المعارض السوري يحيى العريضي: العوامل الذاتية والخارجية لبقاء النظام مشلولة
حاورته: رلى موفّق
يُبدي رئيس المكتب الإعلامي في “الهيئة العليا للتفاوض” في المعارضة السورية الدكتور يحيى العريضي اقتناعاً بأن مصالح الدول المنخرطة بالأزمة السورية، وفي مقدمها روسيا، باتت تتطلب بقوة التوجّه نحو الحل السياسي، وأن الاختلاف الآن هو على الجنى السياسي والتقاسم. معتبراً أن تضارب المصالح الروسية-الإيرانية على الساحة السورية قد يُرجّح كفة موسكو في الحسم كونها تلقى دعماً أمريكياً وكذلك إسرائيلياً في هذه المسألة، وإن كان على يقين بأن “اقتلاع إيران من سوريا مسألة ليست سهلة على الإطلاق”.
ويرى عضو لجنة صياغة الدستور الجديد أن روسيا وجّهت رسائل للنظام بأنها “إذا رفعت يدها عنه سيسقط حكماً” وذلك لدفعه إلى التسليم بأنه لا بدّ من تغيير سياسي فعلي، وتطبيق القرارات الدولية. وهو ينظر إلى اللجنة الدستورية على أنها بوابة للولوج منها إلى تنفيذ القرار 2254.
العريضي الذي شغل موقع عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق، قبل الثورة السورية، يعتبر أن نظام الأسد – حتى ولو استعاد السيطرة على جزء من الجغرافيا – لن يحظى برضى شعبي حتى في حاضنته، وهو لن يتمكن من الاستمرار، لأنه فقد المصداقية على مستويات مختلفة. فقد يستطيع تغطية تعثّره مادياً أو دبلوماسياً أو سياسياً لكنه لا يستطيع إخفاء إفلاسه الأخلاقي كونه مُثبت الوقائع عبر ما كشفته لجان التحقيق عن استخدامه للسلاح الكيماوي، وفي حالات التعذيب والمعتقلات من خلال 55 ألف صورة تمخض عنها ما سُمي بـ”قانون قيصر” وأصبح جزءاً من المنظومة القانونية الأمريكية، ليس فقط لمعاقبة النظام، بل أيضاً لمعاقبة أو مقاطعة أو فرض عقوبات على أي جهة تدعمه أو تتعامل معه.
وهنا نص الحوار:
*بداية، هل تؤيد الاستنتاجات القائلة بأن الحرب السورية انتهت؟
** ربما تكون الأمور قاربت نهاياتها على الصعيد العسكري، لكن علينا التفكير بأن النظام عاش على توتير الأوضاع انسجاماً مع مقاربته العسكرية، وإيران دعمته بهذا التوجه وما زالت. وهذه المنهجية لا تزال قائمة حتى في الشمال الغربي وآخرها هجوم أيلول/سبتمبر 2019. هناك محاولات كثيرة لخرق اتفاق روسيا وتركيا في 5 آذار/مارس الماضي، لكن الأمور لا تزال ثابتة حتى الآن. لا بدّ من وجود حل سياسي انسجاماً مع القرارات الدولية بدء من بيان جنيف والقرارين 2118 و2254، هكذا يمكن لسوريا أن تعود إلى الحياة. فجوهر القضية السورية في الأساس ليس حرباً، بل مواجهة بين نظام استبدادي وشعب يطلب الحرية.
*ولكن لا يزال الحل العسكري هو خيار النظام؟
**باعتقادي أن الحرب الآن لا بد من أن تضع أوزارها، لأن هناك مصالح، بحكم تدويل القضية السورية. هناك جهات مأزومة، وعلى رأسها عالمياً، روسيا وإيران. موسكو لم تجن شيئاً سياسياً، تألقت في استخدام آلتها العسكرية، واستعرضت مختلف صنوف أسلحتها بغية التسويق لها، وشاركت في القرارات الدولية السياسية المتعلقة بسوريا، لكن في النهاية بقيت خارج التطبيق. كل هذه الأمور تقود روسيا للقول إن المقاربة العسكرية مضى وقتها وانتهت، وما عليكم إلا أن تتّجهوا باتجاه الحل السياسي، لكن الاختلاف الآن هو على الجنى السياسي، والمصالح والتقاسمات.
