الثمن الروسي لحكم سوريا ، هل من تغيير وشيك هناك -مقالات مختارة- متجدد باستمرار
=====================
تابع المقالات السابقة عن نفس الامر في موقعنا:
هل من تغيير وشيك في سوريا؟ -مقالات مختارة- متجدد باستمرار
———————————
شيشنة سورية/ ميشيل كيلو
غزت روسيا سورية بطلب من رئيسها للحرب على الإرهاب، لكن الرئيس بوتين أخبر جنرالاته بأنهم سيحتلون سورية لإنقاذ رئيسها بشار الأسد، وهذا ما نفاه الاستراتيجي الأسدي خالد عبود، وقال إن ما حدث كان العكس، وإن الأسد هو الذي أنقذ بوتين، ولو غضب منه لأخرجه بخنصره من الكرملين، فهل يعقل أن يكون بوتين ناكرا للجميل إلى الحد الذي يجعله يخاطر بمصيره، ويُغضب اللواء المتقاعد بهجت سليمان، فيدمّر قاعدة حميميم ومرفأ طرطوس في نصف ساعة، وهو زمن طويل جدا، ويعادل ستة أضعاف الزمن الذي حدّده جنرالات الحرس الثوري لتدمير إسرائيل!
أمام هذه الولدنات، كان من الطبيعي أن يبادر بوتين إلى تحصين وضعه في سورية، لسببين: أولهما أن الدولة السورية التي برّر غزوها بالمحافظة على مؤسساتها لم تعد موجودة، ولم يبق من وظائفها ما يمكنه إنقاذه غير المخابرات التي تتولى تهديده، فلا كهرباء، ولا ماء، ولا رواتب، ولا مواصلات، ولا مدارس، ولا مشافي، ولا عمل، ولا دواء، ولا دخل، ولا عملة سورية، بعدما زاد سعر الدولار عن ستين ضعف ما كان عليه عام 2011، وتجاوز عتبة الثلاثة آلاف ليرة. بعد قرابة عشرة أعوام من الانتصارات على مؤامرة الحرية، اختفت الدولة باختفاء وظائفها، جميع وظائفها الداخلية والخارجية، ووزارتها وحزبها. بما أن بوتين لا يستطيع بعث رمادها وهو رميم، لأسباب تتصل، بين أسبابٍ أخرى، بضيق ذات اليد، فقد قرّر استبدالها بدولة روسية بدأ تأسيسها بتعيين رئيس روسي لها، يساعده رئيسها الذي انزلق من موقعه منسقا أعلى لأجهزة المخابرات إلى موقع “رئيس ظل”، واستكمله قبل أربعة أيام بتعيين محافظين روس للمحافظات السورية التي سيتولون إدارتها بمساعدة محافظيها الذين صاروا بدورهم “محافظي ظل”، فمتى يعين مدراء النواحي، والمالية، والنفوس، وجباة مؤسستي الكهرباء والمياه، ورجال الشرطة وحرّاس الليل ومخاتير القرى، استكمالا لـ”شيشنة “بلادٍ، يعني انهيار دولتها افتقار الاحتلال الروسي إلى حامل سياسي محلي، وعجزه عن إيصال قدميه إلى أرض سياسية صلبة يقف عليها، بينما يواجه مصائب إعادة الإعمار، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، والوجود الإيراني في حياة سورية الذي ينشط كمنافس في إهاب عدو، وسيستغل متاعب موسكو المنتظرة ليزيدها تعبا، حسب استراتيجية خالد العبود الذي أبلغ بوتين بأنه استدرج إلى سورية ليردع أميركا، وأن الأسد استبق قدومه بتحالفه مع إيران، لإبقاء روسيا تحت العين واليد. تلاشت دولة بيت الأسد التي جلبت بوتين إلى سورية، فهل تبقي دولة بوتين على رئيسٍ ظلٍّ هدّدها زعرانه بتدمير قواعدها خلال نصف ساعة؟
ثاني السببين أن احتلال سورية، بجيشها وحده، لا يضمن مصالح روسيا، فالروس لا يستطيعون إفراغ سورية من ثرواتها، ما لم تكن حاضرةً في كل مكان، وما دامت شروط إعادة إعمار ما دمّره غير متوفرة، فإن توفرت وطبق القرار 2254، رحل الأسد وزالت سلطته التي سيكون آخر ممثلٍّ لها، وواجه بوتين عندئذٍ مطالبته بالخروج من بلادٍ ساهم في تدميرها، ورحل من دعاه إلى غزوها، فإن نال المطالبون برحيله عن وطنهم دعما خارجيا مؤثّرا، حلت كارثةٌ بسياسة الانفراد بالساحة السورية التي قرّر استخدامها للقفز إلى الدول المجاورة، وأعاده فشله إلى موسكو بخفّي حنين، أو ورّطه في ما لا تحمد عقباه.
تغلق إجراءات بوتين باب الحل السياسي، وتأخذ الصراع على سورية وفيها إلى مواقع وخيارات تبعد السلام أكثر مما هو بعيد اليوم. يرجع ذلك إلى تمسّكه بالأسد الذي لم تعد لديه دولة، لأن بوتين ساعده على تدميرها، وسيواجه شعبا جدّد تظاهراته ضدهما، ويطالبهما بالرحيل، بعد عشرة أعوام من فتكهما به وإعلانهما الانتصار عليه.
سيد بوتين: لن تتمكّن من إنقاذ الأسد، أنقذ نفسك، سورية لن تصبح شيشانية.
العربي الجديد
مصير بشار الأسد يستنفر جبهة “الممانعة”/ بسام يوسف
يبدو فعلاً أن وراء الأكمة ما وراءها؛ فهذه الجعجعة العالية التي بدأنا نسمعها، منذ أن بدأ الإعلام الروسي يتناول رأس العصابة في سوريا، والتي تتحفنا كل يوم بجديد لا يقل إثارة وتشويقاً عن سابقاته، يوحي بأن ثمة أمر جلل يقترب، وبأن “المشمش” قد قرر أن يستعيد مجده الغابر، وأن يعود مجددا، فقط من أجل أن يذكّر شوارع دمشق بهتافها الشهير الذي غاب منذ عقود طويلة: آخر أيامك يا مشمش.
ما الذي حدث لكي يستنفر حلف المقاومة والممانعة بأركانه الأربعة، وما الذي يحدث لكي تبدأ أبواقه الصدئة بجعيرها النشاز الذي يثير الغثيان، وهل يستحق هيكل القش المتداعي كل هذه الطنطنة! هيكل القش المتداعي هذا الذي أطلقوا عليه اسم النظام السوري زوراً وبهتاناً، وهو ليس نظاماً ولا سورياً.
(رئيس ضعيف وفاسد وشعبيته متراجعة و..و..)، هكذا وصفته الجهة الإعلامية الروسية الأشد قرباً من الرئيس الروسي بوتين، ثم تتالت بعدها التقارير والأخبار المسربة عن عائلة الأسد وعن الفساد المستشري كالطاعون وعن ضعف البلاد وانهيارها.
هل استشعر جهابذة الممانعة ما كانوا يخشونه، فيقوم بعد أيام قليلة من تقشير بشار الأسد في الإعلام الروسي، وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بزيارة مفاجئة إلى دمشق، مدججاً بكمامة تقيه من هجمة مضادة لـ “كورونا”، وبرسالة مبطنة للروس أولاً وللعالم ثانياً فحواها: أننا نقف مع بشار الأسد، وأننا ضد تبخيسه وضد التقليل من عبقريته في تخريب سوريا وإخضاعها.
ولأن المسلسل تتسارع حلقاته؛ فلم يستطع رامي مخلوف الانتظار طويلاً، لكي يرتب لنفسه وضعاً في السيناريو القادم؛ فقد أعلن نظافة كفه، وأن لا علاقة له بالفساد والنهب، وأن كل المستحقات المالية الواجبة عليه سيسددها حتى آخر قرش وفوقها حبة بركة، وأن فقراء سوريا هم أمانة في عنقه لن يتخلى عنها، فقد أوكله بها الله سبحانه وتعالى، ويا سوريين، اشهدوا أنني بريء الذمة.
بدوره لم يتأخر البوق، خالد العبود، بمشاركته عرس الممانعة، لكنه كان متميزاً في الدور الذي منحه له المخرج، فأتحفنا بمقالة أرغى فيها وأزبد، وهدد روسيا وجيشها وقيادتها بالويل والثبور وعظائم الأمور، وذكًر القيادة الروسية بخطوط السيادة الوطنية الحمراء الحقيقية، وبأن بشار الأسد ليس مثل حدود سوريا وسيادتها وشعبها وجيشها، لكي يتم السكوت عن دعسه واستباحته، فسيادته خط أحمر من عيار آخر، عيار أهم من كل الخطوط الحمر الأخرى.
ثم بعد ساعات فقط من استعراض “العبود” المثير للشفقة، اعتلى المسرح مثقف الغفلة، وكاتب التقارير المبدع، ورجل الفساد، وباني مؤسسة التشبيح “بهجت سليمان”، ليعلن أنه وأمثاله من شبيحة الأسد قادرون على إخراج روسيا من سوريا بنصف ساعة فقط. ويبدو أن أحداً ما همس في أذنه أن نصف ساعة هي مدة قليلة، فلعله يتكرم ويجعلها ساعة مثلاً؛ فما كان منه إلا أن امتشق بيانا وجهه إلى وزير الخارجية الروسي والقيادة الروسية باسم الأخوة والصداقة العتيقة، مناشدا إياهم أن يلجموا إعلامهم الذي يتناول رمز سوريا وسيادتها، ثم طلب الدعم من حشد قطيع “المثقفين” من الطراز المقاوم الممانع الذين تقيم مقاومتهم وممانعتهم وتنتشر في عدة بلدان عربية وغير عربية.
ولكي يكتمل النقل بالزعرور؛ فقد أطل أمين عام حزب الله ليعلن رسالته- هو الآخر- وليخبرنا: أن الأسد باق، وأن أمريكا التي انتصرت إيران عليها انتصاراً ساحقا يذكرنا نحن العرب بانتصار أنظمة العار العربية في حرب حزيران 1967 الشهيرة، حين لم تخجل هذه الأنظمة التي أعلنت أنها انتصرت؛ لأن العدوان الإسرائيلي لم يكن هدفه احتلال الأراضي، ولا تشريد سكانها، ولا تحطيم الجيوش العربية، بل كان هدفها إسقاط الأنظمة التقدمية في هذه الدول، ومن هذه النافذة رأى حسن نصر الله انتصار إيران الساحق، وبرهن عليه أيضاً.
إذاً، أي مسرح هزلي هذا! وأي سخرية سوداء! وأي كارثة!! حين يصبح كل ما يخص سوريا وشعبها ومستقبلها قابلاً للمساومة والبيع والشراء لدى هؤلاء، ويصمتون عن احتلالات وجيوش تسرح وتمرح وتقتل وتنهب، ويصمتون عن شعب تكدس في المخيمات ودول الشتات، وعن جوع يفتك بما تبقى من السوريين داخل سوريا، لكنهم يستنفرون حتى الهذيان عندما يشعرون أن رأس هذه العصابة قد انتهى دوره، وأن القادم من الأيام قد يطيح بـعائلة اللصوص هذه إلى غير رجعة.
بالتأكيد، لم يتحدَّ ظريف فايروس كورونا اللعين، ولم يقل بهجت سليمان ولا خالد عبود ما قالاه، ولم يكن رامي مخلوف ليعلن افتراقه عن تعليمات هذا القصر، ولم يكن حسن نصر الله ليخرج مؤكداً بقاء بشار الأسد…إلخ، لو لا أن هناك خطر يهدد وجوده، فهل أزفت لحظة الاستحقاق الذي لا مفر منه، وهل أصبح مصير عائلة الأسد في بازار البيع، وأن المرشح الآن لقبض ثمن هذه الصفقة هم الروس وليس الإيرانيين؟
لكن الدلالة الأهم في هذه الجوقة واستعراضها الهزيل تكمن في اختيار سلاح التصدي الذي استعمله الممانعون لهذه التطور المباغت، لكأنه لم يعد لهذا الحلف إلا البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لكي يدافع عن ركن أساسي فيه، فهل فقد الحلف الذي يدعي وقوفه في وجه العالم كله كل أسلحته؟
الفاجع في هذه المسرحية السمجة أنها مستمرة، وأن تفاصيلها المعيبة تعاد ثم تعاد بلا أي تعديل، ومع هذا فإن هناك من لايزال يتابعها، ومن لا يزال موقنا أن تستمر هذه المهزلة إلى الأبد؟
سيرحل بشار الأسد، وستطوى صفحة العائلة الأكثر إجراماً في تاريخ سوريا، وسينفض حشد “الصيصان” المتعيشون على دجل محور المقاومة والممانعة.
ومهما تكن الجهة التي ستقبض ثمن إنهاء حكم عائلة الأسد، فإن هذه الصفقة قادمة. فما من أحمق في هذا العالم سيتمسك بشخص ينوء تحت ثقل جرائم حرب لا تعد أودت بحياة مئات آلاف الضحايا، وجعلت من بلد موغل في الحضارة والتاريخ ركاما لدمار لا يحد.
بقي أن يقوم بشار الأسد بأداء الفصل الأخير من مسرحية العبث هذه، فيعتلي منصة العرض؛ ليصرخ في السوريين الذين تحملوا ما لا يتحمله شعب فقط كي يشهدوا نهاية حكم هذه العائلة:
من أنتم! من أنتم!!
حينها تكون قد اكتملت فصول المهزلة، وأسدلت الستارة على مسرحية مبتذلة استمرت نصف قرن من الزمن، مسرحية من الجنون والعبث المتواصل دفع السوريون ثمنها دماً ووطناً ومستقبلاً.
تلفزيون سوريا
————————
ندوة حول تغيرات الموقف الروسي من القضية السورية
حاول الضيفان تحليل واستقراء دلالات التصريحات الإعلامية الصادرة عن مؤسسات ودوائر مقربة من الحكومة في روسيا، ضد الأسد، وردة فعل النظام السوري وحاشيته، وحقيقة التفاهمات الروسية – الأميركية الممكنة والمتوقعة، وأسباب موافقة الولايات المتحدة على انسحاب جميع القوى الأجنبية من سورية عدا القوات الروسية، وغير ذلك من المواضيع ذات الصلة بالموقفين الروسي والأميركي.
في البداية، تحدث محمود الحمزة عن دلالات التصريحات الروسية التي طالت بشار الأسد، وسلطت الضوء على فساده وعائلته، ووصف هذه الحملة الإعلامية الروسية ضد النظام بأنها جديدة، من حيث الخطاب والمضمون والمصادر أيضًا. وقال: “هناك مصادر من الكرملين هي التي بدأت هذه الحملة، وهناك لهجة جديدة طالت فساد النظام، واتهمته بأنه قاتل وأنه يتعاون مع تنظيم (داعش)، وهذه الاتهامات والحقائق كنا نقولها سابقًا، لكن الروس كانوا يتجاهلون ذلك. واللافت أيضًا تسليط الضوء على بشار الأسد، ووصفه بالشخص الضعيف، وبأنه غير قادر على إدارة البلاد. ونستطيع القول إن هذه التصريحات الإعلامية الروسية هي رسائل للنظام، فإما أن ينصاع للروس ويكون مع طروحاتهم، خاصة أن هناك تأثيرًا واضحًا لإيران على النظام، وإما الاستمرار في هذه الحملة”.
وتابع: “أعتقد أن أسباب هذا التحول في الموقف الروسي ليست اقتصادية فقط، ولكن هناك أسباب سياسية، وهناك كثير من المعطيات التي تقول إن روسيا مضطرة إلى التنازل والاتجاه نحو إيجاد حل سياسي في سورية، فروسيا غير قادرة على الاستمرار في المعارك، خاصة في إدلب؛ لأنها ستصطدم بتركيا، وهي حريصة على إقامة تحالف مع أنقرة. وهناك أيضًا الضغوطات الدولية مثل قانون قيصر، وتصريحات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وبدء محاكمة المجرمين في أوروبا، كما أن الوضع الداخلي في سورية سيئ للغاية، حتى بين صفوف الموالين للنظام، وهذا يجعل روسيا مضطرة إلى أخذ كل هذه الأسباب بعين الاعتبار”.
في المقابل، علّق رضوان زيادة على المقال الذي نشره عضو مجلش الشعب التابع للنظام خالد العبود، ووجّهه إلى الرئيس الروسي، وقال: “أولًا خالد العبود هو أمين سر مجلس الشعب السوري، ومهما كانت تصريحاته شخصية فلا بد أن تحمل طابعًا رسميًا، وفي الواقع أحدثت رسالة العبود انعكاسًا في الصحافة الروسية، وتم تداول أخبار في صحف روسية، تتحدث عن تهديدات سورية لموسكو. لكن أعتقد أن القيادة الروسية لا تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، لأنها تعرف أنها لا تستند إلى قيمة أو قوة حقيقية”.
وأضاف: “وفي العودة إلى تناقض الموقف الروسي، نجد أن روسيا -بالرغم من التصريحات التي طالت النظام وفساده- انسحبت من اجتماع مجلس الأمن الخاص بمناقشة تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الذي يؤكد للمرة الأولى استخدام نظام الأسد للسلاح الكيمياوي في منطقة اللطامنة في حماة، وبالتالي نجد أنفسنا أمام معضلة متكررة، وهي أن روسيا تقول شيئًا للمعارضة والمجتمع الدولي، ثم تتصرف على نحو مختلف، حيث إنها استخدمت حق النقض الفيتو 11 مرة في مجلس الأمن، ضد قرارت تدين النظام السوري. ما تريده روسيا حاليًا من هذه التصريحات هو الحصول على بعض الدعم، وإظهار نفسها بأنها لا تدعم النظام وغير راضية عنه”.
وحول سؤال عن الجهة الدولية الأقوى في سورية حاليًا، ومن هو الضامن الذي يعوّل عليه، أجاب الحمزة: “اعتمدت روسيا على إيران في مرحلة الصراع العسكري، والآن جاء دور تركيا بشكل أساسي في المجال السياسي، ولا يخفى على أحد أن هناك تنافسًا، بين روسيا وإيران، انعكست تجلياته بوضوح في الخلافات الدائرة بين بشار الأسد ورامي مخلوف. أعتقد أن الضامن الأكبر لأي اتفاق يخص سورية هو الولايات المتحدة، لأنها اللاعب الأكبر في المشهد السياسي السوري، وأرى أن هناك تفاهمًا روسيًا أميركيًا منذ عام 2014 حول سورية، بهدف حماية أمن إسرائيل، وستكون روسيا هي الضامن لأمن إسرائيل في سورية، وهذا ما يفسر السكوت عن الدور الذي لعبته روسيا وتدخلها العسكري بشكل كبير في سورية، لتبدو وكأنها صاحبة القرار في الملف السوري”.
وحول تصريحات المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، التي قالت بضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية عدا القوات الروسية، علّق زيادة قائلًا: “أعتقد أن هذا التصريح يهدف إلى مغازلة الروس، وشرعنة وجودهم العسكري والسياسي في سورية، إذا تعاونت موسكو مع واشنطن في طرد الميليشيات الإيرانية من سورية، وهذا هو الهدف التكتيكي -برأيي- من هذا التصريح، وهو تصريح لافت، لأن انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية معناه انسحاب أميركا أيضًا، ومن المعروف أن جيفري من أشد المعارضين لخروج القوات الأميركية من سورية، وهذا ينقلني إلى النقطة الأخرى التي أريد أن أعقب عليها، وهي تتعلق باللاعب الإقليمي المهم للغاية: تركيا، أعني أن تركيا استثمرت كثيرًا في القضية السورية، عسكريًا وسياسيًا وماليًا، ولن تقبل أن تكون فرق عملة أو أن تكون ضحية تصفية حسابات بين روسيا وأميركا، وأعتقد أن تركيا أظهرت للجميع، من خلال منعها شن حملة عسكرية للنظام على إدلب ومنع تقدم القوات الروسية، أن خياراتها ومصالحها قبل كل شيء، حتى إنها وصلت إلى مرحلة الاصطدام مع روسيا بشكل مباشر، وأدخلت قواتها العسكرية في مواجهة مباشرة مع قوات النظام وميليشيا (حزب الله)، وهذه القوة العسكرية التي أظهرتها تركيا جعلت روسيا تفكر في الموضوع كثيرًا، وهي حاليًا تريد الحفاظ على الاتفاق العسكري الروسي – التركي، على ما هو عليه، وترفض أي تحريض من قبل نظام الأسد، من أجل شن حملة عسكرية على إدلب، لأن موسكو تدرك أن الرد التركي سيكون قاسيًا جدًا، وليس من مصلحتها التصعيد في هذا الإطار.
وأضاف: “أعتقد أن إطار الحل السياسي الحقيقي يكون باتفاق ثلاثي تركي روسي أميركي، وهذا سيكون من مصلحتنا كمعارضة بشكل رئيسي، لأن اتفاق أستانا كان ثلاثيًا أيضًا، وضمّ كلًا من إيران وروسيا وتركيا، لكن كلا الطرفين الروسي والإيراني هم أقرب وأكثر دعمًا لنظام الأسد، وحاليًا إذا تم اتفاق يضم روسيا وتركيا وأميركا، فإن الأطراف التي تؤيد الثورة السورية سوف تدعمه من أجل الوصول إلى حل سياسي. وأعتقد أن نظام الأسد يخشى كثيرًا من هذا التقارب بين روسيا وتركيا، الذي يعكس تغيرًا واضحًا في الموقف الروسي تجاه الرؤية التركية”.
وناقش الضيفان في الختام مدى إمكانية التوصل إلى حل سياسي في سورية، في ضوء الهوة الكبيرة بين مصالح كل من موسكو وواشنطن، خاصة بعد أن يبدأ تطبيق قانون قيصر، مطلع الشهر القادم، الذي سيؤثر في العديد من الشركات الروسية الموجودة على لائحة العقوبات، إضافة إلى الضغوط الأميركية على الدول الأوروبية، من أجل إقرار قانون شبيه بقانون قيصر، لمنع إعادة تأهيل نظام الأسد، ومدى جدية الضغوطات الروسية على النظام في سبيل التوصل إلى حل سياسي. وحول ذلك، قال الحمزة: “أعتقد أن الضغوطات لا يجب أن تكون فردية من جانب روسيا فقط، بل يجب أن تتكامل مع الضغوطات الأميركية، وإذا لم يحدث تفاهم أميركي – روسي بالدرجة الأولى، فلن يكون هناك آفاق لأي حل سياسي في سورية، وبالتالي أميركا هي التي تعطي الضوء الأخضر لروسيا، مع ضرورة الإشارة إلى أن روسيا ليست ضعيفة، لكنها بدأت الآن -كما يُقال- تُظهر العين الحمراء للنظام، لأن الأمور في سورية وصلت إلى طريق مسدود”.
عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبر البث المباشر، السبت 16 أيار/ مايو 2020، ندوة بعنوان (تغيرات الموقف الروسي في القضية السورية)، شارك فيها من واشنطن د. رضوان زيادة، الباحث في المركز العربي في واشنطن، ومن موسكو د. محمود الحمزة، الأكاديمي والباحث السياسي، وأدارتها الإعلامية ربا حبوش.
مركز حرمون
————————–
موسكو تسعى إلى «إصلاحات جدية» في سوريا وتنتقد «تعنت النظام»/ رائد جبر
مع تواصل السجالات والحملات الإعلامية المتبادلة بين موسكو ودمشق، اتجهت أوساط روسية إلى النأي عن «الرسائل الإعلامية» التي عكست استياء أو غضب أوساط روسية، ومالت نحو وضع تصورات لطبيعة العلاقة بين موسكو والنظام، وصفت بأنها تحاول «ضبط إيقاع الموقف الروسي» حيال الرئيس بشار الأسد.
ومع غياب موقف رسمي روسي، برزت بعض المواقف التي بدا أن تحركها جاء استجابة لمحاولات قامت بها دمشق أخيراً، لمحاصرة التصعيد الإعلامي، إذ نشرت وكالة «نوفوستي» الحكومية مقابلات مع أطراف روسية معروفة بمواقفها المؤيدة للنظام، قللت خلالها من أهمية تصريحات أقطاب المعارضة بوجود تحول في الموقف الروسي، وبأن موسكو تستعد للتخلي عن الأسد. كما برز فجأة عضو مجلس الدوما الروسي ديمتري سابلين الذي يشارك في مجموعة برلمانية لـ«الصداقة مع الجمهورية العربية السورية»، وندد بالحملات الإعلامية، قائلاً إن الأسد ما زال يحظى بشعبية واسعة، و«سيفوز بالانتخابات المقبلة إذا رشح نفسه». وكرر النائب الذي شارك في زيارات «تضامنية» إلى سوريا سابقاً، مقولة: «لا بديل عن الأسد».
وتكررت العبارة ذاتها، في عدد كبير من التغطيات الإعلامية الأخرى، بينها مقالة للباحث زاور كارايف في شبكة «سفوبودنايا بريسا» المستقلة؛ لكنه تعامل مع العبارة من زاوية أخرى، مشيراً إلى أن «عدم وجود بديل، عملياً يشكل عنصر القوة بيد الأسد، وهو يحاول استغلال الثغرات في العلاقات بين موسكو وطهران، ويحاول انتهاج سياسة أكثر ابتعاداً عن موسكو، ما يعني أنه لن يستسلم للإصلاحات المطلوبة من دون مقاومة ضارية، وهذا أمر يزيد من صعوبة الموقف بالنسبة إلى موسكو».
لكن التطور اللافت، كان دخول باحثين رصينين على خط النقاشات الجارية، ونشر الباحثان في مكتب «كارنيغي» في موسكو: أنطون مارداسوف، وكيريل سيميونوف، مقالة مشتركة مطولة حملت عنواناً لافتاً: «روسيا من دون الأسد» وضعا فيها قراءة شاملة للوضع، بدأت بالإشارة إلى الحملات الإعلامية أخيراً، وتصنيف مراحلها بين انتقادات أطلقتها أوساط رجال الأعمال الروس، تم فيها التركيز على الفساد والعراقيل الموضوعة أمام تطور النشاط الاقتصادي الروسي، قبل أن تنتقل إلى المرحلة السياسية التي تشير إلى فشل النظام في إدارة المرحلة الراهنة، وعجزه عن مواجهة الوضع المتفاقم، فضلاً عن كون وجوده بات يشكل عقبة أمام إطلاق تسوية جدية يشارك المجتمع الدولي في تعزيزها، ودعمها اقتصادياً وسياسياً.
ورأى الكاتبان أن المهم في الحملات الإعلامية أنها كشفت «الفساد في نظام الأسد، وضعف إمكانياته، وقلة حظوظه في كسب الانتخابات القادمة»، وأن الوضع الاقتصادي المتردي جداً في سوريا يهدد بشكل جدي بانفجار الموقف، كما أن «نظام الأسد كان مقبولاً في زمن الحرب؛ لكنه لن ينجح في مرحلة البناء والإعمار».
وانتقلت المقالة إلى تقويم الوضع الراهن، مشيرة إلى أن «النظام السوري يعتبر أنه انتصر في الحرب، ولا يمكن أن يتنازل؛ بل يتصور أنه قادر على أن يعيد البلاد إلى ما قبل 2011، وأن كل ما جرى ليس نتيجة ظروف اقتصادية وسياسية داخلية؛ بل هو مؤامرة كونية». ونددت بـ«التفكير الخشبي والفشل في استيعاب نتائج المرحلة الماضية والتفاعل مع التحديات الجديدة». ولفتت إلى أن «القادة الميدانيين من الجيش السوري والميليشيات جنوا أموالاً طائلة من الحرب وأصبحوا قتلة ولصوصاً، وإذا استمرت الحالة الراهنة ولم تجرِ إصلاحات عميقة تمس أسس النظام السياسي، فإن الانهيار وتصعيد جديد ينتظر البلاد، سيودي بالنظام ومعه التأثير والنفوذ الروسي في المنطقة». وتابعت المقالة: «إنهم يدركون في موسكو جيداً أنه ما دامت عائلة الأسد في السلطة فلن تتحقق أي إصلاحات جدية».
ووضع الكاتبان إطاراً عاماً للتحرك الروسي في المرحلة المقبلة، يقوم على «دفع النظام نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية. للقيام بذلك، سيتعين عليه المشاركة بشكل بناء في اللجنة الدستورية في جنيف، لإجراء جزء على الأقل من التعديلات التجميلية على الوثيقة الرئيسية للبلد، وإعادة تنظيم إدارة الأعمال التجارية ومواجهة الفساد».
كما أشار الكاتبان إلى أن موسكو «تحضر سيناريو إزاحة القوى والشخصيات التي تعرقل الإصلاح والتغيير»، ولفتا إلى أن روسيا فشلت حتى الآن في تشكيل نخبة سياسية موالية لها، وكذلك لم تسهم في تأسيس قوة سياسية جدية في البلاد. كما أخفقت جهودها في الاعتماد على «الفيلق الخامس»، ولم تنجح محاولة روسيا في تشكيل «الفيلق الرابع». وخلصا إلى أن «هناك مبالغة في تقدير حجم الدور العسكري والأمني الروسي في سوريا». وأقرا بأن المدخل السوري عزز الحضور الدولي لروسيا؛ لكنهما حذرا من أن المأزق الحالي قد يطرح تساؤلاً جدياً حول فعالية السياسة الخارجية الروسية.
انتقادات روسية لـ«تعنت» الأسد
اتجهت أوساط في موسكو إلى النأي عن «الرسائل الإعلامية» التي عكست استياء أو غضب أوساط روسية، لكنها اتهمت الرئيس بشار الأسد بـ«التعنت» ورفض الإصلاح ولجوئه إلى إيران.
ومع غياب موقف رسمي، نشرت وكالة «نوفوستي» الحكومية مقابلات مع أطراف معروفة بمواقفها المؤيدة للنظام، قللت فيها من أهمية تصريحات أقطاب المعارضة بوجود تحول في الموقف الروسي، وبأن موسكو تستعد للتخلي عن الأسد. كما برز فجأة عضو مجلس الدوما ديمتري سابلين وندد بالحملات الإعلامية، قائلاً إن «الأسد ما زال يحظى بشعبية واسعة، وسيفوز بالانتخابات المقبلة إذا رشح نفسه».
من جهته، قال زاور كارايف، الباحث في شبكة «سفوبودنايا بريسا»، إن «عدم وجود بديل، عملياً يشكل عنصر القوة بيد الأسد، وهو يحاول استغلال الثغرات في العلاقات بين موسكو وطهران، وانتهاج سياسة أكثر ابتعاداً عن موسكو، ما يعني أنه لن يستسلم للإصلاحات المطلوبة من دون مقاومة ضارية، وهذا أمر يزيد من صعوبة الموقف بالنسبة إلى موسكو».
الشرق الأوسط
————————
مناهج بوتين ومصير الأسد/ صبحي حديدي
ثمة جانب من الطرافة في التراشق بين موسكو والنظام السوري، عبر صحافة مقرّبة من سيّد الكرملين أو مراكز أبحاث تابعة لوزارة الخارجية الروسية، من جهة؛ وأبواق أجهزة بشار الأسد بإدارة بهجت سليمان، ضابط الأمن/ السفير السابق المحال إلى سلّة مهملات التاريخ، تؤازره حفنة من العرب أمثال عباس زكي وسعود قبيلات وحسن نافعة، من جهة ثانية. الفريق الأوّل يتناول النظام وكأنه ناطق باسم المعارضة، يقول إن صفحة الأسد وبطانته ينبغي أن تُطوى، ويعلن أنّ “الفساد أدهى من الإرهاب”؛ وأمّا الفريق الثاني فيتوجه بالشكوى إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كي يتدخل ويوقف الهجمات، أو يذكّر بأنّ الأسد إذا غضب قادر على الإطاحة برئاسة فلاديمير بوتين نفسه وليس أقلّ!
وجه آخر للطرافة هو صمت المؤسسات الرسمية ذاتها، وكأنّ يفغيني بريغوجين (صاحب “وكالة الأنباء الفدرالية” التي نشرت ثلاثة تقارير مناهضة للأسد، ومالك “مجموعة فاغنر” للمقاتلين المرتزقة) ليس أحد أقرب المقربين من الرئيس الروسي؛ أو أنّ “المجلس الروسي للشؤون الدولية” ليس مرتبطاً مباشرة بالخارجية الروسية. أو، على الطرف الثاني، كأنّ “المثقفين والمفكرين” الذين جنّدهم سليمان إنما ينطقون عن هوى، وليس ثمة أيّ وحي يوحى. أو، على الطرفين معاً، كأنّ فتوى لأحد أعضاء المجلس الروسي، مكسيم سوشكوف، تفيد بأنّ الكرملين ليس مهندس التراشق؛ أو فتوى لوزير إعلام أسبق للنظام وعضو في القيادة المركزية لحزب البعث السوري، مهدي دخل الله، تنتقد العنتريات ضدّ شخص بوتين؛ تصلحان لإخفاء قرص الشمس بغربال.
فإذا وُضعت الطرافة جانباً، ونُظر إلى التراشق من زوايا تعتمد سلسلة عناصر جادّة فعلية على الأرض، وليس حتى اتكاءً على المبدأ القديم القائل بأنّ الدخان علامة النار البيّنة؛ فإنّ الكرملين ليس، في هذه البرهة على الأقلّ، بصدد إزاحة الأسد أو التعامل مع مفاسد نظامه عن طريق العلاج بالصدمة. سبب أوّل، أخلاقي هذه المرّة، هو أنّ بوتين ليس من كارهي الفساد، وليس نظيف اليد، وليس خالياً من بطانة لصوص نفط ومافيات نهب بل هو كبيرهم الذي يعلمهم السحر؛ وبالتالي لا دافع يمكن أن يحثه على تطهير نظام أسلم له تسعة أعشار المقدّرات، سياسية واقتصادية وعسكرية. سبب ثانٍ، جيو ــ سياسي هو أنّ تباشير استدخال الأسد في محاور إقليمية، مع الإمارات ومصر وليبيا الماريشال الانقلابي حفتر، يخدم موسكو جيداً: سواء في ممارسة المزيد من ألعاب الضغط على تركيا، أو في تعكير صفو ترتيبات الولاء الأمريكية في المنطقة. وسبب ثالث، ولكنه ليس الأخير بالطبع، هو أنّ موسكو سعت إلى تفكيك بعض مراكز القوى داخل النظام (عبر سهيل الحسن، وبعض الميليشيات، وتحريك ورقة رامي مخلوف…)، ولكنها حتى الساعة لم تسعَ إلى، ولا يلوح أنها تنوي الآن، تصنيع شخصية بديلة عن الأسد، بصرف النظر عن المواصفات المطلوبة ودفتر الشروط.
علام التراشق، إذا صحّت هذه الحال؟
عديدة كانت مناهج بوتين في التدخل العسكري لإنقاذ النظام من حافة الانهيار، على رأسها مغانم المليارات التي يتوجب أن تتدفق تحت بند “إعادة إعمار” سوريا، ويُفترض أن تذهب حصة الأسد فيها إلى موسكو، إذا أقنعت كبار المانحين بأنّ بيت النظام الداخلي جرى تنظيفه بنسبة 51% على الأقلّ. لا ضرر، إذن، على أعتاب سنوات خمس أعقبت انتشال النظام، من إظهار “عين حمراء” هنا، أو “فركة أذن” هناك؛ ليس أكثر. بوتين يدرك أن ما يُسمّى بـ”المجتمع الدولي” لن يكترث كثيراً باسم المقيم في “قصر الشعب”، إذا توفرت تطمينات بأنّ المليارات لن تتبخّر على أيدي حيتان نهب جديدة، حلّت محلّ تلك القديمة. صحيح أنّ اسماً آخر غير الأسد قد يجمّل المشهد أكثر، ويذرّ بعض الرماد الضروري في العيون، ولكن حكمتهم القديمة ما تزال سارية المفعول أغلب الظنّ: الشيطان الذي نعرف، خير من ذاك الذي لم نجرّب بعد.
ولهم في أحكام التعامل الإسرائيلي مع آل الأسد قدوة مثلى!
القدس العربي
————————–
“مثقفون ومفكّرون”/ ميشيل كيلو
وقع ثلاثمائة وثلاثة “مثقفين ومفكّرين” عرب وعجم ، ينتشرون بين المحيط الهادر والخليج الثائر، بيانا موجها إلى وزير خارجية روسيا، لافروف، وغيره من المسؤولين الروس، يشرحون فيه الطريقة الأمثل لاستعمال “حق الحرية المقدّس”، ويعيبون على الأجهزة الموسكوفية عدم إلزام وسائل إعلام موسكو به، وخصوصا منها التي وصفها صاحب البيان، اللواء السابق في مخابرات أمن الدولة، بهجت سليمان، بـ”الصهيونية والمتصهينة”، في تغريدةٍ أين منها تغريدات ترامب. للإنصاف، اكتفي البيان باعتبار هذه الوسائل “مغرضة ومؤذية بحق سورية شعبا ودولة ورئيسا”، وأبدى موقّعوه استياءهم منها، لأنها تسيء إلى “جوهر السياسة الخارجية وأسسها ومبادئها”، من دون أن يفصح عن مكان الإساءة، ويضيف، في إشارة تأنيبية مهذبة، إلى مسؤولية لافروف عنها، وعن عدم “التشديد على ضوابط العمل الإعلامي وأخلاقياته، وتجنب ازدواجية المعايير والمزاجية في التعاطي مع رموز الشرعية الدستورية بين دولة ودولة، ليخلص إلى إدانة الإعلام المتصهين، لاكتفائه بـ “التهجم على الرئيس الأسد دون غيره من الزعماء العرب”!
هل طلب بهجت سليمان من لافروف توقيع البيان؟ ليس ذلك واضحا من نصّه، بيد أنه ليس مستغربا أن يكون قد لمح إلى ذلك، تقديرا “للدور الروسي في الحرب على الإرهاب .. حيث امتزجت دماء الأبطال الروس والسوريين في ردع وهزيمة شراذم الإرهابيين التكفيريين، وزجهم (الأبطال أم الإرهابيين؟) في أشرس حربٍ دوليةٍ ظالمة ضد سورية و”حلفائها”.
هذه الصياغات متعدّدة الإيحاءات، التي لا يتقنها أحد كرجال المخابرات السورية، هي للواء بهجت سليمان، مؤدّب بشار، الذي كان اللواء الحالي، النقيب في حينه، ماهر الأسد، يتصل به كل صباح ليشتم من أنجبه، فكان، بعد أن يغلق سيده النقيب الهاتف، يتصل بتلميذه، الذي كان يسأله باستنكار: ما عيب تحط عقلك بعقل هالولد؟ وها هو يحطّ ما بقي من عقله بعقل الإعلام الصهيوني والمتصهين في روسيا، لأنه يكتفي بالتهجم على الرئيس الأسد دون غيره من الزعماء العرب.
الغريب أن أستاذ الفلسفة الدكتور سليم بركات، المستشار العلمي السابق للدكتور رفعت الأسد ومدير مكتبه الخاص، لم يصحّح كركبات البيان “الأسلوبية والمضمونية” الذي وقعه، بصفته المرجعية في جامعة دمشق، وهو الذي كان يعتقد أن هناك فيلسوفين ألمانيين يحمل أحدهما اسم فيتشه والأخر ميتشه، وعندما لفت المشرف على “أطروحته” نظره إلى خطئه، رد بوقار:” كلو متل بعضو”. ثم تدخل بغضب خلال جلسة تخطيط علمي، ردا على اقتراحٍ تقدّم به أحد أساتذة التاريخ الوسيط حول إضافة ساعة دراسية عن الحضارة الرومانية: “حاجة بقا، فلقتونا بالحضارة الرومانية، مبارح رجعنا من بوخارست، ما شفنا هالحضارة اللي بتضلو تحكو عنا!”.
أثار استغرابي وأسفي أن يكون حسن نافعة من موقعي البيان. أستبعد أن يكون قد قرأه ووقعه، ليس فقط لأن الموقعين ليسوا من طينته، وإنما لأنه أيضا رجل فكر وعلم وإسهامات مشهودة في الدفاع عن الحرية، بما في ذلك حرية من اعتقلوا في سجن الأسدية الكبير، الذي يعلم الدكتور المقدر حسن نافعة أن بهجت سليمان وأمثاله حوّلوه إلى مقبرة لمئات آلاف السوريين، الذين لو سألت بهجت سليمان، قبل يوم من الثورة، إن كان بينهم إرهابيون وتكفيريون، لأقسم برأس تلميذه النجيب الذي قتلهم، أنه ليس بينهم، ومن غير الممكن أن يكون بينهم غير الموالين لقائد الأمة العظيم، بشار الأسد.
أصدق أن سليم بركات وقع، وأعرف أنه أمر باعتقال موظف جمارك على حدود لبنان، لأنه أصر على فتح ” طبون” سيارته. ولا أصدق أن حسن نافعة وقع، لأنه ليس سجانا أو نصيرا للسجانين.
سلام مسافر، أيها الحر الأبدي: ليس بعد “قصارى القول” قول.
العربي الجديد
————————-
خياران للأسد في سوريا/ مهند الحاج علي
ما إن توقفت الحملة الإعلامية الروسية ضد النظام السوري ورموزه، حتى نشر موقع “بلومبرغ” المالي تصريحات “أكثر وضوحاً” لخبراء ومسؤولين سابقين في موسكو عن الواقع السياسي الحالي. الدبلوماسي الروسي السابق والخبير الحالي في شؤون المنطقة في مركز أبحاث روسي (تموله الحكومة) ألكساندر شوميلين صرح للموقع بأن “على الكرملين التخلص من الصداع السوري. ويتركز لُب المشكلة على شخص واحد: (الرئيس السوري بشار) الأسد والمحيطين به”.
سياق هذا الكلام يأتي في ظل الحديث عن معالجة المتاعب الاقتصادية لموسكو بعد انهيار سعر النفط، وفي ظل الآثار المتراكمة للعقوبات الأميركية والأوروبية على موسكو، ومعها الاغلاق الكامل نتيجة انتشار فيروس “كوفيد 19”. في نهاية المطاف، على روسيا التكيف مع هذه الأزمة المالية واجتراح حلول من خارج السياق التقليدي للسياسة الروسية، سيما أن الرئيس فلاديمير بوتين يُعرف بواقعيته وقدرته على المناورة سياسياً للحفاظ على نظامه ومصالحه. بكلام آخر، لم يعد صدر روسيا يتسع لترهات وألاعيب النظام السوري ومحاولاته التوفيق بين الارادتين الروسية والإيرانية في سوريا.
على الأسد تقديم تنازلات إقليمية وداخلية من أجل تيسير عملية السلام. وفي حال رفض الأسد القبول بدستور جديد، “سيكون نظامه في خطر عظيم”، كما جاء في كلام الدبلوماسي الروسي السابق ألكساندر أكسينونوك. أكسينونوك ليس معلقاً من الدرجة الثانية أو صاحب رأي مغاير، فهو إضافة الى منصبه السابق، يشغل منصب نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية.
على الأسد التنازل دستورياً عن بعض سلطاته والاستعداد لانتخابات بعد سنتين قد يخسرها لمصلحة مرشح آخر، في ظل توافر منافسين جديين واشراف دولي. اعتاد الأسد ووالده على غياب المنافسة وحصاد رقم الـ99 في المئة (نسبة غير ممكنة علمياً في أي عملية تصويت)، لكن أي انتخابات مقبلة ستجري بناء لأسس جديدة. وبعد هذه الأزمة الاقتصادية والحرب المدمرة في سوريا وعمليات القتل والتعذيب في السجون، من الصعب تخيل فوزٍ محققٍ للأسد في أول انتخابات بإشراف خارجي. بحد ذاتها، هذه سابقة لعائلة استوطنت قصر المهاجرين بالقوة والوراثة وبجرائم حرب تمتد على مدار خمسين عاماً، ودون أي تفويض شعبي يُذكر سوى بالخوف والدم.
لكن مثل هذا التنازل يرتبط بشكل كبير مع الدورين الروسي والإيراني في سوريا، ومع خيارين لا ثالث لهما. روسيا اليوم باتت عرابة لبعض الجيش السوري وأجهزة الاستخبارات في البلاد، علاوة على امتلاكها شبكة ثقافية-سياسية ليست بالهينة. يُضاف الى ذلك دور اقتصادي روسي بات عصباً أساسياً بالنسبة لسوريا. على سبيل المثال، يعتمد النظام السوري بشكل متزايد على القمح الروسي في ظل تراجع الزراعة واليد العاملة في هذا القطاع، وأيضاً سيطرة “قسد” على مناطق زراعية شاسعة في الشرق السوري، خزان القمح السوري حتى عام 2010. كانت سوريا تُصدر القمح قبل الحرب، وهي اليوم تعتمد على روسيا لتأمين بعض حاجاتها الاساسية.
من الصعب أن تُجدي المحاولات الإيرانية للحفاظ على النفوذ في ظل تصاعد التوتر مع إسرائيل من جهة، والضيق الروسي من جهة ثانية. ذاك أن من شأن التعجيل في اتفاق او تعديل دستوري، أن يضع سوريا على سكة التفلت من النفوذ الإيراني. والأهم أن هذه العملية ستُعيد الأسد الى حجمه. لن يتمكن من اعلان الانتصار، بل سيدفعه من يُؤمن شرايين الحياة لنظامه الى مواضع مُذلة تُحاكي في السياسة ما رأيناه في البروتوكول في قاعدة حميميم في اللاذقية وفي السفارة الروسية بدمشق.
ولا يُتوقع أن يكون هذا الطريق بطيئاً. بيد أن فيروس الكورونا أو “كوفيد 19” لم يخلق مسارات جديدة في السياسة والاقتصاد، بل عجّل في عمليات ومسارات قائمة بالفعل. المنافسة الروسية-الإيرانية في سوريا واقع عمره سنوات، واليوم حان وقت الحسم في اتجاه أو آخر.
المدن
————————-
نصرالله مخاطباً موالي الأسد/ عمر قدور
كان ينبغي لحسن نصرالله الظهور والتحدث، لحسن الحظ المناسبات موجودة بحيث لا يكون ظهوره استثنائياً. لكن، هذه المرة، في مناخ من التحليلات والتكهنات عن آفاق الوجود الإيراني في سوريا، وعن مصير بشار الأسد ربطاً بإعادة ترتيب الساحة السورية، ليس هناك من ناطق بالاسم المجازي “محور المقاومة” سواه. هو المتحدث بالنيابة وبالأصالة في الشأن السوري منذ عام 2011، وهو الذي يؤخذ على محمل الجد من قبل موالي الأسد أنفسهم الذين باتوا يتأرجحون بين موالاتهم وعدم الثقة بأن الأخير يملك الكفاءة والقدرة المطلوبتين، فضلاً عن السند الخارجي الموثوق.
كعادته، في خطابه قبل ثلاثة أيام، كرر نصرالله الكلام المعهود عن المؤامرة الكونية على سوريا وعن فشلها، والحديث عن سوريا استهلك معظم إطلالته في السنوية الرابعة لمقتل مصطفى بدر الدين أحد كوادر الحزب، والذي يؤكد على أنه كان يخوض المعركة في سوريا كتفاً إلى كتف مع قاسم سليماني. في التصدي للمؤامرة المزعومة، أول ما يلفت الانتباه بقوة هو اقتصار حديثه على الدور الإيراني والميليشيات المتفرعة عنه، مع إغفال مطلق للدور الروسي. الإشارة الوحيدة إلى هذا الدور أتت في سياق التحدث عن حرب نفسية موجهة ضد “سوريا”، من ضمنها ترويج الأخبار عن صراع نفوذ روسي-إيراني، الأمر الذي ينفيه بالقول أن طهران لا تخوض صراع نفوذ مع أحد، وليس لها أطماع في سوريا، ولا تريد التدخل في الشأن السوري كما تتدخل الدول في الدول، فما يعني إيران في سوريا أن تكون في موقعها المقاوم وهذا لا يدخل في صراع نفوذ مع أحد!
التلازم بين تجاهل الدور الروسي الحاسم في تحقيق “الانتصار” وإنكار صراع النفوذ جدير بالتوقف، فنصرالله ابتعد عمداً عن كل ما يتعلق بالسياسة الروسية في سوريا، وكأن الوجود الروسي لا يلقي بأية تبعات على نظيره الإيراني، ولو من باب التحالف والتنسيق الوثيقين اللذين يستحقان الذكر لدحض فرضية التنافس والصراع. إنه لا يدحض فرضية الصراع بالإشارة إلى تفاهم يستوعب الخلاف أحياناً، بل يدحضها بقوة الوجود والموقف الإيرانيين، وذلك لا يعود فقط إلى العامل الإسرائيلي لأن تنسيق موسكو الدائم مع تل أبيب يعود إلى مستهل تدخلها العسكري في سوريا، وحين لم يكن خروج إيران مطروحاً على هذا النحو. ما ينبغي استنتاجه أن طهران في موقع قوة مقابل الأجندات الروسية، وهي قادرة على إبقاء “سوريا في موقعها المقاوم” من دون صراع نفوذ مع أحد، أو بقراءة أبعد: بصرف النظر عما يراه ذلك الحليف.
يقرر نصرالله بحسمٍ أن إخراج طهران وميليشياتها من سوريا هدف لن يتحقق، ولن تؤدي الغارات الإسرائيلية إليه، وبينما يتوجه شكلاً إلى الإسرائيليين بكلامه فإن جهات أخرى لها الأولوية بسماعه الآن. ما تتضمنه الرسالة أن التغيير في سوريا ممنوع إيرانياً، وكل ما يُحكى عن اقتراب نهاية الأسد لن يُسمح بحدوثه. هي رسالة يمكن إيصالها إلى بشار شخصياً بالقنوات الخاصة بين الجانبين، لولا أن إيصالها مطلوب الآن إلى مواليه الذين وقعوا في حيرة واضطراب حيال الضغوط الروسية الأخيرة عليه.
في الحديث عن موالي الأسد، ربما صار محبَّذاً المضي أبعد. هي صفة عمومية تجمع بين معارضي التغيير، لتتفرق بعدها كتلتهم الصلبة إلى قسمين رئيسيين؛ الأول ولاؤه الفعلي لطهران وحزب الله متضمناً الانضواء بكل مندرجات المشروع الإيراني بما فيه التبشير الشيعي. الثاني أصبح ولاؤه لموسكو بحكم بدء سيطرتها على بعض المفاصل العسكرية والمخابراتية، وفوق ذلك لتفضيل الوجود الروسي الذي لا ينطوي على تبشير ديني أو مذهبي. في التنافس بين الجانبين، لا تفوز طهران بولاء الأقليات الدينية والمذهبية وفق فهم متسرع، لأن الأقليات لديها حساسية عالية تجاه مشاريع التبشير المذهبي التي تهددها أكثر مما تهدد الأكثرية السنية.
لقد قيل الكثير خلال سنوات عن النواة الصلبة الداعمة للأسد بالمقارنة مع تصدع جبهة خصومه، ولأول مرة بالتزامن مع الضغوط الروسية الأخيرة بدأ الانتباه والتركيز على تصدع جبهة الموالاة. وإذا كنا لا نعرف الهدف النهائي للضغوط الروسية الأخيرة فهي بلا شك أظهرت معسكر الموالاة أقل تماسكاً من الصورة السابقة المتداولة، فبرز بينهم من يتحمس للرد على الإهانات الروسية ومن يستنكر الرد على الحليف. بدورها أتت قضية رامي مخلوف لتضيء على تصدع الحلقة العائلية الضيقة لسلطة الأسد، ولتكشف خاصة عن أن الأخير لم يعد ذلك الطاغية الذي يُطاع داخلياً بلا اعتراض أو تذمر، إن لم يكن للقضية صلة مباشرة بالصراع بين موالي موسكو وموالي طهران.
فحوى حديث نصرالله عن تفاوت في التقييم بين الحلفاء، مع قرار إيراني حاسم بالوقوف إلى جانب “القيادة السورية” أثره الأكبر اليوم هو على موالي طهران، وعلى موالي موسكو الذين لم يعد قسم منهم متمسكاً ببقاء بشار، إذا كان في رحيله الخلاص من الحرب والحصار الدولي. هو يعزز من ثقة الفئة الأولى بمرجعيتها بقدر ما يلوّح للفئة الثانية بعجز موسكو عن اتخاذ قرار التنحية المخالف لمشيئة طهران، وقد لا يكون من المصادفة تركيزه على عدم وجود قوات إيرانية في سوريا، بخلاف الوجود المعروف للميليشيات الشيعية، بما يحتمله هذا التفريق من قدرة الأخيرة على العمل خارج منطق الجيوش والدول عند اللزوم، وهو أيضاً ما هدد به عضو “مجلس الشعب” الذي كان أول من تولى الرد على الإهانات الروسية لبشار الأسد.
في الأسابيع الأخيرة حدثت مستجدات عديدة تستدعي ظهور بشار لمخاطبة مواليه، بما فيها استغلال مناسبة كورونا كي لا يُفهم ظهوره رداً مباشراً على ما يُشاع حول شخصه، إلا أنه “ربما بنصيحة ما” أحسن التصرف فلم يتحدث كعادته بما لم يعد يطمئن مواليه ويكون مثار سخرية باقي السوريين. لا بأس على هذا الصعيد أن نتغاضى عما قاله نصرالله عن خوف إسرائيل من سوريا إذا استعادت عافيتها، وتأكيده أن إسرائيل قلقة، خائفة، مرعوبة من سوريا المستقبل. خطاب نصرالله المكرس لسوريا، بعد غياب لبشار، قد لا يكون مصادفةً، ومجيء الخطاب متزامناً مع تراجع الضغوط الروسية يحمّله مصداقية تتجاوز ما حدث إلى ما كان يأمل كثر بحدوثه قريباً.
المدن
—————————-
عن جديد المشهد السوري/ أكرم البني
الجديد ليس فقط انشغال السوريين بفيروس «كورونا» وتداعياته، ولا بوضع اقتصادي ومعيشي يزداد تدهوراً ويشدد الخناق على شروط استمرارهم في الحياة، وإنما بما تواتر في الآونة الأخيرة من ظواهر وأحداث فرضت نفسها على المشهد وبدت كأنها حلقات مترابطة.
أولاً، خروج الخلاف والتنازع داخل الجماعة الحاكمة إلى العلن، مع تكرار ظهور رامي مخلوف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يتوسل ويرجو ويحذر ويهدد، خارقاً تقاليد سلطة دأبت على طمر خلافاتها والتظاهر بتماسك بنيتها وتراص صفوفها.
وإذا كان من الصعب معرفة حقيقة أي خبر أو التأكد من صحة أي معلومة في عالم السلطة المغلق والمغلف بالديماغوجية والغموض والقمع، فعادة ما يتم اللجوء لإثارة أسئلة حول الحدث كمحاولة لمقاربة أسبابه وفهم ما يجري.
فما دوافع رامي مخلوف للتوجه، اليوم، إلى الإعلام وعرض مشكلته أمام الناس، وهو خير من يدرك، مخاطر ذلك على اللحمة الطائفية وهيبة السلطة وسمعتها؟! لماذا حصلت قطيعة بينه وبين رأس النظام، ومن أغلق قنوات التواصل المباشر بينهما؟ هل يعود السبب فعلاً لخلاف على تسديد مبلغ مالي، ربما لا يساوي قلامة ظفر من الثروة التي يمتلكها الطرفان، أم ربما لتسويق دوره كبديل، أو محاولة استباقية للقفز مبكراً من قارب نظام بات مهدداً بالغرق وغدا رئيسه موضع أخذ ورد حول صلاحية استمراره في الحكم وقدرته على إعادة إنتاج دعائم سلطته؟
من له مصلحة في دفع الأمور إلى حد نشر غسيل الفساد السلطوي الوسخ، وشن حملة اعتقالات طالت أهم المسؤولين في شركات مخلوف ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم؟ هل ثمة أطراف خارجية شجعت على ذلك لغايات في نفس يعقوب، ربما إحداها الضغط على رأس النظام لتطويعه وإجباره على تقديم تنازلات كان يمتنع عن تقديمها، أم يصح الذهاب إلى اعتبار ما يحصل أحد وجوه الصراع على النفوذ بين روسيا وإيران للسيطرة على مؤسسات الدولة وعلى مقدرات البلد وثرواته؟!
لكن، ورغم تنوع هذه الأسئلة وتعدد خيارات الإجابة عنها، ثمة أمور غدت مؤكدة، منها، عمق الأزمة التي تعتمل داخل النظام السوري وضيق هامش مناورته، ومدى انحسار الثقة بين مكوناته وعجزها عن وأد خلافاتها البسيطة أو منع انفجارها بهذا الشكل والحجم، ومنها أيضاً شدة الاستهانة السلطوية بالبشر واحتقار عقولهم ومشاعرهم حين يتجرأ سارقو ثرواتهم ومن أوغلوا في الفساد والقتل والتدمير، على متاجرة رخيصة بجوعهم وفقرهم وتضحياتهم.
ثانياً، الضوء الأخضر، الذي منح سلطوياً، لفتح باب الرد على ما يعتبر رسائل تشهير وإهانات من قبل موسكو لنظام دمشق، أوضحها الطبيعة المتدنية في تعاطي قيادة الكرملين مع الرئيس السوري، إنْ خلال دعوته لموسكو أو عبر زيارات الرئيس الروسي أو أحد مبعوثيه لدمشق، وآخرها ما أثارته وسائل إعلام روسية عن فضائح بذخ وفساد لرأس النظام السوري، ثم عجزه عن توسيع قاعدته الشعبية لضمان نجاحه في الانتخابات القادمة، بما في ذلك تسريب متعمد لمواقفه الضعيفة في بعض المحادثات السياسية الخاصة، تحدوها إشارات متعددة إلى تراجع ثقة موسكو به، وصمتها عما يثار عن قرب استبداله وإعادة هيكلة النظام ومؤسسات الدولة.
والحال، لا يمكن في ظل التركيبة السياسية والأمنية السورية أن يبادر شخص، أياً كان، للتدخل وانتقاد طرف خارجي حليف، إن لم يكن مدفوعاً من النظام أو بعض أركانه، فكيف الحال إن كان المنتقد من قدامى زعماء أجهزة الأمن كبهجت سليمان، أو عضواً في مجلس الشعب كخالد العبود! وكيف الحال حين تصل الانتقادات إلى حد تفضيل الدور الإيراني والإشادة به مقابل مسخ دور موسكو وما قدمته لإنقاذ السلطة، أو حين يتم رهن حاضر الزعيم الروسي ومستقبله السياسي بقرار رأس النظام السوري وإرادته!
لكن، وبعيداً عن سذاجة هذه الانتقادات، يرجح أن يُفتح الباب على موجة من التداعيات قد يكون أرجحها إنضاج موقف روسي حاسم لإزاحة الرئيس السوري، كخيار لا بد منه لكسب ود الأطراف الإقليمية والدولية الراغبة والمؤهلة للتعاون في ترتيب البيت السوري وللمشاركة في إعادة الإعمار، وربما لا يضعف هذا الخيار، تأجيل تنفيذه، لبعض الوقت، بسبب انشغال مختلف الأطراف بهمومها الخاصة تجاه جائحة «كورونا» وتكلفة مواجهتها.
ثالثاً، تصعيد الموقف الإسرائيلي من وجود طهران وميليشياتها في سوريا، حيث صرح وزير دفاعها بأن هدف تل أبيب بات، اليوم، ليس لجم نشاطات التموضع الإيراني في سوريا، بل الانتقال بشكل حاد إلى طردها نهائياً، الأمر الذي تجلى بتواتر عمليات قصف مواقع محسوبة على طهران حتى في أقصى البلاد.
وإذا كان أحد أسباب التصعيد الإسرائيلي هو تنامي المخاوف من استهداف حكام طهران وميليشياتها لأهداف وأماكن استراتيجية وحيوية في قلب تل أبيب، فثمة سبب آخر يتعلق بدعمها الصريح للدور الروسي في سوريا وبميلها لتمكين موسكو من التفرد في إدارة دفة الصراع هناك واختيار قيادة جديدة أقل ارتباطاً بإيران، ما دام الجميع يدرك أن نفوذ طهران في سوريا يرتبط ببقاء النظام ورأسه في السلطة، بينما ثمة من يرجع السبب إلى تعاون وتنسيق مع السياسة الأميركية في عمل مشترك غايته إضعاف إيران وتطويعها ليس فقط، من خلال حصارها وتأزيم أوضاعها الداخلية، وإنما أساساً عبر تقليم أظافرها الإقليمية، وفي هذا السياق تدرج عملية مقتل قاسم سليماني، ثم الرهان على تداعيات إخراجها من سوريا لإضعاف نفوذها في العراق ولبنان، ربطاً بما أظهرته ثورتا البلدين من حالة عداء لافتة لوصاية طهران وأدواتها.
ربما تكشف الأيام والأسابيع القادمة مزيداً من تفاصيل المشهد السوري وخلفياته ومآلاته، لكن جديده عزز، بلا شك، من توجس الناس ومخاوفهم من المصير الذي ينتظره وطن أوغل سادته في تدميره وقتل أبنائه وتشريدهم، وبات مستقبله رهينة إرادات خارجية، والأهم هو تبعات استمرار هذه الجماعة الحاكمة، مع عجزها عن تخفيف الأزمات المتفاقمة، وكسب التعاطف للبدء بإعادة الإعمار، وتالياً مع إصرارها على استنزاف ما تبقى من قوى المجتمع واستجرار أسوأ أنواع الحصار والعزلة، وإكمال دورة الخراب التي بدأتها منذ استيلائها على السلطة!
الشرق الأوسط
——————————
إغراءات أميركية..لا تبعد روسيا عن إيران في سوريا/ عقيل حسين
خلط جديد شهدته الأوراق العسكرية، وتشابك آخر دخلته الأزمة السورية مع التطورات المتسارعة التي شهدتها الأيام الأخيرة الماضية، ما يشي بزيادة حدة التجاذب بين محاور الصراع والقوى الرئيسية المؤثرة فيه.
على نحو متدرج تصاعد الحديث منذ نهاية نيسان/أبريل الماضي، وكما لم يحدث من قبل ربما، عن توافق روسي-أميركي-إسرائيلي حيال الوجود العسكري الإيراني في سوريا، استناداً إلى معطيات، كان في مقدمتها تنفيذ وحدات إيرانية أو ميليشيات تابعة لإيران، عمليات إعادة انتشار وانسحاب من بعض المواقع في محافظة دير الزور على وجه الخصوص، وتسليم بعض النقاط التي تم اخلاؤها الى ميليشيات محلية مرتبطة بروسيا، كميليشيا صقور الصحراء ولواء القدس.
إيران في حضن روسيا
بدا أن ذلك مرتبط بالتصعيد الأميركي-الإسرائيلي الذي تجدد الأسبوع الماضي ضد مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، حيث شُنت هجمات جوية عنيفة شرق دير الزور وجنوب حلب، ليعود الحديث مجدداً، لدى المعارضة والموالاة على نحو سواء، حول دور منظومة الدفاع الجوية الروسية “إس-300” في سوريا، والأسباب التي تقف خلف عدم تفعيلها للتصدي لمثل هذه الهجمات، الأمر الذي عاد واعتبره الكثيرون، مؤشراً قوياً على تواطؤ روسي مع واشنطن وتل أبيب ضد طهران، وعزز بقوة فرضية الصراع الروسي-الإيراني على النفوذ في سوريا.
لكن فجأة، وفي 6 أيار/مايو، حطت طائرة شحن إيرانية في قاعدة مطار حميميم الجوية الروسية شمال غرب سوريا.. تكتمت موسكو وطهران على الحدث الذي لم يكن ممكناً إخفاؤه على أي حال، لتنشر وزارة الدفاع الروسية تسجيلاً مصوراً في التاسع من هذا الشهر، يظهر لحظة هبوط الطائرة الإيرانية في “حميميم”، مدعية أنه كان تغييراً في المسار على نحو طارئ، تخوفاً من استهداف إسرائيل لمطار دمشق الدولي.
كان التبرير متهافتاً، بالقدر نفسه الذي كان فيه الحدث مفاجئاً، لكن ومع ذلك لم تعلق أي من الأطراف على هذا التطور، الذي بدا مجرد بالون اختبار، كانت نتائجه مشجعة لطهران وموسكو، مع الصمت والتجاهل الأميركي-الإسرائيلي الظاهر، لتعود القاعدة الجوية الروسية، وتفتح أبوابها مرة ثانية أمام “الحليف اللدود”، حيث هبطت طائرة إيرانية أخرى في حميميم في 13 أيار.
مؤشرات أخرى
وبينما كان طيف واسع من المعارضة يحتفي بأنباء الانسحاب أو التخفي الإيراني تحت وقع الضربات الجوية الأميركية-الإسرائيلية، جاءت الأخبار من البادية تتحدث عن تجمع الميليشيات الإيرانية -التي غادرت منطقة دير الزور- بالقرب من مدينة تدمر الصحرواية، التي تعتبر منذ نهاية العام 2017، تاريخ طرد تنظيم “داعش” منها، منطقة نفوذ روسي.. التمركز الإيراني الجديد هناك ورغم أنه قد يُبرّر بتصاعد هجمات “داعش” فيها مؤخراً، فإن هذا التبرير بحد ذاته يعتبر تأكيداً على استمرار حاجة الروس للإيرانيين في سوريا، بالنظر إلى ضعف القوات البرية السورية وترهلها.
كذلك أظهرت صور وضعها صحافي أميركي، الخميس، على حسابه في موقع “تويتر”، قيام إيران بنشر صواريخ أرض-جو ورادارات في محيط مطار دمشق الدولي، حيث تتخذ الميليشيات التابعة لها من أحد أبنيته (المبنى الزجاجي المقاوم للضربات الجوية) مقراً لقيادة عملياتها في سوريا..تطور آخر لم يكن ليمر حتماً من دون إرادة الروس، أو بتغاضيهم على الأقل.
Screenshot from phone of #IRGC mentor in #Syria showing regularly used militia meeting location and site of surface to air missiles near Damascus airport. Attached pic shows missiles taken by Iraqi militia member and leaked to me. pic.twitter.com/xDfiinlhVg
— Gareth Browne (@BrowneGareth) May 14, 2020
وسواء أكان ذلك برضى روسيا أو تشجيعها أو تغاضيها، فلا فرق طالما أن الرسالة واضحة، وهي نسف كل ما بني على افتراض الصراع الروسي-الإيراني في سوريا، الذي يرى الباحث السوري المعارض عباس شريفة أنه كان مبالغاً في تقديره، إذ أن خلاف الطرفين وتنافسهما لم يعنِ أبداً اختلافهما وبلوغ ذلك مستوى الصراع.
تقديرات المعارضة
ويضيف شريفة تعليقاً على تلك التطورات، أن “روسيا تعود لاستعمال الورقة الإيرانية من جديد، والمناورة بها للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل دفعهما للموافقة على تأهيل نظام الأسد وفك الحصار عنه”.
وحسب شريفة، فإن المقاربة الروسية للحل السياسي تقوم على إشراك صوري لمعارضة معتدلة في الحكم مع النظام، مقابل فك الحصار عن دمشق والانفتاح السياسي على النظام، واعتبار هذا الحل تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 2254، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وإسرائيل، وتشترطان تقنين الوجود الإيراني في سوريا بصورة لا يهدد أمن تل أبيب.
ويضيف شريفة إلى ما سبق من مؤشرات الضغط الروسي على الغرب باستخدام ورقة إيران، التصعيد الأخير في درعا، حيث يرى أن “روسيا تغض الطرف عنه أيضاً”، وهو ما تريده طهران المتحفزة لفرض هيمنة كاملة على الجنوب، لم تمكّنها شروط التسوية التي ضمنتها روسيا من تحقيقها، وكذلك أيضاً الصور المسربة لنشرها رادارات وصواريخ أرض-جو بالقرب من مطار دمشق الدولي.
لكن ضابطاً منشقاً عن جيش النظام، وهو خبير في أنظمة الصواريخ والدفاع الجوي، قلّل من أهمية ما أظهرته صور الصحافي الأميركي والتي قال إنه حصل عليها من هاتف عنصر في إحدى الميليشيات العراقية المدعومة من إيران في سوريا.
الخبير الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد ل”المدن”، أن المنظومة التي تظهرها الصور قديمة أولاً، ولا يمكن أن تحدث فارقاً مع غياب معدات التشويش، كما أن المبنى الزجاجي الذي أشار إليه الصحافي مسرب الصور هو مبنى قديم سابق على الوجود الإيراني هناك، وسبق أن استهدف من قبل بقصف تسبب بتدمير الطابق السادس منه بشكل كامل، مشيراً أيضاً إلى أن إيران لم تعد تعتمد منذ وقت طويل على المطارات السورية في نقل العناصر والمعدات.
لكن الخبير ذاته اعتبر أن التصعيد الأخير في درعا والحشود العسكرية المتتالية التي ترسلها قوات النظام والميليشيات الإيرانية إلى غرب حوران، تعتبر مؤشراً جدياً على وجود ضوء أخضر روسي هناك، وهو ما يمكن اعتباره دليلاً بالفعل على أن التحالف الروسي-الإيراني في سوريا بحالة انسجام، بمواجهة التصعيد الأميركي.
وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري قد أعاد التأكيد في تصريحات جديدة له، الجمعة، على أن “الولايات المتحدة ستواصل وجودها العسكري في سوريا، وأن هدف واشنطن هو جعل الحرب في سوريا طريقا مسدوداً بالنسبة لروسيا” مضيفاً “سياستنا تتمثل بالضغط على أعدائنا في المنطقة”.
ويبدو هذا الموقف الاميركي الحاد كردٍ على التحدي الإيراني الروسي الاخير، وهو يطوي محاولة واشنطن تحييد الروس واستقطابهم إلى نقطة التقاء بعيداً عن الأسد وإيران، بعدما تبين أن العرض لا يغري موسكو بما يكفي لجعلها تتخلى عن حليفيها، حتى الآن.
————————————–
الأسد الذي هو حاصل جمع كيم مع كاليغولا/ رستم محمود
أغلب الظن، لم يقرأ رئيس النظام السوري بشار الأسد سيرة الأباطرة الرومان، بالذات منهم تيبيريوس ونجلي أخيه كاليغولا وكلوديوس، الذين خلفوا الإمبراطور أوغسطس. هؤلاء الأباطرة الثلاثة، حكموا على التوالي فترات حُكم قصيرة نسبيا. كانت عهودهم أزمنة اضطرابات سياسية وضعف عسكري وهشاشة اقتصادية بالغة، حتى أن الخزينة العامة في أزمنتهم كانت تخلوا تماما في الكثير من المرات، بعد عهد الرفاهية والانتصارات العسكرية “المجيدة” في زمن الحكم الطويل للإمبراطور أوغسطس. لكن الميزة الأبرز لعصر هؤلاء، كانت المباشرة بعرف واستراتيجية سياسية/اقتصادية مختلقة، سُميت “محاكمات الخيانة”.
كانت “محاكمات الخيانة” في سنوات حكمهم، بمثابة إنقاذ اقتصادي وسياسي بالنسبة لهؤلاء الأباطرة، حصوصا تلك التي جرت ضد أعضاء مجلس الشيوخ وكبار التجار والأثرياء من سكان حاضرة روما، حينما كانت تُصادر ثرواتهم الطائلة، وتُسحب منهم كل حقوقهم المدنية. فتلك المحاكمات التي جرت طوال عقدين كاملين، بالذات خلال السنوات الأربعة “المجنونة” لحكم الإمبراطور المراهق كاليغولا، كانت تُنفذ دون أي سبب وجيه، وبحق الطبقة النافذة التي كانت حول الإمبراطور الذي سبقه، وتتقصد في المحصلة أن تدر على الخزينة العامة أموالا طائلة، تُرصد لأمرين فحسب، تجهيز جيوش الغزو الرومانية، وتشييد قصور الفخامة وصروح الرفاهية للأباطرة وعائلاتهم.
مقابل ذلك، يبدو أن الأسد على دراية واطلاع تام على ما يفعله ديكتاتور كوريا الشمالية الحالي كيم جونغ أون، الذي يُصدر مئات الآلاف من أفراد العمالة الكورية الشمالية إلى دول الجوار، بعد أن يحتجز عائلاتهم. يُجبر هؤلاء المساكين على العمل لسنوات طويلة في تلك البلدان، في أخطر الأعمال وأكثرها مهانة، مثل تقطيع الأشجار في غابات سيبيريا الروسية، أو تفتيت الجبال الصخرية في الصين.
لكن أفراد عائلاتهم لا يحصلون إلا على عُشر رواتبهم المالية، بينما تذهب الأغلبية المطلقة من العوائد إلى مكتب خاص، يسمى المكتب 39 السري، المرتبط مباشرة بالديكتاتور الكوري، والتي تُقدر قيمتها حسب بعض التقارير بحوالي ملياري دولار سنويا، ينفقها ذلك المكتب على المشاريع والبرامج العسكرية والأمنية الخاصة وغير المُعلنة، وطبعا على رفاهية الديكتاتور والحلقة المصغرة المحيطة به.
في كل تفصيل من التوجهات السياسية والاقتصادية لرئيس النظام السوري، خصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ثمة ما هو مركب من ذلك السلوكين السياسي والاقتصادي. إذ ثمة ما يشبه الغريزة السياسية للشموليات التي تتشابه، منذ عصر كاليغولا إلى زمن كيم، تقود إلى انتهاج مثل تلك الاستراتيجيات، بالذات في لحظات الشعور بالضعف وعدم القدرة على توفير الموارد الكافية، بالذات لترسانة الأجهزة القمعية ونمط حياة الرفاهية التي ينعم بها الديكتاتور.
في تفكيره السلطوي، يعتقد الأسد بأنه يستطيع الجمع بين التوجهين، لتأمين مستلزمات سلطته من الأموال. فالسوريون بالنسبة له، خصوصا قرابة الخمسة عشر مليونا من المهاجرين والمنفيين، الذين هم من أنشط وأكثر الجاليات انخراطا في شبكات الأعمال، وفوق ذلك مرتبطون وجدانيا واجتماعيا، وحتى اقتصاديا، ببلدهم وهويتهم “الوطنية”، لأن هجرتهم حديثة، ويعيشون بأغلبيتهم في بلدان لا تستطيع أن تؤمن لهم ديمومة بقاء وهوية بديلة عن بلدهم، لذا لا يحطمون أواصرهم مع البلد الأم، سوريا.
يعتقد الأسد بأن هؤلاء ثروة اقتصادية صافية، ثلاثية الأبعاد. فالمؤسسات السلطوية المرتبطة بالأسد، تحديدا وزارة الدفاع عبر شعبة التجنيد العامة، ووزارتا الداخلية والخارجية، تتمكن بسلاسة من استنزاف قرابة خُمس العوائد المالية السنوية لمجموع الخمسة عشر مليون سوري.
فجميع الذكور البالغين مضطرون لدفع أكثر من سبعة آلاف دولار، لإعفائهم من الخدمة الإلزامية، هذا المبلغ الذي يساوي راهنا الراتب الشهري لموظف عام في الأجهزة الأسدية لأكثر من عشرة أعوام. كذلك فإنهم مُضطرون، لأسباب تتعلق ببيروقراطية الإقامة في دول لجوئهم ومنافيهم، للخضوع لابتزاز مؤسسات الأسد، التي حينما تستخرج لهم أوراق ومعاملات ثبوتية، إنما تتجار بحاجاتهم بكل قسوة.
استخراج جواز السفر السوري في الخارج مثلا، هو الأغلى ثمنا على مستوى العالم، مع أنه الأقل عُمرا، وفوق ذلك لا يمكن السفر به لأية دولة، لكنه استخراجه شرط مطلق للحصول على الإقامة في المهاجر والمنافي.
كذلك فإن الأسدية تستقطع نسبة وفيرة من مُرسلات السوريين لذويهم في الداخل، من خلال تسليمها بالعملة المحلية، وبالسعر الرسمي، الذي هو أقل من نصف السعر الفعلي للعملة. فوق ذلك، فإن المهجرين يقدمون تغطية مالية تامة للقاعدة الأوسع من المقيمين الباقين من السوريين في بلادهم، العاطلين عن العمل، والذين هم خارج أي اهتمام أو تفكير من قبل الدولة، والمضطرون لدفع أتوات مخزية لأجهزة السيطرة الأسدية.
النصف المكمل من الاستراتيجية الأسدية يعتمد على شفط الثروات التي راكمتها دوائر القرابة والمحسوبية المحيطة بالأسد، تلك التي استنزفت واستملكت ثروة البلاد خلال السنوات الماضية، عبر شراكتها وعلاقتها الخاصة مع الأسد. هذا الأخير الذي بقي على الدوام مؤمنا بأن الثروات التي بحوزة هؤلاء إنما هي بمثابة “استيداع الأمانة” فحسب. فالأسد في عرف نفسه، هو المالك الفعلي والوحيد لهذه الثروات المنهوبة، وأنه وزعها على عدد من المحيطين به بحكم الضرورة البيروقراطية ليس إلا، وأنها يجب أن تُستعاد وقت الحاجة.
♦♦♦
كل تفصيل من ذلك، كان عاملا تأسيسيا ومركزيا في السلطة الأسدية، ومنذ سنواتها الأولى. فالشراكة التقليدية التي عقدها الأسد الأب مع الطبقة التجارية المدينية، كانت بمثابة ترك متبادل بين الطرفين، يُعفى الأسد بموجبها من أية واجبات اقتصادية تجاه المجتمع السوري، مقابل عدم متابعته لسياسات التأميم التي كانت ينتهجها أسلافه.
كانت تلك الشراكة التي استمرت لعقود، قد دفعت فعليا لأن يعيش قرابة نصف السوريين في اقتصاد الظل، في أعمال “غير شرعية” وخاضعة على الدوام لمراقبة ومعاقبة أجهزة الأمن الأسدية، مثل التهريب والمؤسسات غير المرخصة والتشييد في مناطق المشاع.
العشوائيات التي غطت نصف المدن السورية الكبرى، كانت تعبيرا واضحا عن ذلك السلوك السياسي ـ الاقتصادي الأرعن، فالملايين من السوريين كانوا متروكين لأقدارهم البائسة، دون أي تدخل أو مساهمة من الدولة وأدواتها.
كانوا يُستخدمون كأدوات طيعة في أجهزة الأسد العسكرية والأمنية، أو يُدفعون للهجرة كعمالة رخيصة في دول الجوار. فالفارق بين أعداد السوريين الخارجين من البلاد والداخلين إليها كانت دوما لصالح الأولى، حتى أنها وصلت في العام 2008 إلى قرابة المليون، حسب مكتب الإحصاء المركزي السوري.
الأغلبية المطلقة من هؤلاء كانوا من أبناء طبقة العمالة السورية في لبنان والعراق ودول الخليج العربي، الذين كانوا أقرب لنماذج السخرة التقليدية، وشكلها الكوري الشمالي “الحديث”.
كذلك، فإن الأسدية الاقتصادية، منذ سنواتها الأولى، كانت تشيد بالتقادم، أركان صرح الاقتصاد السلطوي غير المعلن. فمن الأموال الخليجية الضخمة التي حصل عليها النظام السوري أوائل السبعينيات، ولم يعلن عنها قط، إلى عوائد المستخرجات النفطية التي قال عنها مسؤول بعثي جملة شهيرة “هي في أيد أمينة”، مرورا بالصفقات الغامضة التي كان ينسجها النظام السوري مع الأنظمة والشركات العالمية، كان ثمة بين أيادي النظام السوري كتلة مالية ضخمة للغاية، وعلى الدوام، تتجاوز في بعض مراتها كامل جحم الاقتصاد السوري المعلن.
كانت تلك الكتلة المالية غير المرئية والمعلنة، تستخدمها الأسدية لإدارة شؤون أجهزتها القمعية، وتصرفها على حيوات أعضائها المترفين بشكل أسطوري، وتعيد استثمارها وتضخيمها، لتمتن من أسس سلطويتها.
♦♦♦
كل تلك التفاصيل تفتح الباب أمام ثلاثة أسئلة ضخمة وواجبة عن علاقة هذا النظام بالمسألة الاقتصادية والمالية راهنا.
يذهب الأول لتفنيد أية أوهام حول إمكانية اهتزاز أركان السلطة الأسدية جراء العوامل الاقتصادية، بما في ذلك العقوبات الدولية، التي هي مجرد أداة لحفظ ماء الوجه لتلك القوة الدولية، التي لا تفعل شيئا لردع الوحشية الأسدية. فالنظام السياسي الذي تحطمت عملته الوطنية لتصبح فقط بقيمة 3 في المئة مما كانت عليه قبل أقل من عقد، ولم يتوجس من ذلك قط، لا يمكن لأية عقوبات أو تدهور اقتصادي أن يمسه. فهو يملك أدوات وديناميكيات أكثر متانة وبراعة من ذلك، وغير مبال مطلقا بما قد يطال ملايين البؤساء من السوريين.
المسألة الأخرى تتعلق بخطابات “إعادة الإعمار”، التي تشبه في رنينها الأخاذ شعارات المقاومة والممانعة. فهذه الشأن غير وارد مطلقا في تفكير وحسابات الأسد، الذي يهتم بتشكيل شبكات السيطرة الأمنية والعسكرية على المناطق المحطمة، أكثر من أي أمر آخر، وأن تكون عوائد أعضاء تلك الشبكات الأمنية من خلال هيمنتهم على البيئات الاجتماعية المحطمة، عبر فرض أشكال من الأتاوات على تلك البيئات الاجتماعية، بحكم قوة التحكم الرعناء على تفاصيل حياتهم، بما في ذلك التحكم بشبكات المياه والكهرباء، التي صارت تحت سيطرة هذه القوى الأمنية.
أخيرا، فإن قضايا الخلافات الاقتصادية ضمن الحلقة الأسدية، بما في ذلك العائلة، إنما هي صراع في منطقة ما فوق الحزام. فأية أوهام بأن تلك الصراعات يمكن أن تفرز أي مساهمات سياسية أو قيمة أخلاقية، هو مجرد هباء. فالأسد وشبكة الفاسدين المحيطين به، أو الذين كانوا وانشقوا في لحظة ما، إنما متطابقون سياسيا وقيميا، لا يمكن التعويل على أية فروقات فيما بينهم. الشاهد الأكبر على ذلك هو عشرات المنشقين الأثرياء، من أبناء الجيل الثاني من الحلقة التي كانت محيطة بالأسد الأب، هؤلاء الذين يتصرفون ويفرزون توجهات سياسية واقتصادية وقيمية أسدية تماما، ولو أنها تبدو معارضة، لكن المنطق واحد.
الحرة
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).
————————————-
الثمن الروسي لحكم سوريا.. إسرائيل تتأهب/ منير الربيع
لم يكن الخلاف الذي طفى على سطح الأحداث بين بشار الأسد ورامي مخلوف، إلا محاولة حرق لمشروع قيد الدرس. يشمل المشروع البحث عن صيغة انتقالية في سوريا، مقابل سحب بشار الأسد من التداول، والإقدام على خطوات للخروج من الأزمة السورية. وكان هذا المشروع نتاج تداولات طويلة وكثيرة بين الأميركيين والروس والأتراك، وبعض الدول العربية والخليجية. توصلت روسيا إلى خلاصات بأن بقاءها في سوريا، يتطلب منها تقديم صيغ ترضي شرائح المجتمع السوري. فلا يمكنهم البقاء في بلد ضد النظام السوري وبشار الأسد تحديداً.
أنهت تلك المعركة رامي مخلوف وأي مستقبل له. وبذلك تضررت الكتلة المالية الصلبة المحيطة ببشار، وخصوصاً أنه الأقرب والأوثق في بنية النظام، ما سيدفع الآخرين إلى البحث عن بدائل. ولكن أثر ذلك سيكون كبيراً على بنية النظام، التي ستتخلخل، وذلك طبعاً سينعكس إلى مزيد من الإضعاف للأسد. فتحت معركة العائلة الواحدة، والبيئة الواحدة والطائفة الواحدة، الباب على معارك كثيرة، ستكون آثارها كبيرة على بنية النظام وحاضنته الاجتماعية.
وكذلك فتحت المعركة، مجالات جديدة للصراع أو التنافس الروسي الإيراني على الجغرافيا السورية ومناطق نفوذها. في هذا الوقت، تأتي إشارات إيرانية تبدي الاستعداد للتفاوض مع الأميركيين، وقد تجلى آخرها بتغريدة لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي والتي كانت لافتة وقال فيها: “أعتقد أن الإمام الحسن هو أشجع شخصية في تاريخ الإسلام، حيث قام بالتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه المقربين منه، في سبيل المصلحة الحقيقية، فخضع للصلح، حتى يتمكن من صون الإسلام وحماية القرآن وتوجيه الأجيال القادمة.”
موقف الخامنئي لا لبس فيه حول استعداد إيران للتفاوض مع الأميركيين، مثل هذا الموقف والجمل والعبارات نفسها كان قد استخدمها خامنئي بموقف أطلقه في العام 2013، وذلك لفتح الطريق أمام مفاوضات مباشرة بين الإيرانيين والأميركيين، أوصلت إلى توقيع الاتفاق النووي في العام 2015. اليوم يكرر الخامنئي الموقف نفسه، وسط تداعيات سياسية ستظهر على الساحة الشرق أوسطية، من تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، إلى السماح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران لستة أشهر، وصولاً إلى التهدئة السياسية في لبنان، ومواقف حسن نصر الله على الذهاب إلى صندوق النقد الدولي. وحتماً تحريك لمسار المفاوضات بين الإيرانيين والروس حول الوضع في سوريا.
ثبتت موسكو سوريا كمنطقة نفوذها السياسي والعسكري. هي لا تريد أي منازع أو منافس. بعدها لا بد من البحث عن تلك الصيغة، التي بدأ يتسرب بعض نقاطها. فيما بعد دخل الإسرائيليون على خطّ عرقلة هذه الصيغة. والتي بدأ التشويش عليها من شخصيات إسرائيلية، أو شخصيات على تواصل معها. هنا لا بد من العودة إلى الخط البياني الأساسي، والذي يقود إلى خلاصة واضحة حول التقاطع ما بين إسرائيل وبقاء الأسد.
تزامنت الحملة الإسرائيلية المضادة، مع حملة شرسة شنتها الصحف ومراكز الأبحاث الروسية ضد الأسد واتهمته بالفساد. هذه المواقف الروسية عكست انزعاجاً سورياً ومن بطانة المحسوبين على النظام من الموقف الروسي. الصيغة الروسية الأميركية التركية، قد أصبحت قائمة، لم يعد بالإمكان تجاوزها، بغض النظر عن تغيير في بعض تفاصيلها أو مضامينها. ولكن ذلك لا يمكن أن يحصل بدون موافقة إسرائيلية، ومعروف عن الإسرائيلي استعداده للدخول في الربع الساعة الأخير من الأحداث لفرض أمر واقع يلائمه. وهو حتماً يبحث عن ضمانات، سيوفرها له الروسي والأميركي، والتي تنطلق من تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا. من تغريدة خامنئي إلى الموقف الإسرائيلي ثمة بازار جديد سيفتح. الأميركي سيستمر في ضغوطه إلى أن تدفع إيران ما يجب دفعه من تنازلات، عبر انسحابات من بعض المناطق السورية، وترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
هنا لا بد من النظر إلى بعث بشار الأسد. وما يمكن أن يتغير في الصيغة التي كان يتم بحثها دولياً وتستثنى إيران منها. البعث تاريخياً مدمن على البازارات، كما على سياسة المزايدة تحت شعار فلسطين. بحث عن شرعيته في هذه المزايدة. أدق التوصيفات الذي يصح فيهم هو أنهم عصابة تسعى دوماً للبحث عن السلطة. برفع لواء فلسطين، أو الاشتراكية، أو مواجهة الإمبريالية، أو التحالف معها، ولو اقتضى الأمر رفع لواء الدفاع عن الطائفة للبقاء في السلطة، فهم يفعلون ذلك وقد مارسوه منذ سنوات، مستقبلاً سيحاول البعث البحث عن شعار جديد للمزايدة، لن يكون أقل من مغازلة إسرائيل علناً، وهي تشهد تشكيل حكومة وحدة وطنية، تشبه حقبة تشكيل ما يماثلها قبل حرب العام 1967.
تلفزيون سوريا
————————–
بوتين والأسد: ضغط بالوكالة أم تحوّل تكتيكي؟
تزايدت في الآونة الأخيرة جولات التراشق بين مؤسسات إعلامية روسية مقرّبة من الكرملين ووزارة الخارجية انتقدت النظام السوري وتناولت الفساد من جهة، وبين بعض الأفراد من أنصار النظام في وسائل الإعلام وما يسمى “مجلس الشعب” ممن طالبوا بوقف هذه الحملات. ورغم الصمت الذي التزمت به السلطات الرسمية في موسكو ودمشق، فإن التوجيهات غير المباشرة خلف هذا المشهد لا تخفى، وتوحي باحتمالات عديدة بينها تلهف موسكو على إحداث بعض الإصلاحات التي يمكن أن تقنع المانحين الدوليين بتوفير المليارات المطلوبة تحت بند إعادة إعمار سوريا، وبالتالي ممارسة ضغط بالوكالة على النظام، أو حتى التلويح بتحوّل تكتيكي قد لا يشترط استبدال الأسد فوراً ولكنه يوحي بانطواء صفحته.
—————————–
تجارب روسية على الجيش والأمن في سوريا: ماذا عن الأسد؟/ منهل باريش
نجحت روسيا منذ تدخلها في الملف السوري، نهاية أيلول/سبتمبر بقلب مجريات الأحداث لصالح النظام على المستويين العسكري والسياسي. وسيطرت موسكو على مطار حميميم العسكري غربي البلاد بشكل كامل وحولته إلى قاعدة جوية، نشرت فيها عشرات القاذفات الروسية متنوعة القياس.
وقصفت البحرية الروسية مواقع عشوائية للمدنيين بعشرين من الصواريخ الجوالة “كروز” في الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر، وذلك بواسطة قاذفات القنابل الاستراتيجية الروسية “تو-160″ و”تو-95إم إس” المتمركزتين في بحر قزوين، وكان الهدف إيصال رسائل للأطراف الداعمة للمعارضة السورية وعلى رأسها أمريكا على قوة التدخل العسكري الروسي.
لم يقتصر التدخل الروسي يومها على المساندة الجوية والصواريخ العابرة للبحار، بل سعت روسيا منذ اليوم الأول لمحاولة لملمة وإنقاذ الجيش المتداعي خصوصا بعد الهزيمة الكبيرة المتمثلة بطرد النظام من محافظة إدلب إلى حدود سهل الغاب. وهو ما سعت إليه القيادة العسكرية الروسية قبل بدء هجومها الجوي. حيث عمدت إلى تشكيل قوة ضاربة تكون تحت أمرتها وتشكل رأس حربة في الهجوم البري ضد المعارضة. وبالفعل شكلت الفيلق الرابع الذي تكون من كتائب منتدبة من وحدات غير متجانسة مثل اللواء 103 حرس جمهوري وفوجين من القوات الخاصة وعدد من كتائب الدفاع الوطني المتطوعين في اللاذقية. وقدر المحلل العسكري الروسي أنطون لافروف في دراسة حول كفاءة القوات المسلحة السورية نشرها في مركز كارنغي في آذار/مارس الماضي، أعداد مقاتلي الفيلق الرابع بقرابة ألفي مقاتل موزعين على 20 كتيبة.
وقامت الوحدات الفنية الروسية بمساعدة نظيرتها السورية في إصلاح المدرعات والآليات. وأخضع الضباط الروس مجندي الفيلق وعناصره إلى دورات تدريب سريعة. وفشلت التجربة الروسية بإنشاء قوة عسكرية برية يقودها مستشارون عسكريون (حسب التوصيف الروسي) ولم يتمكن الفيلق من إحراز فارق على الأرض في المعركة التي أطلقتها غرفة العمليات الروسية في جبال اللاذقية وسهل الغاب. وهو ما دفع روسيا لاتخاذ قرار تشكيل جديد تسخر له موارد مالية وعسكرية كافية هو الفيلق خامس اقتحام. وتكون تبعيته إليها مباشرة. فقامت بحل بعض الميليشيات المحلية لإعادة دمجها في الفيلق الجديد مثل كتائب البعث وصقور الصحراء ومغاوير البحر.
وسعت وزارة الدفاع الروسية إلى أن تضم 25 ألفا من المقاتلين ينضوون في ثمانية ألوية، وفتحت باب التطوع وحاولت استقطاب الضباط المتقاعدين وخصوصا أولئك الذين درسوا في روسيا أو أقاموا فيها والتحقوا بدروات القيادة والأركان. واعتقدت الدفاع الروسية أنها من خلال هذا الفيلق ستتمكن من توجيه آلة الحرب بدون مساعدة، وستكون قادرة على الحسم العسكري في مواجهة الفصائل الرافضة للاستسلام والتسوية.
نجحت روسيا إلى حد ما في تأسيس فيلق مستقل تابع لها، كلنه بقي عديم الفاعلية، ولم يملك القوة الضاربة التي كان يرجوها الروس عند تشكيله. واستوعب الفيلق عناصر المصالحة والتسوية خصوصا مقاتلي فرقة شباب السنة في اللواء الثامن. وبقيت قوات النمر التي يقودها العميد سهيل حسن وتتبع المخابرات الجوية، أفضل التشكيلات شبه الرسمية، وأكثرها تفوقا وتمرسا بالقتال مقارنة بوحدات جيش النظام والفيلق الروسي. ورغم أن المخابرات الجوية تعتبر أكثر الأجهزة الأمنية ابتعادا عن موسكو، إلا أنها اختارت دعم الحسن وأصبح رجلها الأقوى وأصبح الجهاز الأمني أكثر قرباً بعد إقالة جميل الحسن وتعيين خلف له. وحظي الحسن بحماية خاصة من المخابرات العسكرية الروسية، ودعمت القيادة الروسية النمر لتوسعة وحدته شبه الرسمية، وتشكيل الفرقة 25 مهام خاصة، والتي كانت القوة الضاربة خلال عام من المعارك الأخيرة في شمال غربي سوريا.
ويشير المحلل الروسي إلى دور بلاده في سوء التكتيك وقلة الخبرة في جيش النظام الذي يعتمد على طواقم مدرعات تفتقر إلى التدريب الكافي بسبب استخدامهم للطراز القديم من المدرعات عديم التأثير في ميدان القتال. وقدمت الدفاع الروسية أكثر من ألف طن من قطع غيار المدرعات.
وأنشأت رحبات جديدة لصيانة الدبابات في حمص واللاذقية وجبلة. وبعد ثلاثة أعوام على التدخل أصلح الروس 2800 مدرعة وآلية. وقد سمح مثل هذا المستوى العالي من الدعم للقوات البرية في البلاد بالحفاظ على بعض القدرة القتالية للمدرعات على مر السنين، على الرغم من الخسائر الهائلة.
بعد نجاح الخطة الروسية في فرض نموذجها العسكري، وإنشاء قوة منافسة للثقل العسكري الإيراني المتمثل بأفواج الدفاع المحلي والفرقة الرابعة التي باتت تستوعب عددا كبيرا من الميليشيات الإيرانية، توجهت روسيا لقصقصة أجنحة إيران وتحجيم نفوذها في المخابرات العسكرية والجوية، وهو ما تمثل بتغيير قادة الأجهزة الأمنية في تموز/يوليو 2019 متزامنا مع تمدد للنفوذ الروسي داخلها. وتحاول روسيا إعادة التوازن للجهازين المقربين من إيران بعد أن استعادت قوتها ووضعت ضباطا مقربين منها في مناصب قيادية في أفرع التحقيق والمعلومات وداخل الإدارات نفسها. لكن هذا التدبير لن يكون كافيا بسبب السياسة التي اعتمدتها إيران باكرا من خلال استمالة الضباط الأصغر سنا وقربهم منها.
ومع ازدياد مساحة سيطرة النظام السوري مجدداـ استحقت الفواتير الروسية موعد سدادها وبدأت موسكو تستحوذ على الاستثمارات الهامة في سوريا كحقول الفوسفات والنفط والغاز، وميناء طرطوس التجاري وأخيرا قامت بالاستحواذ على مطار القامشلي المدني. وتوجهت روسيا حديثا إلى الاستثمار بمقاتلي ميليشيات النظام ومقاتلي المصالحات من خلال الزج بهم إلى جانب الشركات الأمنية الروسية التي تقاتل في ليبيا إلى جانب قوات اللواء خليفة حفتر، مقابل مبلغ 1000 دولار أمريكي. ومن غير المستبعد أيضا نقل آخرين إلى مناطق أخرى في حال كان للشركات الأمنية الروسية مصلحة فيها.
وانعكس استحقاق فواتير القتال الروسية على العلاقة داخل بنية النظام السوري، فالضغط الروسي على الأسد من أجل تسديد فواتير التدخل الروسي المجدولة والمقدرة بنحو ثلاثة مليارات دولار، حان موعد دفع نصف مليار دولار منها. ومع انهيار الليرة السورية وشح الخزينة واشتداد الحبل الاقتصادي حول عنق بشار الأسد، بدأ بالضغط على أعمدة النظام جميعا لتوفير الأموال المستحقة. وطال الضغط ابن خاله رامي مخلوف الذي يعتبر الواجهة الاقتصادية للنظام السوري منذ مطلع القرن. وينبأ ظهور ابن الخال المقرب من العائلة في بث مصور مرتين عن سوء الأوضاع واشتداد أزمة النظام الذي يجعل مخلوف يخرج للعلن للمرة الأول ويبث تسجيلين في أقل من أسبوع. ورغم تهديد مخلوف المبطن إلا أنه يتوقع أن يخضع في نهاية الأمر إلى مطالب ابن عمته بشار الأسد. أو على الأقل أن يخضع لتسليم أموال شركاته في داخل سوريا. ويرجح كثيرون أنها جزء يسير من ثروة مخلوف الحقيقية التي قام بنقلها خارج سوريا. وهو لب الخلاف بين مخلوف والأسد. ورغم تركيز مخلوف على مخاطبة الفقراء الذين يقوم بمساعدتهم في مؤسساته الخيرية فإن من المستبعد أن ينجح في جر الموالين له من مقاتلي ميليشيا البستان أو الدفاع الوطني إلى الصدام مع النظام وأجهزته الأمنية أو العسكرية.
ظلت فكرة الانشقاق عن المؤسسة الرسمية لدى النظام بمثابة خيانة، استدعت مقتل صاحبها عدة مرات حتى لو لم يتجرأ على إعلان ذلك، مهما بلغ من القوة والوزن والثقل كما حصل مع وزير الداخلية الأسبق غازي كنعان. أما خروج رامي مخلوف وقلب الطاولة على “الدولة السورية” فهو بمثابة تحد خطير للأسد شخصياً. وهو ما لم يتقبله الأسد وسيجعل ابن خاله موضع انتقام شديد في أقرب وقت، إلا إذا راعى قضية الأموال المهربة إلى الخارج، واضطر إلى مساومته على استعادتها.
إضافة إلى التحرك الروسي على الصعيد العسكري، فقد نجحت بإحراز “نصر أولي” على الصعيد السياسي. فرضت مساره بخلاف الرغبة الدولية في الأمم المتحدة، وأنشأت مسار أستانا الموازي لمسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، أدى إلى إخراج المعارضة من احضان دول أصدقاء الشعب السوري إلى تسليم تركيا الوكالة الوحيدة للمعارضة على المستويين السياسي والعسكري.
وساعد المسار روسيا على التفرد بكل منطقة من مناطق خفض التصعيد على حدة.
ولا تشير المعطيات إلى هشاشة في الموقف الروسي من النظام، أو إلى فكرة تخلي عنه، فروسيا بفضله وبفضل إيران أصبحت أبرز اللاعبين في شرق المتوسط إلى جانب إسرائيل. وتعتبر سوريا بمثابة القلعة المتقدمة التي انطلقت منها لكسب مزيد من السيطرة والوصول إلى مصادر النفط والغاز وفتح أسواق عسكرية كبيرة ولدتها الحرب في سوريا.
ورغم كل الشائعات حول الاستعداد الروسي للتخلي عن الأسد مقابل تفاهم استراتيجي مع أمريكا في المنطقة فهو أمر مبالغ فيه للغاية. فمن غير المفهوم لماذا ستضطر روسيا إلى التخلي عن الأسد بعد أن خرج منتصرا في حربه على شعبه وعلى المعارضة؟ فمن لم تبعده المدافع لن تبعده الورود.
إضافة إلى أن الأسد هو حاجة روسية تقدم المزيد من التنازلات عن موارد البلاد، ناهيك على أن فكرة خلق بديل بالنسبة للطائفة العلوية هو أمر في غاية الصعوبة، فالأسد حصر طائفته في زاوية ضيقة للغاية وأصبح مصيرها مرتبطا بمصيره بالكامل ولا يمكن فصلهما عن بعضهما بيسر.
القدس العربي
—————————
الروس يبحثون عن خيارات جديدة للمعادلة السياسية في دمشق/ براء صبري
لم يتوقع حتى أكثر مناهضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتحول فريق الحكومة الإعلامي، وجميع المنافذ الإعلامية الموازية لها، إلى مصدر لنقد حليف الحكومة الروسية، النظام السوري الذي نال الدعم الروسي العسكري منذ نصف عقد. النقد لطريقة إدارة الدولة، والفساد المشتري، والضعف المالي، وعدم تسهيل عملية التطبيع، ومشاريع إعادة الإعمار غير المكتملة لحكومة دمشق يتخلله الكثير من التحليلات والتفسيرات. شيء من الغرابة تبلور لدى أكثر المتابعين للموقف الروسي في الشرق الأوسط. لم يكن من طبائع البلد الذي يحكمه الرجل الجليدي بوتين أن يعكر إعلامه صفو علاقاته مع الدول المحسوبة عليه. فكيف ببلد أصبح رمزا لعودة روسيا المُفترضة إلى دور المنافسة في قيادة العالم؟ وإن كان في التوصيف شيء من المبالغة حسب المحللين الأوروبيين الذين يصرون على اعتبار روسيا دولة إقليمية أكثر منها زعيمة عالمية. توصيف يزيد من هياج روسيا ويدفعها للتدخل أكثر لإثبات العكس. لكن، على الرغم من كل ما سبق لم يكن من الممكن لكل الجهات المُراقبة تصور أن تتحول موسكو إلى التشهير والعدوانية الإعلامية تجاه حكومة دمشق. ولم يكن من المتصور أن تحاول موسكو ان تبتز السلطة التي عادت لتحكم ثلثي البلاد بعد أن حُجمت مساحة نفوذها إلى أقل من عشرين في المئة ذات يوم، أي بلغة أخرى ابتزاز حليف منتصر عسكرياً “ولو نسبياً” في حين كان الافتراض أنه خلال سنوات ضعف الحليف ذاك كان هناك نوع من القدرة على الابتزاز.
روسيا الصامتة
كل هذا الضجيج في الإعلام الروسي ضد سلطات دمشق لم يُصاحبه خصام واضح من حكومة موسكو. هدوء على جبهة الحكومة الرسمية مقابل نيران وإطلاق نار من خلال صحافة ذلك البلد المعروف بمدى طواعية الإعلام فيه للسلطة الحاكمة. شيء من العقاب غير الرسمي لحكومة دمشق على خلفية ملفات غير واضحة بعد للعيان، وتمرير للرسائل الغاضبة لها من دون إحراج مباشر لموسكو التي ترفض التعامل معها عالمياً على كونها داعمة للسلطات المُتهمة بالاستبداد. هذه الاستراتيجية المُعادية والمُجزأة توضح كيف تعمل الديناميكية تلك. الغضب الروسي على حكومة دمشق التي تشعر بدورها بإنها في موقف يساعدها على طلب بعض الاستقلالية من داعميها في حربها الداخلية تم ترشيقه إعلامياً. هذا الترشيق مؤشر على أن الروس أنفسهم يبحثون عن خيارات جذرية جديدة في المعادلة السياسية في دمشق. هؤلاء يطالبون الحكومة في دمشق بشيء من التطويع الأوسع. ترفض روسيا أن تشاركها أطراف أخرى في عملية تحديد مسار المستقبل السياسي والعسكري لدمشق. في حين تظهر مع كل خلاف صورة وزير خارجية إيران وهو في لقاء رسمي مع رأس النظام في دمشق. هذا التأرجح في بوصلة النظام السوري يأتي هو الآخر من سياسة إظهار بعض نقاط القوة في خضم كل هذه المعمعة، وليس نتيجة عن تيهان وضغط للحلفاء الآخرين في تنافس مع روسيا.
تضاد نسبي
ويستمر الحديث عن لعبة روسية كبرى لتغيير النظام السوري. هذه اللعبة التي لا تبدو أنها صحيحة أقله على المدى المنظور لا تلغي الحديث عن شقاق بين الطرفين طبعأً. هذا الشقاق كان بادي الملامح في معارك إدلب الأخيرة. كانت هناك رغبة واضحة من نظام دمشق وإيران من بعيد على التقدم أكثر في حين ظهر أن روسيا عادت لتفضيل مصالحها المتداخلة مع تركيا على بضعة بلدات أو مدن قد تخسرها تركيا للنظام. كذلك هناك خلاف واضح حول صمت روسيا عن الهجمات الإسرائيلية على المواقع العسكرية في سوريا. هذه الهجمات التي تؤذي بدورها حليفا آخر ينتظر التقدير على مشاركته الحرب حسب معياره هو وهذا الحليف هو إيران التي جاءت لمساعدة النظام قبل مجيء الروس. وأيضاً هناك خلاف مُبطن حول شكل الإدارة والدستور المقبل، ووضع الانتخابات المقبلة للرئاسة، والرفض لما تصفه دمشق من بعض الليونة في تعامل موسكو مع “قسد”. كذلك هناك انزعاج روسي واضح لخرق النظام للمعاهدات واتفاقات المصالحة في جنوب البلاد، والتي تمت برعاية روسية. هذه كلها لم يكن لها معادل أكبر من بضعة مقالات ظهرت في الصحافة الروسية في الأيام السابقة ضد حكام دمشق. ولا يتوقع الكثيرون داخل موسكو أن تشتد المعركة أكثر من هذا. الجميع في موسكو متأكدون أن خيار الخلاف السياسي المباشر سيفقد روسيا الكثير معنوياً على اعتبار أن هذا سيظهر روسيا، وكأنها كانت مخدوعة بحقيقة النظام هناك، أو كأنها تورطت في معركة لا يرغب الطرف الذي احتاج الدعم إلى رد الجميل، وإن كانت كل التمركزات العسكرية الروسية في سوريا، وصفقات الغاز في البحر، جزء من رد ذاك الجميل.
لا يتوقع الكثيرون في عموم روسيا أي استفاقة كبرى للروس ضد حليفهم القديم أي نظام البعث في سوريا. هذا واضح رغم الهجوم الإعلامي الأخير من صحافة موسكو القريبة للكرملين تجاه دمشق. ولم تؤثر هذه السحابة الداكنة لعلاقات البلدين على تصور هؤلاء. هذه قناعة مترسخة في موسكو، وهي صورة لذات القناعة الموجودة في دمشق، لذا تحاول الجهتان الرسميتان تفادي الدخول في نزال سياسي مباشر كي لا يخسرا صورتهما كحليفين حاربا معاً ضد “الإرهاب” حيث توصيفهما للمعارك في سوريا، ويبحثان معاً عن حل مستدام، وسلام شامل، وإعادة دورة الحياة إلى البلد المنهك والمتداعي اقتصادياً، واجتماعيا، وعسكرياً، ونفسياً حتى.
القدس العربي
—————————-
العلاقات الروسية-التركية بين هجمات حلفاء الكرملين على دمشق وخلافات آل الأسد هل تغير شيء؟/ إبراهيم درويش
روسيا ستظل متسيدة في الشؤون السورية
كانت سوريا وبالتحديد رئيسها بشار الأسد في قلب الأخبار الأسابيع الماضية وهذه المرة لم يكن مصير إدلب، آخر معقل للمقاومة ضد نظامه في شمال-غرب سوريا هو السبب، ولا حتى موضوع استكمال ما أكد على أنه استعادة كل شبر من سوريا وما خسره منذ عام 2011 فهذه المرة كانت الموضوعات التي تقلق بال النظام داخلية-داخلية تمس بالضرورة بنية السلطة الحاكمة وعلاقة الأسد مع القوى التي وقفت معه ومولته في وقت الحرب الأهلية.
أما الموضوع الثاني فهو العلاقات الروسية-السورية وما استقرأ منه المعلقون وجود صدع أو “خيبة” أمل من رئيس روسيا فلاديمير بوتين بحاكم دمشق “العنيد”. وقالت تقارير ومنها ما نشره موقع “بلومبيرغ” إن الأسد بات يمثل خيبة أمل لبوتين، وقدم الموقع عددا من الأدلة عما يمكن وصفه بصدع في العلاقات، ذلك أن مواقع إخبارية موالية للكرملين شنت هجوما على الرئيس الأسد ووصفته مع زوجته أسماء والنخبة المقربة منهما بالفاسدين. ومفاد الأمر هو أن دبلوماسيا سابقا في دمشق، ألكسندر أكسينيوك نشر مقالا على موقع مجلس الشؤون الدولية الروسي، في 17 نيسان/إبريل واقترح فيه وجود توافق تركي-إيراني وروسي على تنحية الأسد. ونشرت وكالة الأنباء الفدرالية في 13 نيسان/إبريل ثلاثة تقارير منها استطلاع خلص إلى أن نسبة 32 في المئة فقط من السوريين ينوون التصويت للأسد في الانتخابات الرئاسية عام 2021 وتم حذف التقارير سريعا من موقع الوكالة. إلا أن ظهور تقارير ناقدة للنظام السوري والأسد تحديدا كانت كافية لفتح المجال أمام تحليلات وتكهنات حول مصير العلاقة الروسية-السورية.
تسوية
فبعد تسعة أعوام من الحرب الأهلية وخمس سنوات من التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ الأسد، يطرح الكثيرون تساؤلات حول استراتيجية بوتين في هذا البلد الذي دمرته الحرب الأهلية، وحرصه على إنهاء الملف السوري وتحقيق تسوية ترضي المصالح الروسية. فليس سرا أن الكرملين يريد تسوية دبلوماسية بدون أن تهدد ما أنجزته موسكو في سوريا والمنطقة عامة. فروسيا اليوم هي الحكم الأول في الملف السوري، ومعظم القرارات المصيرية التي تتخذ فيه تتخذ من موسكو وليس من دمشق. وأنجز التدخل الروسي عددا من الأهداف، أهمها أنه منع انهيار الأسد، ذلك أن روسيا أعربت منذ البداية عن رفضها سياسة التدخلات الخارجية لتغيير الأنظمة، وطورت حساسية تجاه الثورات الوردية والقرمزية وغير ذلك. وبالضرورة حصلت موسكو على قواعد عسكرية في طرطوس وحميميم على الساحل السوري، كما وسعت من تأثيرها في المنطقة على حساب الولايات المتحدة التي لم يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اهتماما أبعد من محاربة تنظيم “الدولة” والسيطرة على منافع النفط السورية. وكانت تصريحات المبعوث الأمريكي لسوريا جيمس جيفري الأخيرة، لافتة عندما قال إن الولايات المتحدة تهدف لجعل سوريا “مستنقعا” لروسيا. لكن على خلاف التوقعات من إدارة باراك أوباما أن روسيا ستقرص مرة ثانية كما قرصت في أفغانستان، كان التدخل الروسي هذه المرة رخيصا مقارنة مع الهزيمة في أفغانستان. لكن لا يعني وجود معارضة في روسيا لتورط الكرملين في سوريا، خاصة في أوقات تعاني فيه روسيا من آثار حرب أسعار النفط وتداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد وعلى الشعب حيث تزايدت الإصابات منه في الآونة الأخيرة.
نقد
ومن هنا تبدو الحاجة لململة الملف السوري وإعلان النصر في سوريا كما ورد في تقرير “بلومبيرغ” (27/4/2020) لكن الروسي أعلن أكثر من مرة الانتصار في سوريا ليعود ويرسل المزيد من قواته. ولكن الموقع قرأ في تذمر الكرملين إشارة على عدم امتنان الرئيس السوري الذي أنقذ من الانهيار. ونقل الموقع عن أشخاص قال إنهم على إطلاع على المداولات في الكرملين قولهم إن بوتين يريد من الرئيس السوري إظهار نوع من المرونة في المحادثات مع المعارضة للتوصل إلى تسوية توقف حربا أهلية طويلة. وعلق الموقع أن رفض الأسد التنازل للمعارضة السورية عن أي سلطة مقابل الاعتراف الدولي بنظامه وتدفق مليارات الدولارات إلى البلاد للمساهمة في إعادة إعمار البلاد أدى إلى انفجار غضب غير عادي في الصحف والمجلات الروسية التي ترتبط ببوتين. وفي هذا السياق نقل ما قاله ألكسندر شوملين، الذي يدير مركز أوروبا-الشرق الأوسط في موسكو: “يحتاج الكرملين إلى التخلص من صداع سوريا” و “المشكلة هي مع شخص واحد هو الأسد وحاشيته”. واعترف الموقع أن انزعاج بوتين يكشف عن ورطة روسيا وهي أن الطرفين يعرفان ألا بديل عن الزعيم السوري للتوصل إلى تسوية. لكن الأسد رفض الضغوط الروسية من أجل تقديم تنازلات ولو رمزية للمعارضة. وفي هذا الإطار نفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الأخبار عن عدم سعادة بوتين من الأسد ورفضه التنازل للمعارضة من أجل الحصول على دعم في الأمم المتحدة. ولم يبتعد مقال الموقع عن جوهر النقد وهو ما يبدو من حالة
إحباط بين رجال الأعمال الروس الذين فشلوا بالحصول على عقود تجارية بسوريا، حسب دبلوماسي يتابع الشؤون السورية. وأضاف إن روسيا تعي الوضع الصعب في البلاد، حيث أن فشل الأسد بتوفير الحاجات الأساسية، وفيروس كورونا، ومشكلة شبكات الفساد قد يدفع بثورة مستقبلية داخل مناطق محددة تسيطر عليها الحكومة.
وحتى الآن لم يحدث تغيير في السياسة الروسية من سوريا، ذلك أن أي قرار سيظل مرتبطا باللاعبين على الأرض غير النظام السوري الذي يبدو في الوقت الحالي آمنا، فهناك إيران وتركيا والولايات المتحدة ولدى كل منها رهانات تريد تحقيقها. ومثل العلاقة مع إيران ظلت علاقة سوريا مع موسكو استراتيجية وتواصلت حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، خاصة أن معظم السلاح السوري هو من روسيا. وعليه يمكن فهم المقالات والاستطلاعات والتصريحات التي عبرت عن عدم ارتياح، على أنها مجرد تذمر لأن روسيا في سوريا لتبقى كما يقول كمال علم، الزميل السابق في المعهد الملكي للدراسات المتحدة بلندن في مقال نشره على موقع الموقع يوم 15/5/2020 مشيرا إلى أن مظاهر الاحباط الروسي التي عبر عنها السفير السابق أكسينيوك وإن كانت مهمة، لكنها لا تلغي حقيقة أن الروس هم في مقعد القيادة في سوريا، مشيرا إلى التعاون الجديد بين روسيا والإمارات لمواجهة التأثير التركي في شمال سوريا. وهذا التعاون ليس منحصرا في سوريا بل ويتكرر في ليبيا التي تقف فيها موسكو وأبو ظبي على نفس الخط ضد تركيا. ومثلما قيل في الموضوع السوري عن التذمر الروسي، أشار تقرير نشره موقع “المونيتور” (13/5/2020) عن حالة إحباط وبحث عن بديل للجنرال حفتر ودعم برلمان طبرق. ويعلق علم أن الانتقادات ضد دمشق مفاجئة مع أن الوكالة الفدرالية للأنباء سارعت لنفي التقارير وزعمت أنها تعرضت للقرصنة. ويقول إن الإحباط الروسي يتجاهل الدور الروسي التاريخي في سوريا والذي هو سابق لبوتين، ويعتبر جزءا من استراتيجية الاتحاد السوفييتي في العالم العربي. ويضيف إلى أن العلاقات الدفاعية المتزايدة بين موسكو وأنقرة لا تعني تخلي بوتين عن دمشق، بل وتقف إلى جانب الأسد كما أثبتت الأحداث العسكرية في شمال سوريا عندما تعرضت القوات التركية للقصف السوري والروسي. ويقول إن المسؤولين السوريين لديهم رؤية إيجابية عن الروس أفضل من موقفهم من إيران. ونقل عن سفيرين بريطانيين سابقين قولهما إن روسيا ستظل متسيدة في الشؤون السورية. وقال سير روجر تومسكي، الذي خدم في دمشق أثناء فترة الثمانينات من القرن الماضي أن السفير الروسي كان يحصل على فرصة للوصول إلى الأسد وبدون شروط. ويعتقد هنري هوغر، الذي عين سفيرا في دمشق بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة أن القواعد العسكرية الروسية والدعم العسكري الروسي لسوريا مهم ودائم.
