أرميناك توكماجيان: نُذُرُ عاصفة هوجاء في محافظة درعا المضطربة
مايكل يونغ
يوضح أرميناك توكماجيان، في هذه المقابلة، لماذا يراقب الأردن وإسرائيل بعين ثاقبة التطورات في درعا.
قام النظام السوري الأسبوع الماضي بتعبئة قواته المسلحة في محافظة درعا الجنوبية الغربية، في ما بدا أنه تحضير لعملية عسكرية تهدف إلى فرض سيطرته الأمنية التامة على بلدة طفس والأراضي المجاورة لها. كانت طفس هذه، ومعها زوايا محلية أخرى، إحدى المناطق التي شملها الاتفاق الذي تمّ بوساطة روسية العام 2018، والذي قلّص إلى حد كبير عديد قوات النظام وأجهزته الأمنية، في مقابل رضوخ المتمردين. وقد سعت روسيا إلى الحفاظ على الوضع القائم في الجنوب، بهدف تجنّب تدخّل إسرائيل والأردن، اللذين يخشيان أن تُفسح قوات النظام وأجهزته الأمنية المجال أمام تموضع القوات الإيرانية والوحدات العسكرية الأخرى الموالية لها في منطقة الحدود.
أجرت مدوّنة “ديوان” في 15 أيار/مايو الحالي مقابلة مع أرميناك توكماجيان، وهو باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط مُتخصّص بمسائل الحدود والنزاع في سورية، لتسليط أضواء على التطورات في درعا.
مايكل يونغ: ماذا يجري حالياً في محافظة درعا؟
أرميناك توكماجيان: في 4 أيار/مايو، عُثِرَ على جثث تسعة رجال شرطة في بلدة تقع في محافظة درعا الجنوبية الغربية. الشخص الذي أردى هؤلاء كان محمد قاسم الصبيحي، وهو متمرّد سابق انضمّ في ما بعد إلى الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. وقد أقدم الصبيحي على فعلته هذه انتقاماً لقتل ابنه وصهره قبلها بأيام، بعد أن اتّهم النظام بالوقوف وراء عملية الاغتيال. بيد أن رجال الشرطة هؤلاء لم يكن لهم في الواقع يد في ما جرى.
بعد هذا الحادث، أصدر أعيان درعا بياناً أدانوا فيه خطوة الصبيحي وتبرأوا منه، ما يعني وفق التقاليد القَبَلِية أن الجاني لن يحظى بمؤازرة العشيرة. بيد أن النظام توعّد مع ذلك بإحكام قبضته الأمنية على هذه المناطق غير الخاضعة تماماً له. وفي الأيام التي تلت ذلك، بدأت التعزيزات العسكرية تتدفق على المنطقة، ما يشي بأن النظام يريد استخدام هذا الحادث لتبرير فرضه وجوداً قوياً له هناك.
يونغ: هل التصعيد العسكري في درعا لا سابق له؟
توكماجيان: هو كان كذلك منذ صيف 2018، حين استعاد النظام السيطرة على المنطقة الجنوبية الغربية، على رغم الحقيقة بأن التوترات والعنف المسلّح باتا سمة دالّة على الوضع في درعا بعد عودة النظام إليها. آخر مثال على تنفيذ النظام لعملية عسكرية في آذار/مارس 2020، نجح خلالها في إعادة فرض سيطرته على أجزاء من مدينة الصنمين، التي كانت حتى ذلك الحين خارج نطاق قبضته. لكن التطور الراهن لاسابق له من نواحٍ عديدة:
أولاً، حجم التعزيزات التي دفع بها النظام إلى هناك كبيرة للغاية، ما يشير إلى احتمال نشوب عملية عسكرية واسعة. ثانياً، بلدة طفس تجنّبت الوجود المباشر للنظام نتيجة الاتفاق الذي توسّط فيه الروس ولازالوا ملتزمين به (حتى الآن على الأقل). ثالثاً، المتمردون في طفس والمناطق المجاورة مدججون بالسلاح، وبالتالي إذا ما نشبت مجابهة عسكرية سيكون العنف فيها فائق الوتيرة.
يونغ: كيف يمكن أن تردّ روسيا على مثل هذا التصعيد، خاصة حين نضع في الاعتبار أنها توسّطت لإبرام اتفاق في تلك الأجزاء من المنطقة الجنوبية الغربية بهدف استتباع مناطق متمردين إليها وتجنّب صدامات كبرى.
توكماجيان: منذ عودة النظام إلى درعا، واصلت روسيا التزامها بالاتفاق، لكن ثمة نقاشات واجتهادات حول مدى صدقية هذا الالتزام. فبعض أطراف المعارضة انتقدت موسكو لأنها لم تلعب دوراً استباقياً فاعلاً ضد النظام، فيما أعرب آخرون عن اعتقادهم بأن روسيا ملتزمة بالفعل، وإن بدرجات متباينة، اعتماداً على درجة الولاء. ثمة قسط من الحقيقة في كلٍ من هذه الادعاءات.
بيد أن الروس استبقوا، على الأقل، جوهر الاتفاق، وهو منع، أو الحد من، الوجود المباشر للنظام في هذه المناطق. وهذا يمكن تفسيره على أنه جهد لتجنّب إثارة مخاوف الإسرائيليين والأردنيين من تموضع القوات الإيرانية والقوات الموالية لها في المنطقة الجنوبية الغربية إلى جانب قوات النظام. والآن، إذا ما طبقنا المقاربة الاستعادية، سنجد أن التدخلات الروسية المتكررة لخفض أي تصعيد قد يسفر عن انهيار الاتفاق، تُظهر بجلاء مدى التزامها الاتفاق.
ثمة مؤشر آخر على أن موسكو لا تحبّذ تصعيداً شاملاً هو استمرار المفاوضات، بمشاركتها. وهي تقوم بذلك، كما كانت تفعل سابقاً، أساساً لتجنّب اندلاع النزاع ولخفض التصعيد، من خلال تنازلات رمزية أو صغيرة من جانب النظام.
لكن، وفي ضوء المستويات غير المسبوقة لحجم التعزيزات العسكرية التي يحشدها النظام، قد يكون ثمة سيناريو آخر، وهو أن روسيا تسعى بالفعل إلى تجنّب نشوب مجابهة عسكرية، لكن الهدف هذه المرة هو دفع المتمردين إلى تقديم تنازلات أكبر. إضافة إلى ذلك، ثمة احتمال أيضاً بأن روسيا ربما تريد تحويل الأزمة إلى فرصة لتجنيد مُتمردين سابقين في الوحدات العسكرية الموالية لها في الجيش السوري، مثل الفرقة الخامسة التي تدعمها موسكو، فتُمدد بذلك غطاء الحماية لهم.
يونغ: هل ينطوي هذا التصعيد على “رسالة من تحت الماء” إلى روسيا؟
توكماجيان: حقا، فإرسال قوات الجيش السوري والتعزيزات الأمنية من الوحدات المرتبطة بقوة مع إيران إلى منطقة كانت تحت الحماية الروسية، قد يخفي في ثناياه رسالة خفية. والتقارير المتقاطعة تشير إلى أن وحدات الجيش التي أرسلت إلى المنطقة تقيم بالفعل علاقات وثيقة مع إيران، مثل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد. وهذا تصعيد يتضمّن مخاطر جمة، ليس فقط على مستوى إقليمي بل أيضاً بمستقبل الترتيبات التي أقامتها روسيا في درعا. وكما قلت سابقا، هذه الترتيبات مُصمّمة، من ضمن أشياء آخرى، لأبعاد نفوذ طهران والقوات العسكرية الموالية لها عن هذه المنطقة.
يونغ: في ضوء كل ذلك، كيف يمكن أن يؤثّر الوضع في درعا على المنطقة الأوسع؟
توكماجيان: الواقع أن الناحية الجنوبية الغربية من سورية ليست بأي حال منطقة حدودية عادية. إنها عرين حدودي مشاكس، حيث أن أي لااستقرار واسع أو تصعيد عسكري فيها، تكون لهما حتماً ترددات عابرة للحدود. لذلك، سيفرض أي تصعيد من قبل جناح موالٍ لإيران في النظام السوري تحديات كبيرة على إسرائيل والأردن. وهنا يجب أن نتذكّر أن إسرائيل، على وجه الخصوص، سبق أن أوضحت أنها لن تتحمّل وجود إيران أو توابعها قرب مرتفعات الجولان المحتلة بما يعرّض أمنها إلى الخطر. وروسيا، وعلى رغم السلبيات العديدة للترتيبات التي وضعتها للمنطقة الجنوبية الغربية، إلا أنها عملت بطريقة أدّت إلى توفير ضمانات للجيران.
الآن، حتى لو عزّزت الفرقة الرابعة وجودها في طفس والمناطق المجاورة، فهذا لن يُترجم نفسه تلقائياً إلى وجود إيراني يُهدّد النظام الإقليمي. وإذا ما افترضنا أن النظام وإيران وراء هذه الأحبولة، فإن هدفهما يجب أن يُعتبر مجرد خطوة تكتيكية لإثبات الوجود والنفوذ في اللعبة، وليس محاولة، أو بالأحرى مقامرة خطرة للغاية، لفكفكة التوازن الهش القائم في هذه المنطقة الحدودية الحسّاسة.
مركز كارينغي للشرق الأوسط