مقدمات الثورة السورية 10: المجلس الوطني لإعلان دمشق نقطة فارقة في تاريخ سوريا الحديث/ وائل السوّاح
مقدمات الثورة السورية 10
جرت الانتخابات التشريعية في نيسان/إبريل 2007، وتم تجديد ولاية الرئيس السوري في أيار من العام ذاته، واستمرت الحياة تسير بشكل طبيعي، وبدأ الناس ينسون معتقلي إعلان دمشق/بيروت، باستثناء عائلاتهم التي كانت تعاني من الفقد. وفي الوقت نفسه كان طرفا إعلان دمشق يعملان على كل من جهته على تحقيق مكاسب داخل التحالف، من خلال تشكيل المجلس الوطني الجديد للإعلان. وفي 1 كانون الأول/ديسمبر 2007، عقدت على امتداد النهار الجلسة اليتيمة للمجلس الوطني لإعلان دمشق، حضرها 163 عضوا من أصل 222 عضوا مدعوّا، شاركوا في انتخاب رئاسة للمجلس وأمانة عامة، كانت على الشكل التالي:
تشكّلت رئاسة المجلس من الدكتورة فداء حوراني، رئيسا، عبد العزيز الخير وعبد الحميد درويش نائبين للرئيس وأكرم البني وأحمد طعمة أميني سر، بينما ضمّت الأمانة العامة رياض سيف، رئيسا، وعلي العبد الله، نواف البشير، رياض الترك، موفق نيريبة، سليمان شمر، سمير نشار، ياسر العيتي، جبر الشوفي، ندى الخش، عبد الغني عياش، وليد البني، غسان نجار، عبد الكريم الضحاك وثلاثة أعضاء يمثلون الجبهة الديمقراطية الكردية والتحالف الديمقراطي الكردي والمنظمة الآثورية الديمقراطية.
ثمّ قامت هذه الأمانة العامّة بانتخاب هيئتها الرئاسية المكوّنة من خمسة أعضاء هم رياض سيف، رئيسا، رياض الترك، نوّاف البشير، شيخ أمين عبدي، وعلي العبد الله.
وصدر عن الاجتماع بيان ختامي، تم فيه التأكيد على التيارات الأساسية التي شاركت فيه “من قوميين ويساريين وليبراليين وإسلاميين ديمقراطيين”،
موجها الدعوة في الوقت نفسه “لجميع القوى والأفراد، مهما اختلفت مشاربهم وآراؤهم السياسية وانتماءاتهم القومية أو عقائدهم أو وضعهم الاجتماعي، للالتقاء والحوار والعمل معاً من أجل الهدف الجامع الموحّد، الذي يتمثّل بالانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى نظام وطني ديمقراطي.”
وأكد البيان الختامي على عدد من المبادئ الرئيسية منها:
– إن التغيير الوطني الديمقراطي كما نفهمه ونلتزم به هو عملية سلمية ومتدرّجة، تساعد في سياقها ونتائجها على تعزيز اللحمة الوطنية، وتنبذ العنف وسياسات الإقصاء والاستئصال، وتشكّل شبكة أمان سياسية واجتماعية تساعد على تجنيب البلاد المرور بآلام مرت وتمر بها بلدان شقيقة مجاورة لنا كالعراق ولبنان وفلسطين، وتؤدي إلى التوصّل إلى صيغ مدنية حديثة توفّر الضمانات الكفيلة بتبديد الهواجس التي يعمل النظام على تغذيتها وتضخيمها وتحويلها إلى أدوات تفرقة بين فئات الشعب، ومبرّراً لاستمرار استئثاره بالسلطة.
– يقوم هذا التحوّل الهام على إعادة بناء الدولة المدنية الحديثة، التي تتأسّس على عقد اجتماعي يتجسّد في دستور جديد، يكون أساساً لنظام برلماني، ويضمن الحقوق المتساوية للمواطنين ويحدّد واجباتهم، ويكفل التعددية وتداول السلطة، واستقلال القضاء وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان والمواطن والالتزام بجميع الشرائع الدولية المتعلقة بها.
– هدف عملية التغيير هو إقامة نظام وطني ديمقراطي عبر النضال السلمي، يكون كفيلاً بالحفاظ على السيادة الوطنية، وحماية البلاد وسلامتها، واستعادة الجولان من الاحتلال الإسرائيلي.
– الديمقراطية هي جوهر هذا النظام، بمفهومها المعاصر الذي توصّلت إليه تجارب شعوب العالم.
– تتعلّق قضية الديمقراطية بشكل وثيق بقضية التنمية، ويؤثّر تقدّم إحداهما مباشرة في تقدّم الأخرى.
– سورية جزء من الوطن العربي، ارتبط به في الماضي وفي الحاضر، وسوف يرتبط مستقبلاً، بأشكال حديثة وعملية تستفيد من تجارب الاتحاد والتعاون المعاصرة.
– عملية التغيير هذه تتضمن احترام كل مكونات الشعب السوري وحقوقه وتأسيسها على قاعدة المساواة التامة أمام القانون، وإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، وضمان حقوق الآثوريين (السريان)، في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً.
ويستطيع المتابع للحركة السياسية في سورية أن يرى أن صياغة البيان الختامي، رغم حفاظها على بقايا النفس اليساري القومي، فإنها تختط لغة جديدة مختلفة عن الخطابات السابقة للمعارضة السورية بشكل عام، وتختط، كما تمّت الإشارة إلى ذلك أعلاه، خطّا جديدا في العلاقة بين السلطة والمعارضة يقوم على اختلاف في البرنامج السياسي والرؤية الاستراتيجية لمستقبل البلاد. فبينما كانت السلطة والمعارضة في الماضي تتبنيان نفس الخطاب القومي الاشتراكي التحريري، اتّجه خطاب المجلس الوطني لإعلان دمشق ليتبنى خطابا ديمقراطيا-ليبراليا معتدلا.
وقد جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد هذا النزوع الجديد. فمعركة الترشح والانتخاب لم تكن معركة ودّية، ولم يُراعَ فيها مسائل التوازنات الحزبية. وفي هذا المجال يعلق المحامي فائق حويجة قائلا إن الحصافة وبعد النظر السياسي كان يتطلّب من الجميع أن يجهدوا أنفسهم ليس في تقريب وجهات النظر بالمعنى التوفيقي للعبارة – بل في إطار العمل من اجل الحفاظ على هذا الإعلان من التفتت. وأضاف المحامي المعارض أنه كان يتطلب من الجميع الإقرار ـ ولو الضمني ـ بأن تسويد وجهة نظر على أخرى ولو تمّ ذلك بأكثر الطرق المشروعة من شأنه في ظل ضعف الثقة بين مكوّنات أساسية في الإعلان، أن يودي بالإعلان إلى الهاوية، خصوصاً إن أخذنا بالاعتبار غياب الإمكانات الواقعية التي تجعل من الفعل الجذري داخل أطر الإعلان، فعلاً صائباً حتى لو أدى ذلك إلى تشظي أطر الإعلان ـ غير مأسوف عليها في هذه الحالة. طبعاً هذا يكون عندما يكون التغيير المنشود مسألة وقت، أي عندما تكون (الجماهير الشعبية الحاشدة) لا تفعل شيئاً إلا انتظار انطلاق “الدخان الأبيض” من نوافذ الإعلان كي تتعمشق به طائرة نحو تحقيق الأهداف التاريخية المنشودة.”
ولئن عبّر الناقد عن ضيقه بتفرد تيّار بعينه بالأمانة العامة للإعلان بليونة ولطف، فإن ناقدا آخر للتيار الليبرالي هو محمود جديد يشكك بشكل مباشر في أن التيار الليبرالي داخل الإعلان يمارس ممارسات غير وطنية منها رفضه “تمرير أيّة عبارة تتضمّن توصيفاً حقيقياً لدور الولايات المتحدة ومخططاتها في المنطقة ضمن مشروع البيان الذي كان يُعَدّ للمجلس الوطني.” وأشار إلى رفض العبارة المقترحة من حزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي وهي “الوقوف ضدّ مشروع الهيمنة الأمريكي – الصهيوني” واستبدالها بعبارة “ممسوخة تقول العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارات الأمريكية، وكأنّ أمريكا نظيفة طاهرة ممّا يجري في فلسطين والعراق، ولبنان، والصومال، والسودان.” ثم يضيف: “إنّ رؤية إعلان دمشق ليست قاصرة سياسياً فحسب، بل وخطيرة أيضاً، لأنّها جاهزة مسبقاً لوضع سورية بشكل كامل تحت المظلة الأمريكية، وبشكل أسرع من وتيرة النظام السوري نفسه.”
بعد كلّ الدم الذي أريق على التراب السوري بعد الثور السورية، سيبدو هذا الانتقاد هشّا وسطحيا وغير لائق. ولكنه في وقته عبّر عن مسار جديد في المعارضة السورية.
فالمعارضة التي كانت تناطح النظام على أرضيته الفكرية والسياسية، انتفضت على نفسها، وتبنّت لأول مرّة منذ عقود خطابا ديمقراطيا صرْفا، لا أثر فيه لبقايا اللغة القومية التي ميزت معظم المعارضات السابقة.
ومهما كانت الأسباب، فقد أدى فشل زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي في الوصول إلى الأمانة العامة للإعلان إلى تجميد الحزبين لعضويتهما في الإعلان. وقد جاء ذلك قبل أيام، وربما ساعات، من حملة الاعتقالات التي شنتها السلطة السورية على أعضاء المجلس الوطني واعتقال ثلاثة عشر من قياداتهم هم: فداء أكرم حوراني، رياض سيف، أحمد طعمة، أكرم البني، علي العبد الله، وليد البني، محمد حجي درويش، ياسر العيتي، جبر الشوفي، مروان العش، فايز سارة، طلال أبو دان.
ولسوف نرى جوهر الخلاف بين المسارين المعارضين في الجدل الذي جرى بين قطبين من أقطاب إعلان دمشق. الأول هو زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي حسن عبد العظيم الذي اعتبر أن قرار تجميد حزبه وحزب العمل الشيوعي عضويتهما هو “جرس إنذار للتنبيه بضرورة المراجعة وتصحيح الخلل في أساليب العمل التي تمارسها بعض قوى وشخصيات الإعلان في هيئات الإعلان ومؤسساته، لتمرير مواقف وقناعات خاصة بها، دون الإقناع والتوافق على الرؤية المشتركة والسقف المشترك الذي يعبر عن جميع القوى والتيارات بدلا من أن يكون تعبيرا عن رؤية خاصة لطرف معين أو شخصيات معينة تبدلت قناعاتها بفعل التطورات والمستجدات وبخاصة بعد أحداث أيلول 2001، ونتائجها الكارثية التي وظفتها الإدارة الأمريكية تحت سيطرة المحافظين الجدد لتنفيذ مخططها القديم الجديد (مشروع الشرق الأوسط الجديد) للسيطرة على المنطقة بحروب استباقية كالحرب على أفغانستان والحرب على العراق والحرب على لبنان، بتحريض ومشاركة فاعلة من الكيان الصهيوني في فلسطين،” يرى سمير نشّار أحد قادة التيار الليبرالي فيه أن “سبب تجميد حزب الاتحاد الاشتراكي/ حزب العمل نشاطهما (…) ناتج بشكل مباشر عن نتائج الانتخابات التي أسفرت عن عدم وصول مرشحيهم إلى الأمانة العامة تحديداً،” مضيفا أن “المستفيد الوحيد من تجميد حزب الاتحاد- حزب العمل لنشاطهما هو السلطة، لأن قرار التجميد قدم الغطاء السياسي لعملية الاستدعاءات والملاحقات والاعتقالات، وسمح لشخصيات رسمية من النظام وإعلامية قريبة منه بتخوين الأمانة العامة المنتخبة واستطاع النظام توظيف هذه الحالة في حملته على إعلان دمشق.”
لقد شكل إعلان دمشق حالة مختلفة في الخريطة السياسية السورية، ما كان للحكومة السورية أن تتحملها. وكانت النتيجة أن اثني عشر قياديا في إعلان دمشق قد حكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات، خفضت بعد ذلك إلى السجن ثلاثين شهرا. ومهما كانت المقدمات فإن النتائج أثبتت أن التجربة قد انتهت قبل أن تنضج، معلنة بذلك النهاية الثانية لربيع دمشق. فهل كان من الممكن تجنب كل ذلك؟
تلفزيون سوريا
في مقدّمات الثورة السورية (1): بذور المجتمع المدني السوري
في مقدمّات الثورة السورية (2):حين فتحت حفنة من المثقفين الطريق أمام التغيير
في مقدمات الثورة السورية (3):من الـ 99 إلى الألف: لجان إحياء المجتمع المدني
في مقدمات الثورة السورية (4): ربيع دمشق: خطوة واثقة على أرض غير مستقرة
في مقدّمات الثورة السورية (5): جدل السياسة والثقافة: لمن الأولوية
في مقدّمات الثورة السورية (6): حين رفض النظام أن يغيّر جلده: نهاية ربيع دمشق
في مقدّمات الثورة السورية (7): منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي آخر مظاهر الربيع
في مقدّمات الثورة السورية (8): اعلان دمشق حجر في بركة راكدة
في مقدّمات الثورة السورية (9): إعلان بيروت-دمشق/دمشق-بيروت: النظام يحكم قبضته من جديد
تعليق واحد