تحالفات
ويركز علم على آثار القرار الإماراتي استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، والعلاقة التي تبدو دافئة بين الطرفين. ويعتقد أنها تصب في صالح بوتين الذي يريد التحالف مستخدما عداءها والسعودية لمواجهة تركيا في الشمال وكذا مواجهة التأثير الإيراني. ورحب بوتين بزيادة النشاط الصيني في سوريا. وفي الوقت نفسه أعلنت اليونان عن تعيين أول مبعوث لها في دمشق كدليل على تحالف جديد لمواجهة تركيا في سوريا. وضمن هذا السياق فهم الكاتب أن التحرك السوري ضد الملياردير رامي مخلوف، ابن خال الرئيس هو الرد السوري على مكافحة الفساد. ويقول إن مخلوف كان منفتحا على المصالح التجارية الإيرانية في الوقت الذي تريد فيه روسيا أن يكون لشركاتها الأولوية في العقود. ومن هنا حاولت بعض الصحف الموالية للنظام السوري في لبنان، ربط النقد بيفيغني بريغوجين مالك شركة فاغنر للتعهدات الأمنية والمعروف بطاهي بوتين، التي قالت إنه خسر فرصه التجارية في سوريا ومن هنا شن حملة نقد واتهامات للفساد ضد الأسد وحاشيته.
مخلوف
وبهذا المعنى فالحديث عن الخلاف بين الأسد ومخلوف عبر إطار الفساد، يتجاوز حقيقة أن الخلاف بالضرورة هو مالي، فالدولة السورية تحتاج إلى أموال ولهذا كان رجال الأعمال الذين سمح لهم بشار الأسد بالانتفاع من الحرب هدفه الآن، وكما أشارت “وول ستريت جورنال” (14/5/2020) فمخلوف ليس الوحيد الذي استهدف من النظام بل وهناك آخرون طلب منهم التبرع لدعم العملة السورية التي فقدت الكثير من قيمتها أمام الدولار. وبخلاف رجال الأعمال الذين استجابوا خرج مخلوف بشريطين نهاية الشهر الماضي ناشد فيهما الأسد وأكد أنه مظلوم وليس مدينا للدولة، كما حذر من تداعيات السيطرة على أرصدة مالية له. وحظي موضوع العلاقة بين مخلوف و”السيدة الأولى” أسماء بتحليلات حيث كما في مقال بموقع “ديلي بيست” (11/5/2020) وتحدث فيه كاتبه عن صعود أسماء الأسد الذي تزامن مع تعافيها من سرطان الثدي وكيف حاولت أن تروج لابنها حافظ البالغ من العمر 18 عاما وجعله شخصية مقبولة لموسكو، ومن نفس العائلة التي ينتمي إليها والده، هذا في حالة فكرت روسيا البحث عن بديل للنظام الحالي. وبالضرورة فبعيدا عن حملة مكافحة الفساد التي طالت مخلوف، وعلى طريقة محمد بن سلمان في حادثة ريتز كارلتون عام 2017 هناك من اقترح أن استهداف مخلوف هو حيلة. ورده على الأسد محاولة أيضا لجلب انتباه روسيا له ولقاعدته الشعبية وغير ذلك من التحليلات. وبالمحصلة فما يحدث اليوم في سوريا هي محاولة من الأسد الذي أنقذه الروس تعزيز قوته، وكما يحدث دائما فمن انتهت صلاحيته من الذين خدموا النظام يهمش وتصعد وجوه جديدة مكانه، فاقتصاد الحرب أدى لظهور عائلات تقليدية حلت مع التي تسيدت سوريا، إما لأنها خسرت أو هاجرت. وستظل قوة الأسد محصورة بالقرار الروسي، فهم سادة الجو فوق سوريا ومن يقررون مصيرها على طاولة المفاوضات، على الأقل في الوقت الحالي.
القدس العربي
———————–
بشار الأسد غريق أم داهية؟/ عبدالسلام حاج بكري
تعدّدت التأويلات، وتنوّعت التحليلات التي اجتهدت بتفسير ظهور رامي مخلوف بتسجلين مصورين، يشكو فيهما مرة، ويتوعّد في أخرى، وكل ما قيل وكتب قد يصيب الحقيقة بجزء كبير أو صغير، ولأنّ ما حدث يعدّ ظاهرة غريبة على بنية النظام السوري، يجعل من الصعب الوقوف على أسبابها بدقّة، ويترك باب التخمين والتوقّع مشرّعاً على الآخر. بشار الأسد
عندما اختلف الشقيقان، حافظ ورفعت الأسد، في ثمانينيات القرن الماضي، احتكما إلى ما دون السلاح، رغم أنّ الطلقة دخلت حجرة النار، إلا أنّ الأموال السوريّة والقذّافيّة سدّت السبطانة ورُصّت بعناية كبيرة خلف الزناد، فلم تسمح بالانفجار، هذا كان الخلاف الوحيد الذي ظهر للعلن، لكنّه لا يمكن القياس عليه في الأزمة الأخيرة داخل بيت السلطة، فالمعطيات مختلفة، وكذلك الغايات.
المؤكّد الوحيد فيما جرى، وقد يجري، أنّه ناتج عن الأزمة الكبيرة التي يعيشها نظام الأسد، والتي تهدّد مصيره في السلطة، فالضغوط الداخليّة والخارجيّة تشدّد الخناق على رقبته، وتنذر بيوم لا يشبه ما قبله.
إقدام الأسد على الضغط على خازن أمواله وابن خاله القوي، والحديث الإعلامي لهذا الابن الخال، مستعطفاً ومتأففاً ومهدّداً، “فيما بين السطور”، يحمل في طياته أسراراً عصيّة، لكن تركيب المعلومات والمؤشرات وتحليلها يمكن أن يقودنا لتوضيح بعض ملامح الصورة، وأرجو أن يتوضّح معظمها. بشار الأسد
الأسد المأزوم ماليّاً وسياسيّاً حتى مع شركائه في الدم السوري لا سيما روسيا، يحاول اليوم تقديم صكّ براءة لروسيا التي وصفته وسائل إعلامها مؤخراً بالفاسد وغير القادر على قيادة عملية سياسية في سورية، وبما أنّه استُهدف شخصياً بالحملة الإعلامية الروسية غير البريئة، كان لا بد من تقديم أضحية كبيرة جداً من أجل إقناع شريكه الروسي بأنّه يكافح الفساد، وإن بدا وكأنه اكتشفه توّاً.
التضحية بخازن ماله ليس يسيراً على الأسد، لكن الكرسي وتمديد جلوسه عليه يستحق ذبح هذا الكبش المدلل، وإن ساندته عائلات علوية كبيرة، ولم يغفر للكبش أنّه كان ينطح مع الأسد طوال سنين بالسوريين، ويمدّ _باعترافه_ قوّاته الأمنية القمعية بكل وسائل الدعم والاستمرار.
ولكن هل سيقتنع بوتين رأس النظام المافيوي في موسكو بهذا القربان، ويغفر للأسد، ويمدّد اضّجاعه على الكرسي أياماً أو شهوراً وربما سنيناً، يدرك بوتين، بما أنّه من المدرسة ذاتها، أنّ الفساد والسرقة والتجاوز على القانون الإنساني والأخلاقي هي نهج مرسوم في نظام الأسد، وقد لا يرضى برفع تهمة الفساد عنه رغم دسامة القربان.
هذا هو التفسير الأكثر قرباً من المنطق لمعركة الأسد، إن جازت تسميتها هكذا، مع ابن خاله، وهو الأكثر تداولاً، ولكن أليست هناك احتمالات أخرى لتفسير ما حدث ويحدث، غير هذا، نعم هناك احتمال قد يكون قويّاً بمقدار هذا، وقد يفوقه. بشار الأسد
من يعرف نظام الأسد، يدرك مدى خبثه ومكر تعامله مع الأحداث، يُظهر نفسه ضحية وهو القاتل المجرم، يعلن غير ما يبطن، يصف أفرقاء بالأعداء ويتقاسم معهم الودّ المصلحي والحقيقي، وعلى كل ما ذكرت دلائل ودلائل لا تنتهي، من علاقته بإسرائيل وداعش وبقية الفصائل الجهاديّة، إلى ادّعاء المؤامرة الكونيّة عليه، وهو الذي منعت سقوطه كل دول العالم.
خبث النظام هذا، ليس من نتاج رأس بشار، لأنّه أصغر من ذلك، بل من رسم مجموعة كبيرة من عتقاء رجال أبيه، يشاركهم مستشارون محترفون من روسيا وإيران، وهم من خطّط للاحتمال الثاني إذا ما مثّل الحقيقة فيما نشهده من مسرحيات مكافحة الفساد، والخلاف مع ابن خاله.
بشار لم يقُد سوريا يوماً، كل الوقت كان واجهة للقيادة الحقيقية المتمثّلة بخاله محمد مخلوف وأمه أنيسة، ورغم أنّ خاله دخل في مرحلة الزهايمر، إلا أنّ تركيزه للحظات يكفي للدفع ببشار الأسد خطوات باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل إنفاذ الإشارة الدولية بإنهائه.
بما أنّ أياماً قليلة تفصلنا عن وضع قانون سيزر حيّز التطبيق، وهو الذي يشدّد الحصار على النظام وصولاً للاختناق بمنع التعامل المالي والاقتصادي معه نهائيّاً، ومعاقبة من يتجرّأ على كسر ذلك، فإنّ احتمال تبييض أموال الأسد المكدّسة في بنوك عدّة دول بعشرات الأسماء، أمر يحظى بالأولويّة مع القناعة التامة بأنّ مغادرته للحكم باتت محسومة، لذلك يبدو منطقياً تصفية المؤسسات التي يقودها خازنه، وإخراجها من خانة الاقتصاد المحلي والعالمي كي لا تطالها مفاعيل قانون سيزر، وهي النبع الذي ملأ هذه الحسابات.
وما ظهور رامي مخلوف والشكوى من إجراءات تخليصه من أمواله، إلا تسويق إعلامي ومحاولة لتثبيت الفكرة دولياً، وبالتالي شرعنة أموال أشخاص النظام في الخارج وهي بعشرات المليارات بلا شك.
هذه لا تفوت روسيا، وهي التي تحتضن محمد مخلوف الذي يقود من الظلّ، ولا شك أنّ نجاحه يقتضي دعماً روسياً كبيراً، ولن تكون حصة بوتين من هذه الأموال أقلّ مما سيناله كل رجال النظام مجتمعين. بشار الأسد
يتناقض الاحتمالان بشكل واضح، بين اتجاه غريق إلى قشّة، وداهية خسر الجاه ويريد الاحتفاظ بالمال، والداهية ليس بشار الأسد، بل قادة النظام الحقيقيين من آل مخلوف والمستشارين المحليين وعابري الحدود، والتناقض في تفسير تصرفات نظام كهذا عين العقل، لأنّ المنطق يغيب منذ أهلّ علينا.
ليفانت
————————–
جمعية الرفق بالطغاة/ عبسي سميسم
حملت الرسالة التي وجهها نحو 300 “مثقف” سوري وعربي إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وعدد آخر من المسؤولين الروس، يستجدونهم فيها وقف تناول فساد بشار الأسد ونظامه عبر وسائل الإعلام الروسية، الكثير من التناقضات والمفارقات غير المنطقية، شكلاً ومضموناً. وبغض النظر عن محتوى الرسالة، من المعيب أن يرسل مثقف برسالة إلى مسؤولي دولة تحتل وتتحكم بشؤون بلده يستجديه فيها، ألا تساهم، عبر وسائل الإعلام، بفضح الفساد في البلد الذي تتحكم به. كما أن الرسالة شكلاً تعد إهانة كبيرة لرئيس النظام بشار الأسد كونها موجهة لمسؤولين روس أرفعهم وزير الخارجية ليرأفوا بحال “رئيس جمهورية”. أما على مستوى المضمون فقد بدت الرسالة وكأنها رسالة استرحام من مرتزقة لدى رئيس عصابة النظام السوري، يستجدون خلالها معاوني زعيم المافيا الروسية التي تشغّل رئيسهم، بأن يرحموه. كما تحمل تذكيراً بالولاء المطلق لرئيس العصابة تجاه زعيم المافيا.
ولم تخل الرسالة من وشاية صبيانية بمن تستضيفهم القنوات الروسية وتذكير الوزير الروسي بأن هذه الشخصيات تتخذ موقفاً معادياً للوجود الروسي في سورية، وتصفه على أنه احتلال. وعلى الرغم من الانزعاج الشديد من تناول القنوات الروسية لأداء بشار الأسد، إلا أن رسالة المثقفين لم تجرؤ على التعبير صراحة عن هذا الانزعاج واكتفت بصياغة رسالة عتاب واسترحام وتذكير بالخدمات والولاء للمحتل الروسي، فبدا المثقفون أشبه بجمعية للرفق بالطغاة.
لكن بغض النظر عن كل تناقضات تلك الرسالة إلا أن رسالة من هذا النوع، لا يمكن أن توجه من الشخصيات التي وقعت عليها ما لم تكن قد جاءت بطلب من القيادة السياسية في سورية، أي من القصر الجمهوري، الأمر الذي يشي بمدى التأزم الذي يعيشه رأس النظام، والذي يبدو أنه بدأ يشعر فعلياً بإمكانية تخلي روسيا عنه في أية لحظة، وهو ما أجبره على اعتماد هذا الأسلوب المهين في تقديم التنازلات، علّه يتمكن من استعادة بعض الثقة بداعمه الرئيسي، والذي كان سبباً في بقائه على رأس السلطة في سورية حتى اللحظة، خصوصاً بعد الفضائح المتلاحقة التي أحاطت به أخيراً، سواء لناحية خلافاته الداخلية مع رموز الفساد من أركان حكمه، ومن البيت الداخلي للعائلة الحاكمة، أو من خلال حملة التشهير التي تعرض لها في الغرب من خلال ابن عمه فراس الأسد. إلا أن السبب الرئيسي الذي ربما يدفع موسكو للتخلي عنه بشكل فعلي هو الوضع الاقتصادي في معظم الدول المتحكمة في القضية السورية ومنها روسيا بسبب جائحة كورونا، والذي من المحتمل أن يدفع موسكو إلى إبرام اتفاق مع واشنطن على حل سياسي تتنازل من خلاله روسيا عن بشار الأسد.
العربي الجديد
————————
هل ترغب روسيا في استبدال الأسد؟/ فاطمة ياسين
قال المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، إن الخطط الأميركية ليست في وارد إخراج الروس من سورية، فهم موجودون هناك منذ أكثر من ثلاثة عقود… وفي الحقيقة، وجود الروس في سورية أقدم من ذلك، ويعود إلى الخمسين عاماً الماضية، ولكن تحت مسمّى الاتحاد السوفييتي، وقد ورثت روسيا كل ما يتعلق بذلك الاتحاد من علاقات واتفاقيات، والأهم أنها ورثت قدرته على رفع إصبع حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. كان الاتحاد السوفييتي أحد عرّابي انقلاب الأسد في عام 1970، وقد تطوّرت العلاقة السوفييتية السورية، وصولاً إلى اتفاقية التعاون والدفاع المشترك التي وُقِّعَت في عام 1980. واستناداً إلى هذه الاتفاقية، وُسِّع ميناء طرطوس ليستوعب تحرّكات الأسطول الروسي الذي تنامى مداه اللوجستي بوجوده الدائم على الضفة الشرقية للبحر المتوسط. لم يُشِر جيفري إلى هذا التاريخ من الترابط، ولكنه يدرك أن ذلك النوع من نقاط التحكم هو ما يدير العلاقات الروسية السورية. بناءً على هذا الموقف الرسمي الأميركي الذي يعرفه الروس جيداً، يوسّعون رأس الجسر الذي يملكونه في سورية، ويدركون أن علاقات وثيقة مع النظام الحاكم في دمشق مفيدة لاستقرار نقاط القيادة والتحكّم التي يريدونها.
يدرك الروس أيضاً أن تغييراً جوهرياً في السلطة في دمشق لن يحفظ لهم المزايا نفسها التي يمتلكونها الآن في سورية، وهذا سبب دفاعهم عن النظام بكل الطرق والأشكال الديبلوماسية والعسكرية، ولكنهم على الرغم من ذلك عجزوا عن تسويقه دولياً، بعد سنواتٍ دامية فرضها النظام على السوريين، ومعارك خاضها مليئة بالتجاوزات الإنسانية، وقواعد الحروب، استخدم فيها أسلحة محرّمة دولياً عدة مرات مثبتة من جهات حيادية.
بدا الرئيس الأميركي، ترامب، أكثر عناداً من سابقه أوباما، بإصراره على رفض بشار الأسد ونظامه ومنع محاولات تقارب خليجية معه، أو المساهمة في تحجيمها إلى حدود قاصرة، فأصبح النظام أسير هذه الثنائية الروسية الأميركية. الأولى يمثل لها وجود الأسد طوق نجاة لكل قواعدها واستثماراتها السياسية، وهي قد لا تكون قادرةً على العثور على بديل أكثر منه عمالةً وتبعية، وهناك تفاهمات كثيرة واتفاقيات مهمة قد لا يلتزمها رجل يخلفه، والثنائية الثانية الأميركية يمثل بشار الأسد بالنسبة إليها رمزاً كريهاً وقد تحوّل جماهيرياً إلى أيقونة الشر، بعد أن استخدم أسلحة محرّمة، وقد يتأثر ترامب انتخابياً فيما لو تهاون في هذه النقطة. لذلك، من غير الممكن أن يُقبَل، وستحافظ أميركا على موقفها بضرورة عزله، ولو أنها غير مهتمة ببذل مزيد من الجهود للتخلص منه، فبقاؤه معزولاً بما يحرم الروس الاستثمار السياسي فيه كافٍ لها.
ارتفعت لهجة الصحافة الروسية القريبة من الرئيس بوتين، فوجهت انتقادات جادّة وعميقة إلى نظام الأسد، ولو أنها ركّزت أكثر على الفساد الذي يضرب أسس النظام، حتى أصبح صيغة رسمية في مؤسساته، قُرئت هذه اللهجة أنها تحذير للأسد بأن أيامه أصبحت معدودة في القصر، على الرغم من أن روسيا كانت قادرة على توجيه التحذير نفسه، من دون مواربة، إلى بشار الأسد مباشرة، ولكن الأمر انطلق على الملأ ليظهر أمام الجميع، على الرغم من ذلك لا تبدو الحملة الروسية جادّة إلى حد تغيير رأس النظام، فعملية كهذه تخضع لمراحل عدة، قد يسبقها تلميع شخص آخر، وبداية تقديمه شيئاً فشيئاً إلى الرأي العام، قبل التخلص من النسخة منتهية الصلاحية، وذلك لضمان المصالح الروسية على مدى طويل ومثمر. ولا يمكن بالطبع اعتبار رامي مخلوف ذلك الخليفة، فهو شخصيةٌ غير مقبولة على نطاق واسع، وحتى ضمن صفوف الموالين. ومن دون بداية طور تحضير بديل، من الصعب اعتبار ما كتب في الصحافة بداية مرحلة التغيير، فالتغيير لن يبدأ بحملة صحافية، بقدر ما يبدأ ببروز شخصية أخرى، وبطريقة لافتة، وحتى الآن لم تظهر ملامح تلك الشخصية.
العربي الجديد
———————-
إيران وروسيا وتغير المعادلة السورية/ صادق الطائي
الهدف الاستراتيجي الإيراني هو الوصول إلى موانئ البحر المتوسط
مع نهاية العقد الأول من عمر الحرب السورية، تبدو معطيات الصراع على الأرض وكأنها قد تغيرت، كذلك يبدو موقف حلفاء النظام على وشك التغير، بل والانقلاب نحو حالة من التصارع، إذ وصف بعض المراقبين الوضع بأنه صراع الحلفاء على تقاسم غنائم الحرب حتى قبل أن تعلن نهايتها الرسمية.
لعب الروس دورا محوريا في انقاذ النظام السوري من السقوط نتيجة ضربات المعارضة المسلحة التي سيطرت على ثلثي مساحة سوريا حتى باتت تحارب القوات الحكومية على أبواب العاصمة دمشق، ثم تغيرت معادلات الصراع على الأرض بتدخل الروس عسكريا في 30 أيلول/سبتمبر 2015، وبات الدعم الجوي الروسي يلعب دورا محوريا في انتصارات الجيش السوري المدعوم على الأرض من ميليشيا حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، وعدد من الميليشيات الشيعية العراقية، وبات تقدم القوات الحكومية على الأرض متجليا في باسترجاع المدن والبلدات الواحدة تلو الأخرى، حتى لم يتبق اليوم خارج سيطرة النظام سوى محافظة إدلب التي ما تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى منطقة الإدارة الذاتية في كردستان سوريا أو إقليم “روج آفا” شمال شرق سوريا الخاضع لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” الكردية.
تصاعد الانتقادات الروسية
تعالت في الآونة الأخيرة الأصوات الروسية المنتقدة لأداء نظام بشار الأسد، فقد ازدادت اتهامات الصحافة الروسية لنظام الأسد على خلفية استشراء صفقات الفساد التي نخرت الاقتصاد السوري المنهك أساسا، كما تم توجيه الاتهامات لبعض فرق الجيش السوري التي يسعى قادتها لفرض الحسم العسكري في محافظة إدلب بدون الالتزام بمقررات اتفاقية أستانا التي أقرها الروس والأتراك بالاتفاق مع النظام السوري سابقا.
ومن بين أعنف الانتقادات تلك التي كتبها الدبلوماسي الروسي المخضرم وخبير قضايا الشرق الأوسط، ألكسندر أكسينيونوك الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الاستشاري الروسي للشؤون الخارجية، إذ كتب مقالا تحليلا مهما نشره في موقع نادي “فالداي” الحواري التابع عمليا للكرملين، بالإضافة إلى صحيفة “كوميرسانت” وقد وصف أكسينيونوك في مقاله حال الوضع السوري المعقد، وسلط الضوء على كثير من الزوايا الشائكة فيه.
فقد سلط الضوء على الجانب المتمثل بتوازن القوى على الأرض في الساحة السورية، إذ أشار إلى إن” سوريا تنقسم اليوم إلى مجالات نفوذ خارجي بين روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، وأن الحملة العسكرية في إدلب، رغم النجاحات التكتيكية التي حققتها، أظهرت حدود الممكن. كما أن خطابات وتهديدات المسؤولين السوريين باستخدام القوة، إذا لم تغادر القوات التركية والأمريكية سوريا، بعيدة عن الواقع”. وأضاف “روسيا من جانبها، وصلت إلى الحد الأقصى للتسوية عبر صيغة أستانا، والتي سمحت لدمشق من عام 2017 إلى عام 2019 باستعادة السيطرة على أراض في ثلاث مناطق لخفض التصعيد بالقوة والاتفاقيات المؤقتة”.
الصراعات الاقتصادية
انعكس تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد السوري ربما بشكل أكبر من بقية قطاعات الاقتصاد العالمي المتأثرة بأزمة كورونا، إذ نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، وتصاعد العقوبات والضغط العسكري على إيران، فإن إمدادات الوقود، والنفط الخام الإيراني لسوريا باتت أمرا صعبا، أو مستحيلا، وللتخلص من هذه الأزمة يرى المحللون أن على نظام الأسد العمل على تفاهمات تقود لاستعادة السيطرة على مناطق النفط والغاز في شرق سوريا، والتي ما تزال تحت سيطرة القوات الأمريكية التي تتذرع بمختلف الذرائع للبقاء في المنطقة، أو على النظام السوري اللجوء لاستبدال النفط الإيراني بالروسي، وهذا أمر يعتبره خبراء الاقتصاد صعبا جدا في مثل هذه الظروف، بسبب انعدام رغبة الشركات الروسية التعرض للعقوبات الأمريكية.
إذ بات واضحا إن الخطر الجدي على الاقتصاد السوري اليوم يتمثل في حزمة العقوبات التي وقعها الرئيس ترامب في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019 والتي حملت اسم “قانون قيصر” وأن هذه العقوبات ستجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطالب بفرض عقوبات على الحكومات والشركات والأفراد من البلدان المتعاونة مع سوريا، وبالتأكيد أن مثل هذه الإجراءات ستؤثر على التعاون التجاري والاقتصادي مع روسيا، إذ قد يفتح “قانون قيصر” إمكانية فرض عقوبات على البنوك التي تقوم بالتعاون مع البنك المركزي السوري، في حال أدين الأخير بتهمة غسل الأموال.
أما تجليات الصراع الاقتصادي الروسي الإيراني في سوريا فيمكن فهمه عبر التعرف على خطط كل طرف من طرفي الصراع وطريقة تعاطيه مع المشكلة، فالهدف الاستراتيجي الإيراني هو ربط محور نفوذها من طهران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان وموانئ البحر المتوسط، ما يعني الوصول إلى حقول الغاز العملاقة شرق المتوسط التي من المتوقع انها ستغير خريطة الطاقة العالمية في هذا القرن.
لقد دخلت إيران جولة مفاوضات لمد خط سكك حديدية يربط إيران وسوريا مرورا بالعراق، إذ ستكون نقطة انطلاق خط السكك العملاق من ميناء الإمام الخميني في إيران، مرورا بمدينة الشلامجة على الحدود العراقية، ومدينة البصرة العراقية، مرورا بالأراضي السورية عبر محافظة دير الزور وصولا إلى ميناء اللاذقية الذي سيكون المحطة الأخيرة في مسار السكة الحديدية.
ورغم أن إيران قد حصلت على الحق الحصري للتشغيل التجاري لمرفأ اللاذقية أواخر العام 2018 إلا إن الوجود الإيراني على البحر المتوسط يشكل مصدر قلق بالنسبة لروسيا التي تريد أن تكون صاحبة القوة الرئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط الواعد بحقول عملاقة من الغاز غير المكتشف حتى الآن، وهو ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 عاما. كما إن وجود إيران هناك يشكل قلقا لروسيا من ناحية وجود القاعدة العسكرية الروسية بالقرب من المرفأ في حميميم، وهو ما قد يعرّض قواتها للخطر في حال تعرض الوجود الإيراني للضربات الإسرائيلية أو الأمريكية، لذلك تفيد بعض التسريبات إن الروس يضغطون على نظام الأسد ليكون استثمار مرفأ اللاذقية مناطا بشركات صينية بدلا من الشركة الإيرانية.
التوتر العسكري
كان التواجد الإيراني في الساحة السورية مبكرا، إذ دخلت منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب الأهلية السورية ميليشيا حزب الله اللبناني ثم تبعتها قوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية الساندة لقوات النظام في مواجهته لفصائل المعارضة السورية المختلفة. وقد سعت قيادة فيلق القدس الإيرانية إلى إيجاد فصائل سورية شبه عسكرية مبنية على أسس ميليشياوية دربتها طهران وعولت عليها لتكرار تجربة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.
وحسب المعلومات التي أوردتها بعض التقارير الصحافية، وصل عديد هذه القوات إلى أكثر من 15 ألف مقاتل عقائدي يوالون رأس النظام، وجرى تدريب هذه القوات وأصبحت لاحقا من قوات النخبة، وهنا تنبه الروس لخطر الجيش الموازي الذي يتم اعداده إيرانيا عبر تدريب هذه الميليشيا لأنه سيعني أن بقاء إيران في سوريا سيكون بلا سقف زمني حتى لو سحبت طهران ضباطها ومقاتلي حزب الله وكل الميليشيات الشيعية التي تأتمر بأوامر جنرالات فيلق القدس.
فما كان من الروس إلا أن سحبوا البساط من تحت أقدام المخطط الإيراني، وذلك عبر دمج الميليشيات التي تشكلت كـ “قوة خاصة” تحت أمرة العميد سهيل الحسن المشهور بلقب النمر، والمتحدر من الطائفة العلوية مثل الرئيس الأسد، لتشكل منها الفرقة 25 قوات خاصة في آب/أغسطس من عام 2019 بعد أن كانت عبارة عن مجموعة ميليشيات رديفة تعرف باسم “قوات النمر”. وبعد أن تحولت قوات النمر إلى تشكيل عسكري رسمي، ينال الدعم الروسي الأكبر ذابت فيها عشرات المجموعات والكتائب التي تضم في صفوفها مجندين غير نظاميين وعناصر من العائدين من فصائل المعارضة عبر صفقات المصالحة مع النظام، والنتيجة اعتماد الروس على “قوات النمر” كرأس حربة في معارك الشمال السوري، لاسيما معارك إدلب، ليتحول بعد ذلك العميد النمر إلى رجل روسيا الأول في الجيش السوري، بدليل أن قيادة الأركان الروسية كرمته ثلاث مرات في 2016 و2017 و2018. كما إن تسريبات تحدثت عن ترشيح الروس للنمر كبديل محتمل للرئيس بشار الأسد إذا ما تم تنحيته في المستقبل القريب.
بالمقابل ينظر بعض المحللين إلى شقيق الرئيس السوري، اللواء ماهر الأسد، على إنه الآن يلعب دور رجل إيران الذي تراهن عليه وتعده لأن يأخذ دورا قياديا في حال خروج الرئيس بشار الأسد في انتخابات 2021 وماهر الأسد الذي يقود الفرقة المدرعة الرابعة في الجيش العربي السوري مشهور بعنفه ومواقفه الحادة تجاه المعارضة السورية والطائفة السنية، ولطالما مثلت قيادة قوات “الفرقة الرابعة” التي يقودها الجهة المرشحة لأن تصبح المظلة الرسمية للميليشيات المدعومة من إيران. وبالرغم من أن الإيرانيين لم يطرحوا بشكل رسمي أو شبه رسمي مسألة البحث عن بديل للرئيس الأسد، لكن المراقبين يرون إنهم إذا اضطروا لذلك فعلى الأرجح سيكون ماهر الأسد هو البديل الطبيعي بالنسبة للإيرانيين.
————————-
نهج الأسد والمصالح الروسية في سوريا/ فالح الحمراني
نشرت بعض وسائل الإعلام الروسية، مقالات انتقدت النظام في دمشق، وحمّلت الرئيس السوري الكثير من المسؤولية عن ما وصل إليه الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري، والتلكؤ في مبادرة القيادة في دمشق، في ظل الظروف المواتية بوقف إطلاق النار، للبدء بخطوات عملية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يعد السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا، وإنعاش الوضع الاقتصادي المتردي. وتهدف تلك المقالات إلى النقد الصريح والبناء، كما جاء في مقال لصحيفة “زافترا” (الغد) ذات التوجه القومي.
وذكرت العديد من المصادر الصحافية والدبلوماسية الروسية والدولية خلال الأيام الماضية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير راضٍ عن نهج نظيره السوري بشار الأسد وإدارته. ووفقًا للمصادر، يمكن الحكم على استياء الكرملين من الأسد من خلال المقالات في وسائل الإعلام الروسية في منتصف نيسان/ابريل حول الفساد في الحكومة السورية والمماطلة في تشغيل عمل اللجنة الدستورية وتهيئة الأجواء المناسبة لمشاركة قوى المعارضة التي لم تتورط في الإرهاب في الحكم.
ومن غير الممكن الشهادة على الموقف الرسمي لموسكو من تلك الفرضيات، نظرا لأن الرئيس فلاديمير بوتين والمتحدث باسمه ديمتري بيسكوف لم يتحدثا علناً عن استيائهم من الأسد. كما لم تعلق وزارة الخارجية حول الموضوع، رغم أنها أكدت مرات عديدة على إن موسكو لا تمارس الدفاع عن بشار الأسد، في إشارة إلى أن روسيا معنية بسوريا كدولة ذات سيادة وبوحدة أراضيها وشعبها بكافة مكوناته الذي يقرر مصير بلاده بنفسه وتوسيع دائرة مراكز اتخاذ القرار، من دون تدخل خارجي. ومن ذلك يمكن القول إن سوريا المستقرة في ظل نظام سياسي يحظى بقبول أغلبية سكانها يصب في مصالح روسيا الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية في سوريا.
وكان المصدر وراء فرضيات استياء الكرملين من بشار الأسد مواد صحافية باللغة الروسية. على سبيل المثال مقال للسفير فوق العادة للاتحاد الروسي ألكسندر أكسينوك نشر في صحيفة “كوميرسانت” ومن ثم على موقع المجلس الروسي للشؤون الخارجية، وهو مؤسسة لتحليل السياسة الدولية، قريبة من الكرملين، ويترأسه وزير الخارجية السابق إيغور ايفانوف، اتهم فيه بشار الأسد بعدم الاستعداد للتفاوض مع المعارضة أو محاربة الفساد. وكتب أيضا عن حجم الفساد وضعف أداء الرئيس السوري. وتقول تقارير صحافية إن مثل هذه “الحملة شبه الرسمية” في وسائل الإعلام الروسية لا يمكن أن تبدأ بدون تعليمات من إدارة الكرملين. وتعبر أخرى عن ثقتها بأن المقالات التي تنتقد الأسد تشير إلى أن صبر موسكو قد ينفد مع الرئيس السوري و “إدارته غير الكفؤة”.
ويرى أكسينوك أنه لا يمكن أن يكون الواقع العسكري الجديد في سوريا مستداما بدون إعادة البناء الاقتصادي وبناء نظام سياسي يعتمد على قاعدة عريضة حقا من القوى السياسية والاجتماعية ومكونات المجتمع المذهبية والعرقية، يقوم على تسوية دولية. وأضاف “هذا مهم بشكل خاص لأنه لا يوجد الكثير من الوقت المتبقي حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2021”. وعلى وفق رصده “مع تخفيف حدة النزاع السوري، أصبح واضحا أكثر عدم رغبة السلطات في دمشق، أو عدم قدرتها على إقامة مثل هذا النظام الحكومي الذي سيوفر الظروف للانتقال من اقتصاد الحرب، إلى التجارة الطبيعية والعلاقات الاقتصادية”. كما أشار المحلل السياسي إلى أن “روسيا غير راضية تماما عن كيفية تعامل النظام السوري مع الأزمة الاقتصادية، لأنه كما يبدو لا يلتزم بالتوصيات الروسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى التردد في تحمل التكاليف المرتبطة بذلك وحده”.
ويتناول انتقاد الرئيس السوري في الصحافة الروسية في المقام الأول الصعوبات والفساد الذي واجهته الشركات الروسية أثناء العمل في الجمهورية. وأعاد أكسينوك الأذهان إلى أن “القيادة الروسية العليا شددت على عدم وجود بديل عن الحلول السياسية لتحقيق تسوية بين السوريين أنفسهم في الإطار القانوني الدولي”. وبقناعته إن “الحكومة السورية ليست مستعدة لذلك بعد، لكن الوضع بمرور الوقت يمكن أن يتفاقم فقط”.
ويجمع الكثير من المستشرقين الروس والخبراء الإقليميين على أن دمشق الأسد تعرقل بالفعل عمل اللجنة الدستورية السورية. وتختبئ خلف الجدل الدائر حول “الإرهابيين” (كما تسمي المعارضة المعتدلة) وحول احتلال البلاد من قبل قوى خارجية، ويأمل النظام بحل المشكلة السورية بطريقته المعتادة، بقوة السلاح. كما كان في حمص وحلب والغوطة الشرقية وأماكن أخرى تحررت من المسلحين والمعارضة المسلحة. والآن جاء دور إدلب، حيث ما يزال يتواجد عدد كبير من جماعة النصرة “هيئة تحرير الشام”. وقال الكسندر شوميلين، وهو خبير روسي مهتم بشؤون الشرق الأوسط ويدير “مركز أوروبا والشرق الأوسط” الذي تموله الحكومة في موسكو: “على الكرملين التخلص من الصداع السوري”. وأضاف: “تتعلق المشكلة بشخص واحد، وهو الأسد، وحاشيته”. وقال: إن غضب بوتين وعناد الأسد، يسلطان الضوء على المعضلة التي تواجهها روسيا، حيث إن الجانبين يعلمان أنه لا يوجد بديل للزعيم السوري من أجل التوصل إلى اتفاق.
إلى ذلك فان الجانب الروسي ووفقا لبعض التقارير أعرب عن عدم ارتياحه لمواصلة شن قوات النظام السوري الهجوم على إدلب، ورصد فيه محاولة من قبل بعض القوى الإقليمية لنسف الاتفاق مع “الشريكة” تركيا، مقابل حصول دمشق على دفعة مالية ضخمة. وقالت صحيفة “نيزافيسيميا غازيتا” الصادرة في موسكو “عندما بدأ الأسد في حشد القوات لهجوم جديد على إدلب، اكتشفت القيادة الروسية خططه. ومن السهل تخمين رد فعل الكرملين على سلوك القيادة السورية. ومن أجل تحذير دمشق من عدم تجاوز الخطوط الحمراء في إدلب، توجه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى سوريا”. وذكرت الصحيفة: “كانت الرسالة الموجهة من شويغو واضحة: لا نريد منكم استئناف هذا الهجوم، وتريد روسيا أن يستمر وقف إطلاق النار”. ومع ذلك، ووفقًا لهذه البيانات، استمرت الجهود الرامية إلى تعطيل الاتفاقات الروسية التركية حتى بعد زيارة شويغو. ولا يستبعد أن يكون هذا أيضا أحد أسباب استياء الكرملين من بشار الأسد.
ومن هذه المواد، استنتجت واشنطن أن الكرملين يرسل إشارة إلى حليفه في الشرق الأوسط (بشار الأسد): بأن الوقت قد حان للتهدئة وبدء العملية السياسية التي طال انتظارها. وزعم المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أن موسكو “غير راضية عن الرئيس بشار الأسد” لكنها “لا ترى بديلاً ” للتعاون مع السلطات السورية. وعرضت واشنطن على الجانب الروسي الطرق الدبلوماسية للنأي بالنفس عن الشركاء في دمشق وطهران. وقال جيفري حسبما نقلت عنه وكالة أنباء “تاس”: “إنهم (في روسيا) يدركون أن هذه (الشراكة مع سلطات سوريا وإيران) ليست أفضل طريقة للمضي قدما”. وأفاد الدبلوماسي بأن موسكو “غير راضية عن الأسد”. وفي الوقت نفسه إنهم في روسيا “مهتمون مباشرة بسوريا” حيث يتم بناء الجيش بدعوة من سلطات الجمهورية، ويستثمرون في استعادة الاقتصاد.
وضمن هذا السياق نُقل عن ايرينا زفيياجيلسكايا، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في “معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية” الذي تديره الحكومة الروسية، قولها: “إن موسكو، التي تمتلك منشأة بحرية وقاعدة جوية في سوريا، والتي أرسلت شرطة عسكرية لتسيير دوريات في المناطق التي كان يسيطر عليها المسلحون من قبل، ولديها بعض النفوذ في أنحاء البلاد، ستخاطر بالكثير إذا حاولت الإطاحة بالأسد”.
القدس العربي
———————
الإدارة الأمريكية لن تتدخل في الخلاف المتنامي بين موسكو ونظام الأسد/ رائد صالحة
وصل العالم إلى طريق مسدود تقريباً بسبب جائحة كوفيد-19 ولكن مشاكل السياسة الخارجية الأمريكية لم تختف، بل على العكس من ذلك، ازدادت الأمور سوءاً، وما يحدث في سوريا هو مثال على ذلك، خاصة فيما يتعلق بالدور الروسي.
ولاحظ محللون أمريكيون أن قرار الكرملين عام 2015 بدخول الحرب الدموية في سوريا إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد يأتي امتدادا لما يسمى “مبدأ بوتين” الذي وضعه الرئيس الروسي في عام 2008 وينصب تركيزه الرئيسي على إضعاف النفوذ الأمريكي على الصعيد العالمي مع العمل على زيادة مكانة روسيا الإقليمية وقدرتها على عرض القوة.
وكان التوغل الروسي اللاحق مثالاً رئيسياً على زواج “الإمبريالية القيصرية والتوسعية السوفييتية” وعلى الرغم من أن سوريا لا تقع على حدود الإمبراطورية السوفييتية، إلا أنها كانت بمثابة قطعة حاسمة للاستراتيجية السوفييتية خلال عقود الحرب الباردة-واليوم، من روسيا.
وأشار الباحث لامونت كولوتشي في شؤون الأمن القومي بمجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن إلى أن أنشطة روسيا في سوريا على مدى نصف العقد الماضي، قد حققت الكثير من المكاسب للكرملين، وقال إن موسكو حولت البلاد إلى مختبر لفحص الأسلحة والتكنولوجيا والاستراتيجية والتكتيكات الروسية تحت ستار الكفاح المستمر ضد تنظيم “الدولة” والجماعات الجهادية، وفي الواقع، وصفت القيادة الروسية العليا سوريا بأنها نموذج للتدريب وعملياتها هناك “استراتيجية للعمل المحدود”.
ويتواجد حالياً حوالي 5 آلاف ضابط وجندي روسي، معظمهم من المستشارين العسكريين، والقوات الخاصة، وأفراد الدعم الجوي في سوريا، حيث تستمر موسكو في تزويد الأسد بالأسلحة وتعطي رئيس النظام الدعم الدبلوماسي الذي تشتد عليه الحاجة على الساحة الدولية، وقد تم توجيه الضربات الجوية الروسية، وهي عنصر حاسم في استمرار بقاء نظام الأسد، في المقام الأول ضد قوات المعارضة بدلاً من تنظيم “الدولة”.
وعلاوة على ذلك، أشار الباحثون إلى أن هذه الغارات الجوية استهدفت المدنيين السوريين بشكل عشوائي، وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن إجمالي عدد القتلى المدنيين في سوريا منذ اذار/مارس 2011 كان 226247، منهم 6514 على الأقل قتلوا مباشرة من الروس، وتشير تقديرات أخرى إلى أن الرقم أقرب إلى 8400. كما اتهمت الأمم المتحدة روسيا بالتورط في جرائم حرب من خلال الضربات الجوية العشوائية ضد المدنيين وأرعبت السكان وشردت أعداداً كبيرة من السوريين.
واتفق محللون أمريكيون على أن روسيا قد تعلمت من أخطائها العسكرية السابقة، وعلى النقيض من التجربة السوفييتية في أفغانستان في الثمانينات، كانت روسيا دقيقة للغاية في التزامها بساحة القتال السورية، حيث أعطت الحكومة الروسية الأولوية لاستخدام تكتيكات المواجهة، مثل الضربات الجوية واستخدام المقاولين العسكريين، وقد تحدثت النتائج عن نفسها، حيث لم يتجاوز عدد الوفيات الروسية في سوريا 116 فقط حتى الربيع الماضي.
وأعطت روسيا أهمية لتعزيز موطئ قدمها العسكري في البلاد، وعززت وجودها البحري في مدينة طرطوس الساحلية، وأقامت قاعدة جوية في حميميم، وأنشأت معسكرات عسكرية في أماكن أخرى من البلاد، وتمكنت موسكو من تأمين ترتيبات طويلة الأجل ومفتوحة من نظام الأسد، الذي ما يزال ضعيفاً ومتلهفاً لرؤية روسيا في البلاد لفترة طويلة وتوفير الحماية الأمنية.
ومن الناحية الاقتصادية، استغلت روسيا بمهارة الوضع السوري غير المستقر، لتهيمن على قطاع الطاقة السوري، حيث قامت مجموعات روسية، وضعتها الولايات المتحدة في قائمة العقوبات، بتطوير حقول الغاز التي تغذي عائداتها آلة القتل، وحصلت على عقود لاستغلال الهيدروكربونات في شرق سوريا، واستكمال خطط الأنابيب التي تربط سوريا والأردن، والعديد من مصانع معالجة الغاز.
وبالنسبة للعديد من المحللين الأمريكيين، تمثل هذه الأنشطة ووجود روسيا المستمر في سوريا تهديداً للمصالح الأمريكية، فهي تساعد على تقويض السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، كما سمحت للكرملين بالعودة كلاعب جدي في السياسة الإقليمية والبدء في تشكيل شرق أوسط جديد.
الولايات المتحدة خسرت المعركة بشكل واضح في الساحة السورية، ومن غير المحتمل أن تتمكن من العودة لفترة طويلة، وفشلها وصل إلى نقطة لا تستطيع فيها فرض أي شروط أو مطالب لتحقيق التسوية السياسية في سوريا، ولكنها تحاول تجاوز دور المراقب لتحقيق بعض الأمنيات والدفاع عن المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وقد وصلت الأمور إلى حد الشفقة، على حد تعبير بعض الخبراء، عندما قال المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا جيميس جيفري إن وظيفة الولايات المتحدة هي جعل الحرب هناك “طريقاً مسدوداً” بالنسبة لروسيا، مدعياً أن أمريكا لم تصل لطريق مسدود في سوريا.
وبغض النظر عن المشاعر التي قد يتم التعبير عنها عند سماع هذه التصريحات، فإن الإدارة الأمريكية تعتقد بالفعل أن وظيفتها هي تحويل الحرب الروسية في روسيا إلى “مستنقع” ومواصلة الضغط على نظام الأسد، الذي تعتبره يشكل المزيد من التهديدات للمنطقة والفكرة الأمريكية حول كيفية تنظيم العالم.
الولايات المتحدة لم تعلق بدورها على المعلومات الأخيرة المتداولة بشأن خلافات بين روسيا ونظام الأسد ومشكلة موسكو مع طهران في دمشق، ولكن المزيد من الباحثين في واشنطن لديهم اعتقاد بأن روسيا تميل الآن للتخلص من عميلها السيء السمعة بعد خمس سنوات من القتال للحفاظ على نظامه، وقالوا إن وحشية الأسد وفساده المستمر وعدم قدرته على تأسيس دولة عاملة حتى بالمظهر أصبح عبئاً على موسكو لا تستطيع أن تتحمله.
وأشاروا كذلك إلى المشكلة الإيرانية حيث يقيم الأسد وأفراد عائلته علاقات وثيقة مع طهران لا يمكن اختراقها، ولكنها تقوض مهمة موسكو الأساسية في سوريا، وهي تأهيل نظام الأسد كرمز للاستقرار قادر على جذب مئات المليارات من الدولارات من الاستثمار الأجنبي لإعادة الإعمار.
وقال جيفري إن الأسد لم يفعل شيئاً لمساعدة الروس، حتى بمساعدتهم على الترويج لنظامه، فكل من حوله عبارة عن بلطجية لا يحترمهم أي أحد في العالم العربي أو أوروبا، وأشار إلى أن واشنطن سمعت مراراً من موسكو بأنها تفهم مدى سوء الأسد، وحسب جيفري، فإن رفض الأسد تقديم التنازلات من أجل الحصول على اعتراف دبلوماسي سيعرض للخطر “مئات المليارات” من المساعدات لإعادة إعمار سوريا.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تستغل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الخلاف المتنامي، وقال جيفري إن إخراج روسيا من سوريا لم يكن هدفاً لواشنطن، مشيراً إلى أن روسيا موجودة هناك منذ 30 عاماً، ولها علاقة طويلة الأمد مع سوريا، وهي لا تعتقد أنها صحية للمنطقة ولكن هذه ليست سياسة الولايات المتحدة.
وتأتي هذه التصريحات بعد أسبوع واحد فقط من إطلاق وسائل الإعلام الروسية العنان لعدد كبير من التقارير والافتتاحيات التي تستهدف الأسد، وتصوير الرئيس المحاصر على أنه فاسد بشكل بائس وغير صالح للحكم، وتشير على أن الوقت قد حان لاستبداله بزعيم جديد.
ولاحظ المحللون الأمريكيون، أيضاً، أن الهجمات الإسرائيلية ازدادت بوتيرة واسعة النطاق منذ نيسان/أبريل ضد سوريا بعد موجة المقالات الروسية التي هاجمت الأسد.
في نهاية المطاف، يرى العديد من المحللين أن رغبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبعض الدول العربية في الإطاحة برئيس النظام السوري قد تتحقق في فترة ليست بعيدة، ولكن ليس كما كان متوقعاً، بل على يد روسيا نفسها التي سارعت لحماية نظامه من الانهيار في الفترة السابقة.
القدس العربي
————————-
هل تنجح تركيا في تشجيع روسيا على استبدال الأسد؟/ إسماعيل جمال
منذ بدء الأزمة السورية قبل نحو عشر سنوات، كانت تركيا من أول وأبرز الدول التي طالبت بإسقاط النظام السوري ورأسه بشار الأسد، ودعمت المعارضة السياسية والعسكرية السورية بكافة السبل لتحقيق هذا الهدف، قبل أن تنقلب الموازين لصالح النظام مع التدخل العسكري الروسي ووقف معظم دول العالم لا سيما أمريكا والخليج والاتحاد الأوروبي دعمهم المالي والسياسي والعسكري للمعارضة السورية التي باتت تركيا داعمها الأكبر وربما الأخير.
وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات، وتغير أولويات تركيا في الملف السوري من “إسقاط الأسد” إلى “محاربة الإرهاب” لا سيما إنهاء خطر إقامة كيان كردي انفصالي على حدودها، إلا أن أنقرة ما زالت غير قادرة على تقبل أي حل سياسي يضمن بقاء الأسد على رأس السلطة في سوريا، وترفض حتى الآن بشكل مطلق الدخول في أي حوار سياسي علني مع النظام السوري.
وخلال السنوات الماضية، حاولت روسيا بطرق مختلفة الضغط على تركيا لدفعها نحو إعادة التطبيع مع الأسد والنظام إلا أن تركيا ما زالت تجد حرجاً بالغاً في الأمر وترفض العروض الروسية رغم رغبتها الجامحة في التوصل إلى أي حل للأزمة السورية يضمن وجود سلطة قوية تنهي خطر المنظمات الإرهابية والانفصالية، وتساعد في إنهاء خطر حصول موجات هجرة جديدة وهو ما قد يؤسس لعودة جزء من اللاجئين السوريين من تركيا إلى سوريا، لتخفيف الأعباء السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية التي خلفتها الأزمة السورية على الداخل التركي وتسببت في متاعب كبيرة للرئيس رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وما بين الرغبة الجامحة في التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية، والرفض القاطع لإجراء أي حوار سياسي علني وإعادة التطبيع مع الأسد، ربما تجد تركيا ضالتها في دعم أي مساعي روسية للتخلص من الأسد لصالح أي شخصية أخرى من النظام السوري، وهو أمر قد تقبله تركيا وتدعمه بقوة.
فهذا السيناريو يمكن أن يعتبر بمثابة انتصار للمعارضة السورية وداعمتها تركيا، ويكون مبرراً ومدخلاً للحديث عن انتهاء المعارضة المسلحة بدعوى أن الثورة حققت أهدافها والحديث عن عهد جديد في سوريا تبسط فيه السلطة السورية سيطرتها على كامل الأراضي السورية وتفتح الباب أمام خروج القوات التركية وإنهاء خطر التنظيمات الإرهابية والانفصالية وعودة اللاجئين، وهي جميعها ملفات تسعى تركيا لتحقيقها منذ سنوات.
وكما يشكل الأسد عبئاً كبيراً على تركيا ويمنعها من القبول بأي حل للأزمة السورية في ظل بقاءه في السلطة، فإنه يشكل عبئاً مماثلاً على روسيا أيضاً التي تجد صعوبة بالغة جداً في إقناع المجتمع الدولي بالقبول بالنظام السوري مجدداً، وهو ما ستسعى تركيا على الأغلب إلى إيصاله إلى روسيا بأن التخلص من الأسد سيكون الحل الأمثل لتحقيق الأهداف المشتركة في إنهاء الأزمة في سوريا ودفع المجتمع الدولي للقبول بالسلطة الجديدة.
فعلى الصعيد الشخصي، لا يجد اردوغان أي طريقة لتقبل شخص الأسد أو الدخول معه في أي اتصالات سياسية جديدة على الإطلاق، وذلك بعد سنوات من اتهامه بارتكاب المجازر وقتل مليون مدني ووصفه بالمجرم والقاتل والتوعد سابقاً بالتخلص منه.
وعلى الصعيد الرسمي أيضاً بشكل عام، لا تتقبل الطبقة السياسة أي حلول تضمن بقاء الأسد وترفض الدخول في أي اتصالات معه، وظهر ذلك بشكل واضح طوال السنوات الماضية بعد ما حاولت روسيا إجبار تركيا على الدخول في مفاوضات مع الأسد في أكثر من مناسبة.
فإبان توقيع الاتفاقيات العسكرية والسياسية حول مستقبل الأوضاع في شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، وقبلها في عملية الجيش التركي في عفرين، وبعدها في التطورات والاتفاقيات الأخيرة حول إدلب، حاولت روسيا بكل قوتها ربط أي تفاهمات حول سوريا بالنظام والأسد بشكل مباشر، لكن تركيا قبلت ببعض الاتصالات على مستوى المخابرات فقط، قبل أن تؤكد على أن أي مباحثات واتفاقيات على أرضية الاتفاقيات التي تحكم العلاقة بين البلدين وأبرزها اتفاق أضنة، يمكن أن تتم من خلال روسيا كوسيط، وفشلت محاولات موسكو لجر أنقرة لحوار مباشر مع الأسد.
وللأسباب السابقة جميعها، يمكن لأنقرة أن تستغل الحاجة المشتركة لإنهاء الأزمة السورية، والقبول الدولي بالسلطة الجديدة، في تشجيع موسكو على التخلص من الأسد واستبداله ويمكن أن تطرح لها الكثير من الإغراءات المتعلقة بمساعدتها في الانسحاب العسكري من سوريا وإنهاء تسليح المعارضة المسلحة وتأمين الحدود والاعتراف بالسلطة الجديدة وترغيب المجتمع الدولي بالاعتراف بها، لكنها تبقى مهمة صعبة مع روسيا التي تمسكت بالأسد طوال السنوات الماضية.
————————
روسيا الحليف القديم الجديد للنظام السوري تنقلب عليه/ حسام محمد
أرسلت روسيا أقوى قواتها البرية والجوية إلى سوريا نهاية عام 2015 بهدف التصدي للثورة الشعبية التي ولدت في البلاد آذار/مارس عام 2011 لتدخل بحجة دعم شرعية النظام الحاكم في دمشق، متسلحة بالاتفاقيات المبرمة مع الدولة السورية، فأرسلت مرتزقة “فاغنر” لدعم جيش الأسد المتهالك آنذاك، ومنعت لمرات هزيمته في المحافل الدولية عبر استخدامها سلاح حق النقض الفيتو، فاستعاد جيشها محافظات ومدنا وبلدات من قبضة المعارضة السورية، وهجر وشرد مئات آلاف المدنيين، وتسبب بأزمة لجوء حادة حول العالم وخاصة في أوروبا والجوار السوري.
وكادت روسيا أن تنزلق إلى حرب مباشرة في فترات لاحقة مع تركيا الداعم الأول للمعارضة السورية المعتدلة، كل ذلك كان دعما للنظام السوري، فموسكو فعلت كل ذلك حفاظا على الحليف الحاكم في دمشق، وأعلنت في مناسبات عديدة بأنها الجهة التي منعت إسقاط نظام آل الأسد.
ولكن ما أن هدأت الجبهات العسكرية مع المعارضة السورية، بعد اتفاقيات أبرمتها وتركيا، وأخرى بمشاركة الإيرانيين، حتى انقلبت الآية، فباتت السهام الروسية تضرب حليف الأمس بشار الأسد ونظامه. انتقادات حادة ورسائل من كل حدب وصوب ضد كيانه، تارة عن الفساد المتغلغل في أروقة صنع القرار، وأخرى ترى أن الأسد تحول إلى عبء كبير على موسكو، وأنه يجرها إلى مستنقع أفغاني جديد، كما لم تخف ذلك الصحافة الروسية التي كانت المنصة الرئيسية للنيران المطلقة على النظام السوري وأزلامه.
التحول الروسي ضد النظام السوري، أصبح عنوان المرحلة الحالية، إلا أن بعض ساسة النظام السوري وضباط جيشه، سارعوا لصد الهجمات الروسية بتعليقات ووعيد وانتقادات للأسلحة الروسية، إلا أن الهجمات المضادة الصادرة عن دمشق، صبت في خانة الصدمة من الموقف الروسي وانقلابه وفق آراء ومحللين، في حين راح آخرون لاعتبار أن التهديدات التي أطلقها النظام، بحق روسيا وحكومة بوتين، لم تكن لتحصل لو لا وجود أصابع إيرانية في الخفاء، ليبقى السؤال الأهم اليوم، ما الذي فعله بشار الأسد حتى نال كل هذا الغضب الروسي؟
الانقلاب الروسي المفاجئ ضد النظام السوري، سبقته عدة عوامل ومواقف، لعل أبرزها، الزيارة غير المعلنة والخاطفة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق في 23 آذار/مارس الماضي، التقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد، في حين أن بعض التقارير المتداولة أشارت إلى رسائل قاسية أرسلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر وزير دفاعه للأسد، بضرورة الالتزام بالاتفاق المبرم بين روسيا وتركيا في 5 آذار/مارس، والابتعاد عن التحشيد المعادي لتركيا والمطالب بفتح حرب ضدها في شمال غرب البلاد.
وفي 27 من الشهر ذاته، أعلن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، عن إجراء اتصال هاتفي مع رئيس النظام السوري، تحت عنوان “التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار”.
بعد التطورات آنفة الذكر، بدأت سلسلة الانتقاد الروسي للنظام السوري، لتعنون وكالة “تاس” الروسية إحدى افتتاحياتها، “روسيا تعتقد أن الأسد لم يعد قادرا على قيادة البلاد بعد الآن، وأنه يجر موسكو نحو السيناريو الأفغاني” وبأنها تدرس خيارات أخرى بعيدا عن الأسد لحكم سوريا.
ثم تبعتها حملة إعلامية روسية، وصفت بـ “القاسية” تتهم الأسد وأركان نظامه بالفساد، تضمنت مقالات واستبيان رأي من طرف مؤسسات تابعة لمجموعة “فاغنر” التي تملك مقاتلين واستثمارات في سوريا، ومعروفة بقربها من بوتين، ثم جرى دعم تلك الحملة بمقالات حادة في صحيفة “برافدا” الرسمية وتحليلات على مواقع فكرية رصينة.
كما كانت إيران، حاضرة في الانتقاد الروسي، حيث أشارت وكالة “تاس” الروسية، إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية “ليست لديها مصلحة في تحقيق الاستقرار بالمنطقة، لأنها تعتبرها ساحة معركة ضد واشنطن”.
جوهر الخلافات
يمكن تلخيص جوهر الخلافات بين دمشق وموسكو، من وجهة نظر الباحث السياسي السوري عبد الرحمن عبّارة بأربع نقاط رئيسية:
– تهميش دور القيادة السورية في إطار التفاهمات السياسية والعسكرية التي تجريها موسكو مع العديد من الفاعلين المحليين والإقليميين.
– تزايد تدخل روسيا في الشؤون الداخلية السورية وصولا إلى فرض تعيين قيادات أمنية وعسكرية مقربة منها في مواقع قيادية حساسة.
– رغبة دمشق باستكمال تقدمها العسكري في إدلب الأمر الذي ترفضه روسيا مؤقتا، نظرا لأن اتفاق سوتشي الخاص بإدلب مع تركيا ما زال ساري المفعول وتم تجديد العمل به في آذار/مارس الماضي.
– عدم قدرة دمشق على تمويل المزيد من الأنشطة الروسية في سوريا والاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين لم تعد تفي بالمتطلبات الروسية.
ويبدو أن بشار الأسد، من وجهة نظر عبّارة، قد أدرك أخيرا بأن شهر العسل بينه وبين القيادة الروسية والذي دام لسنوات قد انتهى إلى غير رجعة، لذلك حاول في الأشهر الأخيرة أن يعيد الاعتبار لموقع الرئاسة من خلال رفض المقترحات الروسية فيما يخص إدلب وشرق الفرات، كما حاول الأسد، وبدعم دولة خليجية، تحريك جبهة إدلب والتحرش عسكريا بالقوات التركية المتواجدة فيها لقطع الطريق على محاولات أنقرة فرض أمر واقع جديد في إدلب لصالح قوات المعارضة السورية.
أما النقطة الأهم فهي إفلاس خزينة الدولة والفساد المستشري الذي لا يسمح بتعويض النقص الحاصل فيها، في مقابل عدم موافقة الأسد على تمويل الأنشطة الروسية في سوريا من أرصدة آل الأسد في الخارج، الأمر الذي دفع بموسكو إلى تحريك الإعلام الروسي وتوجيه رامي مخلوف للتحريض ضد بشار الأسد.
هجوم معاكس
دمشق التي من عادة نظامها “الاحتفاظ بحق الرد” أو أن رده “سيكون في المكان والزمن المناسبين” لم تحتمل الهجمات العلنية للحليف الروسي بحقها، فيما يبدو أن الضربات التي وجهتها نحو رأس النظام بشار الأسد، أجبرتها على الرد، ولعل الوجود الإيراني، جعل الانفعال في وجه الحليف الروسي أكثر جرأة، حيث خرج جيش النظام في انتقاد هو الأول من نوعه لمنظومات صواريخ إس-300 الروسية المتطورة، ليصفها أحد ضباطه بأنها “غير فعالة” وفق ما نقله عنه موقع “أفيا برو” الروسي.
وكذلك وجه النظام السوري، انتقادات لأنظمة دفاع جوي روسية أخرى كـ “بانتيسر-س” ورادارات، معتبرا أن هذه الأسلحة عاجزة أمام الضربات الإسرائيلية الدورية، واصفا هذه المنظومات بـ “الأسلحة المتخلفة”.
سياسيا، لم تكن انتقادات النظام السوري أقل حدة من العسكرية، حيث شن النائب في البرلمان المقاد من قبل حكومة الأسد خالد العبود، هجوما غير مسبوق ضد روسيا ورئيسها بوتين، وقال عبر حسابه في فيسبوك: “لو أنّ الرئيس الأسد أراد أن يقف في وجه بوتين، سرّاً أو علانيةً في سوريّا، ولو أنّ استخباراته أدت دورها لجهة ترحيل بوتين من سوريّا، ودفعها إياه إلى معركة لا تُبقي ولا تذر من انجازه، وانجاز روسيا، على ضفاف المتوسط، لما انتهى بوتين في سوريّا فقط، وإنّما لتمّ انحسار المدّ الروسيّ خلال العقد الأخير من عمر العالم والمنطقة، ولتمّ شطب اسم بوتين من التاريخ الروسيّ إلى أبد الآبدين”.
الأسد يعيش الألم
وذهب الباحث عبّارة، للاعتقاد أن خالد العبود في مقالته، لم يكتب حرفا واحدا ضد روسيا والرئيس بوتين، بدون توجيه وإملاء من الرئاسة السورية ومن بشار الأسد تحديدا؛ مقالة تعكس حال الألم والخوف لدى بشار الأسد جراء ما يتعرض له من تهميش، وإذلال من المسؤولين الروس وصولا إلى التحريض عليه في الإعلام، فالأسد يدرك جيدا أن طريقة تعاطي الكرملين معه سوف تأخذ منحى مختلفا في الأيام المقبلة، خصوصا بعد ظهور ابن خاله رامي مخلوف بمقطعين مصورين وما يتضمنانه من دلالات عديدة.
وقال عبّارة لـ “القدس العربي”: “مقالة خالد عبود، والبيان الذي وجهته نحو (300) شخصية مقربة من الأسد إلى القيادة الروسية، رفضا لحملة التحريض على بشار الأسد في الإعلام الروسي، يعتبران دليلا آخر على إفلاس النظام السوري في حل مشاكله مع موسكو وفق الأطر الدبلوماسية، ودليلا على أن خطوط التواصل بين الجانبين قد أصبحت في حدودها الدنيا، والأهم أن النظام السوري بات على مفترق طرق إما التبعية الكاملة لموسكو أو المواجهة، وفي الحالتين سيخرج خاسرا”.
روسيا وتبرئة الذات
المعارض السياسي السوري كمال اللبواني، يرى أن الغضب الروسي ناجم عن الصداع وحال التعب التي عادت عليهم بسبب دعمهم لبشار الأسد الذي يجيد “الكذب والتلاعب” حتى وصلت موسكو إلى مرحلة الاختناق من هذا الوضع المزري.
وقال اللبواني لـ “القدس العربي”: “بشار الأسد، شخصية جبانة وهزيلة، ونظامه لا يريد السير في طريق يؤدي إلى التغيير، وهنا تلعب الضغوط الغربية على الجانب الروسي، دورها في زيادة غضبه على الأسد غير المستعد لتقديم أي تنازل يخفف الضغوط عن موسكو.
وذلك أيضا بسبب الداعم الإيراني الذي يشد من أزر الأسد ليقاوم أي تغيير، وهنا لا نقول بسبب الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، لأن الروسي يعلم بها، بل كان شريكا فيها، لكن فقط الاتجاه نحو محاسبة النظام عليها يجعله ميالا للمبالغة في إظهار كراهيته للأسد كنوع من تبرئة الذات”.
روسيا والبلطجة
العلاقة بين روسيا والنظام السوري، لا تقوم وفق قراءة المحلل السياسي السوري أحمد الهواس، على مبدأ التوازن في العلاقات الدولية بين غازٍ لا شرعي جاء بطلب نظام لا شرعي، كان في واقعه تكليف من قبل أمريكا بعد أن عجزت إيران وحلفاؤها عن هزيمة الثورة السورية.
فكان تعطيل مجلس الأمن بالفيتو الروسي، وهو أمريكي في حقيقته، فلو أرادت أمريكا التخلص منه لنقلت الملف للجمعية العمومية للأمم المتحدة، تحت بند الاجتماع من أجل السلم، ولكنها أرادت بقاء الاعتراف القانوني والسياسي للنظام اللاشرعي في سوريا، رغم تأسيس الإئتلاف واعتراف 125 دولة به لكنه اعتراف منقوص لا قيمة له، ليأتي الاحتلال الروسي، بطلب من نظام سقط بالشرعية الثورية كون الشعب هو مصدر السلطات.
ما يحصل حاليًا، وفق ما قاله الهواس لـ “القدس العربي”: “ثمة أسباب تدفع بالروس إلى تكرار الإهانات التي أعتادت أن تكيلها لهذا النظام، ومنها أن روسيا دولة تمارس بلطجة خارج القانون الدولي، وقد جاءت بدعم عربي ولاسيما الإمارات، وتراجع أسعار النفط أدّى لأزمة مالية إماراتية ما قلل الدعم أو ربما توقف.
وفي مجال الطاقة، أيضًا فإن انهيار أسعار النفط أدّى لمشكلات كبيرة في الاقتصاد الروسي بسبب أن سعر برميل النفط أقل من تكلفة استخراجه في روسيا، ما أدّى لضغوط على رأس النظام من أجل تسديد فواتير الحرب المكلفة، وهذا ما أدّى لوضع اليد من قبل النظام على أموال مخلوف”.
ويرى الهواس، أن الأسد أدّى المهمة على أكمل وجه بتدمير سوريا وتهجير الملايين وجعل سوريا دولة فاشلة مهددة بالتشظي بعد التقسيم المجتمعي الذي نالها، ولم تعد تشكل أي خطر في المستقبل على إسرائيل وهي المعادلة التي دفع الشعب الثائر ثمنها، في البديل عن نظام يحمي إسرائيل، بجعل سوريا مقسمة اجتماعيا، وأن تنتهي لتحالف الأقليات، ولذا لابدّ من إعادة إنتاج النظام بخداع استراتيجي، ويكون ذلك بتحالف الأقليات – الكانتونات المجتمعية على غرار قسد – ونصف نظام ونصف معارضة، والبحث عن رأس جديد، وتبقى روسيا أداة هدم، فالبناء القادم لشركات عابرة للقومية بإشراف أمريكي للسيطرة على الثروات السورية.
ماذا تفضل روسيا؟
يبدو أنّ روسيا، وفق دراسة أعدها مركز “جسور” تُفضّل تماسك النظام السوري وشبكاته الاجتماعية والسياسية، لكن في حال عدم قدرتها على فرض سياسات موحدة فإنّها غالباً ما تستفيد من هذا التنافس الداخلي عبر إدارة الأزمة وفرض مزيد من التحكّم على رأس السلطة عبر زعزعة ثقته بطبيعة العلاقة معها.
في حين أن روسيا لديها خشية ومخاوف من عدم قدرة بشار الأسد على الحفاظ على شبكة الأمان الاجتماعي والسياسي التي أسّسها النظام على مدار العقود الخمسة الماضية؛ بسبب تنامي التنافس واستمراره بشكل حاد مع الطبقة السياسية والاقتصادية الجديدة في الطائفة العلوية، وبسبب سلوكه في التعامل مع شبكة المحسوبية، ما قد ينعكس على استقرار النظام السياسي ويدفع نحو توسيع الفجوة الأمنية في مناطق سيطرته.
كما توجد شكوك روسية إزاء التزام النظام السوري بمذكرة موسكو 2020 وفق المسار الذي تريده، وبالتالي فإن أي انزلاق للخروقات نحو استئناف العمليات القتالية قد يعرّض جهودها للخطر، وقد يكون النظام في هذا الصدد يستند إلى هامش التنافس بين روسيا وإيران غير الراضية أو المشكّكة من اتفاق وقف إطلاق النار والجدوى منه.
الباحث عبد الرحمن عبّارة، قال في مضمون تصريحاته لـ “القدس العربي”: “إيران، تريد بالدرجة الأولى الحفاظ على مكاسبها في سوريا، وإبعاد شبح التهديدات الأمريكية الإسرائيلية، والنظام السوري بات اليوم في أضعف حالاته، ولم يعد يستطيع حماية نفسه فضلا عن حماية مكتسبات شركائه الإيرانيين.
بالتالي فلن يكون بمقدور طهران الوقوف أمام روسيا فيما لو قررت الأخيرة إزاحة الأسد عن كامل المشهد السوري، لكنها ستحاول جاهدة تأخير هذه اللحظة ما أمكن، مع عدم تجاهل أن إزاحة الأسد ليس قرارا روسيا فحسب، بل هو توافق روسي أمريكي إسرائيلي، وروسيا لن تفرط بورقة الأسد بأبخس الأثمان، وحتى ذلك الوقت لن تسمح له بالمشاركة بعد الآن كرئيس للدولة السورية”.
القدس العربي
————————
أصوات الإعلام وأصوات السياسة بين قصر الشعب والكرملين/ كامل صقر
دمشق-“القدس العربي”: تبدو الأجواء الإعلامية غير الرسمية ملبّدة وغائمة بين دمشق وموسكو، وتعكس بالحد الأدنى نوعاً من العتب والزعل السوري من الطرف الروسي الذي ترك المجال لجزء واسع من الماكينة الإعلامية الروسية تتحدث عن موقف الكرملين من القيادة السورية وطبيعة ما سمته تلك الماكينة بالانزعاج الروسي من تصرفات الحكومة السورية لجهة المسار السياسي أو لجهة إدارة الشأن الداخلي السوري ومعيشة السوريين.
الوجود الروسي مرتبط بوجود الأسد
الأجواء الغائمة تلك ظهرت في مقالات وتعليقات لشخصيات سورية عديدة، لدى بعضها مكانة ما داخل سوريا. كما تسببت المقالات الإعلامية الروسية بسجال في أوساط النخبة السورية، جرى بعضها بين مسؤولين في نظام الحكم السوري، كالذي حصل عندما كتب أمين سر البرلمان السوري خالد العبود مقالتين هجوميتين على روسيا والرئيس بوتين وردّ عليه عضو القيادة المركزية لحزب البعث الحاكم في سوريا مهدي دخل الله.
كما شن زملاء العبود في البرلمان هجوماً عليه، إلى درجة ان أحد البرلمانيين وصفه بالفرزدق وبجنرال التلفزيونات. فيما كتب القيادي البعثي مهدي دخل الله مقالاً بعنوان: “من الدوائر والمربعات إلى الخفر والمطبات” ردّاً على العبود قال فيه أن النائب خالد عبود نجح في تعويم اسمه بقوة في وسائل الإعلام.
قبل الخوض أكثر في هذا الملف المستجد بين دمشق وموسكو، ثمة ملاحظة يمكن التوقف عندها تتعلق بقول العبود في إحدى مقالاته أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم هو الضمانة الوحيدة لاستمرار الوجود الروسي في سوريا. يرى مراقبون انه ربما تكون هذه العبارة هي لسان حال السلطة السورية وليس فقط لسان حال العبود.
السلطة السورية التي لم ينفِ أيٌ من مسؤوليها ما روّج له جزء من الإعلام الروسي عن خلاف بين دمشق وموسكو، في حين نفى الناطق باسم الكرملين تقاريرَ الإعلام الروسي عن وجود أي خلاف.
طلبات سوريا من الوزير لافروف
ليس هذا فحسب، بل أن الأمر تطور إلى أن تُصدِر مجموعة من الإعلاميين والسياسيين السوريين السابقين وعلى رأسهم اللواء بهجت سليمان السفير السوري السابق في الأردن ونضال قبلان السفير السوري السابق في أنقرة بياناً يوم الخميس 14 أيار/مايو وجّهوه لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يطلبون فيه من الوزير اتخاذ ما يلزم لمنع “تكرار الأخطاء المهنية المؤذية والإساءات المتكررة” للعلاقة بين دمشق وموسكو. وجاء في البيان ان “ما تم نشره وبثه على بعض المواقع والمنابر الرسمية الروسية أدى إلى تأليب قطاع واسع من الشارعين العربي والروسي وإثارة توترات وردود ومهاترات نحن جميعا في غنى عنها، وحرف البوصلة عن حربنا المشتركة ضد الإرهاب والمخططات الغربية التي تستهدفنا معاً”.
وقال الموقّعون على البيان في خطابهم للوزير لافروف: نلفت نظركم إلى بعض الإساءات والافتراءات الموثّقة التي وردت على عدد من وسائل الإعلام الروسية في الآونة الأخيرة، وسببت امتعاضا وتجييشا في الشارع السوري باستهداف شخص السيد الرئيس بشار الأسد والإساءة إليه سيّما في ما جاء في حلقتين من برنامج (قصارى القول) على RT العربية استضاف فيهما الصحافي سلام مسافر، شخصا يتباهى بدعمه للجماعات المسلحة منذ 10سنوات (فراس طلاس) وبحقه مذكرات تتهمه بدعمه للإرهاب في أكثر من دولة”.
روسيا العسكرية والسياسية
تكشف شخصية سورية متابِعة لملف العلاقة بين دمشق وموسكو عن تمايزات نسبية قد تكون موجودة بين المؤسستين العسكرية والسياسية في موسكو حيال العلاقة مع السلطة السورية. تقول تلك الشخصية إن المؤسسة العسكرية وكبار القادة العسكريين الروس قريبون جداً في موقفهم من سلطات دمشق وهم الأكثر تشدُّدَاً في الذهاب في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، وإن المؤسسة العسكرية الروسية متمسكة بمسألة أن يستعيد الأسد السيطرة على كامل الجغرافيا السورية وأن تلك المؤسسة ترى أن أي مفاوضات أو اتفاقات سواء مع دول إقليمية فاعلة في الحرب السورية كتركيا أو مع فصائل مسلحة هي تفاهمات مرحلية تكتيكية والهدف منها فقط استعادة المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية.
وتُضيف تلك الشخصية لـ”القدس العربي” أن المؤسسة السياسية تبدو أقل تشدداً من العسكرية في الدعم المطلق للرئيس الأسد، وهي ترى أنه لابد من إصلاحات سياسية ولو بسيطة في سوريا، بحيث تسمح تلك الإصلاحات لروسيا بأن تواجه من خلالها دول العالم بأن الدعم الروسي لم يكن فقط للحفاظ على حكم الأسد وإنما لتحقيق الاستقرار والإصلاح في سوريا.
وتضيف تلك الشخصية بأن تأثير المؤسسة الاقتصادية الروسية يبدو محدوداً في سياق العلاقة بين دمشق وموسكو نظراً لكون سوريا ليست دولة يمكن أن تشكل بالنسبة لروسيا مطمعا اقتصاديا بقدر ما تشكل لها هدفاً استراتيجياً من الناحية السياسية والعسكرية.
حتى أن الرئيس السوري في أحد لقاءاته غير المنشورة على وسائل الإعلام مع مجموعة من المحللين السياسيين السوريين في قصر الروضة بدمشق في أيار/مايو من العام 2019 كشف لهم أن هناك تيارات داخل روسيا وانه يتفهم تلك التيارات وتعدُّدها تجاه العلاقة مع دمشق لكنه جزم حينها بأن موقف الكرملين عميق ومحدَّد وثابت.
يرى بعض الخبراء داخل سوريا أن الهجوم الإعلامي الروسي على القيادة السورية يحمل فيما يحمله أسباباً اقتصادية تتعلق بتأخير مقصود أو غير مقصود من قبل الحكومة السورية لأعمال وعقود لشركات روسية تعمل في مجال الطاقة كان من المفترض ان تباشر عملها منذ العام 2019 لكنها تأخرت بسبب الروتين والفساد داخل المؤسسات السورية، حتى أن نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف زار سوريا أواخر العام الماضي ليومين والتقى الأسد حينها بدمشق.
بعض الأجنحة داخل المؤسسة السياسية الروسية بدأت تصف الحرب الدائرة في سوريا بأنها تشكِّل إلى حد ما حرباً أهلية يجب ان تنتهي بحل سياسي وليس فقط عبر العمليات العسكرية وانتصار القوات الحكومية. هذه الأجنحة تميل إلى فكرة أنه بات من الضروري أن تتحقق على الأرض بعض بنود القرار حتى تصدِّر روسيا للعالم بأنها حققت أمراً على الأرض لصالح الجانب السياسي.
الوجود الإيراني والدستور السوري
هما نقطتان رئيسيتان في المشكلة بين دمشق وبعض الأجنحة في المؤسسة السياسية الروسية: الأولى هي عدم حصول أي تقدم في المسار السياسي وتحديداً في مسألة الدستور واللجنة الدستورية وعدم وجود بوادر للتقدم في هذا المجال، أما الثانية فهي مسألة الوجود العسكري الإيراني وعدم تقليص هذا الوجود بل على العكس زيادة هذا الوجود داخل سوريا.
عند حصول التسوية السياسية في المنطقة الجنوبية من سوريا، أي في القنيطرة ودرعا صيف العام 2018 والتي أتاحت استعادة القوات الحكومية سيطرتها على المنطقة وخروج التنظيمات والمعارضة المسلحة منها، كان شرط إبعاد العسكريين الإيرانيين من المنطقة الجنوبية حاضراً من قبل الإسرائيليين لكي يسمحوا للروس بإنضاج وإتمام تلك الصفقة، لكن الإسرائيليين أبلغوا الروس لاحقاً أن الخبراء العسكريين الإيرانيين ما زالوا حتى الآن ينشطون في ريف دمشق الجنوبي الغربي وجزء من ريف القنيطرة، وأن الروس بالتالي لم يفوا بالتزاماتهم تجاه تل أبيب وهذا الأمر أزعج الروس على الأغلب.
إدلب وتركيا
ليست دمشق راضية عن مُخرجات ونتائج اتفاق سوتشي الذي وقّعه الرئيسان الروسي والتركي بوتين واردوغان بخصوص محافظة إدلب شمال غرب سوريا في خريف عام 2018. وترى دمشق أن هذا الاتفاق يجب أن يكون قد انتهى به المطاف لأن تستعيد القوات الحكومية سيطرتها على إدلب، وتعتقد دمشق أن أنقرة استدرجت موسكو ليكون هذا الاتفاق حالة أمر واقع تستمر إلى حين التوصل لاتفاق سياسي وهذا أمر غير مريح بالنسبة لدمشق، يُضاف إلى ذلك أن الجيش التركي استطاع طوال الفترة الماضية منذ توقيع اتفاق إدلب توسيع انتشاره في الشمال الغربي السوري ونشر عشرات النقاط العسكرية هناك حتى وصلت بعض النقاط إلى ريف جسر الشغور غير بعيدة عن محافظة اللاذقية الساحلية.
لا بديل عن الأسد
وسط كل تلك التفاصيل، ثمة حقائق يتم تداولها هنا في العاصمة السورية دمشق مَفادُها أن العلاقة بين الكرملين وقصر الشعب عميقة ومعقدة إلى درجة كبيرة وأن ثمة خلافات بين دمشق وموسكو حول جملة من التفاصيل المهمة، لكن في العمق ثمة توافق تام لم يتغير بأن موسكو ترى أنه لا بديل عن الأسد لحُكم سوريا. وثمة حقيقة خطيرة جداً وهي أن موسكو حتى لو فكرت بأنه يجب على الأسد أن يرحل في وقت ما، فإنه لا يمكنها أن تتجاوز إيران وحزب الله في هذه القضية، لا بل أنها لا تستطيع اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه من دون موافقة وقبول إيران وحزب الله.
القدس العربي
———————-
رامي مخلوف وخفايا النظام السوري/ ماهين شيخاني
ما يجري هذه الأيام داخل النظام السوري، وظهور الفيديوهات لأحد أركان النظام، إذ لم نقل لدينمو النظام ومموّله الأساسي، رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، وما لاحقه من اعتقالات وملاحقات لموظفيه، وشبيحته، حيث من الطبيعي أن ينشغل السوريون بهذه الأوضاع، وبما يجري من تصدّع داخل النظام وعائلاته الثلاث المتحكّمة برقاب البشر والحجر، الناهبة لخيرات البلاد منذ عقود، والمسؤولة فعليّاً عن كل الجرائم المقترفة بحقّ هذا الشعب.
فالسورييون، معارضون وموالون، يتابعون أخبار هذا الزلزال _حسب شدّته_ فمنهم من يعتقد أنّه مجرّد مسرحيّة لترتيب أوضاعهم المستقبليّة بالنسبة للمحاكم التي ربما تستيقظ ضمائر الدول، وتلاحقهم قضائيّاً عن الجرائم التي اقترفوها بحق شعبهم. فمؤكّد أنّ العديد من اللجان الحقوقيّة والإنسانيّة تتابع جاهدة عملها لدخولهم في قفص محكمة “لاهاي” الدوليّة ، فالأخبار متواترة بشأن مايشبه الصراع الداخلي بالأوساط الحاكمة وبين (الثالوث الوحشي) آل مخلوف وآل الأسد وعائلة الأخرس، هذا من حيث الشكل الظاهر لتسلسل الاحداث، ومن المؤكد أنّ هذه العائلات الثلاث تشكّل إحدى أهمّ قواعد نظام الاستبداد العسكريّة الأمنية الضاربة، والاقتصاديّة الممولة لعمليّات الإبادة والتدمير منذ اندلاع الثورة السوريّة الوطنيّة بكافة أطيافها قبل تسعة أعوام.
وهذا الاعتقاد السائد، يأتي من تجربة سابقة، ببداية الثمانينات بين الأسد الأب والأسد العم، بأنّ مايحصل مجرّد مسرحية أو تكتيك مدروس، وتوزيع للأدوار أو إعادة هيكلة شبيهة بما حصل في عهد الدكتاتور الأب والتي ظهرت بمسرحية “رفعت الأسد” وبعض مؤيديه، حيث كانوا من نخبة نظام الأسد وحرّاسه المؤتمن عليهم، وهناك من يختلف بهذا الاعتقاد، ويرى أنّ مايجري مشهد من صراع حقيقي له صلة مباشرة بدنوّ أجل انهيار النظام وبالتدابير الدوليّة لإيجاد بديل لرأس النظام ويستقون الأدلّة من التصريحات الروسيّة الأخيرة، ومن المقابلة الصحفيّة الأخيرة أيضا لممثل التحالف الدولي بسوريا،جيمس جفري.
ومن المدهش أن تتفق روسيا وتركيا وإيران بالإطاحة برئيس النظام السوري، فهذا المشهد من الصراع لا يوحي بأنّ أي طرف فيه، يسعى إلى خير السوريين، وحتى التشابك الإقليمي والدولي مع المشهد ليس بوارد إيجاد بديل ديموقراطي لنظام الاستبداد، بل يدور في إطار إدارة الأزمة السوريّة، والسقف المرسوم لايتعدّى التبديل الشكلي من رأس الى رأس آخر، قد يكون أكثر سوءاً أو مماثلاً للرأس الحالي.
حيث يقول السياسي الكوردي المخضرم الأستاذ صلاح بدر الدين: ((نحن لانعاتب القوى الإقليمية والدولية المعنيّة بالملف السوري من محتلّين ومتفرّجين، عندما يفسّرون مايجري ببلادنا بحسب رؤاهم وقناعاتهم المتوافقة مع مصالح نفوذهم، فالكلّ تقريباً يبتعدون عن التقييم الحقيقي والموضوعي ولا يتعدّون القشور، فروسيا المحتلة، الأكثر إجراماً بحقّ السوريين، تبحث عن بديل من نفس طائفة رأس النظام لتحافظ على مصالحها وتقطع الطريق على أي تطوّر لصالح السوريين، وأمريكا المحتلّة ترغب في الحفاظ على الأمر الواقع، وتركيا المحتلّة تبحث عن مصالحها وأمنها القومي، وإيران المحتلّة تخطّط لتغيير التركيب المذهبي وتبديل وجه سوريا، أما النظام العربي الرسمي وخصوصاً (مصر والامارات والجزائر)، فحريص جداً على الحفاظ على هذا النظام وعدم إفساح المجال للسوريين بتقرير مصيرهم)).
كما ويقول: ((مشكلتنا نحن سوريو الثورة والمعارضة، مازلنا نعيش في حالة الضياع والصدمة والتشتّت، ونسير كالقطيع أسرى لما يدّعيه الآخرون بشأن مايجري في بلادنا فننشغل بالنقل ونتسابق في نشر تفاصيل عن “سيريتيل”، وشركات آل الأسد وآل مخلوف وعائلة الأخرس، وننسى أو نتناسى أنّ مايحصل الآن هو نتيجة ثورة السوريين ودماء شهدائهم وماقدموه من تضحيات ضدّ هذا النظام الجائر، ننسى أنّه علينا أن نستثمر اللحظة الراهنة لإحياء مبادئ ثورتنا ولانترك الساحة للمحتلين وللنظام العربي الرسمي الموبوء بفايروسات الاستبداد والجهالة والدكتاتورية والمتاجرة بأرواحنا، نعم، نحن السوريون أمام هذا التحدّي المصيري.
قد يقول قائل، إنّ العامل الذاتي ضعيف أو معدوم وبالتالي لايمكن الاعتماد عليه، وأقول هذا صحيح ولكن إحياء هذا العامل ليس مستحيلاً حتّى لو أخذ وقتاً، والسبيل الى ذلك هو إعادة بناء الحركة الوطنيّة السوريّة، والعودة الى الشعب، وتنظيم وتعبئة الطاقات، من خلال المؤتمر الوطني السوري الجامع، لكلّ المكونات والتيارات السياسيّة والأطياف المؤمنة بالتغيير الديموقراطي والشراكة والعيش المشترك في ظلّ سوريا التعدديّة الجديدة)). والقضية تحتاج إلى نقاش.
ماهين شيخاني
—————-
التنافس الروسي _ الإيراني” وإعادة تشكيل المشهد السوري/ د. خطار أبو دياب
تدخل المحنة السورية عامها العاشر ويستمر الصراع المتعدد الأقطاب والأبعاد. ويبدأ الفرز في ” تصفية الحروب السورية” بين مختلف اللاعبين ليس فقط ضمن المحاور المتقابلة، بل أيضاً ضمن المحور الواحد وهذا ما ينطبق عليه الوضع بين روسيا وإيران خاصة منذ التداعيات الإقليمية للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو 2018 . وفي مطلق الأحوال، تعلمنا التجارب التاريخية صعوبة التعايش بين قوتين خارجيتين محتلتين أو متحكمتين في مكان واحد. وبرزت في الفترة الأخيرة مواقف توحي بالتباعد أكثر فأكثر بين الجانبين، ويتضح أن روسيا وإيران لا تتفقان على الرأي حيال عدد من المسائل الأساسية: مصير الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة، وتركيبة سوريا ما بعد الحرب، ودور الأكراد. وبالرغم من الانسحاب الجزئي الإيراني بداية مايو الحالي فإنه لا يمثل تغييراً إستراتيجياً، ولذا خلافاً لما يعتقد كثيرون، تجد روسيا نفسها في وضع لا يمكنها بموجبه السيطرة على تصرفات إيران في سورية. وكل رهان على فصل المنظومة الأسدية عن إيران يبدو وهماً لا طائل تحته، لأن العلاقة بين الطرفين تشبه ” التوأم السيامي”. ولذا سيكون التجاذب الخفي الروسي – الإيراني عاملاً مؤثراً في بلورة إعادة تشكيل المشهد السوري.
من أجل الإحاطة بتطور علاقة العمل الروسية – الإيرانية التنسيقية والتنافسية في أن واحد على الساحة السورية، لا بد من العودة لثوابت الطرفين منذ بدايات الأزمة السورية حيث تدخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بزخم وفق مقاربتها للنظام القائم ( الحليف منذ حرب العراق – إيران والشريك المقرب منذ تسلم بشار الأسد مقاليد الحكم في العام 2000) الذي تعتبره ” جوهرة تاج المشروع الإمبراطوري الإيراني” وممره الإلزامي نحو البحر الأبيض المتوسط ولبنان موئل “حزب الله” أبرز منفذي السياسة الإيرانية في الإقليم. وهذه الأساسيات تدلل على الصلة الملتصقة وإصرار طهران على دعم نظام الأسد بكل الأساليب السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية. أما اهتمام موسكو بالساحة السورية وموقعها الإستراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي قلب العالم العربي فيعود إلى الحقبة السوفياتية ، وبقي الوجود العسكري هناك من آثار مرحلة الحرب الباردة. وفي هذا السياق الإستراتيجي التاريخي تعاملت موسكو مع الحدث السوري ، وكان العامل الثاني رفض نظرية تغيير الأنظمة تحت غطاء التمسك ب ” الشرعية الدولية” وكان ” الربيع العربي” واحتمالات تصديره ونجاح التيارات الإسلامية ( تبعاً لحرب الشيشان) من عناصر الخشية الروسية . وإذ يربط كثير من المراقبين والعارفين التدخل الروسي الواسع والمكثف أواخر صيف 2015 بطلب من الجنرال قاسم سليماني بعد تعذر إنقاذ النظام السوري من دون القوة الجوية الروسية، لكن المطلعين في موسكو يميلون إلى أن القرار الروسي سهلته إسرائيل وباركته، وتغاضت عنه إدارة باراك أوباما. وطوال فترة إمساكه العملي بالملف الروسي، اعتمد “القيصر الجديد” على التحكم النسبي بإدارة الصراع وذلك عبر إدارة تقاطعات من خلال تنسيق إستراتيجي مع إيران التي لعبت مع ميليشياتها دور القوة البرية للقوة الجوية الروسية، وكذلك من خلال علاقة عمل مع تركيا بعد تجاوز إسقاط مقاتلة روسية أواخر 2015 واحتواء حركة أنقرة بالتزامن مع اسقاط حلب أواخر 2016 ، والتنسيق الإستراتيجي الثالث كان مع إسرائيل التي لم تتعارض مصالحها في العمق مع الدور الروسي.
بيد أنه منذ سبتمبر 2018 ( تاريخ سقوط طائرة روسية بنيران الدفاع الجوي السوري إثر غارة إسرائيلية ) أخذت التحديات تتعاظم أمام المهمة الروسية في مرحلة تصفية الحروب السورية، ووجدت روسيا نفسها في الوسط بين إيران وإسرائيل ولذا تبذل جهداً مضاعفاً لتجنب حصول مواجهة مباشرة بين الجانبين على الساحة السورية وما تحملها من تهديد للمكاسب الروسية. وبالرغم من رهان على ترتيب يؤدي إلى سحب الوجود العسكري لإيران وحلفائها من الجنوب السوري، تبين أن المسألة أكثر تعقيداً وتتصل بالنفوذ الإيراني في كل سوريا ومستقبل الوضع فيها وبمجمل التوازن الإقليمي.
وبرزت تطورات في الأسابيع الأخيرة تشي بتحولات يمكن أن تغير الوضع القائم، وأهمها انسحاب الحرس الثوري الإيراني وإخلائه بعض قواعده بعد تكثيف الغارات الإسرائيلية، وكذلك تسجيل تجاذب روسي مع النظام السوري على خلفية ” السجال الإعلامي” عن بعد بين وسائل إعلام روسية وموالين أسديين، وترافق ذلك مع خروج خلاف بين بشار الأسد وقريبه رامي مخلوف إلى العلن واحتمال وجود بعد خارجي له. ولا يمكن التقليل من انعكاسات الحراك الإيراني وسعي طهران للتأقلم مع الضغوط، وكذلك يمكن ربط الانتقادات الروسية غير الرسمية والتنازع ضمن الحلقة الأولى للنظام بترتيبات تتسارع بلورتها بالتزامن مع تناغم موضعي بين روسيا وتركيا في الشمال السوري، وقبل استخدام واشنطن لورقة ” قانون قيصر” الذي يدخل حيز التطبيق ،أوائل يونيو، لمنع أي تصور لمستقبل الحكم في سوريا مع بقاء رأس المنظومة متربعاً على عرش قصر المهاجرين، وضمن هذا السباق مع عقارب الساعة تأتي الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر القادم وموعد ” الانتخابات الرئاسية السورية” في العام 2021 . وهذه المواعيد تعجل بتحديد كل فريق لخياراته ومواقفه.
ولفت النظر في 11 مايو الجاري ، نفي طهران وجود أي خطط جرى بحثها مع موسكو وأنقرة عبر مسار أستانة تقضي بتحييد نظام الرئيس بشار الأسد .ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) عن المتحدث باسم وزارة الخارجية سيد عباس موسوي قوله أن “الأخبار المتداولة حول رسم مستقبل سوريا عبر مسار أستانة لا تعكس الحقيقة”. وأكد موسوي، أن “إدارة طهران تقف دائما بجانب الدولة السورية وشعبها”. وكانت وسائل إعلام روسية قد ذكرت مؤخراً، أن موسكو وأنقرة وطهران تخطط لتشكيل حكومة مؤقتة في سوريا. ومن الواضح ان النظام يلعب على العلاقات بين روسيا وإيران للتهرب من العملية السياسية وتطبيق القرار 2254 ، لكن ذلك لن يخدم مصالح موسكو لجهة تطبيع الوضع وإعادة الاعمار بمشاركة غربية، ويمكن للقيادة الروسية التفكير ببدائل وسطية أو من داخل المنظمة نفسها وهذا لا يطمئن إيران المصرة على الدفاع عن التركيبة الأسدية ويزداد قلقها لأنه يوجد قبول أميركي_ أوروبي _ عربي برعاية روسية للوضع السوري شريطة استبعاد النفوذ الإيراني. وبما أن الوجود الإيراني المباشر أو غير المباشر هو المستهدف تراهن طهران على أن زحزحتها من سوريا غير ممكن من دون حرب وليس هناك من هو على استعداد للقيامبذلك ولذا ستستمر بمناوراتها للاحتفاظ بموقع قوي ضمن مناطق النظام لكن ليس تحت العباءة الروسية، مع قبولها عمليا بمناطق نفوذ أخرى تلعب فيها تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل أدواراً مباشرة وغير مباشرة.
هكذا لا ينحصر التنافس الروسي – الإيراني على منع إيران من الاستحواذ على مرفأ قي الساحل السوري الحيوي بالنسبة للوجود الروسي أو في الاستثمارات والتغلغل داخل البنية السورية، بل يتصل بالهدف النهائي للتنسيق إذ تريد روسيا الوصول لبناء دولة اتحادية مستقرة وتضمن مصالحها، بينما تود طهران تكريس بقاء سوريا في النادي الإيراني حيث تتلاشى الدولة أمام منطق الهياكل الموازية خدمة للمشروع الإمبراطوري. باختصار سيشتد التنافس ويغيب التنسيق بين الطرفين بانتظار متغيرات حاسمة. واذا قرر القيصر الروسي أن يبقى ملك اللعبة على رقعة الشطرنج السورية، لن يكون من السهل عليه إبعاد إيران عن الغنيمة السورية بعد كل هذا الاستثمار وستكون موسكو محرجة أكثر فأكثر في تحريك أحجار الشطرنج بين إسرائيل وإيران وواشنطن وأنقرة.
بروكار برس
————————–
العقدة الروسية المستدامة/ حسين عبد العزيز
الحرب امتداد للسياسة وإن بوسائل أخرى، وبالتالي لا يوجد حرب لأجل الحرب، وإنما لتحقيق أهداف سياسية، وإذا ما فشلت الحرب في تحقيق هذه الأهداف، فإن الجغرافية العسكرية ستتحول إلى عبء استراتيجي، وفي هذه الحالة لن يكون أمام صناع القرار سوى حلين:
الأول، الهروب نحو مزيد من الحروب الفرعية بين الفينة والأخرى على أمل إحداث تغيير في الخارطة العسكرية من شأنه أن يخلخل موازين القوى القائمة، وبالتالي تحصيل مكتسبات سياسية، وإن كانت جزئية.
الثاني، إبقاء الستاتيكو الاستراتيجي على ما هو عليه بانتظار حدوث متغيرات في فضاء الصراع يسمح لصناع القرار باستثمار سياسي جزئي لما تم إنجازه عسكرياً، بمعنى ترك الوضع العسكري والسياسي على ما هو عليه، بانتظار حدوث متغيرات في الجانب الأخر.
لكن كلا الحلين مكلفين على الصعيد الاستراتيجي، لأنهما لا يتناسبان طرداً مع الانتصار العسكري:
فعلا أقدمت روسيا خلال العامين الماضيين على شن ثلاث عمليات عسكرية في منطقة إدلب، كخاصرة رخوة يمكن من خلالها إحداث تغير جزئي في موازين القوة يسمح لها بتحريك المياه السياسية الراكدة، لكن هذه الحروب اصطدمت أخيراً بالحليف التركي، ووجد الروس أنفسهم أمام خيارين، إما خسارة إدلب وكسب تركيا، أو خسارة تركيا وكسب إدلب، وعليه ترك الروس هذا الملف إلى أجل غير مسمى، طالما أن ثمن تحريكه يفوق بكثير المكاسب التي يمكن تحصيلها.
بالمقابل، قبلت روسيا بحالة الستاتيكو العسكري في الشمال الشرقي من البلاد كأمر واقع، وتراخت في تحريك الملف السياسي بما يستجيب للتفاهمات الروسية ـ الأمريكية.
لكن الروس أدركوا مؤخراً أن حالة الستاتيكو هذه لا تخدمهم، بل على العكس تضرهم كثيراً، لأنهم غير قادرين على البقاء لسنوات طويلة على هذا الوضع، مع ما يحمله ذلك من أثمان اقتصادية واستراتيجية على الصعيد الروسي الداخلي وعلى صعيد العلاقة مع الغرب.
المعادلة الاستراتيجية تقوم على التالي: لا بد من حل سياسي ما للحيلولة دون خسارة روسيا لانتصاراتها العسكرية وربما لوجودها العسكري برمته في سورية، وهذا أمر يصطدم بالنظام وإيران اللذين يدركان أن أي تسوية سياسية ستؤدي إلى خسائر ما فوق استراتيجية لكليهما، ولذلك يعيقان أي تحرك سياسي روسي في هذا الاتجاه.
ولما كانت روسيا عاجزة لأسباب كثيرة في إجبار النظام وإيران على القبول بالمسار السياسي، فإنها قامت منذ نحو عامين باتباع سياسة الخطوة خطوة لإنضاج الظروف الكفيلة بإطلاق المسار السياسي.
بدأت هذه السياسة على مستويين كلاهما عسكري ـ وهذا يشير إلى العقلية العسكرية التي تحكم الكرملين ـ الأول بتحجيم الدور الإيراني من خلال إطلاق يد إسرائيل في سورية، والثاني إعادة ترتيب أوضاع الميليشيات المحلية والخارجية.
غير أن الواقع كان أعقد بكثير مما توقعه صناع القرار في موسكو، فلا تحجيم إيران عسكرياً، ولا تحييد القوى العسكرية الداخلية يسمحان بترتيب البيت الداخلي، طالما أن المشكلة سياسية وليست عسكرية.
وما يزيد من العبء الروسي، أن الأوضاع الاقتصادية في سورية نتيجة الفساد الممأسس من جهة والعقلية المافوية من جهة ثانية، قد تؤدي إلى انفجار شعبي، ما يعيد الأزمة إلى مربعها الأول، وبالتالي خسارة روسيا لكل ما قامت به.
من هذا المنظار يمكن النظر إلى المتغيرات الروسية الجديدة الحاصلة في فضاء الأزمة السورية مؤخرا.
أن تقدم وسائل إعلام ـ بغض النظر إن كانت مقربة من الكرملين أو لا ـ على شن حملة متزامنة في توقيت معين على شخص الأسد ومقربيه، فهذا يعني أن المشكلة في جوهرها سياسي.
لكن هذه الهجمة الإعلامية تكشف أيضا مدى العجز والمأزق الروسي في حل عقدة الأسد، فلجوء الدول والأنظمة عادة إلى وسائل الإعلام لتبرير استياءها مؤشر على عجز سياسي، فكيف الأمر بروسيا التي تملك ثقلا عسكريا كبيرا في سورية.
ومن الواضح أن المشكلة الروسية تكمن في الأسد ذاته، فالوضع في سورية يختلف عن باقي الدول العربية التي شهدت ربيعا ثوريا، ذلك أن منظومة الحكم هي منظومة مغلقة وتكاد تكون عضوية بحكم طائفيتها، ويصعب بالتالي كسرها أو تحييد قوى فيها.
لقد أدركت روسيا جيدا أن القضاء على الأسد يستتبع بالضرورة إسقاط كامل منظومة الحكم وهذا ما لا تريده، وما جرى في مصر على سبيل المثال لا يستقيم في سورية، إذ من الصعوبة بمكان إبعاد رأس النظام مع الحفاظ على النظام ذاته أو إجراء تغيير بسيط فيه.
المشكلة بالنسبة لروسيا قائمة على المعادلة التالية: لا يوجد بديل عن الأسد داخل منظومة الحكم، فالعلويون لا يجتمعون إلا على الأسد، وأية محاولة لاستبداله ستكون أول مسمار في نعش النظام، كما أن أية محاولة روسية في هذا الاتجاه غير مضمونة العواقب لأنها ستؤدي إلى تغيير المشهد السياسي بما يضر بالمصالح الروسية.
بالمقابل، أدرك الروس أن أي تغيير سياسي أو تقديم تنازلات سياسية جدية أمر غير ممكن بوجود الأسد ومنظومته.
وما سربته بعض وسائل الإعلام الروسية عن مخطط روسي لإبعاد الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بمشاركة المعارضة، لا يعدو كونه هراءا سياسيا.
وأمام هذا الوضع، تجد روسيا نفسها في عنق الزجاجة، ولذلك لجأت مؤخرا للضغط على الأسد لإعادة ترتيب البيت الاقتصادي بما يحول دون انفجار داخلي، وبما يسمح لروسيا من تحصيل بعض الأموال المترتبة على وجودها، أما الحل السياسي، فهو العقدة المستعصية على الحل أمام الروس.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار
بروكار برس
———————
روسيا غرب وشرقي الفرات/ مهند الكاطع
لم تعد روسيا مجرد أحد اللاعبين الرئيسيين في سورية، بل تكاد تكون اللاعب الأبرز والأقوى اليوم، والأكثر تأثيراً على مجريات الأمور على الساحة السورية من الشمال إلى الجنوب.
روسيا ليست تلك الدولة التي استعان بها بشار سنة 2015، فقط لتنقذ طائراتها المباركة بصلوات قساوسة الكنيسة الروسية سقوط بشار الأسد، بل روسيا اليوم هي الجهة التي باتت تتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية. روسيا التي تسيطر على الميناء، هي ذاتها التي تسيطر على الحركة التجارية، الخطط العسكرية، التعيينات داخل المؤسسة العسكرية، والعزل، وكل شيء، والسيطرة هنا على القرار السياسي تحصيل حاصل. إذ شخص بشار الأسد الذي كان يظهر بصفته وريث غير شرعي لسلطة حكم طائفي، بات مجرد موظف صغير، يستدعيه بوتين إلى مكتبه في قاعدته “الروسية” بشكل يتم من خلاله تعمد إهانته وتصغيره.
ليس كل ما سبق سوى مقدمة لنرى كيف باتت روسيا اليوم، بعد أن نستعيد شريط الذاكرة منذ بداية الدخول الروسي، والذي وإن قوبل ببعض التحفظات والمخاوف الأوربية في بداياته، إلا أنه لم يتعرض لأي اعتراض أمريكي. بل وبات الحديث الأكثر شهرة أن روسيا في واقع الأمر تسلمت من أمريكا الملف السوري وليس من بشار الأسد.
عرفت روسيا منذ اللحظة الأولى حدود نفوذها وتحركاتها، وأبقت على تنسيقها الأمني مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، في كل ما يتعلق بالطلعات الجوية، والأعمال العسكرية، والمخاطر الأمنية، حتى أصبحت القوة الدولية الوحيدة التي لها انتشار عسكري واضح على كل الجغرافية السورية، دون أن يحرج ذلك الولايات المتحدة الأمريكي، التي تحاول على لسان مبعوثها جيفري قبل أيام في لقاء عبر صحيفة الشرق الأوسط، التقليل من شأن الوجود العسكري الروسي وكذلك قواعد النظام شرق الفرات، فتعترف بوجود شرطة عسكرية روسية، وآليات روسية، ومركبات تقوم بدوريات منتظمة، وكذلك بوجود قواعد عسكرية للنظام نفسه في مدينتي دير الزور والقامشلي. يأتي هذا مع تأكيد وجود 10.000 مقاتل من قسد في المنطقة كأكبر قوة هناك، علماً أنه لا يخفى على جيفري أن الطبيعة الجغرافية والتضاريس في مناطق شرق الفرات، تجعل مقياس أي قوات عسكرية وفقاً لعدد مقاتليها، هو مسألة غير واقعية، خاصة في ظل الحديث عن إمكانيات دولة مثل روسيا من الناحية العسكرية.
روسيا والأسد
هل تتذكرون قصة الروس مع “حفظ الله أمين” الذي تولى أمر الحكومة الأفغانية سنة 1978، واعتمد على السوفيت الروس كحلفاء، ولم يخيبوا ظنه بتوقيعهم معاهدة مع أفغانستان للتدخل فيها إذا طلب منهم ذلك، وزودوه بالسلاح والعتاد والخبراء وكل ما يحتاج.
في عام 1979 تفاقمت الأمور في أفغانستان، وشعر السوفييت بأن حفظ الله أمين غير قادر على السيطرة على الوضع وحماية ” دباباتهم وعتادهم” وأنه لا ينفذ “نصائحهم” ، فقرروا التخلص منه فقط بواسطة 700 شخص استولوا على المقرات الحكومية والإعلامية ودخل مجموعة منهم قصره بينهم 54 من عملاء الكي جي بي ( الاستخبارات الروسية) واستطاعوا قتله شرّ قتلة مع عائلته، وادعوا آنذاك بأن الأفغان الثائرين عليه هم من قتله. النتيجة جاؤوا بشخصية مصنعة عندهم اسمه ( بابراك كارمال) وسلموه زمام الأمور لاستعادة الاستقرار في البلاد.
مؤشرات ما يحدث في سورية اليوم ليست بعيدة عن المآلات التي جعلت الروس يقضون على حليفهم الأفعاني في لحظة تاريخية تطلبت ذلك، فنظام الأسد أضعف مما هو عليه الآن من أي وقت مضى، ليس عسكرياً فقط، بل سياسياً واقتصادياً وحتى على مستوى الحاضنة الشعبية في وسط أنصاره، وكل ذلك بعد أن بات واضحاً بأن روسيا قد بدأت فعلاً بإعادة الترتيب لمرحلة ما بعد الأسد، وتعيد ترتيب الأمور داخل سورية وتهيئة أنصار الأسد لشيء مقبل، ليست الإجراءات الأخيرة بحق رامي مخلوف وحدها تعطي تلك المؤشرات، في أن الروس يريدون قبل إسدال الفصل الأخير من السيناريو استعادة ما خسروه في الحرب من أموال آل الأسد وآل مخلوف، بل باتت تحركاتهم على الصعيد الاجتماعي وتحضيراتهم للفراغ القادم موضع اهتمام.
التحركات الروسية على المستوى الشعبي
بدأ الروس بتحركات خلال الفترة الماضية استهدفت بعض الوجاهات العشائرية في شرق الفرات، وبشكل أساسي في ريف محافظة الحسكة، مقابل تحركات مماثلة كان الأمريكان قد بدأوا بها فعلياً قبل فترة في ريف دير الزور. الأطراف التي ألتقى بها الروس هي موالية للنظام، ومع ذلك كان الحديث معهم يتركز حول معرفة إمكانية تشكيل نواة لقوات عربية من أبناء المنطقة، مقابل توفير المستلزمات والرواتب التي تدفع معظم أبناء المنطقة للعمل مع قسد لتأمين لقمة العيش، سواء عبر أجهزتها العسكرية المختلفة، أو عبر المؤسسات الإدارية والمدنية. الواضح أن الروس أيضاً كانوا واضحين في إرسال رسالة لأهل المنطقة بأن هناك أمور ستحدث قريباً، ولا بد من التحضير لها، فالنظام لا يبدو أنه سيكون في المرحلة المقبلة، النواة التي يمكن تعليق أمل عليها في إحداث أي تغييرات عسكرية في أي منطقة سورية بعد اليوم، وبالتالي قد يفكر الروس بالفعل بإيجاد قوة محلية، يمكن أن يكون لها مشروعية أكثر في إحداث تغييرات عسكرية وفرضها على الأرض، على حساب سيطرة قسد التي لا تزال تحظى بغطاء أمريكي. هذه التحركات لا يبدو أنها ضايقت الأمريكان الذين يتوجهون تدريجياً أيضاً لإيجاد فصائل عربية بحجة آبار النفط في منطقة دير الزور من قبل أهالي المنطقة العرب، ذاتها الحجة التي ساقها الروس أثناء اجتماع جمعهم مع قسد قبل عدة أيام، لتهدئة مخاوفهم وتوترهم على خلفية التحركات الروسية الأخيرة.
إيران التي يبدو أن دورها بدأ يتلاشى على الساحة السورية، لا يبدو أن روسيا تخلت تماماً بعد عن دورها، وإن كانت مساهمة في إضعافه، حيث يظهر الدور الإيراني أيضاً بلقاء بعض الوجهاء العشائريين، مع تسريبات تشي أيضاً بعرضهم لفكرة تشكيل قوة عشائرية تحت مسمى “جيش الإمام”، دون أن تكون هناك ثقة حقيقية من المكونات العشائرية بجدية الطرح الروسي والإيراني.
إلى أي حد يمكن ربط ما يقوم به الروس شرق الفرات، وتحركاتهم غربي الفرات في عدة مناطق أيضاً، حيث زار قائد القوات الروسية في سوريا مدينة السقيلبية حيث جمع شخصيات مسيحية فقط من بلدات (محردة وحماة وكفربهم وتومين والقرى المسيحية بحماه ) و لم يكن هناك اي وجود لعناصر النظام أو حتى تمثيل .
وقد سربت بعض وسائل الإعلام، أن النقاش دار حول كيفية تدبر أمور المنطقة وحماية أهاليها في حالة حصول تغييرات كبيرة ، الأمر الذي تم تفسيره ضمناً أن البلد مقبلة على تغييرات ستطال بشار الأسد في المستقبل.
وإزاء كل ما يحدث اليوم من تقلبات على الساحة السورية، كان آخرها الدعم الأمريكي الواضح للغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سورية، يبقى السؤال المطروح عن السيناريوهات المطروحة ما بعد الأسد؟ هل تم فعلاً بلورة اتفاق روسي أمريكي حول الموضوع؟ وهل ستترك الولايات المتحدة الأمريكية زمام ترتيب الأمور لروسيا في المرحلة المقبلة؟ وماذا عن مصير التواجد التركي في المنطقة الشمالية؟ وهل ستكون هناك صفقة بحجم إخراج جميع القوات والميليشيات الأجنبية بما فيها قسد (العمال الكردستاني) التي تشكل الذريعة الأكبر لبقاء الأتراك، مقابل محاصصات سياسية واقتصادية بين كل من أمريكا وروسيا وتركيا؟ وماذا عن الدور العربي في المرحلة المقبلة في ظل عدم الوجود العسكري العربي على الأرض؟
كل ذلك يبقي التكهنات مفتوحة على جميع الاحتمالات، مع حقيقة باتت شبه واضحة، بأن نظام الأسد سيكون الكبش الأخير الذي يتم التضحية به من قبل حلفائه لرسم ملامح مرحلة جديدة، الشعب السوري فيها أبرز الخاسرين على الأقل في ظل الصراع المرير على الحياة اليوم تحت وطأة ظروف اقتصادية غير مسبوقة أنهكت الشعب وباتت تهدده بمجاعة حقيقية.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بروكار
—————————
هل تقطف أميركا في سوريا ثمار «الضغط الأقصى»؟/ ابراهيم حميدي
يتبادل الأميركيون والروس على المسرح السوري، التفاهمات وتسجيل النقاط، من دون تغيير جوهري، كأن كلا منهما يراهن على تراجع الآخر، هناك اعتقاد في واشنطن، بظهور ثلاث إشارات – توترات تدل على بدء نجاح المقاربة الأميركية وسياسة «الضغط الأقصى» و«صندوق العزلة» على دمشق.
«الصبر الاستراتيجي»، كان مفتاحا أساسيا لرهان الجانبين على الوقت. واشنطن، تعتقد أن كلفة استمرار الحرب بغياب الإعمار وتناقض أجندات اللاعبين ستدفع موسكو إلى قبول تسوية و«تغيير سلوك النظام». وموسكو تعتقد أن فيض آثار الحرب إلى الجوار وأوروبا وحلفاء أميركا، سيدفع واشنطن إلى قبول الأمر الواقع و«شرعية النظام».
بين هذا وذاك، لا يفوت الطرفان فرصة جمع الأوراق وتسجيل النقاط في كل مناسبة. آخر الاختبارات، كان «كورونا». إذ لم يشغل انتشار الوباء وقفزات إصاباته في أميركا وروسيا واقترابه من البيت الأبيض والكرملين، الطرفين عن «تسييس» هذا الملف مع رفض علني لـ«تسييسه».
بادرت موسكو، مدعومة بمواقف بكين ودمشق وغيرهما، إلى اعتبار العقوبات الأميركية والأوروبية الداء وراء الوباء: العقوبات، تمنع تدفق المساعدات الإنسانية والأدوات الطبية وهي التي تزيد من معاناة السوريين. والحل روسيا، برفع «العقوبات الظالمة» وتشجيع الدول على المساهمة في إعمار سوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية. فهذا العلاج الروسي، هو الوصفة أيضاً لوقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا والتعاون لمحاربة الإرهاب.
يذهب المفاوضون الروس في جلساتهم مع الأميركيين والأوروبيين، إلى القول، بأن «فك العزلة عن النظام، يساهم في استقرار أوروبا وخدمة مصالحها». بالتالي، يجب أن يصطف الغرب في الضفة الروسية في علاقته مع دمشق في ملفات أخرى، تخص موضوع السلاح الكيماوي والعملية السياسية والمحاسبة والإعمار. كما يعني ذلك روسيا، الانسحاب الأميركي من شرق الفرات وتفكيك قاعدة التنف ودفع الأكراد إلى حضن دمشق.
في المقابل، تقف واشنطن في الضفة الأخرى من المعادلة. لا تزال هي متمسكة بفرض «الضغط الأقصى» على دمشق. لكن الجديد، قيام أميركا والاتحاد الأوروبي بحملة علاقات عامة منسقة لشرح أهداف العقوبات الاقتصادية. بروكسل أصدرت قبل أيام وثيقة معايير وإرشادات تقديم المساعدات والأدوات الطبية، للقول بأنها مستثناة من العقوبات الاقتصادية بما يعني أنها لا تساهم في عرقلة معالجة تفشي «كورونا».
لا ترمي هذه الوثيقة، للقول بتجميد العقوبات، بل بالعكس. إن صدور هذه الإرشادات، يمهد لقيام الاتحاد الأوروبي بداية الشهر المقبل بتمديد العقوبات الاقتصادية التي تضم ٢٧٧ شخصا و٧١ كيانا، إضافة إلى صدور موقف سياسي يربط المساهمة بإعمار سوريا بالحل السياسي خلال انعقاد مؤتمر المانحين في ٣٠ يونيو (حزيران). تماما، كما أن الوثيقة الأميركية المشابهة التي صدرت من وزارة الخزانة، كانت بمثابة تمهيد لبدء تنفيذ «قانون قيصر» منتصف الشهر المقبل الذي يفرض عقوبات غير مسبوقة ضد أي جهة تساهم في إعمار سوريا. ويحاجج الأوروبيون والأميركيون أنهم قدموا خلال تسع سنوات من الحرب، حوالى ٣٠ مليار دولار أميركي، قيمة مساعدات إنسانية إلى سوريا.
وباعتبار أن بعض الدول الأوروبية، مثل قبرص وهنغاريا واليونان إلى حد ما، خرجت عن الإجماع الأوروبي وأرسلت إشارات تطبيع دبلوماسي نحو دمشق، بعثت واشنطن رسائل بضرورة «عدم التذبذب» للحفاظ على وحدة الصف وإحكام عزل دمشق للضغط على موسكو، باستعمال أدوات الضغط المتوفرة، وتشمل: العقوبات الاقتصادية، العزلة السياسية، منع إعمار سوريا، الوجود العسكري شرق البلاد، دعم الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية، دعم الوجود العسكري التركي في إدلب، إثارة ملف السلاح الكيماوي في لاهاي وفي مجلس الأمن الدولي بعد اتهام دمشق رسميا باستعماله في ريف حماة، والاستمرار في رفع لواء المساءلة عن جرائم الحرب.
عليه، يرى مسؤولون أميركيون ثلاث إشارات لنجاح مقاربة «الضغط الأقصى»، هي: الأول، بدء إيران بسحب تكتيكي لميلشيات غير سورية، كانت مقيمة في البلاد. الثاني، ظهور رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد وحديث عن توتر في دمشق جراء الأزمة الاقتصادية. الثالث، تبادل الحملات والانتقادات الإعلامية بين وسائل إعلام مقربة من مراكز القرار في دمشق وموسكو.
لا شك، أن اختبار هذه المؤشرات، رهن التفاوض المحتمل بين الأميركيين والروس لمعرفة ما إذا كانت جدية تعكس تغييرا في الاتجاه لعقد صفقة مع قرب انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترمب… أو أنها جولة أخرى من شراء الوقت عبر بيع «وهم تغيير المواقف».
الشرق الاوسط
———————–
سوريا حافة الهاوية والواقعيّة السياسيّة/ هَوزان خداج
أفرز الصراع الطويل في سوريا وعليها، وطريقة إدارته عبر منهج “الغاية تبرر الوسيلة” التي تعادل التجرّد من القيم والمبادئ، جملة ملفات صعبة الحلّ على كافة الأصعدة. فالحروب إن وصلت مراحلها النهائيّة يصير “اللعب” أكثر شراسة، فهي تتطلّب التشبث بحافة الهاوية وتهيئة الأجواء لاستكمال إدارة “الواقعيّة السياسيّة” الذي تحلّت به كافة الأطراف الخارجيّة وتحركها في نطاق تحقيق مصلحتها أولاً وأخيراً دون حساب للتدخل الإنساني، وكذلك الأطراف السورية التي تندرج تحت مسمى “المعارضة الرسمية” بافتراضها أنّ الغاية الأساسيّة للفعل السياسي هي الوصول إلى السلطة، فالواقعيّة السياسيّة يتلخّص جوهرها في المبدأ السياسي بأنّ “من يملك القوة ( السلطة) يملك الحق”.
الواقعية السياسيّة التي خضعت لتطوّرات مختلفة بمفهومها، وأضفى عليها الفلاسفة مثل توماس هوبز وسبينوزا وجان جاك روسو بعض التفاصيل في محاولة تهذيب (لا أخلاقيتها)، فاعتبرها “هوبز” مشتقّة من الحالة الطبيعية، وبأنّ العلاقات بين الكيانات السياسية النفعية هي بالضرورة لاأخلاقيّة، وأنه لا يمكن أن توجد عدالة أو مبادئ أخلاقية، دون وجود حكومة رئيسة لتشرِّع قواعد السلوك، “حيثما لا توجد سلطة مشتركة، لا يوجد قانون؛ وحيثما لا يوجد قانون، لا توجد عدالة”، فالخروج من حالة (الواحد ضد الجميع)، بإمساك السلطة للقانون وتحقيق العدالة والأمان، لا يعني تعديلاً للاأخلاقية السياسية، بل فرض التحكم من قبل الأقوى، وتحديد القوة بالسلطة التي سمحت بوجود الأنظمة الاستبدادية الشمولية في حالة السلم. أما في حالة الحرب والخروج من (حرب الجميع ضد الجميع) فإنّها سايرت الواقعيّة السياسيّة باعتبار أساس التدخل للحفاظ على المصالح والقوّة، هي المحرّك.
فقرارات الحرب والسلام لا تّتخذ وفقاً لأهواء صُنّاع القرار وحسب، إنما تّتخذ بعد أن يجري كل طرف من الأطراف حساباته الدقيقة، ويحسب توازن القوى، وماذا يمكن لهذا الطرف أن يكسب في نهاية الحرب.
وفي سوريا، رغم أنّ الحرب لم تصل خواتيمها الميدانيّة ولم تلغِ إمكانيّة تفجّر الأوضاع بأكثر من مكان، تبقى مسألة الحفاظ على المكتسبات بالنسبة للمتدخلين الخارجيين (إيران، روسيا، تركيا، أمريكا) هي الأساس، فلكل طرف منخرط في سوريا أهداف واضحة وحاسمة، تتعارض فيما بينها في عمومية النظرة إلى سوريا ككل، والتي يتداخل فيها الماضي والحاضر، سوريا هي الامتداد الديني للخامنئي وطريق الحرير الخاص بإيران، وهي المياه الدافئة للقيصر الروسي واستعادة لدور روسيا العالمي، وهي العمق الديني للخليفة التركي والأمن القومي للسلطنة، وهي نقطة ارتكاز أمريكية لحصر اللاعبين وضبط ميزان الشرق الأوسط.
التشابكات في كليّة النظرة إلى سوريا ككل، سهّلتها عملية الفرز الجغرافي، الذي أنتجته روسيا بوصفها المتعهد الأكبر لإدارة الصراع، وعمليّة تحويل القوى الإقليمية الفاعلة، تركيا وإيران، إلى دول شريكة لها في إدارة الحرب وإدارة الحلّ، والتي جرى من خلالها تخفيف التقاطعات باعتبار لكل طرف منطقته شبه الواضحة دون ترسيم الحدود بشكل نهائي، لتبقى المشكلة في استدامة إدراة هذه الأطراف لمناطقها والاستقرار فيها، والاستفادة حتّى النهاية من الوضع السوري ككل.
إلا أنّ دخول الصراع المنطقة الأخيرة في خفض التصعيد (إدلب) بإشكالاتها المختلفة وتشابكاتها الناتجة عن الحسابات الدقيقة لتوازن القوى والمكاسب والمصالح، جعل إعادة ترتيب التحالفات على ضوء حسابات الربح والخسارة (المادية والمعنوية) وإعادة تركيز التحالفات ضمن مجال التنافسات والاحتكاك، لكافة الأطراف هي الأساس، والتي تبدو من الناحية الظاهرية على الأقل، أنّ روسيا أكثر ميلاً نحو تركيا منها نحو إيران، فهي لا تمانع الضربات الإسرائيليّة الموجعة التي يتلقّاها الشريك الإيراني، وتبدو أقل اهتماماً بمصير الأسد، بل وتدير حوله حملة شرسة في إظهار ضعف إدارته لسوريا ولمناطق المصالحات، وتفتح ملفات الفساد الخاص “بملكيته” للدولة السورية، في وقت ترزح فيه سوريا تحت حدّة عقوبات (سيزر) الاقتصادية وغير المسبوقة بقسوتها وانعكاسها المباشر على السوريين، فالعقوبات لم تسقط أنظمة، وكذلك في وقت جائحة كورورنا، التي اعتبرتها روسيا حالة طارئة لرفع العقوبات الدولية ضدّ النظام في اجتماع أستانا الافتراضي الذي عقده كبار الدبلوماسيين من روسيا وتركيا وإيران في 22 نيسان/أبريل.
لقد شكّل اختيار الوقت لفضائح النظام من قبل الجانب الروسي، وبثّ الشريط المسجّل “لرامي مخلوف” سلسلة من التحليلات السياسية بعضها مبني على الرغبة باقتراب نهاية الأسد وتخلّي روسيا عنه، وكأن روسيا أُصيبت بصحوة متأخرة في اكتشاف ضعف وفساد النظام، رغم أن ما دفعها للتدخل في سوريا منذ البداية كان مبنياً على معادلة واضحة في حدودها: ثورة شعب ضدّ الاستبداد والفساد المستشري، تواجه بتصعيد عنفي، يرافقه ضعف في إدارة الواقع السوري الميداني. وبعضها الآخر نظر إلى حملة الفضائح الحالية باعتبارها نتيجة التقاطعات والمنافسة بينها وبين إيران التي تريد عزلها عن الهيمنة على القرار السياسي في دمشق وإيقاف مشروعها التمددي المستقبلي، وهو ليس خافياً على روسيا منذ البداية. ولكنها في منظور الواقعية السياسية الروسية وحساب مصالحها فإن هذه الحملة على شراستها، قد لا تتجاوز خدمة مصالحها في تقليم أظافره ورسم حدود طموحاته الاستراتيجية، كما فعلت أمريكا بعد حرب الخليج بالإبقاء على صدام حسين في موقعه ليحكم عراقاً ضعيفاً رازحاً تحت عقوبات اقتصادية، هذا إن لم يحدث ما يبدّلها من داخل سوريا وليس من خارجها.
في واقع الأمر، إنّ الوضع في سوريا أكثر تعقيداً من القراءة الظاهرية نتيجة الاختلاطات والتقاطعات والأزمات الكبيرة فيه، ولكنه منذ البداية، تشكّل على اعتماد الأطراف كلها (خارجية وداخلية) مسألة الواقعيّة السياسيّة، القائمة على معرفة الدول الخارجية كلها، بأن النظام الحاكم هو نظام عسكري ديكتاتوري شمولي وفاسد، ولكنه أهون الشرور مقارنة بالعسكرة والأسلمة. ثم جعلته هذه الواقعية جزءاً من العملية السياسية
بعد أن تلاشى ما يمكن تسميته حلّ جذري للمأساة السورية والذي أوغل فيه الجميع تدويراً وتشتيتاً ليتقلّص في نهايته نحو صياغة دستور توافقي وحكومة انتقالية، وبعد أن أثبتت البدائل المعارضة للنظام أنّها تشكيلات متفرقة لا تتبع جسماً سياسياً واحداً يمكن الوثوق به، أو ترويضه لاحقاً، كما أنّها لم تثبت صلاحيتها في الاعتراف بقواعد اللعبة السياسية والتوازنات لتأخذ مكانها في مصفوفة الصراع الميداني والسياسي. وفي المعيار السياسي كسب النظام نتيجة التزامه بقواعد اللعبة الدولية والتي مازالت تعتمد ترويضه بدل إسقاطه، فهو حتى اللحظة رغم مآسي الداخل ورائحة الفساد التي تدعو للغثيان، ما زال حاجة روسيّة وإيرانيّة وإسرائيليّة، كما أنّه حاجة أمريكية، ما لم يتمّ تعديل الميزان واتخاذ المعارضين خطوات جديّة باتجاه وضع حلول للأزمات السورية المكدّسة والصعبة.
إدارة الوضع السوري بعمومه الذي بُني على الواقعيّة السياسية، لم يشهد تغيّراً طيلة السنوات الماضية، فالواقعية السياسية “اللاأخلاقية” لقوى التدخل الخارجي، قابلها “لاأخلاقية” لمن نصّبوا أنفسهم وكلاء عن السوريين ككل باعتبارهم قوى معارضة، فلم ينجزوا طيلة السنوات الماضية أي خطة عمل ممكنة تؤهلهم لحكم بلد أو إدارته، ولم يروا بالسياسة حرية أو مساواة.
على حافة الهاوية، الواقعية السياسية تجعل المتدخلين الخارجيين وعلى رأسهم روسيا، يتّجهون نحو استكمال تفريغ نظام الحكم الحالي من أي صلاحية ممكنة حتى لا يُعاد ترشيحه، وهي نفسها ستجعل من أي رئيس قادم لحكم “الجثّة السوريّة” وإعادة إحيائها، بحاجة لكافة الأطراف الخارجية كي يثبّت أقدامه في الحكم ويستطيع إدارة الملفات، وأنّ وقتاً طويلاً سيمرّ قبل أن يتقرّر مستقبل الأرض السورية، ويتم ضبط التوازنات لما بعد الأسد.
ليفانت – هَوزان خداج
—————————————
أن يجرحك السيسي فتصلي للدكتور بشار/ وائل قنديل
“ومن هذا المنطلق، نود لفت نظركم إلى بعض الإساءات والافتراءات الموثّقة التي وردت على عدد من وسائل الإعلام الروسية في الآونة الأخيرة، وسبّبت امتعاضا وتجييشا في الشارع السوري خصوصا والعربي المقاوم عموما، باستهداف شخص السيد الرئيس بشار الأسد والإساءة إليه”..
تلك فقرة من بيان نداء طويل عريض، رفعته مجموعة أطلقت على نفسها “الإعلاميين والمثقفين السوريين والعرب” إلى وزير الخارجية الروسي ولجان مجلس الدوما، تستنكر فيه استضافة قناة روسيا اليوم الناطقة بالعربية شخصياتٍ تهاجم الزعيم بشار الأسد وتسخر منه، وهو الأمر الذي يتعارض، كما يرى الموقعون، مع وحدة الدم والمصير بين روسيا وسورية، وبنص كلمات البيان “إننا نقدّر الدور الروسي في الحرب على الإرهاب، ونثمّن عالياً تضحيات القوات الروسية على أراضي سورية، حيث امتزجت دماء الأبطال الروس والسوريين في ردع وهزيمة شراذم الإرهابيين التكفيريين”.
لا شيء يفاجئ في بيان بهذا الشكل يحمل توقيعات عدد كبير من نجوم مسرح القومية العربية الدائمين منذ أكثر من ربع قرن، الذين لم يلفت نظرهم أن أكثر من ثلاثة عشر مليونًا من أبناء الشعب السوري يعيشون لاجئين، أو طالبي لجوء في مختلف دول العالم، وأن نحو نصف مليون إنسان سوري دفعوا حياتهم ثمنا لـ”تضحيات القوات الروسية على أراضي سورية”، وأن تقديرات عديدة تذهب إلى نحو 60% من تعداد الشعب السوري، قبل هذه التضحيات، يعيشون شتاتًا ونزوحًا في الخارج والداخل الآن.
ذلك كله لم يستفز مجموعة المثقفين من ذوي المشاعر المرهفة الذين تألموا للغاية من التعرّض لشخص الزعيم الإنسان الحساس الدكتور بشار الأسد في حوار على شاشة القناة السورية. غير أن ذلك كله ليس فيه ما يدعو إلى الاستغراب، أو يسترعي النظر، وإنما ما يثير الدهشة هنا هو بعض من الأسماء المصرية والعربية، التي تتحدّث كثيرًا عن انتمائها لثورات الربيع العربي، وتردّد، طوال الوقت، أنها ضد الاستبداد والطغيان، أينما وجد، ومع ذلك لم يهتز لها جفن أو تشعر بأدنى تناقض، وهي تضع توقيعها، أو تسكت على وضع توقيعها الشريف على بيان “بالروح بالدم نفديك يا بشار”، الموجه إلى موسكو.
من هذه الشخصيات يبرز اسم حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الذي أنهي للتو فترة تأديب وعقاب على الخروج عن النص، محبوسًا احتياطيًا في زنازين عبدالفتاح السيسي، ولم يخرج إلا بقرار إخلاء سبيل مع انتشار فيروس كورونا.
تبدو المفارقة مدهشة هنا: أن يجرحك استبداد الجنرال السيسي فتسارع إلى التطوع دفاعًا عن استبداد الدكتور جزار بشار الأسد، وكأنهما نقيضان، أو أن الأخير لم يرتكب عددًا من المذابح أكثر وأبشع مما نفذه السيسي من مذابح أشهرها في ميداني رابعة العدوية والنهضة.
ما الفرق بين بشار والسيسي في نظر هؤلاء؟ هذا سؤال مطروح على الموقعين ممن يجمعون في موقف واحد بين إعلان الانحياز لمشروع ثورات التغيير العربية والدفاع عن واحد من أكلة لحم الثورة السورية.
إن أي درجة من الوعي البسيط تدرك أن المنطقة العربية يتنازعها مشروعان، الأول انطلق في العام2011 بثورات شعبية على كل أشكال الطغيان والفساد والفشل، امتد من تونس إلى مصر ثم اليمن وسورية وليبيا، والمشروع الثاني هو مشروع نظم الاستبداد العربي الذي يتحرّك على ساقين: المال النفطي المعادي للديمقراطية، والإسناد السياسي والمعلوماتي الصهيوني، الذي أدرك مبكرًا أن في الربيع العربي إحياء للقضية الفلسطينية بوصفها قضية المواطن العربي الذي ثار على أنظمته المستبدّة.
بهذا المنظور، يأتي عبدالفتاح السيسي على رأس المشروع الثاني الذي يجمع بشار الأسد في سورية وخليفة حفتر في ليبيا، فما الذي وجده أساتذة العلوم السياسية من نوعية حسن نافعة من اختلافاتٍ بين مكونات المشروع الواحد حتى يصبح الجمع بين معارضة السيسي وتأييد بشار ممكنًا؟
في أحد أيام الأسبوع الثاني من أبريل/ نيسان 2016 ، كان عبد الفتاح السيسي يقيم حفلًا غنائيًا على شرف الراعي الرسمي لانقلابه، عاهل السعودية سلمان بن عبد العزيز، في قصر عابدين، وفي اليوم نفسه كان بشار الأسد ينفذ واحدة من أبشع مذابحه في حلب، للمرة الثانية، وهل هناك توقيت أفضل من ذلك للذبح؟
رعاة الثورات والمضادة في القاهرة، التي صوتت، قبل ذلك بعام، في مجلس الأمن لصالح التدخل العسكري الروسي لسحق الشعب السوري، فلماذا يفوت الفرصة، وهو يعلم، كما قلت سابقًا، إن الرعاة يعلمون، في قرارة أنفسهم، أنه والسيسي في سلة واحدة، وأن كل دعم يحصل عليه نظام عبدالفتاح السيسي في مصر، ينعش نظامه في سورية، وهي المعادلة التي أثبتت صحتها وقائع الأيام.
على ضوء هذه المعادلة، أزعم أن كل كلمة غزل موجهة إلى بشار الأسد، تشمل عبد الفتاح السيسي أيضًا، ذلك أنها تبقى مسألة صعبة الفهم أن تكون ضد الاستبداد هنا، أو هكذا يبدو، ومعه هناك.
الغربي الجديد
—————————————-
——————-
حقاً، ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟/ ماجد كيالي
ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟! هذا عنوان ما كتبه خالد العبود، أمين سر “مجلس الشعب” السوري، على صفحته في فيسبوك (7/5)، مع إشارات الاستفهام والتعجب والتنقيط، في محاولته الرد على بعض كتابات (روسية) تحدثت “عن دور “روسيّ” جديد.. بـ”تحجيم” أو “تأطير” أو “مصادرة” دور الرئيس الأسد في سوريّا ومستقبلها”.
بيد أن ذلك ليس السؤال الوحيد، فثمة سلسلة أسئلة، وبالأصح تهديدات، طرحها العبود في مقاله “أهم وأخطر”، ولا تخطر “في بال أحدٍ على الإطلاق” (بحسب توصيفه)، مثلاً:
– ماذا لو أنّ الرئيس الأسد أغرق بوتين في حريق طويل في جبال اللاذقية؟!
– ماذا لو أن الاستخبارات السورية فخّخت هذه الجبال بعشرات الآلاف من المقاتلين الذين رفعوا شعار المقاومة للاحتلال الروسي.. نتيجة تدخّل بوتين في الشؤون الداخلية لسوريّة؟!
– ماذا لو أنّ الرئيس الأسد غضب من بوتين ودفعه إلى أتون حريق في حوران، سهلاً وجبلاً؟!
– ماذا لو غضب الرئيس الأسد من بوتين وجرّه إلى تيه البادية السورية، وأغرقه في حرّها ورملها، وأطبق عليه هناك، بعد أن فخّخ له ما فوق الأرض وما تحتها؟!
يتحدث عبود بكل راحة، كما لو أن بوتين، مثلاً، طفل من أطفال درعا، الذين سحبت أظافرهم، أو لكأنه متظاهر يمكن سحقه أو سحله أو اعتقاله في ساحة النواعير في حماة أو ساحة الساعة في حمص أو في ساحة البيضا في بانياس، أو كأنه قاطن في دوما أو داريا أو حلب أو درعا أو في حمص يمكن قصفه ببرميل متفجر، وتنتهي الحكاية.
لا تتوقف أسئلة العبود، الجهبذ، حول ما يمكن أن يفعله الأسد بفلاديمير إيليتش بوتين في سوريا، بل إنها تصل إلى ما يمكن أن يفعل به في عرينه، في موسكو. يسأل العبود:
– ماذا لو أراد الرئيس الأسد أن يلحق الهزيمة ببوتين، وأن يسحب البساط من تحت قدميه، حتى في أروقة الكرملين؟!
– ماذا لو أراد أن يجرجه (ربما قصده يجرجره أو يجرحه) سياسياً في داخل روسيا؟! ثمّ ماذا يمكن أن يبقى لبوتين في روسيا أصلاً؟!
هكذا، ففي كل ذلك يتعامل العبود مع بوتين كأنه رئيس دولة مبتدئ، أو كأنه يقود دولة على هامش التاريخ، أو ربما اختلط عليه الأمر تماماً بين من هو رئيس سوريا ومن هو رئيس روسيا (لتشابه الأحرف) متناسياً، أيضاً، كيف تعامل حرس بوتين مع الأسد في عقر داره، وعديد الإشارات التي بينت احتقار الأول للثاني، بتعمد الحط من شأنه، صوتاً وصورة.
على أية حال، وحتى لا نصاب بالدهشة من كلامه، فإن العبود يحاول التخفيف عنا بمنطق السياسي النابغة، متقمصاً مكيافيللي، ربما، إذ يقول: “لم يكن الرئيس الأسد بحاجة لبوتين كي يدافع عنه.. الأسد كان يدرك تماماً أن هزيمته المؤكدة لأداة الفوضى، سوف تمنح الأطراف الرئيسيّة للعدوان إمكانية تطوير شكل العدوان عليه، من خلال دخول هذه الأطراف المباشر على خطّ المواجهة، وتحديداً دخول الولايات المتحدة”.
هكذا بالضبط، ثم إن الرئيس العبقري احتاط سلفاً لأي التفاف روسي، لذا فبوتين لم يحضر إلى جغرافيا خاوية.. فقد حضر بشكل مدروس جيّداً من قبل الرئيس الأسد، ولاحظوا الفترة الزمنية التي انقضت من عمر المواجهة، ومن عمر دخول كلّ من حزب الله وإيران. في مقابل ذلك عمد الأسد إلى ربط الوجود الروسي وتثبيته ببعض المصالح والقواعد الجديدة في سوريا.. للدفاع عن هذه المصالح أمام إمكانية العدوان المباشر من قبل الأمريكي على سوريّا! قبول الأمريكيّ بالوجود الروسيّ في سوريّا.. جاء نتيجة فهم الأمريكي لخطورة ما أنجزه الرئيس الأسد من خلال حضور “حزب الله – إيران” إلى سوريّا، وإنتاج خرائط ميدان جديدة، سوف تكون أساسيّة في قلب موازين المواجهة مع كيان الاحتلال الصهيونيّ.
في ما تقدم يشطب الكاتب بجرة قلم، وعلى الأرجح بحالة ذهانية، تفقده صلته مع الواقع، حقيقة مفادها أن فصائل المعارضة السورية المسلحة كانت تسيطر على نحو 60% من المساحة السورية، وأن التدخل العسكري الروسي (سبتمبر/أيلول 2015) هو الذي مكّن النظام من استعادة تلك الأراضي إلى سيطرته، وليس الوجود الإيراني، الذي لا يستطيع الرد على اعتداءات إسرائيل المتوالية عليه.
اللافت أن العبود، في انفصامه عن الواقع وعن العالم، وعن التفكير المنطقي، لا يرى في الوجود الإيراني تهديداً للولايات المتحدة فقط، وإنما يراه تهديداً لروسيا ذاتها. وعن ذلك يقول: “يدرك الروسي أن الرئيس الأسد حدّد له خطوط حضوره ووجوده، السياسية والاقتصادية والعسكرية، في سوريا، ويُدرك أكثر أن الرئيس الأسد يستند إلى بنية تحتية رئيسيّة لا يعرف بوتين عنها كثيراً، ونعني بها خرائط العلاقات السورية – الإيرانية، العسكرية والاقتصادية والسياسيّة، خاصة خارطة الميدان العسكريّة التي تتطوّر شيئاً فشيئاً!
نعم لقد قيّد الرئيس الأسد الوجود الروسي في سوريّا، بفضل معادلة سياسيّة طالما أكدنا لكم عليها، وهي: “امنع عن عدوك ما يريد.. وامنح حليفك ما تريد”.. والاستنتاج أنه لم يعد بمقدور بوتين أن يمليَ شيئاً على الرئيس الأسد، إذ بوتين أضحى بحاجة ماسّة للرئيس الأسد، كونه منحه ما أراد في سوريّا، وهذا إنجازٌ لبوتين داخل روسيا ذاتها، وبوتين يسعى جاهداً للحفاظ عليه..لأنّ بوتين يدرك أنّ الرئيس الأسد أعدّ بنية تحتية لعلاقات “سورية – إيرانيّة” أقوى بكثير من العلاقات “السوريّة – الروسيّة”، وأنشأ عليها خرائط عسكريّة وسياسيّة واقتصادية متينة جدّاً.
يُنهي العبود مقاله المدهش، بكلام أكثر إدهاشاً، باعتباره الأسد مهندس الكون، وحاكم العالم بأمره، بقوله: “لو أن شيئاً من هذه الفرضيات نفّذه الرئيس الأسد لأعاد ترتيب الكون كاملاً، سياسياً واقتصادياً وعسكريّاً، ولكانت الولايات المتحدة أوّل الذين يقفون في وجه بوتين في سوريّا، وهي التي سوف تبادر فوراً كي تعتبر الوجود الروسيّ احتلالاً يجب اقتلاعه.. لو أنّ الرئيس الأسد أراد أن يقف في وجه بوتين، سرّاً أو علانيةً في سوريّا، ولو أنّ استخباراته أدت دورها لجهة ترحيل بوتين من سوريّا، ودفعها إياه إلى معركة لا تُبقي ولا تذر من “إنجازه”، و”إنجاز روسيا”، على ضفاف المتوسط، لما انتهى بوتين في سوريّا فقط، وإنّما لتمّ انحسار المدّ الروسيّ خلال العقد الأخير من عمر العالم والمنطقة، ولتمّ شطب اسم بوتين من التاريخ الروسيّ إلى أبد الآبدين! ويا للهول.
كان الله في عون السوريين، فما أن كادت دهشتهم، من شرائط رامي مخلوف، تختفي حتى أتتهم من خالد العبود، دهشة أكبر وأمرّ، مع ما فيها من محاولة استخفاف بالعقول، واعتماد على عصبية الموالين الغلبانين، ومع ما فيها من انفصام عن الحقيقة والواقع والعالم، إنه العمى بكل معنى الكلمة، في عصفورية “الأسد إلى الأبد”.
———————
========================
تحديث 20 أيار 2020
——————————
مثقّف النظام السوري وسيرورة الانهيار/ حازم صاغية
يخطئ من يقرأ الماضي بعين الحاضر مثلما يخطئ من يقرأ الحاضر بعين الماضي. فهو قد يظنّ، استناداً إلى الدور الحالي لبهجت سليمان أو بثينة شعبان، أنّ حزب البعث في سوريّا لم يقرب المثقّفين أبداً ولم يقربوه.
هذا ليس صحيحاً. فالحزب الذي أسّسه أستاذا مدرسة (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار)، وادّعى أبوّتَه أستاذ ثالث (زكي الأرسوزي)، ضمّ مثقّفين كثيرين. جمال أتاسي، وعبد الله عبد الدائم، وبديع الكسم، وسامي الجندي، وسامي الدروبي، وعبد الكريم زهور، ومطاع صفدي وإلياس فرح، وسواهم بدأوا حياتهم العامّة بعثيين. مثقّفون أعلى كعباً، كياسين الحافظ وجورج طرابيشي، وجدوا، في هذه الفترة أو تلك، أنّ في وسعهم أن ينضمّوا إلى حزب البعث. هؤلاء جميعاً كانوا جزءاً من لوحة الثقافة السورية والعربيّة ومن تاريخها: درسوا إبّان الانتداب الفرنسي الذي أتاح لهم أن يعارضوه. ورثوا تطلّعات آبائهم إلى وحدة عربيّة ما، لكنّهم أيضاً تأثّروا، إلى هذا الحدّ أو ذاك، باتّجاهات الفكر المعاصر حينها، كالماركسيّة والفوضويّة ومدارس كانت رائجة في الفلسفة وعلم النفس والنقد الأدبيّ…
هذا ما كفّ بشكل تدريجي عن الوجود. من يتذكّر محنة المثقّفين والمبدعين الشيوعيين الروس في علاقتهم بحزبهم بعد بلوغه السلطة، يدرك سبب قطيعة كتلك: المثقّف لا تتّسع له دولة الحزب الواحد. أفكاره نفسها، والتي استقى معظمَها من حزبه، تغدو أحلاماً ممنوعة، تطاردها الرقابة، ثمّ السجن وربّما المَصحّ.
في سوريّا، حصل شيء إضافيّ. الحزب نفسه، كجسم، لم يعد موجوداً. العلاقات الزبائنيّة، على أساس الولاء العائلي والطائفيّ، ابتلعته تماماً ولم تترك منه إلا الاسم. في عراق صدّام أيضاً، حصل شيء من هذا، لكنّ اضمحلال الحزب هناك كان أبطأ منه في سوريّا. مع ذلك، لم يعد البعثي بعثيّاً في البلدين. «الرفيق» علي حسن المجيد هجم على الشيعة في جنوب العراق وهو يرفع على دباباته شعار «لا شيعة بعد اليوم»، وقبله هجم «الرفيق» رفعت الأسد على سنّة حماة لأنّه رأى فيهم سنّيّة تهدّد الموقع العلوي في السلطة.
البعث، هنا وهناك، بقي منه، فضلاً عن الاسم، اثنان: الجماعة الأهليّة والجهاز الأمنيّ. المثقّف لزوم ما لا يلزم.
لماذا التذكير بهذا الواقع الذي يعرفه السوريّون جيّداً؟
لقد شهد الأسبوع الماضي حدثاً غير مألوف بالمرّة، لكنّه، بالقدر نفسه، شديد الدلالة.
رجل الأمن بهجت سليمان تقدّمَ مئات «الإعلاميين والمثقّفين» السوريين (والعرب) في توجيه رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف وإلى مسؤولين إعلاميين في موسكو. المُرسِل سيّئ بما فيه الكفاية، وكذلك المُرسَل إليه، لكنّ الرسالة تبقى الأسوأ. فما أعلنه هؤلاء «الإعلاميّون والمثقّفون» هو انزعاجهم من أنّ وسائل إعلام روسيّة وجّهت «إساءات وافتراءات» استهدفت الرئيس بشّار الأسد بشكل شخصيّ. موقّعو الرسالة – البيان احتاطوا بأن أكّدوا أنّهم لا يدعون الروس إلى كمّ الأفواه وتعطيل الحرّيّة، فهم «إعلاميّون ومثقّفون» لا يفعلون ذلك. لكنّهم في الحقيقة لم يفعلوا غير ذلك. لقد طالبوا حلفاءهم الكبار بـ«ضرورة عدم تكرار ما حدث، وتجنّب سوء استخدام منابركم من قبل البعض (…) والتهجّم على الرئيس الأسد دون غيره من الزعماء العرب».
ربّما كانت هذه أكبر مداخلة رسميّة سورية في المجال الثقافي منذ سنوات طويلة: اقمعوا أيّها الرفاق الروس! مع هذا، وفضلاً عن خيانة الرسالة أصلَها «الثقافي – الإعلاميّ» المفتَرَض ونطقها بلسان أمني فصيح، فإنّها تضلّ طريقها: ذاك أنّ نظام الرئيس فلاديمير بوتين ليس في حاجة إلى من يوصيه بفوائد القمع، وسجلُّه مع الصحافة الروسيّة ذائع الصيت. لقد باع «الإعلاميّون والمثقّفون» السوريّون والعرب ماءهم في «حارة السقايين»، بعدما سمحت لهم الحذلقة بأن يعرّفوا بوتين إلى مصلحته!
والحال، وهذا بديهي كما يُفترض، أنّ الحسابات السياسيّة لموسكو هي الموضوع، وهذا ما كان ينبغي أن ينصبّ عليه جهد الرفاق السوريين. حتّى مسألة الفساد تبقى حمّالة أوجه بحيث يستحيل الحكم عليها بذاتها وفي معزل عن الخيارات السياسيّة العميقة لموسكو. بلغة أخرى، حتّى اتّهام الأسد بالفساد قابل للتفسير، في ظلّ ظروف سياسيّة ملائمة، بأنّه مديح، أو على الأقلّ بأنّه سبب تخفيفيّ. فإن يوصف المتسبب بموت جزء معتبر من شعبه، وباقتلاع نصف السوريين تقريباً، إمّا من بيوتهم أو من بلدهم، بأنّه «فاسد»، فهذا لطف مبالغ فيه (يشبه اللطف الذي ينطوي عليه «نقد» الأسد بوصفه «نيوليبراليّاً»).
وهذا، على العموم، يردّنا إلى واقع مؤلم هو أنّ موقّعي الرسالة – البيان ليسوا بعثيين وليسوا مثقّفين ولا إعلاميين، لكنّهم أيضاً، وقبل هذا كلّه، لا يعرفون شيئاً من شيء وإلا لما ارتكبوا تلك الرسالة – البيان أصلاً. إنّها النتيجة الطبيعيّة لثقافة تخدم نظاماً كهذا، بعدما شهدنا، في دمار سوريّا الحاليّ، النتيجة الطبيعيّة لنظام يخدم ثقافة كهذه.
الشرق الأوسط
ماذا بعد انسداد آفاق الحل الروسي في سورية؟
المحتويات:
أولًا: مقدمة
ثانيًا: التدخل الروسي
ثالثًا: سياسة روسيا مع اللاعبين الإقليميين
رابعًا: الحل السياسي على الطريقة الروسية
خامسًا: هل ثمة سبيل لمسار سياسي آخر في سورية؟
سادسًا: خاتمة
مقدمة
ردد الروس أكثر من مرة أن الدولة السورية كان يمكن أن تنهار لولا تدخلهم العسكري المباشر في سورية، وقال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، (24 نيسان/ أبريل 2019) إن دعم موسكو العسكري “جنّب الدولة السورية الانهيار تحت ضربات الإرهابيين”.
وأمام خيبة أملهم من النظام العصي على الإصلاح، ولو على الطريقة الروسية، أوردت وكالة الأنباء الفدرالية الروسية أخيرًا أن الفساد الذي يستشري في الحكومة السورية يعوق التعاون بين موسكو ودمشق، وأن الأسد لا يتحكم في الوضع في البلاد، وأن المسؤولين يسرقون عائدات استخراج النفط، وكذبت مزاعم النظام القائلة إن ثمة هجمات إرهابية على محطات توليد الغاز في البادية كانت وراء اضطراب التغذية الكهربائية في الفترة الأخيرة، وأكدت أن الأمر يتعلق بصفقات الفساد على أعلى المستويات[1].
ولم تمض أيام حتى زار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف دمشق (20 نيسان/ أبريل 2020)، فهل لهذه الزيارة علاقة بما نشرته الوكالة الفدرالية الروسية المقرب رئيسها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ مع العلم أن سبب الزيارة المعلن هو مطالبة دول عدة، من بينها سورية وإيران، الأممَ المتحدة برفع العقوبات عن البلدين، وتسهيل جهود مكافحة فيروس كورونا.
أيًا كان سبب الزيارة المؤجلة؛ فإن موضوع هجوم الصحافة الروسية يعكس خيبة الأمل الروسية من تعنت النظام، و”تمرجح” سياساته بين إيران وروسيا من جهة، والرغبة في التفاوض مع الغرب ومقايضة رأس النظام مع مصالح روسيا في سورية، بعد أن أصبح مسار جنيف في حكم المجمد، وتعرقلت أعمال اللجنة الدستورية التي هي ثمرة مسار أستانة، الذي تقوده روسيا.
التدخل الروسي
منذ البداية، ما كان للنظام أن يستخدم الحل الأمني ضد المنتفضين ويستمر فيه، لولا الدعم الإيراني، ومن ثم الدعم الروسي الذي كان له الدور الحاسم. استثمرت روسيا في المسألة السورية لترد الاعتبار لنفسها، كدولة عظمى وريثة الاتحاد السوفييتي الذي غاب وراء ستارة التاريخ، وبخاصة بعد أن استُبعدت من الإجراءات المتخذة للتخلص من نظام القذافي في ليبيا، وبعد أن أججت الثورة السورية مخاوفها من أن تفقد أيضًا مصالحها في سورية إلى غير رجعة.
بدأ التدخل الروسي دبلوماسيًا، وكان الفيتو الروسي الأول في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يدين النظام السوري لانتهاكه حقوق الإنسان في أثناء قمع الانتفاضة (5 تشرين الأول/ أكتوبر2011) مجرد بداية، ثم تتالت الفيتوات الروسية، مدعومة بالصينية، لتعطيل أي دور محتمل للتدخل الفاعل في المأساة السورية، من خلال هذا المجلس المتقادم، وفي ضوء عدم جدية بلدان الغرب في التدخل الفاعل في هذه المسألة.
وتتويجًا للنشاط الدبلوماسي، جاء التدخل العسكري المباشر في 30 أيلول/ سبتمبر 2015، وفرض الروس أنفسهم كلاعب أساسي في سورية، خاصة مع تردد الموقف الأميركي، وربما لحاجته إلى التدخل الروسي من أجل ضبط اللاعبين الإقليميين وأدواتهم من الميليشيات المسلحة التي تكاثرت بلا ضابط، وهددت بانفلات يصعب التحكم في مجرياته.
دخلت روسيا الحرب ضد عدو غير متمايز القواعد والمعالم، مجرد ميليشيات سريعة الحركة ومحدودة التموضع، فاستخدمت القوة التدميرية شبه العمياء وغير المسؤولة لسحق الخصم، وبعثت برسالة واضحة إلى معارضيها وحلفائها الإقليميين بأن إرادتها هي التي ستسود، وفهمت ذلك تركيا ودول الخليج، مثلما فهمت إيران أيضًا. ومن خلال الثغرة السورية، وضعت روسيا نفسها في مواجهة الغرب مرة ثانية، بعد تدخلها في غرب أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، كما استعادت الثقة بأسلحتها وسوّقت لها، فيما دفع الشعب السوري الثمن، مرة أخرى، على مذبح الطموحات الروسية وغيرها.
وبالتوازي مع التدخل العسكري الروسي، أفضت المحادثات الأميركية – الروسية إلى تشكيل “المجموعة الدولية من أجل دعم سورية”، في أواخر عام 2015، التي ضمت كل من إيران والسعودية وتركيا، وتمخضت عن إصدار القرار الأممي 2254، في كانون الأول/ ديسمبر 2015. كما ساهم خفوت حدة المعارك في بعض التقدم، من حيث إيصال المعونات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
ومع ذلك، لم ترُق هذه الجهود الدولية للنظام وحماته الإيرانيين، وظهرت بوادر خلافات مع الروس الذين أحجموا عن دعم الميليشيات المدعومة من إيران في أكثر من معركة، كما في معركة خان طومان (6 أيار/ مايو 2016). لكن هذا “الحرد” الروسي لم يستمر طويلًا، وعادت روسيا للاستثمار في الميليشيات الإيرانية، في الوقت الذي كانت تعد فيه الميليشيا الخاصة بها.
سياسة روسيا مع اللاعبين الإقليميين
لاقى التدخل الروسي معارضةً شديدة من تركيا الداعمة اللوجستية للفصائل المسلحة، ووصلت ذروة التوتر بين البلدين، حين أسقطت تركيا طائرة حربية روسية شمال اللاذقية نهاية العام 2015، إلى أن تغلبت المصالح وساد الوئام بين الدولتين، عقب محاولة الانقلاب على الرئيس أردوغان عام 2016، والدور الروسي المساند للرئيس أردوغان فيها. من جهة ثانية، أضافت هذه المحاولة شرخًا جديدًا في العلاقات الأميركية – التركية، نظرًا لاتهام المنشق التركي عبد الله غولن المقيم في الولايات المتحدة بالوقوف وراءها. كما لم تؤثر حادثة اغتيال السفير الروسي، أندريه كارلوف، في أنقرة (19 كانون الأول/ ديسمبر 2016)، سلبًا على العلاقات بين الدولتين، وقد انفتحت أمامهما آفاق جديدة للتعاون في سورية.
منذ ذلك الحين، بدأت ثمار التعاون الروسي – التركي بالظهور، فحصلت تركيا على مثلث (جرابلس – إعزاز – الباب) مقابل حلب الشرقية عام 2017، وعفرين مقابل الغوطة الشرقية في بداية عام 2018. في هذه الأثناء، لم تتوقف تركيا عن الحديث حول أمنها القومي وتضخيمه، مستغلةً دخول حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المسلح، كنسخة عن حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا، إلى شمال سورية. وكانت روسيا مستعدة، أو مجبرة، على مقايضة تركيا للهيمنة على المزيد من الأراضي السورية، طالما أن ثمة مصلحة للدولتين في الوقوف ضد الوجود الأميركي الذي يقف حجر عثرة أمام توسعهما معًا في الجزيرة السورية.
في كل الأحوال، تحرص روسيا على عدم إغضاب حليفتها تركيا، وعلى العودة لإبرام اتفاقات جديدة معها، كلما وصلت علاقة التحالف بين الدولتين إلى طريق شبه مسدودة، كما حصل بعد استعادة النظام وحلفائه لأكثر من ثلث مساحة محافظة إدلب في الهجوم الأخير، أواخر 2019. ومع أن هذا الهجوم حقق مكسبًا مهمًا، وهو إعادة فتح الطريق M5 الذي يكمل ربط العاصمة دمشق بمدينة حلب، فإن تركيا قلبت الطاولة في وجه حليفتها روسيا، عندما أدخلت المزيد من القوات إلى إدلب؛ ما جعل دون استمرار تقدّم قوات النظام وحلفائه كثيرًا من المخاطر التي تهدد التفاهمات الروسية – التركية السابقة، وخاصة بعد عودة تركيا للاستقواء بحلف الناتو. من جهة ثانية، يشير فشل تطبيق الاتفاق الروسي – التركي[2] الذي أوقف هذه الجولة من المعارك، وقضى بفتح الطريق M4 وقيام دوريات مشتركة (روسية – تركية) بحمايته، إلى أن ما حصل مجرد هدنة فرضتها -على الأرجح- أزمة كورونا التي تشغل العالم حاليًا.
وبمساعدة الميليشيات المدعومة من إيران، استهدفت روسيا المعارضة المسلحة والجماعات الإسلامية من دون تمييز، ووضعت اللبنة الأساس لتحويل مركز ثقل التأثير في المسألة السورية من الدور الإقليمي إلى الدور الدولي، وصار على الفاعلين الإقليميين أن يمروا عبر بوابة الجهد الدولي، وتحديدًا روسيا والولايات المتحدة، للتأثير في مجريات الأحداث، ومثل ذلك خطوة إلى الأمام لتحييد الصراع الإقليمي ذي اللبوس المذهبي وامتداده الفاعل في سورية. لم يكن ذلك يتوافق مع مصلحة إيران، ولكنها كانت مكرهة على قبول هذه الوقائع، وقد أضحت هزيمتها في سورية قاب قوسين أو أدنى، لولا التدخل الروسي.
من جهة ثانية، لم يكن الدور الروسي في سورية ليكبر ويتسع، لولا الضوء الأخضر الأميركي – الإسرائيلي، في تبادل أدوار غير مكتوب، ربما، للحد من فوضى الجماعات المسلحة، ومنها الميليشيات المدعومة من حليفتها إيران. تلتقي هنا المصلحة الروسية مع الرغبة الأميركية في إدارة المسألة السورية من قبل الغير، ومع المصلحة الإسرائيلية في إبعاد شبح إيران عن حدودها واستمرار إضعاف سورية.
كما احتاجت روسيا إلى “إسرائيل” كوسيط في علاقاتها مع الغرب، مثلما احتاجت “إسرائيل” إلى التنسيق مع روسيا في جهودها للحد من التموضع العسكري الإيراني في سورية، وخاصة في المنطقة الجنوبية الغربية، الأمر الذي يتفق مع المصلحة الروسية في الحد من النفوذ الإيراني المنافس[3]. مع ذلك، لم يخلُ التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سورية من لحظات صعبة، كما حصل بعد إسقاط طائرة حربية إسرائيلية في أثناء الهجوم على مواقع إيرانية في سورية (10 شباط/ فبراير 2018)، وبعد إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية من قبل وسائط الدفاع الجوية السورية بالخطأ (17 أيلول/ سبتمبر 2018) واتهام روسيا لـ “إسرائيل” بالتسبب بذلك. وفي كل الأحوال، لا يبدو أن ثمة مشكلة في التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سورية، بخلاف ما حصل ويحصل، وما قد يحصل، مع كل من إيران وتركيا.
الحل السياسي على الطريقة الروسية
بعد النجاح في صدّ المجموعات المسلحة عسكريًا؛ أقحمت روسيا جهودها السياسية في المسألة السورية منذ عام 2016، فنشطت الدبلوماسية لجمع القوتين الإقليميتين الفاعلتين في سورية معًا، تركيا وإيران، في مؤتمرات أستانة، في تعزيزٍ واضح لموقفها في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة. تحقق لروسيا من خلال هذا التحالف أكثر مما كانت ستحققه بالقوة المسلحة العارية، واستولت على ثلاث من مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها عام 2017 لتبقى الرابعة فقط؛ أي محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية، ثم عقدت روسيا مع تركيا اتفاقًا (17 أيلول/ سبتمبر 2018) لم يجر تنفيذه، ثم قامت بدعم هجوم النظام على إدلب (أواخر عام 2019).
في بداية العام 2018، رعت روسيا مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، ومع أن دول الغرب الفاعلة ومعظم المعارضة قاطعته، فقد تمخض المؤتمر عن تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور والدعوة لإجراء انتخابات ديمقراطية[4]. ثم انطلقت أعمال اللجنة الدستورية في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وقال غير بيدرسون، المبعوث الأممي إلى سورية، إن الجميع توافقوا على أن “تكون هذه عملية دستورية بقيادة سورية، مملوكة لسورية وتسهلها الأمم المتحدة”[5]. وبعد أقل من شهرين (21 كانون الأول/ ديسمبر 2019) أعلن مجلس الأمن توقف أعمال اللجنة الدستورية.
لقد صار من المعروف أن النظام لا يمكن أن يقبل بأي عملية انتقال سياسية، مهما كانت محدودة، لأنها ستكون بداية العد العكسي لوجوده ذاته، فكان يضع العراقيل دومًا في وجه المفاوضات، ويركز على التفاصيل الإجرائية، طالما لا توجد إرادة دولية لإرغامه على المضي في العملية السياسية، وفي ظروف غير ملائمة ما زالت تهيمن على العلاقات البينية للدول الفاعلة في الملف السوري، إلى أن فرضت أزمة فيروس كورونا نفسها، كأولوية لمعالجتها على المستوى الدولي.
وبعد مرور أربع سنوات على محاولات الحل السياسي على الطريقة الروسية، لم يتحقق اختراق ذو شأن، ولم تستفد روسيا عمليًا من استخدام القوة العسكرية على نحو مفرط، وعادت لتصطدم بإرادة الغرب الرافضة للحل السياسي إلا عبر بوابة مؤتمرات جنيف ذات الصلة بالمسألة السورية، فضلًا على عجز روسيا عن التصدي لعمليتي إعادة الإعمار وعودة المهجرين، إذ تحتاج هاتان المشكلتان إلى جهود تتجاوز قدرات روسيا بكثير، حتى لو افترضنا وجود الصدقية والثقة، وتتطلب تعاون الدول الممولة في الغرب والخليج[6]. كما أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الحل الروسي المزعوم هو إعادة إنتاج النظام، من خلال إحداث تغييرات شكلية تستند أساسًا إلى إعادة هيكلة الجيش والقوى الأمنية لتكون تابعةً لها، ما يضمن استمرار هيمنتها على مفاصل السلطة السياسية والمرافق الاقتصادية المهمة، وقد اتّضح أن المهمة العسكرية كانت أسهل بكثير على روسيا، وأن استثمار “النجاحات” العسكرية، سياسيًا، دونه خرط القتاد.
من جهة أخرى، لا ينحصر الدور الأميركي في سورية على المساحة التي تهيمن عليها، إنما على قدرتها على إرباك سياسات الأطراف الأخرى ذات النفوذ، وعلى تعطيل أي حل سياسي لا يُرضيها، واشتراطها إجراء عملية انتقال سياسية قبل إعادة الإعمار، ما يسهل عودة المهجرين على نطاق واسع ويُطلق عملية إعادة الإعمار، ولولا الوجود الأميركي في الجزيرة السورية؛ لكانت روسيا قد فرضت إرادتها على كامل الجغرافية السورية في نهاية المطاف.
هل ثمة سبيل لمسار سياسي آخر في سورية؟
وضع الاتفاق الروسي – التركي الأخير، حول إدلب[7] (5 آذار/ مارس 2020)، حدًا لإمكانية حدوث معارك حقيقية ذات شأن، ويبدو أن موضوع المنظمات المتطرفة ستتم معالجته على نار هادئة، وبالارتباط مع التقدم الذي قد يتحقق في الأشهر أو السنة القادمة من ضمن خطوات حل سياسي ما، لم تتضح معالمه بعدُ، وتتمثل مؤشرات اقترابه باستباق روسيا لاستحقاقات قد تجعلها تخسر كثيرًا من المكاسب التي حققتها في سورية، ومنها تطبيق قانون سيزر في حزيران/ يونيو القادم، ما قد يجعلها تقبل بالتعاون مع الغرب على “حلحلة” الاستعطاء الحالي باتجاه الاتفاق على مخرج سياسي، ولا سيما أن خريطة النفوذ الدولي في سورية قد اكتملت، ولن تحدث تغيرات جوهرية عليها من دون أن تتسبب في صدامات لن تخرج روسيا منها من دون تصدع علاقاتها مع تركيا والغرب.
هكذا، يمكن أن تكون الظروف ملائمة الآن، أكثر من أي وقت مضى، لتجلس الدول المعنية مباشرة بالمسألة السورية، وهي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، و”إسرائيل” من وراء الستار، كاحتمال أول، على طاولة المفاوضات وتتفق على شكل سورية المستقبلي، وتحدد للأطراف السورية المرتبطة بها ما يجب فعله في المدى المنظور، من ضمن ترتيبات الحكم الانتقالي التي لا يمكن استثناء ممثلي الأكراد منها هذه المرة. الاحتمال الثاني هو أن تكون المفاوضات ثلاثية، أميركية – روسية – تركية، بعد أن يتم إضعاف الوجود الإيراني بالقوة الإسرائيلية وزيادة الضغط بتشديد العقوبات الأميركية، ما يجعل المفاوضات أكثر سهولة مع رجحان للكفة الأميركية.
وفي حال تحقق استشرافنا هذا، فسيتم طيّ ملف “اللجنة الدستورية”، كثمرة لمسار أستانة، وقد فرضتها ظروف استنكاف الغرب وإحجامه عن تحمل مسؤولياته تجاه المسألة السورية، أو اعتبارها جزءًا من عملية التفاوض الشاملة. كما أن مسار جنيف تقادم وتجاوزته التطورات السياسية والعسكرية في الأعوام القليلة الماضية، ولا ينفي ذلك إمكانية تحديثه وإخراج الحل من خلال المنظمة الدولية.
ومما يرجح ذلك، تابعية الأطراف السورية (النظام والمعارضة) للدول المذكورة أعلاه، بطريقة أو بأخرى، وضعف دورها وعجزها عن إحداث فرق يعتدّ به في ميزان القوى المتحكمة بالشأن السوري، فقد عجزت المعارضة عن الخروج ببرنامج إنقاذي موحد أو التمايز عن الجماعات المتطرفة، في حين لم يعد بالإمكان إخفاء تصدّع جبهة النظام والصراعات التي انتقلت إلى نواته الصلبة هذه المرة، والتي لا يمكن فصلها عن الصراع الحاصل بين روسيا وإيران للسيطرة على مؤسساته[8]. كما تزايدت عمليات السطو على ما تبقى من الموارد الوطنية، ونشطت مافيات المخدرات لتشكل مشكلة للدول المجاورة والعالم.
لقد مثل الخضوع الروسي للضغوط الدولية من أجل وقف معركة إدلب الأخيرة، والاتفاق الروسي – التركي التالي، اعترافًا روسيًا بأن الحملات العسكرية لم تعد ممكنة، وأن ذلك سيضع روسيا في مواجهات سياسية، وربما عسكرية، غير محسومة النتائج مع تركيا والغرب، وهذا ما يدفع إلى البحث عن مخرج سياسي، وربما التضحية، مبدئيًا، برأس النظام، ومن ثم العمل على إحداث تغيير تدريجي في بنية النظام. تتوافق هذه الرؤية مع السيناريو الثالث، لتطور الأوضاع في سورية، الذي أوردته دراسة سابقة لفريق الدراسات السياسية في مركز حرمون للدراسات المعاصرة[9]، وقد بات الآن مرجحًا أكثر من أي وقت مضى.
بالنسبة إلى السوريين، من الأفضل أن يتضمن سيناريو الحلّ (الذي ستتفق عليه هذه الدول) وحدة الأراضي السورية، وأن يحصل الانسحاب التدريجي بعد أن يتم أخذ مصالح الدول المعنية بالحسبان، كما أن هناك مصلحة عامة في ضمان الأمن القومي التركي والمصالح الاقتصادية والسياسية لكل من روسيا وإيران وربما المصلحة الأميركية، في الإبقاء على بعض القواعد المرتبطة بلجم التمدد الإيراني شرق المتوسط، وذلك من خلال اتفاقات واضحة المعالم لا تتعارض مع السيادة السورية.
خاتمة
يبدو أن روسيا مضطرة إلى الاقتناع هذه المرة بأن لا حل يصمد في سورية من دون العودة إلى التعاون الدولي، ومعالجة الأسباب التي أوصلت الأمور إلى ما آلت إليه؛ أي بإحلال نظام تعددي محل الاستبداد، على نحو تدريجي، بحيث يستعيد السوريون الحد الأدنى من حرياتهم وإراداتهم التي شلّها وشوّهها نظام حكم الأجهزة الأمنية، ما يمهد لاستتباب طويل الأمد، وعودة معظم من غادروا “الجحيم السوري”، وإعادة بناء سورية على أسس حديثة وديمقراطية، وبغير ذلك؛ ستستمر حالة التعفن وربما تضيع سورية كدولة موحدة.
[1] https://m.arabi21.com/Story/1262391
[2] رفضت “هيئة تحرير الشام” فتح الطريق من خلال وضع حواجز بشرية عليه وتفجير أحد الجسور.
[3] انظر تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف (30 أيار/ مايو 2018) حول ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من منطقة خفض التصعيد في جنوب سورية، وكان يقصد، علاوة على القوات الأميركية في قاعدة التنف، الميليشيات المدعومة من إيران، وقد انتقد مستشار وزير الخارجية الإيراني، حسين شيخ الإسلام، هذه المطالبة الروسية بشدّة.
[4] https://www.bbc.com/arabic/amp/middleeast-42098675
[5] https://news.un.org/ar/story/2019/10/1042681
[6] في هذا الصدد، يمكن مراجعة ما قاله المبعوث الأميركي الخاص لسورية، جيمس جيفري، في مجلس الأمن الدولي بأن بلاده لن تساهم في إعادة إعمار الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة دمشق، لحين رؤية “عملية سياسية جديرة بالثقة ولا رجعة عنها”، وبأن هذا الموقف “يتماشى مع آراء العديد من شركائنا الأوروبيين والشرق أوسطيين” (22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019).
[7] نص الاتفاق على وقف الأنشطة العسكرية وإنشاء ممر آمن بعرض 6 كم شمال الطريق M4 وجنوبه، وتسيير دوريات تركية وروسية مشتركة، وتسهيل عودة المدنيين إلى أماكن إقامتهم الأصلية ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله.
[8] في الإشارة إلى تسجيلات رجل الأعمال رامي مخلوف على موقع (فيسبوك) التي كشف من خلالها عن خلافات جدية على تقاسم الثروات المنهوبة.
[9] سيناريوهات تطور الأوضاع في سورية، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، كانون الأول/ ديسمبر 2019، ص 25.
مركز حرمون
—————————–
القامشلي: هل تبدأ منها الحرب العالمية الثالثة؟!/ أم حرب باردة صامتة؟/ هوشنك حسن
“محدا جاي كرمالنا، الكل عم يدور ع مصلحتو، الله يجيرنا من الآخرة” هذا ما يقوله الحاج أمين الجالس قرب المدفأة في مدينة القامشلي وهو يلف سيجارته بيديه، مبديا رأيه في وجود القوات الأميركية والروسية داخل مدينته، حيث يتخوف الأهالي من صدام بين الطرفين، لا يشعل المدينة وحدها، بل العالم كله؟ فما حقيقة هذا الأمر؟ كيف ينظر الطرفان الروسي والأميركي إلى وجودهما بجانب بعضهما في مدينة واحدة؟ وما هو موقف قسد والحكومة السورية؟ وما هو موقف الأهالي؟
صحفي كردي سوري، مقيم في القامشلي، شمالي سوريا. يعمل منذ 7 أعوام في الإعلام المرئي والمكتوب. حاصل على جائزة أفضل صحفي في شمال شرق سوريا للعام 2019، عن فئة التقارير المصورة من قبل اتحاد الإعلام الحر.
(القامشلي)، بداخل مقهى شعبي وسط مدينة القامشلي أقصى الشمال الشرقي لسوريا، يجلس الحاج أمين قرب المدفأة لعلها تقيه من موجة البرد الشديدة التي تعصف بالمنطقة هذه الأيام، وعلى بعد بضعة كيلومترات منه يتواجد جنود أجانب، كلّ منهم داخل قاعدته، يتخذ بعضهم الدب شعاراً لقوّته، أما البقية فيعتبرون انتشارهم حول العالم رمزاً لقوتهم.
يقول الحاج السبعيني قابضاً بيديه المرتجفتين على لفافة التبغ الرخيص التي لفت باليدين نفسها: “رأيت مثل هذا البرد مراراً، خاصة أثناء طفولتي، لكن لم أكن أتخيل أني سأرى أولئك الجنود الذين أتوا من آخر الدنيا إلى هنا”، مشيرا إلى القوات الأمريكية والروسية. يقولها بابتسامة ويزيد كمية الوقود المتسربة إلى نار المدفأة.
الوجود الأمريكي
يعود تاريخ وجود القوات الأمريكية التي تقود التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، إلى أواخر العام 2014، وعلى وجه الخصوص أثناء معركة كوباني/عين العرب، حين أتت لمساندة وحدات حماية الشعب (العماد الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية)، وتكلل هذا التنسيق بطرد التنظيم من المدينة، ليبدأ “التحالف” بعدها بإنشاء قواعد وثكنات عسكرية في مناطق مختلفة من شمال وشرقي سوريا، ومنها مدينة القامشلي.
بحسب المعلومات التي حصلت عليها “حكاية ما انحكت” من عدة مصادر متطابقة، فإن عمل القوات الأمريكية في القامشلي هو استخباراتي بالدرجة الأولى، ويركز بشكل رئيسي على ملاحقة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” التي تنشط في المنطقة، لا سيما تلك المناطق التي كان يسيطر عليها.
(جندي أمريكي داخل إحدى الثكنات التابعة للتحالف بالقرب من القامشلي، تصوير هوشنك حسن. تاريخ 6 أذار/ مارس 2020. خاص حكاية ما انحكت)
يتواجد داخل الثكنة الموجودة في القسم الغربي لمدينة القامشلي عدد من الجنود والضباط، وخبراء في الشؤون العسكرية والاستخباراتية، لكنهم أوقفوا 90٪ من مهماتهم ضد التنظيم بعد قرار الانسحاب الذي أعلنه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019. وبحسب مصدر مطلع على عمل القوات الأمريكية، فإن المهمة الأساسية لهذه الثكنة مؤخراً باتت مراقبة تحركات القوات الروسية واعتراض دورياتها، والتي دخلت بدورها عقب الانسحاب الأمريكي.
الجار غير المتوقع والخصم
كانت القوات الأمريكية هي القوات الأجنبية الوحيدة داخل مدينة القامشلي لسنوات عدة، لكن في منتصف تشرين الأول/أكتوبر من العام المنصرم، جاءت القوات الروسية كي تتمركز داخل مطار القامشلي وعلى بعد /4/ كم فقط من مكان تواجد القوات الأميركية، في حادثة نادرة في العالم.
الدخول الروسي جاء بعد توقيع تفاهم بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية، تفضي بانتشار الجيش السوري على الحدود السورية التركية، عقب العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا تحت مسمى “نبع السلام”.
مطار القامشلي بات اليوم نقطة تمركز استراتيجية للشرطة العسكرية الروسية شمالي سوريا، حيث يتم تسيير جميع الدوريات المشتركة مع القوات التركية أو الاستطلاعية الروسية من هناك، وقامت القوات الروسية ببناء قاعدة عسكرية لها داخل حرم المطار، وثبّتت بداخلها أسلحة متطورة وأجهزة رادار للتعقب، كذلك هناك طواقم عسكرية وطبية وعدد من أعضاء الشرطة العسكرية، بالإضافة لعدد من الحوامات التي تقوم بطلعات جوية في المنطقة بشكل متكرر، بحسب مصدر عسكري يعمل مع القوات الروسية، وشاهدت “حكاية ما انحكت” أثناء زيارتها للمطار نفسه ما يشبه غرفة تنسيق ويتواجد بداخلها عدد من الضباط الروس الجالسين خلف أجهزة تعقب وأجهزة أخرى، بالإضافة لخرائط معلقة على الجدران، لم يُسمح لنا بتصويرها.
القامشلي…
هي مدينة سورية تمتد بمحاذاة الحدود التركية في أقصى الشمال الشرقي لسوريا. لا تتعدى مساحتها 37كم2، وقد قام الفرنسيون ببنائها في العام 1921. يسكنها اليوم خليط من الكرد، العرب والسريان ويعيش فيها ما يقارب 200 ألف نسمة، بحسب مصادر غير رسمية، قسم منهم جاؤوا نتيجة النزوح من المناطق السورية الأخرى إليها.
تشترك كل من قوات سوريا الديمقراطية والقوات الحكومية السورية السيطرة عليها، فالحكومة تُسيطر على ما يُعرف بـ “المربع الأمني”(مساحة يتواجد بداخلها عدد من المقرات الأمنية والعسكرية وعدد من المؤسسات) وكذلك فوج عسكري مطل على المدينة، بالإضافة لمطار القامشلي الدولي، بينما المساحة الأكبر من المدينة تُسيطر عليها “قسد”.
بحسب مصادر من التحالف الدولي، فإن المدينة حيدت من القصف التركي بعد أيام من بدء العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا، واستبعدت المدينة من خريطة الدوريات المشتركة بحسب اتفاقية سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان.
لماذا القامشلي؟
كثيرة هي المدن في الشمال السوري التي تتواجد فيها القوات الأمريكية، ونفس الأمر بالنسبة للقوات الروسية لكن المدينة الوحيدة التي تتواجد فيها قواعد عسكرية للقوتين هي القامشلي مما دفعنا للتساؤل عن السبب وراء ذلك.
الكاتب الصحفي آلان حسن، والذي ينحدر من نفس المدينة يتحدث عن عدة عوامل تشجع كل طرف للسيطرة على المدينة ويكون ذلك بمثابة نقطة مكتسبة على حساب الطرف الآخر. وبحسب “حسن” فإن تلك العوامل هي “رمزية المدينة من حيث وجود طيف واسع من مكونات الشعب السوري العرقية والدينية والطائفية، ووجود الحكومة السورية، وكذلك الأجهزة الأمنية، وأيضاً مطار القامشلي الدولي، كما إن موقعها بمحاذاة الحدود التركية مع مدينة نصيبين التركية تشكل أهمية رمزية لها، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي القريب من مناطق النفط”.
(مسن يمشي على طرف الشارع الرئيسي وسط القامشلي، تصوير: هوشنك حسن، شباط/ فبراير 2020. خاص حكاية ما انحكت)
أما الدكتور عمرو الديب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “نيجني نوفغورود” الروسية تحدث لـ “حكاية ما انحكت” من موسكو، بأن القامشلي “لها أهمية كبيرة بسبب وجودها في منطقة غنية بالنفط، ولها أهمية زراعية كبيرة، وتأتي مسألة الصراع الروسي الأمريكي عليها في إطار الصراع الكبير بينهما في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى”.
من جهتها، فإن الكاتبة الصحفية هديل عويس من واشنطن تشير إلى أهمية وحيوية المدينة لكلا الطرفين، وتصفها بأهم الأراضي التي تسعى موسكو لإخراج واشنطن منها، حيث تقول لـ “حكاية ما انحكت”: “إحدى أهداف أمريكا من البقاء في شمال سوريا هو منع النظام وروسيا من إطباق السيطرة الكاملة عليها”، وتضيف بأن قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا جلب له انتقادات كثيرة، لذلك يحاول الإبقاء على المساحات المتبقية من المناطق تحت نفوذ قواته، خاصة أن أمريكا مقبلة على انتخابات رئاسية نهاية هذا العام.
حرب عالمية في المدينة الصغيرة
وجود القوتين في المنطقة لا يعني السلام كما يتأمل سكان الشمال السوري، حيث الحرب الكلامية بين الجنود الروس والأمريكيين باتت مشهداً شبه يومي، والتي بدأت صباح السبت، الثامن عشر من كانون الثاني/ ينايرللعام الحالي، حينما اعترضت القوات الأميركية دورية تابعة للشرطة العسكرية الروسية كانت متوجهة إلى معبر سيمالكا الحدودي ما بين إقليم كردستان العراق، وشمالي سوريا، ولا تزال حوادث الاعتراض تتكرر إلى اليوم.
كذلك، فقد تشاجر جنود أمريكيين وروس في كانون الأول ديسمبر عام 2019 بالأيادي بالقرب من بلدة تل تمر غرب القامشلي على الطريق الدولي M4، بعد اعتراض الجنود الأمريكيين للدورية الروسية.
في الثاني عشر من شباط/ فبراير قتلت القوات الأميركية موالياً للحكومة السورية في قرية خربة عمو في ريف القامشلي، بعد اعتراض أهالي القرية الموالين للحكومة على مرور الدورية الأميركية داخل القرية. والجدير بالذكر أن عدد كبير منهم متطوعون ضمن صفوف ميليشيات تدعمها الحكومة السورية. وانتشرت مقاطع مصورة في وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه جنود روس يطالبون أهالي القرية بمقاومة الجنود الأمريكيين ليهتفوا بعدها بـ “لا لأمريكا، تحيا روسيا”.
وحول ما جرى في قرية “خربة عمو” يقول الصحفي الكردي هوكر نجار، الذي يتابع هذه المناوشات عن قرب، إن ” قوات النظام السوري دعمت مليشيات الدفاع الوطني وأبناء القرية للوقوف بوجه الدورية الأمريكية، حيث عمد بعض عناصر تلك المليشيات إلى ارتداء اللباس المدني ليظهروا برائتهم، وأطلقوا الرصاص الحي على الدورية بمرأى من القوات الروسية والسورية”، وعن الهدف من ذلك يضيف نجار ” تسعى كل من روسيا والنظام إلى إخراج القوات الأمريكية من الأراضي السورية، لبسط سيطرتهما على المنطقة بالكامل”.
وبحسب الصحفي الكردي أن القوات الروسية تحاول بناء قوة تابعة لها من أبناء منطقة الجزيرة “هدفها استهداف القوات الأمريكية”.
ونشر التحالف الدولي حينها بياناً قالت فيه بأن قواتهم تعرضوا لإطلاق نار، ليقوم جنود التحالف بعدها بالدفاع عن أنفسهم والرد على مصادر إطلاق النار.
هل من تصادم وشيك؟
بالحديث عن إمكانية التصادم الأمريكي الروسي يقودنا التاريخ إلى عشية السابع عشر من شباط/ فبراير من العام 2018 عندما حاولت مجموعات تابعة لشركة “فاغنر” التي تجند مقاتلين وترسلهم إلى أماكن مختلفة من العالم، التقدم إلى مناطق خاضعة للنفوذ الأمريكي شرق نهر الفرات، في محاولة للسيطرة على حقل “كونيكو” النفطي الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. إلا أن المقاتلات والمدفعية الأمريكية قتلت أكثر من 300 عنصر منهم.
المصدر المطلع على عمل القوات الأمريكية أكد وقوع العديد من الحوادث التي كانت من الممكن أن تؤدي الى تصادم عسكري غير محسوب العواقب بين القوات الأمريكية والروسية في شمالي سوريا، ويستذكر العام 2017 حينما اخترقت مقاتلة روسية أجواء النفوذ الأمريكية شرق نهر الفرات، والتي كانت تساند حينها قوات سوريا الديمقراطية في معركتها ضد تنظيم داعش بمدينة الطبقة.
يقول المصدر لحكاية ما انحكت: “حينها اتصل القائد المسؤول عن القوات الأمريكية بمركز التنسيق الروسي طالباً سحب مقاتلتهم، لكن الطرف الروسي قابل الطلب بالرفض، لتبدأ بعدها قوات التحالف استعداداتها لإسقاط تلك الطائرة، ولحرب كبيرة، وتأهبت القوات الأمريكية في عدد من الدول القريبة مثل الكويت، لمساندة رفاقهم في النسخة الثالثة من الحرب العالمية، وذلك بعد الحصول على التفويض من القيادة” يضيف المصدر “لكن الاتصال الحاسم القادم من موسكو حال دون إسقاط تلك المقاتلة، والذي كان فحواه الاعتذار والإخبار بسحب المقاتلة فوراً”.
الشاعر السرياني، حنا صومي، والمتواجد في وسط مدينة القامشلي، يعلق على الموضوع قائلاً: “الصراع الأمريكي – الروسي من أجل النفط والغاز وكافة الموارد الموجودة في المنطقة” ويضيف “لا نقبل لا الروسي ولا الأمريكي بل نريد سوريا حرة ومحررة”، لكن الشاب باسل عبدي لا يخفي مخاوفه من نشوب صراع عالمي في مدينته، ويتأمل أن يحل هذا الصراع عبر تفاهم دولي، ويميل باسل إلى الطرف الأمريكي كونه ساعد في “طرد داعش من المنطقة” بحسب قوله.
دلوڤان السيد وهو من سكان القامشلي، يطالب برحيل الأثنين بقوله “روسيا باعتنا في عفرين، وأمريكا باعتنا في سري كانيه/ رأس العين، فليرحلوا من لا يهمهم غير مصالحهم” ويكمل مسيره ضمن سوق شعبي وسط المدينة.
دبلوماسية ولكن؟
حول إمكانية التصعيد بين القوات الأمريكية والروسية في سوريا، وخاصة في القسم الشمال الشرقي منها، التقت حكاية ما انحكت مع المتحدث الرسمي باسم التحالف الدولي الكولونيل، مايلز كيكينز، في إحدى القواعد الأميركية في مدينة الرميلان بشمال سوريا، وعبّر الكولونيل عن مخاوفهم من الحوادث المتكررة مع القوات الروسية، وأشار إلى أن قنوات اتصال لخفض التصعيد موجودة بينهم وبين الروس ويتم التباحث حول هذه الأمور عبرها.
وعن احتمالية نشوب اشتباك مفاجئ علق: “نحن نقوم بتنظيم تحركاتنا في الأرض والسماء مع قوات محلية (في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية) ونركز جهوداً لمنع حدوث أي تصعيد أو مواجهات فجائية”.
وكان ضابطاً أميركياً، يتواجد في شمالي سوريا، قد تحدث قبل فترة لوسائل إعلام محلية عن وجود تفويض لديهم باستخدام القوة في حال تعرضهم لهجوم من أي جهة كانت، بما فيها روسيا.
وأضاف مايلز، في تصريح آخر لـ”حكاية ما انحكت” بإنه تم تشكيل آلية لمنع الاشتباك مع القوات الروسية، خاصة فيما يتعلق بالطريق الدوليM4، وأشار إلى تبادل رسائل إلكترونية ومكالمات هاتفية مع الطرف الروسي لعدم وقوع “أخطاء”.
“قسد” تحاول عدم فقدان التوازن
العامل المشترك بين الوجود الأميركي والروسي في مناطق شرق الفرات هو التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية، كلّ على حدة. الناطق الرسمي لقسد كينو غابرييل، قال في تصريح خاص لـ حكاية ما انحكت: “تنسيقنا مع التحالف الدولي مستمر ضمن إطار الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، أما التنسيق مع الجانب الروسي فيركز على مواجهة التهديدات التركية وتحقيق آلية أمن الحدود”.
وعن احتمالية التصادم بين الطرفين، يقول غابرييل: “قواتنا لديها الإمكانيات الكافية والخبرة اللازمة لتحقيق التوازن في التنسيق معهما” في إشارة الى قوات التحالف الدولي والقوات الروسية.
وشهد السكان المحليون في شمال سوريا ولعدة مرات أثناء اعتراض القوات الأمريكية مرور عربات عسكرية للشرطة العسكرية الروسية تدخل مقاتلين من قسد وإنهاء الجدل، ولكن بشكل مؤقت.
الحكومة السورية: سنُصعد ضد “الاحتلال” الأمريكي
حاولت حكاية ما انحكت التواصل مع أحد المسؤولين في الحكومة السورية للتعليق حول موضوع وجود قوات مختلفة على الأراضي السورية. وبعد أيام وافق مصدر عسكري يتواجد في مدينة الحسكة التحدث لنا شريطة عدم الكشف عن اسمه ومنصبه.
المصدر تحدث عن وجود القوات الروسية ووصفه بـ “الشرعي” كون تلك القوات أتت بطلب رسمي من الحكومة السورية، وأشار بأنهم سيقدمون كامل الدعم لإنجاز المهمة المكلفة بها.
وكانت القوات الروسية قد تدخلت رسمياً في الحرب السورية في أيلول/ سبتمبر من العام 2015 وحينها كانت القوات الحكومية لا تسيطر إلا على ثلث الأراضي السورية فقط.
أما بالنسبة للوجود الأمريكي فقد وصفه المصدر بـ “الاحتلال” كونه لم يأتِ بطلب من الحكومة السورية، وأضاف المصدر بأنهم “يدعمون مؤخراً تشكيل مقاومة شعبية لطرد المحتل الأمريكي والتركي”.
وكان مسلحون مما يسمى “الدفاع الوطني” المدعوم من الحكومة السورية قد شاركوا في اعتراض الدورية الأمريكية في قرية خربة عمو بريف القامشلي، وأطلقوا النيران على الدورية.
وفي نهاية حديثه أشار المصدر بأن “الجيش العربي السوري” لديه قرار بالتوجه الى كافة المناطق السورية ورفع العلم السوري عليها.
“أمريكا خائنة”
بعد محاولات عديدة وانتظار لأيام استطاعت “حكاية ما انحكت” الوصول إلى مسؤول روسي يُشرف على قوات بلاده في شمالي سوريا، حيث يتجنبون عادةً التحدث إلى وسائل الإعلام، والتقت بالجنرال أليكسي أناتولي قائد القوات الروسية في منطقة شرق الفرات.
تعابير وجه الجنرال التي تغيرت أثناء الحديث عن وجود القوات الأمريكية تكشف الامتعاض الروسي من هذا الوجود، وهو ما لم يخفيه الجنرال في حديثه حيث قال “أمريكا هي سبب عدم الاستقرار في المنطقة، وهي سبب الأزمة في سوريا”. واتهم القوات الأميركية بخيانة الشعب السوري في إشارة إلى ما وصفه بـ”الضوء الأخضر” الأمريكي لـ تركيا للدخول إلى منطقتي سري كانييه وتل أبيض.
عن الحوادث المتكررة و”الملاسنات” الحاصلة أكد الجنرال الروسي بأن جميعها حُلت عبر الطرق الدبلوماسية وأضاف “أنا شخصياً لم ولن أتحدث معهم أبداً”، بينما رفض الإجابة عن احتمالية التصادم العسكري وردهم على ذلك.
مخاوف كـ البورصة
مع تكرار هذه الحوادث يتخوف السكان المحليين من نشوب حرب عالمية بين الطرفين على أرضهم ويكونوا هم ضحاياها، حيث تقول السيدة ليلى أحمد (37 سنة)، والتي تعمل ضمن محل لبيع الألبسة “الحوادث المتكررة تبعث على الخوف من نشوب معركة بين الطرفين، خاصة إذا ما لا سمح الله وجرت لن تكون كما المعارك التي تعودناها، كون هذه ستكون بين قوتين عالميتين” لكنها ترى إيجابية في وجود الطرفين لسد الطريق أمام تركيا لدخول القامشلي، كما تقول.
(مقهى شعبي وسط سوق القامشلي، تصوير هوشنك حسن. 17 شباط/ فبراير 2020. خاص حكاية ما انحكت)
بينما تصف الشابة شهد مجول مشهد الملاسنات بين الطرفين، كـ ” الجدل بين أطفال الحارة”، وتضيف ” كنا نعتقد إنهم عقلاء”، وتتخوف الشابة من صراع بينهما وتقول “سيجرفنا الطوفان”.
“محدا جاي كرمالنا، الكل عم يدور ع مصلحتو، الله يجيرنا من الآخرة” هكذا يلخص الحاج أمين الجالس قرب المدفأة، رأيه في وجود القوات الأجنبية داخل مدينته، وهو ينفث دخان سيجارته.
حكاية ما انحكت
——————————-
فشل الكرملين السوري/ بسام مقداد
بعد أقل من شهر على نشر مواقع “طباخ بوتين” يفغيني بريغوجين الإعلامية سلسلة مقالات “اكتشفت” كهوف فساد النظام السوري ، ووصفت الأسد ب”العاجز” عن إدارة السلطة ، تراجعت هذه المواقع عن اتهاماتها تلك، ونشرت نقيضها تماماً . في مقالة بعنوان ” العمليات العسكرية لا تمنع الرئيس السوري الأسد من استنهاض البلاد” ، نقلت “وكالة الأنباء الفدرالية” التابعة لبريغوجين عن خبير روسي تساؤله المعجب بقدرات الأسد على استنهاض سوريا بفترة قصيرة ، يهتم خلالها بمؤسسات الدولة والقضاء على الإرهابيين وإعادة المهجرين .
منشورات “الطباخ” ، التي تراجعت عنها مواقعه قبل أقل من شهر على نشرها ، كانت قد أثارت موجة عارمة من ردود الفعل واتهامات الكرملين بالوقوف وراءها. وكان إعلام الكرملين قد نأى بنفسه في حينه عن هذه المنشورات ، ولم يتطرق إليها من بعيد أو قريب . إلا أنه سرعان ما وجد نفسه منخرطاً في الرد على ما خلفته هذه المنشورات من تأكيدات على خلاف مستحكم بين دمشق وموسكو ، وعن قرب إستقالة الأسد بضغط من الكرملين . وكالعادة ، قامت مواقع الكرملين الإعلامية الكبرى ، مثل تاس ونوفوستي ، بإستصراح خبراء ودبلوماسيين نفوا شائعات إستقالة الأسد ووجود خلافات بين موسكو ودمشق . فقد نشرت تاس الأحد المنصرم ، نقلاً عن “مهر” الإيرانية ، تصريحاً للسفير الروسي في طهران ليفان جاغاريان ، قال فيه بأن ثمة من يستغل القول بأن روسيا مستاءة من الأسد ، علماً أن هذه التصريحات (منشورات الطباخ) هي تصريحات خاصة ، لا تعكس موقف الحكومة الروسية الرسمي. واضاف بأن روسيا سوف تستمر في دعم العملية السلمية في سوريا وحكومة البلد الشرعية ، ومستقبل سوريا هو ملك شعبها ، وبوسعه هو فقط أن يتخذ القرار بشأن بلده . ولم ينس السفير ، بالطبع ، الإشادة بجهود أطراف منصة أستانة ، إذ “بفضل جهودنا الثلاثية أمكن وقف العمليات العسكرية وبدء المفاوضات” .
من جهتها كانت نوفوستي قد استبقت تاس بنشر تصريح للسفير الروسي السابق في دمشق الكسندر زوتوف ، لم يختلف في مضمونه عما جاء في تصريح زميله في طهران ، تحدث فيه عن استغرابه لشائعات استقالة الأسد القريبة . لكن اللافت كان نشر الوكالة ، في سياق النص عينه ، تصريحاً لأحد المحاضرين في معهد العلوم الإجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية ، تميز بلهجته الحادة ضد الأسد . فقد قال المحاضر دانيال ديميدنكو ، أن استقالة الرئيس السوري المحتملة ليست مستغربة ، فالأسد ، ومنذ مطلع “الربيع العربي” في العام 2011 لم يكن شخصية مريحة . فهو لا يتقبل المعارضة ، ولا يتقبل الأكراد ، الذين يسيطرون على ما وراء الفرات بأكمله ، وهو ليس مقبولاً من الولايات المتحدة ومن حكام الخليج . والحديث لا يتناول الأسد كشخصية سياسية ، بل يتناوله كرمز للحكم السابق ، كرمز لحزب “البعث” ، كرمز لاضطهاد الأكراد ، كرمز لذلك النظام الذي قامت الإنتفاضة ضده ، حسب ديميدنكو، الذي اعتبر أن استقالة الأسد ستكون منطقية ، لولا غياب الشخصية التي تحل مكانه. ويستطرد الرجل بالقول ، أن الأسد هو الذي يعرقل التسوية الآن ، كما كان يعرقلها منذ العام 2011 ، وموسكو أعلنت غير مرة ، أن القضية ليست في الأسد ، بل في تسوية الوضع في سوريا ، وهو لا يعتقد أن “موقفنا قد طرأ عليه تغيير مبدئي الآن” .
صحيفة الكرملين “”vz ، التي صمتت طيلة الشهر المنصرم عن منشورات إعلام “الطباخ” وردود الفعل عليها في معظم صحف العالم ، لم تتأخر الآن عن الإدلاء بدلوها الإثنين المنصرم في سياق مقالة بعنوان “سيتعين على موسكو تذكر الشرق الأوسط” . قالت الصحيفة في مقالتها بأن الوضع في الشرق الأوسط سيلتهب هذا الصيف ، وعلى موسكو أن تعمل ليس إطفائياً فحسب ، بل قد يتعين عليها تعلم “مهن جديدة مفيدة” ، من دون أن تذكر من المهن تلك غير مهنة “مصلح الشرق الأوسط” ، التي اعتاد الكرملين أن ينسبها لنفسه.
وبعد أن تستهل الصحيفة مقالتها بالحديث عن “صفقة القرن” ، وعن إستفادة روسيا منها ، كيف ما انتهت إليه هذه الصفقة ، تقول بأن المرجل السوري لا يزال يغلي ، والسبب ليس في العمليات العسكرية الدائرة بين السلطة والمعارضة ، التي “لم يُجهز عليها” بعد ، بل السبب في الوضع المعلق للعمليات السياسية وعدم إنجازها . وبعد أن تستطرد في سوق الإتهامات لتركيا بوضع الحطب تحت المرجل السوري ، تقول بأن تركيا ، مع ذلك، ليست هي “وجع رأس” موسكو الرئيسي ، بل العقبة الأكثر جدية في طريق “إنجاز نصر روسيا النهائي” في سوريا موجودة في دمشق . والشائعات التي تنشط في الأيام الأخيرة حول البرودة الشديدة في العلاقات بين دمشق وموسكو ، يتداولها صحافيون غربيون وخبراء روس يخدمون مصالح السعودية ، لكن يتداولها أيضاً خبراء جد أكفاء ، حسب الصحيفة .
وعلى الرغم من أن الرسميين الروس ينفون هذه الشائعات بالطبع ، ويصفونها بالمؤامرات الغربية ، إلا أن “لا نار بلا دخان” ، وهذه النار تشتعل منذ فترة بعيدة ، حسب الصحيفة . لدى روسيا والأسد نظرات مختلفة إلى عملية التسوية السياسية في سوريا . فالأسد ، وكذلك من يقف وراءه من الضباط السوريين والإيرانيين ، ليسوا مستعدين “للمصالحة” مع الإرهابيين المعتدلين (هكذا في نص الصحيفة) ، الذين فجروا الحرب الأهلية ، كما ليسوا مستعدين لتقديم تنازلات لهم ، وكيف بالأحرى دمجهم (ومن يقف خلفهم من الأتراك والسعوديين) في نظام حكم البلاد .
أما روسيا ، فهي تحاول أن تبين ، أنه لا يمكن إنهاء الحرب الأهلية دون المصالحة والتنازلات ، إلا أنها لم تنجح حتى الآن ، مما يعني أنها مضطرة لمواصلة الحملة السورية ، لأنها التزمت بإجراء العملية السلمية ، ولأنها لا ترى ما يمكن خشيته من وجود مصالح بلدان مختلفة في سوريا . ويبدو للصحيفة ، أنه تجري الآن في سوريا عملية تسوية سياسية جدية لجميع التناقضات ، وسيتضح في الصيف بما ستنتهي إليه هذه العملية .
لكن من الذي يمنع الكرملين من “إنجاز نصر روسيا النهائي” في سوريا ، ويلزمه بمواصلة العملية العسكرية في سوريا “لحل جميع التناقضات” خلال الصيف القادم ؟ الخبيران الروسيان أنطون مارداسوف وكيريل سيمينوف المرحب بهما في معظم المواقع الناطقة بالروسية ، بما فيها موقع “المجلس الروسي للعلاقات الخارجية” ، نشرا في 15 من الجاري في موقع “Riddle” المستقل والناطق بالروسية والإنكليزية ، ويتشكل مجلس أمنائه من خبراء وأكاديميين روس وغربيين ومن دول البلطيق ، مقالة مشتركة بعنوان “روسيا من دون الأسد” (وكأن الكاتبان يكرران بعنوانهما هذيان خالد العبود). يستعرض الكاتبان في مقالتهما التطورات خلال الشهر المنصرم على منشورات “الطباخ” وسيد مرتزقة “فاغنر” ، ويعتبران أنها مجرد تناقض مصالح بين يفغيني بريغوجين والنظام السوري، كما يعتبران مقالة الكسندر أكسينيونك ، نائب رئيس المجلس الروسي ذاك ، التي تداولتها معظم صحف العالم ، بأنها رأي شخصي تزامن نشره مصادفة حينذاك مع نشر مقالات إعلام الطباخ.
يقول الكاتبان ، أن الدبلوماسيين والعسكريين الروس ، الذين يتلطون وراء الكلام عن خيار الشعب السوري وضرورة الحفاظ على مؤسسات السلطة ، يقومون بتقليد للعملية السياسية لتسوية الصراع السوري ، ويضعفون المعارضة في ظل تعزيز شخصية الأسد . فهم يدركون أنه طالما بقيت أسرة الأسد في السلطة ، تصبح مستحيلة أية إصلاحات جدية . وأهم ما في الأمر ، برأيهما ، أن روسيا ، وخلال السنوات التي انقضت على انخراطها في العملية العسكرية ، قد عجزت عن مأسسة وجودها في سوريا ، إذ عجزت عن إيجاد قوى مخلصة لها كلياً ولوبي سياسي مؤثر ، يمكن لموسكو أن تستند إليه ، وهي تدفع دمشق نحو هذه الخطوات أو تلك .
ويخلص الكاتبان للقول ، أن عودة روسيا إلى الشرق لأوسط مع حملتها العسكرية ، تهدد بأن تتحول بالنسبة للموسكو ، إلى مأزق “شرق أوسطي” إذا لم تستخلص من كل مسار التطورات السورية الاستنتاجات الضرورية ، ولم يتم تصحيح التعاون مع الأسد ضمن الإمكانيات المتبقية ، التي تضيق باستمرار .
المدن
—————————
ما الذي تنتظره روسيا من سوريا؟/ فيتالي نعومكين
تظهر في وسائل الإعلام العالمية، وخاصة في الشبكات الاجتماعية، في الآونة الأخيرة، الكثير من المواد حول تفاقم التناقضات المزعومة بين موسكو ودمشق أو حتى عزم روسيا على إعادة النظر في سياستها فيما يتعلق بالأزمة السورية.
في الواقع، هذا هو الخيار الذي كان يفكر فيه الكاتب الكوميدي الأميركي العظيم مارك توين، عندما قال: «إن الشائعات حول وفاتي مبالغ فيها إلى حد كبير». موسكو مواظبة بمسيرتها في مساعدة دمشق في محاربتها للإرهاب، ودعم مبادئ سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها، والتسوية السياسية للأزمة، وإعادة التأكيد على الالتزام بالأهداف المحددة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254 وبذل الجهود لاستئناف عمل اللجنة الدستورية في جنيف، الذي بات يواجه الآن صعوبات بسبب جائحة فيروس «كورونا». وتم الحفاظ على التعاون بين روسيا وتركيا وإيران في الملف السوري في شكل كامل، ولا يزال وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد في إدلب ساري المفعول مع بعض الانتهاكات الطفيفة، والدوريات المشتركة للجيش الروسي والتركي مستمرة، ومستوى العنف في البلاد انخفض بشكل حاد.
كل هذا لا يعني على الإطلاق أنه لا يوجد تناقض أو تنافس بين «الدول الضامنة» أو أن وجهات نظرهم حول المشكلة السورية متطابقة تماماً، لكن الأمر كان دائماً على هذا الحال، وتم حتى الآن التغلب على الاختلافات، حتى تلك الخطيرة جداً.
على أي حال، لا يمكن إنكار ثبات الموقف الروسي. على سبيل المثال، غيرت الولايات المتحدة عدة مرات أولويات وجودها العسكري في سوريا – مرة محاربة الإرهاب، ثم مواجهة إيران، ثم إبقاء حقول النفط تحت سيطرتها لتمويل «قوات سوريا الديمقراطية»، وأخيراً، التصريح الأخير للمبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا جيمس جيفري، الذي قال: «وظيفتي هي خلق مستنقع للروس هنا». ربما كان من الصواب أن نطلق على هذا الدبلوماسي الأميركي ذي الخبرة والذي لا يرمي الكلام عبثاً، المبعوث الخاص، ليس إلى سوريا ومحاربة الإرهاب، وإنما للحرب ضد روسيا؟ لكن، في هذه الحالة، ما هو مصير التعاون الروسي – الأميركي في مكافحة الإرهاب؟ وخاصة، إذا أخذنا بالحسبان حقيقة أن الطرفين لا يزالان مستمرين، انطلاقاً من مبدأ الشراكة، في تبادل المعلومات في هذا المجال، ويتم احترام الاتفاقات بشأن عدم وقوع صدام. بطبيعة الحال، لا يعني استمرار التعاون أنه لا توجد مخاطر بالنسبة لموسكو من حدوث تصادم عرضي. هذه المخاطر تأتي من جهة إسرائيل، التي تواصل ضرب أهداف إيرانية وسورية في مناطق مجاورة مباشرة لتلك المرافق والمواقع حيث يوجد الجيش الروسي. بالمناسبة، إيران، على ما يبدو، لا تنوي مغادرة سوريا أيضاً. لا يمكن الوثوق بالتقارير الإعلامية حول تقليص الوجود الإيراني (والموالين لإيران، إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود الميليشيات الشيعية المختلفة) في البلاد، وعلى ما يبدو، أن الحديث يدور فقط حول عملية إعادة انتشار لهذه القوات من أجل ضمان سلامتها.
أيضاً، لا يمكن الوثوق بأخبار وسائل الإعلام أن روسيا متورطة في نوع من النزاعات بين مجموعات داخل الطبقة السياسية السورية أو أنها تضغط على شخص ما فيها من أجل الحصول على منافع اقتصادية. ولعل القيادة السورية العليا وفي سياق الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها العقوبات الغربية في المقام الأول، ومن ثم جائحة فيروس «كورونا»، تريد حقاً استعادة النظام في المجالين المالي والاقتصادي، وهو ما لا يمكن إلا أن يرضي أصدقاء سوريا. بالمناسبة، وفقاً لبعض الخبراء الذين شاركوا في «منتدى سوريا» الذي عُقد مؤخراً في معهد الاستشراق في موسكو، من المحتمل أن قرار لبنان الأخير باتخاذ إجراءات صارمة ضد عمليات التهريب من أراضيه إلى سوريا قد تم الاتفاق عليه مع دمشق، وليس بسبب ضغوط من الخارج، إذ إن الأسد يريد بوضوح وضع حد للفساد وأساليبه «الرمادية».
ليس فقط لا تسعى موسكو لكسب المال من سوريا، بل وتزودها بقدر المستطاع بمساعدات اقتصادية إنسانية. على سبيل المثال، ستستمر روسيا، بقرار من اللجنة الحكومية المشتركة صدر في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، في توريد القمح إلى سوريا. وفي الوقت نفسه، مثل أي دولة أخرى، روسيا ليست ضد تحويل مساعداتها العسكرية الباهظة الثمن إلى مواقع ومشاريع اقتصادية قوية تفيدها.
ليس هناك ما يثير الدهشة في أنه نتيجة لتوفير دولة أو أخرى لسوريا مساعدة وجودية مهمة لها في مجال الأمن والاقتصاد في البلاد – وقبل كل شيء، في هياكل قوتها – تتشكل مجموعات من مؤيدي وميسري نفوذ هذه الدولة. وهذا يمكن أن ينطبق على روسيا وإيران. موسكو كشريك لدمشق لها مزايا معينة على طهران. على وجه الخصوص، وحدات الشرطة العسكرية الروسية العاملة في سوريا في أغلبيتها من ممثلي الشعوب التي تعتنق الإسلام من الطائفة السنية. وهذا يعني، كما يلاحظ المراقبون، أن موقف السكان السنة المحليين تجاههم أكثر دفئاً من موقفهم تجاه الشرطة الموالية لإيران. ميزة أخرى لروسيا هي أنها تستطيع إجراء حوار حول سوريا في مجلس الأمن الدولي وفي ساحات دولية أخرى، دفاعاً عن مصالح سوريا، وهو ما لا يستطيع الإيرانيون القيام به. من المزايا الأخرى بالنسبة لروسيا أيضاً أنها تواصل الحفاظ على علاقات جيدة مع الأكراد المحليين.
لا تزال المساعدة في عودة اللاجئين وإعادة بناء اقتصاد سوريا من بين المهام ذات الأولوية بالنسبة لروسيا على هذا المسار. الوضع صعب للغاية. ما يقرب من نصف سكان البلاد هم من النازحين داخلياً، ونصفهم عاطلون عن العمل، و83 في المائة منهم يعيشون تحت خط الفقر. العقوبات الغربية الجائرة المعادية للإنسانية على سوريا، تصيب أولاً وقبل كل شيء، هؤلاء الناس.
في الوقت نفسه، كما أشار إيغور ماتفييف، الموظف السابق بالسفارة الروسية في دمشق، في المنتدى المذكور أعلاه في «معهد الاستشراق»، ليس لدى روسيا حتى الآن استراتيجية موحدة لإعادة بناء سوريا بفرص مالية واقتصادية واستثمارية محدودة.
وقد باءت بالفشل حتى الآن محاولات اجتذاب شركاء أوروبيين للتعاون في هذا المجال. ومع ذلك، لفتت موسكو الانتباه إلى تطور المقاربات الأوروبية تجاه الأزمة السورية، وإن كان ذلك على مستوى القطاعات المؤثرة في المجتمع المدني. ويكفي في هذا الصدد، ذكر رأي المنظمين والمشاركين في منتدى المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية ومعهد «كوينسي للحكم المسؤول» في 6 مايو (أيار) من هذا العام. وفقاً لهؤلاء الخبراء المرموقين، لقد فرض الأسد سيطرة عسكرية فعالة على أراضي البلاد، ولدى العقوبات الغربية فرص ضئيلة إن لم تكن معدومة لإقالته من السلطة. إنها تزيد فقط من معاناة السكان، وتزيد من عدد اللاجئين وتخلق مساحة أكبر لإحياء التطرف. من الواضح أن الأسد باقٍ، هكذا يرى الخبراء. يعتبرون أنه من الضروري تحويل تركيز السياسة الأوروبية تجاه سوريا من «إزالة الأسد بأي ثمن» إلى المساعدة في تلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في دمشق، وتنمية المجتمع المدني في سوريا. هل يمكن اعتبار وجهة النظر هذه منعطفاً مهماً في النهج الأوروبي تجاه الأزمة؟ بالطبع وبكل تأكيد نعم. من الواضح أن هذا لا يعني أن الواقعيين الأوروبيين يرفضون انتقاد أفعال دمشق أو موسكو، ولكن، مع ذلك، فإن الفجوة مقارنة مع الرؤية السابقة باتت واضحة، وكذلك هي خطوة لا إرادية نحو الموقفين الروسي والصيني.
يمكن للمرء أن يرى بعض التقدم الحذر في سياسات الدول العربية، لكن يجب أن يوضع في الاعتبار أنه، بغض النظر عن السياسة، فإن إمكانيات أي مانحين في الظروف الحالية للاقتصاد العالمي ستكون محدودة. وبالفعل، فإن أحد مظاهر أزمة الاقتصاد الكلي التي بدأت، بالإضافة إلى انخفاض الإنتاج والبطالة والقيود المفروضة على الاتصال وحركة الناس، سيكون إعادة توزيع الموارد لصالح الرعاية الصحية، وفي داخل هذا المجال نفسه – لصالح مكافحة الجائحة الحالية وأي أوبئة جديدة يمكن أن تظهر، والتي على الأرجح لن تجعلنا ننتظر طويلاً.
رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية/ موسكو
—————–
الأسد والبقاء تحت المظلّة الروسية/ شورش درويش
عدّل المبعوث الأميركي إلى سورية من أنقرة، جيمس جيفري، من لهجة الإغراء، منطق استعمال الجزرة بدل العصا، في مخاطبة الروس، بمقابل اعتراف الولايات المتحدة بدور موسكو في سورية وتقوية مركزها، ذلك أن تعليقه الأوّل اشترط إزاحة الأسد عن الحكم وإخراج إيران من سورية، ثمّ اكتفى، في تصريحه الثاني، بإخراج إيران. وبذا تتفق واشنطن وتل أبيب على تجفيف قدرات الأسد، عبر التركيز على الحضور والدور الإيرانيين. وجاءت تصريحات المبعوث الأميركي معطوفةً على سيل اتهامات روسية لبطانة نظام الأسد بالفساد والتربّح، ووصفٍ لحكمه بالضعيف، والحديث عن إمكانية استبداله.
في حمأة الاتهامات الروسية غير المسبوقة تلك، قدّم (رجل الأعمال السوري) رامي مخلوف نفسه بنفسه أنه “كبش المحرقة”، وعلامةً على نيّة النظام الأمني القويّ والقادر على تجفيف منابع النفوذ الإيراني في دمشق. وبذا استرجع الأسد شرط تبريد نار الإعلام الروسي الموجّه عبر تخفيض القدرات التنافسية الإيرانية لروسيا عبر تحجيم شركاء طهران السوريين، وتذليل العقبات التي يفرضها وجود متنفّذين في الاقتصاد السوري لمصلحة رجال أعمال روس، أو شخصيات محسوبة على الكرملين.
ثمّة توازن أقامه النظام عندما لاذ بموسكو، بعد أن شعر بصعوبة التدخل الإيراني المباشر. ولأن إيران تجيد اللعب خلف الستار، فإن المسارات العسكريّة والسياسية والمالية أثرت في شكل التدخل الروسي في سورية، ذلك أن إيران يظهر دورها في المسارات الثلاثة من دون أن تراها في العلن، علاوة على أن طهران ما إن تخرج من الباب حتى تعاود الدخول عبر النافذة. وجه آخر للتنافس الروسي الإيراني يظهر في تخيّلهما شكل القوّات المسلّحة، موسكو تطمح إلى جيش بمعايير الانضباط الروسيّة، فيما تسعى طهران إلى مراكمة التشكيلات العسكرية المتعدّدة وفق نمط مليشياويّ، إنْ تصديراً لنموذج القوّات الإيرانية، أو نقلاً لتجربة “الحشد الشعبيّ” العراقي.
الوجود والنفوذ الإيرانيان يحولان دون الحديث عن مسألة “بديل الأسد”. نمط تقسيم العمل إلى فريق يشتغل مع الروس وآخر مع الإيرانيين هو تكتيك دمشق الأثير، والذي يمنع تخيّل بديل للنظام، المزيد من حضور روسيا وأدوارها في سورية يعني التقليل من تأثير بشار الأسد في الحكم، الاستحكام في مفاصل الدولة والجيش والاقتصاد يعني إنهاء صيغة اللعب على الحبال. لذا يبدو التنبؤ بإمكانية إخراج إيران من سورية وثيق الصلة بإزاحة الأسد عن الحكم، وهو ما تفهمه دمشق وتخشاه.
تقودنا مسألة “البديل” إلى مثالٍ وثيق الصلة بتدخلٍ روسيّ مشابه بعض الشيء، وهو مثال عن استحالة اللعب مع الروس، حيث إنه وبعد ثلاثة أشهر من انقلابه على حكم الرئيس الأفغاني، نور محمد تراكي، وفي 29 ديسمبر/ كانون الثاني 1979، نفّذ فصيل “ألفا” التابع للجيش الأحمر عملية “العاصفة “333” التي أسفرت عن قتل الرئيس الأفغاني “الموالي للسوفييت” حفيظ الله أمين في قصره الحصين (دار الأمان) في كابول. كان الأخير قد حاول اللعب على الحبال، وامتلاك هامش مناورة يكون أحد أطرافه السوفييت، وتجاوز تعليماتهم رفقة ابن شقيقه أسد الله أمين، المسؤول النافذ في المخابرات الأفغانية، واعتماده نهجاً بالغ القسوة في حل المشكلات الداخلية، كان له التأثير الكبير في احتكام موسكو إلى “الحل الأخير” المتمثّل في التخلّص من الرئيس المستجد في الحكم. بيد أن السبب الرئيس لاغتيال أمين كانت الشكوك السوفيتية في صلاتٍ جمعت أمين بوكالة الاستخبارات المركزية (الأميركية)، والتي تبيّن فيما بعد أنها لم تكن ذات أهميّة، ولا تدعو إلى انتقام بدأ بمحاولة دسّ السم في طعام حفيظ الله، ونجا منها، وانتهى بإمطاره بالرصاص.
كان أمين على اتصال مفتوح بوزير الخارجية السوفييتي، أندريه غروميكو، وعلى علاقة طيّبة بالسوفييت، أو هكذا كان يظنّ، الأمر الذي فسّر هذيان الرئيس لحظة سماعه أزيز الرصاص المتّجه نحو قصره، إذ بادر إلى طمأنة من حوله بأن الروس سيأتون في نجدته، حتى قال له أحد معاونيه إن القوّات المهاجمة روسية، لحظتها فقد حفيظ الله كل أمل بالنجاة.
يختلف تموضع الأسد المديد، والمعطوف على حكم الأسد الأب، عن وضع الرئيس حفيظ الله أمين، فوق أن ما يمكن تسميه توفّر شرط “العصبيّة الأمنية” والاحتكام على شبكات التمويل السوداء للأنشطة المغذّية للقوات الرديفة، وحضور غير قابل للقسمة في الجيش عبر اعتماد صيغة الولاء أوّلاً، وسواها من مسائل تجعل من تبديل الأسد مغامرةً متعبة للروس، على الرغم مما تحمله رسائل الروس، عبر الصحافة الناطقة باسم الكرملين، عن بحث موسكو عن بديل للأسد!
عبر صحافتها التي يمكن وصفها بالمركزية، نمي عن الرئيس الروسي، بوتين، وصفه الأسد بأنه “عنيد”، والعناد هنا يمكن أن يفهم على نحو ما أشاعته تلك الصحافة أن الأسد لا يبدي مرونةً كافيةً في مسائل الحوار مع أخصامه، في المعارضة ومع الكرد السوريين، وعدم رغبته في إجراء إصلاحات بنيوية في نظامه، حيث “الفساد أسوأ من الإرهاب” وفقاً لخبراء روس، إضافة إلى المسألة الأهم، وهي محاولة توظيف النظام الوجود الروسي لأجل طموحاته الشخصية التي لا يشترط أن تتقاطع مع ما يطمح إليه الروس.
ثمّة غيومٌ ملبّدة تتجمّع فوق دمشق، وما تكثيف الضغوط الروسية سوى رسائل مفادها إمكانية استبدال الأسد، إن هو اضطرّها إلى هذه المغامرة، أو أن يجنح الأسد إلى سياسةٍ أكثر انصياعاً، وأقل عناداً للرؤية الروسية لحاضر سورية ومستقبلها. الغالب أن الأسد سيختار البقاء تحت المظلة الروسية، وتجنّب مصير “الرفيق” حفيظ الله أمين.
العربي الجديد
———————————–
===========================
======================
تحديث 21 أيار 2020
—————————-
حسابات التدخل الروسي في الصراعات الدولية/ رُوان الرجولة
“من حيث إخراج روسيا من سوريا، لم يكن هذا هو هدفنا على الإطلاق. روسيا موجودة هناك منذ 30 عاماً. سياستنا الآن هي إعادة الوضع لما كان عليه في عام 2011 قبل بدء النزاع، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى مغادرة جميع القوات العسكرية الأخرى التي دخلت. ونحن أكثر اهتماما، بالطبع، بمغادرة الإيرانيين والميليشيات التي تقودها إيران”.
كان هذا تصريح السفير جميس جيفري، الممثل الأمريكي الخاص لشؤون سوريا، ومبعوث التحالف الدولي لهزيمة داعش بتاريخ 7 أيار / مايو 2020 من خلال إحاطة دبلوماسية قدمها عن انخراط روسيا في الشرق الأوسط للخارجية الأمريكية.
قد يكون هذا التصريح من أصدق التصريحات الأمريكية المعلنة التي تتعلق بالنزاع في سوريا، وموقف الولايات المتحدة الأمريكية من التدخل الروسي و الإيراني لدعم حكومة النظام في دمشق.
والسفير جيفري محق بقوله إن “العلاقات الروسية السورية تعود إلى أكثر من 30 عاماً، في الوقت الذي كانت تتعرض فيه العلاقات الأمريكية – السورية إلى العديد من خيبات الأمل المتكررة، والمطبات التي أثرت بشكل حقيقي على اتخاذ سوريا كحليف استراتيجي للغرب، ما جعلها في المحصلة محسوبةً على المعسكر الشرقي ومحور (الممانعة)، الأمر الذي يستمر إلى الآن، و يتجلى في عدة ملفات حساسة، منها عملية السلام مع إسرائيل، حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة (حرب العراق)، بالإضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغيرها من الملفات”.
ومن منظور عكسي، فإن العلاقات الروسية الأميركية تشهد نوعاً من الشد والجذب على أكثر من جبهة، ومنها ما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل ليبيا وسوريا.
ويبدو أن موقف واشنطن قد تغير تجاه موسكو، بإطلاق استراتيجية الدفاع الوطني الأميركي في 2018، والتي اعتبرت أن منافسة الدول العظمى – وليس الإرهاب – أصبح محور اهتمام الأمن الوطني الأمريكي، وأن التنافس الاستراتيجي الطويل الأمد مع الصين وروسيا من الأولويات الرئيسية لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). كما تشير الاستراتيجية الجديدة إلى أن روسيا تسعى إلى تقسيم الناتو، وتغيير الأوضاع السياسية والأمنية في أوروبا والشرق الأوسط لصالحها.
إن قرار تدخل موسكو في سوريا في 2015، جاء نتيجة التقاء استثنائي بين دوافع القادة السياسيين (الرئيس بوتين والدائرة المقربة منه) والظروف العسكرية. إلا أن هذه الظروف والدوافع الاستثنائية، مستبعدٌ تكرارُها في مكان آخر.
تأخذ الحسابات التي تقوم بها روسيا لتدخلاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أشكالاً متعددة، وتتحدد طبيعتها وفق عدة عوامل، فإما تدخلاً مباشراً و علنياً، بقوات عسكرية جوية وبرية وبحرية، كما هو الحال في سوريا منذ عام 2015، أو انخراطاً “أكبر من دبلوماسي”، في حال مثل النزاع في أفغانستان، وقد يعد التدخل غير المباشر بفوائد جيوسياسية كبيرة من خلال إرسال ميليشيات مرتزقة (روسية أو غير روسية) للقتال بالوكالة كما هو الحال في ليبيا. الأمر الذي أصبح واقعاً الآن، ومما لا شكّ فيه، أن روسيا ماضية في التدخل بشكل أكبر في المنطقة، ومنافسة مصالح الولايات المتحدة في مناطق نفوذها من خلال مستويات متفاوتة، والذي يبدو أنه قد بدأ على نطاق مصغر و شكل “معقول” في عدد من البلدان، ما يشير إلى احتمال أن يكون هناك مزيد من التدخلات مستقبلاً.
هذه هي البداية فقط، وعلى الأرجح نحن مقبلون على عالم متعدد الأقطاب فيما يتعلق بالنفوذ والسيطرة العالمية، و سنشهد توجهاً أمريكياً جديداً، لعقد تحالفات جديدة، مع لاعبين جدد لمواجهة التنافسية الاستراتيجية الطويلة الأمد من روسيا ومعها الصين. ومن المرجح أيضاً أن نشهد تواجداً للقوات الروسية، وإن بشكل مخفّف (ميليشيات واغنر) أو بأعداد قليلة، في أي منطقة من مناطق الصراع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أو خارجها.
لا ريب أن الكرملين قد عقد العزم على تأمين المصالح الروسية في كل دولة من المنطقة، و المضي قدماً في منافسة البيت الأبيض لكسب القاعدة والتأثير في تلك الدول التي حققت فيها موسكو تقدمًا دبلوماسيًا وسياسيًا وعسكرياً.
بروكار برس
—————————-
افتراضات أمين سر مجلس الشعب السوري/ محمود الوهب
يذكِّر حديث “خالد العبود” (العضو المزمن في مجلس الشعب، وأمين سره) حول غضب “السيد الرئيس” بشار الأسد على “بوتين”، بحديث “السيدة بثينة شعبان” عن قوة الاقتصاد السوري، وأنه أفضل مما كان عليه قبل العام 2011 ومناشدتها المشاهدين أن يصدقوا زعمها.. فقد استخدم العبود فعل الأمر ذاته “صدقوني” معيداً إلى الأذهان أيضاً ما قاله زميل له قبل سنوات: “إن سوريا صغيرة على بشار الأسد، وحقه أن يحكم العالم..!” ويذكر أيضاً، بقنبلة وزير المالية التي فجرها قبل أيام إذ قال: “إن راتب الموظف يكفيه إن عرف كيف يتدبر أمره..!”
ولكن للحقيقة أقول إن خالد العبود قد فاق هؤلاء جميعاً إذ أتى بافتراضات هي أشبه بتهيؤات، أو ما يسمى في الأدب بـ “الفانتازيا” وقد نشرها على الفيس بوك بنحو 1600 كلمة وبناها على فرضية رئيسة جعلها عنواناً: “ماذا لو غضب الأسد من بوتين” وهو يعلم أن رئيسه بشار الأسد لا يغضب.. ولو كان لديه خصلة الغضب لظهرت عندما أذلَّه الضابط الروسي مبعداً إياه عن ضيفه بوتين.. أو عندما “نزل عليه وزير الدفاع الروسي كالقضاء المستعجل” مخترقاً كل الأعراف الدبلوماسية، أو عندما استدعته إيران على عجل.. إلخ!
صاغ “العبود” فرضياته على شكل أسئلة مستخدماً اسم الاستفهام “ماذا” مصحوباً بـ “لو” حرف الشرط غير الجازم في أحد معانيه وهو “التمني”، تسع عشرة مرة، وثلاث مرات عناوين رئيسة.. وانطوت تلك الافتراضات على تناقضات لا تأتلف مع أبسط قواعد المنطق، ثمَّ إن “لو” في الحديث النبوي “تفتح عمل الشيطان”.