أما إيران التي دخلت إلى سوريا تحت يافطة نشر الثورة الإسلامية، وبوصفها “عقدة الوصل” لما يسمى بـ”الهلال الشيعي” من طهران إلى لبنان، فتواجه رغبة دولية بسحبها من سوريا، ولا يوجد تطابق بين المصلحتين الروسية والإيرانية على الساحة السورية، ولا بدّ لواحدة منهما أن تحسم الأمور. أعتقد أن الكفّة تميل لصالح الروس، ذلك أن أمريكا تريد لروسيا أن تحسم الأمور، وكذلك إسرائيل. ناهيك عن أن العرب مع بعض الاستثناءات والأوروبيين ليسوا مغرمين بإيران. كل تلك الأمور أعتقد أنها تقود إلى حل سياسي من نوع ما.
*ما الذي سيدفع النظام إلى تطبيق خريطة الحل السياسي والقبول بدستور جديد، طالما أنه أستعاد سيطرته على جزء كبير من الأرض عسكرياً؟
** القضية ليست قضية جغرافيا، الأهم هو أن ينال الرضا الشعبي. يمكن أن يسيطر على الجغرافيا لكن هل هناك رغبة شعبية به؟ هذا غائب حتى في حاضرة النظام، فالتذمر والتعب الاقتصادي والإحساس بالخوف والغموض المريب منتشر حتى داخل حاضنته، فما بالك في مناطق أخرى دمّرها بالبراميل المتفجرة، وقصف ناسها، وشردهم وقتل أبناءهم. سيطرته هذه هل يمكن أن تُحسب له بأنه يحوز عقداً طبيعياً يُرضي الحاكم والمحكوم؟ هذا شيء غير متوفر.
* ولكن الثورة على الظلم، كما أسميتها، أخفقت وبقي نظام الأسد؟
** الكل يعرف أن تلك السيطرة على الجغرافيا لم تكن بفعل قوّة النظام، بل بفعل الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التي تدور في فلكه، إضافة إلى وجود قوّة عسكرية لدولة عظمى. هو أعجز من أن يفعل ذلك، وهذه الحقيقة تنسف مصداقيته كحاكم. كان يسيطر على سوريا ككل ومع ذلك رُفض، والآن حتى لو أعاد السيطرة، فلن يتمكن من الاستمرار، لأنه فقد المصداقية على مستويات مختلفة. قد يستطيع تغطية تعثّره مادياً أو دبلوماسياً أو سياسياً لكنه لا يستطيع إخفاء إفلاسه الأخلاقي كونه مُثبت الوقائع عبر ما كشفته لجان التحقيق عن استخدامه للسلاح الكيماوي، وفي حالات التعذيب والمعتقلات من خلال 55 ألف صورة، التي تمخض عنها ما سُمي بـ”قانون قيصر” وأصبح جزءاً من المنظومة القانونية الأمريكية، ليس فقط لمعاقبة النظام، بل أيضاً لمعاقبة أو مقاطعة أو فرض عقوبات على أي جهة تدعمه أو تتعامل معه. النظام يحاسب على فعل لا أخلاقي قام به. التمتع بالمصداقية والأخلاقية كحاكم هو الذي يبقيك، ولن تنفعك الجغرافيا ولا القوى الخارجية، ولا التزييف والكذب.
* ما تحاول قوله إن النظام محكوم بالرحيل، طال أو قصر الزمن، وتتم محاصرته الآن اقتصادياً وسياسياً ومالياً وقانونياً بشكل مُحكم، لكن واقعاً هو لا يزال مستمراً…
** النظام يستمر عملياً بفعل إيران وروسيا التي سعت لإعادة تأهيله وطلبت منه عدم خرق وقف إطلاق النار في الشمال الغربي، وتريد البدء بالحل السياسي، ولكن النظام يعرف أن الحل السياسي يؤدي إلى التغيير وهو لا يحتمل ذلك، لأن أي تغيير في بنيته الأساسية تعني نهايته.
