مقالات

غرب المتوسط/ مفيد نجم


دشّنت رواية شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف مرحلة جديدة في الوعي الروائي للعلاقة بين الشرق والغرب، أقصت بها الصورة النمطية التي طالما عبّرت عنها الرواية العربية، في الكثير من الأعمال السابقة.

أهمية التحول الذي أسست له هذه الرواية لا تكمن في كسر نمطية هذه الصورة وحسب، بل في مفهوم الهوية، والعلاقة مع المكان، وقبل هذا العلاقة مع الآخر. والحقيقة أن هذا التحول لم يكن له أن يحدث لولا اشتداد السطوة القمعية للدولة الأمنية العربية، واحتكارها للمجال السياسي، ما جعل الضفة الأخرى للمتوسط، تمثل أرض الحرية والخلاص للهاربين من سطوة هذا الواقع.

لقد اتخذت العلاقة مع المكان بين ضفتي المتوسط طابع الثنائية الضدي على المستوى السياسي والثقافي، لكنه في مراحل لاحقة بعد ما عرف بثورات الربيع العربي ستتخذ العلاقة بعدا أوسع، وأكثر درامية، بسبب الإكراهات التي فرضتها الحرب، وجعلت الآلاف يخاطرون بحياتهم للوصول إلى هذه الضفة، لكنهم سوف يكتشفون عالما آخر، وسيشعرون معه بالخوف على الهوية والثقافة، على خلاف ما حصل مع بطل رواية شرق المتوسط.

وسيحضر الطرف الآخر الغربي هذه المرة كعنصر فاعل في هذه العلاقة سلبا وإيجابا، ما سيزيد من إشكالية هذه العلاقة، ويضاعف من تداعياتها النفسية والاجتماعية والثقافية. لكن الرواية التي كتبت في منافي الغرب، عن هذه التجربة لم يحاولوا حتى الآن تمثل هذه القضية، بأبعادها الثقافية والسياسية والاجتماعية، لأنهم ما زالوا مشغولين بالكتابة عن فداحة تجربة الحرب التي عاشوها، وعن زمن الاستبداد قبل هذه المرحلة، وكأنهم لا شعوريا يريدون تبرير انفكاك علاقتهم مع بلاد شرق المتوسط.

في كلا التجربتين ثمة واقع مرعب ومخيف، هو الذي يملي على أبطاله في هذه الأعمال الصور. كما سيعبرون عن هذه الأزمة على مستوى العلاقة مع المكان الغريبة، التي يجب أن يكونوا عليها. لذلك سيكون على الرواية العربية في منافي غرب المتوسط أن تخوض في عمق هذه التجربة وتداعياتها النفسية والثقافية والاجتماعية على مستوى الذات والآخر، بعد أن أفرز هذا الواقع الجديد، ظواهر وحالات تعكس هذا الواقع الطارئ، وتداعياته العميقة على الشخصية الباحثة عن ذاتها وسط هذا العالم الغريب.

لم يعد الجنس وما يحمله من دلالات سيكولوجية هو وسيلة التعويض لامتلاك الآخر، كما لم يعد الشرق أرض الملذات والشبق الجنسي بالنسبة للغرب. ثمة تحولات ترسم صورة مختلفة لهذه العلاقة، على الوعي الروائي أن يقوم بتفكيكها، وإعادة التأمل في سيرورتها وما تنطوي عليه من بعد درامي يعكس واقع هذه المصائر وصراع الهويات الذي تعيشه.

العرب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى