سياسة

“إخوان” سوريا يستغلّون “الانفراج الخليجي” لتنفيذ أجندتهم السياسية/ عبدالله سليمان علي

سارع “الإخوان المسلمون” فرع سوريا، كعادتهم، إلى ركوب موجة الاختراقات التي حصلت على صعيد العلاقة بين السعودية وقطر من جهة، والسعودية وتركيا من جهة ثانية، محاولين الاستثمار في الأجواء الإيجابية التي خلفتها الوساطة الكويتية بغية توظيفها بما يخدم الأجندة “الإخوانية” إعلامياً وسياسياً.

وفي الوقت الذي كُشفت فيه مسارعة “إخوان” سوريا إلى “الاحتفال” المبكر بإعادة ترتيب البيت الخليجي، عن مدى التداعيات السلبية التي ألحقها بهم الخلاف السعودي – القطري – التركي خلال السنوات الماضية، فإنها في الوقت نفسه كانت كفيلة بفضح جزء من الأوهام التي تداعب مخيلتهم وتجعلهم يبنون على التقارب الأخير باعتباره قاعدة أساسية سوف تتيح لهم تعويض النفوذ الذي فقدوه في بعض البلدان العربية والإسلامية.

ولم يكد وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصباح، يشير إلى “المباحثات المثمرة” لحل الأزمة الخليجية، في الكلمة القصيرة التي أدلى بها يوم الجمعة الماضي، والتي رُحب بها في مواقف للمسؤولين السعوديين والقطريين، حتى تحركت الآلة الإعلامية لـ”الإخوان المسلمين” بنشاط لافت محاولة إظهار نجاح الوساطة الكويتية على أنه “انتصار إخواني” سوف تكون له انعكاسات تلقائية على عدد من الملفات العالقة بين البلدين، ومن بينها بطبيعة الحال الملف السوري بكل تعقيداته وتشابكاته.

ورغم أن الفرع السوري لـ”الإخوان المسلمين” لم يصدر عنه بيان رسمي حول موقفه من التطورات الجارية في الأزمة الخليجية، إلا أن أذرعه الإعلامية لم تتأخر في توظيف الحدث وتداعياته عبر بث العديد من الإشاعات والأخبار المضللة على الساحة السورية.

ومن غير المستبعد أن يكون الضخّ الإعلامي الذي يمارسه “الإخوان” إنما جاء في بعض جوانبه تعبيراً غير مباشر عن مسعى قطري – تركي لمواجهة المطالب السعودية بخصوص فك الارتباط بين هاتين الدولتين مع جماعة “الإخوان”، عبر التأكيد على مطالبتهما بفك الارتباط بين السعودية وبعض الجهات السورية لا سيما القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً، أو إعادة علاقة السعودية مع بعض التنظيمات المسلحة المحسوبة على جماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا من أجل تفعيل جهود إسقاط النظام السوري.

وفي تأكيد على أن الإعلام “الإخواني” ينطلق في عمله من قاعدة المصالح التركية أولاً وأخيراً، وليس من قاعدة المصالح الوطنية الخاصة بالأزمة السورية، سارعت بعض وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية التي تدور في فلك “الإخوان” إلى بث أخبار عن قيام الرياض بقطع علاقاتها مع “حزب الاتحاد الديموقراطي”، الذراع السياسية لـ”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) المهيمنة على منطقة شرق الفرات شمال شرقي سوريا.

وذكرت هذه الوسائل والمواقع أن السعودية أوقفت دعم الإدارة الذاتية و”قوات سوريا الديموقراطية” ضمن إجراءات تتخذها المملكة للتقارب مع تركيا التي تصنف “قسد” على أنها مجموعات إرهابية مرتبطة بـ”حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا. وأضافت أن السعودية أمهلت ممثل الادارة الذاتية في الخليج شفان الخابوري ساعات عدة لمغادرة أراضي المملكة.

ولا شك في أن التصويب على العلاقة بين الرياض والادارة الذاتية يأتي ترجمة لمطالب تركية بحتة باعتبار أن أنقرة تنظر إلى هذه العلاقة بوصفها عقبة تحول بينها وبين توسيع مناطق استعمارها فوق الأراضي السورية. وقد يكون المطلوب هو توجيه رسالة إلى المملكة مفادها أن علاقة المحور القطري – التركي مع جماعة “الإخوان المسلمين” هي في مقابل علاقة الرياض مع القوات الكردية.

ورغم أن شفان الخابوري نفى صحة ما يجري تداوله حول قطع المملكة علاقاتها وإعطائها مهلة للمغادرة، وذلك في حديث صحافي إلى بعض المواقع الكردية، فإن مجرد التصويب على هذه العلاقة من قبل الإعلام “الإخوانيّ” من شأنه أن يكشف عن مدى الضيق التركي من هذه العلاقة وحجم التأثير الذي تمارسه في الحدّ من طموحات أنقرة في الشرق السوري، كما يكشف أيضاً أن أنقرة تسعى من خلال التقارب مع السعودية إلى تغيير المعادلات القائمة واتخاذ نجاح الوساطة التركية كغطاء لبث دعاية إعلامية تهدف إلى التشويش على علاقة السعودية مع بعض الأطراف السورية المناوئة للنفوذ التركي ولجماعة “الإخوان المسلمين”.

ولم يكتف الإعلام “الإخواني” بالتصويب على علاقة السعودية مع الأكراد في مثلث الجزيرة السورية، بل ذهب بعيداً عندما تحدثت بعض المواقع الإلكترونية عن انقلاب في التوجهات السعودية بخصوص ملف شمال غربي سوريا، وأن المملكة في صدد التخلي عن سياسية النأي بنفسها عن هذا الملف، والشروع في سياسة مغايرة تقوم على الانخراط المباشر فيه.

وفي هذا السياق ذكرت مواقع الكترونية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقربة من “إخوان” سوريا، أن المملكة اتفقت مع قطر على الدعم المشترك لـ”فيلق الشام”، وهو أقرب الفصائل السورية المسلحة إلى تركيا وجماعة “الإخوان”، والعمل على تزويده بصواريخ أرض جو ودبابات حديثة.

ولا يختلف الهدف من وراء الترويج لمثل هذه الأخبار حول دعم الرياض لفصائل محسوبة على “الإخوان” عن الهدف من وراء التصويب على علاقة السعودية مع القوات الكردية. ففي الحالتين يتوخى الإعلام “الإخواني” إظهار الانفراج الحاصل على صعيد الأزمة الخليجية على أنه تنازل سعودي كامل مقابل تمسك قطري – تركي بمواقفهما وحلفائهما. والغاية من ذلك هي التشويش على الدور السعودي المناهض للإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة “الإخوان المسلمين” ومن يقف وراءها من دول وجهات، ومحاولة تشويه السياسة السعودية مقابل تلميع السياسة القطرية والتركية.

والمفارقة أن الدعاية “الإخوانية” المغرضة جاءت في توقيت غير بعيد من إعلان المملكة جماعة “الإخوان المسلمين” تنظيماً إرهابياً، بحسب ما ورد في بيان صادر عن هيئة كبار العلماء في السعودية الشهر الماضي. وقد اعتُبر البيان بمثابة خطوة نوعية تتخذها المملكة لمواجهة الإسلام السياسي بالتزامن مع الحملة التي تقودها بعض الدول الأوروبية ضده.

ولعل “إخوان” سوريا وجدوا في انفراج الأزمة الخليجية فرصة من أجل التشكيك بالموقف السعودي من جماعات الإسلام السياسي وإظهار عدم جديتها في المواجهة معها، وللقول كذلك بأن بيان هيئة كبار العلماء لم يكن سوى وسيلة ضغط إعلامية لا أكثر وليس له أي تأثير عملي على الأرض بالنسبة إلى جماعة “الإخوان” عموماً وعلى فرعهم في سوريا خصوصاً.

ولعلّ الأسلوب “الإخواني” السابق يندرج ضمن سياسة متكاملة تسعى إلى مواجهة الاستراتيجية التي تتبعها الرياض ضد تيارات الاسلام السياسي من خلال تسطيحها والتشكيك بجدواها.

ومن ذلك أيضاً البيان الذي صدر عن الفرع السوري في أعقاب بيان هيئة كبار العلماء والذي حاولت قيادة “الإخوان” في سوريا من خلاله التذاكي على المملكة عبر التصويب على التواجد الإيراني في سوريا والتهجم على مشروعها الصفوي ونظام الحكم فيها، وذلك في مسعى واضح لمقايضة الموقف السعودي ضد “الاخوان” مقابل استعداد الجماعة للعب دور في مواجهة المدّ الإيراني.

وفي المحصلة يبدو أن “إخوانط سوريا باتوا مدركين لمدى تراجع دورهم في الساحة السورية لا سيما بعد الضربات التي تلقوها مؤخراً، وأهمها الضربة الروسية لمعسكر تابع لـ”فيلق الشام”، والانقلاب في “حركة أحرار الشام”، وسلسلة الاغتيالات التي طاولت عدداً من قيادات الفصائل المحسوبة عليهم وعلى رأسها “فيلق الشام” الذي اغتيل أكثر من ثلاثة من قياداته خلال الأسابيع الماضية.

ومن الواضح أن هذه الجماعة من خلال ركوبها موجة “الانفراجات” في الأزمة الخليجية تريد استعادة بريق دورها من خلال الإيهام بأن علاقتها مع السعودية عادت إلى مجاريها، وأن اتفاقاً سعودياً – قطرياً – تركياً سوف يترك تداعيات إيجابية على مركزية موقعها ضمن المشهد السوري. غير أن كل ما سبق قد لا يخرج عن كونه مجرد تطبيق للمثل القائل “الغريق يتعلق بقشّة”.

النهار العربية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى