منوعات

حبل غسيل طويل في السليمانية ضد “غسل العار”!/ سوران علي

هو أشبه بحبل سرّة لا ينقطع، يربط الإناث بحكاياتهن وعذاباتهن، ويربط هذه الحكايات بالمجتمع، المتورط بعضه في التسبب بهذه العذابات…

حبل غسيل. قد يبدو لوهلة مجرّد حبل غسيل تتدلى منه ثياب. لكنه حبل غسيل طويل. ليس طويلاً وحسب. بل يقارب طوله خمسة كيلومترات. 4800 متراً على وجه الدقّة. يبدأ من حديقة نالى وسط مدينة السليمانية في إقليم كوردستان، وينتهي أمام محكمة في وسط المدينة. يمر خلالها في شارع سالم المكتظ والحيوي. الغسيل ليس نظيفاً تماماً. الفكرة تعتمد على نشر الغسيل “الوسخ”. الغسيل متّسخ بفعل العنف الأسري الممارس على نساء، وهو عبارة عن ثياب وملابس لحوالي مئة ألف سيدة، ولكل قطعة ثياب قصة، قصة حقيقة تراجيدية لسيدات وفتيات قاصرات تعرضن للاعتداء والعنف في العراق، تتدلّى من حبل الغسيل كشاهد تشهره النساء في وجه المجتمع الذي تتحكم فيه افكار عن “غسل العار” بالقتل والتعنيف: “إن قطع الملابس هذه ليست وهمية بل تم الحديث بشأن كل قطعة منها مع إحدى النساء وتم طرق أبوابهنّ وقد تبرعن بها برغبتهن لعرضها ضمن هذا العمل الفني”، تقول التشكيلية تارا عبد الله، صاحبة المشروع الذي اطلقت عليه اسم “أنثى”.

هو اذاً أشبه بحبل سرّة لا ينقطع، يربط الإناث بحكاياتهن وعذاباتهن، ويربط هذه الحكايات بالمجتمع، المتورط بعضه في التسبب بهذه العذابات. اختارت تارا شارع سالم لانه يعتبر من أكثر الأماكن اكتظاظاً وهذا سيسمح بأن يشاهد حبل الغسيل عدد كبير من المواطنين: “عذابات النساء تقع بين الجدران ولابد من نقلها إلى العموم”. وانتهاء الحبل عند محكمة المدينة له دلالته: “يجب ان تحال جميع هذه القضايا إلى المحاكم للبت فيها”. واستغرق إعداد المشروع ثلاثة أشهر زار القائمون عليه خلالها أكثر من تسعة آلاف بيت وأخذوا قطعة ثياب من كل أنثى تعرضت لنوع من أنواع العنف.

ووثقت وزارة الداخلية العراقية أكثر من 5 آلاف حالة عنف أسري في البلاد خلال النصف الأول من العام 2020، وقال متحدث باسم الوزارة، في إحصائية نشرها إن”من بين الحالات الموثقة سجلت 3 آلاف و637 حالة اعتداء من الزوج على زوجته، فيما تم رصد 453 حالة اعتداء من الزوجة على زوجها”.

“حبل الغسيل” في السليمانية

وحضر جمع من الناشطات وممثلي منظمات المجتمع المدني افتتاح المشروع الذي سيستمر عرضه يومين، فيما تسعى منظمة “التنمية المدنية” لإدخال المشروع في كتاب غينس للأرقام القياسية كأطول عمل فني عرض حتى الآن بحسب ما قالته هزان هيرش من قسم الإعلام في المنظمة.

ومع الانفتاح والمستوى العالي من الوعي الذي يتمتع به سكان السليمانية، وعلى الرغم من انشغالهم بالكثير من القضايا السياسية والاقتصادية وحتى الصحية بسبب انتشار وباء كورونا، حاز المشروع متابعة عالية كما أثار جدلاً واسعاً وردود أفعال متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي انقسمت بين القبول والتأييد والرفض.

“عذابات النساء تقع بين الجدران ولابد من نقلها إلى العموم”.

الإعلامي دليل جمال كان من المدافعين عن المشروع. كتب أن مشكلة المجتمع الكبرى هي عدم البحث عن الإختلافات، وأضاف في منشور على موقع فيسبوك: “إننا ندور في حلقة واحدة باستمرار ولانريد أن نرى شيئاً آخر لم نره من قبل”.

أما الفنان نهرو شوقي فقد عبر عن سروره بالضجة التي أحدثها العمل الفني بين الناس: “الفن الحقيقي لابد أن يفعل ذلك”.

الناشطة فينا كمال قالت في تعليق أنه “ليس من السهل أن نفهم كل خطوة” موضحة “لو كنا نفهم لما وجدت كل قضايا العنف تلك”.

ولا يعد هذا العمل الفني أول مبادرة تشهدها مدينة السليمانية دعماً لحقوق المرأة ونصرة لقضاياها فقد كانت المدينة سبّاقة في مجال تحريم جرائم “غسل العار” وتعديل قوانين الأحوال الشخصية ومنع تعدد الزوجات وظواهر تزويج الفتيات في سن مبكرة والختان.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى