيد من النقاط في المرمى الروسي أم أنها ستكتفي بهذا القدر لتقول للكرملين أنها ليست لقمة سهلة الابتلاع ؟

الإجابة على هذا السؤال هي عند الروس قبل غيرهم لأن أنقرة لن تتراجع عن قرار التصعيد ضد النظام المنتهي إقليميا ودوليا؟ فهل تتذرع موسكو بشرعية ما تفعله في سوريا لتحويله إلى حرب إقليمية في المنطقة تخوضها جنبا إلى جنب مع النظام وإيران والميليشيات اللبنانية والعراقية أم أنها ستقرأ متغيرات المشهد السياسي الإقليمي والدولي وتقرر القيام بجردة حسابات جديدة ؟ سيناريو التفاهمات الروسية الأميركية في سوريا وملفات المنطقة الحساسة الذي نناقشه بين الحين والآخر هو المفاجأة – الصدمة التي قد تقلب الحسابات مرة أخرى في المنطقة لكنه يبدو أنه مستبعد رغم إصرار بعض العواصم العربية والخليجية وإسرائيل عليه ؟

انطلاق العمليات العسكرية التركية هذا الصباح بشكل واسع ضد مواقع قوات النظام لإعادتها إلى تفاهمات سوتشي التي هي تركية روسية أساسا تعني وصول الحوار التركي الروسي إلى طريق مسدود وأن أنقرة حسمت موقفها في التحرك بعيدا عن سوتشي وأستانا بعدما غدرت بها موسكو تحت ذريعة الحرب على الإرهاب أو خروج القوات التركية من نقاط المراقبة المتفق عليها والتي كان ثمنها القرار الروسي بمهاجمة الجنود الأتراك عبر مقاتلات النظام التي لم تعد سوى دمية بيد موسكو.

موسكو لا تريد أن نسألها لماذا تعطي الضوء الأخضر لغارات إسرائيلية تصل إلى قلب العاصمة السورية وتستهدف سيادة سوريا التي دخلت للدفاع عنها بينما تصعد ضد تركيا وتحول دون دخول مقاتلاتها الأجواء الشمالية للدفاع عن قواتها المسلحة هناك .

القناعة التركية هي أن روسيا وصلت إلى استنتاج قدرتها على فرض كل ما تريده في سوريا على الجميع بمن فيهم أنقرة وأن قرار التصعيد العسكري ضد قواتها في إدلب هو اكتشاف موسكو للعزلة التركية الإقليمية والانسداد في العلاقات التركية الغربية الواجب استغلاله سريعا لحسم الأمور في سوريا بالصيغة التي تريدها . لهذا نرى اليوم كل هذا التصعيد التركي الذي يبدو أيضا وكأنه رسالة تركية لموسكو حول استعداد أنقرة لترك الكثير من تفاهماتها مع روسيا حتى ولو كان الثمن مكلفا لإنقاذ ما بيدها في سوريا كي لا تخسر كل شيء هناك .

أنقرة تريد أيضا أن تقول للمجتمع الدولي واللاعبين الإقليميين إنها لم تعد قادرة على تحمل أعباء الملف السوري وارتداداته السياسية والأمنية والاقتصادية عليها. تركيا لا تريد أن ترى ثلث الشعب السوري عندها وتتحمل بمفردها الكلفة المادية والسياسية والاجتماعية لسيناريو من هذا النوع . الحجر الأول الذي حركته على رقعة الشطرنج هو فتح الحدود أمام الراغبين بالمغادرة إلى أوروبا من اللاجئين والأجانب فوق أراضيها وها هي تقول للأوروبيين احترموا حقوق الإنسان ولا تتركوا الآلاف في العراء في هذا الفصل أمام الحدود اليونانية .

تواصل تركيا إرسال المزيد من القوات والعتاد إلى إدلب وجوارها بهدف التحضير لإنشاء منطقة آمنة رابعة هناك تعرقل تقدم قوات النظام السوري أكثر من ذلك وتبقي مئات الآلاف من النازحين داخل أراضيهم بحماية دولية وفرض نفسها على أية طاولة تناقش الملف السوري إقليميا أو دوليا .

نتحدث عن تفعيل ميثاق حلف شمال الأطلسي لكننا لا نتحدث عن تفعيل اتفاقية المضائق التركية الموقعة في مونتروي عام 1936 . أنقرة قد تطالب حلفاءها في المنظومة الأطلسية بالاستجابة للمادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تتطلب التضامن معها لحماية أمنها القومي إذا ما توترت الأمور وانفجرت عسكريا في إدلب. لكنها قد تفعل المادة 21 من اتفاقية مونتروي والتي تعطيها حق منع عبور السفن الحربية التابعة للدول التي تحاربها أو تشعر أنها تشكل خطرا على أمنها القومي لمضيقي البوسفور والدردنيل التركيين.

أين ومتى وكيف سيكون ميلاد إدلب أو سوريا الجديد؟ مطلع شهر آذار المقبل مع حسم أنقرة لموقفها باتجاه التقدم نحو إخراج قوات النظام من المناطق التي دخلتها. أم بعد الخامس من آذار وعلى ضوء تفاهمات تركية روسية جديدة أو قمة رباعية تركية روسية فرنسية ألمانية رفضتها موسكو حتى الأمس؟

التحول في الموقف الأميركي ورسائل حلف شمال الاطلسي والكلمات الهجومية العنيفة ضد روسيا في مجلس الأمن تقول إن تركيا حققت بعض ما تريده وأنها ستواصل استغلال الفرصة.

تركيا تغير في سياستها السورية وهي تقول لموسكو إنه عليها أن تفعل الأمر نفسه لكن ليس باتجاه التصعيد والذهاب نحو سيناريوهات التصادم بل قبول قدرات تركيا على المواجهة والتصدي للخطط الروسية حتى ولو كان ذلك على حساب انفتاحها وثقتها بموسكو في الأعوام الأخيرة. هل تنجح أنقرة في منع الانتحار الروسي في سوريا وتحويل ذلك إلى كارثة إقليمية يدفع ثمنها الجميع؟


============================

تحديث 3 أذار 2020

———————————–

ينتصر أردوغان ولا يُهزم بوتين؟/ عمر قدور

في وسعنا استنتاج نجاح الجهود الدبلوماسية خلال الأيام الماضية في منع حدوث مواجهة تركية-روسية، فالطرفان أظهرا كل الحرص على نفي الاشتباك بينهما، وإظهار ما يحدث في إدلب كحرب بين القوات التركية وميليشيات الأسد المدعومة بالميليشيات الشيعية. أيضاً، يعكس التقدم الميداني التركي غياب ما يمكن تسميته حرباً بالوكالة، مع غياب التغطية الروسية الجوية لدفاعات الأسد، ولو كان الغياب مؤقتاً ومرسوماً بحدود ينبغي على أنقرة عدم تجاوزها.

التفوق التركي على الخردة المسماة “الجيش العربي السوري” غير مفاجئ، والتقدم البري للفصائل المدعومة تركياً يعيد التأكيد على أن تحييد سلاح الجو يؤذن بانهيار تلك الخردة، وهذا ما كان وسيبقى ممنوعاً إلا ضمن ما ترسمه التفاهمات الدولية من مناطق نفوذ. ذلك لا يعني غياب القيادة الروسية للعمليات من الخلف، خاصة بهدف استيعاب الصدمة التي أحدثها التقدم التركي، لكنه يثبت أن التقدم السابق لميليشيات الأسد كان صناعة روسية بالكامل. ما تقوله وقائع الأيام الأولى أن أنقرة لم تستخدم سوى البعض من إمكانياتها التقنية لتلحق الهزيمة والأذى الشديدين بتلك الميليشيات ولو لم تكن الأرقام التي أوردتها وزارة الدفاع التركية دقيقة، فالصور التي بثتها تؤكد زيف الأرقام المعلنة من الطرف المقابل، وتلك المعلنة عبر وسائل إعلام عربية ودولية نقلاً عن “مرصد” تفترض تسميته أنه معني بحقوق الإنسان!

لم تتوقف المفاوضات التركية-الروسية في أثناء العملية العسكرية التركية، بل أفضت إلى اتصال بين أردوغان وبوتين وإلى الاتفاق على عقد قمة بينهما، وما رواه الأول عن المكالمة يؤكد على رغبته بحصر المعركة مع قوات الأسد. ثمة تراجع روسي لم يفضِ فقط إلى التواصل الهاتفي بين الرئيسين، بل أنعش فكرة عقد لقاء بينهما بعدما كان الكرملين رافضاً الفكرة، ومراهناً على أن رد الفعل على استهداف الرتل التركي في إدلب سيقتصر على ضربات انتقامية. ولا يخلو من مغزى إعلان وزير الدفاع التركي عن عملية “درع الربيع” بعد ذلك الاتصال والمفاوضات التي لم تنقطع، فالإعلان تأكيد إضافي على أن أنقرة لا تنتقم لجنودها فحسب، وإنما تتصرف وفق الخطة التي أعلنتها وزجت من أجلها في إدلب آلاف الجنود وكميات ضخمة من العتاد، فضلاً عن الإمدادات التي تقدّمها للفصائل المدعومة منها.

لم تحدث، ومن المرجح ألا تحدث، المواجهة الكبرى بين القيصر والسلطان. كثر يتمنونها، والغالبية منهم تنتظر ضربة قاصمة لتركيا. لدينا في المنطقة دول خليجية وغير خليجية يحركها منطق النكاية، وهي مستعدة للتطبيع مع بشار الأسد وفقه. إيران أيضاً تنتظر الفرصة لإبعاد أنقرة عن الميدان السوري، حيث تكون ميليشياتها هي البديل المسيطر على الأرض رغم كل ما يُشاع عن تحجيمها من قبل موسكو. بشار الأسد نفسه يرى في تحقيق النصر أملاً بالتخلص من الثقل الروسي الضاغط بحكم الحاجة العسكرية له، وإشارةً على ازدياد فرص بقائه وقدرته على اللعب بين جميع القوى التي أبقت عليه بما فيها التواطؤ الغربي.

تشجّعُ شخصيتا بوتين وأردوغان على الظن أن المواجهة حتمية بينهما، لكنهما لم يظهرا حتى الآن التهور المنتظر منهما معاً أو من واحد منهما. التعقل الذي أبداه الرجلان، بعد التصعيد اللفظي بين مسؤولي البلدين، يوحي بعدم امتلاك أحد منهما يقيناً إزاء مواجهة كبرى. المواقف الغربية لم تأتِ مشجعة لأحد الطرفين، مع تأكيدها على التهدئة وعدم قبول تحول دراماتيكي في الموقف. ربما يجوز لنا تشبيه الموقف الغربي بالتردد بين خصم محبوب وحليف مكروه، وضمن حسابات الربح والخسارة لا يريد الغرب لأحد منهما الانتصار، وفي الوقت نفسه لا يبدو الغرب مستعداً لحسم في الملف السوري، ولا يرى موسكو تحديداً ناضجة من أجل الحل.

سيناريو انحياز الغرب إلى أحد الطرفين قد يدحضه سيناريو آخر لا يتسم بالمبدئية، ويتعامل مع الحدث لحظة بلحظة بحيث يحافظ على التوازن الذي يريده، ما يحمل في النهاية خسارة مؤكدة للطرفين المتحاربين، مع التشديد على النصيب الروسي الأكبر منها بسبب إعادة موسكو تسويق نفسها كقطب عالمي، وبسبب التركيز على أن تدخلها في سوريا مكسب صافٍ لقاء صفر من الخسائر. في حساب الأرباح والخسائر، ربما أخطأ بوتين في قراءة المزاج العام التركي ظناً منه أن إيقاع عشرات القتلى من الجنود الأتراك سيُضعف أردوغان داخلياً فأتت النتيجة بموجة عداء تركي تجاه روسيا، وتوقفُ الموقف الغربي عند الدعم اللفظي الأمريكي لأنقرة ليس مطمئناً له ما دام كافياً عند مستوى معين من الاشتباك.

ثمة مخرج بقي محفوظاً، ينتصر فيه أردوغان ولا يُهزم بوتين. بموجبه تستعيد أنقرة السيطرة على مساحة من المناطق التي تم قضمها في الأسابيع الأخيرة، ويُعلن وقف جديد لإطلاق النار وفق خطوط تماس الجديدة. هكذا سيأتي انتصار أنقرة ليمحو الهزيمة الأكبر التي منيت بها، وتكون موسكو قد احتفظت بقسم لا بأس به مما قضمته. الطرفان لم يعلنا رسمياً انتهاء تفاهمات أستانة وسوتشي، وفي عدم الإعلان إبقاء على خط الرجعة بينهما، وفيه خلاص للغرب الذي لا يريد تحمل مسؤولية في قضية اللاجئين أو فرض حل نهائي.

قد يراهن بوتين على تفاهم يمتص الغضب التركي الحالي، ليستعيد لاحقاً سياسته في قضم مناطق النفوذ التركي، لكن الأرض غير مهيأة لمثل هذا الافتراض كما كانت من قبل. عامل الثقة القديم لم يعد متوفراً، ويصعب تصور إقدام أنقرة على سحب جيشها من دون تسوية نهائية أو هزيمة قاصمة. ستحدث مواجهات شرسة جداً قبل القمة المنتظرة يومي الخامس والسادس من هذا الشهر، يسعى فيها كل طرف إلى تمتين موقعه التفاوضي، أو لأجل رسم خط إطلاق النار بالمعارك. كانت موسكو قد عرضت على أنقرة شريطاً بعمق 15 كيلومتراً، بينما طالبت الثانية بعمق يتراوح بين 30 و35 كيلومتراً. هناك مساحات وسط يمكن الاتفاق عليها بين الجانبين، وهذا أسهل ما في الأمر، الأصعب هو تقديم الضمانات الكافية لوقف إطلاق نار مستدام. فرص نجاح قمة بوتين-أردوغان ضئيلة، وإذا انفضت فقط على تهدئة وكلام مكرر من تفاهمات سوتشي لن ننتظر طويلاً حتى تتجدد المعركة.

المدن

————————

لماذا لن نشهد حرباً شاملة بين تركيا وروسيا في إدلب؟/ فيكين شيتريان

هل سيفضي التصعيد العسكري الخطير في شمال سوريا إلى تقويض اتفاقات أستانا والتفاهم بين روسيا وتركيا؟ أم أن المصلحة المشتركة بين البلدين أعمق من الخلاف المحلي حول كيفية تحديد خطوط الجبهة الأمامية في محافظة إدلب السورية؟

بلغ التصعيد العسكري في إدلب آفاقاً جديدة بالغة الخطورة. فقد أسفرت غارات جوية يوم الخميس 27 فبراير/شباط، استهدفت نقطة مراقبة عسكرية تركية في إدلب عن مقتل 33 جندياً في صفوف الجيش التركي وإصابة عشرات آخرين. تسبب العدد الكبير من الضحايا في إثارة ضجة وغضب في أوساط الرأي العام التركي. واتهمت أنقرة الطيران السوري بشن الهجوم، وإثر ذلك، أطلقت القوات المسلحة التركية هجوماً انتقامياً واسعاً استهدف مواقع الجيش السوري بالمدفعية والطائرات المُسيّرة. مصادر رسمية تركية أفادت بأن القوات التركية “تمكنت من تحييد 309 من قوات النظام”، منذ أن أطلقت تركيا عملية “درع الربيع” بشن هجمات مكثفة ضد قوات الجيش السوري الذي يبدو عاجزاً في مواجهة الطائرات المُسيّرة التركية.

لم يقتصر التصعيد الذي شهدته الأسابيع الأخيرة على القوات المسلحة السورية والتركية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى توتر العلاقات بين أنقرة وموسكو. ففي أعقاب إرسال تركيا نحو 15 ألف جندي إلى إدلب وتعرضهم لغارات جوية متكررة، عمدت إلى إطلاق صواريخ محمولة مضادة للطائرات (نظام الدفاع الجوي المحمول) ضد طائرات سوخوي الروسية. كما قدمت القوات المسلحة التركية دعماً قوياً لمقاتلي المعارضة السورية من أجل استعادة السيطرة على مدينة سراقب التي تحظى بأهمية إستراتيجية، لأنها تشكل نقطة التقاء بين طريق الـ “إم 5″، والطريق الدولي المعروف بـ “إم 4″. قد يكون الهجوم الذي تعرضت له القوات التركية بصواريخ دقيقة ليلاً بمثابة انتقام روسي، وتحذير. إذ ألقت مصادر بوزارة الدفاع الروسية اللوم على الجانب التركي، معللةً “أنهم كانوا ضمن “وحدات مقاتلة برفقة مقاتلين جهاديين في إدلب عندما استهدفهم هجوم جوي شنته الحكومة السورية”.

منذ الأسبوع الماضي، تعيش تركيا وسوريا حالة حرب نشطة. ولكن تُـرى ماذا سيكون موقف روسيا؟ وإلى أي مدى قد تزداد مخاطر اندلاع حرب روسية-تركية؟

في الوقت الحالي يتجنب الجانبان المواجهة المباشرة: فقد سمحت روسيا، التي هيمنت بالكامل على مجال إدلب، للطيران التركي بتدمير وحدات الجيش السوري، دون أن تتدخل حتى الآن.

الأصدقاء والأعداء

كادت الحرب أن تندلع بالفعل بين الجيش التركي ونظيره الروسي منذ ما يقرب من خمس سنوات، عندما أطلقت قوات الدفاع الجوية التركية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 النار على مقاتلة روسية من طراز سوخوي سو-24 مما أدى إلى سقوطها. وانتقمت روسيا بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية ضد تركيا. ونظراً إلى أن روسيا ثاني أكبر شريك اقتصادي لتركيا، فقد ألحقت هذه العقوبات الضرر بالاقتصاد التركي، ولا سيما قطاعات الزراعة والسياحة والإنشاءات. فقد جازفت تركيا بخسارة 3.5 مليار دولار بسبب التراجع الحاد في عدد السياح الروس، فضلاً عن خسارة 4.5 مليار دولار نتيجة لإلغاء مشاريع البناء. علاوة على ذلك، تعتمد تركيا اعتماداً تاماً على روسيا في توفير الطاقة: إذ تقدم روسيا 55% من إجمالي احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وقد جعل هذا من روسيا في عام 2018 المُصدّر الرئيسي لتركيا بنسبة 9.9% من إجمالي الصادرات متقدمةً على ألمانيا التي تصل نسبة صادراتها لتركيا إلى 9.3%.

يُعد الاقتصاد السبب الرئيس وراء سرعة توصل البلدين إلى السبل اللازمة للتغلب على حادثة سقوط الطائرة الروسية، وتعميق التعاون الاقتصادي بينهما، بل وحتى تطوير طرق جديدة للتعاون العسكري. بعد تطبيع العلاقات بدءاً من يونيو/حزيران 2016، وقع الجانبان اتفاقاً إضافياً بلغت قيمته 20 مليار دولار لتوسيع محطة “أكويو” للطاقة النووية قيد الإنشاء في مدينة مرسين، والتي سيتم تشغيلها عام 2023، بالإضافة إلى توقيع اتفاق إقامة خط أنابيب الغاز الطبيعي “ترك-ستريم” في ديسمبر/ كانون الأول 2016 الذي يبلغ طوله 930 كم والذي سيزيد من صادرات الطاقة الروسية إلى تركيا. وحتى اغتيال أندريه كارلوف، السفير الروسي في أنقرة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2016، لم يعرقل التحالف الروسي التركي. ووصل التعاون بين البلدين إلى آفاق جديدة عام 2017 عندما وقعا صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار لبيع أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400. وكان هذا بمثابة انتصار هائل للصناعة العسكرية الروسية، بل وأيضاً للدبلوماسية الروسية: فقد تسبب في خلق التوترات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي – الناتو. وفي أبريل/نيسان 2019، تباحث الزعيمان سبل زيادة شراكتهما الاقتصادية، وأكدا سعيهما رفع حجم التبادل التجاري حتى 100 مليار دولار، بعد أن وصل إلى 26 مليار دولار عام 2018.

في الصراع السوري، تخلت روسيا وتركيا، بمشاركة إيرانية، عن عملية المفاوضات الدولية في جنيف، وبدأوا في عملية تفاوض منفصلة، في أستانا، بكازاخستان. ارتكزت العملية على التوصل إلى وقف إطلاق النار، والتفرقة بين المقاتلين المتمردين الذين أُشركوا في عملية المفاوضات، وأولئك الذين وصفوا بأنهم “إرهابيون”، مثل جبهة النصرة الموالية للقاعدة. لقد جعلت عملية أستانا من روسيا المهيمنة على الصراع السوري؛ فقد نجحت في التلاعب بالمعارضين السوريين عن طريق توقيع اتفاقات وقف إطلاق النار مع بعضهم، وقتال البعض الآخر. كانت النتيجة تتابع سقوط مناطق المتمردين، مثل حلب في يونيو/حزيران 2016، وفي أغسطس/آب من العام نفسه أدت إحدى المعاهدات إلى إخلاء داريا، وهي ضاحية تقع جنوبي دمشق. وفي يونيو/حزيران 2018، سيطر الجيش السوري على درعا، وانخرط الكثير من المتمردين السابقين في القوات الحكومية. وفي أبريل/نيسان 2018، سيطر الموالون للنظام على الغوطة الشرقية.  عقدت روسيا العزم على بسط سيطرتها على طول الطريق الشمالي بالسيطرة على الطريقين الاستراتيجيين “إم 4” و “أم 5” اللذين يربطان المدن السورية الكبرى. حققت الهجمات على إدلب التي بدأت في أبريل/ نيسان من عام 2019 تقدماً بطيئاً، ولكنه ثابت للقوات الموالية. كما تسببت أيضاً في حصار نقاط المراقبة التابعة للجيش التركي، التي كان من المفترض أن تحافظ على اتفاق وقف إطلاق النار.

الموقف التركي

في أعقاب اتفاقات أستانا، خفضت تركيا من طموحاتها في سوريا، فبدلاً من السعي إلى تغيير النظام، سعت أنقرة إلى إنشاء “منطقة عازلة” في شمال سوريا. من المفترض أن تحقق تلك المنطقة هدفين رئيسين: الاستمرار في التأثير على المعارضة السورية، والقضاء على القوات المسلحة الكردية، “وحدات حماية الشعب”. خدم التعاون مع روسيا المصالح التركية، ولو جزئياً. إذ لم تكن العملية العسكرية التركية على عفرين (عملية غصن الزيتون) ممكنة إلا بفضل التعاون الروسي.   

تهدف أنقرة إلى لعب دور مستقل في الصراع السوري. وبذلك، فإنها تعارض مصالح روسيا، بالقتال بشكل مباشر وغير مباشر ضد القوات الموالية السورية، والمصالح الأميركية، بمهاجمة “وحدات حماية الشعب”؛ المجموعة الكردية المسلحة التي يدعمها ويسلحها البنتاغون.

نجحت أنقرة في المناورة عن طريق الإيقاع بين واشنطن وموسكو، والجمع بين الحرب بالوكالة والتدخل العسكري المباشر.

عقب الهجوم الذي استهدف جنودها في سوريا مباشرةً، أعلنت السلطات التركية أنها لم تعد تحمي الحدود الأوروبية من عبور المهاجرين واللاجئين. وشجعت أنقرة بفعالية الآلاف من اللاجئين على محاولة الوصول إلى الدول الأوروبية.

في إطار الحرب السورية، تشير محاولة ابتزاز شركائها الأوروبيين في حلف الناتو بقضية اللاجئين، إلى أن أنقرة ستستمر في ممارسة سياستها المستقلة، والضغط على أوروبا، بدلاً من السعي إلى الحصول على دعم حلف الناتو في مواجهة روسيا.

الدبلوماسية الدقيقة وضباب الحرب

من المتوقع أن يلتقي بوتين وأردوغان خلال الأيام القادمة لنزع فتيل الوضع الخطر في شمال غرب سوريا. وهذا لا يعني عدم وجود خلافات عميقة بين الطرفين فيما يخص إدلب. لكن إذا أخذنا المصالح المشتركة بعين الاعتبار، وبصورة أشمل، علاقتهما المتوترة مع أوروبا والولايات المتحدة، فمن مصلحتهما التهدئة، تماماً مثلما فعلا بعد حادثة السوخوي عام 2015.

ولكن لا ينبغي لنا رغم ذلك أن نقلل من “ضباب الحرب”: ففي حين أن روسيا وتركيا تجمعهما شراكة، فهما في الوقت نفسه أعداء. ولديهما تاريخ حافل بـ 16 حرباً قاتلوا خلالها ضد بعضهم البعض. واليوم يقاتلون على طرفي النقيض في سوريا والعراق أيضاً. وقد توشك خطوة واحدة إلى الأمام، أو ضربة جوية مؤلمة بشدة، أو تضحية أكثر مما ينبغي من أجل الحفاظ على صورة الحاكم الأقوى، أن تحول الشراكة الروسية-التركية إلى عداوة روسية-تركية.

—————————

هل تخشى أنقرة من غزو أراضيها؟/ عبد الرحمن الراشد

الحرب السورية، التي اندلعت قبل تسع سنوات، هذه أول مرة تقاتل تركيا فيها بقواتها الجوية ومدفعيتها وتستهدف قوات النظام السوري وميليشيات إيران. وما كان لـ«إف – 16» التركية، ولا طائراتها الدرونز، أن تحلّق في الفضاء السوري، حيث تتكدس الدفاعات السورية والإيرانية، وكذلك الروسية، لولا أنها في حماية القوات الأميركية هناك.

ومثلما تركت روسيا للمقاتلات الإسرائيلية حرية قصف مواقع إيرانية و«حزب الله» في محيط دمشق، أيضاً روسيا لم تعترض القوة الجوية التركية التي أسقطت مقاتلات سورية، «سوخوي 24»، وتولت طائرات الدرونز التركية معظم استهداف مدرعات النظام. الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أعلن عزمه على السفر إلى موسكو والجلوس مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي قال متحدث باسمه، إن روسيا لا تريد توسيع دائرة الحرب.

الذي أقلق الرئيس التركي طبيعة التحرك العسكري الإيراني – السوري شمالاً، الذي يوحي بأنه ينوي غزو الأراضي التركية، ولن يكتفي بطرد الفصائل المقاتلة واستعادة ما تبقى من شمال سوريا. أنقرة كشفت عن شكوكها قائلة بأنها هذه المرة مضطرة إلى الدفاع عن الحدود والمواطنين الأتراك.

أما لماذا تريد دمشق وطهران توسيع دائرة الحرب، وربما غزو الجنوب التركي، فإنه يقوم على مبرر الغزو التركي نفسه للشمال السوري العام الماضي، إقامة منطقة حماية داخل الأراضي السورية، بحجة منع الأكراد من الهجوم على تركيا. قوات النظام وإيران تريدان عبور الحدود بحجة دفع الجماعات المسلحة، السورية والمقاتلين الأجانب، إلى ما وراء الحدود وإضعاف تركيا تباعاً. اكتشفت أنقرة أن كل ما حاكته من تفاهمات وترتيبات خلال السنتين الماضيتين مع إيران وروسيا في سوريا، في سوتشي، جاء على حساب مصالحها، ووجدت نفسها الخاسرة. لهذا عادت للتحالف مع الولايات المتحدة وتطلب دعمها. الولايات المتحدة تعارض الاتفاقات الأخيرة في سوريا، وانتقدت الموقف التركي حينها. فواشنطن تطالب بمنح المعارضة السورية حصة في الحكم، وإخراج القوات الإيرانية وميليشياتها من سوريا. وربما هذا يفسر عودة الاقتتال في درعا، في جنوب غربي سوريا، في جوار الأردن، بعد سلام دام عامين تقريباً؛ مما سيشتت قدرات النظام السوري الذي نقل معظم قواته إلى الشمال.

إردوغان يدفع ثمن تأخره في التدخل العسكري، وتقربه من الإيرانيين والروس على حساب المعارضة السورية. نظرة سريعة على الخريطة تبين أن معظم القتال، في الحقيقة، هو على ما تبقى من الأميال الأخيرة المحاذية للحدود التركية. وخلال الأسابيع الماضية شنّت قوات النظام وحلفاؤه عمليات تدمير هي الأعنف على إدلب ومحيطها، واكتفى الأتراك بإصدار بيانات الشجب، واضطر مئات الآلاف من السكان إلى الفرار باتجاه تركيا. ليس أمام تركيا مساحة واسعة للمراوغة، فهي إن لم تدافع عن إدلب والسوريين في المناطق المتاخمة لأراضيها فإن الحرب ستنتقل إلى الداخل، والمزيد من ملايين السوريين سينزحون إلى مدنها.

الشرق الأوسط

————————–

اللجوء والمؤقت والتمرد عليهما/ ياسين السويحة

يستوجب مشهد الأيام القليلة الماضية على الحدود التركية- اليونانية تعليقاً يتعدّى الاشمئزاز، الضروري، من جولة جديدة لأحط أشكال التعاطي السياسي- الخطابي المتبادل مع مأساة اللجوء السوري من قِبل السلطات التركية والاتحاد الأوروبي، وينظر في مشاهد الأيام الماضية لآلاف من السوريين المتجمعين في ساحات وجادات رئيسية في اسطنبول، بحثاً عن وسيلة نقل نحو المناطق الحدودية؛ ثم المكوث في العراء على الحدود، وصولاً إلى العنف الذي مارسه حرس الحدود اليونانيين، وأدى حتى الآن لاستشهاد الشاب أحمد أبو عماد وعشرات الإصابات. لقد حصل كل ذلك بسرعة مأساوية، في غضون ساعات وأيام قليلة، بما يجعلنا نفكر مجدداً في أحوال ألوف وألوف من سوريي الشتات.

كانت التجمعات قد احتشدت، والقوافل قد انطلقت، فوراً بعد التطورات الميدانية في إدلب، التي أدّت إلى تداول تصريح مسؤولين أتراك عن أنهم لن يمانعوا مرور اللاجئين باتجاه أوروبا. خلال ساعات قليلة، بين الأنباء الليلية وساعات الفجر الأولى، كان آلاف اللاجئين السوريين في تركيا، أفراداً وعائلات، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً وأطفال، جاهزين لخوض الرحلة المجهولة محمولين على أمل التصريح التركي، غير منشغلين بتحليلات هذه التصريحات ولا بتقييمها السياسي أو الأخلاقي، ولا بالحيرة إزاء إمكانية أن تكون إشاعة، أو تصريحاً/ تهديداً خطابياً دون مفاعيل عملية. شوهد التصريح كاحتمال فرصة لا يجب تفويتها ولا التباطؤ في اغتنامها. يقول هذا الواقع أموراً عديدة، يهمنا منها الآن مشهد عينة وازنة من كتلة هائلة من السوريين، يعيشون في المؤقت المطلق، في مهب الريح (حرفياً). ليس لدى سوريي المؤقت ما يؤخرهم عن حمل حقائب صغيرة وخفيفة وترك كل شيء ورائهم في غضون ساعات قليلة، فلا بيوت، ولا أعمال، ولا حتى مدارس تقتضي التمهّل لإدارة تسليمها وتدبير بدائل لها. وبالطبع، لا ذكريات ولا مشاعر ولا تعلّق بمكان أو بأشخاص يمكن أن يُسمح له بعرقلة الانتقال السريع بين مؤقت سيء وآخر يُرجى أنه أقل سوءاً. أساسيات حياتية كثيرة -مادية ومعنوية- باتت، بالنسبة لسوريي المؤقت، أثقالاً تعلّموا ضرورة العيش دونها، لأيام طويلة، لأشهر، وغالباً لسنواتٍ لا يُعرف مداها.

نحدّق في صور الحدود التركية- اليونانية، ونضطر لتذكير نفسنا أنه من المفترض أن هؤلاء النائمين في العراء هم «ناجون» من قعر المأساة السورية، التي ما زالت موجودة هناك، في الدواخل السورية، في المناطق الحدودية من إدلب خصوصاً. ثمة «ناجين» آخرين، بالملايين، يقبعون في مختلف بقاع الشتات السوري، يعيشون أيضاً ضروباً متنوّعة من هذا المؤقت، بين أوضاع قانونية مبهمة أو بطيئة التطور أو عديمة الوضوح، ومصادر دخل شحيحة أو غير مستقرة أو معتمدة على المعونات الاجتماعية. ليس انعدام الأمان لدى اللاجئين جديداً، وليس التبرّم بهم ومحاولة التخلص منهم أو إغلاق الحدود في وجههم أو التمنين بحقوق منقوصة تُمنح لهم أو محاولة التخلص منهم استثناءً سورياً حديثاً، فهذه سيرة غالبية موجات اللجوء في العالم المعاصر. الجديد هو كورال الوقاحة المزرية المتواصل، والبؤس السياسي والأخلاقي الذي تقدمه دول ومؤسسات دولية، مثل اليونان، التي أعلنت اليوم -للصدفة- عن مناورات عسكرية بالذخيرة الحيّة في مناطقها الحدودية الشرقية؛ أو وكالة خفر السواحل وحرس الحدود الأوروبية (فرونتكس)، التي يُغرّد حسابها على تويتر صور رجال شرطة من دول أوروبية عديدة قدِموا إلى اليونان لـ «دعمها» أمام «التهديد» الذي يُحدِقُ بحدودها الخارجية. رجال شرطة باللباس الميداني يرصدون المضائق بالمناظير الحربية، في مشهد يصرخ بأنهم يترقّبون عدواً غازياً، وليس لاجئين يعيشون ظروفاً إنسانية قصوى. هذان مثالان عن سلوك جهات، ديمقراطية، تُعيب على تركيا استخدامها الأداتي الفج للاجئين، وهو قول حق حين يصدر منّا، لكنه نصف حقيقة حين يبدر منهم، لأنهم شريكٌ ضروري وفاعل في هذا الواقع المخزي.

تقتضي فداحة وقسوة وحرارة المشهد منا الآن، في هذه اللحظة، أن نفضح وندين، وأن نطالب بمعونة أهلنا، أهل المؤقت، القابعين في العراء على الحدود. لكن من الحيوي كذلك أن نضع نصب أعيننا ضرورة التفكير في هذا المؤقت الجاثم على صدور ملايين اللاجئين السوريين، على اختلاف تدرّجات معاناتهم واستقرار ظروفهم. ربما يقتضي كسر المؤقت تمرداً على «اللجوء» بحد ذاته، أي تأصيلاً للمعنى السياسي، في سياق القضية السورية، لضرورة تشكيل شبكات الدعم والعون والتكافل في سبيل أن يكفّ أكبر عدد ممكن من اللاجئين عن أن يكونون «لاجئين» بالمعنى القانوني والاقتصادي والسياسي، بأسرع وقت ممكن: أن يمتلكوا شروط حياتهم الدنيا، أن يحصل على أوراق ووضع قانوني مستقر، أن يخرجوا من نظام المعونات نحو تحصيل دخلهم دون مِنّة ولا تبرّم، وأن يتخلصوا من المعنى الضيق والخانق المفروض، سياسياً ومفاهيمياً وثقافياً، على اللاجئين، ليس فقط من قِبل جماعات وأهواء عنصرية ضدهم ورافضة لوجودهم، أو من جهات سياسية ودول أصبح اللاجئون فيها أشبه بالرهائن الذين يُمننون ويُهدَّدون وتُهدَّد بهم دول أخرى، بل أيضاً من قِبل متضامنين، تفشل نواياهم الطيبة ومنطلقاتهم الحميدة في الانتباه للطابع الفوقي وغير الندّي لـ « التضامن»، والتي تؤدي إلى حبس اللاجئين في كونهم لاجئين: عليهم، كل الوقت، أن يتصرفوا كلاجئين، يستهلكوا كلاجئين، يتحدثوا كلاجئين، وينتجوا «ثقافة لاجئين». لا وجود لهم قبل أن يصبحوا «لاجئين»، وليس من المستغرب أن يتلقوا عتباً أو زجراً أو استنكاراً إن خرجوا في قولهم أو في فعلهم عمّا يُفترض أن يبدر عن «لاجئ»، باعتبار أن هذا الخروج عمل غير مسؤول، قد تستفيد منه التوجهات المعادية للاجئين.

في الأفق، وفي مفارقة هزلية، ثمة يوتوبيا مرجوّة في أن يتحصّل اللاجئون السوريون على بدائل مستدامة للأوراق الثبوتية وجوازات السفر السورية لتتويج تحريرهم من «لجوئهم» وتمكينهم من أن يصبحوا «سوريين» مجدداً. هذه المفارقة هي أحد أوجه إسهام البوتينية في مفاهيم السيادة والهوية الوطنيتين.

لكن، مع كل إشكاليات اللجوء المذكورة، فإن الطارئ والمُلحّ اليوم هو العمل من أجل أن يتمكن أهل مؤقت أدرنة من أن يصبحوا «لاجئين»، بأي معنىً يكن للجوء.

موقع الجمهورية

————————-

روسيا وتركيا: مات الاتفاق عاش الاتفاق/ عروة خليفة

كانت قوات النظام السوري قد سيطرت على مدينة سراقب مطلع شهر شباط فبراير الماضي، وذلك لأول مرة منذ العام 2012، وهي المدينة ذات الموقع الاستراتيجي المطل على تقاطع طريقي حلب دمشق (M5) وحلب اللاذقية (M4)، والتي تضم قبل كل هذا عدداً كبيراً من المدنيين وتحتفظ بمكانة خاصة في الحراك الثوري السوري منذ عام 2011. وليس مؤكداً أن سيطرة النظام على سراقب كانت هي الحدث الذي دفع أنقرة للتحرك، خوفاً من سقوط كامل محافظة إدلب بيد الأسد ومن ورائه موسكو، لكن التحرك العسكري التركي الداعم بشكل جدي لفصائل المعارضة كان قد بدأ بعد هذا الحدث على أي حال، وكان من بين نتائجه استعادة الفصائل سيطرتها على المدينة في الخامس والعشرين من شباط.

اليوم، وبعد تأكيد موعد القمة بين كل من أردوغان وبوتين في موسكو يوم الخميس المقبل، فإن النظام استطاع السيطرة مجدداً على سراقب بدعم روسي وإيراني واسع وحاسم.

قبل ذلك، كان الردّ الروسي الأول على التحرك التركي قد أدى، عبر قصف مباشر للطائرات الروسية أو عبر قصف مدفعي من قوات النظام، إلى مقتل أكثر من ثلاثين جندياً تركياً خلال الأسبوع الماضي، وهو ما اعتبرته أنقرة خطاً أحمر، دفعها إلى نقل العمليات العسكرية إلى مستوى جديد تضمّنَ قصفاً موسعاً لقوات النظام، ودعماً لفصائل المعارضة التي تحولت بعد سيطرتها على سراقب إلى محاور ريف إدلب الجنوبي، لتستعيد السيطرة على عدد من القرى والبلدات هناك، ضمن معارك لا تزال مستمرة حتى اللحظة.

ورغم تعرض قوات النظام لضربات قاصمة استهدفتها خلال الأيام الماضية عبر غارات طائرات درون تركية، إلا أنّ موسكو اليوم عادت لتنشر تصريحات قالها بوتين خلال لقاء صحفي مع وكالة تاس الروسية، أكد خلالها أنّ بلاده «لا تريد حرباً مع أي طرف»، وأنها تريد تجنب الصدام مع باقي الأطراف في سوريا، ليبدو أن الرئيس الروسي، الذي يعبد القوة، يفضل عدم التصعيد أكثر من ذلك، بعد تصريحات حكومته العدائية التي تلت استهداف الجنود الأتراك.

ويبدو أن الإصرار التركي، الذي صاحبته ضربات موسعة شملت مواقع في عمق مناطق النظام مثل مطار النيرب العسكري، قد أفضى إلى تراجع موسكو نسبياً عن تصريحاتها المتشددة، ذلك أنها لا تريد بكل تأكيد حرباً مع أنقرة كما أن أنقرة لا تريد حرباً معها، وهو رهان لا يزال ناجحاً حتى اليوم، إذ لطالما استغلّت موسكو عدم رغبة أي طرف دولي أو إقليمي بالدخول في حرب معها، لتتوسع عسكرياً في سوريا من خلال حرب إبادة وتهجير شاملة.

وبالمقابل، فإن اندفاعة تركيا في مواجهة النظام ستبقى محدودة حتى في مداها الأقصى، إذ يصرّ السياسيون الأتراك على إعادة النظام إلى حدود اتفاقية سوتشي الموقعة في خريف عام 2018، وهو ما يعني أن حدود العملية العسكرية لن يتجاوز تلك الخطوط التي رسمها اتفاق أردوغان وبوتين في منتجع البحر الأسود في روسيا، قبل أكثر من عامين.

في ظل هذه التضاربات الحادة التي ترسمها العمليات العسكرية على الأرض وضربات الدرون، تتجه المعادلة في شمال غرب سوريا إلى أن يُعاد تجميدها عند تاريخ أيلول 2018، وهو الشهر الذي وقع فيه الرئيسان التركي والروسي اتفاقية سوتشي التي ثبتت حدود محافظة إدلب والأرياف المحيطة بها (مناطق من ريفيّ حماة وحلب)، وهو ما يعني أن الصدام غير المباشر بين أنقرة وموسكو في إدلب لن يتحول إلى حرب بين الدولتين المطلتين على البحر الأسود، ويعني أيضاً أنّ أولويات أنقرة الآن في سوريا هي الحفاظ على الوضع القائم، إلى أن يتم الوصول إلى حل سياسي مقبول يعطيها ما ترى أنه ترجمة فعلية لنفوذها العسكري والسياسي في البلاد.

قد لا يكون التقدم العسكري للنظام هو أهم ما تريده موسكو من سوريا، وهو ما قد يجعلها تفسح مجالاً لبعض العمليات العسكرية التركية في إدلب، لكنّ انسداد المسار السياسي أمام شروط موسكو يدفعها إلى التوجه لتوسيع سيطرتها العسكرية في سوريا بهدف فرض رؤيتها الأحادية. يطمح بوتين إلى فرض سلطته المطلقة على بلادنا، وذلك من خلال إدارة ملف المساحة الأوسع منها، واحتفاظه بمفاتيح إدارة علاقات نفوذ وسيطرة الدول الأخرى فيها، والإبقاء على النظام الحالي تحت الانتداب الروسي المباشر، واستلام أموال إعادة الإعمار لهندسة سوريا من جديد، وهو ما يحتاج إلى موافقة واشنطن التي لا يبدو أنها بصدد إعطاء بوتين مثل هذه الصلاحيات المطلقة.

ما تملكه جميع الأطراف في سوريا اليوم هو نفوذ مُجمّد حتى توافق واشنطن على ترتيبات نهائية للأوضاع فيها، ذلك أن الولايات المتحدة وإدارتها الحالية ليست في وارد قلب سياساتها في المنطقة، ومن بينها سياسة تجميد الأوضاع في سوريا مع زيادة الضغط السياسي والإقتصادي، كجزء من حملة الضغوط المشددة على إيران.

يحاول الجميع تجاوز هذا الجمود من خلال المعارك العسكرية، تجد روسيا في إدلب الهدف الأسهل غير الخاضع للحماية المباشرة من قبل الولايات المتحدة أو تركيا، فيما تريد أنقرة تغيير ذلك إذ تعتبر أن شمال غرب سوريا حصتها نتيجة اتفاق وقعته مع موسكو في سوتشي. وبغض النظر عن نتيجة المعارك في إدلب اليوم، فإن النتيجة النهائية ستكون رسم حدود أقرب للثبات بعد التدخل العسكري التركي، بما يضمن تجميد الوضع الراهن إلى أن تقول واشنطن كلمتها النهائية.

موقع الجمهورية

—————————-

عن أسطورة التفهّم الروسي لضربات تركيا للأسد/ علي حسين باكير

في سياق ما يُسمى بتفسير الموقف الروسي المشلول تقريباً إزاء الضربات التي نفذّتها تركيا ضد نظام الأسد مؤخراً، هناك من بدأ يروّج لتأويلات مفادها أنّ موسكو سمحت لأنقرة بتلقين الأسد درساً، وأنّ ذلك يأتي في سياق تفهّم ردّة الفعل التركية إزاء سقوط قتلى لها في الضربة التي نُسبت لنظام الأسد والتي أوقعت حوالي ٣٣ عنصراً من القوات المسلحة التركية.

وفقاً لهؤلاء، فقد قامت موسكو بإعطاء الفرصة لأنقرة للثأر لنفسها من نظام الأسد لتردّ بذلك الاعتبار إلى قواتها المسلّحة. لكن هدف موسكو لم يكن محصوراً وفق –هذه الادعاءات- في هذا الجانب، إنما هي تعمّدت إطلاق يد تركيا العسكرية في تأديب الأسد لأنّه خرج –كما يدّعون- عن إطار التصعيد المقبول من طرفه باستعادته المزيد من الأراضي في إدلب دون موافقة روسيا.

وهناك من يزيد على هذه التوليفة (الادعاء) مجموعة من الادعاءات من قبيل أنّ روسيا تريد أن تضغط على نظام الأسد من خلال تركيا، وأنّ ذلك يصبّ في مصلحتها في نهاية المطاف، ويأتي في سياق دعم طرف على حساب طرف آخر فيما يتعلق بالأجنحة المتصارعة داخل نظام الأسد. باختصار، أصحاب الرأي هؤلاء يرون أنّ الحملة التركية ضدّ نظام الأسد جاءت ضمن اتفاق ضمني مع روسيا!

لا تعكس مثل هذه التأويلات التي تعتمد على خيال خصب قوامه غياب الفهم الصحيح لطبيعة العمل السياسي والعسكري فقط، والافتقاد إلى أدوات التحليل والتفسير، بل تنمّ أيضاً عن جهل يسهم بشكل عمدي أو غير مقصود في توسيع دائرة التضليل، الأمر الذي يقوّض

من الحس السليم لدى الجهور المستقبل على الحكم على الأشياء، ويقلل من قيمة التحليلات الأكثر قيمة من خلال دفنها وراء جبال من التحليلات التي يقوم بها جيش من المدّعين.

مثل هذه التأويلات تتناقض مع نفسها من عدة زوايا لعل أبرزها:

١) الذين يقولون بها يعترفون بأنّ روسيا هي من نفّذ الضربة ضد الجنود الأتراك التي أودت بحياة حوالي ٣٣ منهم، فكيف يستقيم ذلك مع الادعاء بأنّ موسكو سمحت لأنقرة بالثأر لنفسها من نظام الأسد!

٢) القول بأنّ الأسد تمادى وتجاوز التفويض الممنوح له باستعادة المزيد من الأراضي في إدلب يتعارض كذلك مع تأكيدات موسكو الدائمة العلنية على ضرورة أن يستعيد الأسد كامل الأراضي أولاً، وثانياً على الدعم الجوي المقدّم له من موسكو أثناء تقدّمه للسيطرة على المزيد من الأراضي في إدلب.

٣) روسيا ليست بحاجة الى أي طرف لتأديب الأسد بالواسطة أو بالوكالة فضلاً عن أن تستخدم تركيا لمثل هذا الغرض! الجانب الروسي يتفنّن بشكل دائم في إهانة الأسد وقادر دون أدنى جهد على إعطائه الأوامر وتأديبه إن لزم الأمر دون الحاجة إلى جعل تركيا تبيد أرتالاً من قواته العسكرية.

٤) كيف يستقيم القول أيضاً بأنّ هناك اتفاقاً ضمنياً بين روسيا وتركيا بقيام الأخيرة بتلقين الأسد درساً، في الوقت التي أدّت فيه الهجمات التركية إلى تقويض ما تبقى من قوّة عسكرية للأسد وإهانة أنقرة لفخر الصناعات العسكرية الروسية من دبابات ورادارات وأنظمة دفاع جوي وحتى مقاتلات سوخوي (اس-٢٤) قامت تركيا بتدميرها خلال الهجمات التي شنّتها مؤخراً؟

٥) إذا ما افترضنا جدلاً أنّ مثل هذا الاتفاق الضمني الوهمي موجود، كيف بالإمكان لهذا الاتفاق وما نتج عنه من تقويض هائل لقدرات النظام في المنطقة أن يساعد روسيا لاحقاً على دعم الأسد أو حتى تعويضه الخسائر في المعدّات العسكرية التي مُني بها؟!

في حقيقة الأمر، ما جرى هو أنّ موسكو التي استهانت في بداية الأمر بالحشود العسكرية التركية داخل إدلب كما تبيّن من خلال تصريحات المسؤولين والمحللين الروسي على قناة “روسيا اليوم”، لم تكن تتوقّع حملة جوّية بطائرات ميسّرة تركيّة بهذا الشكل لا سيما أنّها كانت تعتقد أنّ تحييد سلاح الجو التركي (اف-١٦) من المعركة سيحرم أنقرة من إمكانية إيقاع خسائر كبيرة في صفوف النظام في أي رد فعل محتمل.

لكن الحملة الجوية بالمسيّرات كشفت عن قدرات أنقرة الهائلة في مجال الاستهداف الجوي في ظل غياب ال(إف-١٦) عن المعركة، فضلاً عن دقّة الاستهداف وحجم القوات المستهدفة للأسد ونوعها. أمام هذه الحقيقة، كان لروسيا خياران، إمّا أن تتدخّل وتقوم بإسقاط المسيّرات التركيّة وهو ما من شأنه أن يُظهّر الكلام عن مسؤوليتها عن استهداف الجنود الأتراك قبل ذلك إلى العلن، ويخاطر بإمكانية نقل المعركة من صدام بين تركيا ونظام الأسد إلى صدام بين تركيا وروسيا، وهو خيار لا يحبّذه بالتأكيد أي من الجانبين.

الأمر الآخر كما بدا واضحاً هو أنّ روسيا لم تكترث للاتفاقات التي تمّ توقيعها مع تركيا، فاتفاق سوتشي كان (ولا يزال) قاب قوسين أو أدنى من الانهيار التام لولا أنّ التقدّم العسكري التركي سمح على الأقل للطرفين للتذرّع به كإطار للمفاوضات الجارية الآن حول إدلب.

وتبقى القاعدة الأساسية هي أنّ كلاً من تركيا وروسيا لا يريد مواجهة مباشرة ليس في مصلحة أي منها لا سيما إذا كان السبب فيها نظام مهلهل كالأسد، نعم، روسيا تريد أن تدافع عن النظام لكنّها لا تريد أن تصطدم بتركيا أو أن يؤدي ذلك إلى معركة معها، وهذه هي فحوى المعادلة الشائكة التي أدّت إلى شل الروس أيضاً. موسكو تحاول الآن تقييد التحركات التركية ضمن هذه المعادلة، لكن إذا ما كانت ستنجح أم لا يعتمد على الكثير من المعطيات المتحرّكة المرتبطة بالمشهد وبالتأكيد من بينها الموقف التركي وموقف الولايات المتّحدة وأوروبا والناتو أيضاً.

—————————

السيادة الوطنية.. رخصة للقتل/ مصلح مصلح

في اليوم الأخير لانتهاء المهلة التي حدّدها السيد أردوغان لانطلاق العمليات العسكرية ضد قوات النظام السوري، في حال لم تنسحب إلى حدود نقاط المراقبة التركية التي كان قد تم الاتفاق على إنشائها بموجب اتفاق سوتشي بين بلاده وروسيا، وأمام حشد غفير من نواب حزبه الحاكم، العدالة والتنمية، ارتأى الرجل أن يتوجه بخطابه إلى عواطف رجل الشارع التركي بدلًا من عقله في تفسيره لأسباب التواجد التركي على الأرض السورية: “لكل من يتساءل حول أسباب تواجدنا في إدلب، أقول لم نذهب هناك بناء على دعوة الأسد، إنما تلبية لدعوة الشعب السوري، وليست لدينا نية لترك الشعب السوري، طالما يريد الشعب السوري منا البقاء هناك”.

إذا كان للمرء أن يتفهم اللغة العاطفية التي ساقها أردوغان في معرض تبريراته لبدء العملية العسكرية التي ينوي شنها الجيش التركي لدفع قوات بشار الأسد إلى حدود سوتشي، فإنه لا يغيب عن المرء أن الخطاب العاطفي او الحماسي للزعماء عن قضية ما غالبًا ما يستخدم لحرف الأنظار عن الدوافع الحقيقية التي يطمح الزعيم لتحقيقها. فما تلك الدوافع الحقيقية التي استبطنها خطاب أردوغان الحماسي عن الإخوة السورية التركية؟

لا تبدو الدوافع الجوهرية التي تقف وراء إصرار الزعيم التركي على التواجد في عمق الأراضي السورية، إلى حد الذهاب للدفاع عن هذا الوجود بالقوة العسكرية.. أمرًا يتعلق بالانتصار إلى مظلومية الشعب السوري في كفاحه الضاري ضد نظام الاستبداد الأسدي، بقدر ما يتعلق بالاستجابة للهواجس التي يغذيها تعاظم الدور الكردي في سوريا عبر علاقته مع  الجانب الأمريكي، ومن ثم الخشية من استخدام هذا الدور في الضغط على تركيا في بعض الملفات الخارجية التي لا تروق للجانب الأمريكي.

في وجه آخر للحضور العسكري التركي القوي على الأرض السورية، يجب ألا ننسى طبيعته الاعتراضية على السيناريو الروسي الذي كان يهدف إلى حشر تركيا في الزاوية، عبر تجميع السوريين في منطقة إدلب في شريط حدودي ضيق، ثم العمل بالضغط عليها لتقبل ما يقدم لها من جائزة ترضية من الجانب الروسي.

تبدو المبررات الإنسانية التي ساقها أردوغان عن أخلاقية التدخل لصالح الشعب السوري منطقية، ذلك أنها تقع في صلب المعنى الحقيقي لعالمية مفهوم حقوق الإنسان وكرامته، التي تفرض على الدول الأعضاء في الأمم  المتحدة، المبادرة إلى حماية تلك الحقوق لجميع بني البشر بغض النظر عن المعتقد والعرق الذي ينتسبون له. إلا أن واقع الحال يشير إلى تغاضي الدول الفاعلة عن التدخل في بعض النزاعات والحروب الأهلية رغم تكلفتها البشرية الفادحة. ففي نزاع راوندا الأهلي الذي حصد ما يقارب المليون ضحية خلال ثلاثة أشهر، ظلت الدول الفاعلة تتنصل من مسؤوليتها الأخلاقية من خلال إصرارها على النظر للأمر كنزاع محلي لا ناقة لها به ولا جمل.

في المأساة السورية، كشف مبدأ السيادة التي يحكم العلاقة بين الدول عن احتوائه لعنصر معيب، لجهة إقراره الدفاع المشروع عن الحيز الجغرافي للدولة وحمايته، دون إيلائه أية أهمية لحماية مواطني تلك الدولة من عسف حكامها. فلا تمكنت من حماية الشعب السوري من المذبحة الكونية التي يقوم بها بشار الأسد، ولا هي تمكنت من معاقبته والقصاص منه عبر سوقه إلى محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب. فإلى متى يبقى مبدأ سيادة الدول سيفًا مسلطًا على رؤوس مواطنيها، ودرعًا حصينًا لحكامها المتعطشين للسلطة والتسلط؟

 الترا صوت

————————–

التايمز: على أوروبا التعاون مع تركيا لعقد صفقة لمنع موجة مهاجرين جديدة

إبراهيم درويش

دعت صحيفة “التايمز” الاتحاد الأوروبي إلى عقد صفقة مع تركيا لوقف حملة جديدة من المهاجرين، وذلك تحت عنوان “خروج خارق للعادة”. وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن طفلا عمره 6 أعوام غرق في البحر بعدما غرق القارب الذي كان يحمل المهاجرين على الشاطئ اليوناني البارد.

وتضيف أن الحرب الأهلية التي مضى عليها عقد من الزمان تخللتها صور أطفال يرميهم البحر في أثناء محاولة عائلاتهم البحث عن مأمن لهم. ولم يكن هذا عبارة عن مآس شخصية بل فشلا مزمنا للدبلوماسية والقيادة. واليوم تواجه القارة موجة جديدة من المهاجرين ويرد عليها بنفس النوع من العجز والقلق. وتشير إلى أن المعركة على محافظة إدلب تعتبر نهاية الحرب السورية. وترغب تركيا التأكد من أن حدودها الجنوبية آمنة وتحتاج المساعدة في توفير الملجأ لـ 3.7 ملايين نسمة الذين لجأوا إليها. وتريد من فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، أن يستخدم نفوذه على نظام بشار الأسد ووقف القصف على إدلب. وفي الوقت نفسه يخشى الأسد الذي رمى بجنوده في إدلب من أن يقوم المقاتلون فيها بتهديد اللاذقية وبالتالي أن يكونوا مصدرا لعدم الاستقرار، وهو يريد استعادة كل شبر لسوريا.

ووجدت مجموعة من الجهاديين المتشددين نفسها وسط نزاع جيوسياسي حيث دفعوا من جبهات القتال الأخرى إلى جبهة شمال-غرب سوريا.

وبحسب أرقام الأمم المتحدة فقد شردت الموجة الجديدة من القتال 800.000 مدني يعيشون في الخيام قريبا من الحدود التركية. وقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المحبط بفتح الحدود بل ويساعد المهاجرين على الوصول إلى الحدود اليونانية والبلغارية، ويساعد بالضرورة إلى وصولهم إلى الاتحاد الأوروبي. وقررت أثينا تعليق قبول كل طلبات اللجوء السياسي وتعهدت باتخاذ الإجراءات لحماية حدودها. وبناء على صفقة تمت عام 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وافقت أنقرة على وقف اللجوء مقابل 6 مليارات يورو لتحسين أوضاع اللاجئين في تركيا.

فأي مهاجر استطاع الوصول إلى الجزر اليونانية ولا يملك الأوراق الضرورية يتم إرجاعه. ويشعر أردوغان أنه لم يحصل على أحسن ما في الاتفاق ويريد مالا جديدا لمنع موجات أخرى من اللاجئين بالإضافة لتسهيل حصول الأتراك على تأشيرات دخول إلى دول الاتحاد الأوروبي وتقدم في مجال إنشاء اتحاد جمركي. ولم يتم التعامل مع هذه المطالب بجدية من قادة الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يفسر الطريقة الفجة التي يقايض فيها أردوغان أوروبا من خلال فتح المجال أمام المهاجرين إلى دول الاتحاد. وكان قرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المتسرع عام 2015 بفتح الحدود لقوافل المهاجرين سببا في زيادة المشاعر الشعبوية وتغير الفضاء الحزبي. وكان الاتفاق مع تركيا مجالا لشراء الوقت لكن أوروبا لم تستخدمه جيدا. ولا تزال منقسمة حول التعامل مع المهاجرين كما كانت قبل خمسة أعوام. ولا مجال الآن إلا التوافق على وقف إطلاق النار وإعادة التفاوض مع أردوغان على الترتيبات التي تم التوافق عليها عام 2015. ويجب عليها لعب دور فاعل وتقديم الخدمات الإنسانية. ويجب التعامل مع الوضع بطريقة عاجلة. وهذا لا يخص أوروبا بل وبريطانيا التي ستظل سياسات الهجرة فيها متشابكة مع ما يحدث في القارة الأوروبية. وفوق كل هذا فهي ضرورية لمن علقوا في حرب تبدو بدون نهاية.

القدس العربي

——————————-

سراقب سقطت مجدداً..حتى إشعار روسي أو تركي آخر

تمكنت قوات النظام والمليشيات الموالية من امتصاص الصدمة واستعادة المبادرة من جديد في جبهات القتال مع المعارضة السورية جنوبي وشرقي إدلب، وتسعى لمواصلة هجماتها البرية لاستعادة ما خسرته خلال الأسبوع الماضي. في حين قللت المعارضة من أهمية انتقال خصومها من الدفاع إلى الهجوم، وتوعدت بجولة جديدة من معارك الاستنزاف في أكثر من محور.

وواصلت قوات النظام والمليشيات الموالية صباح الثلاثاء، هجماتها البرية ضد المعارضة في جبهات ريف إدلب الشرقي، وتمكنت القوات المهاجمة من استعادة السيطرة على قرى جوباس وداديخ وترنبة وكفر بطيخ وشابو ومواقع أخرى جنوب غربي سراقب.

وتحاول قوات النظام والمليشيات الموالية بدعم ناري جوي وبري هائل، التوسع أكثر في ريف سراقب جهتي الغرب والشمال الغربي واستعادة ما تبقى من قرى وبلدات كانت قد خسرتها لصالح المعارضة أواخر شهر شباط/فبراير، وتتركز العمليات الهجومية لقوات النظام نحو زكار وآفس ومجارز والصالحية ومعارة عليا والنيرب.

وشهدت محاور القتال في داديخ وضواحي سراقب الغربية معارك هي الأعنف بين الطرفين، قتل خلالها 30 عنصراً على الأقل من قوات النظام والمليشيات، العدد الأكبر من قتلى المليشيات وقع بقصف جوي للطائرات التركية المسيرة التي استهدفت آليات وتجمعات القوات المهاجمة.

وسبق لقوات النظام والمليشيات أن أحكمت سيطرتها على مدينة سراقب، ليل الاثنين/الثلاثاء، بعد معارك عنيفة بين الطرفيين داخل أحياء المدينة التي شهدت “حرب شوارع”، وقصف متبادل تسبب بمقتل العشرات من مقاتلي الطرفين، ومن بين قتلى قوات النظام، مدير ناحية سراقب، المعين حديثاً، الرائد شاهر ديب، وعدد آخر من الضباط وعناصر الشرطة.

مصادر في “الجبهة الوطنية للتحرير” أكدت ل”المدن”، أن الفصائل أجبرت على الانسحاب من سراقب في وقت متأخر من ليل الاثنين، وذلك بسبب القصف الجوي والبري العنيف الذي استهدف مواقعها داخل المدينة وخطوط إمدادها الخلفية، وإشغال القوات المهاجمة لمحاور الأطراف شمالاً وجنوباً بهدف تطويق المدينة، وحصار المجموعات المعارضة التي كانت متمركزة في الأحياء الغربية من المدينة.

وكشفت المصادر أن القوات الخاصة الروسية شاركت في الهجوم الأخير على سراقب إلى جانب التعزيزات الكبيرة من المليشيات الإيرانية والتي تم زجها في مختلف محاور العمل الهجومي.

عودة الغارات الجوية الكثيفة سهلت على قوات النظام والمليشيات التقدم في سراقب ومحيطها، وساهمت إلى حد كبير في انتقالها من الدفاع إلى الهجوم. وزاد عن 150 عدد الغارات التي استهدفت القرى والبلدات المدنية ومواقع المعارضة في جبهات إدلب الشرقية، واستخدمت الطائرات القنابل العنقودية والفراغية في قصفها لإجبار مقاتلي المعارضة المتحصنين داخل الأحياء على التراجع.

وتسبب قصف الطائرات الروسية الليلي بوقوع مجزرة مروعة في بلدة الفوعة شمال شرق مدينة إدلب، قتل فيها 9 مدنيين على الأقل بينهم أطفال، وهم من المهجرين من ريف دمشق، واستهدفت الغارات مخيماً للنازحين في بلدة عدوان بريف ادلب ما أدى إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين، وامتد القصف الجوي إلى مناطق جبل الزاوية وجسر الشغور وسهل الغاب الشمالي.

وقال المنسق الإعلامي في “الجيش الوطني السوري” يحيى مايو ل”المدن”، إن قوات النظام والمليشيات تعرضت لاستنزاف كبير في أعدادها وعتادها في معركة سراقب، وهو تكتيك اتبعته الفصائل المعارضة مؤخراً للقضاء على القوة الهجومية لخصومها.

وأوضح أن الفصائل ما تزال قادرة على قلب موازين المعركة، أي أنها لم تخسر المبادرة في الميدان حتى الآن وهي تحضر بالفعل لهجمات نوعية ومفاجئة. وتابع أن الطائرات المسيرة التركية تواصل تحليقها وقصفها لمواقع قوات النظام والمليشيات الموالية في كافة جبهات القتال وتضرب عمق مناطق سيطرتها، وتستهف بشكل أكبر خطوط امدادها الخلفية.

بدوره، قال الناشط الإعلامي عبد الفتاح الحسين ل”المدن”، إن المزاعم الروسية حول نشر شرطتها العسكرية داخل سراقب مخادعة وغير صحيحة حتى الآن، وتريد من خلالها تعطيل أي هجوم معاكس للفصائل لاستعادة المدينة مجدداً، والعمل على تثبيت سيطرة قوات النظام والمليشيات وإعادة افتتاح الطريق الدولي السريع “إم5” قبل انعقاد قمة الرئيسين التركي والروسي. وبحسب الحسين، فإن رغبة روسيا بتحقيق مكاسب ميدانية قبل القمة المفترضة دفعها للزج بقواتها الخاصة في المعركة والاشتراك بشكل أكبر في التغطية النارية لهجمات قوات النظام والمليشيات.

وأوضح الحسين أن تعيين قائد “الفيلق الخامس” اللواء زيد صالح، رئيساً للجنة الأمنية والعسكرية في إدلب، هو قرار روسي هدفه وقف انهيار قوات النظام والمليشيات واستعادة المبادرة من المعارضة، وهو أيضاَ رسالة لتركيا مفادها أن روسيا لن تسمح للمعارضة بأن تحقق مكاسب، وتعني أيضاَ أن روسيا لن تتخلى عن دعم قوات النظام قبل انعقاد القمة على الأقل.

وفي سياق آخر، تعثرت العمليات العسكرية التي تخوضها المعارضة في جبهات جنوبي إدلب ولم تتمكن من استعادة مدينة كفرنبل، وما تزال المناطق المحيطة بالمدينة تشهد معارك كر وفر وقصف متبادل بين الطرفين، فشل المعارضة في مواصلة هجومها المعاكس جنوباً سببه المباشر وصول تعزيزات جديدة لقوات النظام من الساحل وريف حماة وانتشارها في كامل خط التماس.

المدن

——————————

فايننشال تايمز: بوتين يكتشف مخاطر فتحه المواجهة بين تركيا ونظام الأسد

لندن – “القدس العربي”: نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا حول “المقامرة الروسية في سوريا وتعرضها للخطر”، وقالت إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدد بتصعيد الأعمال القتالية قبل لقائه في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي التقرير الذي أعده كل من هنري فوي من موسكو ولورا بيتل من إسطنبول وتشولي كورنيش من بيروت، قالوا إن الضربات التركية لقوات النظام السوري في إدلب تقوم بامتحان علاقات أنقرة مع موسكو في وقت رفع فيه كل طرف من مستوى المواجهة في المرحلة الجديدة من الحرب الأهلية.

وفي محاولة للانتقام لقتل 33 من جنوده، قام أردوغان في الأيام الثلاثة الأخيرة بقصف أهداف تابعة للنظام السوري في المحافظة، محذرا من أن إسقاط مقاتلتين عسكريتين وقتل أكثر من 100 جندي موال للنظام السوري ما هي إلا “البداية”.

وتقول الصحيفة إن التوتر المتصاعد يعري المخاطر التي حملتها منذ البداية المقامرة الروسية في سوريا والسماح لبشار الأسد بمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان للسيطرة على محافظة إدلب، آخر المعاقل التي لا تزال بيد المعارضة السورية.

وتركت المواجهة بوتين عالقا بين زعيمين سمحا له بالدخول إلى الشرق الأوسط وتعزيز تأثيره فيه.

وتعلق الصحيفة أن تهديدات الرئيس التركي تحمل مخاطر حرب شاملة في وقت يحضر فيه للقاء بوتين في موسكو الخميس المقبل. وسيحاول القائدان البحث عن حل لمواجهة مستمرة منذ عام وتركت البلدين أمام مواجهة مباشرة.

ويرى ديمتري ترنين من وقفية كارنيغي للسلام العالمي في موسكو: “تخشى موسكو من تحول المواجهات السورية- التركية إلى حرب حقيقية، ويجعل سقوط الضحايا من الطرفين الحرب قريبة”، مضيفا أن روسيا ستحاول التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار كي لا تجر إلى الحرب ولكنها ستحاول الضغط على أردوغان للتنازل ميدانيا. وفي عام 2018 توصل بوتين وأردوغان لاتفاق منع هجوما سوريا شاملا على إدلب القريبة من الحدود التركية.

ولكن الاتفاق مزق العام الماضي وتبادل الطرفان الاتهامات حول خرق شروطه.

وتكثفت المواجهات في الأسابيع الأخيرة حيث قتل أكثر من 50 جنديا وعسكريا تركيا في الغارات التي شنها النظام المدعوم من روسيا.

وتقول موسكو إن نظام الأسد يشن حربا ضد إرهابيين تدعمهم أنقرة. وتجنبت الأخيرة تحميل روسيا اللوم مباشرة وركزت على دمشق. وقال أردوغان يوم الإثنين: “لقد قلنا إننا سننتقم لشهدائنا”، ولكنه قال إنه يسعى لوقف إطلاق نار “فمن خلال تدمير طائراته فنحن نجعله يدفع ثمنا باهظا”.

واعتبرت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام السوري أن تركيا “أعلنت الحرب على سوريا”. وتعتبر عملية “درع الربيع” هي العملية الرابعة لتركيا في سوريا ولكنها الأولى التي يتم فيها استهداف الأسد مباشرة مما أطلق العنان لثاني أكبر جيش في حلف الناتو ضد جيش النظام السوري الذي أضعفته سنوات الحرب الأهلية.

ويقول رسلان بوخوف، مدير مركز التحليل الإستراتيجي والتكنولوجيا في موسكو: “من المنطقي ألا تستطيع روسيا دفع التداعيات السلبية من أردوغان وللأبد. وحقيقة استمرار (العلاقة) طويلا مثيرة للدهشة”.

ورفض الكرملين التعليق يوم الإثنين على العملية التركية ولكنه أكد دعمه للعملية السورية وكرر ما قالته وزارة الدفاع الروسية من أن موسكو “لا تضمن سلامة الطيران التركي في الأجواء السورية”.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “موقفنا متناسق ولم يتزحزح” و”ندعم وحدة الأراضي السورية وندعم النية السورية لمواصلة قتال الإرهابيين والجماعات الإرهابية”.

ويرى ترنين أن بيان وزارة الدفاع الروسية يعتبر تهديدا “غير مباشر” لتركيا “فليس من الواضح فيما إن قامت روسيا بإسقاط طائرات تركية فوق سوريا ولكن فحص هذا سيكون تهورا. ولكن لا يعني عدم حدوث هذا”.

وفي إشارة إلى أن التهديد قد نجح، لاحظ محللون أن وتيرة الطائرات التركية المسيرة قد خفت بعد هجوم استمر 72 ساعة، مما يقترح أن الكرملين لديه القدرة لتخفيض التوتر. ويرى سنان أولجين، مدير المركز البحثي إسطنبول “إدام”، أن موسكو سمحت لأردوغان ضرب أهداف للنظام السوري عدة أيام لتخفيف حدة الغضب الشعبي وأظهرت له في الوقت نفسه أن طموحاته في إدلب مرتبطة بالموافقة الروسية.

ويرى أولجين أن عرضة الجنود الأتراك في إدلب للخطر تعني ذهاب أردوغان إلى موسكو بيد ضعيفة. وسيطلب منه بوتين القبول بمكاسب النظام والرضى بمحور ضيق من التأثير. لو رفض فما هو الخيار؟ “العودة إلى الخيار العسكري الخطير؟” ويقول مراد يسلتاش، مدير مركز الدراسات الأمنية في أنقرة “سيتا” والقريب من الحكومة التركية، إنه قد ترفض تركيا لو لم يتم الاتفاق بين الطرفين “فقد فتح صندوق باندورا (المتاعب) فيما يتعلق بالمواجهة العسكرية بين تركيا والنظام”.

ويرى بوخوف: “لا مجال لتخلي أردوغان عن كل شيء في إدلب فقط لأن فلاديمير بوتين يريد منه هذا” و”هل هناك إمكانية لتسوية؟ نعم ولكنها ستكون تنازلا مؤقتا ولن يتم حل المشكلة كلها”.

——————————–

أميركا لن تقدم دعماً جوياً لتركيا في إدلب

أكد وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أن الولايات المتحدة لن تقدم دعماً جوياً لتركيا خلال العملية العسكرية التي تنفذها في مدينة إدلب السورية.

وقال إسبر: “تركيا منخرطة في عمليتها العسكرية في سوريا، وناقشتها مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ونتعامل مع الوضع خطوة بخطوة”. وأضاف أن “الأساس هو محاولة وقف التصعيد في هذه المناطق”.

ورداً على سؤال حول توفير الولايات المتحدة دعماً جوياً لتركيا  قال إسبر: “لا”، مضيفاً “الولايات المتحدة تنظر في زيادة المساعدات الإنسانية إلى الأفراد في سوريا”.

تزامناً وصل وفد أميركي رفيع إلى العاصمة التركية أنقرة، لبحث تطورات الأوضاع. ويضم الوفد الأميركي مبعوث الرئيس دونالد ترامب الخاص إلى سوريا جيمس جيفري ومندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة كيلي كرافت. ومن المقرر أن يعقد الوفد الأميركي لقاءات مع المسؤولين الأتراك، لبحث مستجدات الاوضاع في سوريا.

كما يتوقع أن يلتقي الوفد الأميركي خلال تواجده في تركيا، مع ممثلي الأمم المتحدة والمنظمات المدنية، لبحث الأزمة الإنسانية الحاصلة في إدلب نتيجة هجمات النظام السوري، ويزور ولاية هطاي التركية المحاذية لسوريا.

كما يزور وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب تركيا الثلاثاء لإظهار الدعم لجهود أنقرة للتفاوض على التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في سوريا وذلك حسبما قال مكتبه. وقال راب في بيان، إن “تركيا في مقدمة بعض من أصعب وأخطر التحديات التي نواجهها مع مواصلة النظام السوري والقوات الروسية تصعيد العنف على حدودها”.

وتابع: “كنّا واضحين في تنديدنا بأفعال النظام السوري في إدلب وسنواصل إبداء القلق بشأن انتهاكاته الصارخة للقانون الدولي”.

في غضون ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي إن بلاده تؤمن بالحلول السياسية لإنهاء الأزمة في إدلب، وترى أن مسار أستانة يعد المسار الأقوى لحلحلة الوضع فیها.

وأضاف موسوي في مؤتمر صحافي، أن “إيران تسعى لخفض التوتر في إدلب عبر عقد اجتماع في طهران لرؤساء الدول الثلاث المشاركة في مسار أستانة”.

وتابع أن إيران مستعدة للمشاركة والتعاون في أي إطار وحلول سياسية أخرى لوقف التصعيد في إدلب. وأكد موسوي أن طهران تواصل اتصالاتها مع الدول المعنية بمسار أستانة بشأن مستجدات إدلب وخفض التوتر فیها.

وأشار المتحدث إلى أن اجتماع أستانة الثلاثي التركي الإيراني السوري في طهران يجب أن يعقد في أسرع وقت ممكن، موضحاً بأن طهران أبلغت أنقرة بقلقها من الأوضاع في إدلب وبأن الحل يكمن في وقف إطلاق النار وعقد اجتماع للدول الضامنة.

وقال: “أجرينا اتصالات لعقد اجتماع إيراني تركي سوري وآخر إيراني تركي روسي، ونواصل اتصالاتنا حتى تحقيق النتائج المرجوة”.

وعلى صعيد أزمة اللاجئين، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها “تتفهم توقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحصول على قدر أكبر من العون من أوروبا للتعامل مع أزمة اللاجئين،  لكن ألا يستغل اللاجئين لإبداء استيائه”.

وقالت ميركل للصحافيين: “ينبغي أن يستأنف الاتحاد الأوروبي وتركيا المحادثات بشأن اتفاقهم الخاص باللاجئين وإن ألمانيا منفتحة أيضا على دعم تركيا على المستوى الثنائي”.

وحذر المفوض الأوروبي للهجرة  تركيا من أن الاتحاد الأوروبي لن يخضع للابتزاز أو الترهيب. وقال: “كل مرة يتم فيها اختبار الاتحاد الأوروبي كما هو الآن، يجب الحفاظ على الوحدة” مشددا على أنه “لا يمكن لأحد أن يبتز أو يرهب الاتحاد الأوروبي”.

كما أبدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرليين تعاطفها مع تركيا بسبب الصراع الدائر في سوريا، لكنها قالت إنه من غير المسموح لأنقرة السماح بدخول المهاجرين واللاجئين الموجودين على أراضيها إلى أوروبا.

وقالت فون دير ليين في مؤتمر صحافي: “أعترف بأن تركيا في وضع صعب في ما يتعلق باللاجئين والمهاجرين. لكن ما نراه الآن لا يمكن أن يكون الرد أو الحل”.

المدن

——————————–

هكذا تُغرق اليونان قوارب اللاجئين

حاولت عناصر من خفر السواحل اليونانية، الاثنين، إغراق قارب يحمل مجموعة من اللاجئين، قبالة سواحل مدينة بودروم، جنوب غربي تركيا.

وانتشر مقطع فيديو للحادثة في “تويتر” على نطاق واسع. وأوضحت وسائل إعلام تركية أن خفر السواحل اليوناني ضرب القارب مرات عديدة بعصا حديدية في محاولة منه لإغراقه، إلا أن القوات البحرية التركية تدخلت في الوقت المناسب وأوقفت ذلك.

    This is a disgrace!

    Greek Coast Guard targeting the refugees and trying to sink their boat. They are also shooting very near them. They are intending to kill these innocent people!#Greece#Greekborder #Greek#Turkey#Refugeespic.twitter.com/BUuXLiGyQ6

    — Selami Haktan (@slmhktn_eng) March 2, 2020

وتظهر في الفيديو، المعاملة غير الإنسانية من طرف السلطات اليونانية مع اللاجئين. فإضافة إلى محاولات إغراق القوارب، يتم إطلاق الرصاص الحي على اللاجئين وقواربهم المطاطية، بقصد إغراقها.

إلى ذلك، أقدمت فرق خفر السواحل اليونانية على منع زورق مطاطي، على متنه مهاجرون في بحر إيجة، من التوجه للجزر اليونانية، بعد مصادرة عبوة الوقود الخاصة بالزورق، وتركهم في عرض البحر.

ونشرت وكالة “الأناضول” التركية، مقطع فيديو يوثق الحادثة، ويظهر فيه اعتراض زورق الخفر اليوناني، قارب المهاجرين، قبل أن يصعد أحد العناصر اليونانيين إلى زورق المهاجرين ويصادر عبوة الوقود ويقطع خرطوم البنزين الخاص بالزورق، كي يمنع تحركهم في عرض البحر.

ولاحقاً، تم إنقاذ المهاجرين العالقين في وسط البحر، من قبل خفر السواحل التركية التي تواصل دورياتها ليلاً نهاراً في بحر إيجة، لإنقاذ المهاجرين.

وتداول ناشطون سوريون، الإثنين، مقطع فيديو يوثق مقتل شاب سوري برصاص الأمن اليوناني عند الحدود اليونانية التركية، ويظهر فيه تجمع العشرات حول الشاب محاولين إنقاذه، ليتبين أنه فارق الحياة على الفور، ما يرجح إصابته برصاصة في رأسه.

وبحسب المعلومات المتداولة، أطلق حرس الحدود اليونانيون، الرصاص على اللاجئين خلال محاولتهم عبور السياج الحدودي قرب ولاية أدرنة التركية، ما أدى إلى مقتل شاب سوري وإصابة آخرين.

ويعتبر القتيل أول لاجئ سوري يقتل برصاص حرس الحدود اليوناني منذ إعلان تركيا فتح الحدود، وأشار الناشطون في مواقع التواصل، إلى حالة من الخوف تسود جموع اللاجئين عند الحدود، خصوصاً بعد القرار الصارم الذي اتخذته اليونان بإغلاق حدودها واستقدام تعزيزات من الاتحاد الأوروبي لمنع تدفق اللاجئين وعبورهم.

——————————–

اعتداءات على محلات السوريين في تركيا: جنودنا استشهدوا..وأنتم تستمتعون!

ونقلت وسائل إعلام سورية، تصدر في تركيا، أن آلافاً من المواطنين الأتراك صبوا غضبهم على السوريين، خلال جنازة أقيمت لعسكري تركي، في إحدى ساحات مدينة كهرمان مرعش جنوبي البلاد.

وذكرت وسائل إعلام تركية، أن آلاف الأتراك حاولوا مهاجمة السوريين خلال جنازة رقيب، يدعى عاكف أكشادي قائلين: “جنودنا استشهدوا وأنتم تستمتعون هنا”، كما انتشرت مقاطع فيديو تظهر مئات المحتجين الذين يحاولون اقتحام محلات تعود للاجئين سوريين. فيما أشارت تقارير ذات صلة إلى أن حملة منظمة للانتقام من السوريين انتشرت في عدد من الولايات التركية، تمثلت في تكسير محلات السوريين وسياراتهم ووصلت إلى سرقة المحال، رغم جهود الشرطة التركية لمنعهم.

يأتي ذلك، بعدما حملت المعارضة التركية، على لسان رئيس حزب “الشعب الجمهوري” كمال كيليتشدار أوغلو، الدولة التركية، المسؤولية عن مقتل الجنود الأتراك، بالقول: “قلنا من قبل: ما شأننا في الداخل السوري. أليس من المحزن أن نفقد هؤلاء الشباب؟ كان يجب علينا عدم الدخول الى الداخل السوري فليس لنا عمل هناك”.

وقُتل 33 جندياً تركياً في إدلب، الأسبوع الماضي، ما دفع أنقرة لإطلاق عملية عسكرية ضد قوات النظام السوري في إدلب، تحت عنوان “درع الربيع”، فيما فتحت تركيا حدودها مع أوروبا أمام اللاجئين السوريين فيها، علماً أنها تستضيف حالياً أكثر من ثلاثة ملايين سوري على أراضيها.

    #تركيا مئات الأتراك ضمن مسيرة مؤيدة ل الجيش التركي في مدينة مرعش التركية يهاجمون منازل ومحلات السوريين ويقومون بتكسيرها و الاعتداء على السوريين في المدينة .#ادلب #درع_الربيع #اردوغان #الجيش_التركي pic.twitter.com/Z9jNFKp2u3

    — Syria Post سوريا بوست (@syriapostnew1) March 1, 2020

    الآن

    مدينة كرخان / تركيا

    متظاهرون أتراك يهاجمون محلات السوريين ويكسرون واجهاتها وآخرون يسطو عليها … pic.twitter.com/wLJMaazwdt

    — Mimi .. Z (@Mimi27399668) February 28, 2020

    اتراك يتهجمون على محلات ومنازل اللاجئين السوريين بعد مقتل اكثر من ٣٠ جندي تركيpic.twitter.com/jModvplu6H

    — Gindibu (@History1060) March 1, 2020

    الأتراك يهاجمون محلات السوريين وأملاكهم في مدن تركية… ويطالبونهم بالرحيل وهم ينادون “الله اكبر”…

    عدو جدك ما بودك#التركي_شيطان_العالم pic.twitter.com/8Rk7nbLdOf

    — Dr Aline Saliba (@DrAlineSaliba) March 2, 2020

    تركي من حزب الشعب المعارض

    يعلق ع المتظاهرين الاتراك الي خرجو بعد مقتل جنودهم ف سورياوتكسير بعض محلات السوريين

    يقول اردوغان جمع ملايين الاجئين

    وشباب تركيا يدفع دمائه ف سوريا.

    والسوريين ف مولات اسطنبول وشواطئ ازمير بمعسلاتهم من اتا بهم عليه ان يجندهم للقتال ف بلادهم بدل موت ابنائنا pic.twitter.com/qJCL1jMb7d

    — زوربــا الســعودي (@ZoorBa10) March 1, 2020

    شباب حزب الحركة القومية في #تركيا حليف #اردوغان في الحكومة، يهاجمون محلات وبيوت اللاجئين السوريين في محافظة مراش جنوب تركيا لدفعهم للذهاب إلى أوروبا! ظلم للاجئين الضيوف، وتكتيك للفت الانظار عن ملف مقتل الجنود الاتراك في #إدلب وتخفيف الضغط واللوم على الحكومة! https://t.co/2XkqvFSlo3

    — يوسف الشريف yusuf Alsharif (@AlsharifSKY) March 1, 2020

—————————–

المعارضة السورية تتهم روسيا بإشراك مجموعات “فاغنر” في هجوم “سراقب

دمشق: اتهمت فصائل المعارضة السورية روسيا الثلاثاء بإشراك مجموعات من شركة “فاغنر” في الهجوم على مدينة “سراقب” بريف إدلب.

وقال القائد العسكري في الجيش السوري الحر، العميد فاتح حسون: “أشركت روسيا مجموعات من فاغنر في الهجوم على مدينة سراقب، إلى جانب قواتها، وادعت أن الشرطة العسكرية الروسية تنتشر على الطريق الدولي حلب دمشق حتى لا يتم استهدافهم من قبل فصائل المعارضة والقوات التركية”.

وكشف قائد ميداني يقاتل مع قوات النظام السوري، ورفض ذكر اسمه، عن سيطرة قوات النظام على بلدات جوباس وترنبة وداديخ وكفر بطيخ، جنوب غرب مدينة سراقب، وتكبيد مسلحي المعارضة خسائر فادحة بالأرواح والعتاد.

(د ب أ)

————————

قوات الأسد تحتمي بروسيا في سراقب واردوغان يتوعدها: «لن يبقى لهم رأس فوق أكتافهم»/ هبة محمد وإسماعيل جمال

دمشق ـ إسطنبول ـ «القدس العربي» : استمرت المواجهات العسكرية، أمس الإثنين، في شمال غربي سوريا. وبعد معارك عنيفة بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري مدعومة بغطاء ناري روسي، دخلت قوات الأخيرة مجدداً مدينة سراقب ذات الموقع الاستراتيجي في شمال غربي سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان والإعلام الرسمي السوري الإثنين.

لكن النقيب ناجي مصطفى، الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير المعارضة، أكد أن «قوات الأسد قامت بشنّ هجوم عنيف على سراقب» متحدثاً عن «اشتباكات عنيفة جداً داخل المدينة» .

وحسب معارضين، قصفت طائرات مسيرة تركية مواقع للجيش السوري على الجبهة في سراقب، وأصابت منصتين على الأقل لإطلاق الصواريخ.

وفي تطور هدفه حماية قوات الأسد في سراقب، أعلن الجيش الروسي أن وحدات الشرطة العسكرية التابعة له دخلت سراقب في وقت متأخر بعد ظهر الإثنين «نظراً لأهمية ضمان الأمن وحرية حركة النقل والمدنيين على الطرق السريعة أم4 وأم 5» .

ومن المقرر أن يجتمع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس في روسيا، من أجل التوصل لاتفاق بشأن إدلب.

وقال مسؤول أمني تركي بارز «من المتوقع التوصل إلى حل خلال المحادثات، لكن الهجمات ومحاولات الهجوم التي ينفذها النظام (السوري) خلال هذه الفترة لن تمر دون رد» .

ويقول مقاتلو المعارضة، المدعومون بقصف وطائرات مسيرة تركية، إنهم استعادوا عدة قرى كانوا قد خسروها الأسبوع الماضي في هجوم القوات الحكومية.

وقال مصدر بارز من المعارضة السورية «النظام السوري سيجبر على الخروج من منطقة خفض التصعيد قبل اجتماع بوتين وأردوغان».

اردوغان طالب بانسحاب قوات النظام السوري في شمال غرب سوريا إلى الخطوط التي حددتها تركيا، مضيفا أن الخسائر التي تكبدتها هذه القوات في هجمات تركيا ومقاتلي المعارضة مجرد بداية.

وقال أردوغان في كلمة ألقاها في أنقرة «كبّدنا النظام السوري أكبر خسارة في تاريخه، وخسائر النظام البشرية والمادية حتى الآن ما هي إلا بداية»، و«إذا لم ينسحبوا إلى الخطوط التي حددتها تركيا في أقرب وقت ممكن فلن يبقى لهم رأس فوق أكتافهم».

وأضاف «سنؤكد لهؤلاء الغافلين أننا دولة كبيرة لا تنحني ولو قُطع رأسنا، وأقول لروسيا وإيران مجددا: ليست لتركيا أي مشكلة معكما في سوريا».

وأشار إلى أن تركيا لا تعتمد في كفاحها على دولة أو مؤسسة معينة، بل تعتمد على إمكاناتها وقدراتها وسواعد جنودها وشجاعتهم.

إنسانياً وعلى الحدود التركية اليونانية، تتواصل وتتوسع محاولات عشرات آلاف المهاجرين وأغلبهم سوريون، للانتقال من تركيا نحو اليونان براً وبحراً في ظروف مأسوية، بسبب قمع الأمن اليوناني لهم بوسائل مختلفة، وصولاً لاستخدام الرصاص الحي، بالإضافة إلى ظروف الهجرة الصعبة لا سيما على العائلات والنساء والأطفال والمبيت في العراء في درجات حرارة منخفضة جداً، حسب رصد «القدس العربي» .

وقتل أمس الأول مهاجر سوري الجنسية بالنيران الحية، حيث اخترقت فمه رصاصة، وأظهرت مقاطع فيديو شاباً سورياً أكد رفاقه أنه من مدينة حلب، ويبلغ من العمر 18 عاماً. وأكدت مصادر يونانية أن الجيش بدأ بإجراء مناورات واسعة بالذخيرة الحية قرب الحدود للتعامل مع المهاجرين. وقال مهاجرون لـ«القدس العربي» إنهم تلقوا رسائل نصية بعدة لغات عبر هواتفهم النقالة من الأمن اليوناني يحذرهم فيها من الاقتراب من الحدود.

وأكد اردوغان أنه لم يعد يشعر بأنه ملزم باتفاق يعود لعام 2016، يقضي بإبقاء اللاجئين في تركيا مقابل مليارات من اليورو من الاتحاد الأوروبي.

وقال «مئات الآلاف عبروا (داخل الاتحاد الأوروبي) قريبا هذا العدد سيصل إلى الملايين». وحذر من أن على أوروبا تحمل حصتها من أزمة اللاجئين التي تسبب بها العنف في المنطقة.

وأكد خلال خطاب في أنقرة «سأذهب إلى موسكو الخميس لمناقشة التطورات (في سوريا) مع بوتين. وآمل هناك أن يتخذ (بوتين) التدابير الضرورية مثل وقف لإطلاق النار وأن نجد حلاً لهذه المسألة» .

في المقابل، اعتبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمس استخدام تركيا اللاجئين لممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي «غير مقبول» في مؤتمر صحافي في برلين.

كذلك أبدت أورسولا فون دير ليين رئيسة المفوضية الأوروبية تعاطفها مع تركيا ، لكنها قالت إنه من غير المسموح لأنقرة السماح بدخول المهاجرين

وقالت فون دير ليين في مؤتمر صحافي «أعترف بأن تركيا في وضع صعب فيما يتعلق باللاجئين والمهاجرين. لكن ما نراه الآن لا يمكن أن يكون الرد أو الحل» .

——————————

الأمم المتحدة: على الاتحاد الأوروبي الكف عن الشجار ودعم اليونان في قضية اللاجئين

جنيف: حث المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة فيليبو غراندي دول الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، على تقديم المزيد من الموارد والدعم لليونان التي تواجه موجة جديدة من المهاجرين واللاجئين من سوريا وأنحاء أخرى بالشرق الأوسط.

وأضاف للصحافيين في جنيف: “اليونان عضو بالاتحاد الأوروبي لذا فإن مصدرها الرئيسي للدعم هو الموارد الأوروبية… اليونان بحاجة للمزيد منه. هذا واضح للغاية”.

وحث دول الاتحاد أيضا على الكف عن “الشجار” والنظر إلى جذور مشكلة النزوح. (رويترز)

————————

فيديو قطع الرؤوس في إدلب..خبر كاذب شارَكَه مراسل “الميادين

قالت منصة “تأكد” المتخصصة في التحقق من الأخبار الكاذبة، أن التسجيلات التي انتشرت، الاثنين، لمسلحين يرتدون زياً عسكرياً بجانب جثث لقتلى مسلحين آخرين بينما يحمل أحدهم رأساً مفصولة عن جسد أحد القتلى، لا تعود لجنود أتراك ينكلون بجثث جنود في جيش النظام السوري.

وكان معلقون في “تويتر” شككوا في الصور والمقاطع التي انتشرت عبر مواقع التواصل، وتحديداً عبر “واتس أب”، وقارنوها بصور ومقاطع فيديو قديمة تعود للعام 2018، ويظهر فيها جنود أتراك مع مقاتلين من حزب العمال الكردستاني، حسب وصفهم.

وبحسب المعلومات المتداولة، كان الصحافي السوري رضا الباشا، مراسل قناة “الميادين” الحليفة للنظام السوري، واحداً ممن شاركوا التسجيلات عبر حسابه في “تويتر” وأفاد بأن  المسلحين الذين يظهرون وهم ينكلون بجثث القتلى، هم جنود أتراك وأن القتلى عناصر من قوات نظام الأسد.

وهذا ليس التسجيل الزائف الواحد الذي انتشر بخصوص العملية العسكرية الجديدة التي أطلقتها تركيا في سوريا رداً على مقتل 33 جندياً تركياً في إدلب الأسبوع الماضي. وواحد من أبرز المقاطع الزائفة انتشر الأحد الماضي بعد ساعات من إطلاق عملية “دراع الربيع”، وأظهر لحظة وقوع انفجار وسط تجمع لعدد من الأشخاص المسلحين خلال جنازة.

وقال ناشرو التسجيل أنه يظهر لحظة استهداف جنازة مسؤول من النظام السوري مؤخراً من طائرة تركية مسيرة، في إشارة منهم إلى الضربات التي نفذتها طائرات تركية من دون طيار ضد عدة مواقع لقوات الأسد في إدلب. لكن التسجيل في الواقع يعود إلى نيسان/أبريل 2017، ويوثق “رمي قنبلة يدوية على تشييع أحد قتلى لواء القدس الفلسطيني الرديف  لقوات الأسد في حي صلاح الدين بحلب”.

إلى ذلك، انتشر تسجيل مصور قيل أنه للبنانيين خرجوا في بيروت دعماً للعملية التركية ضد نظام الأسد في سوريا. ويظهر التسجيل مرور عشرات السيارات والدراجات نارية يستقلها أشخاص يرفعون الأعلام التركية واللبنانية، من دون ترديد أي شعارات أو هتافات ويسمع خلاله موسيقى تركية.

وأوضحت “تأكد” ان التسجيل يظهر احتجاجات لبنانية العام الماضي، على حرق العلم التركي خلال تظاهرة في بيروت إحياء لذكرى مجزرة الأرمن. ويظهر التسجيل مسيرة بالسيارات نظمها حزب “الولاء الوطني” الكردي من منطقة سليم سلام، واتجهت نحو منطقة الطريق الجديدة، وحتى برج أبي حيدر في العاصمة اللبنانية، تحت حماية قوات الأمن اللبنانية.

ومن الأخبار الزائفة التي انتشرت أيضاً، صورة تظهر ثلاث طائرات مروحية في أرض مسورة بينما تتصاعد النيران والدخان من إحداها.

وقالت صفحة “تركيا الآن” التي نشرت الصورة أنها تظهر “مشاهد من قصف مطار حماة العسكري وتدمير طائرات هليكوبتر من الداخل بواسطة المقاتلات الهجومية لسلاح الجو التركي”، لكن الصورة في الواقع مأخوذة من تسجيل مصور يظهر استهداف الطائرات ذاتها من فصائل سورية معارضة في مطار تفتناز بريف إدلب مطلع العام 2013.

في السياق، تداولت صفحات إخبارية وحسابات شخصية في مواقع التواصل، صورة ليلية تظهر تصاعد الدخان من مبنى يحترق، وسط تجمع لمبان أخرى، وقال ناشرو الصورة أن المبنى الذي يحترق في الصورة هو مبنى مطار النيرب العسكري بعد استهدافه من قبل طائرة تركية.

ورغم أن تركيا أعلنت استهداف قواتها لمطار النيرب العسكري، ما أدى لخروجه عن الخدمة، إلا أن الصورة لم تلتقط في سوريا، بل تظهر انفجاراً في مدينة يورك بمقاطعة أونتاريو الكندية العام 2008.

    مطار النيرب العسكري في حلب أصبح خارج الخدمة بعد تدميره بغارات جوية نفذتها طائرات F-16 تركية.#القوات_المسلحة_التركية 🇹🇷 pic.twitter.com/Bh4DcGNxiR

    — fedo (@fedo33478173) February 29, 2020

المدن

——————-

أزمة اللاجئين.. اجتماع أوروبي استثنائي لدعم اليونان وبلغاريا

يعقد وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي اجتماعا استثنائيا يوم غد الأربعاء لبحث الوضع على حدود الاتحاد مع تركيا حيث يحاول آلاف المهاجرين دخول اليونان وبلغاريا منذ الأسبوع الماضي.

ووفقا لتصريحات مسؤوليْن أوربييْن لوكالة رويترز، فإن الاجتماع يهدف إلى تقديم الدعم لليونان وبلغاريا في مهمتهما لحراسة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

يأتي ذلك بينما تزور اليوم الثلاثاء رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين المنطقة الحدودية بين اليونان وتركيا، حيث يوجد 13 ألف مهاجر يحاولون الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

ومن المقرر أن تقوم فون دير لاين مع كل من رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل ورئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي بتقييم الوضع في منطقة أورستيادا.

وسوف يلتقي المسؤولون الثلاثة برئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميسوتاكيس.

الوقت الحالي 0:17

تدفق المهاجرين

وتتزامن هذه التصريحات مع تواصل تدفق المهاجرين نحو الحدود الغربية لتركيا، عقب إعلان أنقرة أنها لن تمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا، رغم الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي عام 2016.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد حذّر أوروبا من تدفق ملايين المهاجرين نحوها، وندد “بعدم اكتراث” الأوروبيين بالمهاجرين السوريين.

وفي كلمة أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية بالعاصمة أنقرة اليوم، قال أردوغان “منذ فتح حدودنا أمام اللاجئين بلغ عدد المتدفقين نحو الدول الأوروبية مئات الآلاف، وسيصل هذا العدد إلى الملايين”.

وأكد أردوغان أن بلاده عازمة على عدم تحمل عبء مستدام لملايين اللاجئين على حدودها والفارين من النظام الظالم والمنظمات الإرهابية، موضحا أن بلاده تكافح في سوريا من أجل أمن أراضيها وإنهاء الأزمة الإنسانية التي يعاني منها ملايين السوريين.

أزمة ومباحثات

من جانبه، بحث الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، مسألة المهاجرين بعد تدفقهم على الحدود اليونانية عقب إعلان تركيا فتح حدودها أمامهم.

جاء ذلك في اتصال هاتفي بين ترامب وميتسوتاكيس، بحسب بيان صادر عن البيت الأبيض.

وأعرب ترامب عن دعمه جهود اليونان من أجل توفير الأمن على حدودها، وحث أثينا على العمل مع الشركاء المحليين بخصوص التدفق الكبير للمهاجرين نحو أوروبا.

وبدأ تدفق المهاجرين إلى الحدود الغربية لتركيا، اعتبارا من مساء الخميس، عقب تداول أخبار أن أنقرة لن تعيق حركة المهاجرين باتجاه أوروبا.

بدوره، قال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، إن أنقرة تواصل منح الحماية المؤقتة للسوريين الراغبين بالبقاء، لكنها لن تمنع من يرغب بمغادرة البلاد.

في هذه الأثناء، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين يونانيين قولهم إن طفلا لقي حتفه غرقا إثر انقلاب زورق لاجئين قبالة جزيرة ليسبوس، وهي أول وفاة منذ أن فتحت تركيا حدودها الأسبوع الماضي.

اعلان

وقالت قوات خفر السواحل اليونانية إن الزورق وصل برفقة سفينة تركية، وإنه تم إنقاذ 46 لاجئا.

وأظهرت صور بثتها رويترز إطلاق قوات خفر السواحل اليونانية النار على قارب للاجئين، في محاولة لإبعادهم عن السواحل اليونانية.

المصدر : الجزيرة + وكالات

——————————————-

إل سي إي: أربعة أسئلة لفهم التصعيد في إدلب

يفيد تقرير نشره موقع “إل سي إي” الفرنسي بأن النظام السوري يصب جام غضبه على سكان إدلب لاستعادة السيطرة عليها، ويطرح أسئلة لمحاولة فهم التطورات الأخيرة في المعقل الأخير للمعارضة السورية، الذي عاد إلى دائرة الاهتمام الدولي بعد مقتل أكثر من ثلاثين جنديا تركيا فيه.

وتطرح الكاتبة فيليسيا سيديريس في تقريرها بالموقع أربعة أسئلة لإلقاء الضوء على ما يجري في إدلب من قبيل: ما الذي حدث؟ ولماذا الوضع أصبح متفجرا؟

أولا: ما الذي حدث؟

ترى الكاتبة أن تسلسل الأحداث بدأ الجمعة الماضي، عندما قتل 33 جنديا تركيا في غارات جوية نسبت إلى النظام السوري، في سياق هجماته التي بدأت منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي من أجل استعادة السيطرة على آخر معقل كبير في أيدي المعارضة.

وتشير إلى أن تركيا ردت بقصف جوي وبري استهدف مواقع النظام السوري.

 ثانيا: ما الدول الناشطة بسوريا؟

تضيف الكاتبة أنه لا يوجد في هذه المنطقة سوى الثوار، غير أن تركيا أقامت نقاطا فيها منذ عام 2018، من أجل “تأمين” حدودها، وهي تدعم بعض الجماعات من الثوار.

وفي مقابل تركيا، تقدم روسيا عونا ثابتا لرئيس النظام السوري بشار الأسد منذ بداية الصراع، حتى أنه يُنظر إليها على أنها السبب الوحيد لبقاء النظام. إلا أن موسكو تلعب لعبة مزدوجة؛ حيث لا يزال رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف على اتصال وثيق مع أنقرة التي قدم لها تعازيه، مؤكدا أنه يريد تجنب تكرار “مثل هذه المآسي”.

ويشير التقرير إلى أن موسكو وأنقرة في مواجهة هناك منذ عدة سنوات، ولكنهما تتعاونان منذ عام 2016، لما تجدانه من مصلحة مشتركة في وقف القتال رغم خلافاتهما، حتى أنهما تواصلتا عبر الهاتف، وتحدث قائداهما عن “قلقهما من تصاعد التوتر”.

غير أن موسكو هي وحدها التي تستطيع مطالبة الجيش السوري بوقف إطلاق النار، كما أنها هي أيضا وحدها التي تستطيع التفاوض مع الأتراك، وبالتالي فهي التي تمتلك جميع الأوراق.

 ثالثا: ما الموقف في الأيام المقبلة؟

وينقل الموقع عن خبراء أن أنقرة لن تكسب الكثير من تصعيد النزاع، وأنها لن تستطيع قلب موازين القوة التي تميل لصالح النظام السوري بفضل الدعم الروسي، خاصة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أضعف بتقاربه مع موسكو علاقاته مع أعضاء الناتو، فلم ينجح في الحصول أنظمة الدفاع الأميركية باتريوت، ولا في طلبه إقامة منطقة حظر طيران في شمال غرب سوريا.

وترى الخبيرة جانا جبور أن تركيا معزولة وتوشك أن تفقد الكثير إذا واصلت مسارها الحالي، وذلك لأنها “لا تمتلك الوسائل العسكرية ولا الموارد البشرية لمواصلة التصعيد المستمر في إدلب”، كما أنها غير قادرة على الاعتماد على الدعم الغربي الحاسم.

ولهذا، فإن الرئيس التركي يحاول الحصول على مزيد من الدعم من الاتحاد الأوروبي عبر تشغيل الإنذار عن طريق التلويح بورقة اللاجئين التي لم تثبت أهميتها.

رابعا: ما موقف الدول الغربية؟

في سياق التصعيد الحالي، أعلن رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل قلق الاتحاد من “احتمال مواجهة عسكرية دولية كبرى”، وقال إن الاتحاد “سيدرس جميع التدابير اللازمة لحماية مصالحه وأمنه”، وأضاف بوريل على حسابه في تويتر أن “هناك حاجة ملحة لإنهاء التصعيد الحالي”، ودعا جميع الأطراف إلى خفض التصعيد.

وفي حين أبدت فرنسا تضامنها مع تركيا، أدانت ألمانيا “الهجمات الوحشية” على القوات التركية، ودعت إلى “إنهاء هجوم النظام السوري” على إدلب، في حين كانت لهجة لندن أقوى، حيث اتهمت دمشق “باللاوعي” و”الوحشية”، وأعلنت تأييدها لمعاقبة النظام السوري.

وأما مجلس الأمن، فترى الكاتبة أنه في حالة شلل منذ بداية النزاع السوري عام 2011، وذلك بسبب الفيتو الروسي الذي استخدم 14 مرة.

المصدر : الصحافة الفرنسية,الجزيرة

——————-

===========================

===========================

تحديث 4 أذار 2020

——————————–

“درع الربيع”: معركة الحفاظ على الدور التركي في سوريا

قررت تركيا خوض معركة “درع الربيع” في إدلب، انتقامًا لمقتل عدد من جنودها، ومنعًا لسقوط المنطقة بالكامل في يد النظام السوري وحلفائه، لأن ذلك يقضي بالكامل على دورها في تسوية الصراع بسوريا.

أطلقت تركيا، فجر الأول من مارس/آذار 2020، عملية درع الربيع في منطقة إدلب، شمال غربي سوريا. جاءت العملية بعد أسابيع من الحشد التركي العسكري الكبير في محيط المحافظة السورية، أو ما تبقى منها تحت سيطرة المعارضة المسلحة، بعد أسابيع من تقدم قوات النظام السوري والميليشيات المرتبطة بها فيما يُعرف منذ سبتمبر/أيلول 2018 بمنطقة عدم التصعيد. كما جاءت العملية بعد يومين فقط من استهداف قوات النظام السوري لقافلة عسكرية محمولة تركية في جوار إدلب، موقعة 36 قتيلًا وعشرات الجرحى في صفوف القوة التركية.

وكان سبق إطلاق العملية، ومباشرة بعد استهداف دورية الجيش التركي، قصف واسع النطاق لمواقع وآليات ومعسكرات ومخازن قوات النظام السوري والميليشيات الشيعية المرتبطة بها، قامت به القوات التركية، مستخدمة المدفعية الثقيلة، والصواريخ، والطائرات المسيرة. أوقع القصف التركي خسائر فادحة بقوات النظام السوري وبعناصر حزب الله والميليشيات الشيعية التي يقودها ضباط من الحرس الثوري الإيراني، موهنًا هذه القوات وقدرتها على القتال والصمود.

هذه هي العملية العسكرية الرابعة للجيش التركي في سوريا منذ درع الفرات (2016)، وغصن الزيتون، أو عفرين (2018)، وينابيع السلام، أو شرق الفرات (2019). فما هي دلالات العملية التركية العسكرية الجديدة؟ ولماذا اضطرت إليها تركيا أصلًا؟ وأية أهداف يعمل الأتراك على تحقيقها من هذه العملية؟ وما احتمالات استمرار القتال حتى تحقيق أهداف عملية درع الربيع، أو التوصل إلى اتفاق سياسي بين تركيا وروسيا يضع قواعد جديدة لمنطقة عدم التصعيد؟

الطريق إلى الحرب

تعود فكرة مناطق عدم التصعيد، التي استهدفت تقليص مساحة، وخفض درجة النزاع في سوريا، إلى مباحثات أستانة، 2017. ولكن الاتفاق حول حدود وشروط منطقة عدم التصعيد في إدلب تم التوصل إليه في مباحثات تركية-روسية في سوتشي، سبتمبر/أيلول 2018. لم ينشر النص الرسمي لاتفاق سوتشي من أي من أطرافه، ولكن بعضًا من التفاهمات التي تضمَّنها الاتفاق عُرفت بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ضمت منطقة عدم التصعيد التي تشارك تركيا في الإشراف عليها معظم محافظة إدلب، وأجزاء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الجنوبي-الغربي، على أن تقام نقاط مراقبة عسكرية تركية في محيط كامل المنطقة للتأكد من وقف إطلاق النار وتنفيذ التفاهمات الأخرى بشأن المنطقة. تتهم روسيا تركيا بالإخفاق في الوفاء بتعهداتها في إدلب، سيما من جهة تأمين طريقي إم 4 وإم 5 الضروريين لإنعاش اقتصاد الشمال السوري الغربي برمته. كما أن تركيا تتهم النظام والميليشيات المرتبطة به، إضافة إلى القوات الروسية الجوية، بالإخفاق في الوفاء بتعهداتها في وقف إطلاق النار، واستمرت في استهداف مواقع المعارضة المسلحة والمدنيين على السواء.

ولأن المنطقة تحتضن ليس سكانها وحسب، بل ومئات الآلاف من المهجرين من مناطق سورية أخرى، أصبح أمن وسلامة السكان مسألة حيوية لتركيا، التي تخشى تدفق موجة أخرى من اللاجئين السوريين عبر الحدود، إضافة إلى الثلاثة ملايين ونصف المليون من اللاجئين السوريين، الذين تستضيفهم منذ سنوات. كما باتت أنقرة تخشى من أن خسارة إدلب قد تؤدي إلى مطالبة سورية-روسية بإخلاء المناطق التي تخضع لإدارة تركية مباشرة في الباب وجرابلس وعفرين وشرق الفرات، مما سيؤدي إلى تهديد مباشر للأمن القومي التركي، طالما ظلت سوريا ساحة نزاع وظلت الجماعات المسلحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني نشطة في أكثر من منطقة سورية.

مستخدمةً ذريعة عدم تنفيذ تركيا تعهداتها في إدلب، بدأت قوات النظام سلسلة من الهجمات على منطقة عدم التصعيد التركية منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي (2019)، متجاوزة نقاط المراقبة التركية العسكرية في محيط المنطقة. وبالرغم من محاولات تركيا التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا، كانت قوات النظام، وبمساندة من الطائرات الروسية، تعود لاستئناف هجماتها، بعد ساعات قليلة من الإعلان عن وقف إطلاق النار في بعض الأحيان.