هنا حدث التناقض بين ما تريده روسيا وما يريده النظام، لذا نراه يلعب على التناقضات القائمة، فتجدينه يتقرَّب من إيران ويهدّد بها عند كل سانحة. هذا كان جلياً عندما هدَّد خالد العبود (أحد أصوات النظام) الروس بـ”داعش” بشكل مبطّن، وبالعلاقة العضوية مع إيران. الأسد لا يستطيع أن يقول “لا” لروسيا، لأنها إذا امتنعت عن رعايته وعن استخدام حق النقض في مجلس الأمن ينتهي. امتناع الروس عن حضور اجتماع الأمم المتحدة لمناقشة استخدام الكيماوي كان إشارة غير مباشرة بأنه “إن رفعنا يدنا عنك أيها النظام ستسقط حكماً”، والإشارة الأخرى كانت الحملة الإعلامية الروسية التي حدثت بشكل غير رسمي ضد نظام الأسد – لكن لا شيء غير رسمي على الصعيد الإعلامي في روسيا – والردّ عليها بالاحتماء بإيران. قول المسؤولين بأن الأمور بين روسيا والنظام السوري أكبر من هذه الترهات ليس صحيحاً، فهي ليست ترهات، بل فعل حقيقي. الآن كيف يمكن للنظام أن يتملص من هذا الأمر؟ لا يستطيع ذلك، وروسيا تعرف ذلك، وتعتبر أنه لا بدّ من تغيير سياسي فعلي، وتطبيق القرارات الدولية.
* إذا كان النظام لا يستطيع أن يُماشي الروس لأنه سينتهي، ولا يستطيع أن يُؤمّن بقاءه من خلال إيران دون الروس، فكيف سيكون المشهد؟
** المشهد واضح، ثلاثة عوامل تبقي النظام: العامل الذاتي، والعامل الإيراني، والعامل الروسي، ويمكن أن نضيف إليها العامل الدولي، والعامل الخامس ربما يكون الحجّة بعدم وجود البديل. الروس ليسوا “جمعية خيرية”، وحققوا جزءاً من مصالحهم، ويبتغون تتويج ذلك بقرار سياسي، وحتى الآن لم يحصلوا على ذلك. أما إيران فمشروعها أبعد مدى، لأن له بعداً أيديولوجياً، فهي تغلغلت بالنسيج الاجتماعي، والنسيج المادي، والنسيج الديني، كل هذه الأمور تجعل من اقتلاع إيران من سوريا مسألة ليست سهلة على الإطلاق، لكن مهما كلف الأمر فهي أحد العناصر الأساسية المفجّرة لاستمرار الصراع. أما العامل الدولي فهو يريد تطبيق القرارات الدولية، وتغييراً سياسياً. وبالنسبة لعدم وجود بديل للأسد، المسألة ليست تبديل فرد بفرد، بل تبديل منظومة بمنظومة أخرى، منظومة كانت قائمة على الفرد وهو الآمر الناهي. بالإمكان إيجاد جسر انتقالي تأسيسي لفترة معينة، يُهيّئ لصناعة دستور ولجنة دستورية ربما تكون هي البوابة باتجاه ذلك، ثم تكون هناك انتخابات محلية، برلمانية وصولاً للرئاسية، تحت رعاية دولية، وتضع سوريا على سكة الحياة ثانية. لكن بوجود هذه المنظومة المستبدة لا يمكن الوصول إلى هذا الأمر.
أما بالنسبة للعامل الذاتي، فالنظام يعتمد على الناس والاقتصاد والعلاقة بينهما. الجانب الاقتصادي في حالة تدهور غير مسبوقة. هناك اليوم الصراع القائم في دائرته المغلقة، والحالة الفضائحية التي نشهدها. أعتقد أن روسيا أرادت أن تستغل ذلك، لأنه يُفترض برأس النظام أن يكون المنقذ، وعليه أن يُحارب الفساد، وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ومنسوب شعبيته منخفض جداً. الآن عندما يحارب رامي مخلوف، يقدّم نفسه على أنه يحارب الفساد، لكن روسيا ليست غبية كي لا تكتشف أن رامي مخلوف وفساده هو الوجه الآخر للعملة الواحدة. هذه الأموال تعود لرأس النظام وليست لرامي مخلوف فقط، هم شركاء في هذا الموضوع، لا يستطيع المرء أن يُحارب ذاته، هم ليسوا أغبياء. هذا من الجانب المادي، أما من الجانب الاجتماعي فهناك صمت وضبابية وغليان فظيع والناس في حالة عوز والجرائم منتشرة والمخدرات متفشية عن طريق إيران و”حزب الله”. هنا نصل إلى أن العوامل التي يستند إليها النظام مشلولة بالمعنى الكامل للكلمة بشكل لا يسمح له بالبقاء.
* في ظل هكذا نظام يعتمد النسق الاستخباراتي والقمعي، ألا تخشون من قدرته على الالتفاف على المكتسبات التي قد يحققها الشعب السوري في الحل السياسي؟
** النظام لا يستطيع الالتفاف على الحل عندما يكون حلاً منطقياً ويأخذ في الاعتبار ما يريده الناس. إذا وُضع بعض شخوص النظام كألغام في سوريا المستقبل، فهي الوصفة لاستمرار النزيف. أعتقد أنه يمكن أن توجد حلول مرضية للجميع. النظام ليس لديه القدرة على أن يلتف، لأنه لن يكون هناك ليلتف، المسألة لن تكون مسألة فرد يأمر فيُطاع، لن يكون حالة مخابرات مرعبة للناس، لن يكون حالة احتكار اقتصادي لاستخدام التجويع كأداة للسيطرة.
واقعياً، الحل لن يكون مثالياً للجميع، والشعب لن ينال حقوقه كاملة، وكذلك المتدخلون الخارجيون في القضية السورية، لا بدّ من بدايات كأسس للحل، كتطبيق بيان جنيف والقرار 2254 بكل تفصيلاته بما في ذلك الانتقال السياسي. البعض يعتبر كل من يشارك في هذا النظام مرتكباً، لكني أرى أن هذه المقاربة ليست دقيقة. على سوريا أن تقبل حلاً معقولاً، الخسارات ستكون متفاوتة والأرباح ستكون متفاوتة. لا أظن أن روسيا ستنال ما يرضي مصالحها بشكل كامل، أو تكون هي المتحكم الأساسي في مفاصل الحياة السورية. إن لم ينل هذا الشعب حريته في تقرير مصيره ستكون روسيا في حالة ضعف وفي مستنقع وهذا أمر مؤكد، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الأمريكان والإيرانيين والإسرائيليين.
* وما الذي يجعلك متيقناً من عدم قدرة النظام على الالتفاف حتى لو استطاع تأمين المصالح المشتركة للقوى الفاعلة في بلاده؟
** أمور عديدة تحدّ من قدرة نظام الأسد على ذلك، أولها الملفات الإجرامية المتراكمة بحقه، التي لا يشملها تقادم الزمن، وسقوط أخلاقياته والإدانات الواضحة له، وهي مسألة تضرب بالعمق أساساته. جانب آخر هو الإفلاس المادي الذي يعاني منه حالياً والمرشح للتفاقم، ناهيك عن “قانون قيصر” الذي سيبدأ تطبيقه خلال أيام وسيكون له وقع الكارثة عليه وعلى مَن يدعمه. وهناك ارتكاباته بحق شعبه بحيث بات نصف الشعب السوري مهجّراً ومئات الألوف منه تقبع في المعتقلات إضافة إلى عدم استعداد أي جهة للمساهمة بإعادة الإعمار في سوريا طالما لا يحدث انتقال سياسي، كل ذلك سيؤدي حتماً إلى نهاية النظام. إذاً نحن أمام جملة من القضايا التي تحول دون إمكانية إعادة تأهيل هذا النظام أو قدرته على الالتفاف. الآن روسيا بالذات تحاول أن تتملص أو تنأى بنفسها عن الارتكابات التي تمت أحياناً عندما يُشار إلى الكيماوي. على الأقل إذا كانت شاهدة أو تعرف بهذا الموضوع، ستكون مدانة. روسيا كانت مشرفة على تفكيك الترسانة النووية للنظام وتعهدت بأنه لم تبق لديه أسلحة كيماوية، فإذا ثبت عكس ذلك ستكون هي المسؤولة عن هذا الموضوع، وبالتالي تُصبح مرتكبة. فالموافق أو الشاهد على ارتكاب جريمة معينة يُعتبر مداناً. وإيران ستقوم بالتصرف نفسه.
* نشهد ضربات إسرائيلية متواصلة لمواقع إيرانية ولمواقع حزب الله، هذا يقودنا إلى سؤال أساسي عن جنوب سوريا أو ما يُطلق عليه “حزب الله” وحلفاؤه الجبهة الجنوبية. برأيك وأنت الأدرى بطبيعة تلك المنطقة، كيف سيكون التأثير الإسرائيلي على تلك المنطقة؟
** الهاجس الأساسي بالنسبة لإيران هو دخولها إلى سوريا والتواجد على الحدود الجنوبية الغربية وتحديداً عند الحدود الإسرائيلية، تحت عنوان المقاومة والممانعة، بحجة أن سوريا تتعرّض لمؤامرة كونية. دخول إيران لم يكن فقط لحماية المراقد الشيعية وإنما لنصرة نظام الأسد. ومن هنا تركيزها على هذه المنطقة. تم الاتفاق على أن تكون القوى الإيرانية بعيدة عن هذا المكان 80 كيلومتراً، لكن الموضوع تحوَّل أيضاً إلى استهداف للمواقع الإيرانية في حلب ودير الزور. الآن إيران وتواجدها في سوريا مطلوب سحبه دولياً، حتى الداخل السوري يرفضه ويرفض حالة التشييع الإيرانية. أخشى إذا “حُشرت في الزاوية” في سوريا أن تستهدف هي تلك المراقد التي أتت بذريعة حمايتها. لا أستبعد أن يُدمّر الحرس الثوري الإيراني وميليشياته في يوم من الأيام مقام السيدة زينب، للقول إن الإرهاب ما زال موجوداً لتعطي تبريراً لوجودها. التناقض الحاصل الذي لا يظهر تماماً على السطح بين روسيا وإيران، وهما الأقوى على الساحة السورية، ستكون له مفاعيله في وقت من الأوقات. وعندما يعود السوريون إلى تفكيرهم العميق سيتأكدون من أن النظام ربما كان يفكر عندما بدأت الأمور بالتدهور في العام 2011، بمقاربة مختلفة عما حدث، لكن إيران كانت الفاعل الأساسي والمحرّض للنظام حتى يأخذ هذه المنهجية في مواجهة الناس.
من جانب آخر هناك من يُشكك بهذه الضربات الإسرائيلية، ويقول إن هناك تنسيقاً بين إيران وإسرائيل لأن أي قصف من قبل إسرائيل، يُعطي شرفاً للوجود الإيراني والمقاومة، ويثبت شعار المقاومة والممانعة. أنا لا أعتبر أن إيران تهدد إسرائيل، إسرائيل تستخدمها ذريعة لتدمير سوريا أكثر، واستباحتها أكثر، وإيران تستخدم إسرائيل لتبرير تدخلها في سوريا، والآخرون متآمرون حول هذا الموضوع، أكان روسيا أم أمريكا أم أي جهة أخرى.
* وإسرائيل أمّنت بقاء نظام الأسد وحمته…
** إسرائيل مرتاحة لوجود هذا النظام على مدار عقود من الزمن، هي انسجمت مع شعاره الذي رفعه أساساً “أَحكمها أو أُدمّرها”. وأعتقد ان شعار إسرائيل الذي لم يُعلن هو: إما أن يبقى هذا النظام أو أن تتحوّل سوريا إلى حالة كسيحة لا تقوم لها قائمة لنفس الفترة الزمنية التي حميت فيها حدود إسرائيل أو كانت حدودها مرتاحة. عملياً تم الشق الآخر من الشعار الذي رفعه النظام “أحكمها أو أدمرها”. لقد دمرها، لكن لا يستطيع أن يُدمرها ويحكمها في آن معاً. لقد أنجزت شيئاً معيناً وعليك الرحيل. إسرائيل تضبط أمورها من خلال ما سيأتي بعد ذلك. عملياً سورياً لن تقوم لها قائمة قبل عقود من الزمن، تحتاج إلى فترة زمنية غير قليلة لتعود إلى سكة الحياة.
أما المسألة الأساسية بالنسبة للجولان، فلا يستطيع (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب أو غيره أن يحرم سوريا من أرضها. الجولان أرض سورية وسيعود لسوريا، عبر القرارات الدولية، القرار الصادر عام 1981 الذي اعتبر ضم الجولان لإسرائيل باطلاً ولاغياً، لا يزال قائماً، وسيبقى السوريون يتمسكون بذلك. لن يكون السوريون أكثر ملكية من الملك، وأقصد الفلسطينيين. الفلسطينيون بإمكانهم تدبّر أمورهم، ولهم دعم كامل من قبل السوريين لتحصيل حقوقهم. تربينا على أن القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية لكن اكتشفنا أن كل ذلك كان كذبة.
* تركيا لاعب إقليمي آخر على الساحة السورية والمخاوف من أطماعها موجودة؟
** وضع تركيا يختلف عن الوضع الإيراني، إيران لديها مشروع خبيث، أما تركيا فتجمعها مع سوريا حدود تتجاوز الـ800 كيلومتر وتعاني من حالة أمنية تهدّد أمنها القومي بوجود أحزاب إرهابية وفعلياً هي تمارس الإرهاب وتريد زعزعة الداخل التركي. تركيا من جانب آخر هناك فيض من البشر هرب باتجاهها وحملته، 3-4 ملايين سوري نزحوا إليها، مؤخراً أيضاً 3.5 ملايين في الشمال، وكل ذلك يُشكّل عبئاً عليها. وقد يقول الإنسان هي تستفيد من هؤلاء وتحضر على الساحة الدولية كلاعب سياسي وتقرر مصير الأمور، لكن من خلال حسابات القلم والورقة أعتقد أن تركيا إن ربحت شيئاً، فهي ربحت ليس اقتصادياً وليس أرضاً وليس شيئاً من هذا القبيل، لكن كسبت ثقة من نسبة هائلة السوريين لأنها حملتهم. هذا ليس مرافعة عن تركيا، أنا لا أريد قدماً تركية على أرض سوريا، أنا لا اريد لأي جهة خارجية أن تتدخل في سوريا، أنا أريد سوريا الحرة الديمقراطية لكل مواطنيها تحت يافطة القانون، والدين لله والوطن للجميع. هكذا إيماني، وهذا ما أعمل عليه.
* ملف سوريا يرتبط بملفات المنطقة، والكل بانتظار اللاعب الأمريكي، ربما بعد الانتخابات هل تتوقع انخراطاً أمريكياً جديداً؟
** الجانب الأمريكي منذ بداية الأحداث اتبع سياسة القيادة من الخلف. (الرئيس الأمريكي السابق باراك) أوباما نأي بنفسه وترك الآخرين يُستنزفون. وما دام معظمهم ليس في الفلك الأمريكي فليدمروا بعضهم البعض، وهو مرتاح لوضعه، لكن في النهاية أمريكا قوة عظمى، ولا تستطيع التخلي، استراتيجياً، عن منطقة حساسة جداً من العالم، فسوريا بوابة 3 قارات. الآن بدأت أمريكا بالانخراط أكثر في المسألة السورية. أعتقد أنه عندما كانت بعض الدول تسعى لمغازلة النظام، ردعتها ببساطة. تتحدث واشنطن عن إعادة الإعمار وشرطية هذا الموضوع بالانتقال السياسي. وتطبيق قانون “قيصر” ليس مرهوناً بإرادة وموقف الرئيس الأمريكي حتى لو ذهب ترامب، فهو أصبح جزءاً من المنظومة القانونية الأمريكية. هذا القانون هو لحماية الإنسان في مكان معين، واستهداف من يستهدف هذا الإنسان، واستهداف من يساعد المستهدِف، هنا قوّة هذا القانون. الآن تبقى مسألة العلاقة الأمريكية مع جهات كردية في الشمال الشرقي السوري، ووجود أمريكا عند آبار النفط. أعتقد أن أمريكا لا تحتاج لمزيد من النفط، وليست بحاجة لأموال جديدة، هي تستخدم هذا الأمر ورقة للضغط، من أجل أن يُزاح هذا النظام.
* كونك عضواً في لجنة صياغة الدستور، ما هو المتوقع منها راهناً؟
** المبعوث الدولي غير بيدرسون تواصل مع الهيئة السورية للتفاوض، ومع رئيس اللجنة الدستورية هادي البحرة، حول إمكانية عقد جلسة الكترونية، ولكن جرى التوافق على معاودة الاجتماع في جنيف بعد الانتهاء من أزمة “كورونا”. بالنسبة لنا اللجنة الدستورية تشكل لنا معبراً أو بوابة بسيطة للدخول إلى تطبيق القرار الدولي رقم 2254.
القدس العربي