يبدأ العبود بإشارة ضمنية إلى أن رئيسه لاعب على مستوى بوتين وترامب فيقول:
“إن استعانة الأسد ببوتين ما كانت إلا لمنع دخول الولايات المتحدة، فإن هزم بشار الإرهاب سوف يفسح في المجال لدخول الولايات المتحدة الأميركية، دعماً للإرهابيين، وهي خصم لروسيا..” هكذا بكل بساطة يتصور العبود أن العالم لازال يعيش الحرب الباردة بين العملاقين و(سيِّده محركهما، وكأن روسيا لم تأخذ تفويضاً من أميركا، ومن إسرائيل أيضاً. (أفصح عن ذلك لقاء نتنياهو ببوتين ساعة تدخله في سوريا للاطمئنان، واتفاقهما على تقاسم سماء سوريا! ومعروف اتفاق الروس والأميركان والإسرائيليين على تسليم الأسلحة الكيماوية السورية مقابل إلغاء تهديدات “أوباما”) ويتجاهل العبود وجود أميركا على ثلث مساحة سوريا، شأنها بذلك شأن الروس والإيرانيين وغيرهما، وتحت تصرفها الثروات السورية الرئيسة، ولديها رأي في مسألة إعادة الإعمار، والحل النهائي في سوريا.. يقول العبود:
“إن دخول الروسي كائن في ذهن الرئيس منذ البداية، ولم يأت إلا بعد أن هيأ له “السيد الرئيس” الجغرافيا باستخدام إيران وحزب الله..” ما يعني أن الأسد لم يكن على عتبة السقوط، لا في العام 2012 لدى استعانته بالإيرانيين، ولا في العام 2015 عندما دخل بوتين في 30 أيلول 2015.. ويكشف العبود عن ذكاء رئيسه الذي قيّد الوجود الروسي في سوريا، بفضل معادلة سياسيّة (طالما أكَّدها العبود لقرائه)، وهي: “امنع عن عدوك ما يريد.. وامنح حليفك ما تريد”. وعلى ذلك “منح الأسدُ بوتينَ ما شاء من الاستثمارات، ولوازم وجوده العسكري، كي يكون له ما يدافع عنه”. فالمسألة ليست بحسب العبود مقايضة على السيادة السورية وعلى استقلالها وثرواتها لقاء بقاء الأسد على كرسيه..! بل هي مجرد جزرة لبوتين “الغبي”.. ويتابع العبود تهويماته حول ما سيفعله الأسد ببوتين لا على الأرض السورية فقط، بل سيهزمه في عقر داره.. وسوف “يسحب البساط من تحت قدميه، حتى في أروقة “الكرملين”؟! وأن “يجرجره سياسياً في داخل روسيا” وقد لا يكتفي بذلك بل لعله يشطب: “مجده وإنجازاته” طبعاً ذلك مشروط بـ: “إذا ما أراد الأسد” أما إذا غضب (والغضب غير الإرادة) فسوف يدفع به “إلى أتون حريق في حوران سهلاً وجبلاً..” وسوف “تجيّش استخباراته آلاف الناقمين على “روسيا”، وعلى تدخّلها وإملاءاتها على السوريين؟!” (لا يحدد العبود أي سوريين سوف يغضبون لغضب سيده، أهم الذين تعاون الأسد وبوتين على قتل أبنائهم وهدم بيوتهم، وتشريدهم في بقاع الدنيا، أم الذين ناصروا الروس وأيدوا وجودهم؟! ويجري العبود خلف أخيلته فيرى بوتين غارقاً في “تيه البادية السوريّة في حرّها ورملها” بعد أن يكون “أسده” قد “فخّخ له ما فوق الأرض وما تحتها..”
والمثير للريبة هو دلالة كلمتي المخابرات والتفخيخ؟! أيعني أن الأسد ومخابراته ماهرون في مثل هذه الجرائم؟! وهم الذين اعتادوا على ممارسة ذلك في لبنان وسوريا وسواهما..! ويتابع العبود فيرى بشار وقد أرسل بوتين “إلى ضفاف الفرات” ليواجه “غضب الأرض والسماء”، حيث الـ “عشائر تراه غازياً ومحتلاً؟!” أو يقوده إلى جبال اللاذقية بعد تفخيخها طبعاً ليواجَه “بعشرات آلاف المقاتلين الذين رفعوا شعار المقاومة للاحتلال “الروسيّ”، أو بدؤوا بعمليات انتقامية من القوات الروسيّة، نتيجة تدخّل روسيا في الشؤون الداخلية لسوريّة؟! ولا ينسى العبود تذكير الروس بهزيمتهم بأفغانستان! (أهو العقل الباطن الذي يصور له أن الروس محتلين أم إنهم غدوا كذلك بعد اختلافهم مع الأسد!) ولكن الأهم في خيال “العبود” هو وقوف “بشار الجعفري” في مجلس الأمن ليقول: “إنّنا نعتبر الوجود الروسيّ في سوريا احتلالاً، وسوف نواجهه بكلّ السبل التي منحتنا إياها القوانين الدوليّة؟!”
نعم سوف تحصل هذه الوقفة، ولكن لا الجعفري ولا أمثاله من يفعلونها مطلقاً، بل قد يوكِّل الشعب السوري بهذه الرسالة رجلاً من أبنائه البررة الذين لم تتلوث أيديهم بدم السوريين، ولا بإيذائهم!
لا يكتفي العبود بذلك بل يذهب بفرضياته والأصح تسميتها (هلوسات) إلى “لو” التي تفتح عمل الشيطان فيقول: “صدّقوني.. لو أنّ شيئاً من هذه الفرضيات قد حصل واقعاً، لتغيّر وجه العالم، ولو أنّ شيئاً من هذه الفرضيات نفّذه “الرئيس الأسد” لأعاد ترتيب الكون كاملاً، سياسياً واقتصادياً وعسكريّاً، ولكانت الولايات المتحدة أوّل الذين يقفون في وجه “بوتين” في سوريّا، وهي التي سوف تبادر فوراً كي تعتبر الوجود “الروسيّ” احتلالاً موصوفاً، ويجب اقتلاعه..”
(دعونا من إعادة ترتيب الكون، وتغيير وجه العالم، ولنمعن إلى عبارة “لكانت الولايات المتحدة أوّل الذين يقفون في وجه “بوتين” في سوريّة” فما الذي يريده العبود غير توجيه رسالة إلى أميركا والاستعانة بها وتهديد الروس الذين جلبهم للوقوف بوجهها، كما بدأ العبود مقالته؟!) وهنا لا بد أن تدور الأسئلة في ذهن القارئ.. ما الذي يميز أميركا عن إسرائيل بحسب ما يردده النظام عن التحالف “الصهيو/أميركي” وكيف سيجمع خالد العبود الشيطان الأكبر بإيران وحزب الله اللذين مهدوا الأرض السورية للروس..؟!
وما يختم به خالد العبود يفوق التصور:
فـ “لو أنّ الرئيس الأسد أراد أن يقف في وجه “بوتين”، سرّاً أو علانيةً في سوريّة، ولو أنّ استخباراته أدت دورها لجهة ترحيل “بوتين” من سوريا، ودفعها إياه إلى معركة لا تُبقي ولا تذر من “إنجازه”، و”إنجاز روسيا”، على ضفاف المتوسط، لما انتهى “بوتين” في سوريا فقط، وإنّما لتمّ انحسار المدّ “الروسيّ” خلال العقد الأخير من عمر العالم والمنطقة، ولتمّ شطب اسم “بوتين” من التاريخ “الروسيّ” إلى أبد الآبدين..!”
خلاصة القول: إنَّ بعض افتراضات خالد العبود يمكن أخذها على محمل الجد أو مقاربة الحقيقة، فيما إذا كان الشعب السوري حراً، وبيده قراره المستقل المعبر عن سيادته الفعلية.. ويحكمه رجال انبثقوا عنه، وباختياره، وفي حال كانت له دولة يحكمها دستور وقوانين، وسلطة قضائية مستقلة. أمَّا في حالة دولة “المافيات” فيبقى حديث أمين سر مجلس الشعب مجرد هلوسات، وهراء في هراء..!
تلفزيون سوريا
————————–
مسؤول روسي: لا خلافات مع الأسد والحرب في إدلب مستمرة
نفى السفير الروسي لدى النظام، ألكسندر يفيموف، وجود توتر في العلاقات الروسية مع الأسد، معتبراً أن كل ما أُشيع “لا أساس له من الصحة”.
وتحدث يفيموف في لقاء مع صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، اليوم الخميس، عن “تخريب إعلامي” هدفه تزوير الحقائق في العلاقات الروسية- السورية، بقوله إن “الأخبار المزيفة والكاذبة حول روسيا وسورية لا يستفيد منها إلا خصوم البلدين”.
وأضاف السفير الروسي أن العلاقات الروسية مع نظام الأسد “هي أقوى اليوم مما كانت في أي وقت في الماضي، وتتميز بالطابع الصديق والإستراتيجي، وتهدف الى تحقيق الأهداف المشتركة لمصلحة الشعبين الروسي والسوري”.
وتأتي تصريحات يفيموف عقب مقالات وتقارير نشرتها وسائل إعلام مقربة من الكرملين، هاجمت شخص بشار الأسد ومنظومته الأمنية والإدارية، متهمةً إياها بالفساد و”بتعقيد” مشكلات سورية الاقتصادية، وسط الحديث عن خلافات روسية مع النظام.
المسؤول الروسي تطرق في حديثه إلى “الوطن” إلى اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، مشيراً إلى أن الاتفاق لن يمنع سيطرة قوات الأسد عليها، وقال “ننطلق من أن اتفاقات وقف إطلاق النار في إدلب أيّاً كانت، لا تلغي ضرورة الاستمرار في محاربة الإرهاب بلا هوادة، وإعادة الأراضي لسيادة السلطات السورية الشرعية في أسرع وقت”، متهماً من أسماهم “الإرهابيين” بخرق الاتفاق.
وكانت روسيا وتركيا توصلتا مطلع مارس/ آذار الماضي، إلى اتفاق بوقف إطلاق النار في إدلب، وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي حلب- اللاذقية “M4″، بلغت حتى اليوم 12 دورية، واجهتها عراقيل واعتصامات رفضاً لمرور الروس.
بموازاة ذلك، تحدث السفير الروسي لدى النظام، ألكسندر يفيموف، عن العقوبات المفروضة على نظام الأسد، ودعا إلى الرفع الفوري والكامل للعقوبات من أجل مواجهة فيروس “كورونا” في سورية وباقي الدول، مشيراً إلى أن هذه الدعوات لا تلقى أي استجابة.
ويشهد الاقتصاد السوري حالياً انهياراً غير مسبوق، بعد تدهور قيمة الليرة السورية وارتفاع الأسعار في الأسواق وسوء الوضع المعيشي للمواطنين، انعكاساً للخلافات القائمة بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف، إضافة إلى العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على النظام منذ سنوات.
—————————-
=====================
======================
تحديث 24 أيار 2020
—————————-
مثقّف النظام السوري وسيرورة الانهيار/ حازم صاغية
يخطئ من يقرأ الماضي بعين الحاضر مثلما يخطئ من يقرأ الحاضر بعين الماضي. فهو قد يظنّ، استناداً إلى الدور الحالي لبهجت سليمان أو بثينة شعبان، أنّ حزب البعث في سوريّا لم يقرب المثقّفين أبداً ولم يقربوه.
هذا ليس صحيحاً. فالحزب الذي أسّسه أستاذا مدرسة (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار)، وادّعى أبوّتَه أستاذ ثالث (زكي الأرسوزي)، ضمّ مثقّفين كثيرين. جمال أتاسي، وعبد الله عبد الدائم، وبديع الكسم، وسامي الجندي، وسامي الدروبي، وعبد الكريم زهور، ومطاع صفدي وإلياس فرح، وسواهم بدأوا حياتهم العامّة بعثيين. مثقّفون أعلى كعباً، كياسين الحافظ وجورج طرابيشي، وجدوا، في هذه الفترة أو تلك، أنّ في وسعهم أن ينضمّوا إلى حزب البعث. هؤلاء جميعاً كانوا جزءاً من لوحة الثقافة السورية والعربيّة ومن تاريخها: درسوا إبّان الانتداب الفرنسي الذي أتاح لهم أن يعارضوه. ورثوا تطلّعات آبائهم إلى وحدة عربيّة ما، لكنّهم أيضاً تأثّروا، إلى هذا الحدّ أو ذاك، باتّجاهات الفكر المعاصر حينها، كالماركسيّة والفوضويّة ومدارس كانت رائجة في الفلسفة وعلم النفس والنقد الأدبيّ…
هذا ما كفّ بشكل تدريجي عن الوجود. من يتذكّر محنة المثقّفين والمبدعين الشيوعيين الروس في علاقتهم بحزبهم بعد بلوغه السلطة، يدرك سبب قطيعة كتلك: المثقّف لا تتّسع له دولة الحزب الواحد. أفكاره نفسها، والتي استقى معظمَها من حزبه، تغدو أحلاماً ممنوعة، تطاردها الرقابة، ثمّ السجن وربّما المَصحّ.
في سوريّا، حصل شيء إضافيّ. الحزب نفسه، كجسم، لم يعد موجوداً. العلاقات الزبائنيّة، على أساس الولاء العائلي والطائفيّ، ابتلعته تماماً ولم تترك منه إلا الاسم. في عراق صدّام أيضاً، حصل شيء من هذا، لكنّ اضمحلال الحزب هناك كان أبطأ منه في سوريّا. مع ذلك، لم يعد البعثي بعثيّاً في البلدين. «الرفيق» علي حسن المجيد هجم على الشيعة في جنوب العراق وهو يرفع على دباباته شعار «لا شيعة بعد اليوم»، وقبله هجم «الرفيق» رفعت الأسد على سنّة حماة لأنّه رأى فيهم سنّيّة تهدّد الموقع العلوي في السلطة.
البعث، هنا وهناك، بقي منه، فضلاً عن الاسم، اثنان: الجماعة الأهليّة والجهاز الأمنيّ. المثقّف لزوم ما لا يلزم.
لماذا التذكير بهذا الواقع الذي يعرفه السوريّون جيّداً؟
لقد شهد الأسبوع الماضي حدثاً غير مألوف بالمرّة، لكنّه، بالقدر نفسه، شديد الدلالة.
رجل الأمن بهجت سليمان تقدّمَ مئات «الإعلاميين والمثقّفين» السوريين (والعرب) في توجيه رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف وإلى مسؤولين إعلاميين في موسكو. المُرسِل سيّئ بما فيه الكفاية، وكذلك المُرسَل إليه، لكنّ الرسالة تبقى الأسوأ. فما أعلنه هؤلاء «الإعلاميّون والمثقّفون» هو انزعاجهم من أنّ وسائل إعلام روسيّة وجّهت «إساءات وافتراءات» استهدفت الرئيس بشّار الأسد بشكل شخصيّ. موقّعو الرسالة – البيان احتاطوا بأن أكّدوا أنّهم لا يدعون الروس إلى كمّ الأفواه وتعطيل الحرّيّة، فهم «إعلاميّون ومثقّفون» لا يفعلون ذلك. لكنّهم في الحقيقة لم يفعلوا غير ذلك. لقد طالبوا حلفاءهم الكبار بـ«ضرورة عدم تكرار ما حدث، وتجنّب سوء استخدام منابركم من قبل البعض (…) والتهجّم على الرئيس الأسد دون غيره من الزعماء العرب».
ربّما كانت هذه أكبر مداخلة رسميّة سورية في المجال الثقافي منذ سنوات طويلة: اقمعوا أيّها الرفاق الروس! مع هذا، وفضلاً عن خيانة الرسالة أصلَها «الثقافي – الإعلاميّ» المفتَرَض ونطقها بلسان أمني فصيح، فإنّها تضلّ طريقها: ذاك أنّ نظام الرئيس فلاديمير بوتين ليس في حاجة إلى من يوصيه بفوائد القمع، وسجلُّه مع الصحافة الروسيّة ذائع الصيت. لقد باع «الإعلاميّون والمثقّفون» السوريّون والعرب ماءهم في «حارة السقايين»، بعدما سمحت لهم الحذلقة بأن يعرّفوا بوتين إلى مصلحته!
والحال، وهذا بديهي كما يُفترض، أنّ الحسابات السياسيّة لموسكو هي الموضوع، وهذا ما كان ينبغي أن ينصبّ عليه جهد الرفاق السوريين. حتّى مسألة الفساد تبقى حمّالة أوجه بحيث يستحيل الحكم عليها بذاتها وفي معزل عن الخيارات السياسيّة العميقة لموسكو. بلغة أخرى، حتّى اتّهام الأسد بالفساد قابل للتفسير، في ظلّ ظروف سياسيّة ملائمة، بأنّه مديح، أو على الأقلّ بأنّه سبب تخفيفيّ. فإن يوصف المتسبب بموت جزء معتبر من شعبه، وباقتلاع نصف السوريين تقريباً، إمّا من بيوتهم أو من بلدهم، بأنّه «فاسد»، فهذا لطف مبالغ فيه (يشبه اللطف الذي ينطوي عليه «نقد» الأسد بوصفه «نيوليبراليّاً»).
وهذا، على العموم، يردّنا إلى واقع مؤلم هو أنّ موقّعي الرسالة – البيان ليسوا بعثيين وليسوا مثقّفين ولا إعلاميين، لكنّهم أيضاً، وقبل هذا كلّه، لا يعرفون شيئاً من شيء وإلا لما ارتكبوا تلك الرسالة – البيان أصلاً. إنّها النتيجة الطبيعيّة لثقافة تخدم نظاماً كهذا، بعدما شهدنا، في دمار سوريّا الحاليّ، النتيجة الطبيعيّة لنظام يخدم ثقافة كهذه.
الشرق الأوسط
—————————
عندما تصدق المعارضة السورية التلفيق الروسي/ علي سفر
في فيلم(the invention of lying -2009) الذي أخرجه وأدى شخصيته الرئيسة (مارك بيلسون) النجمُ البريطاني ريكي غريفيث، ثمة عالَمٌ لا يعرفُ الناسُ فيه قولاً سوى الصدق. إنهم يعبّرون عن مشاعرهم وحاجاتهم دون توريات أو مجازات.
لكن بطل الحكاية يفقد عمله ككاتب سيناريو بسبب فشله في تحقيق النجاح المطلوب، وعندما يضطر لسحب رصيده غير الكافي من البنك كي يدفع أجرة البيت يكتشفُ أن باستطاعته سحب مبلغ أكبر مما يمتلكه فعلياً، ذلك أن كلامه بالنسبة لموظفة البنك أصدقُ من الرقم الذي تظهره شاشة الكومبيوتر!
لقد اكتشف مارك شيئاً جديداً لم يعرفهُ العالم من قبل هو الكذب! وحين تحتضر أمه في المشفى، وأمام قسوة ما يقوله العلم عن أن لا شيء يعقب الموت سوى العدم، يقدح ذهن الابن بفكرة ستغير العالم كله ضمن حكاية الفيلم، تقول إن هناك حياة أخرى تنتظر الروح، قوامها السعادة مع الأحبة وقصرٌ منيفٌ يعيش فيه الطيبون إلى الأبد!
لقد اضطر مارك للكذب في المرة الأولى لكي يؤمن حاجته من المال، ولكنه ذهب في خياله بعيداً في المرة الثانية لكي يُبهج المرأة المحتضرة، من دون أن تتسبب حكايته عن الآخرة بأذية أحد!
في توصيف فعلته هذه وبالتنقيب في “تاريخ الكذب” كما دوّنه وحلله جاك دريدا، سنجد في السياق أن جان جاك روسو صنف الأمر الذي حدث في الفيلم ضمن خانة الخيال: “أن تكذب دون قصد جلب مصلحة أو إلحاق الأذى بك أو بغيرك فأنت لا تعتبر كاذباً، وما تقول ليس بكذب، بل مجرد تخيل” (تاريخ الكذب ص19).
وفي مكان آخر بين المصنفات التي تحكي عن قضية أخلاقية كبرى كالكذب، سنعثر في كتاب “الحقيقة. لمحة مختصرة عن تاريخ الهراء” للصحافي والكاتب الفكاهي توم فيليبس على تحديد مهم للفرق بين الكذب البسيط وبين سردٍ آخر يبنى في جزء منه على الواقع، ولكن قوامه يتجاوز الخيال البريء ليحمل في الكثير من الأحيان أذية حقيقية تَلحقُ بمن ينطلي عليهم، هذا السرد هو “الهراء”!
إنه ينسخُ من الحقائق ما يناسب خطابه، ولكنه يمضي نحو عدم الاهتمام بها، ولهذا يمكن “بناء بيت من الهراء باستخدام مداميك من الصدق” ولكن في الآن نفسه وكما يقول هاري جي فرانكفورت في بحثه الخاص بالموضوع ذاته فإن “عدم الاهتمام بحقيقة الأشياء، هو أساس الهراء”!
نحن الآن وفي حديثنا الواقعي تائهون بين ضفة الكذب وبين ضفة الهراء، وهذا الواقع لا يُغرقنا فقط في الوقائع الثقافية والفنية العامة التي نعيشها يومياً، بل هو يُكمل شد الحبال على أعناقنا في المنحى السياسي قبل أي منحى آخر!
لقد بُنيت السياسةُ على الكذب و”التاريخ ما انفك يعلّمنا أن الكذب السياسي، نشأ بنشأة المدينة نفسها” بحسب ألكسندر كواريه في تأملاته عن الكذب، كما أن الأنظمة الشمولية” جدّدت في الكذب أيّما تجديد”! حتى أننا بتنا نحتاج لوضع معطيات حربنا ضدها تحت المجهر لفحص كل شيء يتناهى إلينا عنها، لئلا نصبح ضحايا للهراء الذي تقترحه علينا ونحن في ضفة معارضتها!
بعض شخصيات المعارضة السورية وعلى سبيل المثال لا الحصر تنساق إلى تلك الأخبار التي تسربها صحف ووسائل إعلامية روسية عن فساد نظام الأسد، ولكنها تستغرق زيادة عن الحد المقبول في تصديق ما يردها من هراء، فتعيد إنتاج السردية ذاتها وتوجهها إلى الجمهور المتعطش لأي خبر يقود إلى نهاية ما لمأساته المستمرة منذ حوالي عقد من الزمن!
لقد ثبت أن بشار الأسد لم يبتع لقرينته لوحة فنية بقيمة 30 مليون دولار، ولكن هذا الادعاء الذي يبدو ملفقاً ضمن هجمات الحرب الدائرة بين آل مخلوف وآل الأسد، تحول إلى حقيقة راسخة، وصار من إيحاءات تبدل الموقف الروسي من النظام، بالتراصف مع مقالات المواقع الروسية التي عرّضت بما يجري في دوائره، وأدعت أن استبياناً للرأي أجري في مناطق النظام (من دون ذكر أين بالتحديد، ومتى، ومن هي الشريحة المستهدفة) أكد أن الأسد لن يكون على كرسي الحكم بسبب النتائج، التي أظهرت ميل المشاركين إلى عدم منحه أصواتهم في الانتخابات الرئاسية!
لقد غيرت سرديات التلفيق الروسي هذه مزاج المعارضين السوريين، فتحول وبفعل قدرة الهراء على الأذى، من يأسٍ كامل، إلى تفاؤلٍ شبه أعمى بأن الأسد راحلٌ قريباً، رغم أن كل المعطيات التي استُند عليها لتشكيل مثل هذه القناعة الكبيرة والثقيلة جرى نقضها بعد فترات وجيزة، من مثل تبيان أن الانسحاب العسكري الإيراني إنما هو مجرد إعادة انتشار، وأن الروس لن يفرطوا بالأسد كشريك استراتيجي بحسب تصريحات متتالية كان آخرها تصريح السفير الروسي في دمشق بأن روسيا لن تترك أصدقاءها السوريين وأنها لا تتسامح مع الإرهابيين أبداً.
آخر ما تناقله معارضون سوريون ضمن هذا السياق كانت حكاية “الـتأكيد عن أن حدثاً كبيراً سيجري في دمشق”!
القصة التي بدأت بمنشور لنجل وزير الدفاع الأسبق المعارض فراس طلاس على صفحته الشخصية نشره في سياق الحدث بين رامي مخلوف وأسماء الأخرس قرينة بشار الأسد، تطورت على يد المعارض كمال اللبواني ليؤكد بدوره عبر منشور فيسبوكي أن هذا الأخير سيرحل خلال ستة شهور! وأنه ما على السوريين سوى ترقب الحدث في أي وقت ضمن هذه المدة! ثم ما لبث أن وضع على صفحته منشوراً يتحدث عن أسماء أعضاء المجلس الأمني العسكري الذي سيدير المرحلة الانتقالية!
أيمكن وضع ما يطرحه اللبواني وغيره ضمن تصنيف الكذب البريء الناتج عن قناعة أو عن تصديقهم للهراء الروسي السائد عن ترحيل الأسد؟
المشكلة في الأمر أن قاعدة الكذب البريء تنسبُ عادةً إلى العامة والبسطاء، الذين تراهم يملؤون صفحات التواصل الاجتماعي بصخب الحماسة للانتصار على الزمرة الدموية الحاكمة في دمشق، ولكن حين يتصل الأمر بالسياسيين فإن الأكاذيب التي يُصدقونها ويقومون بترويجها لا بد ستحال إلى أعراض أصعب في عملية تحليل الكذب، إذ ليس من المعقول أو المتوقع أن يقوم المرء بالكذب على نفسه! فالكاذب على نفسه يحاول أن يجعل أمنياته حقائق، وهذا ممكن جداً، ولكن هناك كارثة تتولد من سلالات الكذب والهراء والأمنيات التي تلبس قناع الحقائق، خاصة حين تصدر من سياسيين، ويتلقفها الجمهور، ويتولاه الاعتقاد بها، ثم يكشفُ الواقع أنها غير صحيحة، هذه الكارثة تتمثل في أن الإحباط الذي ينتج عن ذلك يصبحُ أكبر من مجرد انكشاف شائعة، وليصبح فقداناً نهائياً للأمل بالتغيير!
جوناثان سويفت عبّر عن صعوبة إصلاح مثل هذه الكوارث إذ قال: “الأكاذيبُ تطيرُ والحقيقةُ تعرجُ لتلحق بها”، وطالما كانت شخصيات المعارضة تطيّر أكاذيبها وهراءها، فإن الوقائع كانت ومنذ وقت طويل تضعها على قدم المساواة مع النظام لجهة الكذب والادعاء، ولعل الحقيقة الباقية والراسخة حتى الآن هي يقينُ الجمهور بفشل هؤلاء المعارضين، وعدم جدارتهم بتصدر المشهد المعبر عن الثورة!
المدن
———————–
“الجمعية الخيرية الروسية”؟/ حسام كنفاني
يدأب المسؤولون الروس، أو الذين يدورون في فلك صانعي القرار في موسكو، على التأكيد أن لا مصالح لروسيا في سورية، وأن هدف موسكو من الوجود هناك ليس إلا مساعدة النظام على مكافحة الإرهاب واستعادة سيادة الدولة. آخر هذه المقولات جاءت في مقال فيتالي نعومكين، رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والذي يعد مقرباً من صانعي القرار في الكرملين، والذي خصّه للرد على ما راج أخيراً من أنباء حول استياء موسكو من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، واستعدادها لتغييره.
نعومكين أكد زيف هذه الأنباء التي تبنتها مجموعة من المعارضين السوريين، الذين باتوا منتظرين من موسكو تغيير الأسد وإعطاءهم البلاد على طبق من فضة، أو على الأقل محاولة تلميع صورتها في المرحلة المقبلة، عبر إشراك أطيافٍ من هذه المعارضة في الحكم تحت رئاسة شخصية أخرى من دائرة النظام الحالي. المشكلة أن الكثير من هؤلاء المعارضين، وبعضهم في مواقع مسؤولية في كيانات المعارضة الكثيرة والمتفرعة، مقتنعون بأن مثل هذا السيناريو سيحصل، مسقطين أي منطق سياسي أو عسكري يبرره. فما هو الداعي لأن تقوم موسكو بتعديل الوضع الداخلي السوري الذي يسير على هواها، ويأتمر بأمرها؟ وما هو الذي يزعج روسيا حالياً من وجود المعارضة السورية، بل على العكس، تبدو موسكو حريصة على بقاء هذه الكيانات، السياسية والعسكرية، لتبرير مزيد من مد النفوذ في المنطقة. ووفق أي حسابات قوى إقليمية أو دولية قد ترضى موسكو بإشراك المعارضة في الحكم السوري؟ إلا إذا كان هناك في المعارضة من يصدّق كذبة اللجنة الدستورية، وأن لها نتائج في المستقبل، وتنعكس على شكل الحكم في سورية، أو أن هناك من يظن أن روسيا “جمعية خيرية”، وراعية للتحولات الديمقراطية في المنطقة.
بالتأكيد، روسيا ليست جمعية كهذه، حتى وإن حاولت الإيحاء بذلك. فنعومكين نفسه، في مقاله، أضفى طوباوية على الدور الروسي في سورية، فموسكو ليست هناك لكسب المال “بل لتزودها بقدر المستطاع بمساعدات اقتصادية إنسانية”، وذلك في محاولة لنفي أي دور روسي في الخلاف القائم حالياً بين رامي مخلوف ونظام بشار الأسد، والذي يرى كثيرون أنه ناتج عن حاجة النظام إلى أموال لدفعها إلى روسيا مقابل مساعدته على البقاء. وهو كلام له ما يبرره، وخصوصاً أن تكلفة التدخل الروسي في سورية باهظة، والنظام الاقتصادي الروسي لا يتحمل هذه التكلفة من دون مردود. وليس المقصود من المردود هنا توسع النفوذ، وهو حاصل لا محالة، ولم يعد بالإمكان إنهاؤه، بل المردود المادي الذي يوفر لموسكو القدرة على الاستمرار في دعم نظام الأسد. وفي ظل غياب أي ممول حقيقي لهذا التدخل، وخصوصاً في الظرف الاقتصادي الإيراني، فإن نظام الأسد عليه أن يدفع فاتورة بقائه، حتى لو شكلياً، وخصوصاً أن حدود صلاحياته وقراراته لم تعد تصدر من قصر المهاجرين.
في المقال نفسه، يمرر نعومكين مزايا “الجمعية الخيرية الروسية”، من دون أن ينسى الضرب على الوتر الطائفي في الداخل السوري، حين يشير إلى أن الشرطة العسكرية الروسية هناك هي من الجمهوريات الروسية “التي يعتنق أفرادها المذهب السني”، على عكس “الشرطة الموالية لإيران”. ما يعني أن هناك تخطيطاً روسياً لبقاء طويل الأمد، ومحاولة للدخول في نسيج المجتمع السوري، مع التذكير بقدرتها على التماهي مع هذا المجتمع، وهو ما يمكن أن يكون رسالة غير مباشرة إلى طهران، والتي ترى أنها الأقدر على البقاء في سورية، وأن روسيا لا شك ستغادر في يوم من الأيام. وهذا على ما يبدو، يفهمه صانعو القرار في الكرملين، ويعملون على دحضه.
العربي الجديد
——————————–
هل هذا ممكن؟/ ميشيل كيلو
تطرح الصحافة العالمية، بما فيها الروسية، تساؤلاتٍ جدّية بشأن مصير بشار الأسد. وتدور سجالات وحوارات عديدة، تتناول شتى الافتراضات المتعلقة به، وبما إذا كان سيبقى في الموقع الذي ورثه عن أبيه.
يقتصر الحديث في هذه التساؤلات على الأسد وروسيا، الدولة التي أنقذته، ويقال إنها أخذت تفكّر بتغيير موقفها منه، من دون أن تتخلى بالضرورة عنه، على الرغم من تراجع ثقتها به، الذي يُحتمل أن ينتهي بإخراجه من السلطة، كما قال الموسادي الإسرائيلي، إيدي كوهين، الذي ما أن أقاله ورشّح بديلا له، حتى بادر نفر من السوريين إلى إعلان نجاحهم في الانتخابات التي قد تجري بعد نيف وعام، وشاهد الشعب وجوههم أول مرة في التاريخ السوري القديم والمعاصر!
ماذا لو حدث شيءٌ آخر، كأن يستبدل بشار بشقيقه، فيبقي الوضع على حاله، وتعزّز طهران وضعها السوري، وترفع “سعرها” عند موسكو وواشنطن وأنقرة وتل أبيب، وتفتح بابا للخروج من مأزقها السوري العصيب، عبر صفقةٍ مع موسكو تتعهد فيها بمساعدة بوتين على تحقيق هدفيه: الانفراد بسورية، ودعم مشروعه لاستعادة حضور ونفوذ السوفيات السابقين في الدول العربية، مقابل عدم تعاونه مع واشنطن على إخراجها من سورية. سيكون هذا العرض مغريا لروسيا، ومثله العرض الذي يمكنها أن تقدمه عندئذ لواشنطن، ويقوم على القبول بتفكيك دورها السوري في مقابل مبادرة واشنطن إلى تفكيك عقوباتها عليها، وقبول الملالي الانخراط في تعاون استراتيجي واسع مع إسرائيل، يتم بواسطة البيت الأبيض وتحت إشرافه، هدفه عدوهما المشترك: العالم العربي الذي سيوضع تحت يدها، من دون أن تتعب نفسها معه، ما دامت ستنسق خطط وبرامج قيامهما بضبط حركته التي ستوسع كثيرا دور إسرائيل فيه، وسيجعل منها سيدة المنطقة بتعاون آيات الله الذين يسيطرون على شرقها.
ماذا يبقى لإيران إن بقيت مكتوفة اليدين، ونجحت روسيا بإبقاء بشار وأصلحت نظامه، وتعاونت مع أميركا لإخراجها من سورية، تنفيذا لطلب يقدمه النظام الجديد؟ وهل لدى طهران أي بديل لانفجار داخلي، غير رفع الحصار الأميركي والتعاون مع إسرائيل، والقيام بإجراء استباقي تستبدل بواسطته الصفقة الأميركية الروسية المحتملة ضدها بصفقةٍ تنجزها هي مع واشنطن، تزيح بشار، وتقوّي وضع حرسها الثوري فترة تتفق خلالها مع واشنطن، من دون أن تقطع مع موسكو، أو تهدّد موقعها السوري الذي تعرّض لتهديداتٍ أطلقها بهجت سليمان، لواء المخابرات المتقاعد الذي قال كلاما خطيرا عن طردها من سورية خلال نصف ساعة!
ما الذي يمنع إيران من القيام بخطوة استباقية، تحولها من أداة بيد الآخرين إلى طرف فاعل، ولديه خيارات مرشحة لقلب وضعه العام، العصيب، ولا بد أن تخرج منه إلى فرصةٍ قد تستمر سنوات مقبلة، من دون أن تتطلب إخراجها من جوارها، وتدفع الأمور باتجاه إعادة هيكلة دورها في إطار علاقات جديدة، على العكس مما سيحدث، إذا ما نجح الخيار الروسي، وأحكم بوتين قبضته على سورية عبر ما يشاع اليوم عن مفاوضات عن صفقةٍ تمهد لحل دولي شامل لمشكلاتها، إن قاومته تعاون الجميع على طردها من سورية باعتبارها عدوة للسلام، وإن قبلته تعرّضت لنتائج كارثية تعمّق أزماتها وتجعلها قاتلة.
أنصح طهران بالتحرّك قبل فوات الوقت، وبضرورة أن تتحرّك بين شهر يوليو/ تموز المقبل، حسب نصيحة الموسادي كوهين، وآخر العام، حسب أقوال العارفين بخبايا السجال الأميركي/ الروسي/ التركي الراهن وآرائهم بشأن توزيع الكعكة السورية.
هل تتحرّك إيران، وتعلن قريبا نبأ تولي ماهر الأسد الرئاسة، في نقلةٍ تقلب الطاولة على رؤوس من يخطّطون لإخراجها من مستعمرة الولي الفقيه، فيحدث تغيير جدّي في وضعها السوري وعلاقات الآخرين معها، ويتم إنقاذ نظام وليها الفقيه.
العربي الجديد
————————–
بوتين أسيراً عند الأسد/ غازي دحمان
يبدو بشار الأسد مطمئناً لوضعه، على الرغم من أن سورية، الدولة، تكاد تنقرض. يجد الوقت الكافي لخوض معارك وسجالات، ويقوم بتصفية حسابات مع مراكز القوى لديه، في الوقت الذي يمرّر سيد الكرملين، المفترض نظرياً أنه المخطط ليوميات دمشق، أيامه الموسكوفية بصعوبةٍ بالغة، ويعد الأيام، بالساعات والدقائق، ليصل إلى موعد ذروة تفشّي وباء كورونا، واستعادة أسعار النفط عافيتها، بأقل قدر من الخسائر.
يتعاطى بشار الأسد مع الزمن السوري على أنه ملك له، فما دام قد نجا من السقوط يوم كان ثوار دمشق على بعد مئات الأمتار من قصره، وبعدما قام بتنظيف الجوار وما بعد الجوار من هؤلاء المتمرّدين على حكمه، هم وأولادهم وأحفادهم، وباتوا يصارعون العراء والغربة بعيداً، فإن الزمن السوري صار ملكاً له حتى يسلم ابنه حافظ السلطة.
يدخل خلافه مع ابن خاله رامي مخلوف ضمن هذا الفهم. القضية ليست خلافات مالية بحجم مئتي مليون دولار، هذا تفصيل صغير في مسيرة مديدة يخطّط الأسد لها. المسألة أن مخلوف بات جزءاً من أثاث انتهت موضته، وبات وضعه نافراً في سياق الترتيبات الجديدة التي تتولى السيدة أسماء تجهيزها لمرحلة لاحقة، اسمها مرحلة حافظ بشار الأسد.
يبدو أن رامي مخلوف أول من فهم الحكاية، فلم يجد مخرجاً من هذه الأزمة سوى “الحوقلة”، والإكثار من ذكر الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، ليس بسبب إيمانٍ هبط عليه فجأة، وليس بغرض كسب تعاطف البيئة المؤيدة، بل لأنه يستحيل عليه فهم هذا المنطق في إطار قواعد اللعب السياسي، ولا التنافس الاقتصادي، ولا حتى الصراع المافيوي الذي هو أقرب أشكال الصراع التي يتقنها ويفهمها.
ولكن ماذا سيفعل بوتين، الذي لا يجيد الحوقلة ولا يعرف تأديتها؟ كيف سيصبر نفسه على قضاء زمن بشار الأسد طويل الأمد! بوادر أزمة بوتين، وإحساسه بالمقلب الكبير الذي وقع فيه، بدأت بالظهور منذ فترة، حاول حلّها عبر الإعلام، فضح آليات عمل نظام الأسد، وضعفه وفساده، وكان بوتين يتوقّع أن يرسل الأسد إليه رسالة محتواها كلمه واحدة “فهمتكم” ويخضع لأوامر بوتين كلية. لم يحسب بوتين أن الأسد سيفاجئه بورقة اسمها خالد عبود، على اعتبار أن هذا الرجل، صاحب نظرية المربعات والدوائر، قد فات زمنه وأوانه، وخرج من المعادلة منذ بدأ بوتين تدوير الزوايا في الصراع السوري.
تستعجل روسيا إنضاج التطورات في سورية لتبدأ بجني ثمار تدخلها الذي تأخر كثيراً، مئات مليارات الدولارات التي ستمنحها عملية إعادة الإعمار للشركات الروسية، عوائد تشغيل ميناء طرطوس الذي تخطّط روسيا إلى تحويله مركزاً إقليمياً يؤمن الخدمات للعراق والأردن وإيران وحتى الخليج العربي، فضلاً عن أرباح الفوسفات والأسمدة، بالإضافة إلى عوائد ملايين براميل النفط والغاز الذي اكتشفته الشركات الروسية في سورية، وتنتظر استخراجه بعد حصولها على التمويل اللازم لهذه العملية.
يبدو أن بوتين لم يفهم بنود الاتفاقات بينه وبين الأسد، أو أنه لم يقرأ ما بين السطور، ولم يتنبه إلى الثغرات التي تنطوي عليها تلك التفاهمات، إذ يفهم بوتين أن الأسد منحه كل هذه الأرزاق، ليفكّ حصار الثوار عنه، فمن أوحى لبوتين أن الأسد، في تلك الأثناء، كان مأزوماً إلى هذه الدرجة، ألم تكن لديه بدائل، مثل خيار اللجوء للساحل وتشكيل دولة هناك، من دون الحاجة لتدخل بوتين وعاصفة السوخوي خاصته؟ فكيف سيقبل الأسد بصيغة تجرّده من كل شيء لإرضاء بوتين!
يفهم الأسد الأمر بشكل مختلف، أنا أمنحك هذه الامتيازات، مقابل أن تحمل أنت “الشيلة” بقمحها وزؤانها، وهذا يتضمن إعادة تأهيلي للحكم، والقبول بتوريثه لابني حافظ، والثمن الذي دفعته لك يغطي مستحقات العملية. أما أن تقول لي إنك أعدت الاستقرار والنظام لسورية وسواها من هذه القوالب، فهذا لا يعنيني. لو أردت ذلك لقبلت بتسوية مع أولئك المتمرّدين الذين يسمون أنفسهم ثواراً، وهم بالمناسبة لم يطالبوا بأكثر من إقالة عاطف نجيب، ابن خالتي، الذي لم أكن أحبه في الأصل، وكانوا سيستقبلونني في درعا استقبال الأبطال. وأحب أن أذكّرك، على هامش هذا السجال بيننا، بأن وفداً من درعا زارني في القصر في أيام التمرّد الأولى، وجلس رئيسه، الشيخ أحمد الصياصنة، على طقم الكنب، على يميني .. لا على يساري، حتى أكون صادقاً في الحلفان، ووعدني باستقبالي بمنسف مليحي، هل تعرف ماذا يعني مليحي سيد بوتين؟
يستطيع بشار قول ذلك وأكثر لبوتين. دع عنك الصور التي حاول بوتين تصديرها للعالم عن تحكّمه ببشار الأسد وإذلاله له، من إجباره على الوقوف خلف الخط الأصفر في حميميم، أو إجلاس وزير دفاعه على كرسيٍّ مخصّص للأطفال. بالأصل بشار يفسر ذلك ضعفا وعجزا وقلة حيلة من بوتين الذي عجز عن إيجاد بديل له، على الرغم من بحثه المضني عن هذا البديل، ولن يستطيع بوتين التقدّم خطوة واحدة نحو تحقيق أهدافه ومكاسبه، فلا هو يملك بديلاً عن الأسد، ولا هو قادر على إزاحته، لأنه يعرف تماماً التشابكات الهائلة التي صنعها الأسد داخل نظامه وربطها به، وأي زحزحة في هذا المعمار ستهدم المعبد على رأس روسيا التي بدأت تستشعر أنها قد تكون ذاهبةً إلى أفغانستان جديدة (وكالة تاس). الأسد يقول لبوتين، مثلما ستحكم أنت روسيا حتى عام 2036، يحق لي البقاء في السلطة مدّتين إضافيتين. إلى ذلك الحين يكون حافظ قد بلغ السن التي تؤهله لوراثة الحكم عني، كيف سيتم إخراج هذا الأمر، ليست مشكلتي، حلّها أنت. .. يقول مثل شامي: ذقن الطمّاع بذنب المفلس.
العربي الجديد
——————————–
بيان استجدائي من شبيحة الأسد إلى روسيا/ ماجد عزام
وجهت مجموعة من شبيحة بشار الأسد بقيادة بهجت سليمان الأسبوع الماضي خطابا استجدائيا للمسؤولين الروس من أجل وقف ما سمّوه إهانة بشار الأسد في إشارة إلى الحملة السياسية والإعلامية الروسية شبه الرسمية ضد الأسد ونظامه، والتي تضمنت توصيفات واقعية طبعاً عن تفشي الفساد والفوضى وعدم امتلاك بشار القدرة والإرادة للقيام بالإصلاحات اللازمة، وتأسيس دولة قوية مؤسساتية حتى لو غير ديمقراطية الحقيقة التي كانت تعلمها موسكو طول الوقت ولكن كشفها علناً مرتبط بتطورات الأوضاع في سوريا واستنفاد الخيار العسكري والعجز عن تحويل وهم الإنجازات العسكرية إلى نتائج سياسية أو اقتصاية واجتماعية مع الاقتناع الروسي باستحالة التقدم في العملية السياسية أو إعادة الإعمار وعودة النازحين في وجود النظام الحالي شخوصاً وإطاراً.
من حيث المبدأ يشكل توجيه شبيحة بمسؤوليات رسمية أو شبه رسمية علنية أو سرية في النظام دليلا ساطعا على عجز النظام نفسه عن مواجهة أو مخاطبة روسيا، وفي الوضع الطبيعي كان بإمكانه ببساطة تقديم احتجاج رسمي أو حتى تقديم طلب صريح بوقف الحملة الروسية شبه الرسمية الموجهه من الكرملين، لكنه أي النظام أضعف من أن يقوم بذلك، ويخشى أن يفضح الطلب ضعفه وعجزه وتبعيته، ويؤكد الاستهتار الروسي العلني به. الحقيقة الماثلة للعيان على أي حال مع احتمال أن يؤدي طلب كهذا أيضاً إلى تدحرج كرة الثلج أكثر واستعار الحملة ضده.
البيان فضح دون أن ينتبه انفصام وابتذال أحد شبيحة النظام – نائب في البرلمان أو السيرك بالأحرى – الذي تشدق بمناقشة فكرة “غضب الأسد من بوتين وليس العكس”، ولو كان الحال هكذا فعلاً لكان يجب أن تكون الرسالة غاضبة وعلنية أو حتى أن يردّ هؤلاء الشبيحة بمن فيهم بهجت سليمان من دمشق على الرئيس بوتين شخصياً، بوصلة ردح “هابطة” كما فعلوا ويفعلون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقادة ومسؤولين عرب ومسلمين ودوليين آخرين.
في المضمون جاءت الرسالة استجدائية متوسلة متذللة دونية وانبطاحية وتحمل في طياتها تأكيدا ليس فقط على تبعية النظام للاحتلال الروسي، وإنما عدم القدرة على الرد الجدي وتفنيد الاتهامات المسندة التي تضمنتها الحملة الروسية ضد الأسد.
لم ينتبه الموقعون أيضاً لمغزى إشارتهم إلى أن روسيا لا تتعامل هكذا مع أي مسؤول أو رئيس عربي سوى بشار، هذا صحيح لكون بوتين لا يزور أي قاعدة عسكرية روسية في أي بلد عربي ويهين رئيسها علناً، وعلى الملأ، ولا يستدعي أي مسؤول أو رئيسا عربيا وحيداً بطائرة شحن إلى موسكو، كما فعل مع بشار العاجز- إلاّ عن قتل شعبه – والفاقد للشرعية وجوهر الحملة الروسية يلامس هذه الحقيقة أيضاً، مع إشارة ضمنية إلى أنه لم يعد له دور في مستقبل سوريا، ليس فقط لأنه عاجز ولا يمتلك القدرة على مكافحة الفساد أو القيام بالإصلاحات الضرورية، إنما لأنه ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وبات مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية ومن المستحيل إعادة تعويمه أو الدفاع عن أي دور له في أي حل سياسي دولي عادل ومستدام للقضية السورية.
الرسالة أكدت على احترام الحريات الإعلامية رغم أن موقعيها من شبيحة النظام وبعض الأنظمة الاستبدادية العربية لا يؤمنون بالمصطلح فعلاً لكونهم مارسوا وما زالوا شبيحة وأنظمة الاغتيال المعنوي بحق خصومهم من أصحاب الرأي الآخر بما في ذلك التكفير السياسي “التخوين”، ثم الاغتيال المادي كما حصل مع آلاف الناشطين الإعلاميين والمثقفين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والعرب. وعلى سبيل المثال لا الحصر غياث مطر، إبراهيم قاشوش، باسل صفدي، نيراز سعيد، شهدي عطية، حسين مروة، سليم اللوزي، جورج حاوي، سمير قصير وجبران تويني.
مثّلت الرسالة كذلك اعترافا ضمنيا بطبيعة النظام الاستبدادي في موسكو الذي يحكم قبضته على وسائل الإعلام الروسية المدجنة ولا تستطيع نشر أي شيء تحديداً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، دون رغبته أو موافقته وفي ظروف مهنية إعلامية عادية بالإمكان الرد مباشرة في وسائل الإعلام نفسها عملاً بمبدأ حق الرد أو حتى كتابة ونشر مقالات وتقارير مناقضة في وسائل إعلامية روسية أخرى.
في الحقيقة يعرف موقّعوا الرسالة أن الحملة موجهة – من فوق حسب التعبير الاستبدادي الشعبوي – من قبل القيادة الروسية مباشرة، لذلك تمت مخاطبة بل توسّل مسؤولين رسميين لإيقافها بما في ذلك إدارة قناة روسيا اليوم التي تعتبر أصلاً بوقا أو ذراعا إعلاميا للنظام الاستبدادي.
كانت أيضاً محاولة لحشر شبيحة عرب في الرسالة الاستجدائية للزعم أنها قومية ولا تخص النظام وشبيحته فقط مع غالبية نسبية ولكن ظاهرة للحشد الشعبي الإعلامي المدار من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت بوصفها بؤرة مركزية للثورات المضادة في لبنان والعالم العربي.
كان حضور شبيحة مصريين يساريين وقومجيين من مؤيدي أنظمة الاستبداد على مر العصور تحديداً النظام الاستبدادي العسكري الحالي، يفضح ما تشدقوا به عند اندلاع الثورة المصرية العظيمة عن حريات الشعوب وكرامتهم. وعندما حانت الفرصة فعلاً أمام قيام دولة مصرية عربية ومدنية وديمقراطية لكل مواطنيها دون استثناء أو تهميش انقلبوا عليها، وبالتأكيد لا يوجد لهم أي مسوّغ أخلاقي أو سياسي لتأييد مجرم حرب كبشار الأسد سوى العمى والتعصب الأيديولوجي والعداء الموتور للديمقراطية والتيار الإسلامي بوصفه التيار المركزي في أي ممارسة ديمقراطية جدية ونزيهة.
في فلسطين كان لافتاً توقيع مسؤولين وأعضاء من حركة فتح والجبهة الشعبية بحضور عددي لنكرات آخرين لا تأثير جديا لهم في الساحة الفلسطينية، بينما كان الهدف إقحام القضية الفلسطينية واستثمارا موصوفا لعدالتها وقدسيتها للتغطية على إجرام واستبداد وفساد وتبعية بشار الأسد ونظامه.
النقطة المضيئة فلسطينياً تمثلت بعدم وجود أي شخصية من التيار الإسلامي أو المحسوبين عليه بين الموقّعين ورغم تماهي البعض من الإسلاميين مع الحشد الشعبي وروايته السياسية والإعلامية الداعمة للنظام فإنه لا أحد منهم يجرؤ على توقيع بيان مؤيد لبشار الأسد بشكل شخصي.
وفيما يخص فتح فقد تناست كحزب سلطة مترهل وهرم معادٍ للثورات والديموقراطية ما فعله نظام الأسد مع المقاومة الفلسطينية والحركة نفسها التي خاضت معارك دفاعية عديدة ضد النظام وأذرعه الطائفية والأقلوية انتصاراً للقرار الوطني المستقل حسب خطابها، ورفضاً لمحاولاته إضعاف منظمة التحرير وتهميشها من أجل المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
أما الجبهة الشعبية فيحركها العمى الأيديولوجي والعداء للإسلاميين والديمقراطية – علاقتها مع حماس بغزة استثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها – ما أنساها مقولة مؤسس الجبهة ضمير الثورة الفلسطينية وحكيمها جورج حبش “نظام آل الأسد قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل”.
تغاضى الشبيحة العرب تحديداً أبواق الحشد الشعبي الإعلامي عن جرائم بشار الأسد الموصوفة ضد الشعب السوري حسب تقارير وتحقيقات لجان دولية نزيهة وموثوقة تابعة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، المؤسسات واللجان نفسها، يستخدم هؤلاء تقاريرها وتحقيقاتها الموثوقة والنزيهة أيضاً ضمن ادعائهم الدفاع عن الشعب الفلسطيني في مواجهة الجرائم الإسرئيلية بحقه.
عموماً لا شيء يعبر عن انفصام عبثية البيان والموقّعين عليه قدر العبارة الأخيرة التي ذيّلوه بها “عاشت الصداقة العربية الروسية” شعار يبدو من أيام الاتحاد السوفيتي الساقط، متعامين عن تحالف روسيا مع إسرائيل في سوريا وتغاضيها بل تواطئها في مئات بل آلاف الغارات الإسرائيلية ضد مواقع النظام وحلفائه دون أن يجرؤ هؤلاء على الرد.
في الأخير وباختصار كان البيان تعبيراً عن أزمة النظام وعمق تأثير الحملة الروسية عليه لا جزءاً من الحل ولا شك أن المسؤولين الروس المتغطرسين لم يلتفتوا إليه أو يهتموا به عملاً بالعبارة التاريخية والصحيحة “لا يحتقر المحتل أحداً قدر احتقاره من ساعده على احتلال بلاده”.
تلفزيون سوريا
——————
لماذا حان وقت رحيل نظام البعث – الأسد؟/ سمير سعيفان
بُعَيد استقلال سورية، كلّفت حكومة شكري القوتلي خبيرًا بريطانيًا بأن يقدّم دراسةً عن سورية وسُبل تنميتها وهي على أبواب مرحلة جديدة. ولو جاء السوريون اليوم، وسورية على أبواب مرحلة جديدة، بفريق من خبراء أجانب محايدين، لا علاقة لهم بمعارضة ولا موالاة، لينظروا في حال سورية منذ 1963 حتى اليوم، وفق معايير موضوعية، آخذين بالحسبان مصلحة سورية كبلد ودولة وشعب؛ فإن المتوقع أن يقدّموا للسوريين تقريرًا محتواه كالآتي:
عن النظام في الفترة السابقة لـ 2011:
بالعودة للجذور، نجد أن هذا النظام قد قام من بعد انقلاب عسكري على سلطة مدنية منتخبة، في 8 آذار/ مارس 1963، وهذا يجعل منه سلطة غير شرعية، بالمعايير السياسية العصرية. ولكن سمة العصر وانقسام العالم آنذاك، والحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، أتاحت لمثل هذه الأنظمة أن تعيش على فتات الحرب الباردة، خاصة أن المعسكرين المتنافسين قد اهتمّا بالولاء والتبعية، لا بمدى شرعية أي نظام، فالشرعية لكل طرف منهما كانت بالموالاة له. والآن، وقد انتهت الحرب الباردة السابقة باكتمال سقوط المعسكر السوفيتي سنة 1991، أصبح نظام البعث – الأسد فاقدًا للمناخ العالمي الذي أتاح قيامه واستمراره، أي إن المصنع الذي أنتج هذا النظام قد أفلس وأغلق أبوابه، وأصبح نظام البعث الأسد ذاته خارج التاريخ؛ فلا يمكن اليوم القبول بحكم نظام غير ديمقراطي، لا يقوم على الحريات العامة في التنظيم والتعبير وتداول السلطة، ولا يمكن القبول بتولي أي حزب أو شخص أيّ سلطة، في أي بلد، إلا بانتخابات حرة نزيهة، فضلًا على أن الدستور لا يتيح للحاكم البقاء في السلطة أكثر من دورتين، لا تزيد مدتهما عن ثماني سنوات. إنه حكم التاريخ اليوم.
لأن الضباط الذين قاموا بانقلاب آذار 1963، كانوا يهتمون بالسياسة أكثر من اهتمامهم بمهنتهم، ولأنهم كانوا قد سُرّحوا من الجيش في مرحلة الوحدة السورية المصرية، فقد امتلؤوا بأفكار مفادها أن التآمر على قلب نظام الحكم هو الخطر الداهم، وأن من يحفظ السلطة بأيديهم هو قوة السلطة العسكرية والأمنية، لا رضى الناس وتقديرهم لإنجازات السلطة. ولذلك حرصوا على أن يبقى مناخ الصراع والتوتر قائمًا دائمًا، فأعلنوا تفعيل حالة الطوارئ صبيحة الثامن من آذار، وأبقوه مفعلًا مدة خمسة عقود، من دون أن تكون هناك حاجة لذلك، وعندما اضطروا إلى وقف حالة الطوارئ؛ استبدلوها بما هو أقسى منها، وهو ما سمّي بـ “قانون الإرهاب” الذي استُخدم ضد كل من عارض النظام، كما كانوا بحاجة إلى عدو خارجي كي يبقى التوتر مستمرًا، فيمنحهم ذرائع لأفعالهم، لذلك حافظوا على حالة من اللاسلم واللاحرب مع إسرائيل، وهذا ما يشغل الشعب عن مشكلات الداخل، ويتيح للنظام الاحتفاظ بجيش كبير وجهاز أمن وقانون طوارئ. وكان هذا على حساب الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث التهمت الموازنات العسكرية والأمنية معظم إيرادات الخزينة العامة، وتم انتزاع ما بين 300 إلى 500 ألف شاب سوري من ميدان العمل والإنتاج، ووضعهم تحت السلاح، كما تم تجيير كل شيء في البلاد لمصلحة الملف الأمني، وهذا مناخ لا يُنتج تنمية، لذا تأخرت سورية كثيرًا على الصعد كافة.
رفع نظام البعث منذ 1963 كثيرًا من الشعارات الكبيرة، مثل تحرير فلسطين والحرب الشعبية، من دون أي تحضير لمستلزمات مواجهة إسرائيل التي شكّلت منذ تأسيسها 1948 خطرًا داهمًا على حدود سورية. فلو تمتّع انقلابيو آذار 1963 بحد أدنى من الخبرة والمعرفة؛ لعلموا أنّ الجيش السوري الضعيف، الذي اهتمّ ضباطه بالسياسة ونظّموا الانقلاب تلو الآخر منذ الانقلاب الأول 1949، غيرُ قادرٍ على أن يدافع عن الوطن ويواجه الأعداء؛ إذ قاموا بتصفيات بعضهم البعض، منذ انقلاب حسني الزعيم، ثم انقلاب الحناوي، وانقلاب الشيشكلي، وانقلاب 1954، وانقلاب الوحدة 1958، وانقلاب أيلول 1961 الذي أطاح الوحدة، وانقلاب آذار 1963، ومحاولة انقلاب جاسم علوان في تموز 1963، وانقلاب صلاح جديد في شباط 1966، ومحاولة سليم حاطوم الانقلابية الفاشلة في أيلول 1966. وكان على الانقلابيين أن يدركوا أن الجيش السوري، بعد كل هذه الانقلابات وتصفيات الضباط والأفراد التي تبعتها، أصبح جيشًا مهلهلًا، بضباط صغار بخبرات معدومة وتدريب سيئ وتسليح ضعيف، ولو أنهم أدركوا ذلك، وهو أمرٌ بدهي، لما زاودوا بالشعارات وورطوا عبد الناصر الذي وقع هو الآخر في الفخ، ومنحوا الفرصة لإسرائيل بأن تهاجم أراضي عربية إضافية وتحتلها، في عدوانها في الخامس من حزيران 1967. لقد فقد نظام البعث شرعيته للمرة الثانية بعد هزيمة حزيران، وكانت المرحلة التي تلتها فترة نظام حكم بلا شرعية.
وإذا أخذنا معيار التنمية التي هي أحد أسس شرعية أيّ نظام، بما ينتجه من تنمية اقتصادية وبشرية وما يقدمه من منافع للشعب؛ فإن نظام البعث خلال نصف قرن من سلطته، بين 1963 و 2010، قد فشل في تحقيق أي تنمية مستدامة، وقد تراجعت سورية في عهده على الصعد كافة، من دولة ومجتمع كانا في طليعة بلدان العالم الثالث، في خمسينيات القرن العشرين، في الصناعة والزراعة والتجارة والقضاء النزية والتعليم وخدمات الصحة والإدارة الحكومية وغيرها، إلى دولة تقف في مؤخرة دول العالم، في مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية (أما اليوم، فسورية أصبحت خارج المؤشرات الإنسانية)، أي كان هناك فشل شامل. ويمكن توصيف وضع سورية العام، في ظل سلطة البعث -الأسد، بأنها دولة لديها موارد متنوعة وشعب بإمكانات كبيرة، بينما تدار إدارةً فاشلة وفاسدة. وهذا يُفقد أي نظام شرعيته خلال خمس سنوات، لا خمسين سنة!
على الصعيد الاجتماعي، جاء هذا النظام إلى السلطة رافعًا شعار القضاء على الإقطاع والرأسمالية ومحاربة الاستغلال، ولكن ما جرى أنه أزال الطبقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السابقة، كي تحل قياداته العسكرية والأمنية والمدنية والحزبية محلها؛ فأصبحوا هم الحكام الجدد، وهم الرأسماليون الجدد، وهم الإقطاعيون الجدد، وهم الوجهاء الجدد، من دون أن يحملوا قيم الطبقة السابقة ومعرفتها في تنظيم الإنتاج وحسن الإدارة. لقد أغرق نظام البعث – الأسد السوريين بشعارات الاشتراكية، ولكنه استأثر بكامل السلطة والمال، وأشرك الشعب في الفقر والقمع.
أغرق النظام السوريين بالحديث عن مكافحة الفساد، ولكنه نظّم الفساد ليكون أداة لتكوين ثروات كبيرة لعائلة الأسد أولًا، ولرجل أعمالها مخلوف، ولمجموعة من حولها، وعمم الفساد كي يكون ثقافة فلا يغدو الفساد سبّة في جبين الفاسدين، كما كان قبل مجيئهم، ثم قدّم بعض الفاسدين الصغار ضحية كي يستر فساده الكبير، واليوم يقتتل الأسد مع مخلوف على توزيع الثروة التي جمعوها بفساد عظيم، وهم مستعجلون ربّما لشعورهم بأن التغيير قد بات قريبًا في سورية.
ردّد النظام على مسامع السوريين شعارَ الحرية صبحًا وعشية، ولكنه ألقى كلَّ من طالب بالحرية في غياهب السجون، بينما أطلق الحرية ليد أجهزة القمع. وتحدث عن “الكرامة الوطنية” ولكن الأسد الأب، قبل مغادرته هذا العالم، نظّم توريث سورية وشعبها لولده الذي لم يكن له أي دور في الدولة، ولا أي خبرة أو مزية، أورثها له كما الممتلكات المادية (السوريون يقولون كما تورث الإبل)، فمرّغ كرامة سورية وشعبها بالتراب.
وعلى الرغم من أن البعث في الأساس حزب قومي تأسس ليبعث الأمة العربية من رقادها، وهو حزب علماني في جذوره، فإن السلطة التي قامت تحالفت منذ 1979 مع نظام ملالي إيران المذهبي الفارسي، وكان حافظ الأسد على رأسها آنذاك، ووقف إلى جانب النظام الديني في إيران، ضد العراق الشقيق الذي يحكمه الشق الآخر من حزب البعث، كما يسّر هذا النظام سيطرة “حزب الله” على لبنان، وهو حزب ديني يتبع إيران علنًا، بتأسيسه وتبعيته وتمويله وسياسته. وهذا يتعارض مع الزعم العلماني ويتناقض مع القومية العربية.
النظام منذ 2011 حتى اليوم
عندما نزل السوريون إلى الشوارع والساحات بدءًا من آذار 2011 بالملايين، على امتداد التراب السوري، وعلى مدى أشهر عديدة، مطالبين سلميًا بالتغيير؛ استخدم النظام العنف المبالغ به وغير المبرر، لقمع المطالبات المشروعة بالتغيير، وبالغ كثيرًا حين استخدم الدبابات والطائرات والمدافع، ومختلف أنواع الأسلحة حتى صواريخ (سكود)، وأثار ذلك دهشة العالم واستنكاره، واستدعى تأييده لحق الشعب السوري بنيل نظام حكم ديمقراطي، يحترم الحريات العامة وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.
وحين فشل النظام في القضاء على الحراك؛ استنجد بإيران وقواتها وميليشياتها التي جُلبت من دول كثيرة، ثم استنجد بموسكو. وقد تسبب عنف النظام، والعنف المضاد المعارض الذي جاء ردة فعل على عنف النظام، في فتح سورية أمام منظمات إرهابية أتت من كل فج عميق، وفي تدخّل دول واحتلالات متعددة تشابكت مواقعها ومصالحها على الأرض السورية.
كان لدى النظام فرصة للقيام بسلوكٍ آخر يحفظ سورية وشعبها ويفتح مستقبلها، إذ كان أمامه أن يستجيب للمطالب الشعبية الأولى بكل سهولة، ولم تكن تتجاوز المطالبةَ بالإصلاح ضمن النظام القائم، والسماح بالتجمع والتظاهر السلمي في الساحات بدًلا من دفع المتظاهرين نحو المساجد، وبفتح حوار وطني. ولو أن ذلك حصل حينذاك؛ لاعتُبر بشار الأسد بطلًا وطنيًا، لكنه آثر استخدام العنف المنفلت من عقاله الذي دمّر سورية، وأدى بها إلى ما وصلت إليه. ولو كان لدى عائلة الأسد الحاكمة وبقية النخبة الملتصقة بها، ومن يؤيدها على كامل التراب السوري، شيءٌ من حسن التقدير والتعقل وحبّ سورية وشعبها والولاء لها، لا لكرسي الحكم؛ لأدركوا حُكم التاريخ وفهموا الظروف الجديدة ولتصرفوا بتعقل.
يتذكر السوريون في هذه المناسبة العقيد أديب الشيشكلي، وقد سمّاه البعثيون والشيوعيون بـ “الدكتاتور”، فحين قام الانقلاب العسكري ضده في شباط 1954، رفض أن يواجه الانقلاب بقوة عسكرية، وكان لديه كامل القوة، إذ رفض أن تتواجه قطع من الجيش السوري في حرب أهلية على أرض سورية، وفضّل الانسحاب وترك السلطة، وهاجر إلى خارج سورية.
كما أتذكر أنا، كاتب هذه السطور، حين كنتُ أتابع دراستي في ألمانيا الديمقراطية، وبدأ الحراك المطالب بالتغيير يتصاعد ضد النظام القائم فيها، حينذاك، وقد نوقش موضوع ذاك الحراك في المكتب السياسي للحزب الحاكم (الحزب الاشتراكي الألماني الموحد) وهو شبيه بحزب البعث، مع فارق بين الصناعة البعثية والصناعة الألمانية، وقد أعطى هونيكر أوامره، وكان حينها رئيس الدولة وأمين عام الحزب، بأن لا يُعتقلَ أحد ولا يطلق النار على أحد، وقبِل هو بالتغيير وساعد في إتمامه واستقال، وجاءت نخبة حاكمة جديدة، ومن ثم استمر التغيير، وأدى إلى وحدة ألمانيا بقسميها الشرقي والغربي. ويومها ذهب هونيكر للعيش لدى ابنته في التشيلي، ولم يكن لديه، لا هو ولا أي من قيادات الحزب والدولة، أي ثروة. والتاريخ يذكر لهم ذلك.
سورية والمستقبل:
بسبب ربط الغرب رفْعَ العقوبات جميعها عن سورية ورفع الفيتو على إعادة الإعمار، والمساعدة في إخراج جميع القوات النظامية الأجنبية والميليشيات الأجنبية من سورية عدا القوات الروسية، والمساعدة في عودة المهجرين وإعادة بناء سورية ماديًا ومجتمعيًا، ربطًا شرطيًا بحدوث انتقال سياسي بدون الأسد ونظامه؛ فإن عدم حدوث الانتقال السياسي سيعني بقاء سورية مهدّمة ومدمّرة ومقسمة، بخدمات متدهورة ومستوى تعليم وصحة منخفض، ونقص من المياه والغذاء وفقر واسع جدًا واقتصاد مدمّر، إضافة إلى أن معظم شعبها مهجر، وأجزاء منها تحت سيطرة أجنبية، وسيبقى الدمار هو الحقيقة العارية. وعلى المؤيدين والمعارضين والحياديين إدراك هذه الحقيقة المرّة.
ومن الجدير التنويه به أن الانتقال لن يكون إلى نظامٍ تبتغيه فصائل مسلحة معارضة إسلامية، دعت -صراحة أو مواربة- لإقامة دولة دينية، إذ ستكون سورية حينذاك كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولن يكون هذا الانتقال السياسي المطلوب من القوى الدولية المتحكمة في الشأن السوري، وستبقى القوى الدولية تتخذ، تجاه مثل هذه الدولة في حال قيامها -وهو احتمال معدوم- الموقفَ الذي اتخذته تجاه نظام البعث- الأسد.
خلاصة تقييم نظام البعث – الأسد: أن بدايته غير شرعية، وكان فاشلًا في ماضيه، وقد ارتكب جرائم أكثر في حاضره، وبقاؤه يشكّل كارثة لمستقبل سورية وشعبها. وقد تجمعت مؤشرات عديدة تنذر بقرب رحيله.
من الذي يجب أن يرحل:
لكل هذه الأسباب وغيرها الكثير، سيكون من مصلحة السوريين، جميع السوريين، موالاة ومعارضة ورماديين وحياديين ولا مبالين، سيكون من صالحهم ومصلحة استقرار المنطقة، واستقرار لبنان بخاصة، أن يتم في سورية انتقال سياسي منظم، يضمن منع الفوضى، إلى نظام مدني ديمقراطي يقوم على تداول السلطة وفق أسس عصرية معلومة. ويبدو أن التاريخ قد حكم أخيرًا على هذا النظام الذي افتقد الشرعية طوال وجوده، بالرحيل، بعد أن تأخّر رحيله أكثر من نصف قرن، دفع السوريون خلالها الكثير من أرواحهم وكرامتهم وتقدّمهم، خاصة أنهم دفعوا خلال السنوات التسع السابقة ما لا يمكن تصديقه عندما يرويه الأجداد للأحفاد.
ما يجب أن يرحل هو النظام الحالي ككل، وليس فقط عائلة الأسد والنخبة الحاكمة، والمقصود بالنظام الحالي نظام الحزب الواحد الذي صادر السياسة، وحكّم أجهزة الأمن بمصاير السوريين، نظام تدخل الجيش في السياسة وجمع السلطات في يد رئيس مطلق الصلاحيات، نظام القضاء غير المستقل وغير النزيه، النظام الذي ينظم الفساد والفاسدين، والعاجز عن محاسبة المسؤولين، والذي أشاع ثقافة المحسوبية والولاء، وتدخل الدولة المعيق في الحياة الاقتصادية، نظام إهمال العلم والسماح بالتفاوت الكبير للثروة، وتركزها بيد أقلية على حساب بقية السوريين، وغير ذلك من السمات السلبية للنظام القائم، واستبداله بنظام عصري جديد، يمكن اختصاره بالقول إنه يعاكس كل هذه السمات السلبية بأخرى إيجابية.
ولا بد أن يرحل حزب البعث أيضًا، بأن يصدر قرار بحله ومنع عودته، ومصادرة ممتلكاته لتعود للدولة، لأن أثمانها سُحبت بغير حق من الخزينة العامة، فلا مكان لهذا الحزب في سورية القادمة، فما جرى باسمه ينزع عنه كل شرعية، على الرغم من أنه كان مجرد أداة، ولكن ليس من مصلحة سورية والسوريين تطبيق نهج العراق بسياسة اجتثاث البعث، الذي استخدم انتقائيًا لأغراض مذهبية انتقامية، فمعظم البعثيين السوريين كما العراقيين، لم ينالوا من هذا النظام شيئًا، بل نالوا منه ما ناله الشعب السوري عمومًا.
أما كيف سيرحل هذا النظام، فسيكون هذا بتوافق روسي أميركي، فأميركا تقرّ أن سورية منطقة نفوذ سوفيتية سابقًا وروسية لاحقًا، ولا تريد منافسة روسيا على سورية، ولكنها بذات الوقت لا تريد أن تسهّل مهمة روسيا في سورية بدون مقابل، وروسيا هي في أزمة لأنها غارقة في سورية، أما أميركا فمرتاحة وهي تحاصر سورية وتحاصر روسيا معها، وبالتالي ستضطر روسيا إلى تقديم التنازل ضمن انتقال سياسي يُرضي أميركا، وتبقى الصعوبة في صياغة هذا الانتقال وتأمين إمكانية تنفيذه على الأرض. ويبقى هذا احتمالًا ينتظر التحقيق.
الكلمة الأخيرة
الكلمة الأخيرة التي سيوجهها فريق الخبراء المحايدين، الذي جئنا على ذكره في البداية، إلى كل السوريين وخاصة النخب التي تلعب أدوارًا أهم -بغض النظر عن مواقف الموالاة والمعارضة والحياد- هي أن الماضي قد مضى، وأن التاريخ قد حكم على سورية بالتغيير والانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي عصري، وأن هذا الأمر يُوجب على الجميع الاتحاد والعمل المشترك من أجله، متجاوزين تصنيفات المعارضة والموالاة والرماد والحياد، لمواجهة حجم الدمار المادي والمجتمعي، وإزالة آثار المشكلات الكثيرة المتراكمة التي سيكون حلّها صعبًا ومعقدًا جدًا، حتى مع توفّر دعم العالم بكامله. أما إذا لم يتم رحيل النظام وغاب دعم المجتمع الدولي، وبقي الوضع على ما هو عليه؛ فإن على جميع السوريين -دون استثناء- أن يترحموا على سورية.
إنها مسؤولية كل سوري، وعليه أن يختار بين الدمار والإعمار.
مركز حرمون
—————————–
هل حانت ساعة الحقيقة في سورية…؟/ سامي كليب
لا غلواء في القول اليوم أن سورية تعيشُ حاليا لحظاتٍ مفصلية لا تُحسد عليها، لمرحلة ما بعد الحرب. ثمة ضبابٌ كثيف يخيّم على المستقبل السياسي، وسط تدهور عنيف للاقتصاد وسعر صرف الليرة يزيد نقمة الناس. يُضاف الى ذلك شبح البدء بتطبيق قانون ” قيصر” الأميركي في الشهر المقبل الذي يسبق الانتخابات النيابية والرئاسية السورية بفترة غير طويلة، وشبح العقوبات الاوروبية التي تضاعفت، ما يتطلب شبه معجزة للخروج من هذا الوضع الخطير، خصوصا أن موقفَ روسيا أثار كثيرا من الجدل والتساؤلات مؤخرا، ولم يُحسم بشكل قاطع حتى كتابة هذا المقال، لا من قبل الرئيس فلاديمير بوتين ولا من الخارجية الروسية.
هل المعجزة ممكنة؟ ربما نعم ولكنها تحتاج جرأة كبيرة لتمرير المرحلة الخطيرة.
لنعد قليلا الى الوراء كي نفهم أكثر:
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان واضحا جدا منذ ٣ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩ حين قال:” إن الأعمال القتالية واسعة النطاق في سوريا انتهت، ويجب العمل على حل الأزمة السورية عن طريق التسوية السياسية ” مضيفا “نحن وشركاؤنا الإيرانيون والأتراك، بذلنا جهودا كبيرة لتشكيل اللجنة الدستورية ونتطلع الآن إلى بداية هذه العملية”.
سيد الكرملين يعتبر إذا ان سورية دخلت في المرحلة السياسية، ويريد قدر الإمكان انهاء العبء العسكري المُكلف ( خصوصا بعدما تبين له أن معركة ادلب مكلفة عسكريا وسياسيا)، والتوصل الى حل حدّده مرارا بأنه يحفظ سيادة سورية على كل أراضيها دون تقسيم. وهذا يفترض تنازلات من القيادة السورية في مسألتي الحكومة والبرلمان الذي يجب ان يضم معارضة، وحصول انتخابات رئاسية نزيهة مهما كانت نتائجها طالما انها تعقب التسوية السياسية.
القيادة السورية من جانبها، والتي لم تقتنع ولا مرة فعليا بجدوى التفاوض مع معارضة تعتبر أنها لا تُمثّل شيئا، جاهدت للمماطلة قدر الإمكان في الحلول السياسية، على أمل الحسم العسكري الكامل، وإقناع القيادة الروسية بضرورة هذا الحسم الذي يتضمن بطبيعة الحال ادلب ومناطق شرق الفرات ومركز الثروات الزراعية والنفطية. هذا كاد ينجح مع رغبة الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالانسحاب، لكنه سُرعان ما تعطّل حين دفعته الإدارة الاميركية وعلى الأرجح إسرائيل الى التراجع عن القرار، منعا للسماح لإيران ومحورها بتحقيق الانتصار، وكذلك لمنع روسيا من استغلال انتصارها بالتوسع في المحيط العربي، وتقديم نموذج لنظام يحمي حلفاءه، كما ان الانسحاب كان بنظر الإدارة الاميركية وأيضا الاتحاد الاوروبي (وفق وثائق محاضر داخلية) يعني تشجيع الرئيس الأسد على عدم تقديم أي تنازل في سياق الحل السياسي. ثم ان موسكو نفسها التي نجحت في جذب تركيا (رغم استمرار الحذر) وغازلت الكرد ما عادت راغبة في خسارة هذه الاوراق.
المعارضة من جانبها، والتي اعتقدت بالحصول على مكاسب كبيرة في السياسة بعد خسارة الجزء الأكبر من الأرض، وجدت نفسها مفككة أكثر من أي وقت مضى. يكفي أن نقرأ مثلا ما كتبه بصراحة وجرأة الرئيس السابق للإتلاف الوطني السوري المعارض د. برهان غليون في مقاله الأخير في العربي الجديد بعنوان:” هل تنجح الأزمة العالمية في انهاء المحنة السورية”، لنفهم أن ثمة انسداد افق لافت عند هذه المعارضة التي فقدت الثقة بالغرب وبعدد من الدول العربية التي كانت تدعمها، وصار قسم منها يغازل موسكو على أساس انها وحدها تستطيع الضغط على النظام لتقديم تنازلات.
قانون قيصر خطير ولكن
مع وطأة جائحة كورونا، وتدهور سعر الليرة السورية والاقتصاد، تستعد الإدارة الاميركية للبدء في شهر حزيران/ يونيو المقبل بتطبيق قانون سيزر (او قيصر تيمنا بلقب ضابط الصف الذي سرّب صورا قال انها لتعذيب وقتل معتقلين في السجون السورية). هذا القانون لن يشلّ فقط كل الواردات السورية، وانما يطال كل من يساعد الدولة السورية عسكريا او ماليا او تكنولوجيا (يعني يمكن ببساطة ان يطال لبنان مثلا أو الامارات او أي دولة عربية لها علاقات مع دمشق)، وهو يستهدف خصوصا روسيا وإيران وحزب الله المذكورين صراحة فيه الى جانب الدولة السورية.
وإذ يُحمّل هذه القانون الذي صادق عليه الكونغرس بمجلسيه ووقعه الرئيس الأميركي في إطار ميزانية الدفاع الهائلة (أكثر من ٧٣٠ مليار دولار)، الرئيس الأسد مسؤولية الحرب وأيضا مسؤولية جلب الإرهاب الى بلاده، فان تفاصيله لافتة للنظر إذا ما دقّقنا فيها:
هو يقول: “ان سياسة الولايات المتحدة تقوم على ضرورة استغلال كل الطرق الدبلوماسية والاقتصادية الجبرية لإرغام حكومة بشار الأسد على وقف القتل بالجملة للشعب السوري فورا، والعمل بفعالية لنقل السلطة إلى حكومة ديمقراطية في سوريا تعيش في سلام وأمن مع جاراتها. (أي بشكل أوضح نقل صلاحيات الرئاسة الى حكومة مشتركة وعقد صلح مع إسرائيل) “
لكنه يقول ايضا باحتمال رفع العقوبات عن سورية في حال: “قرر الرئيس (الأميركي) أن المباحثات المعترف بها دوليا لحل مشكلة العنف في سوريا انتهت بالتوصل لاتفاق أو من المرجح أن تنتهي بالتوصل لاتفاق، فيحق للرئيس تعليق، كلما كان مناسبا، كليا أو جزئيا، فرض العقوبات المطلوبة بموجب هذا القانون”
المعجزة الممكنة
أميركا إذا عبر هذا القانون، تترك الباب مفتوحا لحل سياسي، وروسيا تريد الدخول من هذا الباب لوقف العقوبات التي ستطالها أيضا، تماما كما فعلت حين سحبت فتيل الحرب الأميركية على سورية من خلال سحب السلاح الكيماوي السوري. فواشنطن لم تقل انها ترفع العقوبات في حال تم التوصل الى اتفاق وانما لوّحت بالجزرة بعد العصا بقولها :” او من المرجح ان تنتهي بالتوصل الى اتفاق “.
من الطبيعي أذا ان تضغط موسكو حاليا على الجميع بمن فيهم الحليف السوري للعودة سريعا الى المفاوضات، مع الخروج ببعض المؤشرات على تنازلات في المرحلة المقبلة. هذا يحتاجه بوتين للتفاوض مع ترامب قريبا جدا. لكن موسكو لن تضحي بانجازاتها السورية مع حلفائها لأجل واشنطن او اوروبا وهي لذلك سارعت عبر خارجيتها الى شجب العقوبات الاوروبية الجديدة .
احتمال احداث صدمة إيجابية ممكن من قبل الرئيس الأسد وفق مسؤول أوروبي تحدثت اليه الليله ، يكفي ان يقول الاسد مثلا ان سقف التفاوض مفتوح على كل الاحتمالات وان الانتخابات المقبلة يمكن ان تكون بحضور مراقبين دوليين وليفز من يستطيع الفوز، ويكفي أن يشير الى احتمال انتهاءٍ قريب لمهمة حزب الله وايران في سورية (هذا يسمح للدول العربية بالعودة ويخفف الضغط الاميركي ويساعد روسيا) ويكفي أن يوجه إشارات ترحيب بعودة الدول العربية واستعادة العلاقة مثلا مع مصر والسعودية بعد الامارات ، وان يقول انه لا يمانع بالعودة الى التفاوض مع إسرائيل شرط تراجع ترامب عن قراره بشأن الجولان وان تكون المفاوضات مستندة الى وديعة رابين الشهيرة، لكي يُحدث صدمة إيجابية
وحين قلت للمسؤول الاوروبي :” ولكن هل يُعقل بعد كل الذي فعلته إسرائيل بسورية، وفي اوج تمرير صفقة القرن أن يقول الأسد انه مستعد للعودة الى التفاوض ” أجابني / انه بذلك يضع الكرة في ملعب واشنطن وتل أبيب .
الواقع انه كان لافتا في الأسبوع الماضي خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ليس فقط بقوله ان سورية انتصرت وان إسرائيل خائفة، وانما بتأكيده أن:” ان الهدف بإخراج المستشارين الايرانيين وحزب الله من سوريا لن يتحقق”. فهذا الكلام موجه لمن بالضبط، لأميركا وإسرائيل أم لروسيا أيضا أم للسعودية التي وضعها في خطابه بمصاف اميركا واسرائيل؟
لا شك أن سورية تمر حاليا في مرحلة صعبة جدا، وقاسية جدا، وشرسة جدا، وقد تتخللها أحداث أمنية خطيرة نظرا لتشابك مصالح كثيرة. هذه المرحلة تحتاج لكلام واضح من قيادتها ومن كلام أوضح من روسيا، فالناس بحاجة لمعرفة هل ان روسيا مستمرة في رسم معالم نظام جديد عبر سوريا يتحدى الولايات المتحدة المتحدة بالتعاون مع الصين وشركاء آخرين، أم انها تفضل التفاوض مع ترامب، حتى ولو فرضت تنازلات قاسية على دمشق وأضعفت موقع الأسد قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة…. وهذه المرحلة ستُحدد أيضا، هل ان الرئيس الأسد قادر على رفض الضغوط الروسية اذا شعر بأنها تمس بعصب وجوهر النظام الحالي، أم لا ….
الجوب يبدأ قريبا من خلال اللجنة الدستورية وما يسبقها ويتخللها من كلام…. لكن الأكيد ان الشعب السوري بحاجة الى من يعطيه بعض الأمل .وهذا يتطلب كلاما من الاسد أو بوتين اذا كان كل ما يقال عن ضغوط غير صحيح.
ولا شك ان سورية تستحق أن تعيش وتفرح وان تشعر ان الحرب صارت خلفها لا أمامها بأشكال أخرى.
اعلاميون لا ابواق
—————————
—————————–
المعارض السوري يحيى العريضي: العوامل الذاتية والخارجية لبقاء النظام مشلولة
حاورته: رلى موفّق
يُبدي رئيس المكتب الإعلامي في “الهيئة العليا للتفاوض” في المعارضة السورية الدكتور يحيى العريضي اقتناعاً بأن مصالح الدول المنخرطة بالأزمة السورية، وفي مقدمها روسيا، باتت تتطلب بقوة التوجّه نحو الحل السياسي، وأن الاختلاف الآن هو على الجنى السياسي والتقاسم. معتبراً أن تضارب المصالح الروسية-الإيرانية على الساحة السورية قد يُرجّح كفة موسكو في الحسم كونها تلقى دعماً أمريكياً وكذلك إسرائيلياً في هذه المسألة، وإن كان على يقين بأن “اقتلاع إيران من سوريا مسألة ليست سهلة على الإطلاق”.
ويرى عضو لجنة صياغة الدستور الجديد أن روسيا وجّهت رسائل للنظام بأنها “إذا رفعت يدها عنه سيسقط حكماً” وذلك لدفعه إلى التسليم بأنه لا بدّ من تغيير سياسي فعلي، وتطبيق القرارات الدولية. وهو ينظر إلى اللجنة الدستورية على أنها بوابة للولوج منها إلى تنفيذ القرار 2254.
العريضي الذي شغل موقع عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق، قبل الثورة السورية، يعتبر أن نظام الأسد – حتى ولو استعاد السيطرة على جزء من الجغرافيا – لن يحظى برضى شعبي حتى في حاضنته، وهو لن يتمكن من الاستمرار، لأنه فقد المصداقية على مستويات مختلفة. فقد يستطيع تغطية تعثّره مادياً أو دبلوماسياً أو سياسياً لكنه لا يستطيع إخفاء إفلاسه الأخلاقي كونه مُثبت الوقائع عبر ما كشفته لجان التحقيق عن استخدامه للسلاح الكيماوي، وفي حالات التعذيب والمعتقلات من خلال 55 ألف صورة تمخض عنها ما سُمي بـ”قانون قيصر” وأصبح جزءاً من المنظومة القانونية الأمريكية، ليس فقط لمعاقبة النظام، بل أيضاً لمعاقبة أو مقاطعة أو فرض عقوبات على أي جهة تدعمه أو تتعامل معه.
وهنا نص الحوار:
*بداية، هل تؤيد الاستنتاجات القائلة بأن الحرب السورية انتهت؟
** ربما تكون الأمور قاربت نهاياتها على الصعيد العسكري، لكن علينا التفكير بأن النظام عاش على توتير الأوضاع انسجاماً مع مقاربته العسكرية، وإيران دعمته بهذا التوجه وما زالت. وهذه المنهجية لا تزال قائمة حتى في الشمال الغربي وآخرها هجوم أيلول/سبتمبر 2019. هناك محاولات كثيرة لخرق اتفاق روسيا وتركيا في 5 آذار/مارس الماضي، لكن الأمور لا تزال ثابتة حتى الآن. لا بدّ من وجود حل سياسي انسجاماً مع القرارات الدولية بدء من بيان جنيف والقرارين 2118 و2254، هكذا يمكن لسوريا أن تعود إلى الحياة. فجوهر القضية السورية في الأساس ليس حرباً، بل مواجهة بين نظام استبدادي وشعب يطلب الحرية.
*ولكن لا يزال الحل العسكري هو خيار النظام؟
**باعتقادي أن الحرب الآن لا بد من أن تضع أوزارها، لأن هناك مصالح، بحكم تدويل القضية السورية. هناك جهات مأزومة، وعلى رأسها عالمياً، روسيا وإيران. موسكو لم تجن شيئاً سياسياً، تألقت في استخدام آلتها العسكرية، واستعرضت مختلف صنوف أسلحتها بغية التسويق لها، وشاركت في القرارات الدولية السياسية المتعلقة بسوريا، لكن في النهاية بقيت خارج التطبيق. كل هذه الأمور تقود روسيا للقول إن المقاربة العسكرية مضى وقتها وانتهت، وما عليكم إلا أن تتّجهوا باتجاه الحل السياسي، لكن الاختلاف الآن هو على الجنى السياسي، والمصالح والتقاسمات.
أما إيران التي دخلت إلى سوريا تحت يافطة نشر الثورة الإسلامية، وبوصفها “عقدة الوصل” لما يسمى بـ”الهلال الشيعي” من طهران إلى لبنان، فتواجه رغبة دولية بسحبها من سوريا، ولا يوجد تطابق بين المصلحتين الروسية والإيرانية على الساحة السورية، ولا بدّ لواحدة منهما أن تحسم الأمور. أعتقد أن الكفّة تميل لصالح الروس، ذلك أن أمريكا تريد لروسيا أن تحسم الأمور، وكذلك إسرائيل. ناهيك عن أن العرب مع بعض الاستثناءات والأوروبيين ليسوا مغرمين بإيران. كل تلك الأمور أعتقد أنها تقود إلى حل سياسي من نوع ما.
*ما الذي سيدفع النظام إلى تطبيق خريطة الحل السياسي والقبول بدستور جديد، طالما أنه أستعاد سيطرته على جزء كبير من الأرض عسكرياً؟
** القضية ليست قضية جغرافيا، الأهم هو أن ينال الرضا الشعبي. يمكن أن يسيطر على الجغرافيا لكن هل هناك رغبة شعبية به؟ هذا غائب حتى في حاضرة النظام، فالتذمر والتعب الاقتصادي والإحساس بالخوف والغموض المريب منتشر حتى داخل حاضنته، فما بالك في مناطق أخرى دمّرها بالبراميل المتفجرة، وقصف ناسها، وشردهم وقتل أبناءهم. سيطرته هذه هل يمكن أن تُحسب له بأنه يحوز عقداً طبيعياً يُرضي الحاكم والمحكوم؟ هذا شيء غير متوفر.
* ولكن الثورة على الظلم، كما أسميتها، أخفقت وبقي نظام الأسد؟
** الكل يعرف أن تلك السيطرة على الجغرافيا لم تكن بفعل قوّة النظام، بل بفعل الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التي تدور في فلكه، إضافة إلى وجود قوّة عسكرية لدولة عظمى. هو أعجز من أن يفعل ذلك، وهذه الحقيقة تنسف مصداقيته كحاكم. كان يسيطر على سوريا ككل ومع ذلك رُفض، والآن حتى لو أعاد السيطرة، فلن يتمكن من الاستمرار، لأنه فقد المصداقية على مستويات مختلفة. قد يستطيع تغطية تعثّره مادياً أو دبلوماسياً أو سياسياً لكنه لا يستطيع إخفاء إفلاسه الأخلاقي كونه مُثبت الوقائع عبر ما كشفته لجان التحقيق عن استخدامه للسلاح الكيماوي، وفي حالات التعذيب والمعتقلات من خلال 55 ألف صورة، التي تمخض عنها ما سُمي بـ”قانون قيصر” وأصبح جزءاً من المنظومة القانونية الأمريكية، ليس فقط لمعاقبة النظام، بل أيضاً لمعاقبة أو مقاطعة أو فرض عقوبات على أي جهة تدعمه أو تتعامل معه. النظام يحاسب على فعل لا أخلاقي قام به. التمتع بالمصداقية والأخلاقية كحاكم هو الذي يبقيك، ولن تنفعك الجغرافيا ولا القوى الخارجية، ولا التزييف والكذب.
* ما تحاول قوله إن النظام محكوم بالرحيل، طال أو قصر الزمن، وتتم محاصرته الآن اقتصادياً وسياسياً ومالياً وقانونياً بشكل مُحكم، لكن واقعاً هو لا يزال مستمراً…
** النظام يستمر عملياً بفعل إيران وروسيا التي سعت لإعادة تأهيله وطلبت منه عدم خرق وقف إطلاق النار في الشمال الغربي، وتريد البدء بالحل السياسي، ولكن النظام يعرف أن الحل السياسي يؤدي إلى التغيير وهو لا يحتمل ذلك، لأن أي تغيير في بنيته الأساسية تعني نهايته.
هنا حدث التناقض بين ما تريده روسيا وما يريده النظام، لذا نراه يلعب على التناقضات القائمة، فتجدينه يتقرَّب من إيران ويهدّد بها عند كل سانحة. هذا كان جلياً عندما هدَّد خالد العبود (أحد أصوات النظام) الروس بـ”داعش” بشكل مبطّن، وبالعلاقة العضوية مع إيران. الأسد لا يستطيع أن يقول “لا” لروسيا، لأنها إذا امتنعت عن رعايته وعن استخدام حق النقض في مجلس الأمن ينتهي. امتناع الروس عن حضور اجتماع الأمم المتحدة لمناقشة استخدام الكيماوي كان إشارة غير مباشرة بأنه “إن رفعنا يدنا عنك أيها النظام ستسقط حكماً”، والإشارة الأخرى كانت الحملة الإعلامية الروسية التي حدثت بشكل غير رسمي ضد نظام الأسد – لكن لا شيء غير رسمي على الصعيد الإعلامي في روسيا – والردّ عليها بالاحتماء بإيران. قول المسؤولين بأن الأمور بين روسيا والنظام السوري أكبر من هذه الترهات ليس صحيحاً، فهي ليست ترهات، بل فعل حقيقي. الآن كيف يمكن للنظام أن يتملص من هذا الأمر؟ لا يستطيع ذلك، وروسيا تعرف ذلك، وتعتبر أنه لا بدّ من تغيير سياسي فعلي، وتطبيق القرارات الدولية.
* إذا كان النظام لا يستطيع أن يُماشي الروس لأنه سينتهي، ولا يستطيع أن يُؤمّن بقاءه من خلال إيران دون الروس، فكيف سيكون المشهد؟
** المشهد واضح، ثلاثة عوامل تبقي النظام: العامل الذاتي، والعامل الإيراني، والعامل الروسي، ويمكن أن نضيف إليها العامل الدولي، والعامل الخامس ربما يكون الحجّة بعدم وجود البديل. الروس ليسوا “جمعية خيرية”، وحققوا جزءاً من مصالحهم، ويبتغون تتويج ذلك بقرار سياسي، وحتى الآن لم يحصلوا على ذلك. أما إيران فمشروعها أبعد مدى، لأن له بعداً أيديولوجياً، فهي تغلغلت بالنسيج الاجتماعي، والنسيج المادي، والنسيج الديني، كل هذه الأمور تجعل من اقتلاع إيران من سوريا مسألة ليست سهلة على الإطلاق، لكن مهما كلف الأمر فهي أحد العناصر الأساسية المفجّرة لاستمرار الصراع. أما العامل الدولي فهو يريد تطبيق القرارات الدولية، وتغييراً سياسياً. وبالنسبة لعدم وجود بديل للأسد، المسألة ليست تبديل فرد بفرد، بل تبديل منظومة بمنظومة أخرى، منظومة كانت قائمة على الفرد وهو الآمر الناهي. بالإمكان إيجاد جسر انتقالي تأسيسي لفترة معينة، يُهيّئ لصناعة دستور ولجنة دستورية ربما تكون هي البوابة باتجاه ذلك، ثم تكون هناك انتخابات محلية، برلمانية وصولاً للرئاسية، تحت رعاية دولية، وتضع سوريا على سكة الحياة ثانية. لكن بوجود هذه المنظومة المستبدة لا يمكن الوصول إلى هذا الأمر.
أما بالنسبة للعامل الذاتي، فالنظام يعتمد على الناس والاقتصاد والعلاقة بينهما. الجانب الاقتصادي في حالة تدهور غير مسبوقة. هناك اليوم الصراع القائم في دائرته المغلقة، والحالة الفضائحية التي نشهدها. أعتقد أن روسيا أرادت أن تستغل ذلك، لأنه يُفترض برأس النظام أن يكون المنقذ، وعليه أن يُحارب الفساد، وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ومنسوب شعبيته منخفض جداً. الآن عندما يحارب رامي مخلوف، يقدّم نفسه على أنه يحارب الفساد، لكن روسيا ليست غبية كي لا تكتشف أن رامي مخلوف وفساده هو الوجه الآخر للعملة الواحدة. هذه الأموال تعود لرأس النظام وليست لرامي مخلوف فقط، هم شركاء في هذا الموضوع، لا يستطيع المرء أن يُحارب ذاته، هم ليسوا أغبياء. هذا من الجانب المادي، أما من الجانب الاجتماعي فهناك صمت وضبابية وغليان فظيع والناس في حالة عوز والجرائم منتشرة والمخدرات متفشية عن طريق إيران و”حزب الله”. هنا نصل إلى أن العوامل التي يستند إليها النظام مشلولة بالمعنى الكامل للكلمة بشكل لا يسمح له بالبقاء.
* في ظل هكذا نظام يعتمد النسق الاستخباراتي والقمعي، ألا تخشون من قدرته على الالتفاف على المكتسبات التي قد يحققها الشعب السوري في الحل السياسي؟
** النظام لا يستطيع الالتفاف على الحل عندما يكون حلاً منطقياً ويأخذ في الاعتبار ما يريده الناس. إذا وُضع بعض شخوص النظام كألغام في سوريا المستقبل، فهي الوصفة لاستمرار النزيف. أعتقد أنه يمكن أن توجد حلول مرضية للجميع. النظام ليس لديه القدرة على أن يلتف، لأنه لن يكون هناك ليلتف، المسألة لن تكون مسألة فرد يأمر فيُطاع، لن يكون حالة مخابرات مرعبة للناس، لن يكون حالة احتكار اقتصادي لاستخدام التجويع كأداة للسيطرة.
واقعياً، الحل لن يكون مثالياً للجميع، والشعب لن ينال حقوقه كاملة، وكذلك المتدخلون الخارجيون في القضية السورية، لا بدّ من بدايات كأسس للحل، كتطبيق بيان جنيف والقرار 2254 بكل تفصيلاته بما في ذلك الانتقال السياسي. البعض يعتبر كل من يشارك في هذا النظام مرتكباً، لكني أرى أن هذه المقاربة ليست دقيقة. على سوريا أن تقبل حلاً معقولاً، الخسارات ستكون متفاوتة والأرباح ستكون متفاوتة. لا أظن أن روسيا ستنال ما يرضي مصالحها بشكل كامل، أو تكون هي المتحكم الأساسي في مفاصل الحياة السورية. إن لم ينل هذا الشعب حريته في تقرير مصيره ستكون روسيا في حالة ضعف وفي مستنقع وهذا أمر مؤكد، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الأمريكان والإيرانيين والإسرائيليين.
* وما الذي يجعلك متيقناً من عدم قدرة النظام على الالتفاف حتى لو استطاع تأمين المصالح المشتركة للقوى الفاعلة في بلاده؟
** أمور عديدة تحدّ من قدرة نظام الأسد على ذلك، أولها الملفات الإجرامية المتراكمة بحقه، التي لا يشملها تقادم الزمن، وسقوط أخلاقياته والإدانات الواضحة له، وهي مسألة تضرب بالعمق أساساته. جانب آخر هو الإفلاس المادي الذي يعاني منه حالياً والمرشح للتفاقم، ناهيك عن “قانون قيصر” الذي سيبدأ تطبيقه خلال أيام وسيكون له وقع الكارثة عليه وعلى مَن يدعمه. وهناك ارتكاباته بحق شعبه بحيث بات نصف الشعب السوري مهجّراً ومئات الألوف منه تقبع في المعتقلات إضافة إلى عدم استعداد أي جهة للمساهمة بإعادة الإعمار في سوريا طالما لا يحدث انتقال سياسي، كل ذلك سيؤدي حتماً إلى نهاية النظام. إذاً نحن أمام جملة من القضايا التي تحول دون إمكانية إعادة تأهيل هذا النظام أو قدرته على الالتفاف. الآن روسيا بالذات تحاول أن تتملص أو تنأى بنفسها عن الارتكابات التي تمت أحياناً عندما يُشار إلى الكيماوي. على الأقل إذا كانت شاهدة أو تعرف بهذا الموضوع، ستكون مدانة. روسيا كانت مشرفة على تفكيك الترسانة النووية للنظام وتعهدت بأنه لم تبق لديه أسلحة كيماوية، فإذا ثبت عكس ذلك ستكون هي المسؤولة عن هذا الموضوع، وبالتالي تُصبح مرتكبة. فالموافق أو الشاهد على ارتكاب جريمة معينة يُعتبر مداناً. وإيران ستقوم بالتصرف نفسه.
* نشهد ضربات إسرائيلية متواصلة لمواقع إيرانية ولمواقع حزب الله، هذا يقودنا إلى سؤال أساسي عن جنوب سوريا أو ما يُطلق عليه “حزب الله” وحلفاؤه الجبهة الجنوبية. برأيك وأنت الأدرى بطبيعة تلك المنطقة، كيف سيكون التأثير الإسرائيلي على تلك المنطقة؟
** الهاجس الأساسي بالنسبة لإيران هو دخولها إلى سوريا والتواجد على الحدود الجنوبية الغربية وتحديداً عند الحدود الإسرائيلية، تحت عنوان المقاومة والممانعة، بحجة أن سوريا تتعرّض لمؤامرة كونية. دخول إيران لم يكن فقط لحماية المراقد الشيعية وإنما لنصرة نظام الأسد. ومن هنا تركيزها على هذه المنطقة. تم الاتفاق على أن تكون القوى الإيرانية بعيدة عن هذا المكان 80 كيلومتراً، لكن الموضوع تحوَّل أيضاً إلى استهداف للمواقع الإيرانية في حلب ودير الزور. الآن إيران وتواجدها في سوريا مطلوب سحبه دولياً، حتى الداخل السوري يرفضه ويرفض حالة التشييع الإيرانية. أخشى إذا “حُشرت في الزاوية” في سوريا أن تستهدف هي تلك المراقد التي أتت بذريعة حمايتها. لا أستبعد أن يُدمّر الحرس الثوري الإيراني وميليشياته في يوم من الأيام مقام السيدة زينب، للقول إن الإرهاب ما زال موجوداً لتعطي تبريراً لوجودها. التناقض الحاصل الذي لا يظهر تماماً على السطح بين روسيا وإيران، وهما الأقوى على الساحة السورية، ستكون له مفاعيله في وقت من الأوقات. وعندما يعود السوريون إلى تفكيرهم العميق سيتأكدون من أن النظام ربما كان يفكر عندما بدأت الأمور بالتدهور في العام 2011، بمقاربة مختلفة عما حدث، لكن إيران كانت الفاعل الأساسي والمحرّض للنظام حتى يأخذ هذه المنهجية في مواجهة الناس.
من جانب آخر هناك من يُشكك بهذه الضربات الإسرائيلية، ويقول إن هناك تنسيقاً بين إيران وإسرائيل لأن أي قصف من قبل إسرائيل، يُعطي شرفاً للوجود الإيراني والمقاومة، ويثبت شعار المقاومة والممانعة. أنا لا أعتبر أن إيران تهدد إسرائيل، إسرائيل تستخدمها ذريعة لتدمير سوريا أكثر، واستباحتها أكثر، وإيران تستخدم إسرائيل لتبرير تدخلها في سوريا، والآخرون متآمرون حول هذا الموضوع، أكان روسيا أم أمريكا أم أي جهة أخرى.
* وإسرائيل أمّنت بقاء نظام الأسد وحمته…
** إسرائيل مرتاحة لوجود هذا النظام على مدار عقود من الزمن، هي انسجمت مع شعاره الذي رفعه أساساً “أَحكمها أو أُدمّرها”. وأعتقد ان شعار إسرائيل الذي لم يُعلن هو: إما أن يبقى هذا النظام أو أن تتحوّل سوريا إلى حالة كسيحة لا تقوم لها قائمة لنفس الفترة الزمنية التي حميت فيها حدود إسرائيل أو كانت حدودها مرتاحة. عملياً تم الشق الآخر من الشعار الذي رفعه النظام “أحكمها أو أدمرها”. لقد دمرها، لكن لا يستطيع أن يُدمرها ويحكمها في آن معاً. لقد أنجزت شيئاً معيناً وعليك الرحيل. إسرائيل تضبط أمورها من خلال ما سيأتي بعد ذلك. عملياً سورياً لن تقوم لها قائمة قبل عقود من الزمن، تحتاج إلى فترة زمنية غير قليلة لتعود إلى سكة الحياة.
أما المسألة الأساسية بالنسبة للجولان، فلا يستطيع (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب أو غيره أن يحرم سوريا من أرضها. الجولان أرض سورية وسيعود لسوريا، عبر القرارات الدولية، القرار الصادر عام 1981 الذي اعتبر ضم الجولان لإسرائيل باطلاً ولاغياً، لا يزال قائماً، وسيبقى السوريون يتمسكون بذلك. لن يكون السوريون أكثر ملكية من الملك، وأقصد الفلسطينيين. الفلسطينيون بإمكانهم تدبّر أمورهم، ولهم دعم كامل من قبل السوريين لتحصيل حقوقهم. تربينا على أن القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية لكن اكتشفنا أن كل ذلك كان كذبة.
* تركيا لاعب إقليمي آخر على الساحة السورية والمخاوف من أطماعها موجودة؟
** وضع تركيا يختلف عن الوضع الإيراني، إيران لديها مشروع خبيث، أما تركيا فتجمعها مع سوريا حدود تتجاوز الـ800 كيلومتر وتعاني من حالة أمنية تهدّد أمنها القومي بوجود أحزاب إرهابية وفعلياً هي تمارس الإرهاب وتريد زعزعة الداخل التركي. تركيا من جانب آخر هناك فيض من البشر هرب باتجاهها وحملته، 3-4 ملايين سوري نزحوا إليها، مؤخراً أيضاً 3.5 ملايين في الشمال، وكل ذلك يُشكّل عبئاً عليها. وقد يقول الإنسان هي تستفيد من هؤلاء وتحضر على الساحة الدولية كلاعب سياسي وتقرر مصير الأمور، لكن من خلال حسابات القلم والورقة أعتقد أن تركيا إن ربحت شيئاً، فهي ربحت ليس اقتصادياً وليس أرضاً وليس شيئاً من هذا القبيل، لكن كسبت ثقة من نسبة هائلة السوريين لأنها حملتهم. هذا ليس مرافعة عن تركيا، أنا لا أريد قدماً تركية على أرض سوريا، أنا لا اريد لأي جهة خارجية أن تتدخل في سوريا، أنا أريد سوريا الحرة الديمقراطية لكل مواطنيها تحت يافطة القانون، والدين لله والوطن للجميع. هكذا إيماني، وهذا ما أعمل عليه.
* ملف سوريا يرتبط بملفات المنطقة، والكل بانتظار اللاعب الأمريكي، ربما بعد الانتخابات هل تتوقع انخراطاً أمريكياً جديداً؟
** الجانب الأمريكي منذ بداية الأحداث اتبع سياسة القيادة من الخلف. (الرئيس الأمريكي السابق باراك) أوباما نأي بنفسه وترك الآخرين يُستنزفون. وما دام معظمهم ليس في الفلك الأمريكي فليدمروا بعضهم البعض، وهو مرتاح لوضعه، لكن في النهاية أمريكا قوة عظمى، ولا تستطيع التخلي، استراتيجياً، عن منطقة حساسة جداً من العالم، فسوريا بوابة 3 قارات. الآن بدأت أمريكا بالانخراط أكثر في المسألة السورية. أعتقد أنه عندما كانت بعض الدول تسعى لمغازلة النظام، ردعتها ببساطة. تتحدث واشنطن عن إعادة الإعمار وشرطية هذا الموضوع بالانتقال السياسي. وتطبيق قانون “قيصر” ليس مرهوناً بإرادة وموقف الرئيس الأمريكي حتى لو ذهب ترامب، فهو أصبح جزءاً من المنظومة القانونية الأمريكية. هذا القانون هو لحماية الإنسان في مكان معين، واستهداف من يستهدف هذا الإنسان، واستهداف من يساعد المستهدِف، هنا قوّة هذا القانون. الآن تبقى مسألة العلاقة الأمريكية مع جهات كردية في الشمال الشرقي السوري، ووجود أمريكا عند آبار النفط. أعتقد أن أمريكا لا تحتاج لمزيد من النفط، وليست بحاجة لأموال جديدة، هي تستخدم هذا الأمر ورقة للضغط، من أجل أن يُزاح هذا النظام.
* كونك عضواً في لجنة صياغة الدستور، ما هو المتوقع منها راهناً؟
** المبعوث الدولي غير بيدرسون تواصل مع الهيئة السورية للتفاوض، ومع رئيس اللجنة الدستورية هادي البحرة، حول إمكانية عقد جلسة الكترونية، ولكن جرى التوافق على معاودة الاجتماع في جنيف بعد الانتهاء من أزمة “كورونا”. بالنسبة لنا اللجنة الدستورية تشكل لنا معبراً أو بوابة بسيطة للدخول إلى تطبيق القرار الدولي رقم 2254.
القدس العربي
—————————–
========================
=========================
تحديث 28 أيار 2020
————————–
المندوب السامي الروسي ومدير المخفر السوري!
بدعوى «تطوير العلاقات مع سوريا» قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترفيع ألكسندر يفيموف، السفير فوق العادة والمفوض لدى دمشق، ليصبح «ممثلا رئاسيا»، وهي وظيفة تشابه في مضمونها منصب «المندوب السامي» الذي كانت تستخدمه الدول الأوروبية خلال فترة احتلالها لدول عربية، كما توازي منصب «رئيس الإدارة المدنية» الذي استلمه الدبلوماسي الأمريكي بول بريمر بعد احتلال بلاده للعراق عام 2003.
يعني القرار أن يفيموف سيصبح حاكم سوريا الروسيّ، وهو ما يتفرّع عنه إعلان واضح لواقعتين: الأولى إعلان الكرملين صراحة أن سوريا صارت تحت «السيطرة الروسية» عسكريا وسياسيا، والثانية هي أن بوتين سيحكم سوريا بشكل مباشر، على أن تكون الصلة بينه وبين حاكم سوريا بشار الأسد عبر يفيموف.
تأتي الخطوة الأخيرة بعد عدد من الانتقادات القاسية التي وجّهت من قبل مصادر روسيّة إلى الأسد ونظامه، وشيوع أنباء عن اتفاق روسي ـ إيراني على التخلّص من الرئيس السوري، تبعتها ردود فعل تهدّد بوتين شخصيّا، على لسان أحد أعضاء مجلس النواب السوري، ورسالة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تطالب، على لسان مسؤولين أمنيين سابقين وإعلاميين عرب (قام بعضهم لاحقا بإنكار توقيعهم عليها)، بوقف استضافة أشخاص ينتقدون الأسد ونظامه في قناة «روسيا اليوم».
لا تبدو الخطوة، ولا اشتباك النيران السوري ـ الروسيّ الذي سبقها، ولا إشاعات رحيل الأسد التي رافقتها، غريبة في سياق اقتراب تطبيق قانون قيصر الأمريكي الذي سيبدأ معاقبة النظام السوري ورئيسه ومعاونيه والأفراد والشركات التي تقدم المساعدة للنظام، إضافة إلى استهدافه البنى التحتية والعسكرية ومواقع إنتاج الطاقة والكيانات الروسية والإيرانية التي تدعم النظام.
بخلقه واقعا جديدا في ما يتعلق بسوريا، فإن الاحتمالات ستكون مفتوحة بالنسبة لطريقة تعامل الكرملين مع الملف السوري. أحد السيناريوهات هو تصعيد المجابهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو خيار لا تمتنع موسكو عن التلويح به، عبر إظهارها إمساك بوتين شخصيا بالملف السوري، وعبر تصعيدها بإرسال مقاتلات حربيّة وعناصر «فاغنر» ومقاتلين مستأجرين سوريين إلى ليبيا، كما بقيامها بمماحكات جوّية أو بحرية، كما فعلت أول أمس باعتراض مقاتلتين لها لطائرة استطلاع أمريكية في المتوسط.
لا يمكن لخيار التصعيد ضد الأمريكيين، مع ذلك، الاستمرار طويلا، فموسكو لا تستطيع التورّط فعلا بمواجهة حقيقية مع الأمريكيين، الذين يكتفون حاليّا بتعزيز المناطق التي يسيطر عليها حلفاؤهم الأكراد، وبفضح ومتابعة التدخّل الروسيّ في ليبيا، كما فعلت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) قبل أيام، فاتحين الطريق، في الوقت نفسه، للكرملين لبحث خيارات أخرى، منها طبعا، التفتيش عن بدلاء للأسد، وهو أمر يفسّر العصبيّة التي عبّر عنها موالو الرئيس السوري، كما يفسّر أيضا محاولة حاكم سوريا الانقلاب على شريكه المالي رامي مخلوف ومصادرة الأموال والأملاك العائلية التي تمت تحت إشرافه عبر سنوات طويلة.
تصعيد رتبة يفيموف من سفير فوق العادة إلى «مبعوث رئاسي» هو، بهذا المعنى، تخفيض لرتبة حاكم قصر المهاجرين إلى مدير مخفر، وبهذا التخفيض الرمزيّ يصبح تعيين مدير مخفر جديد مهمّة أقل صعوبة.
القدس العربي
———————————-
دمشق والظل الدائم لـ«القيصر»/ إبراهيم حميدي
تعيين الرئيس فلاديمير بوتين السفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف «مبعوثا خاصاً» له في العاصمة السورية، يعني وجود «ظل دائم» لـ «القيصر» هناك، وبدء المرحلة الثانية من التدخل الروسي بالبناء على العمليات العسكرية التي بدأت في 2015، والانتقال إلى مرحلة الإعمار سياسياً واقتصادياً، مع إرسال إشارات إلى الحليفين في دمشق وطهران وإلى «الخصوم» في واشنطن… و«الأصدقاء» في تل أبيب.
مرسوم بوتين، ليس مطابقاً لقرار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، بتعيين السفير بول بريمر «حاكما مدنياً» في العراق بعد الغزو في 2003، لكنه أيضاً، لا يتناقض مع ذلك التعيين مع الفرق الكبير بين التجربتين العراقية والسورية والنموذجين الأميركي والروسي.
في العراق، انهار النظام وفُكك جيشه وأجهزته الأمنية، فجاء بريمر مسؤولاً مدنياً عن الإعمار، أي بناء النظام الجديد، من قِبل أميركا القوة المهيمنة نظرياً بعد 2003. في سوريا، بقيت هيكلية النظام، وبقي جيشه وأجهزته في مناطق سيطرة الحكومة وشبكات في مناطق المعارضة. جاءت روسيا عسكرياً في نهاية 2015 ووسعت المناطق ووضعت نصب أعينها «حماية مؤسسات الدولة وإنقاذ سوريا وليس إنقاذ النظام»، لكنها ليست القوة الوحيدة في الأرض السورية. هناك لاعبون آخرون بينهم أميركا وتركيا وإيران وإسرائيل. وهناك الرئيس بشار الأسد ونظام وحكومة وجيش وأجهزة أمن واقتصاد وشبكات.
من يعرف يفيموف، يقول إنه من «أشد المدافعين عن موقف دمشق» بل إنه كان دائماً يتبنى خلال لقاءاته الدبلوماسية «الموقف السوري، ويجد المبررات لقرارات الأسد العسكرية والسياسية»، وكان آخر تعبير عن ذلك إطلالته عبر صحيفة «الوطن» الخاصة في دمشق، ليقول إن «الأحاديث والتلميحات المتداولة حالياً حول وجود خلافات في العلاقات الروسية – السورية لا أساس لها»، مضيفاً أن العلاقات «أقوى اليوم مما كانت عليه في أي وقت مضى».
ومن يعرف سيرته الذاتية ورافق عمله، يفيد بأن يفيموف من الدبلوماسيين المهتمين أكثر بالشأن الاقتصادي. كان هذا أحد أسباب وجوده في الإمارات العربية سفيراً ثم نقله في 2018 إلى سوريا، باعتبار أن روسيا تريد الاستعداد لمرحلة الإعمار السورية وتطوير العلاقات بين دمشق وموسكو.
هاتان النقطتان، تعدّان مدخلاً لتفسير ترقيته من «سفير فوق العادة» في دمشق إلى «مبعوث رئاسي» مقيم في دمشق. لروسيا، مبعوث رئاسي للشرق الأوسط هو ميخائيل بوغدانوف، ومبعوث رئاسي روسي لسوريا مقيم في موسكو هو ألكسندر لافرينييف، ومبعوث للخارجية السياسي سيرغي فرشنيين. وهناك أيضًا، قائد عسكري لقاعدة حميميم.
بدايةً، قرار بوتين، بمثابة إشارة طمأنة لدمشق بعد «الحملات الإعلامية القاسية»، لكن طمأنة مقلقة لأنها تحمل معها يداً روسية غليظة وظل «القيصر»، إذ إن مركز ثقل القرار انتقل من حميميم في اللاذقية إلى السفارة الروسية في دمشق. كان بوتين قد بعث إشارة في هذا المعنى في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما اختار لقاء الأسد في مقر العمليات العسكرية الروسية في دمشق (وليس في القصر الرئاسي السوري) في حين أن لقاءهما في نهاية 2018، حصل في قاعدة حميميم. بعد اليوم، فإن حركة قائد حميميم ستكون مقتصرة على البعد العسكري والأمني، فيما يقود «المبعوث الرئاسي» التحرك الروسي منطلقاً من الجانب السياسي.
هذه المرة الثانية التي تقدم روسيا على خطوة كهذه بعد تعيين سفيرها في اوكرانيا «مبعوثا رئاسيا» في 2001، وكأن اوكرانيا وسوريا حاضرتان معا في ذهن بوتين خصوصاً بعد 2014. وفي الأعراف الدبلوماسية، فإن وجود «مبعوث رئاسي» مقيم في دمشق، يعطي له صلاحية التواصل يومياً مع أعلى المستويات بما في ذلك مع الأسد. موسكو كانت تشكو من عدم حصول لقاءات ثنائية متكررة بين السفير الروسي والأسد أو وزير الخارجية وليد المعلم وكبار المسؤولين. وكان على بوتين أن يوفد وزير الدفاع سيرغي شويغو أو لافرنييف إلى دمشق، في كل مرة كان يريد إرسال «رسالة رئاسية» إلى الأسد.
الآن، اختلف الوضع. هناك «مبعوث رئاسي» قادر على متابعة مصالح الشركات الروسية في سوريا وأن يسهل صفقاتها. في هذا رسالة إلى شبكات المنافع و«أمراء الحرب» في سوريا. أيضاً، رسالة إلى إيران التي تقبض ثمن تدخلها العسكري بصفقات اقتصادية. آخر مثال، كان إعلان أحد مسؤوليها رغبة طهران استعادة 20 – 30 مليار دولار أميركي صرفتها بسوريا بعد 2011. أيضاً، في هذا رسالة إلى الدول في الضفة الأخرى، بـ«الأهمية الاستراتيجية» لسوريا بالنسبة لبوتين.
هذه، هي مهمات يفيموف الجديد. وبإمكان لافرينييف أن يركز جهوده على التواصل مع أطراف عملية آستانة، أي تركيا وإيران، وأن يواصل فرشنيين اتصالاته مع نظرائه الأميركيين والأوروبيين. ولا شك أن ترتيب البيت الداخلي الروسي للملف السوري ومد ظل «القيصر» في دمشق، يكتسبان حالياً أهميتهما: قبل استئناف الحوار الروسي – الأميركي حول سوريا الذي جُمّد نهاية العام الماضي، وبدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية السورية في منتصف 2021 وجهود الإصلاح الدستوري لتنفيذ القرار 2254، وتنامي الحديث عن أهمية إعمار سوريا وتقديرات ان كلفة الحرب كانت 530 مليار دولار اميركي وسط معاناة كثير من الدول من ازمات اقتصادية جراء «كورونا» وتراجع اسعار النفط… تجنباً للغرق في «مستنقع سوريا» رغم كل محاولات روسيا منع تكرار تجربة أفغانستان.
الشرق الأوسط
———————————-
قشّة بوتين والغريق السوري/ خضر الآغا
لم ينفك السوريون الذين يترقبون على مدار الساعة سقوط النظام يفسرون كل خبر صادر عن قوى كبرى في العالم، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، تفسيرًا يرون من خلاله اقترابًا وشيكًا لسقوط النظام، بعد أن خرجت إمكانية إسقاطه ـ حتى الآن ـ من أيديهم وقدراتهم نتيجة عوامل التدخلات الخارجية، إقليميًا ودوليًا، كما هو معلوم.
الأمر يتعدى سوء القراءة السياسية ليدخل في البعد النفسي والرغبوي بعد أعوام من الإحباطات المتتالية، هو من يجعل من السوريين غرقى يتعلقون بقشة!
أحيانًا يبدو الأمر تطبيقًا لمقولة بوشكين في قصيدة “البطل” إذ قال: “وهم يسمو بالنفس خير من ألف حقيقة دنيئة”، هذا الوهم هو ما يجعل السوريين، إلى حد كبير، لا يزالون قادرين على العيش أملًا بسقوط النظام وعودتهم إلى بلدهم المشتهى، لكن ما يخيف هو انتظارهم الدائم أخبارًا من القوى الكبرى يمكنهم تفسيرها حسب ما تمليه عليهم رغباتهم لا الواقع، فيكفون عن المبادرة الذاتية التي تمكّنهم، هم لا القوى الكبرى، من تحقيق حلمهم بإسقاط النظام المتوحش. وغني عن القول إن أخبار الدول ترتبط بهذه الدول ذاتها لا برغبة السوريين.
بعد الكثير من التفاؤل بالأخبار التي صدّرتها الصحافة الروسية والتي وصفت خلالها النظام ورئيسه بالضعف والفساد وغيرها من صفات مهينة صدرت لأول مرة بهذه القسوة من روسيا، وبعد ظهورات متعددة لرامي مخلوف تشير إلى تصدعات في العائلة الحاكمة والمالكة، وغيرها من الأخبار المشابهة التي فسرها السوريون على أنها تشير إلى اقتراب التقسخ النهائي للنظام وبالتالي سقوطه، جاء خبر تعيين الرئيس الروسي بوتين سفيره في دمشق “كمبعوث خاص له لتطوير العلاقات مع سوريا” بمثابة الدليل الأقوى على قرب تخلي بوتين عن الأسد، وأن مبعوثه الخاص هو “المندوب السامي” الجديد على سوريا، وأنه غازي كنعان النظام السوري في لبنان، وبريمر الولايات المتحدة في العراق… إلخ.
في الوضع المتهتك للنظام السوري وللسيادة الوطنية، تبدو جميع التفسيرات ملائمة إذا نظرنا إليها سوريًّا فقط، لكن قد لا تكون ملائمة لو نظرنا إليها بارتباطها بالسياسة الروسية ذاتها، إذ سبق أن عبر المبعوث الخاص عندما كان سفيرًا فقط أن روسيا ليست في وارد التخلي عن الأسد، وأن علاقاتها معه أقوى من أي وقت مضى… لتقطع الطريق على تفسيرات الرغبة والأمل. فلو تذكرنا أن سياسة روسيا في سوريا كان يتزعمها وزير الخارجية لافروف، لكن فجأة اختفى اسم لافروف في سوريا وحل محله اسم وزير الدفاع شويغر ليترأس هو سياسة بلده في سوريا، ثمة تفسيرات تقول إن لافروف فشل في التوصل إلى إمكانية تنفيذ الاتفاق مع كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق فيما عرف باتفاق لافروف – كيري، فتم تكليف شويغر لهذا السبب، إضافة إلى إيلاء الجانب العسكري الأهمية القصوى بعد أن تفرد بوتين بالعمل داخل سوريا دون أية اتفاقيات معلنة مع الجانب الأمريكي، أي دون الحاجة لوزارة الخارجية.
الآن، وقد بدا الوقت محرجًا لروسيا خاصة أنها على أبواب فقدان ما كانت تريد جنيه اقتصاديًا من سوريا بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على النفط، واستأثرت إيران بقطاعات عديدة رسميًا، وبدأ رجال المال والاقتصاد الروس الذين مولوا ميليشيات عديدة في سوريا أهمها “فاغنر” بالتململ وطلب التعويض، يدعم موقفهم انتهاء الحرب في سوريا وفق وجهة النظر الروسية الرسمية بعد الاتفاق مع تركيا على التواجد التركي وفتح الطرق الدولية ام 4 وام 5، والاستجابة الاضطرارية للوجود الأمريكي، وكذلك بعد اقتراب قانون قيصر من التنفيذ.
أمام هذا كان لا بد، كما يبدو، من أن يتسلم الكرملين ذاته السياسة الروسية في سوريا، وأن يتحدث المبعوث الخاص على أنه بوتين شخصيًا.
في القانون الدولي، يحوز المبعوث الرئاسي الخاص على قدرات “استثنائية” في تنفيذ مهامه. وفي هذه الخطوة يتجاوز بوتين كافة الإجراءات الروتينية الدبلوماسية ويتصرف في سوريا كما يتصرف في روسيا؛ مباشرة وبلا وسيط. وهذا ما يجعل رجال المال والاقتصاد الروسي والمافيات التي تتحكم بروسيا تحت كونترول الكرملين بوصفه المافيا الكبرى والزعيم الأكبر للمافيات الأخرى.
تعيين السفير كمبعوث خاص لبوتين يعطي روسيا القدرة على التدخل السريع في هذا الوقت الذي بدأ يهدد المصالح الروسية فعليًا.
قشة الغريق تعطيه بعض الأمل في النجاة، لكنها لا تنقذه.
الترا صوت
———————————–
الأمر مسألة عمل وليس شأناً شخصياً/ ندى أحمد
في سورية، تتعاون روسيا والإمارات العربية المتحدة وتتنافسان في الوقت نفسه.
العام الفائت، في الدورة الحادية والستين لمعرض دمشق الدولي، أعادت الإمارات العربية المتحدة وصل ما انقطع مع سورية بعد تعليق العلاقات الدبلوماسية بين الدولتَين في العام 2012. فقد خُصِّص جناح في المعرض للشركات الإماراتية التي رافقها عبدالله سلطان العويس، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الشارقة ونائب رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
بدأ الانخراط الإماراتي مع سورية خلف الكواليس، ووُضِع في إطار الشراكة الاقتصادية. وقد أتاح معرض دمشق فرصة للشركات كي تؤدّي دور الوساطة. فسورية تحتاج ، نظراً إلى الدمار الذي لحق بها، إلى شركاء مستعدين لتنفيذ مشاريع تصل كلفتها إلى مليارات الدولارات من أجل إعادة إعمار البلاد.
ولكن سرعان ما سلكت العلاقات منعطفاً جديداً. ففي أواخر آذار/مارس من العام الجاري، تحدّث ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد لمناقشة التحديات التي تواجهها سورية لكبح انتشار جائحة كوفيد 19. وانتهت المكالمة بتأكيد محمد بن زايد أن “سورية لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة” مما ما أثار تساؤلات عن نوع العلاقة التي ستربط بين البلدين.
تترتب على العلاقات بين النظام السوري والإمارات العربية المتحدة تأثيرات على الروابط بين روسيا وسورية، وكذلك على العلاقات الروسية مع تركيا في سورية. في البداية، بدا أن روسيا ترحّب بالإمارات شريكاً إقليمياً جديداً. وفي شباط/فبراير، اجتمع مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكين، بمسؤولين إماراتيين لمناقشة التحديات والفرص في مجال مكافحة الإرهاب. ولكن موسكو لم تكن راضية عن الجهود التي بذلتها الإمارات لاحقاً لتقويض الاتفاق الذي أُبرِم بين روسيا وتركيا بشأن إدلب في آذار/مارس الماضي. ولكن كل المؤشرات تشير بأن موسكو سوف تتبنى موقفاً براغماتياً من الإمارات. فعلى سبيل المثال، تدعم الدولتان قوات خليفة حفتر في ليبيا في مواجهة حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا. وفي العام 2017، أقامت الإمارات أيضاً شراكة مع عملاق الدفاع الروسي “روزتيك” لـتطوير طائرات مقاتلة خفيفة الوزن من الجيل الخامس. فضلاً عن ذلك، تعمل روسيا والإمارات على توطيد العلاقات الاقتصادية بينهما في الأعوام الستة الأخيرة، وقد وصلت قيمة التبادلات التجارية غير النفطية بين الدولتين إلى 15 مليار دولار. وتبعاً لذلك، ربما تسعى المقاربة الروسية إلى الاستفادة من المساعدة الإماراتية لنظام الأسد، مع التأكد في الوقت نفسه من أن تحسين العلاقات الإماراتية-السورية لن يتسبب بتقويض النفوذ الروسي في سورية.
وقد بدا أن الإعلام الروسي يعكس هذه المقاربة المزدوجة. فقد نشرت وكالات أنباء روسية تقارير تتوقّع تحالفاً إماراتياً-سورياً محتملاً، وزعمت أن الإماراتيين سيعملون على تطبيق سياسات جديدة في المنطقة ويخطّون مساراً مستقلاً عن حليفهم السعودي. وناقش محللون روس تأثير الإمارات على شراكات روسيا الإقليمية. حتى إن بعضهم لمّح إلى أنه قد يكون من الأفضل لروسيا أن تسلك مساراً عربياً وترحّب بالإمارات شريكاً جديداً مكان تركيا، نظراً إلى وقوع خلاف بينها وبين وهذه الأخيرة بشأن العمليات العسكرية التركية في إدلب.
وفّرت الديناميكيات في إدلب سياقاً أتاح للإمارات زيادة تأثيرها على التطورات في سورية. في آذار/مارس الماضي، توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق لوقف العمليات العسكرية في إدلب بعد نزوح نحو مليون نسمة من المنطقة. ولكن ما إن انحسرت الأعمال الحربية حتى بدأ النظام السوري بقصف مناطق في إدلب. ولم تتأخر تركيا في الرد، فقد أنشأت القوات التركية موقعاً عسكرياً في تل النبي أيوب في منتصف أيار/مايو.
لقد تسببت عمليات النظام السوري فعلياً بتقويض الوعود التي قطعتها روسيا بوقف القتال في إدلب في إطار اتفاقها مع تركيا. وكانت أيضاً مصدر إحراج للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومازاد الطين بلة أن العديد من المواقع الإعلامية الروسية تداولت أنباء عن استئناف الأسد قصف إدلب بتشجيع من الإمارات العربية المتحدة. واستشهدت هذه المواقع بتقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” الذي يُعتبَر أنه يعكس وجهة نظر قطرية، وقد زعم التقرير أن محمد بن زايد أقنع الأسد بالحاجة إلى استعادة الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية. وادّعى التقرير أن الإمارات قدّمت محفزات مالية للأسد كي يشنّ عمليات عسكرية في شمال سورية. وبما أن قطر تعارض بشدة النظام السوري والإمارات العربية المتحدة، يجب التعامل بحذر مع هذه التقارير، وكذلك مع التقارير الروسية التي تستشهد بها. ولكن يبدو فعلاً أن نظام الأسد سعى إلى تصعيد التوتر في إدلب بهدف زعزعة الاتفاق الروسي-التركي.
فسّر البعض تقارب الأسد مع الإمارات بأنه محاولة للخروج من عزلته الإقليمية والعثور على حليف جديد يمكنه تمويل مجهودٍ يرمي إلى إخضاع سورية بكاملها لسيطرة الأسد. ويأتي هذا في وقتٍ أصبحت روسيا، وهي الشريكة الرئيسية للنظام، أكثر مرونةً في نقاشها للوضع السوري، ويبدو أنها على استعداد للنظر في التوصل إلى تسوية سياسية مع قوى المعارضة من أجل إنهاء الحرب. وهذا الأمر يختلف عن رؤية الأسد.
وبغية ثني الرئيس السوري عن المضي قدماً بتنفيذ خططه في إدلب، توجّه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق في 23 آذار/مارس الماضي ونقل رسالة إلى الأسد مفادها أن موسكو لن تقبل بأي خرق لاتفاقها مع تركيا. ولكن سلوك النظام السوري يشي بأنه لن يتورّع عن الذهاب إلى أقصى حدٍّ ممكن.
فسّر البعض تصرفات الأسد بأنها تنمّ عن تمرّد في وجه موسكو. إذنشرت وكالات أنباء روسية، في منتصف نيسان/أبريل، مقالات يُزعَم فيها أن الرئيس السوري لن يتمكّن من الفوز في الانتخابات الرئاسية في العام 2021 بسبب استياء الرأي العام من فساد النظام وسوء إدارته للاقتصاد. واقترحت أحدى المقالات عدة أسماء للمرشّحين الذين يمكن أن يحلّوا مكان الأسد، منهم رئيس الوزراء عماد خميس، والعميد سهيل الحسن، وأحمد الجربا، وهو قيادي سوري معارِض على اتصال بعدد كبير من الأفرقاء في سورية، والأهم من ذلك، انه يتمتع بعلاقات جيدة بروسيا.
واقع أن موسكو، وفقاً لتقارير عدة، وجّهت تحذيراً إلى الأسد من مغبّة زعزعة اتفاق إدلب مع تركيا، هو مؤشرٌ على حرص بوتين على الحفاظ على علاقات جيدة مع أنقرة. ولكن إن كانت لتطوير الروابط مع الإمارات فوائد تتيح لروسيا امتلاك أوراق قيّمة في المنطقة، لا يبدو أن ثمة سبباً مقنعاً يمكن أن يدفع ببوتين إلى الدخول في مواجهة مع الإماراتيين بسبب تعطيل اتفاق إدلب. على سبيل المثال، يمكن أن يستغل بوتين التمويل الإماراتي لقوات الأسد من أجل الحد من التعدّيات التركية في شمال سورية، نظراً إلى أن روسيا نفسها تواجه صدمة اقتصادية جرّاء الهبوط في أسعار النفط والخسائر المالية الناجمة عن جائحة كوفيد 19.
قد تتمكن روسيا، من خلال تأليب الإمارات على تركيا والعكس، من تعزيز نفوذها فيما تحافظ على علاقات جيدة مع البلدَين. وبهذه الطريقة، يستطيع بوتين أن يحجز، عن طريق المناورة، موقعاً لبلاده يتيح لها الاستمرار في أداء دور محوري في سورية، عبر انتزاع مكاسب من مختلف الأطراف.
لكن هذه المقاربة تتطلب عاملاً أساسياً. إذ ينبغي على بوتين أن يتأكّد من أن أي علاقة يبنيها الأسد مع الإمارات لن تؤدّي، شأنها في ذلك شأن الروابط السورية مع إيران، إلى تهميش روسيا. ففي لعبة النفوذ الطاحنة، لا أحد عدوٌّ لك إلا حين يسعى إلى الحد من نفوذك. وكما يقول مراقب روسي، سوف تحاول موسكو دائماً “أن تتجنّب تكبّد هزيمة استراتيجية فيما تعمل على تحقيق مكاسب تكتيكية”.
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
———————————-
مناورة الكرملين السورية/ بسام مقداد
موجة المقالات والتعليقات العربية والغربية على انتقادات الإعلام الروسي الأخيرة للنظام السوري والأسد نفسه ، أخذ الكرملين يضيق بها ذرعاً ، وقرر مواجهة “تماديها” في تفسير وتأويل هذه الإنتقادات على غير ما كان يستهدفه من ورائها ، كما يزعم . وفي سياق قرار مواجهة “التمادي” هذا جاء قرار بوتين الإثنين في 25 من الجاري تعيين السفير الروسي في سوريا ألكسندر يفيموف ممثلاً خاصاً له “لتطوير العلاقات” مع سوريا ، علماً أن مثل هذه المهمة تدخل في صلب مهمات أي سفير . ولم يوضح القرار ماذا حل بالممثل الخاص الآخر للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتيف في سوريا ، إلا أن موقع “rambler” الإخباري الروسي ، وفي إطار تعليقه ، الثلاثاء في 26 من الجاري، على كلام المعارض السوري كمال اللبواني حول خطة روسية تنال موافقة أميركية ، تستهدف استبدال الأسد بمجلس قيادة عسكري ، وتأكيد الموقع بأن هذا الكلام يتعارض مع قرار بوتين تعزيز “مؤسسة الممثلين الخاصين للرئيس في سوريا” .
قرار تحويل التمثيل الخاص للرئيس الروسي في سوريا إلى مؤسسة ، يأتي في سياق التوجه ، الذي اعتمده الكرملين سابقاً بالنأي العلني بالنفس عن إنتقادات إعلام “طباخ” بوتين يفغيني بريغوجين للنظام السوري ، والتأكيد على العلاقات الوثيقة مع هذا النظام . وكانت وكالة نوفوستي قد نقلت ، قبل يوم من قرار بوتين هذا ، عن المنسق بين البرلمانين الروسي والسوري ، النائب في مجلس الدوما ديمتري سابلين ، في تعليق على مقالة نيوزويك الأميركية عن “تعب” روسيا من سوريا ، قوله بأن من المهم بالنسبة للغربيين أن تخرج روسيا من سوريا . وقال بأن سوريا ، وبدعم من حلفائها ، أظهرت أنه يمكن مقاومة مدحلة فرض الديموقراطية بالقوة ، التي وقع تحتها عتاة الإرهابيين أيضاً. وأكد بأن أولئك ، الذين يعتبرون أنفسهم “أسياد العالم” ، لا يستطيعون تقبل رفض ديموقراطيتهم تلك ، وقال بأن الأميركيين يصورون ما يتمنونه واقعاً ، كما في حال الرغبات ، التي عبرت عنها الصحافة الأميركية ، بأن يموت من الروس ، جراء وباء الكورونا ، أكثر مما يموت من الآخرين.
مناورة الكرملين للإلتفاف على ذيول انتقادات أجهزة إعلام “الطباخ” ، وما تركته من آثار سلبية على علاقته بنظام الأسد ، فشلت ، حتى الآن على الأقل ، بإقناع أحد أن لا شيئ يشوب هذه العلاقات . فقد سبق لصحيفته “vz” بالذات ، أن كتبت بأن الرسميين الروس ينفون الإشاعات عن وجود خلافات مع الأسد ، ويقولون بأنها ليست سوى دسائس من الغرب ، الذي يسعى لدق إسفين بين الحلفاء ، إلا أن “لا دخان بلا نار”، على قولها. وقالت بان لدى روسيا والأسد نظرات مختلفة لعملية التسوية السياسية في سوريا ، فهو والجنرالات السوريون والإيرانيون الذين يقفون خلفه ، ليسوا بوارد “التصالح” مع الإرهابيين المعتدلين ، ولا تقاسم السلطة معهم . وتقول بأن روسيا تحاول أن تشرح لهم ، بانه يستحيل إنهاء الحرب الأهلية السورية من دون هذا التصالح ، ومن دون تنازلات ، إلا أنها فشلت حتى الآن في إقناعهم ، مما يجعلها مضطرة لمواصلة حملتها السورية.
وإذا كانت مناورة الكرملين لم”تقنع” صحيفته بعدم وجود تباعد مع الأسد وجنرالاته السوريين والإيرانيين ، فكيف لها أن تقنع الغربيين ، الذين يتربصون بوجودها في سوريا ، ويريدون لها أن “تغرق في المستنقع السوري”. فقد نشرت الواشنطن بوست الثلاثاء في 26 من الجاري بعنوان “الأسد يصطدم بأكثر التحديات جدية خلال تسع سنوات” ، نقلته نوفوستي تحت عنوان إضافي”الأسد يفقد دعم موسكو وشعبيته وسط حلفائه”. لم تلتفت الصحيفة لمناورة الكرملين تلك ، وانطلقت من تأكيدات الإعلام الروسي السايقة على الخلافات بين النظام السوري والكرملين ، لتؤكد على أن الصعوبات ، التي يواجهها الأسد في مقاربته للعملية السلمية ، تتخطى ما واجهه في “زمن الحرب” . وفي محاولتها لتفسير فشل الكرملين في مواجهة عواقب انتقاداته للأسد ، تستشهد الصحيفة برأي الخبير الروسي فيودور لوكيانوف ، رئيس “مجلس السياسة الخارجية والدفاع” غير الرسمي ، وعضو قيادة المجلس الروسي للعلاقات الخارجية . يقول لوكيانوف أن روسيا ، التي تدخلت في الصراع السوري منذ العام 2015 ، حققت أهم أهدافها الخارجية ، وليست عازمة على التخلي عن ما تحقق . ويؤكد أن الأسد يعتمد ، بالطبع ، على الدعم الروسي له ، لكن ، على الصعيد السياسي ، روسيا أيضاً تعتمد على الأسد ، وليس من المسموح ، بالنسبة لها ، تركه لمصيره ، لأن ذلك سيلحق بها ضرراً سياسياً فادحاً .
استنجد الكرملين في مناورته المكشوفة تلك ، بكبير أكاديميي معهد الإستشراق الروسي فيتالي نعومكين ، وبالسفير الروسي السابق في سوريا ونائب مدير المجلس الروسي للعلاقات الخارجية ألكسندر أكسينيونك . كتب الأول مقالة بالعربية في صحيفة خليجية ، قال فيها بأنه تظهر في وسائل الإعلام العالمية ، وخاصة في الشبكات الإجتماعية ، في الآونة الأخيرة ، الكثير من المواد حول تفاقم “التناقضات المزعومة” بين موسكو ودمشق أو حتى عن عزم روسيا على إعادة النظر في سياستها في ما يتعلق بالأزمة السورية . وأكد نعومكين على شعارات الكرملين المعهودة في مساعدة دمشق في الحرب على الإرهاب ، ودعم إستقلالها و.. والإلتزام بقرار مجلس الأمن 2254 ، والعمل على اسئناف عمل اللجنة الدستورية ، الذي يواجه الآن صعوبات “ناجمة عن وباء الكورونا” ! ومن دون أن ينسى ذكر استمرار التنسيق بين روسيا وتركيا وإيران في سوريا ، يعبر عن عتبه على المبعوث الأميركي إلى سوريا لقوله “وظيفتي هي خلق مستنقع للروس هنا” ، ويتساءل ما إن كان الرجل مبعوثاً إلى سوريا ومحاربة الإرهاب ، أم أنه مبعوث “للحرب ضد روسيا؟” .
بدوره ، السفير السابق ونائب مدير المجلس الروسي للعلاقات الخارجية ألكسندر أكسينيونك ، الذي استشهدت معظم الصحف العالمية بانتقاداته الرصينة للنظام السوري ، تحدث مجدداً عن سوريا في سياق مقالة مطولة على موقع المجلس المذكور بعنوان “وباء الكورونا والصراعات في الشرق الأوسط”، انتقد فيها تصوير الإنتقادات الروسية للأسد ونظامه ، بأنها فراق بين موسكو ودمشق . ويقول الرجل ، بأن موجة اجتاحت الإعلام العربي والغربي خلال شهري نيسان وأيار/أبريل ومايو من مختلف المتاجرات بالعلاقات الروسية السورية ، حيث زعمت بأن المقالات في المطبوعات وشبكات التواصل الروسية ، التي تضمنت نقداً إيجابياً لسياسة دمشق المتصلبة حيال مسائل التسوية السياسية والفساد واسع الإنتشار (يقصد مقالته الشهيرة ، كما يبدو) ، الذي لا يعرقل إعادة الإعمار فحسب ، بل ويعرقل معالجة القضايا الإجتماعية الإقتصادية الملحة ، وزعمت بأن هذه الإنتقادات تعكس استياء الدوائر الروسية العليا من الرئيس بشار الأسد شخصيا .
ويأسف الرجل لردة الفعل “المغالية في عاطفيتها” لبعض “ممثلي المجتمع” في دمشق ووسائل الإعلام الموالية لها ، على الإنتقادات الروسية ، ويقول بأنها اتسمت بخطابية أيديولوجية من الأزمنة الغابرة ، وبتصورات ساذجة عن السياسة الخارجية . ويقول بأن أصحاب ردة الفعل تلك يقسمون الخبراء الروس إلى “مع” و”ضد” ، إلى “موالين للغرب” و”وطنيين” ، يسعى الأولون منهم إلى بيع “العلاقات التحالفية” بين روسيا وسوريا .
لم ينضو كل الإعلام الروسي تحت مناورة الكرملين هذه ، بل فضل معظمه الإحتفاظ بصمت مطبق حيالها . إلا أن صحيفة القوميين الروس “sp” خرقت هذا الصمت وكتبت مقالة بعنوان “مؤامرة الكرملين : بوتين لن يقيل الأسد ، إذا ما تمكن من تبرير نفسه” ، أي أنها وصفت المناورة بالمؤامرة ، وقالت بأن سوريا تنتظر تبدلاً في السلطة وتدرس مزاج موسكو. وقالت بأن الأحاديث تدور منذ زمن بعيد عن أن موسكو مستاءة من أفضل أصدقائها في الشرق الأوسط (بعد نتنياهو بالطبع ، حسب الصحيفة) ، أن لا أحد يستطيع ذكر الأسباب الملموسة لذلك ،غير الحديث عن فساد ما . إلا أنه من المستبعد ،حسب الصحيفة، أن “تخيف سلطتنا أو تهينها بالفساد” ، طالما أن الأسد يسرق في سوريا ، ولا ينتزع من فم أحد في روسيا لقمته السائغة.
وتنتهي الصحيفة إلى القول ، بأنه لو لم يطح الأسد بنسيبه رامي مخلوف ، لكان عمد بوتين وروحاني إلى إقالته ، أو لم يكونا ليسمحا بانتخابه مرة جديدة في العام القادم . أما الآن فمن المؤكد أن الأسد سوف يترشح للإنتخابات الرئاسية مع إحتمال مرتفع بأنه سيواصل رئاسته لسوريا.
—————————-
الاخطاء الأميركية في سوريا..تجعل بوتين قائداً ل”محور المقاومة“
عكست سلسلة التقارير والتصريحات الأخيرة المتعلقة بالسياسة الخارجية الروسية في سوريا وتداعياتها على النظام السوري، انخراطاً روسياً خبيثاً في المنطقة ورغبة أميركية في جعل سوريا “مستنقعاً للروس”، الى جانب ميل لدى موسكو للتخلص من عميلها “سيئ السمعة” بشار الأسد.
ويرى موقع “ناشونال انترست” الأميركي في مقال بعنوان “لماذا أخطأت أميركا في فهم دور روسيا في سوريا”، أن هذه القراءة للخريطة السياسية للشرق الأوسط والسياسة الروسية في سوريا تشوبها افتراضات خاطئة مشابهة لتلك التي توقعت انهيار النظام السوري خلال الأشهر الأولى من الثورة السورية.
هذه “الافتراضات الخاطئة”، بحسب الموقع، هي نتاج معرفة قاصرة لسياسة سوريا وتاريخها وثقافتها إلى جانب فهم ساذج” لسياسات الشرق الأوسط الروسية والتي تجعل السياسة الخارجية الأميركية تعتمد على المغالطات أكثر من الاستراتيجية البناءة.
في مقال في صحيفة “واشنطن بوست”، كتب ديفيد إغناتيوس أن “روسيا تحرز تقدماً مضطرداً في ما وصفته المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورجان أورتاجوس بأنه مشاركتها الخبيثة في الشرق الأوسط”.
عرّف إغناتيوس، الذي أعاد تأكيد وجهة نظر وزارة الخارجية بشأن الكرملين بأنه يستخدم القوة العسكرية، والوكلاء والتضليل لتوسيع نفوذه عبر البحر الأبيض المتوسط، الدبلوماسية الروسية بشكل مجاز على أنها “دبلوماسية حقيرة” تتغذى على جثث دول الشرق الأوسط المكسورة.
وقال الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا جيمس جيفري: “هذه ليست أفغانستان، هذه ليست فيتنام.. هذه ليست مستنقعاً. وظيفتي هي جعلها مستنقع بالنسبة للروس”. يُعرف جيفري أيضاً بتأييده بقاء القوات الأميركية في سوريا لضمان مغادرة القوات الإيرانية.
وبالتوازي مع هذه الآراء، صاغ جيريمي هودج مقالاً في صحيفة “ديلي بيست”، جادل فيه بأن روسيا تميل الآن إلى التخلص من “عميلها سيئ السمعة” الأسد ، نظراً ل”وحشيته وفساده” الذي يقاوم حتى إنشاء شبه دولة فاعلة.
ويقول مقال “ناشونال انترست”: “لا شك في أن رسم السياسة الروسية في سوريا وسياسة القصر السوري بفرشاة وزارة الخارجية الأميركية والصحافيين مثل هودج، هو إغراء للعين الساذجة. لكنها كارثية على العين الثاقبة.. هذا لا يعني أن وزارة الخارجية وهودج مخطئون تماماً في وصفهما للسياسة الروسية والنظام السوري. ومع ذلك، فهم مخطئون في تشكيل صورة غير مكتملة وغير كافية للديناميات الروسية والسورية، مما قد يجرّ إلى خطأ فادح آخر في السياسة الخارجية الأميركية”.
وزارة الخارجية محقة في القول إن روسيا تستخدم القوة العسكرية والوكلاء والتضليل لتوسيع نفوذها. ومع ذلك، فمن الخطأ تماماً أن تقتصر قراءة السياسة الروسية الخارجية على الأدوات المريبة المذكورة أعلاه. من المحتمل أن يكون إغناتيوس على حق في ملاحظة أن أميركا قوة متضائلة. ومع ذلك ، فهو مخطئ تماماً في الاعتقاد بأن روسيا تملأ الفراغ الذي خلفه تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال سياستها هذه.
إعتمد بوتين، بشكل أساسي، سياسة تعزز “مصداقية روسيا”من دون أن يكون مديناً للتحالفات الإقليمية الحصرية. تكمن قدرة روسيا على توسيع نفوذها في العديد من دول الشرق الأوسط ودعم الأطراف المتنازعة في الوقت نفسه في استعدادها للتحدث إلى جميع الأطراف ومحاولة العمل كوسيط في الوقت المناسب.
على هذا النحو، فإن شراكات أو تحالفات روسيا في الشرق الأوسط ليست جزءاً من استراتيجية كبرى أو تشكلها استراتيجيات ثنائية. إنهم ليسوا مع السنة ضد الشيعة، أو المسيحيين ضد المسلمين، أو المؤيدين للعرب ضد إسرائيل، أو المؤيدين لإيران ضد المعارضين إيران. وبالمثل، كانت روسيا حريصة على عرض نفسها كحامية للأقليات الدينية، في الوقت الذي تتخذ فيه موقفاً نهائياً مناهضاً للسلفيين. كما أنها تشحذ سياساتها من خلال انسجامها مع نزوات الاستبداد في الشرق الأوسط والتحدث بلغات المنطقة.
على الرغم من الاختلافات السياسية و/أو الإيديولوجية مع دول الشرق الأوسط، فقد تفاوضت روسيا على اتفاقيات اقتصادية و/أو عسكرية و/أو سياسية مع تركيا وإيران وإسرائيل ومصر والسعودية وغيرها، بينما تدعم نظام الأسد وتنشئ قواعد عسكرية في سوريا.
وقد تفاوضت حول “عملية أستانة” مع تركيا وإيران، وأبرمت اتفاقية مع إسرائيل تمنع موسكو بموجبها “حزب الله” وإيران من إقامة وجود عسكري في جنوب سوريا على طول حدود إسرائيل مقابل تسهيل عودة قوات الأسد إلى جنوب سوريا. وعلى الرغم من أنها تنسق مع حزب الله وإيران لتوسيع قوة نظام الأسد، فقد عملت روسيا كوسيط موثوق به بين نظام الأسد والأكراد السوريين والدروز والعرب السنة.
في الوقت نفسه، أوضحت روسيا ل”حزب الله” وإيران أن تعاونهما السياسي والعسكري لدعم النظام السوري لا يُترجم عبر تحويل سوريا إلى قمر صناعي إيراني يهدد السلام الإقليمي. في الواقع، فرضت روسيا عقوبات على الضربات الجوية الإسرائيلية ضد المواقع العسكرية الإيرانية و”حزب الله” التي تعتبر تهديداً لأمن إسرائيل القومي. بالمقابل، أوضحت روسيا لجميع الجهات الفاعلة أن استقرار النظام خط أحمر.
في هذا الصدد، يمكن للمرء أن يجادل بأمان أن سياسة روسيا في سوريا أكثر توافقاً مع سياسة إسرائيل من تلك التي تتبعها إيران في سوريا. تتفق كل من روسيا وإسرائيل على رؤية سوريا مستقرة ولا تشكل أي تهديد للسلام الإقليمي.
وبحسب “ناشونال انترست”، في ظل هذه الخلفية ، تصطدم وجهات النظر الضيقة لوزارة الخارجية وجهات أخرى على صخرة السياسة الروسية غير التقليدية والتي تتسم بالواقعية في الشرق الأوسط. ولنفترض أن روسيا تنقلب على الأسد، فإن إيران تصبح “تحدياً وهمياً”.
ما يحدث في سوريا اليوم وتحديداً في موضوع رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الأسد، هي أوامر لم تصدر إلا عن بوتين نفسه، لتضييق الخناق على جميع الشخصيات “ذات الوجه المافياوي” في سوريا الذين يعملون خارج نطاق سلطة الدولة، مما يعيق الاقتصاد السوري. من المؤكد أن بوتين يكرر سياسته الروسية (المافيا الروسية) بشكل أو بآخر في سوريا من أجل إقامة دولة قابلة للحياة اقتصادياً. بوتين يدفع الأسد لتحويل مافيا الأعمال السورية، إلى جريمة منظمة تديرها الدولة.
بالنظر إلى كل هذا، فإن إساءة قراءة واشنطن لكل من السياسة الروسية في الشرق الأوسط بشكل عام وسوريا بشكل خاص وديناميات القصر السوري هي وصفة لأخطاء فادحة أخرى. إذا أصبحت هذه الآراء الأنانية والعشوائية للسياسة الروسية في سوريا هي الدافع للسياسة الخارجية الأميركية، فيجب ألا يُفاجأ المرء إذا حلّت روسيا (التي يمكن أن تدعمها الصين) محل إيران كزعيم “محور المقاومة” المناهض للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
المدن
————————
أي مستقبل في سورية؟/ محمود الوهب
استثارت الصحافة الروسية التي تناولت رأس النظام السوري، منذ أسابيع، أطرافاً سورية عدة، سواء من المعارضة والموالاة ومن عموم متابعي الشأن السوري، خصوصاً أنها ترافقت مع تسريباتٍ ذات دلالات، وضعت كل هؤلاء في متاهاتٍ من التساؤل بشأن مصير النظام تحديداً، فأخذ كثيرون في البحث والتدقيق، ومحاولات التأويل، وإن غلب على بعضها، أحياناً، طابع التصوّر والتقدير لا الجزم. وربما أسقط بعضهم على قراءته رغباته وأمانيه.. ولكنّ ثمة ميلاً موضوعياً عاماً قد ذهب إلى أنَّ أركان النظام السوري آيلة إلى السقوط.
أهم ما جاء ردة فعل على تلك المقالات من الموالاة على شكل تهديدات لروسيا، وللرئيس بوتين تحديداً، أبرزها افتراضات أمين سر مجلس الشعب، خالد العبود، عمَّا يمكن فِعْلُه في بوتين إذا ما غضب عليه بشار الأسد؟ إذ قال بإيجاز لا بطرده من سورية فحسب، بل من الكرملين ذاته، ومن التاريخ أيضاً! وفي السياق ذاته، نظمت وجوه مخابراتية عريضة أرسلتها تحت اسم مثقفين سوريين توجهوا بها إلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، طالبوه فيها باعتذار هؤلاء الصحفيين، وعلى نحو غير مباشر، بلجم الإعلام الروسي، متجاهلين أن الإعلام الروسي كالإعلام السوري تماماً، لا ينطق عن الهوى، فديمقراطية بوتين هي ديمقراطية حافظ الأسد بالذات أو العكس، وقد تقدَّم الموقّعين بهجت سليمان ذو الماضي الحافل الذي يعدُّ من أركان الدولة الأمنية، أما البقية فليسوا أكثر من كتبة تقارير، إذ لم يُلحظ في العريضة أسماء ثقافية لها أهميتها، وقد أثارت مقالة العبود والعريضة تعليقات ساخرة في المواقع الإلكترونية.
أما من جهة المعارضة أو من يتبنّى خطها العام فقد كُتبت مقالاتٌ عديدة بدت فيها وجهات نظر مختلفة.. ولكن رسالة صوتية ومكتوبة تركت وقعاً خاصاً، وهي للمعارض الطبيب كمال اللبواني، إذ وجهها إلى الرئيس السوري مباشرة، يطلب منه التنحي والنجاة بروحه وأرواح أولاده! وذكَّرَه بمجريات سنيِّ حكمه كلها. وتحيل الرسالة، في بعض جوانبها، إلى الرسالة التي كان قد أرسلها حافظ الأسد إلى صدّام حسين قبيل أن تشن أميركا حرباً في شهر أغسطس/آب 1990 لاسترجاع الكويت، بعد أن احتلها الجيش العراقي، وقد نصح ظاهر الرسالة صدَّام بالانسحاب، بينما كانت حروفها تنقط كراهية، وتتمنّى له الموت الزؤام.. وهكذا أيضاً حملت رسالة اللبواني في طياتها كثيرا من التشفّي! وذكّرت الأسد بجرائم القتل التي ارتكبها ضد معارضيه.
والحقيقة أن الجانبين، موالاة ومعارضة، قد حملا ما حملاه على محمل الجد، وكأنَّ النظام مغادر لا محالة. وإذا كان في رسائل المعارضة شيء من البشرى، فإن في رسائل الموالاة شيء من الخوف الواضح، ولكن لا على الأسد، بل على ضياع مصالحهم ومستقبلهم المجهول. ولعلَّ بعضهم يحسب حسابات لمصير لا يتمناه. ويتضح مما تقدم ما يلي:
أولاً: يدرك الطرفان أن موقع روسيا في سورية الآن هو الأقوى، وأنه، بعد صمت المدافع، (أو إصماتها، كما حصل بفعل الروس أنفسهم، وبالاتفاق مع بعض حلفائهم) لا بد من التوجه إلى الفعل السياسي، والروس على قوتهم، فإن وضعهم الاقتصادي لا يسر، ولتحسينه هم بحاجةٍ إلى استرداد وإنْ جزءٍ مما تكلفوه، في سورية، فأسعار النفط في تدهور بسبب كورونا.
ثانياً: لعلَّ الروس أكثر من النظام يدركون النتائج التي يقود إليها قانون قيصر الذي أخذ يدق الأبواب. وهو يضاعف الضغوط الأوروبية والأميركية المتعلقة بإعادة الإعمار، ولا يستطيع الروس تجاهلها. وهم على ثقةٍ بأن أحداً لن ينافسهم على ما نالوه من اتفاقيات اقتصادية طويلة الأمد أبرموها مع النظام.
ثالثاً: لعلَّ الروس خبروا أكثر من غيرهم طبيعة سورية والسوريين، إذ هم على اطلاع مباشر بما حلّ بهم من مظالم، بل هم من ساهم في صناعة الدمار الشامل الذي لحق بالشعب السوري، ويدركون، من جهة أخرى، الصورة الحقيقية لبشار الأسد ووزنه لدى الأغلبية الساحقة للسوريين.
رابعاً: جاءت فيديوهات “رجل الأعمال” رامي مخلوف، (بالفضائح التي أحدثتها والذيول التي خلفتها وستخلفها) لتشكل ثقلاً داخلياً موجعاً، فالكل يعلم أن المذكور في الدائرة الضيقة من قمة هرم السلطة، وهو حجر في جدارها الكتيم، ففي سقوطه ستتوالى أحجار أخرى كثيرة.
خامساً: ما وصل إليه الوضع المعيشي من تردٍّ أوصل المواطن إلى حال من الذل لم يعهدها من قبل، وهو أمر يرفضه السوريون كافة، خصوصاً أنه يترافق مع انهيار مرعب لليرة السورية، وصعود فئات جديدة من أثرياء الحرب، وانتهاز الفرص تحت سقف “الدولة” وحمايتها، إضافة إلى فقدان أمن المواطن، فإن ذلك كله يكمل عامل الضغط الخارجي على النظام وعلى رعاته، ويحول دون إمكانية استمراره.
سادساً: غدت سورية اليوم أشبه بهيكل عظمي لن تُردَّ إليها الروح إلا بالسلام، وضخ مئات مليارات الدولارات، وهذا ما يسمّى إعادة الإعمار المشروط بحلول سلمية تلتقي عندها أطراف الشعب السوري كافة. ولا شك أن ذلك يتطلب الإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة، وبتسهيل عودة المهجرين، وإلغاء بعض القوانين كالقانون رقم 10 الذي سمح بمصادرة أملاك المهجّرين، وهذا لا يمكن لبشار الأسد أن يفعله.
سابعاً: يعرف الروس والدول المتدخلة، والدول الأخرى المتابعة للمشهد السوري، والشعب السوري نفسه، أن النصر الذي يتحدث عنه الأسد مهزوز، لم يكتمل، “نصر أجوف” كما أسمته مجلة فورين أفيرز الأميركية، إذ لم تعد سورية كما كانت قبل العام 2011، فثمّة نفوذ لأربع دول على الأرض، وإذا كان النظام يغطي الوجودين، الروسي والإيراني، فإن الروس والمعارضة، وشيء من اتفاق أضنة الموقع بين النظام وأنقرة في العام 1998، يعملون على تغطية الوجود التركي، أما الأميركان فليسوا بحاجة لأي غطاء.
ثامناً: عاش النظام على إطالة أمد الحرب، مستفيداً مما كان في البنك المركزي من مليارات، ثم مما قدمه الروس والإيرانيون من مال وعتاد وعسكر وموت لئيم للشعب السوري. وإذا كان النظام قد عاش، من جهة أخرى، على هشاشة المعارضة، وضعف تجربتها، وخلافاتها، ومطامحها، ومئات الفصائل العسكرية التي اختبأت تحت أجنحتها، فإن ذلك كله صار يشكل، إلى جانب النظام، حجر عثرة في طريق الجميع، وحتى مقولة أن لا بديل فلم تعد كافية ليختبئ أحد خلفها، فقد يكون المجلس العسكري/ المدني الجامع للأطياف السورية الذي يجري الحديث عنه كفيلاً بأن يكون البديل الأمثل لمرحلةٍ هي انتقالية، وتحت إشراف الدول الموجودة والأمم المتحدة.
تاسعاً: يبقى ضعف المعارضة السورية مرتبطاً برموز محددة، لا بالشعب، وقد أوجدت تلك الرموز ظروف استثنائية ومرحلة طويلة من القمع الرهيب. وإذا كان نصف السوريين على الأقل قد أيدوا الاحتجاجات الأولى، وهتفوا للحرية، فإن النصف الآخر أو معظمه لم يعد اليوم يؤيد النظام الذي لم يُحسن التعاون مع السوريين شعبا، ولا بد أن يفرز هؤلاء وأولئك من لم تزل تتوهج في داخله صيحات الحرية، وعبارة “يا الله ارحل يا بشار” التي تحولت إلى سيمفونية تمجد روحية الشعب السوري وعشقه إلى الحرية.
عاشراً: لعلَّ ما سوف تنجزه اللجنة الدستورية من وثيقة دستور جديد، وقانون انتخابات، وما يترتب عليهما، ووفقهما من مجريات عملية تأخذ سورية إلى حكم ديمقراطي يطيح دولة الاستبداد إلى الأبد، وينسي الشعب في زحمة البناء الجديد ما عاناه وما افتقده، ويعود ليكحِّل عيونه كل عدة سنوات برئيس جديد ينسب إليه، وإلى مجمل الهيئات المنتخبة ديمقراطياً إنجازات جديدة، ترتقي بالشعب، وتعطي الوطن لونه ومعناه.
العربي الجديد
——————————-
كيف قرأت المعارضة السورية ترفيع السفير الروسي في دمشق؟/ عقيل حسين
تباينت قراءة المعارضة السورية لقرار الرئيس الروسي الأخير فلاديمير بوتين تسمية سفير بلاده في دمشق مندوباً خاصاً له، حيث رأى فيه البعض خطوة جديدة من الكرملين لإحكام الهيمنة على النظام في سوريا، بينما وضعه آخرون في إطار خلاف روسي داخلي على طريقة التعاطي مع العلاقة بهذا النظام، في الوقت الذي اعتبرت قراءة ثالثة أن القرار لا يحتمل كل هذه المبالغات في الحكم عليه.
المبعوث الروسي الثالث
وكان الرئيس الروسي قد عين الاثنين سفير موسكو لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، ممثلاً رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات مع سوريا، حيث يتولى الأخير منصب السفير الروسي لدى سوريا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2018. وبتسميته في هذا المنصب الجديد، يرتفع عدد المبعوثين الروس في سوريا إلى ثلاثة، بعد ميخائيل بوغدانوف والكسندر لافرنتيف.
ويرى البعض أن تسمية السفير الحالي بهذا المنصب سيعزز مكانته كموكل بالملف الاقتصادي والإشراف على الاستثمارات وعمل الشركات الروسية الحالي والمنتظر في سوريا.
مندوب سامي؟
وكان كثيرون من السوريين قد تلقفوا صدور القرار الجديد عن موسكو للتأكيد على أنه بمثابة إعلان الوصاية الكاملة للروس على سوريا، حيث اعتبر أصحاب هذا الرأي أن تسمية سفير موسكو في دمشق كممثل خاص للرئيس الروسي، هو بمثابة إعلانه مندوباً سامياً وحاكماً روسياً لسوريا.
ويرى هؤلاء أن الخطوة الأخيرة تمثل تتويجاً للهيمنة الكاملة لموسكو على القرار في دمشق، واستتباعاً شبه رسمي، لن يكون بإمكان النظام معه اتخاذ أي قرار مهم من دون موافقة من الكرملين، وهو ما يعني بالضرورة أيضاً رمي ورقة أخرى قوية على طاولة المنافسة الروسية-الإيرانية في سوريا.
ويرى عضو وفد المعارضة إلى جنيف، المحامي محمد صبرا، أن هذا الاستنتاج صحيح من حيث المبدأ، لكنه خاطئ من حيث ربطه بما يجري في سوريا، لأن الصحيح، كما يقول، أن القرار الأخير يرتبط إلى حد كبير بما يحدث في موسكو، فالملف السوري بين عامي 2011 و2016 كان ممسوكاً من قبل وزارة الخارجية الروسية التي يقودها سيرغي لافروف، وللعلم فإن لافروف يمثل إحدى المافيات الثلاثة التي تحكم روسيا.
لكن بعد فشل اتفاق كيري-لافروف تم إبعاد الأخير عن الملف السوري الذي أصبح بعهدة وزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي يمثل المافيا الثانية التي تتشارك حكم روسيا، لكن فشل شويغو في تحصيل المكاسب الاقتصادية الكاملة، خاصة في قطاع النفط الذي أصبح تحت السيطرة الأميركية، وإقرار قانون العقوبات الأميركي “سيزر”، أدى إلى صراع كبير في موسكو أثارته مافيا رئيس الحكومة السابق ديمتري مديفيديف وشركات الطاقة الروسية التي مولت مرتزقة فاغنر والفيلق السلافي وشركة موران.
ولذلك، يضيف صبرا في حديث ل”المدن”، “رأينا سيلاً كبيراً من المقالات التي وردت في الصحافة الروسية ضد بشار الأسد، وكان وراء هذه المقالات رجال أعمال من هذه المافيا، ورأينا قصة سيريتل التي قرر الروسي الاستحواذ عليها ونزعها من رامي مخلوف لتمويل جزء من فاتورة الحرب التي دفعها رجال أعمال روس كانوا يعولون على السيطرة على حقول النفط والغاز السورية لتعويض ما دفعوه”.
ويتابع أن “هذا الصراع في موسكو حسمه الرئيس بوتين، وذلك بأن نزع الملف السوري من يد وزير الدفاع ومن يد الخارجية بحيث سيصبح الملف بإدارة الكرملين مباشرة، لأن بوتين أدرك أن صراع المافيات الثلاث في موسكو أكثر عمقاً وقد يكون له تداعيات أكثر خطورة، مع التنويه أن بوتين يلعب دور الحكم بين المافيات الثلاث ويحافظ على توازن دقيق بينها”.
خطوة تقنية
لكن السفير السوري السابق والمعارض الحالي بسام العمادي، يختلف في قراءته للخطوة الروسية الأخيرة مع التقديرات السابقة، ويرى أنه مجرد إجراء بيروقراطي الهدف منه اصباغ صفة قانونية لربط السفير الروسي بمكتب الرئيس فلاديمير بوتين مباشرة، من دون الحاجة للمرور بوزارة الخارجية.
ويضيف أن “منصب السفير فوق العادة ومطلق الصلاحية، يمثل الصيغة التي يعين تبعاً لها جميع السفراء ذوي المرتبة العالية، وهذا يعطيهم صلاحيات كبيرة خلال عملهم، مع أن صلاحياتهم لا تكون مطلقة في معظم الأحيان. ففي الماضي كان السفير مطلق الصلاحية لعدم وجود وسائل تواصل سريعة كما نرى اليوم، لذا على السفير الآن طلب المشورة من وزارته في الأمور المهمة والتي يقدر أنها تتعدى صلاحياته”.
لكن التسمية الجديدة تعطي السفير الروسي علاقة مباشرة مع بوتين في ما يتعلق بالتواصل دون إعلام وزارة الخارجية التي يتبع لها السفير، ويبدو أن هناك تطورات تستدعي ذلك بالنسبة للرئيس الروسي، وهذا ما دعاه لإعطاء السفير الصفة الجديدة، مع أنها تدخل في نطاق عمله، علماً أنه لم تتضح تماماً بعد الغاية الحقيقية من هذا القرار.
الدكتور زكريا ملاحفجي، وهو معارض سياسي سوري، اعتبر من جهته، أن كل القراءات التي حاولت تفسير قرار الرئيس الروسي الأخير بتسمية سفير بلاده في دمشق كممثل خاص له فيها من الصحة ما يجعلها معتبرة، خاصة وأن الكسندر يفيموف بات اليوم سفيراً مباشر لبوتين إلى جانب كونه سفيراً لروسيا.
وأضاف ملاحفجي ل”المدن”، أن القرار الأخير يعني أنه بات لكل مجال في سوريا مبعوث روسي خاص، وهذا يعني مزيداً من إحكام السيطرة على النظام. وقال: “أنا أوافق بالعموم مع الأراء التي تقول بأن ما سبق يمثل وضع السفير الروسي بموقع المندوب السامي في سوريا، وطالما أن البحر والجو والقرارات المصيرية السورية اليوم هي بيد الروس، فإن القول أن تسمية سفير فوق العادة حدث عادي يصبح غير دقيق في هذه الحالة، فهذه القراءة تصح عندما تكون سيادة البلد محترمة وهو ما ليس متوفراً في الحالة السورية”.
المدن
——————————–
مبعوثان خاصان لبوتين في سورية.. تعرف إليهما
“ألكسندران”
بات للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين مبعوثان خاصان إلى سورية، بعد المرسوم الجديد الذي أصدره اليوم الاثنين، والذي قضى بتعيين السفير الروسي لدى سورية، ألكسندر يفيموف كمبعوث خاص لتطوير العلاقات مع سورية.
وجاء في وثيقة نشرتها وسائل إعلام روسية، بينها وكالة “سبوتنيك”، اليوم: “تعيين السفير فوق العادة لروسيا الاتحادية لدى الجمهورية العربية السورية، يفيموف ألكسندر فلاديميروفيتش، ممثلاً خاصاً للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية”.
وكان الرئيس الروسي قد عيّن يميفوف سفيراً لروسيا في سورية، في 23 كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، بعد أن شغل منصب رئيس البعثة الدبلوماسية الروسية في الإمارات.
ولم تتضح الأهداف التي تقف وراء المرسوم الجديد لبوتين، ولاسيما أن الخطوة تأتي على الرغم من وجود مبعوث روسي له، وهو ألكسندر لافرنتيف، والذي تصدّر في جميع الجولات السياسية، الخاصة لسورية، في السنوات الماضية، وبشكل أساسي محادثات “أستانة” ومسار “سوتشي”.
وربما يكمن الاختلاف في مهمة مبعوثا بوتين، كون لافرنتيف مختص بالتسوية السياسية وملفات الحل السياسي التي تتمسك بها روسيا في سورية، أما يفيموف فالتوجه المرسوم له يرتكز على تطوير العلاقات، بحسب المرسوم الجديد لبوتين.
وضمن ردود الأفعال على المرسوم الجديد للرئيس الروسي، اعتبر الصحفي ومدير موقع “سيريا نيوز”، نضال معلوف في منشور له في “فيس بوك” أن ما أصدره بوتين يأتي كـ”أمر تعيين مندوب سامي روسي في البلاد (سورية)”.
ماذا يعني ان يصدر بوتين مرسوما بتعيين السفير الروسي لدى سوريا ألكسندر يفيموف مبعوثا خاصا للرئيس الروسي في سوريا .. الامر يبدو لي كانه امر تعيين مندوب سامي روسي في البلاد .. !؟
Posted by Nedal Malouf on Monday, 25 May 2020
بينما طرح رئيس مكتب الجزيرة في مدينة موسكو، زاور شوج عدة أسئلة عبر حسابه في “فيس بوك” تتعلق بمرسوم بوتين، بينها “في أي إطار سيعمل ألكسندر الثاني يفيموف على تطوير العلاقات مع سورية؟.. وهل بحاجة موسكو لمبعوث خاص لتطوير العلاقات، وهي الممسكة بمقابض كثير من القرارات في دمشق؟”.
وتابع: “هل سيكتفي ألكسندر الأول لافرينتيف بترتيب ملفات التسوية السياسية وهي السياسي المحنك؟؟ أم أن العملية هي تفعيل لمؤسسة المندوب السامي؟”.
من هو المبعوث الجديد؟
وكانت آخر التصريحات لـ”ألكسندر الثاني” المبعوث الجديد لبوتين قبل أيام، في 21 من أيار الحالي، إذ أكد أن الأحاديث والتلميحات المتداولة حالياً حول وجود خلافات في العلاقات الروسية السورية لا أساس لها.
وأشار إلى أن العلاقات بين موسكو ودمشق “أقوى اليوم مما كانت عليه في أي وقت مضى”.
وقال يفيموف في حوار مع صحيفة “الوطن” شبه الرسمية: “الإشاعات والتلميحات المتداولة حاليا حول الخلافات في العلاقات الروسية السورية ليس لها أي أساس، وهؤلاء الذين يصرون على قراءة التعاون بين موسكو ودمشق بطريقة الكذب وتزوير الحقائق يقومون بعملية تخريب إعلامي فقط لا غير”.
وأضاف أن “روسيا ستواصل دعم العملية السياسية في سوريا والحكومة السورية الشرعية لهذا البلد”، مشدداً على أن “مستقبل هذا البلد بيد الشعب السوري وحده وهو الذي يقرر شؤونه”.
ويشغل يفيموف منصب السفير الروسي لدى سورية، منذ تشرين الأول / أكتوبر 2018، وسبق أن شغل قبل ذلك مهام سفير روسيا فوق العادة والمفوض في الإمارات.
وولد ألكسندر يفيموف في موسكو عام 1958، وتخرج في جامعة العلاقات الدولية بموسكو، ويجيد اللغتين الإنجليزية والعربية.
بدأ خدمته الدبلوماسية عام 1980 وعمل في العراق بين أعوام 1980-1985، وفي سورية في 1991-1995، ثم في ليبيا في 1992-2002.
كما عمل مستشاراً للسفارة الروسية في الأردن في 2004-2008، ويشغل سفير روسيا في الإمارات منذ 2013.
عرّاب الحل السياسي الروسي في سورية
بالانتقال إلى المبعوث الروسي الأول لبوتين في سورية، وهو ألكسندر لافرنتيف، فيعتبر عراب الحل السياسي الروسي لسورية.
وكان لافرنتيف حاضراً في جميع الجولات السياسية التي شهدها الملف السوري، على مدار السنوات الماضية، وبشكل أساسي في محادثات “أستانة” وفي مسار “سوتشي”.
فيما تولى مهمة إيصال رسائل بوتين للأسد، بين الفترة والأخرى، وخاصةً منذ مطلع عام 2019، وبشكل أساسي قبل بدء أي جولة سياسية، والتي تصدرتها مؤخراً جولات اللجنة الدستورية السورية.
كما تجسد دور لافرنتيف في التواصل والتنسيق مع الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري، وخاصةً إيران وتركيا، واللتان تعتبران “دولاً ضامنة” في محادثات “أستانة”.
————————–
وهم الصراع الروسي-الإيراني بسوريا:تقاسم مصالح لا أكثر/ عقيل حسين
يتغير المشهد السوري وتتبدل مواقع الملفات ويطرأ ما هو مفاجئ وتختفي قضايا وتتوارى تفاصيل، لكن أمراً واحداً يبقى ثابتاً في ذهن الكثيرين، بل وتربط به كل الملفات مهما كانت متعارضة أو متباعدة: صراع النفوذ الروسي-الإيراني في سوريا.
هذا الصراع بالنسبة للمعارضة، ليس فقط نقطة ارتكاز كل تعقيدات الملف السوري، بل وأيضاً طريق حل القضية برمتها منذ أن تحولت موسكو من محامٍ سياسي عن النظام بالشراكة مع بكين، إلى حامية النظام عسكريا بعد عام 2015.
يمكن القول إن تفجر الخلاف بين رجل الأعمال السوري رامي مخلوف والنظام أعاد الروح للمعارضة اليائسة كما لم يحدث من قبل، وأحيا فيها الأمل بتصدع النظام وانهياره من الداخل، لكنها مع ذلك لم تحاول فهم طبيعة هذا الخلاف إلا من خلال زاوية الصراع الروسي-الإيراني، حتى بدا الأمر هزلياً في بعض الأحيان التي كان يوضع فيها مخلوف مع الطرف الروسي في الصباح، ثم تابع لإيران في المساء، الأمر الذي أكد التوظيف المتهافت من قبل طيف واسع من المعارضة لهذا “الصراع” بين حليفي النظام.
لا يمكن تجاوز حقيقة وجود صراع بين روسيا وإيران في سوريا، لكنه صراع تنافسي وليس عدائياً، على الأقل حتى الآن، يستهدف تقاسم الكعكة السورية وليس تهشيمها، وهو تنافس منضبط، كما أثبت الطرفان حتى الآن أيضاً، يعرف فيه كل منهما ميدانه ويراعي حساسيات ومصالح شريكه اللدود، على الرغم من محاولات الكثيرين تصوير هذا التنافس على أنه حرب ملتهبة لن تلبث ناره أن تخرج من تحت الرماد.
تعتمد نظرية التنافس الروسي الإيراني في سوريا على مجموعة أفكار ومعطيات شكلت حتى الآن مؤشرات لاثباته:
الأولى، تنافس الطرفان على تأسيس ميليشيات واستتباع قوى وجماعات محلية، يقوم كل منها على نقيض الآخر، فإيران تبني أذرعها على أساس عقائدي كما هو معروف، بينما تستقطب روسيا الكتل المؤيدة للنظام لكنها تحمل حساسيات من مشروع التشيع الإيراني، وقد اشتبكت هذه الميليشيات في مناسبات كثيرة نسبت في كل مرة للصراع بين الدولتين، لكنها نادراً ما كانت كذلك بالفعل.
المؤشر الثاني الذي لا يمكن تجاهله بهذا الصدد، هو تفرد كل طرف بمناطق مصالحات وتسويات فرض فيها هيمنته، وأصبحت شبه محرمة على الطرف الآخر، مثل درعا التي يحظر فيها على إيران إدخال أي من ميليشياتها إلى المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية الموقع بضمانة الروس، وكذلك مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، بينما ظلت مناطق شرق الفرات، الخاضعة لسيطرة النظام، منطقة نفوذ إيراني خالص.
ويمكن أن نضع في هذا السياق الخلاف في الموقف من اتفاق وقف اطلاق النار في إدلب، الموقع بين روسيا وتركيا مؤخراً، والذي أوقف تطلعات إيران للمضي في المعركة شمال غرب البلاد حتى النهاية.
مؤشرات أخرى يمكن الحديث عنها لتأكيد عدم الانسجام الكامل بين حليفي الأسد في سوريا، إلا أن الملف الاقتصادي يظل أبرز محددات هذا التنافس وأهم الأدلة عليه، سواء ما يتعلق بالسباق المحموم بينهما على الاستئثار بالثروات الباطنية، كالنفط والغاز والفوسفات وغيرها، أو باستثمار المرافق الحيوية للبلاد، كالموانئ والمطارات والمناطق الحرة..الخ، إذ لم يخفِ الطرفان نهمهما في الملف الاقتصادي وتنافسهما عليه أيضاً.
لكن كل ما سبق لا يقدم أي إشارة يمكن الاعتداد بها عن صراع جدي بين موسكو وطهران في سوريا. وعلى العكس، يبدو واضحاً أن الطرفين يقدران جيداً مصالح بعضهما في هذا البلد، بل وأكثر من ذلك، يدرك الجانبان مدى حاجة كل منهما للآخر وبما يتعدى الملف السوري اقليمياً ودولياً.
الروس لا يخفون تلذذهم ب”البازار” الذي ما زالت الولايات المتحدة تشرع أبوابه أمامهم لإغرائهم من أجل تحجيم الحضور الإيراني في سوريا، وهم يتلقون في كل يوم الرسائل المحفزة لهم من أجل القيام بذلك، لكن ما حدث هو أن الجيش الروسي فتح أبواب قاعدته الرئيسية في حميميم أمام الطيران الإيراني مرتين على الأقل خلال شهر أيار/مايو، بينما تخلت إيران عن تحفظها شرق الفرات، حيث وصل الروس إلى مطار دير الزور، وتجاوزوا حدود مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي دخلوها نهاية العام الماضي مع عملية “نبع السلام” التركية شمال شرق سوريا، واضعين قدماً في مناطق انتشار الميليشيات التابعة لإيران للمرة الأولى هذا العام، بل ولم تعترض طهران على مساعي موسكو تأسيس ميليشيات تابعة لها هناك.
كما أن النظام يبلي بلاءً حسناً في إرضاء الطرفين، على مبدأ عقد بعقد، واستثمار باستثمار، وحقل بحقل وميناء بميناء.. مرة لروسيا ومرة لإيران. هذا على الصعيد الاقتصادي، أما عسكرياً وأمنياً، فقد منح النظام ميليشيات كل طرف استقلالية كبيرة، إذ لا سلطة محلية تقود أو تحاسب أو تسائل المرتزقة الروس أو المقاتلين الشيعة من غير السوريين، بينما لا يمارس سوى سلطة رمزية على الميليشيات المحلية التابعة لكلا الدولتين، ويمنحها امتيازات متساوية بما يكفي.
وعلى الأرض، عسكرياً أيضاً، ما تزال حاجة كل منهما إلى الآخر قائمة، إذ ثبت في جميع المعارك التي خاضها هذا التحالف ضد قوات المعارضة عدم فاعلية أي منهما بمعزل عن الآخر، فالقوة الروسية لا تزال محصورة في الجو، ومن دون الطيران الروسي فشلت الميليشيات الإيرانية، وجيش النظام بطبيعة الحال، في تحقيق أي نتائج إيجابية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن لسلاح الجو مهما بلغ تفوقه أن يحسم أي صراع، وهذا ما ثبت أيضاً في الحرب السورية، إذ في كل مرة كانت الميليشيات الإيرانية تحجم عن المشاركة في القتال، يخفق الروس في تحقيق أي تقدم، كما حصل مثلاً في معارك ريف حماة العام الماضي.
المعادلة نفسها يمكن، أو يجب التفكير بها، عند محاولة الإجابة عن السؤال الاحتمالي: هل يمكن للروس أن يجبروا إيران على الخروج من سوريا إذا ما كانت الاغراءات الأميركية المتتالية مرضية بالنسبة لهم؟
ومهما كانت درجة الهيمنة التي باتت تمتلكها موسكو على النظام في دمشق، إلا أنها لن تكون كافية لإجبار الإيرانيين على مغادرة سوريا، طالما أن الفاعلية العسكرية الحقيقية على الأرض هي بيد طهران، ليس من الناحية النوعية وحسب، بل وأيضاً من حيث الكم، إذ تتحدث الأرقام عن وجود مئة ألف مقاتل شيعي أو متشيع تابعين لإيران في سوريا حالياً، وسواء كان هذا الرقم مبالغاً فيه أم لا، فإنه لا يعني سوى أمر واحد في النهاية، وهو أن الروس لن يكون أمامهم وقتها إلا شن حرب جوية ضد هذه الميليشيات، وهو أمر ليس مستبعداً وحسب، بل ولا يمكن التفكير به إلا في مخيلة القسم الحالم من المعارضة.
ما سبق لا يبقي سوى سيناريو وحيد يجعل من مغادرة إيران لسوريا أمراً محتملاً، وهو أن يجد جميع الأطراف أنفسهم أمام حائط مسدود بالفعل، كما صرح بذلك المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري مؤخراً، خاصة بعد أن يوضع قانون العقوبات الأميركي المشدد، المعروف باسم قانون “قيصر”، موضع التنفيذ، والذي سيجعل من عملية إعادة الإعمار وتدفق الأموال إلى سوريا مستحيلة، الأمر الذي يقلق الروس بوضوح، ويضعهم أمام استثمار خاسر بكل المقاييس، ومعهم الإيرانيون.
يمكن لهذا السيناريو الاحتمالي أن يقود روسيا وإيران إلى طاولة تفاوض جديدة بينهما حول الملف السوري، ستكون محدداته وقتها أن تقنع موسكو حليفتها طهران بإخراج قواتها من سوريا مع ضمانات بحفظ مصالحها، ومنحها مكاسب في ملفات أخرى، ويمكن لإيران حينها أن تعتمد على ما ستخلفه من ميليشيات محلية شيعية في الاطمئنان على هذه المصالح، عملاً بتجربتها الناجحة في العراق ولبنان.
المدن
———————————-
واشنطن بوست: الأسد يواجه أصعب التحديات.. خلافات عائلية واقتصاد مدمر.. إحباط حليف وبوادر انتفاضة بالجنوب
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته ليز سلاي وأسير خطاب تحدثتا فيه عن التحديات الصعبة التي يواجهها نظام بشار الأسد في سوريا والتي تعد الأشد منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011.
وجاء فيه أن الصدع داخل العائلة الحاكمة وتدهور حالة الاقتصاد والتوترات مع حليفه الرئيسي روسيا كلها كشفت عن هشاشة النظام. وفي الوقت الذي حشرت فيه المعارضة المسلحة في آخر معقل لها ولم تعد تمثل تهديدا لنظامه، وفي ظل عدم وجود منافس للرئيس الأسد الذي تحكم عائلته سوريا منذ خمسين عاما، بدأت التصدعات تظهر في الجبهة التي ظلت موحدة، المكونة من أنصاره في المعركة ضد المعارضة، فيما أثارت انتقادات نادرة في روسيا للنظام وكشفت عن تبعيته واعتماده على الحلفاء في الخارج وهما روسيا وإيران. وفوق كل هذا يدفع تدهور الاقتصاد قطاعات واسعة من الشعب السوري نحو الفقر وبمعدلات لم تمر على البلد في تاريخه. ومع ذلك يواصل الأسد رفض أية تسوية سياسية تفتح المجال أمام الدول الغربية والخليجية لتمويل مشاريع الإعمار، خاصة أنه لا إيران أو روسيا في موقع لضخ أموال في هذا المجال. ورغم سيطرة الأسد على معظم مناطق سوريا باستثناء الثلث إلا أن ملامح التمرد الجديدة في مناطق الجنوب خاصة محافظة درعا تشير إلى إمكانية تمرد في المناطق الخاضعة للحكومة.
وترى لينا الخطيب من معهد تشاتام هاوس في لندن أن الأسد قد يكون أكثر عرضة للخطر اليوم مما كان عليه قبل تسعة أعوام، مضيفة أن الرئيس السوري بات يعتمد كثيرا على الدعم الروسي والإيراني و”ليس لديه المصادر المحلية لكي يقدمها لمناطق دعمه، ولا الشرعية الدولية ولا القوة العسكرية التي كان يملكها قبل النزاع”.
وأشارت الصحيفة إلى النزاع العلني بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف الذي لجأ إلى فيسبوك لكي يبث شكواه من محاولات الدولة السيطرة على أملاكه، في مؤشر أنه لم يعد قادرا على التواصل مباشرة مع الرئيس. ففي سلسلة من المنشورات التهديدية قال مخلوف إنه لن يدفع أكثر من 600 مليون دولار تقول الدولة إنها جمارك وضرائب متأخرة مستحقة عليه. وألمح لقدرته على الإضرار بالاقتصاد من خلال مؤسساته التي توظف آلاف السوريين بما فيها سيرياتل، أكبر مؤسسات الهواتف النقالة في البلد. وفي آخر شريط فيديو بثه عبر صفحته على فيسبوك قال مهددا إنه لم يدفع أثناء الحرب ولن يدفع في هذه الظروف: “يبدو أنكم لا تعرفوني”. ويأتي استهداف مخلوف في وقت يحاول فيه الأسد إجبار النخبة التجارية الجديدة التي انتفعت من الحرب على المساهمة في دعم الاقتصاد المتدهور. وأكثر من هذا يبدو الأسد معنيا باستعادة تأثيره بعدما توزع بين التجار أمراء الحرب الذين شكل كل واحد منهم ميليشيا خاصة به إلى جانب مصالحه التجارية كما تقول الخطيب.
ولكن استهداف الأسد ابن خاله يعد مخاطرة، خاصة أنه يأخذ الصراع إلى قلب الطائفة العلوية. ويقول أيمن عبد النور، الذي كان صديقا ومقربا للأسد قبل أن ينشق عليه عام 2008 وأنشأ موقعا على الإنترنت، إن هذا تحرك “خطير ويختلف عن الضغط على مدراء الشركات الأخرى” ذلك أن مخلوف هو “من داخل الدائرة المغلقة”. ولا يمثل مخلوف تأثيرا على الرئيس ولكن عائلته تعتبر مهمة داخل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. ومنحته شركاته وجمعياته وميليشيا يديرها قاعدة دعم له داخل الطائفة.
وفي تعليق وضعه شخص بعدما رفض مخلوف محاولات الحكومة تجميد أرصدته: “سيد رامي نحن معك، فأنت أب الفقراء وهم اللصوص الذين سرقوا الشعب”. وذكر مخلوف في أشرطة الفيديو أن جمعياته الخيرية هي مصدر لمساعدة عائلات الجنود الجرحى، ومعظمهم من الطائفة العلوية، ولعائلات الجنود الذين قتلوا في الحرب. ويعلق عبد النور: “أصبح مخلوف كبيرا ولا يسمح لأحد في سوريا أن يكون مهما وكبيرا”. ويرى الصحافي السوري داني مكي أن مخلوف تحدى علنا الرئيس وهذا أمر غير معهود في سوريا. وقال: “ما نراه ليس معارضة ولكن معارضة مفتوحة للرئيس ولمكتب الرئيس من رجل أعمال”.
وتساءل مكي عما سيحدث لاحقا لاقتصاد البلد، “فهناك سباق ضد الزمن وبحث عن مخرج، وهذا لا يتعلق بنجاة النظام ولكن البلد”. وبالنسبة للسوريين العاديين فهو تذكير أن الثروة باتت مكرسة في يد نخبة صغيرة مقربة من النظام أما بقية البلد فتعيش الفقر المدقع. إذ فقدت العملة أكثر من قيمتها في الشهر الماضي والشهر الذي سبقه. وارتفعت أسعار المواد الأساسية مثل الخبز والسكر إلى الضعف، مما يضع سوريا على حافة المجاعة كما حذر صندوق الغذاء العالمي. وسرع من تراجع العملة السورية تراجع الليرة اللبنانية، خاصة أن التجار السوريين يعتمدون على المصارف اللبنانية لتمويل استيرادهم للبضائع. ويعيش الاقتصاد وضعا صعبا بسبب الحرب مضافا إليها العقوبات الأمريكية والأوروبية وعدم وجود أي استثمارات في إعادة الإعمار. وستستهدف الولايات المتحدة بدءا من حزيران/يونيو أي مؤسسة أو فرد يشتبه بتقديمه مساعدة للنظام السوري ضمن ما يعرف بقانون قيصر. وشجعت شكاوى مخلوف عددا من أنصار النظام لبث شكاويهم كما فعل بشير هارون الذي أصيب بإعاقة وهو يقاتل المعارضة، واستخدم صورة له عندما استقبله الأسد وزوجته أسماء كبطل حرب. وفي منشور حصل على مشاركات عالية هاجم الحكومة لقطعها تمويل العلاج الطبيعي للمحاربين السابقين. وقال: “تعاملونا مثل خيول السباق التي تموت عندما تصاب لأنها تصبح بلا فائدة” و”في يوم تصدر بيانات تحطمنا وتهيننا وتقتلنا”. وكتب وزير الزراعة السابق نور الدين مونا على صفحته في فيسبوك: “المنظور في سوريا اليوم قاتم ومخيف” و”تلوح بالأفق أحداث من الصعب تفسيرها أو التكهن بها، ويعيش السوريون القلق والخوف والجوع والفقر”. وفي كل هذه المنشورات نادرا ما يكون الأسد الهدف بل الفاسدين والحكومة الضعيفة فهو كما يقول بسام باربندي، الذي انشق من السفارة السورية في واشنطن عام 2012، “هو القوي بين ضعفاء”.
وزاد من مصاعب الأسد ظهور سلسلة من التقارير في وسائل الإعلام الروسية اتهمت نظامه بالفساد واقترحت تراجعا في الدعم الروسي له. وجاء أشد نقد من الدبلوماسي السابق في روسيا ألكسندر أكسينوك الذي قال إن رفض الأسد تسويات سلمية يتعارض مع المصالح الروسية. وظهر مقاله أولا على موقع نادي فالداي ثم على صفحة المجلس الروسي للشؤون الدولية وبعد ذلك في موقع الصحيفة اليومية “كوميرسانت”. وقال إن “روسيا وصلت المرحلة الأخيرة من التنازلات” في العملية السلمية التي ترعاها. ولا يوجد هناك ما يؤشر أن التعليقات هذه تعبر عن تغير في سياسة الكرملين من دمشق. فالتدخل العسكري الروسي عام 2015 منح روسيا فرصة لتحقيق عدة أهداف ولن تتنازل عنها كما يقول فيدور لوكيانوف، من مجلس السياسات الخارجية والدفاعية في موسكو. وقال: “بالطبع يعتمد الأسد على الدعم الروسي ولكن من الناحية السياسية تعتمد روسيا عليه” و”لا تستطيع روسيا التخلي عنه بدون معاناة أضرار سياسية فادحة”. إلا أن هناك حالة إحباط في موسكو لرفض الأسد إصلاحات سياسية، كما يقول نيقولاي سيركوف، أستاذ الدراسات الشرقية في معهد موسكو للعلاقات الدولية. وتعتبر روسيا هذه الإصلاحات التي تخفف من سلطة الأسد المطلقة “شرطا ضروريا لمصالحة حقيقية ودائمة”. وترى الصحيفة أن التوتر في محافظة درعا الجنوبية التي كانت أول من ينتفض على الأسد وآخر من يتم إخضاعها يمنح فكرة عن المخاطر القادمة. وتم إرسال قوات الجيش إلى المحافظة لمواجهة سلسلة من عمليات الاغتيال والاختطاف والكمائن التي أدت لمقتل أعداد من قوات الحكومة في الأشهر الأخيرة.
القدس العربي”
———————-
الأسد باقٍ ويتمدّد/ حسام الحميد
قد لا يتناسب عنوان هذا المقال مع السجالات الدائرة والمقالات الكثيرة التي كتبت في الفترة القريبة الماضية عن تحركات لأطراف إقليمية دولية كثيرة لإيجاد تفاهمات حول سورية، وتحديدا بشأن مصير رأس النظام المجرم بشار الأسد. كما أنه، في توقيته، قد لا يتفق مع اتساع دائرة خلاف الأسد ورامي مخلوف العائلي على تقاسم أموال الشعب السوري المنهوب، والذي قد يكون عزز هذه الفرضية لدى كثيرين ممن يدعمون نظرية أن روسيا تعمل على إزاحة الأسد بعد انتهاء دوره لديها، بل إنهم يذهبون أبعد من ذلك بالقناعة بوجود صفقة لرحيل الأسد يجري الاتفاق على تفاصيلها وقد تداعت جهات كثيرة لطرح أسماء شخصيات متفق عليها لخلافة بشار الأسد، لكن السؤال الأهم هنا، ولم تتم الإجابة عنه بعد: هل سيكون رحيل بشار الأسد بشخصه فقط (كما يروج الإعلام الإسرائيلي على لسان إيدي كوهين حين كتب في تغريدة له إن مهمة الرئيس السوري انتهت وسيتم توكيل شخص آخر مكانه)، أم سيكون هدف هذه الصفقة رحيل الرئيس وحلقته الضيقة، كما يحاول الطباخ الرئيس الروسي، بوتين، الإيحاء به، من خلال الأخبار التي تبثها صحيفته هنا وهناك، بحجة أن الأسد والطبقة المحيطة به هم فقط الفاسدون، أم أنها ستكون صفقة شاملة تنهي النظام بأكمله، بطائفته وجيشه وأمنه، كما تشتهي المعارضة السورية، ولكن لفهم فرضية بقاء الأسد (ولو إلى حين) مع التأكيد على حقيقة واحدة، أن رحيل الأسد أو بقاءه في سورية سيكون نتيجة تفاهمات دولية؟ هناك أسباب داخلية داعمة لهذه الفرضية، وعوامل إقليمية ودولية مساعدة لبقاء نظام الأسد.
الأسباب الداخلية: أولا، على مدى خمسين عاما الماضية، دمّر نظام الأسد المجرم الابن وقبله الأب المجتمع السوري بكامل أطيافه، وقتل أي فكرة لوجود بديل عن آل الأسد حتى من الطائفة العلوية نفسها التي استخدمها وقودا لحربه على الشعب السوري، وهو يدرك الآن أكثر من قبل أن المجتمع الدولي ليس لديه بديل عن الأسد، ويحسن استغلال ذلك على أكمل وجه. ثانيا، تسيطر إيران بشكل كامل على مفاصل النظام بجيشه وأجهزته الأمنية. لذلك ليس مع المأمول التعويل عليهم بالقيام بأي جهد لتغيير الأسد، انتشار الفساد بشكل كبير في أجهزة الدولة وتتحكم دائرة صغيرة من أصحاب الأسد بشكل لا إنساني بلقمة عيش المواطنين المسحوقين، والذين أصبح همهم الوحيد هو تأمين لقمة العيش (مع أنهم في سرهم يدعون ليلا ونهارا بفناء الأسد وزمرته)، ويتركز رأس المال في يد أمراء الحرب من مختلف الطوائف، يسيطرون على الأعمال المربحة، ويديرون عصابات إجرامية، وهؤلاء من مصلحتهم بقاء هذا النظام. ثالثا، يستطيع الأسد، ومن خلفه حزب الله والإيرانيون، البدء بجولة جديدة من العمليات العسكرية في الجنوب والشمال في أي وقت يريدونه لخلط الأوراق وإبقاء الصراع متصاعدا في سورية، لمنع تداول موضوع رحيل الأسد. رابعا، يمتلك النظام القدرة على توجيه عمليات “داعش” في أي مكان وزمان، ليبقي موضوع مكافحة الإرهاب على طاولة الصراع. خامسا، يواجه النظام معارضة مفككة لا تمتلك قرارها السياسي أو العسكري، وليس لديها مؤسسات حقيقية قادرة على الإمساك بزمام الحكم. سادسا، تعويل المعارضة السورية على فكرة تخلي بوتين وروسيا عن نظام الأسد جعلها تركن لأحلام وأمنيات تحقيق التفاهمات التركية الروسية، والتي كان هدفها الوحيد تفتيت المعارضة العسكرية قبل السياسية.
العوامل الإقليمية: أولا، بالنسبة للمحيط العربي (الحكومات، وليس الشعوب العربية والتي في غالبيتها تدعو الله أن يقتص من بشار وأعوانه)، ومع امتداد الثورة السورية للسنة العاشرة، ووجود الظروف الحالية، مثل كورونا، وحصار قطر، وصراعي خليفة حفتر في ليبيا والحوثيين في اليمن، أوكل الجميع المهمة، بشكل أو آخر، إلى المحور الروسي التركي لحل القضية السورية، وليس هناك من دافع لدى أي من هذه الدول لاتخاذ موقف خارج أي تفاهمات دولية، وخصوصا مع بدء العد التنازلي للانتخابات الأميركية، والتي ستؤثر نتائجها بشكل حاسم على علاقات الولايات المتحدة بالمنطقة، وخصوصا منطقة الخليج. ثانيا، بالنسبة لإيران، سورية هي الامتداد الجغرافي الطبيعي للهلال الشيعي، وتحقق حلم إمبراطوريتها الفارسية بالوصول إلى شاطئ المتوسط. عندما دخلت إيران سورية لم يكن لديها نية للخروج منها أبدا، وسورية هي الحليف الاستراتيجي لمشروع إيران في محاصرة السنة في المنطقة، وهى ورقة تمكين نفوذها في العراق، وهي بوابة الدعم الاستراتيجي وشحن السلاح والتدريب والقيادة والسيطرة لحزب الله اللبناني الذي يمثل ورقة ضغط على إسرائيل والولايات المتحدة. إيران اليوم متغلغلة في مفاصل البلاد ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والدينية، ولن تخرج من سورية إلا بقوة السلاح. ثالثا، تركيا الجار اللدود، والتي لها أكبر حدود مع سورية، تغير موقفها من النظام منذ بداية الثورة السورية، من مطالبته بإصلاحات تحقق مطالب الشعب إلى العداء المعلن له والمطالبة أكثر من مرة برحيل النظام، ثم لتعود مع التدخل الروسي في سورية، لتخفف من لهجتها قليلا إلى المطالبة بقبول قرارات أستانة وتوابعها، واكتفت لاحقا بسعيها فقط إلى منع الأكراد من السيطرة على الشريط الحدودي. تسيطر تركيا، بشكل كامل، على قرار المعارضة السورية العسكرية، كون أغلب الفصائل العسكرية أصبحت تحت رعايتها، وتسيطر بشكل مباشر على إدلب ومناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، ولاحقا “نبع السلام”.
العربي الجديد
————————
هل يُدفن حافظ الأسد؟/ عمر قدور
في العاشر من حزيران ستمر الذكرى العشرون لموت حافظ الأسد، وهي مدة كافية ليصبح في ذمة الماضي لو لم يكن حضوره اللاحق على الوفاة بالقوة التي شهدناها. الأب القائد، بلقب صار الأكثر استخداماً في السنوات الأخيرة من حكمه، أمعن به قتلاً وتنكيلاً منذ آذار 2011 ملايينٌ من أبنائه المفترضين، بينما أمعن أبناؤه المخلصون قتلاً وتنكيلاً وتهجيراً بأولئك الذين تجرأوا على أبيهم. وفق التعبير المجازي السابق، نجح أبناء الأسد المخلصون في قتل “أشقائهم” أكثر مما نجحوا في الحفاظ على تركة أبيهم، وفشل قسم من الذين قتلوه في التخلص نهائياً من خصال أورثهم إياه.
مع انطلاق الثورة، كان يمكن بوفرة مشاهدة تلك اللافتات التي تعتبر الوقوف مع بشار ولاءً لأبيه، ما يضمر عدم الاعتداد به شخصياً كوريث. أيضاً شاع بين الموالين تهديد الثائرين ببطش أخيه ماهر الذي كان يُقال أنه “لم يشلح البيجاما بعد”، ولصورة ماهر مستويان، أولهما التعبير عن عدم الاقتناع بكفاءة بشار، وثانيهما استلهام صورة عمه رفعت الأسد؛ الصورة الدموية المتممة لحنكة حافظ الأسد المزعومة. منذ ذلك التاريخ لم تكن موالاة الأسدية لتعني موالاة بشار، وكأن قدره كرئيس بالمصادفة “بعد وفاة الوريث الأول باسل” لن يتوقف عن ملاحقته.
لم يشلح ماهر البيجاما على نحو استعراضي يلبي تطلعات المخيال الموالي، واجتهد بشار لإثبات تفوقه الدموي على أبيه وعمه، وتفوقه الكيماوي على صدام حسين. إلا أن مثابرة الأخير الدموية ترافقت مع افتقاره إلى الكاريزما التي أفلح أبوه في صنعها خلال ثلاثة عقود من حكمه، خاصة مع نسيان الركاكة الشخصية التي ظهر بها الأخير في إطلالاته أثناء المواجهة مع الإخوان المسلمين. كان بشار “بالتواطؤ مع الموالين” قد استرجع صورة تلك المواجهة بتصوير الثائرين إرهابيين متطرفين تكفيريين، وكرر كأبيه الحديث عن المؤامرة الكونية التي تستهدفه، لكن استحضار شبح الأب بموجب المقارنة لن يكون لصالحه شخصياً بما أن النصر القديم لن يتجدد.
النصر الذي حققه بشار لم يأتِ بدعم من الإيرانيين ثم الروس، لقد أتى الإيراني ثم الروسي لتحقيقه، من دون أن نغفل موافقة دولية على قدومهما. وجود قوتي احتلال يعني في ما يعنيه الانقضاض على الأسدية باعتبارها قوة ذات استقلالية، وذات علاقة ندية إلى حد ما مع الخارج. في ما سبق لم يختبر الموالون انقسامهم بين طرفين خارجيين، وحتى انقسامهم القديم بين حافظ ورفعت جرى احتواؤه كحدث طارئ وعابر ضمن الأسرة الواحدة. الانتقال من وهم انتظار رفعت كوريث محتمل إلى القبول بالوريث الصاعد باسل كان سلساً جداً، بخلاف الانتقال من توريث باسل إلى توريث بشار الذي لم يحظَ بالقدر ذاته من السهولة ومن رضا الموالين.
باسل المثَل وبشار الأمل، هكذا قدّمت الدعاية الأسدية الانتقال بين مشروعي التوريث، وبينما المثَل والقدوة يحيلان إلى اكتمال الصفات تبقى إحالة الأمل غامضة وغير مضمونة. إثر استلامه السلطة رسمياً، سيسعى بشار إلى إظهار تمايزه عن الأب، وستنطلي خدعة انفتاحه وستريح سوريين هم بغالبيتهم من خارج ما يُسمى البنية الصلبة للأسدية؛ ذلك جعله لفترة قصيرة يبدو أقل أسدية مما ينبغي، وبقراره الشخصي لا بقلة حيلته وقلة كفاءته.
في لبنان سجّل بشار أول فشل مدوّ، فهو لم يتمكن من احتواء تداعيات اغتيال الحريري على نحو ما فعل الأب باغتيال كمال جنبلاط. العبرة كانت في اضطراره إلى ذلك الانسحاب المذل، ومن بعده الاستقواء بحزب الله بعد حقبة من تنمر الأسدية على اللبنانيين بلا استثناء. كان حافظ الأسد سيلملم آثار الاغتيال بحنكته ودهائه، وكان سيحتوي الثورة عليه بالقوة والدهاء معاً؛ هذا لسان حال الموالي الأسدي الذي يرى إرث أبيه المعنوي يتبدد على يد إبنه الحقيقي.
لا يضع الموالي نفسه أمام سؤال: إذا كان حافظ مكان بشار، ما الذي سيفعله؟ ففي عقله أنه قادر بالتأكيد على إجتراح الحلول، وهو يعفي نفسه من السؤال لأنه لا يستطيع وضعها مكان من يُفترض به وحده الإجابة. عقلية الإنكار لديه كانت تمنعه طوال الوقت من الاعتراف بانتهاء الأسدية التي يعرفها مع موت مهندسها ومؤسسها، وتمنعه من رؤية الظروف التي ساعدت على تأسيس تلك الحقبة من دون أوهام مفرطة حول حنكة المؤسس وألمعيته.
عاش الموالي، في العقد الأخير وبما يفقأ العين، انتهاء أكذوبة الدولة وانكشافها عن مجموعات من شبيحة القتل والسلب. أولئك الشبيحة الذين كانوا رمزاً للحرب على سوريين آخرين كانوا في الوقت نفسه المثال على تحلل دولته، هو الذي يروق له تصوير الدولة عليّةً فوق “الرعية”، يعلوها صانعها الأسد الأب. هي الدولة التي فيها شيء من رعاية “حالية أو مؤجلة” وإن قست، وفيها ادعاء الفضائل وإن تناهبها الأوغاد والسفلة. لقد أسفرت الدولة عن وحشيتها في غياب ذلك الأب الضامن، وتبخرت الوعود لأبنائها البارين الذين سبق لهم أن رأوا تبخرها من قبل، ولم يفقدوا الأمل كما يفقدونه اليوم.
أكثر من أي وقت مضى، يدرك الموالي انتهاء دولته بعد دفعه أثماناً باهظة من أجل بقائها، والنصر على سوريين آخرين لا يعني سوى دفع الثمن الاقتصادي الباهظ بعد نظيره من الدماء. في آخر النفق، ليس هناك من حافظ الأسد يلوّح له بيده ويطمئنه، صار من المستحيل تخيّل وجوده أو إغماض العينين والحلم بعودة زمنه. من السهل الآن أن يُشتم الوريث في بيئات لم يكن فيها أحد يتجرأ على شتم أبيه، أو على مجرد التفكير بذلك، وإذا لم تكن فكرة التغيير السياسي واردة لما فيها من مشقة نفسية فإن تمني الخلاص على أي نحو كان بات وارداً جداً.
ينتظر الموالي، مثلما ينتظر سوريون آخرون في الداخل والخارج، المصير الذي ستقرره القوى الدولية لآل الأسد بقاءً أو تنحية. ما يميز الموالي أنه أصر على الاحتفاظ بجثة الأسدية حتى شهد تفسخها أمام عينيه، ولم يقتنع بأن حافظ الأسد قد مات حقاً، ولم يقتنع لاحقاً بأن هذا المآل ليس بمثابة إرث بدّده أبناؤه بسبب قلة الكفاءة، وإنما أيضاً لأن هذا المآل كامن في ما هندسه الأب بنفسه. بعد عشرين عاماً من موته، لا يزال الاختبار الأصعب للموالي هو التجرؤ على دفن حافظ الأسد.
المدن
————————-
بوتين يستعد لتحرك أوسع في الملف السوري
عيّن السفير الروسي في دمشق «مبعوثاً خاصاً لتطوير العلاقات»… وموسكو تفتح طريق حلب ـ القامشلي
أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً بتعيين ألكسندر يفيموف، السفير الروسي فوق العادة والمفوض لدى سوريا، «ممثلاً خاصاً له لتطوير العلاقات مع سوريا»؛ الأمر الذي عدّه مراقبون رغبة من بوتين في تحرك أوسع بالملف السوري.
ويسمح هذا القرار للسفير يفيموف بالحديث في دمشق باسم بوتين لرعاية الشؤون الروسية التي تشمل قواعد عسكرية في حميميم وطرطوس والقامشلي وطموحات عسكرية وسياسية. وأعلنت موسكو أن المرسوم، الذي نشر في الموقع الرسمي للمعلومات القانونية، دخل حيّز التنفيذ بدءاً من أمس.
ويعيد هذا التعيين إلى الأذهان تجربة السفير الأميركي بول بريمر الذي عيّنه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الابن) رئيساً للإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق بعد 2003، لكنه عُرف بأنه «حاكم العراق».
إلى ذلك؛ فتحت القوات الروسية، أمس، الطريق الرئيسية بين القامشلي وحلب وتفرعاتها الاستراتيجية، المعروفة بـ«شرايين» منطقة شرق الفرات التي كانت خاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا. وأعلن الجانب الروسي فتح الطريق أمام حركة السير المدنية والتبادل التجاري، بحيث تُربط مدن وبلدات مثل منبج والعريمة، غرب نهر الفرات، بمناطق الجزيرة السورية شرقاً، بعد انقطاع عن الخدمة استمر 7 أشهر بسبب العملية التركية الأخيرة.
وقال مسؤول عسكري روسي، خلال إفادة صحافية لقناة «روسيا اليوم»، أمس: «أصبحت الطريق الدولية مفتوحة بشكل رسمي بضمانة روسية، وستجول دوريات روسية يومياً، عدا الجمعة، لتعقب حركة الطريق، ومنع أي مظاهر أو استفزازات عسكرية، بالتنسيق مع الإدارة المدنية بتل تمر».
في سياق متصل، حاولت دورية أميركية مؤلفة من عربتين اعتراض نظيرتها الروسية على الطريق الدولية «إم4» بالقرب من بلدة تل تمر شمال شرقي سوريا. ونقل شهود عيان، نشروا صور الحادثة، أن الأميركيين قطعوا بداية طريق الروس المتوجهين من تل تمر نحو مدينة القامشلي (60 كلم شرقاً)، وحدثت مشادّة كلامية بين الجانبين، إلا إن الشرطة الروسية أكملت مسارها، بينما عادت الدورية الأميركية إلى قاعدتها العسكرية في منطقة القسرك التابعة لتل تمر.
———————————
القوات الروسية تعلن فتح طريق حلب ـ القامشلي شرق الفرات
«الصليب الأحمر» يحذّر من كارثة إنسانية شمال شرقي سوريا
أعلنت القوات الروسية العاملة في سوريا افتتاح طريق «إم 4» بين حلب والقامشلي شرق الفرات، أمام حركة السير المدنية والتبادل التجاري، حيث تربط مدن وبلدات عين العرب (كوباني) ومنبج والعريمة، غرب نهر الفرات، بمناطق الجزيرة السورية شرقاً، بعد انقطاع عن الخدمة دام سبعة أشهر، بعد العملية التركية الأخيرة، في وقت اعترضت دورية أميركية، نظيراتها الروسية، أمس، على الطريق الدولية قرب بلدة تل تمر الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا.
وقال مسؤول عسكري روسي، خلال إفادة صحافية لقناة «روسيا اليوم»، أمس، «أصبحت الطريق الدولية مفتوحة بشكل رسمي بضمانة روسية، وستجول دوريات روسية يومياً، عدا الجمعة، لتعقب حركة الطريق، ومنع أي مظاهر أو استفزازات عسكرية، بالتنسيق مع الإدارة المدنية بتل تمر».
والطريق الدولية السريعة التي توصل محافظة حلب شمالاً بمدينة القامشلي شرقاً، تحول جانباها إلى شريطٍ حدودي فاصل ومناطق تماس بين المناطق الخاضعة لفصائل «درع الفرات» و«نبع السلام» الموالية لتركيا من جهة، و«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من تحالف دولي بقيادة واشنطن من جهة ثانية، والقوات النظامية المدعومة من روسيا من جهة ثالثة.
في سياق متصل، حاولت دورية أميركية مؤلفة من عربتين اعتراض نظيرتها الروسية على الطريق الدولي (M.4)، بالقرب من بلدة تل تمر الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، ونقل شهود عيان، نشروا صور الحادثة، أن الأميركيين قطعوا بداية طريق الروس المتوجهين من تل تمر نحو مدينة القامشلي (60 كلم شرقاً)، وحصلت مشادة كلامية بين الجانبين، إلا أن الشرطة الروسية أكملت مسارها، بينما عادت الدورية الأميركية إلى قاعدتها العسكرية في منطقة القسرك التابعة لتل تمر.
إلى ذلك، حذرت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» من كارثة إنسانية لنقص المياه والأدوية الطبية، وانهيار البنية التحتية، وتهالك نظام الرعاية الصحية في مناطق شرق الفرت، بالتزامن مع انتشار جائحة «كوفيد – 19» العالمية التي ضربت سوريا أيضاً. ولدى حديثه إلى جريدة «الشرق الأوسط» من مكتبه بالحسكة شمال شرقي سوريا، عَدَّ عدنان حزام المتحدث الرسمي باسم «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، أن انتشار فيروس «كورونا» في بلد يشهد نزاعاً مسلحاً دخل عامه العاشر، «عكست عواقبه على نقص المياه وقلة الغذاء وغياب الأدوية وتدهور قيمة الليرة المحلية مع ارتفاع الأسعار، شكلت مصدر قلق لدينا مثل فيروس كورونا إن لم يكن أكثر»، مشيراً إلى أن اهتمام المجتمع الدولي ينصب على مكافحة خطر الفيروس؛ «لكن يجب على المنظمات الإنسانية الفاعلة والجهات المانحة مواجهة الجائحة دون إغفال الاحتياجات المزمنة المرتبطة بالنزاع بهذه المناطق».
وشكل نقص المياه أحد بواعث القلق للسكان المدنيين في المحافظات الثلاث الواقعة شمال شرقي البلاد، الأمر الذي دفع اللجنة الدولية إلى دعم المجالس المحلية، وإجراء إصلاحات عاجلة، وإتاحة المعدات اللازمة لمعالجة المياه، وتزويد المخيمات بالمياه النظيفة.
كما تعاني مدن وبلدات شمال شرقي البلاد من غياب الخدمات الطبية ونظام رعاية صحية متهالك جراء سنوات الحرب، فمعظم المرافق الصحية، إما معطلة، وإما تعمل بقدرة جزئية، ومن بين 16 مستشفى يعمل مستشفى واحد فقط بكامل طاقته، وثمانية مستشفيات تعمل بقدرة جزئية، وسبعة لا تعمل على الإطلاق، وفقاً لنظام مراقبة الموارد الصحية المتاحة، وكشف المسؤول الأممي عدنان حزام: «تتوفر 10 أسرّة في المستشفى لكل 10000 شخص، كما تشكل مراكز ومخيمات النازحين داخلياً عبئاً إضافياً على النظام الصحي الضعيف بالفعل»، وفي المخيمات يشكل الأطفال ثلثي السكان، لافتاً إلى أنه «لا تزال الاحتياجات الطبية كبيرة، بما في ذلك رعاية صحة الأم والطفل، وطب الأطفال، والجراحة، والصحة العقلية وإعادة التأهيل البدني».
ودعا عدنان حزام، المجتمع الدولي والجهات المانحة، إلى الاستجابة لمعاناة ملايين السوريين، وشدد بختام حديثه على ضرورة تحييد الملف الإنساني وتوحيد الجهود الدولية: «مع تفشي فيروس كورونا لتسهيل عمل المنظمات الإنسانية، لأن ذلك سيسهم بشكل كبير في التخفيف من المعاناة».
———————————
من هو ألكسندر يفيموف وماذا يعني تعيينه كممثل خاص لبوتين بسوريا؟
عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الإثنين، سفير بلاده لدى نظام الأسد “ألكسندر يفيموف”، مبعوثاً رئاسياً خاصّاً له لـ تعزيز العلاقات مع “النظام”، ما أثار تساؤلات عن الدوافع وراء ذلك خاصة وأن لبوتين مبعوثاً خاصاً إلى سوريا هو ألكسندر لافرنتيف.
واللافت في الأمر، تصريحات يفيموف في مقابلة مع صحيفة الوطن المقربة من النظام قبل 5 أيام من تعيينه في المنصب الجديد، حيث شدّد على متانة العلاقات بين النظام وروسيا وخلوّها من العيوب، في سياق ردّه على ما اعتبرها “إشاعات” تتحدث عن علاقة متوترة بين النظام وبلاده.
وأضاف المبعوث الخاص في المقابلة “إن اللاعبين المعادين لسوريا وروسيا، وبعدما فشلوا في تحقيق أهدافهم المدمرة بطريقة عسكرية، يحاولون ممارسة الضغط السياسي على دمشق وخنقها بالعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، وهم ما زالوا فارغي الأيدي حتى الآن، ويستخدمون جميع الوسائل الممكنة ومن بينها محاولاتهم المثيرة للشفقة لإيجاد عيوب غير موجودة في العلاقات بين روسيا وسورية، لكي يفرّقوا بين بلدينا.. لن يسمح حتى بالاقتراب من النتائج المقصودة، وبعبارة أخرى يمكن القول إن الكلاب تنبح والقافلة تسير، والعلاقات الروسية السورية هي أقوى اليوم مما كانت في أي وقت في الماضي”.
وأبدى يفيموف تأييده الواضح والكبير للنظام، وهاجم الفصائل العسكرية في إدلب واتهمها بخرق وقف إطلاق النار.
وللمبعوث الخاص الجديد مواقف إيجابية بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية منذ توليه منصب السفير الروسي فوق العادة في سوريا في أواخر عام 2018، حيث أكد مراراً على ضرورة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا وطالب النظام بفتح قنوات تواصل للتفاوض مع “أكراد سوريا”، وذلك بهدف “إيجاد حلول مقبولة بشكل متبادل لاستعادة سيادة الجمهورية العربية السورية، مع مراعاة مصالح جميع الجماعات العرقية والدينية التي تقطن هذه المنطقة”.
مَن هو ألكسندر يفيموف؟
ألكسندر يفيموف الذي يكمل غداً عامة الـ 61، وُلد في موسكو عام 1958 وتخرج من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لوزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي عام 1980.
وبحكم أنه يجيد اللغتين العربية والإنجليزية، عمل في مناصب مختلفة في الجهاز المركزي لوزارة الخارجية في العراق وسوريا وليبيا حتى عام 2004، ليصبح مستشاراً مبعوثا للسفارة الروسية في الأردن لغاية عام 2008، ومن ثم شغل منصب رئيس قسم إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الروسية بين العامين 2008 و 2010، ومن ثم شغل منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الروسية بين العامين 2010 و2013.
وفي نيسان 2013 تم تعيين يفيموف سفير روسيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك حتى تشرين الأول 2018، ليتم نقله إلى سوريا بموجب مرسوم من فلاديمير بوتين وتعيينه “سفيراً فوق العادة”، ويوم أمس تسلّم منصباً جديداً كممثل رئاسي خاص لتعزيز العلاقات مع سوريا.
سفير فوق العادة
“السفير فوق العادة والمفوض”، هي مرتبة دبلوماسية أعلى في مرتبة سفير وتُمنح للسفراء المكلفين بتنفيذ مهام خاصة لبلادهم لدى بلدان أخرى، ما يزيد من صلاحياته ويسهل من البروتوكولات والآليات المتبعة لتنفيذ هذه المهام، وإبرام الاتفاقيات باسم دولته.
وبالتالي فإن تعيينه ممثلاً رئاسياً خاصاً لتعزيز العلاقات مع سوريا، يعني توسيعاً كبيراً للصلاحيات الواسعة أساساً، لتنفيذ استراتيجيات بلاده في سوريا، وتحقيق أهداف محددة ستظهر لاحقاً بشكل أوضح.
وبذلك أصبح بإمكان يفيموف الاتصال بشكل مباشر مع كل من رأس النظام في سوريا ورئيسه بوتين بشكل مباشر، دون الحاجة للمرور بقنوات التواصل عبر وزارتي خارجية البلدين.
الدوافع وراء هذه الخطوة
وفي محاولة توقّع الدوافع وراء هذه الخطوة من قبل بوتين، فيمكن الرجوع إلى مقابلته مع صحيفة الوطن والتي تم تأت صدفة قبل أيام من تعيينه، حيث ركّز يفيموف على “أهمية التعاون الاقتصادي بين موسكو ودمشق الذي يتطور رغم الضغط الشديد والمتزايد على البلدين من خلال العقوبات الأجنبية”.
وتطرق في حديثه إلى المشاريع التي تنفذ حالياً من الشركات الروسية في سوريا، مثل تطوير الجزء المدني لمرفأ طرطوس وتحديث مصنع للأسمدة المعدنية في حمص، وإعادة تأهيل عدد من حقول النفط والغاز والمعامل الخاصة بها.
ويبدو أن روسيا تسارع الخطى لتدارك الاقتصاد السوري المنهار بشكل متسارع، وتحاول إنجاز أهداف محددة في سوريا وإعادة تركيب الاقتصاد السوري بطريقة تأمل موسكو أنها ستكون قادرة على مواجهة العقوبات الأجنبية وتداعيات قانون قيصر الذي يقترب موعد دخوله حيز التنفيذ، وفي هذا السياق يجب النظر إلى الأزمة الحاصلة بين الأسد ومخلوف، ومطالبات النظام بدفع الأخير مبالغ طائلة لخزينة النظام.
ناشطون ومحللون سياسيون رأوا أن تعيين ألكسندر يفيموف مبعوثاً خاصاً لبوتين لتعزيز العلاقات مع سوريا، هو بمثابة هيمنة روسية إضافية على النظام وأنه بمثابة الحاكم الروسي لسوريا، في حين أشار البعض إلى أن هذه الخطوة تؤكد على تمسك موسكو بنظام الأسد بعد الأنباء والتقارير التي تم تداولها مؤخراً بأن العلاقات بين البلدين متوترة وأن موسكو قد تتخلى عن الأسد وتستبدله، خاصة بعد مهاجمة وسائل الإعلام الروسية لبشار الأسد ونظامه.
————————
========================
=====================
تحديث 30 أيار 2020
————————–
هل تغيرت المقاربة الروسية للتسوية السورية؟/ برهان غليون
لم يعد هناك أحد، لا من السوريين ولا من الدول العديدة المتورّطة في المحنة السورية أو المعنية بحلها، يجهل أن سورية تسير بشكل حثيث نحو الانهيار القريب، والغرق في مستنقع من الصعب أن تخرج منه بسهولة، ومن المستحيل أن يستفيد من وصولها إليه أي من الأطراف المشاركة في الصراع، فيها وعليها. ومع أن قلبها لا يزال ينبض، إلا أنها كالمريض المشرف على الموت، توقفت تقريبا جميع وظائف مؤسساتها الحيوية، أو في سبيلها إلى ذلك. لكن كما أثبتت وقائع السنوات التسع الماضية لم يكن أحد من المشاركين في هلاكها يُعنى بالتخفيف عنها أو إرسالها إلى غرفة عناية مشدّدة أو حتى عادية. كان كل طرفٍ ينتظر موتها لينتزع ما يستطيع من أعضائها أو دورها أو مكانتها. وهذا هو الوضع إلى الآن، فلا الأميركيون ولا الإيرانيون ولا الإسرائيليون ولا الأوروبيون والعرب معنيون بإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها.
وحدهم الروس يبدون بعض الاهتمام بمآلات الأزمة التي تعيشها، لا حرصا على حقوق الشعب السوري أو وجود سورية ذاتها، وإنما طمعا في ألا تصبح الرهينة التي اختطفوها عبئا عليهم، بدل أن تكون مصدر إثراء لهم بكل المعاني الاقتصادية والسياسية، فهم يضعون التدخل فيها في سياق المشروع الكبير لإعادة التأهيل الجيوسياسي للاتحاد الروسي على المستويين، الإقليمي والدولي، وفي جميع المستويات، في مواجهة سعي الغرب إلى عزله وتهميشه. وما من شك في أن موت الرهينة سيفشل عملية الاختطاف، وستكون عواقبه وخيمة على مشروعهم هذا، فهو لن يحرمهم من “الفدية” الثمينة المنتظرة فحسب، وإنما سوف يجعل تدخلهم، أكثر من ذلك، نقبا على حجر، مع آثارٍ كارثيةٍ على طموحات بوتين القيصرية. من هنا، ينبع اهتمام موسكو، بعد ربح الحرب، وسعيها إلى فك العزلة السورية، ورفع العقوبات المفروضة عليها، وإعلان نهاية الحرب والعمليات العسكرية.
في هذا السياق، بدأت في الأسابيع القليلة الأخيرة تتواتر الأنباء عن احتمال أن يكون الروس قد قبلوا أو أنهم على استعداد للقبول بالتضحية بالأسد من أجل فك العزلة السورية، والفوز أخيرا بالجائزة الإضافية التي لا يزالون ينتظرونها منذ تسع سنوات، أي تكريس دور موسكو قوة كبرى شريكة في تقرير المصائر العالمية، وقيادة عملية إعادة الإعمار التي تكتسب قيمةً استثنائية اليوم في سياق الجائحة الصحية وآثارها الاقتصادية الكارثية. ومما عزّز من الاعتقاد بصحة هذه الأخبار أنها انطلقت بالأصل من الصحافة والمؤسسات العلمية السياسية الروسية، قبل أن تصبح موضوعا للتداول في الصحافة المعارضة السورية، ثم في الصحافة العالمية بأكملها.
(2)
لكن إذا كان من مصلحة الروس، حتى لا يكونوا الخاسر الأكبر من الحرب السورية المتعدّدة الأطراف والرهانات، البحث عن مخرج، ومخرج “مشرّف” يضمن لهم تحقيق رهاناتهم الرئيسية، للأزمة السورية، قبل أن تنفجر كالدمل المتقيح في وجوههم، ويفقدوا كل شيء، إلا أنني لا أعتقد أنهم وجدوا السبيل السالك والسليم للوصول إلى أهدافهم بعد. وما كان يحول منذ سنوات دون التوصل إلى حل لما أصبحت تسمّى الأزمة السورية لم يتغير، أعني التوصل إلى تسويةٍ ترضي جميع الفرقاء، وتحقق للمشاركين الإقليميين والدوليين جزءا مهما أو أساسيا من رهاناتهم، ولا يبدو كذلك أنهم نجحوا في وضع قاعدةٍ مقبولةٍ لتقاسم الغنيمة فيما بينهم، فما الذي تغير إذن، حتى تبدو الأمور أكثر قربا من الحل مما كانت عليه في السابق؟
أعتقد أن ما يثير الأمل عند السوريين اليوم هو ما يبدو من تغيّر في المقاربة الروسية بخصوص الحل السياسي، أو التسوية التي تعنى بالتوفيق بين مصالح الدول المعنية والمشاركة لا بالمصالح السورية، حتى لو أنها يمكن أن تنعكس بفوائد جانبية عليهم، فحتى وقت قريب، وخلال السنوات التسع الماضية سعى الروس إلى أن يجعلوا من إشراك بعض الدول في القضاء على الثورة الشعبية عربونا لإقامة حلف دولي جديد مناوئ للهيمنة الغربية التي أظهرت ضعفا لافتا، وبدت مترنّحة في العقدين الأخيرين. وكان جوهر عمل هذا الحلف الجديد الذي ضم روسيا وإيران والصين ومجموعة البريكس فرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي عموما في سورية، من خلال التمسّك بمبدأ عدم السماح بتغيير الأنظمة القائمة بالقوة، شعبيةً كانت هذه القوة أم عسكرية، مستفيدا من الإخفاقات التي شهدتها التدخلات العسكرية السابقة في أفغانستان والعراق وليبيا. ومن هنا، أصبح الدفاع عن وجود الأسد وشرعية حكمه، نوعا من التابو أو المحرّم الذي لا ينبغي لأحد أن يمسّه، والنظر إلى الجهود التي تهدف إلى تغيير نظامه، بالقوة أو بالحوار والتفاوض، تعبيرا عن المؤامرة “الكونية” التي يحيكها الغرب لتقويض سيادة الدول واستقلالها واستقرار النظام الدولي القائم.
هكذا لم يعد الأسد ذاك الرئيس الصغير الأحمق الذي يدفع ببلاده نحو الكارثة، وإنما حجر الرحى في استراتيجية دولية شاملة، تريد أن تفرض نفسها في مواجهة استراتيجية السيطرة الغربية، والأميركية خصوصا، التي تستسهل تغيير النظم والرؤساء وتقود عملياته. ومن هذا المنطلق، وضعت موسكو وبكين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، نفسيهما في خدمة الدفاع عن الأسد ورد الهجوم عليه من أي طرف جاء، وشل مجلس الأمن وتحييد منظمة الأمم المتحدة في المسألة السورية كليا، وتسويد صفحة الحراك الشعبي السوري، وخلطه بالتآمر الغربي والإرهاب والطائفية، تماما كما كانت تردد آلة الأسد الإعلامية والسياسية. وهكذا عطلت جميع المبادرات الدولية والداخلية، ولم يقبل لا حوار في الداخل، ولا تفاوض مع المعارضة، ولا من باب أولى الاعتراف بالفصائل المسلحة بوصفها جزءا من المعارضة، وتم تعطيل القرارات الدولية علنا وجمعا، حتى وصل الأمر إلى عدم السماح للجنة التحقيق الدولية حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية في البحث عن المسؤولين عن جريمة الحرب السافرة هذه. هكذا تحول شعار الأسد أو نحرق البلد من شعار “سوري” لأنصار الأسد والنظام إلى شعار روسي: تثبيت الأسد أو نحرق البلد.
لكن صمود السوريين البطولي خلال السنوات التسع الماضية، وإصرارهم على إسقاط النظام، مهما عظم الثمن، ونجاحهم في تحطيم آلته الحربية بالفعل من جهة، وتمسّك الأمم المتحدة بقرارات مجلس الأمن الداعية إلى حل سياسي، وتسوية تقوم على حوار ومفاوضات بين السوريين أنفسهم، من جهة ثانية، والتزام أكثر الدول بالعقوبات التي أقرّها مجلس الأمن على الدول الثلاث، ورفضهم التسليم بالأمر الواقع والتغطية على مسؤولية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها مليشيات النظام، لم يترك للروس وحلفائهم أي أملٍ في إعادة بث الحياة في نظامٍ يتهاوى، ويأكل بعضه بعضا. ولا شك في أن أولوية معركة روسيا للتموضع الجيوستراتيجي العالمي قد تراجعت إلى الصف الثاني أمام مواجهة الأزمة الصحية والاقتصادية والمالية التي تفاقمت بانتشار وباء كورونا، والتي زادت من أهمية التعاون والتفاهم الدوليين في حل المشكلات الكونية الطارئة. هكذا وجد الروس أنفسهم أمام خيارين: تغيير مقاربتهم للتسوية الدولية حول سورية، أو المغامرة بالغرق في مستنقع الحرب والفوضى المعمّمة في سورية وخسارة رهاناتهم.
من الممكن معاينة هذا التغير في تبدل الأولويات والتحالفات الروسية في الأشهر القليلة الماضية، فعلى غير عادتهم، أيد الروس تثبيت وقف إطلاق النار في الشمال السوري، ضد رغبة طهران ودمشق، كما أبدوا استعدادا واضحا للتعاون مع واشنطن، أتاح لهم إقامة قواعد عسكرية لهم لأول مرة شرق الفرات. ويمكن القول إن الروس اليوم أقرب إلى أنقرة والتعاون معها في سورية منهم إلى إيران التي لم يخفوا تفاهمهم مع إسرائيل على تقليم أظافرها. وفي سياق البحث هذا عن تسويةٍ تضمن لهم مصالح الدولة المنتدبة في سورية، تبدلت تصريحات المسؤولين الروس بخصوص الحوار والتفاوض، وتكاد تصريحات لافروف العدوانية والاستفزازية للأميركيين والثوار السوريين معا، تختفي أمام تسريبات الصحافة الروسية والإشارات التي لا تخطئ إلى استعداد موسكو للتفاوض على رئاسة الأسد. وفي كل الحسابات، لم يعد لبقاء الأسد أو ذهابه المعنى نفسه لدى الروس اليوم، وحتى لدى الأطراف الأخرى، بما فيها السوريون، فالجو السائد يشير إلى تهيؤ الجميع للخروج من الحقبة الماضية السائرة نحو التعفن، بكل ما كانت تمثله من مؤسسات، وفي مقدمها مؤسسة الرئاسة السورية، وما تحمله من معاني. أصبح الأسد منذ الآن، قبل أن يترك منصبه، وفي نظر جميع الأطراف، من الماضي.
(3)
ما تغير إذن في الأشهر الأخيرة، وهو مهم في مسار تطور البحث عن حل للمقتلة السورية، هو تخلي روسيا عن المقاربة السياسية التي تقوم على التمسّك بأي ثمن بالأسد لتحييد التدخلات الدولية الموازية أو المضادة، وإحكام الطوق على الرهينة، وتعزيز الحلف الثلاثي الذي ضمن اختطافها، والبحث عن مقاربةٍ جديدةٍ لا تعتبر الحفاظ على الأسد، وبالتالي الدفاع عن شرعية حكمه وإعادة تأهيله شرطا للحل السياسي المحتمل، أو حتى جزءا منه. وما من شك أن هذا التغيير في المقاربة الروسية التي عبرت عنه التسريبات الصحافية من جهة، ومنه تغير أسلوب التعامل مع الأسد نفسه، وآخر معالمه البارزة تعيين ممثل شخصي للرئيس بوتين في سورية، يمكن أن يقوم بدور الوصاية على الأسد وشلته الحاكمة نفسها، أكثر منه دور وصاية على سورية، يفتح فرصا جديدة للنقاش والحوار مع الأطراف الأخرى، لأنه يترك للجميع، بمن فيهم السوريون أنفسهم، هامش حركةٍ يمكن السعي فيه إلى تطوير أفكار واقتراحات للحل، أو حتى توسيع هامش الحركة هذا، وربما إنتاج صيغ مبدعة جديدة غير صيغة فرض الأمر الواقع التي سادت حتى وقت قريب. وهو يضمر أيضا تخفيضا في مستوى طموح موسكو بقيادة تحالف دولي مضاد للتحالف الغربي، بمقدار ما يلزمها بتقديم التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة على ترسيخ التحالف والتضامن مع إيران وأعداء واشنطن في سورية والمنطقة المشرقية. ولهذا، تبدو تصريحات المسؤولين الأميركيين أكثر إيجابية بكثير مما كانت عليه تجاه الروس، حتى وصل الأمر بجيمس جيفري، إلى القول إن جميع القوى الأجنبية سوف تخرج من سورية بعد التسوية، بما فيها القوات الأميركية، ولن يبقى فيها سوى القوات الروسية. وما من شك في أن وقف إطلاق النار الذي تحقق في الأشهر القليلة الماضية في شمال غربي البلاد، بالتفاهم مع أنقرة، كان ثمرة هذا التعاون الروسي الأميركي ولو أن أنقرة كانت الموقعة والمشرفة عليه. فتركيا تبقى في المحصلة، على الرغم من خلافاتها في الحسابات الاستراتيجية العالمية مع الغرب، شريكة له إن لم تكن جزءا منه.
هكذا بعد أن كان الإصرار على وجود الأسد الورقة الرابحة في يد موسكو خلال السنوات التسع الماضية. وبالتلويح الدائم بها، والإصرار على تأكيد شرعية الأسد وحقه في البقاء في السلطة، وترشيح نفسه لأي ولايةٍ قادمة، عطلت روسيا قرارات الأمم المتحدة جميعا، ومعها أي تسوية سياسية في سورية، وبقاء الأسد يعني استمرار نظامه، أصبح الآن التخلي عن الأسد، أو الإعلان عن الاستعداد للتخلي عنه، هو الورقة الأهم في الاستراتيجية الروسية للخروج من المستنقع السوري الآسن. وربما يصبح بعد فترة، إذا لم تنجح في تسويق ترحيله، إلى عبء مكلف وعقبة في طريق التوصل إلى تسوية روسية دولية، بدل أن يكون ورقة ضغط رابحة.
هل يعني ذلك أن الأمور استوت، كما نقول بالعامية، وإن طبخة التسوية للحرب السورية الإقليمية والدولية قد وضعت على نار حامية، ولم يبق لنا إلا انتظار الحل؟
سوف أحاول في مقال قادم أن أقول لماذا لا يزال من المبكر لنا أن “نضع أقدامنا في ماء بارد”، أو تردد كما كانت تفعل بثينة شعبان “خلصت”، فلا يكفي الاستعداد الروسي للبحث في حل، حتى يصبح الحل جاهزا. ينبغي أن نعرف فيما إذا طرأت تغيرات إيجابية أيضا في هذا السياق على مقاربات الأطراف الأخرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وتركيا وإيران، وما هي مشاريعها المقبلة لسورية، وهل تتفق مع الرؤية الروسية لما بعد الأسد، وهل لديها الاستعداد للمساهمة في بناء “السلام الروسي” في سورية. ثم إنه لا ينبغي علينا الاستهتار بالإرث الثقيل الكارثي لحكم الأسد الطويل، فليس الأسد نفسه سوى السدادة التي ما إن تنتزع من مكانها حتى تنفر إلى السطح مياه المجارير القذرة المتراكمة منذ عقود، وتفوح الروائح الكريهة الصعبة الاحتمال. وما لم يكن لدى موسكو الاستعداد والوسائل لمعالجة هذه المياه القذرة، والكثير من المعقمات والكمّامات، سوف تجد نفسها غارقةً، من رأسها حتى أخمص قدميها، في مستنقعها الآسن. لكن ما هو أهم من ذلك هو تلمس فيما إذا كان تغيّر المقاربة الروسية يفتح للمعارضة والنشطاء السوريين آفاقا ما لاستعادة روح العمل والمبادرة.
العربي الجديد
—————————
في الوحل السوري/ ميشيل كيلو
دار في الأسبوع الأخير حوار صامت بين سوريين وأصحاب أقلام نظيفة عن علاقة روسيا بإيران، ووضع موسكو في سورية. هذه المقالة مكرّسة لوضع روسيا التي يميل كثيرون إلى اعتبارها قوةً يمكنها فعل ما تريده في سورية، لأنها تضع الجميع أمام ميزان قوىً لا يجاريها فيه أحد، لأنها سبقتهم إلى المعركة، وفرضت قانونها عليها، وليس لهم، أو للشعب السوري، غير الرضوخ لإرادتها، ناهيك عن التصدّي لها وإفشال مراميها.
ليس هذا الانطباع صحيحا لأسباب محلية ودولية، أولها تذبذب مواقف النظام الأسدي الذي أنقذته موسكو، وقيل دوما إنه صار كالخاتم في أصبع بوتين، لكنه شاع فجأة أنه يرفض الاستجابة لثلاثة مطالب روسية: الانتقال السياسي، والدستور، وانتخابات الرئاسة، التي التزمت موسكو بتنفيذها، بعد فشل خطتها الأصلية التي أعلنتها بالتزامن مع غزو سورية، وتمثلت في تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ مرجعيتها بشار الأسد، تعني إقامتها نسف بيان جنيف وخطته للحل، وإلا فالسحق والطحن بالقوة الجوفضائية والحل العسكري، الذي توقف من دون رد كل شبر من سورية إلى سفاحها، وها هي تعهدات الرئيس الروسي بوتين المتكرّرة لم تُعده إلى أكثر من 60% منها، بينما أعلن قبول الوجود التركي في إدلب ومنطقتها. ومع أن بوتين لم يعلن عجزه عن إخراج واشنطن من شرق الفرات، فإن معظم السوريين يعرفون أنه عاجز، وعاجز كذلك عن منع إيران من اختراق السلطة والمجتمع، وإتاحة فرص تلاعب ومناورات حقيقية لمن أنقذه الجوفضائيون الروس، وينتظرون أوامر الكرملين ليعلموا ما عليهم فعله، في حال اقتحم اللواء المتقاعد بهجت سليمان قاعدة حميميم ودمرها في نصف ساعة، كما كتب مهدّدا سيد الكرملين، إسهاما متواضعا منه في الحرب الكلامية التي نشبت بالواسطة بين الطرفين، وعلى السيد إيفيموف وقفها لتطوير العلاقات الروسية السورية التي ما كانت بحاجة إلى تطوير، لو كانت موسكو تقرّر في دمشق ما تريد ساعة تريد، ومسيطرةً على الأمور بالقدر الذي أوحت به بهدلة بشار في عقر داره، وكان هدفها، في اعتقادي، إيهام الروس بأن مغامرة ” قيصرهم” السورية نجحت وجعلته رئيس أول دولة أجنبية دسها في جيبه الخلفي.
بعد هذه “الإنجازات”، لنمنح الآن علامات لما يستطيعه “القيصر” الخلبي حيال القضايا التالية: إعادة الإعمار = صفر. النفط = صفر. قانون قيصر وتطبيقاته = صفر. المسألة الكردية = حوالي صفر. تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 ببنوده الثلاثة: دوليا = صفر، أسديا من 30% إلى 50%، بما أن موافقة الأسد لا تعني موافقة إيران، وموافقة إيران صعبة المنال. إدلب = صفر، لأن أميركا تعتبر اجتياحها تغييرا في التوازن الاستراتيجي معها في سورية. أما تركيا، فهي خصم وحكم، ولا شيء يعوّض خسارتها وتركها لواشنطن، من أجل ليبيا أيضا.
أخيرا، ماذا لو قال الأميركيون لبوتين: لندع الوضع الراهن على حاله من دون حل، ولتبق في وضعك الجوفضائي، ولتتفضل جنابك بإعادة إعمار مستعمرتك بالتعاون الودّي مع حليفتك المحبة إيران التي تصارعك على السلطة لتقلص حصتك منها، كما على الثروات والجغرافيا والسكان، بينما تنعم بمتاعبك الخاصة ببيع مواد روسيا الخام، وخصوصا نفطها، موردك الرئيس الذي يمكن أن يغريك نقص عائده بالتورّط في المشكلة الليبية، لتضاف إلى “إنجازاتك ” السورية التي ما أن أجريت كلمة الانتقال السياسي على لسانك، حتى هدّدك سفاح دمشق الذي أنقذته بتدمير حميميم على رأسك، فإن دبر أفيموف الأمور، وطوّر العلاقات، شمر عن ساعديك وابدأ ببناء ما دمرته، من دون أن تمتلك ما قد يخرجك من عجزك عن القيام بذلك.
ماذا يبقى لك، سيد بوتين، غير المشكلات مع الذي أنقذته، وحلفائك الإيرانيين، وأصدقائك الأتراك، وأوغاد واشنطن؟
العربي الجديد
——————————
إدلب مقابل طرابلس/ عمر قدور
واصل الجيش التركي تعزيز قواته في إدلب، مع إرسال رتلين جديدين من الآليات والأفراد خلال الأسبوع الأخير، بينما عاد الطيران الحربي الروسي إلى التحليق بكثافة في سماء المنطقة، ورافق تحليقه يوم الأربعاء الماضي انفجار عبوة أودت بحياة جندي تركي وتسببت بإصابة آخرين. من جهتها، كثفت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية على خط المواجهة من عديدها وعتادها، وسبق لتلك الميليشيات إظهار رغبتها في استمرار المعركة بخلاف التفاهم الروسي-التركي الذي فرض الهدنة على بشار الأسد وطهران.
الظروف الصعبة التي تمر بها بلدان ثلاثي أستانة، بسبب تضررها من فيروس كورونا، لا يبدو أنها ستنعكس إيجاباً على المدنيين في إدلب الذين لم يتعافوا بعد من آثار المعركة الأخيرة. وتعلم الأطراف المنخرطة في المعركة أن العالم الذي تجاهل مأساة أولئك المدنيين من قبل لن يتدخل في غمرة انشغال معظم الدول بالوباء المستفحل، بل إن القوى الدولية الأكبر هي التي أعاقت مشروع قرار أممي يدعو إلى هدنة عالمية وإلى التعاون الدولي لمكافحته.
صار من مألوف الصراع في سوريا أن تمهد الهدنة للمعركة اللاحقة، قسم من المعارك أتى وسيلة لتدوير مناطق النفوذ، والقسم الآخر يعبّر عن حاجة الأطراف المبادرة إلى الحرب. إذا كان هناك سابقاً ما يمنح بعض التفاؤل بالتفاهم الروسي-التركي الأخير فهو مجيئه من استنفاذ إمكانيات إعادة تقاسم الكعكة السورية؛ موسكو حصلت على القسم الأكبر جغرافياً، وأنقرة حصلت على المناطق التي تلبي مخاوفها من الأكراد، وواشنطن بقيت في المناطق الكافية لتحجيم تطلعات بقية الأطراف وعدم مرور تسوية لا تقبل بها.
الحاجة إلى الحرب لا تزال تجمع بين موسكو وطهران وتابعهما، كل منهم لحساباته الخاصة. لا يطمع بشار في تحقيق الانتصار، وقد حققت له موسكو وطهران تقريباً أقصى ما هو ممكن، وإدلب لن تضيف ثقلاً نوعياً أو اقتصادياً لما أُحرز من قبل. العبرة بالنسبة له هي في استمرار الحرب للتخلص من استحقاقات الاستقرار والسلام، وقد رأينا نموذجاً أولياً عن الانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرته، ورأينا أيضاً مطالبات موسكو وطهران له بديون مستحقة. الحرب المستمرة هي ما ينقذه من المطالبات الداخلية والخارجية، فيُسكت الداخل بذريعتها ويَسكت الخارج مؤقتاً لئلا يشوش على الاصطفاف المطلوب في المعركة.
طهران لا تملك بدورها سوى خيار الحرب، لأن قضم المزيد من الأراضي يضمن لميليشياتها سيطرة إضافية على الأرض، ويمنحها ثقلاً ضمن التنافس مع موسكو التي تحاشت حتى الآن الزج بقواتها على الأرض، ولم تنجح كما تأمل في تمكين نصيبها من قوات الأسد لتصبح القوة الأساسية، مثلاً الفيلق الخامس الذي ترعاه لم يصبح نداً لتشكيلات أخرى في قوات الأسد تدين لطهران بالولاء. في المناورة مع تل أبيب تحتاج طهران إلى مدّ نفوذها، وهذه رسالة لأنصار الثانية مفادها عدم نجاح الغارات الإسرائيلية المتكررة في إخراجها من سوريا، مثلما هي حاجة حقيقية لاكتساب مواقع إضافية في حال الاضطرار إلى الانسحاب بعيداً عن الحدود مع إسرائيل. السيطرة على إدلب تعطي إيران ثقلاً لا يُستهان به معطوفة على سيطرتها السابقة على حلب.
معظم التحليلات ينص على أن موسكو حققت النصر في سوريا، لكن ما حققته لا يرقى إلى الصورة التي دأبت دعاية الكرملين على ترويجها. صحيح أن بوتين منع سقوط بشار، وصحيح أن أية تسوية مستقبلية لن تكون ممكنة من دون موافقة موسكو وبما يضمن مصالحها المستدامة، إلا أن التوقف عند الحد الحالي يفضح عجز بوتين أمام قوتين أخريين هما أمريكا وتركيا، فوق ما يكشفه عن زيف الدعاية الروسية حول استعادة السيادة السورية. وإذا كانت الأهمية الاستراتيجية لسوريا بالنسبة لموسكو تفوق أهميتها الاقتصادية فهي على الأقل لا تريد منطقة نفوذ قاحلة تصبح عبئاً عليها، حيث تضع خريطة النفوذ الحالية معظم منابع الثروة خارج سيطرتها.
ربما يكون أحد بواعث الحملة الإعلامية الروسية على بشار، التي قادها إعلام طباخ بوتين قبل مدة، القول أن السياسة الروسية صائبة تماماً، والمشكلة تنحصر في فساد سلطته. ليس فساد بشار “الذي تعرفه جيداً” ما أفاقت عليه موسكو وأحرجها، وقد لا يكون ذلك الضغط للحصول على صفقات اقتصادية يمكن الحصول عليها بلا ضجيج، ربما ما حدث لا يتعدى النأي بالنفس عن التبعات الفادحة لنصر منقوص، من دون أن نستبعد استدراجاً خفياً لتسوية تنقذ موسكو ولا يتلهف إليها الغرب بما تتضمنه من عوائد مرتبطة بإعادة الإعمار.
العامل الضاغط على موسكو أتى هذه المرة من ليبيا، فقوات حكومة الوفاق حققت انتصارات ميدانية بدعم من السلاح التركي والمرتزقة السوريين الذين أرسلتهم أنقرة، ومنيت قوات حفتر بهزائم فادحة مع أسلحتها الروسية ومرتزقة فاغنر الروس ونظرائهم السوريين الذين جندتهم موسكو في أماكن سيطرتها السورية. لقد أصبحت معركة طرابلس مؤجلة في انتظار إمدادات أقوى من السلاح والمقاتلين، وبدأت طلائع الدعم حسبما كشفت واشنطن بوصول مقاتلات روسية إلى قواعد حفتر، بعد أن أُعيد طلاؤها للتمويه في سوريا. أظهرت الجولة الأخيرة من المعارك الليبية تفوق الطائرات التركية المسيَّرة على منظومات الصواريخ الروسية التي يستخدمها حفتر، فضلاً عن تعثر الطموح الروسي هناك، وهذا ما يصعب على بوتين قبوله من “الشريك” التركي على مبدأ فصل الملفات.
كأن الساحة السورية ليس فيها ما يكفي من التعقيد والتناقضات، ليضيف عليها الوضع الليبي المزيد. التعقيدات غير متصلة فقط بتشابك وتناقض المصالح الروسية والتركية هنا وهناك، لدينا أيضاً القوى الإقليمية المساندة لحفتر والمناهضة لسياسات أردوغان عموماً، وتلك القوى تتجه لربط الساحتين، وتحالفها مع موسكو في ليبيا بدأ ينسحب على مواقفها المعلنة من القضية السورية. من شبه المؤكد مثلاً أن دولاً خليجية تساهم في تمويل التدخل الروسي في ليبيا، ولا يُستبعد أن تدعم موسكو لفتح معركة إدلب رغم أنها قد لا تكسب مباشرة من صيغة “إدلب مقابل طرابلس”، ورغم أنها قد تخرج من ليبيا بلا مكاسب على الإطلاق كما خرجت من سوريا سابقاً. كأن إدلب تحديداً مجرد صندوق للرسائل الدموية، وهذا ما ينأى بها عن الحسم ويبقيها تحت النار في الوقت نفسه.
المدن
——————————–
روسيا تطالب بغنائم الحرب السورية:توسيع”ممتلكاتها”البرية والبحرية/ عقيل حسين
لم تمضِ سوى ثلاثة أيام على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تسمية سفير بلاده في دمشق، الاثنين، كممثل خاص له في سوريا، حتى أتبع هذه الخطوة بمرسوم رئاسي، يفوض فيه وزارتي الدفاع والخارجية العمل مع النظام من أجل الاستحواذ على مزيد من المواقع في سوريا.
ووافق بوتين، في المرسوم، على اقتراح الحكومة الروسية التفاوض مع النظام على “تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية للعسكريين الروس في سوريا” بما يسمح بتوسع الاتفاقية المبرمة في آب/أغسطس 2015، بين موسكو ودمشق، بشأن نشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سوريا.
الاستقرار والاستثمار
ومنذ اللحظة التي صدر فيها قرار ترقية السفير الروسي في دمشق الكسندر يمنموف، ورغم تعدد قراءات السوريين لهذا القرار، إلا أن الكثيرين منهم أكد على البعد الاقتصادي له، بالإضافة طبعاً إلى ما يعنيه ذلك من رفع مستوى الهيمنة الروسية على سوريا.
والواقع أنه من دون تحقيق مزيد من الهيمنة لا يمكن لموسكو إشباع نهم شركاتها الاقتصادية في سوريا التي تنتظر بحماس لحظة هدوء المدافع للانقضاض على الفرص الاستثمارية الموعودة، فالثاني، أي الاستقرار، شرط للأول، أي الاستثمار، خاصة مع وجود “الحليف اللدود” إيران من جهة، والمراوغة التي ما انفك النظام يمارسها في اللعب على حبلي حليفتيه طهران وموسكو من أجل دفع أي ضغوط قد تمارس عليه لتقديم تنازلات في ملف الحل الديبلوماسي من جهة ثانية، فهو لا يمانع في تقديم كل ما يطلب منه لهما، اقتصادياً وسيادياً بطبيعة الحال، لكن بشرط عدم المساس بسلطته على السوريين، كما هو واضح.
تنظر موسكو إلى الوضع في سوريا على أنه إستقر بشكل عام، وقد أعلنت أكثر من مرة، وإن بشكل غير رسمي، انتهاء العمليات العسكرية الكبرى فيها، وقد باتت تركز كل التفكير والجهد، حسب رأيي الكثيريين، في العمل على جني الثمار الاقتصادية لتدخلها العسكري المباشر إلى جانب النظام عام 2015، وهو ما يتطلب تكريس الاستقرار الذي فرضته مع تركيا بنجاح حتى الآن، رغم أن ذلك لا يبدو متسقاً مع هوى النظام ورغبات إيران.
السياسي والقانوني
تقول مصادر في المعارضة ل”المدن” إن أكثر من مئة موقع عسكري ومنشأة حيوية واقتصادية سورية تضع روسيا اليد عليها حتى ما قبل صدور مرسوم بوتين الأخير، وأن موسكو لم تكن بحاجة لتعديل البروتوكول الموقع بينها وبين النظام عام 2015 لكي تطلق العنان من أجل الاستحواذ على هذا الكم من المواقع والقواعد، لكنها اليوم تسعى لقوننة هذه الهيمنة بما يعزز من حضورها السوري داخلياً وخارجياً.
هذا ما يؤكد عليه الضابط المنشق عن النظام وعضو هيئة التفاوض المعارضة، العقيد عبد الجبار العكيدي، الذي يرى في تصريح ل”المدن”، أن روسيا بدأت تسرع من خطواتها من أجل جني المكاسب الاقتصادية لتدخلها العسكري في سوريا، وهذا يتطلب منها إسباغ الطابع القانوني الكامل على ما حققته وما تسعى إليه في هذا الصدد، ليس محلياً فقط، حيث عقود الآجار والاستثمار جميعها طويلة الأجل، بل وكذلك خارجياً، بحيث تعزز من موقعها التفاوضي مع الدول المتدخلة في الصراع السوري، سواء الولايات المتحدة أو تركيا أو حتى إيران، المنافسة لها على تقاسم الكعكة الاقتصادية السورية.
لكن إلى أي حد يمكن أن تنجح روسيا في قوننة هذه المكاسب وجعلها شرعية بالفعل؟ يرى القاضي حسين حمادة، وهو مستشار قانوني منشق عن النظام، أن ما ينطبق على أول عقد اقتصادي روسي في سوريا (عقد استثمار مرفأ طرطوس) ينطبق على المرسوم الأخير، والقاسم المشترك الأكبر بينهما هو البُطلان، بل إنه لا يمكن ايجاد صيغة قانونية للطموحات الاقتصادية في سوريا وفق منظومة القانون السوري الحالية.
وحسب حمادة، فإن المواد 14 و28 و128 تنص على عدم جواز استثمار أي من الأصول الثابتة (العقارات) المملوكة للدولة من قبل أي جهة أخرى، بينما يتحدث مرسوم بوتين الأخير عن التفاوض مع النظام من أجل توسيع ممتلكات روسيا في الأصول غير المنقولة (الثابتة) في سوريا.
كما أن القانون السوري لم يعرف عقد الاستثمار لكن الاجتهاد القضائي حدّد محل عقد الاستثمار الذي يشتمل على العدد اللازمة للتشغيل دون العقارات، لذا فإن أي عقد استثمار تشكل العقارات والأصول الثابتة جزءاً منه، يشكل من الناحية السياسية والدستورية والقانونية جريمة خيانة عظمى يتحملها رئيس الجمهورية وكل من ساهم معه في إبرام هذا العقد، كما يقول حمادة.
رقعة السيطرة
وإلى جانب قاعدتها الجوية الرئيسية في مطار حميميم بريف اللاذقية، ومرفأ طرطوس على ساحل البحر المتوسط، تشمل السيطرة الروسية عشرات المواقع العسكرية، مثل مجموعة ألوية الصواريخ في ريف دمشق، ومهبط المروحيات في ريف اللاذقية، واللواء 93 في ريف الرقة، بالإضافة طبعاً إلى النفوذ الكبير داخل بعض المؤسسات الأمنية والفرق التابعة لجيش النظام، خاصة الفرقة الثالثة والفرقة 25 المشكلة حديثاً، والفيلق الخامس كما هو معروف، بينما تحثّ موسكو الخطى مؤخراً لبسط السيطرة الكاملة على مطاري دير الزور والقامشلي.
أما اقتصادياً، ومع وقوع المناطق التي تضم ثروات سوريا الباطنية والزراعية في شمال شرق البلاد تحت سيطرة الولايات المتحدة، فإن الروس يكتفون على ما يبدو بالاستحواذ على حقول الفوسفات الغنية بريف تدمر، والاتجاه نحو القطاع السياحي وإعادة الإعمار، حيث تركز الشركات الروسية جهودها في هذين المجالين اللذين يتوقف النجاح فيهما على أمرين أساسيين:
الأول، استدامة الاستقرار العسكري وتجاوز المخاطر الأمنية. والثاني، احتواء الآثار السلبية المنتظرة لقانون العقوبات الأميركي المشدد “قيصر”، الذي من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ قبل 17 حزيزان/يونيو.
هذان الأمران يتطلبان وضع حد للقتال بين النظام والمعارضة، والانتقال لعملية دبلوماسية تفضي إلى انتقال سياسي حقيقي في سوريا، بالدرجة التي تكفي لنيل رضى الغرب والمعارضة، وبما يسمح بإطلاق عملية إعادة الإعمار، وهو التحدي الأكبر الذي سيواجه موسكو، المطلوب منها اجبار النظام على تقديم ما يكفي من تنازلات من أجل تحقيق ذلك.
المدن
———————————–
يفيموف في قصر الأسد لفرض الإذعان؟/ هدى أبو حلاوة
أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً بتعيين سفير روسيا لدى سوريا ألكسندر يفيموف “مبعوثاً خاصاً لرئيس الدولة الروسية لشؤون تطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية”.
لماذا، والرجل موجود في دمشق أساساً ومهمة تطوير العلاقات مع الدولة المضيفة تعد من بديهيات عمل أي سفير؟ من الواضح أن المرسوم يسلح السفير بعصا غليظة هي السلطة السيادية العليا، ولكنه لا يشير إلى المجال المحدد الذي سيستخدم فيه هذه السلطة، ما أشعل حمى التكهن والتحليل وحتى التنجيم في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وبرز بشكل خاص استحضار تجربة بول بريمر في العراق دون الالتفات إلى اختلاف السياقين السوري والعراقي واختلاف اللاعبين في الحالتين.
وإذ نؤكد أن أي تجربة تاريخية تكون فريدة من نوعها فإننا لا ننكر مشروعية عقد المقارنات بين التجربتين السورية والعراقية بعد هذا التعيين، وخصوصاً ما يتعلق بمنصب الممثل وصلاحياته والتشابه بين مجلس الحكم الذي أنشأه بريمر في العراق وما يجري تداوله من سيناريوهات لمجالس حكم سوريا.
وإذا كانت صلاحيات بريمر واضحة في أنها مطلقة إلا أن مرسوم تعيين يفيموف سكت عن صلاحياته ومهامه واكتفى بعبارة عامة ومبهمة عن تطوير العلاقات، تاركاً لقادم الأيام أن تكشف عن ذلك. أما الآن، وحتى نتلمس ماهية مهام الممثل الروسي لا بد أن ننطلق من سؤال أولي، ماذا تريد روسيا من سوريا؟
بدايةً، من المفيد الإشارة إلى الفارق الجوهري بين منظور النظام ومنظور الروس لمفاهيم الدولة والسلطة والمؤسسات، فالنظام لا يرى فيها سوى أدوات للاستمرار في الحكم ونهب الثروة، وربما يمكن تلخيص هذا المنظور في عبارتين “الأسد أو نحرق البلد” و”سوريا المفيدة”. بينما نظرة الروس محكومة بالأهداف السياسية وغير السياسية التي جعلتهم يغامرون بالتدخل العسكري المباشر التي لن نثقل على القارئ بالخوض فيها. الآن، مع هدوء الصراع المسلح والثبات النسبي لخطوط التماس تبدأ مرحلة روسية جديدة عنوانها “قطف الثمار” والفشل في هذه المرحلة لا يعني سوى تورط الروس في المستنقع.
في التحليل البراغماتي البارد، يعد التدخل الروسي استثماراً لا بد أن يُغل في المجالات الاقتصادية والأمنية العسكرية والسياسية الاستراتيجية التي يتوقف عليها نجاح التدخل، على المستوى الاقتصادي في هيئة معاملة تفضيلية للمؤسسات الاقتصادية الروسية في القطاعات الاقتصادية المختلفة كالفوسفات والمرافئ، وعلى المستوى العسكري في هيئة استمرار وقف الأعمال العدائية وضمان أمن ودوام القواعد العسكرية بل وتوسيعها كما أعلن الكرملين عن بدء التفاوض مع الحكومة السورية لاستحواذ منشآت عسكرية ومناطق بحرية، أما على المستوى السياسي الأهم فتتلخص المهمة في تحقيق الاستقرار مجرد الاستقرار، عندها يمكن القول بنجاح التدخل الروسي في سوريا بما يدعم طموح بوتين بالاعتراف بروسيا قطباً عالمياً.
ولكن رياح التطورات الفعلية والسياسات والإجراءات التي يقوم بها النظام تجري بما لا تشتهي السفن الروسية حيث وصل التدهور الاقتصادي القاع مع تعطل الإنتاج في كافة القطاعات ودمرت البنى التحتية وانهارت العملة وضرب الفقر والغلاء إلى حد المجاعة، فيما اغتنت حفنة من تجار الحرب الذين يشكلون الواجهة الاقتصادية للنظام في الالتفاف على العقوبات المفروضة عليه. وعلى الجانب السياسي تتآكل سلطة النظام نتيجة خضوعه لنفوذ داعميه الإيراني والروسي والتنافس الذي يشتد بينهما يوماً بعد يوم مع بروز مراكز قوى نمت سلطتها بفعل مساهمتها في الحرب، وأخيراً تصدع السلطة العائلية الحاكمة مع النزاع المعلن على المنهوبات بين الأسد ومخلوف.
وما زالت إجراءات التهدئة والمصالحات هشة وقابلة للعكس محفوفة بالمخاطر ويمكن أن تنفجر الأوضاع في عدة مناطق ضمنتها روسيا كالمنطقة الجنوبية نتيجة النهج المتوحش والمعتاد لأجهزة النظام الأمنية والعبث الإيراني بغرض التشويش على الترتيبات الروسية.
وتزداد الحالة تعقيداً مع الفساد الكبير المستشري في الدولة والمجتمع وانكشاف مستوى استغلال السلطة الممنوحة لرموز الفساد للسيطرة على اقتصاد البلد، بحيث بدا النظام على حقيقته طغمة دكتاتورية هدفها الحفاظ على السلطة لمراكمة الثروة وسرقة اللقمة من أفواه الجائعين.
إزاء ذلك من الطبيعي أن تشعر النخب السياسية والاقتصادية الروسية بالإحباط الذي عبر عنه سيل من الانتقادات التي تعرض لها النظام في الإعلام الروسي طال رأس النظام وصلاحيته وقدرته على الحكم، وأن تبادر الإدارة الروسية لمعالجة ما يمكن معالجته. ولكن المعالجة ليست رهناً بروسيا فقط التي تعلم أن دوران عجلة الاقتصاد يتطلب استثماراً ضخماً كدفعة أولية Kick Start الأمر الذي لا يمكن تأمينه إلا من الغرب والخليج وبالتالي هو رهن بالولايات المتحدة التي تستعد لتنفيذ قانون قيصر الذي يطال كل فرد أو كيان يدعم النظام وفي المقدمة روسيا وإيران ولبنان وبعض الدول العربية الأخرى وتركت بيد الرئيس إمكانية تجميده أو وقفه وجعلته مرهوناً بالقرار 2254 الذي صاغته الدبلوماسية الروسية والأمريكية معاً، ولم يتوقف الروس يوماً عن ترديد ضرورة تطبيقه كاملاً، كما يقر الروس بعدم استطاعتهم حل المسألة السورية لا بسبب الكلفة المالية التي يعجزون مع الإيرانيين عن تحملها بل أيضاً بسبب تعدد اللاعبين.
لا بد من الاتفاق مع الأمريكان على تنفيذ القرار، وذلك يحتاج حسب قول رمزي عزالدين رمزي المسؤول الأممي السابق إلى قيادة متعاونة حين يقول في مقاله الأخير “ولذلك فسيكون على روسيا تكثيف جهودها في دفع دمشق للانخراط بشكل أكثر جدية في أعمال اللجنة الدستورية بشكل خاص والتعاون في تنفيذ قرار مجلس الامن 2254 بشكل عام. هنا لا شك أن موسكو ستتطلع إلى قيادة سورية متعاونة”. وهنا بالضبط تكمن مهمة الممثل الروسي الجديد أي في تأمين إذعان النظام لتهيئة الملفات التمهيدية لتنفيذ القرار الأممي، وترتيب الملفات الاقتصادية والأمنية العسكرية والسياسية في سوريا، والتي تكتسب طابعاً استراتيجيا لدى الإدارة الروسية، يساعده على ذلك قربه من النظام سياسياً وخلفيته الاقتصادية. إن التهيئة لتنفيذ القرار تتطلب متابعة ميدانية لا تفي بها زيارات بوتين أو وزير دفاعه.
إن فهمنا لمهمة الممثل الروسي لا ينفي بطبيعة الحال ما يرافق هذا التعيين من معان أخرى منها واقع علاقة التبعية المباشرة التي تربط بين النظام والإدارة الروسية، وما يحمله هذا التعيين من تحجيم للأسد بمقتضى هذه العلاقة بالإضافة إلى توحيد جهود مراكز القوى الاقتصادية (يفغيني بريغوجين) والأمنية العسكرية (سيرغي شويغو) ووزارة الخارجية (سيرغي لافروف)، ضمن قناة مرجعية واحدة تحسبا لأي تعارض أو تباين فيما بينها. في جميع الأحوال يشير هذا التعيين إلى مرحلة جديدة نوعياً تجسد واقع السيطرة على المستوى السياسي في العلاقة الروسية السورية، وعلى أصحاب الشأن التحسب لذلك.
بروكار برس
———————————–
دلالات وأهداف التعيين الجديد للسفير الروسي/ بشار علي الحاج علي
تأتي خطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعيين السفير الروسي في دمشق أليكسندر يفيموف سفيرًا مفوضًا فوق العادة، “ممثلًا خاصًا للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية”، في مرحلة مهمة جدًا، وخاصة مع حالة الجمود السياسية والعسكرية، ومع عدم إمكانية المضي قدمًا في تطبيق الرؤية الروسية في حل القضية السورية استنادًا إلى ضرورة بسط (هيكل الدولة) على كامل الأراضي السورية، خاصة بعد الحملة الأخيرة في الشمال السوري وإدلب التي تصاعد فيها خطر الصدام والخروج عن السيطرة إلى حد المواجهة المباشرة بين تركيا وروسيا، والتي انتهت باحتوائها دون تحقيق أهدافها، وفي ظل ضغوط دولية لم ترضِ الطرفين الشريكين في أستانة وسوتشي.
لقد أصبح من الواضح عدم إمكانية تطبيق حل سياسي على الطريقة الروسية، كما في جمهورية الشيشان، بعد تصاعد حدة الانتقادات في وسائل الإعلام الروسية للنظام السوري وأركانه، ووصفه بالفاسد، والتلميح بأنّ الرئيس بوتين قد ضاق ذرعًا بالوضع، والحديث عن تغيير في الموقف الروسي من التمسك بالأسد، وترافق ذلك كلّه مع اقتراب موعد تطبيق القانون الأميركي الخاص بحماية المدنيين في سورية والمسمى بقانون قيصر (سيزر).
القانون المذكور الذي يفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه أفرادًا ومنظمات ودولًا، يبدأ تطبيقه فعليًا اعتبارًا من الأول من حزيران/ يونيو، ومعروف أن هذا القانون أقرّه الكونغرس الأميركي، بعد صدّ ورد، بعد أن كان حبيس أدراج الإدارة الأميركية منذ عهد باراك أوباما لأسباب لا مجال لذكرها هنا، حيث أقرت ميزانيته المالية من وزارة الخزانة الأميركية، بينما تقوم وزارة الخارجية على تنفيذه، ولا يخفى على متابعي الشأن السوري ملامح تأثيره على النظام وحلفائه، وتكمن أهمية هذا القانون في أنه يفوق بتأثيره قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من حيث إمكانية تطبيقه لكون مرجعيته دولة تمتلك أدوات تنفيذه من جهة، وتمتلك التأثير في الدول الأخرى للالتزام من جهة أخرى.
تضاف إلى ما سبق ملامح انهيار اقتصادي للنظام، وخلافات على المال المنهوب من قوت الشعب، وهذا يدل على يقين الطغمة الفاسدة في دمشق بانتهاء قدرتهم على الحكم مجددًا وشروعهم بالتقاسم والهروب.
وسط هذه المعطيات والظروف، لا بد من الحديث عن معنى الصفة الرسمية ودلالاتها:
السفير، السفير المفوض فوق العادة، الممثل الرئاسي
دبلوماسيًا، تُعيّن الدول ممثلًا لها في الدول الأخرى يسمّى سفيرًا، تكون مرجعيته وزارة الخارجية، وتكون صلاحياته محددة وعن طريق وزارة الخارجية، ويجب أن يرجع إلى الوزارة في القضايا المهمة.
في بعض الأحيان، تُعيّن الدول سفيرًا ذا صلاحيات واسعة أكثر من مرتبة سفير، يُسمى مفوضًا فوق العادة، وهنا يكون صاحب صلاحيات عالية جدًا، ويمكن أن يتصرف في أي قضية ثنائية دون الرجوع إلى الدولة، حتى لو أدى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
أما في ما يتعلق بتسميته ممثلًا خاصًا للرئيس، ففيها دلالة لأهمية العلاقة مع (الدولة) ولمكانة الشخص الذي تمّت تسميته، ولضرورة التواصل المباشر مع الرئاسة، وأيضًا لوجود قضية سياسية ذات أهمية كبرى.
في الأحوال العادية، يعود أمر تعيين السفير وتبديله لحكومته، وتقوم الدولة بعملية استمزاج الدولة المضيفة كإجراء (بروتوكولي) ولا يكون له تأثير مهم.
ما حدث في سورية ليس تعيين سفير جديد، بل تغيير الصفة ورفع نسبة الصلاحيات، وفي ظل وجود عسكري وارتهان لقرار النظام الحاكم، لا شك في أنّ هناك غاية روسية من التعيين.
إن روسيا، كما غيرها من القوى الفاعلة، تسعى لتعزيز دورها لتحقيق أهدافها ومصالحها والحفاظ على مكتسباتها، وفي سورية خطت خطوة مهمة جدًا لاتخاذ القرارات في سورية بسرعة دون انتظار الدورة المؤسساتية، وهذا دليل على مرحلة خطيرة من التطورات، التي يمكن أن تضاف إلى حالة التقاسم والصراع المخفي بين النفوذ الروسي والإيراني في أجهزة النظام، والمنافسة حقيقة واقعة وليست مجرد أقوال وتكهنات.
سوريًا، يمكن قراءة هذا التعيين كمؤشر على تغيير طبيعة الوظيفة – المهمة التي سيضطلع بها السفير، ولا سيّما أن يفيموف كان يشغل منصب سفير روسيا في دمشق، فهو ليس جديدًا بل تم توسيع صلاحياته وإضافة مهمات أخرى إليه، وأرى أنها تعني بداية مرحلة سياسية جديدة، هذه المرحلة تتطلب القرارت السريعة دون المرور بالدورة المؤسساتية لصنع القرار، وخاصة في روسيا بوتين، الذي يتصرف كقيصر.
يُقرأ هذا القرار أيضًا كرسالة من روسيا، كدولة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وذات حضور في الساحة الدولية، وليس فقط الحليف للنظام السوري، وهذه الرساله في سياق التطورات السياسية للحالة السورية.
إن المبعوث الرئاسي دبلوماسيًا هو سفير مفوض فوق العادة، لم تعد مرجعيته وزارة الخارجية الروسية فقط، ولا مقام الرئاسة الروسية، بل الرئيس بوتين شخصيًا، ولذلك دلالات واضحة على أولوية الملف السوري بالنسبة إلى بوتين أولًا، وعلى تطورات متوقعة قادمة ثانيًا، وهذه التطورات تحتاج إلى سرعة التواصل والقرار.
من جهة أخرى، إن وجود جهات روسية عدة تعمل في سورية، وهي بطبيعة الحال لا تتبع لوزارة الخارجية، وهي: الدفاع والاستخبارات، إضافة إلى قطاعات أخرى حكومية اقتصادية، يجعل من المنطقي تكييف الصلاحيات بما يتناسب مع تعدد هذه الجهات واختلاف مرجعياتها.
نرى دلالة واضحة على التمسك بشرعية الوجود الروسي، من خلال تعبير (تطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية)، وبهذا فهي خطوة شكلية لتأطير العمل في العلاقة مع النظام والجهات الروسية العاملة في الملف السوري ضمن قناة واحدة، مع انتهاء العمل العسكري باعتقادي، وأن هذا التغيير هو استمرار ورفع مستوى العلاقات بين روسيا وسورية، حيث إن الوجود الروسي حتى العسكري كان “شرعيًا”، والآن يتم تطوير العلاقات بين “البلدين”.
هذه الخطوة أتت لتجاوز الاستخفاف والإهمال الروسي خاصة لرأس السلطة الذي ساد في المرحلة الماضية، وليس من قبيل إعادة التعويم للأسد ونظامه، بل للإمساك بالورقة السورية أكثر في عملية المساومة والتفاوض مع القوى الدولية الأخرى، وكذلك مع الأطراف السورية استمرارًا لسياساتها من سلسلة اتفاقات (أستانة) و(سوتشي) وخفض التصعيد والتسويات، لتفرض واقعًا على القوى الدولية تجعلها المفاوض الرئيس في أي حل وفي كل القضايا المتعلقة بسورية، من المعتقلين إلى المهجّرين واللاجئين إلى ملف إعادة الإعمار.
يبدو أن الصيف السوري سيكون حارًا هذا العام، وسيحمل كثيرًا من الأحداث التي نتمنى أن تكون مفرحة للسوريين بعيدًا عن الخراب والدمار.
مركز حرمون
———————————-
سوريا: بعد تعيين مندوب سام… بوتين يوجه بسيطرة الجيش الروسي على مساحات برية وبحرية/ هبة محمد
في خطوة روسية جديدة بعد تعيين مندوب سام لموسكو في دمشق لإحكام قبضتها على مفاصل النظام والدولة في سوريا، ذكرت وكالة إنترفاكس نقلاً عن قرار حكومي روسي أمس، أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء محادثات مع دمشق بشأن تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع وصولهم البحري في سوريا، حسب رويترز. وتزامن ذلك مع خروج مظاهرة غاضبة في عفرين شمال سوريا لمطالبة السلطات التركية بالسيطرة على الانتهاكات بحق المواطنين والنازحين إليها بسبب الفلتان الأمني بين الفصائل المسلحة، ومنع تشتت قوتها بوجه انتهاكات النظام السوري وعدوانه.
وتملك روسيا منشأتين عسكريتين دائمتين في سوريا، هما قاعدة جوية في محافظة اللاذقية استخدمت لشن ضربات جوية على القوات المعارضة لرئيس النظام بشار الأسد، وقاعدة بحرية في طرطوس على البحر المتوسط. وروسيا حليف وثيق للأسد.
وأصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توجيهاً لوزارتي الخارجية والدفاع، من أجل تخصيص مزيد من العقارات والمساحات البحرية للجيش الروسي في سوريا. يذكر أن الحكومة الروسية ونظام دمشق وقعا اتفاقاً في 26 آب/أغسطس 2015 تضمن تخصيص قاعدة حميميم للطائرات الروسية والجنود الروس إلى أجل غير مسمى، دون دفع أجور لسوريا. كما تمتلك روسيا قاعدة طرطوس البحرية الساحلية في سوريا أيضاَ
من جهة أخرى رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، مظاهرة حاشدة خرجت في مدينة عفرين بعد ظهر أمس الجمعة، جابت أحياء المدينة وتوجهت نحو مقر السرايا السابق ومقر «والي عفرين» الحالي، وهتف المتظاهرون بشعارات طالبت «والي عفرين» بالتدخل للحد من الانتهاكات اليومية التي تُمارس بحق أبناء عفرين، والمهجرين المدنيين من باقي المحافظات السورية إلى المنطقة، وهتفوا بشعارات مطالبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخل لإخراج المقرات العسكرية التابعة لفصائل «الجيش الوطني» الموالي لتركيا، من الأحياء السكنية في المدينة.
يأتي ذلك عقب قتال دموي اندلع أمس بين مسلحين من «فرقة الحمزة» من جهة، ومسلحين من أبناء الغوطة الشرقية بمؤازرة بعض العناصر من الفصائل الأخرى، جراء قيام عنصر من «فرقة الحمزة» بقتل مهجّر من الغوطة الشرقية بعد رفضه إعطاءه مواد غذائية دون أن يدفع ثمنها، ليتطور الخلاف إلى عراك مسلح أسفر عن مقتل طفل من مهجري معرة النعمان، وطفل آخر لم تعرف هويته ما إذا كان مقاتلاً ضمن صفوف «فرقة الحمزة» أم مدنياً.
وبصرف النظر عن الأسباب المباشرة التي تندلع على إثرها المواجهات، هناك دوافع تحمل تفسيراً مشتركاً لها، كونها أحد مظاهر الفوضى الأمنية، تحدث عنها الخبير السياسي عبد الوهاب عاصي لـ«القدس العربي»، أبرزها «غياب المساءلة والمحاسبة بسبب عدم رغبة وقدرة القادة العسكريين على حوكمة الفصائل المسلحة، ولعدم وجود دور للمؤسسة القضائية، وتعدد المرجعيات القضائية لارتباطها بالفصائل المسلّحة. كما أن ضعف جهازي الأمن والشرطة العسكرية، له تأثير واضح، وذلك نتيجة شحّ الموارد من معدات وأموال وتدريبات وغيرها، وغياب الحوكمة والاستراتيجية المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية.
القدس العربي»
——————————
مرسوم بوتين لحيازة منشآت سورية: توسيع قواعد وتحصيل أتعاب/ أمين العاصي
لم تكتف موسكو بحدود وجودها المتعدد الأوجه في سورية والمتمثل بقاعدتين عسكريتين على الساحل السوري، إضافة إلى عشرات نقاط التمركز في أنحاء الجغرافيا السورية، حيث يسعى الروس للحصول على منشآت ومواقع برية ومائية إضافية في إطار اتفاق أبرموه في عام 2015 مع حكومة نظام بشار الأسد، الذي سمح بنشر القوات البرية والجوية والمنشآت العسكرية الروسية على الأراضي السورية، من أجل تجنيب هذا النظام سقوطا مدويا كان على وشك الحدوث في أواخر ذاك العام.
ويبدو التوجه الروسي الجديد، من خلال مرسوم الرئيس فلاديمير بوتين، استكمالا لسياسة روسيا في سورية، إذ يبدو أن موسكو تسعى من خلاله لتحقيق هدفين أساسيين، الأول توسيع نفوذها في سورية والتوجه خارج حدود منطقة الساحل، فيما يرتبط الهدف الثاني بتحصيل فاتورة تدخلها العسكري في سورية.
ويقرأ الباحث السياسي السوري حمزة مصطفى الخطوة الروسية “في اتجاهين مختلفين”؛ أولهما “أن الحملة الإعلامية الروسية غير المباشرة، التي استهدفت رأس النظام السوري، لم يكن دافعها التململ من الوضع بسورية بمقدار ما هو محاولة لتحصيل مكاسب ملموسة أكبر لتدخلها العسكري بعد 5 سنوات على حصوله”.
وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أنه وربما يكون العكس، بمعنى أن يكون جائرة ترضية لروسيا من قبل رأس النظام لضمان استمرار دعمها في مرحلة تشهد فيها الدائرة القريبة من الحكم في سورية بعض الاختلالات والانقسامات.
وأما القراءة الثانية التي ساقها حمزة فهي مرتبطة بالتطورات في الإقليم، وخاصة في ليبيا، حيث أشار إلى “أن روسيا تخطط عبر دعمها لخليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا، لبقاء استراتيجي في أفريقيا لملء الفراغ الذي خلفته دول استعمارية قديمة مثل فرنسا وإيطاليا، ولمواجهة الدور التركي المتنامي هناك وخاصة بعد الانتصارات الأخيرة”.
وتابع بالقول: وعليه ستكون قاعدة حميميم وميناء طرطوس نقطة الانطلاق الرئيسية على المستوى العملياتي واللوجستي لإنقاذ هذا الدور، وخاصة أن الطائرات الروسية، التي وصلت إلى قاعدة الجفرة الليبية مؤخرا، كانت قد انطلقت من روسيا إلى سورية قبل أن تصل إلى وجهتها الجديدة.
ويرى مراقبون أن المرسوم الجديد، الذي وقعه الرئيس الروسي كبرتوكول إضافي على اتفاق عام 2015، سيسمح لموسكو بالاستيلاء على مناطق أخرى في سورية غير منطقة الساحل في غرب البلاد، خاصة أن موسكو تسعى لإنشاء قاعدة كبرى في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، في سياق تنافس مع الجانب الأميركي لتعزيز الوجود في المنطقة الغنية بالثروات.
من جهته، يعتقد الكاتب السوري المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد أن موسكو “لم تسقط من حساباتها احتمال أن يحرك الأسد أو الإيرانيون المليشيات التابعة لهم لإزعاج الروس”، مضيفا في حديث مع “العربي الجديد” أن هذا يتطلب بالضرورة الحصول مساحات أمنية أوسع.
وأشار إلى أن “روسيا بحاجة لحل سياسي في سورية، ولكن النظام يتعنت، لذا ربما ستضطر لممارسة مزيد من الضغط عليه، لهذا تبرز الحاجة لتعزيز أمن قواعدها”، معربا عن اعتقاده بأن موسكو تريد أرضية قانونية من أجل إقامة قاعدة في محافظة الحسكة، وتحديدا في محيط مدينة القامشلي، وربما من خلال هذا البروتوكول تحقق غايتها.
من جهته، أوضح السفير السابق في السويد بسام العمادي، في منشور على صفحته بموقع التواصل “فيسبوك”، أنه مع استيلاء الروس على الساحل السوري “سيصبح التنقيب عن النفط على السواحل السورية حقا سياديا روسيا، ولن تستطيع سورية المطالبة بأي نسبة من النفط والغاز الذي سيستخرج”، وفق قوله.
وفي السياق، ترى المعارضة السورية أن الجانب الروسي يتصرف في سورية “تصرف المحتل”، الذي يريد وضع يده على كل مقدرات الدولة السورية، وفق يحيى العريضي، عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية. وأشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن النظام “يحاول الاحتيال على قانون قيصر الأميركي الذي سيدخل حيّز التنفيذ قريبا، من خلال وضع كل شيء بيد الروس”، مضيفا: أن النظام يتناسى أن العقوبات الأميركية وفق قانون قيصر ستطاوله مع داعميه.
وأعرب العريضي عن اعتقاده بأن الخطوة الروسية تأتي في عدة سياقات، منها الخشية من حدوث فراغ سياسي في سورية غير محسوب حسابه “لهذا تريد موسكو أن تكون جاهزة لسد هذا الفراغ في حال حدوثه”.
كما يضع العريضي الخطوة الروسية في سياق “تحصيل أتعاب نظير دعم النظام عسكريا وسياسيا طيلة سنوات”، مضيفا أن الروس يدركون محاولات النظام للمناورة بين أكثر من محور، ومنها الإيراني والإسرائيلي، وهو ما أقلق الروس ودفعهم إلى اتخاذ عدة خطوات منها تعيين سفيرهم في دمشق ممثلا خاصا للرئيس بوتين، والحصول على امتيازات جديدة في سورية.
وأشار العريضي إلى أنه “في ظل تبعثر الحالة السورية، تريد موسكو ألا يزاحمها طرف إقليمي أو دولي في السيطرة على مقدرات سورية”.
العربي الجديد
————————–
تغيير المحافظين..الأسد يذر الرماد في العيون
أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد، السبت، مجموعة تغييرات جديدة على صعيد المحافظيين، شملت محافظات السويداء والقنيطرة وحمص ودرعا والحسكة.
وأنهى الأسد تعيين عامر إبراهيم العشي كمحافظ للسويداء بعد أسبوعين من تعيينه في هذا المنصب، وكلف همام صادق دبيات محافظ القنيطرة سابقاً في مكانه، بينما تم تعيين طارق كريشاتي محافظاً للقنيطرة.
كما أسند الأسد منصب محافظ حمص لمعاون وزير السياحة السابق بسام بارسيك، خلفاً لممدوح البرازي الذي عُيّن في وقت سابق هذا الشهر وزيراً للتجارة الداخلية.
سلسلة التغييرات الجديدة شملت أيضاً تسمية مروان ابراهيم محافظاً لدرعا بدلاً من محمد الهنوس، وغسان خليل محافظاً للحسكة عوضاً عن جايز الموسي.
ومنذ بداية العام 2020 دأب الأسد على إجراء تغييرات محدودة في الجهاز الإداري للسلطة، شملت بعض الوزارات الخدمية ووكلاء فيها، بالإضافة إلى منصب رئيس الوزراء وبعض المحافظين.
ويهدف الأسد من هذا الإجراء أن يظهر وكأن النظام يعمل على تحسين الواقع الاقتصادي والخدمي المتدهور في مناطق سيطرة النظام، بينما ينظر إليه السوريون على أنه محاولة يائسة ل”ذر الرماد في العيون” لن يكون بوسعه إحداث تغيير حقيقي في ظل العجز الحكومي وتفشي الفساد واستنزاف الموارد التي باتت محدودة لصالح القطاعين العسكري والأمني.
————————–
بوتين يريد السيطرة على ما تبقى من المياه السورية
فوّض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع النظام السوري من أجل توسيع السيطرة الروسية على الأراضي والمياه السورية.
ونشر الكرملين مرسوماً رئاسياً الجمعة، ينص على الموافقة على اقتراح حكومة بلاده تسليم العسكريين الروس منشآت ومناطق بحرية إضافية في سوريا، بناء على البروتوكول رقم 1 الموقّع في آب/اغسطس 2015، والذي مهد للتدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا.
وأوكل المرسوم إلى وزارة الدفاع بالتعاون مع وزارة الخارجية “إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، والتوقيع عليه لدى التوصل إلى اتفاق بين الجانبين نيابة عن روسيا الاتحادية”.
ومن المتوقع أن يمهد المرسوم الجديد الطريق أمام روسيا للسيطرة على المزيد من المواقع والمنشآت المدنية والعسكرية في سوريا، إذ لا يعطي البروتوكل رقم 1 لعام 2015 الحق لموسكو سوى بالحصول على قاعدة بحرية وأخرى جوية وعدد محدود من المواقع البرية، وهو الأمر الذي تجاوزته روسيا عملياً حيث باتت تسيطر على نحو مئة موقع حيوي بما في ذلك حقول النفط والغاز والفوسفات إلى جانب القواعد العسكرية.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد عين، الاثنين، السفير الروسي في دمشق الكسندر يفيموف مبعوثاً رئيسياً خاصاً إلى سوريا، حيث رأى الكثير من المعارضين السوريين أنه قرار يهدف إلى توسيع النشاط الاقتصادي الروسي في سوريا.
————————–
روسيا ترتب أمورها في سوريا بالتنسيق مع إسرائيل وتركيا
الوجود الروسي في المتوسط لا يتعلق فقط بمجريات الحرب في ليبيا والأمر لا يقف عند النفوذ العسكري.
تعمل روسيا ما في وسعها لبسط نفوذها في سوريا على مدى بعيد، وخاصة تعميق وجودها العسكري في البحر المتوسط في سياق سباق دولي متسارع بعد اكتشاف فرص واعدة للغاز في هذه المنطقة البحرية.
وكانت وسائل إعلامية روسية نقلت أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء محادثات مع دمشق بشأن تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع وصولهم البحري في سوريا، في وقت يبدو الوجود العسكري الروسي المتعاظم هناك يلقى تفهّما تركيا وإسرائيليا في سياق تقاسم المصالح.
ويعتقد مراقبون أن الوجود الروسي في المتوسط لا يتعلق فقط بمجريات الحرب في ليبيا، وأنها قد تكون مسوغا إضافيا لزيادة النفوذ الروسي في منقطة تشهد أنشطة متعددة لقوى إقليمية ودولية، وأن الأمر لا يقف عند النفوذ العسكري.
ويقول معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن شركات الطاقة الروسية تتطلع إلى تجديد استثماراتها في قطاع الطاقة السوري وتوسيعها، لكنها لا تسعى إلى التنقيب عن احتياطيات النفط السورية المحدودة واستخراجها، فهي تختزن كميات هائلة، بل تحاول الاضطلاع بدور فاعل في إعادة إعمار البنية التحتية للنفط والغاز في سوريا وتشغيلها.
وتملك روسيا منشأتين عسكريتين دائمتين في سوريا هما قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية وقاعدة بحرية في طرطوس على البحر المتوسط. ويجري حديث عن أن روسيا أقامت قاعدة عسكرية جديدة على الحدود مع تركيا في سياق تنويع مراكز سيطرتها في سوريا.
وفي سبتمبر من العام الماضي أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن توسيع قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية السورية، مشيرة إلى أن 30 مقاتلة من طراز سوخوي وطائرة هليكوبتر موجودة في تلك القاعدة الجوية.
————————-
موسكو توسع نفوذها في سوريا.. هل بدأ تفعيل البند التاسع من الاتفاقية مع الأسد؟
في خطوة جديدة تدل على محاولة روسيا توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من بوابة سوريا، بعد سلسلة الهزائم المتتالية التي منيت بها قوات خليفة حفتر المدعوم من قبلها في ليبيا، قالت وسائل إعلام روسية إن الرئيس فلاديمير بوتين وافق على بروتوكول مرتبط بالاتفاقية الموقعة مع النظام السوري، يسمح للقوات الروسية باستلام منشآت جديدة لتوسيع نفوذها البحري على سواحل البحر المتوسط.
وذكر الموقع الإخباري لقناة روسيا اليوم أن بوتين وافق على اقتراح من الحكومة الروسية بشأن التوقيع على البرتوكول رقم واحد من الاتفاقية الموقعة في عام آب/أغسطس من عام 2015 ينص على “تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية” للاتفاقية المبرمة سابقًا بين موسكو ودمشق بشأن نشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سوريا، مما يؤكد رغبة الكرملين الشديدة بتوسيع نفوذه في الشرق الأوسط.
وأضاف الموقع بأن المرسوم أوكل لوزراة الدفاع بالتعاون مع وزارة الخارجية “إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، والتوقيع عليه لدى التوصل إلى اتفاق بين الجانبين نيابة عن روسيا الاتحادية”، وبحسب الموقع الناطق بلسان السياسة الخارجية للكرملين فإن المرسوم يسمح للوزارتين بإدخال “تغييرات لا تحمل طابعًا مبدئيًا” في مسودة البروتوكول التي صادقت عليها الحكومة الروسية.
وتأتي موافقة بوتين على البروتوكول رقم واحد من الاتفاقية بعد أقل من أسبوع على إصدار بوتين مرسومًا يقضي بتعيين السفير فوق العادة والمفوض الروسي لدى سوريا ألكسندر يفيموف “ممثلًا خاصًا للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية”، على أن يدخل المرسوم حيز التنفيذ اعتبارًا من تاريخ صدوره في 25 أيار/مايو الماضي.
واستند بوتين في موافقته للتوقيع على البروتوكول رقم واحد إلى البند التاسع الذي تضمنته الاتفاقية الموقع عليها مع النظام السوري، وينص البند التاسع من الاتفاقية على أنه “بناء على اتفاق بين الطرفين، بالإمكان تعديل هذا الاتفاق، وتسجل تلك التعديلات في بروتوكولات مستقلة”، فيما أشار البند العاشر إلى وجوب أن جميع “الخلافات الناشئة عن تنفيذ أو تفسير هذا الاتفاق يتم حلها من خلال المشاورات”، علمًا أن الاتفاقية مبرمة بين الطرفين لأجل غير مسمى.
وكانت روسيا قد وقعت في أب/أغسطس من عام 2015 اتفاقية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد تسمح لها بالتدخل عسكريًا في سوريا بدون أن تواجه أي ملاحقات قانونية من المجتمع الدولي مستقبلًا، وجاء توقيع الاتفاقية في وقت كانت قوات النظام تخسر فيه المزيد من المواقع التي تسيطر عليها، بما فيها محافظة إدلب بشكل كامل باستثناء بلدتي كفريا والفوعة، وسمح التدخل الروسي باستعادة النظام السوري لأكثر من 80 بالمائة من المساحة التي كان فقدها حتى نهاية العام عينه.
وتمتلك روسيا في الوقت الراهن قاعدتين عسكريتين دائمتين في سوريا بالقرب من سواحل البحر المتوسط، هما قاعدة حميميم الجوية التي استخدمتها مؤخرًا لتنفيذ أعنف هجوم بالطائرات المقاتلة على مدينة إدلب آخر المعاقل التي تتحصن فيها قوات المعارضة، وميناء طرطوس المطل على البحر المتوسط بعد تفعيلها لاتفاقية سابقة وقعها رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد مع الاتحاد السوفييتي، فضلًا عن تواجدها المكثف في منطقة البادية السورية حيثُ تتوزع حقول النفط والغاز الطبيعي، وانتشار الشرطة العسكرية والخبراء الروس سواء في مناطق سيطرة النظام السوري أو المناطق الحاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقرطية.
وفي تعليقه على مرسوم تعيين يفيموف في منصبه الجديد، اعتبر موقع المونيتور الأمريكي أن موسكو تريد من وراء هذا المنصب أمرين رئيسيين، أولهما مساعدة الكرملين على إيجاد التوازن الدبلوماسي والعسكري لفريق السياسة الخارجية الروسي الذي يشرف على سوريا، ومناقشة التسويات التي تتناولها المفاوضات مع تركيا وإسرائيل، أما السبب الثاني فإنه مرتبط بملف إعادة إعمار سوريا، حيثُ تريد موسكو الاستفادة من السنوات الخمس التي قضاها يفيموف كسفير لبلاده في الإمارات، عبر الاشتراك مع أبوظبي أحد أبرز حلفائها في المنطقة بإعادة بناء الاقتصاد السوري المتهالك.
وختم الموقع تقريره بالإشارة إلى أن يفيموف سيعمل من وراء منصبه الجديد على زيادة إحكام قبضة بوتين على الشؤون السورية وتعزيز دوره في إصدار الأحكام النهائية في القرارات الرئيسية، إضافة لرغبة بوتين بالحصول على وجهات نظر مختلفة حول الوضع في سوريا أو مسارات العمل المحتملة لروسيا فيها، مضيفًا بأن ذلك يجعل تفضيلات بوتين الشخصية هي العامل النهائي والأقل قابلية للتنبؤ في تحديد استراتيجية موسكو بشأن سوريا.
وكانت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” قد ذكرت ي بيان لها يوم الثلاثاء الماضي أن المقاتلات الروسية التي وصلت إلى ليبيا في وقت سابق، “انطلقت من قاعدة جوية في روسيا مرورًا بسوريا، حيث أعيد طلاؤها لإخفاء هويتها الروسية”، وأضافت القيادة في بيانها أن موسكو تحاول “بوضوح قلب الموازين العسكرية في ليبيا لصالحها”، كما فعلت سابقًا في سوريا، وذلك على خلفية هزائم قوات حفتر التي تلقتها أمام مقاتلي حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا.
ويوم الأربعاء، مدد الاتحاد الأوروبي لمدة عام واحد العقوبات الاقتصادية المفروضة على الأسد، ومجموعة من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، ورجال الأعمال والكيانات التجارية المصنفة ضمن الدائرة المقربة من الأسد، وأشار الاتحاد إلى أن تمديد العقوبات جاء بسبب “استمرار قمع (النظام السوري) للسكان المدنيين”، وشدد الاتحاد على التزامه “استخدام جميع الأدوات المتاحة تحت تصرفه من أجل حل سياسى للصراع من شأنه أن يفيد جميع السوريين ويضع حدًا للقمع المستمر”.
الترا صوت
————————-
روسيا تفعّل أدواتها السياسية في سوريا لقصور الحل العسكري
تعيين مبعوث خاص للكرملين يعزز تدخلاته في قرارات النظام السوري ويقيد حركة الأسد.
مؤشرات عدة توحي بتغير في الموقف الروسي حيال ما يجري في سوريا بدءا بتصويب وسائل إعلام مقربة من الكرملين على الرئيس بشار الأسد، وصولا إلى تعيين السفير لدى دمشق ألكسندر يفيموف مبعوثا خاصا، في خطوة من شأنها منح الأخير صلاحيات واسعة للتدخل في الشأنين السياسي والاقتصادي السوريَّيْن.
دمشق – شكل تعيين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسفير موسكو لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، ممثلاً رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات مع سوريا، مادة دسمة في الفترة الأخيرة، لاسيما وأن هذه الخطوة تأتي في سياق بوادر تؤشر على تغير في السياسات الروسية حيال الأزمة السورية التي طالت دون أفق يوحي بقرب إسدال الستار عنها.
ويعزز هذا التعيين صلاحيات السفير الروسي وتدخلاته في قرارات النظام السوري لاسيما ذات الأبعاد الاقتصادية، التي باتت تحتل الأولوية لدى موسكو مع اقتراب دخول قانون “قيصر” الأميركي حيز التنفيذ، وتنامي المخاوف من تفجر الأوضاع الاجتماعية.
ومن شأن قانون قيصر أو “سيزر” الذي سيجري تفعيله بداية يونيو المقبل أن يزيد من حجم الضغوط الاقتصادية على نظام الأسد، في ظل انهيار متسارع لقيمة الليرة السورية، وانفجار صراع بين الأخير وآل مخلوف الذين يمسكون بعصب الاقتصاد السوري.
وتخشى روسيا انهيار الإنجازات التي حققتها منذ تدخلها المباشر في سوريا عام 2015، وتريد تطعيم أدواتها العسكرية بأخرى سياسية فاعلة على الأرض بدل الاقتصار في كل مرة على إيفاد مسؤولين، إلى دمشق لتمرير رسائل إلى نظام بشار الأسد.
وشكك المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يحي العريضي في السبب الذي أعلنته موسكو عن تعيين يفيموف ألا وهو تعزيز العلاقات مع سوريا، متسائلا هل الطرفان في حاجة إلى المزيد من توثيق الروابط فيما موسكو تعد حامية النظام وداعمته الأساسية سواء من خلال مواقفها في الأمم المتحدة وتصديها لـ14 مشروع قرار يدين الأسد أو من خلال تدخلها العسكري المباشر لصالحه؟
وقال الدكتور العريضي إن الجانب الأكثر واقعية هو أن روسيا بلغت زاوية مستعصية مع هذا النظام المشلول داخليا في ظل اقتصاد منهار وتهتك اجتماعي لا يمكن ترميمه لاسيما مع اقتراب تنفيذ قانون قيصر، زد على ذلك الملفات الإجرامية التي تلاحقه بينها استخدامه الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين.
وأوضح المتحدث باسم الهيئة أن روسيا تدرك أن الاقتصار على الجانب العسكري فقط لا يستوي مع المتغيرات الجارية وبالتالي لا بد من تفعيل أدواتها السياسية والدبلوماسية في ظل تطلعها إلى نيل الحصة الأكبر من سوريا، وفرض حل سياسي يخدم مصالحها بالدرجة الأولى.
وظهرت في الفترة الأخيرة بوادر تململ من الكرملين تجاه الأسد ومواقفه غير المرنة بشأن الحل السياسي ومسايرته لإيران، فضلا عن فشله في ضبط الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرته، وتجلى هذا التململ من خلال الحملة التي قادتها وسائل إعلام مقربة من الكرملين على الرئيس السوري الذي اتهمته بالعجز.
وينظر إلى الموقف الروسي على أن الكرملين بات مقتنعا بضرورة تعديل سياساته، وعدم الاقتصار على الجانب العسكري الذي استوفى موجبات حضوره، وأن تعيين يفيموف سيعزز حضور موسكو السياسي في دمشق، وقد يشكل بشكل أو بآخر تقييدا لتحركات الأسد.
وقال الخبير في الشؤون الروسية محمود الحمزة إن تعيين يفيموف ينطوي على دلالات عميقة في ارتباط أساسا بالمرحلة المقبلة التي تتحضر لها روسيا داخل سوريا.
وأشار الخبير في تصريحات لـ”العرب إلى أن هذا ثالث مبعوث خاص إلى سوريا بعد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي أشرف على العديد من جولات التفاوض في ما يتعلق بمساري أستانة وجنيف ومدير قسم الشرق الأوسط في الخارجية الروسية سيرغي فرنشين.
وأوضح أن هذه من المرات النادرة التي تعين فيها موسكو مبعوثا خاصا في دولة ما (سبق وأن عينت مبعوثا لها لدى أوكرانيا)، في مؤشر واضح على احتلال سوريا الأولوية في الأجندة الخارجية لروسيا.
وسبق أن شغل ألكسندر يفيموف منصب سفير روسيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أن يجري نقله منذ نحو سنتين إلى دمشق، فيما بدا تحضيرا لهذه المرحلة، التي تراجع فيها الخيار العسكري بعد أن نجحت روسيا في قلب موازين القوى ميدانيا لصالح الأسد، من خلال استعادته لأكثر من نصف المساحة السورية، فيما تخضع الأجزاء المتبقية لاتفاقات خفض تصعيد بشكل معلن ومبطن.
ويرى الخبير في الشؤون الروسية محمود الحمزة أن “المرحلة الجديدة التي تقبل عليها سوريا تتطلب رؤية جديدة لاسيما في علاقة بالبعدين السياسي والاقتصادي، وبدل إرسال مسؤولين على غرار وزير الخارجية سيرجي لافروف أو وزير الدفاع سيرغي شويغو فإنه سيكون من العملي أكثر تعيين مبعوث خاص على اتصال مباشر بالقصر الجمهوري في دمشق لنقل الصورة بشكل أوضح للكرملين، أو لإرسال رسائل أو قرارات إلى نظام الأسد”.
ويلفت الخبير إلى أن المتغيرات الطارئة على الساحة السورية، وبروز غضب روسي حيال سياسات الأسد، ينذران بأن عمر الأخير في السلطة شارف على النهاية. ولا يستبعد وجود ترتيبات أميركية روسية إسرائيلية تقوم على تفعيل القرار الأممي 22/ 54 الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم معارضين وموالين للنظام.
العرب
——————————–
سريعاً قبل قيصر.. روسيا تطالب الأسد بمنشآت سورية إضافية
يبدو أن روسيا سوف ترد دينها على رئيس النظام السوري بشار الأسد بوتيرة أسرع مما كانت عليه من قبل، فقد أفادت وكالة إنترفاكس، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء محادثات مع سوريا لتسلم منشآت إضافية منها بحرية.
وفي إطار توسيع نفوذها شمال شرق سوريا، كان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد أفاد الخميس، بأن القوات الروسية أنشأت قاعدة جديدة في المالكية، تلك المنطقة المحاذية للحدود السورية التركية.
وكشف نقلا عن مصادر موثوقة، أن نحو 12 مصفحة روسية وصلت خلال الساعات الماضية إلى منطقة المالكية (ديريك)، وسط تحليق لمروحيتين روسيتين في أجواء المنطقة.
ووفق المعلومات، فإن القوات الروسية تعمدت إنشاء قاعدة لها في قرية قسر ديب شمال غرب المالكية على مقربة من الحدود السورية – التركية، حيث جرى وضع رادارات في إحدى مدارس القرية قبل أيام.
محاولة روسية لتفادي قانون قيصر!
بيد أن للإعلان دلالات أخرى، فروسيا تسعى جاهدة لكسب الوقت قبل تنفيذ قانون قيصر الأميركي، لأن القانون يشملها كذلك.
فبعد يومين، أي في الأول من يونيو/حزيران المقبل يدخل قانون “قيصر” الذي أقرّه الكونغرس الأميركي حيّز التنفيذ، وهو ينصّ على معاقبة كل من يقدّم الدعم للنظام السوري، ويُلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة لرئيس النظام بشار الأسد، وبالتأكيد بينها روسيا.
وتكمن أهمية القانون الذي صدر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ووقّع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 21 من ديسمبر/كانون الأول 2019، في أنه يضع كل اقتصاد النظام السوري تحت المجهر الأميركي، ما يُعرّض كل شركة أو كيان أو حتى أفراد من الداخل السوري أو من أي دولة خارجية للعقوبات إذا ما دخلوا في علاقات تجارية مع النظام أو قدّموا الدعم العسكري والمالي والتقني له منذ تاريخ توقيعه من قبل ترمب في ديسمبر العام الماضي وحتى الآن.
4 دفعات من العقوبات
ويأتي القانون على 4 دفعات من العقوبات، تبدأ اعتباراً من منتصف يوليو وتستمر حتى نهاية أغسطس/آب المقبل، وتتضمّن أسماء مسؤولين وشركات خاصة في سوريا ولبنان والعراق وإيران وروسيا.
كما لفت إلى “أن العقوبات ستشمل كيانات حزبية وشركات وأفرادا قدّموا الدعم الاقتصادي والسياسي للنظام السوري منذ تاريخ توقيعه قانون “قيصر” في 19 ديسمبر الفائت وحتى اليوم”.
وتعود تسميته باسم قانون “قيصر” إلى الضابط السوري المنشق عن النظام، والذي سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قتلوا تحت التعذيب، وأكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحتها، وأثارت الرأي العام العالمي حينها، وعُرضت في مجلس الشيوخ الأميركي.
فيما يعد هذا القانون استكمالاً لسياسة واشنطن في معاقبة النظام السوري والداعمين له بسبب جرائمه الوحشية ضد المدنيين الأبرياء منذ انطلاق الحرب في مارس/آذار 2011.
قيصر أميركا في وجه قيصر روسيا
ويختلف قانون “قيصر” عن العقوبات السابقة، لأنه يشمل كل من يتعامل مع النظام من داخل سوريا وخارجها، حتى إنه سيطال مواقع داخل الدولة على عكس العقوبات السابقة التي كانت تطال أفراداً محددين”.
وصدر قانون مشابه لـ”قيصر” عن الكونغرس الأميركي خاص بدولة نيكاراغوا، حيث فرض عقوبات على النظام، إلا أن مشاكل عديدة واجهت مرحلة تطبيقه، من هنا أنشأ الكونغرس فريقاً خاصاً بالقانون يضمّ أفراداً من دول يشملها “قيصر”، منهم اللبناني نزار زكا الذي كان معتقلاً في إيران بتهمة التجسس لصالح أميركا قبل أن يُطلق سراحه في العام الماضي.
العربية
—————————–
=======================
========================
تحديث 05 حزيران 2020
————————
بوتين إذ يضبط رامي مخلوف/ ساطع نور الدين
كان الرئيس فلاديمير بوتين وسيبقى رجل إستخبارات غامض، ولن يكون رجل دولة معلن، حتى ولو حكم روسيا خمسين عاماً..وحتى ولو بقي في سوريا مئة عام.
مرسومه الاخير الذي أعلن فيه، بشكل موارب ليس له مبرر، عزمه تعزيز الوجود العسكري الروسي على السواحل والاراضي السورية، يعبر عن شخصيته الاستخباراتية وسلوكه الأمني الذي يعتبر أن السياسة هي فن إثارة المفاجآت، والاستفسارات، والالتباسات، ما يضيع الخصوم ويشل قدرتهم على الرد.
المرسوم الرئاسي الروسي الصادر هذا الاسبوع، مازال يخضع للدرس في مختلف عواصم العالم التي تحاول تفكيك عناصر الحقيقة من الخداع، وتسأل عما يقصده بوتين من تلك الخطوة المفاجئة التي تبدو في الظاهر خارج التطور المنطقي للسياسة الروسية ، ولا للواقع السوري، ولا لأي منطق سياسي، أو حتى إستخباراتي.
التفسير الأقرب الى الصواب، هو أن بوتين شعر بالتشجيع من الاشارة الاميركية الاخيرة التي وجهها المبعوث الاميركي جيمس جيفري عندما قال في شهادة أمام الكونغرس، بصريح العبارة “أن واشنطن لم تطالب يوماً ولن تطالب أبداً بخروج القوات الروسية من سوريا التي تقيم علاقات مميزة مع روسيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً”..وهو موقف أميركي ثابت منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا في أيلول سبتمبر العام 2015، الذي قيل يومها أنه حصل مسبقاً على ضوء أخضر من واشنطن، ما زال سارياً حتى الآن، بدليل العمليات الجوية المنسقة في السماء السورية، والدوريات البرية المشتركة التي إفتتحت هذا الاسبوع في الشرق السوري، في خطوة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات بين الدولتين العظميين اللتين خاضتا حربا باردة أمتدت نحو نصف قرن.
وعليه، من المستحيل أن يوضع المرسوم الروسي الاخير في سياق المواجهة او المنافسة مع أميركا على منطقة نفوذ ليست في الاصل جذابة أو مغرية لأحد، مثل سوريا. بل هي بقعة فراغ قديم يسده الروس اليوم، بسهولة شديدة، وبلا أي منازع، لا في الغرب ولا في الشرق ولا حتى في الاقليم.. بل بمباركة دولية شبه إجماعية.
لكن هذا المنطق، لا يفسر سبب إصدار وإعلان المرسوم الروسي بتفويض وزارتي الدفاع والخارجية التفاوض مع الحكومة السورية على حصول القوات الروسية على المزيد من المواقع البحرية والبرية في سوريا. فالجمهور الروسي ليس مهتماً الى هذا الحد بتوسع بلادهم الخارجي وإكتسابها أراضٍ وسواحل إضافية شرقي البحر المتوسط، في ظل الصعوبات الاقتصادية الشديدة التي يواجهها والتي زادت جراء غزو كورونا الاخير.
في التقليد السياسي، كان يتوقع ان يعلن بوتين صراحة أنه قرر تعزيز الوجود العسكري الروسي وتوسيعه على الساحل وفي العمق السوريين، من دون أن يتعرض لأي إستنكار او إستهجان دولي، بل ربما الى بعض الاستغراب..كونه يستكمل مغامرة روسية غير مجزية في بلد تعمّه الفوضى ويحكمه الفراغ.
في العرف الدبلوماسي، كان يفترض ان يكلف بوتين وزارتيه ، الدفاع والخارجية، بشكل سري أو غير معلن رسميا، ببدء التفاوض مع النظام السوري على توسيع الوجود الروسي في سوريا، على أن يتم الاعلان عن الامر عندما يتم التوصل الى معاهدة جديدة تنظم العلاقات بين البلدين، ويجري الاحتفال العلني بالتوقيع والشروع في تنفيذ بنود تلك المعاهدة.
ما يقال عن أن مرسوم بوتين يهدف الى وضع الرئيس السوري بشار الاسد أمام الامر الواقع، يتعارض مع التقييم الروسي الفعلي للرئاسة السورية ولشخصية بشار الذي يفقد يوماً بعد يوم المزيد من صلاحياته الرئاسية. أما ما يتردد عن أن المرسوم يجسد تقاسم سوريا بين ساحل خاضع كلياً لنفوذ روسيا وبين برٍ خاضعٍ نهائياً لنفوذ إيران، فهو تقدير خيالي لا يمت بصلة لا الى الطموح الروسي ولا الى الانكفاء الايراني.
مع ذلك، فإن البحث ما زال مستمراً عن تفسير نهائي للمرسوم الاستخباراتي الروسي الذي لا يمكن أن يكون هدفه البعيد عسكرياً فقط، ولا بد أنه موجه أيضا الى بقية الاوليغارشيا الروسية التي تتوق الى تحصيل مغانم الحرب السورية قبل فوات الأوان.. وقبل أن تتاح لرامي مخلوف مثلا، فرصة المضي قدماً في تحدي النظامين، السوري والروسي على حد سواء.
المدن
———————-
روسيا كابوساً متوسطياً/ ممدوح الشيخ
أصبح حضور روسيا في الأنباء مقرونة بـ “البحر المتوسط” ظاهرة ملفتة، فالقوة التي خاضت خلال العصر الحديث منافساتٍ متعدّدة مع قوى إقليمية ودولية عديدة، للحصول على أكبر نفوذ ممكن في هذا الحوض الجغرافي، أصبحت، خلال سنوات قليلة، حاضرة في سورية وليبيا، حضور يهدّد توازنات القوى الإقليمية في شرق المتوسط المزدحم، فضلًا عن أهمية “تاريخية” وتأثير استراتيجي راهن يجعله أحد أهم البحار في العالم، ولعله الأهم. .. صحيحٌ أن العالم تغير على نحو جدّي باكتشاف ما سمي “العالم الجديد”، بعد أن ظل المتوسط عشرات القرون قلب العالم القديم وساحة الصراع الأكثر اشتعالاً بين المتشاطئين.
ومن الأمور المربكة في الوضع الذي يزداد تعقيدًا أن التفاهمات الغربية بشأنه تبدو أقل اتساقًا من أي وقت مضى، فعلى سبيل المثال، أخذت فرنسا قرارًا منفردًا (عن باقي الحلفاء الأوروبيين الكبار) بالتدخل العسكري، مع علمها التام أن تدخلها مترافق مع دخول روسي لا سابقة له، في دولةٍ تعاني هشاشة سكانية مزمنة (بالقياس إلى مساحتها)، وتمتد سواحلها على المتوسط امتدادًا كبيرًا، فضلًا عن كونها أكثر دول الشمال الأفريقي تواصلًا جغرافيًا مع أفريقيا جنوب الصحراء، بكل ما يمكن أن يحمله من مخاطر محتملة على الأمن الأوروبي.
وقد بدأ غياب الاتساق في الموقف الغربي من سورية، عندما تغلبت “الثارات التاريخية” مع الشرق/ الإسلام على كل ما يمكن أن يتصور أحد أنه تأثير إيجابي لقيم “الحداثة السياسية” التي كان يرجّح أن تجعل الغرب في صف المساهمة في إنجاح “التحول الديمقراطي العربي”، وامتد الرعب، فاقد البصيرة، من الملف السوري إلى نظيره الليبي. ولكن الوجود الروسي في ليبيا بدأ خلال فترة قصيرة يتحوّل من “مشكلة” إلى “كابوس” مع نقل طائرات روسية إلى قاعدة ليبية، ما قد يعني قرب دخول ليبيا: “جنة البراميل المتفجرة”!
والمخاطر في مثل هذا السيناريو أكبر بكثير. (ولا يعني التركيز على تقييم المخاطر إغفال حرمة الدماء، كل الدماء). أحد المخاطر الرئيسة ستكون خسارة روسيا ما يمكن أن تكون قد حققته من تقارب متعدّد المجالات مع روسيا، كالتنسيق في الملف السوري، واستمرار مشتريات السلاح التركية التي لا تريد روسيا خسارتها، والآفاق المستقبلية لمشروعات الغاز الروسية عبر تركيا. في الوقت نفسه، يعكس تضارب التصورات (والمصالح) بين روما وباريس في ليبيا مؤشرًا على التناقضات الغربية/ الغربية التي نجحت روسيا في التسلل من بين حدودها الشائكة لتصبح “كابوسًا متوسطيًا”. وهذا الكابوس جزء من تصور استراتيجي “بوتيني”، لا يخلو من حسّ مغامرة يبلغ الغاية في الخطورة، فهو بعد أزمة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم بالقوة، يستخدم الغاز سنواتٍ سلاحًا ضد أوروبا، ويقوم بعمليات قرصنة متلاحقة تستهدف تقويض الديمقراطيات الغربية، وتترافق تحرّكاته في ليبيا مع اتهامات ألمانية بالتجسس، ربما غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة.
والغرق في الحسابات قصيرة النظر المتصلة بمواجهة هذا الفصيل السياسي أو ذاك قد تجعل أوروبا بعد قليل في مواجهة وجود روسي/ خليجي على الشاطئ الجنوبي للمتوسط، يصعب التنبؤ بتداعياته المستقبلية، ففي نظم سياسية تنقلب سياساتها رأسًا على عقب بمجرّد خروج حاكم من المشهد، وحلول آخر محله، من غير المرغوب فيه أن يصبح هناك “مكوّن خليجي” بهذا الحجم في مكانٍ يتصف بهذا القدر من الحساسية لأوروبا. والحس التاريخي هنا يلعب دورًا فاصلًا في تحديد أفعال وردود أفعال: برلين وروما وباريس. وبالتالي، الخلافات الطافية على السطح، وإن بدت محدودة، إلا أنها في الحقيقة ممتدة الجذور في الأصول الثقافية للنظم السياسية الأكثر تأثيرًا في أوروبا. و”الكابوس الروسي” قد يساعد فرنسا وحلفاءها، على المدى القصير، لكنه على المديين، المتوسط والبعيد، قد يسفر عن نتائج غير متوقعة، وتحالفات “عدو عدوي صديقي” قد تثمر تقارب عواصم كانت لسنوات متباعدة، وما يحدث على محور الجزائر/ أنقرة، مجرد مثال.
وما تشهده سورية الآن من إعادة هيكلة قاسية لسيطرة الطائفة على الاقتصاد الوطني، لإفساح الطريق لنفوذ اقتصادي روسي، مجرد “عينة متواضعة” لما يمكن أن يتهدّد ثروة ليبيا النفطية في حال نجح النفوذ العسكري في تثبيت أقدامه في ليبيا.
العربي الجديد
—————————–
“قيصر” الأمريكي حلّ على سوريا فماذا عن “القيصر” الروسي؟/ رلى موفّق
تتطلّع بيروت بقلق إلى ما ينتظرها مع دخول قانون “قيصر” حيّز التنفيذ في غضون أيام. هذا القانون الذي أقره الكونغرس الأمريكي ووقعه الرئيس في كانون الأول/ديسمبر 2019 سيقضّ مضاجع كثيرين في لبنان، بدءاً من أركان السلطة مروراً بـ”حزب الله” وحلفائه وصولاً إلى اللبنانيين عموماً إذا ما تعاملوا مع النظام السوري بشكل مباشر أو غير مباشر.
قبل أسابيع، قدَّم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، مطالعة اقتصادية لحاجة لبنان إلى إعادة ترتيب العلاقات الرسمية مع النظام السوري. وبَّخ الحكومة، التي يديرها من الخلف، كيف أنها تطرق أبواب العالم للحصول على المساعدات وتذهب إلى صندوق النقد الدولي، بينما هناك طريق واضح وعقلاني: طريق بيروت – دمشق – بغداد الذي يتطلب عودة المياه السياسية إلى مجاريها مع نظام الأسد. اتّكأ على خطر الانهيار الاقتصادي وخطر المجاعة لمطالبة لبنان بالتوجه نحو الشرق بدل الغرب، والانخراط في محور إيران وامتداداته إلى روسيا والصين. نظّر بأن سوريا حاجة لبنانية، ورفع الصوت في وجه الدعوات لنشر قوات دولية على الحدود بين البلدين، بوصفها أحد أهداف حرب تموز/يوليو 2006، محذراً من “أن ذلك لا علاقة له بالاقتصاد أو منع التهريب، بل له علاقة بقوة الردع التي تحمي لبنان في مواجهة الأطماع الإسرائيلية”.
في خلفية المشهد، تحضر مفاعيل قانون “قيصر”. فـ”حزب الله” سيواجه مزيداً من الضغوط على الساحة اللبنانية، ومعه سيعيش حلفاؤه قلقاً مريعاً من أن تطالهم “العصا” الأمريكية. يقول الأستاذ في القانون الدولي د. أنطوان صفير إن قانون “قيصر” المخصص للمسألة السورية، ينص على “معاقبة كل من يقدّم أي مساعدة أو أي دعم أو أي تواصل مع النظام في سوريا. وهو يأتي في صيغة شاملة، بحيث لا يفرّق بين الشركات والأشخاص والدول والمؤسسات أو المنظمات غير الحكومية، وما سواها. وعليه، ستقع تحت طائلته دول ومنظمات ومؤسسات وتجّار وشركات وبنوك تتعامل مع النظام السوري بشكل مباشر أو غير مباشر. وعندما نتكلم عن معونة أو عن دعم، فذلك يشمل ما هو مالي ومصرفي وتجاري وعسكري”.
هذه القنوات المالية والمصرفية والتجارية والعسكرية مفتوحة بين البلدين بطرق مباشرة والتفافية. من هنا يُبدي كثير من الخبراء اقتناعاً بأنه ستكون للقانون تداعيات على لبنان. في رأي صفير أن “التداعيات على لبنان تأتي من بأب أن هناك أفرقاءً وشخصيات وتيارات وأحزاباً وتجّاراً ومصارف يتعاونون مع النظام السوري ويقدّمون له الدعم، ويتواصلون معه، أو يشكلون امتداداً لسياسته في لبنان”، لكنها أيضاً ستأتي “من باب أي تعاون مستقبلي ممكن أن يقوم بين الدولة اللبنانية والدولة السورية أو شركات، أو بين أحزاب لبنانية والدولة السورية، أو بين شخصيات لبنانية والدولة السورية”.
“قيصر” لبناني قيد الإعداد
وما سيضاعف من تعقيد الأمور على لبنان، ويُفاقم من المحاذير، وفق أستاذ القانون الدولي، وجود مشروع قانون آخر في الكونغرس الأمريكي يشبه قانون “قيصر” ولكن يتعلق بلبنان، أي أنه يقطع كل مساعدة، ويمنع الدعم الدولي، أي دعم المؤسسات الدولية والمنظمات الدولية والدول طبعاً، وهذا ما يُشكّل طبعاً حالة اختناق للبنان في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
في توصيف الخارجية الأمريكية، فإن القانون يرسل إشارة واضحة مفادها أنه لا ينبغي لأي طرف خارجي الدخول في أعمال مع هذا النظام أو أعمال تؤدّي إلى إثرائه. هذا يتناول بالطبع روسيا وإيران، لكنها أيضاً تدق جرس الإنذار للعراق ولبنان الواقعين تحت تأثير نفوذ طهران، وكذلك تُرسل رسائل ملطّفة إلى حلفائها الذين يحاول بعضهم مدّ يد العون إلى نظام الأسد لحسابات سياسية أخرى.
دور رئيسي لزكّا
أهمية القانون، كما يقول متابعون، تكمن في أنه جزء من المنظومة القانونية الأمريكية. وهناك آليات وفريق عمل متخصص، يُعرف بـفريق “قيصر”، بينه المعتقل السابق في إيران اللبناني -الأمريكي نزار زكا الذي كشف عن “وجود دفعات أربع من العقوبات ستطلق اعتباراً من منتصف تموز/يوليو وحتى نهاية آب/أغسطس تتضمّن أسماء مسؤولين وشركات خاصة في سوريا ولبنان والعراق وإيران وروسيا. وأن العقوبات ستشمل كيانات حزبية وشركات وأفراداً قدّموا الدعم الاقتصادي والسياسي للنظام السوري منذ تاريخ توقيعه في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي إلى اليوم”. ويلفت زكا إلى أن “قانون قيصر” يختلف عن العقوبات السابقة، لأنه يشمل كل من يتعامل مع النظام من داخل سوريا وخارجها، وسيطال مواقع داخل الدولة على عكس العقوبات السابقة التي كانت تطال أفراداً محددين.
لم يظن المصور السوري المنشق (يُعتقد أنه ينتمي لمنطقة حوران) الذي حمل صوره الـ55 ألفاً العائدة لـ11 ألف معتقل إلى العالم دليلاً دامغاً على جرائم حرب ارتكبتها منظومة الأسد التي سيطالها الحساب طال الزمن أو قصر، أن جهده السري سيكون بمثابة المقصلة التي لن تطال النظام السوري فحسب، بل دول المحور الداعم له والجماعات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي وفّرت له فرص “صموده” على مدى الأعوام الأخيرة.
وبهذا المعنى فإن قانون “قيصر” الأمريكي ستكون له مفاعيل إقليمية ضاغطة تلقي بأثقالها على لبنان، الذي غالباً ما اعتبر “الحديقة الخلفية” لسوريا التي عاندت طويلاً الاعتراف بـ”بلاد الأرز” كدولة وكيان وتفادت ترسيم الحدود “المفتوحة” بين البلدين.
وفي رأي دوائر مراقبة في بيروت أن قانون “قيصر” بقدر ما هو لمحاصرة النظام في سوريا ومنع الأوكسجين عنه وعزله، سيكون رسالة صارمة للبنان الذي أدى اختلال التوازن السياسي الداخلي فيه إلى قيام حكم (رئاسة وحكومة وبرلمان) يشكل امتداداً لـ”محور الممانعة”.
ولم يكن عابراً جنوح الحكم في لبنان في اتجاه التلويح الدائم بالحاجة إلى تطبيع العلاقة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تارة من بوابة النازحين وتارة أخرى عبر النافذة الاقتصادية في لحظة الانهيار المالي – المعيشي الذي تعانيه بيروت.
وغالباً ما شكّلت الدعوة للانفتاح على النظام السوري عنصر التماهي الرئيسي بين “حزب الله” وحليفه المسيحي، أي فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهو ما يأخذ بعداً “أيديولوجياً” من خلال المجاهرة بـ”المشرقية” كخيار لانتزاع لبنان من عروبته، وإلحاقه بمحور “تحالف الأقليات” الذي تتقاطع فيه أدوار إيران وروسيا.
ولم تكن هذه التوجهات الطاغية لدى حلفاء النظامين السوري والإيراني في بيروت مجرّد “نيات سياسية”، بل برزت ترجماتها الفعلية على شكل وقائع صادمة حين كشف النقاب أخيراً عن ان لبنان كان يُنفق منذ العام 2013 نحو 4 مليارات دولار على سلعة مدعومة (كالمحروقات) يتم تهريبها إلى سوريا مما حمّل الخزينة اللبنانية التي أصيبت بالخواء نحو 24 مليار دولار.
تداعيات “قيصر” لبنانياً
ويعتقد خبراء في السياسة والاقتصاد والقانون في بيروت أن المفاعيل اللبنانية لقانون “قيصر” ستأخذ أبعاداً بالغة التأثير، وفي مقدمها:
الانتقال من محاصرة “حزب الله” بالعقوبات ومحاولة خنقه وإضعاف اقتصاده الموازي في لبنان، إلى ميدان آخر قضائي من خلال الدعاوى التي قد ترفع ضده في المحافل الدولية والأمريكية لمشاركته في قمع ثورة الشعب اللبناني.
ولأن قانون “قيصر” سيتعاطى مع “حزب الله” كأحد الأطراف التي آزرت الجيش السوري في حربه ضد شعبه، فإنه من المرجح أن تتسع مروحة العقوبات الأمريكية لتطال حلفاء لـ”الحزب” من خارج البيئة الشيعية، وهو ما ألمح إليه أخيراً مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد شنكر.
وضع الحدود اللبنانية – السورية على الطاولة من زاوية الحاجة إلى وقف عمليات التهريب “الممنهجة” لتزويد نظام الأسد بمقومات الصمود، وسط “عين حمراء” دولية وأمريكية مردها إلى ما أصاب لبنان من انهيارات شكّل التهريب إلى سوريا أحد أسبابها، وما يصيب سوريا من خلال تطويل عمر نظام الأسد.
إخضاع لبنان لمعاينة دقيقة نتيجة أدوار بعض رجالاته وشركاته ومؤسساته في دعم النظام السوري بأشكال مموّهة، وإسقاط الأوهام في إمكان الرهان على المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا ودفع “فواتير سياسية” في معرض تقديم “أوراق اعتماد” لحلفاء الأسد في لبنان لهذه الغاية.
فمع دخول قانون “قيصر” حيّز التنفيذ أشياء كثيرة ستتغير في لبنان المسكون بصراع متعدد الأوجه منذ اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في شباط/فبراير العام 2005، وهو الصراع الذي لن يهدأ رغم صعوده حيناً وخفوته أحياناً، غير أن السؤال الذي يزداد وطأة في بيروت هو: كيف سيواجه “حزب الله” مفاعيل القانون الأمريكي الجديد وتداعياته؟
لن يرفع “حزب الله” الرايات البيض رغم براغماتيته التي تجعله يشعر بأنه الأرض السياسية تهتز تحت قدميه، ومن المرجح أن يمارس سياسة المزيد من الهروب إلى الأمام عبر السعي إلى تطويع الوقائع التي يصعب ترويضها، وتالياً فإن من المتوقع أن يأخذ لبنان إلى مزيد من العزلة عن المجتمعين العربي والدولي عبر جعله “غزة ثانية” ملحقة بالتعبير الذي دخل القاموس السياسي اللبناني حديثاً، أي “السوق المشرقية”.
بعد تسعة أعوام على الثورة “المذبوحة” في سوريا، جاء قانون “قيصر” كأحد أبرز المنعطفات في مسار الأزمة التي تحوّلت إقليمية – دولية بامتياز، وربما يضاهي تحوّلات كثيرة حصلت كاستخدام الكيماوي من قبل النظام والانفلاش المريب لـ”داعش” ودخول إيران وميليشياتها ومجيء الروس.
ها هي أمريكا ترمي بقانون “قيصر” في تحوّل لا بدّ من انتظار صداه لدى “قيصر” موسكو، فلاديمير بوتين الذي جعل من نفسه “مايسترو” الملف السوري!
القدس العربي
—————————-
الأسد/ حفتر: محور “المتعوس وخايب الرجا”/ صبحي حديدي
ثمة بُعد في الحرب الأهلية الليبية الراهنة لا تُسلّط عليه أضواء كافية، هو علاقة رأس النظام السوري بشار الأسد مع المشير المتقاعد خليفة حفتر قائد ما يُسمى “الجيش الوطني الليبي”. وابتداءً من مطلع آذار (مارس) الماضي، حين ضغط حفتر على سلطة بنغازي لإعادة افتتاح سفارة ليبية في دمشق ظلت مغلقة منذ 2012، يضطرد التعاون بين النظام السوري وأجهزة حفتر ويتخذ صفة عسكرية أساساً، قوامها إرسال مرتزقة من ميليشيات قريبة من النظام، أو محسوبة على قوات سهيل الحسن تحديداً.
ومشروع المحور هذا يبدأ من قواسم مشتركة تجمع بين شخصيتًي الأسد وحفتر، سواء لجهة جنون العظمة واستسهال التدمير الأقصى للبلد وارتكاب جرائم الحرب، أو لجهة التبعية المطلقة للقوى الخارجية التى ترعى النظام وتسانده وتحمل عبء الإبقاء عليه. الأسد وريث أبيه، والمتابع لنظام الاستبداد والفساد الذي شيدته “الحركة التصحيحية” منذ العام 1970، المرتهن لإيران وميليشياتها المذهبية قبل ارتهانه إلى موسكو؛ وحفتر سليل نظام معمر القذافي وأحد ضباطه السابقين، المتدرّب لاحقاً لدى وكالة المخابرات المركزية، المرتهن اليوم إلى الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وموسكو.
قاسم مشترك ثانٍ هو الاتفاق على ملاقاة تركيا، العدو المشترك في شمال سوريا وفي جنوب العاصمة الليبية، خاصة بعد أن دخلت أنقرة طرفاً عسكرياً مباشراً في ردع زحف حفتر نحو طرابلس؛ فلم ترسل، بدورها، مرتزقة من فصائل سورية تعمل تحت إشرافها في جبهات “درع الفرات” و”نبع السلام” فحسب؛ بل أرسلت أيضاً طائرات “بيرقدار” المسيّرة التي رجّحت كفة الأجواء الليبية لصالح “حكومة الوفاق” وكبدّت قوات حفتر خسائر فادحة على الأرض، لم تقتصر على سقوط قاعدة الوطية الستراتيجية.
قاسم ثالث هو التطلع إلى أن يكون حفتر بوّابة إعادة تدوير النظام السوري لدى السعودية؛ بعد تطبيع مع نظام عبد الفتاح السيسي، اتخذ طابع الكواليس الخلفية والتعاون العسكري والأمني الوثيق؛ وتطبيع، معلَن هذه المرّة، مع الإمارات والبحرين تمثّل في إعادة افتتاح سفارتًي أبو ظبي والمنامة في دمشق. وهذه بوّابة بدت مشرَعة أصلاً منذ أن اختار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التأكيد على أنّ “بشار باقٍ”، ولكن “من مصلحة بشار ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يريدون”، و”من الأفضل أن يكون نظامه قوياً في سوريا، وهذا الأمر أيضاً سيكون إيجابياً بالنسبة لروسيا”.
موسكو هي القاسم المشترك الرابع، في مستوى التدخل العسكري الروسي المباشر لصالح الأسد وحفتر، وبالتالي خضوع الاثنين لسياسات الكرملين واشتراطاته، فضلاً عن استقبال المئات من مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية التي لا تخفى صلات صاحبها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً. وسوى سلسلة المطامح الروسية المختلفة في سوريا وليبيا، الجيو ــ سياسية والاقتصادية والاستثمارية على المدى البعيد، كانت موسكو تأمل في تحقيق تلك السيطرة الجوية الفريدة التي يمكن أن يؤمّنها القوس المتوسطي الممتدّ من مطار حميميم السوري إلى سواحل بنغازي الليبية.
ورغم هذه القواسم المشتركة الأربعة، وسواها مما هو أدنى مغزى، فإنّ محور الأسد/ حفتر يبدو اليوم في حال من العطالة والرثاثة والكساح، لا تتجلى في أحوال سوريا وليبيا الراهنة فقط، بل كذلك في تحوّلات مواقف الرعاة أنفسهم. ففي جبهة الأسد ثمة اقتصاد منهار أو شبه غائب، وتكالب لضباع الأسد/ مخلوف على ما تبقى من أشلاء النهب، وجيش مقسّم في جسوم إيرانية وروسية وميليشياتية، ونار متقدة تحت الرماد في سائر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتقريع مباشر وغير مباشر تمارسه موسكو، وجفاف للقطع الأجنبي كانت إيران سخية في توفيره. وأمّا في جبهة حفتر، فللمرء أن يحدّث ولا حرج: حول التفكك العسكري، والتخبط السياسي، وانقسامات أطراف الشمال، واضطرار الكرملين إلى نشر مقاتلات ميغ ــ 29 لتغطية سحب المرتزقة…
هو، في الخلاصة، مشهد يستدعي منطوق المثل الشعبي المصري الشهير، عن “متعوس” التقى مع “خايب الرجا”؛ فلا الأوّل أفاد، ولا الثاني استفاد!
القدس العربي
——————————
روسيا.. وقواعد اللعبة الجديدة في سوريا/ خيرالله خيرالله
كانت الصيغة المستخدمة في وسائل الإعلام الروسية الرسمية أن الرئيس فلاديمير بوتين “يأمر” بالتفاوض مع سوريا في شأن تسليم الجيش الروسي منشآت ومناطق بحرية إضافية، صيغة معبّرة إلى أبعد حدود. كانت معبّرة عن واقع سوري جديد يرفض كثيرون في المنطقة، على رأسهم إيران وأدواتها، أخذ العلم به. يسعى هؤلاء إلى الهرب من هذا الواقع!
يتمثّل هذا الواقع الجديد في وجود اتفاقات، أو على الأصح تفاهمات، محدّدة تجعل من روسيا وصيّا على سوريا التي عرفناها أو على ما بقي منها. قررت روسيا توسيع مناطق سيطرتها المباشرة في الأراضي السورية. سيكون لها ذلك. لن تترك روسيا أي مجال لوجود إيراني على طول الشاطئ السوري وذلك بغية تأكيد أنّ هناك من يسيطر على سوريا وعلى كيفية تحديد دورها في المنطقة بعيدا عن الطموحات الإيرانية.
يبدو واضحا أنّ هناك نوعا من التفاهم الروسي – الأميركي في شأن سوريا. هناك، إضافة إلى ذلك، مباركة أميركية لتفاهم روسي – تركي – إسرائيلي على مستقبل سوريا. يقوم هذا التفاهم على أن الوضع السوري لا يمكن أن يستمر كما كان عليه وأن لا مكان لإيران في سوريا. إذا كان هدف إيران دعم النظام الأقلّوي الذي يرمز إليه بشّار الأسد، فإنّ كلّ ما يمكن قوله الآن إن هذا النظام انفجر من داخل بدليل الانقسام بين فرعي العائلة، أي بين آل الأسد وآل مخلوف في ظلّ الخلاف القائم على استحواذ آل الأسد على كل الأموال التي يمتلكها رامي مخلوف. يصعب تقدير الحجم الفعلي لهذه الأموال كما يصعب تحديد من سيخرج منتصرا، علما أن الكفّة تميل إلى انتصار آل الأسد، فيما لا يمكن تجاهل أن لآل مخلوف وضعا مميّزا بين العلويين إضافة إلى أنّ رامي مخلوف استطاع إيجاد واجهات كثيرة تؤمن له حماية أمواله الموزّعة بين الخليج ودول أوروبية إضافة إلى روسيا وبعض الدول الدائرة في فلكها.
في كلّ الأحوال، لم يعد مفرّ من النظر إلى مستقبل سوريا من زاوية مختلفة هي زاوية التفاهم الروسي – الإسرائيلي – التركي الذي تباركه أميركا. تعود المباركة الأميركية إلى أسباب عدّة من بينها أن إدارة ترامب مهتمة أكثر من أي وقت بمشاكل داخلية أميركية في سنة انتخابية. الإدارة مهتمّة أيضا بوباء كورونا وتأثيره على الاقتصاد وبالنتائج التي ستترتّب على الاضطرابات التي تلت مقتل مواطن أسود في مينيابوليس كبرى مدن ولاية مينيسوتا.
هذا لا يعني في طبيعة الحال أنّ أميركا ستكون بعيدة عن الملفّ السوري الذي تعتبره جزءا لا يتجزّأ من الملف الإيراني. الدليل على مدى هذا الاهتمام الأميركي دخول “قانون قيصر” مرحلة أصبح فيها نافذا. القانون في غاية القساوة ويفرض عقوبات على النظام السوري وعلى كلّ من يتعاطى معه. لا شكّ أن على روسيا أن تأخذ هذا الأمر في الاعتبار نظرا أن الهدف الأساسي لـ”قانون قيصر” الحلول مكان قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث استطاعت روسيا والصين حماية النظام السوري طويلا عبر “الفيتو”.عطلت روسيا والصين بفضل استخدام “الفيتو” مشاريع قرارات عدّة طرحت على التصويت في الماضي.
من راهن على الوقت في سوريا، كان إسرائيل. كذلك فعلت تركيا التي فوتت كلّ الفرص التي أتيحت لها من أجل التدخل بطريقة تسمح لها بلعب دور إيجابي يحمي المواطنين السوريين. في مرحلة بداية الثورة السورية، تميّز الدور التركي بالسلبية. صحيح أن تركيا استقبلت مئات آلاف السوريين الهاربين من النظام وبطشه، لكنّ الصحيح أيضا أنّه مثلها مثل إسرائيل، راهنت على الاهتراء السوري وعلى الوصول إلى السنة 2021.
في منتصف 2021، سيجد بشّار الأسد صعوبة، حتّى في استخدام التزوير، كي يحصل على ولاية رئاسية جديدة. هذا على الأقلّ ما تؤكده التطورات التي تشهدها سوريا حيث أزمة اقتصادية حقيقية. جعلت الأزمة “حزب الله” ينتقل من مرحلة السعي إلى إنقاذ النظام عسكريا إلى مرحلة إنقاذ الاقتصاد السوري حتّى لو كان ذلك على حساب لبنان!
في انتظار منتصف 2021، تحاول روسيا تجميع أكبر عدد من الأوراق كي تكون في موقع صاحب القرار السوري. عندئذ، سيكتشف بشّار الأسد أنّه صار عاريا وأن إيران المفلسة لن تستطيع إنقاذه مجددا. في المقابل، سيطالب الرئيس بوتين بثمن الاستثمار الكبير الذي وظفته روسيا في سوريا، خصوصا منذ أيلول – سبتمبر 2015 عندما أرسلت طائراتها إلى قاعدة حميميم لمنع اجتياح المعارضة للساحل السوري والسيطرة عليه…
باختصار شديد، هناك لعبة جديدة في سوريا في ظلّ احتلال تركي لشريط حدودي في الشمال السوري ووضع يد إسرائيلية على الجولان المحتل منذ حزيران – يونيو 1967… أي منذ 53 عاما!
إلى أيّ حدّ سيصل التفاهم الأميركي – الروسي في شأن سوريا؟ هذا هو السؤال الكبير في ظلّ “قانون قيصر” الذي ستكون لديه مفاعيل رهيبة ليس في الداخل السوري فحسب، بل على كلّ من يريد التعاطي مع النظام السوري أيضا، بما في ذلك الشركات الروسية والصينية والأوروبية.
ليس صدفة أن يكون الرئيس الروسي “أمر” الجهات المعنية في بلده بالتفاوض من أجل توسيع الوجود الروسي في سوريا قبل أيّام قليلة من دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ. ليس صدفة أيضا أن يكون ذلك جاء في ظلّ تفاهم مع تركيا وإسرائيل ومباركة أميركية وفي وقت لم تعد إيران قادرة سوى على الاستعراضات غير المجدية من نوع إرسال وقود إيراني في خمس ناقلات إلى فنزويلا التي تمتلك أحد أكبر احتياطات النفط في العالم.
تغيّرت قواعد اللعبة في سوريا بعدما فوّت النظام كلّ الفرص التي أتيحت له من أجل إعادة تأهيل نفسه. توفي حافظ الأسد، مؤسس النظام السوري الحالي قبل عشرين عاما (يوم 10 حزيران – يونيو 2000). تدفع سوريا اليوم ثمن عجز بشّار الأسد عن إقامة علاقات عربية ودولية تخدم سوريا. فضّل أن تكون سوريا في الحضن الإيراني. ما نشهده اليوم تتويج لسلسلة من الإخفاقات جعلت قوى مختلفة، على رأسها روسيا، تفكّر في كيفية السيطرة على جزء من سوريا بعدما تأكّد أن الاحتلالين الإسرائيلي والتركي لن يزولا غدا أو بعد غد…
إعلامي لبناني
العرب
—————————–
ما بعد عائلة الأسد.. سوريا إلى أين؟/ بسام يوسف
عندما كان حافظ الأسد ينتهك القانون السوري من ألفه إلى يائه، بعد أن جعل من القضاء السوري محض واجهة، حتى إن أدنى عنصر مخابرات كان يمكنه أن يجرجر أكبر مرجع حقوقي وقضائي إلى أقبية السجون بلا أي سبب ومن دون أي تبرير، لم يكن يخجل أبدا من أن يخرج على السوريين مطالباً إياهم بأن ينظروا نظرة ازدراء إلى من يخالف قانون السير!
وعندما كان يعتقل من يقوم بفعل حقيقي من أجل الجولان السوري المحتل، وكان يحمي اتفاقه مع إسرائيل وحدودها بكل بسالة، لم يخجل أبدا من أن يخرج متبجحاً ليقول بعد إعلان إسرائيل قرار ضم الجولان عام 1981: أنه قادر على جعل الجولان في منتصف سوريا.
هكذا كان حافظ الأسد، وهكذا هو- ببساطة شديدة- مجرد كاذب يتقن إخفاء الحقيقة بشعارات تناقضها. وهو ذاته الذي في مقابلة أخرى، وعند سؤاله عن سوريا من دون حكمه ومن دون حكم البعث، كان قد أجاب بما يستحق التوقف عنده:
لن تكون هناك سوريا…!
واليوم، يكثر حديث السوريين- وغيرهم- عن مستقبل سوريا من دون عائلة الأسد، فهل من الممكن أن تغيب هذه العائلة عن حكم سوريا التي حكمتها ما يزيد على نصف قرن؟ وبالرغم من هذا السؤال، وبغض النظر عن اقتراب وقت هذا الرحيل أو تباعده، فإن السؤال الملح الذي يسأله السوريون اليوم كثيراً، هو:
سوريا إلى أين؟
إذاً، هل ستتحقق نتيجة حافظ الأسد التي قالها في جوابه ذاك، بأن سوريا لن تكون؟ أم أن هناك ما سوف يقوله السوريون، وهو بالضرورة يجب أن يناقض ما خططه حافظ الأسد وما عمله، إضافة إلى أنه يجب أن يناقض أيضا ما كرسه ابنه القاصر على الأرض، أقصد: دمار سوريا، ونهايتها؟
أما الأرقام التي تتناقلها جهات عديدة معنية بالشأن السوري، فهي تبعث إحساساً عميقاً بالصدمة، وتعمق يأساً قاتلاً، ففي هذه السورية لم تعد مفردة الكارثة كافية لوصف الحال الذي أوصلتنا إليه عائلة الضباع؛ لأن ما دمره حكم هذه العائلة ليس الدولة السورية فقط، ولا بنيتها التحتية فقط، ولا اقتصادها فقط، ولا نسيجها الاجتماعي فقط، لقد دمر- عن سابق تقصد وتعمد- ما هو أفدح بكثير، لقد دمر إمكانات نهوضها، ودمر ركائز بقائها، وفخخ مستقبلها بكوارث قابلة دائماً للانفجار في أي لحظة.
لن أعيد الحديث عن التقديرات الاقتصادية التي تتحدث عن حاجة سوريا إلى 600 مليار دولار لإعادة إعمارها، ولا الحديث عن تداعيات الظلم الاجتماعي الهائل الذي مورس على السوريين والذي سيلقي بظلاله الثقيلة على سوريا في عقودها القادمة، ولا الحديث عما يقارب مليون ضحية، وعشرات المجازر الوحشية، ومئات آلاف المعذبين حتى الموت، والمختفين في سجون هذه الطغمة. وفوق كل هذا يقوم بشار الأسد برهن سوريا واقتصادها لجهات خارجية عبر اتفاقيات مجحفة وقعها ليحمي كرسيه، رغم أنها تسلب الشعب السوري حريته وثرواته… إلخ.
ولكني سأحاول مقاربة مؤشرين فقط، وهما مؤشران شديدا الأهمية، مع أنهما لا يلقيان ما يكفي من الانتباه والاهتمام، وهما المؤشران اللذان ينشغل عنهما السوريون الغارقون في مواجهة الموت اليومي الذي يحاصرهم، واللذان لا بد أن يتكشفا ما إن يصمت زعيق الموت، وما إن ينجلي غبار هذه الحرب، فيتلمس السوريون بما يشبه الفاجعة، أن وجهاً آخر لا بد من مواجهته، ولا بد من دفع استحقاقاته، وهو الوجه الأشد قسوة لهذا الخراب الذي يعصف بسوريا.
المؤشر الأول، هو: التعليم، والذي أشارت دراسة أعدها “المركز السوري لبحوث السياسات” إلى فاجعة ستواجهها سوريا لعقود قادمة، يمكن تكثيفها بالعبارة الواردة في البحث:
“لقد ضاعت 24 مليون سنة دراسية على السوريين، وهذا يعقد فرص النهوض في المستقبل”.
نعم إن الكارثة هنا، كارثة ثلاثة ملايين طفل سوري خارج المدارس منذ سنوات، هذا يعني أن جيلاً قادماً سيشكل بنية القوة العاملة الأساس في سوريا، جيل سيعاني من نقص المهارات ونقص المعرفة، وفقر بالعلوم التي أصبحت اليوم محرك الاقتصاد الأهم، هذا إذا تجاهلنا- كمن يكذب على نفسه- أن هذا الجيل لن يعاني من عدم التعليم فقط، بل سيضاف إلى معاناته ما خلفته هذه الحرب، إضافة إلى آثار ظروف التشرد والفقر على بنيته النفسية.
وما يزيد هذه الكارثة الفادحة، هو: أن من يذهبون إلى المدارس في سوريا، ليسوا أحسن حالاً بكثير أيضاً؛ ففي سوريا هناك ستة مناهج تعليمية تدرس، وهي المناهج التي تفرضها القوة الحاكمة في كل منطقة، وهي مناهج تشوه الأطفال السوريين نفسياً وعقلياً؛ لأن الأيديولوجيا والدين هما اللذان تشكل مرجعياتهما الأساس، في الوقت الذي تغيب تماماً عن هذه المناهج أي معايير علمية أو نفسية أو حقوقية التي ليس أقلها حقوق الطفل.
أما المؤشر الثاني، فهو المؤشر الذي يشكل تحدياً كبيراً للسوريين في دولتهم القادمة، وهو ملف الإعاقة الذي ذكرته منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، في تقرير نشرته في شهر آذار عام 2018، وقد جاء فيه: أن في سوريا ما يزيد على مليون ونصف المليون إعاقة دائمة.
إذاً، كيف سيتمكن بلد مدمر بكامله، بلد يخرج مكلوماً من حرب طويلة، بلد منهوب الاقتصاد، وما تبقى منه مرهون لجهات خارجية، كيف سيتمكن من النهوض بأعباء مليون ونصف معاق على أقل تقدير؟
لا أدري إن كانت منظمة اليونيسيف قد لحظت في تقريرها الأمراض النفسية التي تسببت بها الحرب، والتي تصنف من ضمن الإعاقات أيضاً، وهي التي ترصد لها الدول ميزانيات ضخمة لمعالجتها، مع أن الأعداد لا يمكن مقارنتها- كيفما كانت- بأعداد الكارثة السورية.
إن ما أوصلنا إليه نصف قرن من حكم عائلة الأسد يفوق بكثير شعار “الأسد أو نحرق البلد”، لأنه قد يكون ترجمة غير دقيقة لجواب حافظ الأسد: لن تكون هناك سوريا. هذا الجواب الذي لم يتمكن حتى أتباع الأسد الممسوسين من استيعابه، ولا من مقاربته.
فهل- بعد هذا- سيتمكن السوريون، بعد أن يقتلعوا هذه العائلة المجرمة، من أن يقتلعوا ما خططته لسوريا ولهم، وأن يطووا صفحتها بكل ما فيها وبما يترتب عليها، وبكل ما تحمل كلمة طي من معنى؟
إنه سؤال برسم السوريين كلهم دون استثناء.
تلفزيون سوريا
—————————
موسكو في ليبيا: فوائد المختبر السوري/ سمير صالحة
تردد الأنباء الواردة من موسكو أن القيادة الروسية منزعجة من سلوك الأسد في دمشق الذي يسيء إلى صورتها في سوريا. نظام يقود دولة 80 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر وثلثا شعبها بين نازح ولاجىء ورأس النظام يهدي زوجته لوحة زيتية بقيمة 26 مليون يورو! هي تريد الاستفادة من الدروس السورية لتطبيقها في سياستها الليبية.
تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن الوضع في ليبيا آخذ في التدهور، وأن وقف إطلاق النار يتهاوى والمساعدة الخارجية لأطراف الصراع غيرت موازين القوى على الأرض، وأن بلادها على اتصال مع جميع أطراف الصراع وستصرعلى دعم الحل هناك بالوسائل الدبلوماسية. هكذا تلخص موسكو أبعاد وأهداف سياستها في التعامل مع الملف الليبي. هي لا تقول إن ليبيا بقيت لسنوات تحت سيطرتها وتريد استردادها في بقعة جغرافية بالغة الأهمية منفتحة على شمال أفريقيا وشرق المتوسط وتشكل صلة وصل بين العديد من الفرص والأزمات التي تسهل لها عمليات الاختراق والتوغل. زاخاروفا لا علم لها بوجود مرتزقة “فاغنر” وانتقالها أمام الأعين من الغرب الليبي إلى جنوبه بعد انكشاف أمرها ومحاصرتها في مطار مدينة بني وليد التي كانت تريد الانتقال منها إلى جبهات ترهونة لقلب التوازنات لصالح اللواء حفتر هناك.
هل لروسيا أي دور في عملية استهداف الدورية التركية قبل أيام في إدلب والتسبب في مقتل أحد الضباط الأتراك هناك؟ هل تحاول موسكو ومن خلال اتهام “التركستاني” استغلال هجمات من هذا النوع ضد تركيا لتضييق الخناق على التحرك التركي في ليبيا وتذكير أنقرة بحصتها هناك تحت غطاء تفعيل مطلب حسم مسألة وجود الجماعات المتطرفة والجهادية الذي يتقدم ببطء في شمال سوريا؟
توتر العلاقات التركية الروسية في ليبيا سينعكس حتما على علاقاتهما في سوريا. إرسال منظومة دفاع تركية من صناعة أميركية إلى منطقة إدلب قبل أيام أيضا رسالة قد تكون مشتركة بينهما إلى موسكو التي قررت تعزيز نفوذها السياسي في سوريا وفرض نفسها على كامل الملف من خلال تعيين السفير افيموف “مندوبا ساميا” لها هناك. لا فرق بالنسبة لأنقرة بين من يحاول الاصطفاف إقليميا ضد مصالحها في ليبيا عبر التخطيط لمهاجمة سفنها أمام السواحل الليبية مستخدما المرتزقة بتفاهمات إماراتية مصرية فرنسية وبين محاولة إخفاء هوية مجموعة من المقاتلات الروسية التي تشتريها الإمارات وتهديها إلى حفتر مع تعهد روسي بضمانة استخدامها في حال عجز الطيارين الليبيين الذين يدعمون حفتر عن ذلك.
عواصم غربية كثيرة بدأت تراجع مواقفها وسياساتها في التعامل مع الملف الليبي ومواقفها من حفتر الذي ارتمى في أحضان الروس. بعضها تحرك لإعلان تضامنه مع حكومة الوفاق والإشادة بالتحرك التركي في ليبيا الذي أعاد التوازن إلى الملف وحال دون أزمة إقليمية أكبر في شرق المتوسط وقطع الطريق على محاولة روسيا الهيمنة على الملف الليبي. تقديرات موقف أميركية تقول إن أي تنسيق أميركي روسي في سوريا وليبيا مستبعد في هذه المرحلة وأن تذكير المندوبة الأميركية في مجلس الأمن لموسكو بدورها ومسؤوليتها في قتل الأطفال الأبرياء هناك ليس عن عبث، وأن ما قاله الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القيادة الأميركية الأفريقية “روسيا تحاول قلب الموازين لصالحها في ليبيا مثلما رأيتها تفعل في سوريا”، وأعلنه قائد القوات الجوية الأميركية في القوات الجوية الأوروبية الجنرال جيف هاريجيان “إذا استولت روسيا على قاعدة على الساحل الليبي، فإن الخطوة المنطقية التالية هي نشر قدرات دائمة بعيدة المدى لمنع الوصول إلى أفريقيا” هو الملزم أميركيا اليوم.
واشنطن يهمها حتما توريط موسكو أكثر فأكثر في مستنقع ملفات المنطقة الساخنة. لكن هناك العديد من التحليلات التي ترى أن روسيا لن تتراجع بسهولة وأن تكون مسرحية سحب المرتزقة من محيط طرابلس مقدمة لإخلاء الساحة إفساحاً في المجال أمام الدول الداعمة لحفتر لشن حملة قصف جوي واسع على مناطق سيطرة قوات الوفاق.
موسكو تتطلع لكسب ليبيا في دائرة نفوذها الإقليمي في شمال أفريقيا وشرق المتوسط بسبب خطط الطاقة والتجارة والتمدد الاستراتيجي في مواجهة الأطلسي الذي نجح في اختراق حديقتها الخلفية في القوقاز والبلقان وسواحل البحر الأسود. كسب تركيا إلى جانبها هنا يحمل أهمية بالغة. وموسكو تراهن على دور مركزي في ليبيا يختلف عن دورها في سوريا. هي تريد جمع اللاعبين الإقليميين والدوليين من حولها على عكس ما تفعله في سوريا مستغلة التباعد والاصطفافات الإقليمية في ليبيا للعب دور الوسيط أو المسهل بين محاور عديدة تجمع الإمارات ومصر وأخرى تقرب بين تركيا وتونس والجزائر وقطر وتكتل غربي يمنحها هامشا واسعا من التحرك السياسي والدبلوماسي فهل يكون لها ما تريد؟
تركيا استفادت في ليبيا من أخطاء السياسة الروسية في سوريا. وموسكو تريد أن تفعل في ليبيا الشيء نفسه الذي فعلته تركيا في سوريا. لكن الواجب تذكره دائما هو العنصر الأميركي الذي يستطيع قلب كل المعادلات ويثبت ما نجح به في سوريا بتكراره في ليبيا. هناك كذلك مطلب وقوع المواجهة التركية الروسية في ليبيا الذي تريده بعض العواصم مثل القاهرة وأبو ظبي وأثينا وباريس في ليبيا. الهدف قد يكون أبعد من ذلك أيضا والإيقاع بين واشنطن وموسكو لتسهيل هيمنة هذه العواصم على المشهد الليبي. فهل تقع أنقرة في هذه المصيدة؟
هل التنسيق في ليبيا بعد الآن هو تركي روسي أم تركي أميركي خصوصا وأن البعض في واشنطن بدأ يتحدث عن ضرورة تزويد حكومة الوفاق بأنظمة صواريخ باتريوت ردا على إرسال المقاتلات الروسية إلى حفتر؟ أم أن واشنطن وموسكو لم يحسما بعد موقفهما في ليبيا وأن سيناريو التنسيق الأميركي الروسي في شرق الفرات وفي الملف الكردي ولعبة تقاسم النفوذ في سوريا وليبيا على حساب بقية اللاعبين ما زال قائما؟
بقي القليل وتتوضح السياسة الروسية في ليبيا مع من وضد من؟
———————————
«قيصران» في سوريا..
مرة جديدة تشابك خطوط المصالح الدولية في سوريا، فهذا البلد المضنى من الحرب يعيش حالة انتداب وصراع نفوذ هي الأكبر في تاريخه منذ انتهاء التواجد الفرنسي منتصف القرن الفائت، لتعود الهيمنة هذه المرة عبر مجموعة من اللاعبين الإقليمين والدوليين في اتفاقيات تتلاقى مرة وتتعارض فيما بينها مرات. روسيا اللاعب الأشرس منذ عام 2015 تسعى لاسترداد كامل الدين المترتب على بشار دفعه قبيل بدء تطبيق قانون “قيصر” الأميركي بعد أيام، فقد أفادت وكالة إنترفاكس، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء محادثات مع سوريا لتسلم منشآت إضافية منها بحرية. جاء الإعلان الروسي بعد ساعات قليلة من بلوغ القوات الروسية لأول مرة المثلث الحدودي السوري العراقي التركي وتوسيع نفوذها شمال شرق سوريا، بعدما أنشأت القوات الروسية قاعدة جديدة في المالكية. ونقلا عن مصادر موثوقة، وصلت خلال اليومين الماضيين نحو 12 مصفحة روسية خلال إلى منطقة المالكية (ديريك)، وسط تحليق لمروحيتين روسيتين في أجواء المنطقة. ووفق المعلومات، فإن القوات الروسية تعمدت إنشاء قاعدة لها في قرية قسر ديب شمال غرب المالكية على مقربة من الحدود السورية – التركية، حيث جرى وضع رادارات في إحدى مدارس القرية قبل أيام. إقرأ أيضاً: روسيا والتغيير في سوريا الالتفاف على قيصر واشنطن! يومان فقط على دخول “سيزر” أو ما يعرف بقانون قيصر حيز التنفيذ، القانون الأميركي الذي أقرّه الكونغرس الأميركي حيّز التنفيذ، وهو ينص على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويُلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة لرئيس النظام بشار الأسد، وبالتأكيد بينها روسيا. وتكمن أهمية القانون الذي صدر في 15 تشرين الثاني 2016، ووقّع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 21 من كانون الأول 2019، في أنه يضع كل اقتصاد النظام السوري تحت المجهر الأميركي، ما يُعرّض كل شركة أو كيان أو حتى أفراد من الداخل السوري أو من أي دولة خارجية للعقوبات إذا ما دخلوا في علاقات تجارية مع النظام أو قدموا الدعم العسكري والمالي والتقني له منذ تاريخ توقيعه من قبل ترمب في كانون الأول العام الماضي وحتى الآن. فهل تسعف الساعات المقبلة روسيا في كسب حصة أكبر من ما تبقى من الجغرافيا السورية وسط استهزاء المواليين بتسليم النظام مفاتيح البلد المتبقية لروسيا.
——————————–
سورية ما بعد الأسد
يمثل حكم الأسد الأب والابن في المعادلة السورية حقبة واحدة للنظام الحاكم الحالي في عقوده الخمسة منذ 1970، ثلاثون عاماً لحافظ الأسد وعشرون لوريثه بشار، وهو ما جعل تداخلات المعارضين والمناهضين للرئيسين الأسديين تتماهى مع بعضها، وترصّ صفوفها تحت عباءة الثورة، سواء كانوا من السوريين المنادين بالحرية والديمقراطية والمواطنة، أو من أيديولوجيات متعدّدة، ما وضع الثورة في متاهات الأجندات المختلفة، والمتخالفة فيما بينها، ولاحقاً وضعها في مواجهة بعضها بعضاً، فبعد أن أدركت بعض التنظيمات المسلحة (فصائل “إسلامية” إلى جانب تنظيمي جبهة النصرة وداعش) أن العمل المسلح الذي رافق الثورة مع أعوامها الأولى (الجيش الحر) قد يأخذها إلى مكان آخر، أو يحافظ على الأقل في استمرار شعاراتها الأساسية في الحرية والمواطنة الكاملة، وهو ما من شأنه أن يدعم التعاطف الدولي للعمل على تغيير شكل حكم الأسد وبنيته الحاليين، ويحقق مطالب السوريين، بما لا يتوافق وإرادة هذه التنظيمات في أن يكون كل طرف دخيل منهم هو البديل المحتمل لعائلة الأسد وأدواتها الأمنية، على الأقل في “المناطق المحررة”، بعد ذلك أعلنت هذه التنظيمات المسلحة الحرب على الجيش الحر، واستحوذت على مناطق وجوده، وهو ما كشف أجنداتها، وأجبرها على خلع قناع الثورة، والإعلان عن حقيقتها ومسمياتها وأجنداتها وإماراتها ودولة خلافتها، ما حرّر ثورة 2011 من الارتباط بهم.
ومن ذلك كله نتج المشهد السوري في شكله الداخلي المعقد، والذي هو ظلال أجندات خارجية غذّت مطامع الحالمين بسلطةٍ بديلة، وتوظيفهم في مد أمد الصراع وتشعيب انعكاساته، لإنتاج ما يمكن تسميتها فوضى المنطقة برمتها، وتجلّى المشهد عموماً في سورية ولبنان وفلسطين وليبيا واليمن، وصولاً إلى تركيا، مع فرق في تمظهراته التي بدأت بانقلاب فاشل، واستمرت بأشكالها الاقتصادية.
وبعد تسع سنوات من الصراع الدائر في سورية وعليها، وعديد التشكيلات المعارضة السياسية، من هيئة التنسيق الوطنية إلى المجلس الوطني إلى هيئة تفاوض “الرياض” مرورا بالائتلاف ومنصات المعارضة، القاهرة وموسكو وغيرهما، من التي طفت على السطح، وقدّمت نفسها ممثلة للمعارضة السورية أمام المجتمع الدولي، يجد السوريون أنفسهم أمام سيناريوهات تغذّيها أمنيات أكثر مما يدعمها الواقع، وترتب تفاصيلها مصالح الدول واتفاقاتهم المشتركة غير عابئين بإرادة السوريين. وتتساوى، في ذلك، كل الأطراف السورية من نظام ومعارضة ودخلاء، مع اختلاف في تحديد المنتصر على الركام السوري، فحيث يعلن النظام انتصاره تتسابق المعارضة في إعلان هزيمته، ما يجعل النقاش في العودة إلى تحديد سمات الواقع الحالي ضرورة لاستعادة واقعيتنا في ثورة تحط رحالها على مواجعها، ونظام يزفّ نبأ موته القريب.
على المعارضة، أي الكيانات التي تتأهب للفوز بما سينتج من فتات قرار مجلس الأمن 2254 أن تدرك أنها لم تنجح في مقاصدها، وأن الثورة في مسارها السياسي هزمت على يد معارضتها قبل هزيمتها على يد النظام، وهذا لا يعني أن الثورة بمعنييها، التاريخي القيمي والمستقبلي، قد انتهت.
والنظام لم ينتصر في هذا الصراع الذي اختاره منذ ما قبل الثورة، وحتى تحول الصراع من داخلي، أي نظام ضد معارضيه، إلى صراع مسلح متعدّد الأجندات، تحول فيه كل السوريين، بما فيهم النظام بجيشه، إلى مجرد أداة تنفيذية لقوى دولية ساندته بطلب منه (إيران وروسيا ومليشيات طائفية عديدة)، ما ينزع عنه صفة المنتصر القادر على فرض شروطه على طرف خاسر.
ومن هنا، نحن إزاء بلد مدمر في بنيته التحتية، ومنزوع السلطة الشرعية، أو على الأقل “ناقص السلطة الشرعية”، اعتماداً على وجود قرار يساوي بينه وبين كيان المعارضة الموفد إلى مباحثات جنيف دوليا. وتشوب البلد المشتت سياسياً منازعات مجتمعية وهوياتية، وحتى وجودية، وتحت وصايات دولية عسكرية عديدة من إيران وروسيا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا، وقبلهم جميعا الاحتلال الإسرائيلي.
إذاً في أي سيناريو واقعي يمكن استشرافه لا يمكن تجاهل ما سبق، أو القفز عنه، بمعنى أنه في إيماننا لا يمكن دوام الحال على ما هو عليه، فثمة نهاية لكل شيء، بمعنى أننا قد نكون على مشارف الفصل الأخير من الصراع المسلح الذي يدفع باتجاه البحث عن حل، ليس لإنهاء المأساة السورية الضاغطة، ولا لأن أطراف الصراع انحازوا إلى السلم المتبادل بينهم، بل لأن أدوات الصراع الدولية ترغب في وضع خاتمةٍ تناسبها، لما حمله هذا الصراع من عبء عليها، وحان أوان التخفف منه، وفي ضمنها أو في سياق رغبتها، يأتي الأمر في مصلحة عموم السوريين الذين أنهكتهم الحرب، أي حل يساير مصالح الدول الفاعلة من جهة، ويعيد بناء دولة جديدة بأجندة ووجه ووظيفة إقليمية مغايرة لما كانت عليه في عهدي الأب والأبن الأسديين.
بيد أن ذلك لا يعني بالضرورة رغبة روسيا (اللاعب الأكبر في سورية) إزاحة الأسد بين ليلة وضحاها، كما يراهن بعض المحللين لقراءات قرار تعيين مبعوث خاص رئاسي للرئيس الروسي في دمشق، وسبقتها مقالات النقد في الإعلام الروسي للأسد وزوجته وفساد النخبة الحاكمة في سورية، وتحميلها روايات عن خلاف رئاسي بين فلاديمير بوتين وبشار الأسد، فموسكو تدرك معنى منح الإدارة الأميركية لها كامل الحرية في لعب دور منفرد في سورية، ما يلقي عليها أعباء تنفيذ الحل المتفق عليه دولياً (القرار 2254)، ومن متطلباته الحالية توحيد جبهة النظام الداخلية المهترئة، والتي اتضحت معالمها في الخلافات العائلية بين رامي مخلوف أداة عائلة الأسد الاقتصادية وزوجة بشار الأسد الوجه الأنثوي لحكمه. وعلى ذلك، فإن مرجعية موسكو الحاضرة الآن في دمشق (المبعوث الرئاسي) بشكل دائم هي الأداة في صناعة موقف واحد في سورية من الاتفاقات التي تعقدها روسيا بشأن الملف السوري، والتي تسارع في تنفيذها للتقليل من حجم المنعكسات الكبيرة لقانون قيصر الأميركي. وهذا يعني بالضرورة إعادة الحياة للجنة صياغة الدستور، ومهمتها الانخراط بشكل فعلي ودائم في العملية السياسية في جنيف، وإلغاء المرجعيات الأمنية المتعدّدة التي أعاقت عملها في الجولة السابقة، فالحاجة إلى صياغة دستور جديد يهيئ سورية لمرحلة ما بعد الأسد، لا تعني بالضرورة فقدانه فرصه في المشهد المستقبلي، ولكن المشهد المرسوم لسورية ليس فيه سورية ما قبل 2011، وهي لن تكون سورية التي تحكم تفاصيلها دمشق العاصمة، أي أننا أمام خيارات التسويات الجراحية التي ستحز عميقاً في خريطة سورية الجغرافية والديمغرافية في آن معاً، مما قد يمهد للأسد أن يكون حاضراً في إحدى الزوايا ضمن السيناريو الروسي الذي يوضح معالمه ما سبق وقدموه في مسودة الدستور المطروحة للنقاش. وواقع الحال يوحي بانعدام فرص سورية المركزية، ليس فقط لجهة تعدّد الوصايات الدولية في المناطق الحدودية، ولكن بسبب البنية المجتمعية الممزّقة التي تحتاج أيضاً لإعادة صناعة مادتها الوطنية اللاصقة، وهي قد تمر بمراحل عديدة، قبل أن نتحدث عن مجتمع سوري واحد، وهو ما عمل عليه نظام الأسد من جهة الذي انتهج تأجيج الخلاف الطائفي منذ بدء الثورة، لتمزيق وحدة ضحايا سياساته الأمنية والاقتصادية، والانفراد بها مذهبياً وقومياً ومناطقياً، وفي سياقٍ هو ما اشتغلت عليه فصائل السلاح المشبوهة في مناطق حكمها من جهة ثانية، ما يستدعي وجود لجنة نظام دستورية تحت وصاية روسية، وتقابلها لجنة معارضة دستورية تحت وصاية أممية، تدخل في التفاصيل القانونية والإدارية والمؤسساتية بعيداً عن خطابات الوطنية الزائفة التي نفذت فرصها، وحان أوان سورية ما بعد نظام الأسد شكلاً وبنيةً.
—————————–
توجهات جديدة لموسكو في سوريا/ عروة خليفة
أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير، القاضي بترفيع سفير بلاده في دمشق، ألكسندر يفيموف، إلى مبعوث خاص للرئاسة في سوريا، عدداً كبيراً من التكهنات حول الدوافع التي تقف خلفه، ليأتي بعدها القرار الذي وقعه بوتين يوم الجمعة الماضي، والذي يسمح لوزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين بالتفاوض مع حكومة النظام لتوسيع مناطق وقواعد القوات الروسية البرية والبحرية في سوريا، تأكيداً على أن هناك نهجاً جديداً لموسكو في سوريا، عنوانه السعي إلى فرض سيطرتها التامة على النظام والمناطق التي يحكمها، بوصفها القوة المهيمنة بعد سنوات من توزيع تلك الهيمنة بينها وبين حليفتها إيران.
ويقضي قرار بوتين بتعيين يفيموف مبعوثاً رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات مع سوريا، ما يعني أنّ منصب المبعوث الخاص إلى سوريا لشؤون التسوية ما يزال موجوداً، لكنه أقل أهمية باعتبار أن المبعوث الجديد القاطن في دمشق يمتلك اتصالاً مباشراً مع بوتين، الذي يبدو أنه يسحب الملف السوري من يد وزارة الدفاع ومبعوث روسيا الخاص لشؤون التسوية ألكساندر لافرينتييف، المقرب من وزارة الدفاع والآتي من خلفية مخابراتية.
وقد طرأت عدة تحولات على طريقة إدارة موسكو للملف السوري خلال سنوات الثورة، يمكن رصدها من خلال المواقع والأشخاص الذين كانوا يتصدرون سياساتها فيما يخص بلادنا، فقد كان وزير الخارجية سيرغي لافروف يدير الملف السوري بمساعدة ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية ومبعوثه إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث أشرف الرجلان على اللقاءات الدبلوماسية المرتبطة بسوريا، وقادا الحملات السياسية المؤيدة للنظام السورية، كما أشرفا بشكل واضح على الدور الروسي في كامل العمليات السياسية الدولية منذ مؤتمر جنيف واحد عام 2012، لتظهر لاحقاً بصمتهما الواضحة على اتفاق تسليم السلاح الكيميائي، الذي جنّب النظام ضربة أميركية خلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعد المذبحة الكيماوية التي ارتكبها النظام في الغوطة الشرقية في شهر آب 2013.
مع بداية التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، أصبح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو تدريجياً هو المسؤول الأساسي عن الملف، أو المتصدر لتحركات موسكو بهذا الخصوص، لنشهد زياراته الخاصة إلى سوريا ولقاءاته ببشار الأسد التي تكررت دورياً منذ ذلك الحين. وقد أدارت وزارة الدفاع الروسية، من خلال وجودها العسكري المباشر في سوريا، عدة ملفات من بينها ملف المصالحات، الذي قام ضباط روس يتبعون قاعدة حميميم بالتدخل فيه وإدارته بشكل مباشر، بل والتفاوض نيابة عن النظام في عدد كبير من الأحيان كما حدث في القلمون الشرقي ودرعا وريف حمص الشمالي. وقد لعب وزير الدفاع الروسي الدور الأبرز في تلك المرحلة، ومعه المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون التسوية إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، الذي تصدر المقعد الروسي في مسار أستانا، باعتبارهما المشرفين المباشرين على توجه موسكو في البلاد، القاضي بدعم النظام عسكرياً لتحقيق انتصارات ميدانية غيرت المعادلة العسكرية في سوريا خلال عامي 2017 و2018.
ضمن هذا السياق، من غير المستبعد أبداً أن يكون تعيين يفيموف مبعوثاً خاصاً لبوتين في دمشق، علامة على تحول جديد في أدوات وطريقة تعامل روسيا وبوتين مع الوضع في سوريا، التي يواجه فيها النظام عدداً من التحديات الحيوية. وقد أثبتت الأزمات الاقتصادية المتوالية، والانهيارات في سعر صرف الليرة السورية، والتراجع في القدرة على تامين الحد الأدنى من المستلزمات الحيوية لعيش السكان، أنَّ قدرة نظام الأسد على إدارة البلاد قد تراجعت إلى مستويات خطيرة، وأنّ الانتصارات العسكرية التي وفرتها طائرات موسكو التي قصفت المدنيين في حلب والغوطة وحمص درعا، لن تستطيع توفير الخبز للسكان الذين يحكمهم بشار الأسد تحت ظلال تلك الطائرات. وفي ظل عدم قبول المجتمع الدولي بإعادة تعويم بشار الأسد، وعدم رغبته بتقديم أية مساعدات لحكومته المتورطة بجرائم حرب، ومع اقتراب بدء تطبيق قانون قيصر الذي يفرض عقوبات هي الأقسى على النظام وحلفائه، فإن التغيير أصبح ضرورياً للغاية في السياسة الروسية التي وصلت إلى طريق مسدود.
تعلم موسكو أيضاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تضع أي فيتو على سيطرتها الكاملة على النظام، أو على وجودها العسكري في قواعد بحرية وبرية في سوريا، وهي مكتسبات لن ينازعها عليها أحد من القوى الدولية والإقليمية، على الأقل في المدى المنظور. إلّا أنّ استمرار وجودها في سوريا يرتبط أيضاً بقدرتها على حل المشاكل السياسية والاقتصادية التي يواجهها نظام حليفها بشار الأسد، وهي مشاكل وصلت إلى مستويات دفعته للصدام مع رجل الأعمال الأكثر قرباً منه، والذي كان يعتبر مديراً لأعمال العائلة، رامي مخلوف، ما يعني أنّ الفشل الاقتصادي في سوريا ليس مجرد تكهنات مرتبطة بسعر صرف الليرة السورية، كما كان يحدث طوال السنوات الماضية.
يبدو أن كل ذلك يتطلب من موسكو أسلوباً جديداً في إدارة الملف السوري، وهو ما يتجلى في شكل السيطرة التامة وفرض السيادة الاحتلالية على البلد من خلال مبعوث رئاسي خاص يعيش في دمشق، ويمتلك صلاحيات بوتين في سوريا، ما يعني أنّه يستطيع تجاوز الجميع وكل القنوات الدبلوماسية المعتادة، ليرسم معالم الصورة الجديدة لما يمكن أن يكون حاكم سوريا الفعلي خلال الفترة المقبلة.
لكنّ ذلك لا يعني أبداً تخلي موسكو عن رجلها المضمون في دمشق، بشار الأسد، وهو ما تؤكده الإشارات التي يرسلها الإعلام الروسي في الفترة الأخيرة، والتي تدافع عن العلاقة ببشار الأسد بشكل حاد وصارم، وكذلك التصريحات التي قالها يفيموف نفسه في لقاء مع موقع الوطن أونلاين التابع لجريدة الوطن شبه الحكومية قبل أيام من تعيينه مبعوثاً خاصاً. لا يبدو أن هناك أية رسائل توحي بنية موسكو التخلي عن الأسد، أو التضحية به، بهدف تحصيل مكاسب من إعادة الإعمار؛ على الأقل ليس في الفترة القريبة المقبلة، فاكتمال السيطرة الروسية على البلاد يحتاج رجلاً يوافق على كل ما يُقال له، ويحتاج استقراراً في بنية النظام الحاكم بهدف تسهيل هذه السيطرة على جميع مفاصل الحياة والحكم.
في الأثناء، لسنا بحاجة إلى استعارة تسميات قديمة عن مندوب سامٍ جديد في دمشق، إذ لا تنطبق تلك الاستعارة على وضعنا اليوم، فقد رضي المندوب السامي الفرنسي وحكومته في باريس على التفاوض مع الكتلة الوطنية لتسليم الحكم، وإن تدريجياً، لأهل البلاد بعد ثورة وعصيان مدني في العشرينات والثلاثينات، وهو أمر لا يبدو أن موسكو ستفعل مثله في أي لحظة. يكفي إذاً أن نقول إنّ لدينا مبعوثاً رئاسياً روسياً يقطن دمشق ويتمتع بصلاحيات بوتين هناك، ولا تحتاج هذه الأوضاع الجديدة إلى استعارات أو تشابيه، فالوضع الجديد للحكم الروسي في البلاد هو انتهاك لسيادة واستقلال البلد، على نحو لم يحدث أمرٌ مماثل له منذ نشوء الدولة السورية عام 1920.
موقع الجمهورية
————————–
هل روسيا غيّرت موقفها من رأس النظام في سوريا؟/ سحر حويجة
روسيا الدولة والحليف القوي للنظام، الداعمة له بالسلاح والمال، خلال خمس سنوات من تدخلها في حرب ضروس شهدتها الساحة السورية، مساندة له سياسياً في الأروقة الدولية، وفي مجلس الأمن، حيث استخدمت حقّ الفيتو 12مرة دعماً للنظام. رأس النظام
تمسّكت روسيا بقوّة بورقة رأس النظام، ولوّحت بها في كل المناسبات، شكّلت هذه الورقة، أكثر قضايا الخلاف والجدل حدّة، بين روسيا والمجتمع الدولي من جهة، وبين روسيا والمعارضة السورية من جهة أخرى، وأغلقت الطريق أمام تطبيق القرارات الدولية الناظمة لحلّ الصراع في سوريا، على الأخصّ بيان جنيف عام 2012 والقرار 2254، كأساس لعملية انتقال سياسي، عبر إنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية شاملة، عارضتها موسكو بقوة. وكان واضحاً للمراقب العادي أنّ الموقف الروسي من القيادة السورية، يقوم على أساس استخدام موسكو للنظام ورقة ضغط وابتزاز، في صراعها مع الدول الكبرى، حتى تنال ما تريد من التنازلات في ملفات ومواقع أخرى، بعيداً عن سوريا، في أوكرانيا وتسويات اقتصادية مع الغرب، واستخدام واستعراض قوتها العسكرية للاعتراف بها كقطب عالمي، إضافة إلى التنافس على توزيع الحصص والنفوذ في الشّرق الأوسط، خاصة في سوريا والعراق.
إلى أن جاء اليوم الذي بدأت به موسكو تغيّر سياستها، وموقفها من رأس النظام السوري، بعد توجيه انتقادات لاذعة ومحرجة للنظام، أشارت فيها إلى ضعفه وعدم قدرته على قيادة المرحلة الانتقالية، وتراجع شعبيته، وفق استبيانات نشرتها مواقع مقرّبة من سلطة الكرملين، ولم تتنكّر أو حتى تتحفّظ عليها موسكو، حتّى تشكّلت ردود أفعال وتصريحات لاذعة ضد موسكو، من قبل أبواق مدافعة عن النظام، كان أبرزها، موقف النائب خالد العبود الذي اتّخذ نقده تحذيراً وتهديداً مبطناً لموسكو، دفع النظام إلى عدم الموافقة على ما نشره العبود، وأكّدت على قوة العلاقة والتحالف بين روسيا وسوريا، وتدفقت الأسئلة عن حقيقة الموقف الروسي، هل هو تغيير، أم مناور، وما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التغيير وحدوده؟. رأس النظام
تبدو روسيا في هذه المرحلة، جاهدة وجادة في سعيها لإعلان انتصارها في سوريا، سابقة الزمن، قبل أن تبدأ أمريكا، تطبيق قانون سيزر على النظام السوري، خوفاً من عقوبات سوف تفرضها أمريكا على أشخاص ومؤسسات تدعم النظام، وتؤدّي إلى إفراغ جيوب من سوف تطاله العقوبات، وما لذلك من تأثير على وضع النظام وإضعاف داعميه،.أبدت روسيا حسن نوايا أمام المجتمع الدولي وشرّعت في الضغط على النظام، وبدأت، أولاً، بتحصيل ديونها.
استطاعت روسيا قيادة الصراع وإدارته عبر أستانة، وعقدت الصفقات المعلنة مع تركيا، كان آخرها، في آذار، اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب. ويوجد تفاهمات غير معلنة بين روسيا وكلّاً من أمريكا وإسرائيل، من أجل تقليص الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا، كان واضحاً التواطؤ الروسي مع الضربات التي شنّتها إسرائيل ضد مواقع إيران وحليفها حزب الله في سوريا، على الرغم من التحالف الظاهر بين روسيا وإيران، واستخدام روسيا الذراع الإيراني العسكري في استعادة الأراضي، جنباً إلى جنب مع قوات النظام، ومنح إيران دور الضامن في اتفاقات أستانة، حقيقة الأمر، إنّ إبعاد إيران يصبّ في المصلحة الروسيّة، لإبعاد منافس لها على النفوذ في سوريا. وهذا ما انتهت إليه الأمور، بسبب الضربات الإسرائيلية المتكررة ضد الوجود الإيراني في سوريا، والحصار الاقتصادي الدولي بقيادة أمريكا على إيران، وبسبب ما خلّفته كورونا من تراجع كبير على أسعار النفط، حيث زاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها إيران. أصبحت روسيا، بعد الضربات الإسرائيلية لإيران تتربّع على العرش، وتقلّل فرص النظام من الاستفادة من التناقضات بين روسيا وإيران، وإضعاف القوى العسكرية الحليفة لإيران، حيث نشأت خلافات ما بين إيران والفرقة الرابعة، في أكثر من موقع، وصلت حدّ الاشتباكات المسلحة، والإرادة الروسية بحلّ المليشيات المسلّحة بدأت منذ سنوات. رأس النظام
جاءت التصريحات الصادرة من قبل الدائرة القريبة من الكرملين، عن ضعف الرئيس السوري وفساده، وتراجع شعبيته وعجزه عن إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والفساد المستشري، حيث عملت روسيا على استغلال التناقضات بين مراكز القوى السياسية والاقتصادية، وهذا ما حدث بين آل مخلوف والرئيس، عبر تمرير تصريحات حول مشاورات جرت بين آل مخلوف وروسيا لقيادة رامي المرحلة الانتقالية بدلاً من الرئيس، ربما شكّل ذلك أحد الأسباب التي دفعت النظام لفتح ملف الصراع مع رامي لإظهار قدرة النظام على تركيع وتشليح رامي ما يملك، ولإظهار ضعف رامي مخلوف أمام السلطة، وفتح ملف الفساد، محاولة من النظام لإبراز قوته وقدرته على السيطرة وتوجيه الأحداث، غير أنّ ذلك سيؤدّي بالنتيجة إلى إضعاف النظام وإلى تغيير في بنيته، أثناء محاولة إعادة إنتاج النظام لذاته، يجري ذلك برقابة ودعم وإشراف روسي، هذا ما جرى في تدخل الروس أثناء اعتقال المقربين من رامي مخلوف. رأس النظام
إذاً، وقبل أن يبدأ مفعول العقوبات الأمريكية، وقانون قيصر، بدأت روسيا تستغلّ نفوذها لتحقيق مصالحها، وتبرز قدرتها على التأثير على النظام السوري، تسعى روسيا في هذه المرحلة على استعراض عضلاتها، وتبيان قدرتها على التدخل في توجيه الأحداث، واستخدام ما تملكه من أوراق للضغط على النظام، في سبيل إنضاج طبخة التسوية، لإيجاد حلّ للملف السوري بما يضمن حصول روسيا فيه على حصّة الأسد، حيث إنّها تمسك أغلب الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية في سوريا.
لقد شكّل الاتّفاق بين روسيا وتركيا، القاضي بوقف النار في إدلب، والاتفاق على تفكيك جبهة النصرة، أحد المنجزات الروسية، بموجب الاتفاق، تمّ سحب أحد أوراق الضغط من يد أمريكا. ويساعد الاتفاق ويشجّع على التواصل بين روسيا وأطراف من المعارضة السورية التابعة لتركيا، حيث كانت أمريكا والسعودية تعملان على إضعافها، كما إنّ لروسيا زراع قوي ضمن المعارضة السورية، ممثلاً بمنصّة موسكو، من المتوقّع أن يزداد النفوذ الروسي في أوساط المعارضة بعد توجيه موسكو النقد للنظام ومؤسسة الرئاسة، تمهيداً لقبول البحث عن بديل. موسكو تسعى لإظهار أنّها الآمر الناهي في سوريا، وهي التي تقرّر، وعلى الآخرين الاعتماد عليها، وهذه رسالة تريد مقابلاً لها تنازلات في ملفات أخرى من قبل الغرب وأمريكا، روسيا التي ترك حصار كورونا أثراً على أسعار النفط والغاز، وأثر ذلك على الاقتصاد الروسي، لا تريد أن تدخل في متاهات الحصار والتحدي لأمريكا، كونها تدعم النظام، لذلك تبدو متخلّية عنه، على أمل أن يقدّم لها تنازلات.
ليفانت – سحر حويجة
—————————-
نوايا روسيّة جديدة في سوريا/ علي حسين باكير
في ٢٥ مايو الماضي، عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سفير موسكو لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، ممثلا رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات الروسية مع سوريا. بعدها بعدّة أيام فقط، وقّع بوتين مرسوماً فوّض فيه وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد وذلك بغية تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع سيطرتهم البحرية في سوريا على أن تكون هذه الترتيبات الجديدة مكمّلة للاتفاقية التي تمّ عقدها في آب ٢٠١٥ وتمّ بموجبها فرض سيطرة روسيا على مناطق حيوية استراتيجية ونشر قواتها فيها لعقود قادمة دون تكاليف مادية على الجانب الروسي.
وتزامناً مع الإجراء الأخير، نشرت وكالة أنباء نظام الأسد (سانا) خبراً قالت فيه إنّ النظام تسلّم دفعة من طائرات “ميغ-٢٩” الحربية من روسيا. وأشارت مواقع تابعة للنظام أنّ المقاتلات المحدّثة أكثر تطوراً من نسختها القديمة، وأنّ تسليمها للجانب السوري يأتي في إطار التعاون العسكري بين الطرفين وأنّ استخدامها لإجراء مناوبات دوريّة في الأجواء السورية سيتم بشكل مباشر بدءاً من الأول من حزيران.
وتثير هذه القرارات سلسلة من التساؤلات حول الغاية الحقيقية منها، فتطوير العلاقات الروسية-السورية لا يحتاج إلى ترفيع السفير إلى درجة ممثّل رئاسي، ومن المفترض أنّ مهام السفير تتضمن ذلك بكل الأحوال. لكن حتى إذا افترضنا أنّ هذه المهمّة تتطلّب مبعوثاً رئاسياً خاصّاً، فإنّ لموسكو مبعوثين رئاسيين لسوريا غير ذلك الذي تمّ تعيينه مؤخراً!
ما الغرض من هذه الحركة إذاً؟ من الممكن فهم الأمر من زاوية أخرى على أنّه تخويل -ربما- للمبعوث الجديد بالتوقيع على أي اتفاقات جديدة تكرّس سيطرة موسكو على المناطق و/أو الموارد الاستراتيجية السورية باسم روسيا بدلاً عن الرئيس بوتين، أو ربما أنّ ما تريد موسكو إيصاله من خلال هذه القرار هو أنّه بات لديها مندوب سام في سوريا.
ويُعطي الكشف عن المرسوم الذي يخوّل موسكو الاستيلاء رسمياً على المزيد من الموارد السورية مصداقية للحملة الإعلامية التي شنّتها روسيا الشهر الماضي ضد رأس النظام السوري، متّهمة إياه بالفساد، وفُهم منها في حينه وجود امتعاض روسي ومطالبة بالمزيد من المكاسب كثمن لتدخّلها العسكري لإنقاذ الأسد في العام ٢٠١٥.
وإن أنكرت أطراف عدّة هذه الحملة في حينها، فقد باتت أهدافها واضحة الأن مع الإجراءات المتّخذة في هذا الصدد. ومن شأن هذه الخطوات أن تزيد من نفوذ روسيا في سوريا بشكل هائل ليس على مستوى سيطرتها وتوسيع رقعة نفوذها المباشر فقط، إنما على الأسد نفسه الذي يخضع لتجاذب روسي-إيراني ثنائي.
هناك من يربط أيضاً بين ترفيع السفير الروسي في سوريا ليصبح بمثابة الحاكم الحقيقي باسم روسيا هناك، وبين وظيفته السابقة كسفير مفوّض فوق العادة في الإمارات، وتزايد انفتاح أبو ظبي مؤخراً على نظام الأسد وتقاطع المصالح بينهما في عدد من القضايا من بينها المسألة الليبية، حيث تلعب روسيا دوراً متزايداً هناك منذ ما يزيد على عام.
وبموازاة هذا التقاطع في المصالح، هناك تقاطع مصالح آخر بين موسكو وأبو ظبي في ليبيا حيث يُعتقد أنّ تمويل العمليات العسكرية الروسية هناك يتم من خلال الإمارات. ولأنّ روسيا تريد أن تتملّص من مسؤوليتها الرسمية عن انخراطها في الملف الليبي، فإنّها ستعتمد بشكل أكبر على دور الأسد في ليبيا.
مثل هذا الأمر سيساعد على تملّص روسيا بشكل دائم من تحمّل المسؤولية المباشرة، وقد يقوّي أيضاً من العلاقة بين الأسد والإمارات، وهي علاقة قد لا ينظر لها الجانب الروسي بشكل سلبي بالضرورة خاصّة أنها قد تفتح أبواباً بشأن مساهمة الإمارات في عملية إعادة الإعمار وهي عمليّة يأمل الجانب الروسي أن تخفّف من الأعباء عليه في سوريا.
من الممكن ربط مثل هذا التصوّر كذلك مع التطوّر الأخير الذي كشف عنه نظام الأسد والمتمثل بتسليمه مقاتلات (ميغ-٢٩)، إذ يُعتقد أنّ الهدف النهائي من هذه الحركة استخدام المقاتلات الروسية في ليبيا بشكل شرعي على أن يتم نسبتها إلى نظام الأسد في حال اكتشافها بذريعة أنّ الأخير مرتبط باتفاقات مع حفتر ليبيا وأنّ موسكو لا علاقة أو دور لها في الموضوع.
يأتي مثل هذا التطوّر بعد أن كشفت الولايات المتّحدة مؤخراً عن تهريب روسيا مقاتلات عبر إيران وسوريا إلى ليبيا وتسليمها لقوات حفتر بعد أن تمّ طلاؤها لإخفاء العلامات الروسية عليها في قاعدة حميميم الجوية في سوريا.
ماذا يعني كل ذلك؟ يعني أنّ روسيا أصبحت أقوى في سوريا، لكنّ هذه القوّة هي نقطة ضعفها التي تجعلها تغرق في مأزق لا أفق له حتى الآن. أمّا النقطة الثانية، فهي أنّ النظام السوري تمزّقه الديون الثقيلة لتدخّلات روسيا وإيران. الأسد شخصياً أصبح مديناً لأكثر من سيّد، ومن شبه المستحيل أن يستمر مثل هذا الوضع إلى ما شاء الله لا سيما في ظل ازدياد الضغوط الاقتصادية والخلافات الداخلية أيضا بين أقطاب النظام. المثير للاهتمام أنّ الربط بين الأسد وحفتر والذي قصد منه في البداية تقوية الرجلين قد ينتهي بنتيجة عكسية، فهزائم حفتر قد تزيد من ضعف نظام الأسد لاحقاً.
تلفزيون سوريا
——————————–
من هو ألكسندر يفيموف وماذا يعني تعيينه كممثل خاص لبوتين بسوريا؟
عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الإثنين، سفير بلاده لدى نظام الأسد “ألكسندر يفيموف”، مبعوثاً رئاسياً خاصّاً له لـ تعزيز العلاقات مع “النظام”، ما أثار تساؤلات عن الدوافع وراء ذلك خاصة وأن لبوتين مبعوثاً خاصاً إلى سوريا هو ألكسندر لافرنتيف.
واللافت في الأمر، تصريحات يفيموف في مقابلة مع صحيفة الوطن المقربة من النظام قبل 5 أيام من تعيينه في المنصب الجديد، حيث شدّد على متانة العلاقات بين النظام وروسيا وخلوّها من العيوب، في سياق ردّه على ما اعتبرها “إشاعات” تتحدث عن علاقة متوترة بين النظام وبلاده.
وأضاف المبعوث الخاص في المقابلة “إن اللاعبين المعادين لسوريا وروسيا، وبعدما فشلوا في تحقيق أهدافهم المدمرة بطريقة عسكرية، يحاولون ممارسة الضغط السياسي على دمشق وخنقها بالعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، وهم ما زالوا فارغي الأيدي حتى الآن، ويستخدمون جميع الوسائل الممكنة ومن بينها محاولاتهم المثيرة للشفقة لإيجاد عيوب غير موجودة في العلاقات بين روسيا وسورية، لكي يفرّقوا بين بلدينا.. لن يسمح حتى بالاقتراب من النتائج المقصودة، وبعبارة أخرى يمكن القول إن الكلاب تنبح والقافلة تسير، والعلاقات الروسية السورية هي أقوى اليوم مما كانت في أي وقت في الماضي”.
وأبدى يفيموف تأييده الواضح والكبير للنظام، وهاجم الفصائل العسكرية في إدلب واتهمها بخرق وقف إطلاق النار.
وللمبعوث الخاص الجديد مواقف إيجابية بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية منذ توليه منصب السفير الروسي فوق العادة في سوريا في أواخر عام 2018، حيث أكد مراراً على ضرورة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا وطالب النظام بفتح قنوات تواصل للتفاوض مع “أكراد سوريا”، وذلك بهدف “إيجاد حلول مقبولة بشكل متبادل لاستعادة سيادة الجمهورية العربية السورية، مع مراعاة مصالح جميع الجماعات العرقية والدينية التي تقطن هذه المنطقة”.
مَن هو ألكسندر يفيموف؟
ألكسندر يفيموف الذي يكمل غداً عامة الـ 61، وُلد في موسكو عام 1958 وتخرج من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لوزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي عام 1980.
وبحكم أنه يجيد اللغتين العربية والإنجليزية، عمل في مناصب مختلفة في الجهاز المركزي لوزارة الخارجية في العراق وسوريا وليبيا حتى عام 2004، ليصبح مستشاراً مبعوثا للسفارة الروسية في الأردن لغاية عام 2008، ومن ثم شغل منصب رئيس قسم إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الروسية بين العامين 2008 و 2010، ومن ثم شغل منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الروسية بين العامين 2010 و2013.
وفي نيسان 2013 تم تعيين يفيموف سفير روسيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك حتى تشرين الأول 2018، ليتم نقله إلى سوريا بموجب مرسوم من فلاديمير بوتين وتعيينه “سفيراً فوق العادة”، ويوم أمس تسلّم منصباً جديداً كممثل رئاسي خاص لتعزيز العلاقات مع سوريا.
سفير فوق العادة
“السفير فوق العادة والمفوض”، هي مرتبة دبلوماسية أعلى في مرتبة سفير وتُمنح للسفراء المكلفين بتنفيذ مهام خاصة لبلادهم لدى بلدان أخرى، ما يزيد من صلاحياته ويسهل من البروتوكولات والآليات المتبعة لتنفيذ هذه المهام، وإبرام الاتفاقيات باسم دولته.
وبالتالي فإن تعيينه ممثلاً رئاسياً خاصاً لتعزيز العلاقات مع سوريا، يعني توسيعاً كبيراً للصلاحيات الواسعة أساساً، لتنفيذ استراتيجيات بلاده في سوريا، وتحقيق أهداف محددة ستظهر لاحقاً بشكل أوضح.
وبذلك أصبح بإمكان يفيموف الاتصال بشكل مباشر مع كل من رأس النظام في سوريا ورئيسه بوتين بشكل مباشر، دون الحاجة للمرور بقنوات التواصل عبر وزارتي خارجية البلدين.
الدوافع وراء هذه الخطوة
وفي محاولة توقّع الدوافع وراء هذه الخطوة من قبل بوتين، فيمكن الرجوع إلى مقابلته مع صحيفة الوطن والتي تم تأت صدفة قبل أيام من تعيينه، حيث ركّز يفيموف على “أهمية التعاون الاقتصادي بين موسكو ودمشق الذي يتطور رغم الضغط الشديد والمتزايد على البلدين من خلال العقوبات الأجنبية”.
وتطرق في حديثه إلى المشاريع التي تنفذ حالياً من الشركات الروسية في سوريا، مثل تطوير الجزء المدني لمرفأ طرطوس وتحديث مصنع للأسمدة المعدنية في حمص، وإعادة تأهيل عدد من حقول النفط والغاز والمعامل الخاصة بها.
ويبدو أن روسيا تسارع الخطى لتدارك الاقتصاد السوري المنهار بشكل متسارع، وتحاول إنجاز أهداف محددة في سوريا وإعادة تركيب الاقتصاد السوري بطريقة تأمل موسكو أنها ستكون قادرة على مواجهة العقوبات الأجنبية وتداعيات قانون قيصر الذي يقترب موعد دخوله حيز التنفيذ، وفي هذا السياق يجب النظر إلى الأزمة الحاصلة بين الأسد ومخلوف، ومطالبات النظام بدفع الأخير مبالغ طائلة لخزينة النظام.
ناشطون ومحللون سياسيون رأوا أن تعيين ألكسندر يفيموف مبعوثاً خاصاً لبوتين لتعزيز العلاقات مع سوريا، هو بمثابة هيمنة روسية إضافية على النظام وأنه بمثابة الحاكم الروسي لسوريا، في حين أشار البعض إلى أن هذه الخطوة تؤكد على تمسك موسكو بنظام الأسد بعد الأنباء والتقارير التي تم تداولها مؤخراً بأن العلاقات بين البلدين متوترة وأن موسكو قد تتخلى عن الأسد وتستبدله، خاصة بعد مهاجمة وسائل الإعلام الروسية لبشار الأسد ونظامه.
———————–
“قبضة بوتين” تشتد..استعجالٌ لجني الثمار في المتغيّرات السورية؟
مع التعقيدات الإضافية في المشهد السوري، وتشابك أدوار ومصالح اللاعبين، وعدم وجود بوادر واضحة حول مسار الحل السياسي، يبدو أن روسيا، تحاول زيادة إحكام قبضتها على ما تبقى من “الدولة السورية” ومقدراتها، واصطياد ما أمكن من الثروات، التي يقدمها النظام مضطراً، كفاتورة إنقاذه طيلة السنوات القليلة الماضية.
وعلى مدى السنوات الماضية، استغلت موسكو حاجة نظام الأسد، لحليف قوي يمنعه من السقوط، فدافعت عنه بشراسة، عسكرياً وسياسياً، على الرغم من الانتقادات اللاذعة التي وجهت لها، والثمن كان مصالحها الاستراتيجية في أهم دولة في الشرق الأوسط بالنسبة لروسيا.
وتعتبر سورية واحدة من رؤوس الجسور المفتاحية للتوسع الروسي وترسيخ نفوذها في الشرق الأوسط، إضافة إلى اتخاذ البوابة السورية ممراً لعودتها كلاعب أساسي دولياً؛ لذلك عملت على دعم النظام عسكرياً، منذ ما قبل سبتمبر/أيلول 2015، حيث اضطرت للدخول العسكري المباشر، وأسهمت في بسط نفوذ قوات النظام على مساحات واسعة من يد الفصائل السورية.
وترسيخاً لهذه الهيمنة، كان لا بد من توسيع النفوذ الاقتصادي والعسكري، إذ وقعت مع النظام عدة اتفاقات اقتصادية واستثمارات في مختلف القطاعات لعشرات السنين، إضافة إلى اتفاقات عسكرية على شواطئ البحر المتوسط لخمسين عاماً مقبلاً.
وكثّفت روسيا من نشاطها وتحركها في سورية، خلال الأيام الماضية، إن كان سياسياً أو عسكرياً، الأمر الذي فسرهُ محللون، على أنه تسارعٌ لمزيدٍ من إحكام القبضة الروسية، في ظل متغيراتٍ بالملف السوري، قد تفضي لتغيرٍ في المرحلة القادمة.
ممثل بوتين في حضرة الأسد
في 25 من مايو/ أيار الماضي، أصدر الرئيس الروسي مرسوماً مفاجئاً عين بموجبه ممثلاً خاصاً له في سورية، الأمر الذي أثار كثير من إشارات الاستفهام حول الخطوة وأهدافها في الظرف الحالي.
وينص المرسوم، الذي نشره وسائل إعلام روسية “تعيين السفير فوق العادة لروسيا الاتحادية لدى الجمهورية العربية السورية، يفيموف ألكسندر فلاديميروفيتش، ممثلاً خاصاً للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية”.
وكان يفيموف استلم منصب السفير الروسي لدى سورية منذ أكتوبر/ تشرين الأول في 2018، وسبق أن شغل قبل ذلك مهام سفير روسيا فوق العادة والمفوض في دولة الإمارات العربية المتحدة.
والمنصب موجود في روسيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، بحسب الإعلامي السوري والخبير في الشأن الروسي، نصر اليوسف، إذ يعين الشخص الأقرب لقضية مُلحة تتطلب اهتماماً خاصاً من قبل الدولة، و يوجد العديد من الممثلين عن الرئيس الروسي لحل قضايا داخلية، أو للتعامل مع قضايا السياسة الخارجية.
ويقول اليوسف لـ”السورية. نت”، إن “الصفة الجديدة التي اكتسبها السفير يفيموف تمنحه الحق بالتواصل مباشرة، في الأوقات الحرجة، مع إدارة الرئيس الروسي، دون الرجوع إلى إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية، كما تمنحه صلاحية التواصل مع القصر الجمهوري في سورية بشكل مباشر، دون الرجوع إلى الإدارة ذات العلاقة في وزارة الخارجية السورية”.
واعتبر اليوسف أن رفع صلاحيات السفير يفيموف، نتيجة حساسية المرحلة القادمة، إذ يشير إلى “وجود رغبة لدى موسكو بتغليب الجانب السياسي- الدبلوماسي على الجانب الأمني- العسكري”، مشيراً إلى أن “ثمة العديد من المؤشرات، التي تشي بأن روسيا باتت أقرب من أي وقت مضى إلى فتح بازار لبيع نظام الأسد، بعد أن أخذت كل ما يمكن أن تأخذه من سورية بموافقة النظام الشرعي (كما تراه روسيا)”.
أما الخبير الروسي في الشؤون العسكرية، أنطون مارداسوف، يرى أن تعيين يفيموف ممثلاً خاصاً يمكن ان ينظر له من زاويتين، الأول “إمكانية مساعدة الكرملين في إيجاد التوازن الصحيح بين الشطرين الدبلوماسي والعسكري لفريق السياسة الخارجية الروسي الذي يشرف على سورية”، كون المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، هو الذي يشرف على الملف السوري بجانبيه السياسي والعسكرية”.
واعتبر مارداسوف، في مقالة بصحيفة “المونتيور”، أن “منصب يفيموف الجديد، يمكن اعتباره بمثابة ثقل موازن للتأثير العسكري في السياسة الخارجية الروسية، ويمكن للمبعوث الجديد جلب عنصر اقتصادي ودبلوماسي أكثر إلى مهمة إدارة الوضع في سورية”.
أما الزاوية الثانية حسب الكاتب الروسي، فإن “تعيين الممثل الخاص يتعلق بمهمة إعادة بناء في سورية، وهو موضوع يتزايد بثبات على أجندة الكرملين، وقد تكون تجربة يفيموف السابقة في العمل مع الإمارات العربية المتحدة، الحليف ذات الأهمية المتزايدة لروسيا وسورية، مفيدة أيضاً”.
ولم يصدر أي تصريح من قبل مسؤولي نظام الأسد، حول تعيين يفيموف ممثلاً خاصاً في سورية حتى إعداد التقرير.
منشآت جديدة بانتظار الهيمنة الروسية
وبعد أربعة أيام، من تعيين يفيموف ، و في 29 من مايو/ أيار الماضي، وقع بوتين مرسوماً قضى بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد، للحصول على قواعد ومنشآت جديدة في سورية.
وذكرت وسائل إعلام روسية بينها وكالة “إنترفاكس”، أن بوتين وقع على مرسوم بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد، بغية تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع وصولهم البحري في سورية.
ووافق بوتين، في المرسوم المنشور على موقع البوابة الرسمية للمعلومات القانونية، على اقتراح الحكومة الروسية بشأن التوقيع على البروتوكول رقم 1 بشأن “تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية”، للاتفاقية المبرمة في أغسطس/آب 2015 بين موسكو ودمشق، بشأن نشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سورية.
وأوكل المرسوم إلى وزارة الدفاع بالتعاون مع وزارة الخارجية “إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، والتوقيع عليه لدى التوصل إلى اتفاق بين الجانبين نيابة عن روسيا الاتحادية”.
واقتصر المرسوم على ما أوردته وسائل الإعلام، أما تفاصيله ومضمونه فهي غير واضحة الأبعاد، حسب اليوسف، الذي اعتبر أنه من خلال قرار بوتين يفهم أن روسيا تريد بسط سيطرتها على المزيد من الأراضي حول القاعدتين العسكريتين لها في سورية، وهما قاعدة حميميم في ريف اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية.
وقال إن مسودة المشروع عبارة عن “بروتوكول ملحق بالاتفاقيتين السابقتين المتعلقتين باستئجار قاعدتي حميميم وطرطوس لمدة 49 عاماً، وقرار الرئيس الأخير يمنح صلاحيات لوزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات حول البروتوكول، لطلب المزيد من الأراضي حول القاعدتين في البر والبحر، ومنحهم صلاحيات على التوقيع باسم روسيا”.
أما مدير وحدة المعلومات في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، فقد اعتبر أن صدور المرسوم أمر متوقع من أجل ضمان الاستثمارات الروسية في المنطقة والتوسع بها، لمنع جهات أخرى من الاقتراب منها، معتبراً أنها رسالة بأن روسيا باقية في سورية براً وبحراً وجواً.
أما الباحث السياسي، حمزة مصطفى، فقد ربط في تصريحات له، بين المرسوم وبين ما يجري في ليبيا والدعم الروسي المقدم لقوات خليفة حفتر، إذ قال إن “أن روسيا تخطط عبر دعمها لخليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا، لبقاء استراتيجي في أفريقيا لملئ الفراغ الذي خلفته دول استعمارية قديمة مثل فرنسا وإيطاليا، ولمواجهة الدور التركي المتنامي هناك وخاصة بعد الانتصارات الأخيرة”.
وأضاف في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أن “قاعدة حميميم وميناء طرطوس نقطة الانطلاق الرئيسية على المستوى العملياتي واللوجستي لإنقاذ هذا الدور(الروسي)، وخاصة أن الطائرات الروسية، التي وصلت إلى قاعدة الجفرة الليبية مؤخراً، كانت قد انطلقت من روسيا إلى سورية قبل أن تصل إلى وجهتها الجديدة”.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قال، بحسب وكالة “الأناضول” إن “موسكو ربما تسعى لتأسيس نظام مشابه لما أقامته في سورية في ليبيا، وقد تكون تسعى لإقامة جسر جوي بين سورية وليبيا”.
دعم عسكري روتيني
وتزامناً مع مراسيم بوتين استمر الدعم العسكري المقدم من قبل روسيا إلى نظام الأسد، سواء كان عربات عسكرية أم طائرات حربية، إذ أعلنت وزارة دفاع النظام عبر معرفاتها الرسمية، السبت الماضي، تسلم دفعة من طائرات حربية روسية مطورة ومحدثة من طراز “ميغ 29″، وذلك “في إطار التعاون العسكري والفني بين الجمهورية العربية السورية وروسيا الاتحادية”.
وأضافت الوزارة: “نفذت الطائرات التي تعد أكثر فعالية من جيلها السابق تحليقها من قاعدة حميميم إلى مناطق تمركزها في المطارات العسكرية السورية”، على أن يبدأ طيارو نظام الأسد اعتباراً من أول يونيو/حزيران المقبل، تنفيذ مناوبات بهذه الطائرات في الأجواء السورية.
كما وصلت سفينة “sparta” المحملة بعربات عسكرية إلى ميناء طرطوس محملة بعربات عسكرية من نوع” GAZ 66″ الروسية، حسب ما نشر حساب “Yörük Işık” المختص بالشؤون العسكري، عبر “تويتر” الخميس الماضي.
واعتبر اليوسف أن وصول الطائرات والمعدات العسكرية أمر روتيني، كون روسيا لا تعترف بقرار الولايات المتحدة الأمريكية بمنع تزويد نظام الأسد بالأسلحة، لأن القرار غير صادر من مجلس الأمن، وإصدار مثل هذه القرارات في مجلس الأمن مستحيلة بسبب الفيتو الروسي، قائلًا إن “هذا الأمر مستمر منذ بداية الثورة، ولم يتوقف تزويد روسيا للنظام بما ما يلزم من أسلحة”.
أما نوار شعبان من “مركز عمران”، اعتبر أن “إرسال الطائرات مدرج ضمن اتفاقيات قديمة ولا يوجد شيء جديد، لكن إعلام نظام الأسد حاول الاستفادة من القضية للترويج بأن روسيا ما زالت تدعم النظام”.
وفي ظل هذا النشاط الروسي في سورية، يرى نصر اليوسف أن هناك “استعجال من الجانب الروسي للحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات من النظام الشرعي القائم حالياً، كون النظام معترف به من قبل روسيا والأمم المتحدة، تمهيداً لتسوية سلمية باتت إرهاصاتها واضحة”.
وقال اليوسف إن “كل الأمور أصبحت في عجلة من أمرها ووصلت إلى آخرها عملياً”، معتقداً أن “روسيا تريد أن تثبت هذه الاتفاقيات، ويُوقع عليها حسب الأصول من البرلمان والرئيس، لكي تبقى تحت سيطرتها، بعد أن يتم عزل أو إخراج النظام وخاصة الأسد من الساحة السياسية”.
السورية نت
—————————-
قراءة ليبيا من كتاب سورية/ مروان قبلان
بعد أن شدّت سورية انتباه العالم خلال السنوات الماضية، باعتبارها ساحة الصراع الرئيسة في منطقة شرق المتوسط بين قوى طامحة إلى تعزيز مواقعها في نظام إقليمي ودولي متغير، انتقلت المعركة، كما يظهر، بالفاعلين أنفسهم تقريبا، إلى جنوب المتوسط في ليبيا، التي تبدو من الناحية الاقتصادية جائزة أهم بكثير من سورية، نظرا إلى احتوائها على أكبر احتياط نفط في أفريقيا (حوالي 48 مليار برميل).
الصراع الليبي بدأ، كما في سورية، ثورة (انتفاضة) شعبية على نظام مستبد، وفر، بسياسات العنف التي اتبعها، الفرصة لقوى إقليمية ودولية طامحة للتدخل لتحقيق مصالحها. وقد احتدم الصراع أخيرا نتيجة جملة من التطورات، منها إعلان مصر الشهر الماضي عن قيام تحالف خماسي لمواجهة تركيا واحتواء نفوذها الصاعد في ليبيا وحوض المتوسط، يضم إليها اليونان وقبرص والإمارات وفرنسا. وفي رد فعل، تقدّمت شركة النفط الوطنية التركية فورا بطلب إلى حكومة الوفاق في طرابلس للسماح لها ببدء عمليات التنقيب عن النفط في مياه ليبيا الاقتصادية الخالصة التي جرى تحديدها بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا أواخر العام الماضي. وتمثل التطور الآخر المهم في ظهور نتائج الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق، حيث تمكّنت بفضله من إلحاق سلسلة من الهزائم بقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر حول طرابلس، وعلى امتداد الساحل الغربي. وتمثل التطور الأخير البارز بظهور بوادر تدخل عسكري روسي مباشر في ليبيا، بعد أن كان الدعم الروسي لحفتر يأخذ طابعا غير رسمي من خلال مرتزقة فاغنر، إذ نقلت روسيا، بحسب القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) طائرات ميغ وسوخوي إلى ليبيا، استعدادا على ما يبدو لتدخل مباشر في معارك الغرب الليبي.
تعيدنا كل هذه التطورات إلى مشاهد العام 2015 في سورية، مع اختلافٍ في بعض التفاصيل. منها مثلا اصطفاف فرنسا إلى جانب روسيا في ليبيا ضد تركيا. ومع أن فرنسا لم تكن قريبة أبدا من الموقف التركي في سورية، حيث ذهب جل الدعم الفرنسي للقوى الكردية المناوئة لتركيا، خصوصا بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أنها كانت تعارض، في المقابل، السياسات الروسية الساعية إلى ترسيخ نفوذها في سورية. أما الولايات المتحدة فبقيت، كما كان حالها في سورية، منقسمة ومتردّدة في خوض غمار الصراع الليبي مباشرة، على الرغم من أنها كانت وراء إسقاط نظام القذافي عام 2011 بقيادتها حملة حلف الناتو الجوية التي أنهت أربعة عقود من حكم العقيد البائس. ويبرز الانقسام الأميركي بجلاء اليوم بين موقف الرئيس ترامب الذي يبدو أقرب إلى الإمارات ومصر وفرنسا وموقف المؤسسة الأميركية، وخصوصا وزارة الدفاع التي ترفض التوسع الروسي في حوض المتوسط، ومنه يمكن فهم البيان القوي الذي أصدرته “أفريكوم” تحذر من تكرار السيناريو السوري في ليبيا. وتميل وزارة الدفاع، على الرغم من عدم ارتياحها للسياسة التركية في سورية، إلى دعم الموقف التركي في مواجهة روسيا في ليبيا، بديلا عن تدخل أميركي مباشر، كما حصل في سورية تماما بين عامي 2011 – 2014، أي قبل انطلاق الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
هناك تفاصيل كثيرة في الحديث عن تشابه الحالتين السورية والليبية يضيق المجال بذكرها، لكن خلاصة القول إن الصراع في ليبيا وعليها يتجه نحو مزيد من التصعيد. ولن يحتاج المرء مهارات خاصة في التحليل والاستشراف ليعرف ماذا سيجري، إذ يكفيه أن يقرأ في الكتاب السوري ليعرف ماذا سيحل بليبيا. بعد قليل، سوف يفقد الليبيون كليا قرارهم، وسوف يتحولون خبراء ومراقبين ومحللين لتدخلات الآخرين في شؤون بلادهم، وسوف يجلس هؤلاء الآخرون بعد ذلك إلى طاولة المفاوضات، بعد أن يكونوا تعبوا من القتال بدماء الليبيين، وجرّبوا أسلحتهم فيهم وعلى أرضهم، من أجل زيادة حصصهم في سوق السلاح العالمي، وبعد أن يكونوا هدموا آخر جدار مقام في بلادهم، من أجل مشاريع إعادة الإعمار. لو يتمتع السياسيون الليبيون بأقل قدر من الحكمة التي افتقدها إخوانهم السوريون، ويبادرون إلى لملمة جراحهم والاتفاق على تقاسم الثروة والسلطة في ما بينهم، قبل أن يتقاسمهم الآخرون، لكان خيرا لهم، فالكيّس من اعتبر من كيس غيره.
العربي الجديد
———————————-
هل أدار بوتين للأسد ظهر المِجَنّ؟/ آلان حسن
عديدة هي المحطات المفصلية التي مرت بها فصول الحرب السورية منذ العام 2011، وقد شكّلت مواقف روسيا الاتحادية أحد أهم فصول المحطات تلك، بدءاً من استخدامها، وحليفتها الصين، الفيتو المزدوج الأول في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، ضد قرار صاغته وتقدمت به إلى مجلس الأمن، الدول الغربية، ويدعو إلى إدانة الحكومة السورية، وفرض عقوبات عليها، مروراً بالسعي الخليجي المستميت لإرضاء الكرملين مالياً، وعقد صفقة معه مقابل التخلي عن حليفه السوري، وليس انتهاءً بالتدخل العسكري الروسي لصالح الحكومة السورية في سبتمبر/ أيلول 2015.
راهنت المعارضة السورية على إحداث تغيير ما في الموقف الروسي، مستندة إلى أمثلة متشابهة، كانت موسكو تعارض الرغبات الغربية في المنطقة، وتضطر، في نهاية المطاف، إلى القبول بما تمليه هذه الدول، في مقابل مكاسب قليلة تتناسب والوزن النوعي الروسي في السياسة الدولية آنذاك، لكن روسيا بوتين غير تلك التي عرف عنها في الحقبة التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990، فروسيا اليوم تمسك بخيوط ملفات عديدة في المنطقة والعالم، وتقيم تحالفات استراتيجية مع أقطاب اقتصادية وعسكرية، تجعل من ليّ ذراعها مهمةً أشبه بالمستحيلة.
أعطى التدخل العسكري الروسي في سورية فرصة للحكومة السورية، كي تتنفس الصعداء، بعد سلسلة هزائم على يد المعارضة المدعومة من محور الدول الخليجية وتركيا، إضافة إلى دعم واشنطن وباريس، ضد الجيش السوري الذي يسانده كل من إيران وفصائل موالية لها.
تدرك دمشق أن الدفاع الروسي المستميت عنها نابعٌ من مصلحة استراتيجية روسية، تهدف إلى البقاء في المياه الدافئة في البحر المتوسط، والحفاظ على الوجود العسكري الوحيد لها في منطقة الشرق الأوسط، في مقابل سيطرة الولايات المتحدة على كبريات الدول النفطية في المنطقة. وقد ساهم التشبيك الروسي مع الدول المؤثرة في الملف السوري في طمأنة هواجس الحكومة السورية من جهة متانة موقف موسكو من قضية البقاء في سورية، الأمر الذي ساعدها على الاستفادة من هامش مناورةٍ أوجدته لنفسها في مسار الأحداث في سورية، وإيجاد نوع من التوازن بين الحليفين اللدودين، موسكو وطهران.
منّت المعارضة السورية نفسها بتحول الخلافات الروسية الإيرانية في سورية إلى خصام ينتهي بتحول موقف موسكو إلى الضفة المقابلة، والبحث عن بدائل عن النظام الحاكم، وإيجاد توافقات معها على مستقبل سورية بدون أي وجود أو تدخل إيراني في مستقبل سورية.
وليست سياسة المواءمة التي تتبعها الحكومة السورية في إدارة الاختلافات بين حليفيها الرئيسيين، مهمة سهلة، فواضح أن روسيا الاتحادية قد أعطت تعهداً إلى الدول الفاعلة في المشهد السوري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والعربية السعودية، وكذلك إسرائيل، بالحد من النفوذ الإيراني المتعاظم داخل سورية، وإبعاد أي سطوة من طهران داخل منظومة الحكم السورية، مقابل قبول تلك الدول بشرط خروج كل القوى الأجنبية التي دخلت الأراضي السورية بعد عام 2011 ، أي استثناء روسيا من هذه الدعوة، وهو ما أكد عليه المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري في تصريحات صحافية قبل أيام.
وتبدي موسكو انزعاجاً من خروق من الحكومة السورية لتفاهماتها مع أنقرة في ظل مسار أستانة العسكري، خصوصاً في محافظة إدلب، حيث تتقاطع مصالح دمشق مع بعض الدول الخليجية، وخصوصا كلاً من الإمارات والسعودية في تشتيت قوة تركيا، التي تحارب، أصالة وبوكلائها، في كل من ليبيا وسورية. وتعارض المصالح الاقتصادية بين وكلاء موسكو وطهران داخل أركان السلطة في سورية من العوامل التي ساهمت في زيادة الشقاق بين الرؤيتين الروسية والرسمية السورية في مقاربة الأولى سبل حل الأزمة السورية، وهو ما يمكن استشفافه من تناول وسائل إعلام روسية مستقبل العلاقة مع القيادة السورية، والتشكيك بقدرة بشار الأسد على قيادة البلاد في المستقبل، في ظل الفساد المستشري داخل كل مناحي البلاد، والخلافات بين السلطة وأقطاب الاقتصاد، وفي مقدمتهم رجل الأعمال المتنفذ، رامي مخلوف الذي بات مطالَباً بالتخلي عن جزء من إمبراطوريته الاقتصادية التي بناها بتزاوج المال والسلطة، والحملات الرسمية السورية ضد عدد من كبار أصحاب رؤوس الأموال المقربين من السلطة، في ما وُصِف بـ “ريتز كارلتون” سوري، على غرار ما فعله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعدد كبير من أفراد العائلة المالكة في محاولة استخلاص جزء من ثرواتهم لصالح أركان العرش السعودي.
يبدو الرهان على تغير الموقف الرسمي الروسي من القيادة السورية محض خيال في ظل تشابك العلاقات بين الرئيسين، بوتين والأسد، ورمزية الرئيس السوري بالنسبة لمواليه، والحرص الروسي على عدم إعطاء معارضيه أي نصر معنوي فيما لو نُحّي الأسد عن مستقبل سورية، وبالتالي فإن التفسير الأكثر عملانية لحملة الضغوط الروسية إنما هي للضغط على القيادة السورية للتخلص من حالة التردد تجاه أخذ موقف حاسم من قضية النفوذ الإيراني في سورية، وهي رسالة شديدة اللهجة إلى الأسد أنّ عليه أخذ القرار المنتظر منه، وأن التأجيل يعني زيادة الضغوط إلى درجات أكبر، خصوصاً أن البلاد باتت على أعتاب انهيار اقتصادي كبير، وخصوصا بعد أزمة جائحة كورونا، ووباء مفاعيل قانون قيصر الذي سيبدأ تطبيقه الشهر المقبل.
العربي الجديد
————————–
صداع روسيا الليبي/ بسام مقداد
يبدي إعلام الكرملين هذه الأيام حساسية مفرطة حيال أنباء إنسحاب المرتزقة الروس من جنوب العاصمة الليبية طرابلس أمام التقدم الذي تحرزه قوات حكومة الوفاق الوطني ، مدعومة من تركيا . وينفي هذا الإعلام أن يكون انسحاب المرتزقة الروس قد بدّل من موقف موسكو ، التي تقول بالحل السلمي للصراع الليبي، وتجاهر في الوقت عينه بدعمها للجنرال خليفة حفتر بالمرتزقة والسلاح . واللافت في هذا الموقف هو صمت المسؤولين الروس حيال هذا الإنسحاب ، والذي لم يخرقه سوى تصريح النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما ديمتري نوفيكوف، الذي استنكر اتهام الولايات المتحدة لموسكو بطباعة كمية من العملة الليبية “المزورة” لصالح حفتر، كانت قد صادرتها سلطات جزيرة مالطا .
في سياق نشرها لتصريح نوفيكوف، لم تنسَ وكالة نوفوستي التذكير باتهام موسكو الدائم للولايات المتحدة بالمسؤولية عن القضاء على القذافي، وذكّرت بتصريح سابق لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، بأن روسيا لا تلتزم بموقف أي من طرفي النزاع الليبي ، وتسعى لاحلال السلام والأمن على جميع الأراضي الليبية.
ردة فعل القوميين الروس في صحيفتهم “ps” كانت الأكثر انفعالاً من بين القليل الذي نشره الإعلام الروسي عن انسحاب المرتزقة الروس من طرابلس ، وركزت انفعالها على مقالة نُشرت في موقع عربي ناطق بالإنكليزية ، استوحت منها عنوان نصها ” جبهة الشرق الأوسط تمت خسارتها : روسيا تفر من ليبيا . سوريا التالية”، مع عنوان ثانوي “كيف نفهم التوقف المفاجئ لمساعدة حفتر”. وشرحت الصحيفة ما يقصده الموقع العربي بالقول بأن إجلاء مقاتلي “فاغنر” من منطقة العمليات الحربية في ليبيا ، وتراجع الجيش الوطني الليبي، يشير إلى أن روسيا قد تنتظرها قريباً مشاكل في سوريا. وقالت بأن الموقع يعتبر بأن تبدل ميزان القوى في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الوطني لايرتبط بالعمليات التركية ، بقدر ما يرتبط بتأثير الولايات المتحدة ، مستنداً بذلك إلى اتصال هاتفي بين الرئيسين الأميركي والتركي ناقشا خلاله الوضع في ليبيا وسوريا ، واتفقا على التعاون السياسي والعسكري ، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة حددت موقفها المناهض لروسيا.
وقالت الصحيفة بأن كاتب النص في الموقع المذكور يعتبر ، بأن روسيا هي في وضع خاسر في سوريا ، إذ من جهة يصبح واضحاً لموسكو أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد بوسعه تأمين مصالحها ، ومن جهة أخرى لا تستطيع روسيا مغادرة سوريا بسهولة ، لما يلحقه هذا الأمر من تقويض لهيبة رئيسها داخل روسيا وخارجها .
تترك الصحيفة أمر التعليق على مقالة الموقع المعني لرئيس مركز الدراسات الإسلامية في معهد روسي كيريل سيمونوف ، وللخبير العسكري يوري سيليفانوف . يقول الأول بأن المرتزقة الروس لم يتم سحبهم من ليبيا ، بل من جوار طرابلس فقط ، وذلك لإجبار حفتر على العودة إلى المفاوضات . والولايات المتحدة تخشى ، برأيه ، أن تلعب روسيا وتركيا الورقة الليبية لصالحهما ، ولذا تعمد إلى عرقلة الصفقة الروسية التركية المفترضة .
ويقول سيمونوف بأن الولايات المتحدة قد تبدأ العمل ضد إيران بعدوانية أشد ، لكن هذا الأمر لا يعني روسيا مطلقاً . فكما أن موسكو لا تحشر نفسها في الخلافات السورية الإسرائيلية ، من المستبعد أن تحشر نفسها أيضاً في الخلافات الإيرانية الأميركية .
أما الخبير العسكري سيليفانوف فيقول ، بأن السؤال الذي يعنيه حين قراءة أي نص تحليلي ، هو معرفة من الكاتب . ويقول ، بأن كاتب النص في الموقع المعني هي الدكتورة دانيا قليلات خطيب العضو المراسل في مركز عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت . ويتوجه إلى الصحيفة الروسية بعد ذلك بالقول :”هل بقيت لديكم أية أسئلة في ما يتعلق بالجهة ، التي تعمل لصالحها هذه السيدة؟” . ويستغرب بعد ذلك كيف تنقل صحف روسية مثل “هذه النصوص المحايدة” ، وتتظاهر بعدم معرفتها بالحرب السياسية النفسية الواسعة ، التي تُخاض ضد روسيا المعاصرة ، والخالية من أية أيديولوجية ، لأن الغرب تخلى عن مُثله الديموقراطية ، ولم يعد يعرف سوى الكذب المبتذل، على قوله.
صحيفة الكرملين “vz” لم ترض بمهمة لروسيا أقل من مهمة إنقاذ أوروبا في ليبيا . فقد كتبت في نهاية الشهر المنصرم حول الحدث الليبي مقالة بعنوان “هل تنقذ روسيا أوروبا في ليبيا” ، قال كاتبها بأن بعض الصحافيين والكتاب السياسيين أخذ يصف الصراع الليبي ، بأنه “أهم حرب بالوكالة في الشرق الأوسط”، ويعتبر أنهم على حق في ذلك ، لأن الحرب السورية قد فقدت منذ مدة بعيدة صفة “الحرب الأهم” ، وتحددت قائمة اللاعبين الخارجيين الخاسرين فيها ، ولم يبق سوى معرفة مصير البعض منهم . أما في ليبيا فإن اللعبة الكبرى هي في ذروتها الآن ، وتشارك فيها كل من تركيا والجزائر وفرنسا ومصر والسعودية والإمارات وقطر والولايات المتحدة و…بالطبع روسيا . والسؤال الأهم هو لماذا حشرت موسكو نفسها هناك ، وما الذي ستناله مقابل ذلك . ويقول بأن روسيا ، شكلياً ، تتواصل مع طرفي النزاع (حكومة فايز سراج وجيش الفيلدمارشال خليفة حفتر) ، إلا أنها ، في الواقع ، تقدم الدعم السياسي العسكري للأخير.
ويقول بأن موسكو ، وبأموال الإمارات العربية المتحدة ، تمد حفتر بالسلاح ، ويحارب إلى جانبه مقاتلو “مرتزقة فاغنر” الروس . لكن مستوى إنخراط روسيا في الصراع الليبي ، لا يقارن مطلقاً مع مستوى إنخراطها في الحملة السورية . فقد كان الكرملين يرفض بأدب طلب حفتر إرسال قوات تدخل سريع إلى هناك، علماً أن “الجيش الوطني الليبي” لم يكن بحاجة إليها ، إذ كان ينتزع من حكومة الوفاق الوطني المدينة تلو الأخرى .
لكن الوضع تبدل الآن . فما لم تقم به روسيا ، قامت به تركيا لصالح فايز سراج ، وأرسلت له مقاتلين أتراك ، وإرهابيين سوريين ، وكذلك طائرات مسيرة أثبتت كفاءتها الممتازة في سوريا ، وكانت نتيجة “الطرد” المرسل هذا محزنة بالنسبة لحفتر ، حيث وجه الأتراك له سلسلة من الهزائم . ويقول الكاتب ، بأن ال”واشنطن بوست” محقة في القول بأن مصير ليبيا يتوقف الآن على ما تقوم به تركيا وروسيا .
وبعد أن يسترسل الكاتب في الحديث عن الإمكانيات ، التي تتمتع بها روسيا في ليبيا دون غيرها من الأطراف الأخرى ، وعن مخاوف أوروبا من تحقق هذه الإمكانيات ، وبعد أن يقلل من أهمية النفط والغاز الليبيين ، يقول بأنه ليس لدى موسكو الرغبة في القتال من أجل ليبيا لا مع تركيا ، ولا مع إيطاليا وفرنسا . ولا يريد الكرملين سوى حصته الضئيلة من النفوذ في شمال إفريقيا ، والعقود لإعادة إعمار ليبيا وسواها ، مما يمكن الحصول عليه من خلال التوصل إلى حل وسط بين أطراف النزاع .
وينتهي الكاتب إلى القول ، بأن لدى تركيا مخططات أكثر طموحاً من ذلك بكثير ، وأكثر تهديداً لمصالح أوروبا ، وبما أن لدى روسيا وحدها اليوم الإمكانيات لدفن هذه المخططات ، فمن صالح الأوروبيين ليس إنتقاد موسكو ، بل تحفيزها لتعزيز وجودها في ليبيا .
تقول الكاتبة السياسية الشهيرة في صحيفة “Novaya” المعارضة يوليا لاتانينا ، بأن الكرملين يجد دائماً مخططاً فاشلاً ، حيث يمكن تبذير الأموال ، سواء كان في نفط فنزويلا ، أو في الفاشل الأبدي خليفة حفتر، الذي يحلم منذ 50 عاماً بأن يصبح ديكتاتور ليبيا .
المدن
—————————-
شينكر يطالب روسيا بمغادرة سوريا..وموسكو ترد:مجرد حماقة
اعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر أن روسيا تلعب دوراً مدمراً في الشرق الأوسط وأنه يجب عليها مغادرة المنطقة. لكن مصدراً في الخارجية الروسية وصف تصريح شينكر بأنه “مجرد حماقة”.
وقال شينكر إن خطأ إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أتاح لروسيا تعزيز مواقعها في سوريا والشرق الأوسط. وأضاف “أعتقد أن إدارة أوباما رحبت بدخول روسيا إلى سوريا، معتقدة أنها ستضع موسكو في موقف صعب، ولكن روسيا قلبت مسار الحرب وسمحت لنظام الأسد بالبقاء هناك حتى الآن”.
وتابع: “أرى أنه تم ارتكاب خطأ فظيع أتاح لروسيا إنشاء قاعدة في المنطقة، ومنحها الشجاعة لاتخاذ مزيد من الخطوات في المنطقة”.
ووفقاً لشينكر، فإن إبقاء الروس بعيداً عن الشرق الأوسط هو حجر الأساس في السياسة الأميركية منذ 45 عاماً. وقال: “نعتقد بصراحة أنه يجب عليهم الخروج من هناك (الشرق الأوسط)”.
وعلّقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على تصريحات شينكر قائلةً: “أريد توضيحاً من السيد شينكر ماهي المشاريع الأميركية الناجحة في العقدين الأخيرين في منطقة الشرق الأوسط ؟”. وأضافت “لا يمكننا أن نتذكر بصراحة حيث كان الموت والدمار فقط هما النتائج سياسة الأميركية في المنطقة. بهذه الطريقة يرى شينكر نتائج المشروع الأميركي الناجح في المنطقة “.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الروسية قوله: “يبدو أنه (شينكر) لا يفهم عما يتحدث، إنها تصريحات تتجاوز الخير والشر. هذا يخرج عن نطاق أي تقييم. مجرد حماقة”. وأضاف أن “مستوى التأهيل المهني في وزارة الخارجية الأميركية أصبح منخفضاً للغاية”.
من جانبه، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي أن المزاعم الأميركية بشأن دور روسيا “المدمر” والدعوات لرحيلها من الشرق الأوسط “ضرب من المجون والوقاحة”.
وأضاف أن “حضور روسيا في سوريا شرعي تماماً وجاء بدعوة من قيادة البلاد، وذلك بخلاف الوجود الأميركي. لا أحد دعا الولايات المتحدة إلى سوريا ولا إلى العراق أو ليبيا”، بحسب تعبيره.
—————————
ألكسندر يفيموف… أعلى من سفير لكنه ليس «مندوباً سامياً»!
صلاحيات واسعة لـ«المبعوث الرئاسي الخاص» الروسي في سوريا
رائد جبر
أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، القاضي بتعيين السفير الروسي لدى دمشق ألكسندر يفيموف «مبعوثاً رئاسياً خاصاً» لشؤون العلاقة مع سوريا، تساؤلات ونقاشات كثيرة، حول مغزى هذا التوجه ودلالات توقيته.
وتزايدت التكهنات والتأويلات، خصوصاً، لدى أطراف في المعارضة السورية رأت في التطور تجسيداً لما وصف «الانتداب الروسي على سوريا»، وتكريساً لإمساك موسكو تدريجياً بكل مفاتيح القرار السياسية والاقتصادية في البلاد بشكل مباشر. وهكذا، انهالت التسميات على السفير من «المندوب السامي» إلى «بول بريمر الروسي». وقد يكون الوصف الأكثر جاذبية هو ذلك الذي رأى أن يفيموف غدا «الظل الدائم» في سوريا لـ«القيصر».
ألكسندر يفيموف، السفير الذي بات بإمكانه أن يتحدث باسم الرئيس الروسي وهو يخاطب الجهات الرسمية في بلد اعتماده، لم تكن حدود مهامه عندما عُيّن سفيراً لدى دمشق قبل سنتين، تفتح على تكهّنات بأنه سيلعب دوراً مفصلياً في وقت لاحق.
فالدبلوماسي الهادئ الذي تدرج في مناصب عدة، انشغل في غالبية فترة خدمته الوظيفية بالعمل خلف الكواليس، على ملفات معقدة لم يظهر فيها بشكل مباشر. ولذلك تشير معطيات إلى أنه انخرط في سنوات سابقة بمهام تتعلق بالوضع في العراق وفي ليبيا، رغم أنه لم يخدم في هذين البلدين بشكل مباشر.
ولد ألكسندر فلاديميروفيتش يفيموف عام 1958، وكان عمره 22 سنة عندما تخرّج في معهد العلاقات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية. وهذه المؤسسة الأكاديمية المرموقة خرّجت، بالمناسبة، عدداً كبيراً من ألمع الدبلوماسيين الروس، بينهم الراحل يفغيني بريماكوف، ووزير الخارجية الحالي سيرغي لافروف، ونائب الوزير ميخائيل بوغدانوف وغيرهم، ولم يكن من السهل الحصول على مقعد دراسي فيها، خصوصاً في الحقبة السوفياتية.
دبلوماسي مهني
في عام 1980 بدأ يفيموف حياته المهنية في المؤسسة الدبلوماسية. ويبدو أنه مارس كثيراً من المهام التي تدرج فيها في مواقع مختلفة في أروقة وزارة الخارجية بموسكو، قبل تعيينه ملحقاً في السفارة الروسية بالعاصمة الأردنية عمّان عام 2004، وبقي هناك حتى عام 2008. كانت تلك فترة صعبة ومعقدة نظراً لتطورات الوضع في العراق بعد إطاحة نظام الرئيس صدام حسين، مع كل انعكاسات ذلك على الأردن والمنطقة عموماً.
بيد أن هذه الفترة على صعوبتها، أكسبت يفيموف خبرة طيبة وضعته مباشرة بعد العودة إلى موسكو على رأس قسم في دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الروسية. وفي هذا الموقع أمسك بملفات عدد من البلدان، قبل أن يغدو نائباً لرئيس الدائرة بين عامي 2010 و2013.
ومن ثم، في السنوات الخمس اللاحقة، برز اسم ألكسندر يفيموف كسفير مفوّض فوق العادة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عمل على تطوير العلاقات الروسية – الإماراتية في المجالات السياسية والاقتصادية، في وقت نجح البلدان في تحقيق تقارب كبير وتوسيع آفاق التعاون بشكل غير مسبوق. وهذا الأمر انعكس على قرار الرئيس فلاديمير بوتين بمنح السفير وسام شرف لـ«تفانيه في تعزيز السياسة الخارجية الروسية» في العام 2017.
الانتقال إلى سوريا
لذلك جاء منطقياً، أن يتقرّر نقل يفيموف في العام التالي، بعد انتهاء مهامه في الإمارات مباشرة إلى سوريا، البلد الذي بات يحظى بأهمية كبرى وأولوية خاصة على رأس سلم اهتمامات موسكو في السياسة الخارجية.
وبالفعل، منذ تسلمه مهامه سفيراً لدى دمشق، عمل يفيموف على ترتيب العلاقة في مرحلة صعبة ومعقّدة. فمن جانب، سرعان ما جرى الإعلان عن انتهاء «المرحلة النشطة» من العمليات العسكرية الروسية، ومع أن بعض البؤر الساخنة بقيت في البلاد، لكن أمكن تثبيت وقف النار تدريجياً واستعادت غالبية المدن السورية حياتها الطبيعية تقريباً. ولكن من جانب آخر، وضع ذلك روسيا أمام استحقاق إطلاق العملية السياسية وإنجاحها، فضلاً عن الاستحقاق الأهم على المستوى الداخلية المتعلق بالنهوض بالاقتصاد المتهاوي… وبين المهام الأساسية التي طرحت في تلك الفترة حشد تأييد دولي لفكرة روسيا بضرورة إطلاق عملية واسعة لإعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين.
ولكن هذه المهام لم تكن بالمعنى المباشر ملقاة على عاتق يفيموف. ذلك أنه بجانب وجود ممثلين عن القيادة العسكرية بشكل مباشر في البلاد، كان هناك حضور دائم ولافت للمبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف ونائب الوزير سيرغي فيرشينين في كل الملفات المطروحة على الصعيد الدبلوماسي، بما في ذلك على صعيد تنسيق العمل في إطار «مسار آستانة» والحوارات الدولية والإقليمية المتعلقة بسوريا.
مع هذا، بدا أنه كان للسفير الروسي لدى دمشق الإسهام الأكبر في ترتيب العلاقة الثنائية، وتنشيط وجود عدد من الشركات الروسية، فضلاً عن التوصل إلى توقيع عشرات الاتفاقات ومذكرات التعاون بين الجهات الروسية والسورية المختلفة.
على هذه الخلفية، تحديداً، تم النظر إلى قرار بوتين بتعيين يفيموف «مبعوثاً رئاسياً خاصاً»، على أنه يطلق «مرحلة جديدة» في تعامل موسكو مع العلاقة مع الحكومة السورية. إذ ما كان بوتين يحتاج إلى وجود «مبعوث رئاسي خاص» في سوريا، مع وجود لافرنتييف مبعوث الكرملين لشؤون التسوية، ومع وجود بوغدانوف – وهو مبعوث الرئيس إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -، وأيضاً، مع وجود فيرشينين مبعوث الخارجية الروسية إلى المنطقة. هذا، في واقع الأمر، واحد من المؤشرات التي دفعت إلى إطلاق تكهنات كثيرة حول المهام التي سيكلّف بها يفيموف في منصبه الجديد.
أهمية التوقيت
أيضاً لعب اختيار التوقيت دوراً في زيادة هذه التكهنات. إذ جاء قرار بوتين اللافت، في سياق تطورات متسارعة، سبقت وأعقبت هذا التعيين، كان أبرزها الحملات الإعلامية الصاخبة التي وجهت انتقادات قاسية للنظام، واتهمته بالفشل في إدارة البلاد، و«الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام». بل، وذهب بعضها إلى الحديث عن فقدان رئيس النظام بشار الأسد القدرة على التحكم في الأمور «بسبب اتساع رقعة الفساد والفاسدين من حوله»، فضلاً عن تدهور شعبيته إلى مستويات لا تؤهله للنجاح في أي انتخابات مقبلة.
وتبع ذلك، حملة مضادة شنّتها أطراف سورية موالية للنظام اتهمت فيها روسيا بأنها «حققت مكاسب كبرى» في سوريا. وبأنها لم تنقذ النظام كما تقول، بل يعود الفضل في «إنقاذ سوريا من الإرهاب والمؤامرة الكونية» إلى الإيرانيين.
تزامن كل ذلك مع ظهور الخلافات الداخلية بين بعض مكوّنات النظام في دمشق إلى السطح، وبدا أن البلد مقبل على «تصفية حسابات داخلية» لا تقتصر في تداعياتها على مسائل الفساد والملفات الاقتصادية.
في هذه الظروف برز عنصران ضاغطان. تمثل الأول في تفاقم المشاكل المعيشية والاقتصادية بما انعكس على ملايين السوريين، ولقد حذّرت أوساط في موسكو من أن يؤدي ذلك إلى انفجار داخلي قريب ما لم تتخذ خطوات عاجلة وحاسمة.
وبرز العنصر الضاغط الثاني مع اقتراب موعد دخول «قانون قيصر» الأميركي حيز التنفيذ، مع كل التداعيات السلبية التي سترمي بثقلها بقوة على القطاع الاقتصادي والشركات السورية والأجنبية (بما فيها الروسية) المتعاملة مع سوريا. بكلام آخر، بدا أن المرحلة المقبلة، ستكون حاسمة على مختلف المستويات، ويضاف إلى ما سبق، أن موسكو غدت في حاجة ماسة إلى دفع مسار التسوية السياسية؛ لأن الإنجازات الميدانية التي تحققت على الأرض خلال سنوات، قد تواجه هزات ضخمة بسبب الاستحقاقات المقبلة.
هكذا حمل توقيت التعيين دلالات أساسية إلى عزم موسكو العمل بشكل وثيق ومباشر في الملفات الداخلية السورية، وفي الملفات المحيطة بسوريا أيضاً. ولذا لم يكن غريباً أن يترافق قرار تعيين يفيموف تقريباً مع توجه روسي لتوسيع الحضور العسكري وتعزيز وضع القوات الروسية في سوريا… عبر الأمر الرئاسي لوزارتي الخارجية والدفاع بالعمل مع دمشق لتوقيع «بروتوكول» إضافي على اتفاقية الوجود العسكري الروسي في سوريا.
ميزات ومهام للمنصب الجديد
التطور الأساسي الذي أحدثه تعيين يفيموف أنه بات لدى روسيا شخصية تلعب دور «ممثل خاص» عن الرئيس بوتين، قادر على الحديث مع الجهات السورية المختلفة باسمه مباشرة من دون المرور بالقنوات الدبلوماسية. هذا الدور يحمل ثقلاً وقوة لم تمنح لسفير سابق. وفي وقت سابق قال مصدر روسي لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا يعكس أهمية المرحلة المقبلة في سوريا التي تتطلب ديناميكية ميدانية دبلوماسية في اتخاذ قرارات فورية على الأرض مباشرة». وزاد قائلاً «إن كون يفيموف ممثلاً للرئيس الروسي فهو يعني أنه سيكون أقدر على تنفيذ سياسة لا تسمح لأي طرف سوري بالتلاعب والمماطلة… وهذا يأتي بالتوافق على أنه حان الوقت لبدء عملية الانتقال السياسي والتغييرات في سوريا».
الحديث هنا عن الاستحقاقات الداخلية وضرورات مواجهة الفساد والفوضى والترهل والاستعداد للتعامل مع «قانون قيصر». لكن في الوقت ذاته هناك إشارة إلى مدى استعداد موسكو لإطلاق مرحلة جديدة من التعامل مع ملف التسوية في سوريا، تتضمن الشروع في وضع أسس لتنفيذ كامل للقرار الدولي 2254 بعناصره الثلاثة التي اشتملت الانتقال السياسي والإصلاح الدستوري والانتخابات.
كانت موسكو قد ركزت جهودها خلال المرحلة الماضية على المسار الدستوري بصفته المدخل لإطلاق عملية التسوية، لكن هذه الجهود اصطدمت بعراقيل عدة، بينها «تعنت المتشددين من طرفي الحكومة والمعارضة»، وفقاً لتعليق خبير روسي. هذا لا يعني بطبيعة الحال أن السفير يفيموف سيكون مكلفاً ملف التسوية في منصبه الجديد؛ لأن هذا الملف يبقى بيد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف الذي يواصل تنسيق الجهود في إطار «مسار آستانة» والاتصالات مع الأطراف المختلفة المعنية، بما فيها الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سوريا غير بيدرسن. لكنه يعني أن مركز القرار الروسي الأساسي في سوريا انتقل من قاعدة حميميم إلى السفارة في دمشق، بكل ما يعني ذلك من بدء المرحلة الثانية من التدخل الروسي في سوريا بالبناء على العمليات العسكرية التي بدأت في 2015، والانتقال إلى مرحلة الإعمار سياسياً واقتصادياً.
لقد مهد يفيموف لتحركه الجديد بتوجيه إشارة يقلل فيها من حدة التكهنات التي أثيرت بسبب الحملات الإعلامية، فهو قال إن «الأحاديث والتلميحات المتداولة حالياً حول وجود خلافات في العلاقات الروسية – السورية لا أساس لها»، مضيفاً أن العلاقات «أقوى اليوم مما كانت عليه في أي وقت مضى».
بهذا المدخل يتأهب السفير – المبعوث الرئاسي للقيام بمهامه الجديدة في سوريا.
ومع الشق السياسي، المتعلق بفرض الرؤية الروسية على الأطراف السورية، وضبط صراعاتها التي يمكن أن تؤثر على مصالح روسيا، هناك الشق الاقتصادي الذي لا يقل أهمية، ونجاح السفير سابقاً، في مهام تعزيز التعاون الروسي اقتصادياً وتجارياً مع دولة الإمارات تضعه في تسميته الجديدة في مكان مناسب لأن المرحلة المقبلة ستشهد استحقاقات اقتصادية مهمة، تبدأ من مواجهة تداعيات «قانون قيصر» ولا تنتهي بإطلاق عمليات إعادة الإعمار.
يذكر أنه في تاريخ روسيا الحديث كان الكرملين لجأ مرة واحدة في السابق إلى تسمية أحد السفراء «مبعوثاً رئاسياً خاصاً». وحدث ذلك في عام 2001 عندما عيّن فيكتور تشيرنوميردين، رئيس الوزراء السابق آنذاك، سفيراً فوق العادة لدى أوكرانيا، مع تسميته «مبعوثاً رئاسياً خاصاً» لتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري مع البلد الجار. واكتسب هذا التعيين أهمية فائقة نظراً لإعطاء موسكو أولوية خاصة للعلاقة مع أوكرانيا، في ظل احتدام المنافسة مع الغرب الذي سعى إلى جر الجمهورية السوفياتية السابقة إلى معسكر العداء لروسيا.
بناءً عليه، يأتي تعيين يفيموف «مبعوثاً رئاسياً» ليكتسب أيضاً أهمية خاصة مماثلة حالياً، في سوريا، لكن من منظور مختلف بعض الشيء، يتعلق بالدرجة الأولى بالتعامل مع الاستحقاقات الداخلية بعد بروز التباينات بين أطراف السلطة، فضلاً عن أن سوريا تقف أمام استحقاقات كبرى؛ ما يتطلب أن تكون لدى السفير هذه الصلاحيات الواسعة لاتخاذ القرارات على الأرض وفقاً للحاجة.
الشرق الاوسط
======================
تحديث 09 حزيران 2020
—————————–
مبعوث بوتين وتفكّك عائلات النظام في سورية/ عمار ديوب
المفوض الساميّ. غازي كنعان روسيا في دمشق. مبعوث بوتين والاستخبارات ورجال أعمال الكرملين. صفات متعدّدة أُطلقت على المفوض الذي كان سفيراً. هو تأويل صائب للتحوّل، وإلّا لظلَّ السفير سفيراً! يحاجج بعضهم بأن ذلك أضغاث أحلام؛ فروسيا لن تتخلى عن بشار الأسد، وكفاكم مغالاةً في الأوهام. هذا التفكير هو الخيالي بامتياز، حيث يقلّل من شأن تغيير الصفة، وكذلك من عدم ملاحظة التغيّرات في الواقع، وأيضاً لا يقرأ السياسة إلا من أفواه جناحٍ يكذب، طوال الوقت، وأن روسيا لن تغيّر النظام، بينما الحقيقة أن روسيا لم تعد تعتبره نظاماً؛ فهو بالنسبة لها أداة بيدها، وإلّا فكيف أسقطت عنه المساواة معها، أي بين النظامين، السوري والروسي، وهذا منذ أكثر من عامين. الجديد هذا علينا قراءته بدقة، وحتى التسمية الروسية له تشي بذلك، فهو “لتطوير العلاقات مع سورية”. إذا هناك علاقات مربكة، ومتأزمة، ووصلت إلى حدٍ تتطلب فيه التغيير. نضيف هنا أن روسيا اختطت للنظام بدائل عن بيان جنيف في العام 2012، وحتى قرار مجلس الأمن 2254 حاولت تجنبه، وكانت بدائلها تفاهمات أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية، مكملة للحرب منذ العام 2015، ولكن ذلك كله لم يدفع النظام إلى تغيير سياسته، ولم يبد أي إصلاحٍ، ولم يوقف آليات الفساد، ولم يتقدم بمشروعٍ ما، يسعف الروس.
يقاتل الروس معه، وعلى الجبهات كافة؛ دبلوماسيّاً، عسكريّاً، اقتصاديّاً، وحتى سياسيّاً. فعلوا ذلك كله، وهم يأملون تغيير المشهد السياسي السوري، والمشهد الدولي المتعلق بسورية؛ وعكس ذلك يتمّ، فدولياً ضَبَطت أميركا المشهد العالمي، فلا يُسمح بتعويم النظام السوري قبل إحداث تغييرٍ فيه وقبوله بحلٍّ سياسيٍّ يستوعب المعارضة، وطرد إيران. وإقليمياً، لم تطرد روسيا ومعها النظام إيران، ولم يستطيعا تهميش تركيا، بل أصبحت موجودة عسكرياً في أكثر من منطقة في سورية. أكثر من ذلك، تجاوز وجودها هذا دعمها فصائل مسلحة سوريّة، تآمرت هي مع روسيا عليها وأخرجتها من كل سورية باسم خفض مناطق التصعيد، والآن تشرف على إرسال بعضها إلى ليبيا، وتفعل روسيا هذا مع بعضها الآخر! المقصد هنا أن روسيا غيّرت الواقع الميداني لصالح النظام، ولكن ذلك لم يدفعه إلى تغييرٍ ما، ولهذا وجدناه يرفض أفكار اللجنة الدستورية المشكلة روسيّا، وشن أعوانه أخيرا (خالد العبود وبهجت سليمان وسواهما) حملات “تافهة” ضد روسيا، بل وهدّدوا الرئيس بوتين!
روسيا المحكومة بنظامٍ مافياوي استخباراتي تقرأ ملامح المشهد السوري كلها، وتذلّ النظام بأكثر من شكلٍ وطريقة، وتتعامل معه، في أحيان كثيرة، وكأنّه جهة مساوية لفصيل مسلح هامشي، كما يجري في درعا، حيث تجبر أجهزة أمنه على الجلوس مع ممثلين عن فصائل عسكرية. روسيا التي رفضت الدول الكبرى على خططها لشرعنة النظام السوري، وأعطت لتركيا مناطق واسعة، وتراقب تفكك عائلات السلطة، وشراسة بعضها وشراهتها لحيازة ثروات سورية، وتتهرّب هذه من دفع الديون لها، روسيا هذه، بخطوتها الأخيرة، تعلن سياسة جديدة. سياسة تنطلق من أنها أصبحت المتحكّمة في سورية، وبدء مرحلة التفاوض على مستقبل الحكم
هناك.
لن تكتفي روسيا من “تخليص” إيران بعض المشاريع الاقتصادية، وستواصل تهميش دور هذا البلد في سورية، وهذا باتفاقٍ مع إسرائيل وأميركا وربما تركيا. وفيما يتعلق بأميركا، ليس أمام الروس إلّا التفاوض على شرق سورية، حيث النفط والثروات. وبما يخص النظام، ستعمل موسكو على التدقيق أكثر فأكثر في كل سياساته الاقتصادية والعسكرية والأمنية. المبعوث الآن ليس سفيراً، وتسميته الجديدة لا تشبه تسمية دولة أخرى لسفراء فوق العادة أو مبعوثين، حيث تجب قراءة ذلك وفقاً للمشهد أعلاه، ولحجم التدخل الروسي الذي أصبح احتلالاً، ولم يعد تدخلاً أو تحالفاً وسوى ذلك. روسيا بذلك ستتجه نحو سياسة جديدة، لا نعرف خطوطها الدقيقة، ولكنها بالتأكيد، تجاوزت مرحلة تهميش النظام، والبحث في مرحلة التفاوض على مستقبله.
عدا ما حاججت به؛ هناك ما يشبه الإجماع في التحليل للوضع السوري أنه لم يعد قابلاً للاستدامة؛ فاقتصادياً تدهور الوضع بشكلٍ مهول في الأشهر الأخيرة، وسياسياً، تتفكك عائلات السلطة التي بدونها لن تصمد طويلاً، وخزينة الدولة مفلسة بالكامل، والنظام ليس في مرحلة محاربة الفساد، فهو قائم على الفساد، وأيديولوجياً، لم تعد تفيده سوالفه عن حماية الأقليات، والإرهاب السني، وعدم وجود بديل عنه، والسيادة الوطنية، والمقاومة والممانعة. أيضاً، اجتماعياً، هناك تفكّك في حاضنته الاجتماعية، وهذا بتأثير الغلاء الشديد، والتفكّك في عائلات السلطة، والذي أصبح معلناً، وصار الحديث يتناول “نحن نموت جوعاً، وأنتم تختلفون على مليارات الدولارات”. وهناك قضايا دولية تتعلق بأكثر من ملف “جرائم حرب، المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية”، وكلّها، تغلق نوافذ تعويم النظام.
روسيا أمام مشهد معقد للغاية، ولا يشبه الموقف في أبخازيا أو حتى أوكرانيا، وهناك العقوبات التي تحاصرها، وجائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور بداخلها؛ روسيا العنيدة هذه لم يعد لها أية مصلحة في بقاء النظام الحالي، والأخير لا يعي ضرورة أن يبدأ الإصلاح كما نوّهت، وبالتالي هي أمام مأزق حقيقيٍّ، فإمّا الاستمرار في سياساتها القديمة، وعدم التفاوض على النظام، وسيفضي ذلك إلى إخفاقها، حيث انتهت الحرب، والآن تتسلم تركيا وأميركا مناطق واسعة، وحربها الفعلية تتمّ مع إيران! وإمّا تتجه، وبذاكرتها تجربة إخفاقها في أفغانستان وأميركا في العراق، وتتفاوض مع الدول المحتلة والمتدخلة في سورية.
إذاً، كثيرة هي الأسباب التي تدفع إلى تحميل مبعوث روسيا مهماتٍ جديدة، سيما أن روسيا لم تعد قادرةً على تسنيد أرجل النظام الذي شاخ طويلاً. حالة المعارضة السوريّة والثورة والفصائل المسلحة تشبه أوضاع النظام في تفككها، وضعفها، وتبعيتها، وارتزاقها. هذا أسوأ مما يحدث لسورية؛ فلا النظام يبدي أيّ حسٍ وطنيٍّ لما أصبح عليه هو والبلاد، ولا المعارضة أيضاً. ولهذا، ليس من تغييرٍ سوريٍّ سوريٍّ كما يشتهي بعضهم، ونتمنى معه في الوقت الراهن خارج التوافقات الإقليمية والدولية، فهل تعي روسيا اللحظة الراهنة للوضع السوري؟
أغلب الظن، سنرى سياسة روسية جديدة بما يخص سورية.
العربي الجديد
——————————
واشنطن تقدم عرضاً للأسد..للخروج من أزمته
كشف المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أن الولايات المتحدة قدمت عرضاً لرئيس النظام السوري بشار الأسد للخروج من الأزمة التي تعاني منها سوريا. وأوضح أن العقوبات الأميركية لعبت دوراً في انهيار العملة السورية.
وقال جيفري في وقت متأخر من ليل الأحد/الاثنين، إن انهيار قيمة العملة السورية كان إلى حد ما نتيجة الإجراءات التي اتخذنتها الولايات المتحدة. واعتبر أن هذا الانهيار دليل على أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام السوري، وعلى أن النظام نفسه لم يعد قادراً على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة.
وأضاف جيفري أن النظام السوري لم يعد قادراً على تبييض الاموال في المصارف اللبنانية التي تعاني بدورها من أزمة، في إشارة إلى شح الدولار في المصارف اللبنانية، مع انخفاض احتياطيات المصرف المركزي.
وكشف جيفري أن واشنطن قدّمت للأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة. وقال: “إذا كان الأسد مهتماً بشعبه سيقبل العرض ونحن على تواصل مستمر مع الروس ومع اللاعبين البارزين والآخرين ومع المعارضة السورية التي يجب أن تبقى موحدة”.
وأوضح أن قانون “قيصر” يعطينا صلاحية يمكن استخدامها وفقاً لما نراه مناسباً لتحقيق سياستنا وسنتخذ إجراءات ضد الأنشطة التي نرى أنها تُبقي الأسد قادراً على معارضة العملية السياسية وتُبقي قواته في الميدان. وتابع: “نحن نقرر الأنشطة التي تشملها للعقوبات وقيصر لا يحدد أن كل القطاعات التي تنشط في مجال معين ستخضع تلقائيا للعقوبات”.
وقال: “إذا تم خرق وقف إطلاق النار سنزيد الضغط الاقتصادي والدبلوماسي وسننسق مع الأتراك، بحسب ما قاله الرئيس دونالد ترامب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول طبيعة الدعم الذي نقدمه لهم في إدلب”.
وتابع: “نريد أن نرى عملية سياسية ومن الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام لأنه لا يمكننا المطالبة بذلك بينما نعمل تحت مظلة الامم المتحدة”. وأضاف “نطالب بتغيير سلوك النظام وعدم تأمينه مأوىً للمنظمات الإرهابية، وعدم استعماله السلاح الكيماوي ضد شعبه وجيرانه، وعدم تأمينه قاعدة لإيران لتبسط هيمنتها على دول في المنطقة”.
وأكد جيفري أن “هدف الولايات المتحدة هو إخراج كل القوات الإيرانية من سوريا”، معتبراً أنها “سبب الكثير من الأعمال السيئة التي تحصل هناك”. وقال: “العقوبات المشمولة بقانون قيصر ستطال أي نشاط اقتصادي بشكل أوتوماتيكي، وأي تعامل بين أي دولة وبين النظام الإيراني، وخرقها ستكون له تبعات على الدول غير الملتزمة”.
وأوضح المبعوث الأميركي أن “الأوروبيين شركاؤنا ويجب التمييز بين موقفهم معنا تجاه سوريا وبين موقفهم تجاه إيران، كما أن هناك فروقاً بين موقف حكومتنا وبين مواقف حكومات اوروبية تجاه السياسة الخاصة بإيران”.
وأعلن حرص الولايات المتحدة على ثلاثة أمور هي: تطبيق العقوبات الاقتصادية على النظام وداعميه، وعلى الانشطة التي تساعده على قمع شعبه. ألا تتم إعادة إعمار سوريا في ظل نظام الأسد، وروسيا وايران والنظام السوري لا يوفرون وسيلة لدفعنا الى تمويل إعادة الإعمار لكننا لن نفعل ذلك. ونحرص على ألا تقدم أي جهة دولية على تمويل الاعمار في ظل هذا النظام.
المدن
————————-
سوريا.. من يملك الحل؟/ بهاء العوام
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول حل نهائي للأزمة السورية يحسم كل ما هو عالق منذ نحو عشر سنوات. لا أحد يقول من يمتلك مفاتيح هذا الحل السحري، وكم يستغرق إنجازه. ولكن الجميع يبدأ من الخلاف الروسي السوري وينتهي بقانون قيصر الأميركي. مرورا طبعاً بـ”النصر” الروسي على تركيا في إدلب، ومحاولة لم شمل الكرد في مناطق شمال شرق البلاد.
قبل البحث في حل اللغز المرتقب، لا بد من ذكر الثوابت التي لم تتغير في الأزمة حتى الآن. فعلى الضفة الدولية لا يزال الاتفاق على عدم تغيير الرئيس بقوة السلاح ساري المفعول. كذلك حال الاتفاق بأن سوريا لن تكون غنيمة طرف واحد، ولكن المكاسب ستوزع وفقا لخارطة الميدان.
تغيرت هذه الخارطة كثيرا خلال سنوات الحرب طبعاً، ولكن هناك حد أدنى للمكاسب لا يبدو أن أي من المحتلين الخمسة، أميركا، وروسيا، وإيران، وتركيا، وإسرائيل، سيقبل التنازل عنه مهما طال أمد الأزمة. كل منهم دخل سوريا لمصلحة إستراتيجية، ولن يعود دونها أو يتخلى عنها، إلا بحرب أو بمقابل يفوقها قيمة وأهمية.
بالنسبة للأطراف المحلية وهم، النظام والأكراد والمعارضة، لكل طرف غايته التي لم تتحقق حتى الآن؛ بشار الأسد يريد استعادة السيطرة على البلاد وكأن شيئا لم يكن. والصوت النافذ في المعارضة يريد استبدال الأسد بمرشد الإخوان أو الجولاني. أما الأكراد فيريدون إقليماً ذاتياً لا يقل استقلالاً عن كردستان العراق.
ويرفض الأطراف الثلاثة مراجعة غاياتهم هذه رغم عدم واقعيتها. ولكن السوريين عموماً لم يعودوا أصحاب قرار في قضيتهم بعدما تحولت إلى صراع دولي. الأمثلة كثيرة ولا يمكن لأي من اللاعبين المحليين نكرانها أو تبريرها.
هناك سوريون كثر في الداخل والخارج لا حول لهم ولا قوة، يريدون بلادهم دولة ليبرالية موحدة. ولكن هذا الخيار أيضاً لا يناسب اللاعبين الدوليين ولا المحليين مهما زعموا حرصهم على وحدة الأرض وسيادة الدولة السورية.
وأمام كل هذه التناقضات كان ولا يزال الخيار الأفضل للجميع هو أن تبقى الأزمة معلقة. لا يريدون حلها ولا يريدون إخمادها. هم فقط يحركونها ببطء شديد يواكب الملفات المرتبطة بها في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
الأمر الوحيد الذي يمكن أن يحدث اختراقا سريعاً في الأزمة السورية هو إزاحة بشار الأسد عن السلطة بانقلاب أبيض من داخل النظام. وربما حملت الأشهر القليلة الماضية أملاً باحتمال حدوث ذلك بعد الجفاء الذي ساد بين الأسد والروس مؤخرا. خاصة وأنه ترافق مع خلاف ظهر فجأة واتسع بسرعة بين رأس النظام وابن خاله رامي مخلوف. وهذا الخلاف بين الاثنين مؤشر على عمق الخصومة الروسية الإيرانية الحالية في سوريا.
بين طهران وموسكو اليوم ما صنع الحداد، كما يقال. ليس فقط بسبب محاصرة الروس لمخلوف ذراع إيران الاستثماري والميليشيوي في سوريا. وإنما لأن القيصر فلاديمير بوتين يسمح لإسرائيل باستهداف القوات الإيرانية في أي زمان ومكان. وربما يكون هو من يزودهم بإحداثيات المواقع الإيرانية التي يتصيدها الإسرائيليون بين الحين والآخر.
ثمة تواطؤ روسي آخر على الإيرانيين زاد من حدة الخلاف بينهما. وهو إبعاد طهران عن ملف إدلب وحصره بين موسكو وأنقرة. ولا نذيع سراً بالقول إن كل الضغوط التي يمارسها الروس على الإيرانيين فوق الأرض السورية، تبهج الولايات المتحدة وتقرب المسافات كثيرا بين موسكو وواشنطن.
الاعتراف بحق القوات الروسية في البقاء على الأراضي السورية بعد انتهاء الأزمة، هو واحد من مؤشرات التشجيع الأميركي لموسكو على الصدام مع طهران. ولكن هل بلغ هذا التشجيع حداً كافياً لإحداث قطيعة بين الطرفين؟
هل اتسعت الهوة بين حلفاء دمشق إلى حد الإطاحة بالأسد؟ وهل إزاحته الآن تحسم الخلاف لصالح أي من الطرفين، أم تزيد الأمر تعقيداً؟ وقبل هذا وذاك، هل طي صفحة الأسد في تاريخ سوريا يكون فقط بقرار فردي روسي أو إيراني؟
هناك حلان للأزمة السورية، القاسم المشترك بينهما هو التخلي عن الرئيس. الأول يتمثل بإزاحة الأسد عبر انقلاب أبيض من داخل النظام. وهو حل سريع ومغرٍ ويتجدد الرهان عليه كل بضع سنوات. لكن سرعان ما تخفق التوقعات ونعود إلى الحل الثاني المتمثل بمفاوضات جنيف التي لا يستعجلها أحد أبداً.
المفاوضات حل بطيء لن يثمر حتى يتفق الجميع على موعد وآلية لرحيل الأسد عن السلطة، ولكنها الخيار اليتيم الوحيد المتاح. خاصة إذا ما كذبت نبوءة مخلوف بزلزال إلهي يدمر النظام، أو فشل قانون قيصر الأميركي بلف حبل ثورة شعبية جديدة حول رقبة الرئيس وحلفائه.
صحافي سوري
العرب
———————————-
موسكو:مضى زمن الأسد؟/ بسام مقداد
تجاهل الكرملين وإعلامه أنباء الإحتجاجات السورية الأخيرة على تدهور الوضع المعيشي وانهيار الليرة السورية ، وبقي اهتمامه شبه محصور بالحدث الليبي وتأثيراته السلبية المحتملة على الوجود الروسي في سوريا والمنطقة . واللافت في هذا الصدد ، أن إعلاميين روس معروفين قاربوا الحدث الليبي من زاوية الصراع المستمر في سوريا . فقد كتب المتابع للشأن السوري في صحيفة القوميين الروس “sp” زاور كارايف في 7 الشهر الجاري يقول ، بأنه إذا ما حاول الكرملين تطبيق السيناريو السوري في ليبيا ، فسوف يصطدم بمشاكل كبيرة ، إذ أنه لا يملك الحجة الوازنة المتمثلة بدعوة السلطات الرسمية له للدخول، كما في سوريا . صحيح أن الأسد كان يكرهه الجميع عشية دخول روسيا ، إلا أن أحداً لم يكن بوسعه الإعتراض على صفته الرسمية. أما خليفة حفتر فهو رسمياً لا أحد ، ولم يمنحه أحد الحق بتنصيب نفسه ديكتاتوراً على ليبيا ، وبالتالي ، فإن تأييد مثل هذه الشخصية ، ليس السيناريو الأفضل ، سيما أنه عمل لفترة طويلة مع المخابرات الأميركية ، مما يخلق مخاطر جدية بالنسبة للكرملين.
ويقول هذا الإعلامي أن موسكو تتنازع ليبيا مع تركيا ، بصورة أساسية ، ولدى أنقرة مع موسكو قصة غير منجزة في سوريا ، هي إدلب . وتنازلات محددة من قبل موسكو في ليبيا ، سوف تمنحها إمكانيات واسعة في إدلب . فالأتراك ، وفي مطلق الأحوال ، لن يصلوا إلى النفط السوري ، وبالتالي ، فإن احتفاظهم بإدلب وبجزء من حلب ، لن يعود عليهم سوى بالخسارة إقتصادياً . أما في ليبيا ، فالأمر مختلف كلياً ، حيث يمتلك إردوغان إتفاقية مبرمة مع فايز سراج حول تسويق النفط الليبي عبر تركيا . لكن بالنسبة لموسكو فليس لديها في ليبيا ، حتى الآن ، إمكانيات واسعة، على العكس مما في سوريا ، وبالتالي ، فإن التنازلات هناك من شأنها أن تمنحها إمكانيات تسوية الوضع في إدلب بسرعة .
في العودة إلى الشأن السوري ، فقد بقي صمت الكرملين وإعلامه شبه مطبق بشأن احتجاجات السوريين ، على الرغم من أن هذه الإحتجاجات تخطت درعا والسويداء وريف دمشق ، وبلغت وسط دمشق ، على ما ذكرت مواقع السوشال ميديا السورية الثلاثاء في 9 الشهر الجاري ، حين ثارت ثائرة مواطن سوري على غلاء الأسعار ، وشتم الأسد ونظامه وسط دهشة السوريين من حوله .
قد تكون صحيفة القوميين الروس المذكورة هي الوحيدة ، التي خرقت صمت الكرملين هذا ، حين نشرت في 8 من الشهر الجاري لكاتبها المذكور أيضاً مقالة بعنوان “السوريون يتمردون مجدداً : الأسد – إلى الإستقالة ، الروس – إرحلوا من هنا” ، أُرفق بعنوان ثانوي “صدامات واحتجاجات في المناطق ، التي يسيطر عليها الرئيس” . ويقول بأنه يبدو أن المشاكل في سوريا لن تنتهي أبداً ، مما يعني أنه ليس لدى روسيا أفاقاً واسعة هناك ، وما يجري الآن يقول بضرورة تغيير الكثير في هياكل السلطة السورية . فإضافة إلى الأميركيين والأتراك والإيرانيين والأسديين والإرهابيين وسواهم من القوى الأخرى الكثيرة ، برز لدى الروس وجع رأس آخر ، تمثل في السوريين ، الذين عادوا منذ سنوات إلى حضن السلطات الشرعية . ويأخذ الكاتب على هؤلاء السوريين ، بأنهم عاشوا سنوات تحت سلطة “الإرهابيين والمعارضة المسلحة” ، ولم يفكروا بالإحتجاجات ، لأنهم لم يكونوا يسمحوا لهم بذلك ، كما يبدو، لكن مع مجيئ الأسد برزت مجدداً ، برأيه، إمكانية الإحتجاج .
وبعد أن يستطرد الكاتب في الحديث عن ما يجري منذ قرابة الشهر في جنوب غرب سوريا من “إضطرابات جدية”، يقول بان كل شيئ يبدأ مجدداً من درعا ، التي انطلقت منها العام 2011 الثورة السورية وتطورت إلى حرب أهلية حولت سوريا مؤقتاً إلى ليبيا ، ثم إلى شبيه ما بالعراق ، حيث الأميركيين والأتراك والأكراد مع دولتهم المعلنة ذاتياً . القصة تتكرر من جديد ، برأيه، ولا يتردد في وصف ما يجري بأنه “الإرهاب بعينه” ، أو محاولة أخرى لبدء “حرب تحرير” جديدة.
يعرج الكاتب في حديثه على احتجاجات السويداء ، ويقول بأن الناس كانوا هنا أكثر صراحة ، إذ لم يحتجوا فقط على غلاء الأسعار وخلو جيوبهم من النقود ، بل دعوا صراحة لإسقاط الأسد ، ولم ينسوا الأجانب ، ليس كل الأجانب ، بل الروس والإيرانيين حلفاء الأسد ، من دون أن يأتوا على ذكر الأتراك والأميركيين. ويرى أن مشكلة الإحتجاجات تتمثل في توسع جغرافيتها ، وانتقالها من مدينة إلى أخرى ، تماماً كما حدث في العام 2011 ، حيث بدأ كل شيئ من درعا ، وانتقل لاحقاً إلى بقية المدن والمناطق السورية .
ويتساءل الكاتب عما يقوله كل ذلك لروسيا ؟ ويرى أن المقالات ضد الأسد ، التي نُشرت منذ فترة قريبة في مواقع إعلامية موالية للكرملين ، لم تكن نتيجة خطأ أو خلاف بشأن نسيب الأسد رامي مخلوف ، بل كانت خطوة مهمة ، ولسبب جدي ، أمكن معالجته خلال أسبوعين. أما استياء السكان من الأسد ، الذي تحدثت عنه المقالات المذكورة ، فهو استياء موجود فعلاً ، ومن المستبعد إمكان التخلص منه بالقوة الخشنة . فالسوريون الذين عرفوا كل فظائع الحرب ، من المستبعد إمكان تخويفهم بالعسكر ، بل سيدفعهم ذلك ، على الأرجح، إلى عدوانية أكثر ، مما يحتم بالتالي البحث عن وسائل أخرى مختلفة .
ويرى الكاتب أن الحل الأفضل يتمثل ، بالطبع ، في إحياء الإقتصاد وتثبيت سعر صرف الليرة السورية وتوفير فرص عمل ، وما إلى ذلك ، لكن من المستبعد إمكان تحقيق ذلك خلال السنوات العشر القادمة . ولا يتبقى ، بالتالي ، سوى القليل من الوسائل . وقد يكون من الأفضل بالنسبة لروسيا فيما لو ظهر في منصب الرئاسة السورية شخص آخر غير الأسد . فالإنتخابات الرئاسية السورية قريبة في العام 2021 ، فليمض الأسد سنته الرئاسية الأخيرة هذه ، وليرحل في ما بعد . وليبق يعمل ، على ألا يتولى مناصب رسمية . فالمشكلة ، برأي الكاتب ، في أن صورة الأسد ترتبط لدى الكثيرين من السوريين بالدمار والمصائب والفقر ، خاصة لدى الأشخاص ، الذين في سن 18 وأكثر بقليل . فالجزء الأعظم من حياة هؤلاء الواعية مضى في ظروف الحرب ، وفي ظل بشار الأسد رئيساً لسوريا . فمن المستبعد أن تحب رئيساً ، حتى لو كان أفضل من الأسد بكثير، إذا ما كان في حوش منزلك حفرة انفجار بدلاً من ساحة للعب الأطفال ، وبدلاً من شباك المنزل أكياس نايلون تستر الفجوة ، التي تشكلت في الجدار . كما من المستبعد أيضاً أن تحب رئيساً إذا لم يكن طفلك قد أكل حتى الشبع منذ ولادته ، وإذا كان والداك العجوزان قد ماتا في العوز والإذلال. لعله يكون من العقلانية أكثر، برأي الكاتب، لو تم تجديد السلطة ، وتنصيب شخص ليس مرتبطاً لدى السوريين بالمصائب والمشاكل ، حتى لو كان النسخة السورية (لرئيس الوزراء الروسي السابق) ديمتري ميدفيديف ، لكن في ظل التقديم الحذق له ، سوف يتمكن ، على الأقل، من تخليص سوريا من الإحتجاجات ، التي ليست موسكو أيضاً بحاجة لها مطلقاً.
المدن
—————————-
الحسم الروسي في سوريا بعيد..والاستقرار “شبه خيالي“
يبدو الاستقرار طويل الأمد في سوريا أمراً “شبه خيالي”، قد لا يتحقق في عقود من الزمن. سيستغرق الأمر بعض الوقت لتقييم مدى “فوز” روسيا في سوريا. في غياب نهاية سلمية للصراع وتضخم المساعدات الغربية واسعة النطاق، فإن المخاطر السلبية على روسيا قد تؤدي إلى “تفتح بعض ورودها” في سوريا.
ويرى موقع “ناشونال انترست” الأميركي، أن تدخل روسيا في سوريا أفرز في وقت لاحق “مطالبات بالفوز”. وعلى الرغم من أن روسيا عززت مكانتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط، إلا أن ضعفها الاقتصادي يقلص الدعم لتدخلها الخارجي، فيما سوريا دولة فاشلة محاصرة بحرب أهلية.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انسحبت روسيا إلى حد كبير من الشرق الأوسط. لاحقاً حفّز الرئيس فلاديمير بوتين رغبات العديد من الروس الذين يريدون أن تكون بلادهم في المرتبة الأولى بين القوى العالمية. القوة العسكرية الضخمة والطاقة هي المفتاح .
تستخدم روسيا القوة حتى ضد الأهداف المدنية. وتخطط مع السعودية للتأثير على سوق النفط العالمي. في الشرق الأوسط، يمتلك الكرملين موهبة الدبلوماسية الماهرة، له علاقات مع جميع اللاعبين الرئيسيين، ويأخذ المخاطر المحسوبة التي تثمر.
ويرى “ناشونال إنترست”، أنه كمكافأة لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد، قد يُسمح لروسيا بإقامة المزيد من القوات البحرية والجوية في سوريا، القادرة على تعريض قوات “الناتو” للخطر في جميع أنحاء منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. هذا هدف روسي رئيسي.
لكن إلى جانب هذه المكاسب، يواجه الكرملين مشكلتين رئيسيتين: ردة فعل داخلية ضد التدخل غير الشعبي، وعدم القدرة على مساعدة سوريا في إعادة الإعمار.
يرى الكثيرون من الروس أن التدخلات العسكرية في سوريا وشرق أوكرانيا “مغامرات خارجية مكلفة”. يعكس هذا جزئياً قلقاً متزايداً من أن روسيا تعاني من “عصر ركود” آخر، وهي عبارة تذكر بالفقر والعذاب في عصر بريجنيف.
ويقول الموقع: “قد لا تفعل روسيا، العديمة الجدوى، سوى القليل لمساعدة سوريا على إعادة الإعمار”. قبل عام، قدّرت الأمم المتحدة أن الحرب كلفت سوريا حوالي 388 مليار دولار من الدمار المادي. كما أن تكاليف رأس المال البشري هائلة. تقدر الأمم المتحدة تكاليف إعادة الإعمار ب250 مليار دولار، أي حوالي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قبل الحرب.
هناك خطر آخر في سوريا يتمثل في أن الجهات الفاعلة التي تستخدم العنف، بما في ذلك القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية و”داعش”، يمكن أن تسيطر على الموارد، أو تعوق إعادة الإعمار، أو تسعى لابتزاز أو فرض ضرائب على السكان المحليين العاملين في مشاريع البناء.
يشعر الكرملين بالإحباط لأن الغرب لا يدفع. في كانون الثاني/يناير 2018، زعم السفير الروسي لدى الاتحاد الأوروبي أن الدول الأوروبية “ستتحمل المسؤولية” إذا لم تبدأ في غضون أشهر بإنفاق “عشرات المليارات من اليورو” على إعادة إعمار سوريا، وحذر وزير الخارجية الروسية الأوروبيين من أن تأخير إعادة الإعمار قد يؤدي إلى تردد السوريين في العودة إلى بلادهم.
ستستفيد روسيا أكثر من التدخل في سوريا إذا خمد القتال وبدأ التقدم الاقتصادي. من المحتمل أن يتطلب ذلك تسوية سياسية، بوساطة من الأمم المتحدة، مما يخفف نسبة العنف وهذا أمر مقبول لدى الأطراف الرئيسية. سيكون تحقيق ذلك أصعب إذا ظل الكرملين متردداً في الضغط على الأسد لتقديم تنازلات من أجل السلام، بحسب “ناشونال إنترست”.
——————————
بعد عرض واشنطن لإنقاذ الأسد..روسيا تمدّ يدها
قال نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف إن روسيا مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة بشأن سوريا والاستفادة من خبرة منع الحوادث بين العسكريين الروس والأميركيين في المناطق السورية.
وقال ريابكوف، خلال نقاش عبر الفيديو حول العلاقات الروسية الأميركية نظمه مجلس العلاقات الدولية في نيويورك: “نحن على تواصل مع الزملاء الأميركيين حول القسم السياسي من هذه المسألة. نعتزم مواصلة هذه الاتصالات”.
وأضاف “نقوم بكل ما بوسعنا حتى تفهم الولايات المتحدة بشكل صائب ماذا ولماذا نفعل. نوسّع الحوار مع الولايات المتحدة، إذا تبادلونا وأرادوا ذلك، فإننا مستعدون من جانبنا”.
وأعرب ريابكوف عن اهتمام بلاده بالعمل مع الولايات المتحدة على تحسين الاتفاقات الخاصة بمنع الحوادث العسكرية بناءً على الخبرة التي جُمعَت في سوريا، قائلاً: “نجري حواراً مكثفاً ومحترفاً مع الولايات المتحدة عبر القنوات العسكرية”.
وتابع: “نأمل استخدامها في الحالات الأخرى. نؤكد اهتمامنا بتحسين الاتفاق الثنائي مع الولايات المتحدة بشأن منع النشاط العسكري الخطر واتفاق منع الحوادث العسكرية الخطرة مع الاستناد إلى التجربة السورية”.
وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري تحدث الأحد، عن عرض قدمته الولايات المتحدة لنظام بشار الأسد. وقال في لقاء مع الجالية السورية في الولايات المتحدة، إن النظام السوري نفسه لم يعد قادراً على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة، وعلى تبييض الأموال في المصارف اللبنانية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان أيضاً.
وأضاف أن الولايات المتحدة قدمت إلى الأسد، عرضاً للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية. وقال: “إذا كان الأسد مهتماً بشعبه سيقبل العرض ونحن على تواصل مستمر مع الروس ومع اللاعبين البارزين والآخرين ومع المعارضة السورية التي يجب أن تبقى موحدة”.
وأوضح أن قانون “قيصر” يعطينا صلاحية يمكن استخدامها وفقاً لما نراه مناسباً لتحقيق سياستنا وسنتخذ إجراءات ضد الأنشطة التي نرى أنها تُبقي الأسد قادراً على معارضة العملية السياسية وتُبقي قواته في الميدان. وتابع: “نحن نقرر الأنشطة التي تشملها للعقوبات وقيصر لا يحدد أن كل القطاعات التي تنشط في مجال معين ستخضع تلقائيا للعقوبات”.
وقال إن واشنطن “تريد رؤية عملية سياسية، من الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، لكن تطالب بتغيير سلوكه وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة”.
ورد النظام السوري الأربعاء، على تصريحات جيفري، معتبراً أنها “تشكل اعترافاً صريحاً من الإدارة الأميركية بمسؤوليتها المباشرة عن معاناة السوريين”. ونقلت وكالة أنباء النظام “سانا” عن مصدر في خارجية النظام، أن “تشديد العقوبات هو وجه آخر للحرب المعلنة على سوريا، وأن واشنطن تنظر إلى المنطقة بنظرة إسرائيلية، لأن المطالب التي يتحدث عنها جيفري هي مطالب إسرائيلية قديمة متجددة لفرض سيطرتها على المنطقة”.
وقال المصدر إنه “لو كانت هناك شرعية دولية حقيقية وتضامن عربي، لكان من الواجب محاسبة الإدارة الأميركية على هذه السياسة التي تستهدف الإنسان السوري في حياته اليومية”.
————————-
نهاية الأسد تقترب.. وحزب الله يٌغرقُ لبنان فقراً/ بدوان عبد النور
ربما صار الأسد عبئاً حتى على الروس. فسوريا استنزفتهم، واستنزفت إيران أيضاً. وكلا الطرفين باتا يتناتشان بقايا الدولة السورية، بحثاً عن دولار هنا وهناك. فروسيا العظمى دخلت في منازلة مع رامي مخلوف، بحثاً عن سيولة مالية. فيما إيران غارقة في مشكلاتها الداخلية والإقليمية مع العقوبات الأميركية.
وقد تكون أميركا وحدها ممسكة بخيوط أساسية مريحة في صراعات الشرق الأوسط، وتستنزف الجميع. فلا وقف للحروب، ولا إعمار لسوريا، إلا برضاها وبشروطها. فالروس والإيرانيون المأزومين اقتصادياً، غير قادرين على تقديم أي شيئ لسوريا. حاولوا ابتلاعها كفريسة، ولم يستطيعا هضمها.
“قانون قيصر” قد يقلب التوازنات في المنطقة، ويسرّع تفكك بقايا النظام السوري وتحلله. فنظام الأسد شيء، وبشار الأسد شيء آخر. نظام الأسد سقط قبل سنوات سبع، عنما وصل الثوار إلى تحت شباك قصر المهاجرين، واضطر الأسد الإبن إلى طلب النجدة من الروس، فتحول مجرد دمية في أيديهم. وظل في القصر صورة رسمية معلقة، مثل والده، في بعض دوائر الدولة لا أكثر. نظامه سقط، واليوم معرض الأسد نفسه للسقوط.
التظاهرات والدروز
من مؤشرات اقتراب سقوطه تجدد الاحتجاجات في مناطق سورية كثيرة، وفي دمشق أخيراً. ومنها أيضاً انقلاب الدروز على نظامه في السويداء، بعدما كانوا من أبرز مؤيديه طوال 50 سنة.
وكان وليد جنبلاط في لبنان قد انقلب من قبل على النظام الأسدي، بعدما أمضى حوالى 30 سنة في تبعيته له. ثم انفضّ عنه مع هبوب رياح التغيير الأميركية، فقفز جنبلاط الإبن من سفينة الاحتلال السوري الآفل في لبنان. الدروز وزعاماتهم يجيدون استباق هبوب الرياح السياسية. فهم العرب الوحيدون الحاضرون في الجيش الإسرائيلي. وهم مع النظام السوري لاستعادة الجولان. وهم مع الثورة السورية في لبنان. وهذا ليس من باب إدانتهم. بل توصيفاً لهم كجماعة أقلية ميكروسكوبية تجيد إنقاذ نفسها في منطقة زلازل وبراكين متل الشرق الأوسط.
خوف متجدد
وقد يكون الشرط الأول لأميركا كي توقف استنزاف الدب الروسي في سوريا، قطع رأس إيران وميليشياتها فيها. لم يعد وجود إيران في سوريا قابلاً للاحتمال. لقد أدوا دورهم وقسطهم للعلى، وحان موعد إقصائهم. هل ينطبق عليهم القول المأثور: “الناس نيام إذا ماتو انتبهوا”؟ وهو قول قد يقضّ مضاجع حسن نصرالله في لبنان، بعدما تكبد حزبه أكثر من ألفي قتيل وخمسة آلاف جريح، دفاعاً عن سوريا الأسد. فيا لضياع الخطب العصماء والتعرّق ورفع الأصابع، والانتفاخ بالقوة واللعب في ملاعب الكبار. لقد ذهب هذا كله هباءً، وكلف لبنان ما لا طاقة له على تحمّله.
لكن هيهات أن تعرف الحكمة سبيلها إلى عقول أصحاب الانتصارات الإلهية، فلا يغرِقون لبنان مجدداً في عبثية محاولاتهم إنقاذ نظام الأسد المقبل على الانهيار. ربما لم يعد ينفع ذاك النظام تهريبُ الطحين والمازوت والدولارات. والخوف كل الخوف من حزب سلطة وتسلط، مشبع بهلوسات دينية وماورائية أبوكاليبتية، من أن يختار هدم الهيكل على رؤوس اللبنانيين جميعاً.
كانت المعادلة التي أرساها حافظ الأسد وسمحت لنظامه أن يستمر طوال 40 سنة، تتجلى في تصدير مشاكل نظامه الداخلية إلى الخارج، باتباعه سياسة توسعية أنهكت لبنان والفلسطينيين. وكانت المعادلة هي التالية: بقاء الأسد في لبنان مسألة حياة أو موت لنظامه. وبعد سنوات ست على خروجه من لبنان انتقلت الأزمات والثورات إلى ملعبه الداخلي في سوريا.
والخوف اليوم من أن يقدم حزب الله على قلب المعادلة ليصبح خروجه (وإيران تالياً) من سوريا نهاية للنظامين اللبناني والسوري، والعراقي استطراداً، في خضم بداية سقوط المحور الإيراني كله.
هلوسة جماهيرية
كيف يمكن أن يتحلى بالحكمة والحِلم محورٌ يعتبر إعلامه وجمهوره أن مواجهته مع أميركا لم تصب بنكسة إقليمية كبيرة بعد مقتل رائده قاسم سليماني؟ والذي كان رد الحرس الثوري عليه، إسقاط طائرة مدنية على متنها 250 راكباً، ومن ثم تنظيم جنازة لسليماني قتل فيها 350 إيرانياً دهساً في الزحام. أليس هذا درساً قاسياً للممانعة التي عدّته، كعادتها، نصراً إلهياً على الاستكبار العالمي؟
قد يكون جواب هذا كله غير سياسي، بل يجب البحث عنه في علم النفس الجماهيري. فأي نقاش سياسي، مهما كانت الآراء، يكون ممكناً، شرط وجود حدٍّ أدنى من المنطق المشترك.
لكن كيف يستقيم نقاش يقوم على قواسم مشتركة، مع جماعات وجمهور واسع يعيش في التهويم والهلوسة والهذيان؟ هذه هي المأساة الحقيقية مع هذا الجمهور وتلك الجماعات التي خضعت طويلاً ولا تزال لغسيل دماغ مخيف.
فمرشدهم في لبنان تسبب بحروب دمرت مناطق وحولتها خراباً، وقتلت ألوفاً من أبناء بيئته، وهجرت تهجيراً موقتاً 90 في المئة منهم، وأدت إلى هجرة 10 في المئة منهم إلى خارج لبنان هجرة نهائية. وكانت نتيجة الحرب العملية تنفيذ كل شروط العدو التاريخي المذلة. لكن هذا كله امّحى سريعاً بعبارة “لو كنت أعلم”. وتحولت الحرب في أدبيات المرشد نصراً إلهياً.
فقر و200 ألف صاروخ
جمهور النصر الإلهي، مع سواه من اللبنانيين، يفتك بهم اليوم الجوع والفقر والغم. وشبان ذلك النصر يقاتلون في الخارج ويعودون إلى ديارهم وأهلهم في توابيت، ضحايا 600 دولار في الشهر. اقتصادهم وشطر من اقتصاد لبنان قائم على السوق السوداء والتهريب وزراعة الحشيشة وتصنيع المخدرات وتبييض الأموال.. وأجيال تتربى بلا أفق.. وتحسب هذا كله عنفواناً وكرامة، ظانّةً أن الجيش الإسرائيلي يتآكل خوفاً وقلقاً.
وتتطلب الموضوعية ألا نحمّل ما يسمى محور الممانعة وحده الكوارث والمآسي التي تصيب لبنان. فجماهير أو رعايا الزعماء اللبنانيين لها قسطها من كوارث لبنان ومآسيه.
لكن رعايا الزعامات اللبنانية، من غير جمهور الممانعة اللصيق بحزب الله، يتميزون بمسألتين:
أولاً، نسبة التهويم والهلوسة في سردياتهم ورواياتهم “لايت”، أو درجاتها يمكن ضبطها وهضمها وتسييلها في مشروع وطني مشترك، ولو بالحد الأدنى.
ثانياً، هلوسات الجمهور غير الممانع، ليست مدعومة بـ 200 ألف صاروخ، وبحوالى 50 ألف مقاتل، وبعلاقات أخطبوطية مع محور يبدأ من خندق الغميق ويمتد إلى سوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى نظام الملالي في طهران.
—————————-
موسكو تريد «حواراً تفصيلياً» مع واشنطن حول الملف السوري/ رائد جبر
وزير الخارجية الإيراني في روسيا الثلاثاء المقبل
بعد مرور يومين فقط، على إعلان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، استعداد بلاده لفتح حوار شامل مع الولايات المتحدة حول الملفات الخلافية بما في ذلك بشأن الوضع في سوريا، سارت موسكو وواشنطن خطوة إضافية نحو وضع مقدمات لاستئناف الحوار السياسي الكامل حول سوريا، من خلال محادثات هاتفية وُصفت بأنها «تفصيلية» أجراها نائب وزير الخارجية والمبعوث الروسي الخاص لشؤون الشرق الأوسط سيرغي فيرشينين، مع المبعوث الأميركي الخاص بشؤون سوريا جيمس جيفري.
وأفادت الخارجية الروسية في بيان أن فيرشينين وجيفري بحثا «بشكل مفصل مسائل دفع عملية التسوية السياسية للأزمة السورية بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254 والذي ينص على الالتزام باحترام سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة أراضيها».
كما ناقش الجانبان، وفقاً للبيان، «الأوضاع على الأرض» في سوريا، بما في ذلك «مهمات ضمان إرساء الاستقرار في إدلب ومنطقة شرق الفرات وجنوب البلاد».
ويعد هذا أول اتصال على مستوى المبعوثين المكلفين بمتابعة الملف السوري، منذ فترة طويلة. وكانت القنوات الدبلوماسية للتنسيق حول سوريا، قد تقلصت إلى أدنى مستوى، في حين حافظ البلدان على قناة الاتصال العسكرية لمنع وقوع حوادث أو احتكاكات خلال التحركات العسكرية للطرفين على الأراضي السورية أو في الأجواء.
وشكّل النجاح في الحفاظ على «قناة التنسيق العسكري» المدخل الأساسي لحديث ريابكوف عن استعداد موسكو لتوسيع الحوار مع الولايات المتحدة حول الأزمة السورية، وقال إن «التجربة السورية يمكن أن تشكل نموذجاً ناجحاً للتنسيق العسكري والدبلوماسي في مناطق أخرى تشهد نزاعات».
اللافت أن تدشين الحوار الروسي الأميركي حول سوريا بهذه الطريقة أعقب سلسلة تطورات كان أبرزها تعيين السفير الروسي في دمشق مبعوثاً رئاسياً خاصاً، ما أوحى بإطلاق موسكو مرحلة جديدة في التعامل مع الأوضاع داخل سوريا وفي محيطها.
أيضاً، نشطت موسكو تحركاتها الدبلوماسية خلال الأيام الأخيرة، من خلال الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين، مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، ومع عدد من قادة البلدان الأوروبية، بالإضافة إلى اتصال هاتفي مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وفي كل الاتصالات أشار الكرملين إلى أن الملف السوري كان له حضور بارز في المحادثات التي أجراها بوتين.
إلى ذلك، أعلنت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن الوزير لافروف سوف يجري محادثات مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في موسكو التي يزورها الأخير الثلاثاء المقبل.
وقالت زاخاروفا في إيجاز إعلامي أسبوعي، إن العمل «يجري على إعداد زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى روسيا في السادس عشر من شهر يونيو (حزيران). ومن المقرر عقد مباحثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف».
وكان لافروف قد أجرى عدة اتصالات هاتفية خلال الأسابيع الأخيرة، مع ظريف ومع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو. وبحث وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، في اجتماع ثلاثي في أبريل (نيسان) الماضي، الوضع في سوريا وأكدوا عزمهم دفع العمل الثلاثي في إطار «مسار آستانة». وغدت تلك المحادثات التي جرت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، اللقاء السابع على المستوى الوزاري للبلدان الضامنة وقف النار في سوريا في إطار «مسار آستانة».
الشرق الأوسط
المسألة السورية ودلالات تعيين بوتين ممثلًا خاصًا له في دمشق/ سامر حيدر
قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ 26 أيار/مايو الفائت، تعيين ممثلًا خاصًا له في سورية، هو سفير روسيا الحالي في دمشق ألكسندر يفيموف، وبعيدًا عن التوصيفات التي أُطلقت على المندوب الجديد، فقد أثار القرار وتوقيته الكثير من التساؤلات والتكهنات حول الدوافع التي وقفت وراء ذلك القرار، هل هي تتعلق بتوافقات دولية لتحريك الحل السياسي لم يعلن عنها بعد؟ أم هي جاءت في سياق محاولة روسيا تعزيز سيطرتها وتحكّمها بالوضع السوري سياسيًا واقتصاديًا؟ أم أنها لوضع المزيد من التعقيدات في طريق الدول المتدخلة الأخرى، التي لم تبد تعاونًا مع روسيا لإنفاذ رؤيتها للحل السياسي واحباط جهودها لاستثمار نجاحاتها العسكرية سياسيًا بعد خمس سنوات من تدخلها. ذلك أن روسيا، منذ انطلاقة الثورة السورية، كان لها على الدوام مندوبون لمتابعة الملف السوري، سواءً بالتبعية لوزارة الخارجية أو لوزارة الدفاع حسب كل مرحلة ومتطلباتها. ولعلَّ الغموض الذي رافق قرار التعيين الذي جاء بصيغة عامة وفضفاضة من أجل “تطوير العلاقات بين البلدين”، طرح المزيد من الشكوك حول الهدف الحقيقي لخطوة بوتين.
كل المؤشرات الجديدة التي تحيط بالوضع السوري، وتفاقم أزمات النظام بالأخص على الصعيد الاقتصادي، الذي يتجه نحو حالة الانهيار التام، وعجز النظام عن تلبية الحاجات الأساسية للسكان، تشير إلى أن روسيا ليست في وضع مريح وأنها تتخبط في مأزق لا تريد الاعتراف به، وإعادة حساباتها السورية في ضوئه، ومع اقتراب تطبيق قانون سيزر الذي سيطال كل من يتعاون مع النظام، دولًا أو شركات أو أفراد، وخص بالتسمية روسيا وإيران، تصبح كل التكهنات لتفسير خطوة بوتين واردة، بما فيها أن تكون خيارًا شخصيًا له، لا علاقة له بحسابات المصالح القومية لدولة بحجم روسيا.
ثانيًا: تحوّلات مسيرة التدخل الروسي في سورية
كانت روسيا واحدة من الدول التي تدخلت منذ وقت مبكر في سورية، بعيد انطلاقة الثورة السورية في آذار/مارس 2011، لكنه بدأ تدخلًا سياسيًا، وتقديم الدعم اللوجستي العسكري أو الخبراء والمستشارين، وبدا أن النشاط السياسي الروسي الداعم لمواقف النظام، هو الطاغي بدعوى منع التدخل الخارجي واحترام سيادة الدول وفقًا لمنطويات القانون الدولي، وكان لوزارة الخارجية الروسية دورًا بارزًا، حيث كلف ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بإدارة الملف السوري، وكان لافتًا أن الموقف الوحيد الذي أبدت فيه روسيا تعاونًا مع تحركات المجتمع الدولي، كان موافقتها على مبادرة كوفي أنان وقرار جنيف1 في حزيران/ يونيو 2012، ربما لأن روسيا لم يكن بمقدورها آنذاك إلا أن تمرر ذلك القرار. لكن تجربتها بعده كانت تتلخص بالتملص منه عبر تبديد مضمونه بالمزيد من القرارات التي تتدرج بخطوات تراجعية، تهدف لتمييع النقطة الجوهرية بالقرار، ألا وهي أن الحل السياسي يقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وكان آخر سلسلة القرارات الأممية القرار رقم 2254 لعام 2015 الذي انطوى أيضًا على عملية انتقال سياسي، كما أنها استخدمت حق الفيتو أربعة عشرة مرة أغلبها بالتشارك مع الفيتو الصيني.
تحركات السياسة الروسية إزاء الملف السوري في تلك الفترة لم تقتصر على حماية النظام السوري في المحافل الدولية وبالأخص مجلس الأمن الدولي، بل كان لها نشاطات على أكثر من مستوىً دوليًا وإقليميًا ومحليًا، فقد جمعت أطيافًا من المعارضة السورية وبعض الشخصيات المعارضة، التي تحظى بقبول نسبي من النظام وتتمتع بهامش حركة داخل سورية وخارجها، في مؤتمرين تشاوريين متتاليين بالمشاركة من بين هذه الأطياف والنظام حيث عقد مؤتمر موسكو1 بتاريخ 31 كانون ثاني/يناير 2015 واستتبع بمؤتمر موسكو2 الذي عقد في 23 آذار/ مارس2015، وجاء المؤتمران في سياق محاولة موسكو تسويق رؤيتها لحل سياسي، يقوم على مشاركة من يقبل من بعض المعارضة بحكومة موسّعة لا تؤثر على بنية النظام، علمًا بأن كلا المؤتمرين اللذين لم يحضرهما ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، لن يسفرا عن أية نتائج خلا بعض المبادئ العامة التي رفضها النظام كعادته، كذلك دعت الخارجية الروسية في مناسبات أخرى ولمرتين وفدًا يمثل ائتلاف قوى الثورة والمعارضة في محاولة لعرض وجهة النظر الروسية وجهودها في تسهيل الحل السياسي، لكن أيضًا دون إحراز أية نتائج نظرًا لموقف موسكو المنحاز لصالح النظام وتجاهلها لكل الثورة السورية، حتى أن موسكو كانت ومازالت تعتبر أن كل من خرج على الأسد هو إرهابي، مع ذلك فإن أكبر ما أنجزته الخارجية الروسية هو اتفاق نزع السلاح الكيماوي من يد النظام، وفقًا للقرار الدولي رقم 2118 لعام 2013، بعد استخدام النظام له في الغوطتين بشهر آب/أغسطس2013 وتبدّد خطوط أوباما الحمراء.
في ربيع العام 2015 انقلب الوضع الميداني لصالح المعارضة، وبدا واضحًا أن قوات النظام والميلشيات التابعة لإيران وحرسها الثوري، باتت عاجزة عن وقف انهيار النظام، هنا تم طلب التدخل الروسي من قبل النظام وإيران لوقف تقدم المعارضة. التدخل الروسي الكثيف بالطيران الذي بدأ في 30 أيلول/سبتمبر2015، وتاليًا عبر شركة فاغنر الأمنية التي تضم مرتزقة روس ثم الشرطة العسكرية الروسية، حقق إنجازات مهمة للنظام، وقلب موازين القوى ميدانيًا لصالحه، خاصة بعد تدمير حلب الشرقية وإخراج قوات المعارضة منها نهاية العام 2016، وعند هذه النقلة تحوّل الملف السوري من أيدي وزارة الخارجية إلى وزارة الدفاع وقاعدة حميميم، التي باتت مسؤولة عن كل النشاطات الروسية العسكرية أو السياسية، لكن إنجازها الأكبر تمثل بعملية المصالحات، التي توجت باتفاقات مناطق خفض التصعيد الأربعة بضمانة ثلاثي آستانه، والتي انتهت عمليًا بعودة أغلبها لصالح النظام، دون أن تفي موسكو وشرطتها العسكرية بتعهداتها تجاه الفصائل التي قبلت بالمصالحات، ولم تحمهم من الاغتيالات ولا الاعتقالات التي تجري تحت ناظرهم بخاصة في الجنوب السوري، والانجاز الآخر لوزارة الدفاع في إدارتها للملف كان مسار آستانة الذي عقد خمسة عشرة جلسة ما بين العامين 2017 و2020 وعلى ما يبدو أن موسكو أرادت منه التوافق مع فصائل المعارضة على تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يشرف على الحل السياسي بديلًا عن هيئة الحكم الانتقالي، التي نص عليها جنيف1 أو بصيغتها المعدلة بالقرار رقم 2254 لعام 2015، الذي نص على تشكيل “حكومة انتقالية موسعة وغير طائفية” ، كما يشار إلى أن وزارة الخارجية الروسية لم تبتعد تمامًا عن الملف، فقد شاركت وتابعت جولات جنيف التسعة ما بين العامين 2012 و 2018، ومسيرة سوتشي للحوار الوطني التي بدأت بتاريخ 30 كانون ثاني/ يناير2018، علمًا بأن المسارات الثلاثة، لم تحقق حتى الآن أية نتائج مما كانت تطمح إليه موسكو، بتسويق حلها السياسي وتثمير إنجازاتها العسكرية إلى محرز سياسي، ويعود ذلك أولًا لتعنت النظام إضافة لإرادات دولية فاعلة أو إقليمية طامعة، لا تريد لروسيا أن تحقق نجاحات يمكن ترجمتها لنفوذ وهيمنة في منطقة حساسة كشرقي المتوسط.
لقد حاولت وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتين على مدى سنوات الصراع التسعة، انفاذ السياسة الروسية تجاه الصراع الدائر في سورية، وهما إذ لم تحققا النتائج المطلوبة، فذلك يعود لتعقيدات الصراع وكثرة المتدخلين، وأيضًا للدوافع الحقيقية التي دفعت موسكو لتوسيع تدخلها السياسي إلى تدخل عسكري، سيكون مكلفًا لها بكل المقاييس، فبوتين لم يوجه لهما لومًا، بل على العكس من ذلك، فإنه أصدر قرارًا بتاريخ 29 أيار/مايو الفائت، يسمح للوزارتين “بالتفاوض مع النظام السوري لتوسيع مناطق وقواعد القوات الروسية البرية والبحرية في سورية”، الأمر الذي يثير التساؤلات حول تعيين يفيموف ممثلًا شخصيًا له في هذا التوقيت، وعند هذا المنعطف الذي تزداد فيه تعقيدات الملف السوري سواءً لجهة تحركات وتدافع الدول المتدخلة، أو لجهة الانهيار المريع للوضع الاقتصادي السوري، الذي سوف يزداد انهياره بعد تطبيق قانون قيصر الوشيك، فهل يمكن اعتبار مهمة يفيموف تغييرًا في السياسة الروسية وآليات تعاطيها مع تطورات الوضع السوري؟
ثالثًا: مهمة يفيموف دلالاتها وآفاقها
تمكنت موسكو من الحصول على الكثير من المصالح الاقتصادية والعسكرية في السنتين الأخيرتين، منها استئجار قاعدتي حميميم وطرطوس إلى استثمار الفوسفات وبعض حقول الغاز في المنطقة الوسطى وكذلك المناطق البحرية ومطار دمشق الدولي وما حوله ومحطة الحجاز وسط دمشق، وما زال الأمر بهذا الخصوص مفتوحًا أمامها، في بلد ليس مغريًا من هذه الزاوية بحكم تواضع موارده، مما يجعل فرضية أن مهمة يفيموف، جاءت لتعزيز وتوسيع المصالح الروسية، فرضية لا يعتد بها، وعلى ذات القدر تلك الفرضية التي أرجعت القرار إلى تضارب المصالح والرؤى داخل بنية النظام الروسي، ذلك أنه في نظام دكتاتوري أمني كالنظام الذي يقوده بوتين، لا يتاح فيه مكان لمراكز قوى واستقطابات مؤثرة، وعليه فإنه والحالة هذه فإن خطوة بوتين، يمكن أن تتحدد بشكل أولي ومفتوح في عدد محدود من الاحتمالات منها:
أن تكون حصلت تفاهمات غير معلنة مع الطرف الأميركي، على تسهيل وتسريع الحل السياسي وفقًا للقرار 2254 لعام 2015، وهذا الاحتمال لم تظهر أية مؤشرات ترجحه، فالولايات المتحدة لم تبدِ يومًا استعدادًا للاعتراف بالدور الروسي في سورية، فيما عدا تصريح المبعوث الأميركي جيمس جيفري مؤخرًا لطمأنة الروس على مصالحهم في سورية، وكان ديدنها الدائم، أنه “لا ربط بين الملفات” في إشارة ضمنية ربما، لمحاولة روسيا مقايضة الوضع في سورية مقابل نظيره في أوكرانيا التي تدخلت فيها عام 2014، ويحضر في هذا السياق تصريح لمساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر قال فيه: “أن على روسيا مغادرة سورية، لأنها تلعب دورًا مدمرًا هناك” معتبرًا أنها توسعت في المنطقة بسبب” خطأ كبير ارتكبته إدارة أوباما”، وقد جاء الرد الروسي الحانق من تصريح مصدر في الخارجية الروسية لوكالة نوفوستي بقوله: “يبدو أن شينكر لا يدرك على الإطلاق ما يقول، هذا خروج عن نطاق أي تقييم، إنه مجرد حماقة ومستوى المهنية بات منخفضًا جدًا”، وبغض النظر عن التصريحات والتصريحات المضادة بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن هذا الاحتمال دونه عقبات قد يصعب على روسيا تجاوزها، فهناك الوجود الإيراني على الأرض، وحجم الاستثمار الإيراني في سورية بالمال والرجال في إطار مشروعها التوسعي، ما يفترض عدم تخليها بسهولة عن سورية، التي تعتبر جسرًا على طريق طموحها بالوصول إلى ساحل المتوسط، صحيح أن روسيا لم تعترض على القرار الأميركي الإسرائيلي الحاسم بإخراج إيران من سورية في اجتماع القدس الثلاثي الأمني، الأميركي – الروسي – الإسرائيلي، الذي عقد في القدس بتاريخ 18 حزيران/يونيو2019 وضم مسؤولي الأمن القومي في الدول الثلاث، كما أنها لم تعترض على الضربات الجوية الإسرائيلية المتواترة للمواقع الإيرانية على مساحة الأرض السورية، إلا أنها لم تبدِ أي تعاون للمساهمة في إخراج إيران على المستوى السياسي أو العسكري، على الرغم من بعض التذمر الذي تبديه موسكو من حركات التشويش والمشاغبة على الجهود الروسية التي تقوم بها طهران بين الفينة والأخرى، وآخرها إعادة جزء من ميليشياتها إلى الجنوب السوري وعودتها إلى البناء المجاور لمطار دمشق الدولي، بعد أن انسحبت عام 2018 لمسافة 80 كم من حدود الجولان، ذلك أن المنطق والتجربة يسمحان بترجيح أن هناك أمران في سورية، لن تضحي بهما موسكو، دون أن تحصل على مقابل ذي معنى في سورية أو في مناطق وملفات أخرى، الا وهما عدم التضحية بالأسد أو الاصطدام بالحليف الإيراني والمساهمة المباشرة في إخراجه.
أن تكون موسكو يئست أو هي على وشك من تعاون الولايات المتحدة والتفاوض معها على الملف السوري، فالأذن الأميركية، مازالت تضرب صفحًا عن سماع الدعوات الروسية بهذا الخصوص، فاتجهت إلى تكليف يفيموف لخلق المزيد من العراقيل أمام أية جهود أميركية أو دولية لتمرير حل سياسي لا يرضيها، وإذا كان هناك توجه لدى الكرملين لمثل هذه الفرضية، فإن هذا سيقود موضوعيًا، لأن تتحول روسيا تدريجيًا إلى دولة محتلة لبلد على حافة الانهيار، هي أعجز عن الإيفاء بمتطلباته على المستويات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية وإعادة الإعمار، وهنا مكمن المأزق الروسي في سورية، فلا هي قادرة على الانسحاب، هذا إذا توفرت النية لدى الأطراف المتدخلة الأخرى بتسهيل انسحابها، ولن تكون قادرة على تغطية التزاماتها كقوة احتلال.
بما أن بوتين طالما فاخر بأن الرئيس السوري، ساهم في عودة روسيا إلى المسرح الدولي كقوة ذات قرار، فإنه قد يكون تعيين يفيموف مجرد خيار شخصي للرئيس الروسي، بأن يكون قريبًا من حليفه في دمشق، وأن يساهم عبر ممثله الخاص في ترتيب أوضاع النظام الداخلية، وضبط الاهتزازات، التي تداهمه من داخله ومن خارجه، على اعتبار أن يفيموف على دراية وإلمام واسع بالوضع السوري وتحولاته، كونه سفير مقيم في دمشق، لكن مثل هذه الفرضية، ذات ترجيح ضعيف في دولة مثل روسيا وطموحاتها على المستوى الاستراتيجي.
في ضوء ما تقدم فإن السؤال الأساسي يدور حول احتمال فشل مهمة يفيموف أيًا كانت دوافعها، سؤال قد لا يطرب له أصحاب الرهانات الروسية على تدخلها في سورية، وتكلفته الباهظة على المستوى السياسي أو الأخلاقي، بحكم الدمار والخراب الفظيع الذي أوقعه طيرانها في المدن السورية، ومما لا شك فيه فإن مثل هذا الخيار، سيكون له تداعيات في غاية السلبية لجهة الدور الروسي وتدخلاته في أكثر من منطقة من العالم، كما سيكون له أثر بليغ على مكانة بوتين الحريص على تقديم نفسه للروس وللعالم بأنه “القائد الذي انتشل الأمة الروسية من نكستها عندما انفرط عقد الاتحاد السوفيتي”.
رابعًا: خاتمة
لقد بات من نافل القول إن الصراع الدائر والمفتوح في سورية على درجة من التعقيد، تجعل إمكانية حله ليست باليسيرة، سواءً لجهة تعدد الدول المتدخلة وتضارب أجنداتها، أو لجهة تعقيدات الواقع السوري وانفلاشه بعد خمسين عامًا من ممارسات نظام استبدادي وفاسد، وأن أي محاولة لتمرير حل سياسي، باتت تتطلب كسر المعادلات الحاكمة للصراع، ومنها إخراج إيران وتركيا وتقرير مصير النظام، وكل تحرك ما قبل هذه الخطوة، لا يعدو عن أن يكون تقطيعًا للوقت، بما فيها تعيين يفيموف، بانتظار أن تتعب الأطراف المعنية بالتتالي تحت وطأة الضغوط التي تتعرض لها.
مركز حرمون
—————————————-
نشاط روسيا العسكري في شرق المتوسط يكرر مقاربتها تجاه سورية
على الرغم من أن موسكو يمكن أن تواجه كثيرًا من التحديات، إذا حاولت الاستمرار في هجماتها واعتماد استراتيجية منع الوصول ورفض المنطقة Anti-Access and Area Denial – A2AD في ليبيا، كما فعلت في سورية، فإن أفعالها السرية إلى اليوم تُظهر التزامًا بلعب لعبة طويلة ضد الناتو في شرق المتوسط.
على الرغم من الصعوبات الداخلية التي تُعزى إلى فيروس كورونا (COVID-19)، فإن روسيا تزيد باطراد مكانتها العسكرية، في سورية وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط بمجمله، خلال الأشهر القليلة الماضية. وقد كانت التطورات الأخيرة أحد الأسباب لهذه الخطوة، خاصة التوسع العسكري التركي. لكنها قامت أيضًا على موقف موسكو الحالي في سورية، وعلى أعوام من النفوذ الذي يتوسع في ليبيا، حيث يعمل المقاولون العسكريون الروس الخاصون منذ عام 2018 تقريبًا. إن اهتمام الكرملين الرئيس، على المدى الطويل، هو مواجهة الحصار الغربي المتصور من خلال التوسع، وترسيخ وجودها السياسي والعسكري لتهديد الناتو في خاصرته الجنوبية.
الأنشطة في سورية وليبيا
في الأيام الأولى من وباء كورونا، في أواخر آذار/ مارس، أرسلت موسكو سيارات إسعاف عسكرية إلى سورية، في استعراض لدعمها بشار الأسد. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، عملت أيضًا على توسيع موطئ قدمها في شمال شرق سورية الذي يسيطر عليه الأكراد. خلال هذا الوقت، نشرت الصحافة الروسية عددًا من المقالات التي تنتقد الأسد، معظمها صادر عن وكالة الأنباء الفدرالية (RIA FAN). ومعروف أن من يدير هذه الوكالة/ المنفذ الإعلامي، ويتحكم فيها، هو يفغيني بريغوجين Yevgeny Prigozhin، الأوليغارشي سيئ السمعة الذي يدير أيضًا مجموعة (فاغنر) الغامضة. مهما كانت الرسائل التكتيكية للحملة الإعلامية لوكالة الأنباء الفدرالية المذكورة أعلاه، فإن المنافذ التي تديرها الدولة لم تُعِد نشر المقالات، ولم يغيّر المسؤولون الروس خطابهم حول الأسد أو الغرب (على الرغم من إحباطهم المفترض مع دمشق سرًا). على العكس من ذلك، كثفت الصحافة التي تديرها الدولة الخطابَ المعادي لأميركا، مؤكدة أن موسكو لن تتخلى عن سورية، على الرغم من محاولات التفريق بين البلدين.
منذ تدخلها العسكري عام 2015، سيطرت روسيا على المجال الجوي السوري، من خلال وضع خطة لمنع الوصول/ رفض المنطقة (A2AD)، التي تضمنت نشر صواريخ أرض-جو (إس -400)، وصواريخ باليستية تكتيكية، وصواريخ كروز، ومضادات للسفن متقدمة، ومعدات الحرب الإلكترونية، ويقدم الأسطول الروسي المتوسطي الدعم لتلك الخطة. وفي الشهر الماضي، أضافت روسيا سفنًا حربية إلى هذا المسرح، وشملت الطراد الصاروخي موسكفا Moskva، الذي أطلق عليه الناتو “القاتل المتنقل”، لدعم قوة تتكون بالفعل من عشر سفن على الأقل مزودة بصواريخ (كاليبر) الفعالة.
بناءً على دخولها المبكر إلى الرقة، بعد إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة من سورية أواخر عام 2019، أفادت التقارير أن موسكو عملت في الأسابيع الأخيرة على إنشاء قاعدة جوية في المحافظة، يتم تشغيلها وإدارتها بالاشتراك مع الجيش السوري. يمكن لهذه القاعدة أن تساعد روسيا في ردع توسّع تركيا المجاورة، وفي تعزيز موقعها في البلاد ومساعدة الأسد. في أواخر أيار/ مايو، طلب فلاديمير بوتين، من وزيري الدفاع والخارجية في حكومته، التفاوض مع دمشق بشأن نقل المزيد من النقاط البحرية والممتلكات العقارية إلى السيطرة العسكرية الروسية، في نطاق ترتيبات طرطوس وحميميم القائمتين.
وأكثر من ذلك، يستمر الأسد في التطلع إلى محافظة إدلب، كعقبة أخيرة أمام استعادة السيطرة على سورية، لذلك أرسلت موسكو حوالي اثنتي عشرة طائرة مقاتلة من طراز ميغ 29 إلى قاعدة حميميم الجوية القريبة، لدعم جيشه. وبحسب ما ذكرت بعض التقارير، فقد سمحت روسيا للقوات الإيرانية باستخدام مطار حميميم العسكري، بعد أن استهدفتها إسرائيل في أماكن أخرى في سورية.
إضافة إلى ذلك، لعبت سورية دور نقطة انطلاق روسية للعمليات في ليبيا، ومنها نشر الطائرات لدعم الشركات العسكرية الخاصة، ومنها مجموعة (فاغنر) التي تقاتل منذ شهور في المنطقة الغربية في ليبيا، دعمًا لخليفة حفتر، في مواجهة تركيا التي تدعم حكومة الوفاق الوطني المنافسة. استخدم الغطاء الجوي بشكل متكرر تكتيكاتٍ سريّة؛ وفقًا للجيش الأميركي، ظهرت أربع عشرة طائرة من طراز ميغ -29 وسوخوي -24، عليها جميع العلامات المميزة المرسومة. وفي كانون الثاني/ يناير، نقلت روسيا جوًا مئات من أفراد الشركات العسكرية الخاصة، على الأرجح، عبر خطوط طيران “أجنحة الشام”، من دمشق إلى بنغازي. وأشار المحلل الروسي سيرغي سوخانكين إلى أن الشركات العسكرية الخاصة المدعومة من الكرملين في ليبيا قد تكون أقل من حيث العدد، من تلك الموجودة في سورية، ولكن قد يمتلك بعضها مهارات أكثر تقدمًا (مثل الطيارين والمدربين). وبحسب تقرير لشبكة سي إن إن (CNN) في 9 حزيران/ يونيو، فإن هذه الشركات العسكرية ما زالت موجودة في ليبيا، وتحظى بـ “عملية دعم واسعة النطاق، تشمل صواريخ أرض-جو”. وأشار التقرير إلى أنهم “بدؤوا في تجريب البراميل المتفجرة”، في تكرار مرعب وفظيع للتكتيك المستخدم لقتل عدد لا يُحصى من المدنيين السوريين.
عدوان غربي محسوس
يستمر إيمان روسيا الراسخ باستراتيجية التطويق الغربية في تشكيل رؤيتها وأنشطتها، وهي تشمل التطورات الحالية المتسارعة في البحر الأبيض المتوسط. وقد سلّط سيرغي رودسكوي، رئيس إدارة العمليات الرئيسة لهيئة الأركان العامة الروسية، في 1 حزيران/ يونيو، الضوء على “الزيادة الكبيرة” في عدد أنشطة التدريبات القتالية لحلف شمال الأطلسي، على طول حدود بلاده، من البلطيق إلى القوقاز وكامشاتكا [شبه جزيرة في شرق روسيا] والقطب الشمالي. وزعم أن لهذه الأنشطة، وخاصة تدريب الدفاع 20 عن أوروبا (DEFENDER-Europe 20)، “اتجاهًا واضحًا، وهو ضد روسيا”. وأشار إلى زيادة “حادة” في النشاط الجوي والبحري الأميركي أيضًا: من خلال “الاختباء وراء تهديد مصطنع يتمثل بـ (العدوان الروسي)، تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها تدمير النظام الأمني الحالي في أوروبا”. وتضمنت قائمة شكاوى رودسكوي قيام طائرات بحرية أميركية من طراز P-8 بوزيدون بتحليق دوري، وقال رودسكوي إنها “تقترب بشكل منتظم من القواعد العسكرية الروسية في حميميم وطرطوس”.
المشكلة الأعمق التي تستند إليها رواية موسكو المشوّهة هي حقيقة أن تصوّراتها للأمن غير متوافقة مع الروايات الغربية. الناتو منظمة أمنية جماعية، لكن الكرملين يرى أن الولايات المتحدة تسيطر عليه. في الواقع، من وجهة نظر بوتين، قلة من الدول لديها سيادة حقيقية، حيث قال علنًا، للرئيس جورج دبليو بوش، إن أوكرانيا ليست دولة حقيقية.
هل تطبق روسيا استراتيجية الوصول إلى ليبيا ومنع الآخرين عنها؟
إن نشر موسكو للشركات العسكرية الخاصة في ليبيا يكرر تكتيكات ما قبل عام 2015 في سورية، لكنه يهدف في النهاية إلى تكرار استراتيجية منع الوصول إليها أيضًا. وقال الجنرال جيفري هاريغيان، قائد القوات الجوية الأميركية لأوروبا وأفريقيا، في أواخر أيار/ مايو: “إذا استولت روسيا على شاطئ ليبيا، فإن الخطوة المنطقية التالية هي نشر قدرات طويلة المدى … تمنع الوصول إليها”.
إن الآثار المترتبة على مثل هذا السيناريو كثيرة. أولًا، يمكن أن يمنح موسكو ميزة جيوستراتيجية على الناتو، من خلال الردع القسري، وزيادة بروز القوة الروسية وتعقيد العمليات العسكرية الغربية في منطقة أوسع. وقد شوهد هذا بالفعل في سورية، حيث أصبحت حرية الناتو في المناورة محدودة الآن، وأصبح التشويش الإلكتروني شائعًا. كما يمكن للوجود العسكري الروسي المتزايد أن يخضع ميزة تركيا الجوية والبحرية للمراقبة، ويمنع الدول الأخرى من الوصول إلى موارد الطاقة الليبية، ويعوق جهود الولايات المتحدة للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب هناك أو التنسيق مع حكومة الوفاق الوطني.
ومع ذلك، فإن إنشاء خطة عدم الوصول إلى ليبيا واحتكارها سيكون خطوة استكشافية رئيسة، حيث إن وضع موسكو غير مؤاتٍ نسبيًا في ليبيا، أكثر مما هي عليه في سورية. على عكس نظام الأسد، لم تقم الحكومة المعترف بها في ليبيا بدعوة روسيا لدخول البلاد، وأجبر ذلك بوتين على اللجوء إلى مزيد من الأنشطة السرية، وتواجه موسكو معارضة أكبر في ليبيا. غيّرت مساعدة أنقرة أخيرًا اتجاه المعركة، لصالح حكومة الوفاق الوطني، ومقاومة البحرية التركية بشكل فعال توجب على روسيا نشر أنظمة بعيدة المدى (على سبيل المثال، سلسلة من صواريخ كروز التي تطلق من الأرض).
في الماضي، حافظت موسكو على نفوذٍ على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واستخدمت التهديد بالمزيد من اللاجئين السوريين من إدلب للضغط عليه. لكن في النهاية، لا بوتين ولا أردوغان يريدان مواجهة مباشرة. وبدلًا من ذلك، هما يواصلان التعاون عندما يكون ذلك ممكنًا، ويعقدان صفقات مخصصة لغرض بعينه. موسكو ليست متشبثة بحفتر بقدر تشبثها بالأسد، لذلك يمكن أن ترميه، إذا أصبح الضغط من تركيا أو الجهات الفاعلة الأخرى قويًا بما يكفي.
الخاتمة
لم تنجح روسيا الإمبراطورية ولا السوفيتية في الحصول على موقع حيوي استراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط، أو في تغيير ميزان القوى الإقليمي، ولكن كلتاهما (الإمبراطورية والسوفيتية) حاولتا مرارًا وتكرارًا. وعندما نشرت البحرية السوفييتية السرب البحري الخامس في المنطقة، حصلت على عدد من المزايا مقابل الولايات المتحدة حتى منتصف الثمانينيات. وبهذا المعنى، فإن لتطلعات بوتين جذورًا عميقة. الاحتواء المضاد للغرب هو المحرك الأعمق لأفعال بوتين، إضافة إلى التوترات المباشرة مع تركيا.
وعلى الرغم من أن موسكو في وضع صعب في الوقت الحالي، لا يزال يتعين على الولايات المتحدة التفكير الاستراتيجي، بشأن الأنشطة الروسية في المنطقة. لن تتوقف العمليات السرية في ليبيا، ما لم تبذل الولايات المتحدة جهودًا متضافرة للحد من أنشطة الشركات العسكرية الخاصة -بالقوة إذا لزم الأمر- وتضطلع بدور قيادي في إنهاء المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية. وعلى الرغم من أن إدخال أنظمة صواريخ سام إلى ليبيا قد يكون خطوة رئيسة وصعبة لوجستيًا لروسيا، فإن مثل هذه الخطوة لا يمكن تصورها، نظرًا لأفعال الكرملين في سورية. يمكن لموسكو اختراع سبب دفاعي للقيام بذلك. على سبيل المثال، حماية موظفي صيانة الطائرات داخل ليبيا. في الواقع، اختلقت أسبابًا دفاعية لجلب صواريخ إس -400 إلى سورية.
وبكلمات أخرى: هذه لعبة طويلة، وستسعى روسيا لكسب النفوذ من خلال الاستفادة من جميع الأطراف، والحفاظ على مستوى منخفض من عدم الاستقرار. قبل أن تضمّ شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، نشرت موسكو أولًا الأكاذيب، وشاركت في نشاط سري، ثم فرضت الأمر الواقع على العالم. لقد اتبعت نمطًا مشابهًا في سورية لأعوام، قبل أن تتدخل علنًا، ولم تصرّح بحملتها الموالية للأسد إلا عندما تأكدت أنها لن تواجه أي معارضة. ولا يمكن للغرب المخاطرة بفرض أمر واقع آخر لأعوام قادمة، خاصة في منطقة شرق البحر المتوسط ذات الأهمية الاستراتيجية.
اسم المقالة الأصلي Russia’s Military Activity in the East Mediterranean Echoes Its Approach to Syria
الكاتب آنا بورسشيفسكايا، Anna Borshchevskaya
مكان النشر وتاريخه معهد واشنطن للسياسات في الشرق الأدنى، The Washington Institute for Near East Policy، 17 تموز/ يوليو 2020
رابط المقالة https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/russias-military-activity-in-the-east-mediterranean-echoes-its-approach-to
مركز حرمون
————————————-
شركاء متشاكسون.. ما السر خلف الهجمة الإعلامية الروسية على الأسد؟/ محمد السعيد
رغم المظاهر الحميمية الواضحة التي يحرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد على إظهارها في لقاءاتهما العلنية، فإن الأمور كثيرا ما تبدو مختلفة خلف الكواليس، إذ لا يتوقف القيصر الروسي عن إذلال حليفه السوري بطرق مختلفة عبر تذكيره بأنه لم يكن ليبقى في مقعده حتى اليوم إذا لم تكن روسيا قد تدخّلت عسكريا لإنقاذه من السقوط عام 2015، ولسوء حظ الأسد، فإن بعض مظاهر هذا الإذلال تتسرب -خطأ أو عمدا- أمام الكاميرات، كما حدث أثناء زيارة الرئيس الروسي لقاعدة حميميم الجوية في سوريا في ديسمبر/كانون الأول عام 2017 حين قام ضابط روسي بإيقاف الأسد لمنعه من السير بمحاذاة بوتين، وكما حدث مرارا في اللقاءات المشتركة بين الرئيسين حين جرى تجاهل وضع العلم السوري في خلفية الاجتماع، كما هو متعارف عليه في بروتوكولات اللقاءات بين الزعماء.
من المرجح أن هذه الإيماءات المُذِلّة كانت تزعج الأسد بكل تأكيد، لكن الديكتاتور السوري لم يكن ليسمح لهذه اللفتات العابرة أن تُكدِّر صفو علاقته مع حليفه الأهم على الإطلاق، خاصة في ظل العُزلة الدولية التي يُعاني منها النظام منذ عقد من الزمان، ولكن جرعة الإذلال والإهانة التي تعرّض لها الأسد على يد حليفه الروسي قبل أسابيع كانت مختلفة تماما وغير مسبوقة، فلم يكن بشار الأسد يتوقّع في أسوأ كوابيسه أن يتعرّض لهجوم إعلامي مُمنهج ضد نظامه، وضد شخصه أيضا، من وسائل إعلام روسية رسمية وشبه رسمية، وهو هجوم يُدرك الأسد تماما أنه لم يكن ليحدث دون تعليمات، أو في أدنى الأحوال ضوء أخضر، من فلاديمير بوتين نفسه.
بدأت انتفاضة الإعلام الروسي المزعومة ضد الأسد في الأسبوع الأول من إبريل/نيسان، مع قيام وكالة الأنباء الروسية تاس (TAS) التابعة للدولة بنشر افتتاحية أكّدت فيها أن روسيا صارت تشك في قدرة الأسد على قيادة البلاد، وحذّرت من أن رئيس النظام السوري ربما يجر موسكو نحو “مستنقع أفغاني جديد”، وأكثر من ذلك، هاجمت الوكالة الروسية إيران -حليف الأسد الأهم وصديق روسيا الافتراضي- بشكل مباشر، عندما ادّعت أن الجمهورية الإسلامية ليس لديها مصلحة في تحقيق الاستقرار في سوريا أو في منطقة الشرق الأوسط نظرا لأنها تعتبرها “ساحة معركة ضد واشنطن”.
على مدار أكثر من 12 يوما تالية، شنّت العشرات من وسائل الإعلام الروسية المقربة من السلطة حملة منظمة، ضمّت عشرات التغطيات الإخبارية والتحليلات ومقالات الرأي التي اتهمت نظام الأسد بالفساد وانعدام الكفاءة، وطعنت في أهلية الأسد شخصيا بعدما كشفت عن قيامه بشراء لوحة فنية بقيمة 30 مليون دولار لإهدائها لزوجته، لكن الأسوأ لم يكن قد جاء بعد، ففي 17 إبريل/نيسان نشرت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية، المملوكة لـ “يفغيني بريغوجين”، رئيس شركة “فاغنر” للخدمات العسكرية التي تقوم بتوفير المرتزقة للقتال إلى جانب النظام السوري، والمُلقّب باسم “طباخ بوتين”، نشرت ثلاث مقالات في خلال أقل من ثلاث ساعات يبدو أنها هزّت أوصال النظام السوري حتى النخاع.
كلنا شركاء
وفق صحيفة روسية
اشترى بشار الأسد لزوجته لوحة للفنان البريطاني هوكني “سبلاش” مقابل حوالي 30 مليون $
تم شراء اللوحة من قبل مقدم عرض لم يعلن اسمه في مزاد شركة ساوثبي وبحسب مصادر في وسائل إعلام عربية فقد اشترى الرئيس السوري اللوحة لأحد قصور زوجتهhttps://t.co/fj7kjBe6tV
— فيصل القاسم (@kasimf) April 17, 2020
في المقال الأول، اتهمت الوكالة الروسية النظام السوري بالفساد والكذب على مواطنيه بشأن ندرة النفط والغاز لتبرير انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ناهيك باستخدام المساعدات المالية الروسية لتمويل شبكات الفساد وتحقيق المصالح الشخصية لرموز النظام، بينما ركّز المقال الثاني على نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة روسية نوّهت فيه بانخفاض شعبية رئيس النظام السوري بشكل غير مسبوق، مُشيرة إلى أن 31% من السوريين فقط قالوا إنهم على استعداد لاختيار بشار الأسد في أي استحقاق انتخابي مقابل 56% قالوا إنهم لا يمكن أن يصوّتوا للأسد على الإطلاق، فيما ذهب المقال الأخير إلى أبعد من ذلك حيث ركّز الانتقادات على شخص الأسد نفسه، متهما إياه بالضعف في مواجهة شبكات الفساد.
لاحقا، قامت الوكالة الروسية بحذف المقالات المثيرة للجدل، مدّعية أن موقعها الإلكتروني تعرّض للاختراق، ولكن المقالات كانت تُتَداول بالفعل على عشرات المواقع الروسية والعالمية الأخرى على مدار الأيام التالية، وصولا إلى 30 إبريل/نيسان، حين توّجت روسيا حملتها المناهضة للنظام السوري بتقرير صادر عن مجلس الشؤون الدولية (RIAC)، وهو مركز أبحاث تابع لوزارة الشؤون الخارجية في البلاد، أكٍد أن روسيا تُجري مباحثات مع أطراف أخرى في المشهد السوري للاتفاق على حل سياسي ربما لا يشمل بقاء بشار الأسد في مقعد الرئاسة، وسلّط التقرير الضوء على جهود روسيا المزعومة لإجبار النظام على الالتزام بوقف إطلاق النار مع كلٍّ من قوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من ناحية، وفصائل الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا من ناحية أخرى، مع بدء خطوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن كليهما.
وفيما يبدو، أثارت الحملة الإعلامية ضد الأسد ونظامه الكثير من التكهّنات والتساؤلات، على رأسها سؤال حول إذا ما كانت روسيا تراجع بالفعل خياراتها في سوريا، أو أنها باتت بالفعل على استعداد للتفاوض على حل سياسي لا يشمل بشار الأسد، أم أن هذا التدفق في الكتابات والإشارات الناقدة للنظام كان يهدف فقط لإرسال رسالة واضحة من الكرملين إلى دمشق، ولكن بلغة صاخبة قليلا، وأيًّا كان الجواب عن هذا السؤال الجوهري، تبقى الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن موسكو باتت تشعر بإحباط كبير من سياسات حليفها السوري، وأنها بدأت بالفعل في البحث عن طرق مختلفة وغير تقليدية للتعبير عن هذا الإحباط المتزايد.
لطالما كانت علاقات روسيا مع آل الأسد متقلبة ومعقدة، فرغم أن الاتحاد السوفيتي كان من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال سوريا وأقامت علاقات دبلوماسية معها عام 1944، ورغم الدفعة الكبرى التي حصلت عليها العلاقات بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، فإن الشراكة بين البلدين كانت أكثر تعقيدا مما يُعترف به أحيانا، حيث كان المسؤولون الروس يشعرون بالقلق تجاه حافظ الأسد ويرون أنه من المستحيل السيطرة عليه، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات تلاشت العلاقات بين البلدين تقريبا -باستثناء حفاظ روسيا على وصولها إلى ميناء طرطوس- قبل أن تُستَعاد مجددا منتصف العقد الماضي (عام 2005)، حين تقاطعت رغبة موسكو في ممارسة سياسة خارجية مستقلة مع بحث دمشق الحثيث عن حلفاء أقوياء للاستعانة بهم في مواجهة الضغوط الغربية.
ومع اندلاع الانتفاضة السورية ضد نظام الأسد عام 2011، ازداد دعم روسيا للنظام السوري بشكل ملحوظ، وهو دعم بلغ ذروته في سبتمبر/أيلول 2015 حين قرّرت موسكو التدخل عسكريا في سوريا لإنقاذ آخر حلفائها في منطقة الشرق الأوسط من السقوط، والحفاظ على موطئ قدمها الأخير على شواطئ البحر المتوسط، إلى جانب إثبات جدارتها كقوة عظمى وقدرتها على الدفاع عن مصالحها في منطقة طالما وُصِفت بأنها أميركية بامتياز، وبالطبع فإن موسكو لم تكن تُمانع بجانب ذلك من تحقيق حزمة من الفوائد الجانبية كانت أقرب إلى أهداف القراصنة منها إلى أهداف الدول العظمى، على رأسها اختبار الأسلحة الروسية الجديدة في صراع فعلي على الأرض، واستغلال شبكات الفساد عبر سوريا ولبنان لغزو السوق السوداء للأسلحة في الشرق الأوسط.
لم تنتظر روسيا طويلا لتحقيق أهدافها، وبالتزامن مع حملة القصف الوحشية التي قادتها ضد المعارضين للأسد، والتي نجحت سريعا في فك الحصار على النظام السوري وساعدته على استعادة الكثير من المناطق، بدأت موسكو تنسج شبكاتها الخاصة من العسكريين ورجال الأعمال الفاسدين من الروس والسوريين على حدٍّ سواء في قلب بيئة المحسوبية والفساد التي عزّزها النظام، وبالتزامن مع إقامة موسكو لمعسكراتها على سواحل اللاذقية، كانت الأسلحة الروسية مثل مسدسات “فايكنج MP466” وبنادق القنص وحتى قاذفات الصواريخ المحمولة تغزو الأسواق في لبنان المجاورة، فيما بدأت الشركات العسكرية الروسية الخاصة وجيوشها من المرتزقة في التدفق إلى دمشق، لكن ما لم تكن تتوقعه موسكو ربما هو أن استثمارتها السوداء على سواحل المتوسط سوف تواجه منافسة محتدمة للغاية من شريك روسيا الأساسي والوحيد في جمعية أصدقاء الأسد.
ففي الوقت الذي وصلت فيه روسيا إلى سوريا، كانت إيران موجودة هناك بالفعل، ورغم أن العناوين الرئيسية للأجندة السياسية لطهران وموسكو كانت متطابقة تقريبا، فإن المنافسة كانت تحتدم بين الطرفين حول مَن يتمتع بالهيمنة الحقيقية على الأرض، وفي تلك اللحظة يبدو أن إيران كانت فائزة بوضوح، فقد كان الشخوص المهيمنون في عائلة الأسد يقودون بالفعل الميليشيات المدعومة من إيران في القرداحة ومعاقل دعم النظام في محافظة اللاذقية، مستفيدين من التحالف طويل الأمد الذي أسّسه حافظ الأسد مع نظام الثورة الإسلامية الإيراني قبل 40 عاما.
تعاونت روسيا وإيران إذن من أجل منع سقوط الأسد، ولكنهما تنافستا بشدة حول مَن سيملك الكلمة العليا ومفاتيح النفوذ الحقيقية، ومَن سيُحقِّق الاستفادة الأكبر من الفساد النظامي، ولم يكن من المفاجئ أو المستغرب أن تتحول هذه المنافسة في كثير من الأحيان إلى اشتباكات مسلحة، ظاهرة تفاقمت بشكل واضح مع تولّي ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، قيادة الفرقة المدرعة الرابعة التابعة للجيش السوري، وهي واحدة من أقدم الألوية في البلاد وأكثرها تجهيزا، لتتولّى الفرقة منذ ذلك الحين السيطرة على جميع عمليات التهريب داخل البلاد، من البوكمال على الحدود الشرقية لسوريا مع العراق، وصولا إلى اللاذقية على الساحل السوري، حيث حصلت إيران على امتياز استخدام الميناء الشهير في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ليتحوّل منذ ذلك الحين إلى أحد أكبر مراكز تصدير المنتجات النفطية المهربة، بل والمخدرات، إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لم تُرْضِ هذه التطورات الميدانية موسكو على الأغلب، ليس فقط لأنها عزّزت من نفوذ إيران في شبكات المحسوبية السورية على حساب روسيا، ولكن أيضا لأنها تسبّبت في إحراج كبير لبوتين والدبلوماسيين الروس مع إعلان أكثر من دولة قيامها بضبط شحنات مخدرات قادمة من اللاذقية، بمَن في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية واليونان، التي أعلنت في يوليو/تموز 2019 عن تنفيذها أكبر عملية ضبط مخدرات في تاريخ البلاد شملت 5.25 مليون طن (33 مليون حبة) من مخدر الكبتاجون بقيمة 660 مليون دولار مخبأة في حاويات شحن قادمة من ميناء اللاذقية، غير أن الأمور دخلت في طور غير مسبوق من التصعيد مطلع عام 2019 حين بدأت الفرقة الرابعة المدرعة في شنّ هجمات مسلحة على وحدات النمر العسكرية المدعومة من روسيا، في محاولة لانتزاع السيطرة على طريق التهريب الواصل بين الأراضي الخاضعة للنظام والأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة في محافظة إدلب، ما أسفر عن سقوط أكثر من 70 قتيلا.
ردا على ذلك، قامت روسيا بتدشين حملة اعتقالات كبرى لأبرز قيادات الفرقة الرابعة المدرعة وغيرها من الوحدات المدعومة من إيران في جميع أنحاء البلاد بزعم التورط في تهريب المخدرات، وقد نجحت الحملة الروسية بالفعل في استهداف العديد من ضباط الطبقة الوسطى المرتبطين بإيران، وكان من بين المستهدفين في الحملة بشار طلال الأسد، أحد أبناء عمومة بشار الأسد، لكنه تمكّن من الهرب، وقام باستهداف الفرقة التي سعت لاعتقاله في منطقة القرداحة، وتعهّد بمهاجمة قاعدة حميميم الجوية الروسية، على بُعد 17 ميلا شرق مدينة اللاذقية، حال سعى النظام لاعتقاله مرة أخرى.
بالنسبة إلى روسيا، كان التهديد بشنّ هجمات على بنيتها التحتية العسكرية مصدر قلق حقيقيا، خاصة أن قاعدة حميميم، التي وجّهت روسيا من خلالها كامل حملتها العسكرية في سوريا، سبق وأن تعرّضت بالفعل لسلسلة هجمات محدودة على يد الميليشيات الموالية لإيران في عام 2018، وقد تفاقم شعور موسكو بالتهديد بسبب استحواذ طهران السابق على ميناء اللاذقية، وإعلانها عن بدء تنفيذ مشروع سكة حديد شلمجة، الذي يهدف إلى ربط موانئ الخليج الإيرانية بميناء اللاذقية على البحر المتوسط مرورا بالبصرة وأراضي العراق، ما يمنح طهران وصولا مباشرا إلى السواحل السورية واللبنانية، والأهم من ذلك بالنسبة إلى موسكو أنه سيتسبّب في عزل قاعدة حميميم عن القوات الروسية في وسط وجنوب سوريا، ويُوفّر لطهران طريقا مفتوحا لتسليم الأسلحة إلى وكلائها في معاقل الأسد.
من وجهة نظر موسكو، كانت هذه التطورات مجتمعة تعني أن الروس في طريقهم لفقدان الكثير من نفوذهم في سوريا لصالح إيران، والأهم من ذلك أن بوتين كان على يقين أن ذلك يتم بمباركة -أو تقاعس- من الأسد والأجنحة القوية في نظامه التي تميل بوضوح لطهران على حساب روسيا، وكان السماح باستمرار هذا الوضع يعني أن روسيا ستُواصِل فقدان رأسمالها السياسي ونفوذها على النظام في دمشق في المرحلة الحرجة التي كانت تستعد فيها لجني الثمار اليانعة لتدخُّلها في سوريا، لذا، وعند هذه النقطة تحديدا، فإن موسكو قرّرت أن عليها أن تُعبِّر عن إحباطها من سلوك النظام السوري باللغة التي يفهمها جيدا، وظهر ذلك بوضوح في مباركة روسيا -الضمنية- للضربات التي تشنّها إسرائيل على المواقع الإيرانية في سوريا، وهرولة بوتين للاتفاق مع تركيا حول وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب رغم رغبة النظام في استمرار العمليات العسكرية للسيطرة على المحافظة.
كما هو واضح، كانت روسيا تشعر بالقلق أنها في الوقت الذي اضطلعت فيه بالشق الحاسم في جهود إنقاذ نظام الأسد من السقوط، فإن إيران ستكون هي المستفيد الأكبر بفضل علاقتها القوية مع النظام ومختلف الأطراف على الأرض، وامتلاكها لعدد كبير من القوات في ساحات القتال، بعكس موسكو التي تقوم بمعظم العمل من الجو، ومما جعل الأمور أكثر سوءا أن كلًّا من موسكو وطهران كانتا تُدركان أنهما وصلتا بالفعل إلى نقطة الافتراق في سياستهما تجاه سوريا، فبعد أن أصبح بقاء النظام حقيقة واضحة، بدأت إيران تركز جهودها على إعادة استنساخ النموذج العراقي عبر دمج ميليشياتها داخل النظام السياسي والعسكري السوري، في حين أن روسيا باتت ترى أن الوقت قد حان للتخطيط لمستقبل سوريا مع بعد الحرب.
كان ذلك يعني في المقام الأول إعادة تأهيل النظام السوري وغسل سمعته من الجرائم التي ارتكبها وتقديمه كركيزة للاستقرار بطريقة يمكن أن تُقنع المجتمع الدولي بضخ أكثر من 300 مليار دولار لإعادة إعمار سوريا، وهي الأموال التي تأمل روسيا أن تحوز شركاتها على حصة كبيرة منها، لكن موسكو فُوجئت بمدى صعوبة تغيير السلوك المافيوي للنظام السوري والميليشيات الإيرانية المرتبطة به، التي تُواصِل استخدام سوريا كقاعدة لاستهداف المصالح الأميركية والغربية والإسرائيلية وحتى الخليجية، وهو ما سيجعل هذه الدول غير راغبة في ضخ أموالها في البلاد طالما بقي النظام الحالي برئاسة الأسد في السلطة.
بعبارة أخرى، فإن نظام الأسد لم يفعل شيئا يمكن أن يساعد روسيا على إعادة تقديمه للعالم، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو حتى العسكري، ففي الشق الاقتصادي، تسبّبت سياسات النظام في اقتصاد البلاد في أزمة عميقة خلال الأشهر الستة الماضية، حيث ارتفعت معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وباتت أزمة القمح تتحدى قدرة السوريين على شراء الخبز، وجرى رفع الدعم الحكومي عن الكثير من السلع الأساسية، وانهار قطاع الأعمال الصغيرة بشكل كامل، فيما استمر قطاع النفط والغاز الحيوي في البلاد معطلا تقريبا بسبب العقوبات، وأيضا بسبب صراعات أمراء الحرب ونخب الأعمال الفاسدة الذين أصرّوا على بيع النفط في السوق السوداء عبر لبنان.
على المستوى العسكري، واصل نظام الأسد إعطاء الأولوية للحملات العسكرية باهظة التكلفة لاستعادة الأجزاء الباقية من البلاد بدلا من التركيز على تحسين حياة الناس في المناطق التي يسيطر عليها بالفعل (أكثر من ثلثي البلاد)، وهو يواصل الاعتماد في حملاته تلك على قادة الميليشيات المرتبطين بإيران، في الوقت الذي يجري فيه فعليا تفكيك الجيش السوري الذي ترغب موسكو في الاعتماد عليه، أما سياسيا، ظل الأسد يرفض جميع الضغوط للدخول في حوارات جادة مع معارضيه، الأمر الذي قوّض الآفاق المتواضعة لعملية الإصلاح الدستوري التي ترعاها الأمم المتحدة وتحظى بدعم روسيا.
بخلاف ذلك، كانت روسيا تواجه تحديات على جبهات مختلفة أعاقت جهودها لتحقيق النصر المنتظر في سوريا، فمن ناحية، هناك الولايات المتحدة التي تحتفظ بوجود عسكري مُعتَبر في البلاد وتمتلك كلمة حاسمة في تمرير أي صفقة للانتقال السياسي، وهناك أيضا تركيا التي أسّست وجودا عسكريا شبه دائم في محافظة إدلب ولا تزال ترعى فصائل المعارضة المسلحة هناك، وهي تحرم بوجودها نظام الأسد من الوصول إلى موارد النفط والغاز في الشرق، ومن المؤكد أنها سيكون لها صوت أيضا في أي مفاوضات مقبلة.
بالتزامن، تجد روسيا نفسها في مواجهة ضغوط داخلية كبيرة، بعدما أصبحت المغامرة التي تخوضها في دمشق أقل شعبية، وكما يُشير استطلاع رأي أُجري في إبريل/نيسان 2019، فإن الدعم الشعبي للتدخل الروسي في سوريا انخفض إلى أكثر من النصف بالمقارنة مع معدلاته في شهر أغسطس/آب 2017، وقد بات مرشحا للانخفاض بشكل أكبر في ظل التراجع الاقتصادي المصاحب لتفشي فيروس كورونا، والانهيار الحاد لأسعار النفط.
لكن ذلك كله يعني أن روسيا في طريقها إلى التخلي عن الأسد أو أنها تُفكِّر في ذلك بجدية على كل حال، وبدلا من ذلك، من المرجح أن هجوم الإعلام الروسي على النظام السوري كان يهدف لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على الأسد لإجباره على الانصياع لإرادة موسكو، سواء من خلال إبداء المزيد من المرونة السياسية عبر التجاوب مع جهود روسيا للتقدم نحو المفاوضات، أو عبر بذل المزيد من الجهد لتحجيم شبكات المحسوبية السياسية المرتبطة بطهران ومنح موسكو حصة عادلة من النفوذ، وهو ما يبدو أن روسيا حصلت عليه بالفعل إثر إعلان موسكو في 29 مايو/أيار نيتها توسيع قاعدة حميميم الجوية والمنشأة البحرية في طرطوس، وتفاوضها مع الحكومة في دمشق لبناء قواعد عسكرية في مناطق أخرى من البلاد.
ترسل هذه التطورات رسالة لا لبس فيها حول التزام موسكو طويل الأمد باستخدام سوريا كحجر زاوية في إستراتيجيتها للشرق الأوسط، ولكن للمفارقة، فإن بوتين يُدرك جيدا أنه لا يمكنه فعل ذلك في الوقت الراهن بدون الأسد نفسه، وأن الأهمية التي يحملها رئيس النظام السوري بالنسبة إلى روسيا توازي أهمية نظامه، وأن الأمر ليس مجرد لعبة استبدال أسماء، كما حاولت بعض وسائل الإعلام تصوير الأمر خلال الأسابيع القليلة الماضية.
بادئ ذي بدء، تُدرك موسكو أن أي محاولة لإبعاد الأسد لن تُقاوَم فقط من قِبل رئيس النظام السوري وطغمته، ولكن أيضا من قِبل إيران وميليشياتها، وحتى إذا أقرّت إيران أن الوقت قد حان لرحيل الأسد من حيث المبدأ، فمن غير المرجح على الإطلاق أن طهران وموسكو يمكن أن تتفقا على هوية مَن سيخلفه، وهو ما يُنذر باحتدام المعركة على السلطة داخل المعسكر الداعم للنظام نفسه، حيث تتمتع إيران وحلفاؤها بنفوذ قوي ووجود عسكري مباشر أكبر بكثير من روسيا.
بخلاف ذلك، من الواضح أن استبدال الأسد وحده لن يُغيِّر الأمور كثيرا بالنسبة إلى روسيا، حيث تظل جميع مراكز القوى وأمراء الحرب ومؤسسات الظل داخل النظام غير مهتمة في الوقت الراهن للتنازل عن مكاسبها الاقتصادية الضخمة طمعا في رضا موسكو، ومن غير المرجح -في المدى المنظور- أن يستطيع أي رئيس جديد خوض مواجهة ضد هذه اللوبيات التي راكمت الكثير من الثروة والنفوذ على مدار سنوات الحرب، ولكن على العكس من ذلك، من المتوقع أن تكون السلطة التي سيُمارسها أي شخص آخر أضعف من السلطة التي يتمتع بها الأسد بالفعل.
في السياق ذاته، تُدرك كلٌّ من موسكو ودمشق أن النظام السوري صار يتمتع اليوم بقدر غير مسبوق من الثقة التي منحتها إياه انتصارات السنوات الماضية، وبات يرى نفسه قوة مستقلة قادرة على اتخاذ قرارات، والانخراط في مواءمات وانحيازات بعيدا عن فلك روسيا وحتى عن إيران نفسها، فعلى سبيل المثال، يستفيد النظام بشكل جيد من الخلافات بين إيران وروسيا لتلمس سياسات مستقلة عن الدولتين، ويظهر ذلك بوضوح في التقارب الناشئ بين دمشق وعدد من العواصم الخليجية مثل أبوظبي والرياض على خلفية العداء المشترك تجاه تركيا، حيث باتت هذه العواصم اليوم تقود جهود إعادة دمج النظام السوري وإعادته إلى الحظيرة العربية.
وأخيرا، فإن فكرة التخلي عن الأسد تبدو غير منطقية من وجهة نظر السياسة الروسية نفسها، إذ لم يكن تدخُّل روسيا في سوريا في أي وقت مُتعلِّقا بإنقاذ النظام فحسب، ولكنه كان يهدف أيضا إلى إرسال رسالة إلى بلدان الشرق الأوسط وأنظمته الاستبدادية مفادها أن موسكو حليف يمكن الوثوق به، وأنها يمكن أن تصبح بديلا للولايات المتحدة، ومن شأن التخلي عن الأسد والسماح بتغيير القيادة في سوريا أن يُبدِّد هذه الموثوقية ويُعيد إلى الأذهان وقائع تخلّي الولايات المتحدة عن حلفائها المستبدين، مثل زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر إبان انتفاضة الربيع العربي.
وفقا للحسابات الروسية إذن، يبقى الأسد هو الشريك المفضل لموسكو في سوريا، وحتى إذا كان هذا الشريك ناقصا للغاية ومثيرا للإحباط في كثير من الأحيان، فإن بوتين يُدرك أن عليه أن يبتلع إحباطاته، ويواجه حقيقة أن سوريا قد أصبحت دولة فاشلة تُحكم بواسطة نظام ميليشيوي يقوده ديكتاتور مهووس بالسلطة ومفعم بالزهو، وأن روسيا نفسها لم تكن بعيدة عن ذلك، غير أن ذلك لا يمنع أن يستنفد القيصر أوراقه في الضغط على المستبد السوري، وأن يُعبِّر عن استيائه وغضبه بين الحين والآخر، على أمل أن ذلك سيكون كافيا لمنع الأسد من إحباط خططه مرة بعد مرة.
—————————-
———————————-
سوريا:إصلاحات الكرملين العسكرية/ بسام مقداد
ليس من الواضح لماذا اختار مركز كارنيغي موسكو هذا التوقيت بالذات ، ليعيد نشر ملف خطط الكرملين لإصلاح جيش النظام السوري وأجهزة مخابراته. فالملف ، الذي نشره المركز في 19 من الجاري ، كان مركز كارنيغي بيروت قد نشره في 26 آذار/مارس المنصرم ، وشارك في وضعه ، إلى جانب آخرين، ثلاثة من المتابعين الروس لشؤون الشرق الأوسط وسوريا ، وأشرف على وضعه يزيد صايغ ، الذي وصفه مركز موسكو بالخبير المميز في شؤون القوات المسلحة وحقل الأمن في البلدان العربية . من الصعب القول بأن مركز كارنيغي الأميركي قد اختار توقيت إعادة نشر الملف بما يتفق مع أجندة الكرملين الراهنة حيال الملف السوري ، والتي تركز ، من جانب ، على انتقاد سلوك النظام السوري المعرقل لشروط العملية السلمية في تسوية الصراع السوري ، وتشدد ، من جانب آخر، على متانة العلاقات بين موسكو ودمشق .
لكن ، ومهما يكن من أمر التوقيت ، إلا أن الملف أثار اهتمام وكالة نوفوستي الرسمية ، التي أعادت نشر مقالة الصايغ الرئيسة في الملف بعنوان ” الإعتبارات السياسية السورية تغلب على الإصلاحات العسكرية الروسية” . يشير الكاتب في سياق مقالته إلى أن الجيش العربي السوري لم يتمكن ، حتى الآن ، من تذليل الكثير من عيوبه المزمنة ، وروسيا تحاول رفع قدراته القتالية ، وتعمل على تحسين منظومة القيادة والتحكم ، إلا أن سياسة نظام الأسد تقوض هذه الجهود . ويسبب هذا الأمر صداعاً حقيقياً للقيادة الروسية ، التي لم تتمكن خلال خمس سنوات من إعادة تشكيل الجيش السوري في قوة عسكرية كفؤة ومستقلة ، مما يمكن روسيا من سحب قواتها من سوريا. النظام السوري يعتمد أكثر فأكثر على المجنديين العلويين الجدد وعسكرة الطائفة العلوية ككل ، إلا أن هؤلاء يفتقدون روح المبادرة ، وكفاءتهم القتالية منخفضة للغاية ، برأي الكاتب. ومع ذلك لم ينهار الجيش السوري ، ويعتبر بأنه حافظ على تماسكه بفضل العلاقات غير الرسمية ، التي تخترقه من أعلى إلى اسفل ، وبفضل التراتبية الرسمية الموازية ، التي يعمل فيها الضباط الروس . ولهذا بالذات يقاوم النظام السوري في كل مرة تقترح فيها روسيا الإنتقال من الكلام عن “النصر القادم” في الحرب الأهلية إلى مناقشة خطط إعادة إعمار البلاد بعد الحرب ، وذلك لأن السلطة تخشى أن يصبح الجيش خطراً عليها بعد نهاية الصراع .
ترتكز المقاربة الروسية لتحديث الجيش السوري وإعادة هيكلته ، حسب الكاتب، إلى تجربة إصلاح القوات المسلحة الروسية في العام 2008 ، والتي تقف وراءها الرؤيا العسكرية لرئيس الأركان الروسية فاليري غيراسيموف . لكن الجيش السوري لا يتمكن من تنفيذ رؤيا غيراسيموف ، لأن نظام الأسد لا يوافق على الركيزة الأساسية لهذه الرؤيا ، التي تقول بأنه ، من أجل إحراز النجاحات في ساحات المعارك ، ينبغي أن يكون للجيش السوري هيكلية مؤسساتية واضحة ، وألا يشارك في السياسة ، مما يعني رفض الطائفية في الجيش . والخطر الرئيسي على استمرار النظام ، برأي دمشق ، يحمل طابعاً داخلياً ، ولذا تستهدف تدابير السلطة داخل الجيش والأجهزة الأمنية إلى تعزيز إشراف الأسد الشخصي على البنية القيادية والإدارية للجيش.
وبعد أن يستفيض الكاتب في الحديث عما يعتري أداء الجيش السوري من “عيوب صارخة” ، وما تتطلبه من إصلاحات لتجاوزها ، يقول بأنه ليس لدى روسيا ما يكفي من نفوذ لإجراء مثل هذه الإصلاحات ، سيما وأنها تصطدم في جنوب وشرق سوريا بمقاومة الفصائل الموالية لإيران . ولهذا روسيا على استعداد لتقديم تنازلات للنظام ، إذ أنها غضت الطرف عن العمليات التجارية للفرقة الرابعة المدرعة بقيادة ماهر الأسد ، التي تجري بدعم من الرئيس عبر مرفأي طرطوس واللاذقية ، اللذين تشرف عليهما روسيا . ويقول الكاتب ، بأن نجاح إصلاح القوات المسلحة السورية يتطلب توظيفات سياسية ومادية ، تفوق ما يمكن لروسيا أن تقدم عليه . وبدلاً من ذلك ، ستتبع روسيا نهجاً واقعياً وانتهازياً في هذا المجال كما فعلت على الدوام في المجال الدبلوماسي: أي اقتراح الحلول التي تعتبرها معقولة وفعالة من حيث التكلفة، ثم القبول بما هو أقل من ذلك بكثير حين تغلب الحسابات السياسية لنظام الأسد على التفضيلات والمقترحات الروسية.
الكتاب الروس كانوا أكثر تركيزاً على العامل الإيراني في مجابهة محاولات الكرملين وضع يده على الجيش السوري ، من خلال عمليات إصلاحه ، وإن كانوا يتفقون مع الصايغ حول تصدي النظام السوري لهذه المحاولات. مستشار المجلس الروسي للعلاقات الخارجية الكسي خلابنيكوف في مقالته حول الإصلاحات هذه “روسيا والإصلاح العسكري السوري: التحديات والفرص” ، يقول في مطلع نصه ، بأن بوسع روسيا ، وهي تطلق عملية الإصلاح العسكري في سوريا ، أن تحل مهمتين مترابطتين : القضاء على ضعف المؤسسات الرسمية ، وإضعاف النفوذ الإيراني المفرط في حضوره. ويرى أنه لا بد لروسيا من أجل ذلك من إطلاق نظام تعليم عسكري ، وإعداد وحدات عسكرية سريعة الحركة ، وتنظيم رصد طويل الأمد لعمليات التسوية السياسية .
يقول خلابنيكوف ، أن الوجود المتعاظم لإيران ، التي تنشئ وتمول ميليشيات موالية للنظام ، يزيد أكثر من تعقيدات الوضع . لقد ساعدت هذه التشكيلات النظام على الصمود ، إلا أنها جعلته في الوقت عينه مرتبطاً بشدة بإيران ، مما مكنها من توسيع وجودها العسكري في سوريا . ومع أن الفصائل الموالية لإيران قد رسخت مواقعها في سوريا وفي قواتها المسلحة ، إلا أنه سيتعين على دمشق إنشاء جيش مستقل ومكتف بذاته ، لكي تصبح أقل اعتماداً على طهران ، وهذا ما تتفهمه موسكو جيداً . خلال عشر سنوات من الصراع السوري ، كانت القوات الموالية لإيران غالباً ما تعمل بصورة موازية للمؤسسات الرسمية السورية ، بل وضد مصالحها . أما موسكو ، فهي على العكس برأيه ، تعمل على إحياء تلك المؤسسات وتعزيزها ، معتبرة إياها الشريك الأكثر ثقة ، وتشكل ضمانة للإستقرار. هذا الفارق في المقاربتين قد يفضي إلى احتكاكات جدية بين روسيا وإيران ، مما يعرقل أي تغييرات بناءة في سوريا .
ويخلص الكاتب إلى القول ، بأن روسيا إذ تتصدى لمهمة إعادة بناء القوات المسلحة السورية ، تشدد من ارتباطها بسوريا ، مما يعني أنها لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالفشل ، لأن ذلك سيظهرها عاجزة عن التعاون مع حلفائها . ومما يزيد من صعوبة وضع روسيا ، وهي تتصدى للإصلاح العسكري في سوريا ، إمكانية بروز مخاطر إضافية على تعاونها مع إيران في سوريا ، بسبب اختلاف مقاربتهما للعلاقات مع المؤسسات العسكرية السورية ، وبسبب دعم إيران لموقف الأسد “غير المرن” من عملية الإصلاح هذه.
الخبير المستقل في المجلس الروسي المذكور ، وكاتب العمود في موقع Al-Monitor كيريل سيمونوف ، تصدى للحديث عن “دور روسيا في إصلاح أجهزة المخابرات السورية” ،لأن ذلك يعزز نفوذ روسيا في سوريا ويضعف في الوقت عينه من نفوذ إيران ، برأيه. ويعترف سيمونوف أن راحة العسكريين الروس ، وكذلك شركات روسيا الإقتصادية ومواطنيها ، ترتبط مباشرة “بنوعية” أجهزة المخابرات السورية المرتبطة مباشرة بالقيادة السورية ، و يتعلق قرار التعيينات بالمناصب العليا فيها ب”الحلقة الضيقة من عائلة الأسد” . ويقول الكاتب ، أن طهران تؤثر في عملية التعيينات هذه “لعلاقات الثقة” مع دمشق ، وبأن تدخل روسيا في هذا “المجال الحساس” بالنسبة لنظام بشار الأسد يتسم بحساسية أكبر.
يقترح الكاتب ثلاث سيناريوهات لإصلاح الأجهزة السورية هذه ، ويقر بأن كلاً منها “متخيل” إلى حد ما ، وذلك لنقص المعلومات المتوافرة . وبعد أن يناقش بالتفصيل السيناريوهات الثلاثة : دمج الأجهزة في وزارة الداخلية ، تحسين نشاط الأجهزة ، إنشاء وزارة جديدة للمخابرات ، يخلص سيمونوف للقول ، بأن روسيا التي تبقى الشريك الأساسي لسوريا ، عليها أن تواصل تقديم العون لهذه الأجهزة ، عن طريق إعداد الكادرات في روسيا ، وتدريب فصائل الرد السريع المناهضة للإرهاب . وعلى السياسيين أن يدرسوا السيناريوهات الثلاثة ، من أجل بلوغ تغيرات ملموسة على طريق تعزيز تماسك الدولة السورية .
تظهر النصوص الثلاثة ، التي استعرضها مركز كارنيغي موسكو ، الصعوبات التي تعترض انخراط الكرملين في المقتلة السورية ، التي يتواصل تناسل حروبها وصراعاتها ، وتقوض هذه النصوص ما تشيعه بروباغندا الكرملين عن تصوير نفسه كلي القدرة في سوريا . ولعل ما ذكرته صحيفة القوميين الروس “sp” في تعليق لها على “قانون قيصر” يبين الحجم الحقيقي لنفوذ الكرملين في سوريا ، إذ قالت “العقوبات الأميركية على الأسد تمحو كل ما قامت به روسيا في سوريا” .
المدن
————————————-
سوريا أرض الموت للروس/ بسام مقداد
الروس ومواقع إعلامهم منهمكون عن مقتل جنرالهم فيتشسلاف غلادكيخ ، الثلاثاء في 18 آب الحالي في سوريا ، بملاحقة تطوات الوضع في شقيقتهم الصغرى بيلاروسيا . وزارة الدفاع الروسية في بلاغها ، الذي أذاعته عن مقتل الجنرال اكتفت بذكر رتبة الجنرال ومهمته كنائب لكبير المستشارين الروس في سوريا ، لكنها لم تنشر لا إسمه ولا صورته ، وتبعتها في ذلك تاس ونوفوستي ، مما دفع صحيفة مركزية موالية مثل كومسومولسكايا برافدا للتوقف عند الأمر . هو الجنرال الروسي الرابع ، الذي يقتل في سوريا منذ العام 2015 ، ويتطابق مع عدد الجنرالات الروس ، الذي قتل في أفغانستان طيلة 10 سنوات . الأرقام الدقيقة لخسائر روسيا البشرية في أفغانستان ، ليست معروفة حتى الآن ، بعد مرور أكثر من 40 عاماً على الإنسحاب السوفياتي من هناك . الأرقام المتداولة عن الخسائر الروسية البشرية في تلك الحرب ، هي أرقام متعارف عليها ، حسب غوغل الروسي ، الذي يقول ، بأن عدد العسكريين الروس الذين خدموا في أفغانستان بلغ أكثر من 600 الف عسكري ، قتل منهم أكثر من 11 ألف جندي وصف ضابط ، وأكثر من 200 ضابط . فهل على الروس إنتظار 40 عاماً ليعرفوا أن سوريا تحولت إلى أرض موت لهم ، كما كانت عليه أفغانستان ؟
وزارة الدفاع، التي لم تعلن إسم الجنرال ، واكتفت بإعلان رتبته ، قالت بأنها تقدمت من أسرته بالتعزية ، ووعدتها بالحصول على كامل المستحقات المتوجبة ، وترشيح فقيدها للوسام المستحق . أما هيئة التحقيق الفدرالية ، فقد أعلن رئيسها بأن رجال الهيئة في سوريا يقومون بالتحقيق الجنائي في “جريمة” مقتل الجنرال ، واعتبر أن القضية ليست تقنية فحسب ، بل هي “مسألة شرف”.
الصورة الأولى ، التي طالعتني للجنرال القتيل ، كانت على موقع صحيفة “Novaya ” الليبرالية المعارضة ، وعلى موقع إذاعة “الحرة” الناطقة بالروسية . ولم يتعد النص المرافق للصورة في الموقعين نبأ مقتل الجنرال ، كما أعلنه المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع . لكن كانت لافتة تعليقات القراء الروس ، التي أعقبت النص على موقع “الحرة” ، وبلغت ، حتى اليوم التالي ، 45 تعليقاً ، يحسده على عددها أي موقع إعلامي عربي . تميزت جميعها بانتقادها اللاذع للوجود الروسي في سوريا ، بل والتشفي بمقتل الجنرال ، وكيل الشتائم للرئيس الروسي بوتين . بدأ التعليقات أحدهم بالقول “عما كان يبحث هناك؟” ، وتبعه آخر “هذا ما يستحقه ، لقد أقاموا جحيماً في سوريا”، وثالث “بوتين ، إذا كان أحد لا يزال يذكر ، وعد على مسمع البلاد كلها ، بأن العملية ستكون من الجو فقط ، ولن يقتل عسكريونا تحت أي ظرف كان . هاك ، صدقه بعد هذا. تيتمت أسرة أحدهم ، وهو حتى لم يعتذر على الكذب…” .
قد تكون أسماء البعض من بين أصحاب التعليقات مستعارة ، وهذا أمر مفهوم في ظل نظام الكرملين ، وقد لا يكون البعض منهم مقيماً في روسيا ، لكن ما تشهده مدينة خاباروفسك وسائر مدن الشرق الروسي ، في الأسابيع الأخيرة ، من شعارات معادية لبوتين يرفعها المتظاهرون ، ويدعون فيها روسيا للنهوض ضده ، يجعل مما جاء على لسان هؤلاء القراء عادياً ومنسجماً مع ما يعانيه الروس من ضيق عيش وكم للأفواه . يتوجه أحدهم إلى الجنرال القتيل بالقول ” ما الذي نسيته هناك ، من أجل ماذا قُتلت ؟ من أجل المفاخرات الرخيصة لمن صَفّر فترات رئاسته (الرئيس بوتين) ، من أجل نقود بريغوجين (طباخ بوتين) ؟ لقد استبدلت الوسام بالحياة . لكن الشعب لن يقدر “بطولتك”” . وتقول قارئة “لقد جهدت سلطتنا في خلق الإشمئزاز من الجنرالات المعاصرين ، حتى باتت التعزية غير ممكنة . لكن يمكن تعزية الأهل ودعمهم في مصابهم” ، ويتأسف قارئ على شباب الجنرال ، ويقول بأنه “لا شك ، هو إبن أحد ما ، وصهر أحد ما . لقد اعتقد بأنه لا يمس” ، ويخاطبه آخر بقوله “أنت ضيف (في سوريا) غير مدعو” .
بعض من القراء كتب تعليقات ساخرة تنضح شماتة بميتة الرجل . أحدهم يقول “مهمة “إنسانية”، قطعها لغم “لا يقل إنسانية …”” ، و”شكراً لله ، سيكون الفاسدون أقل” ، و “كلما كانوا أكثر(القتلى) ، كلما كان أفضل” ، و”نبأ جيد جداً ” و”إنه سعيد” ، و “سماد جيد” ، و”ماذا كان يفعل هناك ؟ جنرال ـــــــــ ميجور! مبشرون ، سفلة” ، و”لاهاي لا تنسى” ، “فلتكن الأرض لك من صوف الزجاج”(بدلاً من زغب ريش الطير ، وفق تعبير العزاء الروسي التقليدي) .
البعض يتخوف من أن سوريا أصبحت تذكر بأفغانستان “أكثر فأكثر” ، والبعض يتهم الكرملين مباشرة ، إذ يقول أحدهم “اعتبروني شخصاً قاسياً جداً ، لكنني لن أنطق بكلمات العزاء ، لأن الإنسان يختار مهنته بنفسه . لقد ذهب إلى سوريا للدفاع عن مصالح بوتين ، وليس روسيا … أجل هو عسكري ، والأوامر لا تُناقش بل تُنفذ ، لكن كان بوسعه الإستقالة . ولذا ، كلا ، لست آسفاً ، سيما وأنا أعرف كيف يقصف العسكريون الروس المواطنيين المسالمين … “عمليات إنسانية” على الطريقة البوتينية … وبعدها يبدأ العسكريون عملهم “. ويتبعه آخر بالقول “لقد كان يدافع عن طاغية . كان من الأفضل أن يدافع عن وطنه ضد طاغيته …”
تشير هذه التعليقات إلى أن موقف الروس حيال مشاركة الكرملين في المقتلة السورية ، ومسؤوليته عنها ، قد تغير كثيراً عما كان عليه في العام 2015 ، إذ أصبح من الممكن مصادفتها في ذيل نصوص صحيفة الكرملين المتعلقة بالوضع السوري . إلا أنه لا ينبغي المغالاة في تقدير هذا التغير ، إذ لم يتحول إلى بند في برامج الأحزاب السياسية الليبرالية ، ولا شعاراً من شعارات الإحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ 11 الشهر المنصرم في خابارسك وسائر مناطق والشرق الأقصى الروسي . ونصوص المواقع الروسية ، التي تناولت مقتل الجنرال الروسي ، لم تخرج عن نمطها المعهود في غياب محنة الشعب السوري عنها ، والبحث عن الغرب في مقتل الجنرال . فقد كتبت صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” المركزية في 19 من الجاري نصاً بعنوان “مقتل الجنرال الروسي ، هو خيانة المحليين ، أو “تحية” من الأميركيين” ، وقالت بأن الإنفجار ، الذي قتل فيه الجنرال مع قائد الدفاع الوطني في مدينة الميادين محمد تيسير الظواهري ، هو اعتداء قد يكون من تنظيم مقاتلي “الدولة الإسلامية” المتبقين ، او الأميركيين “كلاب حراسة آبار النفط” في دير الزور . وتنقل عن مصدرها الذي لم تفصح عنه ، “والذي كان في سوريا غير مرة” ، بأن اللغم انفجر تماماً في لحظة مرور سيارة الجنرال ، مما يشير إلى المعلومات الدقيقة لدى المفجرين . وهذا يشير برأي مصدر الصحيفة إلى أن التفجير إما خيانة من جانب السوريين ، وإما أنه تفجير إرهابي من قبل محترفين من المخابرات العسكرية الأميركية .
موقع “تسارغراد” المغمور ينقل ن دبلوماسي روسي سابق متخصص بالشؤون العربية نفيه مسؤولية بقايا “الدولة الإسلامية” عن التفجير ، ويحصر المسؤولية بالأوروبيين والأميركيين . ويعتقد هذا الدبلوماسي السابق ، بأن الجنرال قُتل إما لأنه عزز موقعه في المفاوضات حول مصالح جيوسياسية في المنطقة ، وإما لأنه أصبح عقبة في وجه تنفيذ مخططات ما داخل سوريا نفسها .
صحيفة القوميين الروس “sp” بدورها كتبت مقالة في 19 من الجاري بعنوان “الحرب انتهت ، لكن الجنرالات الروس يستمرون في التساقط” ، نقلت فيها عن خبير عسكري روسي نفيه القاطع أن يكون مقتل الجنرال غلادكيخ مجرد صدفة ، بل هو عمل مخطط استند إلى معلومات دقيقة من مخبر أو أكثر في دير الزور يعمل لصالح الإرهابيين السوريين ، أو لصالح مخابرات دول أجنبية ، لم يحددها ، وهو ما ستكشفه التطورات لاحقاً.
المدن
=====================