ولم يعد ثمة شك -في ضوء التصريحات الروسية المتكررة بتحميل تركيا مسؤولية تصاعد التوتر في منطقة عدم التصعيد- أن روسيا تؤيد، أو على الأقل لا تعارض، مساعي النظام فرض السيطرة الكاملة على إدلب، وطرد القوات التركية من المنطقة، بغضِّ النظر عن حجم الخسائر بين المدنيين أو حجم المأساة الناجمة عن موجة لجوء جديدة لسكان إدلب.

خلال الشهور الثلاثة الماضية، نجحت قوات النظام في طرد المعارضة المسلحة، ومعها مئات الآلاف من السكان المدنيين، من خان شيخون، ومعرة النعمان، وسراقب، ومعظم تمركزات المعارضة في ريفي حلب وحماة، مهددة منطقة جبل الزاوية الاستراتيجية ومدينة إدلب نفسها. لفترة قصيرة، نجحت قوات النظام في فتح الطرق السريع الممتد بين حلب ودمشق، وبدأت سلسلة من الهجمات لفتح الطريق السريع المتفرع منه، بين حلب واللاذقية، محاصرة العديد من نقاط المراقبة التركية. ولم تُخْفِ قوات النظام نواياها حول إجبار القوات التركية على الخروج من إدلب، وذلك بتوجيه نيرانها بصورة متفرقة إلى هذه القوات، موقعة عددًا من القتلى بين صفوفها.

لحماية جنودها في نقاط المراقبة، وردع قوات النظام عن استهداف المدنيين ومنع تقدمها إلى المزيد من المدن المكتظة بالسكان، بدأت تركيا حشدًا منظمًا ومخططًا لقواتها في إدلب، بما في ذلك قطع المدفعية الثقيلة، والدبابات، والقوات المحمولة، والقوات الخاصة. وفي الخامس من فبراير/شباط، ألقى الرئيس التركي، أردوغان، خطابًا، تضمن إنذارًا للقوات السورية بالتراجع إلى ما خلف حدود اتفاق سوتشي لعدم التصعيد، ممهلًا النظام حتى نهاية فبراير/شباط لتنفيذ هذا الانسحاب.

كان واضحًا أن المهلة الطويلة نسبيًّا، التي رافقها استمرار الحشد العسكري التركي في إدلب، قُصد بها دفع روسيا، صاحبة الأمر والنهي في مجريات الصراع على سوريا، إلى التفاوض للتوصل إلى تسوية جديدة. بيد أن روسيا لم تستجب للمبادرات التركية. وبالرغم من أن خبراء عسكريين ودبلوماسيين من الطرفين التقوا في ثلاث جولات طوال فبراير/شباط، لم تنجح المفاوضات في التوصل حتى لاتفاق لوقف إطلاق النار.

كما لم يستجب النظام السوري لإنذار الرئيس التركي؛ وفي المقابل، ألقى الرئيس السوري خطابًا حمل نَفَسًا انتصاريًّا، وجَّه فيه التحية لقوات جيشه وما أسماه “القوات الرديفة”، أو الميليشيات الشيعية، التي يبدو أنها تحملت العبء الأكبر في اندفاعة النظام إلى منطقة عدم التصعيد. وبينما استمر الجيش التركي في حشد قواته في محافظة إدلب، وقبل يومين فقط من نهاية فبراير/شباط، قصفت قوات النظام قافلة محمولة للجيش التركي قرب مدينة إدلب، موقعة خسائر كبيرة، وغير مسبوقة، بالقوات التركية (36 قتيلًا وعشرات الجرحى). أثارت الخسائر في صفوف القوات التركية غضبًا واسع النطاق في مختلف أنحاء تركيا، وربما كانت الدافع الرئيس خلف حسم القرار التركي بالذهاب إلى الحرب.

استرداد المبادرة

خلال ساعات من الهجوم السوري بعد ظهر 27 فبراير/شباط، جاء الرد التركي هائلًا ومدمرًا. وحتى صباح الأول من مارس/آذار، عندما أُطلقت عملية درع الربيع رسميًّا، أوقع القصف التركي المنهجي خسائر فادحة بقوات النظام السوري ومعداته، وبالميليشيات الشيعية المرتبطة به، سواء تلك التي تنتمي لحزب الله اللبناني، أو تلك التي تشرف عليها وتوجهها قوات الحرس الثوري الإيراني. كما ساعد القصف التركي قوات المعارضة السورية المسلحة على استرداد مدينة سراقب من قبضة قوات النظام، وبالتالي استعادة السيطرة على مفترق طريقي حلب-دمشق وحلب-اللاذقية السريع. وقد أشارت شدة القصف ونطاقه إلى أن العملية التركية العسكرية أصبحت وشيكة بالفعل.

ما ساعد الجيش التركي على التمهيد لبدء عمليته كان النجاح، غير المسبوق في جبهات المعركة النشطة، في نشر واستخدام الطائرات المسيرة كأداة مباشرة في الحرب. ولم يكن خافيًا، طوال الأيام الخمسة، من 27 فبراير/شباط إلى 2 مارس/آذار، أن غياب الطيران الروسي عن ساحة المعركة، أفسح المجال ربما للجيش التركي للثأر لخسائره التي أوقعها القصف السوري على القافلة التركية المحمولة.

أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي كان أيضًا قائد أركان الجيش التركي قبل تعيينه وزيرًا للدفاع، ومن يشرف على عملية درع الربيع، أن هدف العملية هو تأمين نقاط المراقبة التركية، وتأمين الحدود، والحفاظ على أمن وسلامة المدنيين في إدلب، وإجبار النظام على احترام اتفاق سوتشي وإعادة قواته إلى ما خلف خطوط منطقة عدم التصعيد.

خلال اليوم الأول للعملية، أظهرت القوات التركية كفاءة بالغة، كاشفة عن قوة نيران فائقة. أسقطت طائرات تركية طائرتي سوخوي للنظام السوري بدون أن تخترق مجال سوريا الجوي، ثم أسقطت بعد ذلك طائرة حربية ثالثة؛ مما أدى إلى تراجع النظام عن نشر سلاحه الجوي في ساحة المعركة، وتعرض منشآت مطار النيرب العسكري السوري للتدمير، وإخراج المطار كلية عن العمل. كما ساعدت السيطرة بالنيران التركية قوات المعارضة المسلحة على التقدم في أكثر من جبهة قتال نشطة، بما في ذلك جبل الزاوية، وجنوب إدلب، وريف حلب. وكشفت مراقبة الاتصالات العسكرية السورية، التي تقوم بها مجموعات المعارضة، عن ذعر كبير في أوساط قوات النظام والميليشيات المرتبطة به، وعن اتهامات صريحة للروس بالتخلي عن هذا النظام.

أصدر المركز الإيراني للمستشارين العسكريين في سوريا بيانًا وجَّه فيه اللوم لتركيا لاستهداف مواقع الميليشيات الشيعية التي يقودها المستشارون الإيرانيون. كما أصدرت موسكو بيانًا غامضًا مساء يوم العملية التركية الأول يقول بأن روسيا لن تستطيع ضمان أمن الطائرات التركية بعد أن أعلنت دمشق عن إغلاق المجال الجوي في منطقة عدم التصعيد. ما فُهم من البيان الإيراني، أن إيران وحلفاءها مصممون على الاستمرار في المشاركة في جهود النظام السوري العسكرية. وما فُهم من بيان موسكو أن الطيران الروسي سيعود إلى التحليق في منطقة عدم التصعيد وتوفير الدعم لقوات النظام بعد غياب الأيام الخمسة الأولى؛ مما سيجعل من الصعب على تركيا استهداف طائرات النظام السوري أو تحليق الطيران التركي في سماء منطقة عدم التصعيد.

في اليوم الثاني للعملية، حاول النظام والميليشيات الشيعية، تحت غطاء جوي روسي كثيف، استعادة مدينة سراقب. ولكن المحاولة تعثرت، بعد أن أوقع مسلحو المعارضة خسائر فادحة في قوات النظام، مدعومين بالطائرات المسيرة التركية. ولكن الملاحظ أن الجانب الروسي عمل على رفع مستوى التصعيد في المواجهة غير المباشرة مع تركيا بالإعلان عن نيته نشر الشرطة العسكرية الروسية في مدينة سراقب. في الوقت نفسه، حققت المعارضة المسلحة تأمين منطقة جبل الزاوية بالكامل، وأخذت بالتقدم إلى بلدة كفرنبل، بداية الطريق إلى معرة النعمان.

في يوم العملية التركية الثاني، أيضًا، ألقى الرئيس التركي خطابًا حمل نبرة تصالحية تجاه روسيا وإيران، ونبرة تهديد حاسمة تجاه النظام وقواته، منذرًا بأن على النظام الانسحاب إلى خطوط اتفاق سوتشي أو مواجهة الموت والدمار. ولكن لغة أردوغان استبطنت أيضًا مراهنته على لقاء القمة المخطط بينه وبين الرئيس الروسي في موسكو، الخميس 5 مارس/آذار.

تعديل الاصطفافات

بالرغم من الاتفاق على لقاء قمة 5 مارس/آذار بين أردوغان وبوتين، وإعلان روسيا بعد ذلك عن لقاء ثلاثي سيجمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران، سيُحدَّد موعده لاحقًا، لم يكن خافيًا أن العلاقات التركية-الروسية وصلت مستويات متدنية أعقبت مرحلة من انتهاج سياسة التقارب المطرد مع روسيا. برز اعتقاد في أوساط الطبقة التركية الحاكمة، كما في أوساط العسكريين الأتراك، بأن روسيا لا تبالي بمصالح تركيا الحيوية؛ وأن الموقف في سوريا، إضافة إلى التدخل الروسي في ليبيا إلى جانب حفتر، يكشفان عن أن روسيا تعتبر الخصم الرئيس لصعود تركيا وتوكيد دورها الإقليمي.

وقد أثار التوتر في العلاقات التركية-الروسية ردود فعل إيجابية في الأوساط الغربية، سيما في الولايات المتحدة. أظهر الأميركيون تعاطفًا دافئًا مع الموقف التركي إلى الحد الذي وصف فيه المبعوث الأميركي للأزمة السورية قتلى الجيش التركي في إدلب بالشهداء. كما أجرى أردوغان وترامب عدة اتصالات هاتفية طوال فبراير/شباط لمناقشة مسألة إدلب ومطالب تركيا بالدعم الغربي. وما عدا إعلان الولايات المتحدة أنها ستقدم دعما عسكريا لتركيا في عملياتها العسكرية بإدلب لم تتوافر أدلة على أن تركيا ستتلقى دعمًا عسكريًّا كافيًا يغطي حاجاتها من الولايات المتحدة أو حلفائها الآخرين في الناتو.

لم تطلب أنقرة تفعليل البند الخامس من ميثاق الناتو، لأنها تدرك أن الميثاق لا يلزم دول الحلف بدعم أي من أعضائه ما لم تكن سيادة هذا العضو على أرضه مهددة. ولكن أنقرة كانت تأمل أن تقوم دول الحلف، بما في ذلك الولايات المتحدة، بنشر عدد من بطاريات باتريوت المضادة للطائرات على الحدود التركية-السورية، لتأمين الفضاء التركي من أية محاولات سورية أو روسية لتهديد الأرض التركية. لم تحصل تركيا على وعود قاطعة بنشر بطاريات الباتريوت؛ ويبدو أن مسألة نظام إس 400 الروسي، الذي نشرته تركيا قبل شهور في مواجهة معارضة أميركية صلبة، لم يزل حجر عثرة في وجه نشر منظومة الباتريوت أو الموافقة على بيعها لتركيا.

ما حصلت عليه تركيا من الأميركيين، على الأرجح، كان تعهدًا أميركيًّا بتزويد الجيش التركي بمزيد من المعلومات الضرورية حول ساحة المواجهة في إدلب، إضافة إلى الاستجابة لمتطلبات تركية عسكرية أخرى قد تكون على شكل ذخائر.

إيران هي الطرف الآخر للصراع على سوريا. وطبقًا لبعض المصادر، أرسلت أنقرة في بدايات فبراير/شباط لحزب الله تحذره من الاستمرار في المشاركة في معركة إدلب، وتطلب منه سحب قواته والميليشيات الشيعية الأخرى من ساحة المواجهة. ولأن لا الحزب ولا الميليشيات الأخرى استجابت للتحذير التركي، أصبحت مجموعات هؤلاء أهدافًا للقصف التركي، مثلها مثل قوات النظام السوري، مما أوقع بها خسائر ملموسة خلال الأيام قبل وبعد انطلاق عملية درع الربيع.

حاولت إيران امتصاص الغضب التركي واحتواء العملية التركية باقتراح من الرئيس روحاني بعقد اجتماع ثلاثي، إيراني-تركي-سوري، لمعالجة الوضع في إدلب. وكان الملاحَظ في الاقتراح الإيراني استثناء روسيا، كاشفًا عن حجم الضغوط التي يتعرض لها الإيرانيون في سوريا من الروس، ورغبتهم في إعادة توكيد نفوذهم السوري بالتوافق مع تركيا. لم يجد الاقتراح الإيراني استجابة من أنقرة؛ وربما كان أحد الأسباب خلف إسراع روسيا إلى توفير الدعم الجوي العسكري لقوات النظام ابتداء من اليوم الثاني للعملية التركية. مهما كان الأمر، فالواضح أن موقف إيران هو الأصعب بين كل أطراف التدافع؛ ليس فقط لأن إيران تدرك أن روسيا تريد إضعاف موقفها في سوريا، ولكن أيضًا لأن علاقاتها الوثيقة بنظام الأسد ورغبتها في الحفاظ على نفوذها السوري، تواجه الآن سياسة دفاعية نشطة من قبل أنقرة، التي تحاول طهران الحفاظ على علاقاتها الودية معها.

خلف ذلك التباين في الموقف الدولي، أعلنت تركيا منذ نهاية فبراير/شباط توقفها عن منع اللاجئين السوريين من التوجه نحو أوروبا. أدى الإعلان التركي إلى تدفق ما يزيد عن مئة ألف من اللاجئين السوريين، وبعض من غير السوريين، إلى الحدود مع اليونان وبلغاريا. ويُعتقد بأن عدة آلاف منهم نجح بالفعل في اجتياز الحدود اليونانية والبلغارية، بالرغم من العنف الذي واجه به حرس الحدود اليونانيون جموع اللاجئين.

تقول تركيا إنها اضطرت لهذا الإجراء نظرًا لتقاعس الأوروبيين عن المشاركة في تحمل عبء اللاجئين، الذي لم تعد تركيا، اقتصاديًّا واجتماعيًّا، قادرة على تحمله منفردة. ولكن الواضح أن تركيا تقصد بخطوتها هذه، إضافة إلى حثِّ أوروبا على المشاركة في تحمل عبء اللاجئين، دفع شركاء الناتو الغربيين إلى اتخاذ موقف أكثر إيجابية، سياسيًّا وعسكريًّا، من توفير الدعم للموقف التركي والضغط على روسيا.

التسوية والتصعيد

ما تشير إليه أدلة متضافرة، منذ وجَّه أردوغان إنذاره لدمشق، في 5 فبراير/شباط، بالتراجع إلى ما خلف خطوط سوتشي ونقاط المراقبة التركية، أن أنقرة تتبع سياسة الاستعداد للحرب وعواقبها، والأمل بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة، في الوقت نفسه. ويبدو أن القيادة التركية، منذ انطلقت عملية درع الربيع، تعمل على إيقاع خسائر فادحة بالنظام السوري وحلفائه، وتحقيق تقدم ملموس على الأرض ضمن مناطق خفض التصعيد التي سبق أن سيطرت عليها قوات النظام، وتفعيل الدور الأميركي ودور حلف الناتو، استعدادًا لقمة مرتقبة في موسكو بين أردوغان وبوتين في 5 مارس/آذار، وقد حصلت على بعض المكاسب، بإعلان واشنطن تقديم دعم عسكري لتركيا في إدلب، وإعلان المستشارة الألمانية، ميركل، مساندتها إقامة منطقة آمنة في إدلب يطالب بها الرئيس التركي، أردوغان.

يأمل الأتراك أن تحقق قمة موسكو، إذا انعقدت في موعدها، أو في موعد لاحق، وسواء كانت ثنائية بين بوتين وأردوغان أو ثلاثية بانضمام روحاني، معظم أهدافهم، سواء بإجبار النظام على التراجع إلى خطوط سوتشي، أو ما يقاربها، أو بالتوافق على قواعد جديدة لوضع منطقة عدم التصعيد. بالنسبة لتركيا، لا يبدو أن ثمة استعدادًا للتراجع عن منطقة عدم التصعيد، أولًا: لأن خسارة المنطقة يعني تهديد المناطق الأخرى في الشمال السوري التي تقع تحت إدارة تركية مباشرة؛ وثانيًا: لأن إضعاف الوجود التركي في سوريا يعني إضعاف الدور التركي في المسار السياسي لحل الأزمة السورية؛ وثالثًا: لأن تقويض الدور التركي في سوريا سينعكس حتمًا على موقع ودور تركيا الإقليميين.

للتوصل إلى اتفاق ما في موسكو، لا يُستبعد أن يقدم الأتراك بعضًا من التنازلات حول السيطرة على كامل منطقة عدم التصعيد، وبعضًا من التعهدات بإخراج المجموعات التي تعتبرها تركيا إرهابية، مثل هيئة تحرير الشام، من ساحة الصراع، سواء بدعوة الهيئة إلى حل نفسها، أو حلها بالقوة العسكرية، وبتأمين الحركة على طريقي إم 4 وإم 5 السريعين. وكمؤشر على أهمية السيطرة على هذه المحاور في المفاوضات القادمة، حرص النظام وحليفاه، الإيراني والروسي، على إعادة السيطرة على مدينة سراقب مجددًا كما أفادت بذلك تقارير إخبارية، وإن كانت المعارضة السورية تنفيها، وتؤكد أن المعارك لا تزال جارية. ما يعزز فرص التوصل إلى اتفاق في موسكو أن ثمة تقديرًا في أوساط القيادة الروسية بضرورة ألا تخسر موسكو علاقاتها الجيدة مع أنقرة، ودفع الأخيرة بالكامل إلى أحضان الغرب من جديد، لمجرد تحقيق مكاسب تكتيكية في سوريا التي أصبحت بالفعل منطقة نفوذ روسي لا يُنازَع إلا بصورة جزئية.

بيد أن ثمة احتمالًا بفشل قمة موسكو في التوصل لاتفاق، سواء لعدم استعداد روسيا للاعتراف بما حققته القوة العسكرية التركية حتى الآن، أو لأن روسيا جعلت من سيطرتها المطلقة في سوريا هدفًا استراتيجيًّا مقدمًا على العلاقات الإيجابية المطردة مع تركيا. في هذه الحالة، فمن المستبعد أن تقبل تركيا بالتراجع العسكري المجاني في إدلب، حتى إنْ أصبحت ساحة المعركة أكثر تعقيدًا وازدادت مخاطر المواجهة العسكرية التركية-الروسية، التي يحاول كلا الطرفين تجنبها طوال الشهرين الماضيين.   

———————————

روسيا في سوريا… رشاقة الدببة/ موفق نيربية

في عام 2008، نشر سيرغي لافروف مقالة بعنوان «روسيا والعالم في القرن الحادي والعشرين»، قال فيها ما يمكن تلخيصه بما يلي: «كانت نهاية الحرب الباردة نهايةً لمرحلة طويلة من التاريخ العالمي، استمرت بين 400- 500 عام، كانت الهيمنة العالمية فيها للحضارة الأوروبية. وكان الغرب التاريخي يقود تلك المرحلة. الآن تصبح المنافسة عالمية بحق، وتأخذ بعداً حضارياً».

هذا البعد الحضاري المذكور كما يبدو، الذي يستبطن القومية من جديد، قد حلّ مكان صراع الشرق والغرب وبعده الأيديولوجي ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. ولعلّ هذا يلخص جوهر التفكير الروسي، في القرن الحادي والعشرين في السياسات الخارجية. لذلك، يبدو من الضروري إعادة وصل السياسات بين القرن الخامس عشر وما تلاه، والسياسات الراهنة، في منطقتنا المشرقية خصوصاً، أو ربما المتوسطية كذلك.

سيطر حلم «استعادة الأراضي الروسية» على السياسة الخارجية منذ القرن الخامس عشر، وكان نجومه الأبرز، إيفان الرهيب وبطرس الأكبر وكاترين الثانية، هؤلاء الذين يُعتبر بوتين امتداداً لهم، وقد يضيف إليهم أيضاً بتحفظ اسم ستالين، وقد امتدت حروب تلك الأحقاب شرقاً نحو جبال الأورال وما تلاها، وغرباً نحو بولندا وإلحاق بيلاروسيا وجزء من ساحل البلطيق وأكثر من ذلك من الأراضي البولونية خصوصاً، وجنوباً نحو أوكرانيا والقوقاز والقرم وما وراءها إلى الشرق. في الاتجاه الأخير، كان ذلك الميل إلى التوسع الأكثر أهمية باتجاه مياه البحر الأسود الدافئة، حلم القياصرة الأثير.

وتمثل القواعد الروسية على السواحل السورية، تموضعاً في مياهٍ أكثر دفئاً من مياه البحر الأسود، ليصبح وجودها هناك (هنا) أمراً يكاد يكون مفروغاً منه في العلاقات الدولية، بل تبدأ في محاولة التمدد إلى مياه أخرى أكثر دفئاً كذلك، على أرض ليبيا جنوب المتوسط ووسطه.

كان الهدف الأبرز لحروب روسيا هو الأمبراطورية العثمانية، والصراع على الأرض معها، وقضمها بالتدريج، بشكل لم يتوقف ويتراجع نسبياً إلا في عهد أتاتورك، وحروبه التحريرية. هذا يجعل من تاريخ العلاقات الروسية – التركية على مدى عدة قرون سلفت، تاريخاً للحرب والصراع والذاكرة العدائية. ويمكن الانطلاق من ذلك لتبرير ضرورة استبداله بالعلاقات المتكاملة والطبيعية، بمقدار ما يمكن استسهال النزاع والعداء عند أي مفترق أو انتكاسة في العلاقات السلمية.

فلعلّ العامل الأول في الاستراتيجيا الخارجية لروسيا البوتينية حالياً هو الطموح القيصري، الذي يترجمه خصوصاً في شرق المتوسط، ومؤخراً في جنوبه. ويستخدم ذكاءه وبراغماتيته القصوى لتلبيسه لباساً عصرياً، في ما يخص العلاقات مع تركيا. ولكن هنالك عوامل أخرى غير ذلك، قد يمكن اشتقاقها وملاءمتها مع السياسة المذكورة.

من ذلك تلك السياسة الروسية القيصرية القديمة، تحت عنوان حماية الأقليات، خصوصاً حماية طائفة الروم الأورثوذكس، الذين يربطهم بالكنيسة الروسية إيمان واحد، ويشدهم إليها ثقل كون الأورثوذكس الروس نصف تلك الطائفة المسيحية في العالم. ذلك عامل فاعل في الاستراتيجية تجاه كل المشرق، وقد أضافت له مكتسباً جديداً يتقدم حالياً، يتمثل في الدور الروسي في حماية العلويين.. وتكاد تتفوق استراتيجية بوتين ولافروف في ذلك على القياصرة الموتى القدامى. ولكن هنالك عاملاً رئيساً في السياسة الخارجية الروسية يتخلل مواقفها وتبريراتها في المشرق خصوصاً، عنوانه محاربة الإرهاب، وتلك تجارة رائجة ورابحة، قد يكون مصدر الإيحاء بها النظام السوري نفسه، وسياسات الأسد الحالي والأسد أبيه، وكل ما ومن يمتّ إليهما بصلة. وقد كان يتم تحميل تلك السياسة على إرث حرب الشيشان في البداية، ثم توسع ليعمّ ويتعولم محمولاً على عقدة الغرب الكبرى في هذا الميدان. في ذلك تبدو روسيا وقد اختطفت من خصومها سلاحهم، وزادت عليهم من الطنبور أنغاماً وتقاسيم.

في عام 2015، كان بوتين محاصراً عملياً بسبب أوكرانيا، وكان يحتاج إلى فك ذلك الحصار، وخير وسائل الدفاع هي الهجوم، ولا مكان للهجوم أكثر جاهزية من سوريا، وخصوصاً بسبب نضوج ذريعة «الإرهاب» فيها، وهي المقولة الأكثر إحراجاً للغرب.

فقد كانت حركة توحيد قوية في الشمال الغربي بدعم قطري – تركي، نتج عنها تشكيل ما سُمّي بجيش الفتح، الذي ضم إلى جبهة النصرة الموسومة عدداً من التشكيلات الإشكالية بذاتها أيضاً، مثل أحرار الشام وصقور الشام وفيلق الشام وأجناد الشام وغيرها. وافتتح هذا الجيش أعماله بدخول إدلب وطرد قوات النظام منها بسهولة لافتة خلال أربعة أيام، في أواخر مارس/ آذار، تابع بعدها نجاحاته في القلمون والغاب ووصل قاعدة أبو الظهور الجوية في سبتمبر/أيلول.

في الوقت نفسه وبدعم سعودي هذه المرة، قام زهران علوش بتوحيد عشرات القوى المسلحة في غوطة دمشق، وقام بتوجيه صواريخه إلى مدينة دمشق بكثافة، وأكثر من مرة، وتزايد نشاطه حتى هزم قوات النظام وسيطر على حرستا وعدرا وتل الكردي أيضاً، في سبتمبر/أيلول قرب دمشق، مُطبقاً على طريق دمشق السريع شمالاً، أمام حيرة المراقبين وتوقعاتهم بقرب سقوط النظام. فغدا إنقاذ النظام هدفاً مغرياً للروس، ومحاربة الإرهاب شعاراً يمكن الاستناد إليه أمام الآخرين. وتشكلت غرفة عمليات

(4+1= روسيا وإيران والعراق وسوريا + حزب الله) وتمركزت في العراق، مع إعلان وتسويق واتصالات مع الدول الغربية تحت عنوان الحرب على الإرهاب و»داعش»، التي كانت قد أخذت تدمر وهددت السلمية، وسيطرت على نصف أراضي البلاد. في حين كان «دعم الحكومة الشرعية» هدفاً حقيقياً لكل ذلك، الذي ربما قد تمّ التحضير له جيداً في زيارة لقاسم سليمان (ما غيره) في صيف العام المذكور نفسه.

وابتدأ التدخل الكثيف المعلن في الثلاثين من سبتمبر، بعد أن انتهى التوقيع منذ زمن على اتفاقية استخدام قاعدة حميميم قرب الساحل السوري لمدة غير محددة، وبشكل يعطي حصانة دبلوماسية مشتقة من معاهدة فيينا لأي عسكري روسي؛ ثم ابتدأ الحشد العسكري يتراكم حتى اليوم الموعود، في التقاء لافت للظروف الملائمة مع الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة. فلم تغرِ العملية الروسية كل أصحاب المصلحة بتغيير حساباتهم، بل قادتهم إلى التسليم بالدور الروسي، وتطوير التفويض باستلام الملفّ، هل كسلاً وارتخاءً من قبل القوى الغربية الأساسية، وفواتاً في الأدوات والسياسات إقليمياً، أم توريطاً للروس من دون دفع أي ثمن ثقيل؟

لم يُخفِ القادة الروس على الإطلاق استهدافهم للمعارضة المعتدلة، بسبب تهديدها للنظام، ولا جهدهم من أجل تدمير البنية التحتية، التي تعتمد عليها تلك المعارضة. وقد قال غيراسيموف رئيس الأركان الروسي شيئاً مباشراً في هذا الأمر مثلاً، وأكثر من مرة. واستمرت هذه الجريمة حتى الآن، باستهداف تلك البنية التحتية: المستشفيات والوحدات الصحية والمدارس والأسواق، لتحطيم أي إرادة أو آمال لدى السوريين، في تحرير وإنقاذ بلادهم. إلا أن الأكثر إثارة للاستغراب، هو تلك «الانتظارية» التي استحكمت وما زالت بالمجتمع الدولي، أمام هذا التمدد الخطير لقوى وعوامل الفوضى والخراب، والتضحية بشعب كاملٍ وبلدٍ كامل، وتحمّل الأعباء والآثار الناتجة عن ذلك، من دون أي محاولة جدية لمواجهة أسباب تلك الكارثة، والذهاب إلى الحلّ السياسي بالاعتماد على الأمم المتحدة بشرعيتها وقراراتها ووضوح ملفاتها، من دون تلكؤٍ أكثر مما حدث حتى الآن..

ويمكن أن فلاديمير بوتين، في استلهامه روح وعظمة أسلافه الكبار الثلاثة: إيفان وبطرس وكاترين، قد استقر على تجسيد حديث لخيار القيصر المؤسس إيفان الرهيب الذي جعل سياسته «الأوبريشنينا» في القمع غير المحدود سياسة رسمية للدولة!

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

تركيا .. مأزق الشرق والغرب/ حسين عبد العزيز

بحكم موقعها الجغرافي في قلب العالم، وتماسّها المباشر مع منطقة أوراسيا وأوروبا والشرق الأوسط، حظيت تركيا بمعاملة خاصة ضمن منظومة الحلف الغربي (الناتو)، وخصوصا من الولايات المتحدة. وقد بدأ ارتباطها بالأخيرة عام 1947، عندما أصدر الكونغرس الأميركي، بموجب بنود مبدأ ترومان، قراره أن تحصل تركيا على مساعدات اقتصادية وعسكرية خاصة، من أجل دعمها في مقاومة تهديدات الاتحاد السوفييتي.

كانت تركيا جزءا أساسيا من الاستراتيجية الأميركية في احتواء السوفييت خلال الحرب الباردة، فقد ساهمت بأفراد في قوات الأمم المتحدة في الحرب الكورية 1950 ـ 1953، وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952، وأصبحت عضوا مؤسسا في منظمة المعاهدة المركزية، وهو حلفٌ دفاعي مشترك، تأسس عام 1955، وتبنت مبادئ مذهب أيزنهاور 1957. وفي الخمسينيات والستينيات، تعاونت تركيا مع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (إيران، إسرائيل، والأردن)، لاحتواء نفوذ الدول التي اعتبرت حليفة للسوفييت (مصر، العراق، سورية). ومع انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وتفكك المنظومة السوفييتية وحلف وارسو، ضعفت العلاقة الأميركية الاستراتيجية بينها وبين حلفائها في مناطق التوتر في العالم، من جنوب شرق أسيا وحتى جنوب القارة الأميركية، مرورا بالشرق الأوسط.

تمثل تركيا نموذجا لتراجع هذه العلاقة، وإذا ما ظل ثمة اهتمام أميركي بتركيا فمردّه إلى العلاقة التركية ـ الإسرائيلية في محيط شبه عدائي لإسرائيل، غير أن أحداث “11 سبتمبر” عام 2001 أعادت الألق لهذه العلاقة، بسبب حاجة الولايات المتحدة لقاعدة إنجرليك، ضمن مخططاتها في أفغانستان والعراق. وفعلا، تجاوبت تركيا مع تفعيل المادة من معاهدة الدفاع الخاصة بحلف الناتو والتي تفرض على جميع الأعضاء في الحلف تقديم المساعدة لأي دولة تواجه عدوانا خارجيا. ونفذت أنقرة هذا الالتزام بتسهيل استخدام أراضيها ومجالها الجوي للقوات الأميركية لبدء الحرب على أفغانستان في أكتوبر/ تشرين الأول 2001. ولكن بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في أنقرة، بدأت تظهر سياسة خارجية مستقلة تماما لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث. وكان أول مثال على ذلك، رفض البرلمان التركي عام 2003 استخدام الأميركيين قاعدة إنجرليك في تركيا لضرب العراق. ثم بدأ التباعد بين الجانبين، مع محاولة رجب طيب أردوغان شق سياسة تركية مستقلة في المنطقة والعالم، كان من تبعاتها حصول توتر حاد مع إسرائيل. ومع تحول الثورة السورية إلى أزمة إقليمية ـ دولية، بدأ الافتراق التركي ـ الأميركي: سعت أنقرة إلى إسقاط النظام في سورية، في حين كانت واشنطن تعمل على تفجير الأزمة أكثر فأكثر، من دون أن يقود ذلك إلى إسقاط النظام السوري.

ثم جاءت الفورة العسكرية لأكراد سورية لتزيد العلاقة سوءا بين الدولتين، وتجد تركيا نفسها مضطرّة إلى طرق أبواب الكرملين، بعدما دخل الروس بقوة إلى ساحة الصراع العسكري في سورية. ومع كل ابتعاد أميركي عن دعم المصالح القومية العليا لتركيا، كانت الأخيرة تعمّق علاقتها بروسيا، ضمن إطار تحالف الضرورات الملحّة، من دون أن تقطع علاقتها مع الولايات المتحدة.

وقد فرضت تغيرات الأوضاع في سورية على تركيا المواءمة بين مصالحها العليا القريبة المباشرة (القضاء على الإدارة الذاتية الكردية)، ومصالحها البعيدة غير المباشرة (إسقاط النظام السوري). ولكن، من نتيجة ذلك أنها أصبحت أسيرة، إلى حد كبير، للسياستين الأميركية والروسية، ولعل إقدام الروس على فتح معركة إدلب والوصول إلى مناطق تعتبر عمقا استراتيجيا لتركيا دليل على أن موسكو لم تعد بحاجة كثيرا إلى تركيا في سورية. وستكون هذه المعركة بداية طريق طويل للزحف الروسي نحو مناطق السيطرة التركية.. لقد أدركت روسيا، منذ البداية، أن تحالفها مع تركيا آنيٌّ يهدف إلى ترتيب ساحة الصراع، مع ما يتطلبه ذلك من ثمن يُقدم للأتراك.

أمام هذا الواقع، لا تمتلك تركيا أوراقا كبيرة، فالولايات المتحدة لن تدخل في توتّر حادّ مع روسيا من أجل بضعة مناطق في إدلب، غير أن للولايات المتحدة مصلحة في ابتعاد تركيا عن روسيا، وهذا هو مغزى التصريحات الأميركية أخيرا. ولكن هذا الابتعاد لن يكون بتدخل أميركي مباشر تجاه تركيا، وإنما بتحوّل تركي نحو الولايات المتحدة. تريد الإدارة الأميركية أن تتورّط تركيا في صراع عسكري مع روسيا داخل سورية، لإجبارها على طرق أبواب واشنطن. ويعي الأتراك هذه المعادلة، ويعملون على استخدام أوراقهم المبعثرة، تارّة مع واشنطن وأخرى مع الاتحاد الأوروبي، وتارة باللعب على التفاهمات مع روسيا.

لكل من روسيا والولايات المتحدة مصلحة في كسب تركيا، لكن مشكلتهما أنهما تريدانها تابعة، ومنحها ما تريد وفق إطار التبعية. لا تهتمان بالمصالح التركية في سورية، إلا في إطار تحقيق مصالحهما، فسورية جزء من الفضاء الجيوسياسي الروسي، في حين لم تكن ولن تكون جزءا من الفضاء الجيوسياسي الأميركي.

يكشف وضع تركيا اليوم في إدلب عن الطبيعة المعقدة لعلاقة أنقرة مع موسكو وواشنطن، وأي خيار تركي من بين الخيارات المطروحة ستكون له عواقب، خصوصا مع انفراط العقد العربي في الساحة السورية.

العربي الجديد

——————————

هل تُنشئ قمة موسكو غزة سورية في إدلب؟/ مروان قبلان

يتّجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى موسكو غداً الخميس للقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن إدلب في شمال سورية. ولم تكن هذه القمة واردة حتى قبل أيام، إذ كان بوتين يحاول التملص منها، لولا مخاوف خروج الوضع عن السيطرة، بعد الرد التركي الواسع على الهجوم الذي استهدف القوات التركية يوم 27 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) وأدى إلى مقتل 33 جندياً.

تبدو إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد خلال القمة الروسية التركية مرتفعة، في ظل براغماتية الطرفين، وإصرارهما على عدم الدخول في صدام مباشر، وقد بدا ذلك ملفتاً في الإشارات التي جرى تبادلها خلال التصعيد أخيراً، فعلى الرغم من أن الصاروخ الذي أدى إلى مقتل الجنود الأتراك كان روسياً موجّهاً، إلا أن أنقرة لم تحمّل موسكو مسؤولية الهجوم. في المقابل، لم يتدخل الروس لحماية قوات النظام والمليشيات الإيرانية من الانتقام التركي الذي أدّى إلى سقوط عدد كبير من القتلى. وجاءت تصريحات الرئيس أردوغان بأنه “ليس لديه مشكلة مع إيران وروسيا في سورية”! لتؤكد هذا التوجّه. وهو يُدرك أنه لا يحظى بدعم فعلي من حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو من الولايات المتحدة، في حال دخوله مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران في سورية، خصوصاً في هذه المرحلة التي يبدو فيها الرئيس الأميركي مستغرقاً بالكامل في احتواء تداعيات فيروس كورونا الذي أخذ يهدّد الاقتصاد الأميركي، ومعه فرص الفوز بولاية رئاسية جديدة. وقد كان وزير الدفاع الأميركي واضحاً عندما قال إن بلاده “لا تفكر بتقديم دعم جوي للعملية العسكرية التي تنفذها تركيا في إدلب”. كما أن تركيا لم تتلق حتى الآن رداً من واشنطن على طلبها الحصول على منظومة صواريخ باتريوت، لنصبها في إدلب، وإنشاء منطقة حظر جوي. فوق ذلك، يدرك الرئيس أردوغان حدود الدعم العسكري الذي يمكن أن يقدّمه لفصائل المعارضة السورية. وكانت وسائل إعلام روسية قد أشارت أخيراً إلى استعداد موسكو تزويد المقاتلين الأكراد بصواريخ مضادة للطائرات، في حال قرّرت أنقرة المضي قدماً، وتزويد المعارضة السورية بصواريخ مماثلة، سرت تكهنات بشأنها بعد إسقاط عدة طائرات للنظام فوق إدلب الشهر الماضي.

يبدو واضحاً أن العمليات العسكرية في إدلب، خلال هذه المرحلة على الأقل، قد بلغت غايتها، وحقق كل طرف منها أقصى ما يمكن، في حدود ما تسمح به موازين القوى على الأرض والظروف السياسية المحيطة، فالنظام السوري وحلفاؤه تمكّنوا من السيطرة على الطريق الدولية حماة – حلب والبلدات الكبرى على طولها. في المقابل، تمكّن الأتراك من استعادة مصداقيتهم التي تضرّرت كثيراً سنوات، بسبب ارتفاع مستوى الخطاب، وتواضع مستوى الأداء. كما تمكّنوا من رسم خطوط حمراء لما يمكن أن يقبلوا به في إدلب.

يعدّ بوتين أستاذاً في الانتهازية السياسية، وهو يدرك صعوبة الموقف التركي عموماً، بسبب وضع أردوغان داخلياً، وعلاقاته المعقّدة مع حلفائه في الغرب، وتبلور محور إقليمي في مواجهته، يضم دولاً عربية إلى جانب اليونان وقبرص الرومية وحتى إسرائيل، لكن بوتين يدرك أيضاً أن “الناتو” الممتنع عن دعم تركيا في إدلب سيكون مرغماً على التدخل إلى جانبها، في حال اتسع نطاق المواجهة، وطاولت أراضي تركية. ولهذا السبب، سيجنح هو الآخر نحو التهدئة.

احتمالات التوصّل إلى اتفاق في موسكو غداً يؤيّدها احتدام المعارك على الأرض، فمنذ الإعلان عن موعد القمة، يستميت الطرفان، الروسي والتركي، وحلفاؤهما من أجل السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية، لرسم حدود الهدنة بالنار قبل انعقاد القمة. ولا يعود السؤال، إذن، حول ما إذا كان اتفاقاً سيولد غداً في موسكو، بل عن ماهية هذا الاتفاق. تشير الخرائط التي يسرّبها الجانبان إلى أن غزة أخرى في طريقها إلى الظهور في الشمال السوري، حيث سيتم حشر ثلاثة ملايين سوري مع بضعة آلاف من المقاتلين في شريط صغير من الأرض بين الطريق الدولية والحدود التركية. أين إيران من هذا؟ هي تحاول الدخول على خط التطورات في الشمال السوري عبر دعوتها إلى قمة ثلاثية لإحياء مسار أستانة. ولكن من يرغب اليوم بقمّة في طهران، الموبوءة بكورونا، تلحقه بالرفيق الأعلى على نية إطفاء نار إدلب السورية؟

العربي الجديد

————————-

ماذا يجري في إدلب؟/ يزيد صايغ

التصعيد الدراماتيكي في المحافظة ربما يخفي في ثناياه تكتيكاً روسياً عالي المجازفة.

مع استمرار تصاعد وتيرة الأحداث في محافظة إدلب منذ مصرع 33 جندياً تركياً في 27 شباط/فبراير، يُواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خيارات في غاية الصعوبة، لا يخلو أي منها من المجازفة الكبرى.

لكن، ما يجب التطرق إليه أيضاً، وعلى القدر نفسه من الأهمية، هي الخيارات الاستراتيجية الروسية: هل تدعم موسكو هجوماً غير محدود لنظام الأسد، أم أنها في الواقع تستخدم الوضع على الأرض كأداة لاستيلاد سطوة أكبر على أنقرة؟ وإذا كان الأمر كذلك، ماذا تريد حقاً من تركيا؟ بكلمة: التصعيد دراماتيكي بالفعل، لكنه يبقى على الأرجح تكتيكاً تفاوضياً وإن عالي المجازفة، وقد ينبثق من رحمه تفاهم روسي- تركي جديد حول إدلب. بل وأبعد من إدلب.

الآن، إذا ما دققنا بالوضع العسكري على حدة، سنجد أن خفض التصعيد هو أفضل خيار لأردوغان. ويدل تصريحه في 1 آذار/مارس بتأييد حل سياسي على ذلك. ولكن، إذا تم ذلك من دون وقف لإطلاق النار، ستكون الحصيلة دفقاً هائلاً جديداً من اللاجئين السوريين من إدلب، الذين سيحاولون الدخول إلى الأراضي التركية. قد يكون البديل الوحيد لهذا السيل هو ترتيب وصول هؤلاء إلى مناطق سيطرت عليها تركيا إبّان عمليتي عفرين ودرع الفرات. بالطبع، هذا سيفاقم الأعباء على أنقرة التي توفّر معظم الخدمات والبنى التحتية في هذه المناطق، بيد أنه سيكون أفضل من دخول السوريين إلى الأراضي التركية، لأن ذلك يستثير أصلاً معارضة محلية ويقلّص الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان.

عكس الإعلان الرسمي التركي في 28 شباط/فبراير عن فتح الحدود أمام اللاجئين الساعين للوصول إلى أوروبا تلك الاعتبارات والمخاوف. بيد أن المحاولة هذه لتحويل الرأي العام التركي، وانتزاع المزيد من التمويل الأوروبي للمساعدة في تخفيف العبء المتنامي، وتحفيز رد دولي (وخاصة أوروبي) اكثر فعالية على أزمة إدلب تحمل أيضا في طياتها خطر زيادة التوترات بين تركيا وأوروبا دون تحسين وضع أردوغان داخليا.

الخيار المعاكس هو استعراض قوة التصميم التركي في داخل سورية. وهذا يعني، بكلمات أخرى، أنه يتعيّن على تركيا أن تُظهر الإرادة والعزم على الرد بالمثل على أي هجوم ضد قواتها في إدلب، بأمل أن يُثبط ذلك نظام الأسد عن شن المزيد من الهجمات. وقد قامت القوات التركية بالفعل بإطلاق حملة من هجمات المدفعية والطائرات بدون طيارين على قوات النظام، وزوّدت مجموعات المعارضة السورية المسلحة الحليفة لها بصواريخ أرض-جو التي تُطلق من الكتف والتي نجحت في إسقاط مروحيتين للنظام، عدا إسقاط الدفاعات التركية لطائرتين مقاتلتين للنظام في 1 آذار/مارس. كذلك، ليس ثمة ظل من الشك بأن أنقرة منخرطة أيضاً في العملية الناجحة التي نفّذتها قوات المعارضة لإعادة الاستيلاء على مدينة سراقب في 27 شباط/فبراير وعلى طيف من البلدات والقرى الأخرى فيما بعد. لكن، حتى لو أصاب هذا الاستعراض للقوة عين النجاح، لعله لن يخدم سوى لحماية القوات التركية في المحافظة. ولكن من المحتمل أن ذلك لن يكون كافياً لردع النظام عن مواصلة هجومه العام في إدلب وغربي حلب، كما ظهر من استعادته السيطرة على سراقب مرة أخرى بعد بضعة أيام.

على أن الدلائل الراهنة تشي بأن النظام السوري يتقصّد استهداف القوات التركية، ربما لأنه يشعر، أو يعرف، أنه يحظى بالحماية الروسية. وفي الواقع، كانت تقف روسيا حتماً وراء هذه المناورة رغم ما تحمل من مجازفة، على الأقل في البداية. وربما ذلك يفسّر شدة حملة “درع الربيع” العسكرية التركية، التي ما كانت ستكون مؤثرة لو بقيت محدودة. هنا، كان من المثير للانتباه أن روسيا لم تتورّط مباشرة في الهجمات على القوات التركية. بيد أن لجوء أنقرة إلى ردود فعل عسكرية أقوى قد يرفع وتيرة المخاطرة بوقوع مجابهة سياسية على الأقل، إن لم تكن عسكرية أيضاً، مع روسيا التي تمتلك بالطبع القدرة على الرد بالمثل. مثل هذه القدرة تشمل تمكين الهجمات على الجيب التركي في شمال شرق سورية، حيث ازدادت المناوشات مؤخرا بين “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا و”قوات سورية الديمقراطية” بقيادة فعلية كردية وحشد نظام الأسد قوات إضافية.

وتشمل كذلك إمكانية تزويد حزب العمال الكردستاني داخل تركيا بصواريخ أرض-جو المحمولة على الكتف، كما فعلت سابقاً حين زوّدت تركيا المعارضة السورية بأسلحة مماثلة في أيار/مايو 2016.

هذا، وسيترتب على تركيا دفع المزيد من القوات البرية إلى إدلب، إذا ما اختارت التصعيد على نحو أقوى. وهذا سيزيد من مخاطر تكبّد الخسائر والإصابات في صفوفها، وقد يحفّز أيضا الردود الروسية المباشرة. أو في مستطاع أنقرة دفع سلاح الجو التركي إلى المجال الجوي السوري فوق إدلب، لكن هذا غير ممكن من دون ضوء أخضر من موسكو، وهو أمر غير وراد.

إلى أين يقودنا كل هذا؟

من جهة، الحرب الشاملة غير مُحتملة للغاية، لأن الأكلاف وأيضاً الأضرار التي ستلحق بالعلاقات الاستراتيجية بين تركيا وروسيا ستكون فادحة، إلى درجة لا يستطيع معها أردوغان تحمّل مثل هذه المخاطرة. كما أن التصريحات الداعمة الصادرة عن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي والرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة غربيين آخرين، ليست كافية لحفز تركيا على التخلّي عن الاستثمار الذي وظفته لتطوير علاقاتها مع روسيا.

ومن جهة أخرى، لروسيا مصلحة في عدم خسارة كل الثمار التي قطفتها في علاقاتها مع تركيا، ولا في دفع أنقرة مجدداً إلى أحضان حلفائها الأطلسيين. وهذا الأمر قد يعطي أردوغان هامشاً للمناورة يسمح له بمواصلة الردود العسكرية التركية وتدفيع الأثمان لقوات الرئيس بشار الأسد (طالما لا تتدخل القوات الروسية مباشرة لوقف الهجمات التركية)، بغية إقناع روسيا بأن تركيا لن تتراجع. وهذا قد يحمل موسكو على كبح جماح النظام السوري. ويبدو أن هذه المقاربة باتت تعطي ثمارا، فبعد تشكيك موسكو بامكانية عقد لقاء مرتقب بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 5 آذار/مارس لمناقشة أزمة إدلب، عادت وأكدت أن اللقاء سيتم في موعده.

بيد أن كل ذلك مرهون بما تسعى إليه روسيا في إدلب. فسلاحها الجوي لعب دوراً رئيساً في دعم هجوم قوات النظام السوري في عام 2019، ما أدى إلى اتفاقية سوتشي لخفض التصعيد. والواقع أن معظم الضغط العسكري الحقيقي على تركيا آنذاك جاء من سلاح الجو الروسي، بدعم من مدفعية النظام مع تحركات محدودة للقوات البرية السورية. لكن حدث في بعض الأحيان اللاحقة أن روسيا امتنعت عن توفير الدعم الجوي لهجمات النظام في محافظة إدلب، ما أوحى بأنها لم تكن تسعى إلى انتزاع مكاسب استراتيجية أو سياسية معينة من أنقرة في تلك اللحظات.

ما اختلف الآن هو حجم الهجوم البرّي الذي شنّه النظام، بدعم من سلاحه الجوي، والذي حظي بدعم سياسي واستراتيجي روسي قوي. لكن موسكو لم تلعب هذه المرة الدور العسكري الرئيس. وفي الوقت ذاته، لم تحظر روسيا على القوات التركية استخدام المجال الجوي فوق محافظة إدلب، فسمحت لها ضمنا بإطلاق الهجمات المتواصلة للطائرات بدون طيارين على قوات النظام وبإخراج قاعدة النيرب الجوية العسكرية غرب حلب من الخدمة في 1 آذار/مارس.

لعل روسيا مستعدة الآن للقبول بأقل من أهدافها الأصلية في إدلب، علاما أنها ستسعى بالتأكيد لتثبيت مكاسب النظام مؤخرًا هناك. وسيكون هدف أول على الأرجح هو إعادة رسم خارطة الانتشار العسكري التركي في المحافظة، وتحديدًا سحب نقاط المراقبة التركية التي أقيمت بموجب اتفاق سوتشي في عام 2018 إلى ما وراء طريقي م4 و م5 السريعين.

بيد أن التركيز الدراماتيكي على إدلب قد يخفي في طياته استعدادا روسيا لتفاهمات جديدة مع تركيا تتعلّق بمناطق أخرى من سورية، وخاصة الحسكة ودير الزور. وبالفعل، فإن شدة التصعيد في إدلب- وتواصل الهجمات على قوات المراقبة التركية في إدلب وجرأة النظام في محاصرتها الواحدة تلو الأخرى- قد يميطان اللثام عن هدف استراتيجي أوسع. إذ يجب أن نتذكّر هنا أن روسيا ترعى محادثات بين نظام الأسد والأكراد، وربما هي تحاول تليين المقاومة التركية حيال أي صفقة قد تبرمها في دمشق، الأمر الذي قد يكون نذيراً بوضع حد للوجود العسكري التركي، وبتخلي أنقرة عن حلفائها في المعارضة السورية وعن المناطق المدنية الآمنة في الداخل السوري.

قد لا يحدث هذا الآن بل على مدى أطول، بيد أن الحريق الراهن المُحتدم في إدلب يوحي بأن ثمة أهدافاً استراتيجية أوسع قيد العمل.

*هذا المقال تحديث لمقال نشر في اللغة الانجليزية.

مركز كارنيغي للشرق الوسط

—————————-

هل تصبح إدلب السورية أفظع قصص القرن أم يتم الإنقاذ وتتحقق المعجزة؟/ بنتا شيلر

يقترب الوضع في محافظة إدلب من أن يصبح “أفظع قصة رعب في القرن الحادي والعشرين” بحسبما يرى منسق الأمم المتحدة للمساعدات الطارئة مارك لوكوك. فقد أجبر الهجوم العسكري الذي شنه النظام السوري وحلفاؤه أكثر من 900 ألف شخص على النزوح خلال شهرين فقط، في الوقت الذي يبقى فيه ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين شخص عالقين بلا مخرج في إدلب مقابل استمرار إغلاق تركيا حدودها في وجههم.

وأضاف لوكوك أن استمرار القوى الفاعلة في مجلس الأمن الدولي وضع مصالحها فوق الاعتبارات الإنسانية من شأنه أن يحول إدلب إلى “كومة من الركام تتناثر عليها أجساد الأطفال”.

يعيش في محافظة إدلب ما يصل إلى ثلاثة ملايين شخص، نصفهم ممن تم إجبارهم على النزوح من محافظات سورية أخرى سابقاً. وتفتقر مناطق الحدود مع تركيا للتجهيزات الإنسانية الضرورية، إذ لا تحتوي حتى على خيام من شأنها أن تخفف معاناة النازحين. وتواجه العديد من عائلات النازحة بهذه الصورة درجات حرارة منخفضة دون أن يكون لديها ما يقيها برودة الصقيع. وأصبحت صورة الطفلة الصغيرة ليلى ذات العام والنصف، التي تجمدت بين ذراعي والدها حتى الموت وهي في طريقها إلى المستشفى، رمزاً للأوضاع المزرية التي يكابدها المدنيون في إدلب.

الأسد ينتهك القانون الدولي

انتهك النظام السوري مرارًا وتكرارًا القانون الدولي، سواء أكان ذلك في ديسمبر / كانون الأول 2016 مع سقوط حلب الشرقية في قبضته، أو مع استعادته السيطرة على درعا، أو خلال الشهور التي صاحبت هجومه المريع على الغوطة؛ حيث انتهك النظام السوري حقوق الإنسان على نطاق واسع؛ كما هاجم مؤخراً النازحين في إدلب على طريق نزوحهم وفي مخيماتهم أيضاً، ما دفع الأمم المتحدة إلى التصريح بأنه لم تعد هناك أماكن آمنة لهم.

وإن كان بالإمكان سابقاً ترحيل معارضي النظام السوري من كل مناطق سوريا إلى إدلب، فلا يوجد الآن مكان آخر قد ينزح إليه هؤلاء من إدلب نفسها. ومن نجا من العمليات العسكرية فلن تكون فرص نجاته أفضل، حال استعاد النظام السوري سيطرته على إدلب، حيث سوف يعتقل ويستجوب ويضطهد ليس فقط المسلحين من معارضيه، وإنما المدنيين أيضاً، ممن عاشوا في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة؛ وهو ذعر يدفع سكان إدلب للتعلق بأي بارقة أمل متمنين حدوث معجزة قد تنقذهم مما هم فيه.

وتبقى الطريقة الوحيدة لتجنب وقوع الأسوأ في إدلب هي الاتفاق على عقد هدنة بين الأطراف المتحاربة. ونظرياً، يوجد اتفاق هدنة فعلاً في إدلب. فقد اتفقت كل من روسيا وتركيا وإيران في أيار/مايو 2017 على جعل منطقة إدلب واحدة من “مناطق خفض التصعيد” الأربع؛ ولكن ما بدا في البداية اقتراحاً مفيداً من شأنه تخفيف معاناة السكان المدنيين، سرعان ما ظهر أنه جزء من استراتيجية عسكرية سمحت للنظام السوري بتركيز قواته على كل جبهة بالتتالي، ما سهل عليه استعادة مناطق من المعارضة على التوالي.

بالنسبة لتركيا، تعد إدلب المنطقة الأكثر أهمية ضمن مناطق خفض التصعيد الأخرى، نظراً لقربها من الحدود التركية. وتعد أنقرة “المنطقة 1” [ تشمل محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة] بمثابة منطقة أمنية تفصلها عن النظام السوري، وتمنع تدفق المزيد من اللاجئين إلى الأراضي التركية. ورغم الاتفاق المذكور، فقد تجاوز النظام السوري العديد من مراكز المراقبة التي أقامتها تركيا على طول ما يسمى “خط سوتشي”، كما عدّل التموضع العسكري لقواته قرب هذه النقاط، وهي إجراءات اتضح معها سلفاً أن الأمر ليس إلا مسألة وقت قبل أن يقوم بهجومه على إدلب.

أنقرة تلعب بالنار

الإشكالية الكبرى بالنسبة لتركيا هي أن الهجوم العسكري في إدلب لا يُشن فقط من قبل النظام السوري وإنما من قبل روسيا أيضاً. فمن ناحية السياسة الخارجية، ابتعدت تركيا في السنوات الأخيرة عن الاتحاد الأوروبي، وكذلك عن حلف الناتو. وإذا ما ذهبنا أبعد من ذلك سنجد أن أنقرة لا يمكن أن تتوقع من القوى الغربية دعمها في حالة المواجهة مع روسيا، إذ اعتمدت الدول الغربية دائماً خيار التهدئة فيما يخص مسألة التدخل الروسي في سوريا.

وعلى الرغم من التعزيزات الهائلة التي أرسلها الجيش التركي مؤخراً إلى إدلب، يبقى من غير الواضح ما قد يحدث لقوات النظام السوري في إدلب بعد انتهاء مهلة إردوغان في نهاية شباط/فبراير 2020 [أعلنت تركيا الأحد 01 / 03 / 2020 إطلاق عملية “درع الربيع” العسكرية ضد النظام السوري في إدلب السورية وأنها لا تنوي مواجهة روسيا في سوريا].

وقد زادت تركيا من الضغط على الأسد من خلال تغيير طريقة مساعدتها للمعارضة السورية المسلحة، ومن ذلك على سبيل المثال ما وثقه المحلل جريجوري ووترز من تصاعد عدد قتلى النظام السوري في الأشهر القليلة الماضية، ما يشير إلى حصول الثوار على معلومات عسكرية أدق، كما تم إسقاط طائرتي هليكوبتر تابعتين للنظام السوري بواسطة مضادات طيران محمولة على الكتف لم يكن الثوار يمتلكونها من قبل. [الجيش التركي أسقط طائرتين حربيتين سوريتين على الأقل بمحافظة إدلب بعد إسقاط جيش النظام السوري طائرة مسيرة تركية الأحد 01 / 03 / 2020].

دعم بوتين الكامل للأسد

كان إسقاط طائرتين مروحيتين في الحقيقة كافٍ لردع نظام الأسد عن شن مزيد من الهجمات من هذا النوع، الأمر الذي يظهر مدى سهولة إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح في سوريا. لكن روسيا مصممة في الوقت الحاضر على تمهيد الطريق للنظام عبر تكثيف قصفها جواً. فمن خلال استهداف المستشفيات والمرافق الصحية يمنع الأسد وحلفاؤه الخدمات الصحية عن المرضى والجرحى في إدلب، ويدفع إلى تهجير مناطق بأكملها بمعدل لم يسبق له مثيل.

يعلق حايد حايد، الباحث في معهد تشاتام هاوس (Chatham House)، قائلاً: “لم يتبع النظام السوري خلال سيطرته على العديد من المناطق في الأيام القليلة الماضية استراتيجية تقوم على تحقيق مصالح ذات مغزى. فكل ما يفعله النظام أنه يغزو هذه المناطق لأنه يستطيع ذلك، حيث يسيطر بدون قتال على الأماكن المهجورة التي يفر منها الناس بسبب الغارات الجوية”.

ويرى حايد حايد أن الدعم الروسي غير المشروط للنظام قد طرأ عليه تغيير في التكتيكات، إذ سمحت روسيا سابقاً للنظام بالتقدم، ولكن بصورة محدودة للغاية، توجب عليه معها أن يتوقف دائماً. ولكن روسيا في الوقت الحالي تمهد الطريق للجيش السوري لاكتساب أكبر قدر ممكن من المساحات الجغرافية دون توقف. فكلما تصاعد الموقف بصورة مأساوية أكثر، حقق ذلك لروسيا وزناً أكبر في محادثات جنيف. ومن خلال الدعم الجوي الذي تقدمه للأسد، يمكن لروسيا أن تظهر للعالم مرة أخرى أنها مصممة على الذهاب إلى أقصى الحدود. 

ولروسيا مسألة تصب لصالحها في خضم هذا الصراع، تتمثل في عدم حاجتها لاستراتيجية شاملة في سوريا. وبالنظر للدعم الروسي الكامل للنظام السوري، يكفيها في الحد الأدنى تقديم بعض التنازلات الدبلوماسية. ولا يتوقع أحد من موسكو أن تجهد نفسها منفردة في رسم خطة للتهدئة في سوريا. وإذا ما كانت روسيا حرة في تقرير مدى مشاركتها في العمليات العسكرية في سوريا، وكان لبوتين القدرة على إمساك بخيوط اللعبة وإيصال الوضع إلى ما هو أسوأ، فإن الوضع بالنسبة لتركيا بوصفها دولة جوار يبدو مختلفاً تماماً.

صحيح أن الرئيس إردوغان قد صرح مرارًا وتكرارًا أنه سيتم استخدام اللاجئين من سوريا كأداة ضغط ضد أوروبا، إلا أن اللاجئين الجدد سيصلون إلى تركيا أولاً، ولن يتمكن سوى قسم بسيط منهم من العبور إلى أوروبا. يذكر حايد حايد: “يقوم خفر الحدود التركي بإطلاق النار يومياً على أشخاص يحاولون عبور الحدود، وهو أمر يندر ذكره في التقارير الإعلامية، حتى أن المنظمات السورية نادراً ما تشير إلى ذلك، لأن معظمها يتخذ من تركيا مقراً له”.

ويبقى تصاعد العنف في إدلب في نهاية المطاف نتيجة لتصاعد التوتر بين تركيا وروسيا. صحيح أن روسيا قد قدمت سابقاً بعض التنازلات لصالح تركيا، من ذلك أنها سهلت في منتصف كانون الثاني/يناير 2020 القرار الدولي بتمديد تقديم المساعدات عبر الحدود السورية-التركية فقط، بعد جلسات شاقة شهدها مجلس الأمن منعت خلالها تقديم المساعدات عبر الحدود العراقية والأردنية، إلا أن إردوغان صرح بعد ذلك بفترة وجيزة إنه سيرسل ميليشيات سورية إلى ليبيا، وهو البلد الذي تدعم فيه كل من روسيا وتركيا طرفاً معادياً للآخر.

استراتيجية تصعيد المعاناة لأقصى حد 

أما المدنيون في محافظة إدلب فهم الضحايا الحقيقيون الذين يجدون أنفسهم في وضع يائس في خضم صراع مصالح القوى المتصارعة في سوريا. وقد صرح الأسد في مناسبات عديدة أنه سيستعيد “كل شبر من الأرض السورية”، وهي تصريحات تشير بوضوح إلى أنه يريد الأرض بدون سكانها، ولتحقيق ذلك تنتهج قواته استراتيجية إحداث أكبر قدر ممكن من المعاناة، ما يكفل دفع سكان إدلب إلى النزوح، ويقود للتخلص من أكبر عدد ممكن من المتمردين المحتملين، ويردعهم عن التفكير بالعودة. وتقدم صور طوابير النازحين دليلاً على فعالية تطبيق هذه الاستراتيجية على أرض الواقع. فرغم الظروف المروعة في إدلب لا يفكر أحد من النازحين بالتوجه إلى مناطق النظام.

لقد قضم النظام فعلياً حوالي ثلث مساحة محافظة إدلب. ولو تصورنا إمكانية السماح لتركيا بتحويل جزء من إدلب إلى منطقة آمنة، فإن تغطية احتياجات هذه المنطقة يقتضي توفير الحد الأدنى من البنية التحتية المحلية، الأمر الذي سيتلاشى مع كل تقدم يحزره النظام.

دعم روسي مُطلَق للأسد: الطائرات الحربية السورية والروسية واصلت الضربات الجوية يوم السبت 29 / 02 / 2020 على مدينة سراقب الاستراتيجية في إدلب والتي مثلت بؤرة للقتال المتصاعد في الأيام السابقة بين دمشق ومقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا.

وبالنسبة للنظام السوري، فلا يهمه ما يحدث للبشر. لم يُحاسبه أحد سابقاً على أي جريمة من جرائمه، سواء أكانت استخدام الأسلحة الكيميائية أو إفناء آلاف القتلى تحت التعذيب. ومع الدعم الروسي لتقدمه في إدلب فمن الواضح أن الأسد ليس لديه ما يخشاه هذه المرة أيضاً. فسقوط مئات الآلاف من القتلى لا يخيف الأسد وحلفائه، لا سيما وأن التوقيت مثالي! إذ سئم الرأي العام من الحرب السورية وتعب من متابعة الأخبار المزعجة القادمة منها، ولطالما أظهر السياسيون مقداراً ضئيلاً من الرغبة في مقارعة عناد الطغاة.

وتقدم الفظائع الراهنة فكرة عما ينتظر سكان إدلب حال انتصرت قوات الأسد، وهو أمر سيتطلب من أوروبا حينها التدخل على أقل تقدير. وإن لم تتمكن الأمم المتحدة والدول الأوروبية من حماية المدنيين في سوريا ، فإن النتيجة المنطقية الوحيدة التالية هي تمكينهم من الفرار إلى بر الأمان. ومع ذلك، لم تُبدِ أي دولة حتى الآن استعدادها قبول لاجئين جدد من سوريا. والحكومات الأوروبية المترددة في معارضة سياسات روسيا العدوانية في المنطقة يتم ترهيبها من قبل الحركات اليمينية المناهضة للاجئين لدرجة أن هذه الحكومات لا تملك الشجاعة للقيام بمبادرات إنسانية كبيرة، وهو الأمر الضروري الذي ما تزال تباطئ في تنفيذه.

بنتا شيلر

ترجمة: حسام الحسون

 حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 بنتا شيلر: باحثة ألمانية في العلوم السياسة. تولت منصب رئيس وحدة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة هاينريش بول في سبتمبر 2019. رئيسة مكتب مؤسسة هاينريش بول في بيروت 2012-2019. كما تولت المنصب نفسه في أفغانستان سابقاً. صدر لها في عام 2013 كتاب “حكمة لعبة الانتظار السورية: السياسة الخارجية تحت حكم الأسدين الأب والابن”.

————————-

المدنيون السوريون ورقة لعب/ علي العبدالله

قاد تحول الصراع بين قوى الثورة السورية والنظام إلى صراعٍ على سورية، في ضوء انخراط دول ومليشيات ومنظمات جهادية كثيرة فيه، إلى تحوّل المدنيين السوريين إلى “ورقة” لعب للقوى الإقليمية والدولية، حيث باتت هذه القوى تستخدمهم على وجهين، “ذريعة” للتحرك في المشهد السوري وتفاصيله الدقيقة، و”وسيلة” للضغط على الأعداء والخصوم الإقليميين والدوليين، وتسجيل نقاط سياسية وميدانية تخدم مصالحها الوطنية. وقد تجسّد جديد هذه الاستخدامات في فتح السلطات التركية الطرق أمام الراغبين من اللاجئين السوريين في الهجرة إلى الدول الأوروبية، للضغط على هذه الدول في موضوعين: دفعها إلى التحرك ضد التنمر الروسي عليها، والمساهمة في كلفة توطين اللاجئين السوريين لديها على الأراضي السورية، عبر تشييد مساكن وبنية تحتية وخدمية هناك.

لم تكتف السلطات التركية بفتح الطرق وتسهيل حركة الراغبين بالهجرة، بل وحملت مئات السوريين المحتجزين لديها على خلفية عدم حصولهم على وثيقة إقامة مؤقتة (كيملك) في منطقة إسطنبول، وألقت بهم على الحدود التركية اليونانية، ومنعت من وصلوا من اللاجئين إلى الحدود اليونانية والبلغارية من العودة، بعدما منعهم حرس الحدود اليوناني والبلغاري من العبور إلى أراضي الدولتين. كانت قبلها قد استخدمت المدنيين السوريين النازحين من حلب وحمص ودرعا وغوطة دمشق لإغراق منطقة عفرين بهم، باعتبارهم عربا، وتغيير التركيبة السكانية ذات الأغلبية الكردية، وأعادت مئات الآلاف من اللاجئين لديها إلى منطقة درع الفرات، مثلث جرابلس الباب أعزاز، وعبّرت عن رغبتها بنقل مليون منهم إلى شرق الفرات، إلى المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض، للسبب نفسه: تغيير التركيبة السكانية لإنهاء حجج الكرد السوريين ومطالبتهم بالاعتراف بهم قوميةً، والإقرار بالحقوق المترتبة على ذلك.

بدأت مأساة المدنيين السوريين مع بداية ثورة الحرية والكرامة باستهداف أجهزة مخابرات النظام وشبّيحته لهم، منذ اللحظة الأولى لانطلاق التظاهرات الشعبية المنادية بالإصلاح في 18 مارس/ آذار 2011 بالضرب والإهانة والاعتقال التعسفي والقتل بدم بارد، والقصف العشوائي بكل صنوف الأسلحة لدفعهم إلى التراجع عن تأييد الثورة وإغراقهم بمآس متنوعة من الهموم اليومية والمشكلات الطارئة، فضل الملايين النزوح والهجرة على البقاء تحت سيطرة النظام، مرورا باعتماد سياسة التجويع والتركيع بمحاصرة الأحياء والبلدات والقرى الواقعة تحت سيطرة فصائل معارضة مسلحة بقطع كل أسباب الحياة عنها، وصولا إلى الترحيل الممنهج بعد السيطرة على هذه البلدات والأحياء وفرض خيارات قاسية على المقاتلين: المصالحة والالتحاق بقوات النظام أو الرحيل إلى الشمال السوري، حيث تسيطر فصائل المعارضة المسلحة، وتعفيش بيوت هذه البلدات والأحياء وتركها هياكل عظمية نافرة، وإصدار قوانين وقرارات تعقّد فرص إثبات الملكية لمنع عودة اللاجئين إلى وطنهم واسترجاع أملاكهم.

لقد تبنّى النظام سياسة الترحيل والهجرة، لتحويل النازحين واللاجئين إلى عبء على المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة المعارضة، لإرباكها تحت ثقل احتياجات النازحين، من جهة، والدول المجاورة لابتزازها ودفعها إلى التفاهم معه على التعاطي مع مشكلة اللاجئين وشروط عودتهم، ما يعني الاعتراف به، وتطبيع العلاقات معه، من جهة ثانية.

اتفقت سياسة النظام مع التوجه الإيراني الساعي إلى تفكيك الاجتماع السوري، وقطع عرى العلاقات الاجتماعية بين المواطنين، تمهيدا لإقامة جدران وفواصل بينهم وتفريغ مناطق من سكانها، ما يسمح بتغيير التركيبة السكانية للمدن والبلدات وتوطين وافدين من المليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية، وزرعهم قوى مقاتلة بين خطوط الأعداء والخصوم وخلفها، كنوع من أحصنة طروادة، وترهيب الأغلبية السنية بتجمعاتٍ شيعيةٍ مدرّبة ومسلحة، في إطار استراتيجيتها القائمة على منع توطيد نظام شعبي، له قاعدة عريضة من خلال استهداف القدرات المؤسسية للدولة، لضرب تماسك الدولة، وتحويلها إلى دولة ضعيفة تابعة، بعد تمزيق المجتمع وخلخلة استقراره. وقد قام حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية بالعمل القذر، قتل وتدمير وطرد، لترهيب السكان، ودفعهم إلى النزوح واللجوء.

لم تكن روسيا بعيدةً عن هذه الممارسة الوحشية، القتل والتدمير والضغط من أجل الدفع نحو النزوح واللجوء، مع فارق في الأهداف، حيث سعت عبر دفع المدنيين السوريين إلى الهجرة واللجوء إلى دول أوروبية، والتحريض، في الوقت نفسه، ضدهم هناك بادّعاءات الإرهاب والأصولية الجهادية والتخلف الاجتماعي لتخويف المجتمعات المستقبلة، وإشاعة حالة قلق وتوتر اجتماعي وسياسي، وتزويد الأحزاب اليمينية والعنصرية بذخيرةٍ قويةٍ لمعركتها السياسية، بحيث تضطر بعده سلطات هذه الدول للبحث عن مخرج، والدخول في تفاهمات مع القوة النافذة على الأرض السورية، والمتحكمة بالقرار السوري: روسيا.

استخدمت روسيا ورقة المدنيين السوريين في سياق استراتيجيتها القائمة على دعم سيطرة الحكومة المركزية والأنظمة الاستبدادية في الدول التي تفتقر إلى سيادة القانون وإلى المؤسسات الديمقراطية، ويشيع فيها الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، أنظمة شبيهة بالنظام الروسي، لتحقيق أهداف محدّدة، في توقيت محدّد، كانت بدايته تأمين اعتراف أوروبي بشرعية دورها في سورية، وتاليا الإقرار بإمساكها الملف السوري، ومباركة خيارها في حله عبر تكريس النظام، مع إجراء تحسيناتٍ شكليةٍ عليه، بما في ذلك إشراك شخصياتٍ معارضةٍ في الحكومة. ودعت، بعد نجاحها في ضرب فصائل المعارضة المسلحة، وسيطرة النظام على مساحاتٍ واسعةٍ من الأرض، والاتفاق مع تركيا وإيران على خطواتٍ إجرائيةٍ في سياق مسار أستانة ومخرجات مؤتمر سوتشي للحوار السوري، إلى تسهيل عودة اللاجئين، عبر تمويل أوروبي لإعادة الإعمار، لتوفير ظروف مناسبة لعودتهم. كما استخدمت ملف المدنيين للتشهير بخصومها، مثل الحملة الإعلامية التي شنتها على الولايات المتحدة، بتهمة محاصرة النازحين في مخيم الركبان، ومنعهم من مغادرة المخيم؛ ونهب الفصائل العاملة مع القوات الأميركية في محيط قاعدة التنف للمساعدات الإنسانية المرسلة إليهم، وعرقلتها عمل لجنة التحقيق الأممية في استخدام الأسلحة الكيماوية، وتحديد الفاعل لحماية النظام، ورفضها تمديد قرار مجلس الأمن رقم 2449 لإدخال المساعدات الإنسانية من خمسة معابر، وتقليصها إلى ثلاثة، وتخفيض مدة التفويض إلى ستة أشهر بدلا من سنة، مدخلا لتطبيع علاقات الدول المطالبة بحماية المدنيين مع النظام السوري.

حتى الولايات المتحدة التي ابتعدت عن الانخراط المباشر في الصراع على سورية باعتماد سياسة “القيادة من الخلف” لم تتعفف عن توظيف ملف المدنيين لتحقيق مكاسب آنية وطويلة في سورية، إنْ لجهة الضغط على النظام، لدفعه إلى التخلي عن برنامجه الكيماوي، أو لعرقلة التوجه الروسي والإيراني فيها، بتحويل حماية المدنيين إلى شرط من شروط رفع العقوبات عن النظام السوري، لإجباره “على وقف إجرامه بحق المدنيين”، و”عودة آمنة وكريمة للسوريين إلى منازلهم”، كما ورد في قانون قيصر، علما أن القسم الرئيس من العقوبات المفروضة في هذا القانون يلحق ضررا كبيرا بالمدنيين، ويجعل حياتهم أكثر صعوبة وبؤسا. موقف يتناقض مع موقفها المباشر من وضع المدنيين في شرق الفرات، ومباركتها استئثار قوات سورية الديمقراطية (قسد) بعوائد النفط والغاز، وعدم استغلاله في توفير خدمات لأهالي المنطقة، وتحيّزها ضد عرب المنطقة، وغضها النظر عن ممارسات الأخيرة القمعية ضدهم وإجبارهم على الخدمة الإلزامية في صفوفها تحت مسمّى الدفاع الذاتي.

ليس بعيدا عن هذه الاستخدامات لـ”ورقة” المدنيين ما قامت به فصائل معارضة مسلحة لتمويل مقاتليها وأسرهم، كما فعل “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” في الغوطة الشرقية، عبر احتكار توزيع الإعانات الإنسانية، والاتجار بالمواد الغذائية المهرّبة إلى البلدات المحاصرة عبر أنفاقٍ تصل الغوطة الشرقية بالقابون، وبيعها بأسعار فلكية، أو ما فعلته “جبهة النصرة لأهل الشام” في محافظة دير الزور وعدم اكتفائها بنهب النفط والغاز وبيعه، بل وزادت على ذلك بفرض إتاوات وضرائب وزكاة على المواطنين، وهو ما فعلته نسختها المحدثة، “هيئة تحرير الشام”، في محافظة إدلب، وما فعله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، من الاستحواذ على الممتلكات العامة والخاصة وفرض الزكاة والضرائب على المدنيين في المناطق التي سيطر عليها في محافظتي الرقة ودير الزور، وما فعلته “قسد” من تهجير لسكان قرى عربية، وتدميرها لمنع سكانها من العودة إليها، والاستحواذ على نفط شرق الفرات وغازه وفرض التجنيد الإلزامي على المدنيين، من دون اعتبار لموقفهم من مشروعها السياسي والاجتماعي، وما فعله “أحرار الشرقية” و”لواء الحمزة” و”الجيش الوطني”.. إلخ. بسكان منطقة عفرين، طرد ونهب أملاك وفرض إتاوات وضرائب على المحاصيل الزراعية، وكرّروه في رأس العين وتل أبيض.

لقد تحوّل حلم المدنيين السوريين بدولة حق وعدالة وسيادة قانون إلى كابوس طويل، يحتاجون إلى جهد كبير للتخلص من تبعاته، والعودة إلى حياة إنسانية حرّة وكريمة.

العربي الجديد

————————–

بوتين وأردوغان يلعبان بالنار/ عائشة كربات

أنا أخاطب روسيا وإيران؛ ليس لدينا أي مشكلة معكم”، هكذا قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرغم من أن ما لا يقل عن 55 من الجنود الأتراك قد قتلوا على يد نظام الأسد المدعوم من روسيا في الشهر الماضي في إدلب، في حين قتلت الجماعات المدعومة من تركيا بعض الحلفاء المهمين لإيران هناك.

كانت كلمته التي تتضمن حجة أن الهدف الوحيد لأنقرة هو حل الأزمة الإنسانية على حدودها، تهدف إلى التخفيف على الشعب التركي الذي ينفجر غضبه على اللاجئين السوريين. كان هؤلاء الأشخاص يحاولون المرور إلى أوروبا بعد أن قررت تركيا عدم منعهم من القيام بذلك إثر خطاب لأردوغان قال فيه إنه إذا اعتقد الأوروبيون أن بلاده “ستواصل تغذية” اللاجئين فسيكونون مخطئين. وأضاف أن التطورات المتوقعة ستظهر من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء.

التصعيد الأخير ليس الأول الذي يواجهه الروس والأتراك ويسفر عن مقتل جنود، ولكنه الأخطر بينهم، ورافقه تبادل للهجمات هو الأول بين تركيا والنظام السوري منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا.

في الحالات السابقة، التقى أردوغان وبوتين شخصياً وحلّوا قضايا مثل “الإخوة الكبار” في المنطقة. ومع ذلك، هذه المرة يتصرفون مثل المراهقين الذين يضعون الخناجر في عيون بعضهم البعض بينما يتنافسون على من سوف يسحب يده من النار أولاً.

لكن لا يزال لدينا أسباب للاعتقاد بأنه عندما يجتمعان في 5 آذار/مارس في موسكو، قد ينجحان في إبرام صفقة إذا غيّرا مزاجهما إلى “الإخوة الكبار”. ولكن في الوقت الحالي، يحاولان كسب أوراق القوة ضد بعضهم البعض.

في الميدان، سارع الروس إلى إعلان أنهم سينشرون شرطة عسكرية في بلدة سراقب السورية، وهو أمر مهم للغاية لكل من النظام والمعارضة بسبب موقعها الحاسم على الطريقين السريعين “إم4″ و”إم5” اللذين يربطان حلب باللاذقية ودمشق. جاء تحركهم المتسرع بعد الخسائر الفادحة للنظام بسبب غارات الطائرات التركية بدون طيار.

على المستوى الدبلوماسي، يزور مبعوث الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة كيلي كرافت والممثل الخاص لسوريا جيمس جيفري أنقرة، قبل الاجتماع الحاسم لبوتين وأردوغان في موسكو. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تشعر بالضيق من احتمال تدفق اللاجئين الجديد، حثّت على وقف إطلاق النار ومنطقة آمنة على الحدود السورية مع تركيا، تماماً كما تريد أنقرة.

كما أن روسيا لا تريد تصعيداً عسكرياً كبيراً في إدلب، لأنه لن يؤدي إلا إلى زيادة تدفق اللاجئين، وبالتالي، سيزيد الضغط الدولي على دمشق وموسكو. مثل هذا التصعيد يعارض أيضاً خطة موسكو ورغباتها في إعادة أنقرة ودمشق للانخراط بمحادثات، وليس زيادة القتال بينهما. علاوة على ذلك، قدّم الروس صيغة أستانة كبديل لمفاوضات السلام الدولية في جنيف وبهذه الطريقة تمكنوا من ترك الآخرين خارج الصورة ويريدون الحفاظ على ذلك. لكن عليها أن تبقي أنقرة في عملية أستانة.

تركيا التي تعاني بالفعل من بعض المشكلات الاقتصادية ليست على استعداد لإنفاق المزيد من الأموال والجنود للقيام بعملية عسكرية جديدة. كما أن لديها أسباباً للامتناع عن المشاكل الأخرى في ليبيا المرتبطة مباشرة بالوضع في سوريا الآن، بسبب المصالح المتضاربة مع موسكو هناك أيضاً. الأهم من ذلك كله، أن أنقرة ترغب بشدة بالاحتفاظ بالسيطرة على أراضي غصن الزيتون ودرع الفرات، التي تم الاستيلاء عليها بعد العمليات العسكرية ومنع إقامة جيب كردي محتمل هناك. تعتقد أنقرة أن هذه مصلحة حيوية وأن مغامرة في إدلب قد تعرض الوجود التركي في هذه المناطق للخطر.

حسناً، باختصار، لا يحتاج كلا الجانبين إلى تصعيد الموقف أكثر، بل التوصل إلى اتفاق.

مثل هذه الصفقة ستستند بلا شك إلى الوضع الجديد للطرق السريعة “إم4” “وإم5″؛ لن يكون مفاجئاً إذا عرضت موسكو على تركيا تسيير دوريات مشتركة في سراقب والطرق السريعة، كالدوريات المشتركة في الجزء الغربي من الفرات. نعلم أيضاً أن الروس في الوقت الحالي لا يريدون السيطرة على إدلب بالكامل وعرضوا على تركيا مؤخراً منطقة آمنة ولكن بعمق 5 كيلومترات فقط. كان رفض هذا العرض بداية التصعيد، لكن هذه المرة قد تزيد موسكو اقتراحها إلى أكثر من 5 كيلومترات.

ومع ذلك، إذا تم التوصل إلى مثل هذه الصفقة، فمن المؤكد أنها ستكون صفقة مؤقتة لأن النظام يريد السيطرة الكاملة على البلاد. لكن الأهم من ذلك، أن مثل هذه الصفقة تحتاج إلى أن يتصرف “الأخوة الكبار”، وليس المراهقين الذين يستخدمون اللاجئين والجنود الفقراء كخشب للنار التي يلعبون بها.

المدن

————————–

إدلب تدفن “أستانة”/ بسام مقداد

قبل يومين من لقاء الرئيسين الروسي والتركي في موسكو “لمناقشة قضية التسوية السورية ، مع الأخذ بالإعتبار التأزم الحالي للوضع في إدلب” ، تذكر السفير الإيراني في موسكو كاظم جلالي منصة أستانة “الناجحة”. ونقلت عنه وكالة نوفوستي قوله في لقائه مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الإتحاد كونستانتين كوساتش ، بأن منصة أستانة ناجحة جداً ، “وعلينا أن نكون أوفياء لها ونواصل تعاوننا ، بشأن سوريا” . وأعرب السفير عن تخوفه على مصير أستانة من الأعداء الكثيرين ، الذين لا يعجبهم هذا المستوى من التعاون بين أطرافها ، و”علينا ان نكون يقظين” . وأعلن السفير الإيراني في اللقاء عينه ، أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قد وجه الدعوة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد قمة لمنصة أستانة في طهران ، دون أن يتطرق إلى موعد عقد مثل هذه القمة .

وتأتي دعوة روحاني إلى عقد قمة دورية لترويكا استانة في طهران ، بعد اقتراحه عقد لقاء ثلاثي ، يجمع سوريا وتركيا وإيران ، استثنيت منه روسيا ، التي لم تكلف نفسها عناء التعليق على الإقتراح الإيراني هذا . وتنقل نوفوستي عن الناطق باسم الخارجية الإيرانية عباس الموسوي تأكيده ، بأن عملية أستانة بشأن التسوية السورية بمشاركة موسكو وأنقرة وطهران تبقى المنصة الرئيسية في هذه التسوية .

قلق المسؤولين الإيرانيين على مصير منصة أستانة ، كان قد استبقه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريح نقلته عنه نوفوستي ، تحدث فيه عن تأثير الوضع في إدلب على هذه المنصة . وقال لافروف ، بأنه لا يعتقد بأن ثمة مشاكل لا يمكن تجاوزها بالنسبة لمنصة أستانة . وعبر عن قناعته ، بأنه لو ركز عسكريو البلدان الثلاثة وديبلوماسيوهم ومسؤولو الأجهزة الأمنية اهتمامهم على الإتفاقات الأساسية بشأن إدلب ، لكان بوسعهم ترجمة هذه الإتفاقات إلى أعمال ملموسة .

وكانت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في المنظمة الدولية قد طالبت ، أواخر الشهر المنصرم، بالتخلي عن منصة أستانة ، واعتبرت أن هذه الأداة للتسوية في سوريا ليست فعالة ، وقالت أنها قد انهارت ولم يعد من الممكن إحياؤها . وأشارت إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح بان تستخدم هذه المنصة بعد الآن لوضع إتفاقية جديدة حول الهدنة في إدلب . وقد أثار إعلان المندوبة الأميركية هذا حفيظة المندوب الروسي الدائم في المنظمة الدولية ، ورد عليها بالقول ، بأن منصة أستانة لا تزال مطلوبة ، على الرغم من محاولات البلدان الغربية إستغلال الوضع في إدلب لبث الخلاف بين موسكو وأنقرة . وقال بأن خفض التصعيد في إدلب لا يمكن تحقيقه سوى بالحوار بين موسكو وأنقرة ، وأشار إلى محاولات لزرع الشكوك بين البلدين ، والقول بأن “أستانة قد ماتت” ، وقال بأنه يريد أن يخيب آمال هؤلاء بالقول لهم “لا تتعجلوا في دفنها” ، على ما نقلت الصحيفة الرسمية للحكومة الروسية “RG” .

لاشك بأن كلام الأميركيين حول موت منصة أستانة قد أثار حفيظة المسؤولين الروس والإيرانيين ، وجعلهم يتذكرون منصتهم ، التي قذفوها في حينه بوجه منصة جنيف ، وأعلنوا استفرادهم بالشعب السوري واحتكارهم أمر مقتلته . إلا أن للإيرانيين أسبابهم الأخرى ، التي أشار إليها اقتراح اللقاء الثلاثي بين إيران وتركيا وسوريا ، واستثناء روسيا منه ، مايشير إلى امتعاض إيران من التفرد الروسي بمحاولة التسوية في إدلب ، واستبعاد إيران عنها ، على الرغم من مشاركتها النشطة مع الميليشيات التابعة لها في المعركة . ومن الواضح ، أنه مع تطور الصراع في سوريا ، تتزايد الصعوبات ، التي تواجهها موسكو للمحافظة على تفاهماتها مع شركائها في أستانة .

وتجدر الإشارة إلى أن اللقاء الروسي التركي المرتقب في موسكو ، والذي أثار غضب إيران وجعلها تتذكر منصة أستانة ، كان قد نعاه قبل أن ينطلق في 5 من الشهر الجاري نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيراموتوف ، حين قال بأن لا وجود حتى الآن لحل بشأن إدلب يلائم جميع الأطراف ، كما نقلت عنه نوفوستي الثلاثاء في 3 من الشهر الجاري . 

في 26 من الشهر المنصرم ، كتب المؤرخ وكبير الباحثين في معهد الإقتصاد الدولي والسياسة العالمية ستانسلاف إيفانوف مقالة في صحيفة “NG” الروسية ، أشار فيها إلى صعوبات روسيا المتزايدة مع الإيرانيين والأتراك ، الذين يحولون شعار محاربة الإرهاب إلى ستارة يغطون بها أعمالهم في سوريا . وكما كان متوقعاً ، بعد القضاء على القوى الأساسية للإرهاب الدولي المتمثلة في “الدولة الإسلامية” ، لم تتوقف الحرب الأهلية في سوريا ، بل هي تتخذ طابعاً أكثر شراسة . ويستمر جميع المشاركين في الصراع السوري المسلح ، بممارسة ما درجوا عليه في تبرير أعمالهم الحربية في هذا البلد بضرورة محاربة الإرهاب ، الذي يفسره كل منهم على هواه .

ويقول إيفانوف أن الأسد ومموليه الإيرانيون كانوا سلبيين كلياً في الصراع  مع مقاتلي “الدولة افسلامية” ، حتى أنهم كانوا يشترون منهم ، عبر وسطاء، المشتقات النفطية والمواد الغذائية وسواها من السلع. واحتاج الأمر إلى جهود 65 دولة أجنبية للقضاء على قوات “الخلافة الإسلامية” . وينسبون اليوم في دمشق إلى الإرهابيين كل أولئك ، الذين يقاومون القوات الحكومية ، أو يسيطرون على مناطق لايسمحون بدخولها لقوات دمشق ومؤسساتها الإدارية . صحيح أن بين مناهضي الأسد مازالت هناك فصائل إسلامية راديكالية ، مثل “هيئة تحرير الشام” ، لكن ، وخلافاً لمقاتلي “الدولة الإسلامية” ، هؤلاء الجهاديون هم ابناء سوريا ، ولا يسعون لإنشاء خلافة إسلامية ، إلا أن دمشق وحلفاءها يعتبرونهم إرهابيين . لكن هذا الأمر لا يمنع السلطات التركية وعدداً من الممولين الأجانب من تقديم الدعم العسكري وسواه من المساعدات لهؤلاء ، وهو ما تعتبره دمشق دعماً للإرهاب ، وتصف أعمال تركيا في الشمال السوري ، بأنه إرهاب دولة.

أما القيادة التركية ، فيقول إيفانوف ، بأنها قد تعاونت لمدة طويلة مع “الدولة الإسلامية” والفصائل المشابهة لها ، وهي الآن تعتبر نظام الأسد والمقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا إرهابيين . ويتهم إردوغان الأسد مباشرة في قتل مليون شخص ، ويصمه بإرهابي الدولة بسبب استخدامه الطيران والأسلحة الثقيلة ضد السكان المدنيين . وترى أنقرة أن الأكراد السوريين وثيقو الصلة بحزب العمال الكردستاني التركي ، وتعتبرهم إرهابيين يشكلون تهديداً للأمن القومي التركي .

ويذكر إيفانوف بأن الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من الدول الأخرى ، يعتبرون فيلق حرس الثورة الإسلامية الإيراني وحزب الله اللبناني وسواه من المرتزقة الشيعة ، الذين يقاتلون في سوريا ، إرهابيين .

وهكذا ، يقول إيفانوف بإن جميع الأطراف المتصارعين في سوريا يعتبرون بعضهم بعضا إرهابيين ، ويدعون إلى مواصلة الصراع المسلح في ما بينهم حتى النصر المبين ، الذي يراه كل على طريقته . وتحت حجة الحرب على الإرهاب تندلع دورة جديدة من المأساة الدموية في سوريا ، التي يبدو أنها ستستمر “حتى آخر سوري”، وتتوضح خلالها الأهداف الحقيقية “لكواسر المنطقة” إيران وتركيا ، والمتمثلة في السلطة والأرض وموارد سوريا. ويرى الرجل أن الصعوبات تتزايد في وجه محاولة روسيا لعب دور الوسيط في تسوية الأزمة السورية في ظل تفاقم التناقضات بين شركاء عملية أستانة السلمية ، مما يعني ، بكلام آخر ، أن “أستانة” مرشحة أن تُدفن تحت ركام إدلب وسائر المناطق السورية.

المدن

—————————-

روسيا وتركيا وفخ إدلب/ فيتالي نعومكين

من الصعب للغاية الكتابة عن إدلب في هذه الأيام، ذلك لأن تطور الوضع «على الأرض» يمكن أن يسبق أي أفكار، وربما إلى حين نشر هذه المقالة ستجري أحداث لم يكن بالإمكان التنبؤ بها حتى في أشجع التوقعات.

الوضع متوتر للغاية لدرجة يمكن فيها أن يضع المنطقة على شفا حرب شاملة. وكما هو معروف، فإنَّ الصدامات التي أثارتها هجمات المسلحين، بين القوات التركية الموجودة على الأراضي السورية والجيش السوري، الذي وضعت أمامه مهمة إعادة إدلب إلى سيطرة دمشق، أدت إلى سقوط ضحايا. لقد تمكن الآلاف من الإرهابيين من الذين تمترسوا في إدلب من نصب فخ وقعت فيه قوى عالمية وإقليمية كانت قد انضمت إلى الصراع من أجل إطاحة «نظام بشار الأسد».

أصبحت أنقرة اليوم، كما يستنتج كثير من المحللين الأتراك، وعلى سبيل المثال متين غورشان، في حالة حرب تقليدية مع دمشق، وإن كانت غير معلنة. في حال تصاعد المواجهة السورية – التركية، كما أخبرني أحد المحللين الغربيين، قد يضطر العديد من الحكام العرب إلى اتخاذ خيار صعب: إما لصالح دمشق والتضامن العربي مع ضحية التدخل الأجنبي، أو لصالح أنقرة والمعارضة السورية المسلحة التي تدعمها.

على هذه الخلفية، ساءت العلاقات الروسية – التركية واشتدت لهجة الجدل بين السياسيين (بمن فيهم الرئيس نفسه) والخبراء الأتراك من ناحية؛ والسياسيين والخبراء الروس من ناحية أخرى. تؤكد روسيا أن قواتها الجوية الفضائية لا تحمي سلامة أراضي سوريا وسيادتها فحسب؛ بل وتحارب الإرهاب أيضاً، معتمدة على تعاون شركائها الذين تعهدوا بالتزاماتهم في هذا الإطار، لكن تركيا، التي يستمر النظر إليها اليوم على أنها شريك، لا تفي بالتزاماتها بموجب اتفاقيات سوتشي.

إردوغان اقترح على بوتين ترك تركيا «وجهاً لوجه» مع السلطات السورية، وعدم التدخل في المواجهة بين أنقرة ودمشق. في هذا الصدد، أشار ديمتري نوفيكوف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما (النواب) الروسي، رداً على هذا الاقتراح، إلى أن السلطات التركية لا تملك أي صلاحيات لتحديد مصير سوريا، وإنما تدّعي حقها في احتكار التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة. حتى إن النائب الأول للجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي (مجلس الشيوخ) فلاديمير جباروف، بدوره، عبّر عن رأي مفاده بأن كلمات إردوغان جاءت عن غضب بسبب حالته الانفعالية. في الواقع، إذا تم أخذ هذه الكلمات على محمل الجد، فإن هذا يعني أن أنقرة لا تهدف إلى مكافحة الإرهاب، وإنما إلى محاربة نظام الأسد. بالمناسبة؛ إردوغان لا يخفي أن مثل هذا الهدف قد تم وضعه حقاً، وهو ما أكده ممثلون أتراك مطلعون. المعلق السياسي التركي الشهير فكرت بيلا صرح مؤخراً بأن الأهداف الرئيسية لتركيا في سوريا «هي بالتحديد إطاحة نظام الأسد وتوفير مكان للإسلاميين المتطرفين في البلاد». ليس من قبيل الصدفة، ورداً على اتهامات بعدم شرعية الوجود العسكري لتركيا في أراضي الدولة العربية، قال إردوغان، في اجتماع مع المشرّعين، إن القوات التركية «دخلت سوريا بدعوة من الشعب السوري وليس بدعوة من الأسد»، وبالتالي لن تغادرها قبل أن يطلب منها الشعب ذلك. يرى بعض المحللين العرب، بمن فيهم المعارضون لدمشق، أن في هذا نية مبطنة لضم جزء من الأراضي السورية أو على أي حال الاحتفاظ به لفترة طويلة جداً.

واضح أن درجة حرارة الخطاب ترتفع أحياناً وتنخفض أحياناً أخرى. من المميز؛ ورغم حدة الخلافات مع موسكو وطهران، أن إردوغان لا يزال مستمراً في الحديث عن الحاجة إلى مواصلة التعاون الثلاثي في إطار «عملية آستانة». وهذا ما يدور الحديث عنه في موسكو أيضاً، حيث لا يولون أهمية كبيرة للتهديدات التي يطلقها بعض السياسيين الأتراك. لا يوجد أحد هنا يرغب في أن تتدهور العلاقات مع أنقرة. لكن الخبير العسكري التركي مسعود حكي، أعلن أن تركيا مستعدة لإعلان الحرب على روسيا، وأن الـ25 مليون مسلم الذين يعيشون في روسيا سيمزقون البلاد من الداخل عند أول دعوة. هل من الممكن أن تكون مثل هذه التهديدات حقيقية في علاقات الأتراك مع الدولة التي يأتي منها 7 ملايين سائح سنوياً لقضاء إجازاتهم في تركيا حاملين نوايا صديقة لها وبالأخص أنهم ليسوا من المسلمين فقط؟

في إدلب؛ وفي الجزء الجنوبي الغربي بشكل أساسي، هناك ثلاث مجموعات من المتشددين ذوي الأصول التركية، الذين، وبغض النظر عن انتمائهم إلى مجموعة أو أخرى، فإنهم يتحدون في إطار انتمائهم إلى حضارة تركية مشتركة: الأولى: مجموعة التركمان المحليين. الثانية: المتطرفون من جمهوريات آسيا الوسطى (الأوزبك والكازاخ… وغيرهم) والمناطق الروسية (التتار والباشكير… وغيرهم). والثالثة: الأويغور الذين وصلوا من منطقة شينغيانغ؛ ذاتية الحكم في جمهورية الصين الشعبية، حيث، وحسب رأي أنقرة، يتعرضون للتمييز فيها. يُصنّف الأتراك من «رابطة الدول المستقلة» والأويغور بأنهم أكثر المقاتلين وحشية بين الجماعات الإرهابية. وفقاً للخبراء العسكريين الروس؛ لوحظ عسكريون من الجيش التركي يعملون مستشارين في صفوف مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المصنفة دولياً منظمةً إرهابية. وفي الوقت نفسه، فإنَّ موسكو واثقة بأنه عن طريق المفاوضات بين القادة، سيتم التغلب على الأزمة، وبأن المصلحة المتبادلة هي التي ستسود وتتغلب على المشكلات التي ظهرت. ليس لدى حلف الناتو، الذي ناشده إردوغان، أي أساس للتدخل في الصراع، لأنه لا يوجد أي تهديد لتركيا على أراضيها، وسوريا في الواقع تدافع عن نفسها بغض النظر عن الطريقة التي يتعامل بها أي كان من الغرب أو المنطقة مع دمشق. من غير المرجح أن تنجح السلطات التركية في جذب الأوروبيين إلى الصراع بترهيبهم باللاجئين. في الوقت نفسه، فوجئت روسيا بمحاولات بعض الأوساط في الغرب إضفاء الشرعية على الإرهابيين من «هيئة تحرير الشام» وتغيير مواقفهم تجاه شخصيات مثل الجولاني، حيث يجري على نطاق واسع تعميم مقابلة أجريت معه مؤخراً.

يمكننا أن نفترض سيناريوهات عدة لتطور الوضع في إدلب. سنقوم فقط بتسمية الخيارات الرئيسية، نظراً لوجود كثير من الخيارات:

أولها: سلبي للغاية لمصالح كل من روسيا ودول المنطقة، وقبل كل شيء سوريا وتركيا؛ وهو تصعيد النزاع إلى مستوى حرب شاملة بين أنقرة ودمشق. في هذا السيناريو، سيحدث ما يلي: ستفشل محاولات حل التناقضات الروسية – التركية. تبقى جميع أطراف النزاع في مواقعها السابقة. الجيش التركي يبدأ عملية إبعاد الجيش السوري من المواقع التي شغلها. يضفي شركاء تركيا الغربيون وبعض الشركاء الإقليميين الشرعية على الإرهابيين من تنظيم «هيئة تحرير الشام»، الذي سيتم تغيير اسمه بحيث تتمكن الأمم المتحدة من حذفه من قائمة التنظيمات الإرهابية. أنقرة ستعزز بشكل كبير دعم ومد المعارضة المسلحة بأكملها وتنسيق أعمالها معها. سيتم تجميد «عملية آستانة». روسيا ستواصل دعم الجيش العربي السوري بمساعدة قواتها الجوية الفضائية، من دون أن تدخل في صدام مباشر مع الجيش التركي. ستوضع القيادة السياسية الكردية لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)» والقيادة العسكرية لـ«وحدات حماية الشعب (YPG)» أمام خيارين: إما البقاء على حياد، أو الانضمام إلى الجيش السوري، مع إدراك أن صدامهما مع الأتراك أمر لا مفر منه. نزوح جماعي للمدنيين من إدلب إلى المناطق الشمالية من المقاطعة وتجاوز الحدود إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا. سيبذل المجتمع الدولي جهوداً لإنهاء الصراع العسكري. من الصعب التنبؤ بما سيؤول إليه الوضع بعد ذلك نظراً لتعلقه بعوامل عدة. لكن فكرت بيلا على حق: هذه ستكون تلك الحرب التي لن تستطيع تركيا الفوز بها.

السيناريو الثاني: مفيد لمصالح جميع الدول، لأنه في هذه الحالة سيتم التمكن من وقف المواجهة العسكرية واستبعاد التصعيد. سيتفق بوتين وإردوغان في اجتماع شخصي على حل الخلافات. أحد عناصر التسوية هو الانسحاب التدريجي للقوات التركية من إدلب، ثم من جميع أنحاء سوريا، ولكن مقابل ثمن معين. ستوقف المعارضة، المدعومة من أنقرة، صراعها المسلح ضد النظام، ولكنها ستتلقى ضمانات بإدراجها في عملية سياسية كاملة لتنفيذ قرار مجلس الأمن «2254». وفي الوقت نفسه، فإن الجماعات المصنفة من قبل المجتمع الدولي مجموعاتٍ إرهابيةً ستبقى خارج نطاق الشرعية وستتم ملاحقتها من قبل جميع أطراف عملية المصالحة. سيستمر «إطار آستانة» في عمله وسيحصل على دفعة جديدة لحل المشكلات التي لم يتم حلها بعد. سيحصل الجانب التركي على ضمانات لمنع أي أعمال عدائية ضده من قبل القوات الكردية وأي توغل لها في الأراضي التركية.

الخيارات المختلفة للسيناريو الثالث ستكون بطريقة أو بأخرى مرحلية بين الاثنين المذكورين أعلاه… ربما، لفترة من الوقت؛ صياغة «اتفاق سوتشي» معدل؟ لكن الأهم اليوم هو وقف العنف.

– خاص بـ«الشرق الأوسط»

—————————-

الاستراتيجية الروسية في سوريا/ رضوان زيادة

على مدى سنوات لعبت روسيا على فصل المسارين السياسي والعسكري من خلال ما يسمى محادثات أستانا التي انتهت إلى توقيع ما يسمى اتفاقا لإنشاء “مناطق خفض التصعيد” في سوريا، فقد أكد الاتفاق أن المناطق الأربع المعلنة في سوريا ك “مناطق خفض التصعيد” وهذه المناطق هي وفقا للمذكرة -التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية- والتي تنص على تشكيل مناطق خفض التصعيد:

– محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب).

– مناطق معينة من شمال محافظة حمص.

– الغوطة الشرقية.

– مناطق معيّنة من جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة).

وأضافت المذكرة أنه سيتم بناء على المذكرة تشكيل مجموعات عمل بين الدول الثلاث بالمرحلة المقبلة لتحديد حدود مناطق عدم الاشتباك واَلياتها، وأنه تم تسجيل وقف استعمال جميع أنواع الأسلحة -بما فيها السلاح الجوي- بالمناطق المذكورة، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وبلا انقطاع.

طبعا استغلت روسيا ضبابية هذه الاتفاقيات وغيرت الحقائق على الأرض في ظل غياب الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة للإشراف على آلية تنفيذ مثل هذه الاتفاقات، لذلك لم يبق من مناطق خفض التصعيد المذكورة إلا محافظة إدلب التي يدور الصراع عليها الآن من أجل السيطرة عليها بشكل كامل من قبل النظام السوري بمساعدة روسية كاملة كسلاح الجو ومستشارين عسكريين على الأرض.

حاولت روسيا جاهدة على مدى السنوات الماضية استبدال محادثات أستانا بمفاوضات جنيف، والتي بالحقيقة كانت كلتاهما دون تحقيق أي تقدم يذكر اللهم إلا تقدم قوات الأسد على الأرض بمساعدة روسية، وادعت روسيا أن أستانا هي المكان “الأنسب لمناقشة عملية السلام في سوريا” في محاولة لنزع الشرعية عن أي جهود للأمم المتحدة في جنيف.

ادعت روسيا أن الهدف الأساسي من مفاوضات أستانا هو فرض وقف إطلاق النار وفق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا وروسيا مع نهاية عام 2016؛ ولكن ما هو مثير للاهتمام في مثل وقف إطلاق النار هذا أنه لم يحترم أبداً من قبل قوات نظام الأسد فالغارات الجوية لم تتوقف يوما في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية حتى بعد إدخالها رسميا ضمن مناطق خفض التصعيد بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2017، كما أنه جرت عمليات تهجير قسري للسكان لم تتم من قبل بهذا الحجم والكل توجه نحو الشمال السوري حيث منطقة إدلب المنطقة الأخيرة التي صمدت من ضمن مناطق خفض التصعيد.

لقد استخدمت روسيا حق النقض الفيتو 14 مرة في مجلس الأمن منذ عام 2011 كان آخرها في ديسمبر 2019 وذلك لمنع قرار من مجلس الأمن يمدد قرارا سابقا ويسمح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون العودة إلى نظام الأسد، ولذلك فمنذ اللحظة الأولى لاستخدام روسيا حق النقض الفيتو للمرة الأولى بالتعاون مع الصين لمنع إقرار مقترح غربي يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ويهدد إجراءات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. وذلك في تشرين الأول 2011 أي بعد ستة أشهر من بدء الثورة السورية وإلى اليوم ما زالت تستخدم الفيتو لحمايته ضد أية إدانة دولية في مجلس الأمن حتى بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها روسيا الفيتو في الأزمة السورية 14 مرة. فمنذ عام 2011 مورس حق النقض الفيتو في مجلس الأمن 23 مرة كان منهم ثلاث مرات للولايات المتحدة لمشاريع قرار تتعلق بإسرائيل و20 مرة من قبل روسيا 14 منهم كان لمشاريع قرار تتعلق بسوريا بما يكشف حجم الاستثمار السياسي الكبير الذي تضعه روسيا اليوم في القضية السورية دون القبول بأي شكل من أشكال المفاوضات أو التسوية مع الأطراف الغربية بدليل حجم استخدام الفيتو في قضية واحدة كالأزمة السورية مقارنة بأوكرانيا على سبيل المثال أو جورجيا.

فعندما قررت موسكو التدخل عسكريا في الأزمة السورية في أيلول 2015 لصالح النظام، أصبحت سوريا أشبه بالمحافظة الروسية ومحافظها الأسد أصبح كرئيس بلدية يمثل أمام القيصر الروسي الذي يعطيه التعليمات الضرورية لإدارة الحرب والمفاوضات.

لن تقبل روسيا اليوم بأقل من السيطرة كاملة على إدلب بحجة طرد الإرهابيين منها وعلى رأسهم جبهة النصرة (أو تنظيم هيئة تحرير الشام) المرتبطة بتنظيم القاعدة وبالتالي ترى تركيا أنها مجبرة على تقديم تنازلات أكبر لروسيا في الملف السوري ربما ضد رغباتها لأنها لا تريد أن تخسر الطرف الروسي أو أن تفتح جبهة معه يجعلها في وضع لا يحسد عليه مقابل عدم الدعم الأمريكي للطرف التركي، وهذا ما يزيد الشعور الروسي ومن خلفه الأسد بالقوة في أنهم يستطيعون السيطرة على إدلب اليوم بدون تردد، فروسيا تريد سيطرة مطلقة على الأراضي السورية تحت حكم الأسد.

تلفزيون سوريا

—————————

مسموح فقط أن يموت السوريون!/ عقيل حسين

انقضت طائرات بيرقدار التركية المسيرة على مراكز تجمع وأرتال قوات النظام بكل شراسة.. قصفت بعنف وأوقعت المئات من الجنود والضباط بين قتيل وجريح انتقاماً لمقتل ثلاثين عسكرياً تركياً سقطوا قبل ذلك بقصف من هذه القوات.

كانت الرسالة واضحة: لا يمكن التسامح مع النظام أو السكوت عنه عندما يقتل من غير السوريين..

استمرت الطائرات التركية بحصد مزيد من أرواح جيش النظام، واستمر بالمقابل صمت حلفائه الروس والإيرانيين، إلى أن قتل العشرات من مرتزقة حزب الله اللبناني في هذه الغارات، وقتها فقط تحركت طهران وأرسلت إلى أنقرة تطلب منها أن تتوقف، ومجدداً كانت الرسالة واضحة: يمكنكم أن تقتلوا أي عدد من قوات النظام، لكن من غير المقبول أن يقع ضحايا من غير السوريين…!

مرت تسع سنوات والأمر على هذا النحو.. مسموح فقط في هذه المذبحة أن يموت السوريون، لن يزعج الأمر أحداً، لكن عندما يتجاوز الأمر حدود ذلك فلا تسامح مطلقاً.

لم يكتف النظام بالتفرد بقتل السوريين من معارضيه، بل استدعى الغرباء ليشاركوا معه في الفتك بهم ومطاردتهم وتشريدهم، حتى أصبح السوري أقل من مجرد رقم في هذا العالم البائس الذي يكتفي بالتفرج..

لم يكتف بذلك، بل واستسهل منذ البداية دماء وأرواح عسكره وشبيحته الذين نذروا أنفسهم للدفاع عنه، فتركهم على الدوام قرابين بلا قيمة على مذبحه بقائه جاثماً فوق رؤوس من يبقى حياً منهم، ومجدداً أيضاً هي الرسالة: ليموت من يموت من السوريين، لكن المهم استمرار النظام.

يتفق إذاً النظام وحلفاؤه وخصومه والصامتون كذلك، يتفقون على القاعدة التي كان النظام أول من أنتجها: يمكن للسوريين أن يموتوا، مؤيدين كانوا أم معارضين، بلا توقف، بلا حساب، دون أي مبالاة، والقاعدة الوحيدة في هذه اللعبة هي عدم خرق هذه القاعدة..!

في هذا الصدد كان لافتاً تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال فيه إنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن يخلي بين تركيا وبين النظام لمحاسبته، غداة مقتل العسكريين الأتراك.. كان واضحاً أن أردوغان لا يقيم أي وزن أو اعتبار لجيش النظام وقواته، ولم يكن الأمر بحاجة للانتظار كي يتم التأكد من ذلك، فقد جاءت صور وفيديوهات غارات (بيرقدار) لتثبت ما سبق، لكن بوتين رفض.

ترفض موسكو أن تستفرد تركيا بالنظام، ليس محبة بجيشه، ولا رأفة بجنوده، ولا شفقة على أرواح ضباطه، إذ يمكن للجيش التركي، وكذلك الإسرائيلي كما تجلى على مدار سنوات، أن يقتلا ما يشاءا من هذا الجيش، لكن فقط برغبة وإرادة روسيا، التي تريد أن تستفرد هي بسوريا، دولة وأرضاً وشعباً، ثم تقرر من يمكن أن يقوم بقتل هذا الشعب وكم يمكن أن يقتل!

لقد عرف العالم ملوكاً وسلطات وجيوشاً فتكت بشعوبها ودمرت بلادها ومقدراتها في سبيل الاستئثار بالحكم، ويقدم لنا التاريخ أمثلة كثيرة عن حكام ارتكبوا مجازر وتسببوا بكوارث لشعوبهم من أجل شهوة السلطة وامتيازاتها، بل وقد تجد نماذج عن آخرين استعانوا بالأجنبي لتثبيت أركان حكمهم، لكن من الصعب أن نجد مثالاً بهذه القتامة التي يقدمها نظام الأسد.

إن مشهد المسيرات الجوية التركية وهي تبيد أرتال قوات النظام وتجمعاتها في ريف إدلب، لا يثبت فقط أن هذا الجيش ليس سوى تجمع عشوائي لمزيج من قتلة متوحشين، ومرتزقة انتهازيين، وفئة مغلوب أصحابها على أمرهم يساقون، إلى حتفهم جميعاً، بل ويؤكد المشهد مرة أخرى على أن تفكيك هذا النظام والتخلص منه حاجة وطنية عامة لا تنقذ فقط المعارضين، بل وأيضاً المؤيدين والصامتين على حد سواء.

لقد قدم النظام منذ تسع سنوات إلى اليوم كل ما يمكن من الأدلة على استخفافه بأرواح ضباطه وجنوده، وتركهم غالباً بمواجهة أقدارهم، بينما كان يتحرك بكل جد ويقدم جميع التنازلات من أجل إطلاق سراح أسير إيراني أو استعادة جثة مقاتل من حزب الله، في الوقت الذي يهزأ فيه من مناشدات ذوي المفقودين والأسرى من مقاتليه السوريين أن يعيد لهم أبناءهم، ولم يقبل في الغالب أن يفعل حتى لو كان الثمن بسيطاً بالنسبة له، وهو مجرد إطلاق سراح بعض المعتقلين والمعتقلات لديه، وكأنه يقول بوضوح: كلكم بالنسبة لي سوريون، بلا قيمة، بلا أهمية، يتساوى عندي المؤيد والمعارض بالنتيجة وإن اختلفت الأدوات والأساليب.

إن كل الأحداث منذ تسع سنوات إلى اليوم تثبت كم كانت الثورة على هذا النظام ضرورة، وكم كان التمسك بجذرية أهدافها وعدم التزحزح عن مطلب سقوط النظام صائباً بسبب اليقين المطلق الذي سبق الأدلة القاطعة التي أتت لاحقاً على أنه نظام لا يعني له الوطن ولا الإنسان أي قيمة، وأنه في سبيل الحفاظ على سلطانه، فهو مستعد للتضحية بكل الشعب في كل وقت، سواء كانت الثورة اليوم أو غداً أو في أي يوم.

تلفزيون سوريا

—————————-

مدنيو سوريا إما وسط الحرب أو أداة لها

تزداد الحرب السورية شراسة، إذ تتعرض منطقة ادلب وريفها وريف حلب الغربي لحرب ضروس يشنها عليها النظام السوري وداعموه، وهي منطقة مكتظة بالسكان، إذ تفيد التقديرات ان عدد سكانها يتجاوز ثلاثة ملايين، بين أهل المنطقة والوافدين اليها عبر التهجير الذي تم مع المصالحات المجحفة، تلك المصالحات التي تمت فرضاً عبر اتفاقات استانة، وعبر الحصار وحرب الأرض المحروقة، والتي كان أحد شروطها التهجير عبر الباصات باتجاه ادلب.

منذ تحول الثورة السورية إلى حرب بدأها النظام ضد شعبه، واستمرت بين النظام والفصائل الإسلامية والتنظيمات الإرهابية، سجلت المأساة السورية أكبر مشكلة نزوح ولجوء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تجاوز عدد اللاجئين السوريين في بلدان العالم الستة ملايين، بينما يصل عدد النازحين داخل حدود سوريا لسبعة ملايين. يعيش أغلب اللاجئين في دول الجوار في مخيمات تفتقر إلى مقومات الحياة، فهي تفتقر الى التدفئة شتاء، والى المياه الكافية، مما يجعل الحياة فيها صعبة.

في السنين الأخيرة تم اغلاق الحدود مع سوريا بشكل كلي تقريباً، وصار من الصعب جداً الهرب خارج سوريا عبر الحدود، واللجوء الى الدول المجاورة، بما فيها تركيا التي أغلقت حدودها أيضاً، بل وإنها قد أطلقت النار على الهاربين عبر حدودها، وبنت جدار فصل بيتوني لتحمي هذه الحدود، وفي السنة الأخيرة أو ربما السنتين الآخرتين تم إعادة بعض اللاجئين من لبنان ومن تركيا بحجج مختلفة.

النزوح الداخلي كان إما طوعياً، هربا من مناطق القتال وبحثاً عن منطقة عيش أكثر اماناً، أو عبر التهجير القسري والذي تم في العديد من المناطق السورية، إن أكبر تهجير سوري كان باتجاه ادلب، وهكذا اكتظت المنطقة كما ذكرنا سابقاً. وقد أتت الحرب الأخيرة لتخلق موجة نزوح جديدة، ولكن هذه المرة لا مكان للنزوح، فالحدود مغلقة، والمنطقة ضيقة وتضيق أكثر. حوالي المليون ينزحون الآن ضمن منطقة محدودة، يهربون من مكان لآخر، يلتصقون بجدار الفصل التركي بحثاً عن أمان مفقود، ينام الكثيرون منهم في العراء، حتى التظلل بشجرة زيتون يكلف الكثير من الأموال، قد لا يمتلكها معظمهم. كل ذلك وسط ظروف استجابة إغاثية سيئة وغير كافية، فالغلاء يأكل ما يملكون من أموال، ولا وصول للمنظمات الدولية والاممية، ولمنظمات المجتمع المدني إليهم، في ظروف صحية وحياتية سيئة، وفي وسط طقس الشتاء البارد. يتكرر هربهم ونزوحهم أكثر من مرة ومن مكان لآخر، فهم لا يستطيعون تحديد أي المناطق ستكون بمنجاة من الحرب، وأيها ستكون التالية وستغزوها الطائرات لتقصفها.

في ظل إصرار النظام على استعادة كامل التراب السوري، واصراره مرحلياً على فتح الطرق الدولية م٤ , م٥، وكعادته وعدم اهتمامه بمصلحة شعبه وبالمدنيين، وبحربه الشعواء الممنهجة ضد المناطق التي تخرج عن سيطرته، فقد شن حربه الأخيرة والتي أدت لموجة النزوح هذه. ولكن في الأسبوع الأخير بدأت تختلف الأمور على الأرض، فقد قرر الأتراك الرد، بعد أن شعروا أن الروس قد خدعوهم في استانة، وأن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة وستخرجهم خاليي الوفاض، فأعلنوا عملية “درع الربيع” العسكرية ضد النظام السوري بقيادتهم واشتراك الفصائل العسكرية السورية المعارضة، طالبين من الروس والإيرانيين الابتعاد عن طريقهم والوقوف جانباً، كما طلبوا الدعم من حلف الناتو.  

استطاع الأتراك في مدة قصيرة إصابة النظام السوري بخسائر نوعية، فأسقطوا له طائرتي سوخوي، كما حدّوا من قدرته على استخدام الطيران، وأصبحت الحرب بين كر وفر على الأرض وبالقوات البرية، فهل انعكس ذلك على المدنيين وخفف عنهم ويلات الحرب؟

حتى الآن لم ينعكس الرد التركي بشكل إيجابي على المدنيين، فمازالت الحدود مغلقة، ومازالوا عالقين وسط ساحة الحرب، ينزحون من مكان لآخر، في ظروف سيئة، وإن يكن هذا الرد قد احيا فيهم الأمل بعودة -قد تكون ممكنة- الى أماكن سكناهم التي نزحوا عنها مؤخراً نتيجة تقدم قوات النظام.

في مقلب آخر، وكضغط من تركيا على اوربا وحلف الناتو، أعلن اردوغان أنه سيفتح حدوده للاجئين باتجاه اوربا، ونقل الراغبين بالباصات الى الحدود، ليلقي بهم هناك، في حين أبقت اليونان حدودها مغلقة بوجههم، أصبحوا أيضاً في العراء بدون أي رعاية، يحاولون خرق الحدود ويواجهون حرسها، فيطلق عليهم الحرس غازات مسيلة للدموع حيناً، والرصاص أحياناً، وقد سقط أول الضحايا بالرصاص وهو لاجئ سوري.

القرار الأوربي بدعم اليونان وعدم فتح الحدود واضح واكيد، وقد أعلنه العديد من الزعماء الاوربيين، فاوربا لا تستطيع تحمل موجة لجوء جديدة كالتي حصلت عام ٢٠١٥، فموجة اللجوء الأخيرة جعلت اليمين الشعبي يتصاعد فيها، مما هدد ديمقراطيتها، وبالتالي هي تقع بين خيارين صعبين، إما الالتزام بالقيم الإنسانية التي انتجتها الإنسانية عبر العصور، وكرستها في اتفاقات دولية، ولطالما نادت بها الدول الاوربية، وهذا ما قد يجعل هذه الدول تواجه تصاعد اليمين، الذي يهدد أسسها الديمقراطية التي قامت عليها خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، أو حماية ديمقراطيتها بإدارة الظهر للقيم الإنسانية، وترك اللاجئين على الحدود ومنعم من الدخول، ويبدو أنها قد حسمت خيارها باتجاه الخيار الثاني، وإن تكن تسعى لتخفيف الضغط عليها بعدة طرق، فقد تعود لدفع الأموال التي تم الاتفاق عليها مع تركيا في الاتفاقية الأخيرة بينهما والتي تقضي بأن تقوم تركيا من منع اللاجئين بالتوجه لاوربا وتقدم اوربا دعما مالياً لتركيا لإعانتها على استيعابهم، أو تقوم بالضغط على روسيا لتضغط على النظام السوري لوقف الحرب والاتجاه للحل السياسي، مما يخفف الضغط على تركيا التي لا تستطيع أيضاً موجة لجوء جديدة.

نحن في تيار مواطنة طالما طالبنا بتدخل اممي لحماية المدنيين، وتجنيبهم ويلات الحرب، وضمان بقاءهم في مدنهم وقراهم، وضمان أمنهم، وضمان منع من يسيطر على المنطقة من خلال الحرب- وأهمهم النظام السوري- من الانتقام من المدنيين واعتقالهم، والجدير هنا التذكير بالمعتقلين في درعا الذين قضوا تحت التعذيب بعد أن قاموا بتوقيع المصالحات. هذا الطلب الذي وجدت الآن الدول الاوربية أهميته بعد أن هددت موجات اللجوء أمنها المجتمعي، والذي تنادي فيه هذه الدول عبر تصريحات زعمائها، ولكن دون جدوى حتى الآن.

ما زال مدنيي سوريا وسط حرب طاحنة، يدفعون فيها الثمن الأكبر دون أية حماية، وأصبحوا أيضا احدى ادواتها، فصاروا ورقة ضغط وتهديد، للحصول على التنازلات السياسية أو المساعدات المالية، ونحن في تيار مواطنة مازلنا نؤكد أن حماية المدنيين لا يمكن أن تكون إلا عبر حماية دولية وأممية لهم. وذلك لتحييدهم وضمان أمنهم وتأمين شروط  الحد الادنى لحياة لائقة بهم.

تيار مواطنة – مكتب الاعلام

——————————–

ما الذي فعلناه، نحن السوريون، كي يقابلنا العالم بكل هذا؟/ دلير يوسف

انتشر مؤخراً مقطع فيديو لما قيل إنهم قوات خفر السواحل اليونانية وهم يحاولون إغراق قارب مطاطي عليه مجموعة من اللاجئين، معظمهم، إن لم يكن جميعهم، سوريون، حوادث مشابهة لهذه تحدث على الأقل منذ العام 2015.

كذلك، انتشر مقطع فيديو لمدنيين يونانيين يقفون على شاطئ ما، يصرخون بلاجئين في قارب مطاطي أنّ يعودوا إلى بلادهم، وأنهم لن يسمحوا لهم بالنزول من قاربهم على أرض الإغريق.

منذ سنوات، تنتشر مقاطع فيديو من دول مختلفة، هنغاريا، لبنان، اليونان، بلغاريا، تركيا وألمانيا…. إلخ، لضرب سوريين وإهانتهم وسجنهم وحرق بيوتهم وخيامهم، بل وصل الأمر إلى قتلهم في بعض الأحيان، مثلما حدث مؤخراً مع شاب قتلته شرطة الحدود اليونانية.

ما الذي فعلناه، نحن السوريون، كي يقابلنا العالم بكلّ هذا؟ ما الخطأ في وجودنا؟ ما هو الخطأ الذي اقترفناه في هذه الحياة كي نقابل بكلّ هذا الألم والعذاب؟ أين هو العالم الذي يعيش أزهى عصور السلام من مآسي السوريين؟ أين هي قيم العالم المتحضر، العالم الذي تحوّل إلى قرية صغيرة تحكمها التكنولوجيا المقيدة بقيم ومثل عليا، من معاناة السوريين؟ كيف يمكن أن يكون العالم هو نفسه، وأن تكون الحياة هي نفسها بعد كلّ ما حدث للسوريين؟

هل أحبّ لعب دور الضحية؟ هل أبالغ فيما أقول؟ هل هناك دول أخرى حدث لها ما يحدث الآن للسوريين، دول يوغسلافيا، ليبيا، فلسطين، أفغانستان، العراق، اليمن ورواندا، على سبيل المثال؟ أحقاً؟ ربما أنا على خطأ، لكنني لم أعرف مأساة تشبه هذه، لم أقرأ ولم أرَ أي شيء يشبه هذا.

المقارنات خاطئة: مقتل شخص واحد في مكان ما يساوي خراب العالم، هذا صحيح. لكن في المقابل هناك بقعة جغرافية صغيرة في العالم اسمها سوريا، عدد سكانها قبل بدء الثورة لم يتجاوز 25 مليوناً في أحسن الحالات (لا وجود لإحصاء دقيق لعدد السكان في تلك السنة)، انفجرت في تلك البلاد ثورة في العام 2011 ضدّ حكم دكتاتوري. قَتَلَ الديكتاتور وشرّد وعذّب المنتفضين، وزجّ بالبلاد في حرب أهلية مفتوحة.

قُتل في هذه البقعة الجغرافية منذ تسع سنين ما يُقارب المليون شخص، ونزح ولجأ أكثر من نصف السكان، مئات الآلاف غُيبوا وعُذبوا في معتقلات الأسد، وبأعداد أقل، في معتقلات المجموعات الأخرى المتصارعة في البلاد. في سوريا الآن قواعد رسمية معلن عنها لجيوش أمريكية، إيرانية، روسية، تركية، فرنسية، بريطانية وإسرائيلية.

شارك في قصف السوريين، فضلاً عن طائرات براميل الأسد وطائرات الجيش الروسي التي ما زالت تقصف إدلب حتى اليوم، طائرات دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التحالف مكوّن من إثنين وثمانين دولة، وهدف هذا التحالف المُعلن هو محاربة داعش، لكن طائراته لم تتوان عن سحق مدن سورية كاملة، الرقة خير مثال.

تشكلّت في سوريا مجموعات جهادية، بدءاً من القاعدة بمقاتليها الدوليين وصولاً إلى لواء “فاطميون” الأفغاني، مروراً بداعش التي تحتوي مقاتلين من مئة وخمسين دولة، وجهاديون سوريون منضوون تحت تنظيمات شبيهة بجيش الإسلام، في سوريا كذلك قوات كردية تركية تحارب مع الأكراد السوريين، ومقاتلون عرب يجاهدون من أجل رفع راية الإسلام في سوريا، وميلشيات مدرّبة تتبع تركيا، قطر أو السعودية، وفي سوريا أيضاً ميليشيات عراقية، ميليشيات إيرانية وميلشيات حزب الله اللبناني.

في سوريا حرب عالمية مفتوحة، لكن ساحة الحرب ليست العالم كلّه، ساحة الحرب هي بقعة جغرافية صغيرة اسمها سوريا، فما الذي يفعله السوريون هرباً من هذا الجحيم؟ يلجؤون إلى دول العالم التي ساهمت في عذابهم. لكنهم في هذه الدول لا يحصلون على حقوقهم الأساسية في الحياة: في لبنان تحرق خيامهم، في تركيا تقتلهم الجندرمة التركية على الحدود كي لا يعبروا، وإن عبروا يخضعون إلى أبشع أنواع العنصرية، فتحرق محالهم ويُضربون في الشوارع، هذا عدا عن استخدام أردوغان لهم لتحقيق مآربه الخاصة، في أوروبا يعانون من عنصرية حقيرة تصل حدّ حرق مخيمات اللاجئين.

لا يستطيع السوريون دخول دول الخليج العربي، وإن هم دخلوا فإنهم مهدّدون بالترحيل في أي لحظة. معظم دول العالم لا تقبل دخول السوريين إليها إلّا بمعجزة، وإن وصل السوريون إلى دولة ما فعليهم أن يكونوا مطيعين، عليهم أن يتعلموا لغات جديدة بسرعة البرق، وعليهم أن يعملوا وأن يكونوا مساهمين فاعلين في الدورة الاقتصادية لمجتمعهم الجديد، وإلّا فلا مكان لهم. على السوريين أن يكونوا صالحين، وإن أخطأ أحدهم فإن الأصوات تتعالى لطردهم جميعاً من البلاد الجديدة.

لا أنكر وجود مساعدات وأناس ضحّوا بالكثير لمساعدة السوريين من باب إنساني بحت، لكن أولئك مثلنا، لا صوت ولا قوة لهم، لا يستطيع أصدقاؤنا الحقيقيون في دول العالم فعل شيء من أجلنا، يفعلون ما باستطاعتهم، وما باستطاعتهم هو ما باستطاعتنا: لا شيء.

سوريا استنزفت كل شيء منّا، إيماننا بأنفسنا وبإنسانيتنا وبالبشرية وبالأخلاق وبالكرامة، إيماننا بالحياة نفسها. حياتنا كسوريين هي كابوس دائم يحيل حيواتنا إلى جحيم. ليس الأمر ذاكرة مثقلة بالعذاب وحسب، ليس الأمر تعاملاً يومياً مع الألم وحسب، ليس الأمر خسارة بيوتنا وأصدقائنا وشوارعنا وكتبنا وحسب، ليس الأمر محاربة عدو واحد وحسب، ليس الأمر ثورة ضد دكتاتور وحسب: سوريا هي خليط من كلّ هذا وأكثر. ما هي هذه الـ سوريا؟ هذه السوريا المُمتدّة إلى دواخلنا، سوريا الممزوجة بالألم والأمل وصور زَبَد البحر والغرقى، سوريا ذات الأبواب المفتوحة للغرباء والمغلقة في وجوهنا، نحن غرباء هذا الكوكب.

هذه النار تأكلنا الآن، هذه النار تأكلنا منذ تسع سنوات، هذه النار التي التهمت بيوتنا وقلوبنا لن تقف عن هذا الحدّ، هذه النار المشتعلة لن تخمد فوق بيوتنا وينتهي الأمر هكذا، هذه النار ستأكل العالم كلّه، هذه النار ستغير وجه العالم. هذا ليس تهديداً، ومن أنا لأهدّد، وما القوة التي في يدي كي أهدد، بل هي طبيعة الأشياء: هذه النار ستأكل العالم كله، عاجلاً أم آجلاً، وسوريا هي مثال لما سيكون عليه العالم مستقبلاً.

رصيف 22

——————————-

كيف تؤثر زيارة جيفري الأُولى إلى إدلب على مجريات قمة بوتين أردوغان؟

العديد من علامات الاستفهام تركتها الزيارة التي قام بها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، إلى مخيمات اللاجئين السوريين في محافظات إدلب، وكان لافتاً مشاركة المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، كيلي كرافت، إلى جانب جيفري ضمن وفد للأمم المتحدة.

وسبق ذلك مباحثات عقدها الوفد الأميركي، برئاسة جيفري، مع مسؤولين أتراك، قللَّت تصريحات أميركية من محورية جانبها السياسي وحاولت تسليط الضوء ما أمكن على “بحث الجانب الإنساني”، بسبب اضطرار مئات الآلاف من أبناء محافظة إدلب وريف حلب الغربي للنزوح باتجاه الحدود السورية التركية جراء الهجمات الدموية التي يقوم بها جيش النظام مدعوماً بالمليشيات الإيرانية المتحالفة معه والطيران الحربي الروسي.

في مقدمة الأسئلة لماذا اختار جيفري وكرافت أن تكون زيارتها إلى مخيمات اللاجئين في عداد وفد للأمم المتحدة؟ ولماذا خصص جانباً مهماً من زيارته لأنقرة للقاء ممثلي الأمم المتحدة والمنظمات المدنية التي تعمل في حقل مساعدة اللاجئين وإنقاذ المدنيين؟

الأمم المتحدة أصدرت العديد من التقارير أشارت فيها بأصابع الاتهام، بشكل مباشر، إلى روسيا، بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في سوريا، وأكد تقرير وضعه محققون دوليون، نشر مطلع الأسبوع الجاري، أن روسيا نفَّذت ضربات جوية استهدفت أسواقاً شعبية ومخيمات لاجئين ومستشفيات ومدارس، مما أسفر عن قتل العشرات وجرح المئات من المدنيين، وتصنف تلك الهجمات الوحشية كجرائم حرب.

غير أن روسيا كعادتها رفضت ما جاء في تقرير اللجنة الأممية، مدعية على لسان المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأن “لجنة واحدة لا يمكن أن تكون لديها معلومات يعوَّل عليها بشأن ما يحدث على الأرض”. وهذه ليست المرَّة الأولى التي ترفض فيها موسكو العديد من تقارير الأمم المتحدة التي أدانت جرائم حرب جيش النظام والطيران الروسي والمليشيات الإيرانية.

وواضح أن زيارة جيفري وكرافت ضمن الوفد الأممي تحمل في طياتها تهرباً من عمل أميركي بحت يرتب التزامات ذات طابع سياسي على الإدارة الأميركية. وعموماً الزيارة التي أنجزت لن تقدِّم شيئاً جديداً بالقياس إلى تقارير الأمم المتحدة ذات الصلة، حتى وإن ترتب على هذه الزيارة تقديم بضع عشرات من ملايين الدولارات كمساعدات للاجئين. فما يحتاجه المدنيون في محافظة إدلب وجود منطقة آمنة، كخطوة أولى على طريق وضع حد لجرائم نظام بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.

والولايات المتحدة الأميركية بصفتها دولة عظمى مطالبة بأن تضطلع بدورها لوقف الحرب في سوريا، وتمكين الشعب السوري بكل مكوناته من تقرير مصيره بنفسه، في بلد مستقل وسيد يتمتع فيه كل أبنائه بحقوقهم على قدم المساواة، في ظل نظام تعددي وديمقراطي.

وفي الإجابة على السؤال الثاني، تبعاً للإجابة على السؤال الأول: إن تخصيص جيفري لجانب كبير من زيارته للقاء ممثلي الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المحلي لا يمكن أن يلمع صورة الولايات المتحدة، بل يكشف مجدداً حقيقة تخاذلها أمام جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا ضد المدنيين السوريين في سياق دعمها لنظام بشار الأسد، الذي ما كان له أن يستمر دون هذا الدعم.

والسؤال الثالث الذي تطرحه زيارة جيفري: ما هو المقصود منها في هذا التوقيت قبل يومين من القمة المزمع عقدها بين أردوغان وبوتين لبحث الوضع في إدلب؟

المفترض أن تقدم الولايات المتحدة دعماً قوياً لحلفيتها تركيا، العضو في حلف الناتو، لتمكِّن أنقرة من امتلاك ورقة قوة في معركة “عض الأصابع” بينها وبين موسكو. فالدعم الذي كانت تعمل من أجله الحكومة التركية يشمل الجانبين العسكري والسياسي، وفي أقل الأحوال أن يصدر عن إدارة ترامب موقف سياسي صلب، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام المطالب العسكرية التي قدمتها تركيا إلى الناتو والولايات المتحدة، والمقصود هنا بالتحديد تزويدها بمنظومة صواريخ باتريوت.

السفير جيفري قال في زيارته الأخيرة لأنقرة يوم الاثنين الماضي: إن واشنطن مستعدة لتزويد تركيا بالذخيرة من أجل إدلب”، في تكرار لتصريح أدلى به في زيارته لانقرة، في 13 شباط/فبراير الماضي، وقال فيه:”الولايات المتحدة تدرس تقديم دعم للجيش التركي في إدلب عبر تقديم معلومات استخباراتية ومعدات عسكرية…”.

من الواضح أن جيفري تجاهل تماماً ما تريده تركيا من دعم، ومن السذاجة بمكان الاعتقاد بأن الحكومة التركية أخذت على محمل الجد أقوال جيفري باعتبارها دعماً لها من قبل إدارة ترامب، فأقوال جيفري لا تعدو كونها مناورات بائسة للتغطية على حقيقة موقف واشنطن البائس من المعركة المحتدمة في إدلب.

للمفارقة؛ بينما كان جيفري وكرافت يجريان مباحثات مع مسؤولين أتراك، أعلن وزير الدفاع الأميركي، مارك أسبر، بشكل فج، أو كما يقال في المثل الشعبي “بق البحصة”، باستبعاده مقترحاً يقضي بأن تقدِّم واشنطن دعماً جويا لتركيا في معركة إدلب. وهذه رسالة تطمين موجهة إلى روسيا مفادها أن الولايات المتحدة ليست في وارد تقديم دعم عسكري مؤثر لتركيا، والمقصود صواريخ باتريوت لتعزيز قدرات الجيش التركي جواً.

سؤال آخر تطرحه زيارة جيفري وكرافت والمنحى الذي رسم لها، وهو: إلى متى ستبقى الولايات المتحدة الأميركية “تدفن رأسها كنعامة” أمام دموية نظام بشار الأسد وطائرات روسيا ومرتزقتها والمليشيات الإيرانية؟

لا توجد مؤشرات على أن إدارة ترامب بصدد مراجعة مواقفها، بل على العكس من ذلك مازالت ماضية في السياسة ذاتها التي انتهجتها إدارة باراك أوباما، والتي مكَّنت نظام بشار الأسد من التنكيل بالشعب السوري، بدعم من المليشيات الإيرانية، وشجَّعت روسيا على التدخل عسكريا لانقاذ النظام الذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، في أيلول/ سبتمبر 2015.

وتفرض الاجابة على الأسئلة الماضية على تركيا وقوى المعارضة السورية، وفي القلب منها الفصائل العسكرية، الاعتماد على القدرات الذاتية، ووقائع الأيام الماضية أكدت أن هناك قدرات كبيرة بمتناول اليد ومن شأنها تغيير المعادلة بالتراكم، رغم طابع الكر والفر الذي تتخذه المعارك أحياناً على بعض الجبهات، وآخرها جبهة سراقب.

ولا ريب في أن تغيير المعادلة في صالح قوى المعارضة السورية، بدعم تركي، سيفرض على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مراجعة مواقفها، وعندها سيمثِّل ذلك بداية انحسار الدور الروسي الحامي لنظام بشار الأسد المتهالك.

وبعد تسع سنوات على مجازر النظام المتنقلة، لعل ما يريده الشعب السوري ليس مساعدات إنسانية، بل مواقف تردع نظام بشار الأسد ومن يقف خلفه ويدعمه في حربه الإجرامية على المدنيين العزل. وتخطئ الإدارة الأميركية إن إعتقدت أن بإمكانها، من خلال زيارة جيفري وكرافت، استغلال مآسي اللاجئين السوريين للتغطية على تخاذل واشنطن حيال جرائم ميليشيا الأسد والمليشيات الإيرانية وطائرات ومرتزقة روسيا.

بروكار برس

————————-

صراع أردوغان وبوتين يرسم ملامح نظام عالمي جديد

هناك موطنان للخطر يهددان السياسة الخارجية الروسية في العادة؛ الأول هو عندما تكون روسيا ضعيفة للغاية وبالتالي يتجاهل الغرب مصالحها، وقد استمر ذلك خلال أول عقدين في حياة الاتحاد الروسي، بما في ذلك حرب كوسوفو، والتوسع الشرقي لحلف الناتو، وقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وكذلك قرارها بالإطاحة بالزعيم الليبي “معمر القذافي”.

أبدى الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون – “بيل كلينتون” و”جورج بوش” و”باراك أوباما” – اهتمامًا بروسيا لكنهم تجاهلوا وضعها كدولة فقيرة تكافح للتكيف مع فقدان إمبراطوريتها. وكان شعار البيت الأبيض: “لقد سمعنا ما تقولونه، ولكننا سنفعل ما نريد على أي حال”.

انتهت الفوقية الغربية بالتدخلات الروسية في القرم وسوريا.

لكن موطن الخطر الثاني هي عندما تبالغ موسكو في تقدير قدرتها على فرض إرادتها على الدول الأجنبية، وعندما تظهر أيضًا الغطرسة التي كانت هي نفسها ضحية لها من قبل، وهو ما بدأ يحدث الآن في سوريا.

الفكرة أن أيًا من الخطرين لا يدوم طويلًا.

مبالغة في تقدير الإنجازات

انتهى العقد الماضي بأحداث تصل إلى ذروة النجاح وفق تصورات محللي السياسة الخارجية الروس الذين يتمتعون بحماية الكرملين وقدرتهم على الوصول إليه.

ومن الأمثلة الجيدة على ذلك، تحليل “سيرجي كاراجانوف” في صحيفة “روسيسكايا غازيتا”، حيث سرد “كاراجانوف” ما وصفه بـ”الإنجازات الرائعة” في العقد الماضي؛ مثل وقف توسع التحالفات الغربية؛ ووقف سلسلة من الثورات في سوريا دمرت مناطق بأكملها (يعني الربيع العربي)؛ والحصول على مواقع تجارية متميزة في الشرق الأوسط؛ وكسب الصين كحليف؛ وتغيير ميزان القوى مع أوروبا لصالح روسيا.

حتى أن محللًا في السياسة الخارجية الروسية أقل تشددًا مثل “ديمتري ترينين”، مدير مركز “كارنيجي” في موسكو، قد غرد مؤخرًا: “لا تركيا ولا روسيا تتلهفان من أجل قتال بعضهما البعض على سوريا أو داخلها. الخطاب الرسمي في موسكو يدور حول منع نشوب الصراعات. لكن من المحتمل أن يوافق الجيش الروسي على أنه يجب إعطاء القوات التركية إشارة قوية على أنها تمادت كثيرًا”.

تمثلت “الإشارة القوية” التي أشار إليها “ترينين” في هجوم على قافلة عسكرية تركية أسفر عن مقتل 34 جنديًا على الأقل وإصابة آخرين في إدلب.

كانت الضربة التي تعرضت لها القافلة، والتي ألقى القادة العسكريون الروس باللوم فيها على تركيا، سواء بسبب قصفها المدفعي المستمر أو لعدم إخبارهم مقدمًا بمكان توجه القوات التركية، بمثابة قراءة خاطئة واضحة لكل من عقلية الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ووضعه السياسي الخطير في وطنه.

العلاقة المزدهرة

منذ البداية، كانت هناك حدود لعلاقة “أردوغان” مع “بوتين”، والتي بدأت عندما أرسلت إليه موسكو رسائل الدعم التي كان لا يحصل عليها من واشنطن بعد الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016.

أثبت “أردوغان” ذلك لموسكو بالأفعال، فافتتح “تورك ستريم”، وهو خط أنابيب ينقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى جنوب أوروبا متجاوزًا أوكرانيا؛ واشترى صواريخ الدفاع الجوي الروسية من طراز “إس-400” مضحيًا بالطائرات المقاتلة الشبحية الأمريكية، لكن ذلك كان فقط طالما قدمت تلك التحركات لتركيا نفوذاً مع واشنطن أو سمحت له بالقيام بالمزيد في سوريا أكثر مما كان ممكنًا عندما كان لا يزال يتبع الخط الغربي.

في سوريا، كانت علاقة تركيا المزدهرة بروسيا تنطوي على مقايضات غير مريحة، حيث تخلى كل جانب عن حليفه، وهم “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي (PYD) بالنسبة لروسيا والسوريون في شرق حلب بالنسبة لأنقرة.

لكن ثمرة تلك العلاقة كانت محتومة النهاية لسبب ديموجرافي بسيط للغاية. فمع كل انتصار سجله النظام السوري، تضخم عدد اللاجئين السوريين في إدلب. يوجد حاليًا 4 ملايين في مساحة صغيرة وفرّ 900 ألف منهم إلى الحدود التركية، فيما يعد أكبر نزوح واحد للاجئين في الحرب كلها، وقد مر دون ملاحظة إلى حد كبير في أوروبا، حتى الآن.

 “أردوغان” محاصر في زاوية

حوصر “أردوغان” في الزاوية، مع وجود 3.6 مليون لاجئ سوري مسجل في تركيا، واقتناص المعارضة للمدينيتين الرئيسيتين (إسطنبول وأنقرة) في الانتخابات الأخيرة وإعرابها صراحة عن عداء للاجئين، إلى جانب الانشقاقات في حزب “العدالة والتنمية” الحاكم.

لم يستطع “أردوغان” السماح لكل من “بشار الأسد” و”بوتين” بقيادة موجة لاجئين أخرى باتجاه حدوده، وكان عليه أن يتصرف.

فسياسة “الأسد” التي تفاقم من أزمة اللاجئين سرعان ما أصبحت تهديدًا سياسيًا وجوديًا لـ”أردوغان” كرئيس.

ثانيًا، هناك عقلية “أردوغان”؛ حيث يفكر “أردوغان” في موقعه في تاريخ تركيا تمامًا كما يفكر “بوتين” بالنسبة لموقعه في تاريخ المسيحية الأرثوذكسية الروسية، أو كما يفكر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في موقعه من التاريخ اليهودي.

لا يعتبر أي من هؤلاء الرجال قيادتهم مؤقتة، أو تخضع بالكامل لإرادة الشعب في انتخابات حرة، بل يفكر كل واحد منهم في نفسه على أنه رجل اختاره القدر ليس فقط لتحقيق تطلعاته الخاصة ولكن تطلعات أمته أيضًا.

فاجأ التقدم العسكري التركي، خلال عطلة نهاية الأسبوع ،الروس، وأصبح المعلقون السياسيون الروس أكثر ترددًا بشكل ظاهر في المقابلات مع وسائل الإعلام الناطقة بالعربية.

حقق القصف الذي قامت به الطائرات التركية المسيرة ومدفعيتها على قوات “الأسد” 3 أهداف؛ حيث دمرت مصنعًا للكيماويات ينتج غاز الكلور ومطاران، بما في ذلك النيرب غرب حلب، وعدد كبير من الدبابات وناقلات الجنود المدرعة والأسلحة.

لقد بررت الفعالية القتالية للقوات التركية في إدلب، وخاصة أداء طائراتها المسيرة، تحليل مدير الموساد “يوسي كوهين”، الذي حضر اجتماعًا سريًا في الرياض السنة الماضية.

أخبر “كوهين” المجتمعين أنه بينما يمكن احتواء إيران عسكريًا، فإن تركيا لديها قدرة أكبر بكثير، فقد قال وفقًا لما نقله شهود: “القوة الإيرانية هشة. التهديد الحقيقي يأتي من تركيا”.

نهاية العلاقة؟

كانت النتيجة نهاية العلاقة الودية بين “أردوغان” و”بوتين”، طلب “أردوغان” من “بوتين” الابتعاد عن طريق قواته، وطلب “بوتين” من “أردوغان” الخروج من إدلب.

كانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها أي من الرجلين هذا النوع من اللغة بشكل خاص مع بعضهما، وهي اللغة التي يحتفظون بها عادة لرؤساء الدول الغربية.

سرعان ما فقد المسؤلون الروس هيبتهم في الإعلام التركي وانتهى النفوذ الروسي على كبار المسؤولين الأتراك أيضًا، فخلال معظم السنوات القليلة الماضية، اكتسبت روسيا سمعة بالوفاء بوعودها، لكن كل هذا اختفى.

لقد حلّت نظرة واقعية جديدة في أنقرة حول استعداد روسيا للوفاء بالوعود التي قطعتها لتركيا في سوتشي، وهذا يعني أن “أردوغان” سيبرم صفقة أكثر صعوبة عندما يذهب إلى موسكو.

من المستحيل التنبؤ بما سيحققه “بوتين” أو “أردوغان”. إن موقف موسكو رسمياً يتعلق بمنع نشوب الصراعات أكثر، بينما تفعل بالطبع العكس تماماً على الأرض في إدلب.

لكن العنصر الجديد في هذه الحسابات هو وجود قوتين إقليميتين على طرفي نقيض من الصراع، لديهما الاستعداد والقدرة على استخدام القوة.

لم تعد روسيا هي الجيش الأجنبي الوحيد في شمال سوريا المستعد للقتال، وهنا ما زال من المستبعد وجود القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا.

لا تزال الخطوط الأمامية في سوريا متقلبة إلى حد كبير، وهذا الصراع لم ينته بعد، بغض النظر عن عدد المرات التي أعلن فيها “بوتين” أن “المهمة أنجزت”.

كل من روسيا وتركيا يمكنهما أن يسببا الخسائر لقوات بعضهما، في نفس الوقت الذي يتفاديان فيه الاصطدام المباشر ببعضهما البعض.

بالنسبة لـ”أردوغان”، ارتفعت المخاطر مرة أخرى وارتفعت معها حدة خطابه، حيث قال يوم الأحد: “تركيا تخوض كفاحًا تاريخيًا وحاسمًا من أجل حاضرها ومستقبلها. نواصل العمل بلا كلل ليل نهار من أجل تحقيق النصر الذي سيصون مصالح بلدنا وأمتنا وهذا سيؤدي إلى نتائج مهمة مماثلة لتلك التي شهدناها قبل 100 عام”.

وأضاف: “ندرك أنه إذا تهربنا من الصراع في هذه المنطقة الجغرافية التي تعرضت للاحتلال والقمع عبر التاريخ، وإذا لم نتمسك بوحدتنا وتضامننا، فسيتعين علينا أن ندفع ثمنًا أكبر بكثير”.

في هذا إشارة واضحة إلى تمكن “أتاتورك” من هزيمة الحلفاء في “جاليبولي” قبل قرن من الزمان، عندما كانت تركيا على وشك أن يتم تقطيع أوصالها من قبل قوى الحلفاء إذا فازوا، ومهدت هزيمتهم الطريق لصعود “أتاتورك” وإحياء القومية التركية.

يفكر “أردوغان” الآن بالطريقة ذاتها بشأن حملته في سوريا حيث يواجه عددًا من الجيوش الأجنبية. إذا فاز في هذه الجولة، فسيرسخ لتركيا نفوذًا أكبر ليس فقط على الطاولة مع روسيا، ولكن في المنطقة أيضًا.

سيؤثر دور تركيا المتصاعد في سوريا أيضًا على توازن القوى في العالم العربي السني الذي يواجه التوسع الإيراني المفرط في الأراضي العربية.

وهذا هو السبب الذي يفسر تحديد (إسرائيل) لتركيا – الحليف العسكري السابق الذي باعت له طائرات مسيرة – كتهديد عسكري أكبر من إيران، خاصة بعد أن قامت تركيا بصنع طائراتها المسيرة الخاصة، ويفسر شماتة وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية والإمارات بعدد الخسائر التركية في إدلب.

يخوض “أردوغان” معركة مرتفعة المخاطر، ويجب على “بوتين” أيضًا، أن يحسب تكاليف ما يعتقد أنه نجاحه في سوريا، والتي تزداد فداحة عامًا بعد عام، في أرض لن يحدث فيها إعادة إعمار قبل عقود.

لم تنجح القوة العسكرية الروسية في سوريا إلا عندما لم تكن هناك قوة عسكرية مضادة حقيقية يمكنها إسقاط طائراتها، والآن أصبحت مثل تلك القوة موجودة، وهناك الكثير مما سيترتب على هذه المنافسة.

مرحبًا بكم في النظام العالمي الجديد متعدد الأطراف، والذي يعتبر غير مستقر، تمامًا مثل النظام السابق الذي حل محله وكان يسيطر عليه الغرب.

اقرأ أيضاً

المونيتور: روسيا درست خيارات شبه عسكرية ضد تركيا

المصدر | ديفيد هيرست/ ميدل ايست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

——————————

ليالي الوحشة في أدرنة..الفردوس الأوروبي المميت/ أحمد الناصر

أربع ليالٍ موحشة مرّت على عابد الحوري قبالة المعابر الحدودية التركية اليونانية، على أمل إعلان معجزة ما، تقضي بنهاية جحيمه وسط الغابة الجرداء، والعبور إلى “الفردوس” الأوروبي.

آلاف من الأفراد والعائلات انطلقوا منذ صباح 28 شباط/ فبراير المنصرم، تاركين خلفهم بيوتهم المستأجرة بكل محتوياتها التي دفعوا ثمنها خلال سنوات وجودهم في تركيا، حتى تخطى عددهم ال130 ألفاً بحسب آخر الأرقام الرسمية.

اليونان مهاجرون

الانطلاق نحو الأمل المنشود

يسرد الشاب “عابد الحوري” قصته فيقول: “انتشر خبر فتح الحدود التركية أمام اللاجئين إلى أوروبا على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم تلك الليلة، لتتبعه أخبار تجمّع الباصات التي ستقلّ من يرغب إلى الحدود البرية الفاصلة بين تركيا واليونان”.

ويكمل الحوري “لم أعرف ولم أسأل أصلاً عن الجهة التي تبرعت بالباصات. انطلق الباص إلى الحدود القريبة من ولاية أدرنة، ووقف فينا الباص حوالي الساعة 11 ليلاً عند أحد المعابر كما يفترض، فنزلنا دون أن ندري أين نحن إلى أن قامت دوريات من الشرطة التركية بحملنا بسيارتهم ونقلنا إلى نهاية الطريق المعبّد، وأشاروا لنا بالمضي سيراً نحو المعبر الذي يتجمع فيه المهاجرون”.

وتابع: “سرنا في طريق موحل وجبلي إلى أن وصلنا معبر يقال له (بازاركولي) عند الساعة الثالثة والنصف صباحاً. وكان هناك المئات ممن سبقونا بأكثر من 10 ساعات، ومعظمهم وصلوا عبر الطريق النظامي المعبد ولم يضطروا لسلوك الطريق الذي مررنا به”.

معبر الخوف

الوضع عند المعابر وخلفها ليس كما تصوّره الناس بالمطلق، بل وربما هو أكثر خطورة من حالات التهريب السابقة التي كانت تتم بدون علم الحكومة والجندرمة التركية. فالمشكلة ليست من الجانب التركي، وإنما من الطرف المقابل، وأقصد اليوناني يعلّق الشاب عبد الحميد الساجر خلال طريق عودته إلى إسطنبول.

ويصف الساجر تفاصيل رحلته ل”المدن”، والتي تتشابه مع قصة الحوري لكنه كان من الراكبين في الدفعة الصباحية الأولى، فقال: ” تركت كل شيء ورائي في إسطنبول وتوجهت إلى مكان تجمّع الباصات في منطقة “توب كابي” في حيّ الفاتح”.

ويتابع “انطلق بنا الباص نحو الحدود، وتم إنزالنا في منطقة تتبع لمدينة (أبسالا) بقضاء أدرنة، تبعد بضع كيلومترات عن المعبر التركي. كان منظر الأشخاص والعائلات المنتشرة على جانبي الطريق هو أول شيء رأيناه، وأثار في داخلي الحزن والخوف”.

ويضيف أن “أغلب الأفراد والعائلات المهاجرة التي صادفناها كانت من الأصول المغربية والجزائرية، ثم يأتي الأفغان فالعراقيين، أما السوريون فلا يشكلون أكثر من ربع الذين رأيتهم. تابعنا سيرنا لساعات لم أعد أتذكّر عددها، بالرغم من البرد القارس والمطر الغزير والطين الذي غطّى نصف أجسادنا حتى وصلنا إلى الأسلاك الشائكة التي تفصلنا عن الأراضي اليونانية”.

تمكن الساجر مع بعض الأشخاص من الابتعاد عن المناطق المرصودة من حرس الحدود اليوناني ووصلوا إلى نقطة خالية. وتجاوزوا النهر بواسطة قوارب مطاطية لمهربين مستغلين فرصة فتح الحدود التركية ويتواجدون على طول المجرى لنقل اللاجئين إلى الطرف الآخر مقابل مبلغ من النقود.

وهنا يصل الساجر إلى نقطة النهاية فيقول: “بعد تجاوزنا النهر رحنا نسير في الغابة وباعتقادنا أننا وصلنا إلى نهاية الطريق الصعب المتعلّق بتجاوز الحدود. ولكن سرعان ما أحاط بنا حرس الحدود اليوناني موجهين أسلحتهم صوبنا”.

وبصوت حزين منكسر يفيد الساجر “قاموا بسلب كل شيء منا، أجهزة الهاتف والنقود والساعات، وحتى حزام البنطال. لم يكتفوا بذلك فقط بل هشموا ملابسنا رغم ذلك الطقس القارس”.

قام بعدها حرس الحدود بإرجاع الساجر وأصحابه إلى ضفة النهر وقاموا بدفعهم بأعقاب البنادق وأركبوهم قارباً عبر بهم النهر ليعودوا مجدداً إلى نقطة الصفر.

اشتباكات و”هدن” بين الطرفين!

عند ظهور الضوء كانت قد بدأت الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين واستمرت لساعات قبل أن تُعلن الهدنة، إذ وقف المهاجرون بكثافة أمام المعبر وقامت الشرطة اليونانية برمي القنابل المسيلة للدموع فهرب الناس بشكل عشوائي ومنهم من أضاع أبناءه وحقائبه أثناء الهروب من الغازات.

استمرت الاشتباكات بوتيرة عالية وعنيفة لأكثر من 3 ساعات، قامت الجندرما التركية خلالها بإسعاف بعض الأشخاص نتيجة تعرضهم للاختناق. وحين لاحظ حرس الحدود اليوناني ذلك قاموا بإطلاق قنابل الغاز إلى المربع الأمني المتمركزة فيها الجندرما التركية ما أثار غضب عناصرها ودفعهم إلى إطلاق النار في السماء كتحذير. وقد تكرر هذا المشهد أربع مرات.

أعلنت هدنة ثانية حين خرج أحد المسؤولين في المعبر اليوناني وتحدث مع بعض الشبان السوريين باللغة اليونانية وأخبرهم بأنهم تواصلوا مع الاتحاد الأوربي ووضعوه بصورة الوضع، وهم الآن بانتظار جواب منهم.

حين ذلك سمح الجانب اليوناني للصحافيين اليونانيين بالدخول والتصوير لكنه لم يسمح لهم بالاقتراب من السياج ووقفوا بعيداً عن الحدود نحو 30 متراً، وبعد أقل من نصف ساعة أخرجتهم السلطات اليونانية من المعبر.

وخلال تلك الأثناء وفي اليوم الثالث كانت محاولات العبور جارية إما بالقفز من فوق الأسلاك الشائكة أو قطعها والمرور عبرها، بالتزامن مع مواصلة الشرطة اليونانية قمعها لحشود المهاجرين المتجمهرين عند المعبر بقنابل الغاز والرصاص المطاطي.

قنص أول لاجئ سوري

صباح الاثنين2 آذار/ مارس،  لقي الشاب السوري أحمد العمر حتفه جراء قنصه برصاصة استقرت في عنقه أثناء محاولته عبور الحدود التركية متجهاً إلى الطرف اليوناني.

يبلغ أحمد من العمر 18 عاماً وهو من أبناء مدينة حلب. وقد انتشر مقطع قنصه، والدماء تغطي ملابسه، على صفحات التواصل الاجتماعي في شتى المواقع.

الإعلام اليوناني كان قد نشر خبراً قبل ساعات من مقتل الشاب، يحذّر فيه من التواجد بالقرب من النقاط الحدودية، بحجّة إجراء مناورات عسكرية وتدريبات للجنود اليونانيين على استخدام الذخيرة الحية في تلك المنطقة “الفارغة”. وحدد خمس مناطق ستجري فيها المناورات، جميعها بالقرب من نهر (مريج/ ماريتشا) الحدودي بين تركيا واليونان ضمن الاراضي اليونانية.

إحدى تلك النقاط الخمسة تقع بالقرب من المعبر الحدودي الذي قُتل فيه الشاب العمر، وهو معبر (كاستانياس) اليوناني الذي يقابله (بازاركولي) التركي، ويعتبر أحد أكثر تجمعات اللاجئين حالياً، ويشرف على إقليم (أفروس) في الاراضي اليونانية.

وتسري شائعات اليوم بأن الأتراك سيتوصلون إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لإغلاق الحدود من الطرف التركي، في الوقت الذي لا تزال فيه مئات العائلات عالقة عند الشريط الحدودي وسط مناشدات من الناشطين والمنظمات بإرسال حافلات وسيارات نقل لتعيدهم من معبر الموت.

المدن

————————–

كيف يمكن أن تتعامل أوروبا مع أزمة اللاجئين الجديدة على حدودها؟

    من هم المهاجرون الذين تجمعوا عند الحدود اليونانية؟

    كيف عبر الكثيرون إلى اليونان؟

    لماذا فتحت تركيا الحدود؟

    هل يمكن لهذا أن يكون تكراراًَ لأزمة الهجرة التي حدثت عام 2015؟

    ماذا يعني هذا بالنسبة لليونان؟

تواجه أوروبا الآن موجة جديدة من اللاجئين تعيد إلى الأذهان أزمة مشابهة قبل خمس سنوات، فهل هناك سيناريوهات محددة سلفاً للتعامل مع ما يمكن أن يصل للملايين من الهاربين من جحيم الحرب في إدلب؟ القصة تشمل الشق القانوني واللوجيستي، إضافة بالطبع للبعد الإنساني الذي لا يمكن إغفاله.

وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “مادة شارحة: أزمة الهجرة الجديدة على حدود أوروبا”، أجاب عن الأسئلة الرئيسية بشأن تلك المأساة.

فتحت تركيا، التي تواجه موجة تتألف من حوالي مليون شخص تقريباً يفرون من القتال في شمالي سوريا، حدودها مع اليونان أمام آلاف اللاجئين والمهاجرين الآخرين الذين يحاولون دخول أوروبا، وهددت بإرسال “ملايين” آخرين.

ردت اليونان على ذلك بإغلاق حدودها البرية، وسارعت بتعزيزات للجيش والشرطة، وحاولت منع قوارب المهاجرين الساعية لعبور قصير ولكن محفوف بالمخاطر من الساحل التركي إلى جزرها الشرقية.

دعت منظمات حقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تردّي الوضع، محذرة من أزمة إنسانية تتكشف، وفيما يلي نظرة على الوضع على الحدود، وما إذا كانت هذه بداية لأزمة هجرة أخرى تتعرض لها أوروبا.

من هم المهاجرون الذين تجمعوا عند الحدود اليونانية؟

تستضيف تركيا 4 ملايين لاجئ، حوالي 3.6 مليون منهم من سوريا. في ما مضى، كانت تحركاتهم داخل تركيا منظمة بصرامة، وبموجب اتفاقية أُبرمت مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 شددت تركيا من إجراءات السيطرة على الحدود. ومنذ أن أعلنت أنقرة الأسبوع الماضي أنها لن تقف عائقاً أمام أولئك الذين يسعون لدخول أوروبا، فقد هرع الآلاف من الأفغان والإيرانيين والسوريين والباكستانيين وغيرهم من إفريقيا وآسيا لتجربة حظهم.

على الرغم من أن هذا الضغط نابع ظاهرياً من الصراع في جنوب تركيا، يقول المسؤولون اليونانيون إن نسبةً قليلة للغاية من الوافدين حديثاً هم سوريون. إذ كان معظم المعتقلين يوم الإثنين 2 مارس/آذار هم من الأفغان والباكستانيين والمغاربة، وتشير الأرقام التي جُمعَّت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قبل القتال المكثف في سوريا، إلى أن 35٪ من الذين دخلوا اليونان عبر تركيا كانوا أفغانيين، في حين يمثل السوريون 14% فقط.

كيف عبر الكثيرون إلى اليونان؟

بحلول وقت متأخر من يوم الإثنين، كانت السلطات اليونانية قد ألقت القبض على 183 شخصاً واتهمتهم بالدخول غير القانوني بعد عبورهم الحدود البرية مع تركيا، وأُحبطت حوالي 24 ألف محاولة لعبور الحدود منذ يوم السبت 29 فبراير/شباط. في حين وصل ما يقرب من ألف مهاجر إلى الجزر اليونانية في غضون 24 ساعة حتى صباح الإثنين. ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تجمع حوالي 13 ألف شخص على الحدود التي يبلغ طولها 212 كيلومتراً بحلول مساء السبت. في الوقت ذاته، تقول تركيا إن أكثر من 100 ألف لاجئ  قد غادروا أراضيها، لكن ليس هناك من دليل يدعم هذا الادعاء. وتركيا واليونان، عضوا حلف الناتو، هما خصمان إقليميان تاريخياً أوشكا على خوض حروب ضد بعضهما البعض ثلاث مرات في نصف القرن الماضي، وحتى من قبل هذه الأزمة، فإن العلاقات بين البلدين متوترة بسبب النزاع على حقوق استكشاف البحر.

لماذا فتحت تركيا الحدود؟

لطالما أبدت تركيا شكواها من قلة الدعم الذي تتلقاه من أجل تحمل عبء رعاية أكبر عدد من اللاجئين في العالم. على الرغم من وعد الاتحاد الأوروبي بإمداد تركيا بـ 6 مليارات يورو لدفع تكاليف الخدمات للسوريين، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد إعادة التفاوض على الصفقة مع الاتحاد الأوروبي، إذ يقول إن تركيا أنفقت 40 مليار دولار حتى الآن على استضافة اللاجئين.

على جانب آخر، تسعى أنقرة أيضاً للحصول على دعم لسياستها في سوريا، حيث تُعارض الرئيس السوري بشار الأسد والمقاتلين الأكراد الذين هم على صلة بحزب العمال الكردستاني، الذي خاض تمرداً دام 35 عاماً في تركيا. يريد أردوغان استخدام بعض الأراضي التي استولى عليها الأكراد في أكتوبر/تشرين الأول لإعادة توطين اللاجئين الموجودين في تركيا، لكن تلك الخطة حظيت بدعم دولي ضئيل.

هل يمكن لهذا أن يكون تكراراًَ لأزمة الهجرة التي حدثت عام 2015؟

في عام 2015، وصل مليون لاجئ إلى أوروبا، وعبروا بشكل أساسي من تركيا إلى اليونان، وعبروا بنسبة أقل من بلدان مثل من ليبيا إلى إيطاليا. على الرغم من أن أردوغان قال يوم الإثنين إن “الملايين” قد تكون قريباً في انتظار عبور الحدود اليونان، فقد سارعت الدول الحدودية بالاتحاد الأوروبي مثل اليونان وبلغاريا إلى حشد عناصر الشرطة وحرس الحدود والجيش للتعامل مع السيناريو ويبدو أنها أفضل استعداداً لكبح العبور البري على نطاق واسع مما كانت عليه عام 2015.

ومع ذلك، فإن كبح محاولات العبور عبر البحر أصعب، نظراً لأن خفر السواحل التركي لا يفعل شيئاً لإيقاف قوارب المهاجرين المتجهة إلى الجزر اليونانية، ما أن تصبح السفن الواهية المكتظة داخل المياه اليونانية، لا يمكن إرجاعها. ففي كثير من الأحيان، يلزم إنقاذ من على متن تلك القوارب من الغرق، وفي أواخر العام الماضي، بلغت نسبة الوافدين إلى اليونان أعلى مستوياتها منذ عام 2016، حتى من قبل تخلي تركيا عن إجراءاتها على الحدود، من ثم، نمت مخاوف لدى الاتحاد الأوروبي من تكرار الأزمة التي أشعلت انقسامات بين الدول الأعضاء.

ماذا يعني هذا بالنسبة لليونان؟

لطالما عانت اليونان من أجل التأقلم مع عشرات الآلاف من المهاجرين الذين دخلوا إليها من تركيا، حتى من قبل الأزمة الحالية. يرغب معظمهم في مواصلة الزحف نحو دول الاتحاد الأوروبي الأكثر رخاءً مثل ألمانيا، لكنهم عالقون في اليونان بعد إغلاق الدول الأخرى حدودها على طول طريقهم.

وتعج مخيمات المهاجرين في الجزيرة بما يفوق سعتها بمراحل، إذ تؤوي ليسبوس وحدها أكثر من 20 ألف إنسان، كما أن الظروف المعيشية هناك مريعة. بموجب الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، يجب أن يمكث الوافدون الجدد في الجزر لحين تولّي أمر طلبات اللجوء الخاصة بهم، لكن عملية البت المطولة في طلبات اللجوء أدت إلى تكدس كبير. وبعد خمس سنوات من تحمل وطأة تدفق المهاجرين في أوروبا، ينفد الآن صبر سكان الجزيرة، من ثم، فإن جهود الحكومة اليونانية في الأسبوع الماضي لبناء مخيمات احتجاز جديدة في جزيرتي ليسبوس وشيوس أثارت أعمال شغب فيهما.

————————–

الهجرة إلى اليونان..تعقد العلاقات التركية الأوروبية

أعلن وزير الداخلية التركية سليمان صويلو أن عدد المهاجرين غير النظاميين، الذين عبروا الأراضي التركية إلى اليونان بلغ حتى الثلاثاء، 130 ألفا و469 مهاجرا.

وبدأ تدفق المهاجرين إلى الحدود الغربية لتركيا، اعتباراً من الخميس عقب إعلان أنقرة أنها لن تعيق حركة المهاجرين باتجاه أوروبا.

وقال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، إن أنقرة تواصل منح الحماية المؤقتة للسوريين الراغبين بالبقاء، لكنها لن تمنع من يرغب بمغادرة البلاد.

ويقلق هذا الوضع أوروبا التي تخشى أزمة هجرة كتلك التي شهدتها في 2015، لذلك ستكون هذه الأزمة محل بحث في إجتماع استثنائي يعقده وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لتصريحات مسؤوليْن أوربييْن لوكالة “رويترز”، فإن الاجتماع يهدف إلى تقديم الدعم لليونان وبلغاريا في مهمتهما لحراسة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وتزور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين المنطقة الحدودية بين اليونان وتركيا، حيث يوجد 13 ألف مهاجر يحاولون الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

ويرى محللون أوروبيون أن أردوغان يسعى من خلال الضغط بورقة اللاجئين إلى الحصول على مزيد من الدعم الأوروبي سواء عبر المساعدات المالية، أو عبر الدعم السياسي لموقفه في سوريا، حيث تواجه قواته اشتباكات مع قوات النظام السوري.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد حذّر الأثنين أوروبا من تدفق ملايين المهاجرين نحوها، وندد “بعدم اكتراث” الأوروبيين بالمهاجرين السوريين.

مع تكرار تلويح أردوغان، باستثمار ورقة اللاجئين، شددت ألمانيا على ضرورة عدم اللجوء لهذا النوع من الاستغلال للتعبير عن الاستياء. ودعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أردوغان إلى عدم استغلال اللاجئين لإبداء استيائه. وقالت “أتفهم أن تركيا تواجه تحدياً كبيراً جداً في ما يتعلق بإدلب..مع ذلك، من غير المقبول بالنسبة لي ألا يعبر – الرئيس أردوغان وحكومته – عن هذا الاستياء من خلال الحوار مع الاتحاد الأوروبي، وإنما باستغلال اللاجئين. في رأيي هذا ليس السبيل للمضي قدما”.

وفي السياق، بحث الرئيس الأميركي دونالد ترامب هاتفياً مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، مسألة المهاجرين.

وأفاد البيت الأبيض بأن ترامب أعرب عن دعمه جهود اليونان من أجل توفير الأمن على حدودها، وحث أثينا على العمل مع الشركاء المحليين بخصوص التدفق الكبير للمهاجرين نحو أوروبا.

————————–

الاتحاد الأوروبي غاضب من “ابتزاز” بشأن المهاجرين ويدرس منحها مزيدا من المال

قالت مصادر دبلوماسية إن سفراء الاتحاد الأوروبي أبدوا غضبهم في اجتماع عقدوه هذا الأسبوع مما يرونه محاولة من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “لابتزاز” التكتل بالسماح للمهاجرين بالتجمع على حدود اليونان.

غير أن بعض المبعوثين أقروا بأن الاتحاد الأوروبي في موقف صعب، فدوله الأعضاء غير قادرة على الاتفاق على كيفية التعامل مع اللاجئين، ومن أجل تجنب تكرار أزمة الهجرة في عامي 2015 و2016 يعتقدون أنه ربما يضطر لضخ المزيد من المال لتركيا كي تواصل منع دخول اللاجئين إلى أوروبا.

وقال دبلوماسي في الاجتماع المغلق الذي انعقد في بروكسل يوم الاثنين: “الاتحاد الأوروبي هدف لعملية ابتزاز”.

وواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات في التعامل مع تدفق آلاف المهاجرين على حدود اليونان قادمين من تركيا في الأيام القليلة الماضية. وعلاقة الاتحاد بأنقرة متوترة بالفعل بسبب الأمن وحقوق الإنسان وأعمال تنقيب تنفذها تركيا قبالة قبرص.

وفي عامي 2015 و2016 أدى تدفق أكثر من مليون شخص من الشرق الأوسط إلى الضغط على أنظمة الأمن والرعاية الاجتماعية وزاد من الدعم السياسي للتيارات اليمينية المتطرفة.

وأبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تركيا في مارس آذار عام 2016 منعت بموجبه أنقرة المهاجرين على أراضيها من محاولة الوصول إلى أوروبا، وفي المقابل وعد الاتحاد بمساعدات قيمتها ستة مليارات يورو لأكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا.

لكن أردوغان يشكو منذ فترة طويلة من بطء وصول الأموال وضخها لمنظمات إغاثة وليس لموازنة الدولة. وبعد أن قتلت قوات النظام السوري المدعومة من روسيا جنودا أتراكا في ضربة جوية بسوريا الأسبوع الماضي أشارت أنقرة إلى أنها ستنسحب من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.

وقال أحد السفراء في الاجتماع: “تنام مع الشيطان وتصحو في الجحيم.. هذا هو حالنا الآن”.

ومما يزيد الانقسامات الداخلية تعقيدا أزمة الاتحاد الأوروبي، فالدول الأعضاء مختلفة على كيفية توزيع عبء المهاجرين واللاجئين الوافدين إلى التكتل الذي يضم 27 دولة في عضويته.

وقال دبلوماسي بارز بالاتحاد الأوروبي، إن الاتحاد أهدر الوقت منذ اتفاق 2016 بتجاهل المشكلة ودفع المال لبقاء المهاجرين واللاجئين في تركيا.

وكان ممثلون من هولندا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا من بين من اقترحوا ضخ المزيد من المال لدعم اللاجئين في تركيا على أمل استرضاء أردوغان.

من ناحية أخرى قال دبلوماسي وفقا للمصادر: “بقدر ما هو منطقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي أن يستمر في دعم اللاجئين السوريين في تركيا، من المهم ألا نعطي انطباعا بأننا نذعن للابتزاز”.

وخلال زيارة أمس الثلاثاء للحدود اليونانية التركية التي حاول آلاف المهاجرين اختراقها، وعد مسؤولون من الاتحاد الأوروبي بدفع أموال لليونان للتعامل مع الأزمة.

إسناد مسألة إدارة الهجرة لتركيا

تشعر اليونان وقبرص، وهما خصمان لتركيا في المنطقة، على وجه الخصوص بالقلق من محاولات استرضاء تركيا وتطالبان الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف أشد صرامة.

وحذر عدد من الدبلوماسيين من تكرار أزمة 2015-2016 التي جاءت بالمزيد من الساسة المتشككين في الاتحاد الأوروبي والمناهضين للمهاجرين إلى الصفوف الأمامية في أوروبا، ودفعت دول الاتحاد لفرض قيود على الحدود في منطقة حرية السفر المعتادة داخل التكتل وأثارت انقسامات مريرة بين الدول الأعضاء على نحو أضر بوحدة الاتحاد.

ودفعت هذه الخلافات الاتحاد الأوروبي في نهاية الأمر إلى إسناد مسألة إدارة الهجرة لتركيا رغم الانتقادات الكبيرة من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان تقول إن هذه الخطة تعمق معاناة أناس منكوبين بالفعل وتتركهم في ظروف سيئة.

وقالت المفوضية الأوروبية أمس الثلاثاء إنه تم بالفعل صرف مبلغ 2.2 مليار يورو من إجمالي الستة مليارات التي وعدت بها، وإن المبلغ المتبقي مخصص لمشروعات بعينها وسيصل للجهات المعنية قريبا.

ولم يبحث الاتحاد الأوروبي بعد ضخ أموال إضافية. وقال دبلوماسيون إن أي قرار بزيادة التمويل ربما يحال لزعماء الاتحاد المقرر أن يجتمعوا في بروكسل يومي 26 و27 مارس آذار.

من جانب آخر، قد يزيد الاتحاد من مساعداته الإنسانية لمنطقة إدلب بشمال غرب سوريا، وهي واحدة من المناطق الأخيرة التي لا يزال يسيطر عليها مقاتلو المعارضة المدعومون من تركيا.

ويكيل الاتحاد الأوروبي أيضا كلمات الدعم لتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي الذي ينتمي إليه معظم أعضاء الاتحاد، فيما يتعلق بالصراع الدائر في سوريا مما يزيد من الضغط السياسي على أردوغان للالتزام باتفاق 2016.

وقال دبلوماسي: “هذا نكوص بالوعد من جانب أردوغان. لا يمكن أن نُخضع أنفسنا للابتزاز، لذا فإن أي مال جديد يجب ألا يأتي بسرعة شديدة. لكن ربما كان علينا أن ندفع في النهاية. هل بأيدينا شيء آخر؟”.

(رويترز)

القدس العربي

—————————————

لماذا تخشى أوروبا من عبور اللاجئين والمهاجرين إليها؟

لندن – الخليج أونلاين (خاص)

يعد تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين عند البوابة الجنوبية الشرقية لقارة أوروبا مثيراً للفزع عند كثير من حكوماتها، بحسب تصريحاتهم.

وعقد الاتحاد الأوروبي الكثير من القمم والمؤتمرات، خصوصاً بعد عام 2016؛ للوقوف على ما تصفه قياداته بخطورة قدوم هؤلاء اللاجئين إلى المجتمعات الأوروبية.

ورغم أن أعداد اللاجئين تضاءلت إلى الحد الأدنى خلال الأعوام الأربعة الماضية، فإن عشرات آلاف اللاجئين توافدوا إلى الحدود التركية مع اليونان وبلغاريا (منذ 27 فبراير 2020)، قاصدين الدول الغربية الغنية في الاتحاد الأوروبي؛ مثل ألمانيا والنمسا وهولندا والنرويج والسويد.

وأعلنت تركيا أنها لن تستطيع ضبط المهاجرين واللاجئين الذين يريدون الذهاب إلى أوروبا، وذلك بعد استهداف جنودها في إدلب على يد النظام السوري، ما أدى لمقتل 33 جندياً تركياً، وإصابة نحو 36 آخرين، ما دفعها للرد بقسوة على النظام المدعوم من قبل روسيا وإيران، وإيقاع خسائر بشرية تقدر بالمئات، بالإضافة لخسائر مادية هائلة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تخشى أوروبا من قدوم عشرات آلاف اللاجئين والمهاجرين إلى هذه الدرجة، وهل تحول الباحث عن الحياة إلى تهديد للقارة العجوز؟

الخشية من اللاجئين

وتبث وسائل الإعلام الأوروبية خطاباً رافضاً لاستقبال موجة جديدة من اللاجئين بعد أن استقبلت بكل دولها قرابة 1.5 مليون لاجئ ومهاجر معظمهم من السوريين، منذ عام 2011.

وتهاجم وسائل الإعلام الأوروبية الخطوة التركية في فتح الحدود، خصوصاً مع ازدياد الأعداد التي تجاوزت 135 ألف مهاجر ولاجئ، وفق أرقام وزارة الداخلية التركية.

    استمرار تدفق مزيد من المهاجرين على الحدود التركية-اليونانية pic.twitter.com/mVzcF3xz8p

    — عربي TRT (@TRTArabi) March 4, 2020

وتعتبر تركيا من أكثر دول العالم استقبالاً للاجئين؛ حيث يوجد فيها 3.6 ملايين شخص من السوريين وحدهم، نحو 200 ألف في مخيمات اللجوء، إلا أنها تخشى من موجة لجوء جديدة بسبب العمليات العسكرية لنظام الأسد وروسيا وإيران قرب حدودها شمالي سوريا.

وقالت صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير لها نُشر في 29 فبراير الماضي، إن حديث الدول الأوروبية عن الكارثة الإنسانية في إدلب، الناتجة عن هجوم النظام السوري وروسيا عليها، يعود إلى خوفها من تدفق اللاجئين السوريين إلى حدودها.

وبحسب الصحيفة فإن إعلان أنقرة أنها لن تمنع اللاجئين من المغادرة إلى الحدود الأوروبية هو محاولة من تركيا لدفع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو” إلى دعم العمليات العسكرية التركية في إدلب، خصوصاً مع تزايد أعداد الجنود الأتراك القتلى في سوريا، وما تسبب به ذلك من ضغوط داخلية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ونجاح إبعاد نظام الأسد عن محافظة إدلب وإعادة سيطرة المعارضة العسكرية المدعومة من أنقرة عليها يخفف على الأخيرة الضغوط بلجوء المزيد إليها.

في المقابل تستخدم السلطات اليونانية العنف والرصاص الحي ضد اللاجئين الموجودين على حدودها، ما أدى إلى مقتل شخصين على الأقل وإصابة العشرات بينهم نساء وأطفال.

    شاهد.. مقتل لاجئ جديد وإصابة آخرين برصاص الجيش اليوناني على الحدود التركية اليونانية #سوريا_ستريم pic.twitter.com/YcK7MasCmV

    — سوريا ستريم – Syriastream (@syriastream) March 4, 2020

وهدد رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، باستخدام القوة في حال وصل هؤلاء المهاجرون إلى حدود بلاده؛ لحماية الاتحاد الأوروبي.

بدوره قال وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر: “إذا تركنا كل دول الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي (لتدافع عن نفسها) فلن تكون هناك سياسة أوروبية موحدة للجوء”.

وأضاف للصحفيين في لوكسمبورغ: “وإذا لم تكن هناك سياسة أوروبية موحدة للجوء فسنواجه من جديد خطر الهجرة الخارجة عن السيطرة في كل أنحاء أوروبا. شهدنا ذلك من قبل ولا أريد أن يتكرر ذلك”.

ومن أجل “تحقيق الاستقرار في المنطقة” دعا مسؤولون في الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب المستشارة أنجيلا ميركل، مؤخراً إلى إنشاء منطقة آمنة دولية في شمال سوريا.

وأكدت زعيمة الحزب المستقيلة ووزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب كارينباور، أن “استقرار المنطقة سيسمح بإعادة إعمارها، ما سيتيح للاجئين العودة الطوعية إليها”.

ويخشى التكتل الأوروبي من تكرار أزمة 2015 التي ألقت بذور الانقسام بين دول الاتحاد، واستنزفت الخدمات الاجتماعية والأمنية، وزادت الدعم لأحزاب اليمين المتطرف الشعبوية المناهضة للهجرة والمشككة في الاتحاد الأوروبي.

كما تخاف الحكومات الأوروبية الحاكمة التي يغلب عليها أحزاب (ليبرالية ووسط) من ازدياد صعود المحافظين وأحزاب اليمين المتطرف، ومن ثم انفرادهم بتأسيس حكومات مقبلة، خصوصاً مع استخدام الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد سياسة الباب المفتوح.

أوروبا هل هي بحاجة إليهم؟

ورغم أن هناك دراسات تؤكد حاجة بعض دول أوروبا للمهاجرين فإن الحكومات الأوروبية لم تتوصل إلى اتفاق مشترك يسهل عليها التعامل مع القادمين منهم.

وذكر موقع “دو” الألماني أن دراسة حديثة أظهرت أن سوق العمل في ألمانيا بحاجة إلى أيدٍ عاملة مهاجرة سنوياً على المدى المتوسط والبعيد تقدر على الأقل بنحو 260 ألف مهاجر.

وبحسب الدراسة، التي أجريت بتكليف من مؤسسة “بيرتلسمان” الألمانية ونُشرت نتائجها في فبراير 2019، فإن القوى العاملة ستتقلص بمقدار الثلث تقريباً (نحو 16 مليون شخص) بحلول عام 2060؛ بسبب شيخوخة المجتمع بدون هجرة.

وأشارت الدراسة إلى أن العمالة المهاجرة من دول أخرى في الاتحاد الأوروبي إلى ألمانيا ستتراجع مستقبلاً مقارنة بالسنوات الماضية، حيث تتقارب القوة الاقتصادية وجودة الحياة في الدول الأوروبية تدريجياً، ما يؤدي إلى خفض الرغبة في قبول وظيفة بألمانيا.

وبينت الدراسة، التي أجراها خبراء من معهد أبحاث اقتصاد السوق والتوظيف وجامعة كوبورغ الألمانية، أن تلك الأسباب تزيد من أهمية استقطاب أيدٍ عاملة من دول خارج الاتحاد الأوروبي خلال العقود الأربعة المقبلة.

وأوضحت الدراسة أن حاجة السوق الألمانية للعمال المهاجرين ستكون بحدود 260 ألف شخص، يمكن أن يأتي نصف العدد، أي نحو 114 ألف شخص من دول الاتحاد الأوروبي، في حين يجب أن يأتي نحو 146 ألف شخص من خارج الاتحاد الأوروبي.

كما أن عدة تقارير تحدثت عن انخفاض نسبة المواليد في أوروبا مقابل ارتفاع عدد الوفيات، ما سيقلل من نسب سكانها، ومن ثم سيؤثر على الحركة الاقتصادية لألمانيا وغيرها.

تعهدات أوروبية

وهددت تركيا مراراً بفتح الحدود إن لم يفِ الاتحاد الأوروبي بالتزاماته تجاه أنقرة؛ كإلغاء تأشيرة الدخول للأتراك، ودفع ما يترتب عليه من أموال، وإعادة توطين اللاجئين، وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، وذلك في إطار الاتفاق المعلن مع تركيا في مارس 2016.

وتعهد الاتحاد الأوروبي ضمن الاتفاق بدفع ستة مليارات يورو (6.6 مليارات دولار) على مرحلتين بحلول نهاية 2018، لتحسين أوضاع اللاجئين، بما يحول دون توجههم نحو أوروبا بحثاً عن حياة أفضل، حيث تؤكد تركيا أنها لم تحصل إلا على 3 مليارات يورو منه.

كما تتهم أنقرة بروكسل بعدم اتخاذها أي خطوات ملموسة لتحسين الأوضاع الإنسانية والأمنية للسوريين داخل بلدهم، وهو ما يمثل إخلالاً آخر بالتزاماته وفق اتفاق الهجرة.

ويتضمن الاتفاق الموقع بين الجانبين أن يتم تحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا، وضمان مواصلة السكان والنازحين في المناطق السورية، خاصة قرب الحدود مع تركيا، حياتهم في ظروف أكثر أمناً.

———————————–

أوروبا لا يمكنها تجاهل اللاجئين السوريين

أوردت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن آلاف المهاجرين الذين سمحت لهم تركيا بالعبور برا أو بحرا إلى اليونان وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع أوروبا التي لم يعد لديها متسع لآمالهم وأحلامهم، بل تراجع تعاطفها مع محنتهم.

وتلقي الصحيفة في مقال للكاتب إيشان ثارور بعض اللوم في حالة عدم الاستقرار الراهنة على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي رغم إقرارها بأن تركيا تواجه تحديا “كبيرا للغاية” في محافظة إدلب السورية، فإنها قالت إن على تركيا التعبير عن استيائها هذا على طاولة حوار مع الاتحاد الأوروبي بدلا من استخدام ورقة اللاجئين.

وقالت ميركل التي كانت تتحدث إلى الصحفيين الاثنين الماضي، إنها لا تعتقد أن تصرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته “هو السبيل للمضي قدما” في حل الأزمة.

سلاح فعّال للقوميين

وعلق الرئيس السلوفيني السابق دانيلو ترك على قرار المستشارة الألمانية ذاك قائلا إنه “جعل الخطاب السياسي في أوروبا أكثر صعوبة ومنح القوميين والعناصر المتعصبة الموجودة سلاحا فعالا”.

ووفقا لثارور، فإن هناك انقساما بين الحكومات الأوروبية بشأن طريقة التعامل مع طالبي حق اللجوء الذين يقيمون بين ظهرانيها وعلى حدودها.

ويقول كاتب المقال إن قرار ميركل في عام 2015 باستقبال لاجئين سوريين في بلدها أثار حفيظة الحكومات ذات التوجهات القومية في وسط وشرق أوروبا، وأشعل ردود فعل من تيارات يمينية شعبوية متطرفة في غرب القارة العجوز.

ووصف مقال واشنطن بوست الأزمة المتعلقة بطالبي اللجوء بأنها جزء من مشكلة أكبر تؤرق الاتحاد الأوروبي، وتتمثل في غياب توافق بين الحكومات الأوروبية، وهو ما من شأنه إعاقة قدرتها على التصرف في الساحة الدولية.

اعلان

أوروبا لم تتصد لمحنة اللاجئين

واعتبر إيشان ثارور في مقاله بالصحيفة الأميركية الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي عام 2016 مع تركيا وبموجبه أغلقت الأخيرة حدودها مع اليونان في وجه المهاجرين، أنه جاء بدوافع مصلحة سياسية ولم يتصد لمحنة اللاجئين أو الصراع الدموي الذي أجبرهم على الفرار من ديارهم.

ويعود ثارور ليقتبس عبارات من حديث كان الرئيس السلوفيني السابق دانيلو ترك قد أدلى به هذا الأسبوع لصحيفة واشنطن بوست جاء فيها إن “عدم تبني الاتحاد الأوروبي في عام 2015 لنهج منظم وما أعقب ذلك من ارتجاله للاتفاقية مع تركيا، كلها عوامل لم تؤسس لمنهاج يصلح للتعامل مع أزمات الهجرة”.

وأضاف ترك أن كل تلك الجهود “بُنيت على أمل أن تنقشع المشكلة بطريقة أو بأخرى، إلا أن ذلك لم يحدث”.

المصدر : واشنطن بوست

———————————

فايننشال تايمز: حرب الاستنزاف التركية- السورية خرجت عن السيطرة

قال المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر إن حرب الاستنزاف الجارية في شمال سوريا خرجت عن السيطرة. وقال إن الأجواء فوق إدلب مزدحمة بالمقاتلات الحربية والطائرات المسيرة حيث يعيش في هذا الجيب الأخير التابع للمعارضة ما يقرب عن 3 ملايين نسمة. وأضاف أن حرب الاستنزاف المتصاعدة بين تركيا والنظام السوري الذي يدعمه الروس تقترب من التحول إلى حرب شاملة.

وقتلت الغارات الجوية وغارات “الدرونز” أعدادا من الجنود على الجانبين. ويقول الدبلوماسيون والمسؤولون وعمال الإغاثة أن أكثر من 27 غارة شنت ضد القوات التركية في إدلب، وربما قام بها الطيران الروسي، وأدت إلى مقتل 34 جنديا تركيا اعترفت أنقرة بمقتلهم.

وتسببت الحرب برحيل مليون لاجئ سوري علقوا في قرب الحدود مع تركيا. ويقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن اللاجئين السوريين الجدد مع أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري استقبلتهم تركيا خلال الحرب الأهلية لهم الخيار بالتوجه شمال نحو أوروبا، مما وسع أزمة إدلب إلى الحدود مع اليونان.

وتساءل غاردنر عن السبب الذي أدى لهذه الكارثة، في وقت كان العالم يحاول فيه إبعاد شبح إدلب عن عقله؟ فإدلب هي المعقل الأخير للمعارضة السورية التي ثارت ضد بشار الأسد في عام 2011. وكانت من أوائل المدن السورية التي ثارت ضد نظام دمشق، وكانت مركز الحرب في سوريا.

وتحالفت روسيا وتركيا رغم دعمهما الأطراف المتحاربة في عام 2016 بعد محاولة الجيش التركي الانقلاب على أردوغان والذي حمّل بدوره الغرب المسؤولية.

ووافق الطرفان على محور خفض التوتر في عام 2018. وتحولت المحافظة إلى عنق الزجاجة للمعارضين وعائلاتهم الذين تم ترحيلهم من مناطق دمشق والمدن التي توصلت لاتفاقات مع النظام. ويقف النظام وحلفاؤه على حافة فتح حقول موت جديدة.

وقام جيش النظام السوري المتداعي وبدعم من الطيران الروسي وإمدادات جديدة من إيران، بالتقدم منذ كانون الأول/ ديسمبر نحو ريف إدلب. وكان الغرض هو السيطرة على طريقين مهمين، الأول من دمشق إلى حلب شمالا، والثاني من الغرب إلى الشاطئ على البحر المتوسط.

واشتكت موسكو من عدم تلبية أنقرة الوعود التي قطعتها بالسيطرة على هيئة تحرير الشام، الموالية للقاعدة، والتي تحتفظ بـ20 مقاتل في المحافظة. وعندما تعرضت نقاط المراقبة التركية في إدلب وعددها 12 نقطة، للحصار، أرسلت انقرة الشهر الماضي فرقة مدرعة.

وفي 26 شباط/ فبراير، تمت استعادة مدينة سراقب التي تقع على الطريقين الاستراتيجيين. وردت قوات الأسد بقوة في اليوم التالي. وردت تركيا بقوة أكبر وقتلت قوات سورية وإيرانية ومقاتلين من حزب الله.

ويعد هذا تصعيدا خارجا عن السيطرة، ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي الذي وقّع اتفاقية في عام 2016 مع تركيا لوقف موجة اللجوء إلى القارة، دعا إلى اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية. وسيلتقي أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الخميس، ولكنه يبدو مكشوفا. فمطالبه بعودة قوات دمشق إلى خطوط خفض التوتر التي اتفقت عليها أنقرة وموسكو ورفضه القبول بمنطقة تركية خارج سراقب يعني مواجهة بينه ونظيره الروسي، ويعرّض للخطر الجيبين التركيين في جرابلس وعفرين التي سيطرت عليهما عام 2016 و2018 وحتى المنطقة العازلة التي سيطرت عليها تركيا بعد انسحاب القوات الأمريكية من شمال- شرق سوريا العام الماضي. ولن يأتي حلف الناتو الذي كان حاميا لتركيا إلى مساعدة الأخيرة بعد شرائها منظومة الصواريخ الروسية اس- 400.

ويبدو الرئيس التركي الذي يرى بلاده وحيده ويفضل العلاقات التعاقدية على التحالفات الطبيعية في وضع ضعيف. واهتمامه بسوريا نابع من رغبته بمنع ظهور جيب كردي سوري على حدود بلاده يتعاون من الانفصاليين الأكراد داخل بلاده، بالإضافة لمنع موجة جديدة من اللاجئين. وهو بحاجة لمساعدة بوتين في الأمرين.

وكما قال أحد المحللين الأكراد البارزين: “ما هي مصلحة تركيا في منع سقوط إدلب؟”.

——————————

مقتل مهاجر إثر إطلاق الشرطة اليونانية النار عند الحدود وأثينا تنفي

 أدرنة- تركيا : ذكر محافظ مدينة أدرنة الحدودية التركية أن مهاجرا قُتل وأصيب خمسة آخرون، بعد أن فتحت الشرطة اليونانية النار عند معبر بازاركول – كاستانيس الحدودي.

وأضاف المحافظ في بيان أن جميع الأشخاص الستة هم من الذكور، لكن لم تُعرف هوياتهم على الفور.

وتعرض القتيل لإطلاق النار عليه في الصدر.

    إطلاق رصاص حي باتجاه اللاجئين.. فيديوهات متداولة على منصات التواصل الاجتماعي توثّق استمرار الانتهاكات اليونانية ضد #اللاجئين الذين يحاولون العبور إلى #أوروبا pic.twitter.com/XtCY30M4oi

    — عربي TRT (@TRTArabi) March 4, 2020

    Footage with TRT World appears to show shots being fired at refugees from Greek side at Edirne-Kastanies border pic.twitter.com/txgY0nlJO1

    — Ali Özkök (@Ozkok_A) March 4, 2020

    #Greek border guards open fire on refugees who try to cross the border

    At least one refugee has been killed and 5 others heavily injured after Greek security forces used teargas, rubber bullets and live rounds against refugees near Pazarkule, the governor of Edirne said. pic.twitter.com/yy6HAgV9kz

    — EHA News (@eha_news) March 4, 2020

واستخدمت شرطة الحدود اليونانية الرصاص المطاطي والحي إلى جانب قنابل الغاز والصوت والدخان، حسب البيان.

ومن جهتها نفت أثينا  “نفيا قاطعا” اتهامات تركية لها بإطلاق الذخيرة على مهاجرين على الحدود مع تركيا، وإصابة العديد منهم بجروح ما أفضى إلى وفاة أحدهم في وقت لاحق.

(وكالات)

——————————–

استعداد أمريكي لتزويد تركيا بالذخيرة… وإسقاط طائرة ثالثة للنظام السوري/ هبة محمد وإسماعيل جمال

أسقطت تركيا أمس الثلاثاء، طائرة حربية للنظام في إدلب، وهي ثالث طائرة حربية سورية تسقطها تركيا منذ يوم الأحد.

وتزامن ذلك مع رسائل أمريكية عدة لصالح تركيا وذلك عبر وفد أمريكي رفيع زار معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، وضم المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا جيمس جيفري والسفير الأمريكي لدى تركيا ديفيد ساترفيلد.

جيفري قال خلال الزيارة إن «الولايات المتحدة مستعدة لتزويد تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية».

وأوضح «نحن على استعداد لتقديم الذخيرة مثلما ذكر الرئيس (ترامب) على سبيل المثال» مضيفا أن المسؤولين الأتراك «شددوا كثيرا» على الحاجة لمساعدات إنسانية».

وأضاف «تركيا شريك بحلف شمال الأطلسي. لدينا برنامج كبير للغاية للمبيعات العسكرية الخارجية. معظم الجيش التركي يستخدم عتادا أمريكيا. سنعمل على التأكد من جاهزية العتاد. ولأننا شريكان في حلف الأطلسي فنحن نتبادل المعلومات المخابراتية وسنعمل على ضمان حصولهم على ما يحتاجونه هناك».

وأعلنت الولايات المتحدة كذلك، أنها سترسل مساعدات إنسانية بقيمة 108 مليون دولار للناس في سوريا.

وفي السياق نفسه، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الذي يزور تركيا، إن النظام السوري وروسيا مسؤولان بالدرجة الأولى عن المأساة الإنسانية في محافظة إدلب، شمال غربي سوريا. جاء ذلك في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الثلاثاء، في العاصمة أنقرة.

وأشار راب إلى أن هدف زيارته إلى تركيا يتمثل في إظهار تضامن بريطانيا مع أنقرة، مشددًا على أن الصداقة بين تركيا وبريطانيا تحمل أهمية أكبر من أي وقت مضى. وفيما يخص مشكلة المهاجرين الأخيرة المتعلقة بالتطورات في سوريا، قال: «النظام السوري وروسيا مسؤولان بالدرجة الأولى عن المأساة الإنسانية، وهجماتهما الظالمة في إدلب تعد واحدة من أكثر الهجمات المدمرة في الماضي القريب».

ورداً على سؤال بشأن احتمال حدوث اشتباكات مباشرة مع تركيا قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحافيين «نأمل أن نتمكن من خفض خطر (المواجهة المباشرة مع تركيا) إلى الحد الأدنى بفضل الاتصال الوثيق بين جيشي البلدين».

ميدانياً، أعلنت وزارة الدفاع التركية إن قواتها أسقطت طائرة حربية سورية من طراز أل-39. وأكدت وكالة «سانا» للنظام نبأ إسقاط الطائرة فوق إدلب بصواريخ أطلقتها طائرات حربية تركية.

واستهدفت طائرات مسيرة تركية رتلاً عسكرياً لقوات النظام في منطقة معرة النعمان، وسط معلومات أولية عن قتلى وجرحى جدد.

في المقابل، برزت معلومات عن استهداف النظام السوري لنقطة مراقبة تركية، وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، مقتل جندي إثر هجوم في إدلب.

وتزامن ذلك مع محاولة نحو عشرة آلاف لاجئ عبور الحدود إلى اليونان براً في الأيام القليلة الماضية، فيما وصل أكثر من ألف بحراً إلى الجزر اليونانية، مما أثار مخاوف من تكرار أزمة الهجرة التي وقعت عامي 2015 و2016 عندما عبر أكثر من مليون شخص الحدود إلى اليونان وغرق نحو أربعة آلاف في بحر إيجه.

إلى ذلك ذكرت تقارير صحافية أن المستشارة الألمانية انغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعربا في اتصالين هاتفيين منفصلين مع بوتين عن قلقهما إزاء الوضع الإنساني الكارثي في إدلب السورية، وطالبا بوقف فوري للعمليات القتالية هناك.

وقال مشاركان في اجتماع لميركل مع زملائها المحافظين من أعضاء البرلمان، إنها أبلغتهم بتأييدها لإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا.

————————————

يونانيون يعتدون على الصحافيين خلال تغطية وصول اللاجئين

ة الصحافيين”، أمس الثلاثاء، السلطات اليونانية بإجراء تحقيق سريع وشامل في الاعتداءات على المراسلين الذين يغطون تحركات اللاجئين، وبضمان حماية الصحافيين الذين يتابعون القضايا التي تثير اهتمام العامّة.

وجاء بيان “لجنة حماية الصحافيين” بعدما اعتدت مجموعة من اليونانيين المعادين للاجئين في ميناء ثيرمي، في جزيرة ليسبوس، يوم الأحد الماضي، على اللاجئين الذين يحاولون دخول البلاد من تركيا، كما اعتدت على المراسلين الذين يغطون وصولهم، وفق ما بينته الصور والفيديوهات المتناقلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تقارير إعلامية.

اليونانيون المتطرفون اعتدوا يوم الأحد على موفد “التلفزيون العربي” إلى اليونان، صابر أيوب، في “مخيم موريا” في جزيرة ليسبوس، كما سرقوا هاتفه المحمول. وعاد أيوب يوم الإثنين إلى العاصمة البريطانية لندن، مع مجموعة من الصحافيين والأطباء وعاملي الإغاثة الذين غادروا الجزيرة نتيجة التوترات.

وضربوا المصور الصحافي المستقل، مايكل ترامر، وألقوا كاميراته في الماء. أخبر ترامر “لجنة حماية الصحافيين” أنه ذهب إلى غرفة الطوارئ المحلية بعد الاعتداء، مصاباً بجروح في رأسه، حيث تلقى غرزاً.

كما ضربوا المصور المستقل، رافاييل نيبينغ، وفق ما قاله عبر حسابه على “تويتر”.

ورموا عصى على مراسل صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، غيورغوس كريستيديس، حين كان يحاول تغطية وصول اللاجئين، وفق ما كتبه على “تويتر”، مضيفاً أن المعتدين نصبوا حواجز على الطرقات، لعرقلة المراسلين والعاملين في مجال حقوق الإنسان.

نشر المصور الصحافي المستقل، جوليان بوش، مقطع فيديو على “تويتر” يظهر السكان المحليين يرمون العصي على السيارة التي كان يقودها برفقة الصحافية المستقلة فرانسيسكا غريلماير.

العربي الجديد

——————————–

توقعات تركية روسية متناقضة..من لقاء أردوغان وبوتين

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يتوقع أن يتوصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى موسكو الخميس، إلى وقف إطلاق نار بسرعة في منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية.

ورداً على سؤال حول الزيارة، قال أردوغان: “أتوقع ضمان وقف إطلاق نار بسرعة في المنطقة”.

وعما إذا تلقى الجانب التركي أي مقترحات قبل زيارته إلى روسيا، قال أردوغان: “لا يوجد هناك مقترحات في الوقت الراهن، لنجري زيارتنا أولاً، وسنعقد مؤتمراً صحافياً مع السيد بوتين عقب اللقاء”.

وأشار إلى أنه سيصطحب معه صحافيين خلال الزيارة وسيطلعهم على الكثير من الأمور، مؤكداً أنه لن يبقي أي شيء سراً.

وحول تصريح المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري بخصوص نية واشنطن تقديم ذخائر إلى تركيا، أوضح أردوغان أنه نقل مثل هذه الطلبات إلى نظيره الأميركي دونالد ترامب.

واتهمت روسيا، تركيا، الأربعاء، بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق سوتشي وبمساعدة ما أسمتهم “المتشددين” بدلاً من ذلك.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن متحدث باسم وزارة الدفاع الروسية قوله إن التحصينات “الإرهابية” اندمجت مع مواقع المراقبة التركية في إدلب، مما أدى إلى هجمات يومية على قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا. وقال إن تركيا حشدت قوات مساوية لفرقة ميكانيكية، منتهكة القانون الدولي.

وأضاف أن الدول الغربية والأمم المتحدة “لم تكترث” على الإطلاق ب”الانتهاكات الجسيمة” لمذكرة سوتشي بشأن إدلب، والتي ارتكبتها تركيا و”الجماعات الإرهابية” المتواجدة هناك. وتابع أن تلك “الانتهاكات” تتمثل ب”قصف متزايد للمناطق السورية المجاورة وقاعدة حميميم الروسية وتعزيز قبضة الإرهابيين من هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني وحراس الدين على المنطقة وتمازج مواقعهم مع نقاط المراقبة التركية بدلا من إخراجهم من المنطقة وفصلهم عن المعارضة المعتدلة”.

وأضاف أن لا أحد في الغرب يبالي بتصرفات تركيا التي نقلت إلى إدلب قوة عسكرية ضاربة بحجم فرقة مؤللة، وذلك في خرق للقانون الدولي، بينما التهديدات العلنية التركية بالقضاء على كافة وحدات قوات النظام السوري وإعادة الطريق “إم5” تحت سيطرة “الإرهابيين”، توصف في أوروبا والولايات المتحدة بأنها “حق أنقرة الشرعي في الدفاع عن النفس”.

وكان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قال الثلاثاء، إن روسيا لن تتوقف عن محاربة “الإرهاب” في إدلب، من أجل حل أزمة الهجرة في أوروبا. وأضاف أن موسكو تواصل الحوار مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول لهذه المشكلة.

من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن أنقرة تنتظر من روسيا الوفاء بالتزاماتها كدولة ضامنة واستخدام نفوذها على النظام السوري لوقف هجماته والعودة إلى الالتزام بحدود اتفاق سوتشي.

وأضاف أن الأنشطة التركية في إدلب تندرج تحت المادة ال51 من ميثاق الأمم المتحدة، المتعلق ب”حق الدفاع المشروع”، وضمن إطار اتفاقيات أستانة وسوتشي. وأشار إلى أن هذه الأنشطة تهدف إلى عرقلة الهجرة، وإنهاء الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتوفير أمن حدود تركيا وشعبها.

وأكد أن تركيا سترد بقوة أكبر ومن دون تردد على الهجمات التي ستتعرض لها وحدات الجيش التركي ونقاط المراقبة في إدلب.

المدن

————————-

المعارضة تهاجم سراقب مجدداً..لاستنزاف النظام وميليشياته

بدأت المعارضة السورية، الأربعاء، هجوماً معاكساً هو الأعنف ضد مواقع قوات النظام والمليشيات الموالية في ضواحي سراقب الجنوبية الغربية في ريف إدلب الشرقي. وحققت الفصائل المهاجمة في الساعات الأولى من العملية تقدماً واسعاً في أكثر من محور، وتواصل هجماتها البرية وتكثف نيرانها بهدف التوغل في أحياء المدينة مجدداً وذلك بعد يومين من خسارتها لصالح النظام والميليشيات الموالية له.

وانطلقت المعارضة من مواقعها في محيط سان نحو مواقع قوات النظام المتقدمة في القرى والبلدات الواقعة في الأطراف الجنوبية الغربية من البلدة بعد أن مهدت لتقدمها بقصف مدفعي وصاروخي عنيف دمر دفاعات خصومها، وتسبب بمقتل 10 عناصر على الأقل من المليشيات. ودمرت الفصائل المهاجمة بصواريخ مضادة للدروع عدداً من الآليات العسكرية لقوات النظام والمليشيات الموالية لها أثناء انسحابها نحو مواقعها الخلفية.

وقالت مصادر عسكرية في “الجبهة الوطنية للتحرير” ل”المدن”، إن هجمات الفصائل المعارضة تركزت في المرحلة الأولى من العملية العسكرية في قرى ترنبة وجوباس وشابور وهدفها الوصول إلى أطراف المدينة. وأضافت انه من المفترض أن يتم في المرحلة الثانية من العملية العسكرية دخول الأحياء الطرفية، والتوغل أكثر وسط البلدة والاشتباك بشكل مباشر مع قوات النظام والمليشيات، وتكرار سيناريو حرب الشوارع بهدف استنزاف رأس الحربة الذي يعتمد عليه النظام في هجماته والعمل على تحييده كلياً من المعركة.

الطائرات التركية المسيرة واصلت تحليقها في أجواء منطقة العمليات شرقي إدلب ونفذت عدداً من الغارات الجوية مستهدفة مواقع لقوات النظام والمليشيات وعدداً من آلياتها الثقيلة. وقتلت عدداً من عناصر المجموعات المتمركزة في محيط المواقع المستهدفة في العمليات الهجومية للمعارضة، وشاركت المدفعية التركية بالتمهيد للمعارضة موقعة أضرار كبيرة في دفاعاتها وتحصيناتها المنشأة حديثاً.

وتتحفظ المعارضة على نتائج المرحلة الأولى من هجومها المعاكس ضد قوات النظام والمليشيات برغم تقدمها البري في منطقة العمليات، ووجهت تعليمات مباشرة للمكاتب الإعلامية والناشطين العاملين معها كي يتم تأخير الإعلان عن المواقع والقرى التي تتم السيطرة عليها إلى مرحلة لاحقة بعد تثبيت السيطرة وتأمين المواقع، وهي إجراءات جديدة تهدف إلى التشويش على خصومها والاحتفاظ بعنصر المفاجأة في المعركة، وأيضاَ توفر لها ضرراً معنوياً أقل في حال لم تنجح في هجومها البري واضطرت للانسحاب.

ومع بداية هجوم المعارضة انسحبت دورية للشرطة العسكرية الروسية من مواقعها القريبة من جسر سراقب شمالي البلدة، وتوجهت نحو معرة النعمان جنوباً، وتسبب انسحابها بخلخلة صفوف قوات النظام والمليشيات الإيرانية تحديداً.

وأبلغ الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني”، الرائد يوسف حمود “المدن”، بأن نشر الشرطة العسكرية الروسية في مدينة سراقب هو بالأصل إدعاء روسي كاذب، والدورية التي تم تسييرها هي دعائية وليس لها تمركز فعلي داخل المدينة. وقال إن المزاعم الروسية حول نشر شرطتها العسكرية في مناطق العمليات هي محاولة يائسة لمنع الفصائل من الهجوم، ولإتاحة الفرصة للمليشيات لكي تثبت مواقعها.

ويبدو أن هدف المعارضة من هجومها المعاكس نحو سراقب لا يهدف إلى استعادتها وحسب، إنما الاستمرار في معارك الاستنزاف التي بدت في صالحها من حيث الخسائر القليلة التي منيت بها في حين خسرت قوات النظام والمليشيات المئات من عناصرها والكثير من عتادها الحربي.

وحاولت قوات النظام والمليشيات تشتيت المعارضة في الجبهات الشرقية وإضعاف عملياتها الهجومية عبر إشغال أكثر من محور عمليات في محيط إدلب وسهل الغاب وريف اللاذقية الشمالي. ونفذت “الفرقة الرابعة” و”الفيلق الخامس” و”الفرقة التاسعة” و”الفرقة 11 مدرعة” عدة هجمات في محاور العنكاوي وزيارة السرمانية في القطاع الشمالي من سهل الغاب، وقصفت مواقع المعارضة وعدداً من القرى في المنطقة المقابلة لمحاور الإشغال البري.

وكانت قوات النظام والمليشيات الموالية قد أرسلت مؤخراً تعزيزات عسكرية كبيرة إلى ريف حماة الشمالي الغربي تمهيداً لإشغال جبهات المنطقة وتوسيع جبهة القتال مع المعارضة خلال الفترة القادمة، لكن عدد من المعسكرات والثكنات العسكرية التابعة لقوات النظام في المنطقة تعرضت لقصف بري عنيف شنته فصائل المعارضة، بالتزامن مع استهداف الطائرات التركية المسيرة عدة مواقع وغرف عمليات، بينها موقع مهم للمليشيات في منطقة قلعة المضيق والتي قتل فيها قادة ميدانيين من “الفرقة 25 مهام خاصة”.

المعارك بين قوات النظام والمعارضة امتدت إلى المرتفعات الجبلية في جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، وكانت أكثر تركيزاً في محور الحدادة، وتمكن مقاتلو المعارضة المرابطين في منطقة الجبلية الوعرة من التصدي للقوات المهاجمة وإجبارها على التراجع.

المدن

————————-

وفد أميركي على الحدود..وواشنطن تبحث تزويد تركيا بدفاعات جوية

أعلن مسؤولون أميركيون أن واشنطن مستعدة لتزويد تركيا بالذخيرة وتبحث طلباً تركياً للحصول على دفاعات جوية.

الإعلان الأميركي جاء خلال زيارة وفد أميركي رفيع المستوى مناطق في شمال سوريا، بالقرب من الحدود التركية، حيث إطلع على سير المساعدات الدولية للنازحين السوريين، الفارين من هجمات نظام الأسد.

وضم الوفد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة كيلي كرافت، والسفير الأميركي في أنقرة دايفد ساتيرفيلد.

وفيما أكد ساترفيلد أن بلاده تبحث طلباً تركياً للحصول على دفاعات جوية، قال جيفري إن الولايات المتحدة مستعدة لتزويد تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية في منطقة إدلب السورية.

وأضاف جيفري للصحفيين “تركيا شريك بحلف شمال الأطلسي. معظم الجيش يستخدم عتادا أميركيا. سنعمل على التأكد من أن العتاد جاهز ويمكن استخدامه”.

وأفادت وكالة “الأناضول” بأن الوفد الأميركي زار المركز اللوجستي التابع للأمم المتحدة في قضاء ريحانلي، واطلع على عمل المركز من مارك لوكوك، نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

ومن ثم توجه إلى معبر “جيلوة غوزو” الحدودي، المقابل ل”باب الهوى” في محافظة إدلب السورية حيث اجتاز الحدود لبضعة أمتار، قبل أن يلتقي مع مجموعة من متطوعي الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، وأعرب عن دعمهم لهم.

وشددت كرافت على أهمية تسليم المساعدات الإنسانية في هذا الوضع للنازحين السوريين، مؤكدة على ضرورة العمل على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار.

وأضافت أن بلادها خصصت 180 مليون دولار كمساعدات إضافية للسوريين، داعية الدول الأخرى لزيادة مساعداتها، معربة عن امتنانها لتركيا لتحملها العبء الأكبر في تلبية احتياجات السوريين وحملت كرافت، دمشق مسؤولية تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا.

والتقط جيفري وكرافت وساترفيلد، صوراً أمام لوحة تحمل عبارة “سوريا ترحب بكم”، مع عناصر “الخوذ البيضاء”.

ووصل الوفد الاثنين إلى العاصمة التركية أنقرة، حيث عقد لقاءات مع المسؤولين الأتراك، والتقى مع ممثلي الأمم المتحدة والمنظمات المدنية، لبحث الأزمة الإنسانية الحاصلة في إدلب نتيجة هجمات النظام السوري.

—————————–

سعودي يوصي “أحفاد العثمانيين” بالسوريين في إدلب

استعانت صحيفة “يني شفق” التركية، المقربة من الرئيس رجب طيب أردوغان، بـ”نبي الشمال السوري” عبد الله المحيسني، وهو داعية جهادي معروف بعلاقاته مع تنظيم “القاعدة”.

وبثت الصحيفة التركية مقطع فيديو عبر حسابها في “تويتر”، ظهر فيه المحيسني، وهو يخاطب الشعب التركي، لحشد التأييد للحملة العسكرية التي أطلقتها أنقرة في إدلب تحت اسم “درع الربيع”، واصفة إياه بـ”القاضي في جيش الفتح” علماً أنه كان حتى العام 2017 عضواً في “المجلس الشرعي” لـ”هيئة تحرير الشام”.

    Fetih Ordusunda hakim olarak görev yapan Suudi Arabistanlı Abdullah Muhaysini, Türk halkına seslendi:

    Kadınları öldürüyorlar. Çocukları diri diri gömüyorlar. Müslümanların minareleri yıkılıyor. Suriye halkı nida ediyor. Ey Osmanlı torunları sizler onlara en yakın insanlarsınız. pic.twitter.com/qB3imaq8wX

    — Yeni Şafak (@yenisafak) March 1, 2020

وخاطب المحيسني، الذي يحمل الجنسية السعودية، المواطنين الأتراك، داعياً إياهم لـ”التدخل لحماية الأطفال والنساء السوريين”، وقال متحدثاً بالعربية: “إنهم يقتلون النساء ويدفنون الأطفال أحياء. منارات المسلمين دُمّرت. الشعب السوري يتفرج. يا أحفاد العثمانيين أنتم أقرب الناس إليهم”.

والحال أن المحيسني هو إحدى الشخصيات المصنفة في لوائح الإرهاب الخاصة بوزارة الخزانة الأميركية، ويعتبر واحداً من الأصوات البارزة التي ساهمت في الدعاية الجهادية لتجنيد متطرفين من حول العالم للقتال في سوريا، وتنقل في ولائه بين تنظيمات عديدة خلال السنوات الماضية، ويقول عن نفسه حالياً انه مستقل.

وأدار المحيسني مركز “دعاة الجهاد” في إدلب، الذي كان أحد أشهر مراكز تجنيد القاصرين وتدريبهم على القتال في الشمال السوري، حيث استقبل الفتيان في عمر 14 سنة لتدريبهم على استخدام السلاح وركوب الخيل، بغرض نصرة الدين في معسكر “أشبال الفاروق”، بشكل يشابه إلى حد كبير معسكرات “أشبال الخلافة” التابعة لتنظيم “داعش”، إلى جانب الدورات الشرعية التي كان يقيمها المركز بانتظام منذ إنشائه مطلع العام 2013، كما تبعت له مجموعة من وسائل الإعلام أبرزها إذاعة “صدى الجهاد” التي كانت تبث في الشمال السوري.

كما أثار المحيسني جدلاً كبيراً العام 2016 بين صفوف الجهاديين أنفسهم عندما خرج بتصريحات اعتبرت بأنها “ادعاء للنبوة”، ما جعله يحمل لقب “نبي الشمال السوري” بين الهازئين به. ورغم ذلك حافظ على نفوذه كشخصية جهادية بارزة في إدلب.

ومنعت “هيئة تحرير الشام”، بقية الفصائل المعتدلة في إدلب من الدخول إلى المحافظة الشمالية، للدفاع عنها، واتهمها ناشطون معارضون قبل أسابيع بتسليم مناطق عديدة لجيش النظام السوري، الذي تعهد باستعادة السيطرة على كامل إدلب، ولم يوقف حملته التي تدعمها روسيا، رغم تهديدات أنقرة. مع الإشارة إلى أن الجماعات الجهادية التي يروج لها المحيسني، رفضت علناً اتفاق “سوتشي” بين تركيا وروسيا، الذي يقضي بوجوب تسليم القوى المتطرفة سلاحها والانسحاب من منطقة جرى تحديدها بين الدولتين.

وبدأت أنقرة منذ أيام حملة عسكرية في إدلب باسم “درع الربيع”، تشارك فيها جماعات سورية معارضة تحمل الولاء لتركيا، رداً على مقتل 33 جندياً تركياً بضربات لجيش النظام السوري، ولعدم استجابة حكومة دمشق بسحب قواتها إلى ما قبل نقاط المراقبة التركية.

وتحيل استعانة “يني شفق” بالمحيسني، إلى حقيقة سطوة أنقرة على التنظيمات الجهادية في سوريا، والتي باتت بدورها ورقة نفوذ وسبباً للخصام بين تركيا وروسيا. والغريب هنا هو بث “يني شفق” بشكل خاص للفيديو، والتي رغم ميولها المحافظة تبقى إلى حد ما بعيدة من التطرف الذي قد يتواجد في صحف تركية أخرى، ومن بينها صحيفة “يني أكيت” الأصولية والمشهورة بتقديم خطاب الكراهية والتي تدعم علناً تنظيم “القاعدة”، إلى درجة أنها نشرت تعزية ضمن صفحة كاملة فيها في أيار/مايو 2011 تكريماً لزعيم “القاعدة” أسامة بن لادن، الذي أعلن عن مقتله حينها.

    المعارضة السورية المعتدلة ، معارضة اردوغان المعتدلة. تكبير pic.twitter.com/7mxZO5BUXB

    — Remi Maalouf (@RemiMaalouf) March 2, 2020

والحال أن هذه النماذج الإعلامية، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التي يظهر فيها مقاتلون سوريون موالون لتركيا، وهم يرددون صيحات “الله أكبر” ويتحدثون عن الفتوحات الإسلامية بلغة مشابهة للغة عناصر تنظيم “داعش” تماماً، تستخدم بسهولة في الحرب الإعلامية من الصفحات والشخصيات الإعلامية الموالية للنظام السوري، وتبرير العمليات العسكرية المضادة، والتي لا تستهدف فقط جنوداً ومسلحين، بل تطاول المدنيين وحتى اللاجئين.

ويتم تعميم هذه النماذج المتطرفة في خطاب النظام السوري وحلفائه، على المعارضة السورية، وعلى جميع الهاربين من بطش النظام، ويصل الأمر حد تحذير الدول الأوروبية من “الإرهابيين” في إشارة إلى اللاجئين السوريين الذين فتحت السلطات التركية الحدود أمامهم للتوجه إلى أوروبا مؤخراً.

ويساهم ذلك في الترويج لفكرة أن النظام السوري هو البديل الوحيد عن الإرهاب، وبأنه عنصر فعال في النظام الدولي الجديد، ويمارس مهمة محددة للحفاظ على الأمن في العالم، رغم أنه في الواقع المتسبب في الكمّ الأكبر من جرائم الحرب في البلاد، حسبما تظهر إحصائيات منظمات المراقبة ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة على حد سواء.

——————————

سراقب… “عقدة المواصلات والمعارك

سلطت التطورات العسكرية الأخيرة الضوء على بلدة سراقب السورية الاستراتيجية، البلدة التي سويت بالارض حالياً ولا زالت تدور فيها أعنف المعارك بين قوات النظام السوري والفصائل المعارضة لكونها تشكل عقدة مواصلات مهمة بين أطراف ريف إدلب ونقطة وصل على أوتوستراد دمشق-حلب.

وتقع سراقب في الجنوب الشرقي من محافظة إدلب وبلغ عدد سكانها 32 الف نسمة في عام 2004. وتمتد على مساحة 17 ألف هكتار، وتبعد 50 كم عن حلب و135 كم عن حمص و297 كم عن دمشق.

يمرّ في سراقب الطريق الدولي الحديث الواصل بين كلّ من حلب إلى دمشق، بالإضافة إلى وقوعها على طريق حلب اللاذقية الأمر الذي سهّل عمليّة وصول المنتجات الصناعيّة والزراعيّة لميناء اللاذقية الذي يعتبر الميناء الأهمّ سورياً، كما تضمّ هذه المدينة العديد من المراكز الحكوميّة بما في ذلك المركز الثقافي، ومؤسّسة العمران، والفرن الآلي، والمصرف الزراعيّ، والمستوصف الصحي، ودائرة زراعيّة، ووحدة إرشاديّة، ومدارس لكافّة المراحل الدراسيّة.

تشتهر هذه المدينة بقطاعها الصناعي وتحتوي على عدد كبير من المنشآت الصناعية المتمثلة في المصانع والمعامل، بالإضافة إلى قطاع الزراعة المتمثّل في إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية المختلفة، كما تشتهر بطريقة بناء منازلها، الحجرية وبطرق فنيّة جاذبة للأنظار. وتاريخياً كانت سراقب عبارة عن محطّة للقوافل التجارية التي تأتي من منطقة باب الهوى إلى كافّة أرجاء المناطق الموجودة في الجزيرة العربيّة بالإضافة إلى دول الخليج؟

كانت سراقب من أولى مدن إدلب وسوريا عموماً التحاقاً بركب الثورة، وكان أول تجمع تشهده المدينة في 25 آذار/مارس 2011، حين تجمع عشرات الشبان بعد صلاة الجمعة في ما عرف حينها ب”جمعة العزة” هاتفين بشعارات منها “ما ظل خوف بعد اليوم” ما أدى لاستماتة النظام السوري للسيطرة على المدينة ووضع نقاط ثابتة لها حول وداخل المدينة، وكانت ثالث نقطة تظاهر بعد درعا وبانياس اقتحمتها قوات النظام في 11 آب/أوغسطس 2011 فقتل واعتقل الكثير من ساكنيها حتى وصل عدد المعتقلين في ذلك اليوم إلى أكثر من 200 شخص.

وعادت قوات النظام لتقتحمها مرة ثانية في 24 آذار/مارس فقتلت 27 شخصاً واعتقلت العشرات ودمرت بعض البنية التحتية للمدينة ومركز المدينة والسوق التجاري فيها وحرقت عشرات المنازل والمحال التجارية كما قامت بإعدامات ميدانية لأكثر من 17 شخصاً. خرجت المدينة من سيطرة الجيش السوري النظامي وانسحبت آخر القوات من منطقة الإذاعة تحت جنح الليل في 2012.

وعرفت المدينة بأنها من أكثر المدن السورية انخراطاً في الثورة، سواء كان ذلك في مرحلة الاحتجاجات السلمية أم في مرحلة الثورة المسلحة، كما عرفت بجمالية شعاراتها ولوحاتها الجدارية التي ركزت على الانتماء الوطني الجامع ونبذ الطائفية والمطالبة بدولة مدنية ديموقراطية.

وفي كانون الثاني/يناير 2017 سيطرت عليها حركة أحرار الشام، قبل أن يستعيد تحالف مكون من جبهة فتح الشام وفصائل أخرى السيطرة علىها من جديد.

وتعرضت سراقب لقصف متكرر من قبل قوات النظام والقوات الروسية الحليفة، منذ أواخر كانون الثاني/يناير 2018 وأدت عشرات الغارات الجوية لحدوث مجازر متكررة فيها، من بينها مجزرة سوق الخضار التي وقعت في 29 كانون الثاني 2018، وسقط فيها 14 قتيلا وعدداً من الجرحى من الباعة والمتسوقين.

وأعلنت مدينة منكوبة في 30 كانون الثاني 2018، بعد توقف المشفى التابع لأطباء بلا حدود عن الخدمة، وتوقفت محطة الكهرباء والمياه عن العمل، كما توقف بنك الدم عن تقديم خدماته.

وفي مطلع عام 2020 عادت سراقب الى الواجهة مع تقدم قوات النظام بشكل سريع في ريف إدلب والدخول الى البلدة  بتاريخ 11 شباط/فبراير 2020 لأول مرة منذ سنة 2012 قبل أن تستعيدها المعارضة بعد اسابيع لبعض الوقت، وتتحول إلى ساحة معارك مستمرة.

——————————————-

الأكراد بين فكي موسكو وواشنطن..كوباني قد تكون الثمن/ حسن قاسم

تترقب القيادات الكردية في شمال شرق سوريا بقلق بالغ نتائج محادثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان المرتقبة الخميس، والتي يُعتقد أن أحد أبرز بنودها سيكون تسليم عين العرب (كوباني)، الواقعة ضمن حدود اتفاقية أضنة التي تُعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة لمواجهة حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم.

وعلمت المدن من مصدر مطلع؛ أن الجانب الروسي أبلغ القيادات الكردية “بشكل غير مهذب”، باحتمال إخلاء عين العرب، تمهيداً لتسليمها للقوات التركية والجيش الوطني السوري، وربما عين عيسى أيضاً، بعد التعنت الذي أبدته هذه القيادات حيال المطلب الروسي بإدماج قوات سوريا الديموقراطي (قسد) في قوات النظام، وقطع الصلة بواشنطن؛ كشرط لا عودة عنه ﻷخذ المطالبات الكردية باﻻعتبار.

المصدر، وهو قيادي في “مجلس سوريا الديمقراطية-مسد”، أكد ل”المدن”، قبول المفاوض الكردي بتقديم بعض التنازلات في ما يخص “اﻹدارة الذاتية”، وأن اﻷخيرة عقدت خلال اﻷيام الماضية، سلسلة من اﻻجتماعات التمهيدية مع اللجان والهيئات الفرعية التابعة لها في المناطق التي تسيطر عليها قسد شمال شرق البلاد.

وبحسب المصدر عُقدت اﻻجتماعات في الحسكة بحضور إلهام أحمد؛ الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية في مسد، وضمت 42 ممثلاً عن مختلف مناطق شرق الفرات؛ اتفقوا على عقد سلسلة لقاءات في القريب العاجل ستستغرق أسبوعاً، وأشار إلى أنها ستنقسم إلى شقين؛ سياسي يتصل بعلاقة “اﻹدارة” مع النظام، وآخر خدمي سيبحث إعادة افتتاح الدوائر الحكومية التابعة له في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

المصدر أوضح، أن بعض الأطراف في اﻹدارة الذاتية وقسد تعول على التفاهم مع النظام أملاً في الحفاظ على المكتسبات المتحققة لها شرق الفرات وأولها اﻹدارة الذاتية، مقابل ما سيجنيه النظام من دعم لاقتصاده المتهالك جراء سيطرته على خزان ثروات سوريا فضلاً عن المكسب السياسي المتحقق من هذه السيطرة؛ ولا يبدو أن الظروف الحالية تخدم تعويل هذه اﻷطراف إن لجهة الدعم الروسي أو قبول النظام.

خلال اجتماع عُقد نهاية العام الماضي في مقر وزارة الدفاع في موسكو اعتبر قائد مجموعة القوات الروسية في سوريا، الفريق ألكسندر تشايكو، مساعدة قوات بلاده نظام اﻷسد في بسط سيطرته على الأراضي واقعة شرق الفرات، الإنجاز الأهم لها في سوريا في 2019، وهو كذلك.

ومع عودة النظام إلى هذه المناطق شرق الفرات، وأمام ما بدا مؤخراً كإنتصار له في إدلب شمال غرب البلاد؛ تراجع الحديث الروسي عن مسودة الدستور الذي تضمن مواداً حول اللامركزية والصلاحيات الموسعة للمجالس المحلية، اﻷمر الذي يشي بأن ما تسعى إليه موسكو لن يعدو أن يكون اتفاق تسوية آخر يشبه ما سبقه من اتفاقات المصالحة التي رعتها حميميم في مناطق سورية أخرى.

بدوره لم يبدِ نظام اﻷسد أي تجاوب مع التطلعات الكردية في اللامركزية، واستمر بوصمها بالانفصالية والاتصال بأجندات خارجية تريد بسوريا شراً. وفي ظل الانكفاء الروسي عن التلويح للقوى الكردية بتلبية هذه التطلعات، لن يكون النظام مجبراً على تقديم أي تنازلات تتجاوز سقف قانون اﻹدارة المحلية المتضمن في “المرسوم التشريعي” رقم 107 للعام 2011، والذي لا يمّس السلطة المركزية لدمشق على هذه اﻷطراف، ويحتفظ لها بحق تعيين المحافظين فيها وعزلهم، إضافة لقابلية تعديله بل وتعليقه إن لزم اﻷمر.

من جانب آخر، وبحسب المصدر نفسه، حذر المبعوث اﻷميركي جيمس جيفري، في ما يشبه التهديد المبطن، القيادات الكردية في قسد واﻹدارة خلال اجتماعه بها في الحسكة الثلاثاء 18 شباط/فبراير، من خطر التعاون مع النظام وموسكو، وحثها على التعجيل في فك اﻻرتباط بقيادة حزب العمال الكردستاني في قنديل.

ولا تعطي الولايات المتحدة اهتماماً للتطلعات الكردية في اللامركزية أو الحكم الذاتي، بقدر اكتراثها لكبح التوسع اﻹيراني عبر المنطقة إلى ساحل المتوسط، مع ما يتضمنه ذلك من منع للنظام من الوصول إلى بقية مناطق شرق الفرات أو اﻻستقرار في المناطق التي وصل إليها بمساعدة الروس وعبرهم، اﻷمر الذي يضع القوى الكردية وأي اتفاق قد تبرمه معه في مواجهة الرفض اﻷميركي.

سياسياً؛ تركّز واشنطن على وحدة الصف المعارض عبر تقريب الجناح السوري في قسد واﻹدارة من اﻻئتلاف وهيئة التفاوض، ومحاولة التخفيف من النفوذ التركي في صفوف اﻷخيرة، بالتوازي مع دفعها اﻷكراد السوريين لفك اﻻرتباط بقيادة قنديل، تمهيداً ﻹعادة إحياء مسار جنيف بوفد موحد للمعارضة؛ إضافة لمساعيها المحليّة للتخفيف من سطوة وحدات الحماية وكوادر حزب اﻻتحاد الديمقراطي في قسد واﻹدارة الذاتية، المرتبطين منهم بقنديل على وجه الخصوص، والمحسوبين على محور موسكو-طهران، لحساب توسيع التمثيل العربي في الكيانين.

على اﻷسس السابقة، قد تدعم واشنطن شكلاً من اﻹدارة الذاتية لهذه المناطق، وربما تدافع عنه في الحل السياسي المرتجى من مسار جنيف، وهو أمر أبعد ما يكون عن المسار الذي ترعاه موسكو اﻵن وتدفع فيه كلا الجانبين، والذي سيفضي إلى تحويل “اﻹدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” محض إدارة محلية تابعة لنظام اﻷسد، بحسب ما يراه المصدر المعارض لمجريات المسار.

وعلى عكس القوى الكردية، ليس لدى نظام اﻷسد ما يخسره في سياق محاولاته ابتلاع اﻹدارة الذاتية واختزال قسد إلى ورقة عسكرية في ملف صراعه مع أنقرة، مستغلاً تهديدات الأخيرة بتطبيق أضنة، ما دامت موسكو متكفلة بالتعامل معها، بل لعله يستعجل اﻷمر ويقايضه على ملف إدلب، في وقت لا تبدي فيه أنقرة كبير حماس أو استعجال في تنفيذ تهديداتها.

المدن

—————————–

سوريا: أسرار معارك إدلب

كواليس معارك الشمال السوري

خلف كواليس لعبة النار في الشمال السوري، مجموعة لقاءات ثلاثية وثنائية حدّدت معالم المعركة الحالية. الأساس في ما يدور، هو قرار دمشق التوجّه نحو تحرير مدينة إدلب، بالإضافة إلى تأمين طريقَي «دمشق ــــ حلب» و«اللاذقية ــــ حلب». هذا التوجّه كان جزءاً أساسياً من اجتماعات ضمّت إسماعيل قاآني وحقان فيدان، وأخرى جمعت علي مملوك وحقان فيدان، وثالثة روسية ــــ تركية ــــ إيرانية. وفيما تعمل دمشق على تحصيل «الجغرافيا الكاملة» على دفعات، تحضر معادلات الشمال التي ترتسم حالياً على جدول أعمال الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان يوم غد.

لم تكن عودة السخونة إلى الميدان في الشمال السوري في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي مجرّد خروقات لـ«اتفاق الهدنة» على جبهات حلب وإدلب. إذ يأتي التدحرج بالنار، الحاصل منذ شهر ونصف شهر، ضمن مخطّط لدى دمشق وحلفائها، جزء منه قابل للتنفيذ، وآخر يبدو معلّقاً على التفاهمات التركية ــــ الروسية وحدودها. في الشهر الأول من السنة الجديدة، رُتّب لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد ووفد قيادي من المستشارين الإيرانيين. في هذا اللقاء، كان الأسد واضحاً في كلامه عن الوجهة الأخيرة للمعركة المقبلة: مدينة إدلب. جاء ذلك في ختام تأكيد أولوية السيطرة على طريقَي دمشق ــــ حلب (M5)، واللاذقية ــــ حلب (M4). وعلى رغم التوجّه السوري الواضح، جرت عدة لقاءات ثلاثية (تركية ــــ إيرانية ــــ روسية) وأخرى ثنائية، هدفت إلى تجنّب المعارك وحصول الدولة السورية على مرادها بـ«السياسة». وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أنه في أحد اللقاءات الروسية ــــ التركية، أكد الجانب العسكري الروسي أن حدود العملية التي كانت قد بدأت هي فتح الطريقين (دمشق ــــ حلب/ اللاذقية ــــ حلب)، على أن يتمّ وقف إطلاق النار بعد ذلك. لم ترفض أنقرة على نحو حاسم «العرض» الروسي، بل بدأت البحث تقنياً عن «إدارة الطرق»، وعن تسيير دوريات مشتركة مع الجانب الروسي عليها (هذا النقاش لا يزال متواصلاً حتى اليوم).

منذ حوالى أسبوعين، جرى لقاء بين قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني إسماعيل قاآني، ومدير المخابرات التركية حقان فيدان. في هذا اللقاء، حمّل الجانب الإيراني أنقرة مسؤولية انفجار الميدان، معتبراً أن «ما يحصل سببه عدم التزام الجانب التركي بالاتفاقيات المعقودة سابقاً»، وأكد أن الجانب السوري، بدعم إيراني، سيواصل العملية «حتى فتح الطريقين»، مشدّداً على أن «المطلوب الآن اتفاق جديد». خلال تلك الفترة أيضاً، التقى فيدان رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك. لم تكن أجواء اللقاء بعيدة عمّا حصل في الاجتماع مع قاآني: «أنتم لم تلتزموا بالاتفاقات، والاتجاه هو لمعادلة جديدة»، قال مملوك. هكذا، وُضعت أمام الجانب التركي الجغرافيا التي سيحرّرها الجيش السوري، والتي تُبقي لأنقرة شريطاً حدودياً ضيّقاً، يصل في حدّه الأقصى إلى عمق 8 كيلومترات، ويمتدّ من بلدة أطمة شمالاً (المتصلة بقرى عفرين التي تحتلها تركيا)، إلى بلدة حارم فسلقين، وصولاً إلى دركوش فزرزور (تقع زرزور على بعد 14 كيلومتراً شمالي مدينة جسر الشغور). لكن هذه الخريطة رُفضت على نحو قاطع من الجانب التركي، كما أنها سُحبت من التداول معه، لتتمحور الاتصالات حول الطريقين الدوليين فقط.

بعد تأمين طريق «دمشق ــــ حلب»، بالسيطرة على مدينتَي معرّة النعمان وسراقب، والقرى الممتدة على جانبَي الطريق في ريفَي حلب الجنوبي والغربي، اتّجه الجيش السوري نحو «غير المعلن سابقاً»، بسيطرته على معظم ريف حلب الغربي، وتأمين مدينة حلب على نحو شبه كامل، وكسر نقاط انطلاق قريبة منها للهجوم عليها (كما حصل في بداية تسخين الجبهة في ريف إدلب الجنوبي منتصف شهر كانون الثاني). بعد هذا النجاح «السلس» للجيش السوري وحلفائه، بدأت أنقرة البعث برسائل سلبية في السياسة والميدان إلى الجانبين الروسي والسوري، حيث شرعت في ذلك الوقت في إدخال تعزيزات عسكرية كبيرة للمسلحين علناً، كما بدأت برسم خطّ تماس جديد عبر نشر نقاط عسكرية يتمركز فيها جنود أتراك، تبدأ في الشمال في دارة عزة، وصولاً إلى تفتناز ومحيط سراقب، شرقي مدينة إدلب.

لم يبلع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، سيطرة الجيش السوري على هذه الجغرافيا الكبيرة (زهاء 2000 كيلومتر مربّع) في مدّة قصيرة نسبياً، في وقت أدرك فيه جميع الأطراف أن دمشق وحلفاءها متجهون لتأمين طريق اللاذقية ــــ حلب في المرحلة التالية، لتنطلق لاحقاً عمليات السيطرة على ريف إدلب الجنوبي، والسعي إلى وصله مع سهل الغاب في ريف حماة الشمالي جنوب الطريق الدولي (M4). مذّاك، بدأت أنقرة تلقي ثقلها في المعركة، إذ زجّت بقواتها الخاصّة فيها، إلى جانب مسلحي «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) و«الحزب الإسلامي التركستاني» (معركة النيرب مثالاً). أيام قليلة من القتال، ثمّ أتت الضربة الكبيرة لجنودها في الغارة على قرية بليون في ريف إدلب الجنوبي، لتعلن مقتل 33 جندياً تركياً وجرح العشرات. دفعت هذه الضربة أنقرة إلى وضع كل أوراقها في معركة استعادة مدينة سراقب التي تشكّل العقدة التي يتقاطع فيها طريقا «M5» و«M4». في المقابل، كانت موسكو تحاول الحفاظ على المكتسبات السابقة للجانب السوري من دون قطع الاتصالات والاتفاقات مع أنقرة. أما طهران وبيروت فكانت رسالتهما إلى دمشق بأن «الطريق ستُفتح مهما كلّف ذلك»، وأنهما إلى جانبها. وفي ليلة ما بعد الضربة التي أدّت إلى استشهاد العشرات من مقاتلي الجيش السوري و«حلفاء دمشق»، حينما عادت الكفّة لتميل لمصلحة تركيا، وسط انكفاء روسي عن التدخّل جوّاً، أُرسلت تعزيزات جديدة إلى تلك الجبهة لتُحرَّر سراقب في معركة لم تدم أكثر من 24 ساعة.

اليوم، ابتعد الخطر، نسبياً، عن طريق دمشق ــــ حلب (M5)، فيما العين مجدّداً على طريق اللاذقية ــــ حلب (M4). لذا، عاد التركي وأرسل مقترح الدوريات المشتركة، محدّداً مواقع انتشارها ما بين جسر الشغور وسراقب (جزء من M4)، وما بين معرّة النعمان وسراقب (جزء من M5). لكن المقترح الأخير رُفض، فيما لم يتمّ الرد على الأول «كون M4 غير محرّر بعد». أما الجواب الحقيقي فقد يكون معلّقاً في انتظار لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في موسكو يوم غد، حيث يمكن أن ترتسم خرائط جديدة. إلا أن ما أظهره الميدان السوري على مدى سنوات الحرب، وخصوصاً في المنطقة الشمالية، هو أن كل الخرائط لديها مدّة صلاحية معينة.

الأخبار

——————————-

دخول ميداني أميركي على التصعيد الروسي ـ التركي

استمرار المواجهة الجوية في إدلب… وبرلين تؤيد إقامة «مناطق آمنة»

أنقرة: سعيد عبد الرازق – موسكو: رائد جبر – واشنطن: إيلي يوسف

دخلت واشنطن ميدانياً إلى مساحة التوتر بين موسكو وأنقرة في محافظة إدلب السورية، عبر زيارة قام بها مسؤولون أميركيون إلى معبر باب الهوى على الحدود السورية – التركية، أمس.

وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، إن بلاده مستعدة لتزويد تركيا بـ«الذخيرة والمساعدات الإنسانية» في إدلب.

وأضاف جيفري: «تركيا شريك في حلف شمال الأطلسي. معظم الجيش يستخدم عتاداً أميركياً. سنسعى للتأكد أن العتاد جاهز ويمكن استخدامه».

بدوره، قال السفير الأميركي في أنقرة ديفيد ساترفيلد، إن واشنطن تبحث طلب أنقرة الحصول على دفاعات جوية. ورافقت جيفري وساترفيلد المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، إلى الجانب السوري من الحدود مع تركيا.

في غضون ذلك، قال مسؤولان ألمانيان إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أبلغت زملاءها المحافظين في البرلمان، تأييدها إقامة «مناطق آمنة» في شمال سوريا، في وقت بحثت ميركل هاتفياً وضع إدلب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يجتمع غداً بنظيره التركي رجب طيب إردوغان. وجدد وزير الخارجية سيرغي لافروف، دعم دمشق في «محاربة الإرهاب».

ميدانياً، تواصلت المواجهة الجوية في إدلب، حيث قُتل جنود أتراك بعدما أعلنت أنقرة إسقاط طائرة سورية، مقابل تدمير النظام «دروناً» تركية قرب سراقب.

———————–

تركيا تعلن إسقاط طائرة سورية ثالثة وتصعّد بعد مقتل أحد جنودها

جيفري يعد بالذخيرة والمساعدات الإنسانية… والبرلمان يناقش التطورات في جلسة مغلقة

أنقرة: سعيد عبد الرازق

أعلنت تركيا أمس (الثلاثاء) أنها أسقطت طائرة ثالثة تابعة لسلاح الجو السوري، بينما قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري إن بلاده ستدعم تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية في إدلب. وعقد البرلمان التركي جلسة استثنائية مغلقة للنظر في التطورات الجارية في المحافظة السورية.

وصعدت تركيا من هجماتها في إطار عمليتها العسكرية في إدلب، المسماة «درع الربيع»، وأعلنت وزارة الدفاع التركية إسقاط مقاتلة تابعة للجيش السوري من طراز «إل 39».

وقالت الوزارة، في بيان، إنه «تم إسقاط مقاتلة حربية من طراز (إل 39) تابعة للنظام في إطار عملية (درع الربيع) المتواصلة بنجاح».

وسقطت الطائرة، وهي الثالثة التي تسقطها تركيا هذا الأسبوع بعدما أسقطت طائرتين من طراز «سو 24»، في معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، خلال إغارتها على منطقة جبل الزاوية، حيث استهدفتها مقاتلة «إف 16» تابعة لسلاح الجو التركي.

كانت وزارة الدفاع التركية أعلنت، الأحد، إسقاط مقاتلتين للنظام السوري من طراز «سوخوي 24» في أجواء ريف إدلب، كما أعلنت تدمير 3 منظومات دفاع جوي للنظام ردّاً على إسقاط طائرة مسيرة تركية.

كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، تحييد 327 عنصراً من قوات النظام خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، في إدلب، وإسقاط طائرة من دون طيار وتدمير 6 دبابات و5 مدفعيات ومنصتي دفاع جوي، و3 عربات مدرعة، و5 عربات بيك آب، و6 مركبات عسكرية ومستودع ذخيرة.

وكانت الوزارة أعلنت، مساء أول من أمس، مقتل جندي تركي وإصابة آخر، في قصف مدفعي لقوات النظام، وأنه تم الرد فورا وبشكل كثيف على أهداف قوات النظام بالمنطقة، وتم تدميرها بالكامل.

في المقابل، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل 9 مدنيين وإصابة 6 آخرين في غارات جوية للطيران الروسي على بلدة الفوعة، شمال غربي سوريا، فيما قتل اثنان بقصف جوي على مخيم النازحين في محيط قرية عدوان غرب إدلب.

وفي إطار المعارك بين الجيش التركي وقوات النظام السوري المدعومة من الطيران الروسي، قصفت قوات النظام نقطة الارتكاز التركية في مطار تفتناز العسكري، دون ورود معلومات عن خسائر بشرية، فيما قال المرصد إن قوات النظام تقدمت نحو السيطرة على قرية فليفل والدار الكبيرة بريف إدلب الجنوبي بإسناد من الطائرات الحربية الروسية عقب اشتباكات عنيفة مع فصائل المعارضة الموالية لتركيا.

وعقد البرلمان التركي، مساء أمس، جلسة استثنائية مغلقة، لمناقشة التطورات في إدلب ومقتل 36 جنديا تركيا في إدلب في قصف جوي للجيش السوري في إدلب ليل الخميس الماضي.

وحضر الجلسة وزيرا الدفاع خلوصي أكار والخارجية مولود جاويش أوغلو، وفؤاد أوكطاي نائب رئيس الجمهورية، ورئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو، ورئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي، ونواب البرلمان.

وقدم وزيرا الدفاع والخارجية عرضا تقييميا حول التطورات في إدلب وعملية «درع الربيع» العسكرية التركية.

وجاءت الجلسة في ظل حالة من الغضب لدى المعارضة التركية التي طالبت بالانسحاب من سوريا ومحاولة الإسهام في إقرار الأمن والاستقرار في البلد الجار، بدلا عن تأجيج الصراع هناك بحسب ما قال كليتشدار أوغلو في كلمة أمام المجموعة البرلمانية لحزبه قبل انعقاد الجلسة.

في غضون ذلك، قال المبعوث الأميركي الخاص بسوريا جيمس جيفري إن الولايات المتحدة مستعدة لتزويد تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية في منطقة إدلب السورية.

وأضاف جيفري، في تصريحات في هطاي جنوب تركيا حيث تفقد مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية في الجانب الآخر من الحدود، بالإضافة إلى الوقوف على الوضع الإنساني للاجئين السوريين، أن «تركيا شريك بحلف شمال الأطلسي (ناتو). معظم الجيش يستخدم عتادا أميركيا، سنعمل على التأكد من أن العتاد جاهز ويمكن استخدامه».

من جانبه، قال السفير الأميركي لدى تركيا ديفيد ساترفيلد إن واشنطن تبحث طلب أنقرة للحصول على دفاعات جوية. وكان وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، صرح أمس الإثنين، أنَّ بلاده لن تقدم دعماً جوياً لتركيا في عمليتها العسكرية بمحافظة إدلب السورية، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة ستسعى إلى زيادة مساعداتها الإنسانية إلى تركيا في أعقاب الهجوم، الذي أسفر عن مقتل 36 جندياً تركياً في إدلب الأسبوع الماضي».

وزارت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، الحدود التركية السورية، رفقة جيفري، حيث تم الاطلاع على سير تقديم المساعدات الدولية للنازحين السوريين.

وتفقد الوفد مركزا لوجيستيا تستخدمه الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات، ومن ثم توجه إلى معبر «جيلفا غوزو» الحدودي، المقابل لـ«باب الهوى» في الجانب السوري.

والتقى الوفد الأميركي عددا من أفراد الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، قبل أن ينتقل إلى معبر باب الهوى، حيث اجتاز الحدود لبضعة أمتار.

كان الوفد الأميركي أجرى، الليلة قبل الماضية، مباحثات في أنقرة مع وفد تركي برئاسة نائب وزير الدفاع، يونس أمره كارا عثمان أوغلو تم خلاله بحث التطورات الأخيرة في إدلب.

وعقب اجتماع الوفدين، التقى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، جيفري والسفير الأميركي لدى تركيا ديفيد ساترفيلد.

إلى ذلك، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنّ عملية «درع الربيع»، ضد قوات النظام السوري في إدلب تهدف لترسيخ وقف إطلاق النار وفق اتفاق سوتشي الموقع مع روسيا في 2018.

ولفت، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، في أنقرة أمس، إلى أن أنقرة ولندن متفقتان في وجهات النظر بخصوص وقف الهجمات التي من شأنها إنهاء وضع منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية. وشدّد على أنّ تركيا طلبت مراراً من حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) تزويدها بمنظومة دفاع جوي، قائلاً: «نحن في تركيا معرضون بأي لحظة لتهديدات، لذلك نحن بحاجة ماسة لمنظمة دفاع جوي».

من جانبه، جدد راب التأكيد على الصداقة الوثيقة مع تركيا الحليفة في الناتو، والتضامن معها في كفاحها ضد هجمات النظام السوري في محافظة إدلب.

وأكد أن بريطانيا ستواصل العمل مع شركائها الدوليين من أجل مكافحة المأساة الإنسانية التي ظهرت في إدلب بفعل «الهجوم الوحشي وغير المتكافئ» من قبل النظام السوري وداعمته روسيا.

———————————-

تقرير: أموال الأمم المتحدة تختفي في سوريا بتواطؤ روسي

أجبرت روسيا الأمم المتحدة على إدخال المساعدات إلى سوريا عبر نقطتين فقط، بتواطؤ مع النظام السوري الذي يستغل هذه المساعدات لتصفية المعارضين له، وفق تقرير لموقع “ناشينوال إنترست”.

وقال الموقع إنه في 10 يناير، انتصرت روسيا نيابة عن عميلها، بشار الأسد، بإجبار الأمم المتحدة على تحديد اثنتين فقط من نقاط وصول المساعدات الأربع عبر الحدود إلى البلاد.

ويقول التقرير إنه في حين يواصل الأسد حملة القمع، فإنه يواصل الاستفادة من كل أداة – حتى ولو كانت ما يُفترض أنها مساعدات إنسانية من الأمم المتحدة – لتعزيز قبضته على السلطة.

ويشير التقرير إلى أن الجهود المبكرة التي بذلها الأسد لحجب المساعدات عن خصومه هي بالضبط ما دفع الأمم المتحدة في عام 2014 إلى الموافقة على نقل المساعدات عبر الحدود في المقام الأول.

وحتى نوفمبر 2019، لا يزال ما لا يقل عن 2.7 مليون شخص يعتمدون على مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود لأنهم لا يملكون مصدرا بديلا للدعم.

وأشار التقرير إلى أن النظام السوري أجبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الربحية على العمل انطلاقا من دمشق. وبالتالي، يسيطر نظام الأسد إلى حد كبير على من يدخل البلاد، ويختار المنظمات المحلية (المنحازة للنظام في كثير من الأحيان) كشركاء، وكيفية توزيع المساعدات.

ووجد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن نظام الأسد نظم تحويل المساعدات وموارد إعادة الإعمار لتمويل فظائعه، ومعاقبة من يُنظر إليهم على أنهم معارضة، ومكافأة الموالين له.

ويبدو أن وكالات الأمم المتحدة قد قايضت، بحكم الواقع، الاستقلال الذاتي من أجل الوصول إلى المناطق المحتاجة بمباركة الأسد.

ويقدر الخبراء أن ما بين 2 و18 في المئة من مساعدات الأمم المتحدة فقط تصل إلى المدنيين الذين يُقصد بمساعدتهم – ونادرا ما تذهب إلى الأشخاص الأكثر احتياجا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حيث يمنع الأسد المساعدات من الدخول.

وحث التقرير الولايات المتحدة على اتخاذ خطوة إضافية لضمان أن توزع مساهماتها التي تزيد عن 6 مليارات دولار لسوريا (435 مليون دولار في عام 2019 وحده) على أساس الحاجة.

وأوضح التقرير أن الأمم المتحدة أقرت أنها غير قادرة على تتبع مسار أموالها التي تصل إلى سوريا،

وقد أدى غياب الرقابة إلى تقديم ما يقرب من أربعة ملايين دولار كإغاثة طبية لبنك الدم التابع لجيش النظام السوري.

وفي حين أثبتت العقوبات أنها شكل جيد من أشكال العمل ضد الأسد وحلفائه – بما في ذلك إيران وروسيا – لا يزال الأسد يحصل على المال من مكان ما، وفق تقرير الموقع.

——————————–

موسكو في مأزق وواشنطن تدعم أنقرة.. هل تغيرت قواعد الاشتباك بشمال سوريا؟

منذ مطلع فبراير بدأت المعارك في شمال سوريا تأخذ منحى جديدا في التصعيد حيث دخلت القوات التركية على خط المواجهة المباشرة مع قوات النظام السوري، ووصلت الحرب فيما بينهما إلى الجو حيث أسقطت أنقرة طائرات حربية تابعة لدمشق، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا وجعلها في مواجهة محتملة مع روسيا حليفة دمشق.

الولايات المتحدة أعلنت الثلاثاء عن دعمها لتركيا في شمال سوريا، وأعربت عن استعدادها لتزويدها بالسلاح، الأمر الذي يمكن أن يغير قواعد اللعبة في المنطقة، ويعيد التقارب التركي – الأميركي، ويتيح للولايات المتحدة التدخل وإعادة التوصل لتفاهم مشترك مع بين هذه القوى.

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وصف رسالة كان قد أرسلها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لأنقرة يعرب فيها عن دعم واشنطن لأنقرة بأنها “نفاق”، لكن يبدو أن موسكو تخشى من أن يحسم الموقف الأميركي الأمر لصالح أنقرة.

سيناريوهات صعبة أمام روسيا

روسيا الأن أمام سيناريوهات في غير صالحها ويبدو أنها في مأزق لم تكن تتوقعه، فهي ليست راضية عن ذوبان الجليد ما بين أنقرة وواشنطن، والسيناريو الأبرز أن تخسر علاقتها مع تركيا لصالح الولايات المتحدة، وهو ما سيجعل الجميع يعيد الحسابات في المنطقة ويغير ميزان القوى فيها، وفق تحليل نشره موقع “ناشونال إنترست”.

أما السيناريو الآخر هو أن تصبح أنقرة الخاسر الأكبر، بأن تخسر ما حققته في الشمال السوري، وتبقى بعيدة عن واشنطن وحتى عن موسكو، ولكن على ما يبدو أن هذا الأمر بعيد عما يحصل على أرض الواقع.

مضادات تركية تستخدمها المعراضة السورية لإسقاط طائرات النظام

ورغم التعاون التركي الروسي خلال السنوات الماضية والاتفاقات التي أبرمت بينهما، إلا أن المواجهة في شمال سوريا جعلتهما في حالة توتر واستعداد لحرب وشيكة، رغم أنهما في معادلة صعبة، حيث أدى التقارب الروسي التركي بعد شرائها منظومة دفاع جوية (S400) إلى اتخذا واشنطن إجراءات عقابية ضد أنقرة، حيث خرجت من برنامج تصنيع مقاتلة الشبح “F35”.

ويشير التحليل إلى أنه من المؤكد أن موسكو تريد تقليل نفوذ تركيا في الشمال السوري أو حتى تحييد وجودها هناك، وكلما قل عدد اللاعبين في سوريا كان ذلك أفضل لروسيا، ولكنها لا تريد خسارة تركيا لصالح الولايات المتحدة، والتي استطاعت أن تحقق منها مكاسب خلال الفترة الماضية.

ويرى التحليل أن موسكو ستسعى لرأب الصدع مع أنقرة، خاصة مع اعتماد تركيا على تصدير منتجاتها لروسيا، فيما تعتمد موسكو عليها بنقل الطاقة باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وهو ما سيبقي على علاقات ثنائية ما بين البلدين.

ويصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخيس إلى موسكو للقاء نظيره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبحث سبل وقف إطلاق النار والاتفاق على آليات لحفظ الاستقرار في الشمال السوري.

الدعم الأميركي

وأعلن السفير الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري الثلاثاء أن الولايات المتحدة تدرس تزويد تركيا بالأسلحة خلال الفترة المقبلة.

وقال إن الولايات المتحدة مستعدة لتوفير ذخيرة لتركيا التي بدأت قبل أيام عملية عسكرية ضد قوات الأسد والميليشيات المتحالفة معها في إدلب.

وكان السفير الأميركي لدى تركيا ديفيد ساترفيلد قد أكد في وقت سابق أن بلاده تدرس طلبا تركيا لتعزيز دفاعاتها الجوية.

وأضاف جيفري في تصريحات من الحدود التركية السورية أن الجيش التركي والمعارضة السورية يحاربون لمنع حدوث كارثة إنسانية.

وكانت السلطات التركية قد طلبت من واشنطن تزويدها صواريخ باتريوت للدفاع عن أجوائها وتأمين غطاء لطائراتها لكن المسؤولين الأميركيين ردوا ” أن كل أنظمة صواريخ الباتريوت محجوزة بسبب التطورات في الشرق الأوسط وهناك بطارية باتريوت في قاعدة أنجرليك”.

تصعيد تركي – سوري

وبعد أشهر من التعامل الحذر والابتعاد عن المواجهة المباشرة ما بين القوات السورية والتركية، تفاجأت أنقرة بأكثر من هجوم استهدف جنودها المشاة، حيث سقط العشرات منهم قتلى، الأمر الذي دعا القوات التركية إلى الرد وإطلاق عدد من الهجمات الجوية والمدفعية باتجاه مناطق تابعة للنظام السوري ومقرات لروسيا في شمال البلاد.

وأسقطت تركيا ثلاث طائرات تابعة للنظام السوري، فيما أطلقت روسيا تحذيرا للقوات الجوية التركية وأعلمتها أنها لن تضمن سلامة مرورها فوق الأجواء السورية بعد الآن.

وتقوم دمشق بهجمات مكثفة في إدلب مدعومة من روسيا من أجل القضاء على الفصائل المسلحة التي تسيطر على المنطقة والتي في مقدمتها جيش تحرير الشام والذي يقدر عديدهم بـ 30 ألف مقاتل على الأقل، وما حفز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على دعم الهجوم على المنطقة وجود مقاتلون شيشان يقدر عددهم بنحو 10 آلاف مقاتل أيضا، ويريد القضاء عليهم في سوريا قبل عودتهم إلى بلادهم حيث يمكن أن يصبحوا مشكلة له هناك.

حرب الجو بين أنقرة ودمشق تصل مرحلة حرب صواريخ “جو – جو” إثر إسقاط تركيا لمقاتلة سورية

وكان الهدف الأول لدمشق السيطرة على الطريقين الدوليين (أم 4) و(أم 5)، والتي ستمنحهم ميزة لوجستية خاصة لربط قاعدة حميم الروسية مع شمال سوريا.

ورغم ما تدعيه تركيا بأنها تخشى من موجة لجوء جديدة حيث نزح نحو مليون شخص مؤخرا إلى الحدود معها، إلا أن توسعها في الشمال السوري يأتي لضمان تحييد القوات الكردية وخاصة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تخشى منها أنقرة وكانت تسعى للقضاء عليها خاصة بعد الانسحاب الأميركي من بعض المناطق المحاذية لهم، ولكن تغيرت الخطط بعد عودة سيطرة دمشق للعديد من المناطق في إدلب.

—————————–

صحيفة تتحدث عن مفاجأة كبرى في ختام قمة “أردوغان- بوتين” بشأن إدلب

بروكار برس – علي تباب

قبل أقل من يومٍ واحد، على قمة “بوتين- أردوغان” بشأن إدلب، القمة التي وصفها الكثير من المحلّليين بالمصيرية، التي تحدد مستقبل الأوضاع في إدلب، تعرض “بروكار برس” أهم المقالات التي تناولتها الصحافة التركية، حول النتائج المتوقعة للقمة، وكذلك الخيارات المتاحة لكل من الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان لوضع حد للتصعيد الحاصل في المحافظة. ومعلوم أن القمة ستعقد في الخامس من الشهر الحالي بعدما اضطر الكرملين إلى عقدها بسبب بدء تركيا عملية “درع الربيع” .

موقع تلفزيون “CNN TURK”

رأى الموقع أنّ أردوغان، يُصرّ على مطالبه بسحب النظام السوري قواته إلى ما بعد نقاط المراقبة، إذ قالت الصحيفة: إن أنقرة ستطالب بسحب الأسد ميليشياته حتى حدود سوتشي وبوقف إطلاق النار، وإنها سترتكز في ذلك على تغييرات ميزان القوى على الأرض.

وأضاف الموقع بحسب ما ترجمت وحدة الترجمة في بروكار برس: أن موظفي الفريقين سيفتحون حقائبهم التي ناقشوا مفرداتها بلقاءاتهم الأمنية السابقة، والمشاورات التي جرت بين وزيري خارجية البلدين.

وقال CNN إن “أنقرة وفي صفحة أجندتها الأولى ستبحث المصالحات النهائية إذ لا يمكن إجراء تسوية مؤقتة، وعليه فإن نقطة الانطلاق ستكون التشغيل الكامل لتوافق سوتشي وعودة الأسد لحدود الاتفاق، إضافة إلى إنهاء المأساة الإنسانية ومنع هجرة المدنيين.

وذكر أن عملية درع الربيع ستستمر حتى تحقيق هذه الغاية، وحتى فكّ الحصار عن نقاط مراقبة الأتراك، وفيما ستعرض أنقرة موضوع حظر الطيران، والاستخدام المشروط للمجال الجوي، فإنها ستطلب من روسيا توضيح تعريف الخصم المعتدل وتعريف الإرهاب.

خيارات الكرملين الصعبة في مواجهة أردوغان

كما تحدثت CNN عن الطروحات الروسية المحتملة، وبينت أن موسكو ستطالب بوضع خرائط مستحدثة لسوتشي، وستطلب بقاء قواتها بالمناطق الجديدة ناهيك عن تمكين سيطرتها على الطريقين الدوليين. وإنها ستطلب من أنقرة ضبط الفصائل التي تستهدف قاعدتها في حميميم.

صحيفة جمهورييت

وكذلك صحيفة “جمهورييت” فتناولت الاجتماع المرتقب أيضاً موضحةً أنه “سيعالج جوانب العلاقات الثنائية ووجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية، وإن سوريا وعملية السلام فيها والمحاربة المشتركة للإرهاب ستكون أولوية ببنود الاجتماع الذي افترضت الصحيفة تمخضه عن مذكرة تفاهم جديدة تخص الموضوع.

وذكرت الصحيفة أن اللقاء سيتطرق لمحطة أكويو للطاقة النووية وبناء خط أنابيب ستريم التركي، إضافة إلى احتمالية بحث تقوية الروابط الاقتصادية بين البلدين.

صحيفة يني شفق

أما صحيفة “يني شفق” فركزت على أن أردوغان ليعطي رسالة لبوتين مفادها “إن شئت بناء قواعد في سوريا فافعل، وقد فعلت ذلك في كل من اللاذقية وطرطوس وحميميم، لكن لا بد أن تبتعد عما بيننا وبين الأسد”.

مضيفة أنّ “معظم الاتفاقات لم تطبق الشعب السوري هو من دعا الأتراك و تركيا لن تترك ذلك الشعب دون تحقيق غايته”.

وأوردت الصحيفة، تأكيدات حديث سابق لأردوغان، يقول فيها إن “النفط والسيطرة على الأرض ليسا من مطالب أنقرة، وأنه لا يمكن العيش بسلام في وقت امتهن الأسد الموجود على الحدود عداء تركيا مهمة له”.

وركزت الصحيفة على تصريحات لافروف التي أكدت التزام موسكو بالاتفاقات المبرمة بين أردوغان وبوتين، وأنه لابدّ من الفصل بين الإرهابيين والمعارضين المعتدليين.

وذكرت يني شفق أن تركيا ستسعى في اجتماعها إلى إرغام الأسد الرجوع إلى وراء نقاط مراقبة الأتراك. موضحة أن عطاءات روسيا في هذا المجال ما زالت مجهولة، ومتوقعة ربط روسيا مطالب أنقرة بفرصة أخيرة تمنح تركيا الوقت لتنهي ملف جماعات الإرهاب.

وقالت يني شفق إن “تركيا ستسعى أيضاً إلى ضمان وقف النزوح. وأنها ستواصل مشاورتها مع واشنطن بخصوص نشر جزئي لمنظومة باتريوت كعامل ردع، وأشارت إلى طرح إيراني تبنى قمة ثلاثية يحضرها نظام الأسد.

يورو نيوز:

تناول موقع “يورو نيوز” الاجتماع وتحدث عن توقعات أنقرة منه، محددة إياها بضرورة سحب الأسد لقواته وراء النقاط التركية، وضرورة إدارة موجة النازحيين.

وذكر أن أولويات موسكو التي تتمثل بالقضاء على الإرهاب، وتطبيق اتفاق أضنة، إلّأ أنها توقعت ألّا يتمخّض عن القمة حلول دائمة ولا طويلة الأمد، موضحاً أن شروط السلام ستوضع على الطاولة عندما يتم القضاء على الإرهابيين.

وبيّن الموقع  أن “أنقرة تتخوف من مليوني مدني متواجدين في إدلب في ظل استمرار الأسد بتقدمه تجاه الطريق الدولي m4.

وأشار إلى احتمالية التوافق بشأن مناطق خارج إدلب، وذكر أن تركيا ستطرح أيضاً موضع منبج وتل رفعت ناهيك عن قذائف الهاون المتساقطة طرف عفرين.

كما تحدث أيضاً عن احتمالية طرح أنقرة لآلية تحكم مشتركة مع الروس فيما يخص الطريقان الدولييان M4 وM5 .

صحيفة حرييت

قالت “حرييت” إن جدول أعمال بوتين أردوغان سيشمل على نقاط ثلاث تخص سوريا هي: توفير وقف دائم لإطلاق النار، وسحب قوات الأسد إلى وراء نقاط مراقبة الاتراك وفقاً لسوتشي، وإعلان إدلب منطقة آمنة.

وفيما استبعدت الصحيفة مناقشة القمة لمصير وسط إدلب، ذكرت حرييت أن اتخاذ قرار حاسم بهذا الاجتماع سيكون مفاجأة كبرى للجميع.

————————–

===============================

===========================

تحديث 06 أذار 2020

————————————

روسيا تركيا .. حوار الميدان السوري/ بشير البكر

أصبحت المسألة السورية تتحكّم بالعلاقات التركية الروسية، وصارت تحدّد مسارها. وتبعا للتطورات المتسارعة، فإن الدبلوماسية والحوار والتفاهمات بين موسكو وأنقرة في تراجع دائم، في وقتٍ تكبر فيه التعقيدات والمخاطر والتباعدات أكثر كلما بانت فرصةٌ للتسوية النهائية. ودخلت العلاقات الثنائية مرحلة الأزمة الحادّة، بسبب تطورات الوضع في إدلب خلال الأسبوع الأخير. وباتت الأبواب مفتوحةً أمام شتى الاحتمالات، بعد دخول أنقرة المعركة مباشرة ضد قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية في نهاية المهلة التي حدّدها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نهاية فبراير/ شباط الماضي. وكانت القطرة التي أفاضت الكأس التركية هي التعرّض لرتل عسكري تركي داخل الأراضي السورية في منطقة جبل الزاوية يوم 27 الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، الأمر الذي أسفر عن مقتل حوالي 35 عسكريا تركيا وجرح عدد مماثل. ومهما كانت الأسباب والتبريرات خلف مهاجمة الجنود الأتراك قبل نهاية مهلة أردوغان، فإن استباق المعركة من النظام السوري وروسيا يعبر عن قرار مبيّت، مدروس بعناية، يهدف، في أقل تقدير، إلى إمساك زمام المبادرة، وتحديد ساعة المعركة وجرّ تركيا إليها قبل الأجل الذي حدّدته تصريحات رئيسها، وبالتالي حرفها عن تحقيق الأهداف التي وضعتها، وهي إجبار قوات النظام على الانسحاب من جميع المناطق التي سيطرت عليها خلال الأشهر التسعة الأخيرة، بدءا من ريف حماة.

وجاء وقع حادث قتل 35 جنديا على تركيا كبيرا، ولذلك أتى ردها نوعيا من خلال توجيه ضربات كبيرة للنظام والمليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانبه، وخصوصا حزب الله الذي تكبّد خسارة في صفوف مقاتليه. وشكل انعطافة مهمةً إلحاق تركيا في اليوم الأول من نهاية المهلة خسارة كبيرة بعتاد النظام شملت طائرتين مقاتلتين وثماني حوامات وأكثر من خمسين دبابة ومدرّعة وعربة مدفع. وعلى الرغم من أن الخسائر المادية والعسكرية شملت النظام والمليشيات الإيرانية، قرأت أوساط المراقبين في العملية التركية عدة رسائل موجهة إلى روسيا، كون موسكو سارعت إلى إيجاد ذرائع تعفي النظام من المسؤولية عن قتل الجنود الأتراك، وترميها على الجانب التركي. وكان لافتا أن روسيا تصرّفت ببرود أعصاب، ولم يصدر عنها أي رد فعل على العملية التركية الواسعة التي تلقى فيها سلاح الجو التابع للنظام ضربةً قاسية، ولكنها ردّت في الميدان بعد يومين، عندما تدخل طيرانها الحربي بقوة، الأمر الذي سمح للمليشيات الإيرانية باستعادة المبادرة في المعركة البرية، واستعادة السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية.

كشفت المعركة عدة حقائق في وقت واحد: الأولى أن المعارضة السورية كانت وحيدة طوال هذه السنوات، وتحمّلت وحدها العبء في مواجهة دولتين، قوة كونية عظمى هي روسيا، وقوة إقليمية هي إيران. ومعروفٌ أنهما وظفتا كل إمكاناتهما من أجل مواجهة ثورة السوريين. والحقيقة الثانية أن المعركة بالنسبة لتركيا ليست حدودية فقط، بل هي وجودية، وتختص بأمنها، ومن ذلك اللاجئون السوريون الذين يشكلون ورقةً كان يمكنها أن تؤثر على اقتصاد تركيا واستقرارها، لو لم تتمكّن الدولة التركية من امتصاص مفاعيلها السلبية.

أما الحقيقة الثالثة فهي التي تترتب على نتائج الميدان في المدى القريب. ومن المعروف أن روسيا تقاتل إلى جانب النظام ونيابة عنه، منذ قرار تدخلها العسكري المباشر في سبتمبر/ أيلول 2015، في حين أن تركيا لم تدعم المعارضة السورية المسلحة مباشرة إلا في الأسابيع القليلة الماضية. وهذا الدعم العسكري بات اليوم في مواجهة القوات الروسية. وحيال هذا كله، هناك أمرٌ لا يقبل النقاش، وهو أنه لو لم تفشل الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة، لما كان كل هذا الحشد المسلح من الطرفين.

العربي الجديد

————————-

لا بديل لتركيا/ مهند الحاج علي

خلاصة القمة الروسية-التركية في موسكو، أن لا بديل لتركيا من روسيا كوسيط أو شريك غير محايد في الصراع السوري، رغم كلفة الدم والخسارات المتتالية. ذاك أن تركيا كانت لوحدها في الصراع، والناتو حلف على الورق عندما تقع المواجهة الكبرى كما حصل خلال الأسابيع الماضية.

في حسابات الربح والخسارة، أقرت أنقرة للجانب المقابل بما حققه من تقدم ميداني باتجاه ادلب، وهذه انتكاسة نظراً لتصريحات الرئاسة التركية عن استعادة المناطق التي خسرتها المعارضة خلال الأسابيع الماضية. وهذا وحده يُتيح للنظام السوري أن ينفخ في أبواق الانتصار.

لكن في المقابل، حققت القوات التركية خرقاً في قواعد القتال، وأظهرت أن إدلب بالفعل معركة وجودية بالنسبة لها. والدليل الواضح على ذلك هو حصيلة خسائر النظام التي أعلنتها تركيا، تضم ثلاث مقاتلات و135 دبابة و8 مروحيات و77 مدرعة و5 قواعد دفاع جوي وغيرها من المعدات الحربية. والحقيقة أن تركيا أظهرت قدرات قتالية ليست بالهينة، وستُلقي بظلالها على سير المعارك مستقبلاً في حال قرر النظام السوري استئناف القتال. مثل هذه المواجهة تتطلب انخراطاً روسياً كاملاً.

وما زال مصير نقاط المراقبة التركية مجهولاً، والأرجح أن تُبقي تركيا على وجودها الرمزي وربما تواصل المطالبة بالعودة لما وراء خط  17 أيلول (سبتمبر) 2018.

وهناك مؤشرات الى بعض التنازلات الروسية في “البرتوكول الإضافي للمذكرة حول إرساء الاستقرار في منطقة إدلب لخفض التصعيد” الذي تلاه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو. في البروتوكول، أكد البلدان “التزامهما استقلال الجمهورية العربية السورية ووحدتها ووحدة أراضيها”، و”حزمهما على مكافحة جميع أشكال الإرهاب والقضاء على كل التنظيمات الإرهابية” وفقاً لتصنيف “مجلس الأمن”. هذا الشق الروسي من الاتفاق. أما التركي منه، فيؤكد أن “تهديد المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره بأي ذرائع”.

وفي الوثيقة اعتراف من الطرفين بأن “لا حل عسكرياً للنزاع السوري الذي يمكن تسويته فقط نتيجة لعملية سياسية يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بدعم الأمم المتحدة وفق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي”. وأيضاً أكد الطرفان منع استمرار النزوح السوري، والمساهمة في العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين. والبنود الثلاثة تنص على وقف النار واقامة ممر آمن عرضه 6 كيلومترات شمالاً ومثلها جنوباً من الطريق “M4″، وتسيير دوريات روسية-تركية منذ يوم 15 مارس 2020 على طول الطريق “M4”.

ومثل هذه الشروط تعني عملياً وقفاً أطول للنار وإعادة تنشيط العملية السياسية بدعم تركي-روسي. وإعادة إحياء العملية السياسية تتطلب ضغوطاً روسية على النظام السوري لتقديم تنازلات في أي مفاوضات مستقبلية. لا بد أن تزداد هذه الضغوط خلال الفترة المقبلة، ومعها النزاع الإيراني-الروسي في خصوص دوائر النفوذ والتنازلات.

في إدلب والمناطق المحيطة فيها، ستسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها، ولم شمل الفصائل المختلفة، واحتواء الجماعات الجهادية. والدور المباشر لتركيا في دفع قوات النظام إلى الوراء وتدمير دباباته واسقاط مقاتلات له، منح أنقرة بعض الصدقية في هذه المواجهة. في المقابل، بدت الفصائل عاجزة عن وقف تقدم قوات النظام، من دون الدعم التركي. لا بد لهذا الواقع الميداني أن يُعيد تشكيل الدور التركي في ادارة المناطق خارج “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.

في نهاية المطاف، خسرت تركيا مناطق أساسية، لكنها نجحت في الوقت نفسه في تأكيد دورها كضامن وحيد لأمن المنطقة. هي القوة العسكرية الوحيدة التي نفذت هجمات منسقة ضد النظام وكسرت دفاعه الجوي، وأوقفت تقدمه، ولو متأخرة.

يبقى أن العمل التالي لوقف النار، عسكرياً وسياسياً، أكثر أهمية مما سبق. هل تنجح تركيا في تعزيز عملية بناء قدرات الفصائل وتزويدها بالسلاح استعداداً للمرحلة المقبلة؟

المدن

————————

اتفاق بوتين وإردوغان… «ضربات» من التاريخ وألغام بالتنفيذ/  إبراهيم حميدي

لم يترك الرئيس فلاديمير بوتين طريقة، عسكرية أو رمزية، إلا وبعثها إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لـ«إقناعه» باتفاق حول إدلب يتضمن تراجعاً عن السقف الذي رسمه مقابل بعض من «حفظ ماء الوجه» وقبول الرئيس السوري بشار الأسد «تجميد» قرار استعادة فورية لمناطق شمال غربي سوريا.

لعب الرئيس بوتين دور «الحكم» بين الرئيسين الأسد وإردوغان والميزان بين سقفين، للوصول إلى اتفاق خفض طموحات التفاهمين السابقين في أستانة وسوتشي ويتضمن كثيرا من الأفخاخ، ما يرجح أن يكون «تفاهم موسكو» مؤقتا بانتظار جولة جديدة من الصراع.

إشارات رمزية

في الطريق إلى موسكو، عرض كل من بوتين وإردوغان أوراقه السورية وغير السورية. ومن يعرف الماكينة الروسية الموروثة من الذهنية السوفياتية، يعرف أنه لا مكان للصدف وأن كل تفصيل له يقرر في الكرملين، لذلك فإن الإشارات الرمزية التي أقدمت عليها موسكو تحمل كثيرا من المعاني… فما هي؟ عسكرياً، قصف أو لم يعرقل قصف قوات الحكومة السورية عشرات من عناصر الجيش التركي في جبل الزاوية جنوب إدلب. في ذلك، استفادة من تجربته مع واشنطن، عندما قتل الجيش الأميركي عشرات من «مرتزقة فاغنر» الروسية لدى محاولتها عبور نهر الفرات. الرسالة الأميركية لموسكو كانت أن نهر الفرات هو خط التماس. والرسالة الروسية لتركيا في جبل الزاوية، كانت أن هذا هو خط التماس.

كما عزز الجيش الروسي معداته في البحر المتوسط مقابل السواحل السورية، وأرسل عبر مضيق الفوسفور الفرقاطة «الأدميرال غريغوروفيتش» و«الفرقاطة ماكاروف» مع ثلاث سفن حملت عشرات ومئات الجنود والمدرعات والدبابات.

الرسالة الأبلغ إلى أنقرة، جاءت من اسمي الفرقاطتين الروسيتين اللتين ترتبطان بالحروب العثمانية – الروسية. ستيبان ماكاروف، هو الأدميرال الذي وجّه الضربة للبحرية العثمانية في الحرب الثنائية بين 1877 و1878، وإيفان غريغوروفيتش، آخر وزير لبحرية الإمبراطورية الروسية؛ من عام 1911 إلى 1917، لدى قصفها السواحل العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

المفاجأة «السوفياتية» الأخرى التي كانت في انتظار الوفد التركي في الكرملين، هي تمثال كاترين الثّانية أو «كاترين العظيمة» القيصريّة. معروف عنها أن تحالفت مع كثر لوقف «مد العثمانيين» وخاضت حروبا معهم في 1768 وانتزعت جزيرة القرم في 1771 وصولاً إلى اتفاقية بعد ثلاث سنوات (إردوغان أعلن لدى زيارته كييف قبل أيام رفضه الاعتراف بضم موسكو لشبه جزيرة القرم). «كاترين العظيمة»، هي صاحبة المقولة المشهورة: «سوريا الكبرى هي مفتاح البيت الروسي» في المنطقة. توسعت في المنطقة تحت مظلة حماية مسيحيي الشرق وامتد نفوذها قبل أن يوقفها السلطان عبد الحميد الأول.

تمثال «كاترين العظيمة»، كان يقف وراء الوفد التركي وأمام أعين «السلطان» الذي حرص على القول علنا إنه كان من المفروض ذهاب بوتين إلى إسطنبول أو عقد قمة رباعية روسية – تركية – ألمانية – فرنسية «لكن جئت إليكم بسبب انشغالكم بالتعديلات الدستورية» لعقد لقاء ثنائي فقط، كما أراد «القيصر».

السقف التركي

أعلن الرئيس إردوغان أكثر من مرة أنه في حال لم تنسحب قوات الحكومة السورية في نهاية فبراير (شباط) إلى ما وراء خطوط اتفاق سوتشي الموقع في سبتمبر (أيلول) 2018، فإن جيشه سيبدأ «عملية عسكرية واسعة» للقيام بذلك مع فصائل موالية.

وبالفعل في بداية الشهر، أطلق وزير الدفاع خلوصي آكار عملية «درع السلام» لدفع قوات الحكومة وميليشيات إيران المحمية بالغطاء الروسي إلى وراء خطوط سوتشي بعدما تعرض لضربة موجعة بقتل عشرات من جنوده في 27 فبراير. وبعد اختبار حدود الدعم الأوروبي والأميركي والتصميم الروسي، خفض إردوغان السقف في 1 مارس (آذار) بالقول: «آمل بأن يتخذ بوتين التدابير اللازمة هناك في قمة موسكو (الخميس الماضي)، مثل وقف إطلاق النار وأن نجد حلاً لهذه القضية». كما قال آكار إن عملية أنقرة ضد قوات دمشق و«الهدف لم يكن الدخول في مواجهة مع روسيا».

وتحت حملة من استعراض المعدات العسكرية شملت تصوير طائرات «درون» التركية هجماتها وإسقاط ثلاث طائرات سوريا وإعادة قوات الحكومة عن بعض النقاط في جنوب إدلب وتبادل السيطرة، عقدت القمة الروسية – التركية.

التسوية

بعد محادثات لست ساعات، توصل بوتين وإردوغان لاتفاق تنفيذي لاتفاق سوتشي، تضمن: وقف النار على خطوط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب.

إنشاء ممر أمني بعمق 6 كلم على جانبي طريق حلب – اللاذقية، أي منطقة عازلة بعرض 12 كلم. تسيير دوريات روسية – تركية بين ترمبة غرب سراقب وعين حور في ريف اللاذقية على الطريق السريع.

قبول إردوغان بذلك يعني أنه تراجع عن مطالبته بعودة قوات دمشق إلى حدود سوتشي وقبوله تشغيل الطريقين الدوليين بين حلب ودمشق وبين حلب واللاذقية ويعني تحمل أنقرة مسؤولية إقامة المنطقة العازلة وإبعاد فصائل معارضة أو متشددة من جانبي الطريق الدولي. لكنه حصل في المقابل، على «شرعنة» الوجود العسكري التركي المعزز في الفترة الأخيرة في شمال طريق حلب – اللاذقية، كما هو الحال في مناطق «درع الفرات» و«غضن الزيتون» و«نبع السلام». كما أبقى على نقاط المراقبة جزرا معزولة في مناطق سيطرة الحكومة «تحت رحمة المظلة الروسية».

يفسر قبول دمشق التراجع عن خطة استعادة الطريقين بعملية عسكرية واسعة و«عدم التوقف عن محاربة الإرهاب» و«دحر العدوان التركي»، إضافة إلى الموافقة على قرار موسكو تسيير دوريات تركية في شمال غربي سوريا كما هو في شمالها الشرقي. لكن في المقابل، «شرعنت» دمشق المناطق التي «قضمتها» مؤخرا وحققت هدفها الاستراتيجي في «فتح شرايين الاقتصاد» وثبتت السيطرة على طريق حلب – سراقب – معرة النعمان – خان شيخون – حماة، إضافة إلى «سيطرتها» بالأمر الواقع على مناطق جنوب طريق سراقب – عين حور.

الألغام

تضمن اتفاق بوتين – إردوغان الجديد، كثيرا من الألغام التي يمكن أن تفجره في مرحلة لاحقة، هي:

1- تضمنت مقدمته «إعادة التأكيد على التزامهما القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية»، ما يعني أن «شرعنة» الوجود التركي ستبقى محل تساؤل في موسكو ودمشق، وهي خاضعة للمقايضات السياسية الكبرى بين روسيا وتركيا. وكان لافتا أن الاتفاق لم يتضمن القول إنه «مؤقت» كما هو الحال في اتفاق سوتشي.

2- تضمن «تأكيد تصميمهما على مكافحة جميع أشكال الإرهاب، والقضاء على جميع الجماعات الإرهابية في سوريا على النحو الذي حدده مجلس الأمن الدولي مع الاتفاق على أن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة». يعني هذا أن لدى موسكو ودمشق «المبررات لاستئناف محاربة المتطرفين». يعني أيضا أن لأنقرة ذخيرة تفاوضية بـ«ضرورة عدم استهداف المدنيين أو البنية التحتية تحت أي ذريعة».

3- لم يتضمن الاتفاق أي إشارة إلى آلية رقابة على وقف النار وتنفيذ الخطوات اللاحقة، وترك ذلك إلى تقدير الجانبين الروسي والتركي من دون انخراط دمشق أو فصائل المعارضة.

4- إقامة «منطقة عازلة» على جانبي طريق حلب – اللاذقية تشبه تحدي إقامة «منطقة عازلة» بين قوات الحكومة وفصائل المعارضة بعمق 20 كلم بموجب اتفاق سوتشي، الأمر الذي لم يتحقق. كما لم تنجز مهمة تسيير دوريات مشتركة أو «متزامنة».

5- تضمن عدداً من «النقاط الغامضة» ومسائل يصعب التعامل معها، خصوصاً بشأن الانسحاب من الطريق الدوليين وترتيبات ذلك.

6- أعطى الاتفاق تركيا «حق الرد على أي هجمات من النظام» بالقدر نفسه الذي أعطاه لدمشق لـ«محاربة الإرهاب والرد على أي استفزازات»، ما يترك وقف النار عرضة لاختبارات عدة.

7- العقدة الرئيسية مرة ثانية، هي أن تفسير أنقرة لهذا الاتفاق يختلف عن تفسير موسكو ودمشق. الأولى، تريده بوابة لإقامة مديدة في شمال سوريا. بوتين يريده محطة للإبقاء على تركيا في الحضن الروسي واحتمال فتح أقنية بين دمشق وأنقرة. أما دمشق، فإنها تعتبره «استراحة قبل استئناف المعركة لاستعادة إدلب قبل التوجه شرقا لاستعادة جميع الأراضي».

الشرق الأوسط

———————–

قديس العبور السوري.. أحمد أبو عماد/ روجيه عوطة

الحدود مصنوعة لعبورها، لا لشيء آخر. أحمد أبو عماد كان على الأرجح يدرك ذلك جيداً، لا سيما أنه فوتوغراف، بحيث أن عدسته، وقبلها نظره، لا يعيقهما حاجز، فلهما المدى، أو هكذا يجب أن يكون. لذا، وبعدما فرّ من سوريا، انتقل إلى تركيا، ومن بعدها، قرر اجتيازها إلى اليونان. لكن هذا لم يحصل: البوليس أطلق عليه النار، أصابه في عنقه، وقتله.

ما لم يتمكن منه نظام بشار الأسد، حيال أحمد، في حربه على السوريين، أي اغتياله بالتوازي مع تدمير بلده، أقدم عليه النظام في اليونان. فمن الممكن للأبد أن يحضر أينما كان، وإن لم يُردِه جثةً في حلب، حقق ذلك في مطرح آخر لاحقاً.

الرصاصة التي استقرت في جسد أحمد، سجلت أموراً عديدة.

بدايةً، أن العالم، بما هو نظامه على وجه الدقة، لا يريد للسوريين ان يعبروا سوى حين يشاء، وعلى النحو الذي يريده هو. وبضبطه لحركتهم بهذه الطريقة، ينفي ضرورتها، بحيث يصورهم بأنهم لا يحاولون الانتقال اليه بسبب هربهم من المجزرة المرتكبة بحقهم، اي على سبيل النجاة منها، بل على سبيل الانقضاض عليه. كما لو أن السوريين يريدون بلوغ أراضيه من باب غزوه، وليس من باب إنقاذ نفوسهم. وبالتالي، يحاول هذا العالم، وبتصويرهم هكذا، أن يبرر تصديه لهم بالعزل، والطرد، والقتل. إنه، فعلياً، يخاف السوريين، ولهذا بالتحديد، نظام الأسد، وحين يقدم على إعدامهم، يحقق بغيته.

في الواقع، الرصاصة في جسد احمد، ولكي تفجره، كانت قد فجرت كل حكايته، بمعنى انها أُطلقت على كل ثورته بما هي ثورة السوريين. فبما أن، وبحسب مطلقها، أي العالم، ما كان يريده أحمد هو غزوه، فهذا يعني أنه لم يكن يهرب من المجزرة المرتكبة بحقه، بحق السوريين، بهدف القضاء عليهم في إثر ثورتهم. بالتالي، كل الحكاية، التي كانت خلف أحمد، والتي حملته إلى العبور، اخترقتها الرصاصة، ورمت إلى إلغائها من الوجود، قبل أن تعود وتستقر في رقبته. ولهذا، العالم لم يطلق رصاصته هذه على أحمد من أمامه فحسب، إنما من ورائه ايضاً: رصاصته هي رصاصة نظام الأبد، وهي رصاصة تنوب عن برميل هذا النظام.

لقد أعلن أحمد، وفي مسعى اجتيازه الحدود التركية-اليونانية، إيمانه بالعالم، بكون هذا العالم مستعداً، وعلى الاقل، أن يستقبله. لكنه، على العكس، لم يرحب به، لا بل، وما ان تقدم منه، حتى أزهقه. في النتيجة، وباغتياله أحد المؤمنين به، يؤكد العالم أنه غير مؤمن بحاله، غير مؤمن بكونه قادراً، والسبب، ببساطة، أنه عدمي بإمتياز، فهو نظام “الأبد الديموقراطي”. ما يفاقم من تعاسة حالته هذه أنه لا يتوقف عن التبشير بذاته على أساس أنه عالم العوالم، ومن بعده لا عوالم ممكنة البتة. هذا، في حين أن دعايته، وباستمرار، تثبت أنه يريد أن يكون الأفضل والأوحد من دون أن يكون عالماً حتى. فالعالم، في الأساس، لا يقفل، ولا يقصي. أما هو، وفي إثر عدميته، لا يستطيع أن يلاقي أحمد، بل أن يتأرجح بين ضبطه وقتله. العالم العدمي ليس بعالم، ولا يستحق أن يكون كذلك.

على أن أحمد، وحين كان يريد أن يعبر الحدود، ولأنه كان يؤمن بالعالم، الذي لا يؤمن بحاله، كان يواجهه، كان يبرز عصيانه له. وبهذا، لم يكن يجتاز الحدود التركية-اليونانية فقط، إنما، كان يجتازه أيضاً. وهذا هو معنى العبور: أن يجتاز مجزرة الأبد، وعالمه معاً، أن يجتاز الأولى، وبالفعل نفسه، يجتاز الثاني، أن يصير بعدهما، حيث يمضي إلى بناء عالمه المجهول، غير المحدد. فالعالم بقتل أحمد، بقتل قديس العبور، أراد أن يقتل أي عالم مقبل، أي عالم مختلف عنه. لذلك، “فليذهب [هذا] العالم إلى فقدانه، هذه هي السياسة الوحيدة”، قالت مارغريت دوراس.

المدن

—————————-

استهداف اللاجئين: عار البشرية!

ردا على سؤال قدمه ناشطون للاجئين من جنسيات مختلفة خلال ورشة بحثية جرت مؤخرا في جامعة بريطانية إن كانوا سيغيرون رأيهم لو عرفوا حجم المخاطر التي سيواجهونها، تركز جواب السوريين والعراقيين منهم بخاصة على القول إنهم كانوا سيموتون في الحالتين، وأنه في حالة اللجوء غير الشرعي فإنه سيكون لهم دور في قرار يخص حياتهم أو موتهم بعكس أمر بقائهم تحت رحمة مجرمي الحرب في بلدانهم.

في المقابل تداول ناشطون فيديو لشاب فلسطيني يحذر اللاجئين من مخاطر ركوب البحر ومن أكاذيب مهربي البشر على سهولة الوصول وانفتاح باب الأحلام الأوروبية أمامهم، في الوقت الذي تتعرض فيه نسبة عالية منهم للغرق والموت كل يوم، وإذا تمكنوا من الوصول إلى الجزر اليونانية فسيلاقون الويلات فيحشرون في معسكرات لا تليق بالبشر، وحتى هذا الخيار ما عاد موجودا مع قرار السلطات اليونانية مواجهة اللاجئين بالقوة لإرجاعهم إلى تركيا، وقد أكدت منظمة «فورنزك اركيتكتشر» البريطانية أمس مقتل طالب لجوء سوري بنيران حرس الحدود اليوناني، وتوثيقها لاستخدام الحرس الرصاص الحي ضد طالبي اللجوء الذين يحاولون العبور إلى الجانب اليوناني.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه منظمات أخرى، كالمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استنكار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل السلطات اليونانية، وإدانة الاتحاد الدولي للصليب الأحمر لاستخدام المهاجرين كـ«أسلحة سياسية» داعيا الاتحاد الأوروبي إلى احترام «كرامة الإنسان»، ثبّت وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان هذا «الاستخدام السياسي» للاجئين بقوله إن «أوروبا لن ترضخ للابتزاز» الذي تمارسه تركيا وأن «حدودها ستبقى مغلقة».

يجري هذا في الوقت الذي يستمر فيه «مجرمو الحرب» الذين يمثلهم النظام السوري وحلفاؤه باستهداف من بقوا من المدنيين بالإعدام الميداني وبالاعتقال والتغييب، ثم باستهداف من هربوا من بطشهم بالغارات الجوّية والقصف، كما حصل أمس حين استهدفت الغارات الروسية تجمعا للنازحين بعد منتصف الليل، قرب بلدة معرة مصرين في ريف إدلب الشمالي، مما أدى لمقتل 16 مدنيا بينهم أطفال، لينضموا إلى أكثر من 2100 مدني بينهم 600 طفل قتلوا منذ بداية اتفاق سوتشي في سبتمبر/ أيلول 2018، وكان قرار الهجوم السوري ـ الروسي لاجتياح إدلب منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أدى لنزوح أكثر من مليون و30 ألف مدني.

سماح تركيا للاجئين بالخروج منها إلى أوروبا هو قرار ثقيل بالمعاني السياسية والرمزية، فهو من جهة يعطي دفعة لدعاية اليمين المتطرّف الأوروبي، وهو من جهة أخرى، يظهرهم متروكين لمصائرهم ويرفع منسوب مشاعر التخلّص منهم داخل اتجاهات سياسية يمينية تركيّة أيضا.

كل هذا لا يعفي النظام السوري، الذي هو المسؤول الأول عن هذه الكارثة ومنظّم ديناميّة الإبادة والتهجير، وكان لافتا خروج رئيسه بشار الأسد للحديث عن «ابتزاز» تركيا لأوروبا عبر إرسال اللاجئين إليها في الوقت الذي لم يتوقف عن قصفهم خلال 9 سنوات، وهو ما يعيدنا إلى الفكرة التي عبّر عنها اللاجئون في الورشة البحثية المذكورة آنفا، فقرار اللجوء هو آخر ما تبقّى لدى هؤلاء المستهدفين بأشكال الموت والتدمير ليفعلوه كي ينجوا بحيواتهم من أنظمة مؤسسة على إبادة مواطنيها.

القدس العربي

—————————

اللعب باللاجئين السوريين واستغلالهم/ عمر كوش

على الرغم من تحذيراتٍ أطلقها لاجئون سوريون في أوروبا، من خلال رواية تفاصيل تجاربهم في مسيرة اللجوء، بعد وصولهم إلى الحدود اليونانية، وتقديمهم النصائح بالامتناع عن تكرار تجاربهم “المذلّة والصعبة”، وشعورهم بالندم الذي لم يعد ينفعهم، إلا أن مئات آلاف اللاجئين السوريين وسواهم تدفقوا جماعاتٍ وفرادى إلى الحدود اليونانية، فور سماعهم قرار الحكومة التركية السماح لهم باجتياز حدودها والتوجه نحو أوروبا.

للقرار التركي خلفياته ومبرّراته، إلا أن بعض السوريين عبّروا عن استيائهم من “اللعب بالسوريين، وكأنهم ليسوا بشراً”، فيما يرى الساسة الأتراك أن من حق بلادهم إفهام قادة الاتحاد الأوروبي على أنهم جزءٌ من المشكلة التي تواجهها تركيا، منذ شن النظام السوري حرباً شعواء على غالبية السوريين، وشرّد أكثر من نصفهم بين نازج ولاجئ. ولا يقبل قادة تركيا أن يبقى الاتحاد الأوروبي في موقف المتفرّج أو المراقب على الهجمات الروسية الأسدية على إدلب التي تسببت بتدفق أكثر من مليون مدني سوري على حدود بلادهم الجنوبية. وفي حال استمرار الهجمات، يمكن أن يصل العدد إلى أكثر من ثلاثة ملايين، وبالتالي يعتبر الساسة الأتراك أنه ليس من حق الأوروبيين الانتظار إلى حين حدوث كارثة جديدة، كي يتخذوا موقفا يتناسب مع مصالحهم، بل عليهم تحمّل المسؤولية معهم.

وسبق أن هدّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة، بفتح الحدود أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا، إذ لم يتلقّ الدعم الكافي في استضافة بلاده اللاجئين السوريين، لكن القرار التركي اتخذ على خلفية الرد المباشر على قتل 33 جندياً في إدلب على يد قوات نظام الأسد، مع أنه يجد مسوّغاته في الحملات الكارهة للسوريين في تركيا التي تسهم فيها أحزاب المعارضة التركية، وتحمّلهم تبعات الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، كانخفاض سعر صرف الليرة وارتفاع نسب التضخم وزيادة البطالة، إلى جانب عدم التزام الجانب الأوروبي بالاتفاقيات التي لم تنفذ. ولكنه يكشف، في المقابل، ضعف (وهشاشة) موقف الساسة الأوروبيين حيال الكوارث المتتالية التي تتزايد على الحدود الجنوبية لبيتهم الأوروبي، حيث يشنّ الروس مع نظامي الأسد والملالي الإيراني حرباً متعدّدة الأبعاد، على المستويين الاستراتيجي والجيوسياسي. وتشكل كارثة على المستوى الإنساني، ولا يقيم لها التحالف الروسي والأسدي والملالي أي وزن أو اعتبار لها، لأن آثارها وتبعاتها ستنعكس على كل من تركيا والاتحاد الأوروبي. ولذلك يطالب الرئيس التركي أردوغان الدول الأوروبية بمشاركة بلاده في التبعات والتكاليف، بينما يجادل وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، بأن من حق بلاده فتح الحدود أمام اللاجئين، وأنه ليس ابتزازاً أو خدعة، بل إنه الرد المناسب على موقف الاتحاد الأوروبي، ويذكّر بأن اليونان استقبلت بمفردها، في تسعينيات القرن العشرين المنصرم، مليون لاجئ من ألبانيا ودول البلقان الأخرى، وبالمقايسة يعتبر أن توزيع حوالي ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ على جميع دول الاتحاد الأوروبي أمر هين.

ويبدو أن تركيا وجدت نفسها في موقفٍ لا تحسد عليه بعد تصعيد الهجمات على إدلب، ورفض حلف شمال الأطلسي الوقوف إلى جانبها عسكرياً، إضافة إلى رفض قادته دعم المطلب التركي إقامة منطقة حظر جوي في إدلب، وخرق الروس اتفاق سوتشي القاضي بإنشاء منطقة عازلة داخل الحدود السورية، من أجل نقل اللاجئين السوريين من تركيا إليها. وبالتالي، لم يفهم الساسة الأتراك أسباب العجز الأوروبي في الملف السوري، فضلاً عن أنهم يتهمون دول الاتحاد الأوروبي بعدم الإيفاء بالزاماتها المالية في الاتفاق المبرم معه عام 2016، والذي أراد ساسة دولها أن يشكل حاجزاً أمام تدفق اللاجئين من تركيا، وسبب لحكومات بلدانهم إشكاليات وتبعات داخلية، تجسّدت في صعود قوى اليمين المتطرّف، وارتفاع حدّة الأصوات الداعية إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ولعل ما أثار حفيظة الساسة الأتراك هو صمت الساسة الفرنسيين والألمان على رفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقد قمة رباعية دعا إليها الساسة الأتراك لمناقشة الوضع في إدلب، واكتفوا بكتابة مقالٍ وقعه 14 وزير خارجية أوروبي، طالبوا فيه بالعودة إلى العملية السياسية وخفض التصعيد، نظراً إلى نتائجه الإنسانية الكارثية، وهو موقف اقترن باعتبارهم أن “تركيا تنفرد في رسم ما يناسبها من مواجهات ومعارك”، وذلك تبريراً لعدم الوقوف إلى جانبها.

ويدرك الساسة الأتراك حجم المشكلة التي يواجهها ساسة الاتحاد الأوروبي، وأن قرارهم يشكل ورقة ضغط رابحة؛ كونه يثير أسئلةً محرجةً حول استعداد أوروبا لأزمة لجوء جديدة تهبّ رياحها من الجنوب، خصوصا أن اللاجئين السوريين لم يغادروا بلادهم لأسباب اقتصادية، بل هرباً من الموت والملاحقة، ومن الدمار الذي حل ببلادهم، نتيجة الحرب التي يشنّها، منذ سنوات، التحالف الروسي والأسدي والملالي الإيراني. لذلك يلقون تعاطفاً وقدراً من التضامن من شرائح شعبية ومنظمات مدنية عديدة في البلدان الأوروبية، وهو أمرٌ يجادل بعضهم بأن أردوغان يستغله، ويبتز الأوروبيين به.

ويُطرح السؤال بشأن ممكنات نجاح القرار التركي في الضغط على قادة الاتحاد الأوروبي، لكي تفي بما تطلبه تركيا، وإمكانية تحرّكهم للضغط سياسياً على ساسة موسكو، بغية تغيير سياستهم في إدلب، وقطع الطريق على موجة نزوحٍ جديدة، إضافة إلى دعم المطلب التركي باتجاه إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري.

ولم يتأخر الرد الأوروبي على القرار التركي، من خلال دعوة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تركيا إلى احترام الاتفاقيات الموقعة، والتفاهم على سبل تنفيذها، فيما اعتبر بعض الساسة الأوروبيين أن أردوغان لن ينجح في مسعاه، لأن أبواب أوروبا ستبقى مغلقةً أمام اللاجئين الذين اضطر بعضهم للعودة خائباً من حيث أتى. وأكّدت أكثر من دولة أوروبية على تقديم الدعم لليونان من أجل إغلاق حدودها في وجه المهاجرين، فيما أعلن رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، أن بلاده عازمة على حماية حدودها، محذراً من أنها ستردهم إذا حاولوا “دخول البلاد بطريق غير مشروع”. غير أن مشكلة اللجوء السوري التي باتت عرضة للابتزاز والاستغلال، وللتجاذبات ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي، لا تحلّ بفتح الحدود أمام اللاجئين أو إغلاقها، لأن تحدّيات كبيرة تعترضهم، بدءاً من معاناتهم في إمكان اللجوء والموجات العنصرية التي يتعرّضون لها، وحتى من يصل منهم إلى اليونان يقابل بمن يرفض استقباله، وبمواطنين لسان حالهم يقول: “اخرجوا من بلادنا”، ومروراً بفرض دول أوروبية قيوداً صارمة على أنظمة اللجوء ومرافق الاستقبال، بغية تخفيف الضغوط الداخلية التي على حكوماتها، ووصولاً إلى المعاناة الرهيبة التي يعانيها اللاجئ في تغريبة اللجوء الشاقة، وليس انتهاء بالاستغلال الذي يتعرّضون له. والحلّ الذي لا يحرّك أحد ساكناً حياله هو بذل جهود حقيقية من القوى الفاعلة في المجتمع الدولي للوصول إلى معالجة أساس مشكلة اللجوء السوري، وينهي الحرب الشاملة التي يشنها ضدهم تحالف النظام الروسي والأسدي وملالي طهران.

العربي الجديد

———————————–

سوريا.. وحرب بالوكالة: هل تتحول الخلافات بين أنقرة وموسكو إلى معركة مباشرة لقوى عظمى؟

“بنك الأهداف” التركي في محافظة إدلب بسوريا آخذ في الازدياد. حسب تقارير وزارة الدفاع في تركيا، فإنها قد دمرت في بداية الأسبوع 82 هدفاً سورياً، منها 9 دبابات وقاذفتا هوبتسار وست منصات لإطلاق الصواريخ وسيارتان عسكريتان و299 جندياً سورياً. بالإجمال، تم إحصاء حتى الآن أكثر من 2500 قتيل في أوساط القوات السورية بالنار التركية، بعضهم من المليشيات وبعضهم من الجنود النظاميين. ولا توجد أي تقارير عن عدد المدنيين الذين قتلوا في هذه الهجمات، وكأن كل قتيل هو في الأصل عدو مسلح. من الجهة الأخرى، يتحدث الأتراك عن نحو 50 جندياً تركياً قتلوا منذ بداية المواجهات بين الطرفين.

معظم الهجمات الجوية تنفذها تركيا بواسطة طائرات بدون طيار، صنعت في شركات تركية مثل “كالي غروب” و”بايكر تكنولوجي” كجزء من حلم الرئيس رجب طيب اردوغان لإنشاء بنية تحتية عسكرية وتكنولوجية مستقلة لا تعتمد على مزودين من الخارج. “كالي غروب” التي بدأت طريقها في خمسينيات القرن الماضي كشركة لإنتاج البلاط، ليست منتجة للبلاط الأكبر في الدولة فحسب، بل هي إحدى الشركات الكبيرة في تركيا، وتسيطر على 17 شركة تقريباً تقوم بإنتاج قطع لطائرات قتالية أمريكية. وقد كانت شريكة في مشروع إنتاج الطائرة المتملصة اف 35 الذي طردت منه في أعقاب قرار أردوغان شراء أنظمة صواريخ مضادة للطائرات من طراز “اس 400” من روسيا.

شركة “بايكر تكنولوجي” التي يترأس قسم التطوير والهندسة فيها سولتسوك بيرق دار، صهر أردوغان، زوج ابنته الصغيرة، هي الشراكة الرائدة في تخطيط وإنتاج الطائرات بدون طيار الجديدة التي يمكنها البقاء أكثر من 24 ساعة في السماء والقادرة على حمل رأس متفجر كبير. مؤخراً، أعلنت الحكومة التركية عن تخصيص 100 مليون دولار لتطوير الطائرات بدون طيار، وهو تخصيص صادق عليه صهر آخر لأردوغان، وهو وزير الاقتصاد والمالية برات البيرق.

ولكن المصالح الاقتصادية لعائلة أردوغان في حرب إدلب يمكن الآن أن تواجه بعائق مفخخ، مقابل التهديد الذي تضعه الحرب أمام العلاقات بين تركيا وروسيا. أمس، التقى الرئيس الروسي فلادمير بوتين مع اردوغان في محاولة للتوصل إلى تفاهمات جديدة فيما يتعلق بإدارة المعارك في شمال سوريا بعد المواجهات العنيفة بين القوات السورية والقوات التركية التي أدت إلى الاتهامات المتبادلة بين الدولتين العظميين. وقد بدأت روسيا في تبني خطاب عدائي مباشر ضد تركيا، حيث اتهمتها بخرق اتفاق سوتشي، الذي تم التوقيع عليه في أيلول 2018، والذي كان يجب على تركيا أن تخرج المليشيات المتطرفة من محافظة إدلب مثل جبهة تحرير الشام، وأن تنزع سلاح المليشيات الأخرى. تركيا من ناحيتها تتهم سوريا وروسيا بالمس بقواتها والسيطرة على مداخل إدلب.

       فرصة ترامب

الضغط السوري – الروسي على محافظة إدلب التي كان يمكن أن تشكل منطقة قليلة العنف، آخذ في التزايد. المفترقات الرئيسية التي تربط بين المحافظة وتركيا سيطرت عليها سوريا، وثمة موجة جديدة من آلاف اللاجئين الذين يقفون على الحدود مع تركيا. روسيا وسوريا رفضتا هذه الادعاءات وقالتا إن تركيا هي التي تمنح الدعم العسكري للمليشيات المسلحة التي يقدر عدد مقاتليها بخمسين ألف مقاتل، وأن قوات هذه المليشيات تم دمجها في القواعد التي أقامتها تركيا حول محافظة إدلب. وسائل إعلام في روسيا، تستخدم لغة أقل دبلوماسية، تتحدث عن التعاون الذي كان بين تركيا وداعش، وعن العقوبات التي فرضتها روسيا على تركيا في العام 2015 بعد إسقاط الطائرة الروسية في سماء تركيا، كإشارة واضحة على أن روسيا قد تعود إلى طريقة العقوبات التي أضرت باقتصاد تركيا بشكل كبير.

أي إعلان روسي رسمي لم يؤكد نية فرض العقوبات. وفي الوقت نفسه، تطرح وسائل الإعلام التركية تهديدها الخاص عندما تحذر بأنه إذا قامت روسيا بفرض عقوبات على تركيا، فإن الأخيرة يمكنها إغلاق مضائق البوسفور أمام السفن الروسية. قانونياً، مشكوك فيه إذا كان لدى تركيا القدرة على إغلاق المضائق، باستثناء إثباتها بأن السفن الروسية تعرض أراضيها للخطر، لا سيما مدينة إسطنبول. ولكن يكفي هذا الحوار المسمم الذي يجري في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها زعماء الدولتين كي نفهم إلى أين تدهورت العلاقات بينهما.

تركيا تحاول الآن أن تبني لنفسها نظام دفاع سياسياً توقفه على أرضية متساوية مع روسيا. اردوغان قال بأن تركيا كعضوة في الناتو يمكنها أن تطلب من زميلاتها، لا سيما الولايات المتحدة، الدفاع عنها من هجوم سوري وروسي. شرعية هذا الطلب مشكوك فيها مقابل حقيقة أن تركيا هي التي بادرت إلى الهجوم أولاً في سوريا عندما احتلت مناطق للأكراد في شرق الفرات. وبعد ذلك سيطرت على مدينة عفرين الكردية، والآن هي تتواجه مع الجيش السوري.

الولايات المتحدة لا تحلم بالانضمام إلى حرب في سوريا إلى جانب تركيا، لكنها تشخص وجود فرصة لإزعاج روسيا، لا سيما بعد أن طلبت تركيا منها تزويدها ببطاريات باتريوت المضادة للطائرات. الولايات المتحدة عرضت في السابق على تركيا شراء الصواريخ الأمريكية إذا تنازلت عن صفقة شراء الصواريخ من روسيا. ولكن لأن تركيا لم تتنازل عن الصفقة التي تبلغ 3 مليارات دولار وهي تنوي شراء طائرات قتالية من روسيا، فإن الولايات المتحدة قررت التراجع عن هذا العرض. ويواجه طلب تركيا انقساماً كبيراً في الإدارة الأمريكية الآن. البنتاغون يرفض بيعها بطاريات الباتريوت، ولكن المبعوث الخاص للشؤون التركية، جيفري جيمس، يعمل كمجموعة ضغط من أجل الموافقة على هذا الطلب. جيمس ليس دبلوماسياً مجرباً فقط، والذي كان أيضاً سفيراً في تركيا، بل ويتحدث اللغة التركية، وقد أظهر في عدة مناسبات تقديره وتحمسه لتركيا، وهو صديق مقرب لأردوغان. في هذا الأسبوع جاء للقاء الرئيس وأحضر معه تعهداً من أمريكا بمساعدة تركيا بالسلاح والذخيرة في المعركة على إدلب. رزمة المساعدة لا تشمل في الحقيقة بطاريات الباتريوت، لكن ربما إذا لم يحقق اللقاء بين اردوغان وبوتين تسوية وزادت المواجهة شدة، فإن الولايات المتحدة ستوافق على طلب تركيا.

       تهديد اللاجئين

مع ذلك، من غير الواضح تماماً لماذا تحتاج تركيا إلى بطاريات الباتريوت. في أي سيناريو محتمل، لا يبدو أن روسيا تنوي مهاجمة تركيا في أراضيها بواسطة الطائرات أو الصواريخ. أما ضد الطائرات السورية فهناك في أيدي تركيا وسائل دفاعية كافية. يبدو في هذه الأثناء أن مسألة تزويد الباتريوت مهمة بالأساس على المستوى السياسي من أجل التوضيح لروسيا بأن لدى تركيا دعماً أمريكياً قوياً، رغم التوتر مع واشنطن. لا يكتفي اردوغان بالدعم الأمريكي، بل يعمل على تجنيد دول الاتحاد الأوروبي إلى جانبه، ليس كشركاء في المعركة العسكرية، لكن كأصحاب تأثير وقدرة على الضغط على بوتين.

كعادته، لا يعتمد اردوغان على الدبلوماسية التقليدية وعلى خطاب لطيف؛ فهو يهدد الدول الأوروبية بأنه إذا لم تساعده في إقامة المنطقة الآمنة في سوريا، التي يطمح لنقل مليون لاجئ إليها من الأربعة ملايين لاجئ سوري يقيمون في تركيا، فسيقوم بفتح المعابر الحدودية ويسمح للاجئين بالدخول إلى أوروبا دون إزعاج. عملياً، هو فعل ذلك هذا الأسبوع. وحسب تقارير صدرت عن مكتب الرئيس، فإن 80 – 100 لاجئ اجتازوا الحدود إلى اليونان دون أن تمنعهم القوات التركية من ذلك.

لا يكتفي اردوغان بمطالبة مالية تبلغ 3 مليارات دولار (إضافة إلى الـ 6 مليارات التي وعد بها في السابق عند التوقيع على اتفاق اللاجئين في 2016)، بل يطلب دعمه في المعركة التي يديرها في سوريا. دول الاتحاد مذعورة حقاً من تهديد تركيا، الذي ترجم في السابق إلى أفعال. ولكن موضوع التمويل ما زال مختلفاً فيه. ومن غير الواضح للاتحاد كيف تم توزيع أموال المساعدات التي دُفعت في السابق، هل وصلت إلى الأهداف التي خصصت لها وهل صح ادعاء اردوغان بأن تركيا أنفقت 40 مليار دولار من أجل استيعاب ودعم اللاجئين. هذه الأسئلة يتم فحصها الآن في أروقة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولم تُطرح على تركيا حتى الآن، خشية أن لا يصمد فتيل اردوغان القصير أمام تحقيق أوروبي، لا سيما عندما تكون في يده عبوة متفجرة تهز الفضاء العام والسياسي في أوروبا.

نسيج التهديدات الذي تم نسجه بين تركيا وروسيا وبين تركيا والاتحاد الأوروبي، يجب عليه الآن أن يزيح وبحذر فتيلاً تلو فتيل، من أجل منع مواجهة عنيفة ومباشرة. وتطالب تركيا بأن تنسحب قوات الأسد إلى المواقع التي كانت فيها قبل بدء المعركة على إدلب، وفتح الشارعين الرئيسيين باسم “أم4″ و”ام5” اللذين يربطان بين إدلب وتركيا، ووقف الهجوم على إدلب من أجل وقف تيار اللاجئين. عملياً، يمكن لروسيا الموافقة على هذا الطلب، لكنها ستطلب في المقابل برنامج عمل محدداً بجدول زمني متفق عليه يتم –وفقه- إخلاء قوات المليشيات المسلحة من محافظة إدلب. المشكلة هي أن روسيا لا تصدق أن تركيا ترغب أو يمكنها الوفاء بهذا الالتزام؛ فطالما ظلت هذه المليشيات موجودة في إدلب فإنها تمنح تركيا رافعة سياسية تحافظ على مكانتها كواحدة من الدول الثلاث (إلى جانب روسيا وإيران) التي سترسم الحل السياسي للحرب في سوريا.

في اللحظة التي سيتم فيها تفكيك هذه المليشيات ولا تعود تشكل تهديداً عسكرياً أو عائقاً أمام نشر قوات الأسد في محافظة إدلب، سيتم انتزاع ذريعة وجود تركيا العسكري في سوريا. هذا الوجود حيوي بالنسبة لتركيا كي تواصل حربها ضد تجمعات الأكراد في شمال سوريا، التي تعتبرها تهديداً على أمنها القومي. وإذا لم تتوصل روسيا وتركيا إلى تفاهمات حول مسألة تفكيك المليشيات، فيمكن للحرب في سوريا أن تتحول من معركة بالوكالة إلى مواجهة مباشرة ستجر إليها دولاً أخرى.

بقلم: تسفي برئيل

 هآرتس 6/3/2020

كلمات مفتاحية

القدس العربي

——————————-

في التَجَنّي على تركيا/ أسامة أبو ارشيد

يشكّك بعضهم في موضوعية من يؤيدون التدخل العسكري التركي في سورية، أو يتفهمونه، أو يصمتون عنه، في حين أنهم لا يخفون معارضتهم الشديدة، ونقدهم الحاد للتدخلات الروسية والإيرانية والأميركية. ويعزّز هؤلاء منطقهم بالتذكير بأن مؤيدين كثيرين لتركيا في سورية لا يتردّدون في سلق الإمارات والسعودية بألسنة حداد بسبب جرائمهما في اليمن، أو مصر بسبب دورها التخريبي في ليبيا، طبعا جنباً إلى جنب مع الرياض وأبو ظبي. بل إن بعض هؤلاء المشككين يذهبون إلى أبعد من ذلك، عندما يتهمون المتعاطفين مع تركيا بأن هواهم “عثماني” وليس عربياً، وأنهم لا يمانعون غزواً “عثمانياً” جديداً لأرض العرب!

بداية، لا شك أن كثيراً من العرب اليوم يتعاطفون مع تركيا ويناصرونها. وتتعدد أسباب ذلك ما بين إيديولوجية، قائمة على افتراض بعضهم للهوية الفكرية لحكام تركيا في هذه المرحلة. وجيواستراتيجية، استناداً إلى بعض مواقف تركيا الرسمية من قضايا حساسة في المنطقة، كموقفها المعارض لحصار قطر ودعمها، واستضافتها آلاف المعارضين العرب المطاردين من أنظمة بلدانهم. وهناك نوع ثالث من الأسباب يتعلق بالانبهار بشخصية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خصوصاً لناحية بعض مواقفه المتناغمة مع نبض الشارع العربي ومزاجه، كمعارضته إسرائيل ودعمه الفلسطينيين، أو حديثه الواضح عن حقوق مسلمين مستضعفين، كما في ميانمار والصين والهند. وهناك نوع من الانبهار بتركيا نفسها التي تحولت تحت قيادتها الحالية، مطلع هذا القرن، إلى دولة يشار لها بالبنان، مقارنة بمحيطها، لناحية العمران والتقدّم والاقتصاد.

ضمن النسق السابق، يبرز الموقف التركي من الأوضاع في سورية واحدا من أهم أسباب تعاطف كثيرين معها، ليس لأنها تستضيف قرابة أربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها فحسب، بل لأن موقفها من إجرام نظام بشار الأسد في حق شعبه أقرب إلى ملامسة الضمير الشعبي العربي الجمعي. هذا لا يعني أن تركيا دولة بلا أجندة أو حسابات جيوسياسية في سورية، وفي عموم الإقليم، كما في ليبيا مثلاً. البسطاء فقط من يقولون بذلك أو يؤمنون به. والسذّج فقط من يظنون أن المرجعية الإيديولوجية لأردوغان ورفاقه هي ما يحكم سياساتهم واستراتيجياتهم. تركيا دولة إقليمية معتبرة، تبحث، أولاً، عن تأمين أمنها ومصالحها في محيطها، ثمَّ توسيع دائرة نطاق نفوذها ومصالحها في الإقليم ككل.

وهذا لا ينفي أن التعاطف مع تركيا، عربياً، وتأييد كثير من سياساتها، وتحديداً في سورية، له ما

يبرّره. تركيا هي الوحيدة من بين الدول الأخرى المتورّطة في الصراع السوري التي لا تمارس القتل الممنهج والعشوائي بحق الشعب السوري. وإذا جاز لنا الحديث عن بعض الخذلان الذي وجده السوريون من تركيا سابقاً، كما في حلب (عائد بالدرجة الأولى إلى محدودية القدرات التركية في مواجهة روسيا تحديداً، خصوصاً في ظل توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي)، فإن التوتر بينها وبين النظام السوري اليوم، ومن ورائه روسيا وإيران، في محافظة إدلب، يأتي في سياق محاولتها الحفاظ على التفاهمات المشتركة هناك لحماية قرابة أربعة ملايين مدني، في حين يريد الطرف الآخر استعادة المحافظة مع سحق الشعب فيها وتشريده نحو الدولة التركية لتعظيم معضلتها في اللاجئين على أراضيها.

لهذا، من التجني مقارنة تركيا بكل من إيران وروسيا اللتين تمارسان إجراماً فظيعاً في سورية. كما أنه من التجني مقارنة ما تفعله تركيا في سورية مع ما تفعله كل من السعودية والإمارات في اليمن. الطرفان، الثاني والثالث، قتلة دمرا اليمن ومزّقاه ولم ينصرا شعبه على المليشيات الحوثية، أما تركيا فلم تلغ في دماء الشعب السوري. وفي حين تدعم كل من طهران وموسكو جرائم الأسد بحق شعبه، تدعم أنقرة، وإن بشكل محدود، المعارضة الوطنية. هل هذه مسوّغات تضع السياسة التركية في سورية فوق النقد والمساءلة؟ أبداً. ولكن مساواة سياساتها وأفعالها بما تفعله إيران وروسيا تتجاوز اللاموضوعية إلى الإسفاف.

لا يوجد سوري وطني مخلص، ولا عربي يغار على عروبته، لا يؤلمهما ما انتهى إليه حال سورية والعرب عموماً. ولكن ماذا نفعل إذا لم يكن للعرب أجندة تعبر عن مصالح عالمهم وشعوبهم؟ وعلى من نعتمد ونحن لا توجد لدينا دولة عربية واحدة قوية ووازنة، يمكن أن نراهن عليها ونعطيها دعمنا وتعاطفنا؟ إذا كان الخيار المطروح أمامنا اليوم، نحن الشعوب العربية، هو بين تركيا وبين أميركا وروسيا وإيران والسعودية والإمارات ومصر، فإن الخيار هو تركيا. وإذا كان الخيار في سورية بين الجيش التركي، وقوات الأسد، وشبيحة نظامه، وروسيا وإيران، ومليشياتها، فإن الخيار سيكون تركيا أيضاً. هذه هي الحقيقة المُرَّةِ التي لا يريد أن يقرّ بها أدعياء الموضوعية، ذلك أن الأتراك تحت نظامهم السياسي الحالي، ومهما قلت فيهم، يبقون أرحم وأشرف ألف مرة من هؤلاء مجتمعين. اسألوا أهل إدلب إن كنتم لا تصدّقون، أم أن شعبها أيضاً جزء من المؤامرة “الإمبريالية” و”الرجعية” على “محور الممانعة” الذي أضحت روسيا بقدرة قادر قطب رحاه!؟

العربي الجديد

—————————

لماذا وقف السوريون إلى جانب تركيا؟/ محمود الوهب

كثر الأخذ والرد بين السوريين أنفسهم وتناقضت أفكارهم حول تدخل تركيا اليوم في شمال غرب سوريا وفيما يسمى بـ: “درع الربيع” تماماً كما كان الموقف أيام ما سمي بـ “نبع السلام” وقبلهما “درع الفرات” و”غصن الزيتون” إذ إن الموقف الطبيعي، والبديهي بالنسبة للسوريين، في هذه الحال، هو رفض التدخل الأجنبي من أي جهة جاء، ولكنهم لم يرْفُضوه رغم أنه موقف لا تقره المشاعر الوطنية فحسب، بل تقول به أوليات الشرائع الدولية، ومع ذلك فقد حصل العكس، ويلاحظ أن من وقف إلى جانب التدخل التركي من السوريين ليسوا أفراداً، بل الآلاف منهم وربما الملايين، فهل يمكن اتهام هؤلاء جميعاً بانعدام الوطنية؟! إذاً لماذا حصل ما حصل وما دوافع ذلك الموقف العلني المدافع عن صحته يمكن إعادة ذلك إلى عدة أسباب يمكن إيجازها بما يلي:

أولاً: إنَّ الواقع السوري برمته قد فرض عليهم ذلك الموقف، وبغض النظر عمن ينظرون إلى تركيا على أنها الأصل وهم الفرع (تصريح لزهير سالم عضو تنظيم الإخوان المسلمين) فالمعتقد أن موقف السوريين والمهجرين منهم على وجه الخصوص (وهؤلاء ليسوا قلة إذ يقدرون بنصف سكان سوريا) يعود إلى أنهم قد وضعوا أمام أمرين أحلاهما مر فإذا ما اختاروا الموقف البديهي والطبيعي فذلك يعني أنهم وقفوا إلى جانب جلادهم وسبب بلائهم وبلاء وطنهم، كما يعني الوقوف إلى جانب الروس والإيرانيين وميلشياتهم المختلفة الذين استباحوا الوطن السوري وشعبه فقتلوا ودمروا وهجروا..

ثانياً: لأنَّ الوطن، في النهاية، ليس أرضاً وحدوداً وأحجاراً جامدة بل هو حياة وروح، وكل ما يمنح الإنسان شروط إنسانيته، وأسباب عيشه المادي والروحي، ولا شك في أن تلك الشروط والأسباب كان الاستبداد السياسي قد ألغاها كلياً، ولم يكتف بذلك فحسب بل أتى بالجيش الذي تدرّب على أن الرئيس هو الوطن ذاته ولا شيء غيره، وسلطه على الشعب وحين لم يرتو من دم السوريين التي سفكها الجيش العقائدي، ولم تعد البراميل المتفجرة تحقق شهوته الدموية استقدم الجيش الروسي ثاني أكبر جيش في العالم الذي يملك من الأسلحة ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية كلها، فاستخدم منها ما استخدمه لجعل سوريا يباباً وليغدو الحاكم الفعلي لها إلى جانب الإيراني الذي سبقه بمجيئه وفعل المشين. إضافة إلى ما ترتبه أمريكا في الجزيرة السورية (حيث الثروات السورية الأكثر أهمية) وقد جاء اعتمادها على الحزب الذي رعاه حافظ الأسد على مدى حياته ليقف ضد تركيا نفسها، واضطر فيما بعد للخضوع إلى تركيا تحت ما سمي باتفاقية أضنة. وكل ذلك يشير إلى أن تركيا لم تدخل إلى بلد آمن ترعاه حكومة وطنية مستقلة بل إلى بلد مستباح، شعبه مشرد بإرادة حاكمه..!

ثالثاً: إن التدخل لم يأت هكذا دونما أسباب ومبررات، بل ثمة اتفاق أتى بناء على مبدأ اخترعه من استقدمهم النظام نفسه.. إنه مبدأ: “خفض التصعيد” وغايته السيطرة الكاملة على القرار السوري دون النظر لأسباب النزاع السوري/السوري في الأساس.. فلم يكن مبدأ خفض التصعيد لدى الروس غير تجاهل حقوق الشعب السوري لا تجاه المهجرين فحسب بل تجاه هؤلاء الذين أخرجوا من ديارهم تحت طائلة الموت! ويمنعون اليوم من العودة إليها تطبيقاً لفكرة “التجانس” التي أتى بها رئيس النظام لغاية استبدال الشعب السوري..! فـ”لا شيء يفسر هذا الإصرار الوحشي على التطهير السكاني، إبادة أو تهجيراً، وتدميراً منهجياً للعمران، وجرفاً واسع النطاق للأراضي الزراعية بما يعدم أسباب البقاء والحياة.. سوى تلك الغاية في التخلص من أكبر عدد ممكن من السوريين غير الموالين للنظام (…) أي الأغلبية السكانية”. (مقالة يوسف بزي الأحد 1 آذار تلفزيون سوريا).

رابعاً: إن ما يجري اليوم على الأرض، وبغض النظر عن أية حسابات هو تنفيذ لاتفاقات سوتشي التي أرادها الروس بديلاً عن مسار جنيف التي يمكن له أن ينصف السوريين..! فنابت في سوتشي عن السوريين نظاماً ومعارضة الدول الثلاث الضامنة لاتفاقيات خفض التصعيد، وقد نفذ بعضها، مع كل أسف، من خلال مسرحيات تفترض معارك بين الأطراف المتنازعة ذهب ضحاياها آلاف السوريين ودمار عشرات المدن والقرى.. وأولى بنود تلك الاتفاقيات تنص على إبقاء إدلب منطقة “خفض تصعيد” وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها على أن يضمن الروسي تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، إضافة إلى مشاورات حول منطقة منزوعة السلاح بعمق 15- 20 كيلومتراً داخل منطقة خفض التصعيد.. وكذلك إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة المنزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر (تشرين الأول 2018). ومحاربة الإرهاب داخل سوريا بجميع أشكاله ما يعني أن المليشيات الإيرانية المصنفة دولياً بالإرهاب إلى جانب النصرة وغيرها داخلة في الاتفاق.. وثمة بنود أخرى تتعلق بسحب الأسلحة الثقيلة من أيدي الأطراف المتقاتلة بحلول العاشر من أكتوبر 2018 أيضاً، إضافة إلى الدوريات الروسية التركية المشتركة توفيراً لأمن المواطنين في تلك المناطق لممارسة أعمالهم وأنشطتهم الاقتصادية مع تحرير حركة الترانزيت عبر الطريقين حلب – اللاذقية حلب – حماة بحلول نهاية عام 2018..

خامساً: لاشك في أن الموقف التركي منذ البداية كان مريحاً للسوريين الذين وجدوا في تركيا ملاذاً آمناً من موت محتم يلاحقهم أو سجن شبيه يتربص بهم، وبغض النظر عن الرؤية التركية كدولة جوار تلزمها القوانين الدولية باستقبال اللاجئين خلال الحروب.. فغيرها، وبخاصة العرب، لم يفعلوا ذلك بل إن من فعل وخاصة اللبنانيين أذلوا اللاجئين ونالوا من إنسانيتهم..!

سادساً: لم ير السوريون من النظام الذي يولول اليوم حول هذا التدخل “الأجنبي” أي موقف تمليه عليه روح الوطنية أو إنسانية تقودانه إلى حلِّ لمشكلات الشعب السوري، كالعمل على استعادة وحدة سوريا وتحريرها من المتدخلين أجمعين بإرادة السوريين لا بغيرها وذلك بمرسوم جمهوري يفرج بموجبه عن آلاف المعتقلين السياسيين وآخر يسمح بعودة ملايين المهجرين إلى تركيا وغيرها..

سابعاً: السوريون اليوم كما الغريق يتمسك بقشة.. ولذلك يرون في أحد جوانب التدخل التركي دعوة لدول العالم وللأمم المتحدة للإسراع في إيجاد حل للمسألة السورية التي نزفت دماً وأحزاناً أكثر مما يجب.. ولعلهم يتوجسون خيفة من أخطار ماثلة أمامهم وتنذر بضياع سوريا كلها تقسيماً أو مناطق نفوذ أو تحكماً باقتصادها وثرواتها المعروفة أو المكتشفة حديثاً.. وهم متمسكون بحلٍّ يضمن عودتهم إلى بلادهم آمنين في ظل حكومة ديمقراطية تأخذ بالحسبان أطياف الشعب السوري عبر إشاعة الديمقراطية في البلاد السورية وأولها حرية الرأي والتعبير والإفساح في المجال للشعب ليقول رأيه في حاكمه وممثليه فيما آلت إليه سوريا من خراب ودمار ومحاسبة المسؤول الأول الذي أشعل فتيل الحرب بإطلاق الرصاص على المحتجين السلميين..!

تلفزيون سوريا

————————-

عشية لقاء تركيا ـ روسيا/ بكر صدقي

بعد التطورات الميدانية العاصفة التي شهدتها مناطق محافظة إدلب وجوارها المشمولة باتفاق سوتشي (أيلول/سبتمبر 2018) منذ مقتل الجنود الأتراك الـ34، تتجه الأنظار إلى موسكو حيث سيلتقي الرئيسان التركي والروسي، الخميس، لوضع توافق جديد ينهي دورة الصراع الحالية وينشئ ستاتيكو جديدا، سيكون مؤقتاً كسوابقه، بالنظر إلى اختلاف الأهداف بين الشريكين التركي والروسي. ما هي أوراق القوة التي يملكها كل من الطرفين من أجل فرض رؤيته للحل المؤقت؟ وما هي الرسائل التي أطلقاها عشية القمة؟

الضربات التركية المركزة لميليشيات الأسد وحلفائه ومواقعهم العسكرية وبعض المطارات، إضافة إلى إسقاط طائرتي سوخوي وأخرى مروحية، شكلت مفاجأة غير متوقعة دفعت كثيرين إلى المبالغة في أهداف الحملة التركية وآفاقها السياسية المحتملة وقدرات تركيا العسكرية. غير أن الوقائع الميدانية تقول إن سر نجاعة الحملة يكمن في استخدام الطائرات المسيّرة المسلحة التي حققت خسائر كبيرة في صفوف ميليشيات النظام ومواقعه وقدراته العسكرية، تلك الطائرات التي لا يسمح اتفاق سوتشي 2018 بتحليقها فوق منطقة خفض التصعيد، بل يسمح فقط بتحليق درونات غير مسلحة لأغراض تزويد نقاط المراقبة التركية باحتياجاتها العادية، أو لأغراض المراقبة. هذا يعني أن الدرون التركي المسلح ضرب مواقع النظام بغض نظر روسي، لكي يكون بوسع تركيا الانتقام لمقتل جنودها، لامتصاص الصدمة التي شكلها مصرع الجنود الـ34 في المجتمع التركي. ولم يكن لدى بوتين أي مانع في أن يتلقى تابعه الأسدي هذه «العلقة الساخنة» ليجدد إدراكه بأن مصيره في يد بوتين فـ»يسمع كلام» سيده بلا نقاش.

لكن الحملة التركية لم تحقق، عدا إيقاع الخسائر بالميليشيات، أي مكاسب استراتيجية يمكن البناء عليها لفرض شروط معينة على روسيا. صحيح أن الفصائل سيطرت على سراقب وبعض القرى، لكن النظام الكيماوي سرعان ما استعادها. والجديد أن الشرطة العسكرية الروسية ظهرت في المدينة الواقعة على تقاطع طريقي M5 وm4 رافعةً العلم الروسي، في رسالة غير قابلة للتأويل بأن سراقب باتت تحت الحماية الروسية ولا يمكن لتركيا أن تستهدفها بعد الآن.

كذلك جاءت تصريحات الناطق الرئاسي الروسي حول «عدم ضمان موسكو» سلامة الطائرات التركية المسيرة فوق المنطقة، لتضع حداً صريحاً للغارات التركية من غير حاجة لرسائل أكثر عنفاً بإسقاط طائرات تركية مسيرة مثلاً، أو حتى باستهداف طائرات F16 التي شاركت في قصف مواقع ميليشيات النظام من داخل الأراضي التركية. وارتفعت وتيرة التصعيد في التصريحات الروسية الممهدة لقمة الرئيسين، فقال الناطق الرئاسي الروسي إن تركيا خرقت القانون الدولي وموجبات اتفاق سوتشي.

يبقى بالنسبة لتركيا أنها عضو في حلف شمال الأطلسي، وهو ما يلجم بوتين من أي استهداف عسكري مباشر لتركيا داخل حدودها. أما في إدلب فالوضع مختلف، وتستطيع روسيا أن تضع حداً للهجمات التركية هناك من غير خشية من تدخل أطلسي، لأن سوريا كلها تحت سيطرتها العسكرية بموافقة ضمنية من واشنطن وحلفائها الأطلسيين. وهو ما ظهر في اجتماع الحلف الذي لم يخرج بقرارات تدعم تركيا عسكرياً في سوريا، واكتفت واشنطن، إلى الآن، بدعم لفظي لن يكفي لتعزيز الموقف التركي إزاء روسيا.

زيارة كل من الممثل الخاص جيمس جيفري والسفيرة كيلي كرافت إلى أنقرة وأنطاكية الحدودية، عشية قمة موسكو، شكلت أقصى ما يمكن لإدارة ترامب أن تقدمه لأردوغان قبل لقائه ببوتين. وقد تحدث جيفري وكرافت عن تزويد تركيا بمعدات عسكرية، مع استمرار البحث في الطلبات التركية الأخرى، وبخاصة بطاريات باتريوت التي قد تشكل فارقاً ميدانياً إذا تم تزويد تركيا بها. لكن ذلك مستبعد بالنظر إلى استمرار الرفض الأمريكي والأطلسي لشراء تركيا صواريخ إس 400 الروسية التي سبق وأدت إلى إخراج تركيا من برنامج تصنيع طائرات إف 35 المتطورة.

أمام ضيق هامش الخيارات في وجه تركيا، لجأت هذه إلى لعب ورقة فتح الحدود أمام اللاجئين باتجاه اليونان وبلغاريا، في محاولة للضغط على الحلفاء لكي يقفوا معها بجدية في مواجهة موسكو والنظام الكيماوي المندفع للسيطرة على مزيد من الأراضي في منطقة خفض التصعيد. لكنها لعبتها برعونة أثارت ردود فعل الدول الأوروبية بدلاً من كسبها إلى صف تركيا. صحيح أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعت إلى قمة رباعية تجمعها إلى ماكرون وبوتين وأردوغان للتباحث حول وضع إدلب، لكن بوتين رفض الدعوة بصلافة، ليستفرد بأردوغان في موسكو ويحاول أن يفرض عليه رؤيته التي لخصها لافروف بقوله: «لن تجعلنا أزمة اللاجئين نتوقف عن محاربة الإرهابيين».

في المباحثات المكثفة التي جرت في أنقرة بين الأتراك والروس، عرض هؤلاء على تركيا شريطاً حدودياً بعمق 5 كيلومترات لإيواء المليون نازح مدني وكمنطقة سيطرة للقوات التركية التي دخلت المنطقة خلال الشهر الماضي، لكن الجانب التركي رفض العرض. من المحتمل أن يعود بوتين إلى تقديم العرض نفسه، أو تعديل طفيف عليه، لإرضاء ضيفه التركي الذي يحتاج إلى إنجاز ما أمام الرأي العام الداخلي الغاضب من تورط القوات التركية في مغامرة غير مضمونة العواقب. مقابل مواصلة الطيران الروسي قصف المستشفيات والمدارس كما أثبت أحدث تقرير للجنة تحقيق أممية حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في فترات سابقة، وصولاً إلى فرض سيطرة ميليشيات الأسد والميلشيات الشيعية الحليفة على كامل مساحة المحافظة.

هل يمكن قلب هذا المسار وتغيير معادلات القوة على الأرض لغير مصلحة روسيا وتابعها السوري؟ وحده موقف أمريكي حازم تجاه روسيا يمكنه أن يفعل ذلك. وهو ما نرى أنه ما زال غائباً.

القدس العربي

—————————-

بين المحاور، هل تنجح تركيا بالحفاظ على التوازن؟/ سميرة مبيض

لا بد أن نتائج اجتماع الرئيسين التركي والروسي جاءت على عكس توقعات بعض السوريين، توقعات استندت على التصعيدات العسكرية المُرتفعة الصوت التي سبقت الاجتماع، لكن أصوات التصعيدات لا يُمكنها أن تُغطي على عوامل الارتباط الكبيرة بين كلاً من موسكو وانقرة اليوم والقائمة بشكل رئيسي على اتفاقات اقتصادية أهمها خط نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى كل من تركيا ودول جنوب وشرق أوروبا والذي يمر عبر الأراضي التركية، هذا المشروع الذي يُشكل ورقة الضغط الدولية الأقوى بيد روسيا اليوم والذي يُشكل التحالف الروسي التُركي أهم مُرتكز ضمنه.

رغم ان هذا المُرتكز ذاته كان يمكن استخدامه من قبل الرئيس التُركي ليضغط به على الجانب الروسي نحو تنفيذ مطالب السوريين بإنشاء منطقة آمنة ومنطقة حظر طيران يضمن بها حياة أربعة مليون مدني لكن اختيار تُركيا جاء نحو اتفاقات أقل من هذا المطلب، اتفاقات لا تخرج عن إطار مؤتمرات سوتشي واستانا ونتائجهما التي أفضت الى سيطرة نظام الأسد على مناطق سابقة وما رافق ذلك من تهجير واعتقالات وجهت لكل من يُشتبه بتعاطفه مع الثورة السورية في هذه المناطق.

فهل يعني ذلك أن الرئيس التركي سيثق بعودة الأسد من جديد الى الحدود المُشتركة؟

لتبيان ذلك لا بُدّ من التمعن بتصريحات بشار الأسد الأخيرة وعلى الأخص منها المتعلقة بقضيتين، علاقة نظامه بتُركيا والتي اعتبر ضمنها أنه لا وجود للعداء والخلافات الجدية بين نظامه وبين تركيا ونفى أن يكون قد ارتكب أي أعمال عدائية ضد تركيا كبيرة كانت أم صغيرة وفق تصريحه، كما تحدث عن عائلات سورية تركية، وعن مصالح مشتركة وعن التداخل الثقافي المتبادل، ولا بدّ من التمعن بتصريحاته الموجهة ضد القضية الكُردية في الحين ذاته والتي ذكر ضمنها انه لا يوجد شيء اسمه القضية الكردية في سوريا وأن هناك أكراد يعيشون في سورية تاريخياً، وهم لم يكونوا سوريين وفق توصيفه.

هذه التصريحات التي توضح سعي الأسد الحثيث لاكتساب ثقة الرئيس التُركي اليوم، بتقارب بناه على عوامل التاريخ والمصالح المُشتركة من جهة ومن موقف من القضية الكُردية من جهة أخرى، لكن ما يجب أن لا يغفل عنه الطرف التركي أن هذه التصريحات تناقض بالمطلق تصريحات الأسد في أوكتوبر 2019 والتي ذكر بها أن الأتراك هم وكلاء للأميركيين، وعندما لا يخرجون من الأراضي السورية فلن يكون هناك خيار سوى الحرب بالإضافة الى أنها تُناقض ما يعتقد نظام الأسد فعلياً، فالماكينة الاستخباراتية للأسد استمرت طيلة سنوات ببث التحريض المُستمر ضد تُركيا والغرب في المناطق الخاضعة لسيطرته، الى ذلك كُله يُضاف الاتهام المباشر الذي وجهه مراراً لكل من طالب بتغيير جذري في نظام القمع والاستبداد بالعمالة لتركيا او للغرب، مما يُوضح أن هذه المواقف المُستحدثة للأسد أمر بعيد عن حقيقته بل هي خطاب مزدوج قائم على خلفية ضغوطات روسية وإيرانية.

لذلك يبدو أن قبول الطرف التركي بهذه الاتفاقيات التي تضع تركيا تحت احتمالية عودة سيطرة نظام الأسد على منطقة ادلب كاملة أمر لا يخلو من الخطورة، وهو أمر يأتي على خلفية ازدياد التقارب التركي، الروسي، الإيراني من جهة كما يأتي بسبب اتساع التباعد بين تُركيا والغرب والذي تجلى بعدة مواقف ليس آخرها التجاذبات السياسية حول قضية اللاجئين.

هذه الاتفاقات التي تحقق بشكل رئيسي مصالح دول الاستانا، وتغيب عنها مصالح السوريين بشكل كامل حيث أن غياب وجود منطقة حظر طيران يعني إمكانية تعرُّض السوريين المدنيين للقصف بأي لحظة لأن اتفاق وقف النار دون منطقة حظر طيران مُلزم به ليس له أي ثقل على ارض الواقع، لكنها اتفاقات تضع المصالح التركية في منطقة هشة ايضاً، بارتباطها بمحور داعم للأسد بشكل كامل، لغاية اليوم على الأقل.

على الرغم أن جزءاً من الاتفاقات قد يكون غير معلن وقد يتضمن ضمانات روسية لتُركيا وللغرب بالالتزام بتحقيق التغيير السياسي المطلوب في سوريا، للتوصل لنظام حكم غير طائفي وغير عدائي تجاه دول الجوار وتجاه العالم على عكس حكم الأسد القائم اليوم، بمقابل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية.

وهنا تبدو الإشارة للقرار 2254 ضمن الاتفاق الحديث بين الرئيسين الروسي والتركي إشارة ضمنية للتأكيد على حصول هذه التغيير، لكن هذا الانتقال السياسي سيتطلب بدوره انخراط جاد ومُلزم للمجتمع الدولي في تحقيقه وعلى رأسه المؤسسات الدولية الرسمية كالأمم المُتحدة ودول عظمى كالولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي. من هذا المنطلق سيكون للتوازن القائم بين هذه المحاور جميعها أهمية كُبرى للوصول للانتقال السياسي، توازن ضروري كي لا نواجه كشعب سوري مطالب بالتغيير الجذري لنظام القمع، نحن والدول الداعمة لمطالبنا، أي انحرافات في المنعطفات الأخيرة والتي قد تكون بدورها كارثية على المنطقة وتفضي لإعادة تأهيل نظام الأسد.

يتطلب الحفاظ على هذا التوازن الدولي عدم تسليم الملف السوري لدول الاستانا بشكل حصري لان احتمالات الانحراف نحو الأسد ستزداد وستتضاءل فرص العبور بالمنطقة نحو عهد جديد يضمن العدالة والاستقرار والازدهار لشعوبها ويضمن انتهاء حقبة الصراعات المُستنزفة لمواردها البشرية والطبيعية ويضمن استتباب الأمن بها.

بروكار برس

—————————

قمة موسكو: وقف إطلاق نار وممر آمن في إدلب… وأنقرة تحتفظ بحق الرد على النظام/ هبة محمد

في الوقت الذي كانت تعقد فيه قمة روسية – تركية في موسكو لمناقشة الملف السوري الملتهب وخصوصاً في إدلب، توالت التطورات العسكرية واستمرت الغارات الروسية والسورية على الآمنين شمال سوريا، فقد ارتكبت الطائرات الحربية الروسية مجزرة مروعة أسفرت عن مقتل 15 مدنياً بينهم 5 نساء وطفلين، بينما أصيب نحو 20 آخرين، نتيجة استهداف تجمعات للنازحين في مدينة معرة مصرين شمال غربي سوريا.

تزامناً قالت وزارة الدفاع التركية إن اثنين من جنودها قتلا وأصيب ثلاثة آخرون بعدما فتحت قوات الحكومة السورية النار في منطقة إدلب. وقالت الوزارة في بيان إن القوات التركية ردت بإطلاق النار على أهداف للحكومة السورية.

وفيما جاء لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أمس، في موسكو، لهندسة اتفاق جديد إزاء مستقبل ما تبقى من منطقة خفض التصعيد في إدلب، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التوصل إلى وثيقة مشتركة مع تركيا حول وقف إطلاق النار في إدلب «رغم التباينات بين البلدين». وأوضح أن بلاده أعدت وثيقة مشتركة مع تركيا حول وقف إطلاق النار في إدلب.

وأكد الرئيس أردوغان إثر اللقاء الذي استمر 6 ساعات، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، اعتباراً من منتصف ليل الخميس/الجمعة، مع الاحتفاظ بحق الرد على هجمات النظام.

وقال إن وقف إطلاق النار في إدلب سيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من منتصف ليل الخميس/الجمعة. وشدد على أن «النظام السوري بعدوانيته واستهدافه الاستقرار الإقليمي هو المسؤول الأول عن التطورات التي أدت إلى تعطيل اتفاقية إدلب».

وأوضح أردوغان أن هدف النظام السوري الرئيسي هو تفريغ إدلب من شريحة من السكان ووضع تركيا في موقف محرج عبر تهجير السكان.

وأشار إلى أن «الحاجة إلى خلق حالة جديدة باتت أمراً لا مفر منه إثر الأحداث المحزنة التي تسبب فيها هجوم النظام على جنودنا في إدلب». وقال: «سنحقق وقف إطلاق النار في إدلب في أقصر وقت ممكن ومن ثم سنتخذ معاً (مع روسيا) خطوات سريعة أخرى في هذا الشأن».

وبيّن أن روح التعاون مع روسيا قدمت مساهمة غير مسبوقة للجهود الدولية الرامية لإنهاء الصراع في سوريا. وأعرب الرئيس أردوغان عن رغبة بلاده في «مواصلة تعميق علاقات التعاون مع روسيا التي تشمل العملية السياسية حول سوريا والأوضاع شرق الفرات».

وقالت تركيا وروسيا في بيان بعد محادثات في موسكو أمس بهدف تهدئة التصعيد في منطقة إدلب السورية، إن البلدين اتفقا على إقامة ممر آمن على طول طريق سريع يصل الشرق بالغرب في المنطقة، وتسيير دوريات مشتركة عليه اعتبارا من 15 آذار/ مارس. وفي بيان مشترك تلاه وزيرا خارجية البلدين قال الجانبان إنهما سيؤمنان ممرًا سيمتد ستة كيلومترات إلى الشمال، وستة كيلومترات إلى الجنوب من طريق أم 4 السريع. وقالا إن وزيري الدفاع سيتفقان على المعالم المحددة للممر الآمن خلال سبعة أيام.

القدس العربي

——————————

هدوء حذر في إدلب وسط خروقات لوقف إطلاق النار/ عدنان أحمد

بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار الذي توصل إليه أمس الرئيسان التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، حيز التنفيذ في إدلب، يسود، صباح اليوم الجمعة، هدوء حذر مجمل مناطق شمالي غرب سورية، مع خروقات متقطعة من جانب قوات النظام وروسيا، في حين أعلنت تركيا استهداف قوات النظام إثر مقتل اثنين من جنودها أمس.

وأفاد مراسل “العربي الجديد” بأن قوات النظام أطلقت عدة قذائف مدفعية على مواقع الفصائل في الأبزمو بريف حلب، وسهل الغاب بريف حماة، ومناطق جبل الزاوية. كما طاول القصف المدفعي والصاروخي محيط بلدة البارة بالقرب من بلدة كنصفرة جنوب إدلب، فيما تعرض محور مدينة سراقب بريف إدلب لقصف متقطع.

كما أعلنت الفصائل عن صد محاولة تقدم فاشلة لقوات النظام على محور فليفل والفطيرة بريف إدلب الجنوبي فجر الجمعة، مشيرة إلى أنه تم قتل أكثر من 30 عنصرا من تلك القوات.

ونقلت وكالة “فرانس برس” عن مراسليها والمرصد السوري لحقوق الإنسان تأكيدهم “الغياب التام للطائرات الحربية التابعة لقوات النظام وحليفتها روسيا عن أجواء إدلب” منذ منتصف الليل.

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع التركية، فجر اليوم، عن “تحييد” 21 عنصرًا من قوات النظام عقب مقتل جندي من الجيش التركي في منطقة عملية “درع الربيع” بمحافظة إدلب، أمس الخميس، بحسب وكالة “الأناضول”.

وقالت الوزارة في بيان صادر عنها إنه “عقب استشهاد جندي من قواتنا، تم بواسطة طائرة مسيرة بدون طيار، تحييد 21 من عناصر قوات النظام، وتدمير مدفعين، وراجمتين للصواريخ تابعتين له”.

وكان الرئيسان التركي والروسي، أعلنا أمس الخميس، التوصل لاتفاق حول إدلب ينص على وقف إطلاق للنار اعتباراً من منتصف الليلة الماضية، بعد اجتماع بينهما في موسكو استمر لمدة 6 ساعات متواصلة.

ويعتبر الاتفاق ملحقا إضافيا لاتفاق سوتشي، ويشمل إنشاء ممر آمن عرضه 6 كيلو مترات شمالي الطريق الدولي “إم 4″، و6 كيلو مترات جنوبي الطريق، على أن تنسق المعايير الدقيقة لعمل الممر بين وزارتي دفاع البلدين في غضون أسبوع، إضافة الى وقف كل الأنشطة العسكرية على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب، بدءا من منتصف ليل الخميس، وتسيير دوريات تركية وروسية مشتركة اعتبارا من 15 مارس/ آذار الجاري، على امتداد الطريق “إم 4” بين منطقتي ترنبة غرب سراقب وعين الحور.

في غضون ذلك، قال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إنه من الناحية العسكرية الأولوية لنظامه هي “إدلب الآن”، معتبرا أن الرئيس التركي و”بتوجيه من الأميركيين يزج بكل قوته فيها لأن تحرير إدلب يعني التوجه لتحرير المناطق الشرقية التي تنمو فيها حالة استياء شعبية كبيرة ضد الاحتلال الأميركي وهذا الغضب سيولد عمليات مقاومة ضد المحتلين”، بحسب تعبيره.

وادعى الأسد، في مقابلة مع قناة “روسيا 24″، أن أردوغان يقاتل في سورية “إلى جانب الإرهابيين انطلاقا من أيديولوجيته الإخوانية، لذلك فهو غير قادر على أن يشرح للشعب التركي لماذا يرسل جنوده إلى سورية”، مكررا القول إنه لا يوجد عداء بين الشعبين السوري والتركي وأن العلاقات تعود إلى طبيعتها “بعد أن يتخلى أردوغان عن دعم الإرهاب”، بحسب قوله.

ولفت الأسد إلى أن معظم الدول العربية حافظت على علاقاتها مع نظامه، لكن بشكل غير معلن خوفا من الضغوط الغربية والأميركية عليها، معتبرا أن الدول الأوروبية مرتبطة بالسياسة الأميركية ولا جدوى من فتح قنوات معها.

———————————

أردوغان: متيقظون في إدلب وسنرد على أي انتهاك للنظام

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ بلاده ستكون على أهبة الاستعداد دائمًا، للرد على الانتهاكات والهجمات المحتملة من طرف النظام السوري في إدلب. وجاء ذلك في حديثه للصحافيين على متن الطائرة، أثناء عودته من العاصمة الروسية موسكو.

وشدّد الرئيس التركي على أنّ وقف إطلاق النار في إدلب سيترسخ، إن تم الالتزام بالتواقيع التي أبرمت في هذا الخصوص. كما شدّد على أهمية ألا تؤثر التطورات في سورية وإدلب على العلاقات بين تركيا وروسيا، قائلاً: “انطلاقا من هذا المبدأ، أقدمنا على خطوة هامة جدا”. وأوضح أنّ وقف إطلاق النار سيحافظ على أمن الحدود التركية، واستقرار إدلب وأمن المدنيين وعودة الحياة فيها لطبيعتها، وسلامة الجنود الأتراك هناك.

وبيّن أنّ الجانبين على أعلى المستويات، ابتداء من رئيسي البلدين (أردوغان وفلاديمير بوتين)، مرورا بوزيرَي الخارجية ووزيرَي الدفاع وجهازَي الاستخبارات، سيراقبان عن كثب التطورات على الأرض لمنع الإخلال بأسس وقف إطلاق النار. وأردف: “هدفنا تفعيل المسار السياسي في سورية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وإنهاء الحرب الداخلية”، مستدركا: “سنظل على أهبة الاستعداد دائمًا للرد على الانتهاكات والهجمات المحتملة من طرف النظام. ويتجلى عزمنا في هذا الموضوع، من خلال تكبيدنا النظام الخسائر في الأسبوع الأخير”.

وفي رده على سؤال يتعلق بمصير نقاط المراقبة في إدلب، قال أردوغان: “نقاط المراقبة في إدلب سنحافظ على وضعها الراهن، فلا يوجد أي تغيير بهذا الخصوص حاليا”.

وعند سؤاله عن مدى تأثر صفقة شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400″، لا سيما “عدم التزام الروس بالوعود التي قطعوها سابقا في العديد من الملفات الحساسة”، قال أردوغان  إنّ “إس-400” أصبحت لنا، وغدت بين أيدينا، سيتم تفعيلها اعتبارا من إبريل/ نيسان. وسأقول للأميركيين مجددا، كما قلت بالأمس: “إن أعطيتمونا الباتريوت فسنشتريها”. وأشار إلى أنّ الحزام الآمن سيشمل مسافة 6 كم شمال الطريق الدولي “إم4” و6 كم جنوبه، وسنبدأ بتسيير دوريات مشتركة معهم (الروس).

بدوره، قال نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، الجمعة، إن التفاهم الذي تم التوصل إليه خلال زيارة أردوغان إلى روسيا “يعيد إحياء” مساري أستانة وسوتشي حول سورية.

وأعرب أوقطاي، في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح مستشفى علاج الأورام في جامعة مرسين جنوبي البلاد، عن تطلع بلاده إلى قيام روسيا بما يقع على عاتقها باعتبارها دولة ضامنة، من أجل “وضع حد لعدوانية النظام السوري في إدلب، وإيقاف إراقة الدماء”. وأشار نائب الرئيس التركي إلى أن بلاده، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة السورية (عام 2011)، لم تقف إلى جانب الحرب والألم والصراع. وأضاف: “بل على العكس تماما، نريد مستقبلا آمنا وسلميا ومزدهرا لأنفسنا ولأشقائنا السوريين”.

ولفت أوقطاي إلى أن تركيا قدمت دروسا في استضافة اللاجئين، وكانت ميناء آمنا، ووفرت الخدمات الأساسية للشعب السوري المضطهد. وأكد أن عملية درع الربيع التي أطلقتها تركيا في منطقة إدلب “تنفذ وفقا لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة ذات الصلة”، موضحا أنه لا حل عسكرياً للمأساة الإنسانية الحاصلة في سورية، ومبينا أن تركيا مع مسارات الدبلوماسية والمفاوضات والحل السياسي. وشدّد على أنّ تركيا بالتزامن مع ذلك “لم ولن تتردد” في استعمال القوة لحماية حدودها وفي مكافحة الإرهاب، ومنع المأساة الإنسانية “إذا استدعت الضرورة”.

ورأى أوقطاي أن بلاده ردت بعنف على هجمات “النظام الإرهابي” ضد نقاط المراقبة والمواقع العسكرية التركية، وستواصل الرد إن تعرضت لهجمات جديدة. وكان الرئيسان التركي والروسي أعلنا، أمس الخميس، التوصل لاتفاق حول إدلب ينص على وقف إطلاق النار اعتباراً من منتصف الليلة الماضية، بعد اجتماع بينهما في موسكو استمر لمدة 6 ساعات متواصلة.

ويعتبر الاتفاق ملحقا إضافيا لاتفاق سوتشي، ويشمل إنشاء ممر آمن عرضه 6 كيلومترات شمالي الطريق الدولي “إم 4″، و6 كيلومترات جنوبي الطريق، على أن تنسق المعايير الدقيقة لعمل الممر بين وزارتي دفاع البلدين في غضون أسبوع، إضافة إلى وقف كل الأنشطة العسكرية على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب، بدءا من منتصف ليل الخميس، وتسيير دوريات تركية وروسية مشتركة اعتبارا من 15 مارس/ آذار الجاري، على امتداد الطريق “إم 4” بين منطقتي ترنبة غرب سراقب وعين الحور.

اللاجئون

وعلى صعيد متصل، أبرز الرئيس التركي أن الغرب “منافق جدا” في موضوع اللاجئين، إذ إنه سارع لمد يد العون إلى اليونان، بينما يتجنب تقاسم الأعباء مع تركيا. وأضاف بشأن تدفق طالبي اللجوء: “الغرب مع الأسف منافق جدا، فقد وعدوا اليونان بتقديم 700 مليون يورو على الفور”.

ولفت إلى أن المستشارة الألمانية كانت وعدت بتقديم 25 مليون يورو لتركيا لدعم اللاجئين، ولم يتم تنفيذ ذلك بعد. وأوضح قائلا: “دعكم من 700 مليون يورو، المستشارة كانت تحدثت عن تقديم 25 مليون يورو لنا، لكننا للأسف لم نتلقَ بعد أي شيء منها أيضا”. وخلص إلى القول: “ليس لدينا وقت لمناقشة موضوع اللاجئين مع اليونان في هذه المرحلة، الأمر بات محسوما، سيذهب اللاجئون إلى حيث استطاعوا، ونحن لا نجبرهم على مغادرة بلادنا”، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول”.

بدوره، تطرق أوقطاي إلى تدفق طالبي اللجوء إلى الحدود اليونانية، مستنكرا استخدام القوات اليونانية العنف لمنع طالبي اللجوء من دخول أراضيها. وقال إن إطلاق القنابل الغازية على الأطفال والرصاص على اللاجئين العزّل “لا ينسجم مع القيم التي تتباهى بها أوروبا”.

——————————

إدلب: حملة كراهية وتهديدات تستهدف الصحافية ميرنا الحسن

أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” بياناً تضامنت فيه مع صحافية سورية مقيمة في إدلب، تعرضت لحملة تشويه سمعة وإهانات جنسية من موالين للنظام السوري، بسبب تغطيتها للمعارك شمال غربي البلاد.

وانضمت “مراسلون بلا حدود، إلى منظمات صحافية سورية وناشطين معارضين، تضامنوا في الأيام القليلة الماضية، مع الصحافية المستقلة ميرنا الحسن، التي نشرت شخصيات مقربة من النظام السوري، من بينها العضو في مجلس الشعب السوري، فارس الشهابي معلومات زائفة حول تعرضها للاختطاف والاغتصاب والقتل، من قبل “إرهابيين”.

وأوضحت “مراسلون بلا حدود” أن الخبر الكاذب تصاحب بعبارات مثل “هذا مصير كل من يخون بلده”، علماً أن الحسن نفسها نفت ذلك بطريقة ساخرة، وكتبت عبر صفحتها الشخصية في “فايسبوك”: “كل يوم إشاعة جديدة. #أنا_بخير الحمد لله”.

وفي بيان مواز، دانت “رابطة الصحافيين السوريين”، وهي هيئة مستقلة معنية بشؤون حرية التعبير في سوريا، الممارسات غير الأخلاقية التي تعرضت لها الحسن. وأضافت أن الحسن “تعرضت حملة تشويه وتهديدات من قبل موالي النظام، إلا أن مواظبتها على العمل وظهورها الدائم رغم اشتداد المعارك في شمال غرب سوريا، دفع الأبواق المأجورة لاستهدافها مجدداً”.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الحسن لحملة تشويه، لكن منذ اشتداد القتال في إدلب، تصاعدت حدة التهديدات والشتائم والسخرية ضدها، فيما أشارت “مراسلون بلا حدود إلى أنها واحدة من أوائل النساء اللواتي حظين باهتمام إعلامي واسع في المنطقة بعد انخراطها في تغطية الوضع في إدلب، حسب تعبيرها.

وقالت الحسن أن “حسابات وسائل إعلام وشخصيات موالية لبشار الأسد تنشر عنها معلومات زائفة بانتظام. وأشارت إحدى تلك الشائعات إلى أن والدها قرر قتلها لأنها خانت شرفها من خلال ظهورها بوجه مكشوف على شاشة التلفزيون”، فيما قالت صابرين النوي، مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في “مراسلون بلا حدود”: “من غير المقبول بتاتاً الابتهاج بتعرض صحافية لاغتصاب مزعوم والتأكيد باستمرار على وضعها كامرأة للاستخفاف بعملها”، مضيفة أن “الاستقطاب الإعلامي في سوريا أدى إلى أعمال قدح سافلة ومهينة، والأهم من ذلك أنه في هذه الحالة بالذات، يتم الاعتداء على كرامة امرأة”.

وبحسب “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، توجد حوالي 60 صحافية في منطقة إدلب، قالت مجموعة منهن لـ”مراسلون بلا حدود” أنهن يواجهن شتى أنواع الصعوبات في عملهن الميداني خلال زمن الحرب. وقالت الصحافية المستقلة شادية التعتاع على سبيل المثال: “عندما أكون في تغطية صحافية وأمسك بكاميرا، أرى نظرات الاستنكار في عيون الرجال”.

من جهتها، تعرضت الصحافية جهان حاج بكري للتهديد من قبل الجماعات الإسلامية بسبب عدم ارتدائها الحجاب، وقالت: “لقد أُجبرت على ارتداء الحجاب لكسب ثقة الناس والمجتمع من جهة والنأي بنفسي عن عنف الجماعات الإسلامية من جهة أخرى”. أما هاديا منصور، فقد اضطرت إلى الكتابة تحت اسم مستعار وتغييره عدة مرات بسبب الوضع الأمني. وعلقت: “كان يؤلمني لأني لم أكن أستطيع إظهار إسمي الحقيقي وعملي كان كله بالخفاء”.

يُذكر أن سوريا تقبع في المرتبة 174 من أصل 180 بلداً، على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته “مراسلون بلا حدود” العام الماضي.

المدن

———————————

أوروبا تدعم تركيا وترفض ضغوط أردوغان..وتوتر على الحدود اليونانية

كرر الاتحاد الأوروبي موقفه الرافض لاستخدام اللاجئين كورقة ابتزاز أو مساومة، في وقت وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغرب ب”المنافق”.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، من العاصمة الكرواتية، إن حكومات التكتل ستبحث تخصيص المزيد من الأموال للمهاجرين في تركيا لكنها لن تقبل استخدام اللاجئين كأداة مساومة.

وأضاف أن “تركيا تتحمل عبئاً كبيراً… علينا أن نتفهم ذلك. لكن في الوقت نفسه لا يمكننا قبول استخدام اللاجئين كمصدر ضغط”، في إشارة إلى مواقف أردوغان، والتي لوح خلالها ببحر من اللاجئين باتجاه أوروبا، في مسعى لحصد مزيد من الدعم الأوروبي لبلاده.

وأثارت المواجهات بين النظام السوري والقوات التركية أزمات الإنسانية  في إدلب، حيث فرّ ما يقارب مليون مدني سوري إلى الشمال باتجاه الحدود التركية المغلقة، ما زاد الضغط على المخيمات المزدحمة في المنطقة الحدودية.

وقال أردوغان، الجمعة: “الغرب مع الأسف منافق جداً فقد وعدوا اليونان على الفور بتقديم 700 مليون يورو”، مذكراً بأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت وعدت بتقديم 25 مليون يورو لتركيا لدعم اللاجئين، ولم يتم تنفيذ ذلك بعد.

وأضاف “ليس لدينا وقت لمناقشة موضوع اللاجئين مع اليونان في هذه المرحلة، الأمر بات محسوما، سيذهب اللاجئون إلى حيث استطاعوا، ونحن لا نجبرهم على مغادرة بلادنا”.

وتزامن حديث أردوغان مع ارتفاع حدة التوتر على الحدود التركية اليونانية على خلفية استمرار توافد المهاجرين. واندلعت اشتباكات الجمعة على الحدود اليونانية التركية، بعد استخدام السلطات اليونانية الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لصد محاولات المهاجرين للدخول عبر الحدود إلى اليونان. وردت تركيا بإطلاق كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع على الجانب اليوناني من الحدود.

وكانت تركيا نشرت فرقاً من الشرطة على نهر “مريج” الحدودي في ولاية أدرنة، شمال غربي تركيا، لمنع إجبار طالبي اللجوء على العودة من قبل الجانب اليوناني.

ووصل نحو ألف عنصر من شرطة المهام الخاصة التركية بعتادهم الكامل إلى المدينة وبدأوا بالانتشار على أطراف النهر الحدودي. وأفادت وكالة “الأناضول” التركية بأن هذه الخطوة تهدف إلى زيادة التدابير للحيلولة دون المعاملة السيئة التي تمارسها القوات الأمنية اليونانية بحق طالبي اللجوء المحتشدين على حدودها. ومن المقرر أن تعمل الشرطة التركية أيضًا على رصد التحركات في النهر من خلال زوارق مطاطية.

وحاول الآلاف من المهاجرين واللاجئين الوصول إلى اليونان عبر الحدود البرية والبحرية الشرقية للبلاد خلال الأسبوع الماضي، بعد أن أعلنت تركيا أن حدودها مع أوروبا، التي كانت تحت الحراسة في السابق، أصبحت مفتوحة.

———————————–

تركيا تنشر 1000 شرطي لمنع اليونان من رد المهاجرين

إستمرت معاناة آلاف المهاجرين العالقين على الحدود التركية اليونانية منذ نحو أسبوع، فيما بدأت أنقرة بنشر ألف شرطي على حدودها لمنع السلطات اليونانية من رد المهاجرين إلى أراضيها.

وأعلن وزير الداخلية التركية سليمان صويلو أن بلاده تعمل على نشر ألف عنصر من شرطة المهام الخاصة، سيتم إدراجهم بتجهيزات كاملة ضمن النظام الحدودي على ضفاف نهر “مريج” في أدرنة.

صويلو، وفي جولة أجراها من الجو للاطلاع على حركة طالبي اللجوء في الحدود التركية-اليونانية في ولاية أدرنة، أوضح أن الهدف من هذه الخطوة هو منع إجبار طالبي اللجوء على العودة من قبل السلطات اليونانية، والحيلولة دون تعرضهم لمعاملات سيئة.

وكانت تركيا قد أكدت الجمعة فتح حدودها البرية والبحرية أمام اللاجئين والمهاجرين، في إعلان أثار في أوروبا الخشية من حدوث أزمة هجرة شبيهة بتلك التي شهدتها القارة عام 2015.

واتهم وزير الداخلية التركية اليونان العام الماضي باستقبال  7300 عنصر من منظمة “غولن”، و7600 عنصر خلال عام 2018.

ولفت إلى أن هذا الوضع لا يأتي بقرار من اليونان وإنما هو قرار أوروبي مشترك، وهذا أمر صريح وواضح، معتبراً أن الأطراف التي تلتزم الصمت حيال ما يجري، تتعامل بخلاف القواعد الإنسانية تجاه الناس الذين يطلبون اللجوء.

وتستضيف تركيا نحو أربعة ملايين لاجئ، غالبيتهم سوريون، وتخشى من تدفق اللاجئين عليها من محافظة إدلب بعد أن نزحوا من المناطق التي يدور فيها قتال في المحافظة حيث تشن القوات السورية هجوماً بدعم من روسيا.

وتمنع اليونان دخول اللاجئين وتندد ب”الابتزاز” التركي باستخدام ورقة المهاجرين للضغط على الأوروبيين في الملف السوري.

وأعلنت الحكومة اليونانية أن قوة حرس الحدود منعت قرابة 7 آلاف محاولة دخول في الساعات الـ24 الماضية، وقرابة 35 ألف محاولة في الأيام الخمسة الأخيرة.

واتهمت تركيا اليونان باستخدام الذخيرة الحية ضد مهاجرين، وقالت إن ثلاثة أشخاص قتلوا. ورفضت أثينا تلك الاتهامات معتبرة أنها “أخبار كاذبة”.

وذكر موقع “بيلينغكات” للتحقيقات الاستقصائية الخميس أن شرطة مكافحة الشغب اليونانية تستخدم على ما يبدو قنابل غاز مسيل للدموع يحتمل أن تسبب الموت بعد العثور على عبوات فارغة ذات رأس حاد، بجوار المكان الذي يتظاهر فيه طالبو اللجوء على الحدود اليونانية.

—————————-

القمة الروسية التركية:وقف النار وممر آمن حول طريق إم4

توصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، إلى حزمة قرارات لتخفيف التوتر في إدلب السورية تشمل إعلان وقف إطلاق نار في المنطقة منذ منتصف الليل.

وعقد الزعيمان قمة في العاصمة الروسية موسكو، استمرت نحو 6 ساعات لبحث االأوضاع في إدلب.

وقال بوتين خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي: “لدينا اختلاف في وجهات النظر مع تركيا إلا أننا نجحنا اليوم أيضا في التوصل إلى اتفاق”، مشيراً إلى “أننا أعددنا وثيقة مشتركة مع تركيا حول إدلب سيستعرض بنودها وزيرا خارجية البلدين”.

وأكد أن الوثيقة المشتركة ستساهم في إحلال وقف إطلاق النار في إدلب وتحقيق تقدم في مسألة إيصال المساعدات الإنسانية.

أردوغان

بدوره، أعلن أردوغان أن تركيا عازمة على مواصلة مبادراتها في المنطقة بما فيها اتفاقية سوتشي حتى حل الأزمة السورية على أساس وحدة تراب سوريا ووحدتها السياسية.

وأكد أن تركيا ستحتفظ بحق الرد بكامل قوتها حال قيام النظام السوري بشن أية هجمات، وقال: ” سنحقق وقف إطلاق النار في إدلب في أقصر وقت ممكن ومن ثم سنتخذ سويا (مع روسيا) خطوات سريعة أخرى في هذا الشأن”.

ورأى أن النظام السوري بعدوانيته واستهدافه الاستقرار الإقليمي هو المسؤول الأول عن التطورات التي أدت إلى تعطيل اتفاقية إدلب، معلناً أن وقف إطلاق النار في إدلب سيدخل حيز التنفيذ اعتبارا من منتصف ليل الخميس الجمعة.

بنود اتفاق إدلب

وتلا وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بنود الإتفاق الذي توصل إليه الرئيسان الروسي والتركي، وقال: سيتم إنشاء ممر آمن على عمق 6 كم شمالي الطريق الدولي “إم 4” و6 كم جنوبه وسيتم تحديد التفاصيل في غضون 7 أيام”، مؤكداً أن “الحاجة إلى خلق حالة جديدة باتت أمرا لا مفر منه إثر الأحداث المحزنة التي تسبب فيها هجوم النظام على جنودنا في إدلب”.

ولفت أوغلو إلى أن ” الأنشطة العسكرية كافة ستتوقف على طول خط التماس في منطقة خفض الصعيد في إدلب اعتبارا من منتصف ليل الخميس الجمعة، وستنطلق دوريات تركية وروسية في 15 آذار على امتداد الطريق البري “إم 4″ بين منطقتي ترنبة الواقعة غرب سراقب وعين الحور”.

وقبيل المؤتمر الصحافي المشترك عقد إجتماع ضم الرئيسين والوفود المشاركة واستمر ساعتين ونصف الساعة.

وسبق الاجتماع على مستوى الوفود، اجتماع ثنائي بين زعيمي البلدين في قصر الكرملين استغرق 3 ساعات و10 دقائق، فيما أمتدت المحادثات الثنائية والموسعة نحو خمس ساعات و40 دقيقة.

وجاء لقاء أردوغان وبوتين إثر التصعيد الأخير الذي شهدته المنطقة، الذي بلغ ذروته بمقتل 33 جنديا تركيا الأسبوع الماضي جراء قصف جوي لقوات النظام السوري على منطقة “خفض التصعيد”، وهو ما ردت عليه تركيا بإطلاق عملية “درع الربيع” ضد قوات النظام السوري في إدلب.

تعازي

وكان بوتين قدم في مستهل اللقاء التعازي إلى أردوغان في مقتل الجنود الأتراك في سوريا، وقال: “عندما يفقد الناس أرواحهم فهي مأساة كبيرة، مع الأسف لم يكن أحد يعرف بمن فيهم المسؤولون العسكريون الروس بالمكان الذي كان يتواجد بها الجنود الأتراك”.

وأضاف ” في الحقيقة الجيش السوري لديه خسائر فادحة، ينبغي تناول كافة النواحي في الملف السوري للحيلولة دون أن تُلحق التطورات الجارية ضرراً بالعلاقات التركية الروسية”.

من جانبه أشار أردوغان إلى متانة العلاقات التركية – الروسية، مؤكدا أن العمل على تطوير هذه العلاقات يعد مسألة مهمة.

وقال الرئيس التركي “إن علاقاتنا وصلت حاليا إلى الذروة، وهذا ينطبق على الصناعات الدفاعية والعلاقات التجارية.. ونحن نعتبر أن المهمة الأساس تتمثل في تطوير هذه العلاقات، وأعتبر أننا قادرون على ذلك”.

———————————–

الاتفاق الروسي التركي:لا وجود لنسخة باللغة العربية!

يعقد مجلس الأمن الدولي الجمعة اجتماعاً مغلقاً لشرح محتوى الاتفاق الروسي التركي بشأن وقف إطلاق النار في إدلب السورية. وتأتي هذه الجلسة بطلب من موسكو التي تتعرض منذ أسابيع لانتقادات من شركائها في المجلس.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن أمله في “وقف فوري ودائم للعمليات القتالية” يصب في مصلحة السكان. وقال في بيان، إنه “أخذ علماً” بالاتفاق التركي الروسي، مشيراً إلى أن سكان شمال غرب سوريا “تحملوا معاناة هائلة”. ودعا للعودة إلى العملية السياسية لإنهاء الحرب في سوريا.

وفيما يسود هدوء نسبي في إدلب مع توقف عمليات القتال على مختلف المحاور، قالت صحيفة “التايمز”، إن الجهود الدبلوماسية لطالما تحدثت عن أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية، ولكن الاتفاق الذي عقد في موسكو “يعيد تذكيرنا بأن القوة إنما تنبع من فوهة المسدس”.

وأضافت أن “النظام السوري المدعوم من إيران والمليشيات الشيعية والقوات الجوية الروسية تمكن خلال السنوات السبع الماضية من دحر قوات المعارضة”. وقالت: “لكن تركيا تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو. وحين قررت أنقرة أن توجه هذا الجيش ضد الرئيس السوري بشار الأسد، كان التأثير واضحاً للعيان. سقطت طائرات النظام السوري، ودمرت أنظمة الدفاعات الجوية الروسية من قبل الطائرات من دون طيار التركية”.

وتابعت أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليست لديه رغبة في قتال تركيا، ولهذا كان عليه أن يستجيب لبعض مطالب رجب طيب أردوغان، إن لم يكن كلها. وما يريده الرئيس التركي، هو منطقة آمنة ونهاية لضغط تدفق اللاجئين على حدوده الجنوبية. وباختصار، فإن أردوغان حصل على اتفاق ضمنه له الجيش التركي”.

ولفتت إلى أن اتفاق موسكو غاب عنه تماماً ذكر الحكومة السورية، وهذا حسبما يرى “هو الثمن الذي تدفعه حين يكون جيشك غير قادر على القيام بما يتوقع منه، حينها يتم حذفك واستبعادك من السجلات”.

ورأت أن الاتفاق مناسب لكل من بوتين وأردوغان، وبوتين “هو في النهاية الرابح، وقد كان على أردوغان أن يتخلى عن الأمل بدفع حدود المنطقة الآمنة إلى ما كانت عليه في عام 2018 ، ولكنها كانت نتيجة ناجحة بالنسبة للطرفين”.

أما بالنسبة للسوريين فلم “يتضح ما إن كان أي من طرفي النزاع قد تمت استشارته بشأن الاتفاق”. الاتفاق “كُتب بثلاث لغات: الروسية والتركية والإنجليزية، من دون أي إشارة أو وجود للغة العربية. اللغة التي يتحدث فيها الطرفان اللذان يفترض أنهما جهتا النزاع”. ربما من الصعب أن يكون هناك مثال أوضح من هذا على أن السوريين ليس لهم كلمة في الحرب التي قتلت الكثير منهم.

صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية رأت أن الاتفاق لن يصمد لكنها شددت على أنه على الولايات المتحدة أن تهتم لما يجري في سوريا لأن تأثيره لا يبقى داخلها. وقالت إن الولايات المتحدة تبدو بعد تسع سنوات من الحرب عازمة على مواصلة تجاهل ما يحدث في سوريا، على الرغم من وجود حوافز قوية أخلاقية وإستراتيجية تجعلها تتحرك.

وعقبت على اتفاق وقف إطلاق النار بأنه لن يصمد لأن الديناميات الأساسية على الأرض لم تتغير. فكما فعلا من قبل، سرعان ما سيخرق النظام السوري وروسيا اتفاقاتهما ويستأنفان مهاجمة المدنيين في إدلب. وسيستمر الذبح مما يزيد أعداد اللاجئين ويدفع إلى المزيد من التطرف.

وألمحت إلى ما قاله ترامب بأنه يرى سوريا عبارة فقط عن “رمال وموت”، وأنه ربما يحسب أن الشعب الأميركي لا يهتم، لكنها رأت أنه يجب أن يهتم لأسباب عديدة منها أن الحجة الإستراتيجية واضحة المعالم وهي أن ما يحدث في سوريا لا يظل فيها.

فأي موجة جديدة من اللاجئين ستزعزع استقرار الديموقراطيات الأوروبية. والولايات المتحدة لها مصالح في جميع أنحاء المنطقة ستهددها الفوضى المتفاقمة. وسينتهز تنظيم “داعش” الفرصة لإحياء نفسه. وفي النهاية عندما يشتد عوده سيهاجم مقاتلوه الأميركيين أينما استطاعوا.

وقالت إن البعض يجادل بأنه نظرا لأن الأسد مصمم على استعادة إدلب فيجب على القوات الأميركية الابتعاد عن طريقه. “المشكلة هي أن هدفه التالي هو شمالي شرقي سوريا حيث يوجد مئات من الجنود الأميركيين، الأمر الذي سيخلق مشكلة للولايات المتحدة لأنها إذا سحبت تلك القوات فستفقد كل نفوذ للدفع باتجاه حل سياسي وسوف يملأ الفراغ داعش وإيران”.

العديد من الأميركيين يريدون خروج بلدهم من الشرق الأوسط، لكن بحسب الصحيفة، سوريا ليست العراق، وبوجود مئات قليلة من الجنود الأميركيين وبعض المساعدة من الحلفاء يمكن إنقاذ ملايين الأنفس من “حكم الأسد الوحشي”، ولكن إذا سمحت أميركا بهذه المذبحة فسيكون هناك المزيد من المذابح القادمة، ولهذا فإن عليها واجباً أخلاقياً لمحاولة منع ذلك.

—————————–

اتفاق روسي ـ تركي لإدلب ينتظر التطبيق

قمة بوتين ـ إردوغان تعلن وقف النار… وواشنطن تعتبر «إس 400» عائقاً أمام دعم أنقرة

موسكو: رائد جبر – أنقرة: سعيد عبد الرازق

أسفرت قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان أمس عن اتفاق جديد في إدلب يشمل خطوات تبدأ بوقف النار في شمال غربي سوريا اعتباراً من ليل الخميس – الجمعة، وهي تنتظر التطبيق الميداني. وعقد بوتين وإردوغان اجتماعات ماراثونية في موسكو شملت لقاء «وجهاً لوجه» ومحادثات موسعة.

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنود الاتفاق، موضحاً أن البلدين سينشئان ممراً آمناً بطول 6 كيلومترات على جانبي الطريق بين حلب واللاذقية، المعروف بـ«إم 4»، إضافة إلى تسيير دوريات مشتركة على الطريق، بدءاً من منتصف الشهر الحالي.

وتابع لافروف أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف جميع الأعمال القتالية على طول خط التماس، ابتداء من منتصف ليل 5 مارس (آذار) الحالي.

وكان بوتين قال في مؤتمر صحافي مع إردوغان: «آمل أن تكون هذه الاتفاقات بمثابة أساس جيد لإنهاء العمليات العسكرية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، ووضع حد لمعاناة السكان المدنيين وتهيئة الظروف لاستمرار عملية السلام في سوريا بين جميع أطراف الصراع».

وأشار بوتين إلى أن روسيا لا تتفق دائماً مع تركيا بشأن تقييمات ما يحدث في سوريا.

إلى ذلك، دعا الممثل الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أمس الأوروبيين و«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) إلى تقديم دعم أكبر لتركيا في سوريا.

وقال جيفري إن شراء تركيا منظومة «إس 400» الروسية تعد عقبة أمام إرسال مساعدة عسكرية أميركية لأنقرة التي طلبت نظام «باتريوت».

————————-

اتفاق جديد حول إدلب بعد محادثات «صعبة» بين بوتين وإردوغان

يبدأ بوقف النار ثم دوريات روسية ـ تركية على طريق حلب واللاذقية

موسكو: رائد جبر

أسفرت جولة محادثات مطولة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان عن اتفاق على إعلان وقف لإطلاق النار ابتداءً من منتصف الليلة الماضية (الجمعة)، ووضع ترتيبات مشتركة للمراقبة ومتابعة الاتصالات.

وعقد الرئيسان جولة محادثات ثنائية بشكل منفرد «وجهاً لوجه» بناءً على طلب من الجانب التركي، قبل أن ينضم إليهما وفدا البلدان على المستويين العسكري والدبلوماسي، وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن جولة المحادثات الموسعة استمرت كذلك نحو ثلاث ساعات، بلور خلالها الطرفان ملامح اتفاق على شكل «بروتوكول إضافي» يُضم إلى اتفاق سوتشي الموقع بينهما في صيف عام 2018.

وتلا وزيرا خارجية البلدين نص الاتفاق الذي شمل ثلاثة بنود أساسية، أولها وقف جميع الأعمال القتالية عند كل خطوط التماس بدءاً من منتصف ليل الجمعة. والثاني إنشاء شريط أمن بمسافة 6 كيلومترات إلى الشمال والجنوب من الطريق الدولية «إم4»، والثالث إطلاق العمل لتسيير دوريات مشتركة بين روسيا وتركيا على طول هذا الخط بدءاً من 13 مارس (آذار) المقبل.

ونص البروتوكول على أن الطرفين انطلقا للتوصل إلى هذا الاتفاق من مبادئ الالتزام بسيادة سوريا، ووحدة أراضيها وسيادتها، والعمل المشترك في مكافحة الإرهاب، ومن القناعة بأنه لا يمكن إيجاد أي تبرير لتدمير البنى التحتية، وأنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية، والحل الوحيد المقبول هو الذي يديره السوريون بأنفسهم وفقاً للقرار الدولي 2254، وكذلك بهدف وقف التهجير القسري للنازحين وإعادة المهجرين إلى مناطقهم.

وكان الرئيس الروسي استبق إعلان الاتفاق بتأكيد موقف موسكو حول تحميل المسلحين مسؤولية التصعيد الذي شهدته إدلب خلال الأشهر الماضية، وقال إنهم واصلوا الهجمات على المنشآت المدنية، وعلى قاعدة حميميم الروسية. وقال بوتين، إن بلاده «لا تتفق مع كل آراء تركيا حول الوضع في سوريا، لكنها تنطلق من أن الطرفين نجحا في كل اللحظات الحاسمة، ونظراً للعلاقات الوثيقة بينهما في التوصل إلى اتفاقات وتجاوز الخلافات». وأكد استعداد البلدين لمواصلة العمل في إطار مسار آستانة. معرباً عن أمل في أن توفر الوثيقة التي تم التوصل إليها أساساً لوقف العنف وتخفيف معاناة المدنيين. وتطرق بوتين إلى جولات النقاش التي جمعت خبراء من البلدين خلال الأسابيع الماضية، وقال إن الحوار الذي حصل بين الرئيسين استند إلى النقاشات المكثفة السابقة وإلى مستوى الثقة بين البلدين.

وشدد إردوغان على الأهمية التي توليها أنقرة لتعزيز التعاون مع موسكو وتجاوز النقاط الخلافية، لكنه حمّل من جانبه النظام مسؤولية التصعيد، وقال إن أنقرة «لن تسمح لاستفزازات النظام السوري أن تؤثر على علاقاتها مع موسكو أو أن تلحق الضرر بها». وكرر التحذير من مخاطر وقوع كارثة إنسانية إذا واصلت القوات الحكومية تحركاتها، مذكراً بوجود 4 ملايين نسمة في إدلب ومحيطها وقال إن مليون ونصف المليون منهم باتوا قرب حدود تركيا. وشدد إردوغان على أن بلاده كانت نسقت مع موسكو مسألة زيادة عدد نقاط المراقبة وزج قوات إضافية في سوريا. في تأكيد بدا لافتاً، خصوصاً أنه أضاف أن تركيا سيكون لها الحق مع الاتفاق الجديد على أن ترد على أي انتهاك لوقف النار من جانب القوات الحكومية.

وكان بوتين شدد في مستهل اللقاء على أن الأوضاع في إدلب توترت إلى درجة تتطلب حديثاً مباشراً بيننا، وأكد على ضرورة تجاوز هذا التوتر والعمل على عدم تكراره.

وحول مقتل العسكريين الأتراك في سوريا، قال بوتين، إن خسارة الناس دائما مأساة كبيرة، موضحاً أن العسكريين الروس والسوريين لم يكونوا على علم بموقع الجنود الأتراك، والجيش السوري خلال هذه الفترة تكبد أيضاً خسائر كبيرة.

وأضاف، أنه بات من الضروري مناقشة الوضع المتشكل اليوم والعمل على عدم تكراره «ولكي لا يلحق ضرر بالعلاقات الروسية – التركية التي نثمنها عالياً». وخاطب بوتين ضيفه قائلاً: «مثلما طلبتم، نحن مستعدون لنبدأ بالحديث وجهاً لوجه ثم ينضم إلينا فيما بعد المسؤولون في الحكومتين الروسية والتركية».

من جانبه، أشار إردوغان إلى متانة العلاقات التركية – الروسية، مؤكداً أن العمل على تطوير هذه العلاقات يعد مسألة مهمة. وقال الرئيس التركي «وصلت علاقاتنا حالياً إلى الذروة، وهذا ينطبق على الصناعات الدفاعية والعلاقات التجارية. ونحن نعتبر أن المهمة الأساس تتمثل في تطوير هذه العلاقات، وأعتبر أننا قادرون على ذلك».

—————————–

ستراتفور: الاتفاق التركي الروسي يمهد لجولة جديدة من التصعيد

تبدو تركيا من خلال اتفاقها مع روسيا على تطبيق وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا صباح 6 مارس/آذار، مستعدة للتضحية بالأراضي المهمة التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة، لضمان توقف العنف في أقرب وقت ممكن.

من خلال القيام بذلك، تمنح تركيا كلا من روسيا والنظام السوري الفرصة للإعداد لهجومهما التالي في محافظة إدلب؛ دون أي حل حقيقي في الأفق بالنسبة للاجئين في المنطقة.

تشير التفاصيل الأولية لوقف إطلاق النار التي أعلنها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ونظيره الروسي “فلاديمير بوتين” في 5 مارس/آذار، إلى أن تركيا ستقبل بنطاق محدود من النفوذ في سوريا، لأن الخطوط الأمامية الحالية ستصبح مناطق ترسيم الحدود الجديدة بين الجانبين، وسيقطع “ممر آمن” منزوع السلاح عمقه إلى 6 كم على الجانبين؛ جزءا كبيرا من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة على طول الطريق السريع “M4”.

وتهدف الدوريات المشتركة للقوات التركية والروسية، إلى ضمان وقف التصعيد على الطريق السريع “M4”.

من المنظور العسكري، يؤثر الممر الأمني ​​على طول طريق “M4” بشكل كبير على قدرة قوات المعارضة التي تدعمها تركيا في الدفاع عن مدينة إدلب والمناطق الواقعة جنوبها. حيث تقع مدينة جسر الشغور بالكامل داخل الممر. ولن تتمكن قوات المعارضة بعد الآن من بناء مواقع دفاعية متقدمة.

 إذا استؤنفت المعارك في إدلب، فستتمكن قوات النظام من التقدم بسرعة إلى هذه المنطقة الأمنية منزوعة السلاح، وكذلك المناطق الواقعة جنوبها. على هذا النحو، سمح وقف إطلاق النار لتركيا بحماية الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة بشكل مؤقت، ولكن بتكلفة استدامتها في المستقبل.

بالرغم أن فوائدها العسكرية مشكوك فيها، فإن الصفقة تمثل نجاحًا دبلوماسيًا لتركيا، وإن كان محدودا. حيث كانت تركيا ستجد نفسها مضطرة إلى تحمل مخاطر عسكرية أكبر لردع تقدم النظام السوري.

مع وقف إطلاق النار، يمكن أن تبدأ تركيا في إعادة علاقاتها مع روسيا إلى مستوى أكثر استقرارًا، ويبدو أن علاقات تركيا مع روسيا في شمال شرق سوريا، وكذلك في المسائل الدفاعية الأخرى، متوقفة في الوقت الحالي على الأقل.

بالنسبة لعلاقة تركيا المستقبلية مع أوروبا، قد يكون هناك تغيير طفيف في استراتيجية أنقرة الحالية للاجئين. تتعرض تركيا لضغوط داخلية لتخفيف حصتها من اللاجئين، وبدون أي انتكاسات عسكرية في إدلب، سيواصل بعض لاجئي إدلب التوجه إلى تركيا خوفًا من انهيار وقف إطلاق النار.

من المرجح أن تستمر تركيا في استخدام اللاجئين السوريين كأداة ضغط ضد أوروبا للحصول على دعم جديد في مواجهة هذا التحدي المستمر.

أخيرًا، تبدو علاقة تركيا بالولايات المتحدة دون تغيير، مع القليل من الدعم الأمريكي المباشر لأنقرة في إدلب. لقد كان الدعم الخطابي حاضرا، لكن عندما دعت تركيا إلى إنشاء مناطق حظر طيران وإرسال معدات عسكرية وتحديداً أنظمة صواريخ “باتريوت” الأمريكية، لم تُظهر واشنطن سوى رغبة ضئيلة لإشراك نفسها في سوريا بشكل أكبر، جاعلة من روسيا شريكا أكثر قيمة لتركيا.

المصدر | ستراتفور – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

———————————-

نص الاتفاق الروسي -التركي حول ادلب

——-

جمهورية تركيا والاتحاد الروسي ، بوصفهما ضامنين لمراعاة نظام وقف إطلاق النار في الجمهورية العربية السورية (المشار إليها فيما يلي باسم الطرفين) ،

إذ يشير إلى مذكرة إنشاء مناطق خفض التصعيد في الجمهورية العربية السورية اعتبارًا من 4 مايو 2017 ومذكرة بشأن استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب اعتبارًا من 17 سبتمبر 2018.

إعادة التأكيد على التزامهم القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية.

وإذ تؤكد من جديد تصميمها على مكافحة جميع أشكال الإرهاب ، والقضاء على جميع الجماعات الإرهابية في سوريا على النحو الذي حدده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، مع الاتفاق على أن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة ،

وإذ تسلط الضوء على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع السوري وأنه لا يمكن حله إلا من خلال العملية السياسية التي يسرتها سوريا والتي تقودها سوريا وتسيطر عليها الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 ،

وإذ نشدد على أهمية منع المزيد من التدهور في الحالة الإنسانية وحماية المدنيين وضمان المساعدة الإنسانية لجميع السوريين المحتاجين دون شروط مسبقة وتمييز وكذلك منع تهجير الأشخاص وتيسير العودة الآمنة والطوعية للاجئين والمشردين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا ؛

قد اتفقت على ما يلي،

1- وقف جميع الأعمال العسكرية على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب اعتباراً من 00:01 بتاريخ 6 مارس 2020.

2 – سيتم إنشاء ممر أمني بعمق 6 كم من الشمال و 6 كم من الجنوب من الطريق السريع M4. سيتم الاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني ​​بين وزارتي الدفاع بالجمهورية التركية والاتحاد الروسي في غضون 7 أيام.

3- في 15 مارس 2020 ، ستبدأ الدوريات التركية الروسية المشتركة على طول الطريق السريع M4 من ترمبة (2 كم إلى الغرب من سراقب) إلى منطقة عين الحور

يدخل هذا البروتوكول الإضافي حيز التنفيذ من لحظة التوقيع.

حررت في موسكو في 5 مارس 2020 من ثلاث نسخ ، باللغات التركية والروسية والإنجليزية ، وجميع النصوص لها نفس القوة القانونية.

———————————

=================================

======================

تحديث 07 أ1ار 2020

—————————-

وداعاً إدلب/ عمر قدور

قبيل انعقاد قمة بوتين-أردوغان، طالب المتحدث باسم الرئاسة التركية بإيقاف إطلاق النار. ذلك الطلب كان مخالفاً لكل تهديدات المسؤولين، بمن فيهم أردوغان نفسه، بإعادة ميليشيات الأسد وحلفائها إلى ما بعد النقاط التركية المنتشرة بموجب تفاهم سوتشي حرباً أو سلماً، فهو ينطوي على القبول بخطوط التماس الأخيرة. بمعنى أنه كان جزءاً من نتائج القمة المنتظرة، ولا يخلو من دلالة على الضعف أن يأتي الطلب من أنقرة بعد بيانات وزارة دفاعها عن الخسائر الباهظة التي أوقعتها القوات التركية بميليشيات الأسد.

هي قمة وقف إطلاق النار إذن، هذا هو السقف الذي رسمته المفاوضات التمهيدية بين الجانبين، وكل التصريحات النارية السابقة صارت طي النسيان. ووقف إطلاق النار لا يمهد لبيئة مغايرة لما ألفناه من قبل، أي التهدئة إلى حين تتخذ موسكو قراراً بالانقضاض عليها بموجب الذريعة ذاتها عن انتهاك وقف إطلاق النار من قبل “الإرهابيين”، ولا يمهد حتى لحصانة الجيش التركي من الهجوم عليه بذريعة تحصن الإرهابيين ضمن أماكن وجوده، فأردوغان تعهد بالرد على أي خرق له، لكن من خارج النص المكتوب الذي يخلو من آليات صارمة تضمن تنفيذه.

من وجهة نظر سورية وإنسانية، الاتفاق خسارة صافية. نحن لا نتحدث عن أراضٍ انتقلت من سيطرة إلى سيطرة أخرى، ولا عن سكان لاقوا المصير نفسه، الحديث هو عما يفوق المليون لاجئ لن يكون في وسعهم العودة إلى بيوتهم. الذين هربوا من جحيم القصف الروسي والأسدي لن يعودوا، وإذا افترضنا جدلاً توفر نية العودة لدى البعض منهم بسبب انسداد الأفق فقد خلفوا وراءهم مدناً مدمرة لا تصلح للعيش. في الأصل، سياسة الأرض المحروقة هي من أجل تهجيرهم ومنعهم من العودة، ليكتمل الطوق حول أعناقهم بسياسة الحدود المغلقة.

الحق أن الرقم السابق لن يكون نهائياً، ومع كل خرق لوقف إطلاق النار سينضم إليه مهجرون جدد. لن يكون هناك إحساس بالأمان بعد الآن، فقد امتحن جيداً الأهالي واللاجئون إلى إدلب أكاذيب وقف التصعيد التي سرعان ما انقلبت فوق رؤوسهم. الذين كانوا يعوّلون، طوعاً أو بحكم الواقع الذي لا بديل له، على الضامن التركي لن يمنحوا أنفسهم أملاً كاذباً كما فعلوا من قبل. بقاء السكان في المناطق التي لم تتعرض للاجتياح أو القصف هو بقاء اضطراري قلق، وسيخلو من النشاط باستثناء ما يتعلق بالحد الأدنى للعيش.

وجود القوات التركية في ما تبقى من إدلب لن يمنح الثقة للسكان، لأن بوتين لن يقصّر في استهدافها عندما تحين اللحظة المناسبة، كما حدث أثناء التصعيد الأخير، وفي أحسن الأحوال بالنسبة لأنقرة يمكن استهداف ما حول نقاط التمركز التركي من قبل الطيران الروسي. لقد منحت أنقرة موسكو هذا الحق مجدداً ومرتين في ديباجة الاتفاق، مرة بالحديث عن العمل المشترك على مكافحة الإرهاب، ومرة ثانية بالنص على الالتزام بسيادة سوريا ووحدة أراضيها. إذ من المعلوم أن موسكو قادرة في أية لحظة على التذرع بعدم قيام أنقرة بواجبها في مكافحة الإرهاب، وقادرة أيضاً على لعب ورقة السيادة طالما أن تابعها الأسد يحتل كرسي سوريا في الأمم المتحدة وفق القانون الدولي.

استهداف القوات التركية مجدداً، بعد ما يشبه اتفاق إذعان، سيكون أسهل على بوتين لأنه سيضع أردوغان في إحراج أكبر إزاء الرأي العام التركي الذي شهد تصريحاته النارية ثم التراجع عنها. رغم تحفظ أحزاب المعارضة على سياسته في الملف السوري، اعتمد أردوغان في المواجهة المنقضية على مشاعر الغضب القومي جراء استهداف جنوده، وعلى إرضاء اليمين القومي بإغلاق الحدود أمام اللاجئين الجدد وفتحها أمام الراغبين في المغادرة إلى أوروبا. ذلك لن يكون متاحاً له بسهولة لاحقاً، خاصة بعد تأكيده إثر القمة على العلاقات التركية-الروسية التي وصلت إلى الذروة، وإشارته ذات الأهمية الخاصة إلى أن ذلك ينطبق على الصناعات الدفاعية.

مع أن الرسالة الأخيرة موجهة أساساً إلى الغرب، على خلفية صفقة صواريخ S400، إلا أنها ذات أثر في الجدل الداخلي حول موقع تركيا وتوجهها شرقاً أو غرباً. على هذا الصعيد، سيبدو أردوغان كأنه ينفذ سياسة انتقامية من الغرب بالتأكيد على صلابة العلاقة بموسكو، وبالتأكيد على الاستمرار في سياسة اللجوء الجديدة التي تعني إلقاء جزء من العبء التركي على عاتق أوروبا. إن نقض الاتفاق التركي-الأوروبي حول اللاجئين بات يفتقر إلى الأهداف السياسية التي رافقت التصعيد الأخير، فقد فُهم فتح الحدود حينها بوصفه وسيلة لدفع الغرب إلى التحرك والضغط على موسكو لإيقاف هجومها، وفُهم أبعد من ذلك كوسيلة لإجبار الغرب على التفكير في إقامة منطقة آمنة، والفكرة الأخيرة أخذت تكسب مؤيدين لها بدءاً من ألمانيا وهولندا.

لا نعلم ما الذي كان يدور في الغرف المغلقة، المؤشرات المعلنة من الغرب لم تكن سلبية بالإجمال، فالمبعوث الأمريكي إلى أنقرة صرح بأن استخدام مظلة باتريوت في انتظار قرار سياسي، بينما كان واضحاً في استعداد بلاده لتقديم إمدادات الذخيرة فوراً للقوات التركية وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للاجئين. من المؤكد أن واشنطن أو الغرب عامة لن يقدّم لأنقرة المساعدة بلا مقابل، ولم يكن متلهفاً لمواجهة عسكرية، وقد رحبت واشنطن باتفاق بوتين-أردوغان وعليه لن تكسب فكرة المنطقة الآمنة أنصاراً جدد بل ستُطوى نهائياً. المؤكد تالياً أن الغرب سيكون أكثر حذراً في التعاطي مع تصعيد روسي-تركي محتمل، بسبب انخفاض الثقة بمآلات السياسة التركية، ولأنه على المستوى الشكلي غير حاضر أو معني باتفاق ثنائي جديد، مثلما لم يكن معنياً بانهيار مسار أستانة الذي كان موافقاً عليه ضمنياً.

صحيح أن البروتوكول الجديد اعتُبر ملحقاً بتفاهمات سوتشي، إلا أن الإشارة إلى مرجعية جنيف جاءت بمثابة نعي لمسار أستانة وملحقاته، وهي إشارة إلى عملية لم يعد لها وجود أصلاً، أي أن الكلام في البيان عن الحل السياسي هو من قبيل الإنشاء ليس إلا. وبسبب عدم نضج الظروف لأية عملية سياسية، ما سيحكم الفترة المقبلة محاولة أنقرة الحفاظ على ما تبقى من مواقع نفوذها، من دون توقف سعي موسكو لقضم ما تستطيع منها، بينما غرّد ترامب على حسابه مكتفياً ومسروراً بسيطرة مئات قليلة من قواته على مواقع النفط. هو وقف إطلاق نار بين المتحاربين، قد يكون ضرورياً لالتقاط الأنفاس والتحضير لما بعده، وهو قد يكون فسحة صغيرة للمدنيين قبل أن يُعاد وضعهم في موقعهم المعهود تحت الإبادة والتهجير.

المدن

————————-

مأزق مزدوج/ ميشيل كيلو

ليس وضع الرئيس التركي أردوغان خيرا من وضع الرئيس الروسي بوتين، الذي كتبت، في مقالة سابقة، إن انتصاره على تركيا يعني خسارة أهم ما حققته سياسته الخارجية طوال عقدين من الحكم. لذلك، لن يُقدم على حربٍ مع تركيا ستحكم طوق حلف شمال الأطلسي حوله من جديد، وستزيد قدرته على ممارسة الضغوط عليه، وتؤكد تهمة واشنطن له أنه سياسيا لا يؤمن جانبه، غدر بالصديق الذي فك حصار “الأطلسي” عنه، وساعده على تقويض الحل الدولي للصراع السوري، واستبداله بمسار روسي حمل اسم أستانة وسوتشي، إلا أنه فضّل عليه شبّيحا ثقيل العبء اسمه بشار الأسد. كأن أردوغان لم يأخذ مسافةً من الحلف الذي تنتمي تركيا إليه منذ نيف وستين عاما، وحماها ومكّنها من تنمية وتحديث دولتها ومجتمعها، أو كأنه لم ينخرط في علاقات استراتيجية مع بوتين الذي تصرّف، في الآونة الأخيرة، وكأنها أقل أهمية من علاقاته مع سفاح دمشق الذي كثيرا ما كذب سيد الكرملين وينكر جرائمه، على الرغم من أن العالم بأسره يراها، وها هو يدين تركيا ويتهمها برعاية الإرهاب!

ستكون سياسة الاستقواء بروسيا على أميركا وبأميركا على روسيا، وما يمارسه أردوغان من تحدّ لخطوط الدولتين الحمراء، أول ضحايا مشكلاته الراهنة مع بوتين، على الرغم من أنه لن يغلق باب الحلول الوسط والتسويات، ويفتح باب حربٍ تنتج معاركها ما يفقده هوامش استقلاليته، المحدودة في مجال سياساته الدولية، وتأثيره على علاقات الجبّارين، الأميركي والروسي، لادراكه أنه إذا انخرط في معركة مع بوتين، من دون أن يترك باب الحلول الوسط مفتوحا، اقتنصته واشنطن، وإن تراجع أمام بوتين من دون معركة متوازنة، اقتنصه الكرملين، ولم يترك له غير الهرولة إلى واشنطن التي لن ترحمه بدورها. من هنا، ليس لدى أردوغان خيار مريح غير الدفاع عن استقلاليته بوسائله الخاصة، أي بالقوة العسكرية كأقوى ورقة لديه، على أن يستعملها أداة ضغط، لا أداة حرب، لأنها قد تورّطه في خسارةٍ تمحو كل ما أنجزه للشعب التركي، وهو كثير، وتنهي حياته السياسية بفشل من عيار استراتيجي نادر، يذكّر بصدام حسين.

سيكون من الصعب أيضا على أردوغان إيجاد مخرج لبوتين، في حال أصرّ على الاحتفاظ بحصته من اتفاقية سوتشي التي ألغاها الكرملين، فهاجمتها مليشيات الأسد، واحتلت أجزاء منها، فرفض ما جرى، غير أنه واجه صعوبتين: أن بوتين كرّر تعهده بإعادة جميع الأراضي السورية إلى نظام عميله، وأن أردوغان تعهد أن يستعيد منطقة سوتسي ويخرج الأسدية منها، أي بإفشال وعد بوتين. وبما أنه يدرك صعوبة انصياع الكرملين لمطلبه، فقد اقترح أن تنتشر قوات روسية/ تركية في منطقة سوتشي العازلة، ولكن قبول بوتين هذا العرض الذي يبدو توافقيا يعني أن أردوغان أفشل تعهده لسفاح دمشق، ورسم خطّا أحمر منعه من تجاوزه، هو أو إيران التي أدخلها الكرملين في المعركة، ليواجه تركيا عسكريا بها أيضا.

ثمّة جدلية مأزقية وخطيرة هنا، فأردوغان لا يستطيع دفع بوتين إلى الحائط، ولا يستطيع بوتين فعل الشيء ذاته مع الرئيس التركي. ولذلك، لا خيار لهما غير نمط من التنازلات المتبادلة، لا يعيد الأرض السورية بكاملها إلى الأسدية، بل يلتف على تعهد بوتين، عبر نشر قوات تركية/ روسية وراء المنطقة العازلة ومواقع الجيش التركية فيها، فيتحقق مطلب أردوغان، وتنتشر قوات روسية مصحوبة بإداريين رسميين في نقاط قريبة من حدود تركيا، تكون تحت إشراف تركي/ روسي، بما يسمح لبوتين بالقول: إنه أعاد السفاح إلى كامل الأرض السورية.

هل هذا عملي وقابل للحدوث؟ الجواب عند بوتين وأردوغان.

العربي الجديد

—————————-

أين ذهبت التعهدات التركية في اتفاق بوتين أردوغان؟/ وائل عصام

لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع اتفاقا مخلا بالتعهدات التركية في سوريا لهذه الدرجة، لقد اطلقت الرئاسة التركية سلسلة من التعهدات والوعود في إدلب، يبدو أنها كانت موجهة للاستهلاك الإعلامي لا أكثر، لكن كيف يمكن للحكومة التركية أن تقوض مصداقيتها والتزاماتها الدولية، كدولة ضامنة في سوريا، والأهم، لماذا قدمت تركيا كل هذه التضحيات من جنودها في ساحة إدلب، لتعود بهذا الاتفاق للمربع الأول، بل ما قبله؟

لقد تعهدت الرئاسة التركية بإعادة النظام لما قبل حدود سوتشي، وتوعدت بـ«خلع الرؤوس عن الرقاب» إذا لم يتم تنفيذ هذا التعهد الذي وضعت له مهلة زمنية انتهت بنهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، كما تعهدت بإرجاع النظام السوري عن نقاط المراقبة التركية المحاصرة، وأطلقت عملية «درع الربيع» لأهداف تتعلق بحماية نقاطها، رغم أن وزير دفاعها فاجأ المتابعين، عند الإعلان عن هذه العملية بالقول بأنها «مستمرة» منذ عدة أيام..

المعارضة السورية، التي عولت كثيرا على الدور التركي، كانت أبرز الخاسرين بضياع نصف محافظة إدلب، أمام أعين نقاط المراقبة التركية، المفترض أنها «ضامنة لخفض التصعيد»، وهكذا فإن المعقل الأخير للثورة السورية بات في مهب الريح، رغم عروض طائرة «بيرقدار» التركية، التي أثارت الحماس في صفوف الناشطين، بدون أي نتيجة ميدانية.

السياسات الارتجالية في الملف السوري عموما، وعدم تقدير تعقيدات الميدان في إدلب، لا بد أن تقود لنتائج كهذه، فالدخول فجأة في أرض نزاع تضم أطرافا متجذرة، تحارب منذ عشر سنوات، يحتاج لتخطيط سابق، لكن ما حصل، أن الهجمات التي شنتها تركيا على قوات النظام السوري، جاءت فقط، ردة فعل على مقتل جنودها الستة والثلاثين، بينما لم تبادر بأي هجمات على قوات النظام طوال شهور عملياته العسكرية على إدلب، لتبدو وكأنها وقعت في فخ ردود الأفعال غير المحسوبة، مع طرف لا تهمه الخسائر كالنظام السوري، بينما انخفضت البورصة والليرة التركية، ونشب استقطاب داخلي تركي سياسي حاد، قاد لمشاجرة في البرلمان، بسبب سياسات الحكومة في إدلب.

وهكذا فإن «ردة الفعل» التي تمثلت بهجمات أنقرة على قوات دمشق، وما تبعها من إطلاق عملية ضبابية «درع الربيع»، لم تكن تهدف أصلا لمواجهة تقدم النظام عسكريا، بجهد عسكري تركي مباشر، بل لانتقام محدود مكانا وزمانا على مقتل الجنود الاتراك، كما كانت بيانات الدفاع التركية تؤكد ذلك بالقول مثلا، «إنها أسقطت طائرتين للنظام السوري، ردا على إسقاط طائرة مسيرة تركية». وظلت وتيرة «ردود الأفعال» تتكرر مع كل عملية جديدة لقتل الجنود الاتراك حتى بعد توقيع الاتفاقية، بدون أن يعي الطرف التركي أن المستنقع السوري لا يمكن التعامل معه بمنطق ارتجالي، ولعل النتائج الميدانية على الارض، كانت تقول ذلك صراحة، فعمليات القصف التركي المكثفة بالمسيرات التي اعقبت مقتل الجنود الستة والثلاثين، رافقها غياب روسي مؤقت، في إشارة روسية واضحة بعدم الرغبة بالتصادم، والأهم، أنها كانت مهلة روسية محددة بيومين لـ»تفريغ شحنات الغضب» التركي، بمعنى أن الروس يعلمون أن الأتراك غير قادرين على الاستمرار بالمواجهات المستنزفة، وأن عودة طائراتهم للعمل في سماء إدلب، سيمنح النظام فرصة لاستعادة ما فقده من قرى خلال الهجوم التركي الانتقامي، وهذا ما حصل، فاستعاد النظام معظم القرى العشر التي فقدها في سهل الغاب، واستعاد كذلك المدينة الاستراتيجية الأهم، سراقب وما حولها من قرى كداديخ وكفر طيخ، ورغم أن المسيّرات التركية حاولت دعم المعارضة في الدفاع عن هذه المناطق، إلا أن الدعم كان محدودا، مقارنة باليومين اللذين أعقبا مقتل الجنود الستة والثلاثين، والأهم أن هذه المشاركة لم تكن مقرونة بخطة متكاملة لمواجهة تقدم قوات النظام، ولا بمؤازرة من مئات الدبابات التركية التي دخلت إدلب بدون أن تغبر زناجيرها في معركة، حتى الآن.

إذن، العمليات العسكرية في إدلب وخسائر الجنود الأتراك، لم يقترن بنتائج ميدانية موازية، ولا حتى بنتائج سياسية موازية، وهذا ما ظهر في الاتفاق الاخير، الذي لم تتمكن فيه تركيا من تحقيق أي من تعهداتها التي أطلقها قادتها. من الواضح أن هذا الاتفاق سيكون كسابقيه، هدنة مؤقتة ويعاود النظام هجماته حتى السيطرة على مركز محافظة إدلب، وقد يترك حينها جزءا من الشريط الحدودي بين محافظة إدلب وتركيا، كمنطقة آمنة لاحتضان النازحين، وملجأ أخير للمقاتلين المعارضين في إدلب واغلبهم من الجهاديين.

هذه السياسات التي تفتقر لرؤية ثابتة، ليست جديدة في إدلب فقط، بل إن المتتبع للأداء التركي في سوريا، سيجد هذا المسار مستمرا منذ بداية الثورة السورية، فالبداية كانت بدعم فصائل المعارضة المعتدلة، وتمرير الدعم الدولي العابر من الحدود التركية، ومن ثم رفض التدخل الروسي في سوريا، وإسقاط طائرة روسية، نتج عن ذلك تبدل الموقف من روسيا من خصم يتم إسقاط طائرته، الى حليف أساسي في الملف السوري، وتتحول أنقرة إلى شريك لطهران وموسكو في إدارة الملف السوري، وبعدها تم إهمال دعم المعارضة تماما، لينتقل الاهتمام إلى الملف الكردي، ليصبح المعيار الأول للسياسات التركية في سوريا، وحتى بهذا الملف، تعرضت تركيا للتخبط نفسه بسبب ضعف نفوذها الداخلي بسوريا، خصوصا في ملف منبج وصولا لتوقيع اتفاقين مع واشنطن وموسكو، يقضيان بسحب القوى الكردية المسلحة من شمال سوريا، أقر الرئيس التركي أكثر من مرة بأنهما اتفاقان لم يتم تنفيذهما حتى الآن، رغم تنفيذ الجانب التركي التزاماته بإيقاف العملية العسكرية. ببساطة، لا يمكن لدولة تدعي انها مهتمة بنصرة المعارضة السورية في معركته ضد النظام، أن تتجاهل سقوط دمشق ودرعا وحمص ( كانت مناطق خفض تصعيد برعاية تركية) وتتجاهل سقوط حلب (الخط الاحمر)، وتنتفض فجأة لتقدم النظام في آخر محافظة للثورة وهي إدلب، وتحديدا بعد مقتل جنودها وليس قبل ذلك.

السبب الرئيسي للتدخل التركي والتصعيد في إدلب، وكما قلنا مرارا، لا يتعلق بتقدم النظام وسقوط أراضي المعارضة، بل بمنع تقدم المزيد من النازحين نحو الأراضي التركية «الأنصار»، وهي سياسة تتبعها تركيا عمليا منذ 5 سنوات على الحدود، وأدت لقتل وجرح الآلاف من النازحين والنساء والأطفال الهاربين من جحيم النظام، بنيران حرس الحدود التركي. لا يمكن لوم الإدارة السياسية التركية، فحدود إمكانياتها ونفوذها المحدود على الفصائل المحلية في سوريا، يجعلها في موضع أقل قدرة على التحكم من طهران وروسيا، لكن يؤخذ على الحكومة التركية زج نفسها كضامن في اتفاقية دولية، بالشراكة مع حلفاء نظام الأسد، روسيا وايران، وعدم الإيفاء بالتزاماتها كدولة ضامنة، كما يؤخذ عليها، التراجع عن موقفها التاريخي باحتضان النازحين السوريين، لتتحول لدولة تمنع دخول النازحين، وبالرصاص إن استدعى الأمر في السنوات الخمس الأخيرة، كما أن التعهدات الحكومية بابعاد ملايين النازحين السوريين خارج تركيا، لا تنسجم مع الصورة التي رسمتها القيادة التركية لنفسها في العالم الإسلامي، كدولة راعية للمضطهدين المسلمين، إضافة لذلك، فإن تحويل بندقية الفصائل المعارضة المرتبطة بها، لأهداف تنحصر في المصالح التركية دون مصالح المعارضة، فتراها تنقل بندقيتهم من عفرين لطرابلس الليبية.

القدس العربي»

————————

خطر اللاجئين/ سمير الزبن

ما يحدث على الحدود التركية ـ اليونانية مشهد مؤلم، بشر/ لاجئون لا أحد يرغب بهم، هربوا من الموت في بلادهم التي لاحقتهم بالقتل، والبلاد التي لجأوا لها لا تريدهم، والبلاد التي يحاولون الوصول إليها لا تريدهم أيضاً. هذه هي حياة اللاجئ الهشّة، والمجبولة بالقلق الدائم الذي يعيشه اللاجئون في كل مكان، واللاجئون السوريون في دول الجوار بشكل خاص. لأن اللاجئين هم الطرف الأضعف في الأماكن التي يعيشون فيها، فسرعان ما يكونون عرضةً للانتقام، بوصفهم سبب المصائب في المكان الذي يعيشون فيه، ولذلك يسعى الجميع إلى التخلص منهم، بالتضييق أو بالترحيل أو بالحرمان من الحقوق، وفي أحيانٍ كثيرة بالقتل. لذلك ليس من الغريب أن يكون اللاجئون أول المتهمين، وآخر من يفكر العالم في إنصافهم.

اللاجئون ضحايا صراعات وحروب دفعوا ثمنها عدة مرّات، بخسارتهم بلادهم وأملاكهم وبيوتهم ومجتمعهم الذي كانوا يعيشون فيه. من حق البشر، كل البشر، عندما تتهدد حياتهم وتلاحقهم الطلقات والقذائف والبراميل المتفجرة، كذلك المعتقلات والتصفية والقتل، أن يبحثوا عن مأوىً آمن لهم ولأولادهم، فالحق في الحياة الآمنة هو حق لكل البشر، وعندما يفتقدون هذه الحياة، وتصبح حياتهم مهدّدة، من حقهم أن يبحثوا عن ملجأ آمن، والحصول على هذا الملجأ ليس منّة من أحد في المكان الذي وصل إليه اللاجئ، بل هو من حقوق الإنسان، كما تقول شرعة حقوق الإنسان، إذا بقي قيّم في هذا العالم، وبقي من يرى لحياة الإنسان قيمة، بعد كل هذا الاستخفاف بحياة البشر في كل مكان.

ليست مشكلة اللاجئين فردية للاجئين، هم أنفسهم المسؤولون عن حلها، حيث يتركون لمصيرهم البائس، يتخبّطون في مخاطر مميتة، للوصول فردياً إلى النجاة من الموت والحاجة والتهديد. مشكلة اللاجئين مشكلة المجتمع الدولي الذي يغضّ النظر عن المتسبب في المشكلة أصلاً، ما يُفاقمها، بدلاً من حلها، والمشكلة السورية اليوم هي المثال الصارخ على تجاهل المجتمع الدولي لمشكلة القتل، ما يؤدي إلى ولادة مشكلة للاجئين ضخمة. بالتأكيد، النظام السوري هو المتسبب الأساسي بولادة المشكلة، فهو الذي قمع مطلب الحرية والتغيير في سورية، واستخدم كل وسائل القتل ضد السوريين في المدن والقرى السورية. وبذلك لم يتسبّب بمشكلة اللاجئين خارج البلد، بل داخلها أيضاً، وتسبب بمقتل مئات الآلاف من السوريين واعتقال أمثالهم وتدمير البلد. ما فعله النظام في سورية ما كان ليستطيع فعله لولا صمت المجتمع الدولي على القتل المنفلت من عقاله. وكأن المجتمع الدولي، بصمته عن المجرم، أقرّ له بأن البلد مجرد مزرعة له، ومن حقه أن يتصرّف بهم كأغنام، على اعتبار أن السوريين الذين تعرّضوا للقتل ليسوا أكثر من أغنام في مزرعة بشار الأسد. لم يكن قتل النظام للسوريين سراً، بل كان قتلاً متعمداً وعلنياً أمام الكاميرات، شاهده العالم في بثٍّ مباشر، لكنه لم يرغب في رؤية هذا القتل، واعتباره جريمة ضد الإنسانية، والعمل على التخلص من المجرمين والقتلة في سورية. حتى عندما تخطّى النظام الخطوط الحمر التي وضعتها الإدارة الأميركية له، لم تتحرّك الولايات المتحدة، ولم يفعل المجتمع الدولي شيئاً من أجل حماية السوريين، بل باع النظام للأميركيين التخلي عن السلاح الكيميائي، واشترت الولايات المتحدة هذه السلعة لصالح إسرائيل. لكن السوريين استمروا يتعرّضون للقتل من النظام، حتى بالسلاح الكيميائي الذي باعه النظام لإدارة باراك أوباما. وظهرت الصفقة بوصفها تصريحاً للنظام بقتل مزيد من السوريين.

من الطبيعي أن ينتج القصف بالمدفعية والبراميل المتفجرة مشكلة لاجئين. عندما يتهدم بيت الإنسان بفعل القذائف التي تلاحقه هنا وهناك، من الطبيعي أن يتحول إلى لاجئ في دول الجوار أو غيرها. من الطبيعي عندما يصبح المرء مطلوباً للاعتقال في المعتقلات التي تمت تصفية عشرات الآلاف فيها من دون محاكمة أن يهرب، وأهله الذين لن ينجوا من الاعتقال، إلى دول الجوار. والقتل الذي مارسه النظام هو الذي تسبب بمشكلة اللاجئين السوريين في سورية، والسوريون بشر مثل غيرهم، عندما تتهدد حياتهم وحياة أولادهم يهربون إلى مكان آمن، لعله يأتي وقت وتتوقف فيه دوامة القتل حتى يعودوا إلى ديارهم.

نعم، تسبب الجحيم السوري في ولادة مشكلة لاجئين، المشكلة التي وصل لاجئوها إلى أوروبا، وتسببت بأزمة داخل هذه البلدان، بالنمو السريع لليمين الشعبوي واليمين العنصري، واُعتبر هؤلاء يشكلون خطراً على مستوى الحياة في الدول الأوروبية، ما استدعى سياسات هجرة مشدّدة، أقل ما يقال فيها سياسات تطفيشية للاجئين. وجاءت إعادة تقييم الأوضاع في سورية، بعد استعادة النظام أغلب الأراضي السورية. والنموذج السويدي الرديء لإعادة التقييم اعتبر المناطق التي سيطر عليها النظام، مثل دمشق والساحل، آمنة لا يقبل لجوء القادمين منها. نعم، السويد النموذج “الإنساني” توصلت إلى هذه الخلاصة الفظيعة، العيش في مناطق يحكمها المجرمون والقتلة آمن.

ما جرى ويجري على الحدود التركية ـ اليونانية يفتح الجرح السوري، وكل الجروح التي أدى فيها القتل أو الحروب إلى مشكلة لاجئين مقتلعين من ديارهم. ويشير هذا الجرح نفسه إلى التعامل الرديء لدول الجوار مع اللاجئين السوريين، في دول الأشقاء، مثل لبنان والأردن ومصر، التي تقصدت جميعها إذلال اللاجئين السوريين وتعاملت معهم بعنصرية، كما الحالة اللبنانية.

من أسوأ ما يجري في قضية اللاجئين السوريين على الحدود التركية ـ اليونانية أن هذا الاستخدام يضر بالتعاطف والتضامن الباقي في أوروبا مع اللاجئين وقضاياهم. يأتي التعاطف من مساعدة لاجئين فارّين فردياً من حروب، وعندما يتحوّل هؤلاء إلى أداة سياسية بيد تركيا أو غيرها، يتراجع التعاطف معهم، وهذا ما شاهدناه في التعامل اليوناني سلطوياً وشعبياً مع هذه الموجة من اللاجئين. وقد كان نموذجها الرديء تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية التي اعتبرت اليونان “الدرع الأوروبية”. ولكن بمواجهة من؟ بمواجهة اللاجئين المساكين الفارّين من الموت! يا للعجب، ويا للإنسانية.

العربي الجديد

————————-

داهية الكرِملِين يؤدّب “اللاعبين” في مقتلة إدلب/ فيصل عباس محمد

ما يزال سيد الكرملين في موسكو، فلاديمير بوتين، قادراً على إثبات هيمنته “لاعباً” أوّل لدى كل منعطف جديد في الحرب السورية، اللاعب الذي يحتاجه بقية “اللاعبين”، ويتجنّبون الصدام معه، على الأقل في العلن، وما يزال يمارس لعبة الإمساك بعدة عصيٍّ من الوسط وفي آن واحد، ولو أن اللعبة باتت أكثر كلفةً وخطورة للجميع.

بالنسبة لتركيا، كما هو الأمر لبقية الأطراف، الخيارات في إدلب ليست سهلة، ولأي خطوة عسكرية أو سياسية ثمنها. تَرْكُ فصائل المعارضة المسلحة تواجه النظام السوري وحلفاءه في الميدان بدون دعم تركي أدّى إلى خسائر في الأرواح والمواقع، وأتاح للنظام وحلفائه الوصول إلى ريف حلب الغربي من جهة، وإلى مسافة 18 كم من مدينة إدلب، باستعادته مدينة سراقب، ذات الموقع الاستراتيجي من جهة أخرى، وعقدة المواصلات المشرفة على الطريقين الدوليين M5 الذي يصل دمشق وحماة بحلب وM4 الذي يصل اللاذقية بحلب. وقد أثارت هذه النكسات استياء حلفاء تركيا في المعارضة المسلحة السورية وانتقاداتهم، ونالت من “سمعتها” بوصفها القوة الضامنة والحامية للفصائل.

وبعد أن يئستْ تركيا من محاولاتها المتكرّرة لإقناع “الحليف” الروسي بلجم تقدّم قوات النظام وإعادتها إلى مواقعها التي حددتْها اتفاقية سوتشي 2018 لخفض التصعيد، حسم الرئيس أردوغان تردّده، وأرسل قوة كبيرة إلى إدلب (بما فيها عشرة آلاف جندي تركي وأكثر من 2500 آلية ومدرعة)، وهدّد النظامَ السوري بإجباره على التراجع، إن لم يفعل ذلك طوعاً في نهاية شهر فبراير/ شباط، إلّا أن الهجوم الموجِع على القوات التركية، والذي أسفر عن مقتل عشرات الجنود (التقديرات بين 34 إلى 55)، عجّل في الرد التركي الذي أتى ساحقاً.

المفارقة هنا أن الهجوم على القوات التركية كان، حسب بعض المصادر، من “الحليف” الروسي، رداً على عدة هجماتٍ، كانت فصائل المعارضة قد نفذتْها ضد القوات الروسية في قاعدة حميميم وفي مواقع أخرى، ولكن أردوغان أحجم عن لوم روسيا، ووجّه إصبع الاتهام إلى النظام السوري، كما صبّ جام غضبه على القوات السورية وحلفائها في هجومٍ انتقاميٍّ واسع بالمدفعية والطائرات المسيّرة، وادّعى أن قواته “حيّدتْ”، خلال أيام قليلة، أكثر من 2500 جندي ومقاتل ودمّرت أكثر من 150 دبابة، وحتى لو أخذنا بالحسبان حجم المبالغة، فإن خسائر الجانب السوري كانت بالتأكيد فادحة.

في موازاة ردّه العسكري، كثّف أردوغان من اتصالاته بالجانب الروسي وبوتين شخصياً من أجل الضغط على النظام وحلفائه للانسحاب، وبدا لعدة أيام كَمَنْ يستجدي الاجتماع ببوتين، وأشارت التسريبات الإعلامية إلى أن المحادثات الهاتفية بينهما، قبل انعقاد القمة في موسكو، بَلَغَتْ حد الصراخ المتبادل، وذلك يحدث للمرة الأولى بين “الحليفين”. ثم عقدت القمة، أول من أمس الخميس، وانتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن تركيا لم تحصل إلا على “تنازلات” محدودة من الجانب الروسي، أهمها إقامة “ممر آمن” بعمق 6 كم شمال وجنوب الطريق الدولي M4 تسير فيه دوريات روسية – تركية مشتركة، بدءاً من 15 مارس/ آذار الحالي، وهذا على غرار الدوريات المشتركة في الشمال السوري غربي الفرات، ولم تسفر الاتفاقية عن أي تعهد روسي بالضغط على النظام السوري، للعودة إلى مواقعه قبل الهجوم على محافظة إدلب، كما كانت تطالب تركيا.

وفي ما يتعلّق بالنظام السوري، كان من الواضح أنه، منذ البداية، حصل من الروس على ضوء أخضر ودعم جوي كثيف في عملياته العسكرية في إدلب وريف حلب وحماة، ولكن بعد الضربة التي تلقاها الأتراك في 27 فبراير/ شباط، أصرّ أردوغان على الثأر “لشهدائه”… ولكن من قوات النظام، وليس من القوات الروسية، وحيال الهجوم التركي المكثَف، وقفتْ روسيا يومين موقف المتفرج، وكأنها تعطي أردوغان الفرصة لاستعادة كبريائه أمام جمهوره التركي. والرسالة الروسية هنا تنطوي على أكثر من جانب، أن روسيا، مهما اختلفتْ مع تركيا، فإنها لن تحاربها إكراماً للنظام السوري، وثانياً أن روسيا هي التي تقرّر مسار المعارك وحدودها، وحين تسوّل للنظام نفسُه بالخروج عن إرادتها سوف يخاطر بتحمّل النتائج، ولن يفيده كثيراً دعم إيران وحزب الله والمليشيات الشيعية. وكان ملحوظاً كيف عدّل رأس النظام السوري أخيراً لهجته تجاه تركيا، إذ تَحَدَّثَ عن “الروابط التاريخية” بين الشعبين السوري والتركي، بل وعن روابط القربى والدم والوشائج العائلية.. وتشي هذه التصريحات بأن الرسالة الروسية وصلت إلى دمشق، وبأن النظام ليس في وارد تحدّي الإرادة الروسية بمزيدٍ من التصعيد مع تركيا.

إيران، الحليف “اللدود” لروسيا، كانت أيضاً معنيةً برسالة الكرملين التي هَدَفَتْ إلى تذكير إيران بأن عشرات آلاف المقاتلين الموالين لها (حزب الله، الفاطميون، الزينبيون ..) قد يصبحون فرائس سهلة للآلة الحربية التركية، إذا حرمهم الروس من الغطاء الجوي، وقد تكبدتْ هذه القوات أكثر من ثلاثين قتيلاً نتيجة ضربات “الثأر” التركية. أرادت روسيا تنبيه إيران، مجدّداً، بأن إمكانية تحقيق طموح النظام لاستعادة بقية الأراضي السورية من المعارضة المسلحة هي رهن المخططات الروسية المقترنة بمصالحها في الإطار الأوسع، بما فيها مصالحها مع “لاعب” مهم تحرص على ألا تخسره، وهو اللاعب التركي. والاتفاق الذي تم التوصّل إليه في موسكو بين بوتين وأردوغان، وإن كان يضمن للجانب السوري استخدام طريق M4، إلا أن الإشراف الروسي – التركي عليه سوف يضع المشروع الاستراتيجي الإيراني لإنشاء خط طهران – بغداد – اللاذقية تحت رحمة “شريكيها”، روسيا وتركيا، وهذا يجب أن يدفع إيران إلى التفكير ملياً قبل وضع العصي في عجلة مخططات روسيا، والتأثير على مصالحها.

ينبغي التشديد، أخيراً، على أن هذا التحليل يستند إلى الوضع الراهن، بمعطياته الحالية، وهي معطياتٌ متحرّكة، وربما تتغير لدى أي تحرّك مفاجئ من أحد اللاعبين، ما قد ينسف، جزئياً أو كلياً، اتفاق موسكو الذي جهد الطرفان، الروسي والتركي، في التوصل إليه. قد يتبين لأردوغان أن الاتفاقية بَخَسَتْه “حقه”، ولم تحلّ مشكلة المليون لاجئ الذين هربوا من القصف الروسي – السوري باتجاه الحدود السورية – التركية، ولم تُرْضِ الصقور السياسيين والعسكريين في دائرة محازبيه وأنصاره، وربما يقرّر استخدام القوة لإيجاد حقائق جديدة على الأرض. من جهة أخرى، قد تضغط إيران على النظام السوري، لخوض مغامرة عسكرية غير محسوبة، للعب دور “بطولي” وتحقيق المكاسب التي لم يضمنها له التفاهم الروسي – التركي، ومغامرة كهذه قد تودي باتفاقية موسكو، وتزجّ قوات النظام وقوات حلفائه في أتون معركةٍ جديدةٍ تعطي للأتراك ذريعتهم المرتقبة، وتخلط الأوراق من جديد. المعارضة المسلحة، من جهتها، قد تُقْدِم على مجازفة جديدة، وتستفز الروس بهجماتٍ على قواتهم، ما قد يتسبب في ضربات روسية انتقامية قد تقضي على اتفاقية وقف إطلاق النار، والعودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل اتفاقية موسكو.

العربي الجديد

————————–

في إمكانية أو استحالة المهمة التركية شمال سوريا/ معتز مراد

قد يكون الحلف الثنائي الذي يجمع تركيا وروسيا من أكثر الأحلاف تعقيدا وأكثرها صعوبة على الفهم. ولعل أحد أبرز جذور هذا التعقيد يرجع إلى طبيعة النظام والمؤسسات والسياق التاريخي لكل دولة منهما بشكل خاص، فضلا عن طبيعة الصراع التاريخي القديم بشكل عام، ولا سيما ما شهدته العقود الأخيرة في القرن المنصرم من تحولات وحالات اصطفاف مهمة، سياسية وعسكرية، ساهمت بشكل بارز في رسم محددات العلاقة بين الطرفين فيما بعد. فتركيا كانت لعقود رأس الحربة في حلف الناتو الذي تقوده أمريكا في مواجهة حلف وارسو الذي قاده الاتحاد السوفيتي. ويمكن القول إنَّ تحالف تركيا مع أوروبا والناتو في ذلك الحين سمح لها أن  تطور جيشها وأن تستفيد من منتجات العالم الغربي في العلوم الإنسانية والحضارية والتقنية والتي تركت أثرها في ثقافة وبنية وإمكانيات الدولة فيما بعد. رغم الخسائر والأزمات الكبيرة التي عاشتها البلاد نتيجة الانقلابات العسكرية المتتالية ضد الأحزاب وقادتها الذين جلبتهم صناديق الاقتراع في منتصف القرن المنصرم.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه لا يمكن قراءة السياسة الخارجية التركية بدقة دون إدراك طبيعة الحياة السياسية للدولة والتحديات التي تواجهها على الصعيد الداخلي، بسبب الارتباط الوثيق وعلاقة تلك التحديات بمواقف الدولة الخارجية، فإنه بالإمكان معرفة مدى حساسية الانقلابات في المشهد السياسي الحالي في تركيا، وهي التي يصفها الرئيس التركي اليوم بأنها أصبحت من الماضي.

تركيا التي تفتخر حاليا بأن المشاركة الشعبية في انتخاباتها تعتبر الأعلى عالميا (تقارب الـ 90%)، في الوقت الذي يبلغ التنافس الحزبي أشده حيث لم يفز رئيس الجمهورية إلا بفارق بسيط جدا على منافسيه. في نفس الوقت الذي تستمر تركيا في تحقيق إنجازات سنوية وتقدم ملموس في مجال الصناعات المدنية والعسكرية. حيث تصدّر الكثير من صناعاتها المدنية تحديدا إلى دول أوروبا وأمريكا، شملت مجالات

صناعة السيارات والصناعات النسيجية على وجه التحديد. كما نلاحظ مستوى الأداء والدقة العالية للصناعات العسكرية التركية كما برهنت الأيام الأخيرة للمعارك في إدلب.

في حين تعتبر روسيا الحالية وريثة الحكم الشيوعي والحزب الواحد، وباستثناء الصناعات الحربية وصناعة الغاز فهي لم تحقق إنجازات اقتصادية في مجال الصناعات المدنية أو التنمية الاجتماعية والسياسية.

يقول مراقبون إن الحلف التركي-الروسي هو حلف ضرورة استدعته الظروف الصعبة التي تعيشها تركيا بسبب التخلي الأوروبي-الأمريكي الذي تمثل بإغلاق أبواب عضوية الاتحاد الأوربي أمامها رغم التقدم الكبير الذي حققته تركيا سابقا في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتطوير البيئة القانونية والمشاركة الديمقراطية، ثم سحب أنظمة الدفاع الجوي-باتريوت قبل سنوات في الوقت الذي كانت تركيا تواجه مخاطر كبيرة على حدودها الجنوبية مع سوريا. أضف لحادثة إسقاط الطائرة الروسية بالمضادات التركية والتي كانت تنذر بتصعيد كبير لولا الالتفاتة التركية نحو تحسين العلاقات مع روسيا والاعتذار عن تلك الحادثة.

يمكن القول إن المشكلة الأكبر التي تواجه الحلف التركي- الروسي ربما تكون المسألة السورية. ففي حين تصطف روسيا بشكل كامل مع نظام الأسد وتزوده بكل الأسلحة السياسية والعسكرية في مواجه الشعب السوري الذي اختارت تركيا أن تعلن اصطفافها معه والدفاع عنه أمام آلة الحرب الموصوفة دوليا بالوحشية وارتكابها جرائم ضد الإنسانية.

هذه المواجهة التي بدأت نيرانها تشتعل في الأسابيع الأخيرة. وبدأ كل طرف، تركيا وروسيا، يلقي اللوم على الآخر فيما يحدث في إدلب. حيث تقول تركيا إن نظام الأسد لم يلتزم بحدود اتفاق سوتشي وهو لايتحرك خطوة بدون إذن روسيا. فيما تقول روسيا إن تركيا لم تلتزم بما وعدت به، فلم تفتح الأتوسترادات الدولية M4 و M5 ولم تؤمّن  المنطقة من الإرهاب، ولم تفصل المقاتلين المعتدلين عن المتطرفين.

لكن من الصعب أيضا على تركيا التراجع أو عمل استدارة كبيرة بعيدا عن حليفها الروسي “وهذا قد ينطبق على روسيا أيضا”، حيث تم تدشين عدد من المشاريع الاقتصادية الكبرى بين البلدين، على رأسها مشروع الغاز العابر للقارات، وشراء منظومات إس 400 الروسية للدفاع الجوي، الأمر الذي عارضته أمريكا بشدة، وأوقفت بناءً عليه التعاون مع تركيا في مشروع تطوير المقاتلة F35. في الوقت نفسه الذي ابتعدت فيه تركيا عن حلفائها الأوروبيين وأمريكا خلال العقد الأخير بسبب سياسة التخلي كما تقول تركيا وبسبب تحول تركيا للتحالف مع روسيا كبديل، وبسبب تبني الخطاب العدائي وتراجع تركيا عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان كما يقول الغرب.

وإن تمعنا النظر في الظروف الداخلية التي تعيشها تركيا نجد أن التحديات الداخلية قد تكون أكثر تعقيدا. فأي انخراط أكبر في القضية “الحرب” السورية ضد نظام الأسد وروسيا قد يعني مستقنعا لتركيا وجيشها وآثارا سلبية على اقتصادها وأمنها الداخلي. في الوقت الذي يعيش في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري في ظروف أفضل نسبيا من أي بلد عربي. لكن مع الأسف يعيش هؤلاء عموما حالة استقطاب وضغط دائمين نتيحة التنافس الحزبي الداخلي وجعلهم شماعة وورقة سياسية للتفاوض. هؤلاء السوريون الذي سيعيشون ضغوطات أكبر إن انخرطت تركيا في حرب طويلة شمال سوريا، وسوف تزداد المطالبة بترحيلهم أو إرسال شبابهم إلى الجبهات بدلا من الجنود الأتراك. السوريون أنفسهم الذين يَعتبر “بعضهم أو الكثير منهم” أن تركيا لم تكن على مستوى التعهدات أو الخطوط الحمراء التي أعلنتها خلال السنوات الماضية وينتقدون كثيرا التردد التركي وعدم الحزم في اتخاذها القرارات المناسبة.

وإذا عدنا إلى موازين القوة بين البلدين، تركيا وروسيا، فقد يميل ميزان القوة  بشكل ما  لصالح روسيا. وكأي زعيم في بلد لايقيم وزنا لخيارات شعبه، فإن بوتين في موقع يستطيع من خلاله أن يتحكم بشكل أكبر بمستقبل هذه الشراكات، بخلاف أردوغان الذي يحاول تهيئة الشارع التركي بشكل دائم قبل الذهاب إلى خيارات صعبة حتى يضمن النجاح السياسي في أي استحقاق قادم. يعكس هذه الحالة التصريحات اليومية للقيادة التركية حول الملف السوري، هذه التصريحات موجهة أساسا للشعب التركي وليس للشعب السوري بالطبع، بهدف تحشيده لصالح سناريوهات قادمة.

بالمقابل فإن تركيا تدرك أن سيطرة روسيا ونظام الأسد على إدلب هي مقدمة لاستعادة سيطرته على مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام. بالتالي انتقال المشاكل إلى داخل الأراضي التركية. المشاكل بطبيعتها الأمنية والسياسية، مما يعني خسارة الرئيس أردوغان أحد أهم ملفات سياسته الداخلية.

أما بالنسبة للسوريين في شمال غرب سوريا، فإن خيار عدم تدخل تركيا بالنسبة لهم يعني تهجيرهم وهدم مدنهم وقراهم وقتلهم بأشد أنواع الأسلحة الفتاكة. وحشرهم في مخيمات على الحدود التركية بلا أي مقومات لحياة كريمة. هؤلاء السوريون الذي أعلن بشار الأسد على الدوام أنه يعتبرهم إرهابيين لأنهم فضلوا الانتقال إلى إدلب بدلا من البقاء تحت سيطرته. لكن سوريا أصحبت، كما قال الأسد، أكثر انسجاما بدونهم.

لكن هذا السيناريو الأخير، أي ذهاب تركيا لمواجهة حقيقية مع روسيا والنظام وإيران، يعني بداية حملات الضغط على السوريين أنفسهم في تركيا. حيث، وأسوة بما اتخذته بعض الحملات الإعلامية السابقة من شعارات، فإن كثيرًا من أبناء الشعب التركي قد يقول: لماذا أنتم في بلادنا وجنودنا يقاتلون في سوريا. اذهبوا وقاتلوا في بلدكم. رغم أن تعداد الجيش الوطني الذي شكلته تركيا والفصائل السورية المسلحة يتجاوز عشرات الآلاف، ويمثلُ رأس حربة العمليات الجارية حاليًا.

وقد تكون أكبر المشاكل والتحديات التي ستواجهها القيادة التركية في المستقبل إن أُجبِرت على الخيار العسكري، أولئك الجنود الأتراك المتواجدون في النقاط التركية التي رفضت تركيا سحبهم منها سابقا، والذين باتوا، مئات الجنود، واقعين ضمن سيطرة قوات روسيا ونظام الأسد وإيران. هؤلاء الذين سيكونون أداة مباشرة يستخدمها بوتين لِلَي ذراع أردوغان في سوريا.

أثناء هذا كله، فإننا نلحظ إعادة التفاتة في شكل وطبيعة التحالفات التركية. فهنالك مؤشرات على إعادة تسخين تركيا لعلاقاتها مع أمريكا والناتو لكسب “دعم أو تأييد ما حقيقي” في مواجهة محتملة مع روسيا ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم على الأرض السورية. هذه الالتفاتة ظهرت بعض آثارها مؤخرًا في رفع وزارة الخزانة الأمريكية الأربعاء 12 شباط العقوبات عن ثلاثة وزراء أتراك، هم وزير الطاقة والدفاع والداخلية.  فيما يقول المسؤولون الأمريكيون إن بلادهم تقف إلى جانب حليفتها في الناتو. كذلك يصرح قادة أوروبيون آخرون. لكن من الواضح حتى الآن أنه لا أمريكا ولا أوروبا مستعدة لزيادة انخراطهم في هذه المواجهة، ولا هم مستعدون لتزويد تركيا بحاجتها من منظومات الدفاع الجوي، الذي جعل الأخيرة تتخذ قرارا بفتح المجال أمام اللاجئين المتواجدين على أرضها للتوجه نحو أوروبا.

أخيرا؛ يتحدث القادة العسكريون الأتراك عن خطط ب و ج لمواجهة الحملة العسكرية شمال سوريا، وأنه لن يكون بمقدور طائرات روسيا والأسد التحليق بحرية في سماء إدلب وحلب، وهذا ما أثبتته إلى حد كبير الطائرات التركية بدون طيار المعروفة بـ بيرقدار ومنظومات التشويش. كما يتحدثون عن ردود غير متوقعة إن تم استهداف الجنود الأتراك في سوريا (تم الحديث عن التوجه إلى دمشق واعتقال الأسد. جاء ذلك على لسان زعيم الحزب القومي التركي دولت باهشلي). لكن يبقى الجانب العملي لهذه التهديدات مرهونًا بعدة محددات، أهمها متانة الجهة الداخلية التركية ودعمها لخيارات قادتها، وانهيار وقف إطلاق النار  وعودة موجات اللجوء من جديد، والاستجابة الأوروبية والموقف الأمريكي والناتو مما يجري، إضافة إلى مدى استعداد روسيا وتركيا للتضحية بمستقبل علاقتهما الاستراتيجية، وهو الأمر الذي يظهر أنه مستبعد كثيراً كما أظهرت القمة الأخيرة التي جمعت أردوغان مع بوتين.

تلفزيون سوريا

—————————

السيادة الوطنية.. رخصة للقتل/ مصلح مصلح

في اليوم الأخير لانتهاء المهلة التي حدّدها السيد أردوغان لانطلاق العمليات العسكرية ضد قوات النظام السوري، في حال لم تنسحب إلى حدود نقاط المراقبة التركية التي كان قد تم الاتفاق على إنشائها بموجب اتفاق سوتشي بين بلاده وروسيا، وأمام حشد غفير من نواب حزبه الحاكم، العدالة والتنمية، ارتأى الرجل أن يتوجه بخطابه إلى عواطف رجل الشارع التركي بدلًا من عقله في تفسيره لأسباب التواجد التركي على الأرض السورية: “لكل من يتساءل حول أسباب تواجدنا في إدلب، أقول لم نذهب هناك بناء على دعوة الأسد، إنما تلبية لدعوة الشعب السوري، وليست لدينا نية لترك الشعب السوري، طالما يريد الشعب السوري منا البقاء هناك”.

إذا كان للمرء أن يتفهم اللغة العاطفية التي ساقها أردوغان في معرض تبريراته لبدء العملية العسكرية التي ينوي شنها الجيش التركي لدفع قوات بشار الأسد إلى حدود سوتشي، فإنه لا يغيب عن المرء أن الخطاب العاطفي او الحماسي للزعماء عن قضية ما غالبًا ما يستخدم لحرف الأنظار عن الدوافع الحقيقية التي يطمح الزعيم لتحقيقها. فما تلك الدوافع الحقيقية التي استبطنها خطاب أردوغان الحماسي عن الإخوة السورية التركية؟

لا تبدو الدوافع الجوهرية التي تقف وراء إصرار الزعيم التركي على التواجد في عمق الأراضي السورية، إلى حد الذهاب للدفاع عن هذا الوجود بالقوة العسكرية.. أمرًا يتعلق بالانتصار إلى مظلومية الشعب السوري في كفاحه الضاري ضد نظام الاستبداد الأسدي، بقدر ما يتعلق بالاستجابة للهواجس التي يغذيها تعاظم الدور الكردي في سوريا عبر علاقته مع  الجانب الأمريكي، ومن ثم الخشية من استخدام هذا الدور في الضغط على تركيا في بعض الملفات الخارجية التي لا تروق للجانب الأمريكي.

في وجه آخر للحضور العسكري التركي القوي على الأرض السورية، يجب ألا ننسى طبيعته الاعتراضية على السيناريو الروسي الذي كان يهدف إلى حشر تركيا في الزاوية، عبر تجميع السوريين في منطقة إدلب في شريط حدودي ضيق، ثم العمل بالضغط عليها لتقبل ما يقدم لها من جائزة ترضية من الجانب الروسي.

تبدو المبررات الإنسانية التي ساقها أردوغان عن أخلاقية التدخل لصالح الشعب السوري منطقية، ذلك أنها تقع في صلب المعنى الحقيقي لعالمية مفهوم حقوق الإنسان وكرامته، التي تفرض على الدول الأعضاء في الأمم  المتحدة، المبادرة إلى حماية تلك الحقوق لجميع بني البشر بغض النظر عن المعتقد والعرق الذي ينتسبون له. إلا أن واقع الحال يشير إلى تغاضي الدول الفاعلة عن التدخل في بعض النزاعات والحروب الأهلية رغم تكلفتها البشرية الفادحة. ففي نزاع راوندا الأهلي الذي حصد ما يقارب المليون ضحية خلال ثلاثة أشهر، ظلت الدول الفاعلة تتنصل من مسؤوليتها الأخلاقية من خلال إصرارها على النظر للأمر كنزاع محلي لا ناقة لها به ولا جمل.

في المأساة السورية، كشف مبدأ السيادة التي يحكم العلاقة بين الدول عن احتوائه لعنصر معيب، لجهة إقراره الدفاع المشروع عن الحيز الجغرافي للدولة وحمايته، دون إيلائه أية أهمية لحماية مواطني تلك الدولة من عسف حكامها. فلا تمكنت من حماية الشعب السوري من المذبحة الكونية التي يقوم بها بشار الأسد، ولا هي تمكنت من معاقبته والقصاص منه عبر سوقه إلى محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب. فإلى متى يبقى مبدأ سيادة الدول سيفًا مسلطًا على رؤوس مواطنيها، ودرعًا حصينًا لحكامها المتعطشين للسلطة والتسلط؟

————————-

اتفاق إدلب:خيبة أمل..الأسد ثبت سيطرته بموافقة تركية

يسود الجدل بين السوريين في مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريفي حلب وإدلب حول جدوى الاتفاق التركي-الروسي الأخير، وإمكانية التزام قوات النظام والمليشيات الموالية ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، والذي بدا مخيباً لآمال الأوساط المدنية المعارضة والتي كانت تعول على دور تركي أكثر فعالية يتيح لها العودة إلى المناطق التي سيطر عليها النظام في منطقة “خفض التصعيد” منذ بداية العمليات العسكرية في أيار/مايو2019.

جدوى الاتفاق

عبّر السوريون في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا عن رفضهم لاتفاق وقف إطلاق النار الذي يعتبرونه خدعة روسية جديدة تمكن نظام الأسد من تثبيت سيطرته واحتفاظه بالمناطق التي سيطر عليها مؤخراً، أي أن الحديث عن انسحاب مفترض لقوات النظام إلى حدودها السابقة في منطقة “خفض التصعيد” أصبح من الماضي بعد توقيع الاتفاق الجديد، ولدى المعارضة أمثلة كثيرة عن هدن سابقة جرى التوصل اليها بين الضامنين، الروسي والتركي، والتي كانت تفصل بين جولة وأخرى من العمليات العسكرية التي سهلت لقوات النظام قضم مساحات واسعة من المناطق في محيط إدلب.

بدا النازحون السوريون من المناطق التي خسرتها المعارضة لصالح قوات النظام الأكثر إصراراً على رفض اتفاق وقف إطلاق النار، وعبروا عن ذلك في مظاهراتهم التي خرجت في أكثر من منطقة في ريفي حلب وادلب، الجمعة. بعض اللافتات التي رفعها المتظاهرون في كفر تخاريم وكللي كتب عليها “ما بدنا وقف إطلاق نار…بدنا إسقاط النظام” وأخرى “لا لوقف إطلاق النار.. قبل سقوط الطاغية بشار”.

وطالب المتظاهرون الرافضون للاتفاق باستمرار العملية العسكرية التركية “درع الربيع”. وفي مطالبهم إشارة إلى الأهداف التي كان من المفترض أن تحققها العملية العسكرية، وأهمها إجبار قوات النظام والمليشيات الموالية على التراجع والانسحاب حتى الحدود المتفق عليها في اتفاق “سوتشي”.

مصادر معارضة أكدت ل”المدن”، أن الاتفاق يحقق لنظام الأسد أهدافاً عديدة، وذلك على المدى القريب والبعيد، أهمها إفراغ المناطق التي سيطر عليها من السكان، غنيمته الكبيرة، أرض بدون أصحابها الحقيقيين. وأضافت أن رفض النازحين للاتفاق منطقي جداً لأنهم يعرفون أن كل المزاعم التي تتحدث عن عودتهم هي مجرد أقاويل وخداع لطالما مارسه نظام الأسد منذ بداية عملياته شمال غربي سوريا.

اتفاق وقف إطلاق النار ينهي آمال مئات الآلاف من النازحين السوريين بالعودة إلى مناطقهم في ريف معرة النعمان وحماة الشمالي وريفي حلب الغربي والجنوبي والضواحي، ومناطق واسعة شرق الطريق الدولي السريع “إم5”. وما يثير خشية السوريين أيضاَ، استئناف العمليات العسكرية لقوات النظام والمليشيات بعد فترة وجيزة من توقف المعارك، والمبررات التي يروج لها النظام وروسيا تكون جاهزة غالباً، الرد على الخروق المتكررة للفصائل، وأخرى تتهم التنظيمات والفصائل السلفية بشن هجمات برية على مواقع النظام واتهامها بشن هجمات بطائرات مسيرة تستهدف القواعد الروسية البعيدة.

وقال مصدر عسكري في “الجيش الوطني” ل”المدن”، إن بند مكافحة الإرهاب المشار إليه في كل اتفاق روسي-تركي يجعله في صالح قوات النظام والمليشيات الموالية، وبالتالي لن يكون هناك إمكانية لاستمراره مدة طويلة. اعتاد نظام الأسد وحلفاؤه على استخدام هذا المبرر لاستئناف معاركهم. ووفق المصدر، تتحمل “هيئة تحرير الشام” جزءاً كبيراً من المسؤولية كونها ورقة ضغط يستخدمها النظام وحلفاؤه ضد المعارضة وتركيا، في السياسة والميدان.

مصير ال”إم4″

أهم ما تقرر في الاتفاق الروسي-التركي الأخير هو تشغيل الطريق السريع حلب-اللاذقية “إم4″، وذلك من خلال تسيير دوريات مشتركة تركية-روسية في الممر الأمن الذي ستنسحب منه فصائل المعارضة السورية بمسافة 6 كيلومترات شماله ومثلها جنوبي الطريق. والممر الآمن المفترض يمتد من سراقب شرقي إدلب وحتى عين الحور في ريف إدلب الغربي.

الممر الآمن المفترض إنشاؤه يقلق آلاف النازحين من مناطق سهل الغاب شمال غربي حماة وجبل الزاوية وجنوبي إدلب عموماً. الممر المفترض سيعزل جغرافياً المنطقة الجنوبية بشكل كامل، ولم يتضح حتى الآن مصير المنطقة التي أفرغت بشكل شبه كامل من سكانها بسبب العمليات العسكرية التي أطلقتها قوات النظام والمليشيات أواخر شباط/فبراير. ترجح المصادر أن يكون غموض الاتفاق مقصوداً لأنه يضمن سيطرة النظام على ريف إدلب الجنوبي، أو على أقل تقدير عودة مؤسساته بشكل يشبه ما جرى في مناطق المصالحات.

هل يصمد الاتفاق؟

أنعش الفيتو الأميركي في مجلس الأمن آمال السوريين الرافضين لاتفاق وقف إطلاق النار، وبدا أنهم يعولون على دور أكثر فاعلية للولايات المتحدة لمنع نظام الأسد وحلفاؤه من تحقيق أهدافه والسيطرة الكاملة على مناطق المعارضة، ومنعه من الاستثمار في الهدن المؤقتة.

ولا يبدو الموقف الأميركي واضحاً حتى الآن، لذا لا يمكن التعويل عليه لإحداث تغييرات مفترضة في صالح المعارضة وحليفتها تركيا، كذلك هو الحال في اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدا هشاً للغاية منذ دخوله حيز التنفيذ، حيث سجل أكثر من 20 خرقاً لقوات النظام والمليشيات والتي تركزت في معظمها في جبهات سهل الغاب وجنوبي إدلب، وتزامن ذلك مع استقدام النظام تعزيزات عسكرية إلى مختلف محاور القتال، الجزء الأكبر منها يتبع للمليشيات الإيرانية.

المدن

—————————

بوتين ينجح في إيهام أردوغان الباحث عن نصر معنوي بأي ثمن

لا شيء في إدلب سيتغير سوى تصريحات الرئيس التركي المتفائلة.

أنقرة – لم يحمل الاتفاق الذي عاد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيّ إشارات إلى أن الوضع الميداني في إدلب سيعود إلى ما قبل هجوم القوات السورية والروسية، التي حققت تقدما كبيرا على حساب المجموعات المتشددة المدعومة من أنقرة، في وقت يتحدث فيه الرئيس التركي عن الإبقاء على نقاط المراقبة كما هي.

ويرى مراقبون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح في مجاراة نظيره التركي الساعي لإظهار أن مجرد اللقاء وصور المجاملة بين الرئيسين هي نصر معنوي وسياسي له بعد أن سعى لأسابيع للحصول على هذه الفرصة، لإظهار أنه شريك متساوي الدور والتأثير مع موسكو في الملف السوري وفي اتفاق سوتشي.

وبات الرئيس الروسي أكثر خبرة بشخصية أردوغان، الباحث عن الإطراء والظهور الإعلامي، ولذلك أظهر بوتين حفاوة بضيفه أمام وسائل الإعلام، ونجح بالمقابل في تمرير اتفاق يحافظ على مكاسب القوات السورية على الأرض.

وذكرت مصادر دبلوماسية روسية أن الاتفاق سيكون مرحليا إلى حين تهدئة خواطر أردوغان، وأن روسيا ماضية في خطتها لاستعادة كامل إدلب وحلب ومساعدة قوات الأسد في بسط نفوذها على كامل الأراضي السورية، خاصة أن المسؤولين الروس شددوا على ضرورة الاستمرار في مواجهة الجماعات الإرهابية، وهو رسالة واضحة على أن وقف إطلاق النار ظرفي، وأن حديث أردوغان عن ثبات نقاط المراقبة في مكانها ليس أكثر من محاولة لإظهار أنه لم يخرج بيد فارغة من القمة التي سعى لها لمدة أسابيع.

ولا يتضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد لقاء دام ست ساعات بين الرجلين في موسكو كذلك أجوبة لمسألة نقاط المراقبة العسكرية التركية الموجودة في مناطق سيطر عليها النظام السوري مؤخراً. لكن روسيا نجحت أيضا في جعل الرئيس التركي يقر بالاستمرار في صفقة صواريخ “إس – 400”.

وذكر مكتب الرئيس التركي الجمعة أن مراكز المراقبة العسكرية التركية في إدلب السورية ستحتفظ بوضعها الحالي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته أنقرة مع روسيا، وأضاف أن “الاتفاق وضع الأساس لإعادة الأوضاع في المنطقة إلى طبيعتها”.

وقال أردوغان أن تركيا ستقوم الشهر المقبل بتفعيل أنظمة الدفاع الروسية “إس – 400” التي اشترتها من موسكو رغم احتجاج واشنطن، مضيفا أنه طلب أيضا شراء أنظمة باتريوت الأميركية، وهو التناقض الذي دفع الأميركيين إلى التحجج بعدم تسليمه منظومة باتريوت بالرغم من الدعوة العاجلة التي وجهها بسبب الخسائر التي لحقت بجنوده.

الخلافات التركية مازالت عميقة مع روسياالخلافات التركية مازالت عميقة مع روسيا

وأكد الرئيس التركي أن “وقف إطلاق النار يحقق العديد من المكاسب في عدة مجالات”، معتبراً أنه “يعزز أمن تركيا الحدودي أمام هجمات الإرهابيين والنظام” و”يشكل أساسا لإعادة الاستقرار إلى إدلب”.

لكنّ خبراء في الشأن التركي قالوا إن رهانات أردوغان غير دقيقة، وأن الاتفاق يخدم النظام السوري أكثر.

وقال المحلل السياسي علي باكير “أعتقد أن هذا الاتفاق تكتيكي لا يحلّ كل الخلافات بين أنقرة وموسكو”، مضيفاً “من غير الواضح ما إذا كانت قوات الأسد ستنسحب بموجب هذا الاتفاق وكيف سيعود النازحون إلى منازلهم ما لم يتم هذا الانسحاب”.

ولا تشير بنود الاتفاق المعلنة إلى أيّ اتفاق يوحي بتغيير خارطة المواقع العسكرية الحالية لأطراف النزاع.

ومن أبرز هذه البنود إنشاء ممر آمن على عمق 6 كم شمالي الطريق الدولي “إم – 4” و6 كم جنوبه، على أن يتم تحديد التفاصيل في غضون سبعة أيام، وإطلاق دوريات تركية وروسية في الخامس عشر من مارس الجاري على امتداد طريق “إم – 4” بين منطقتي ترنبة (غرب سراقب) وعين الحور، مع احتفاظ تركيا بحق الرد على هجمات النظام السوري.

من جهته، يرى الباحث إيمريه كايا من مركز أبحاث “إيدام” في إسطنبول أن الاتفاق “على الأقل في هذه المرحلة، لا يحقق هدف تركيا بإنشاء منطقة آمنة لإيواء نازحي إدلب”.

وأضاف كايا “ويعني ذلك بالنسبة إلى تركيا، التي لم تتمكن من الاعتماد على الدعم الذي كانت تأمله من حلفائها الغربيين، أن التوصل لوقف إطلاق نار يعدّ مخرجاً مقبولاً”.

وتلفت جنى جبور الخبيرة في الشؤون التركية في معهد الدراسات السياسية في باريس إلى أن “وقف إطلاق النار هش ومؤقت، لأن النظام السوري، المدعوم من الروس، عازم على استعادة إدلب والقضاء على الجهاديين هناك”.

وذهب الرئيس التركي بعيدا في تفاؤله بالقول إن بوتين سيتخذ إجراءات في ما يتعلق بمرتزقة فاغنر في ليبيا، مع أن روسيا تنكر أيّ علاقة لها بالملف، وهو ما يوحي بأن أردوغان يوظف الحفاوة الظاهرة في لقائه مع بوتين للتنفيس عن أزماته من جهة، والإيحاء للميليشيات الحليفة في ليبيا وسوريا بأنه دافع عنها في اللقاء.

وقال إنه تلقى أنباء إيجابية بخصوص مرتزقة فاغنر، دون الإفصاح عن تفاصيل، قائلاً “نتمنى تطبيق هذه الأمور على الأرض، وفي حال طبقت سيكون عملنا وعمل (فائز) السراج يسيرا في ليبيا”.

العرب

————————

تركيا تنشر قوات خاصة على حدودها… الشرطة اليونانية تضرب وتعري لاجئين قبل إعادتهم/ إسماعيل جمال

اعتبر الجمعة يوماً أسود للاجئين الذين يحاولون عبور الحدود التركية نحو اليونان، وذلك بعدما قامت قوات الأمن اليونانية بضرب عشرات اللاجئين من جنسيات مختلفة وتعذيبهم جسدياً قبيل تعريتهم من ملابسهم بشكل شبه كامل، وإجبارهم على العودة إلى الجانب التركي الذي نشر قرابة 1000 عنصر من القوات الخاصة، وأطلق قنابل الغاز على القوات اليونانية لـ«منعها من الاعتداء على اللاجئين وإعادتهم بالقوة».

وتحدث لاجئون من سوريا والمغرب وأفغانستان لـ«القدس العربي» عن «تعرضهم لعمليات ضرب وتعذيب من قبل قوات الأمن اليونانية عقب تمكنهم من اجتياز الحدود التركية، مؤكدين تعرضهم للضرب بالسياط والهراوات الحديدية والخشبية ما خلف في أجسادهم جروحاً وكسوراً مختلفة، ومن ثم التحفظ على أوراقهم الثبوتية وهواتفهم المحمولة وتعريتهم من ملابسهم بشكل شبه كامل وإجبارهم بالقوة على العودة إلى الجانب التركي من الحدود».

وأوضح اللاجئون أنهم تعرضوا لمعاملة قاسية جداً، معتبرين أن السلطات اليونانية تحاول ترهيب اللاجئين وجعلهم «عبرة» حتى لا يجرؤ باقي اللاجئين على تجاوز الحدود، وذلك في ظل استمرار إطلاق النار الحي والرصاص المطاطي وقنابل الغاز وخراطيم المياه ضد اللاجئين، حيث قتل خمسة لاجئين وأصيب العشرات خلال الأيام الأخيرة، حسب تصريحات للرئيس التركي رجب طيب اردوغان.

كما تواصلت اعتداءات السلطات اليونانية على طالبي اللجوء عبر البحر، وأكد لاجئون أن زوارقهم تعرضت لإطلاق نار ومضايقات من قبل خفر السواحل لمنع وصولهم للبر اليوناني وإجبارهم على العودة للأراضي التركية.

وقالت دائرة الهجرة التركية إنها وثقت اعتداءات وأعمال عنف استهدفت طالبي اللجوء والمهاجرين شملت الأطفال والنساء، ووصفتها بأنها «ممارسات غير إنسانية». واعتبرت أن «هذه الممارسات امتهنت القيم الإنسانية والأوروبية وحقوق الإنسان وكذلك القانون الدولي».

وبينما قال وزير الداخلية التركي إن عدد طالبي اللجوء الذين عبروا إلى اليونان من ولاية «أدرنة» تجاوز 142 ألف شخص، حتى ظهر الجمعة، اعتبر اردوغان أن الغرب «منافق جداً في موضوع اللاجئين، حيث سارع لمد يد العون إلى اليونان، بينما يتجنب تقاسم الأعباء مع تركيا».

وشدد على استمرار فتح الحدود بالقول: «لأمر بات محسوماً، فقد فتحنا الأبواب حالياً، وسيذهب اللاجئون إلى حيث استطاعوا، ونحن لا نجبرهم على مغادرة بلادنا».

وعلى الجانب التركي، نشرت أنقرة قرابة 1000 عنصر من قوات الشرطة الخاصة «لمنع إجبار طالبي اللجوء على العودة من قبل الجانب اليوناني والحد من المعاملة السيئة لهم»، فيما وثقت الكاميرات قيام هذه القوات بإطلاق عشرات قنابل الغاز على عناصر الأمن اليوناني الذين يحاولون منع اللاجئين من عبور الحدود.

إلى ذلك، اعتبرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أن تعليق اليونان قبول طلبات اللجوء ليس له أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي، فيما اقترح المستشار النمساوي سباستيان كروز، إنشاء «منطقة سلام» شمالي سوريا كحل لأزمة طالبي اللجوء، وذلك بعد دعوات من دول أوروبية مختلفة لإقامة المنطقة الآمنة في سوريا، لكن وزير خارجية الاتحاد دعا عقب اجتماع لوزراء خارجيته المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون مغادرة تركيا إلى عدم التوجه نحو الحدود مع اليونان «لأنها ليست مفتوحة» بخلاف ما قيل لهم، على حد تعبيره.

كما استنكر «الاتحاد الدولي للحقوقيين» انتهاك السلطات اليونانية قوانين حقوق الإنسان في التعامل مع طالبي اللجوء، وخاصة من خلال إطلاق النار عليهم بسبب احتشادهم أمام حدودها.

جاء ذلك في بيان أصدره، أمس الجمعة، أمين عام الاتحاد المحامي نجاتي جيلان. وأشار البيان إلى أن تركيا بمجرد فتحها الأبواب أمام أكثر من 4 ملايين لاجئ كانت تستضيفهم منذ سنوات، توجه الآلاف منهم إلى حدود أوروبا، مما سبب الرعب لحكومات تلك الدول. وتابع: «إن النساء والأطفال الذين أجبروا على ترك بلادهم للنجاة بأرواحهم، يموتون على طريق الهجرة ويختنقون غرقا في البحار، وأجساد الأطفال ترتطم بالسواحل».

وشدّد على أن «الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي لم تر أو تسمع أو تشهد هذا الظلم وهذه المجازر والمذابح، تقف أمام وصول طالبي اللجوء إلى بلادها لاحتمال تأثر رفاهها الاقتصادي، وهي لا تعتبر طالبي اللجوء بشراً». وأوضح أن القوات الأمنية اليونانية فتحت النيران على طالبي اللجوء المحتشدين على حدودها، مما أسفر عن إصابة العديد من الأطفال والنساء ومقتل ثلاثة أشخاص.

القدس العربي»

————————

فاينانشال تايمز: أوروبا لا يمكنها أن تتجاهل أزمة اللاجئين السوريين

“القدس العربي”: قالت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية إن محاولات تركيا تمرير الآلاف من طالبي اللجوء عبر الحدود إلى اليونان يمثل تذكرة قوية بضعف الاتحاد الأوروبي وإخفاقه في وضع إستراتيجية مستدامة ومتماسكة للجوء منذ زيادة تدفق اللاجئين في عام 2015 و2016.

وأضافت الصحيفة أن الاتفاق الذي اُبرم بين أنقرة وقادة الاتحاد الأوروبي منذ أربعة أعوام للحد من تدفق اللاجئين كان فعالا للغاية، وهو ما يثبته الانخفاض الكبير في عدد المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان. وكان يمكن استخدام هذه الفترة لاستحداث سياسات للجوء يمكن استمرارها، ولكن ذلك لم يحدث.

وأوضحت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى سياسة داخلية للجوء تحول دون تفككه سياسيا، لافتة إلى أن السياسة الحالية، التي تقضي بأن يتقدم فيها طالب اللجوء بطلبه في أول دولة يصل إليها، تمثل عبئا ضخما على الدول التي تعد مدخل اللاجئين إلى أوروبا مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا.

وأوضحت أن رفض دول شرق أوروبا ذات التجانس العرقي لدخول مهاجرين إلى أراضيها تحول إلى معركة أكبر بشأن سيادة الدول الأعضاء في الاتحاد، ولكن على دول مثل المجر وجمهورية التشيك وبولندا أن تعرب عن تضامنها مع سياسات الاتحاد عبر مساهمات مالية، إن لم تكن راغبة في استقبال لاجئين جدد.

وذكرت مصادر دبلوماسية أن سفراء الاتحاد الأوروبي أبدوا غضبهم في اجتماع عقدوه الأسبوع الماضي مما يرونه محاولة من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “لابتزاز” التكتل بالسماح للمهاجرين بالتجمع على حدود اليونان.

غير أن بعض المبعوثين أقروا بأن الاتحاد الأوروبي في موقف صعب، فدوله الأعضاء غير قادرة على الاتفاق على كيفية التعامل مع اللاجئين، ومن أجل تجنب تكرار أزمة الهجرة في عامي 2015 و2016 يعتقدون أنه ربما يضطر لضخ المزيد من المال لتركيا كي تواصل منع دخول اللاجئين إلى أوروبا.

وتدفق آلاف اللاجئين والمهاجرين إلى الحدود اليونانية التركية بعد قرار الرئيس التركي فتح حدود بلاده أمامهم، المغلقة منذ عام 2016، وأعاد ذلك إلى الأذهان في أوروبا أزمة الهجرة في عام 2015. وأغلقت اليونان حدودها وطلبت من شركائها في الاتحاد الأوروبي مساعدتها.

واستخدمت الشرطة اليونانية الجمعة الغاز المسيل للدموع لدفع المهاجرين الذين حاولوا العبور بعيداً.

—————————–

إدلب:هدوء في الميدان..وتوتر سياسي خارجه

قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار السبت، إن وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه مع روسيا في إدلب بسوريا لم يشهد أي انتهاكات. وأضاف أن وفداً عسكرياً روسياً سيزور أنقرة هذا الأسبوع وأن تركيا بدأت العمل على إرساء قواعد الممر الآمن حول الطريق الدولي “إم4” في منطقة إدلب.

وقال أكار إن تركيا “ستظل قوة ردع ضد انتهاك وقف إطلاق النار في إدلب، وإنه لم يحدث أي خرق منذ سريان الاتفاق المبرم مع الروس مساء الخميس”.

وأشار إلى أن بلاده اتخذت بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، خطوة مهمة بخصوص الحل السياسي في إدلب، على الطريق المؤدي إلى السلام. وتابع: “سنبدأ دوريات مشتركة مع الروس في طريق (إم 4) اعتبارا من 15 مارس/ آذار، وبدأنا العمل بخصوص تفاصيل الممر الآمن على امتداد الطريق البري”.

وقال إن الجيش التركي يؤدي مهامه في إدلب بهدف ضمان وقف إطلاق النار، ومنع الهجرة، وإنهاء المأساة الإنسانية، لتحقيق أمن الحدود التركية، في إطار حق الدفاع المشروع عن النفس الوارد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقات أضنة وأستانة وسوتشي.

ولفت إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في موسكو الخميس، ساهم في وقف هجمات نظام الأسد التي عرضت أمن تركيا والمنطقة للخطر، وتسببت بمأساة إنسانية.

يأتي ذلك في وقت عرقلت الولايات المتحدة ليل الجمعة، تبني مجلس الأمن الدولي إعلاناً يدعم الاتفاق الروسي التركي لوقف إطلاق النار في إدلب، حسبما ذكر دبلوماسيون بعد اجتماع مغلق.

ونقلت وكالة “فرانس برس” الفرنسية عن الدبلوماسيين أنه عندما طلب السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا من شركائه الـ14 في مجلس الأمن تبني إعلان مشترك بشأن الاتفاق الروسي التركي قالت واشنطن “إنه أمر سابق لأوانه”.

وربطت روسيا الأمر برغبة الولايات المتحدة جعل مجلس الأمن يتبنى بسرعة قراراً لا تزال تُجرى مفاوضات بشأنه يؤيد الاتفاق الذي توصلت إليه واشنطن وحركة طالبان بشأن أفغانستان، وألمح الروس بوضوح إلى أنهم سيعارضونه، وفق المصادر نفسها.

وقال السفير الروسي بعد الاجتماع أمام صحافيين، إن “دولاً عديدة رحبت” باتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه روسيا وتركيا، لكنه لم يذكر اسم الدولة التي رفضته.

من جهته، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري الجمعة: “لا أعتقد أن النصر سيكون حليفًا للروس، ونظام بشار الأسد في إدلب”.

وأضاف لشبكة “سي بي إس نيوز” الأميركية، أن “القضية التي يتبناها الأتراك ونؤيدها، هي أن وقف إطلاق النار بإدلب يجب أن يكون دائماً وحقيقياً”. وتابع أن النظام السوري سبق وأن سيطر على أماكن للمعارضة بدعم روسي، مشيراً إلى أن “الوضع بالنسبة لإدلب مختلف، ولا أعتقد أنهم سينتصرون هناك، وسبب هذا هو عدم انسحاب الأتراك. وإلا فإن هناك 4 ملايين لاجئ سينضمون إلى ال3 ملايين الموجودين بتركيا لتصبح الأخير غير قادرة على تحمل كل هذه الأعباء”.

وقال جيفري حول مقتل 33 جندياً بقصف في إدلب: “نحن متأكدون بشكل كبير أن قصفهم تم بطائرة روسية”. وشدد على أن وقوع مواجهة بين تركيا وروسيا سيؤدي إلى تصعيد التوتر بالمنطقة.

——————————-

أردوغان يحذر النظام السوري:لا تغيير في نقاط المراقبة

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده ستكون على أهبة الاستعداد دائماً للرد على الانتهاكات والهجمات المحتملة من طرف النظام  السوري في إدلب.

وشدّد أردوغان الجمعة، على أنّ وقف إطلاق النار في إدلب سيترسخ إن تم الالتزام بالتواقيع التي أبرمت في هذا الخصوص. كما شدّد على أهمية ألا تؤثر التطورات في سوريا وإدلب على العلاقات بين تركيا وروسيا قائلاً: “انطلاقا من هذا المبدأ أقدمنا على خطوة مهمة جداً”.

واعتبر أن وقف إطلاق النار سيحافظ على أمن الحدود التركية، واستقرار إدلب وأمن المدنيين وعودة الحياة فيها لطبيعتها، وسلامة الجنود الأتراك هناك. وأوضح أنّ الجانبين على أعلى المستويات، ابتداءً من رئيسي البلدين مروراً بوزراء الخارجية والدفاع وجهازي الاستخبارات سيراقبون عن كثب التطورات على الأرض لمنع الإخلال بأسس وقف إطلاق النار.

وأشار إلى أنّ الحزام الآمن سيشمل مسافة 6 كيلومتر شمال الطريق الدولي “إم4” و6 كيلومتر جنوبه، وسنبدأ بتسيير دوريات مشتركة مع الروس.

وتابع: “هدفنا تفعيل المسار السياسي في سوريا بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وإنهاء الحرب الداخلية”، مضيفاً “سنظل على أهبة الاستعداد دائماً للرد على الانتهاكات والهجمات المحتملة من طرف النظام. ويتجلى عزمنا في هذا الموضوع من خلال الخسائر التي كبدناها للنظام في الأسبوع الأخير”.

وفي رده على سؤال يتعلق بمصير نقاط المراقبة في إدلب، قال أردوغان: “نقاط المراقبة في إدلب سنحافظ على وضعها الراهن، فلا يوجد أي تغيير بهذا الخصوص حالياً”.

وعند سؤاله عن مدى تأثر صفقة شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400، قال: “إس-400 أصبحت لنا، وغدت بين أيدينا،  سيتم تفعيلها اعتبارا من نيسان/أبريل. وسأقول للأميركيين مجدداً كما قلت بالأمس، ‘إن أعطيتمونا صواريخ الباتريوت فسنشتريها”.

التهديد بالرد على أي تجاوز من قبل قوات النظام السوري انسحب أيضاً على نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي الذي قال إنه لا حل عسكرياً للمأساة الإنسانية الحاصلة في سوريا، وإن تركيا مع مسارات الدبلوماسية والمفاوضات والحل السياسي. لكنه أكد أن تركيا بالتزامن مع ذلك “لم ولن تتردد” في استعمال القوة لحماية حدودها وفي “مكافحة الإرهاب”، ومنع المأساة الإنسانية “إذا استدعت الضرورة”.

وأضاف أن التفاهم الملحق الذي تم التوصل إليه خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى روسيا، “يعيد إحياء” مساري أستانة وسوتشي حول سوريا.  وأعرب أوقطاي عن تطلع بلاده من روسيا القيام بما يقع على عاتقها باعتبارها دولة ضامنة، من أجل وضع حد لعدوانية النظام السوري في إدلب.

وأضاف أن عملية درع الربيع التي أطلقتها تركيا في منطقة إدلب، تنفذ وفقا لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة ذات الصلة. وقال إن أنقرة ردت بعنف على هجمات “النظام الإرهابي” ضد نقاط المراقبة والمواقع العسكرية التركية، وستواصل الرد إن تعرضت لهجمات جديدة.

من جهته، أجرى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الجمعة، جولة تفقدية لمقر عملية “درع الربيع” في ولاية هطاي جنوبي البلاد، وعدد من الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود السورية. وتفقد الوحدات المنتشرة على الحدود السورية، ومن ثم توجه إلى مقر القيادة التكتيكية في الجيش الثاني المسؤول عن إدارة العمليات في إدلب.

————————

اللاجئون يعودون لتركيا عراة ومعذبين.. الأمن اليوناني يستشرس!

اعتدت قوات الأمن اليونانية على عشرات اللاجئين الذين حاولوا عبور الحدود اليونانية، وأعادتهم إلى الأراضي التركية، في حالة سيئة، حيث بدت على أجسادهم علامات الضرب كما تم تجريدهم من ملابسهم.

ونشرت قناة “TRT” التركية، وناشطون في مواقع التواصل، صوراً مؤثرة التقطها المصور بلال خالد، للاجئين أشباه عراة، وفي أجسادهم علامات الضرب، بينما حاولوا التماس الدفء قرب نار مشتعلة.

ونشر ناشطون في مواقع التواصل، خلال الأيام الماضية صوراً مماثلة، كما تحدث لاجئون عن ظروف اللجوء المأساوية، وقال بعضهم أن قوات الأمن اليونانية جردتهم من كل أوراقهم الثبوتية وهواتفهم النقالة، وصولاً إلى انتزاع ملابسهم وإجبارهم على العودة عراة إلى الأراضي التركية.

ونشرت وكالة “دوغان” التركية قبل أيام، مقطع فيديو وصوراً لمجموعة من اللاجئين أشباه عراة في حافلة، عائدين إلى الأراضي التركية، بعدما احتجزتهم القوات اليونانية وسلبتهم مقتنياتهم الخاصة ومن بينهم نساء وأطفال.

    📍Yunan askerleri, çaresiz göçmenlere karşı uyguladığı insanlık dışı uygulamalara devam ediyor.

    ▪️Edirne’den Yunanistan’a geçen bir grup göçmen, Yunan güvenlik güçleri tarafından darp edildi ve üzerlerindeki para ve giysiler alınarak, yarı çıplak halde Türkiye’ye gönderildi. pic.twitter.com/bShFySgMcw

    — EHA MEDYA (@eha_medya) March 6, 2020

وبدأ تدفق المهاجرين إلى الحدود الغربية لتركيا، قبل أيام، عقب تداول أخبار بأن أنقرة لن تعيق حركة المهاجرين باتجاه أوروبا. والإثنين الماضي، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أن عدد المهاجرين المغادرين عبر ولاية أدرنة بلغ 117 ألفاً و677 مهاجراً.

من جهته، قال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، أن أنقرة تواصل منح الحماية المؤقتة للسوريين الراغبين بالبقاء، لكنها لن تمنع من يرغب بمغادرة البلاد. ورغم توصل تركيا وروسيا إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في إدلب دخل حيز التنفيذ منتصف ليل الخميس الجمعة، إلا أن الرئاسة التركية قالت أن الاتفاق لا يستدعي تراجع تركيا عن التغييرات التي أجرتها في سياسة اللجوء مؤخراً.

في ضوء ذلك، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الجمعة، أن تعليق اليونان قبول طلبات اللجوء لا أساس قانونياً له بموجب القانون الدولي. وذكرت المتحدثة باسم المفوضية، ليز تروسيل، أن “المفوضية لا تستطيع التحقق من الأحداث ميدانياً. أحكام القوانين الدولية سارية بشكل كامل على قانون الهجرة”، مضيفة: “تعليق اليونان قبول طلبات اللجوء ليس له أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي”.

————————

اتفاق روسي تركي جديد وفيتو أميركي: السوريون يتفرجون على مصير بلادهم!/ بهية مارديني

إيلاف: يبدو الأمر معقدا في سوريا في ظل دخول كل الأطراف وتنازعها، ولكن كان واضحًا أنه لا رأي للسوريين، موالاة ومعارضة، فيما يجري، وأكثر فأكثر تصبح المعركة إقليمية دولية، وكل دولة تحاول اقتطاع الجزء الأكبر لجهة سيطرتها أو تريد أن تمنع الدولة الأخرى عن تحقيق ما تريد، ليستمر الصراع أكثر من دون حتى النجاح في إدارته.

أجّج هذا الموقف معارك متلاحقة ومقتل جنود أتراك في شمال سوريا، ثم اتفاق جديد روسي تركي، نشر باللغات التركية والروسية والانكليزية فقط، من دون العربية، ثم فيتو أميركي حال دون دعم أممي لهذا الاتفاق في مجلس الأمن.

وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، إن “النصر لن يكون حليفًا للروس، ونظام الأسد في إدلب، وشدد على أن “القضية التي يتبناها الأتراك ونؤيدها، هي أن وقف إطلاق النار في إدلب يجب أن يكون دائمًا وحقيقًا”.

أشار جيفري خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “سي بي إس نيوز” الأميركية، إلى أن النظام السوري سبق وأن سيطر على أماكن للمعارضة بدعم روسي، لافتًا إلى أن “الوضع بالنسبة إلى إدلب مختلف، ولا أعتقد أنهم سينتصرون هناك، وسبب هذا هو عدم انسحاب الأتراك”.

وأضاف “وإلا فإن هناك 4 ملايين لاجئ سينضمون إلى الـ3 ملايين الموجودين بتركيا لتصبح الأخيرة غير قادرة على تحمل كل هذه الأعباء”.

اتفاق غامض

وقال الدكتور زكوان بعاج عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر برلين في تصريح لـ”إيلاف” حول الاتفاق الروسي التركي في موسكو إنه “اتفاق غامض جدًا وغير مناسب للحالة العسكرية والسياسية التي أعلنت عنها تركيا”.

اتفاق اجباري

فيما قال المحامي في القانون الدولي بسام طبلية لـ “إيلاف” إنه اتفاق “أجبرت عليه تركيا لأنها وحدها من دون دعم من واشنطن أو من الناتو”. واعتبر “أن هذا الاتفاق جاء مخيّبًا لآمال المعارضة، لأن روسيا ما زالت تقضم الأراضي، ثم تثبت تواجدها باتفاقيات جديدة”.

وأشار إلى أن تركيا ملزمة باتفاقياتها مع روسيا، لذلك تخشى المعارضة من أن إسقاط النظام السوري لم يعد من ضمن أولويات أنقرة.

هذا ويقف النظام متفرجًا وكذلك المعارضة السورية التي لا تستطيع حتى أن تحاول الاستثمار في الرفض الأممي لاتفاق موسكو والعودة إلى الأمم المتحدة لتفعيل قرار مجلس الأمن الخاص بسوريا رقم 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سوريا بشكل واضح.

وتبقى الأزمة السورية مستمرة يجسدها الحرب وملف اللاجئين على حدود أوروبا. ويؤكد السوريون أن “استقرار المنطقة في ظل اتفاقيات أستانة وتفاهمات سوتشي يعتقد أنه لن يكون استقرارًا للمنطقة، إنما وقف إطلاق النار فقط، وهذا لن يبقي المنطقة مستقرة بل يكرّس التقسيم الحاصل حاليًا”.

كتب العقيد عماد الدين السعيد في مجموعات خاصة بالمعارضة والثورة أنه ستبقى كل دولة في المناطق التي سيطرت عليها بقوة السلاح أو بموجب الاتفاق، والمستفيد هو النظام من تحريك الاقتصاد والحركة التجارية نتيجة فتح الطرق من أطراف الاتفاق إذا أين الاستقرار لباقي فئات الشعب وأين وحدة التراب السوري في هذا الموضوع”.

وشدد على أنه “لن يكون استقرار للمنطقة إلا بحل جذري وبرحيل الطغمة الحاكمة في سوريا ووقف القتل والتدمير والتهجير القسري والاعتقالات وخروج القوات جميعها من الأرض، ويشيرون إلى أن لا استقرار إلا عندما تنتهي مسببات عدم الاستقرار وإلا لن يكون استقرار، بل ستبقى المنطقة فوق الجمر الذي غطي بالرماد، وستشتعل المنطقة مرة أخرى، ونعود إلى نقطة الصفر”.

في المقابل يبدو التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية يحاول أن يسيطر على مناطق في سوريا، وهي مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، ويحقق الاستقرار فيها فقد نشر المركز الإعلامي لمجلس سوريا الديمقراطية عن اجتماع التحالف الدولي مع عدد من الشركات لإنشاء مشاريع في التعليم والزراعة وعدد من القطاعات.

————————

شرق المتوسط.. صورة مصغرة من المعارك الإقليمية والدولية

أصبح شرق البحر الأبيض المتوسط ​​نقطة انطلاق للاشتباك بين الديناميات الجيوسياسية، والنضال من أجل الهيمنة الإقليمية، ومعارك السيطرة على الموارد والتنافس على القوة الأيديولوجية الناعمة، والتدخل الصارخ في سياسات الآخرين.

ومع زيادة نطاق التعقيد والخطورة والمصالح المتضاربة، يوسع هذا نطاق التركيز إلى ما وراء تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، ليشمل دولا مثل تركيا والإمارات والسعودية؛ حيث يزيل ذلك الحدود بين نزاعات متعددة، مثل الحروب في سوريا وليبيا، والنضال من أجل السيطرة على احتياطات الغاز التي تم العثور عليها حديثا شرق البحر المتوسط، ما يضع المياه المتنازع عليها كأحدث مكان تتصارع فيه روسيا والغرب من أجل النفوذ.

ويشبه وضع الخلافات متعددة الأطراف التي تدور حوال احتياطات الغاز شرقي المتوسط وضع “طبقات البصل”.

وتشمل الأطراف المتصارعة دول الشرق الأوسط، ودول شمال أفريقيا، ودول شرق البحر المتوسط، ​​ودول الخليج، وتركيا، وروسيا، وأوروبا.

وربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو الدرجة التي ستستطيع بها أوروبا المضي قدما في تقليل اعتمادها على واردات الغاز الروسي. وتلبي روسيا حاليا نحو 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز.

وإذا نجحت أوروبا في تقليص الواردات الروسية من الغاز؛ فقد يسمح لها هذا بتبني موقفا أكثر قوة في الصراع بين الليبرالية الغربية والحضارة الروسية، التي تسعى لتشكيل نظام عالمي جديد.

ودفع اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا حتى الآن؛ الدول الأوروبية إلى التخفيف من دفاعها عن القيم الغربية ضد سياسات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، التي تشمل الاستيلاء على الأراضي في القوقاز وأوكرانيا، وتخويف دول آسيا الوسطى، ودعم اليمين المتطرف أو النازيين الجدد في الغرب، والحركات المناهضة للهجرة.

وقال “ديمتري ترينين”، رئيس مركز “كارنيجي” في موسكو: “سوف تستمر المواجهة بين موسكو وواشنطن. ويبرز شرق البحر الأبيض المتوسط كمنطقة تتنافس فيها روسيا مرة أخرى مع الغرب”.

ورأى “ترينين” أن شرق المتوسط، وليس ​​أوكرانيا أو شبه جزيرة القرم أو دول البلطيق أو القطب الشمالي أو جنوب شرق أوروبا، هو المكان الذي قد يشعل التوتر بين روسيا والغرب من جديد أكثر من غيره.

وإذا كان الصراع للسيطرة على موارد شرق البحر المتوسط ​​بالنسبة لبعض الدول، مثل اليونان وقبرص ولبنان، يتعلق بالاقتصاد بالدرجة الأولى، وبالنسبة لآخرين، بما في ذلك مصر و(إسرائيل)، يتعلق بالنفوذ، فالأمر ليس هو نفسه بالنسبة لروسيا وتركيا.

وأثارت تركيا الرهانات بدعمها العسكري لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا، الموجودة في طرابلس، ضد دعم الإمارات والسعودية ومصر للجنرال “خليفة حفتر” المدعوم من روسيا.

وخلقت اتفاقية بحرية بين حكومة الوفاق الوطني وتركيا، منطقة اقتصادية خالصة في شرق المتوسط ​​تدعم المطالبات التركية الواسعة. وتعمل العلاقات التي يتم بناؤها مؤخرا بين “حفتر” ورئيس النظام السوري “بشار الأسد”، على ربط الحرب في سوريا بشرق المتوسط ​​والقتال في ليبيا.

وفي نفس الوقت، تناور تركيا وروسيا لتجنب اشتباك عسكري مباشر في إدلب، آخر معقل للمعارضين الذين يقاتلون قوات “الأسد” المدعومة من روسيا.

وسوف تمنع المنطقة الاقتصادية الخالصة، خط أنابيب مخطط له يربط الاتحاد الأوروبي بإمدادات الغاز الإسرائيلية والقبرصية.

وإذا تم تنفيذها بنجاح، فإن المنطقة الخالصة، إلى جانب الأداء العسكري لتركيا في سوريا بإسقاط 3 طائرات حربية سورية في عدة أيام، ستشير إلى أصحاب الهيمنة الإقليميين، أي السعودية والإمارات، بأن القوة المالية قد لا تكون كافية لفرض إرادتهم العسكرية.

وعارضت تركيا دور قبرص اليونانية، وأصرت على أن مشاركتها شرطا لا غنى عنه لأي استغلال ناجح للغاز في شرق البحر المتوسط.

ويأتي كل هذا في وقت تنشغل فيه أوروبا بالمشاكل الداخلية، ومؤخرا بأزمة اللاجئين السوريين الجديدة التي تلوح في الأفق، ما يجعل من الصعب توقع نهج سياسي متماسك وشامل.

وحذر الباحث والمعلق “حسين إيبش”، من أن “جميع العناصر التي أرغمت جميع الأطراف على تطوير تحالفات محلية تزداد اندماجا مع غيرها من المنافسات الاستراتيجية والدبلوماسية والسياسية، ويبدو أنها ستستمر على الأرجح”.

في النهاية، يبدو شرق المتوسط ​​، للأسف، عالقا في مستنقع سياسي مستمر في المستقبل المنظور.

المصدر | جيمس دورسي/ إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

———————–

دبلوماسي أمريكي: لن تنتصر روسيا ولا الأسد في إدلب

قال دبلوماسي أمريكي إنه لا يعتقد أن يكون النصر حليفاً للروس ونظام بشار الأسد في إدلب؛ في ظل المجريات الأخيرة التي تشهدها تلك المنطقة من تصعيد.

جاء ذلك في تصريحات أدلى بها المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية، وقيم خلالها آخر التطورات والمستجدات التي تشهدها مدينة إدلب، شمال غربي سوريا.

وأكّد جيفري أن “القضية التي يتبناها الأتراك ونؤيدها هي أن وقف إطلاق النار بإدلب يجب أن يكون دائماً وحقيقياً”.

وأشار إلى أن النظام السوري سبق أن سيطر على أماكن للمعارضة بدعم روسي، مشيراً إلى أن “الوضع بالنسبة لإدلب مختلف، ولا أعتقد أنهم سينتصرون هناك؛ وسبب هذا هو عدم انسحاب الأتراك”.

وتابع: “وإلا فإن هناك 4 ملايين لاجئ سينضمون إلى ثلاثة ملايين موجودين بتركيا، لتصبح الأخير غير قادرة على تحمل كل هذه الأعباء”.

وبخصوص استهداف الجنود الأتراك من قبل نظام الأسد، في فبراير الماضي، قال جيفري: “نحن متأكدون بشكل كبير من أن قصفهم تم بطائرة روسية”، مشدداً على أن وقوع مواجهة بين تركيا وروسيا سيؤدي إلى تصعيد التوتر بالمنطقة.

والخميس الماضي، أعلن الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحفي، عقب قمة بالعاصمة الروسية موسكو، التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في إدلب شمال غربي سوريا.

وكان من أبرز بنود الاتفاق التي ذكرها الزعيمان إنشاء ممر آمن على عمق 6 كم شمالي الطريق الدولي “إم 4” و6 كم جنوبه، على أن يتم تحديد التفاصيل في غضون 7 أيام.

يشار إلى أن الطيران الحربي الروسي يقدم دعماً لقوات نظام الأسد للسيطرة على آخر منطقة كبيرة تحت سيطرة المعارضة في شمال غربي البلاد.

وتسبب القصف الجوي لإدلب في نزوح أعداد هائلة من المدنيين، وتقول الأمم المتحدة إن الوضع في إدلب ربما يؤدي لأسوأ أزمة إنسانية تشهدها الحرب الدائرة في سوريا منذ تسع سنوات، التي دفعت الملايين إلى النزوح عن منازلهم وأدت إلى مقتل مئات الآلاف.

———————

لاجئون على الحدود الأوروبية يتمسكون بالأمل

تقارير: بعد الفرار من الحرب والاضطهاد عائلات تجد نفسها في أخطر أوضاع عاشتها حتى الآن

بورزو درغاهي مراسل في الشرق الأوسط

تعرضوا للتهديد من جراء الحرب التي لا تنتهي في إقليم غزني في أفغانستان، ومورس عليهم التعصب والحرمان من التعليم والرعاية الصحية في إيران، واستغلهم أرباب العمل وأصحاب العقارات والمهربون في تركيا.

نحو خمسة وعشرين فرداً أو أكثر من عائلة دولتي، يقبعون الآن في حقل موحل مجاور لنهر ميريك المتاخم للحدود مع اليونان والاتحاد الأوروبي، وهم عرضة للبرد والرياح. ليس لديهم مال أو طعام يكفي. وعلى صوت بكاء أطفالهم، يجلسون وينتظرون فرصةً للعبور إلى الاتحاد الأوروبي الذي لا يرغب فيهم. ويقول رضا دولتي البالغ من العمر 40 سنة والذي صار زعيم عشيرته، “سمعنا أن أبواب أوروبا مفتوحة”.

وكان إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي، أن بلاده فتحت الحدود نحو أوروبا قد تسبب في تدافع عشرات الآلاف من ملايين السوريين والأفغان وغيرهم من اللاجئين الذين لجأوا إلى تركيا من أجل الدخول إلى أوروبا.

لكن على الرغم من أن مخارج تركيا قد تكون مفتوحة، ظلت أبواب الاتحاد الأوروبي مغلقة. واللاجئون من الدول التي مزقتها الحروب مثل سوريا وأفغانستان وصولاً إلى الصومال وإقليم كشمير، يجدون أنفسهم عالقين في ظروفٍ هي الأكثر عجزاً بالنسبة إليهم حتى الآن. فقد صرف كثيرون منهم جميع مدخراتهم الضئيلة على تذاكر الحافلات التي عملت على نقلهم إلى الحدود من العمق التركي، مع زيادة السائقين الأتراك أسعارهم عشرة أضعاف.

حتى أن إحدى العائلات دفعت للمهربين آلاف الدولارات لنقلها عبر الحدود السورية يوم الجمعة الماضي، بمجرد استماع أفرادها إلى السياسة الجديدة التي أعلن عنها الرئيس التركي إردوغان على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. ويقول عدنان موصلي البالغ من العمر اثنين وعشرين سنة، وهو من الرقة وانتقل إلى دويران في تركيا مع والده وإخوته: “سمعنا أن الحدود مفتوحة فأتينا. تطلب الأمر منا يومين وإنفاق أربعة آلاف وخمسمئة دولار أميركي لعبور الحدود”.

ويجد الأطفال والنساء اللاجئون أنفسهم في وضع غاب فيه الأمان والحماية. وقد قام زوجان تركيان برصد عدد من الأطفال الصغار من عشيرة دولتي الأفغانية، وقدما لهم بضع خيام للاحتماء فيها. ودعا بعض سكان البلدة القريبين من موقع اللاجئين النساء إلى استخدام حماماتهم. لكن جميع النازحين ما زالوا ينامون في العراء.

وتقول ديفون كون، المحامية البارزة في منظمةRefugees International  التي تدافع عن حقوق اللاجئين، إنه “تُوجد مخاطر جدية تتعلق بحماية النساء والفتيات في بيئة مفتوحة وغير مستقرة. حتى المخيمات هي غير آمنة. فأي مخاطر جديدة تتربص بهؤلاء الناس وهم جالسون هناك عند الحدود”؟

عائلة دولتي كانت قد استأجرت حافلة صغيرة بمبلغ ستمئةٍ وخمسين دولاراً أميركياً، لنقلها من مدينة سامسن التركية على البحر الأسود إلى الحدود مع أوروبا بعد إعلان أردوغان. كان أفرادها يعرفون منذ البداية أن المسألة ستكون طويلة. لكن الفرص قليلة أمامهم في تركيا، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين تمكنوا من إتقان اللغة. فالوظائف غير متوافرة، وإذا ما توافرت فإنهم يتقاضون رواتب منخفضة لقاءها. وغالباً ما يرفض أصحاب العمل دفع رواتب للاجئين.

الحرب في أفغانستان شتتت عشيرة دولتي الأفغانية في مناطق عدة من العالم. البعض من أفرادها فر من هزارجات الواقعة في وسط البلاد نحو إيران، والبعض الآخر إلى باكستان، والقسم الثالث إلى كابول العاصمة. وتمكن أحد الإخوة من الوصول إلى ألمانيا، ويأمل في جلب بقية أفراد عائلته إلى هناك.

وكان العمل مضنياً لجمع كل أفراد الأسرة في سامسن في تركيا، لأنهم يرون أن إذا ظلوا معاً عائلةً واحدة، ربما كانت الفرصة أقوى ليتمكنوا جميعاً من إيجاد طريقهم نحو حياة أفضل.

ويقول يونس دولتي في المقابل، إن الخيارات لم تكن كبيرة بالنسبة إليهم. وكان الرجل البالغ من العمر ثمان وخمسين سنة يشتغل عاملاً في مصنع للبلاستيك في إيران حتى ستة أشهر مضت. لكن الاقتصاد الإيراني بدأ في الانكماش تحت وطأة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، وأدى التضخم إلى تآكل الأجر الذي كان يتقاضاه، ولم يكن يحقق ما يكفي من المال لإرساله إلى زوجته وأطفاله.

ويقول يونس في هذا الإطار، “ليس لدي مكان آخر أذهب إليه. لا أستطيع الانتقال إلى اليونان. ولا يمكنني أيضاً أن أجد مكاناً في تركيا للتوجه إليه. لقد عشت في إيران منذ نحو ثمانيةٍ وثلاثين عاماً، وتُعد أفغانستان بلداً أجنبياً علي”.

بمجرد وصول أفراد أسرة دولتي  إلى دويران في تركيا، ركبوا في قوارب وقاموا بالانتقال إلى الضفة المقابلة على الجانب اليوناني من النهر، بناءً على تشجيع من ضباط أتراك. تمكن الكثير منهم من بلوغ الجانب اليوناني. حتى أن بعضهم ظل على الضفة الأخرى لساعات، وخطط للسفر إلى مسافةٍ أبعد في أوروبا عندما يحل الظلام.

لكن عدداً من هؤلاء المهاجرين أخبروا روايات عدة عن القصة نفسها، فما إن وصلوا إلى الجانب اليوناني، حتى تم القبض عليهم من جانب السلطات هناك. وتمت مصادرة ما في حوزتهم، حتى ملابسهم وأربطة أحذيتهم، فيما تعرض بعضهم للضرب. وعملت القوى الأمنية على حبس البعض الليلة الماضية في مراكز اعتقال سيئة. وفي نهاية المطاف تم وضعهم جميعاً على قوارب وأُعيدوا إلى الجانب التركي.

ويقول قاسم رضائي وهو لاجئ أفغاني يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة: “كنا في الغابة عندما قبضت علينا الشرطة اليونانية. أحضر العناصر سيارةً وأخذونا بعيداً. تم احتجازنا طوال الليل، واستولوا على كل ما كان معي من مال، إضافةً إلى بطاقة هويتي وهاتفي المحمول”.

اليونان علقت يوم الأحد تمسكها بالالتزامات المنصوص عليها في المعاهدة الخاصة باللاجئين، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، ورفضت تلقي أي طلب للحصول على حماية مؤقتة. وفيما أثارت هذه الخطوة غضب بعض المدافعين عن حقوق اللاجئين، يبدو أن السلطات اليونانية تحظى بدعم من قادة الاتحاد الأوروبي في فرنسا وألمانيا، من خلال تخصيص مئات الملايين من الدولارات على شكل أموال طارئة لأثينا، والتخطيط لزياراتٍ رفيعة المستوى يقوم بها مسؤولون أوروبيون لإظهار التضامن مع الحكومة اليونانية.

وعلى الرغم من ذلك، يُقال إن آلافاً من النازحين تجمعوا عند المعبر اليوناني الرئيسي في بازاركولي الذي مُنع الصحافيون من التوجه إليه. وشوهد مئاتٌ من هؤلاء اللاجئين وهم يسيرون يوم الثلاثاء في اتجاه نقطة التفتيش في المنطقة، متجاوزين حاجز الدرك التركي، بينما كانوا يحملون بعض مقتنياتهم وصناديق عصير ولفائف خبز السمسم، التي تبرعت بها لهم جماعاتٌ خيرية على طول الطريق.

وقد ساد بين اللاجئين الذين حاولوا العبور إلى أوروبا وفشلوا في ذلك، غضب واضح وخيبة أمل من أن حياتهم كانت تُستخدم أداةً في لعبة جيو سياسية عالية المخاطر. وقالت سارة رايمي وهي لاجئة أفغانية تبلغ من العمر ثماني عشرة سنة كانت قد تخلت عن مسكنها وباعت على عجل جميع ممتلكاتها في مدينة دنيزلي التركية للمجيء إلى دويران، إن “الرئيس الذي سحبنا جميعاً إلى هنا يجب أن يجد لنا بعض المساكن، نحن غاضبون جداً. قال أردوغان إن الحدود مفتوحة. وبما أنه أكد أن كل شيء مفتوح، يجب عليه الآن أن يجد لنا منازل نأوي إليها”.

ومع ذلك، يشير كثير من اللاجئين إلى إنهم ما زالوا يأملون في أن تُفتح الحدود أمامهم قريباً. وربما تصدر المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إعلاناً في هذا الصدد. وبينما كانت القنوات التلفزيونية التركية تقوم بتصويرهم، عملت مجموعة من نحو خمسين شخصاً على تنظيم تظاهرة في اتجاه الجانب اليوناني من النهر، أطلقوا خلالها هتافات: “افتحوا الحدود! افتحوا الحدود!”

ويتحدث رضا دولتي عن أن لديه شعوراً بالأمل أكثر منه بالغضب. ويتطلع إلى الوصول إلى ألمانيا للانضمام إلى شقيقه هناك. ويؤكد أن ابنه المراهق يتقن التعامل مع أجهزة الكمبيوتر ويمكنه العثور على عملٍ في الغرب. وينتفض عند الإشارة إلى أنه هو وآخرين عرضوا أطفالهم لحالٍ من عدم الاستقرار من خلال التخلي عن حياتهم المزعزعة لكن الآمنة في شرق تركيا، للقيام برحلة محفوفة بالمخاطر عبر الحدود.

ويشير إلى أن “الأطفال هم السبب في وجودنا هنا، نقوم بكل شيء حتى يتمكنوا من الحصول على حياة أفضل. أريد أن أذهب إلى مجتمع أكثر ثقافة. فباسم الدين أو العقيدة أو باسم العرق والقبيلة، قاموا بقطع رؤوس بعضهم البعض. أريد أن أذهب إلى أوروبا حيث يكون هناك مزيد من الأمان وحيث يتوافر مكان يمكن فيه لأطفالي أن يتلقوا تعليمهم”.

© The Independent

—————————–

=========================

==============================

=====================================

تحديث 09 أذار 2020

——————————

حصيلة قمة موسكو: إدلب التركية تقلّصت/ بكر صدقي

كان واضحاً من الصورة التي التقطت لحظة خروج بوتين وأردوغان، برفقة الوفدين المشاركين، من مكان الاجتماع الماراتوني الذي استمر خمس ساعات وأربعين دقيقة، أن الرئيس التركي لم يحصل على ما يريد، بل ظهر العبوس جلياً على وجهه. ولا تقتصر الشكليات الكاشفة لمجرى المباحثات الصعبة على هذه الصورة، بل كان لافتاً أيضاً أن وزير الخارجية مولود شاويش أوغلو قال، في بيانه عن الاتفاق الجديد، “الجمهورية العربية السورية” بدلاً من الصيغة التي اعتاد الساسة الأتراك استخدامها، أي “النظام السوري” أو “نظام الأسد”.

ويمكن الاستدلال على مساوئ الاتفاق، من وجهة النظر التركية، أيضاً من خلال تعبير بشار الكيماوي عن “رضاه” عن نتائج اجتماع موسكو في المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الروسي معه في أعقاب توصله إلى الاتفاق الجديد بشأن وضع “منطقة خفض التصعيد” في إدلب وجوارها. فهذا الرضا لا يعكس فقط ما أملاه عليه سيده الروسي، بل كذلك بسبب نص الاتفاق الذي شرعن سيطرته على المناطق التي قضمتها ميليشياته بدعم من الطيران الروسي في الشهرين الأخيرين، وفتح الطريق أمام ابتلاع المزيد منها في الفترة القادمة.

ننتقل إذن من الشكليات إلى مضمون الاتفاق الملحق باتفاق سوتشي 2018 بين روسيا وتركيا. وقبل كل شيء، لم ترد في نص الاتفاق عبارة “وقف إطلاق النار” التي طالبت بها تركيا عشية سفر أردوغان إلى موسكو، بل “وقف العمليات العسكرية” التي لا تشمل – طبعاً – الحرب على المنظمات الإرهابية التي نفهم من نص الاتفاق أنها مستمرة. هذا يعني أن المقصود بوقف العمليات العسكرية هو تركيا وقواتها والفصائل المسلحة السورية المؤتمرة بأمرها. في حين يتعهد “الطرفان” بمواصلة الحرب على “جميع المنظمات الإرهابية وتلك المصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة”! واضح ان الإضافة الأخيرة جاءت بطلب من تركيا التي تشكو من اعتبار روسيا جميع الفصائل التي تقاتل النظام الكيماوي إرهابية، في حين أن لوائح الأمم المتحدة المعنية تخص هيئة تحرير الشام وفصائل أصغر منها تابعة لمنظمة القاعدة. وما كان لتركيا أن تعترض على القسم الأول الذي فرضته روسيا (جميع المنظمات الإرهابية) لأنها حريصة على تبرير حملاتها العسكرية على مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية سابقاً، فهي تعتبر تلك القوات، وبالأخص وحدات حماية الشعب الكردية، منظمات إرهابية، مع أنها غير مصنفة كذلك لا على لوائح الأمم المتحدة ولا على لوائح أي دولة أخرى غير تركيا.

لم تقتصر خسارات تركيا في موسكو على الجانب العملياتي (وقف العمليات العسكرية ضد ميليشيات النظام) بل إن الاتفاق دفع بمواقع تواجد القوات التركية المسموحة شمالاً إلى ما فوق خط طريق حلب اللاذقية الذي من المفترض أن يتم تأمينها خلال أسبوع واحد بعمق ستة كيلومترات من الجانبين، وتسيير دوريات مشتركة روسية – تركية. أما طريق حلب – دمشق، وضمناً عقدة التقاطع في سراقب، فقد بات كلياً تحت سيطرة النظام الكيماوي. وهكذا، بدلاً من تحقيق مطلب تركيا بتراجع قوات النظام إلى حدودها السابقة وفقاً لاتفاق سوتشي 2018، سيحتفظ الأخير بما ابتلعه من أراض جديدة في الحملة الأخيرة التي أدت إلى نزوح مليون مدني باتجاه الحدود التركية المغلقة بجدار عازل.

لا يتضمن نص الاتفاق أي إشارة إلى مصير نقاط المراقبة التركية التي باتت تسعة منها مطوقة من ميليشيات الأسد جنوب طريق حلب اللاذقية وشرقي طريق حلب دمشق. لا نعرف ما إذا كان ثمة بنود غير معلنة تشمل مصير النقاط المذكورة، ولكن بالنظر إلى خريطة النفوذ العسكري الجديدة يمكن أن نتوقع سحب تلك النقاط من الجنوب والإبقاء على النقاط الواقعة في “إدلب المقلصة” شمال الطريق المذكور.

ولا يقتصر تقليص منطقة النفوذ التركية في إدلب، على فرض أنها كانت كذلك قبل المعارك الأخيرة، على المساحة الجغرافية، بل يشمل أيضاً المدى الزمني، وإن كان هذا غائباً عن نص الاتفاق. فما دامت حرب بوتين على الإرهاب مستمرة، فالهدف الروسي هو بسط سيطرة تابعه الأسدي على كامل منطقة خفض التصعيد. وهو هدف معلن على أي حال يكرره الناطقون الروس كل حين وحين. ربما تكسب تركيا زمناً إضافياً، لا نعرف مداه، قبل أن يطالبه الروسي بسحب قواته من المنطقة. وعلى أي حال لم تكن لدى القيادة التركية أوهام بشأن بقاء قواتها في هذه المنطقة إلى ما لا نهاية. لكنها استماتت في محاولة قطع الطريق على تقدم ميليشيات النظام لكي لا تضطر، بعد حين، إلى القتال دفاعاً عن بقائها في مناطق عفرين و”درع الفرات” و”نبع السلام”. كان قتالها في إدلب نوعاً من دفع الجبهة إلى الأمام لكي لا تضطر إلى القتال في الخطوط الخلفية.

هناك خسارة أكبر لتركيا لا تظهر في نص الاتفاق، بل في مجمل المعركة بجانبيها الميداني والدبلوماسي، ألا وهي أن مراهنتها على دعم واشنطن وحلفائها الأطلسيين في مواجهة روسيا سقطت بما آلت إليه الأمور. تكشفت تلك المعركة عن مدى اعتماد تركيا على روسيا مقابل هشاشة تحالفها الأطلسي. وقد تكون لنتائج المعركة الميدانية – الدبلوماسية، بما في ذلك فتح الحدود الغربية أمام اللاجئين وما أدى إليه من مآس إنسانية من جهة اللاجئين، وردود فعل أوروبية غاضبة من جهة ثانية، نتائج بعيدة المدى على موقع تركيا بين روسيا وحلف الأطلسي.

كل هذا ولم نتحدث عن انعكاسات معركة إدلب على المجتمع التركي، من ارتفاع وتيرة ملاحقة الصحافيين ومنع التظاهرات المناهضة للحرب في إسطنبول، وارتفاع وتيرة الكراهية الموجهة ضد اللاجئين السوريين، وغيرها من المنعكسات السلبية. 

تلفزيون سوريا

———————-

سوتشي مُعدّلاً بدماء سكّان إدلب/ عروة خليفة

ليس واضحاً إلى أي مدى يمكن الاستمرار في تطبيق الاتفاق التركي الروسي الجديد، الذي جاء ملحقاً باتفاق سوتشي، والذي أعلن عنه رئيسا البلدين يوم الخميس الفائت في موسكو. وقد قرأ وزير الخارجية الروسي نصّ الاتفاق، الذي انتهى عملياً إلى تثبيت خطوط التماس الحالية، على الرغم من التهديدات السابقة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول وجوب تراجع النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، الذي تمّ توقيعه في خريف عام  2018، والتي تضم، بالإضافة إلى معظم محافظة إدلب، كلّاً من ريف حماة الشمالي الذي استولى النظام على غالبيته العظمى خلال المعارك منذ العام الماضي، وريفيّ حلب الجنوبي والغربي.

وتنصّ بنود الاتفاق على إقامة منطقة أمنية مشتركة على طول طريق حلب-اللاذقية (M4)، بعمق ستة كيلومترات جنوب الطريق ومثلها شماله، وتسيير دوريات مشتركة بين موسكو وأنقرة على الطريق. وقامت صحيفة روسية مقربة من الكرملين بنشر خريطة لإدلب بعد الاتفاق، تُظهر أن المناطق الواقعة جنوبه ينبغي أن تشهد انسحاب من أسمتهم «المسلحين»، وهو ما يتطابق مع تحركات قوات النظام التي حاولت التقدم باتجاه قرية فليفل في جبل الزاوية، في حين استمرّ القصف على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار على قرى ريف إدلب الجنوبي الغربي، إذ قصفت قوات النظام أمس قرى كفر عويد وسفوهن وكنصفرة بالمدفعية والصواريخ، وهو ما يؤشر إلى أنّ وقف اطلاق النار عملياً لم يشمل تماماً حتى اللحظة المناطق التي تقع جنوب طريق حلب-اللاذقية، على الرغم من انسحاب قوات النظام من مناطق في محيط بلدة كفرنبل كانت قد استولت عليها بعد دخول وقف النار حيّز التنفيذ.

كان مشهد انتظار الوفد التركي أمام باب القاعة التي ستجمعه بالمسؤولين الروس، والذي أعادت بثّه مراراً قنوات روسية، مشهداً غريباً للغاية، ويبدو أن بوتين يستمتع بمثل تلك التسريبات التي تظهر تفوقه على نظيره التركي، الذي تراجع في العاصمة الروسية عن كل مطالباته التي أطلقها خلال الشهر الماضي، على الرغم من إعلان أنقرة عن عملية عسكرية في إدلب بغية تنفيذها بالقوة. في مثل هذه الظروف، لا يبدو أنّ هناك اسماً آخر غير الهزيمة يمكن يصف ما جرى في موسكو يوم الخميس، إلا إذا أردنا استحضار روح الراحل محمد حسنين هيكل، لنصوغ مصطلحات مواربة لما جرى باعتباره مجّرد «نكسة».

كانت التحركات التركية العسكرية الجديّة ضد النظام قد بدأت بُعيد اقتراب النظام من الحدود التركية مع إدلب، في أعقاب سيطرته على مساحات واسعة من محافظتي إدلب وحلب، شملت مدناً رئيسية مثل سراقب ومعرة النعمان وحريتان وعندان وقبتان الجبل وعينجارة. لكن التحركات، التي شملت إدخال أعداد كبيرة من الجنود دون غطاء جوي يحميهم، بدت تحركات مرتجلة تماماً، وأعطت انبطاعاً أن القوات التركية لم تكن تضع التحرك العسكري في إدلب على أجندتها، بحيث تحرّكت دون أي خطط عسكرية معدة مسبقاً نحو مناطق الجبهات، لتتعرض لخسائر في الأرواح، ما كانت لتمرّ بأي شكل في الداخل التركي الذي فتحت معارضته النار على الرئيس نتيجة تلك القرارات.

هكذا يبدو أن أن أنقرة وقعت في مصيدة المواجهة المباشرة مع قوات النظام، الذي تتمّثل نقطة قوته الرئيسية في أن خسارة المئات من جنوده، وهو ما حصل فعلاً نتيجة الهجمات التركية وهجمات الفصائل المدعومة من أنقرة، لا تتسبب بأي ضغط داخلي عليه على نحو يدفعه إلى إعادة حساباته، في حين أن خسارة تركيا للعشرات من جنودها فقط ستضع حكومتها تحت ضغوطات داخلية كبيرة يصعب احتمالها. ولكن على الرغم من هذا، فإن أنقرة تواصل إدخال أرتال عسكرية تابعة لها إلى إدلب حتى بعد توقيع اتفاق اطلاق النار، بهدف تثبيت الوضع الراهن، والحيلولة دون عودة العمليات العسكرية التي ستفضي إلى مزيد من إضعاف موقفها، وإلى احتشاد مزيد من النازحين السوريين على حدودها.

على الرغم من موافقة تركيا على الحدود الحالية لخطوط التماس في إدلب، إلا أنه ليس واضحاً بعد كم سيستمر هذا الاتفاق، الذي لا يتضمن نصّه أي إجراءات دائمة، ولا يتجاوز كونه اتفاقاً مؤقتاً لوقف إطلاق النار، تم توقيعه بُعيد ساعات من مجزرة ارتكبتها طائرات روسيا في معرة مصرين، راح ضحيتها ستة عشر شهيداً وأكثر من 28 جريحاً بين المدنيين.

إلا أنّ الواضح هو أنّ هذا الاتفاق عنوان لمرحلة جديدة من العلاقة بين روسيا وتركيا، بعد تراجع الأخيرة عن مطالبها سياسياً وعسكرياً، وهو ما سيلقي بالتأكيد بظلاله على دور أنقرة في العملية السياسية مستقبلاً، وعلى قدرتها على فرض شروطها سواءً على موسكو أو واشنطن، التي رفضت يوم الجمعة الفائت تمرير بيان في مجلس الأمن يؤيد الاتفاق الموقع بين الطرفين حول إدلب.

ليس الرفض الأميركي دون معنى بالطبع، الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر، أو أن هذا ما يجب لتخفيف كارثة إنسانية تطال 3.7 مليون إنسان يعيشون في إدلب. لكن قبل كل هذا، ينبغي القول إن «نكسة» تركيا في إدلب ليست هزيمة لقوى الثورة والمعارضة في تركيا، ذلك أن هذه الهزيمة كانت قد وقعت قبل ذلك بكثير، حين تمّ شحن ممثلين عن هذه القوى بالطائرة إلى أستانا للانخراط في المسار الروسي التركي للحلّ في سوريا.

لم يكن مُنتظراً من أنقرة أن تنتصر على نظام الأسد، لكن الآمال كانت معقودة على أن تفضي تناقضات المصالح التركية الروسية إلى نجاة أهالي إدلب من موت مستمرّ تفرضه طائرات موسكو وبراميل الأسد، ونجاة مئات آلاف النازحين من العيش في العراء والموت من البرد، وهو ما لا يبدو أن أنقرة قادرة على فرضه بشكل جديّ. بالمقابل، قد تعني هزيمة أنقرة أمام موسكو في إدلب مزيداً من التضييق على اللاجئين السوريين في تركيا، وتصاعداً في إجراءات الترحيل القسري والتغيير الديموغرافي في الجزيرة السورية وعفرين.

موقع الجمهورية

———————–

إدلب .. محابر من دم/ سميرة المسالمة

أقرّ الاتفاق في موسكو بين الرئيسين، الروسي بوتين والتركي أردوغان، الخميس الماضي (5 مارس/ آذار الحالي)، ما سبق وأنجزته المعارك أخيراً في الشمال السوري من تغييرات مطلوبة لحدود التماسّ بين الجيوش المتصارعة داخل سورية، والتي سبق أن اتفقوا عليها بين السطور في اتفاقات أستانة، وهو الأمر الذي سهّل للنظام السوري، تحت حماية الطيران الروسي، استرجاع أكثر من 170 قرية وبلدة ومدينة، من بين أيدي المعارضة التي تحتمي بتركيا في شقها السياسي وبجيشها ميدانياً، ما يعني أن الخسائر “البشرية” التي منيت بها الأطراف المتصارعة كانت مجرّد محابر دموية لخط خريطة كانت مرسومة المعالم، ومتفقاً عليها مسبقاً بنصوص اتفاقيات أستانة وسوتشي، وهو ما جعل الرئيس الروسي، في كل تصريحاته، يؤكد استمرار فاعلية الاتفاقات المسبقة، والتي تتضمّن شرعنة هجوم روسيا والنظام على كل المناطق الخارجة عن سيطرتهما، سواء تحت حجة مكافحة الإرهاب، أو تحت بند “السيادة السورية ووحدة أراضيها” المقرّة في كل وثائق الاتفاقات الثنائية والثلاثية والرباعية، وحتى في وثائق وقرارات جنيف.

وهذه المعارك، على الرغم من أنها لم تستطع أن تحقق للرئيس التركي، أردوغان، أياً من وعوده العسكرية، وهي لم تكن، بطبيعة الحال، معركة لأهداف سورية خالصة، كما يحاول بعض المتفائلين بالدور التركي أن يزيّنها، ولكنها أدّت دوراً وظيفياً في الداخل التركي، ولو لبعض الوقت، فقد استطاع أردوغان، خلال العملية العسكرية، أن يؤجل حالة الجدل التي تثيرها معارضته بشأن سياساته المتخبّطة في الملف السوري من جهة، ومن جهة ثانية محاولاته إنهاء الصوت المعارض له بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، ومآلاتها السلبية على الواقع المعيشي التركي، وضمنه الاقتصاد الذي شهد تذبذباً غير مسبوق خلال العقود الثلاثة الأخيرة لحكم حزب العدالة والتنمية، وتمكّن أردوغان من الانفراد في السلطة رئيساً في نظام غيّر وجهه من برلماني إلى رئاسي بنسبة 51.41%، وهي الأقل في تاريخ لجوء أردوغان إلى الشعب التركي كحكم على سياساته. أي أن دخول الجيش التركي مرحلة الاستعداد لحرب “متوقعة” أثمرت ما يمكن تسميته تجييش الشعب، وجعله صفاً واحداً خلف إرادة جيشه، وانتزاع، ولو إلى حين، ما كان يتم تداوله بشأن انقسامات داخلية سياسية، كانت قد تؤدي إلى خسارة كبيرة لأردوغان وحزبه مستقبلاً، وهذا ما يجعل أردوغان، إلى حد ما، مقتنعاً بأنه لم يخسر على كل الجبهات، كما هو “الواقع الحاصل”، على الرغم من إخفاقه في تليين موقف بوتين لجهة القبول باجتماع رباعي مع فرنسا وألمانيا، وما كان يمكن أن يحقّقه أردوغان في فتح الحوار من جديد مع أوروبا حول مطالبه، أو حتى في إقناعه بالعودة إلى اجتماعاتهم الثلاثية مع إيران، واكتفى بما أعلن عن وقفٍ “هش” لإطلاق النار، يمكن أن ينظر إليه السوريون بإيجابية لجهةٍ إنسانية فقط، وهي تقليل عدد الضحايا الحاليين من السوريين العزّل، الذين تحوّلوا إلى مجرد أعداد يفاوض عليها أحياء وأمواتاً، ويعاد تدوير مأساتهم مع كل اتفاق، وفي كل خلاف.

تابعت المعارك في الشمال السوري، وإدلب تحديداً، ما أسست له معارك سابقة، في حمص والغوطة وريف دمشق والجنوب، من عمليات التغيير الديمغرافي في سورية، وهي إن هجّرت ما يقرب من مليون، وغيّرت وجه المدن والقرى التي هجروها، وحوّلتها إلى أثر بعد عين، كما حال معالم كل مناطق سورية التي نادت بالحرية والكرامة، وسط صمت دولي مريب، لا تغير أثره بضع تصريحات تنوح على واقع السوريين، ما يجعل ما تفعله اليوم اليونان على حدودها مجرّد تفصيل صغير في حقيقة الموقف الدولي من المذبحة السورية التي يشهدها العالم بالصوت والصورة، ولا تزال حفلة البث المباشر مستمرة، على الرغم من الاتفاق المهلهل لثنائي أستانة، الذي سرعان ما سيتم الانقضاض عليه، وتوسيع رقعة الأراضي المقضومة لمصلحة روسيا، وتسجيل أسماء جديدة على قائمة الضحايا، وبين أعداد المهجرين مستقبلاً.

في ظل ذلك كله، وضعت حكومات أوروبا مواثيق حقوق الإنسان في أدراج حرس حدودها، متحدّية تاريخها الإنساني، وادعاءاتها المتعاطفة مع أزمات الشعوب، وبرّرت ذلك بنقض تركيا التزاماتها في اتفاقية الحد من الهجرة غير الشرعية، وهو السرّ وراء القرار الجديد بمنع الإبحار للمهاجرين عبر بحر إيجة، بعد أن أطلقت العنان لهم، وفتحت أمامهم بعض الأمل في أن يتجاوزوا واقع معاناتهم، سواء في إدلب أو بعض مناطقها التي كانت تحت قصف النظام، أو

قبلها تحت حكم جبهة النصرة وأمثالها، ولاحقاً في تركيا تحت وطأة العوز والحاجة، ما يجعل السؤال مشروعاً، على الرغم من أن المهاجرين استخدموا أدوات في معرض المفاوضات وتحسين شروطها، سواء من تركيا أو من روسيا المستفيدة الكبرى في عملية التهجير الأخيرة.

لماذا اختار السوريون أن يعيشوا مأساة طرق التهجير، بحراً وبرّاً، على التوجه إلى مناطق النظام، أو حتى الاستقرار في تركيا؟ أي أن الخيارات المتاحة لهم كانت بين الموت تحت التعذيب والفقر عند النظام السوري، أو الموت بحثاً عن إقامة تركية ولقمة عيش، وتقديم أوراق اعتمادهم “كبشر” عند بعض الأتراك الرافضين وجودهم، انطلاقاً من قناعات أيديولوجية أو من تجاذبات سياسية، أو حتى رغبة في منعهم من مزاحمتهم في بلدهم على لقمة عيش في ظروف اقتصادية خانقة.

التحدّي الأوروبي المعلن اليوم في وجه تركيا، في ما يتعلق بورقة الضغط التركية الخاصة باللاجئين، أسقطتها ورقة التهديد الأوروبية باعتبار أردوغان ميسراً للهجرة غير الشرعية، في حال استمرّ بالتهديد بفتح حدوده أمام الراغبين في الهجرة، ما يعني أن الحدود الآن ستغلق بإرادة الطرفين، وأن البنادق الأوروبية التي تسدّد نيرانها باتجاه صدور اللاجئين لن تكون فقط يونانية، أي أننا قد نكون أمام إنتاج حالة جديدة بين حدود البلدين، تعيدنا إلى فيلم “الحدود”، أبطالها من دم ولحم غرّر بهم، وقادهم حلمهم وحسن ظنهم كي يعبروا النهر والبحر، ليكون مصيرهم العيش بين تركستان ويونستان، من دون أن يتعاطف معهم جندر ما من هنا أو بوليس من هناك.

العربي الجديد

————————————–

نجاح “اتفاق موسكو” بشأن سوريا رهين الدعم الدولي/ رانيا مصطفى

جاءت نتائج قمة موسكو الخميس منطقية وطبيعية، مقارنة بالظروف الموضوعية، من تصعيد متبادل، ورفع سقوف المطالب، دون تخلي الطرفين التركي والروسي عن تحالفهما، وافتعال الأتراك أزمة اللاجئين على الحدود التركية مع أوروبا، مع تحرك دبلوماسي أميركي وأوروبي، ضغط باتجاه التوصل إلى الاتفاق الأخير، دون تورّط حلف شمال الأطلسي (الناتو) في دعم الطرف التركي.

تلخّصت نتائج القمة بثلاثة بنود، وهي وقف إطلاق النار في خطوط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وإنشاء ممر أمني بعمق 12 كيلومترا، على جانبي الطريق الدولي حلب – اللاذقية “إم – 4″، وتسيير دوريات مشتركة روسية – تركية بين ترنبة غرب سراقب وعين حور في ريف جسر الشغور على الطريق السريع.

ومنذ قصف قوات النظام، بدعم وتخطيط روسي، للجنود الأتراك، ومقتل العشرات منهم، في الـ27 من فبراير الماضي، صعّد الأتراك من تصريحاتهم ضدّ النظام، وهدّدوا بعمل عسكري بعد انتهاء مهلة الأيام المتبقية من فبراير.

واتسم التصعيد التركي بسمة استعراضية؛ سواء ما تعلق بمطالبة النظام بالعودة إلى ما وراء خطوط سوتشي تحت التهديد بعمل عسكري، أو ما تعلق بالعمل العسكري التركي نفسه داخل الأراضي السورية، واستعراض هجوم طائرات الدرون، وإسقاط ثلاث طائرات للنظام، واستهداف تجمعات جنوده، مع استعادة بعض المناطق من قبل المعارضة المدعومة من أنقرة، وتناوب السيطرة عليها.

وساهمت المعارضة العسكرية والسياسية المدعومة من أنقرة، بدورها في تضخيم أثر التصعيد التركي، وربطه بأهداف الثورة السورية التي تهدف إلى إسقاط النظام السوري؛ فيما تبيّن بنود الاتفاق، والذي لم يحضره أيّ من الطرفين السوريين، ولم توقَّع منه نسخة باللغة العربية، أن السوريين هم الخاسر الأكبر في هذا الاتفاق، الذي مثل مصالح الدولتين الموقّعتين عليه، دون حديث حتى عن ضمان عودة النازحين إلى منازلهم، أو إقامة منطقة آمنة تخصهم، عدا عن ذكرٍ لضرورة “عدم استهداف المدنيين والبنى التحتية تحت أيّ ذريعة”، دون ورود آليات لتحقيق ذلك، خاصة أن الاتّفاق يتضمّن حديثاً عن استئناف محاربة الإرهابيين، ما يعني أن تنفيذه محفوف بالمخاطر.

وفيما تفاءل معارضون باستعادة الفصائل المدعومة من تركيا السيطرة على سراقب، على الطريق الدولي “إم – 5″، والتي ظلت تحت سيطرتهم حتى عشية الاتفاق، وتوجّب عليهم الانسحاب وتركها للقوات الروسية، تطبيقاً للاتفاق، حيث فُتِح الطريق الدولي دمشق – حلب “إم – 5” فوراً؛ وهو ما أنجز من بنود الاتفاق، إضافة إلى وقف إطلاق النار، فيما تنتظر مهمة إنشاء الممر الأمني وتسيير الدوريات المشتركة مهلة انقضاء أسبوع للتنسيق حولها، ما يعني فتح الطريق الدولي الثاني “إم – 4”.

والجزء الذي لم يطبق بعد من الاتفاق، الممر الأمني وتسيير الدوريات، هو الأصعب، وتنفيذه يقع على عاتق الطرف التركي، وهو ما يبدو أنه تكرار لبنود سوتشي في سبتمبر 2018، والتي لطالما تحجّج الروس بتقاعس الأتراك عن تنفيذها، لكن مع انزياح في المنطقة الآمنة، التي كانت في اتفاق سوتشي بعرض 20 كيلومتراً، في ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، ومع إلزام موسكو الأتراك مهلة أسبوع، عليهم خلالها إبعاد الفصائل عن الممرّ الأمني، ومنها فصائل متشددة، وضمان عدم حصول انتهاكات، تحت طائلة حق دمشق في الرد على الاستفزازات، وحق تركيا في الرد على هجمات النظام.

حجم التصعيد العسكري التركي، والتضخيم الإعلامي له، يوحي بأن الأتراك قدّموا الكثير من التنازلات ضمن الاتفاق، خاصة إذا ما أنجزوا مهمة فتح الطريق الدولي من حلب إلى اللاذقية، والتي يبدو أنها تقدم مجاناً للروس والنظام لاستثماره، بعد عجز الأخيرين، طيلة الأشهر الماضية، عن تحقيق أيّ إنجازات عسكرية على محور ريف اللاذقية.

الواقع أن الأتراك، الذين عرّضوا جيشهم، وهو ثاني أقوى الجيوش في حلف الناتو، لضربات موجعة داخل الأراضي السورية، كانوا محدودي القدرة على الحفاظ على الإنجازات؛ لذلك لم تتجاوز معاركهم دور الاستعراض، ولم يتمكنوا من تجاوز الحدود التي يسمح الروس بها، حيث تم قصف القوات التركية حين اقتربت من جبل الزاوية، على حدود التماس الأخيرة، من قبل قوات النظام والروس.

وهم صعّدوا بداية من سقف مطالبهم لجس نبض واشنطن وحلف الناتو، حول مدى تقديمهم الدعم، مستغلين خلاف الأخيرين مع الروس، واستيائهم من دورٍ كبير للميليشيات الإيرانية وحزب الله في معارك النظام في إدلب، عدا عن استخدام الرئيس التركي ورقة السماح للآلاف من اللاجئين باجتياز الحدود إلى أوروبا، ومنع الأخيرة دخولهم، والذين يبدو أنهم سيتحولون إلى ملف سياسي وإنساني للمتاجرة به بين الأطراف اللاعبة في الملف السوري.

وإذا كان التصعيد والتضخيم للحملة التركية ضمن الأراضي السورية هو جزء من بروباغندا داخلية تخص الرئيس التركي وحزبه، إلا أنه حصل بالنهاية على أقصى ما كان يريد الحصول عليه، وهو منطقة نفوذ حدودية له، شمال الطريق الدولي، عرضها يزيد قليلاً عن 20 كيلومتراً، والتي يبدو أنه سيتم تجميع المعارضة فيها كجيب جديد يمكن تسميته “درع الربيع” يضاف إلى جيوب “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”؛ وهو ما كان ليتم لولا مغامرة أردوغان بإقحام الجيش التركي في المعارك السورية.

ورغم أن الاتفاق يعطي الأتراك شرعية التواجد في منطقة “درع الربيع”، فإن أنقرة لا تأمن جانب موسكو، خاصة أن في نص الاتفاق ثغرات تمكّنها من خرقه، وأن تركيا تعلم بالنوايا الروسية حول السيطرة على كل الأراضي السورية، فالأتراك دفعوا بكل أوراقهم للحصول على هكذا اتفاق، إذ يبدو أن واشنطن تباركه وتعترف به، وكانت تدفع لإنجازه.

فرض بوتين على أردوغان الذهاب إلى موسكو لعقد الاتفاق، ورفض عقد قمة رباعية تركية روسية ألمانية فرنسية؛ وفي الوقت ذاته، حصل الأتراك على اعترافات من واشنطن على لسان المبعوث جيمس جيفري بحق تركيا بتأمين حدودها، خلال مؤتمر دولي عقدوه في إسطنبول من أجل إدلب.

وما زال الأميركيون وحلف الناتو مستاءين من صفقة “إس – 400” بين روسيا وتركيا، لكنهم يريدون التهدئة في سوريا، ووافقوا على بعض المكاسب التركية، رغم رفضهم لأيّ دور تركي أو إيراني في سوريا، وهم يتحدثون عن إمكانية إقامة منطقة حظر طيران في إدلب، بقرار دولي.

لذلك يبدو أن الموقف الأميركي، غير الداعم، فعلياً لتركيا، بقدر ما هو يدعم إنهاء ملف الحرب في سوريا، هو الضامن الحقيقي لإمكانية تنفيذ الاتفاق وصموده؛ وهو ما سيعتبر إنجازاً لروسيا وواشنطن أيضاً، يستبق جلوسهما على طاولة مفاوضات الحل السياسي في سوريا.

كاتبة سورية

العربي

—————————————-

اعتقلونا وجردونا من ثيابنا”.. شهادات لاجئين عادوا من اليونان إلى تركيا / ميزر كمال و عفاف الحاجي

تختلف جنسيات اللاجئين هنا في تركيا، لكن تتشابه رحلة لجوئهم في كونها حلماً تحول إلى كابوس.

بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، تمنع الشرطة اليونانية اللاجئين العالقين على حدودها مع تركيا من العبور إلى داخل اليونان.

 وبعد ليلة الجمعة (6-3-2020) القاسية على معبر بازار كولي (كاستانييس) قررت السلطات التركية إيقاف توافد آلاف المهاجرين القادمين من مدينة إسطنبول إلى المعبر، واحتجازهم هناك ومن ثم نقلهم إلى الشريط الحدودي غير الخاضع للرقابة من الجهة التركية والمتمثل بنهر مريج (إفروس) الفاصل بين تركيا واليونان، وتركهم هناك، أو نقلهم في باصات خاصة إلى مدينة إسطنبول.

بوابات الحالمين بالعبور

حديقة (مراد باشا) في منطقة أكسراي في مدينة إسطنبول تعد إحدى التجمعات الرئيسية للاجئين الذين يريدون الذهاب إلى الحدود التركية اليونانية. هناك يتجمع يومياً المئات منهم للانطلاق في باصات خاصة تقف بالقرب من الحديقة، لنقل الراغبين بالذهاب إلى ولاية أدرنة، حيث بوابات الوصول إلى أوروبا المغلقة.

اللاجئون هناك من جنسيات كثيرة، القليل منهم كانوا من السوريين، والغالبية للجنسيات الأفريقية من الصومال والمغرب والجزائر، وآخرون من إفريقيا لكننا لم نستطع التعرف على جنسياتهم، وكذلك رأينا عراقيين وإيرانيين وأتراك يركبون في الباصات إلى الحدود، وأيضاً لاجئون من بنغلادش.

بالنسبة إلى عدد من هؤلاء اللاجئين، لم تكن الرحلة المنتظرة إلى الحدود التركية اليونانية هي رحلتهم الأولى، فبعضهم جرب العبور خلال هذا الأسبوع مرتين أو ثلاثة، لكنه عاد بعد أن فقد كل ممتلكاته (حقائبه وجهاز هاتفه وجواز سفره وبقية أوراقه الثبوتية). ومن استطاع العبور إلى اليونان، ألقت القبض عليه الشرطة اليونانية وجردته حتى من ثيابه واعتدت عليه بالضرب وأعادته قسراً إلى تركيا.

كابوس العبور إلى اليونان

قابلنا عبد الفتاح ملقي (17 سنة) وهو لاجئٌ من مدينة حلب، نزح من سوريا عام 2015، وهو أحد الذين عبروا إلى الجانب اليوناني وتعرض للحجز والضرب وأُعيد قسراً إلى تركيا.

يروي ملقي تجربته، “أوقفتنا الشرطة اليونانية، بعد أن مشينا في العمق اليونانية مسافة 10 كيلومترات، هنالك اعتقلنا العناصر في إحدى القرى اليونانية، وبدأوا بضربنا، وانا تعرضت للإصابة في قدمي، وكذلك جردونا من ثيابنا ونقودنا، وأنا أخذوا مني 200 دولار كانت معي، وكذلك أخذوا تليفوني”. يضيف ملقي: “بعد أن اعتقلتنا الشرطة اليونانية أخذتنا إلى النهر، وألقتنا في النهر، كان معنا طفل صغير أسمه مصطفى، مات غرقاً، لا نعرف كيف حدث هذا، ألقوا علينا قنابل غاز مسيل للدموع، والناس بدأت بالهروب إلى النهر، كان معنا أحد الأشخاص لم يكن يعرف السباحة، وعندما بدأ بالغرق حاولنا إنقاذه، وعندما سحبناه إلى الأرض، أعادت الشرطة اليونانية إلقاء قنابل الغاز علينا، لم نكن حينها نرتدي الثياب”.

ويكمل عبد الفتاح ملقي سرد ماحصل معه، “عندما وصلنا إلى إحدى القرى التركية أعطونا ثياباً”، إلا أن المحنة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تعرض عبد الفتاح ومن معه للسرقة،  “سائقو الباصات الكبيرة جميعهم كذبوا علينا، لقد استغلونا وطلبوا منا مبالغ كبيرة لإيصالنا سواء عندما ذهبنا إلى أدرنة أو عند عودتنا إلى إسطنبول، لقد طلبوا مني 150 ليرة، ليس أنا فقط، بل فعلوا ذلك مع 9 أشخاص كانوا معي”.

يتحدث ملقي عن أربعة أتراك كانوا مع مجموعته في رحلة اللجوء، وأيضاً أشخاص من الجزائر وفلسطين، وحدثنا أيضاً عن نيته بالرجوع مرة أخرى، فهو سيحاول دخول أوروبا مجدداً، وعندما سألناه عن السبب قال: “هنا في تركيا الوضع صعب جداً، لا أستطيع احتمال الطريقة التي أعيش فيها هنا، أعمل منذ أن نزحت من حلب إلى إسطنبول في مطعم شاورما، وصاحب المطعم يعاملني بطريقة جيدة، لكنني لا أفعل أي شيء غير العمل، أعمل من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، وهذا متعب جداً، أريد حياة أفضل من هذه”.

الباصات التي تنقل اللاجئين من اسطنبول إلى أدرنة

تختلف الجنسيات وتتشابه المأساة

تختلف جنسيات اللاجئين هنا في تركيا، لكن تتشابه رحلة لجوئهم في كونها حلماً تحول إلى كابوس. يونس محي الدين عبد القادر (32 سنة) لاجئ عراقي من مدينة الموصل، غادر البلاد عام 2016 وتنقل في رحلة نزوحه إلى أماكن كثيرة حتى استقر به الحال في مدينة إسطنبول، ومنها بدأ يجرب حظه في العبور إلى أوروبا.

يونس الآن بلا أوراق ثبوتية، كحال الكثيرين ممن عبروا إلى اليونان وعادوا بعد تجربتهم القاسية: “عندما عبرت اعتقلني الجيش اليوناني، وأخذوا أوراق ثبوت جنسيتي العراقية، وتليفوني ونقودي، لم يتركوا معي شيئاً، حتى ملابسي أخذوها، لقد اعتقلوني على الحدود وضربوني وأعادوني إلى تركيا، هذا ما حدث، لا يسمحون لأحد بالعبور”.

يؤكد يونس أن الأمن اليوناني يتعامل بعنف مع اللاجئين: “يضربون النساء والأطفال، ضربونا بقنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص، من أجل منعنا من المرور، بقينا هناك لعدة أيام بلا طعام، لقد عاملونا بطريقة سيئة، لقد رمونا في النهر”.

جاء يونس محي الدين من ولاية جوروم الواقعة بالقرب من البحر الأسود في الشمال التركي: “عندما سمعت أن الحدود فُتحت للهجرة إلى أوروبا جئت إلى إسطنبول، وبالنسبة للأتراك فقد ساعدونا للعبور إلى اليونان، لكن في اليونان ضربونا وأخذوا ممتلكاتنا وأعادونا مرة أخرى إلى تركيا”.

سألنا يونس عن سبب هجرته من العراق فقال: “الجميع يعرف أوضاع العراق، نتخلص من وضع ندخل في وضع أسوأ، حادثة غرق العبارة في الموصل ذهب ضحيتها 500 إنسان، والآن التظاهرات، ماذا أفعل بالعراق؟ لقد هُجرت إلى عدة مناطق قبل الوصول إلى تركيا”.

عشرات العوائل تنتظر حالياً في حديقة (مراد باشا) من أجل الذهاب إلى الحدود، وتصر على البقاء رغم التحذيرات من العائدين، لكن لا خيار أمامها سواء أمل العبور إلى أوروبا، عبر البوابة اليونانية، وهذا الحال ينطبق على بقية التجمعات في مناطق إسطنبول الأخرى.

الوضع الإنساني في تلك التجمعات مأساوي للغاية، فاللاجئون هنا ينامون في العراء، ويتوسدون حقائبهم الصغيرة التي يحملون فيها أمتعتهم البسيطة، التي تمثل كل ما يملكونه في رحلة لجوئهم الطويلة من بلدانهم التي فروا منها بسبب الحرب والفقر، لكن الأمل بالعبور إلى حياة أفضل يتضاءل مع تصاعد الأزمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

اليونان من جهتها أعلنت على لسان  رئيس وزرائها كيرياكوس ميتسوتاكيس موت الاتفاق الذي أُبرم عام 2016  بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وأوقف مد موجات الهجرة من تركيا إلى أوروبا، واتهم ميتسوتاكيس أنقرة بتسهيل التدفّق المستمرّ لآلاف المهاجرين على الحدود.

درج

—————————————–

خريف أردوغان .. بعد “درع الربيع”/ زهير قصيباتي

ما الذي سيجنيه السوريون في إدلب من “الممر الآمن” الذي تعهده الجيشان الروسي والتركي بعد قمة فلاديمير بوتين – رجب طيب أردوغان؟ “درع الربيع” تحولت إذلالا للرئيس التركي الذي أحبط الكرملين محاولة التفافه على بوتين، حين اقترح الأول قمة رباعية مع فرنسا وألمانيا، ثم أطلقت طهران بالون اختبار بعرض قمة تركية إيرانية سورية، مفتاحا للتطبيع بين دمشق وأنقرة من بوابة وقف النار في إدلب، بشروط النظام السوري.

صحيح أن بوتين منح أردوغان فرصة لحفظ ماء الوجه، بدعوته إلى موسكو بعد تلكؤ وتردد متعمدين لإبلاغه أنه ليس وحده من يقرر ضرورات عقد قمة وموعدها، والصحيح كذلك قبل أن يتجدد خلاف متوقع بين الروس والأتراك على خارطة “الممر الآمن”، أن الرئيس التركي رضخ لشروط الكرملين بعد ساعات من المفاوضات. فلا النظام السوري سيتراجع إلى خط التماس ما قبل إطلاق أردوغان “درع الربيع”، ولا إصرار الروس على الاستمرار في الحرب على “التنظيمات الإرهابية” يتزعزع، والأهم أن أنقرة اعترفت بعد القمة بوجود هذه التنظيمات في شمال سوريا. ما يعني عمليا، أن دعوة الرئيس التركي شريكه “اللدود” إلى الابتعاد عن طريقه في إدلب، باتت في خبر كان.

بلمحة سريعة عن فصول التكاذب، روسيا التي تحارب الإرهاب وتمدد عمر نظام متهم بحروب إبادة، تتقاسم معه اتهامات بارتكاب جرائم، ولا حاجة ربما للتذكير بتفاخر بوتين علنا بعد تدخله العسكري في سوريا بأنها ساحة مناسبة لاختبار أسلحة روسية جديدة. ولا حاجة للتذكير بالضربات الكيماوية التي أبادت مدنيين سوريين تحت ستار الحرب على الإرهاب. إنه حليف الكرملين الذي صمد بالغارات الروسية وبراميل البارود، وبميليشيات “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله”، وبمرتزقة من باكستان وأفغانستان، حرصا على السيادة السورية.

الضلع الآخر في المثلث، إيران سعت إلى حماية المراقد الشيعية وانتهت إلى إنشاء ضاحية جنوبية أخرى تطوّق دمشق. لم تكذب طهران في حمايتها النظام السوري بمعارك “الممانعة”.

أما حصة أردوغان من اقتسام التكاذب مع الروس والإيرانيين، فلا يمكن تجاهلها، وهو الذي يعلنُ أنه يلبي نداء من الشعب السوري للتدخل، فيما يلبي المعسكر الآخر طلب نظام الأسد، وكلهم حريص على السيادة السورية. ألم يكن ذا دلالة تطوع أردوغان عشية لقائه بوتين بتذكير الأخير بأن له على الأرض السورية، قاعدتي طرطوس وحميميم، وله ما يشاء، فلماذا يعترضه في إدلب؟

يغيب القرار العربي عن المذبحة الكبرى في سوريا. كل شيء مباح للروس والإيرانيين والأتراك، ومعهم الإسرائيليون الذين يتفهم الكرملين حربهم على ميليشيات طهران وحلفائها.

بين الجميع، وحده أردوغان يشكو من الجميع. وإن كان آخر معاركه الصغرى التنديد بجامعة الدول العربية لأنها رفضت لفظيا التدخلات الخارجية في سوريا. فبين مآثره وهو ينادي بحماية المدنيين في هذا البلد، أنه وجه ضربة كبرى إلى صدقية من يقاتلون النظام وبينهم الجيش السوري الحر، حين استخدم آلافا منهم للقتال في ليبيا، فالتصقت بهم صفة المرتزقة. بديهي أن كل الأسئلة تسقط حين يتبين أن أردوغان من حيث لا يدري، قدم خدمة بما فعل، للنظام في دمشق، وخدمة أخرى للروس، إذ خلصهم من عناء “استئصال” كثيرين في إدلب.

وإن كان التراشق بالاتهامات بين موسكو وأنقرة حول خرق اتفاق سوتشي، يقدم مثالا آخر عن فصول التكاذب في مأساة سوريا والاتجار بمعاناة شعبها يمينا وشمالا، لا تكتمل الحقائق إلا بتساؤل آخر عمن يكذب في “معركة اللاجئين” والمشردين: أردوغان أم كل دول الاتحاد الأوروبي؟ وإن لم يكن المال لإغاثة النازحين هو ما يعني الرئيس التركي في المواجهة مع الأوروبيين، هل يقنع نفسه بقدرة الاتحاد على الضغط لإرغام بوتين على إنهاء المذبحة وفرض حل سياسي في سوريا، أيا تكن رغبة الأسد؟

الجواب لا هذا ولا ذاك، ومشهد تبادل اللكمات في البرلمان التركي يرسم واقع الانقسام في تركيا على مشاريع التدخل في سوريا وليبيا وغيرهما. باختصار نزاعات موسمية مع الأوروبيين واستعداء للعرب وخلافات مع الروس الذين يديرون المذبحة وفصول التكاذب بشروطهم.

وأما الأميركيون الذين أخفوا الشماتة بأردوغان، المتشاطر حينا مع موسكو وحينا آخر مع واشنطن، وتعاطفوا معه بعد سقوط العشرات من العسكريين الأتراك قتلى في شمال سوريا، فلعلهم لم ينسوا بعد كم مرة هددهم الرئيس المشاكس بإغلاق قاعدة أنجرليك، قبل أن يتجاهل مطلبهم عدم شراء منظومة الصواريخ الروسية أس- 400.

في زمن المواجهة، استدار أردوغان ليطلب من الإدارة الأميركية تزويده صواريخ باتريوت! وكلما استدار سريعا يلهث وراء مزيد من التهور.

كاتب وصحافي لبناني

العرب

————————

في إدلب… الخيار الوحيد هو انتظار الموت

غالبية سكان الإقليم من المدنيين… ويأملون في وقف الهجوم بالهدنة

إدلب: كارلوتا غول

قبل الحرب في سوريا، كانت مدينة إدلب بطرقاتها التي تصطفّ على جانبيها الأشجار والمباني الحجرية البيضاء، معروفة بهوائها العليل الهادئ. واليوم، فإن تلك المدينة تفيض بالعائلات التي فرت من الحرب من مناطق أخرى من سوريا، مما أدى إلى تضخم عدد السكان الذي تجاوز المليون. أولئك الذين لم يجدوا مأوى، وجدوا ملاذاً في ملعب لكرة القدم، وهناك عدد أكبر تراهم يصطفون في الخارج للحصول على المساعدات الغذائية. وقد اعتاد السكان على القصف لدرجة أن أحداً لم يعد يشعر بالرجفة القديمة عند سماع صوت انفجار. لكن الأسوأ لم يأت بعد في آخر مدينة تسيطر عليها المعارضة السورية.

إلى الشمال (من إدلب)، يعيش ما يقرب من مليون شخص على جوانب الطرق وفي بساتين الزيتون في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الحرب السورية الوحشية التي استمرَّت نحو تسع سنوات. إلى الجنوب والشرق، تتمركز قوات الحكومة السورية المدعومة بالطائرات الحربية الروسية على بعد خمسة أميال فقط. وعندما يصلون إلى مدينة إدلب، فمن المحتمل أن يفرّ عدد سكانها البالغ عددهم حالياً نحو مليون نسمة، مما يضاعف من أعداد النازحين في الشمال. وقد حثّ جرّاح العظام حكمت الخطيب، والديه، على الانتقال إلى الشمال، لكن عندما قُصفت البلدة قررت والدته البقاء.

وقال الخطيب: «لقد صدمني كلامها؛ أن الخيار الوحيد هو انتظار الموت».

قمت بزيارة إلى إدلب مع مصور ومترجم فوري، الأربعاء الماضي، عبر الحدود من تركيا. رافقنا عمال الإغاثة من جمعية خيرية سورية وأعضاء في جماعة متطرفة هي «هيئة التحرير الشام» التي تسيطر على المحافظة. وجدنا 100 أسرة في مخيمات داخل الاستاد الرياضي، بعد أن تحول إلى ملجأ للطوارئ. كانت أمينة سحلول تجلس على الأرض حول موقد في غرفة كبيرة تحت الأرض مخصصة للنساء والأطفال. كانت قد وصلت قبل ساعات، فراراً من قريتها في جوف الليل، متشبثة بأحفادها الخمسة خلف ابنها على دراجة نارية. قالت: «لقد خرجنا بسبب الغارات الجوية. بدأوا بإلقاء القنابل العنقودية التي كانت مثل النار تتساقط من السماء».

لم يكن هناك تهاون في التعامل مع سكان محافظة إدلب، حيث شقّت قوات الرئيس بشار الأسد، المدعومة من القوات الجوية الروسية، طريقها إلى الأمام بعد أن هدمت البلدات والقرى في جنوب وشرق المحافظة بضربات جوية على سبيل العقاب. وبدا وقف إطلاق النار الخميس الذي أعلنته تركيا، التي تدعم قوات المعارضة السورية، فيما تدعم روسيا الحكومة السورية، قراراً ساري المفعول حتى الجمعة، لكن القليلين يعتقدون أنه سيستمر. وأصر الأسد على أنه سيواصل هجومه لاستعادة إدلب، وتعهدت المعارضة بالمقاومة.

وزادت حدة التوتر في ملعب كرة القدم، عندما وردت أنباء عبر الراديو عن أن الطائرات الروسية باتت قريبة، مما جعل الجميع يحدقون في السماء في رعب.

وعندما سقطت قذيفة مدفعية على حي مجاور، كان من الغريب أنه لم يأبه لها سوى قلة من الناس، فقوات الحكومة السورية تطلق الصواريخ طوال الوقت. لكن عندما تبدأ الطائرات الروسية في شن هجوم، فإنها تستخدم القوة الساحقة، وتطلق القذائف بغزارة لتجبر الناس على الفرار خلال دقائق. وقال حسن يوسفي بينما يسير حول ملجأ الرجال في الملعب: «كلما سمعت صوت طائرات أبدأ بالركض كالمجانين، أفقد عقلي. عشت بجانب الطريق السريع لمدة 45 عاماً. قتل أخي بعد أن قصفنا الروس».

– مدنيون ومتطرفون ومعارضة

تسير الحياة خارج الملعب كالمعتاد. فالشوارع مزدحمة بالسيارات والدراجات النارية والنساء تمشي في شارع التسوق الرئيسي. لكن المدينة لا تنعم بالكهرباء سوى لساعتين يومياً، وكثيراً ما ترى الأولاد يبيعون البنزين في عبوات بلاستيكية على نواصي الشوارع.

كانت إدلب بعيدة عن سيطرة الحكومة طوال فترة الحرب، واليوم تخضع بدرجة كبيرة لسيطرة لجماعة «هيئة تحرير الشام» المتطرفة. ولكن عدداً محدوداً من المسلحين وجود في الأفق في مدينة إدلب، عاصمة المقاطعة، الأربعاء. يقف ضباط الشرطة الموالون للمعارضة كحراسة خارج مكتب المحافظ ومركز الشرطة، لحمل عبء القتال منذ الأيام الأولى للثورة. وتحمل لوحات الإعلانات المنتشرة في جميع أنحاء المدينة ملصقات لامعة للمقاتلين تدعو الناس للانضمام إلى القتال لأنه «لا شرف من دون الجهاد» كما يقول ملصق قرب نقطة تفتيش.

وقال أبو أحمد محمد، المتحدث باسم «جماعة تحرير الشام»، إن انهياراً حدث خلال الشهر ونصف الشهر الماضي. لكنه أضاف أن النظام السوري فقد كثيراً من الجنود بأعداد فاقت خسارة المعارضة، واضْطُرّ لجلب مقاتلين تدعمهم إيران لاستعادة مدينة سراقب الاستراتيجية التي تغيرت السيطرة عليها عدة مرات خلال الأسبوعين الأخيرين.

لكن معظم سكان الإقليم البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة، هم من المدنيين، وقد أصابهم اليأس من إنهاء العنف، فهم يتشبثون بالأمل في أن يؤدي نشر تركيا المتزايد لقواتها في المدينة إلى وقف الهجوم عليهم. وقال عبد الرزاق، رئيس قسم الإغاثة الطارئة في جمعية «فيوليت» الخيرية السورية، إن «أي شيء يجعلنا نشعر بالأمان أو يخلصنا من النظام أمر جيد للغاية».

وكان فريقه يتولى مساعدة الناس على الفرار من القرى على الخطوط الأمامية، ويعدون السكان للفرار في حالة حدوث إجلاء جماعي للمدينة.

على بُعد ساعة بالسيارة إلى الشمال من المدينة، تزين الخيام الزرقاء والبيضاء التلال الصخرية وبساتين الزيتون في المنطقة الحدودية.

وقد انتشرت مخيمات تضم آلاف العائلات النازحة منذ الأيام الأولى للحرب، وعلى مرّ السنين تحولت إلى مستوطنات سكنية مبنية من الخرسانة بمساعدة أجنبية انضم إليهم مئات الآلاف من الأشخاص خلال الأسابيع الستة الماضية، حيث قاموا بنصب الخيام بجانب الطرق، وبين الحجر الجيري الصخري المنبثق من قطاع مزدحم بالسكان على طول الحدود التركية. وهناك تؤوي المساجد والمدارس والمتاجر والمصانع الفارغة كثيراً من العائلات.

– مثل الكلاب الضالة

وحتى تلك المناطق غير آمنة، فقد هربت امرأة تدعى أم عبد الله من قريتها، منذ ثلاثة أشهر ولجأت مع أسرتها إلى مصنع للطوب القديم خارج بلدة معرة مصرين. ويوم الاثنين، كانت أم عبد الله تقوم بجمع الأعشاب مع اثنين من أطفالها، عندما سمعت صوتاً مثل الطيور ونظرت لترى صاروخين يسقطان من السماء باتجاهها. قالت: «لقد وضعتُ الأطفال على الأرض وغطيتهم بجسدي. يُقال إن استلقيتَ على الأرض لا تصيبك الشظايا». فقدت وعيها وأصيبت ابنتها البالغة من العمر 18 شهراً، لكن الثلاثة نجوا. وفي ملجأ للطوارئ بالقرب من الحدود التركية، تحدثت عالية عبراس (37 عاماً)، قائلة: «هل تعرف معنى النزوح؟»، وأجابت: «أن تصبح مثل الكلاب الضالة».

وقالت إن رجال الإنقاذ استغرقوا ساعتين ونصف الساعة لانتشالها هي وأطفالها الثلاثة من تحت أنقاض في منزلهم، في بلدة أريحا، قبل شهر. كان الوقت منتصف الليل، ولكنهم تركوا في الشارع بجانب منزلهم المدمر لأنه كان لا يزال هناك آخرون يتعين إنقاذهم. وقد أصيب الحي بأكمله حول المستشفى الرئيسي. وقالت: «قضينا يومين في الشارع حتى عثر علينا فريق الإنقاذ التابع لجمعية فيوليت»، ونقلتهم إلى الملجأ الذي يضم 45 عائلة في مركز للتسوق في بلدة سرمدا. قالت: «أتمنى لو أنني متّ تحت الأنقاض وأطفالي معي. لقد فقدنا كل شيء قضيت أنا وزوجي العمر في بناء بيتنا. ونحن نبدأ من الصفر الآن».

في مخيم «النصر»، نصب الوافدون الجدد خياماً على بعد أمتار قليلة من الجدار الخرساني المغطى بلفائف من الأسلاك الشائكة التي تحدد الحدود التركية. أربعة عائلات سكنوا خيمة واحدة أقيمت فوق الصرف الصحي الخاص بالمخيم. لم يكن لديهم خيار آخر، قالوا. خلف الخيمة، تجري مياه الصرف الصحي أسفل التل إلى بركة نتنة. وقالت هناء الميجان، وهي مزارعة وأم لسبعة أطفال: «لن يقبل بها غيرنا. ليس لدينا أموال للبناء». شُرّدت الأسرة مرتين ووقعت في ديون كبيرة بسبب انعدام العمل. قالت: «نحن أقل من الصفر»، قالتها وأنَّبها زوجها. هذه المرة اختاروا العيش على بعد 100 قدم من الجدار الحدودي. سألتُها: «ألا تخشون أن يتعرض المكان للقصف هذه المرة أيضاً؟ هزت رأسها، وأشارت إلى التل المقابل، قائلة: «هنا تركيا».

– خدمة «نيويورك تايمز»

الشرق الأوسط

———————————-

الرابحون والخاسرون من الاتفاق التركي الروسي حول إدلب

أصبح وقف إطلاق النار العسكري ساري المفعول في آخر معقل للمعارضة في سوريا بعد محادثات مكثفة بين “أردوغان” و”بوتين”.

وهناك 3 نقاط رئيسية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره التركي “رجب طيب أردوغان” في موسكو:

1. أوقف الاتفاق جميع الأعمال العسكرية على طول خط التماس في منطقة التصعيد بإدلب بدءاً من صباح 6 مارس/آذار 2020.

2. سيتم إنشاء “ممر آمن” بعمق 6 كم على جانبي الطريق السريع “M4”. وسيتم الاتفاق على معايير محددة لعمل “الممر الآمن” بين وزارتي الدفاع التركية والروسية في غضون 7 أيام.

3. في 15 مارس/آذار 2020، ستبدأ الدوريات التركية الروسية المشتركة على طول الطريق السريع “M4” من بلدة “ترومبا” (2 كم إلى الغرب من سراقب) إلى بلدة “عين حفار”.

دعونا نلقي نظرة سريعة على الربحين والخاسرين في هذه الصفقة.

الرابحون

قوات النظام السوري

كانت السيطرة على الأراضي تتحرك في الأيام الأخيرة بين المعارضة وقوات نظام “الأسد” مع اشتداد القتال في إدلب.

لم يكن النصر مضمونًا بأي شكل من الأشكال لقوات النظام، خاصة مع جهد المعارضة المتجدد الذي كان بمثابة قوة برية فعالة تدعمها المدفعية التركية وطائرات بدون طيار.

تم تدمير العديد من الدبابات، وأسقطت 3 طائرات حربية خلال 72 ساعة فقط، وتشير بعض التقديرات إلى خسائر في قوات النظام بنحو 2000.

كان من الصعب للغاية على قوات “الأسد” الحفاظ على هذi الوتيرة، وتحديداً لأنه لم يعد لديهم القوة البشرية لشن هجمات متزامنة في أكثر من مكان، كما كان ذلك واضحًا عندما ألغى النظام هجوما قبل 3 أسابيع خارج “دارعزة” ونقل قواته الهجومية إلى جنوب إدلب بدلاً من فتح جبهة أخرى.

روسيا

يعطي وقف الأعمال القتالية قوات النظام الاستراحة التي تحتاجها بالضبط. بالإضافة إلى ذلك، كانت روسيا وتركيا تقتربان أكثر فأكثر من الصراع وقد شعرت كلتا الدولتين بذلك.

من الواضح أنه عندما يستخدم الجنود الأتراك منظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف فهم لا يعرفون في الواقع ما إذا كانت الطائرة التي يستهدفونها تقاد بواسطة طيار سوري أو روسي.

وإذا كانوا سيُسقطون طائرة روسية فإن ذلك سيؤدي إلى رد من موسكو.

كان من المحتم أن يحدث مثل هذا السيناريو عاجلاً وليس آجلاً.

وأعطي ذلك روسيا دافعا لإعادة التموضع والحفاظ على علاقاتها مع أنقرة نسبيا في هذه العملية.

تهتم روسيا جدًا بالحفاظ على خط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات والذي اكتمل للتو والذي سيؤدي إلى نقل الغاز الروسي على طول البحر الأسود وجنوب تركيا حيث سيقوم الأتراك بتوزيع الغاز على 15 مليون منزل في تركيا وأوروبا الشرقية.

تركيا

أعطى وقف إطلاق النار تركيا فرصة لحماية جنودها. وبالفعل قتل ما لا يقل عن 35 منهم في إدلب.

بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم أيضًا الحفاظ على علاقاتهم مع موسكو وتأمين مصالحهم في صفقة خط أنابيب الغاز. وليس ذلك فحسب ولكن يمكنهم أيضًا التأكد من أن نظام الدفاع الجوي “S-400” الذي تم شراؤه من موسكو سيصبح حقيقة.

مازالت تركيا بحاجة إلى الخبرة الروسية والتدريب وقطع الغيار للبدء عمليا. ربما لم تكن روسيا مستعدة للمساعدة في ذلك في حال إطلاق هذه المنظومة النارعلى طائرات روسية في سوريا.

كما أن الاتفاق يوفر لتركيا فرصة لمحاولة إعادة بعض اللاجئين إلى وطنهم بضمانات تركية. وسيُنظر إلى ذلك على أنه فوز كبير لـ”أردوغان” محليًا.

الخاسرون

قوات المعارضة

يعرف المعارضون تمام المعرفة أن نظام “الأسد” لم يحترم اتفاق وقف إطلاق النار الوحيد الموقع منذ بدء النزاع.

بدلاً من ذلك، تستخدم قوات النظام هذه الفرص لتحصين مواقعها بطرق لا يمكنها القيام بها أثناء تعرضها للنيران.

هذا يعني أن الصعوبات التي تواجهها المعارضة في إجبار قوات “الأسد” على الخروج ستكون أكثر صعوبة بمجرد أن تتاح لهم الفرصة لجلب معدات جديدة وتحديث تحصيناتهم.

تشعر قوى المعارضة منذ التوقيع على الاتفاقية بأنها تعرضت للخداع حيث أنها تجد نفسها متورطة في صفقة أخرى “لخفض التصعيد” بينما لم يتم الالتزام بحدود أي من صفقات “خفض التصعيد” السابقة .

هذا ما يشعر به أفراد من “الجيش الحر” الذي تدعمه تركيا، والمقاتلون المتحالفون مع “هيئة تحرير الشام” وغيرها من الجماعات المسلحة التي عملت جميعها إلى جانب تركيا.

مرة أخرى، كما حدث سابقًا، كانت كل من تركيا وروسيا ضامنتين لواحدة من صفقات “خفض التصعيد” الفاشلة.

ليس هناك مقاتل من المعارضة أو قائد تحدثنا معه شعر بأن هذا الترتيب سيكون مختلفًا.

اللاجئون السوريون

بينما يبدو الأمر على الورق وكأن نسبة جيدة من المليون لاجئ الذين فروا من القتال في الأسابيع الماضية ستتاح لهم فرصة للعودة إلى ديارهم، فإن الواقع مختلف تمامًا.

بالنظر إلى حقيقة أن نظام “الأسد” لم يحترم أي اتفاق لوقف التصعيد في الماضي، إلى جانب عدم فعل تركيا أي شيئ في السابق لمنع الطائرات الحربية الروسية من قصف المنازل والمدارس والمستشفيات، فإن العديد من اللاجئين سوف يشعرون أنه من الأفضل العيش في خيام أو البقاء في منازل أقاربهم على الحدود التركية بدلاً من العودة إلى خدعة محتملة أخرى تحت ستار “خفض التصعيد”.

في النهاية، من غير المرجح أن تستمر هذه الاتفاقية.

لم يتم البت في النقطة الثانية المذكورة في الاتفاق بشأن “الممر الآمن” بالكامل حتى الآن. ولا يزال يتعين مناقشتها والاتفاق عليها.

أما النقطة الثالثة فهي مشروطة بتسوية النقطة الثانية. إذا لم يكن هناك اتفاق بشأن معايير “الممر الآمن” ، فإن الإشارة إلى من سيقوم بالدوريات في المكان تصبح غير ذات صلة.

وهذا يدل على أنه لم يتم تسوية الكثير في اجتماع يوم الخميس بخلاف أن روسيا وتركيا تريدان منع مسار صراع محتمل يندلع بين قواتهما.

————————–

===================================

===============================

تحديث 10 أذار 2020

———————————–

قمة موسكو..هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار حول إدلب؟

 المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

توصل الرئيسان، التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في لقاء قمة عُقد في موسكو في 5 آذار/ مارس 2020، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب. وجاء الاتفاق الذي قدِّم بوصفه ملحقًا لاتفاق سوتشي لعام 2018، على خلفية التصعيد الكبير الذي شهدته إدلب عقب هجومٍ شنّته قوات النظام السوري وحلفاؤها للسيطرة على الطرق الرئيسة في المحافظة، وتحوّل إلى مواجهةٍ مباشرةٍ مع وحدات من الجيش التركي، بعد تعرّض الأخيرة لهجومٍ أدّى إلى مقتل 33 عنصرًا منها في 27 شباط/ فبراير 2020.

بنود الاتفاق

اشتمل الاتفاق الذي أُعلن عنه، في ختام اجتماع استغرق ست ساعات بين الرئيسين بوتين وأردوغان، وقرأه وزيرا خارجية البلدين في مؤتمر صحفي مشترك، على ثلاث نقاط رئيسة: وقف إطلاق النار ابتداءً من منتصف ليلة 6 آذار/ مارس 2020، وإنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولية حلب – اللاذقية “إم 4″، بعمق 6 كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، وبدء تسيير دوريات مشتركة روسية – تركية على الطريق الدولية من بلدة الترنبة (الواقعة غرب سراقب) وصولًا إلى بلدة عين حور (الواقعة في ريف اللاذقية) بحلول 15 آذار/ مارس.

وفي ملحق خاص، نصّ الاتفاق على التزام البلدين بسيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، والقضاء على “الجماعات الإرهابية في سورية على النحو الذي حدّده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، ومنع تهجير المدنيين وتيسير العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين إلى أماكن إقامتهم، وعلى أولوية الحل السياسي بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، لعام 2015.

الطريق إلى موسكو

يمكن اعتبار اتفاق موسكو محاولة روسية – تركية لإنقاذ التفاهمات التي توصل إليها الجانبان حول سورية منذ انطلاق مسار أستانا مطلع عام 2017، وخصوصًا اتفاق سوتشي لعام 2018 الذي جاء، بدوره، لإنقاذ منطقة خفض التصعيد الأخيرة في إدلب، بعد أن سيطر النظام السوري على المناطق الثلاث الأخرى (في محيط دمشق ودرعا وحمص)، خارقًا اتفاقًا بشأنها تم التوصل إليه في أيار/ مايو 2017.

نص اتفاق سوتشي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام السوري، في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، بعرض يراوح من 15 إلى 20 كيلومترًا. كما نص على التزام الجانب الروسي بضمان عدم القيام بعملياتٍ عسكرية في إدلب، في مقابل إبعاد الجماعات “المتطرّفة” عن المنطقة المنزوعة السلاح، و”العمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية، واستعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018″. كما أكد الطرفان “عزمهما محاربة الإرهاب داخل سورية بجميع أشكاله وصوره”، واتخاذ “إجراءاتٍ فاعلة لضمان نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب”. وتقوم تركيا وروسيا بتسيير دوريات عسكرية منسقة لمراقبة الالتزام بالاتفاق باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة المنزوعة السلاح. وبموجب الاتفاق أيضًا، تنشئ تركيا 12 نقطة مراقبة للجيش التركي في منطقة خفض التصعيد في إدلب، لحماية وقف إطلاق النار.

لم يصمد اتفاق سوتشي أكثر من بضعة أشهر؛ ففي مطلع أيار/ مايو 2019، بدأ النظام وحلفاؤه الروس حملة عسكرية كبيرة في محاولة للوصول إلى الطرق الدولية والسيطرة عليها. وجاء التصعيد على خلفية فشل جولة محادثات أستانا، نهاية نيسان/ أبريل 2019، في التوصل إلى اتفاقٍ بشأن أسماء أعضاء اللجنة الدستورية، التي انبثقت من مؤتمر سوتشي في كانون الثاني/ يناير 2018، ومهماتها وآليات عملها. وتذرّعت روسيا حينها بأن التصعيد الأخير جاء بعد هجماتٍ نفذتها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) أدّت إلى مصرع 22 جنديًا من قوات النظام. وقد اتهمت روسيا تركيا بالمسؤولية عن الإخلال بتعهداتها بموجب اتفاق المنطقة المنزوعة السلاح، وأنها في حاجةٍ إلى تأمين مطار حماة العسكري، وقاعدة حميميم الجوية التابعة لها في ريف اللاذقية، التي زعمت موسكو أيضًا أنها تتعرّض لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة من المنطقة المنزوعة السلاح.

خلال المعارك التي استمرت بين الجولتين 12 و13 من محادثات أستانا (نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس 2019، على التوالي)، تمكّن النظام وحلفاؤه الروس من السيطرة على مساحاتٍ واسعة من منطقة خفض التصعيد، شملت أجزاء واسعة من ريفي حماة الشمالي والغربي وبلداته الكبرى، أهمها قلعة المضيق وكفرنبودة. كما سقطت مدينة خان شيخون الاستراتيجية الواقعة على الطريق الدولية حلب – حماة بعد ذلك بقليل.

وعشية الجولة 13، تم التوصل إلى هدنةٍ جديدة، كرّستها القمة الثلاثية الروسية –

“لا يلبي الاتفاق أيًّا من المطالب التركية، سيما العودة إلى حدود اتفاق سوتشي”

 التركية – الإيرانية في أنقرة في أيلول/ سبتمبر 2019، التي شهدت تحولًا في الموقفين، الروسي والإيراني، من سياسات أنقرة في مناطق شرق الفرات. وأعربت القمة الثلاثية عن تفهمها المخاوف الأمنية التركية في مناطق شرق الفرات، في ظل تهديد الرئيس أردوغان بشن عملية عسكرية كبيرة لإبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تمثل وحدات حماية الشعب (الكردية) مكوّنها الرئيس، عن الحدود السورية – التركية، وإفشال محاولات إقامة جيب كردي في المنطقة. كما أكدت القمة احترام هدنة آب/ أغسطس، والاتفاق على تفاصيل إنشاء اللجنة الدستورية بعد أكثر من 18 شهرًا من المفاوضات والمشاورات.

وكان دافع الروس والإيرانيين إلى تقبّل العملية العسكرية التي بدأتها تركيا في مناطق شرق الفرات في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، هو إخراج الأميركيين، والأوروبيين، وخصوصًا الفرنسيين الذين كانوا يحتفظون بنحو 400 عنصر من قواتهم الخاصة لدعم الأكراد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شمال شرق سورية، وكذلك إخراج السعودية والإمارات اللتين أنشأتا علاقات قوية مع “قسد”، وتوجيه ضربةٍ إلى طموحات الكرد الانفصالية في المنطقة. وقد دفع ذلك كله الروس والإيرانيين إلى عدم معارضة العملية التركية شرق الفرات، بدليل أن وقف إطلاق النار في إدلب ظل صامدًا خلال تلك الفترة، على الرغم من محاولات النظام المحدودة للتصعيد.

وفي 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، توصل الروس والأتراك إلى اتفاقٍ جديد في سوتشي، تعهدت بموجبه موسكو بالعمل على سحب وحدات حماية الشعب (الكردية) من كامل الشريط الحدودي السوري – التركي الواقع شرق الفرات، وتسيير دورياتٍ مشتركة روسية – تركية لضمان التنفيذ. وفي المقابل، أوقفت تركيا عمليتها العسكرية “نبع السلام” التي بدأتها بالتفاهم مع الأميركيين. ولكن ما إن انتهت العملية العسكرية التركية في مناطق شرق الفرات، حتى عادت موسكو إلى التركيز على إدلب في هجوم كبير بدأ في كانون الأول/ ديسمبر 2019.

عملية “درع الربيع”

تمكنت قوات النظام السوري، وحلفاؤها الروس والإيرانيون، خلال الهجوم الذي بدأ منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2019 من السيطرة على مناطق جديدة واسعة في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وريفي حلب الجنوبي والغربي، ومن أهم المناطق التي سقطت بيد النظام في هذه الهجمة الأخيرة: بلدتي معرّة النعمان وسراقب الواقعتين على الطريق الدولية حلب – حماة، حيث تجاوز النظام عددًا من نقاط المراقبة التركية التي أنشأتها أنقرة بموجب اتفاق سوتشي لعام 2018، وقام بحصارها. ومع فشل كل المحاولات التي بذلتها تركيا لدفع روسيا إلى الالتزام باتفاق إنشاء المنطقة العازلة، وإجبار قوات النظام السوري على الانسحاب إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، هدّد أردوغان بإطلاق عملية عسكرية في إدلب، إذا لم تنسحب قوات النظام السوري خلال مهلة تنتهي آخر شباط/ فبراير 2020، وعزّز تهديداته بدفع الآلاف من قواته إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب. وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنه لا يمكن عودة الوضع في إدلب إلى ما كان عليه قبل سنة ونصف، أي عندما وقِّع اتفاق سوتشي. وبناء عليه، تعرّضت القوات التركية التي كانت تساند فصائل المعارضة السورية، في محاولاتها استعادة السيطرة على مدينة سراقب، لهجوم كبير في 27 شباط/ فبراير، أدّى إلى مقتل 33 جنديًا تركيًا في بلدة بليون في ريف إدلب الجنوبي. وردًا على ذلك، أطلقت تركيا عملية “درع الربيع”، التي استهدفت خلالها عشرات المواقع التابعة لقوات النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه؛ ما أدّى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوفها. وقد كان لافتًا امتناع روسيا عن التدخل لصالح حلفائها في المواجهة مع الجيش التركي.

دفعت العملية التركية بوتين إلى القبول بمقترح تركي لعقد قمة روسية – تركية لاحتواء الموقف الذي بدأ يخرج عن السيطرة في إدلب، فوافق على عقد قمة في موسكو، بعد أن كان غير متحمس لأي لقاء مع أردوغان. وكانت كل جولات المفاوضات التي عقدها موفدون روس وأتراك في موسكو وأنقرة فشلت قبل ذلك في التوصل إلى اتفاقٍ لوقف القتال، نتيجة رفض روسيا العودة إلى حدود اتفاق سوتشي، وإصرارها على احتفاظ النظام بمكاسبه على الأرض.

اتفاق مرحلي جديد؟

في صيغته الحالية، لا يلبي الاتفاق أيًّا من المطالب التركية، ولا سيما العودة إلى حدود اتفاق سوتشي التي تعني انسحاب قوات النظام من المناطق والبلدات التي سيطرت عليها منذ بدء الهجوم على منطقة خفض التصعيد مطلع أيار/ مايو 2019. ويغفل الاتفاق أيضًا تفاصيل كثيرة مهمة أخرى، فهو لا يتحدث عن مصير الطريق الدولية حلب – حماة “إم 5” التي سيطر عليها النظام كليًا في الأسابيع الأخيرة، بعد أن استولى على البلدات الرئيسة الواقعة بمحاذاتها، خصوصًا معرّة النعمان وسراقب. وسكت الاتفاق كذلك عن مصير نقاط المراقبة التركية التي يحاصرها النظام، وعددها 12 نقطة، وإنْ كانت ستبقى مكانها أم ستنسحب، وكانت أنقرة هدّدت بشنّ عملية عسكرية لطرد قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، إذا لم يُفك الحصار عنها والانسحاب إلى ما وراءها. وعلى الرغم من أن الاتفاق تحدّث عن عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم، فإنه لم يوضح كيف سيجري ذلك، خصوصا في المناطق التي سيطر عليها النظام. ويبقى أخيرًا سؤال الممر الآمن الذي فرضه الروس بعمق 6 كيلومترات شمال طريق حلب – اللاذقية وجنوبه، الذي يعد أيضًا، بصيغته الحالية، مكسبًا للنظام. وتدفعنا هذه النقاط إلى الاعتقاد أن اتفاق موسكو قد لا يكون أكثر من اتفاق مرحلي آخر، لن يلبث إلا أن ينهار، إلا إذا تمكّن الروس والأتراك من تطويره إلى اتفاقٍ أكثر تماسكًا في إطار حل سياسي شامل للصراع في سورية؛ فبنيته تشبه بنية بقية الاتفاقات التي اعترفت بتقدم النظام والروس والإيرانيين إلى حين خرقها بتقدم جديد.

خاتمة

حتى الآن، تدل كل المؤشرات على أن هدف الجولة الأخيرة من القتال وضع الطرق الدولية تحت سيطرة النظام، وقد تمكّنت روسيا من تحقيق ذلك بالقوة، بخصوص طريق حلب – حماة، بدليل القتال العنيف الذي جرى حول سراقب، وإصرار موسكو على السيطرة عليها لتتحول إلى أمر واقع قبل اجتماع موسكو، في حين نص الاتفاق على فتح الطريق الأخرى، حلب – اللاذقية، أمام حركة المرور والتجارة عبر إنشاء ممرٍّ آمن في مناطق سيطرة المعارضة، وتسيير دوريات مشتركة روسية – تركية لضمان تنفيذه. ولكن هذا لا يمنع أيضًا من القول إن الاتفاق، بصيغته الراهنة، يعكس موازين القوى على الأرض في إدلب، وكذلك الظروف السياسية المحيطة به، فهو، من جهة، يشير إلى أن موسكو ما زالت مهتمةً بالحفاظ على مسار أستانا، باعتباره أداتها الوحيدة لفرض رؤيتها للحل السياسي في سورية. ومن جهة أخرى، وفي إطار استراتيجي أوسع، ما زالت روسيا مهتمة بإبقاء تركيا قريبة منها، وربطها بها باتفاقات حول التجارة والطاقة، وحتى تزويدها بمنظومة صواريخ “إس 400″، ويدل على ذلك امتناع موسكو عن التدخل لحماية حلفائها من الهجوم التركي الواسع الذي جاء في إطار العملية العسكرية “درع الربيع” التي أطلقتها تركيا لوقف تقدم النظام وحلفائه في إدلب، وأوقعت بهما خسائر فادحة. تركيا من جهتها، وعلى الرغم من أنها تحاول الحفاظ على علاقتها ومصالحها المتشابكة مع موسكو، فإنها تمكّنت أيضًا من تأكيد أهمية إدلب بالنسبة إليها من خلال دعمها الناري لقوات المعارضة السورية، ثم دخولها مباشرة في المعارك إلى جانبها، في إشارةٍ إلى استعدادها لتصعيد محسوب دفاعًا عن دورها ومصالحها في سورية.

العربي الجديد

———————————-

لنساعدْ أوروبا المسكينة/ عمر قدور

ليس من سلوك “نموذجي” يتوّج المقتلة السورية مثل الصور والأخبار التي تواردت من الحدود التركية-اليونانية؛ رجالٌ قام حرس الحدود اليونانيون بضربهم وتعريتهم من ملابسهم ودفعهم وراءً، قوارب لاجئين حاول الحرس إغراقها بمن فيها، إطلاق رصاص على بعض الذين حاولوا اجتياز الحدود. أنواع من الوحشية لم تكن تخطر في البال من قبل، والأسوأ أنها مدعومة من القادة الأوروبيين الذين وصفوا اليونان بدرع أوروبا، وتوجهوا بالإدانة إلى أنقرة التي سمحت لهم بمغادرة أراضيها.

قد نقول الكثير مما هو سلبي في حق أنقرة التي فتحت حدودها في الاتجاه الأوروبي، بينما أغلقتها منذ زمن طويل في وجه المهجّرين السوريين الهاربين من وحشية الأسد وحلفائه، خاصة ما يزيد عن مليون مهجّر إضافي في التصعيد الأخير باتت نسبة ضخمة منهم في العراء. وقد نقول الكثير مما هو سلبي في حق السياسات التركية التي على الأقل أخلت بدور أنقرة الضامن في تفاهمات أستانة وسوتشي، وتتحمل تالياً المسؤولية عن جزء من مأساة اللاجئين. أيضاً لا ننسى استخدام ورقة اللاجئين المتواتر من أجل الضغط على أوروبا، ما جعلها في إطار الابتزاز أو التجارة بدل أن تكون نهجاً مدروساً ومتكاملاً لوضع الغرب أمام واجباته السياسية قبل الأخلاقية.

ما سبق ينبغي ألا ينسينا أن أنقرة غير قادرة على ابتزاز أوروبا لو لم تكن الأخيرة ترى في الثمن الذي تدفعه لها أهون الشرور، وهو ثمن غير باهظ كما يُراد تصويره، ولا يُقارن من الناحية الاقتصادية البحتة بالكلفة المترتبة على دول الاتحاد الأوروبي فيما لو تقاسمت بعدالة عبء أولئك اللاجئين على أرضيها. لندع المزايدات الإعلامية جانباً، المساعدات التي قدّمها الاتحاد الأوروبي للاجئين في دول الجوار بخسة من حيث القيمة إذا قارناه بكلفة استضافة نسبة عادلة من هؤلاء في أوروبا، يُضاف إلى ذلك ذهاب نسبة من المساعدات كرشوة لبعض دول الجوار المضيفة، حيث لا نعدم وجود منسوب من الفساد يعرفه الغرب جيداً، فلا يصل إلى اللاجئين سوى جزء ضئيل من المبالغ المعلنة.

إن أحوال اللاجئين في مخيمات دول الجوار تفضح وحدها الهوة الشاسعة بين الأرقام المعلنة والواقع، نحن مثلاً كل شتاء نرى المآسي ذاتها التي تودي بخيامهم، وبحياة أطفالهم، ونرى الأوبئة التي تتفشى بينهم، فوق تردي مستوى التعليم إن لم يكن غيابه نهائياً. أما من ناحية الأمان فنعلم أن أولئك اللاجئين لا يحظون بأي حصانة قانونية، ولا بوضعية اللاجئ بموجب الإعلان الدولي لحقوق الإنسان. هم في غالبيتهم أصحاب إقامة مؤقتة تتيح للدول المضيفة إجبارهم على العودة متى تغيرت سياساتها، وفي الحد الأدنى تتيح لها التضييق عليهم طوال الوقت في حقوق العمل والتنقل وتحيل حياتهم جحيماً.

تعلم دوائر صنع القرار الأوروبية أن ما تدفعه زهيد جداً قياساً إلى واحدة من أضخم الأزمات الإنسانية عبر التاريخ، وتعرف أساليب الفساد التي تتخلل صرف تلك المساعدات، وإذا لم تكن تعلم وجبت مساءلتها لأن الأمر يتعلق بقضية تمس دول الاتحاد مباشرة، وترى بعض نخبها السياسية أنها تمس أمنها القومي أو بنية بلدانها الديموغرافية. بمعنى أن مجمل ما تدفعه دول الاتحاد الأوروبي لا يُقارن بحجم المأساة التي تقع على حدودها، والتي سيكون لها تأثير عليها مهما اتبعت من طرق للوقاية، بما فيها أشدّها خسة وهي التضامن مع انتهاكات حرس الحدود اليوناني.

لتكون المسألة أوضح، لم يرغب السوريون يوماً بمغادرة وطنهم على هذا النحو طمعاً بـ”النعيم الأوروبي”، ولم يكفّوا بالمطالبة عن توفير الحماية لهم في بلدهم. السياسات الدولية التي سمحت ببقاء الأسد واستمراره بنهج الإبادة مع حلفائه هي التي خلقت مشكلة اللاجئين، وأوروبا تتحمل قسطاً من المسؤولية عن بقاء الأسد ونتائجه. لو توفرت النية الغربية للتدخل لأمكن الالتفاف على الفيتو الروسي في مجلس الأمن من خلال القانون الدولي نفسه عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يكفي على هذا الصعيد وصف قضية اللاجئين بأنها سياسية، بل هي قضية تتعلق بالأمن والسلم الدوليين بموجب المخاوف التي لا تتوقف جهات غربية عن إعلانها.

نحن لا نتحدث عن مسؤولية أوروبية في حالة طوارئ، لدينا فرنسا التي تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن، وكذلك إنكلترا قبل انسحابها من الاتحاد، ما يرتّب على أوروبا التزامات للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. على الضد مما هو مأمول، رأينا الرئيس الفرنسي الحالي يوماً يصرّح بألا مشكلة له مع الأسد الذي يقتل شعبه وأن مشكلته مع داعش فقط، وتلك مشكلة سياسية قبل كونها أخلاقية لأن صاحب التصريح يتغافل عن الآثار المستقبلية للإبادة والتهجير على أوروبا نفسها. حتى في الأزمة الأخيرة، انصرف معظم التصريحات الأوروبية إلى إدانة أردوغان وتنصله من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الخاص باللاجئين، ولم نشهد تحركاً أوروبياً لائقاً إزاء تهجير أكثر من مليون سوري جديد جرّاء التصعيد الأخير في إدلب.

الحديث هو عن تجارة وابتزاز لا يقتصران على ما نراه بين أوروبا وتركيا، إنها سلعة داخلية أيضاً صارت حاضرة مع كل موسم انتخابي أوروبي. اليمين بتفرعاته يستخدم قضية اللاجئين ليحملهم مسؤولية التردي الاقتصادي الناجم أصلاً عن الأزمة المالية لعام 2008 وأزمة القوى السياسية التقليدية، والوسط يتجه حثيثاً لإرضاء الناخب اليميني باعتماد خطاب مشابه إزاء اللاجئين. هناك قسم من اليسار يعتمد خطاباً إنسانياً تجاه اللاجئين، وفي الوقت نفسه مؤيد لبشار، أي أنه يتلاقي سياسياً مع اليمين الشعبوي الذي يؤيد بشار ويؤيد ضمناً سياسة الإبادة مع اختلافهما في التعاطي مع نتائجها.

من نتائج تلك التجارة في ملف اللاجئين تسويغ الانحراف يميناً لدى النخب السياسية الأوروبية، درءاً لصعود اليمين المتطرف أو الشعبوي، فتنتهج النخب الحاكمة غير المنتمية إلى اليمين سياسات ترضي الأخير وما يحدث أنه يكسب الرهان سواء فاز في الانتخابات أو خسر. بالطبع، لا ينبغي أن نعوّل على المصادفة لتفسير غياب برامج سياسية جذرية وطموحة داخلياً مع غياب الفعالية الأوروبية في السياسة الدولية، فأولئك الذين يُنتخبون كبدلاء الأمر الواقع عن اليمين المتطرف هم تمثيل للديموقراطية في أشد حالاتها ضعفاً وبؤساً.

لكن، كي لا نبالغ في قراءة ضعف النخب الأوروبية الحاكمة، يجدر بنا الانتباه إلى أن تسويق العجز الأوروبي أصبح سياسة، وصار لها أتباع ومريدين داخل وخارج أوروبا، وكذلك هو الحال مع التخويف من صعود اليمين المتطرف. لقد تجاوزنا وصف “القارة العجوز” إلى أوروبا المسكينة المهددة بالتطرف الداخلي والإرهاب القادم من الخارج، وعلينا مساعدتها في محنتها هذه. علينا لوم أنقرة التي فتحت الحدود مع أنها تستضيف من اللاجئين أكثر من ضعفي ما تستضيفه دول الاتحاد، وعلينا النظر إلى وحشية حرس الحدود اليوناني كإجراء روتيني لحماية أوروبا من “الجراد” القادم من الشرق، علينا العمل بكل ما أوتينا من إمكانيات كي نمنع صعود اليمين المتطرف الأوروبي وتنعم أوروبا بالسكينة والاعتدال، ولو اقتضى ذلك منا بعض التضحيات كأن نموت تحت القصف الروسي والأسدي.

المدن

—————————–

هل تصبح سورية ضمن مصالح “الناتو”؟/ غازي دحمان

ثمّة مؤشرات عديدة عن تحولات في الموقف الدولي تجاه الأحداث الجارية في المنطقة، وخصوصا الحدث السوري، والفاعل المقصود بهذه التحوّلات هو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي بدأت تصدر عنه إشارات، وإنْ غير متماسكة وخجولة، إلا أن تواترها يشي بإرهاصاتٍ قادمة، قد تشكّل متغيراً مهماً في المشهد الإقليمي، والسوري تحديدا.

يأتي هذا التحوّل على خلفية فشل الفاعلين الأساسيين، روسيا وتركيا وإيران، في إدارة الصراع السوري، وتأمين مخارج له تحفظ السلم والأمن الدوليين. وقد أعادت أزمة هجوم روسيا وإيران، وتابعهما نظام الأسد، على إدلب، ربط الحدث السوري بالأمن الأوروبي الذي تشكّل دوله الكتلة الأساسية في حلف الناتو، وذلك بسبب الخوف من تداعيات الهجوم على قضية اللجوء، وما يترتب عنها من احتمالية هز الاستقرار الأوروبي الهشّ، والذي بالكاد استطاع التعافي من أزمة تدفق اللاجئين سنة 2015.

شكّلت اعتراضات مندوبي دول “الناتو”، في مجلس الأمن، على السياسات الروسية في سورية، ما يشبه مقدّمة لهذا التحوّل، أو انقلاباً على ما قيل إنه تفويض غربي (أميركي – أوروبي) لروسيا من أجل تفكيك عقد الأزمة السورية، والوصول إلى حل سياسي مقبول. ومن منطلق هذا التفويض، قبلت الدول الغربية، وإنْ على مضض، خطط روسيا في صناعة السلام السوري المنشود، وخصوصا ما تعلق منها بالأطر الموكل لها إنتاج هذا السلام، من أستانة إلى سوتشي وقرار مجلس الأمن 2254.

وينطوي نعي سفراء دول “الناتو” في مجلس الأمن مسارات التسوية التي صنعتها روسيا على رغبة هذه الدول في العودة إلى الانخراط في قضايا الحل السوري، لما لهذا الأمر من مساسٍ بالمصالح المباشرة للأمن القومي لهذه الدول، بعد أن تركت المجال لروسيا تصمّمه على هواها، واكتشاف أطراف “الناتو” أن روسيا تستثمر الأزمة السورية إلى حد بعيد، في تقوية وجودها في مسرح السياسة الدولية، والذي غالباً ما يتحقّق عبر إضعاف أوزان القوى الغربية في المنطقة والعالم.

ولكن الدول الغربية تدرك أنه، وبعد سنوات الغياب عن المسرح السوري، وبعد أن رسّخت روسيا وجودها، بشكل بات مستحيلا تغيير المعادلة الحالية عبر التهديد، ولا حتى عبر المساومات السياسية، فإن عليها البحث عن صيغةٍ ما تستطيع عبرها فرض تأثيرها ووجودها على روسيا، وذلك لن يتأتّى إلا من خلال دمج مناطق شمال سورية في إطار منظومة أمن حلف الناتو ومصالحه الإستراتيجية، بالنظر إلى تأثير هذه المنطقة على أمن تركيا، العضو، ذي الأهمية الاستراتيجية البارزة في الحلف.

مقدّمات التحوّل المشار إليه برزت من خلال رفض دول “الناتو” الانسحاب من العراق، على

الرغم من طلب البرلماني العراقي هذا الأمر بشكل واضح، وليس خافياً أن هذا الرفض يأتي ضمن خطة أوسع لمواجهة روسيا، بعد أن ظهرت توجهات عن إمكانية حلول روسيا محل “الناتو” في العراق، وما يعنيه ذلك من متغيرات بنيوية خطيرة على مستوى أمن المنطقة وموقع الغرب التأثيري على المستوى العالمي.

والواقع، بات حلف الناتو بحاجةٍ إلى تغيير مقارباته الأمنية، في ضوء المتغيرات الهائلة التي حصلت، في السنوات الأخيرة، نتيجة صعود روسيا لاعباً في المسرح الدولي واستهدافها الحلف الذي تعرض بالفعل لصدوعٍ في بنيته نتيجة الإختراق الروسي له في تركيا، بعد تقاعس الحلف عن مساعدتها في وجه روسيا بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية سنة 2016، وتشكّل التطورات المستجدة في سورية فرصة لتجاوز هذا الاختراق.

لم يصدر عمليا من “الناتو” ما يؤكد اندفاعه في مسار جديد في مواجهة روسيا في سورية، بل أكد أمينه العام، ينس ستولتنبرغ، عدم نيّة التحالف الدخول على خط الصراع التركي الروسي في سورية، كما أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ذهب إلى تأكيد هذا الأمر عبر قوله إن تركيا لم تسمع رداً واضحاً من “الناتو” بخصوص طلبها نشر بطاريات صواريخ باتريوت على حدودها الجنوبية. وفي المقابل، توجد مؤشرات أخرى على أن الأمر يتم طبخه على نار هادئة ضمن دوائر الحلف، حيث تشهد بروكسل لقاءات ومشاورات عديدة بهذا الخصوص، كما توجد تهيئة للرأي العام الغربي بشأن هذا الأمر، ولعل الفيديو الذي نشره الحلف على “تويتر”، بعنوان “تركيا هي الناتو”، واحتوى على تمجيد بطولات الجيش التركي، ينطوي على دلالات بالخصوص.

ويتطلب هذا التحوّل تفاصيل تتعلق باللوجستيات التي يستلزمها تحويله إلى أمر واقع، وهذه ليست مشكلة، على اعتبار أن “الناتو” يملك بنية تحتية جاهزة في تركيا، وأن القضية سياسية بالدرجة الأولى، وليست تقنية، إذ ليس من الصعب تكييف المادة رقم 5 من ميثاق “الناتو”، مع الأوضاع التركية الحالية التي تنصّ على مساعدة الحلف لدوله الأعضاء في حال الاعتداء عليها، ذلك أنه مع التداعيات التي ستسببها أزمة اللجوء إلى دول أوروبا، فإن أمن “الناتو” يصبح في قلب الخطر.

الأرجح أن “الناتو” ينتظر خطوة تركية مهمة، قد نرى تباشيرها قريباً في إدلب، تتمثل بإعداد المسرح وتنظيمه، عبر حل وإخراج تنظيمات متشدّدة كانت تركيا قد هدّدت، عبر أعلى المستويات، بالقضاء عليها، عندها تزال أهم العقبات من وجه “الناتو”، وثمّة مؤشراتٌ تؤكد السير بهذا الاتجاه، منها تصريحات قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني بأن جبهته قد تقدم في الأيام المقبلة على تغييرات تثبت وضعها حركة وطنية سورية.

القدس العربي

——————————-

هدوء إدلب النسبي وانتظار مجهول غير مطمئن/ عبد الباسط سيدا

يبدو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجانبين، التركي والروسي، وهو أقرب إلى التفاهم، بشأن الأوضاع في منطقة إدلب في شمال سورية، كان أفضل الممكن بالنسبة إلى الرئيس التركي أردوغان. وهو اتفاق كان متوقعاً إلى حدٍ كبير، استناداً إلى المتغيرات العسكرية الميدانية، وتفاقم الكارثة الإنسانية نتيجة نزوح أكثر من مليون إنسان، معظمهم من النساء والأطفال عن منازلهم، بحثاً عن ملاذٍ آمن في الفضاء المفتوح الذي ظل هدفاً لهجمات طيران الروس والنظام على المدنيين الهاربين من جحيم المعارك، بقصد قتل مزيد منهم، وترويع الغالبية، ورسم حدود مناطق النفوذ، وربما التقسيم مستقبلاً، بالحديد والنار، فالمواقف الدولية، خصوصا الأميركية والأوروبية، كانت تدفع باتجاه الوصول إلى اتفاقٍ ما، حول منطقة آمنة، تضمن الأمن للمدنيين، وإتاحة المجال أمام المنظمات الإغاثية لتقديم العون والمساعدة للناس على الأرض السورية، وذلك بهدف قطع الطريق أمام توجههم نحو أوروبا، وغيرها من المهاجر. هذا في حين أن الروس لم يتمكّنوا من ناحيتهم، بموجب هذا الاتفاق، من الوصول إلى هدفهم الدائم المعلن، وهو ضرورة سيطرة نظام بشار على كامل التراب السوري.

وعلى الرغم من الحشود الكبيرة التي دخلت إلى منطقة إدلب والساحل السوري، سواء من الجانب التركي أو الروسي؛ فضلاً عن الاستعدادات الميدانية المستمرّة، لم تحصل المواجهة الفعلية بين الجانبين اللذين كان واضحا أنهما يتحاشيان أمراً من هذا القبيل؛ بل كانا يصرّان على تسويق الرسائل عبر نسب الأفعال الميدانية الحساسة، خصوصا المجزرة التي تعرّض لها جنود أتراك، أو إسقاط طائرات النظام، إلى جيش النظام وفصائل المعارضة السورية؛ مع تيقّن الجميع بأن تلك الأفعال لم تكن لتتم لولا دعم ومساندة القوات الروسية، بل وفعلها، خصوصا الجوية منها؛ هذا إلى بالإضافة إلى تدخل الجيش التركي المباشر في المعارك أخيرا بعد المجزرة التي تعرّض لها الجنود الأتراك، ويشار هنا بصورة خاصة إلى التأثير الفاعل للمسيرات التركية.

ولكن واضح أن الجيش المذكور يشدّد على ضرورة حصر المواجهة بينه وبين قوات النظام، ويدعو الروس إلى الابتعاد عن الميدان؛ هذا في حين أن التعتيم على الدور الإيراني والمليشيات المرتبطة به كان لافتاً، الأمر الذي استنتج منه بعضهم وجود إمكانية إخراج بشار من معادلة التسوية المستقبلية، إذا ما تمت. وما يدعم هذا التوجه أن الاتفاق الذي تم كان بين الروس وتركيا فقط، وبعيداً عن مسار أستانة – سوتشي الثلاثي؛ كما أن النظام لم يكن له أي وجود ملحوظ، ولا ذكر، في سياق المباحثات المطوّلة التي كانت بين الرئيسين، التركي أردوغان والروسي بوتين، أولاً، ومن ثم بين الوفدين الروسي والتركي رفيعي المستوى.

لقد أرضى هذا الاتفاق الأولي الذي سيتبين لاحقاً مدى صموده ودرجة الالتزام به من الأطراف المعنية، بصورة نسبية، مختلف الأطراف الدولية المعنية بالملف السوري، وتطورات الأوضاع في المنطقة، والنتائج الآنية والمسقبلية المترتبة عليه، فأميركياً كان من الواضح من تلك التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية، بومبيو، ودبلوماسيون عديدون مسؤولون عن الملف السوري، سيما جيمس جيفري، وجود رغبة معلنة على الأقل، في الاستعداد الأميركي لمساعدة تركيا التي قالوا عنها أنها حليفتهم في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي التصريحات التي تم دعمها بالزيارة اللافتة التي قام بها جيمس جيفري، وكيلي كرافت، ودافيد ساترفيلد، إلى منطقة باب الهوى، واللقاءات التي أجروها مع أعضاء من منظمة الخوذ البيضاء، والناس في المنطقة؛ وهي إشارة معبرة تؤكد الدعم الأميركي للموقف التركي بهذه الدرجة أو تلك، فأميركا منذ البداية، لم تكن تريد تسليم ملف محافظة إدلب بالكامل للروس، بل كانت حريصة على تقديم الدعم، حتى وإن لم يكن حاسماً، لتركيا في إشارةٍ واضحةٍ منها إلى أن التحالف الاستراتيجي مع تركيا يبقى من الأسس التي تعتمدها الإدارة الأميركية في سياساتها الشرق أوسطية، خصوصا في ظروف المواجهة مع إيران؛ هذا إلى جانب السعي من أجل تحجيم الدور الروسي بما يتلاءم مع التصورات الأميركية لمستقبل المعادلات التوازنية في المنطقة.

من جهة أخرى، يلبي الاتفاق، موضوع الحديث هنا، إلى حد ما، المطالب الأوروبية التي تمحورت حول ضرورة إنشاء منطقة آمنة، أو مناطق آمنة في الشمال السوري، وذلك بهدف تحاشي مخاطر موجاتٍ جديدةٍ من اللاجئين السوريين المتوجهين نحو أوروبا التي تعاني أصلاً من جملة مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفي مقدمتها تصاعد النزعات الشعبوية واليمينية المتطرّفة المعادية لسياسة فتح البلدان الأوروبية أمام مزيد من اللاجئين، فبموجب الاتفاق الذي تم، ستتوقف المعارك، وسيُسمح للمواطنين السوريين النازحين بالعودة؛ وهو الأمر الذي تدور حوله تساؤلات كثيرة، فأولئك الذين نزحوا من المناطق التي سيطر عليها النظام بدعم روسي وإيراني، لن يعودوا على الأغلب، وهذا معناه استمرارية المشكلة، إلا في حالة بذل جهودٍ دوليةٍ لتأمين منطقة آمنة لهم في المناطق التي تسيطر عليها تركيا، شرط ضمان عدم تعرّضهم لقصف جوي أو صاروخي ومدفعي من جانب حلف الروس والنظام والقوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها.

ولكن بصورة عامة، يبقى الاتفاق هشّا، تتوقف احتمالية استمراريته على مدى التزام مختلف الأطراف به، خصوصا أن الروس قد منحوا أنفسهم، كعادتهم في جميع الاتفاقيات التي كانت من هذا القبيل، حرية الحركة تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وهي سياسة مستمرّة، اعتمدوها لقضم مزيد من المناطق. كما أن تركيا قد احتفظت لنفسها بحق الرد على أي عمل عسكري من النظام، وهذا الأمر هو الآخر يؤكد أن ما تم التوصل إليه لا يمثل حلاً، بقدر ما يعتبر هدنةً اضطراريةً، فرضتها الظروف على الطرفين، كل لاعتباراته الخاصة.

كيف سيتم التعامل مع وجود هيئة تحرير الشام؟ وما هو مصير طريق إدلب دمشق؟ وما مصير نقاط المراقبة التركية؟ ماذا عن سيطرة النظام على المدن المفصلية في محافظة إدلب؟ وما هو موقع الاتفاق برمته من خريطة التسويات التي تمت؟ ما هي آليات التطبيق وحل الخلافات؟ كل هذه الأسئلة، وغيرها، تبقى معلقة في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. وفي جميع الأحوال، يبقى موضوع وقف المعارك بين القوى المتصارعة في الشمال السوري، وسورية بصورة عامة، لصالح السوريين المدنيين، خصوصا في ظل واقع خروج زمام المبادرة من أيدي السوريين معارضة وموالاة، وذلك انتظاراً لحل سياسي شامل، نأمل أن يمكّن السوريين من استعادة بلادهم، وثقتهم بمستقبل أفضل، يمكّنهم من التعايش المشترك، على الرغم من كل ما حصل.

وحل كهذا لا يمكن أن يستقيم أبدا بوجود النظام الذي يعتبر المسؤول الأول المباشر عن الكارثة السورية. وهذا معناه أن الإصرار على تسويقه من هذه الجهة الدولية أو تلك، مؤدّاه الإصرار على تقسيم البلد والشعب، على الرغم من كل التصريحات التخديرية التي نسمعها هنا وهناك، وهي تصريحاتٌ تؤكد، في جانبها الإعلامي الدعائي، أهمية الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً.

يعاني المجتمع الدولي في مواجهة القيامة السورية من حالة إرباك وتعارض في التوجهات والمصالح. ويبدو أن مستقبل الحل في سورية قد ارتبط، إلى حد كبير، بالوضعين، اللبناني والعراقي، وهذا يعد مجرّد تحصيل حاصل، إذا ما استوعبنا جيداً الدور المفتاحي الذي تتمتع به سورية على مستوى المنطقة؛ ومدى التأثير والتأثر المتبادلين بين الأوضاع السورية والإقليمية.

وبناء على ما تقدم، تأتي أهمية الموقف الأميركي القادر على الحسم، إذا ما توفرت الإرادة لدى الإدراة المشغولة هذه الأيام بحساباتها الانتخابية الداخلية، وهي حساباتٌ عادة ما تكون لها الأولوية في عام الانتخابات، وهو العام الذي تتحوّل فيه الإدارة إلى بطّة عرجاء؛ ولعل الموقف الأميركي الذي طالب مجلس الأمن بالتريث في إعلان دعمه الاتفاق المعني، يؤكد الأمرين معاً: القدرة على الحسم والرغبة في الإرجاء.

العربي الجديد

————————————-

العلاقات الروسية التركية واختبار فحص الجهد الأول/ مثنى عبد الله

في العلاقات الدولية المراحل التاريخية لها إسقاط كبير على المراحل اللاحقة، والعلاقة بين تركيا وروسيا علاقة تاريخية، ليس من السهولة فصل ماضيها عن حاضرها. بين تركيا وروسيا ثماني عشرة حربا أساسية، خسرتها كلها تركيا وربحتها كلها روسيا. ولو نظرنا إلى الخريطة الجيوسياسية، سنرى روسيا وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

ضمت روسيا جزيرة القرم فأصبح لها موطئ قدم في منتصف البحر الأسود، فاضطرت أنقرة إلى سحب قواتها البحرية إلى البحر الأبيض المتوسط كي لا تحصل مجابهة بينهما. وعندما دخلت روسيا كفاعل رئيسي في الحرب السورية عام 2015، أصبحت تركيا في وسط خط النار للجيوش الروسية. من فوقها شبه جزيرة القرم، ومن الجنوب سبعمئة كيلومتر حدودا مشتركة مع سوريا، فيها رادارات وقوات استراتيجية روسية، وأهم قاعدة عسكرية في حميميم.

إذن في حكم الواقع باتت موسكو تطوّق أنقرة من الشمال والجنوب والشرق والغرب. هذا التطويق الروسي الذي يتكرر اليوم، هو نفسه الذي حمل أتاتورك ليطلب من الغرب الانضمام إلى الناتو، كي يحصل على توازن مع روسيا، بعد أن طالب ستالين عام 1947 ـ 1948 بأن يكون له وجود على مضايق البسفور والدردنيل، حين ربح الحرب هو وخسرتها تركيا. هذه الحالة تربك الحسابات السياسية وأحيانا تجبر صانع القرار على اتخاذ قرارات خاطئة، لذلك كان خطأ أردوغان الأول، عندما أسقط الطائرة الروسية التي انتهكت المجال الجوي التركي. نعم كان إسقاطها مهم جدا له شخصيا، لكن لتركيا كدولة كان خطأ كبيرا، لأنه حجّم الدور التركي في أهم مسارحها الجيوسياسية بسبب الاكراد.

إن المعادلة التي تقوم عليها العلاقات الروسية التركية اليوم، تحدد نوعيتها قدرية الجغرافيا، وهذه القدرية هي التي تصنع الأهداف والمسلمات، كما أنها تقوم على الجيوبولتيك من ضمن ما يسمى بالمعضلة الأمنية، بمعنى أنه كلما قويت روسيا شعرت تركيا بالضعف، والعكس صحيح، لذلك سوف تبقى العلاقات بين الطرفين تتأرجح في حقل التعاون التكتيكي المؤقت، من ضمن الاهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، يُهندّس أحداثياتها الرئيسين بوتين وأردوغان. الأول يمثل العقلية الاستراتيجية الروسية، المشهور عنها الاختلاف التام عن كل العقول الأوروبية والامريكية. فهو عندما أتى إلى سوريا وطوّق تركيا من جميع الجهات، فهو يبعث رسالة إلى حلف الناتو، بأن أي تضييق على روسيا من قبلهم سيرد عليه بالتضيق على حليفتهم تركيا فيضعف الناتو، وكل ما يضعف الناتو يضعف الولايات المتحدة الامريكية. أما الثاني فسياساته فيها استراتيجية كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وكذلك أهداف كبيرة، لكن العيب في الوسائل المتواضعة التي يملكها، لذلك نجده في كل مرة يتخذ موقفا ما بشروط عالية جدا، لكنه يضطر للانفتاح بشروط أقل. حصل هذا في موضوع سفينة مرمرة، التي ذهبت لفك الحصار عن غزة، فقطع العلاقات مع إسرائيل، ثم أعاد الانفتاح عليها بشروط أقل مما طالب به. وحصل أيضا في موضوع إسقاط الطائرة الروسية وما رافقها من تبجح تركي طويل وعريض، ثم الاعتذار من الروس والانفتاح عليهم. وأخيرا ما حصل في موضوع إدلب الاخير، والتنازل التركي عن كل المطالبات التي كانت تصر عليها في سوريا. وهذا يعني أن خيارات صانع القرار في أنقرة ليست مضبوطة.

إن طبيعة العلاقات التركية الروسية المحكومة بعوامل التاريخ والجغرافية، التي تضرب على وترها عقلية الذكريات والطموحات الامبراطورية، تجعل من سياسة الهدنة وتأخير الحساب هو الغالب فيها. وسنرى اضطرابا في نبضها بكل منعطف حاد تتقاطع فيه مصالح الطرفين، فيضطران إلى القيام بفحص الجهد لها كي لا يتوقف نبض الحياة فيها. يتجلى ذلك بشكل واضح عندما قتل أكثر من ثلاثين عسكريا تركيا في قصف جوي في إدلب مؤخرا، حيث أعطى بوتين أردوغان فرصة تنفيس غضبه، فأوقف الطائرات الروسية في سماء أدلب، وبطاريات الدفاع الجوي، كي تسرح الطائرات التركية في سماء المدينة وتثأر من الجيش السوري، الذي لم يتأكد أحد بأنه هو من قام بقصف الجنود الاتراك. هذا الفعل هو عملية فحص الجهد لمعرفة المديات، التي يمكن أن تتحملها العلاقات التركية الروسية. وعندما يعطي بوتين وأردوغان لبعضهما الآخر الفرص لتنفيس الضغط في العلاقات، فإن كل شيء بحساب. فتسامح روسيا مع طموحات تركيا في شمال سوريا، هو الثمن الذي يجب أن يدفعه بوتين مقابل حزمة الفوائد الاقتصادية والعسكرية التي سيجنيها من أنقرة. وعندما تنازل أردوغان لبوتين في قمة الاسبوع الماضي عن مطالبه بمنطقة آمنة بعمق ثلاثين كم، وتخصيص قوات برية وجوية لتوفير الأمن لهذه المنطقة، وعودة القوات السورية إلى مواقعها، قبل انطلاق العمليات الاخيرة في إدلب، كان ثمنه تجنب المواجهة العسكرية مع الروس، وخسارة مشاريع اقتصادية مهمة لبلده، وخسران نفوذه في إدلب. كما أن اتفاق وقف إطلاق النار أوقف الأصوات المعارضة له في الداخل. ومع كل ذلك فمسارات العلاقات الروسية التركية لا يمكن أن تكون متلاقية، والحساسية من الخضوع للآخر نجدها واضحة في التصريحات. الرئيس أردوغان قال إن أي خرق لوقف إطلاق النار في إدلب سنرد عليه بالنار أيضا. كما أشار إلى الخلاف بين نظرة روسيا التي تريد حل الموضوع سياسيا عن طريق أتفاق أستانة، بينما تريد تركيا الحل عن طريق جنيف والأمم المتحدة. هذه كلها رسائل يبعثها الرجل للتأكيد على أنه ليس خاضعا لروسيا، في حين كانت تصريحات بوتين تشي بأنه يريد الاستمرار في الضغط على الارض لتحسين مصالح روسيا، خاصة أنه انتزع من يد المعارضة السورية المدعومة من أنقرة الطريقين الدوليين أم 4 وأم 5 اللذين يربطان حلب باللاذقية وحلب بدمشق. وحتى قبل لقاء القمة حرصت كل من أنقرة وموسكو على رفع سقف التفاوض، وإشهار كارتات حمر في وجه بعضهما بعضا.

كان بيان وزارة الدفاع الروسية قد أتهم تركيا بأنها لم تحترم اتفاق سوتشي، وأن القوات التركية ذهبت للاندماج مع فصائل المعارضة الإرهابية، وأن أنقرة أدخلت قوات كبيرة إلى سوريا وهو يخالف القوانين الدولية، في حين رفعت تركيا سقف تفاوضها، إلى الحد الذي قالت فيه إنها تريد عودة القوات السورية إلى ما قبل الهجوم على إدلب وحلب، كما أنها طلبت من حلف الناتو النزول لدعم تركيا في إدلب.

إن المنافع التي تجنيها موسكو من علاقتها مع أنقرة تفوق المتحقق منها للأخيرة. وأن أسعد ما يحصل عليه بوتين، هذه الأيام من هذه العلاقة، أن تركيا تدفع باللاجئين تجاه أوروبا. هو يرى في ذلك إضعافا لمؤسسات الاتحاد الاوروبي الذي يعتبره تهديدا له، أمام الحكومات المركزية في دول الاتحاد، التي باتت ترفض الالتزام بما تقرره بروكسل في هذا الشأن، في حين تستفيد تركيا من العلاقة مع روسيا بالتخلص من الوقوع تحت رحمة قرارات الامريكان.

كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية

القدس العربي

——————————-

درع أوروبا في مواجهة اللاجئين

قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم أمس التاسع من آذار (مارس) إن «2020 ليست 2015»، وذلك في سياق حديثها عن أزمة اللاجئين على الحدود التركية اليونانية. وجاء كلام ميركل هذا خلال منتدىً اقتصادي ألماني يوناني عُقِدَ في برلين، ليكون تعبيراً بالغ الوضوح عن أنه ليس ثمة احتمال في أن تفتح ألمانيا حدودها أمام موجة لاجئين جديدة على غرار ما فعلته عام 2015، وتعبيراً عن أوروبا قد تغيرت خلال السنوات الخمس الماضية، وعن أن ما حملته هذه السنوات ليس إلا مزيداً من الجدران على حدود الاتحاد الأوروبي.

يرفع الاتحاد الأوروبي إذن جدراناً من سياسات الحدود وتقييد اللجوء والهجرة على حدوده، في عالم تتكاثر فيه جدران الفصل الإسمنتية الحقيقية على الحدود بين الدول. وإذا كانت أوروبا لم تشرع في بناء جدران إسمنتية على حدودها بعد، إلا أن الإجراءات التي تتخذها اليونان على حدودها بدعم من الاتحاد الأوروبي لا تختلف كثيراً، حتى أن اليونان أعلنت عن نيتها بناء ما أسمته جداراً عائماً قبالة شواطئ جزرها، لمنع وصول المهاجرين إلى أوروبا من تركيا، في ترجمة ملموسة للسياسات اليمنية العنصرية. 

جاءت إجراءات اليونان المتشددة هذه في أعقاب احتشاد آلاف اللاجئين على حدودها مع تركيا، بعد أن أعلنت السلطات التركية أنها لن تمنع طالبي اللجوء على أراضيها من التوجه إلى أوروبا، وذلك رداً على ما اعتبرته تقصيراً من الاتحاد الأوروبي في دعمها في ملف إدلب، التي قد يؤدي استمرار المعارك فيها إلى موجة لجوء جديدة إلى الأراضي التركية. ويواجه المهاجرون واللاجئون، من جنسيات متنوعة، على الحدود التركية اليونانية منذ أكثر من أسبوعين ممارسات بالغة العنف والقسوة من كلا الطرفين التركي واليوناني، فالجانب التركي كان يسعى بشتى الوسائل إلى دفعهم نحو الحدود، فيما يقابلهم الجانب اليوناني بقنابل الغاز ووسائل الردع الأخرى.

كان العالم قد تابع مشاهد مشابهة خلال العام 2015، وهو ما أدى وقتها إلى فتح الحدود أمام موجة من اللاجئين إلى أوروبا، كانت ألمانيا هي الدافع الرئيسي لاستقبالهم، عندما قالت أنجيلا ميركل عبارتها الشهيرة: «نحن نستطيع أن ننجز ذلك»، وهو ما أعقبه مشاهد لقطارات تنقل آلاف اللاجئين من دول جنوب وشرق أوروبا إلى ألمانيا.

يتكرّر احتشاد اللاجئين على حدود أوروبا الآن، لكن نقلهم إلى قلب ألمانيا لم يتكرر، وقد أثارت مشاهد احتشاد اللاجئين تلك انقساماً حاداً في الرأي العام الألماني، عبِّرت عنه صحيفة يونغ فرايهات الأقرب للتيار اليميني، التي نشرت نتائج استطلاع رأي حديث يشير إلى أن 48% من الألمان المشاركين يؤيديون استقبال ألمانيا للاجئين، في حين أن 49% كانوا رافضين لهذا الأمر. ولا تصلح استطلاعات الرأي هذه طبعاً لتأكيد أن هناك تغيراً في الرأي العام الألماني، حتى أن استطلاع رأي جرى عام 2016 كان قد جاء بنتائج قريبة من استطلاع الرأي الحديث، مع فارق ضئيل جداً لصالح الموقف المؤيد لاستقبال اللاجئين وقتها، في مقابل فارق ضئيل جداً لصالح الرأي الرافض لاستقبالهم اليوم. ولكن رغم هذا، فإن الدوائر المعادية للاجئين تستغلّ استطلاعات الرأي هذه كي تقول إن الشعب الألماني لم يعد راضياً عن سياسة الأبواب المفتوحة، وهو ما يتكئ عليه السياسيون لتبرير رفض استقبال موجات جديدة من اللاجئين، على ما قالت أنجيلا ميركل نفسها يوم أمس، عندما تحدثت عن أن «المواطنين بمقدورهم أن ينتظروا من رجال السياسة أن يتمكنوا من تنظيم الهجرة واللجوء، وتوجيه حركة الهجرة وتقليصها».

تبدو مواقف ميركل هذه متأثرة بشدة بالضغط الذي يحدثه صعود التيارات اليمينية، التي يساهم خطابها الشعبوي في حشد مزيد من أصوات الناخبين لصالحها، عبر الإيحاء المتكرر بأن مشكلات أوروبا ترجع إلى سياسة استقبال اللاجئين. وبعيداً عن أرقام استطلاعات الرأي، يتجلى هذا الانقسام أيضاً بوضوح في تصريحات السياسيين داخل ألمانيا، وفي أخبار الصفحات الأولى من الجرائد والمنصات الإعلامية الألمانية، التي يركز قسم  كبير منها على تعلم الدروس اللازمة من تجربة ألمانيا مع سياسات فتح الحدود في عام 2015، وعلى أن استقبال مزيد من اللاجئين والمهاجرين هو أسوأ كابوس يمكن أن تعيشه ألمانيا، وهو ما عبَّرَ عنه أحد مراسليّ قناة ZDF الألمانية في نشرة الأخبار، عندما قال إن أوروبا تعيش الآن ما أسماه «ديجا فو» بعد مرحلة من الاسترخاء، وهو التوصيف الذي يعني أن أوروبا تعيش كابوسها نفسه مجدداً.

بالمقابل، تحدّث رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني نوربرت فالتر بوريانس عن ضرورة فتح الحدود وإنقاذ الأطفال على الحدود اليونانية، لأنه «من غير المقبول أن يقف الاتحاد الأوروبي متفرجاً أمام الأطفال الذين يموتون». وقد جاء تصريحه هذا في أعقاب تصريح لوزير الداخلية الألماني هوريست زيهوفر، تحدَّثَ فيه عن إمكانية العمل على قبول الأطفال اللاجئين في مخيمات اللجوء في الجزر اليونانية، ألا أنه عاد وأوضح بعدها أنه لم يكن يقصد أن ألمانيا وحدها المعنية بهذا الأمر، وأنه يمكن أن يحدث فقط بعد «استعادة النظام» على حد تعبيره. ومن أجل أن ينفي أي وعد أو تعهد بمساعدة ألمانيا لاستقبال اللاجئين والمهاجرين، نشر زيهوفر مرة جديدة على حسابه الخاص على تويتر، وباللغة العربية، تغريدة مفادها أن حدود أوروبا ليست مفتوحة أمام اللاجئين.

وقد أثار الحديث الألماني عن ضرورة استقبال الأطفال ضجيجاً ونقاشاً يشرح الكثير عن الأزمة الحالية، فالأطفال الذين يجري الحديث عنهم هم أطفال بلا مرافقين بالغين، لا يتجاوز عددهم 200 طفل في مخيمات الجزر اليونانية، وهو ما يعني أن حلّ قضيتهم لا علاقة له بالأزمة المستجدة على الحدود البرية اليونانية التركية، ومع ذلك فقد تحدثت صحف ألمانية، من بينها صحيفة فرانكفورتر ألغيمانيه المحافظة، عن أن صدور اقتراح استقبالهم عن مسؤولين ألمان لا يعني أن على ألمانيا أن تحتمل هذا العبء وحدها، بل ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي اقتسام هذه المهمة. ولا يبدو أن بقية دول الاتحاد الأوروبي منفتحة على هذا الطرح، حتى أن المستشار النمساوي سبستيان كورتز أكدّ أن بلاده لا تنوي استقبال أي أطفال أو نساء هذه المرة، و«أن هؤلاء الآلاف على الحدود سيصبحون ملايين، وأن القسم الأكبر منهم ليسوا سوريين وليسوا لاجئين، خاصة بعد أن أمضوا سنوات عديدة في تركيا».

يبلغ الخطاب العنصري ذروة جديدة في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، وبالرغم من خروج مظاهرات في برلين تطالب فتح الحدود يوم السابع من آذار الجاري، وانتشار دعوات على فيسبوك من أجل دعم اللاجئين واستقبالهم، إلا أن الاتجاه العام يسير نحو مزيد من الإجراءات المشددة التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي ضد اللاجئين، والتي يبدو أنها ستتخذ منحيين رئيسيين خلال الفترة المقبلة؛ الأول هو التفاوض مع تركيا من أجل إبقاء اللاجئين رهائن فيها أطول مدة ممكنة، والثاني هو دعم اليونان بشتى الطرق لمساعدتها في إغلاق حدودها البرية والبحرية، حتى أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين كانت قد وصفت اليونان بأنها «درع أوروبا»، مؤكدة على ضرورة دعمها في مواجهتها مع طالبي اللجوء، وهي المواجهة التي تتخذ طابعاً يتجاوز الأسلوب الأمني إلى ما يشبه العمليات العسكرية.

في المنتدى الاقتصادي الألماني اليوناني نفسه، تحدثت أنجيلا ميركل عن أن «الشيء الأكثر أهمية هو محاربة أسباب اللجوء حتى يجد الناس في أوطانهم آفاقاً مستقبلية مرة أخرى»، لكن رغم ذلك، لا يبدو أن في جعبة ساسة أوروبا شيئاً سوى التعامل مع أزمة اللجوء والهجرة بوصفها أزمة أمنية تتم معالجتها عبر سياسات الحدود المحروسة بالسلاح، وعبر التفاوض مع دول العبور لتحويلها إلى ما يشبه معتقلات كبيرة.

درج

————————————

ناشطو إدلب يحذرون تركيا من الوثوق بروسيا ونظام الأسد

رفض ناشطون معارضون في محافظة إدلب، تسليم مناطق جنوب طريق اللاذقية – حلب “M4” الى روسيا والنظام السوري بموجب اتفاق موسكو الأخير.

وفي بيان انتشر في مواقع التواصل وتداولته وسائل إعلام سورية معارضة، طالب ناشطون وفعاليات ثورية في منطقة إدلب، الضامن التركي، بوقف عقد الاتفاقيات التي من شأنها تسليم مناطق محررة للنظام، معتبرين ما أشيع عن تسيير دوريات روسية على طريق “M4” مقدمة لتسليم مناطق جبل الزاوية وسهل الغاب وجسر الشغور وأريحا للنظام، والتي يمنع مئات الآلاف المدنيين في تلك المناطق العودة إلى منازلهم.

    بيان من نشطاء منطقة إدلب المحررة. pic.twitter.com/oYERAuBNlK

    — مازن المواس Mazen almawas (@MAZEN_ALMAWAS) March 10, 2020

ورأى الناشطون أن أي إشراف روسي عل المنطقة الواقعة جنوب طريق “M4” يعني سيطرة النظام وروسيا، وبالتالي تأكيد تصريحات النظام في اقتراب السيطرة على أريحا وجسر الشغور وجبل الزاوية، وهذا لا يتناسب مع مطالب ملايين المدنيين في المنطقة. كما أشار البيان إلى أن سيطرة روسيا على تلك المناطق سيمنع آلاف المدنيين من العودة إليها وبالتالي حرمانهم من مناطقهم، في وقت ستزيد معاناتهم الإنسانية على الحدود وفي مناطق النزوح، وسيكون لذلك تبعات كبيرة على الطرف التركي.

وقال الناشطون أن موقف الجانب التركي ووقوفه في صف المدنيين في إدلب وريفها “موضع تقدير وشكر”، لكن الوثوق في روسيا والنظام لا يمكن أن يكون فيه خير للمنطقة ولا للقوات التركيه فيها. ودعوا أنقرة إلى دعم الفصائل العسكرية لاستعادة السيطرة على المناطق التي سيطر عليها النظام في الآونة الأخيرة، لضمان عودة المدنيين إليها.

وبحسب البيان، فإن الاتفاقيات السابقة التي وقعت مع روسيا، تؤكد بشكل قاطع أنها لم ولن تلتزم بأي حدود للسيطرة، وبالتالي سيكون وصولها للمنطقة بداية للتضييق على مناطق شمال الأوتوستراد الدولي وصولاً لباب الهوى في وقت لاحق.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، صرح في اجتماع في العاصمة أنقرة، الثلاثاء، أن قوات روسية ستتولى مهمة الإشراف على جنوب الطريق الدولي “M4” في الوقت الذي ستتولى قوات تركيا الإشراف على الطريق على الطرف المقابل.

المدن

————————————-

مسيرات تركية ترصد منظومات الدفاع الجوي الروسية

تداول ناشطون سوريون مقاطع بثتها وسائل إعلام تركية، وتظهر الطائرات المسيرة التركية، وهي ترصد منظومات الدفاع الجوي الروسية، التابعة للنظام السوري بإدلب.

وبحسب المعلومات المتداولة، أظهر التسجيل المتداول، طائرات تركية مسيرة من طراز “بيرقدار” تتبع حركة منظومات الدفاع الجوي “بانتسير”، وتحلق فوقها في إدلب. في ما يعتبر رداً على الادعاءات التي قدمتها وكالات أنباء روسية قبل أيام، زعمت فيها أن الحديث عن تدمير منظومات الدفاع الجوية الروسية في سوريا خلال عملية “درع الربيع” استند إلى فيديوهات مزورة.

    Kısa ve orta menzilli Rus yapımı hava savunma sistemleri, Türk SİHA’larına karşı ne kadar etkili? pic.twitter.com/foGWZ8MROn

    — Clash Report (@clashreport) March 9, 2020

وفيما انتشرت قبل أيام مقاطع فيديو مزورة مأخوذة من ألعاب إلكترونية مثل لعبة “أرما 3” على أنها في سوريا، ونشرها إعلاميان تابعان للنظام السوري، ادعيا أن اللقطات تمثل تصدي دفاعات النظام للطائرات التركية. فيما انتشر مقطع وحيد من اللعبة نفسها بشكل محدود في “تويتر” زعم أصحابه أنه يمثل استهداف الطائرات التركية للدفاعات الروسية.

وكانت وزارة الدفاع التركية أعلنت في وقت سابق، تدمير 8 منصات دفاع جوي للنظام السوري في إطار العملية العسكرية، فضلًا عن عشرات الدبابات وراجمات الصواريخ والمدافع، وتحييد عدد كبير من المسلحين، حسبما نقلت وسائل إعلام تركية.

    Kısa ve orta menzilli Rus yapımı hava savunma sistemleri, Türk SİHA’larına karşı ne kadar etkili? pic.twitter.com/foGWZ8MROn

    — Clash Report (@clashreport) March 9, 2020

ورغم ذلك، شكك معلقون في الصور ومقاطع الفيديو، لأن الحسابات التي نشرتها، ردت أيضاً على الادعاءات الروسية، بعرض مقاطع الفيديو المزورة نفسها، بعد “تعديلها”، فيما فسرته الصفحات التركية بأنه “اللقطات الحقيقية” بعد تفعيل الرادار حسب وصفها.

    #BREAKING

    Footage of the #Pantsir #S1 (SA-22) air defense system that was shot down by Turkish armed #UAVs in #Seraqip on the night of 03MAR2020 while its radar was active. Thermal camera traces on the side of the battery indicate the system was engaging against Turkish aircraft. pic.twitter.com/jqICENIEYV

    — Clash Report (@clashreport) March 3, 2020

    This is a montage. After the outbreak, the location of the trees changed.

    — Nedremlya (@A8hxWQ0IW7piAWH) March 3, 2020

المدن

———————————–

“أم 4” تحت الرقابة الروسية والتركية..وإيران تسعى للتوتير

كشف وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو أن “روسيا حذرت النظام السوري بصرامة، بشأن انتهاك وقف إطلاق النار في محافظة إدلب”.

وقال:”أمس حدث خرق من قبل النظام وروسيا حذرته بصرامة”، مؤكداً أن “الجنود الأتراك سيقومون بما قاموا به سابقاً، في حال حاول النظام التقدم رغم وقف إطلاق النار في إدلب”.

وأوضح أوغلو أن “جنوب الطريق الدولي “إم4” سيخضع للرقابة الروسية وشماله سيكون تحت رقابتنا”، لافتاً الى أن “تركيا تواصل العمل من أجل وقف إطلاق نار دائم في إدلب”.

في غضون ذلك إتهمت صحيفة تركية، إيران، بمحاولة تخريب إتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في موسكو بشأن إدلب في 5 أذار/ مارس.

وقالت صحيفة “يني شفق” التركية، إن “المليشيات الإيرانية، تسعى لتوتير الأوضاع في إدلب، وانتهكت مع عناصر من النظام السوري اتفاق وقف إطلاق النار مرات عدة”، مشيرة الى أن “إيران التي سعت لإجراء محادثات مع تركيا بشأن إدلب دون موسكو، مع انطلاق عملية “درع الربيع”، بدأت بالتحرك لتخريب اتفاق وقف إطلاق النار”.

وأضافت أن “المليشيات الإيرانية بدأت بالانتقال إلى منطقة وقف إطلاق النار بإدلب، وقامت ببعض المضايقات لنقاط المراقبة التركية”/ موضحة أن “قوات النظام أطلقت النيران الرشاشة، على القوات التركية، من قرية أورم الصغرى القريبة من بلدة الأتارب”.

وأضافت أنه “على الرغم من وقف إطلاق النار، فقد واصلت المليشيات الإيرانية أنشطتها دون هوادة، وأرسلت تعزيزات إلى مدينة سراقب من ألوية “فاطميون” و”زينبيون” وحزب الله من بلدات الفوعة ونبل والزهراء وكفريا، كما تم نقل عدد كبير من المليشيات إلى جبل الزاوية، فيما عزز “حزب الله” اللبناني مواقعه في المنطقة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية تركية، أن “القوات التركية أظهرت حساسية كبيرة، وتصرفت بناء على ذلك امتثالاً لاتفاقية وقف إطلاق النار بإدلب”، مشيرة إلى أنه “لم يسجل أي انتهاك لوقف إطلاق النار من القوات التركية”.

ميدانياً أعلن رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، أوليغ جورافليوف، أن “العسكريين الروس أنشأوا قناة اتصال دائمة مع الجيش التركي بهدف التنسيق بين الطرفين”. وأوضح “أن قناة الاتصال أنشئت من أجل “تحقيق التنسيق العملياتي” بين المركز الروسي والجانب التركي”.

وكشف جورافليوف “أن وحدات الشرطة العسكرية الروسية ضمنت وصول 13 رتلاً تركياً إلى مواقع تموضع نقاط المراقبة التابعة للقوات المسلحة التركية في منطقة إدلب لخفض التصعيد”.

ولفت جورافليوف إلى أن “مركز المصالحة لم يرصد أي انتهاك لنظام وقف الأعمال القتالية من قبل المسلحين الموالين لأنقرة، خلال الساعات الـ 24 الماضية”.

في المقابل استهدفت فصائل المعارضة سيارة عسكرية تابعة لقوات النظام على محور العنكاوي في ريف حماة الشمالي الغربي، فيما تشهد نقاط التماس بين الفصائل من جهة، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها استهدافات وعمليات قنص.

وواصلت قوات النظام خرق وقف إطلاق النار، واستهدفت، سيارات عسكرية تركية كانت بالقرب من الفوج 46 في منطقة الأتارب بالرشاشات الثقيلة، كما سجل سقوط قذائف صاروخية على أماكن في محيط منطقة المسطومة وبلدة النيرب بريف إدلب.

——————————

لقاءات أردوغان الأوروبية حول اللاجئين..من دون نتائج

طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بتقديم “دعم ملموس” في النزاع في سوريا، خلال زيارة لبروكسل سبقتها إنتقادات لتركيا على خلفية اتّهامها بالتسبب بأزمة هجرة جديدة.

وأعرب أردوغان عن أمله بأن يبذل حلفاؤه الغربيون مزيداً من الجهود لمساعدة تركيا في النزاع في سوريا والتعامل مع ملايين اللاجئين الهاربين من المعارك.

وقال أردوغان في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: “يشهد حلف شمال الاطلسي مرحلة دقيقة عليه ان يظهر فيها بوضوح تضامنه كحلف مع تركيا”. ورأى أن هذا التضامن يجب أن يتجلى “من دون تمييز ومن دون شروط سياسية”، مضيفاً “من الاهمية بمكان ان يتم تقديم الدعم الذي نطلبه بدون مزيد من التأخير”.

وشدد على أنه “لا بد أن يساهم الناتو في الدفاع عن تركيا ومكافحتها للإرهاب”، لافتاً إلى أن “تركيا تكافح منذ 9 سنوات التهديدات التي تأتي من سوريا”. وأردف: “نحن الدولة الوحيدة في الناتو التي حاربت داعش وجها لوجه، وقدمت شهداء في سبيل ذلك”.

ولفت أردوغان إلى أن “حدود تركيا مع سوريا، تمثل الحدود الجنوب شرقية لحلف الناتو في  الوقت نفسه”، مشيراً الى أن “الأزمة في سوريا، عبر أبعادها الأمنية والإنسانية، باتت تشكل تهديداً للمنطقة وسائر أوروبا ولا يحق لأي بلد أوروبي تجاهل المأساة في سوريا”.

من جهته أشاد ستولتنبرغ بدور تركيا، معتبراً أنها الأكثر معاناة بين الحلفاء من “الهجمات الإرهابية” و”استقبال اللاجئين”. وأكد أن الحلف سيواصل دعم تركيا لكنّه أبدى “قلقه البالغ” إزاء ما يحدث عند الحدود التركية-اليونانية.

في غضون ذلك وبعد اجتماع دام نحو ساعتين بين أردوغان ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين أعلنت المفوضية الأوروبية تمّسكها باتفاقية اللاجئين، التي وقعتها مع تركيا عام 2016. وقالت فون ديرلاين إن “الاتفاقية لا تزال سارية والآن سنقوم بتحليل الأجزاء التي لم يتم تنفيذها”.

وذكرت رئيسة المفوضية أن المباحثات كانت متمحورة حول وضع خريطة طريق تحمي مصالح الاتحاد الأوروبي وتركيا. وإذ لفتت إلى وجود بعض الخلافات بين الطرفين، أكدت أنه ستتم إعادة النظر في الاتفاق بأكمله.

وبخصوص أعمال العنف التي شهدتها الحدود اليونانية، قالت، “من غير المقبول استخدام القوة المفرطة”، داعية اليونان “لأن تكون تدخلاتها متناسبة مع القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي”.

بدوره كشف رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أن “الخلافات في الرأي المتعلقة بتنفيذ الاتفاقية سيقوم بتوضيحها منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع فريق من الخبراء خلال الأيام المقبلة”، موضحاً أن “الغاية من هذا العمل يتمثل في الوصول إلى فهم مشترك من قبل الأطراف المعنية، لاتفاق 18 أذار”.

وقال ميشال:”نعتبر هذا اللقاء خطوة أولى من أجل حوار سياسي قوي مع تركيا على المدى القريب والمتوسط والبعيد”. غير أن الاثنين لم يذكرا أي نتائج ملموسة لتلك المحادثات.

ورغم أن أردوغان لم يشارك في المؤتمر الصحافي. قالت مصادر الرئاسة التركية أن “اردوغان أجرى مباحثات مثمرة، خلال لقائه مسؤولين أوروبيين”. ونقلت وكالة “الاناضول” عن المصادر أن اللقاء “كان مثمراً وجرى عقده في التوقيت المناسب”.

وفي برلين، أعلنت الحكومة الألمانية أن تحالفاً من دول “متطوعة” في الاتحاد الاوروبي يدرس إمكان التكفل بأمر ما يصل الى 1500 من الاطفال المهاجرين العالقين في الجزر اليونانية كاجراء دعم “إنساني”. وبالإضافة إلى ألمانيا، أعربت فرنسا والبرتغال ولوكسمبورغ وفنلندا عن نيتها المشاركة في استقبالهم.

———————————————-

الوضع مرعب..ماذا لو وصل “كورونا” إلى إدلب

يبذل المجتمع الدولي جهوداً حثيثة لمنع انتشار فيروس “كورونا” في إدلب شمال غرب سوريا، في ظل الأوضاع الكارثية التي تعيشها المنطقة جراء أشهر من الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام السوري المدعومة روسيا، وفصائل المعارضة الموالية لتركيا.

وقد ساعد توقف القتال، إثر اتفاق بين أنقرة وموسكو، في توجه المجموعات الإسعافية إلى المنطقة التي تعتبر آخر معقل لفصائل المعارضة في سوريا.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية هيدن هالدورسون إن سوريا لم تؤكد بعد أي حالات إصابة بالفيروس المستجد، لكن “أنظمتها الصحية الهشة قد لا تملك القدرة على اكتشاف وباء”.

وخطر تفشي المرض في سوريا مرتفع جداً، خاصة في شمال غرب سوريا، حيث يوجد ثلاثة ملايين شخص محاصرين في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة. وقد وعدت الولايات المتحدة بتخصيص 108 ملايين دولار لمساعدة المدنيين في إدلب، إثر زيارة لمسؤوين ِأميركيين هي الأولى من نوعها للمنطقة.

وأكد هالدورسون ل”فرانس برس” أن منظمة الصحة العالمية مضطرة لمساعدة المتضررين عبر الحدود، لأنها غير قادرة على تقديم الخدمات من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية.

وقال إن عمليات “تدريب العاملين في المجال الصحي تتم بالتوازي مع تجهيز مختبرات في كل من إدلب وأنقرة لتشخيص الفيروس بشكل آمن”.

 وعلى الرغم من توقف القتال في إدلب، إلا أن المخاوف من تجدده لا تزال قائمة. وقال ميستي بوسويل من لجنة الإنقاذ الدولية إن الوضع في إدلب “مهيأ بشكل خاص لانتشار” الفيروس، محذراً من كارثة يمكن أن تطال آلاف الأشخاص بسبب نقص الغذاء المياه وبرودة الطقس.

وذكر مسعفون ل”فرانس برس”، إن المساعي جارية لتوفير مكان للحجر الصحي للحالات المحتملة، كإجراء وقائي، وسط تحذيرات من نقص أدوات الكشف عن فيروس كورونا بسبب ارتفاع تكاليفها.

————————-

تفاهمات روسية تركية في إدلب وبوتين يدرس عرضا بشأن نفط دير الزور

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بإدلب السورية يسير بشكل جيد، رغم أنه مؤقت، كاشفا أنه قدم عرضا لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن حقول النفط في دير الزور.

وأوضح أردوغان في حديثه للصحفيين على متن الطائرة أثناء عودته من العاصمة البلجيكية بروكسل، أن وقف إطلاق النار في سوريا “يسير بشكل جيد وإن كان مؤقتا، وأتمنى أن يدوم كذلك ويتحول إلى وقف إطلاق نار دائم”.

كما كشف أنه طلب من بوتين المشاركة في إدارة حقول النفط بدير الزور شمال شرقي سوريا بدلا من “استغلال الإرهابيين” لها، وقال “عرضت على السيد بوتين أنه إذا قدم الدعم الاقتصادي فبإمكاننا إقامة البنية، ومن خلال النفط المستخرج هنا، يمكننا مساعدة سوريا المدمرة في الوقوف على قدميها”.

وأضاف أردوغان أن بوتين يدرس العرض، مضيفا أنه يمكنه تقديم عرض مماثل للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وجاء لقاء أردوغان وبوتين الأسبوع الماضي لبحث المستجدات في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، إثر التصعيد الأخير الذي شهدته المنطقة وبلغ ذروته بمقتل 33 جنديا تركيا جراء قصف جوي لقوات النظام السوري على منطقة خفض التصعيد. وإثر ذلك أطلقت تركيا عملية “درع الربيع” ضد قوات النظام السوري هناك.

رقابة مشتركة

وفي سياق التفاهمات التركية الروسية في إدلب، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم إن الجيش التركي سيتكفل بالرقابة على الجزء الواقع شمال ممر أمني أقيم حول طريق سريع في محافظة إدلب، بينما سيخضع الجزء الجنوبي لرقابة القوات الروسية.

ويعد الاتفاق على هذا الممر جزءا من اتفاق لوقف إطلاق النار توصلت إليه تركيا وروسيا الأسبوع الماضي لوقف القتال الدائر في إدلب، الذي أدى إلى نزوح قرابة مليون شخص خلال ثلاثة أشهر، وأثار احتمال وقوع اشتباك عسكري بين تركيا وروسيا.

وقال جاويش أوغلو في مقابلة مع وكالة أنباء “الأناضول” الحكومية إن وفدا عسكريا روسيا وصل اليوم إلى أنقرة لإجراء محادثات حول تفاصيل الاتفاق. ومن المقرر الاتفاق على تفاصيل الممر الأمني الذي يمتد ستة كيلومترات شمالي الطريق السريع “إم4” ومثلها جنوبه خلال سبعة أيام من إبرام الاتفاق.

وبمقتضى الاتفاق سيبدأ تسيير دوريات تركية روسية مشتركة على امتداد الطريق السريع نفسه يوم 15 مارس/آذار الجاري.

وقال الوزير التركي إن روسيا ستضمن عدم محاولة قوات النظام السوري دخول الممر، وإن المعارضة المدعومة من تركيا ستظل في مواقعها.

ويؤيد البلدان (روسيا وتركيا) أطرافا مختلفة في الحرب السورية الدائرة منذ تسعة أعوام، إذ تساند موسكو الرئيس بشار الأسد، بينما تدعم أنقرة بعض الجماعات المعارضة. وسبق أن انهارت عدة اتفاقات سابقة لوقف الاشتباكات في إدلب.

المصدر : وكالات

—————————

==============================

================================

=======================

تحديث 13 أذار 2020

إدلب .. هل الشفاء من جنس المرض؟/ راتب شعبو

لا يمكن لذي عقلٍ أن يأخذ على أهلنا في إدلب ترحيبهم بالجيش التركي، فهم يعيشون في رعبٍ دائم جرّاء قصفٍ مستمر على يد نظام الأرض المحروقة الأسدي وحلفائه الروس، حتى عرّف أحدهم الحياة هناك بأنها “هروبٌ مستمر من السماء” التي باتت مصدراً ثابتاً لشتّى أشكال الموت. إذا كان الجيش التركي قادراً على لجم آلة الموت ووقف تقدّمها، من الطبيعي أن يكون، في نظر الأهالي، محط ترحيبٍ وتقدير، بصرف النظر عن الغايات النهائية لهذا الجيش، وعن الموقف السياسي من الحكومة التركية وسياساتها. “الغريق يتعلق بأردوغان”، كما قالت إحدى عبارات كفرنبل.

السؤال الأولي: ما هي المصلحة التركية من الدخول العسكري المباشر إلى إدلب وتحملها، حتى الآن، خسارة عشرات الجنود، فضلاً عن المخاطرة في حدوث مواجهة مع روسيا؟ إيران وروسيا تدخلان المعركة لدعم حليفٍ يؤمن لهما مصالحهما في “الدولة السورية”، فما هي المصلحة التركية في الدخول العسكري المباشر في الصراع حول إدلب، حيث لا وجود ثمّة للخطر الكردي الذي شكّل على طول الخط هاجساً تركياً؟

بديهي أن للدولة التركية، كأي دولة، مصالح وحسابات تحرّكها وتعلو على حماية المدنيين، وقد خبر السوريون ذلك مراراً، من أبرزها صفقة شرقي حلب مقابل مدينة الباب مع روسيا في العام 2016، ثم إغلاق الحدود في وجه اللاجئين من جحيم إدلب اليوم، إلى درجة فتح النار وقتل من يجرؤون على عبور الحدود، ثم الاتفاق أخيرا بين الرئيسين، الروسي بوتين والتركي أردوغان، الذي يتراجع فيه الأتراك عن حدود اتفاق سوتشي، ربما مقابل مكاسب “تركية” في محل آخر.

أكثر المتحمسين السوريين لتركيا، ولزعامة أردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي، لا يصل به الأمر إلى حد الاعتقاد بأن السوري يعادل التركي، ليس فقط سياسياً بل وإنسانياً أيضاً، في منظور الحكومة التركية الإسلامية، ولا يخرج هذا عن منطق الأمور، ولكنه يعني أن القبول بسيطرة تركية على مناطق سورية، أينما كانت، هو قبولٌ بأن يكون السوري في مرتبةٍ ثانيةٍ بالقياس إلى التركي. هذا تمييز سلبي “استعماري” عريق، لا يمكن تخطّيه سياسياً إلا بأحد خيارين: “الاستقلال” التام، أو الانضمام إلى البلد المستعمر أو المسيطر.

إذا مضينا أبعد على هذا الخط من التفكير، سنقول إن خيار “الاستقلال” عن السيطرة التركية، مع استمرار نظام الأسد، سوف يعني العودة إلى تحت حكم الأسد، على اعتبار أنه لا يزال هو من يمثل الدولة السورية في نظر المجتمع الدولي. تنطوي هذه العودة على مخاطر انتقامية فظيعة، تطاول حتى الأموات، ناجمة عن البنية العدوانية “العصبوية” لطغمة الحكم، مخاطر يدركها السوريون جيداً، ولا سيما منهم من عاش تجربة الوقوع مجدّداً تحت سيطرة نظام الأسد بعد خروج منطقته من تحت هذه السيطرة.

في المقابلة التي أجرتها قناة روسيا 24 مع رأس الطغمة، يعترف هذا، في الإجابة عن سؤال عن أول الإجراءات التي يقوم بها النظام حين يستعيد مدينة ما، بأن المدينة تكون خالية من المدنيين حين تدخلها قواته، ويستدرك مفسرا ذلك بأن المدنيين يتركون المدينة حين يدخلها “الإرهابيون”، ولكنه لا يفسّر لماذا تنشأ موجات اللجوء بالتوازي مع تقدّم قواته على الأرض. يقول هذا الواقع إن نشوء مطالب استقلالية في مناطق سيطرة تركيا في ظل استمرار نظام الأسد هو ضرب من المستحيل، إلا إذا كان استقلالاً مزدوجاً عن تركيا وعن نظام الأسد معاً. وفي هذه الحال، نكون أمام بروز دولة جديدة لا يبدو أن المجتمع الدولي جاهز لها.

يبقى الخيار الثاني لتجاوز التمييز السلبي الاستعماري بحق السوريين الواقعين تحت السيطرة التركية، في حال تكرّست هذه السيطرة، وهو الانضمام إلى تركيا للالتحاق ببقية الأراضي السورية التي صارت في عداد الأراضي التركية. على الرغم من أن الشهية التركية مفتوحة لمثل هذا الحل، وعلى الرغم من أن المزاج الشعبي في هذه المناطق لن يكون معارضاً له، بل سوف يرحب به، غالباً بوصفه طريقاً بديلاً للخلاص من نظام الأسد الذي عجزوا، حتى الآن، عن إطاحته، لكن يبدو أن عدم جاهزية المجتمع الدولي لقبول بروز دولةٍ سوريةٍ ثانية، تنسحب أيضاً على قبول ضم أراض سورية إلى الدولة التركية، ما يعني أن هذا الحل غير محتمل أيضاً.

بين هذين الاحتمالين، يبرز خيار ثالث، قيام منطقة حكم ذاتي سورية تحت حماية دولية وإشراف تركي بحكم الجوار، وبحكم المزاج الشعبي العام المتقبل للدور التركي. قد يكون هذا الخيار هو الحلم الذي يدغدغ مخيلة زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، في مقابلته مع مجموعة الأزمات الدولية في أواخر يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، حيث يهبط الجولاني فجأة من سماء المستحيل إلى أرض الواقع، ليؤكد “تأثرت بالوسط السلفي الجهادي الذي انبثق من الرغبة في مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق، ولكن مرجعنا اليوم هو الواقع على الأرض”، وعلى هذا “إذا طلبت مني أن أكون واقعياً، وأن أقبل أنه لا توجد إرادة دولية لإحداث تغيير في النظام، فيجب أن يكون العالم واقعياً، وأن يقبل أن أكثر من نصف سكان سورية اختاروا عدم العيش تحت سيطرة النظام السوري”، ويضيف “مبادئنا الأساسية واضحة وهي تحقيق الاستقرار في المنطقة الخاضعة لسيطرتنا وإدارتها”، كما لا يتردّد في طمأنة الروس والعالم إلى نوايا هيئة تحرير الشام في التزامها بإصلاح نفسها وبوقف إطلاق النار، ووقف الهجمات على مطار حميميم ومناطق سيطرة النظام خارج إدلب، سواء منها أو من المجموعات الجهادية الصغيرة الأكثر تشدّداً، وباحتواء الجهاديين الأجانب الموجودين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية.. إلخ. مع التشديد، في الوقت نفسه، على أن اقتلاع الهيئة من معقلها الأخير سوف يعني كارثةً إنسانية بمقاييس غير مسبوقة.

تصريح الجولاني هذا، وما سبقه وأعقبه من سلوك عسكري للهيئة إزاء تقدّم قوات نظام الأسد في إدلب، هو مسعىً واع من “متحوِّل” أو براغماتي الهيئة إلى صياغة نفسه على شاكلةٍ تناسب الخيار الثالث المذكور أعلاه، والذي يمكن أن يكون حلا متوسط الأمد في سورية، ذلك أنه لا يمكن أن يكون نهائياً. على أمل أن يتاح للجولاني الوقت والفرصة للتحول المناسب للدخول في ما يمكن أن يكون تركيبة الحل النهائي.

في هذا الحل المتوسط الأمد (منطقة محمية دولياً بإشراف تركي وإدارة محلية سورية)، مصلحة مشتركة بين تركيا التوسعية والهيئة التي أثبتت مقدرة على الثبات العسكري وعلى التكيف، والتي من الراجح أن تكون الجهة الأقدر على حكم هذه المنطقة، إذا قيض لها أن ترى النور.

العربي الجديد

———————————–

من جورجيا إلى إدلب:كيف تذوي أمريكا/ إياد الجعفري

لا يبدو أن “الأمريكي” قادمٌ في وقت قريب، لتغيير موازين القوى المأساوية في إدلب ومحيطها، كما راهن الكثير من الكُتّاب والمراقبين السوريين، خلال التوتر العسكري الأخير، بين تركيا وروسيا، في تلك الزاوية المحتقنة من سوريا. بل يبدو جلياً للعيان، أن قمة بوتين – أردوغان الأخيرة، كانت إشعاراً لا يقبل الكثير من الجدل، يُفيد بخيبة أمل أنقرة من أي دعم جدّي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الغرب الأوروبي، الذي يحتاج للدعم، في مواجهة الروسي، وليس العكس.

رهان شريحة من السوريين على الأمريكي، مفهوم، ومتجدد. لكنه يرتكز إلى قراءة مغلوطة لطبيعة النظام العالمي الراهن، الذي لا يتعلق توصيفه فقط، بموازين القوى العسكرية والاقتصادية والعلمية، كما يفعل الكثير من المحللين، بطريقة تقليدية، عفا عليها الزمن، بل يتعلق بجانب آخر، يرتبط بالقواعد التي تحكم العلاقات بين أطرافه البارزة. وهو ما يغيب عن بال معظم المراهنين على أمريكا.

فأمريكا التي نعرفها، والتي ما تزال حتى اللحظة، أقوى قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية، في العالم، تذوي منذ أكثر من عقدٍ من الزمان، بعد أن اختبرت الحدود القصوى لما يمكن أن تفعله قوتها العسكرية المجردة، خلال حربين ضد دولتين ضعيفتين، هما أفغانستان والعراق، في مطلع العقد الماضي، لتخرج من هاتين الحربين، بخاتمة سلبية، تبدت مساوئها، منذ العام 2006، بصورة دفعت إلى إجماعٍ في أوساط النخبة الأمريكية الحاكمة، تجلى في تقرير “بيكر – هاملتون” الشهير، الذي أقرّ بحدود قدرة أمريكا العسكرية الصرفة، ودعا إلى العودة مجدداً، لاستخدام القوة الناعمة، والحد من استخدامات القدرات العسكرية الأمريكية، إلا في حالات تهدد الأمن القومي الأمريكي، بشكل مباشر.

ويُجمع مؤرخون ومنظّرون متخصصون، كُثر، بأن العام 2008، كان منعطفاً نوعياً، انتقل فيه العالم، بشكل واضح، من حالة “الأحادية القطبية”، التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، بلا منازع، إلى حالة “التعددية القطبية”، التي ما تزال تقرّ بالحضور الطاغي للقطب الأمريكي، لكن مع فقدانه لهيمنته المطلقة.

ففي صيف العام 2008، سحقت روسيا جارتها جورجيا، المقرّبة من الأمريكيين بشدة، والمرشحة لعضوية حلف شمال الأطلسي حينها، والتي تدربت قواتها على أيدي الأمريكيين والإسرائيليين. وخلال 5 أيام فقط، اجتاحت القوات الروسية أوسيتيا الجنوبية، وهدد تفوقها العسكري، العاصمة الجورجية نفسها، وكان رد الفعل الأمريكي والأوروبي، ضعيفاً، اقتصر على التنديد، مع العمل على وقف إطلاق النار باستخدام المساعي الدبلوماسية. وكان ذلك تحدّياً روسيّاً واضحاً لواشنطن، واجهته الأخيرة بدرجة كبيرة من ضبط النفس، في نهاية عقد من التدخل العسكري الفاشل. وللمفارقة، أن جورج بوش الابن، الذي دشّن حروب واشنطن في بداية ذلك العقد، هو من تلقى الإهانة الروسية، بدرجة عالية من ضبط النفس، في نهاية ولايته الثانية، في تعبير جلّي للغاية عن إدراك أمريكا لحدود قدراتها العسكرية، التي عجزت عن تحقيق النجاح المستدام في بلدين ضعيفين، كأفغانستان والعراق، فما بالك، بمواجهة مع ثاني أقوى قوة عسكرية عالمية، وهي روسيا.

بعد تلك الحادثة بشهر واحدٍ فقط، هزت أزمة مالية عالمية أمريكا والغرب، والعالم برمته، منذرةً بانهيار النموذج الليبرالي الغربي، وموجهةً ضربة قاصمة للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، إذ أعقب ذلك، صعود متسارع لمكانة الصين الدولية، الاقتصادية والسياسية.

المنعطف الثاني، كان في العام 2015، مع التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، والذي يعتبره مراقبون متخصصون في العلاقات الدولية، تعبيراً شديد الجلاء عن العبور إلى حالة “تعددية قطبية مضبوطة”، حيث كان ذلك التدخل بموافقة أمريكية، وكان تعبيراً عن رغبة النخبة الموجهة لصناعة القرار في واشنطن، بالانسحاب من معظم الملفات الساخنة غير الملحة للأمريكيين، حول العالم، أو تقاسم تكاليفها مع حلفاء أو حتى منافسين. وملأت روسيا الفراغ الأمريكي، في سوريا، وكانت تلك إشارة البدء كي تتحرك قوى إقليمية ودولية عديدة، لملء الفراغ الأمريكي، في أكثر من مكان حول العالم.

ومنذ العام 2015، وحتى الساعة، تحكم الصراع والتنافس بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، في سوريا، وفي مناطق أخرى من العالم، جملة من “قواعد اللعب”، التي تسمح بعدم انجرار المتنافسين والمتصارعين إلى حالة صراع “بلا قواعد”، قد تتحول إلى صراع وجودي. هذا الانضباط، الذي تمارسه دول في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وكذلك تركيا وإيران وإسرائيل، ولاعبين آخرين في أماكن أخرى من العالم، ضروري، كي لا تنهار حالة “التعددية القطبية”، لتتحول إلى حالة فوضى عارمة، تجرّ المشاركين فيها إلى حروب وجودية، من قبيل ما حدث في الحربين العالميتين الأولى الثانية، في القرن العشرين.

خلاصة ما سبق، أن أمريكا، كقوة طاغية فاعلة في العالم، تذوي منذ العام 2008، بإجماع معظم المتخصصين في العلاقات الدولية. والأحداث الكبرى التي بدأت بجورجيا عام 2008، ولن تنتهي بما حدث في إدلب، مؤخراً، حيث تخلت أمريكا عن حليفها التقليدي القديم، تركيا، في مواجهة الدب الروسي، تؤكد تلك الحقيقة. لكن دعنا نقرّ في المقابل، بأن رهان بعض السوريين على أمريكا، لموازنة الرجحان الروسي في سوريا، مفهوم موضوعياً. ذلك أن تخلي أمريكا عن حلفائها، والتخلي عن أدوارٍ فاعلة في دول، قد لا تحوي مصالح مباشرة تهم واشنطن، كسوريا مثلاً، تعني خسارة القطب الأمريكي، للمزيد من هيبته ونفوذه العالمي، لصالح قوى صاعدة بسرعة، كـ روسيا والصين. وأخرى، أقل حجماً، كـ إيران. تلك المعضلة، يحاول الأمريكيون مواجهتها باستخدام أساليب القوة الناعمة، التي يمتلكونها، والتي تبدو هي الأخرى، في حالة “ذبول” مستمر، مقارنة بتنامي قوة الصين الناعمة، وشراسة قوة روسيا العسكرية المباشرة.

إذا كان لا يزال هناك شكوك لدى أحد من السوريين، بأن أمريكا ليست موضع رهان، لتعديل موازين القوى المختلة في سوريا، عليه فقط أن يتذكر ذلك الاتفاق الذي وقعته واشنطن، أخيراً، مع حركة “طالبان”، والذي هلل له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوصفه طوق نجاة للخروج من أفغانستان، حتى لو كان ذلك يعني، استعادة طالبان لكامل تلك الدولة الواقعة في وسط آسيا.

باختصار، أمريكا، لا يمكن الرهان عليها، في سوريا، ولا يعني ذلك، بالضرورة، غلق قنوات التواصل والتفاعل مع المسؤولين الأمريكيين المعنيين بالشأن السوري، لكنه يعني، أن فهم الأمور القائمة في النظام العالمي الراهن، على حقيقتها، مهما كانت مؤلمة، مهمٌ جداً، للبحث بشكل موضوعي وعقلاني، عن سبلٍ للتقليل من حدّة المأساة التي تعيشها شريحة واسعة من السوريين في شمال غرب البلاد، بدلاً من الرهان على الأمُنيات.

—————————–

سوريا رهينة صراعات دولية مع دخول الحرب عامها العاشر

بيروت: مع دخول الحرب عامها العاشر، تحوّلت سوريا إلى ساحة تتبارز على جبهاتها جيوش دولية ضخمة، وبلغت فيها المعاناة الإنسانية حداً غير مسبوق، فيما ذهبت هتافات صدحت بها حناجر مئات الآلاف من أبنائها المنادين بإسقاط النظام أدراج الرياح.

حين اندلعت الاحتجاجات السلمية منتصف آذار/ مارس 2011، لم يتخيل المتظاهرون أن مطالبهم بالديموقراطية والحريات ستكون مقدمة لأكبر حروب القرن الواحد والعشرين، التي قتل فيها أكثر من 380 ألف شخص وشُرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

بعد مرور تسع سنوات، ما زال الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة. وما زالت قواته، التي تدخّلت روسيا عسكرياً لصالحها عام 2015 وتتلقى دعماً إيرانياً، توسع نطاق سيطرتها، وآخرها تقدم استراتيجي في محافظة إدلب حيث سُجلت أسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع.

ورغم أن الحديث عن رحيل الأسد بات من الماضي، لكن سوريا اليوم مسرح لتوتر روسي – أمريكي من جهة، وروسي – تركي من جهة أخرى، وإيراني – إسرائيلي. وقد فجّر النزاع فيها أزمة هجرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث تؤرق أوروبا وترعبها.

ويقول الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش: “إنه ليس مجرد نزاع دولي بسيط.. تتواجه الولايات المتحدة وروسيا عبر وكلاء إقليميين” ولكل منهم مصالحه الخاصة.

قبل تسع سنوات، خطّ طلاب على جدار مدرستهم في محافظة درعا الجنوبية عبارة “إجاك الدور يا دكتور” متأثرين بتظاهرات “الربيع العربي”، ما مهّد لانطلاق شرارة احتجاجات رفعت شعار “إسقاط النظام” وتوسّعت لتشمل غالبية المحافظات.

لكن سلميّة التحرك تحطمت سريعاً بعد قمع عنيف ثم اندلاع نزاع مسلح دخلت على خطه تدريجياً دول عدة، خليجية كقطر والسعودية أرسلت مالاً وسلاحاً للمعارضين، وغربية وعربية صدحت ببيانات مطالبة برحيل الأسد.

وشكّل بروز التنظيمات الجهادية، على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، أول انقلاب على أحلام “الثوار” السلميين بدءاً من 2013. حينها تغيّر المشهد السياسي والعسكري. وفي العام اللاحق، تدخلت واشنطن على رأس تحالف دولي لشنّ “حرب على الإرهاب”، شكّل الأكراد رأس حربتها وانتهت بإعلان القضاء على “الخلافة” في آذار/ مارس 2019.

لكن تهديد التنظيم لم ينته، فخلاياه النائمة لا تزال قادرة على شنّ اعتداءات دموية.

– خمسة جيوش

مع سيطرة التنظيم المتطرف على محافظة دير الزور، غادر الناشط عمر أبو ليلى سوريا، واستمرّ في توثيق الأوضاع عبر موقعه “دير الزور 24”.

ويقول: “سوريا ازدادت دماراً وتشتتاً، وكل هذا يتحمل مسؤوليته المجتمع الدولي، الذي تغير شعاره من إسقاط الأسد، ليصبح مرتبطاً بحقبة ما بعد 2014” عام توسّع التنظيم الذي “ساهم وجوده في إطالة عمر نظام الأسد” بعد انصراف المجتمع الدولي عن “هدف ثورتنا الحقيقي” وإمساك روسيا بزمام الأمور.

وتنشط اليوم في سوريا خمسة جيوش نظامية على الأقل، غير المجموعات المحلية أو الخارجية الصغيرة الموالية لهذه الجهة أو تلك.

ينتشر إيرانيون من قوات “الحرس الثوري” ومقاتلون لبنانيون وعراقيون وقوات روسية بطائراتها وعسكرييها في مناطق سيطرة قوات النظام التي استعادت 70 في المئة تقريباً من مساحة البلاد.

ولعل أبرز أهداف طهران المعروفة هي ضمان طريق بري من إيران مروراً بالعراق فسوريا ولبنان والبحر المتوسط. ويتواجد الإيرانيون حالياً بقوة في البوكمال، أبرز المعابر الحدودية مع العراق.

في شمال شرق البلاد، تنتشر قوات أمريكية في مناطق سيطرة الأكراد، الذين أنشأوا إدارة ذاتية باتت مهددة بشدة، بعد شنّ تركيا ثالث هجوم عسكري على مناطقهم في تشرين الأول/ أكتوبر. وباتت أنقرة، التي تخشى حكماً ذاتياً كردياً قربها، تسيطر على منطقة حدودية واسعة. وتنشر قواتها في إدلب.

ويتذرّع الأمريكيون بـ”حماية حقول النفط”، وأبرزها في مناطق سيطرة الأكراد، فيما يرى مراقبون أن أحد أبرز أهدافهم هو التصدي للنفوذ الإيراني.

ولا تكفّ الطائرات الحربية الإسرائيلية عن اختراق الأجواء واستهداف مواقع لجيش النظام السوري أو للمقاتلين الإيرانيين وحزب الله، وهدفها المعلن منع الإيرانيين من ترسيخ وجودهم.

– “محميّة”

وبينما فرّ نحو مليون شخص في إدلب هرباً من هجوم شنّته قوات النظام في كانون الأول/ ديسمبر وانتهى بهدنة روسية تركية الشهر الحالي، تبقى أنظار العالم معلّقة على حدود اليونان بعدما فتحت أنقرة حدودها أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا.

وبعدما اكتظت حدود إدلب مع تركيا بالنازحين، تحاول أنقرة الضغط على أوروبا للحصول على مساعدات وإرساء منطقة “عازلة” تجمع فيها اللاجئين السوريين، الذين يتواجد 3,6 مليون منهم على أراضيها.

ويرى بالانش أن ما ينتظر إدلب هو أن تتحول مناطق سيطرة الفصائل فيها “إلى (قطاع غزة) في الشمال ملتصق بالحدود التركية”، أي منطقة مكتظة ومطوقة تماماً.

ويرجّح أن يكون العام الحالي “ومن دون شكّ، الأخير الذي نشهد فيه نزاعاً مفتوحاً”، متوقعاً تحوّل سوريا “محمية روسية إيرانية، مع احتلال تركي في الشمال”.

ورغم ما يعنيه ذلك من إضعاف للنظام الذي يواجه تحديّات اقتصادية جمّة، يرى بالانش أن “الأسد سيبقى في السلطة وسيُعاد انتخابه في 2021″، مشيراً إلى أن النظام “سيحكم بقبضة من حديد، وأولويته ستكون تعزيز النظام الأمني مجدداً”.

وتشهد مناطق عدة استعادتها دمشق اعتقالات واسعة واستدعاءات للخدمة الإلزامية، ما يثير ذعر كثر وافقوا على البقاء فيها آملين بتسوية تشفع لهم لدى مراكز الأمن ذائعة الصيت.

ويقول عمر الحريري، الناشط المعارض الذي غادر البلاد بعد استعادة قوات النظام لمحافظته درعا: “لم نتوقع أن نصل إلى ما نحن عليه اليوم، وأن نخسر هذا العدد من الشهداء”.

ويضيف: “إذا سألنا كل الناس اليوم ما إذا كانوا يريدون العودة إلى ما قبل 2011، قد تجيب الغالبية بنعم، لكنّ الكلمة لم تعد تنفع، بلغنا هذا الوضع، وانتهى”.

(أ ف ب)

———————————

نعرف ماذا فعل أردوغان .. ماذا عن أوروبا؟/ أرنست خوري

الذين يتّهمون رجب طيب أردوغان باستغلال ورقة المهجّرين السوريين في صراعه مع أوروبا لا يضيفون شيئاً إلى الحقل المعرفي. نعم، أردوغان يتعاطى مع قضية اللاجئين ورقة سياسية بالفعل، وهذا ليس تحليلاً أو محاكمة للنوايا، بل حقيقة مؤسفة. حقيقة شهدت بروكسل، قبل يومين، أحد فصولها عندما كان الرئيس التركي يفاوض قادة الاتحاد الأوروبي على “صفقة” جديدة لتعديل اتفاقيات مارس/ آذار 2016 التي وقفت تركيا بموجبها حائط صدّ في وجه وصول اللاجئين إلى أوروبا في مقابل ستة مليارات يورو، كان يجب أن يعطيها الاتحاد إلى أنقرة “لتحسين ظروف اللاجئين في تركيا”، أي لكي يبقوا هناك، فضلاً عن إعفاء المواطنين الأتراك من شرط نيل تأشيرة دخول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. لم يحصل هذا ولا ذاك على كل حال.

إذاً نعرف ما الذي فعله ولا يزال يفعله أردوغان. لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو ما الذي فعلته أوروبا للاجئين عموماً، وللمهجّرين السوريين خصوصاً، غير تصوير استقبال ألمانيا أقل من 11 ألفاً منهم منذ عام 2015 كأنه إنجاز تاريخي يسجّل على جبين الإنسانية، حتى تدفع أنجيلا ميركل ثمنه سياسياً من شعبيتها اليوم؟ ما الذي فعلته أوروبا غير إظهار أعلى درجات الازدراء بحياة بشر طالما أنهم من خارج نادي الرجل الأبيض، بالتالي لا يستحقون إلا التعاطي معهم كزبائن للعولمة النيوليبرالية، لا كشركاء فيها. هي العولمة التي قامت على مبدأ فتح الحدود أمام البضائع والسلع، لا أمام حركة البشر. ماذا فعلت أوروبا لشعوبٍ هاربةٍ من موتها المحتم غير البحث في أفضل أشكال إعادة الشرعية إلى أنظمة دموية هي السبب في مأساة الملايين الذين تتبرّم منهم أوروبا، أو تتركهم يموتون غرقاً أو جوعاً أو برداً؟ ما الذي فعلته أوروبا غير بناء جدرانٍ في وجههم، وتعزيز أمن حدودها بكلفة وصلت إلى 15 مليار يورو، بحسب ما يخبرنا أحد أرقى من أنجبتهم أوروبا، جان زيغلر، أو توظيف نخبها قضيتهم في شعاراتٍ شعبويةٍ يمينية متطرّفة عند كل استحقاق انتخابي؟

هذا ما يتعلق بما فعلته حكومات أوروبا للهاربين من الموت في بلادهم. أما ما يتعلق بشعوب أوروبا، فهم، بلغة زيغلر نفسه، “يمسكون بسلطة العار”. صحيحٌ أنه يصعب شمول كل الأوروبيين اليوم في فئة واحدة اسمها كارهو الأجانب الفقراء، على الرغم من المد الشعبوي والفاشي القياسي، وتراجع تيار اليسار الديمقراطي إلى حدود الاضمحلال. ولكن مسؤولية الشعوب الأوروبية عن عدم الضغط بما يكفي على حكوماتهم لتعيد النظر بأدوات التعامل اللاإنساني مع المهجرين، تبقى كبيرة، فالصمت جريمة أيضاً، أو تواطؤ في أدنى تقدير، “لأنني كمواطن أوروبي إذا قرّرت السكوت كل هذه الفترة، أكون قد شاركت في مؤامرة الصمت التي تسمح بحصول مثل هذه الانتهاكات” بحق اللاجئين في مخيمات جزيرة ليسبوس اليونانية التي زارها زيغلر، صاحب التصريح، في مايو/ أيار الماضي، وكتب عنها مؤلفه “ليسبوس، عار أوروبا”.

يعترف الاتحاد الأوروبي بأن تركيا التزمت ببنود اتفاقية 2016 من طرف واحد تقريباً، بدليل أن “وصول اللاجئين غير المنتظم (إلى أوروبا) أصبح أقل بنسبة 97% عن الفترة السابقة منذ بدء سريان الصفقة، في حين انخفض عدد المفقودين في البحر بشكل كبير”، بحسب ما ينص بيان صادر عن الاتحاد أخيراً.

في المقابل، لا المبلغ الكامل دُفع للسلطات في أنقرة، ولا أزيل حاجز تأشيرة الدخول من طريق المواطنين الأتراك الراغبين بدخول منطقة شنغن. وما الخلاصة التي فهمها قادة الاتحاد من فتح تركيا الطريق أمام المهجّرين أخيراً باتجاه البحر أو صوب الحدود اليونانية؟ دراسة احتمال إبقاء 1500 قاصر وقاصرة ممن بلغوا الأراضي اليونانية منذ أكثر من أسبوع. استهزاءٌ كهذا لا تليق به أكثر من مشاهد اعتداء الشرطة اليونانية على عابري الحدود. سلوكٌ كهذا هو ترجمة حرفية للموقف الأيديولوجي الذي كان يجسّده بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بعبارته “الاتحاد الأوروبي هو نادٍ مسيحي”.

ومثلما يخبرنا جان زيغلر نفسه، فإن استقبال اللاجئين في أوروبا، ومقاومة سياسات أردوغان في هذا الشأن، أمر ممكن.

العربي الجديد

—————————

تركيا الفائزة والخاسرة في إدلب/ عائشة كربات

أسفرت المحادثات التي استمرت ست ساعات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 5 آذار/مارس في موسكو عن الآتي: حلول مؤقتة بما في ذلك وقف إطلاق نار هش، مصيرها الانتهاك؛ اتفاق مع بعض الشروط الغامضة وبعض الوقت للجانبين لإعداد الخطوة التالية. ومع ذلك، فقد استجاب لحاجة تركيا الملحة لوقف تدفق اللاجئين من إدلب باتجاهها، على الرغم من أنه في الوقت الراهن فقط.

الحل المؤقت هو الصفقة نفسها: منع الصراع التقليدي بين تركيا والنظام السوري في إدلب إذا لم يكن هناك استفزازات كبيرة. هذه نتيجة إيجابية أخرى للصفقة، لكن هذا لا يعني توقفاً للاشتباكات بين القوات المدعومة من تركيا والقوات السورية، والتي بدأت على أي حال حتى قبل أن يجف حبر الاتفاق في موسكو.

لكن قد تكون خريطة الصفقة أكثر دواماً. أعطت بعض المساحة لتركيا والجماعات المدعومة من تركيا في وسط وشمال وغرب إدلب رغم أنها ليست كبيرة كما أرادوا. لا تُسمى هذه المنطقة منطقة آمنة، ولكنها ستعمل من الناحية العملية على هذا النحو. ومع ذلك، فإن الخريطة نفسها، أعطت للنظام مساحة أكبر مما كسبه بالقتال.

إلى جانب ذلك، سيكون هناك ممر آمن بالقرب من الطريق السريع “إم4” الذي يمتد من الشرق إلى الغرب وهو أمر حيوي للغاية بالنسبة للنظام. الطريق المهم الآخر “إم5” يخضع بالكامل لسيطرة النظام الآن، لكن “إم4” ليس كذلك. هذا الممر الذي يمتد على بعد 6 كيلومترات إلى الشمال و6 كيلومترات إلى الجنوب لن يسيطر عليه النظام ولا المعارضة. يجب تطهير هذه المنطقة من “الإرهابيين” ولكن كيف، لم يتضح بعد. هذا هو غموض الآفاق المستقبلية للصفقة.

تشير الصفقة بشدة إلى تعريف الأمم المتحدة للإرهابيين، ويعني “هيئة التحرير الشام”، ولكن بالنسبة لتركيا إلى جانب الهيئة، فإن الجماعات الطائفية الأجنبية (تعني حزب الله وتلك المشابهة) “إرهابيون”.

غموض آخر هو مستقبل المعارضة على الأرض. المنطقة التي يسيطرون عليها أصغر الآن. تحرير الشام والجماعات المسلحة الأخرى ليست على علاقة جيدة، وبالتالي فإن الصراع الداخلي بينهم للسيطرة على هذه الأرض الأصغر سيتصاعد. يجب أن يكون الفائز في هذا الصراع في عالم مثالي مجموعة جاهزة للتقليل من راديكالية الآخرين؛ جيد بما فيه الكفاية ليؤخذ من الغرب كمحاور ومستعد للتوصل إلى اتفاق مع النظام إذا لزم الأمر. من الآن فصاعداً، سوف نسمع الكثير من المناقشات حول مستقبل الهيئة.

في الواقع، لا يتحدث نص الصفقة في موسكو عن وقف إطلاق النار ولكن عن وقف جميع الأعمال العسكرية. وهذا يعني أن عمليات النشر العسكرية ستتوقف أيضاً. لكن من المؤكد أن الواقع الجديد على الأرض يتطلب تعزيزات جديدة، وكيف وأين وتحت أي ظروف سيتم تحديدها على طاولة المفاوضات بين الوفدين العسكريين لتركيا وروسيا. لن يكون مفاجئاً إذا كان جدول المفاوضات هذا يخلق بعض التوترات.

المسألة الأخرى التي تركت الصفقة مفتوحة هي مستقبل نقاط المراقبة التركية ، بعضها محاط بالفعل بقوات النظام.

لكن على الرغم من كل شيء، تمكنت تركيا من إيقاف تدفق اللاجئين الجديد. الرأي العام التركي الذي لا يزال يشكك عموماً في ما تفعله تركيا في إدلب، سعيد برؤية الحدود التركية الأوروبية مفتوحة أمام اللاجئين للمغادرة. يمكن اعتبار هذا التأثير الجانبي لآخر حلقة من الصراع في إدلب. ولكن تكلفة منع موجة جديدة من اللاجئين يعني أنه ستكون هناك مواقع دائمة للجيش التركي في إدلب.

سيكون هناك تداعيات دولية لهذه العملية أيضاً. تحاول تركيا موازنة روسيا مع الولايات المتحدة، لكن الحلقة الأخيرة أظهرت أنها تزداد صعوبة مع مرور الوقت. بالتأكيد، ستكون هناك قضايا جديدة في جهود الموازنة هذه في المستقبل القريب، لأنه لن يكون مفاجئاً أن قوات النظام بعد توقف مؤقت، تستهدف شرق الفرات، حيث تحرس وحدات حماية الشعب الكردية النفط والماء والأراضي المنتجة بمساعدة الولايات المتحدة. عندما يأتي هذا اليوم، ستظهر مخاطر وفرص جديدة لتركيا.

ولكن بغض النظر عن ما كسبته تركيا في الحلقة الأخيرة ، فقد أضرت بموقفها الأخلاقي “المتفوق”، وذلك باستخدام اللاجئين كبطاقة.

المدن

————————–

3 منظومات دفاعية للنظام أثبتت فشلها على جبهات إدلب

كشفت طائرات مسيّرة تركية، خلال مشاركتها في الأعمال القتالية في إدلب، صوراً لأنواع عديدة من منظومات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري.

ووفق مقاطع مصورة نشرتها وزارة الدفاع التركية، التقطت عدسات الطائرات المسيّرة (درون) صوراً لثلاثة أنواع من المنظومات الدفاعية، بينها المتخصصة بإسقاط الأهداف القريبة والمتوسطة المدى، من طائرات حربية ومسيّرات ومروحيات وصواريخ باليستية وصواريخ كروز.

ولاحظ خبراء عسكريون أن المنظومات بأنواعها الثلاثة متخصصة بإسقاط الأهداف القريبة والمتوسطة المدى، من طائرات حربية ومسيّرات (درون) ومروحيات وصواريخ باليستية وكروز.

ورأى الخبراء أن هذه المنظومات أثبتت عدم جاهزيتها لخوض معارك ضد قوات نظامية تملك سلاحاً جوياً كتركيا، كما أثبتت فشلها بصد الاعتداءات الإسرائيلية سابقاً، إذ قتلت طائرات “درون” التركية عناصر تابعين للنظام وميليشياته، كما وثقت وزارة الدفاع التركية قصف أرتال للنظام بواسطتها خلال معارك إدلب قبل الاتفاق الهدنة الموقعة أخيراً بين روسيا وتركيا.

منظومة صواريخ “تور إم- 2”

أُنتجت سبع نسخ من منظومات “تور إم- 2” للدفاع الجوي، يتميز كل منها عن الآخر في نوع التسليح الصاروخي، وتصميم المركبة الحاملة للمنظومة.

منظومة صواريخ “تور إم- 2”

وتعتبر منظومة صواريخ مضادة للطائرات ذاتية الحركة قصيرة المدى، تعمل في الارتفاعات المنخفضة والمنخفضة جدًا وفي جميع الأحوال الجوية، صُممت للتعامل مع الطائرات الحربية والطائرات المروحية ودون طيار وصواريخ “الكروز” وقنابل الطائرات الموجهة، والصواريخ الباليستية القصيرة المدى.

ويتكون طاقم المنظومة من أربعة أفراد (ثلاثة مشغلين وسائق)، وقادرة على كشف وتتبع الأهداف الجوية في أثناء التحرك، لكنها تحتاج إلى وقفة قصيرة لإطلاق الصواريخ وتوجيهها في الجو.

ويقدر زمن رد فعل النظام من لحظة اكتشاف الهدف حتى إطلاق الصاروخ، بين أربع وثماني ثوانٍ حسب نظام الإطلاق المستخدم. ويتراوح زمن دورة الاشتباك من لحظة اكتشاف الهدف حتى تدميره من عشر إلى 25 ثانية، حسب سرعة الهدف وحجمه وارتفاعه ومساره.

أما مدى التدمير فيقدر بين كيلومتر واحد و12 كيلومترًا، وارتفاع بين عشرة أمتار وعشرة كيلومترات، وتحتاج إلى ثلاث دقائق للجاهزية، وتشتبك مع أربعة أهداف خلال اللحظة ذاتها.

 منظومة صواريخ “Pantir-S1”

تعتبر منظومة صواريخ “Pantir-S1″ منظومة صواريخ أرض-جو، قصيرة ومتوسطة ​​المدى، تتكون من 12 صاروخًا أرضيًا موجهًا، ومدفعين آليين عيار 30 ميليمترًا، للإطلاق على الطائرات الحربية و”درون” والمروحيات والصواريخ الباليستية وصواريخ “كروز”.

منظومة صواريخ “Pantir-S1”

تُحمل المنظومة على عربة إما بعجلات أو مجنزرة أو على السفن البحرية، ويمكن أن تثبت على قاعدة أرضية.

تستطيع تدمير الأهداف الجوية البعيدة عنها من مسافة 1.2 إلى 20 كيلومترًا، وعلى ارتفاع يتراوح ما بين 15 مترًا و15 كيلومترًا.

تتوجه المنظومة إلى الهدف بنفسها وتحتاج لضغط زر الإطلاق من قبل العسكريين لتنفذ الهجمات الدفاعية.

وتطلق النار على الأهداف في أثناء الحركة والتوقف، وتحتاج من أربع إلى ست ثوانٍ لإطلاق النار، وبإمكانها متابعة 20 هدفًا في وقت واحد، وإطلاق الصواريخ على أربعة منها.

اعتُمدت في الخدمة لدى القوات المسلحة الروسية عام 2008، وطلبت سوريا نحو 50 منظومة منها، بدأت بتسلمها عام 2007.

استطاعت تركيا عبر طائرات دون طيار تدمير إحدى المنظومات في معارك إدلب الأخيرة، كما أصابت إسرائيل إحدى المنظومات بقذيفة جنوبي سوريا، وبرر الخبراء الروس سبب عدم تدمير القذيفة قبل إصابتها بعدم تشغيلها.

منظومة صواريخ “S- 125 Pechora”

أما منظومة صواريخ “S- 125 Pechora” فهي منظومة صواريخ أرض- جو، مصممة للعمل على متن مركبات، طاقمها مكون من فردين فقط، مخصصة لضرب الأهداف الجوية في المدى القصير والمتوسط.

منظومة صواريخ “S- 125 Pechora”

توجد أنواع عديدة من صواريخها، يتراوح مداها بين أربعة و25 كيلومترًا، وتستطيع إصابة الأهداف على ارتفاع بين 100 متر و14 كيلومترًا.

تحمل مركبة الإطلاق أربعة صواريخ، ويمكن إعادة تذخيرها خلال 50 دقيقة، الرأس الحربي شديد الانفجار ووزنه 60 كيلوغرامًا، ويمكنه إصابة أهداف بشظاياه لحظة الانفجار في دائرة قطرها 650 مترًا، والتحكم في الصاروخ عن طريق موجات الراديو.

وتملك سوريا 12 منظومة بمساعدة روسيا، وتسلمت خلال الأعوام الماضية 12 مجموعة من صواريخ “S-125” التي عُدلت وطُورت في روسيا، لتقارب قدرتها القتالية قدرة وسائط الدفاع الجوي الحديثة.

وأُطلق على المجموعة المعدلة التي أصبحت ذاتية الحركة اسم “بيتشورا-2إم”.

————–

لا إمكانيات بمخيمات النزوح شمالي سورية لمحاربة كورونا/عبد الله البشير

تبدو مخيمات النازحين في مناطق شمال غربي سورية عاجزة عن الصمود بوجه فيروس كورونا المستجد، كونها تفتقر إلى المرافق الطبية إضافة إلى البنى التحتية، ما يجعل انتشار الفيروس واقعا حتميا قد يودي بحياة الآلاف من النازحين.

وعلى الرغم من خطورة الوضع، يبدو أن للنازحين أولويات تفوق تحسسهم لخطر كورونا، ولدى رامز خطيب، وهو أحد النازحين في مخيم قرب بلدة كفرتخاريم، ما هو أهم من التفكير بالوقاية من الفيروس، كالتفكير ببيت يؤويه هو وعائلته، على حد تعبيره.

ويقول الأربعيني، لـ”العربي الجديد”، ساخراً من الواقع الحالي: “نحن النازحون في حجر صحي في الحقيقة، معزولون عن العالم الخارجي، فكيف يصل إلينا المرض؟”.

ويستكمل سخريته قائلاً “بعد تسعة أعوام من القتل والتهجير والخوف والرعب الذي عشناه، أعتقد أن الحديث عن كورونا في الوقت الحالي أمامنا قد لا يكون مجدياً، فحزن الأم التي فقدت ولدها والشقيق الذي فقد شقيقه، والأب الذي يأمل أن يعلم شيئاً عن مصير ابنه في المعتقل هو الشغل الشاغل للجميع هنا”.

ويتضح من وجهة نظر رامز أنّ عتبة الألم لدى السوريين باتت بمستويات مرتفعة، فالمآسي التي أصابتهم على مر السنوات التسع الماضية من عمر الثورة السورية جعلت من الموت حدثاً عادياً، بحسب رامز الذي يشير إلى أنّ “كل يوم يمر يحمل حزناً جديداً وجنازة جديدة إن لم تحدث فيه مجزرة”.

في المقابل، ورغم كل المآسي، هناك من يتحسس مخاطر فيروس كورونا، إذ يقول علاء خضر (36 عاماً)، وهو نازح في مخيم بالقرب من بلدة دير حسان شمالي إدلب، لـ”العربي الجديد”، إنه “يتتبع الأخبار يومياً حول الفيروس المستجد”، متوجساً في الوقت نفسه من وصوله إلى مخيمات النزوح.

ويوضح مخاوفه قائلاً إن: “الدول عاجزة عن التصدي لهذا الوباء بكل ما لديها من إمكانيات، فماذا نقول نحن المقيمين في هذه المخيمات؟”، مضيفاً “الذي قتل أهلنا وهجرنا من مدننا يستطيع وبسهولة أن يجعل مرضاً خطيراً مثل كورونا يتفشى بيننا، فالذي نبش القبور وأحرق جثث الأموات لديه الحقد الكافي لفعل ذلك”.

ويستدرك خضر قائلاً “لكني قرأت العديد من الأخبار حول طرق الوقاية من المرض والمقالات العلمية بخصوصه، وأتابع المستجدات والآراء حوله”، مضيفاً “المرض لن يأتينا إلا من مصدر خارجي وهذا ما نسلم به في الوقت الحالي، لذلك نرجو أن نبقى هكذا في مخيماتنا مقطوعين عن العالم الخارجي”.

من جهته، يعلّق مدير “منسقو استجابة سورية” محمد حلاج على الواقع الحالي في المخيمات وما فيها من إمكانيات لمواجهة كورونا، قائلاً لـ”العربي الجديد”، إنّ “هناك حملات توعية لكنها ضعيفة ولا استشعار حقيقيا لخطر وصول الفيروس إلى مخيمات النازحين والمخيمات العشوائية”.

ويشير في هذا الصدد إلى أنّ “المعابر مع النظام مفتوحة وإمكانية وصول أحد المصابين عبرها إلى المنطقة أمر وارد وغير مستبعد أبداً”، نافياً “إمكانية القدرة على كشف المرض في حال حدوث إصابات لغياب التجهيزات”.

ويحذّر حلاج من أن انتشار الفيروس في مخيمات النزوح سيسبب كارثة لجهة عدم القدرة على السيطرة عليه.

وكان فريق “منسقو استجابة سورية” قد عرض في بيان، أمس الخميس، خطوات وقائية لمنع وصول الفيروس إلى منطقة الشمال السوري، خاصة المخيمات في ريف إدلب.

وطالب الفريق في بيانه بإغلاق المعابر مع النظام السوري بشكل كامل، وذلك بالتزامن مع ورود أنباء عن انتشار حالات إصابة في مناطق سيطرته.

كما دعا إلى وجوب إيجاد غرف لعزل المرضى، خاصة في مناطق المخيمات، مطالباً بالإسراع بتوفير المستلزمات ومعدات الحماية والوقاية الشخصية للكوادر الطبية.

كذلك شدد على ضرورة وجود معدات تعقيم في المدارس والمخيمات، بالإضافة إلى دعم فرق الاستجابة التابعة لمديريات الصحة والمنظمات الطبية.

وعلى الرغم من انتشار فيروس كورونا في 114 دولة حول العالم، بحسب إحصائيات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، إلا أن وزارة الصحة التابعة للنظام نفت بشكل مطلق تسجيل أي إصابة في سورية، الأمر الذي قوبل بالتكذيب من جهات محلية عدةّ، معتبرين أن النظام يتعمد إخفاء المعلومات حول الإصابات بالمرض.

العربي الجديد

——————–

إدلب:غموض في الإتفاقات…والنظام يستعد لإدارة طريق”إم4

يواصل خبراء عسكريون وأمنيون أتراك وروس البحث في العاصمة التركية أنقرة، في وضع آليات عملية لتطبيق الإتفاق بين البلدين، والذي أفضى إلى تهدئة  في إدلب.

وناقش الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، في إتصال هاتفي مساء الخميس، مسألة تطبيق الإتفاق. وقال الكرملين في بيان إنه “جرت مناقشة القضايا المتعلّقة بتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال القمة الروسية-التركية.. وأشير بارتياح إلى الانخفاض الكبير في التوتر في منطقة خفض التصعيد في إدلب”.

كما اتفق بوتين وأردوغان، وفق البيان، على”مواصلة الحوار المنتظم على مختلف المستويات، بما في ذلك الاتصالات الشخصية”.

من جهتها أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن وقف النار في إدلب “يُحترم عامة”، وقالت إنه “في المدة الأخيرة، تم التغلب على تصاعد خطير للتوتر، وقد أصبح ذلك ممكناً بفضل الاتفاقات”.

وأشارت زاخاروفا إلى أن “البروتوكول الإضافي لمذكرة 17 أيلول 2018 الموقّع في نهاية اللقاء الثنائي سمح بوقف الأعمال العدائية في المنطقة، والمشاورات جارية بين وزارتي الدفاع لضمان التنفيذ الكامل”.

وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قد كشف أن بلاده أنجزت تفاهمات مهمة مع الوفد العسكري الروسي بخصوص إدلب، مشيراً الى إن قواته “ستستأنف عملياتها من حيث توقفت في حال فشل الهدنة في إدلب”.

وفي السياق كشف مسؤول تركي بارز ل”رويترز”، أنه من المتوقع أن تتمخض المناقشات في أنقرة عن نتائج ملموسة، مؤكداً أن “تركيا مستعدة للرد على الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة السورية”.

وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه “حقيقة أننا نتحرك بشكل يتماشى مع الاتفاقيات تخلق شعوراً بالأمل في المستقبل. نحن نمضي قدماً”.

وفيما لم يعلن حتى الساعة بعد ثلاثة أيام من النقاش عن تفاصيل الاتفاقات عملياً، كشفت  مصادر إعلامية متقاطعة أن الوضع النهائي للعديد من المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية ويطالب النظام باستعادة السيطرة عليها لم يتم التوصل الى إتفاقات بشأنها، إضافة الى النقاط التركية المحاصرة من قوات النظام.

ومن المتوقع ان يشهد ال”أم4″ الأحد تسيير أول دورية مشتركة بين الجيشين التركي والروسي، نقلت وكالة “نوفوستي” الروسية عن مصدر عسكري أن تركيا بدأت بسحب الأسلحة الثقيلة من نقاط مراقبتها في محافظة إدلب.

في المقابل، بدأ النظام السوري يتعاطى مع الطريق الدولي وكأنه أصبح تحت سيطرته، وأعلن وزير النقل التابع للنظام علي حمود، أن الوزارة جاهزة لافتتاح طريق حلب اللاذقية ووضعه في الخدمة فور دخول اتفاق موسكو حيز التنفيذ.

وقال حمود إن كوادر المواصلات الطرقية استطاعت تجهيز طريق “أم4”  في المناطق التي “حرّرها الجيش” مشيراً إلى أن الوزارة “بانتظار التزام النظام التركي بتنفيذ الاتفاق لاستكمال تأهيل الطريق ووضعه بالخدمة”.

وأضاف الوزير السوري أن الوزارة وعبر المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية وبالتعاون مع محافظة اللاذقية باشرت بإزالة السواتر وإزالة الأنقاض.

ونقلت صحيفة “الوطن”، الموالية للنظام، عن مصدر ميداني قوله إن قوات النظام “متمسكة بالتهدئة لإنجاح مساعي موسكو في تطبيق الاتفاق الروسي التركي، ولا سيما تسيير دوريات مشتركة بين الطرفين على جانبي الطريق الدولي بين بلدتي ترنبة، غرب سراقب، وعين حور في ريف اللاذقية، قرب الحدود الإدارية الغربية لمحافظة إدلب، بحلول 15 الحالي، تمهيداً لفتح طريق عام حلب اللاذقية أمام حركة المرور”.

كما نقلت عن “خبراء” ترجيحهم أن تُسند لقوات النظام مهمة السيطرة على مدينتي أريحا وجسر الشغور، بالإضافة إلى بلدات أورم الجوز وكفر شلايا ومحمبل الواقعة على أوتوستراد سراقب اللاذقية، لوقوعها في الناحية الجنوبية منه والمخصصة لتسيير الدوريات الروسية بعرض 6 كيلومترات.

وأشارت المصادر إلى أن “الجيب المتبقي بحوزة فصائل المعارضة السورية، جنوب الشريط الآمن وجنوب طريق عام سراقب جسر الشغور، وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية، ويتضمن ما تبقى من قرى وبلدات سهل الغاب الشمالي الغربي، سيخضع لسيطرة قوات النظام أيضاً بموجب بروتوكول الاتفاق الأخير في موسكو، وحتى وفق ملحق اتفاق سوتشي الروسي التركي في العام 2018”.

————————————

=====================

============================

تحديث 15 أذار 2020

————————————-

ألعاب ماكرة ومصالح مشتركة: العلاقة التركية-الروسية بين التحالف المستحيل والقطيعة غير المحتملة/ ديدييه بيّون

_ترجم هذا المقال من الفرنسية هشام المنصوري.

أعادت الحرب حول إدلب إحياء الشكوك بخصوص العلاقة السياسية بين تركيا وروسيا. هل هي شراكة تكتيكية تخضع لظروف آنية أم تحالف استراتيجي من شأنه التشكيك في روابط تركيا مع القوى الغربية؟ في الواقع، يعتبر التحالف بين بوتين وأردوغان أمراً مستحيلاً والقطيعة بينهما غير محتملة. تحليل.

أدى تدمير طائرة روسية من نوع سوخوي 24، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، إلى إشعال أزمة حادة بين موسكو وأنقرة. غير أنه سرعان ما تم نزع فتيلها بفضل اتخاذ البلدين منذ بداية 2010، خيار تجزئة الحوار بينهما والتقليل من الملفات الخلافية (سوريا، مرتفعات قرة باغ) مع إظهار تفاهم ظاهري.

يمكن للعلاقات بين تركيا وروسيا -التي تغذيها مبادلات اقتصادية مفيدة للطرفين- أن تعطي انطباعا بتقارب حتمي بين البلدين، خاصة مع التشابه في مواصفاتيهما (توجه استبدادي ومشخصن للسلطة، والسعي إلى فرض الذات على الساحة الدولية…)، هذا بالإضافة إلى قيام بوتين وأردوغان بشكل منتظم بإظهار قربهما المبالغ فيه، في إطار علاقاتهما المضطربة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

أهمية الملف السوري

شكّلت صعوبات تقدير الأزمة السورية أبرز حدث واجهته السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الأخيرة. تجلى ذلك من خلال المراجعة الجذرية لمقاربة أنقرة التي تحولت من فرض رحيل بشار الأسد كشرط مسبق لأي مفاوضات حتى حدود يوليو/تموز 2016، إلى موقف يقبل بمبدأ هذه المفاوضات. مع رفض قاطع وحيد وهو دعوة القوميين الأكراد من حزب الاتحاد الديمقراطي إلى طاولة المفاوضات، وهو الحزب الذي تعتبره أنقرة بمثابة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.

في سياق عزلة نسبية، تأتي هذه المسألة لوضع تركيا في قلب اللعبة السياسية العسكرية الإقليمية. يستوجب تحقيق هذا الهدف إجراء مصالحةٍ مع روسيا، وهو ما تم بالفعل في 9 أغسطس/آب 2016، عندما قابل رجب طيب أردوغان فلاديمير بوتين بسانت بطرسبرغ. وقد عزّزت الإدانة الشديدة التي وجهها الرئيس الروسي لمحاولة الانقلاب التي وقعت في تركيا في 15 يوليو/تموز 2016 هذا التقارب، في الوقت الذي كانت فيه ردود فعل معظم القادة الغربيين متأخرة وغامضة.

سمحت هذه المصالحة لتركيا بالتدخل عسكريًا في سوريا (عمليات “درع الفرات” ابتداءً من أغسطس/آب 2016، “غصن الزيتون” في يناير/كانون الثاني 2018، “مصدر السلام” في أكتوبر/تشرين الأول 2019) لكبح تقدم الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا. غضت روسيا النظر أمام الأمر اعتبارا لروابط تركيا مع العديد من الجماعات المتمردة (الجيش السوري الحر، والجماعات السنية أو حتى الجهادية المتطرفة، والجماعات التركمانية)، والتي تشكل جزءاً من معالم الشبكات الضرورية لتنفيذ حلّ سياسي متفاوض حوله واللازم لتحقيق الأهداف الروسية.

ومع ذلك، هناك خلاف أكثر من أوجه التقارب بين روسيا وتركيا فيما يتعلق بالمسألة الكردية. يستخدم الروس -وقبلهم السوفييت- “البطاقة الكردية” من أجل الدفاع عن مصالحهم وتوسيعها في المنطقة، وبالتالي ليس لديهم أي عداء خاص تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي، بل وحتى حزب العمال الكردستاني. في هذا الصّدد، فإن افتتاح مكتب تمثيلي لحزب الاتحاد الديمقراطي في موسكو في فبراير/شباط 2016، والمناوشات بين الروس والأتراك بشأن دعوة نفس الحزب إلى مؤتمر سوتشي في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تظهران بوضوح الخلافات حول هذا الملف المركزي بالنسبة لأنقرة.

إذا كانت السلطات الروسية قد فهمت أنها لا تستطيع حل النزاع دون قدر أدنى من التعاون التركي، فإنها تظل في موضع قوة تجاه أنقرة ولا تنوي تقديم تنازلات كبيرة، لا سيما بشأن مستقبل النظام السوري.

كما يحدث عادة، تعتبر الانتصارات العسكرية التركية انتصارات سياسية أولاً، إذ تساهم في إضعاف القوى المرتبطة بحزب العمال الكردستاني وتعزز تركيا في عملية تقسيم الأدوار مع كل من روسيا وإيران لحل الأزمة السورية. في هذا الاتجاه، يبدو أن الاختيار الذي تم اتخاذه في صيف عام 2016 كان مُربحاً من الناحية التكتيكية لأردوغان. ومع ذلك، على الرغم من التفاهم المعلَن الذي عبّر عنه كل من بوتين وروحاني في إطار مجموعة أستانا

1

، فهمت الأطراف الفاعلة الثلاث أن أجنداتها ليست متقاربة بشكل حقيقي بخصوص إنهاء الأزمة السورية. لكن القدرة على احتواء وإضعاف القوى المرتبطة بحزب العمال الكردستاني تبدو مسألة محورية بالنسبة للسلطات التركية.

حالة إدلب مختلفة، لأن العامل الكردي لا يتدخل فيها بشكل مباشر. فمحافظة إدلب هي واحدة من المناطق المصنفة ضمن ما يطلق عليه مناطق “وقف التصعيد”، والتي زعمت بخصوصها تركيا، خلال اتفاقية سوتشي الموقعة مع موسكو في 17 سبتمبر/أيلول 2018، قدرتها على تحقيق وقف إطلاق النار ونزع سلاح الميليشيات الجهادية فيها. منذ عام 2015، اتجهت القوات الجهادية عقب كل هزيمة من هزائمها في سوريا نحو إدلب، فتحولت هذه المدينة على مرّ السنين إلى فخ حقيقي للجهاديين. لقد أبانت السلطات التركية عن تهور كبير، وبالغت في الاعتماد على قدراتها بموافقتها على المهمة الموكلة إليها من قِبل فلاديمير بوتين في سوتشي، في حين قدّم الأخير دليلاً جديداً على مهاراته كلاعب شطرنج. وقد أظهر الوضع خلال الأسابيع القليلة الماضية بما فيه الكفاية كيف أن تركيا انخدعت.

بوتين يتصدر المشهد

تتقاسم موسكو وأنقرة رؤية لعالم متعدد الأقطاب تحتل فيه كل منهما مكانًة بارزًة، في ضوء نسبية قوة الدول الغربية اليوم، التي يُنظر إليها على أنها معادية وفي تراجع. مع ذلك، فإنه من الواضح أن طموحات البلدين، على الرغم من المواقف المتقاربة أحيانًا -العالمية بالنسبة للأول والإقليمية للآخر- تدخل عمليا في تنافس، لا سيما بشأن الملف السوري.

فمنذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة في عام 2000، تحاول روسيا استعادة المكانة التي كان يحتلها الاتحاد السوفياتي في طليعة النظام الدولي. يمكن الجزم بالنظر إلى تضافر مزيج من العوامل والأزمات بأن الكرملين تمكن من فرض نفسه كفاعل رئيسي في القضايا الدولية الرئيسية الحالية، وذلك منذ منتصف عام 2010.

هذا ما مكّن روسيا من استخدام قدرتها على الحوار مع جميع الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط منذ عام 2015. فباستغلالها للمساحات التي وفّرتها التقلبات على رأس الولايات المتحدة الأمريكية، عرفت روسيا كيف تستعمل بشكل جيد بيدق رجب طيب أردوغان، والتنافس بنجاح مع الخط السياسي الذي جسده لفترة طويلة أحمد داود أوغلو -منظِّر السياسة الخارجية التركية- الذي كان يرغب تحديداً في رؤية تركيا تلعب هذا الدور المركزي في المنطقة.

تتبع أنقرة في الوقت الراهن سياسة رد الفعل على الأحداث، وهذا قد يكون مجرد أمر ظرفي. إن عدم قدرة رجب طيب أردوغان على التموقع بشكل مستبصر والاندفاع الذي يميزه، يشكلان علامات ضعف باعثة على القلق ويشيران إلى حدود سقف بلد يمتلك مع ذلك ما يكفي من مواطن القوة يمكنه استغلالها. إذا كان حل النزاع السوري غير ممكن بالتأكيد من دون تعاونها، فإن ملامح النزاع الأخير ستكون موضوع تجاذبات لا يبدو أن تركيا مهيأة لتحتل فيها موقع قوة.

علاقات متوترة مع الغرب

يوضح ملف صواريخ إس 400 الروسية -الموجهة إلى تركيا والتي بدأ تسليمها في يوليو/تموز 2019- بشكل جليّ علاقة أنقرة المتوترة مع الغرب، والتي أثير حولها الكثير من الجدل. يثير نشر هذه الصواريخ الذي بتعارض مع معايير الحلف الأطلسي تساؤلات حول حقيقة العضوية التركية فيه. ومع ذلك، فإن تركيا لا تنخرط في منطق القطيعة، إذ أن الضمانات الأمنية التي توفرها لها عضويتها في الحلف الأطلسي تظل ثابتة، وأنقرة تدرك أنه لا توجد دولة، أو مجموعة من البلدان، تستطيع أن توفر لها ما يعادلها

2

.

على الرغم من الخلافات بين تركيا وشركائها الغربيين، فإن هذه المبادرات لا تشكل في حد ذاتها انقلابا للتحالفات، ولا زلنا نتابع كيف أن علاقة تركيا بالقوى الغربية لا تزال قائمة. تسعى تركيا منذ فترة طويلة لإعادة تنظيم علاقتها مع حلفائها التقليديين، دون الدعوة إلى الانفصال عنهم. إن سياستها الخارجية ليست لعبة يتساوى فيها الربح مع الخسارة، فتحديدها لهدف التموقع بـ 360 درجة الآن لا يعني أنها ستتوقف عن السعي وراء الحفاظ على علاقات وثيقة مع القوى الغربية، على الرغم من الاضطرابات الحالية.

في هذا السياق، من المرجح أن تشكل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي عنصرًا محددًا في العلاقات الروسية التركية. إذا كان من المحتمل أن يكون أي تقارب بين روسيا والاتحاد الأوروبي مفيدًا لتركيا -ما دام ذلك لن يؤدي إلى تعارض عنصرين مهمين لدبلوماسيتها- فإن عدم حدوثه سيحرمها على العكس من بعض أدوات التفاوض مع كلا الطرفين. أمّا روسيا، فستخسر سياسياً واقتصادياً من أي دفء يتسلّل إلى العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

منع المواجهات المباشرة

تميل أحداث السنوات الأخيرة إلى التأكيد على أن التحالف الاستراتيجي كما الا انقطاع تام غير ممكنين بين روسيا وتركيا.

يمكن أن تتقاطع مسارات البلدين وأن تلتقي مصالحهما، لكنهما ليسا فاعلين من نفس الطينة. ففي حين تستعيد موسكو تدريجياً مكانتها على الساحة الدولية، تستمر أنقرة في البحث عنها. يخلق هذا الواقع وضعا مستمراً من اللاتوازن وعدم الاستقرار البنيوي بسبب مصادر التوتر المتكررة بين البلدين، والتي لا يمكن للمصالح الاقتصادية المتبادلة أن تقوضها. والدليل على ذلك هو أن عودة روسيا في السنوات الأخيرة إلى مركز اللعبة الدولية تم على حساب رغبة تركيا في فرض نفسها كرائد إقليمي. وتربط روسيا الآن – من خلال دورها في الأزمة السورية- علاقات مع جميع الأطراف الإقليمية، كما تلعب -بحكم الأمر الواقع- الدور الذي أناطت بها تركيا نفسها قبل بضع سنوات.

وبالتالي، فإن أي تحالف استراتيجي بين البلدين يظل بعيد الاحتمال، بالنظر إلى مسارات ووسائل وأهداف السياسات الخارجية لكل منهما. بصورة أعم، فإن مفهوم التحالف أو الشراكة الذي ينطوي على درجة معينة من الإكراه السياسي و/أو الإيديولوجي، لا يسمح بفهم الطبيعة الوظيفية البحتة للعلاقة الروسية التركية. ولا ينبغي الخلط هنا بين الحاجة الوظيفية التي يجب أن يتعاون من أجلها الطرفان -من وجهة نظر سياسية واقتصادية- مع التقارب الاستراتيجي بمنطق الكتلة، ولا ينبغي لهما أن يحجبا عمليات إعادة التقييم المستمرة لمصالح كلا البلدين، وتطور موازين القوى بينهما.

على عكس ذلك، فإن هذه الحاجة الهيكلية للتعاون تعني أن القطيعة التامة تُعدّ بدورها سيناريوهاً غير محتمل. فإذا كانت فترات المواجهة المباشرة ممكنة كما يتضح ذلك من التسلسل الذي بدأ في 24 نوفمبر/تشرين الأول 2015 أو أزمة إدلب الحالية، فإن تركيا تظل شريكًا أساسيًا لنجاح طموحات موسكو في سوريا، والمرتبطة بدورها بطموحات بوتين العالمية.

يبدو أن الكرملين قد فهم ذلك جيداً، بتركه لأنقرة هامش مناورة أمام أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال شرق سوريا. من جانبه، يجد أردوغان في تعاونه مع بوتين الوسيلة الوحيدة للحصول على إمكانية التحكم في المسألة الكردية، التي يعتبرها مسألة وجودية لنظامه. بالمقابل، لا يمكن تصور سوى القليل من التنازلات من طرف موسكو في ملف إدلب، لأن الأمر يتعلق بتمكين النظام السوري من استعادة كامل ترابه الوطني. يتعلق الأمر إذن في هذه الحالة بإجبار تركيا على سحب جنودها دون إذلالها.

تطورات الصراع السوري والمفاوضات من أجل إنهائه هي التي ستحدد طبيعة العلاقة الروسية التركية على المدى القصير. ينبغي قراءة هذه العلاقة أيضاً من منظور روابط البلدين مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لأسباب اقتصادية وأخرى تتعلق بالمكانة، يبدو أن علاقات موسكو وأنقرة مع شركائهما الغربيين ستبقى أولوية، مقارنة مع علاقاتهما الثنائية.

ديدييه بيّون

المدير المساعد في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)

دبلوماسيّة جيوسياسة إدلب إيران الأكراد تدخُّل عسكري منظمة حلف شمال ال

————————————————

وسط صمت روسي: تركيا تعلن الاتفاق على المعايير المحددة لعمل الممر الأمني في إدلب/ منهل باريش

من المتوقع أن تنطلق الدوريات الروسية التركية المشتركة على طريق M4 صباح اليوم الأحد، حسب نص البروتوكول الإضافي الذي وقع في موسكو بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان، في الخامس من آذار/مارس 2020.

وبعد أسبوع من المفاوضات بين وزارتي دفاع البلدين في العاصمة أنقرة، أعلن وزير الدفاع التركي، خلصوي أكار، الجمعة أنه “تم التوقيع على نص الاتفاق وهو دخل حيز التنفيذ” مشيراً إلى “نفعل أولى خطواته من خلال تنظيم دورية مشتركة على طريق M4 بتاريخ 15 اذار/مارس”.

وأوضح أكار أن الدوريات المشتركة مع روسيا على الطريق الدولي M4 في سوريا “ستساهم بشكل كبير في ترسيخ دائم لوقف إطلاق نار”. مضيفاً أن الاتفاق أقر “إنشاء مراكز تنسيق مشتركة مع روسيا ليتم من خلالها إدارة العمليات الثنائية في إدلب ومراقبة وقف إطلاق النار” من دون تحديد منطقة عمل المراكز المشتركة. وشدد على أن هدف بلاده هو “جعل وقف إطلاق النار في إدلب دائما، قمنا بدورنا بما يترتب علينا من أجل ذلك، والروس أظهروا موقفا بناء في هذا الخصوص”.

في سياق متصل، نفت وزارة الدفاع التركية في بيان لها، الجمعة، سحب السلاح الثقيل من نقاط مراقبتها في إدلب، وقال البيان: “تواصل نقاط المراقبة التابعة لنا في إدلب تنفيذ مهماتها، ولا حديث عن سحب الأسلحة الثقيلة منها”. ولفتت الدفاع التركية إلى أن المفاوضات “جرت في أجواء إيجابية وبناءة”.

تصريحات أكار، تزامنت مع استقباله، نظيره، وزير الدفاع البريطاني بن والاس وتوجههما إلى الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، واطلاعهما على أوضاع النازحين السوريين في المنطقة من خلال اجتماع عقداه مع المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية في الأمم المتحدة، كيفن كينيدي.

واجتمع الوزيران في مخفر بوكولماز العسكري المجاور لبلدة أطمة السورية، أو مخفر “الشهيد حسين كوروتش” في ولاية هاتاي بالقرب من معبر أطمة العسكري، والذي سمي على اسم الجندي التركي الذي اغتيل برصاص قناصة من قوات حماية الشعب الكردية 2017. واطلع الوزيران على وضع اللاجئين ومخيم أطمة في الجانب السوري من برج المراقبة في المخفر. وأشارت وزارة الدفاع التركية إلى أن أكار بحث مع والاس “قضايا دفاعية وأمنية إقليمية في مقدمتها إدلب السورية”. وأفاد البيان أن الوزير البريطاني وصل أنقرة “استجابة لدعوة نظيره التركية”. وشدد الوزيران على حزمهما في منع المأساة الإنسانية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، ووقف إراقة الدماء بالمنطقة.

روسيا من جهتها، فضلت الصمت ولم تعلق على الإعلان التركي حول المعايير المحددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي دفاع البلدين والذي منح فرصة سبعة أيام لتحقيقه، قبل بدء تسيير الدوريات المشتركة.

وركزت الدبلوماسية الروسية انتقادها للفصائل “غير المقربة من تركيا” حسب وصفها، وعلى رأسها “أجناد القوقاز” و”الحزب الإسلامي التركستاني” من أقلية الأيغور الصينية المسلمة و”جبهة النصرة” في حلب.

وتعليقا على خروقات الاتفاق، قال مدير مركز المصالحة الروسي في سوريا “مركز حميميم” اللواء أوليغ جورافلوف إن قواته “لم تسجل أي عمليات قصف خلال الـ24 ساعة الماضية من قبل التشكيلات المسلحة غير الشرعية الخاضعة لأنقرة”.

وأكد اللواء جورافلوف استمرار عمل “قناة الاتصال الخاصة للتعاون العسكري بين حميميم وأنقرة”. في حين تسهل القناة وصول القوافل العسكرية التركية إلى نقاط المراقبة التركية في منطقة خفض التصعيد في إدلب من دون التعليق على حصارها.

في المقابل، يستعد النظام السوري لفتح طريق الترانزيت M4 وأعرب وزير نقل النظام علي حمود عن أهمية الطريق اقتصاديا، وأن “أهميته الاستراتيجية تتمثل في ربط العراق بالبحر عبر مرفأ اللاذقية، وبالتالي تسهيل وتيسير حركة تدفق البضائع إلى البحر وبالعكس” ولفت إلى الجهد الكبير على مدى سنوات عدة لبنائه. ويمر الطريق عبر جسور عملاقة بين الجبال 89 جسراً منها بطول حوالي 300م فوق الوديان والمنحدرات تتوزع بين 51 جسرا علويا و23 جسرا سفليا عاديا و15 جسرا سفليا عملاقا إضافة إلى 250 عبّارة و51 تحويلة طرقية، و15 عقدة طرقية، و412 عبّارة ومعابر صغيرة، بمواصفات فنية وسلامة مرورية عالية المستوى.

وبدأ النظام السوري حملة تنظيف الأتربة والسواتر على الطريق في محافظة اللاذقية وصولا إلى خط التماس، على مسافة 7 كم من نقطة عين حور.

وفي سياق منفصل، يبدو أن أزمة النازحين في شمال سوريا واحدة من أوراق الضغط التركية على روسيا، من أجل وقف الهجوم والمعارك في إدلب. وتدغدغ فكرة عودة اللاجئين الكرملين على اعتبار أنها المشروع الهام للرئيس بوتين الذي بادر لعودة اللاجئين واعطاهم مشروعه ضمانات أمنية بعدم التعرض والاعتقال، إلا أنها اصطدمت برفض كبير من النظام الذي فضل اعتقال العائدين وابتزازهم أو فرض تسويات أمنية تؤدي إلى سوقهم إلى جيشه.

إلا أن قضية إعادة اللاجئين لا تؤرق موسكو، فروسيا تركز استراتيجيتها على استعادة السيطرة على كامل مناطق المعارضة وتنظر إلى أن كسب الأرض هو نزع أوراق القوة من المعارضة وبالتالي تجاوز مرجعية جنيف والقرارات الأممية، كون المنتصر من سيفرض شروطه في مستقبل الحل السياسي لسوريا. ولكن موسكو، تفضل منح الوقت لتركيا من أجل استيعاب نزوح أكثر من مليون مدني، 300 ألف منهم تقريبا وصلوا إلى مناطق السيطرة التركية في عفرين وريف حلب الشمالي ومن ثم البدء بعملية قضم جديدة.

ويتعلق السوريون بقشة عودتهم إلى قراهم التي هجروا منها، رغم تراجع الرئيس التركي عن طرح إعادة النظام إلى ما بعد نقاط المراقبة التركية من خلال توقيعه على اتفاق موسكو في 5 آذار/مارس الجاري. ومن غير المفهوم أن ما تم طيه وتجاوزه في صلب الاتفاق كيف ستفسره معايير فتح الممر الأمني، ويشيع البعض مسألة انسحاب النظام من قرى وبلدات طريق M5 من أجل عودتهم مع بقائها تحت النفوذ الروسي.

إن الصمت الروسي، حول اتفاق الوفدين العسكريين في أنقرة، لا يطمئن من اكتوى بنيران التفسيرات الروسية لكل الاتفاقات بين الجانبين، ما دامت شماعة التنظيمات الجهادية موجودة بشكل دائم لدى الروس.

ويبقى اتفاق فتح الطريق، هشا للغاية، مع عدم وجود تفاصيل واضحة، وتبقى المعايير المتفق عليها في أنقرة مجرد اتفاق سيناريو الروس للالتفاف عليه أضف أن فكرة تسيير الدوريات الروسية على الطريق مع وجود فصائل المعارضة، هو أمر لن تتقبله روسيا، فهو يضع جنودها تحت التهديد المباشر، بل ستكون أي عملية ضد الدورية الروسية بمثابة إعلان حرب على ما تبقى من مناطق إدلب.

————————————–

قمة موسكو.. الغموض يمهّد للتفجير التالي/ عبد الوهاب بدرخان

تضاربت التحليلات لنتائج القمة الروسية – التركية في شأن سوريا، وإنْ كان المتفق عليه أن تراكم من مصالح بين الدولتين أقنع فلاديمير بوتين بضرورة الاستمرار في التحاور مع رجب طيب أردوغان.

أما النقاط المعلنة للاتفاق، فتُظهر بوضوح أنه لم يعالج مجمل الوضع المتفجّر في إدلب، أو أن الطرفين لم يتوصلا إلى حلّ خلافاتهما فاكتفيا بترتيبات وُصفت بأنها «خفض تصعيد» مؤقّت بينهما.

كان واضحاً أن الجانب الروسي مهتمّ بفتح الطريق السريع بين حلب واللاذقية باعتبار أنه حيوي ومن شأنه تعزيز وضع النظام السوري والتواصل بين مدينتين مهمّتين للاقتصاد السوري.

ويبدو الاتفاق على مسألة واحدة هي تأمين «إم 4» بمثابة اختبار دقيق للجانب التركي وقدرته على إبعاد الفصائل المسلّحة، المعتدلة أو المتشدّدة/ الإرهابية، ومنعها من تهديد سلامة المرور على هذا الطريق، وبالأخصّ منعها من تشكيل خطر على قاعدة حميميم الروسية في منطقة اللاذقية.

التفت المراقبون عموماً إلى غياب أي تمثيل سوري (أو إيراني) في محادثات موسكو، لكن ما لفت الأوروبيين خصوصاً غياب أي إشارة إلى تكدّس النازحين داخل إدلب وضغطه عليهم عبر تركيا أو إلى المهاجرين الذين تتعمّد أنقرة دفعهم نحو أوروبا عبر اليونان.

وليس مؤكّداً أن قمة بوتين – أردوغان تطرّقت إلى المسألتين، إذ كان محورها الرئيسي الحؤول دون مواجهة محتملة بين قوات الدولتين.

كان المفاوضون الروس والأتراك، العسكريون والدبلوماسيون، ناقشوا على مدى أسابيع كل النقاط والملفات وتوصّلوا إلى بلورة تصوّرات في شأنها، إلا أن القيادة الروسية اختارت مقاربة محدودة تعطي تركيا دوراً ضمن أهداف موسكو، فالدوريّات المشتركة المتفق عليها قد تطمئن أنقرة إلى استمرارها كلاعب رئيسي في إدلب، لكنها تجدّد الاعتماد عليها في مهمات سبق أن فشلت في إنجازها بموجب اتفاق سوتشي.

عالجت قمة موسكو جزءاً محدّداً من الأزمة وغلّفته بوقف إطلاق النار، كمطلب دولي لكنه إجراء يمكن خرقه بسهولة، وهو ما يحصل فعلاً. ما هو على المحك الآن أن يكون وقف النار وقفاً للقصف الجوي ولتقدم قوات النظام السوري وحلفائها برّاً لأن استئنافهما يعيد التوتر ويعني مزيداً من النازحين.

وما يعزّز هذا الاحتمال أن اتفاق موسكو ترك نقاطاً كثيرة غامضة سواء بالنسبة إلى حسم السيطرة نهائياً على بلدة سراقب أو إلى الجبهات المفتوحة في ريفَي حلب وإدلب والمنافسة المحمومة على الموقع الاستراتيجي لجبل الزاوية، ذاك أن روسيا لم تتخلَّ عن هدف استكمال سيطرة النظام على كل الأراضي السورية.

لم يتمكّن أردوغان من إقناع بوتين بإعادة تحريك خطوط التماس إلى ما كانت عليه قبل «اتفاق سوتشي»، ولا بتثبيت نهائي للخطوط الحالية. كذلك لم يحصل أردوغان على «الاتفاق الشامل» الذي كان يطمح فيه بانتزاع موافقة بوتين على منطقة نفوذ تركية أوسع من الشريط الضيّق الذي يتيحه اتفاق أضنة (المبرم عام 1998 بين دمشق وأنقرة).

ويبدو أن الخلاف على هذه النقطة حال دون التطرّق إلى وجود القوات التركية في إدلب رغم أن موسكو اعتبرته مخالفاً للقانون الدولي، بل استفزازاً قد يصبح «أطلسياً». لا شك أن الجوانب الغامضة في قمة الرئيسين تحمل بذور التفجير التالي.

الاتحاد الظبيانية

————————————–

ترويض الدب الروسي للخروج من فخ إدلب/ ياسر عبد العزيز

أثناء رحلة العودة من باكستان كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديده باستهداف قوات النظام السوري في إدلب إذا لم تنسحب من مواقعها قبل نهاية الشهر، وأكد أنه لا حل للأزمة من دون هذا الانسحاب، مشيرا إلى أنه عقد محادثات إيجابية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن سوريا، واعتبر أن أنقرة لا يمكن أن تبقى صامتة إزاء تطويق قوات النظام السوري لمواقع المراقبة التركية في إدلب.

لكن العقبة الحقيقية في معضلة إدلب وتصريحات الرئيس التركي هي بوتين نفسه، فروسيا لن تقبل بانسحاب كامل لقوات النظام من إدلب، على خلاف رغبة تركيا التي تخشى تدفق مزيد من اللاجئين باتجاه حدودها، فتركيا التي تستضيف ما يقارب الــ 4 ملايين لاجئ سوري لا يمكن لها أن تستوعب المزيد، لا لضعف الإمكانيات أو صغر مساحة الجمهورية التركية، ولكن لما بات يسببه اللاجئ السوري من ضغط على حكومة العدالة والتنمية، فبحسب أخر استطلاع رأي أجرته جامعة قادر هاس فإن ما يقرب من 70%  من الأتراك الذين شاركوا في الاستطلاع غير راضين عن وجود اللاجئين، ويرون أن وجودهم يعيق جهود الحكومة لمعالجة الركود الاقتصادي. 

لذا فإن على أردوغان أن يفتح جعبة المناورات مع الدب الروسي لترويضه للخروج من فخ إدلب لاسيما أن الخسائر التي تكبدتها القوات التركية في الأسابيع القليلة الماضية تناهز وقد تزيد على تلك التي تكبدتها خلال العمليات الثلاثة السابقة في سوريا، وهو ما يعد ورقة ضاغطة على الإدارة التركية من الداخل وأحزابه التي تشهد استقطابا حادا تدفع بالشارع التركي متعمدة إلى حافة الانفجار، وتستغل في ذلك ورقة اللاجئ السوري الذي توليه العدالة والتنمية اهتماما فوق العادي. 

استطاع الرئيس أردوغان أن يحول المأزق الذي أدخلته فيه عناصر جماعة الخدمة بالتعاون مع جهات خارجية، بإسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية، إلى دافع لمزيد من التعاون الايجابي في ظل الجفاء الأمريكي الأوربي لحليفهم التركي، وتأكدت هذه الرؤية بكون بوتين أول المتصلين بالرئيس التركي بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 2016 سابقا بذلك الحلفاء الغربيين، وعلى الرغم من أنه تاريخياً تعد روسيا أبرز الأعداء الجيوسياسيين لتركيا، إلا أن أردوغان استطاع بقبول من بوتين دعم انفراج العلاقات بين البلدين، وهو ما صب نوعيا في صالح الأزمة السورية في شكل اتفاقات نوعية على رأسها اتفاق أستانا.

إن هدف بوتين هو إنهاء الحرب في سوريا بشروط مواتية له وللأسد، والتوصل في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية من خلال لي شروط اتفاق أستانا للخروج بأكبر مكاسب ممكنة، وتركيا لا تقبل أن يكون اتفاق أستانا ومسارها نادياً لأصدقاء الأسد ومن ثم توقع على بياض على حكم إعدام الثورة السورية وما يعقبه من تبعات ستؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي، لكن من ناحية أخرى فإن بوتين يدرك أن الإفراط في الضغوط على تركيا في ملف إدلب قد يعيد أردوغان إلى حلف “ناتو” المرتبط قانونيا ومن ثم يعود إلى واشنطن، وبالتالي يكرر خطأ جوزيف ستالين في 1945-1946، عندما دفعت مطالبات السوفييت بأراض تركية إلى انضمام تركيا إلى حلف ناتو لذا فإن بوتين يدرك أن مصالحه الإستراتيجية الطويلة الأمد ستتحقق بشكل أفضل عبر التنازل، وهنا تفتح مساحات المناورة لترويض الدب الروسي، فتصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو منذ أيام الرافضة لهجمات النظام في إدلب، والمؤيدة لموقف تركيا تصب بشكل كبير في صالح مساحات المناورة تلك.

لكن أوراق المناورة لا تقف عند حد الورقة الأمريكية، فلدى تركيا أوراق أخرى تتمثل في موقعها الاستراتيجي بالنسبة لروسيا، ودورها المحوري في المضايق، متنفس روسيا للعالم، وحاجة الأخيرة لتركيا كقاعدة متقدمة لها على حلف ناتو، وهي الورقة التي تلاعب بها تركيا كل من روسيا وأمريكا على حد سواء، وكذا فإن ورقة القرم أحد الأوراق المهمة في جعبة تركيا في ملاعبة موسكو، ويأتي في السياق علاقات تركيا الوثيقة مع أوكرانيا والتي عززتها زيارة الرئيس أردوغان خلال الشهر الجاري، حتى الغاز الروسي لا يعد عائقا كبيرا في الفترة القادمة، بل على العكس قد يكون ورقة قوة لتركيا في مواجهة روسيا، كما أن القوة التركية لا يمكن الاستهانة بها في مواجهة قوات الأسد وهو ما يضع روسيا في حرج شديد في حال وقعت مواجهة حقيقية تنفيذا لتهديدات الرئيس أردوغان، ومن ثم فإن المتوقع هو اتفاق جديد يرضي تركيا ويحفظ مساحات من التعاون تحتاجه روسيا كما تحتاجه أنقرة.

———————————————-

==========================

===============================

تحديث 18 أذار 2020

—————————————-

الكلّ يلعب في سوريا.. باستثناء السوريين/ خيرالله خيرالله

تدخل الثورة السورية سنتها العاشرة. اندلعت الثورة التي اتخذت في بدايتها طابعا سلميا إلى أبعد حدود في آذار – مارس 2011. صدر في المناسبة بيانان مهمّان. الأوّل عن مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون (نروجي)، والآخر عن حكومات الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. يجمع بين البيانيْن الوصف الدقيق لما حلّ بسوريا والسوريين من كوارث شملت تهجير نصف الشعب السوري من جهة، وتأكيد التمسّك بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 من جهة أخرى. صدر هذا القرار في العام 2015 وجرت محاولات دؤوبة بذلتْها روسيا وإيران وحتّى تركيا، التي أرادت مسايرة الكرملين، من أجل إيجاد بديل عنه، خصوصا في أستانا عاصمة كازاخستان.

يرتدي التشديد على القرار 2254 في البيانين أهمّية خاصة، نظرا إلى أن ذلك يعني أن الأمم المتحدة ليست مهتمّة عبر مبعوثها سوى بمسار واحد من أجل التوصّل إلى حلّ سياسي لا بديل منه في نهاية المطاف. يدعو هذا المسار إلى مرحلة انتقالية. لا يبدو أنّ هناك مفرّا من هذه المرحلة في حال كان مطلوبا استعادة سوريا لوضع طبيعي. يسمح مثل هذا الوضع بالتفكير في الصيغة التي سيرسو عليها البلد الذي ينوء حاليا تحت خمسة احتلالات (الإيراني والتركي والروسي والأميركي والإسرائيلي).

توجد عبارات عدّة لا يريد النظام السوري، الذي على رأسه بشّار الأسد، السماع بها. من بين هذه العبارات صياغة دستور سوري جديد والمرحلة الانتقالية التي لا تعود فيها السلطة محصورة بالتركيبة الحالية للنظام. هل صار في الإمكان في الوقت الحاضر تنفيذ القرار 2254 حتّى يشدّد عليه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، ويؤكد في الوقت ذاته أنّه “الإطار الوحيد الذي يتمتع بالشرعية وبدعم المجتمع الدولي كلّه”؟

ذهب البيان الرباعي الأميركي – الألماني – الفرنسي – البريطاني إلى أبعد من بيان بيدرسون وذلك بانتقاده روسيا وإيران وما تفعلانه في سوريا. قال البيان “إن الحل العسكري الذي يأمل النظام السوري في التوصل إليه، بدعم من روسيا وإيران، لن يحقق السلام. نكرّرُ دعمنا القوي للعملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254 من أجل إقامة دولة سورية سلمية ومستقرة. نحن – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – نطالب نظام الأسد بوقف القتل الوحشي والانخراط بشكل هادف في كافة جوانب قرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني وتعديل الدستور والإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفا وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. لا يمكن أن تقتصر العملية السياسية ذات الصدقية على محاولات عقد لجنة دستورية، بل يجب السماح لكافة المواطنين السوريين، بمن فيهم النازحون واللاجئون، بالمشاركة في انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة”.

واضح أن الكلام الوارد في بياني مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والحكومات الأربع ذو طابع إنساني، خصوصا أنّه يتحدث عن المأساة السورية مستندا إلى عدد المواطنين الذين شُرّدوا. هناك مليون شخص آخر صاروا لاجئين بعد القصف الروسي والإيراني الذي استهدف إدلب والمنطقة المحيطة بها منذ أواخر العام الماضي. ولكن يظهر أن البيانات التي تصدر هذه الأيّام ليست سوى من أجل تسجيل المواقف. ما هو ثابت أن فصول المأساة السورية تتوالى في ظلّ حسابات متضاربة ذهب ضحيتها بلد كان قابلا للحياة والازدهار، وشعب يمتلك إمكانات كبيرة كان يمكن أن تجعل منه أحد أغنى شعوب المنطقة.

مؤسف أن كلّ ما حصل بعد تسع سنوات على اندلاع الثورة السورية هو وجود رغبة دولية في بقاء الوضع يراوح مكانه وذلك بهدف تحقيق هدف واحد هو الانتهاء من سوريا التي عرفناها. من المفيد هنا إجراء نوع من المقارنة بين الوضعين السوري والعراقي، وكيف أن أميركا قررت عدم الذهاب إلى إسقاط النظام بعد إخراج الجيش العراقي من الكويت في شباط – فبراير 1991. كانت الطريق إلى بغداد مفتوحة. لكن الولايات المتحدة فضلت اعتماد سياسة العقوبات والحصار على شعب العراق منذ لحظة دخول الكويت في آب – أغسطس 1990، حتّى آذار – مارس 2003. لم يكن مطلوبا التخلّص من النظام في مرحلة ما. كان مطلوبا حصول اهتراء داخلي، يشمل النسيج الاجتماعي، يسهل بعده الانتهاء من بلد اسمه العراق كي لا تقوم له قيامة في يوم من الأيّام.

كانت هناك فرص عدّة في السنوات التسع الماضية للتخلّص من النظام السوري والسعي إلى إنقاذ السوريين عبر قيام نظام بديل يتمتع بحد أدنى من المواصفات الديمقراطية، خصوصا بعدما تبيّن منذ اليوم الأوّل الذي انتفض فيه السوريون أن هناك أكثرية ساحقة تريد التخلّص من نظام أقلّوي لا يؤمن بغير لغة إلغاء الآخر والبراميل المتفجّرة.

لكن الذي حصل أنّ الولايات المتحدة قرّرت التفرّج على تفتت سوريا، وتحوّل الثورة السلمية إلى نزاع مسلّح. كان همّ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما محصورا بكيفية تفادي إزعاج إيران في سوريا. وكان همّ إيران كيفية إجراء تغيير ذي طبيعة ديموغرافية في سوريا. أمّا روسيا، فكانت تريد إيجاد طريقة تؤدي إلى جعل الجميع يستسلمون لها في سوريا. استطاعت إسرائيل تكريس احتلالها للجولان. كان لها ما أرادت. لا تزال تركيا تنتظر الفرصة المناسبة لتأكيد أن جزءا من الشمال السوري تابع لها، وأن الخريطة القديمة لسوريا لم تعد صالحة. أمّا أميركا، فقررت في عهد دونالد ترامب اعتماد دور المتفرّج مع وجود عسكري على الأرض!

وسط كلّ التجاذبات التي نشهدها في سوريا والكلام الجميل عن القرار 2254 في بيانيْ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والحكومات الأربع، هناك ما يمكن التوقف عنده. ما يمكن التوقف عنده أن الحلّ في سوريا ليس قريبا. سيمرّ وقت طويل قبل أن يتقرّر مستقبل تلك الأرض التي لا يزال اسمها، أقلّه نظريا، الجمهورية العربيّة السورية. كلّ ما يمكن قوله الآن، إن النظام القائم ما زال حاجة روسية وإيرانية وإسرائيلية، كما أنّه حاجة أميركية. تبقى تركيا الحائرة في أمرها والتي تريد استلحاق نفسها بعدما فوت رجب طيّب أردوغان كلّ الفرص التي كان يمكن أن تجعل من بلده لاعبا أساسيا في سوريا.

الكلّ يلعب في سوريا باستثناء السوريين الذين تحوّلوا ضحايا لعبة أُدخلوا فيها، لكنّهم لا يعرفون في السنة 2020 هل يستطيعون الخروج منها في يوم من الأيّام؟

العرب

——————————

وسط تهديد روسي بعودة المعارك في إدلب… تركيا ترسخ وجودها العسكري شمالاً/ هبة محمد

أنشأ الجيش التركي نقطة عسكرية جديدة له في ريف حلب الغربي شمالي سوريا، معتزماً تدشين نقاط مراقبة أخرى، حيث استقدم تعزيزات عسكرية تضم أرتالًا من الجنود، وأكثر من 10 دبابات ومدافع وناقلات جند، لتنضم إلى الترسانة التركية المنتشرة شمال غربي سوريا، والتي يناهز تعداد آلياتها نحو 4000، وأكثر من 10 آلاف جندي، لا سيما مع تسجيل خروقات لقوات النظام، الذي استقدم بدوره أرتالاً من الجنود إلى محاور جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي.

تزامن ذلك مع نقل الميليشيات الإيرانية و ميليشيا «حزب الله» اللبناني قواتهما من ريف حلب إلى الى ريف إدلب، وسط تصاعد النبرة الروسية حيال عودة العمليات العسكرية، متخذة من «محاربة الإرهاب» ثغرة ستستثمرها من اجل خرق بروتوكول وقف إطلاق النار ونسف اتفاق التهدئة بخصوص إدلب، وهو ما ظهر من خلال حديث وزارة الدفاع الروسية، عن شنّ هجمات مضادة لفصائل المعارضة بفضل الدعم الخارجي، في إشارة ضمنية إلى تركيا.

ونقلت وسائل إعلام روسية، أمس الثلاثاء، عن «اللجنة الروسية التركية المشتركة لمراقبة نظام وقف إطلاق النار» في سوريا، أنها وثقت 5 خروقات لاتفاق التهدئة، خلال الـ24 ساعة الأخيرة، وجاء في بيان وزاري نشرته وزارة الدفاع على «فيسبوك»: «رصد الجانب الروسي في اللجنة الروسية – التركية المشتركة لمراقبة نظام وقف إطلاق النار في سوريا 5 خروقات لنظام وقف إطلاق النار، وذلك في محافظتي حلب (4) وحماه (1) ، بينما لم يرصد الجانب التركي أي خرق».

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان، إن قذائف صاروخية أطلقتها قوات النظام ظهر الثلاثاء على مناطق في بلدة الفطيرة بريف إدلب الجنوبي، ومحور كبانة في ريف اللاذقية والطرقات المتصلة معها في ريف إدلب الغربي، وذلك بعد يوم من وصول تعزيزات عسكرية لقوات النظام والميليشيات الإيرانية إلى محاور ريف إدلب، كما نقلت الميليشيات الموالية لإيران و»حزب الله» قواتها من ريف حلب إلى محور سراقب.

وقالت مصادر محلية، إن القوات العسكرية التركية تعتزم إنشاء نقطتين عسكريتين إضافيتين، قرب بلدة محمبل في ريف إدلب الغربي، مشيرة الى أن الضباط الأتراك استطلعوا نقطتين في المنطقة من الممكن أن تنتشر فيها قوات من الجيش التركي وهي مدرسة السواقة المعروفة بحاجز «عماد» شرق بلدة محمبل، وقرية «العليا» جنوبي البلدة أيضاً، وذلك لتعزيز التواجد والانتشار التركي في المناطق القريبة من أوتوستراد حلب اللاذقية الدولي، التي تنوي تركيا وروسيا فتحه وتسيير دوريات مشتركة عليه.

كما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان ان القوات التركية استقدمت تعزيزات عسكرية إلى مواقعها في الشمال السوري، حيث رصد دخول رتل عسكري إلى الأراضي السورية، عبر معبر كفرلوسين الحدودي شمال إدلب، يتألف من نحو 50 آلية بين دبابات وناقلات جند وغيرها.

ومع استمرار تدفق الأرتال التركية، فإن عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 1090 آلية، بالإضافة لمئات الجنود، كما يرتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التي وصلت منطقة «خفض التصعيد» منذ الثاني من شهر فبراير/شباط الجاري، إلى أكثر من 4490 شاحنة وآلية عسكرية تركية دخلت الأراضي السورية، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات. وكشف مصدر عسكري مقرب من أنقرة، معلومات حول الاتفاق التركي – الروسي، تشي بعودة التصعيد إلى إدلب ومحطيها، في حال عرقلة سير عمل الدوريات المشتركة على الطريق الدولي.

وقد نص الاتفاق بحسب المصدر، على بنود عدة وهي إعلان هدنة ووقف إطلاق نار، وفتح طريق وتسيير دوريات مشتركة، وضمان عدم وصول المجموعات -المصنفة- وإبعاد السلاح الثقيل عن شمال وجنوب الطريق 6 كم. مؤكداً على أهمية استكمال الخطوات التركية السابقة لحل التنظيمات المصنفة على لوائح الإرهاب الدولية، والذهاب باتجاه الحل السياسي ووفق القرارات الدولية وبيان جنيف 2254.

وفي حال عدم التزام النظام والميليشيات الإيرانية في وقف إطلاق النار، قال المصدر فإن «القوات التركية سوف تستكمل العمليات العسكرية ويتم إعادة النظام إلى خلف نقاط المراقبة التركية بدون أي تدخل أو مساندة أو اعتراض من الروس».

مضيفاً أنه «في حال عرقلة الدوريات المشتركة من قبل الفصائل العسكرية، سيكون هناك تحرك عسكري روسي لتنفيذ البند بالقوة» معتبراً اعتراض اعمال الدوريات الروسية – التركية عرقلة للجهود المشتركة حيث قال «اعطاء ذريعة جديدة للروس وعرقلة الجهود التركية الرامية لحماية المنطقة يعني حتمية خسارة مناطق جنوب الطريق ام 4» مشيراً الى ان الدوريات المشتركة هي لضمان فتح الطريق والتأكد من خلوه من التنظيمات المصنفة على لوائح الارهاب الدولية بعيدًا عن تثبيت أي نقطة للجانب الروسي في المنطقة.

ونفى المصدر المعارض، المعروف بتقربه من الحكومة التركية وجود اي تفاهمات حول انسحاب أو تسليم أي مدينة أو بلدة أو قرية في المناطق الواقعة جنوب الطريق الدولي.

القدس العربي»

——————————–

قلق بالغ من تفشي «كورونا» في إدلب… و«الصحة العالمية» تبدأ اختبارات/ فراس كرم

تبدأ «منظمة الصحة العالمية» قريبا إجراء فحوصات في شمال غربي سوريا، للكشف عن فيروس «كورونا»، في وقت يسود قلق بين النازحين والأهالي في منطقة تضم 3.5 مليون شخص دون معدات طبية.

وقال ريك برينان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية إن المنظمة ستبدأ في وقت لاحق من هذا الأسبوع إجراء اختبارات للكشف عن فيروس كورونا في شمال غربي سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة. وأضاف أنه يشعر بـ«قلق بالغ» من انتقال الفيروس إلى منطقة دمرت فيها الحرب الأهلية الدائرة منذ فترة طويلة النظام الصحي. وقال برينان لـ«رويترز» أمس: «نأمل أن تكون لدينا الأجهزة والاختبارات في وقت ما من الأسبوع الجاري حتى نتمكن من بدء الاختبارات. نشعر بقلق بالغ. وكل الدول المحيطة لديها حالات موثقة».

وبدأت الحكومة السورية في اختبارات للكشف عن كورونا في باقي أنحاء البلاد رغم أنها لم تبلغ منظمة الصحة العالمية بعد بأي حالة إصابة. وأكدت تركيا الواقعة شمالي سوريا أول حالة إصابة بكورونا الأسبوع الماضي كما أعلن العراق 93 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس.

ويعيش أكثر من 3 ملايين سوري في مخيمات الشمال السوري على الحدود السورية – التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة والسلامة الصحية، هاجس الخوف والقلق من وصول فيروس كورونا إلى المخيمات المكتظة بالمدنيين وسط خدمات طبية وصحية ضئيلة وغالباً ما تكون معدومة، الأمر الذي قد يحدث كارثة رهيبة ويزيد ذلك من معاناتهم.

وجال مندوب «الشرق الأوسط» في مناطق الشمال السوري والمخيمات ورصد واقع الحال المعيشي الذي يعيشه السوريين في ظل انتشار فيروس كورونا في معظم دول الجوار.

«فوق الموت عصة قبر» بهذا المثل الشعبي الدارج في سوريا، بدأ أبو أمجد رب أسرة لاجئ من ريف إدلب الجنوبي ويعيش في مخيم دير حسان على الحدود السورية – التركية، يصف مسبقاً المشهد الكارثي الذي قد يطال ملايين السوريين ما إن وصل فيروس كورونا إلى المخيمات العشوائية وسط ظروف إنسانية صعبة ولا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة الصحية.

ويضيف أبو أمجد: «هنا في المخيم الذي يؤوي ما يقارب 1000 أسرة يعيشون ضمن خيام أقيمت في مساحات ضيقة للغاية، حيث لا يوجد صرف صحي مناسب ولا خيام معزولة عن بعضها البعض والفسح المتوفرة بين الخيام لا تتجاوز مساحتها 50 مترا مربعا ومخصصة لأكثر من أسرة بحسب توزع الخيام، وهذا حتماً يشكل خطراً كبيراً بسرعة انتشار فيروس كورونا بين الناس ما إن تعرض أي مواطن للإصابة بالفيروس».

حمود أبو ممدوح مدير مخيم الفقراء والمهجرين قرب مدينة الدانا الحدودية، قال: «حتى الآن لم تقدم أي مؤسسة إغاثية أو طبية أي خدمة أو مساعدة للنازحين من مواد تعقيم أو وسائل تنظيف كالصابون وغيره من مستلزمات النظافة التي يحتاجها النازحين في المخيمات، فضلاً عن أنه حتى الآن لم تقم المنظمات الإغاثية والطبية بأي حملة توعية لقاطني المخيم وتقديم التوجيهات والنصائح التي من شأنها المحافظة على الصحة لمواجهة فيروس كورونا». وأضاف: «انتشار فيروس كورونا في أربع محافظات سورية وسط تكتم السلطات هناك، يزيد ذلك من مخاوف انتشاره في مخيمات النازحين شمال البلاد لا سيما أنه حتى الآن توجد بعض المنافذ البرية بين الجانبين وتبادل الزيارات بين الأهالي من كلا الجانبين وهذا يشكل خطرا كبيرا من انتقال الفيروس إلى أي مخيم».

من جهته قال الناشط الميداني مصعب الأشقر بأنه «يستحيل تطبيق شروط السلامة والحد من انتشار كورونا ما إن وصل إلى مخيمات الشمال السوري وسط الاكتظاظ الحاصل في المخيمات أو القيام بإجراءات العزل المنزلي في حال ظهور الأعراض أو انتشار الكورونا، حيث يعيش أكثر من مليوني شخص في خيام بسيطة، لا سيما أن أكثر الخيام تؤوي أكثر من أسرة بسبب النزوح الأخيرة للمدنيين، فضلاً عن أن الحمامات والمراحيض معظمها جماعية في المخيمات».

ويضيف الأشقر أن معظم السوريين في المخيمات ليس بمقدورهم شراء المستلزمات الصحية والوقائية، حيث وصل سعر الكمامة الورقية الواحدة نحو 250 ليرة، بينما يتراوح سعر صابون الأيدي بين 250 إلى 1000 ليرة للقطعة الواحدة. ويبلغ سعر كيس المناديل نصف كيلو غرام نحو 1000 ليرة، ووصل سعر لتر الكحول في الصيدليات إلى 1500 ليرة، بينما أسعار المعقمات تتراوح أسعارها بين 500 ليرة إلى 1000 ليرة سورية للعبوة ذات وزن 250 مل، وحتماً قلة الموارد لدى النازحين وعدم توفر المال لديهم سيشكل ذلك حاجزاً لشرائها مما يعقد احتواء انتشار الفيروس كورونا بين أوساط السوريين ما إن وصل إليهم. (الدولار يساوي ألف ليرة).

من جهته، قال الدكتور عبد الحكيم رمضان منسق الصحة العامة في مديرية صحة إدلب: «حتى الآن لم تؤكد أي حالة في الشمال السوري مصابة بفيروس كورونا، والحديث هنا عن الأعراض السريرية مع وجود قصة مخالطة لأناس قادمين عبر الحدود أو مناطق النظام كون الشمال السوري حتى الآن غير مجهز لتأكيد المرض». وأضاف: «هناك مختبر وبائي في إدلب كوادره مدربة لتقصي المرض لكن للآن كيتات المختبر الخاصة بالمرض لم تصل ومتوقع وصولها خلال أيام قليلة، أي أن المنطقة سيكون فيها مختبر فعال خلال أيام قليلة لكشف المرض وتم تشكيل خلية أزمة أو تاسك فورس بين المنظمات المحلية والدولية ومنظمة الصحة العالمية ومديريات الصحة، وقام الفريق المشكل بوضع خطة استعداد للشمال السوري»، لافتاً إلى أن عمليات المنظمات الدولية تأخذ وقتا في التخطيط والموافقات من مكاتبهم الرئيسية.

وأشار إلى أنه «ضمن خطة الاستعداد سيتم تجهيز 3 وحدات عزل في الشمال السوري للحالات التي تتطلب عناية مركزة، وهذه الوحدات قابلة للزيادة على مستوى عدد الأسرة أو حتى إضافة وحدات جديدة، إضافة لتجهيز عدة وحدات عزل مجتمعي للحالات المتوسطة والخفيفة والتي لا تتطلب رعاية في الوحدات العزل بحيث تضمن استشفاء المرضى وتجاوز المرض بعيدا عن عوائلهم ومتوقع دخول الوحدات العمل بنوعيها قبل نهاية شهر مارس (آذار)».

ويجري العمل بحملة توعية مجتمعية تضمن الوصول لكافة أفراد المجتمع لوضعهم على حقيقة وجدية المرض. ومن جهة أخرى، تم التوجيه من قبل مديرية الصحة لتقليص ساعات العمل في المشافي والمنشآت الصحية في الشمال السوري للعمليات الباردة والعيادات بهدف تقليل الاختلاط قدر الإمكان وتوفير الموارد إلى حين إعلان لحظة الصفر مع تأكيد لأول حالة كورونا، إضافة للدفع باتجاه وقف المدارس والتجمعات وتقليص وقت الأسواق.

كان المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية في أنقرة هيدين هالدرسون حذر كم أن «الأنظمة الصحية الهشة (في سوريا) قد لا تملك القدرة على رصد الوباء والتصدي له».

وقال هالدرسون إن المنظمة لتي لا يمكنها تقديم الخدمات عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة من داخل سوريا، تقدم المساعدة إلى إدلب عبر الحدود التركية.

وترى ميستي بوسويل من لجنة الإنقاذ الدولية أنّ الوضع في إدلب «مهيأ بشكل خاص لانتشار الفيروس»، مشيرة إلى أن «تفشي المرض سيكون كاسحا لدى آلاف الأشخاص الذين تتعرض حالتهم الصحية للخطر أصلاً بسبب نقص الغذاء والمياه النظيفة والتعرض للطقس البارد». وقالت بوسويل إن اللجنة تصب جهودها على «تعزيز التدابير الوقائية» من خلال زيادة الوعي وتوفير الإمدادات الطبية والأدوية اللازمة.

الشرق الأوسط»

—————————–

الوباء يعمّق مأساة نازحي إدلب

عمّق فيروس «كورونا» مخاوف نازحي إدلب في شمال غربي سوريا، بسبب غياب البنية التحتية الصحية في منطقة تضم نحو 3.5 مليون مدني. وتبدأ منظمة الصحة العالمية قريباً فحوصات للكشف عن «كورونا» في تلك المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة.

ورصدت «الشرق الأوسط» الوضع في الشمال السوري، حيث أعرب نازحون عن قلقهم من وصول الفيروس إلى المخيمات المكتظة بالمدنيين وسط خدمات طبية وصحية ضئيلة، وغالباً ما تكون معدومة جراء غارات طائرات روسية وسورية في الأشهر الماضية، الأمر الذي قد يُحدث كارثة رهيبة.

وقال الناشط الميداني مصعب الأشقر، إنه «يستحيل تطبيق شروط السلامة والحد من انتشار (كورونا) ما إن يصل إلى المخيمات، حيث يعيش أكثر من مليوني شخص في خيام بسيطة، لا سيما أن أكثر الخيام تؤوي أكثر من أسرة».

في موازاة ذلك، تم إغلاق مزارات إيرانية في ريف دمشق «ضمن الإجراءات الاحترازية» من الحكومة السورية، التي بدأت تطهير وتعقيم جميع الأماكن العامة ووسائل النقل في العاصمة لمحاربة «كورونا».

وذكرت مصادر لموقع «روسيا اليوم» أن إغلاق مزاري السيدة زينت والسيدة رقية قرب دمشق، جاء «امتثالاً لقرارات وزارة الأوقاف، وشمل كل الزوار سواء أكانوا سوريين أم غير سوريين».

وتابعت المصادر أنه تم أيضاً اتخاذ إجراءات في بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب، التابعتين للنفوذ الإيراني «امتثالاً لتعميم الحد من التجمعات في هذه الأيام التي تفرض على جميع الدول أن تتخذ إجراءات وقائية».

في شأن آخر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية أمس، عقوبات على وزير الدفاع السوري علي عبد الله أيوب بسبب دوره في «العنف وانتهاكات» النظام السوري.

الشرق الأوسط

——————————

تركيا من تقديم النصح لنظام بشار الأسد إلى الصدام معه عسكرياً

برعت السياسة الخارجية التركية، في عهد حزب “العدالة والتنمية” بتوظيف قوتها الناعمة، لنسج علاقات تخدم المصالح الوطنية التركية، والبحث عن توافقات في الفضائين الإقليمي والدولي، وفي هذا السياق شهدت العلاقات التركية- السورية تغيرات دراماتيكية، كسرت حالة العداء الذي حكم العلاقات بين البلدين تاريخياً، قبل أن تعود هذه العلاقة لتشهد تقلبات في مسار متراجع منذ انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، إلى أن وصلت مؤخراً إلى حد نشوب مواجهة عسكرية واسعة ومباشرة بين الجيش التركي وجيش النظام في محافظة إدلب.

وأعادت تركيا بناء سياساتها الإقليمية بعد وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى كرسي الحكم، عام 2002، على قاعدة “صفر مشاكل مع دول الجوار”، وعملت حكومة حزب “العدالة والتنمية” على تقديم رؤية جديدة للسياسات الخارجية التركية، مختلفة كلياً عن السياسات التقليدية التي سارت عليها الحكومات التركية المتعاقبة منذ الحقبة الأتاتوركية، كبوابة لتحقيق طموحها بالانتقال من دور الوكيل إلى لاعب إقليمي قوي، بطموحات دور دولي فاعل.

يضاف إلى ما سبق أن التجربة السياسية لحزب “العدالة والتنمية”، ببعدها الأيديولوجي، أثرت على شرائح واسعة من نشطاء الإسلام السياسي وخصوصاً من حيث العمل تحت سقف التعددية السياسية والاحتكام إلى صندوق الانتخابات.

وصبَّت أنقرة جهدها على العلاقة مع دول الجوار، لتجسيد فكرة “شرق أوسط جديد”، لتعوض عن فشلها في الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. وانطلقت الرؤية التركية للشرق الأوسط من مفهوم مختلف تماماً عن المفهوم الإسرائيلي الذي طرحه رئيس الوزراء والرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، ومن بعده المفهوم الأميركي الذي طرحته وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق كونداليزا رايس، ولا يعدو كونه إعادة إخراج للمفهوم الإسرائيلي.

ومع انطلاق ثورات “الربيع العربي” ظهرت خشية تركية من أن دخول المنطقة في حالة عدم استقرار سيؤثر سلباً على الدور التركي، والاستقرار في المحيط الإقليمي، ومن هذا المنطلق تعاملت تركيا بحذر مع “ثورات الربيع” وتطورات الأوضاع في الدول التي اجتاحتها، وعلى وجه الخصوص سوريا، خشية انفلات الوضع فيها مما قد يمد أعمال العنف والتوتر إلى الداخل التركي، ويشجع “حزب العمال الكردستاني” على تصعيد عمله العسكري ضد الجيش التركي، انطلاقاً من الأراضي السورية.

ترافق ذلك مع خشية تركيا من أن يؤدي تدهور الوضع في سوريا إلى تدخل عسكري خارجي. في وقت بدأت أنقرة تلمس فيه مبكراً مؤشرات على أن إيران أكملت كل الاستعدادات اللوجستية للتدخل دعماً لنظام بشار الأسد، ونقلت بعض المصادر المقربة من إيران أن الرئيس السابق أحمدي نجاد هدّد بقصف أي قاعدة عسكرية تركية تستخدم للهجوم على جيش النظام.

ولم تتخذ أنقرة موقفاً واضحاً في بداية الأزمة السورية، وبقي خطابها السياسي تجاه الأزمة يتسم بالازدواجية، بالإبقاء على علاقاتها الودية مع النظام، وتقديم النصائح له في كيفية معالجة الأزمة والخروج منها، على أساس تقديم حزمة واسعة من الإصلاحات تلبي مطالب الحراك الشعبي المعارض. وفي الوقت ذاته لم تخف أنقرة تضامنها مع مطالب الحراك الشعبي، وسمحت لقوى المعارضة السورية بإقامة أنشطة سياسية وإعلامية على الأراضي التركية، وأعطت الضوء الأخضر لمنظمات المجتمع المحلي التركية بتقديم إنساني دعم للمعارضة.

غير أن مراهنات أنقرة على نظام بشار الأسد وصلت سريعاً إلى طريق مسدود، لينتقل الخطاب الرسمي التركي من تقديم النصح لبشار الأسد إلى المطالبة برحيله كشرط لأي تسوية سياسية، وبذلك أنهت حالة الازدواجية في الموقف من النظام، لكنها أبقت على سمة التقلبات في العلاقة مع المحاور الدولية والاقليمية الفاعلة في الأزمة السورية.

وفي صيف 2012 برز أول تغير جدي في موقف الحكومة التركية عبر دعوتها إلى اتخاذ خطوات عملية للتخفيف من دموية النظام ضد المدنيين، وفي مقدمتها إقامة منطقة عازلة داخل سوريا، لإيواء النازحين الهاربين من المجازر التي يرتكبها “جيش النظام”، لكنها ووجهت برفض دول غربية للفكرة لأنها تتطلب تدخلاً عسكريا لفرض منطقة حظر طيران.

وأمام إخفاق الأمم المتحدة في وقف تدهور الوضع الإنساني والأمني في سوريا، وافق البرلمان التركي على قرار يسمح للجيش التركي بشن عمليات داخل الأراضي السورية لضرورات الأمن القومي التركي. وما لبثت أنقرة بعدها أن اعترفت بـ “ائتلاف المعارضة السورية” كممثل للشعب السوري، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.

وخلال الأعوام التالية حدثت العديد من المواجهات العسكرية المحدودة بين القوات التركية وجيش النظام، حوادث اسقاط طائرات وإطلاق نار عن بعد. إلا أن ذلك لم يمنع أنقرة من الإبقاء على خط اتصال مع النظام يضمن تواصلاً على المستوى الأمني.

وكادت تقع مواجهة بين تركيا وروسيا عام 2015 بعد إسقاط مقاتلات تركية طائرة روسية من طراز سوخوي 24. غير أن موسكو وأنقرة غلبتا المصالح المشتركة بينهما وتجاوزتا الواقعة، وبدأ الطرفان الروسي والتركي بنسج شراكة سياسية ظهرت بعد عدة شهور.

وشهد عام 2016 تطوراً كبيراً في العمليات العسكرية للجيش التركي داخل سوريا، بإطلاق عملية “درع الفرات” لاستعادة مدينة جرابلس من قبضة (داعش).

وقبل نهاية العام بأيام اتفقت أنقرة مع موسكو وطهران على إطلاق عملية تفاوضية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، لتبدأ بعدها رحلة أستانا التي انتقلت فيها تركيا من التنسيق مع الولايات المتحدة إلى العمل الوثيق مع روسيا وإيران، كمسارٍ تفاوضي موازٍ وربما منافس لمسار جنيف. تحالف إدارة أوباما مع “وحدات حماية الشعب” الكردية، ومدها بكميات كبيرة من الأسلحة الحديثة والذخائر، الأمر الذي رأت فيه تركيا تهديداً لها.

وزادت العلاقات سوءاً بين الحكومة التركية وإدارة أوباما، في آب/ أغسطس 2017، على ضوء عدم مسارعة الأخير في الإعلان عن إدانتها للانقلاب الفاشل ضد الرئيس أردوغان، ورفضها تسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير الانقلاب.

في منعطف الآخر؛ لم تكن العلاقة بين أنقرة وموسكو على خير ما يرام دائماً، بل تخللها الكثير من المنعطفات الحادة، وصلت في مرات عديدة إلى حافة الهاوية، لولا نجاح البراغماتية التركية والروسية في تبريد الموقف والبحث عن تقاطعات تنتج حلولاً مقبولة للطرفين، وآخر تلك المنعطفات المخاوف من حدوث احتكاكات مباشرة خلال عملية “درع الربيع” التي شنها الجيش التركي إلى جانب فصائل عسكرية للمعارضة المسلحة في ريف إدلب، إلا أن المعركة انتهت بإعلان اتفاق هدنة بعد قمة جمعت الرئيس التركي ونظيره الروسي في موسكو.

التقلبات كانت أيضاً السمة البارزة في تنسيق تركيا مع الدول العربية التي دعمت الثورة السورية في البداية، وخاصة السعودية وقطر، بينما بقيت العلاقة مع أبو ظبي وأنقرة تشوبها شكوك متبادلة. وتركز التعاون التركي مع السعودية وقطر على تقديم دعم إغاثي للاجئين، وتسليح فصائل المعارضة المسلحة، واستمر ذلك حتى عام 2015 حيث بدأت علاقات تركيا مع السعودية بالتدهور، إضافة إلى تراجع الدور الخليجي عموما على خلفية الأزمة بين قطر والدول الأربعة.

وهكذا؛ رغم كل التقلبات التي مرَّت بها السياسة التركية تجاه الأزمة السورية، بقيت تركيا لاعباً رئيسياً يتنافس اللاعبون الدوليون والإقليميون لاستقطابه، لأنه يشكِّل رقماً صعباً في قرار الحرب أو الحل السياسي في سوريا، وهذا فرض على تركيا حسابات غاية في الصعوبة والدقة، ووجدت نفسها دائماً تختار الضرر الأقل، في البحث حيناً عن تقاطعات مع الولايات المتحدة، وحيناً آخر عن تقاطعات مع روسيا، لأن كلتا السياستين الأميركية والروسية تجاه سوريا تحمل تختلفان كثيراً عن الرؤية التركية لحل الأزمة السورية، وخاصة فيما يتعلق بمناطق شمال وشمال شرق سورية التي تعدها أنقرة قضية أمن قومي.

بروكار برس

————————————–

=================================

تابع مقالات الأسابيع الماضية عن نفس الموضوع

الخلاف التركي ــ الروسي: أبعد من إدلب؟ -مقالات مختارة – 1 –

الخلاف التركي ــ الروسي: أبعد من إدلب؟ -مقالات مختارة – 2 –

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى