كاتبات عربيات يتحدثن عن الكاتبة والمرأة والمجتمع
ملف متعدد الأوجه لكتابة وإبداع المرأة العربية من خلال أصوات في الحب والحرب والبحث عن الحرية.
في هذا الملف تنشر “العرب” شهادات في الكتابة هي بمثابة جزء من ملف أشمل أفردته مجلة “الجديد” في عددها الأخير لإبداع المرأة وتفكيرها، تحت عنوان “هكذا تكلمت شهرزاد”، والملف يأتي في سياق العناية المستمرة وبصورة مركزة، بما يصدر عن المرأة وما يصدر بإزائها من أعمال فكرية وإبداعية، بهدف إتاحة الفرصة للمراجعة النقدية لواقع المرأة ومكانتها داخل الثقافة العربية وفي الاجتماع العربي، ولرصد تحولات النظرة السائدة للمرأة إن في التراث العربي أو في الثقافة العربية المعاصرة، وبطبيعة التفكير العربي بإزاء الأنوثة والمؤنث.
ليس القصد من هذا الملف أن يكون شاملاً ولا حصرياً، ولا عاكساً لتمثيل نسوي جغرافي، وإنما هو بمثابة إطلالة حرة على جانب من المشهد الإبداعي لكاتبات ومبدعات عربيات من خلال طبيعة تفكيرهن بالكتابة وقضاياها. أحدى عشرة كاتبة من الأردن، السودان، الإمارات، سوريا، فلسطين، مصر، وفي جعبة كل منهن فكرة وتصور وخطاب حول الكتابة وتطلعاتها، والأدب وآفاقه، وحول طبيعة فهم الكاتبة للأدب عموما، وأدواره في المجتمع، والمرأة ودورها الإجتماعي والكاتبة وتطلعاتها الفكرية والجمالية.
تقتسم الشهادات في ما بينها المشهد العربي الراهن، فهي تصف وتعلق وتموضع الأدب في حيزه من الثقافة وحيزه من الاجتماع، وتطرح موضوعات تتعلق بطبيعة انشغالات الكاتبات العربيات في هذه البرهة من الزمن، في سياق التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، والتطورات العنيفة، وموقفهن من الدين والسلطة والأيديولوجيات السائدة، وبالتالي دور الأدب الذي تنجه المرأة في تغيير النظرة المتخلفة نحوها، وصولا إلى مجتمع تتساوى فيه النساء مع الرجال في الحقوق والواجبات ويحفظ الحق في الاختلاف.
لمتابعة الملف:
مصطلح الأدب النسائي
قفص نون النسوة
فضاءات الكاتبة
الأقنعة والأشواك
حروف الأنثى
مراوغة مناورة مغرية
أكتب صوتي
لا جنس للأدب
كتابتي تشبهني
لا تكوني بكّاءة
سلطة الموهبة
مصطلح الأدب النسائي/ دينا نسريني
شهدت ساحات الجدال الأدبي عموما عدداً من الحوارات الحامية التي تبدأ بـ”الأدب النسائي” وتنتهي بالكلام عن قلة الأقلام النسائية وضعف أدواتهن وأفكار عنصرية أخرى أنأى بنفسي عن الخوض فيها؛ ولم تقتصر تلك الظاهرة الغريبة على محدثي الأدب أو حواريي الفيسبوك بل تجاوزتها لتطال أسماء أدبية ذات قيمة وما راعني هنا كان الخلط بين مفهومين منفصلين تمام الانفصال.
الأول أدبي “الأدب النسائي” واﻵخر عنصري “الأقلام النسائية” وما بين الخلط بين هذا وذاك أتيح للكثيرين ممارسة اﻹساءة العنصرية على الكاتبات وأقلامهن جهلاً باسم الأدب.. حوارات مطولة قرأت، وأخرى تجاهلت، ثم وجدت قلمي العنيد يزج نفسه في بعضها رافضاً ومستغرباً كمية التخبط أمام أمرٍ أراه بسيطاً واضحاً.
لذا اسمحوا لي أن أبدأ بعرض طرقٍ أبسط للوصول لمعنى كلمة الأدب النسائي.
أكثرنا اليوم متابعٌ للسينما الأميركية ومسلسلاتها ويصعب أن تتابعها دون أن تصطدم بمصطلح chick movie، وهو فيلم غالبا يتباكى الرجال إن طلب منهم مشاهدته فهو فيلم موجه لشريحةٍ اجتماعية محددة: النساء، ولا يقتصر الأمر على الأفلام بل يطالها للمسلسلات وأقرب مثال يوضح الفكرة هو مسلسل desperate housewives فهو مسلسلٌ يعالج قضايا المرأة ومشاكلها الاجتماعية – العائلية – المهنية والعاطفية.. وهكذا كانت الكلمة التي أدخلتها في محرك البحث chick litterature، فعرض عليّ محرك البحث التصحيح لـchick lit.. قطبت حاجبي ورفضت التصحيح مصممةً على البحث عن مفردتي الأساسية.. لتبتسم لي صفحات الويكيبيديا وتشرح لي ببساطة كلمة chick lit التي استخدمت للمرة الأولى في عام 1988 كاختصارٍ للتعريف عن الأدب النسائي وإن لم يبدأ هذا الأدب فعليا بالظهور حتى عام 1996 كتصنيف حيث طالب أحد صحفي نيويورك تايمز صديقاته الصحافيات بترك النزعة الأنثوية الكتابية لأدب النسائي وبدأ هذا النوع يلقى رواجاً في عام 1999 مع أعمال أدبية مثل sex and the city وبدأ منذ ذلك الحين ينافس على قوائم الأكثر مبيعاً.
لنعد خطوة للوراء وننظر لتعريف الأدب النسائي.. هو فرعٌ من فروع الأدب الروائي “تماماً كأدب الجريمة وما وراء الطبيعة والرعب وغيرها” ويكون عملا واقعياً “fiction” بطلته امرأة بحيث يعرض العمل مشاكلها النسائية كجزءٍ أساسي في حبكة الرواية.
غالبا ما يتخذ العمل الزمن المعاصر إطاراً له وإن لم تخل الأعمال النسائية من أعمال ذات إطارٍ تاريخي كرواية “waiting to exhale”.
ومن الأخطاء الشائعة التي وقعت أنا شخصياً فيها هي تصنيف الأدب النسائي كفرعٍ من فروع الأدب الرومنسي، ففي الأدب الرومنسي يكون العامل الأقوى في العمل هو العلاقات العاطفية في حين تتساوى العلاقات العاطفية في قيمتها مع العلاقات العائلية، الاجتماعية والدينية ويهمني جداً هنا التركيز على تلك الأخيرة.
فمؤخراً في ساحة الأدب المصري لاقت بعض الأعمال رواجاً بين القراء وهي أعمال تتصف بطابع عاطفي ديني “الحب الحلال” وهو إن لم أكن مخطئة أحد أوجه الأدب النسائي وإن لم تلاق هذه الأعمال حقها من الدراسة والتصنيف بسبب الغياب الغير مفهوم للنقاد والباحثين الأدبيين عن ساحة الأدب الشبابي على الرغم من أنها الساحة الأكثر تطوراً وإثارةً للاهتمام، وهو خطأ أتمنى أن يتم تلافيه لمساعدة تلك الأقلام الشابة على تحيد مكانتها في الأدب المعاصر واﻹلمام بنقط القوة والضعف لمدرستهم والاطلاع على التجارب العالمية المماثلة من الأدب النسائي ذي الاتجاه الديني.
وكردٍّ على من اعتبرها مدرسة للنساء فقط.. فبعد بحث وجدت أكثر من كتب في هذه المدرسة من النساء وإن لم يخلو الأمر من الأقلام الرجالية فقد تمكّنت رواية sister sister من تنصيب eric jerome dickey ملكاً للأدب النسائي لقدرته الرائعة على سبر غياهب مشاعر المرأة والمشاكل التي تتعرض لها.
وفي نهاية البحث وجدت لافتاً ظهور مدرسة جديدةٍ موازية للأدب النسائي وهي الأدب الرجالي تحت مسمى lad lit ومن أشهر أعمال هذه المدرسة الأشد حداثة:
my legendary girlfriend / mike gayle man and boy / tony parsons.
وأخيراً وليس آخراً.. أنهي مقالي هذا مطالبة أياً ممن يتكلم أو ينتقد الأدب النسائي بأن يناقش أو ينتقد “عملاً نسائياً” بناء على نقاط قوته وضعفه الأدبيين كعمل غيره من الأعمال الأخرى على ساحة الأدب كما أتمنى أن يزيل شيئا من اللبس ما بين الأدب النسائي والأقلام النسائية.
فما الأدب النسائي إلا نوعٌ واحدٌ من أنواعٍ عديدةٍ طالما أبدعت وستبدع الأقلام النسائية بالمشاركة فيها كتفا بكتف إلى جانب الأقلام الرجالية.
كاتبة من سوريا
قفص نون النسوة/ مروة مختار
ونحن نتحدث عن المرأة فإننا بصدد عوالم متعددة خفية وظاهرة، والخفي منها أكثر من الظاهر للعيان، يرجع ذلك لأسباب ثقافية تتعلق بالتنشئة العربية للفتاة، وثقافة التبعية والذكورية المتفشية في عالمنا العربي، ويجيء معين الكتابة عند المرأة ليكشف لنا عن جوانب متعددة ألجمها الواقع العربي الثقافي بحكم سطوته، وتأتي الكتابة بصوتها الهامس الكاشف لتعبّر لنا عن تجاربها وسط مجتمعات مازالت تُستفتي في حل وحرمة قيادة المرأة للسيارة.
لا يمكننا بأي حال من الأحوال حصر عوالم إبداعات المرأة تحت مجموعة من العناوين يفهم من خلالها أنه قلم امرأة، فعلى مستوى الشكل، المرأة لا تكتب لونا واحدا أو تتخذ لنفسها بنية محددة ولكنني أرى أن لديها جرأة أكبر على اقتحام ألوان الكتابة الجديدة وكأنها ترى فيها نوعا من التمرد على سطوة تقاليد الكتابة من جهة والقولبة المجتمعية التي رُسمت لها من جهة أخرى.
ومن هذه الأشكال الرواية الجديدة والكتابة عبر النوعية. وقد نجحت الكثير من الكاتبات في تناغم وسلاسة من بلورة عوالم المرأة في كتابتهن ابتداء من عوالمها الشخصية ومرورا بالأجواء المجتمعية ومرجعياتها الثقافية. كتابات بعض المبدعات رسخت لذكورية مجتمعاتنا وأسهمت بشكل مباشر في إبقاء نموذج المرأة بوصفها سلعة وإن ادّعت العكس، وبعض الكاتبات صبت إبداعها في مضمون إيروتيكي فج، وكثير من المبدعات عبّرت عما بداخلها من ثورة بشكل متواز مع الربيع العربي بشكل استلهم الثورات العربية كطوق نجاة للجميع ولها بصفة خاصة.
بعض الكاتبات اللاتي يتمتعن بإجادة القراءة باللغات الأجنبية أو يعملن بالترجمة أرى أنهن أكثر قدرة على اختيار عوالم جديدة لكتابتهن بحيث تكون فكرة عملها الإبداعي مصاغة في شكل يتمرد على التبعية عن طريق الفانتازيا أو الكتابة العجائبية لكي تتمكن من بث اعتراضها بشكل غير مباشر يمنحها الوقوف في حيّز الأمان النسبي في مجتمعاتنا. اجتهدت بعض المبدعات حقا في التخلّص من عباءة الإملاءات المجتمعية بصياغة عالم يعبر عنها بوصفها كيانا مستقلا بعيدا عن حالة التناحر المستمر الذي ظهر في بعض الكتابات التي تحاول إثبات وجودها بإقصاء الآخر.
كاتبة من مصر
فضاءات الكاتبة/ سهير المصادفة
عندما أكتب أشعر بأنني إنسانٌ مختلفٌ، يجمع قلمي بين مشاعر المرأة ومشاعر الرجل. فقلم المبدع بلا جنس.
ولأننا نبدع ونفكر باللغة؛ فالمفترض أنه لا يوجدُ ما يُسمى بلغة المرأة ولغة الرجل، وإلا فنحن نفترض أن المرأة لا تستطيع التفكير. بالتأكيد وضع المرأة في العالم العربي يسمح بطرح الأمر على هذا النحو. فمثلاً عندما تتوالد المشاهد والأحداث والأفكار أثناء كتابتي رواية من رواياتي يعترضني افتقادي لبعض الخبرات الحياتية مثلما يفتقد الرجل بعض الخبرات. مثلاً.. مشاعر الجندي وهو يقتل إنسانًا آخر في معركة، أو السير في شوارع القاهرة بمفردي في الثالثة فجرًا، أو تجربة الهروب من البيت والعائلة والقبيلة ورعاية الأطفال، من أجل تجربة التشرد ورؤية المدن والشخوص والحكايات، لأيام طويلة دون ضمانات ودون التفكير في العواقب.
يحدث أحيانًا أن تثور بعض الصفحات البيضاء في وجهي، لأنها تعرف أنها ستظل بيضاء إذا لم أختبر ولو بالمشاهدة ما أكتب عنه مثلما يفعل الكاتب. تعرف الصفحات البيضاء جيدًا أن بعض الفضاءات التي تتحرك فيها الكاتبة مسدودة ومحدودة، ولذلك فبعض إبداعات المرأة العربية رديئة لأنها تدور فقط حول ما تعرف، حول الصراخ عمَّا تعرف، حول المتاح لها، حول الهامش الاجتماعي المتروك لها، أي حول هذا الحاكم / الرجل الذي لم يسمح لها بالمشاركة وهو يشيّد الأسوار والبيوت والمدن والقرى والقوانين التي تخصها، ثم يضع لها علاوة على ذلك خرائط الخروج منها أو الدخول إليها.
الكاتبة في العالم العربي ليست لديها حتى رفاهية استعارة لغة الرجل مثلما استعار الشاعر العربي الكبير نزار قباني لغة المرأة في معظم قصائده، فمفردات لغة المرأة ــ في الكثير من الحالات ــ أقل غزارة من مفردات لغة الرجل وفقًا لتجارب كليهما العملية وسبق الرجل لكتابة فصول التاريخ قبلها بآلاف السنين، ومن ثم لا تستطيع الكاتبة ارتداء قناع الرجل / الكاتب إلا وهي متلبسة بسرقته، سرقة حياته التي لم تعشها وسرقة تجاربه التي لم تختبرها، أو بتعبير أقل حدة التلصص على حياته. بينما على الجانب الموازي نجد أن سؤال التفريق بين لغة الرجل ولغة المرأة قد تلاشى في الغرب تمامًا، وعاد تعريف اللغة هناك إلى سياقه الحقيقي العام، بعد أن اتحد رافدها المذكر والمؤنث. الآن الكاتبة تحتلّ في الغرب مقاعد كثيرة في الصفوف الأمامية للمشهد الأدبي، فهي حرة ومشاركة رئيسة في بناء الحياة، فلقد صارت رائدة فضاء وشرطية وجندية وحاكمة ولاية بل رئيسة وزراء ورئيسة جمهورية أيضًا، وأكسبتها حريتها والمنظومات القانونية التي وُضعت لتمكينها وحمايتها.
مساحات شاسعة جديدة لتلمَ بالمشهد كاملاً من علٍ، وتشتبك مع الحياة بأفكارها ونصوصها الإبداعية الملهمة التي ينبغي لها أن تكون حاملة لخبرات الأنثى وخبرات الذكر كقطبين للحياة.
الأقنعة والأشواك/ حنان بيروتي
هي أسئلة شائكة مستفزّة ومشروعة، هل تكتب المرأة بقلمها وصوتها ومخيلتها تجاربها الإنسانية؟ إلى حدٍ ما، المبدع في المجتمعات العربية بشكل خاص يختبئ خلف أقنعة كثيرة متكاثرة بالكاد تشرق من خلفها ذاتُه النقية وضوءُ نفسه المتفرد، فالقيود تُفرض عليه سواء أكانت داخلية أو خارجية ولا يستطيع التفلت منها فهي مغروسة في بنيته الفكرية منذ الصغر، المجتمع المكبّل لا ينتج أفرادا أحرارا رغم أنّ مفهوم الحرية في الفن والإبداع فضفاض، من هذا المنطلق أقول إنّ القيود المفروضة على الإنسان العربي في إبداعه حاضرة ولا يمكن التنصل منها لكن وطأتها أشدُّ وأعمق على المرأة وكثيرا ما تصل -ببالغ الأسف- لكسر مشروعها الإبداعي وخنق ذاتها ومحو تفردها، يحدث أن تختنق المرأةُ المبدعة وراء الأقنعة المجبرة على تجرّعها وتحجم عما تريد قوله أو تقدمه منقوصا ومبتورا أو باهتا لأنها في ظل المنظومة القيمية والاجتماعية العربية تتعرض للوأد والتدجين والاستنزاف بشكل ممنهج، فتسعى إمّا لنحر مشروعها الإبداعي والاستسلام للتيار وإمّا لغربلة كتابتها والنأي بحروفها من شِباك القبيلة وأحيانا بازدياد وعيها وثقافتها وتجربتها تسعى للبوح بلغة تشفُّ ولا تكشف عن المخبوء من المعاني والرسائل العميقة والمخفية بمهارة وذكاء فتبدع وتحلق بعيدًا عن سهام القبيلة قصيرة النظر وسطحيتها وقاصرة الرؤيا.
لا أرى أنَّ المرأة تكتب لتحققَ اختلافها عن الرجل وتبدع نصا مائزا ذا سمات خاصة فهذه نظرة تؤطر إبداعها وكيانها الإنساني في هدف نسبي وفضفاض وجدلي، لكن من البديهي أن يختلف ما تكتبه عمّا يكتبه الرجل ليس لأفضل ولا لأقل جودة لأنَّ كل نص إبداعي هو حالة متفردة وخلق جديد بصرف النظر عن كاتبه / كاتبته إذ لا يجوز الحكم المسبق على النص أو النظر إليه من زاوية جنس مبدعه، ووجود فروقات في الإبداع أمر إيجابي وطبيعي شرط ألا يصلَ الأمر إلى حصر الموضوعات واللغة والأسلوب في موضوعات مكرورة تصب في قالب واحد وحيد، الأصل في الإبداع الشمول والتنوع والتحليق وتعدد التجارب وتفرّدها مهما كان جنس المبدع.
المرأة تبدع لغتها إلى حد ما لكنها لا تستطيع أن تنزع أشواك لغة المجتمع وهيمنة المجتمع الذكوري، والمبدعة الحقيقية تكتسب القدرة على أن تختلق نوافذ وأمداء وآفاق للتنفس والبوح وبث مشاعرها وأحلامها ومواجعها وهواجسها بطبيعتها القادرة على التحمل والتجدد والحلم وإرادتها الصلبة التي تقيها من الانكسار وتجعلها تنجو من الممحاة الخفية الموجهة ضد أية امرأة متميزة.
هل نخلص إلى أنّ المرأة لا تكتب اختلافها كأنثى؟ اعتبره حكما عاما فالتجارب الإبداعية النسوية متباينة في طبيعتها واستمرارها وجديتها بين الكاتبات وفي تجارب الكاتبة ذاتها، والمبدعة الحقيقية تكتب اختلافها كأنثى دون أن تتقصد ذلك وحين تتبع البوصلة الأنثوية داخلها التي تتميز بحساسية فائقة وقدرة على التقاط التفاصيل وفيض العاطفة والحلم، وهي تكتب المتاح لها أن تكتبه إلا في ما ندر، وكما قلتُ لا يمكن أن تنزع من حروفها أشواك لغة المجتمع الذكوري والتي نجدها أيضا في حروف يبدعها رجال.
كاتبة من الأردن
حروف الأنثى/ حلا المطري
حينَ تكتبُ المرأة، ولا يهم إن كانت عربيّة أو غربيّة، فبرأيي التّكوين البنيوي للمرأة سواء أكانت من الشرقِ أو الغرب هو ذاته، فالأنثى هي أنثى في كلِّ الأكوان والعصور، فإنّه يكونُ لزامًا أو فطرةً أن تستحضرَ ثلاثًا، قلبها، روحها، فؤادها.. أي أن تستحضرَ لُبّها لتنثرهُ على الورق كزهور الّليلك، ليأتي رابعًا، عقلها، فيُرتبّه ويِنسّقهُ فبالتّالي يكون الناتج لوحة أدبيّة أنيقة، لوحة تُثبت أنوثتها في أيدي كل من يقرأها عامًة، ومن يقرأها من الرجال خاصًة.
وهنا تتفرّد المرأة مقارنةً بالرجل، وتُثبِت قِوامتها عليه أدبيًّا -أحيانًا-وأقولها أحيانًا من باب العدل، كي لا يثورَ إخواني في القلم “الرجال”. والقصد من قولي أنَّ المرأة تستعينُ بعاطفَتها قبل توكلّها على القلم، فوحدها العاطفة من تستحضر الصورة أو الحدث كما هو عارٍ، ليأتي دور القرّاء بسترهِ بأحاسيسهم اتجاهها والتّوحد به أو تركهِ عاريًّا كما هو.
وهنا تنجح الأنثى في زعزعة الأحاسيس، بل تكاد تكون قلوب القرّاء كالصّلصال في يديها، تفعلُ بها ما تشاء إلى آخر صفحةٍ وحرف. وهنا تكمُن سلطة المرأة الأدبية وقدرتها الهائلة على أسرِ قارئيها كّلما بدأتْ سطرًا جديدًا، حينَ يكونُ اختيارها للكلمات اختيارًا دقيقًا حذرًا فتثبتُ بصمتها وسطِ كوكب الرجال.
هي ليست منافسة قدرَ كونها إثبات لذات وإثبات لقلم ووجود أدبي، ففي الكتابة تختلف القوامة، ولن تكون القوامة للرجل، سترفضها المرأة رفضًا تامًا بقلمها وروحها لأنها ستكتب بحروفها هي وليسَ بما يسمحه المجتمع لها، من قال أنَّ حروف العربيّة عند المرأة هي 28 حرفا؟
بل زِد على ذلك ألف حرفٍ وحرف، ولأجلي ألف، ولأجلكَ ألف.
كاتبة من مصر
مراوغة مناورة مغرية
تيسير النجار ـ من يُحبس في القفص يصطدم به حتى يخرج منه، لذلك تتأثر المرأة بعالمها كأي إنسان إلى أن تبرأ منه وتصير هي كما تشاء، ليس كل النساء سواء فبعضهن يتخبطن في دوائره.
لماذا لا تخرجين من شرنقة الأنثى وتكتبين عن العالم؟
هذا ما قاله لي أحد الأدباء عند قراءة قصتي القصيرة التي بطلتها تعاني من الاختلاف، تحمل ثقله حتى تتمنى الموت أو فقدان الاختلاف، دائمًا يتم نصحي بالبعد عن المرأة ومعاناتها وعدم استنزاف قلمي في البكاء على الرجل الذي هجر قلبي أو المجتمع الذي نحرني لإرضاء تطرفه المرضي.
أرى أن الكتابة ناتج إنساني ولا يمكن أن تنفصل عن عالم كاتبها، فهو إله صغير يخلق ما يوازي عالمه أو بديلاً له قدر استطاعته حتى يرصده أو يجمله أو ينتقم منه ربما.
الكاتب الحقيقي مثل الظامئ لن يستجيب إلا لما يلح عليه ولن يفكر سوى في الماء وبعد الارتواء بإمكانه أن يشتهي العصائر والأطعمة المختلفة، لكن في وجود حالة العطش الشديد سوف يعجز ويصير مدعيًا إن قال إنني أترفّع عن الماء ولا حاجة لي بها وراح يمتدح الحلويات مثلا، كذلك المرأة التي مازالت تعاني الغبن والنير ويؤلمها احتكاك قيوده بمعصمها كيف لها أن تكتب عن شيء آخر؟ لا أنفي عدم شعورها بمعاناة الإنسان المعاصر لكن تلك المعاناة مثل الجدران الخارجية للسجن، تدرك وجودها لكن ما يخنق أنفاسها هو الطوق الجاثم على عنقها كيف ستجري وتحطم الجدران قبل تخلصها منه؟
قيل إن تكرار ذات الموضوع دليل على إفلاس الكاتب، جملة سمعتها كثيرًا لكنها فضفاضة قد يكون ذات الموضوع لكن الرؤية مختلفة فهذا إبداع لا يمكن نكرانه، ثم بالفحص الدقيق سنجد مركزا محددا لكل كاتب يدور حوله إبداعه، فلماذا يتم تصنيف معاناة المرأة مرتبة أقل بالرغم من أهميتها حيث أن المرأة المقهورة لا تستطيع إعداد جيل حر ويترتب عليها مستقبل الشعوب، شعورها ليس بالشيء الهين إطلاقًا.
تسعى المرأة لإثبات وجودها وممارسة حقوقها الطبيعية التي حُرمت منها في بعض الأحيان جورًا، على سبيل المثال عندما تخبر شخصا أنه فاشل سيكرر كلمة فاشل ليتم نفيها عنه (أنا لست فاشلاً – لماذا تراني فاشلاً؟ ما هو الفشل؟ أنت فاشل أيضًا وما إلى ذلك)، كذلك المرأة ما إن تخرج للعالم حتى تسمع (أنتِ عورة – أنتِ أقل مرتبة من الرجل – ناقصة عقل…).
ربما تواجه العالم بمفرداته وقد تكون أقوى وتخلق مفرداتها وعالمها متجاهلة حماقاته حتى يعترف بها ويكف عن إلقاء تهمه، من يُحبس في القفص يصطدم به حتى يخرج منه، لذلك تتأثر المرأة بعالمها كأي إنسان إلى أن تبرأ منه وتصير هي كما تشاء، ليس كل النساء سواء فبعضهن يتخبطن في دوائره إلى الانتهاء وتمسى حروفهن مسوخًا من كلماتهن الأولى وأخريات يكسرن الطوق ويحلقن فوق الجدران ويراقبهن من بعيد وتشمل نظرتهن الرجل شريكهن في معترك الحياة ولا يقتصر دوره على أنه الخصم الذي يجب أن نتحداه أو ندهشه وحسب.
لا أعرف من الذي جعل من المرأة سبة ومن الذي قال إن الكتابة النسوية دون المستوى وموضوع من لا موضوع له؟ الكتابة تماثل الأنثى فهي مراوغة.. مناورة.. مغرية.. تجعلك أضحوكة إن ظننت أنها لعبة بين يديك، الكاتب بغض النظر عن جنسه طالما أطلقنا عليه كاتبًا لا بد أن يتوافر به العديد من الصفات أولها إدراك واحتواء ما يكتب عنه، عندما كنت طفلة كتبت قصة عن الخيانة الزوجية مستوحاة طبعًا من الأفلام العربية.
سألني معلمي:
– “لماذا لا تكتبين عن إحساسكِ بملمس بشرتكِ أو ثيابكِ؟”.
لم أجبه حينها لكني رأيت أن ما يقوله استخفاف بي واقتراحات أقل من أن يتم معالجتها في قصة فهي لا تستحق، أثبتت لي الأيام أن كل شيء يستحق وليس هناك ما نسمو عنه.
فكل شيء نؤثر فيه ونتأثر به يستحق الكتابة عنه، نحن لا نكتب مواعظ ولا نعد القارئ لخوض الحرب، نريد فقط أن يشعر بما شعرنا به، لذلك فإن عالم المرأة بل أقول المرأة في حد ذاتها عالم ممتلئ بالحياة فهي أصل الوجود وهي الأصلح والأقدر في تمثيل وتوصيل ذلك للآخر، يجتهد الرجل ليتحد معها فيكتب عن الولادة مثلاً بعد مشاهدتها أو السماع عنها منها، الكتابة النسوية موجودة ولا يحزنني إن تم تصنيف عمل لي ضمن ذلك لكن الأهم هل كتبتها بشكل جيد؟ عبرت عما رغبت بالشكل الذي اخترته؟
ما يغضبني هو تصنيف كل ما يصدر عن المرأة أنه أدب نسائي يجب تجاوزه لأن الإبداع موجود في عالم الذكور، حيث أن الرجل مهيمن على المجتمع فهو يمتلك كل المقومات بما فيها اللغة لكن هناك نساء يكتبن على كل شيء وتخطن حاجز جنسهن فهن الإنسان وحسب.
كل ما أريده هو تحطيم القوالب والقراءة دون أحكام مسبقة، واحترام المرأة واحترام إبداعها وأتمنى القضاء على الظاهرة التي تربط بين الكاتب وشخصه ومحاكمته بالأخلاق التي تتبدّل من زمن إلى آخر، الكتابة خيال والخيال أن نطلق العنان ونحطم اللجام الذي يقيدنا، حين نضع رقابة على خيالنا ونكتب ما يُراد منا نموت فعلاً دون أن نشعر، ولن نختلف عن الشخص الذي استعبدته العادات والتقاليد وأوقف عقله وصار كائنًا ميتًا يماثل ما مضى.
أكتب صوتي/ مريم الساعدي
كل ما أعرفه أني أكتب صوتي، لا أكتب لأختلف عن الرجل أو عن أي أحد، أكتب لأكون أنا. لأكون ذاتي. صحيح أنه يحصل أحيانا وأضيّع صوتي، في خضم معركة الوجود، فالمرأة في العالم العربي عليها أن تخوض معركتين، معركة الوجود الأولى، التي تقول إنها شخص مساوٍ تماماً، إنها قبل أن تكون أنثى هي “شخص”.. إنسان له رأي وكيان، والكيان لا يتأتى لبني آدم إن لم يكن له رأي.
ثم المعركة الثانية وهي معركة الإبداع بحد ذاتها بكل تحدياتها وصعوباتها إحباطاتها وعقباتها.
المرحلة الأولى تستهلك الكثير من الجهد والطاقة، وقلة هنّ النساء الذكيات اللاتي عرفن كيف يتعالين عليها منذ البداية ويقتحمن مباشرة كهف الإبداع دون انتظار للانتصار في معركة الوجود الأولى؛ حين أدركن بحسهن الأقوى أن الإبداع هو الوسيلة الأقصر لإثبات الوجود الأولي، أن محاولة تغيير الواقع بالدخول في المواجهة المباشرة لن يؤدي إلا إلى ضياع جزء قيّم من العمر كان يمكن أن يُستغل في عملية الخلق الإبداعية.
أكتب إذاً لأحاول أن أكون ذاتي. الآن لم يعد يعنيني شخصياً أي شيء سوى أن أظل قادرة على الانتباه. يفقد الإنسان القدر هو الرغبة والفضول نحو الانتباه مع مرور الوقت بسبب طول آمال لا تأتي ورجاءات لا تتحقق، لكن الكاتب، ذكرا كان أم أنثى، عليه أن يظل متيقظا للانتباه حالة سقوطه من إدراكه فيبادر لالتقاطه وإعادته مجددا إلى حيث مكمنه الأصلي في عمق الروح.
أحاول أن أظل منتبهة إلى أنني ما زلت على قيد الحياة، على أن ما يجري في الحياة يستحق التأمل، وعلى أن الأمل هو في الضوء آخر النفق، وعلى صوتي… أن أظل متيقظة تماما مثل ذئب لا ينام إلى حضور صوتي، حين يغيب صوتي.. في ثقل الوجود اليومي في خضم المجموع، حين أفقد صوتي أفقد ملامحي، أحس أني مجرد فزاعة قماشية في حقل عارِ لا ينبت فيه زرع. حين أفقد صوتي، صوت مريم، أحس أني لم أعد هنا، فيصير وجودي عبءا شاملا عليّ حمل ثقله يوميا في كل صباح، ويصير الصباح ضيفا غير مرغوب به في أمنية أن يستمر الليل حتى النهاية.
ماذا يفعل الإنسان دون صوته؟ أنا إنسان، هكذا أرى نفسي دوما، هكذا اعتبرت نفسي دوما، لم أتعامل مع ذاتي كامرأة، حتى المعارك الأولية خضتها كشخص.. كإنسان يريد أن يكون كما يريد، كفرد يرى طريقه الخاص حقه الفطري، الحق الذي منحه الله لكل إنسان خلقه، فكيف يجرؤ أي إنسان على انتزاع هذا الحق الإلهي؟ من هذا المنطلق تعاطفت لاحقا مع النساء، مع تعليم البنات، مع حق الاختيار. لكن التعاطف لا يفعل الكثير، أليس كذلك؟
الآن أريد أن أكتب لأقول كل شيء قبل أن أموت، لكي لا أبدو كأي نملة مرت من هنا وانتهى الأمر، يزعجني هذا.. يسبب لي الأرق، لا أقصد أني أريد أن أترك أثراً، أعرف أن أي أثر قابل للاندثار، لكن أقصد أني أريد أن أعيش بكل إمكاناتي، ولا أجد غير الكتابة وسيلة لتحقيق هكذا عيش في عالم يضيق يوماً بعد آخر. لذلك أكتب، كي أرفع السماء التي تطبق على الأرض، كي يتسع العالم، ويمتد أمامي الأفق.. كي أظل مؤمنة بالخير والحق والحرية.
كاتبة من الإمارات
لا جنس للأدب/ صابرين فرعون
واقعياً، من الصعب إخضاع الكتابة للجندرية، فالأدب لا يتبع لجنس معيّن ولا حتى جنس كاتبه، وهناك أديبات وأدباء جعلوا دور البطولة “للآخر” في خطوة لتوسيع أفق الكتابة وإخراجها عن نمطيتها والتغلغل في فهم ومعرفة الآخر.. الكاتب\ة سواء كان ذكراً أو أنثى، من واجبه\ا غربلة عاطفته\ا الكاملة عن شخوص عمله\ا أو محاكاتهم، ولكنهم يتركون إرهاصات من الذات هذا مؤكد لأننا بشكلٍ ما نعيش أدوار شخوصنا كما يعيشوننا، وفي ذلك ترتسم خيوط العمل باعتباره العالم الذي تقتنص فيه المرأة الكلام بأدق التفاصيل المسكوت عنها.
من ناحية أخرى، إن التركيبة الكيميائية والهرمونية للأنثى تجعلها تحتكم لعاطفتها، واستنطاق كل ما تصمت عنه في امتداداه الواقعي، عنها أو عنهن، كمعايشة لتجربتها أو تجارب الأخريات، وبذلك هي لا تنسى الأذى بسهولة وإنما تبلور السلبيات لصنع بديل للخنوع والخضوع. لن يستطيع كاتب التعبير عن فسيولوجيتها مهما كبُر حجم ادعائه المعرفة بالطب أو توجهها وأيديولوجيتها واهتماماتها وتركيبتها كما هي، وهي التي تصف مخاضها، طمثها، تمخضات روحها في الألم وفي الفرح، اضطهادها كأنثى من منطلق أن فكرة العرب منذ القدم وحتى اليوم هي وأدها كي لا يوصموا بالعار أو يطالهم يوماً، كذلك هي أكثر قدرة على وصف ما تتعرض له من عنفٍ أسريٍّ كونها أم البنات المُعنَفة أو ابنة لسكيرٍ أو لمتعاطي مخدرات، أو المعاكسات ومعادلة موازين القوة بسلاطة اللسان أو الاسترجال، أو حياتها كمُطلقة أو بِكر، وغيرها من المتغيرات الطارئة على حياتها التي تكتمها خوفاً من عيون وآذان وألسنة المجتمع، وسيكون من السهل أن يتحدث الأديب أو الشاعر بلسان المرأة من ناحية نفسية لا أكثر، كما فعل الشاعر عمر الفرا في كثيرٍ من قصائده متقمصاً دورها ليكتب لسان حالها، هذه التفاصيل التي تتعامل وتحتك بها المرأة في حياتها اليومية، تجعلها في اتجاهين، أولهما أن تسمو بأمومتها وإنسانيتها وهي ابنة الوطن، ومفردة الوطن تنضوي على دلالات أدبية نتيجتها أن الوطن يحمل هوية الأم ولا ينفصل عنها ككينونة، الاتجاه الآخر هو إثبات أنها صنو للرجل، لها حقوقٌ وعليها واجبات، لها أن تترك بصمتها في المجال الذي تبدع فيه دون قيود -لا أصل لها في الدين أو العادات والتقاليد- والتعبير عن ذات الأنثى وكتابتها في كل ما يخصها.. هذه التصورات تخرج لحيز الفعلية وديمومة الإنتاج في حالة استعدت الكاتبة والمثقفة أن تقف أمام مرآتها ومخاطبتها، وتحدي ذاتها كما مجتمعها، وأن تكون جريئة في طرحها للواقع حداً لا يصل الإيروتيك أو اعتبار الرجل نداً لها..
كمثقفة وكاتبة، لا يقتصر دورها على تحرير نفسها من عبودية الجهل والفوقية المجتمعية، وإنما أن تؤثر في تلك العقول، والكتابة في كل المواضيع ومن مناظير ورؤى مختلفة، وإعلاء صوت خطابها لإعطاء شهادات متنوعةٍ وغنيةٍ بالإدراك والوعي والإرث المعرفي، وتبادل الأدوار والآخر في عوالم الكتابة، كما فعلت الروائية ياسمينة صالح.
اقتصرت كتابات المرأة على مدى عصور على التقيد بالحرام والعيب، فبرعت بقرض الشعر وكتابته كما الخنساء وكتابة الذات في خواطر وأتقنت كتابة الرواية ونافست فيها في محافل أدبية واسعة كجائزة البوكر.. كما تمردت فكتبت بأسماء مستعارة في بداياتها وما تزال، وهذا حدث معي أنا بدأت بالكتابة باسم عنات، حيث أني أنحدر من عائلة متدينة، رفض والدي اهتمامي بكتب خارج المنهج الدراسي ولم تكن وسائل الاتصال والتواصل من هواتف أو كمبيوترات متاحة حتى بداية دراستي الجامعية، ومع تشجيع صديقاتي وأساتذتي تقبّلت أسرتي هذا الواقع على مراحل، مما عزز ثقتي بنفسي للتعريف باسمي الحقيقي، حتى جاء موعد نشر أول كتاب لي “ظلال قلب”، حينها اقترح ناشري الشاعر والروائي جهاد أبوحشيش أن يكون اسمي على الغلاف، اليوم أنا أكتب في كل المواضيع، وأوسع مداركي بقراءة القرآن الكريم أولاً يليها الكتب الأدبية والعلمية في حدود معاييري.
توسيع المدارك يحتاج لأن تكون تلك العوالم التي تكتبها المرأة متوازنة، بمعنى أنها امتداد ومحاكاة للواقع، النص أو العمل الكتابي يرتكز على التشويق والمتعة وخطف نفس القارئ، لذلك فإن نصوصها هي وصفاتها التي تكتسب شهيتها في الطهو، هنا تكمن تلك البصمة المميزة، وصفتها السرية بمزيجه الفانتازي أحياناً والخيالي والواقعي في أحيان أخرى، لنقول “يمييييييييييييييي” كما نستفيد من تجاربها في النهاية.
هو يحتويها، إذ خُلقت من ضلعه، وهي تحتويه، فهو الشريك الذي يكملها، وهما الاثنان يهدما ثقافة السلطة الذكورية واستضعاف المُحتوى بخطاب الهيمنة، فإن كتبت فلأنها تريد أن تعبّر عنه بما يليق به وهو يحيطها بكل الدعم والتشجيع لتُزهر في كل الفصول فتثمر.
كاتبة فلسطينية
كتابتي تشبهني/ أمل جمال
على عكس كل ما يقال وبطريقة مبسطة أحبها في كل حالاتي وتعاملي في الحياة كتابتي تشبهني لا شيء أكثر، كتابتي هي فعل الذات تجاه العالم وتأثير العالم على الذات. أقول العالم كل العالم الذي أصبح قرية صغيرة، تسوسها التكنولوجيا قبل الأنظمة. أكتب لا لأختلف مع الرجل ولكني أكتب ما أشعر به وما أريد كتابته كذات تحيا في العالم، لا أناصب كتابة الرجل العداء ولا أضع كتابته نصب عيني لأختلف معها، الكتابة هي محصلة قراءاتنا المعرفية وخبرة حياتنا بنكهتنا الخاصة. لا يوجد اختلاف بين كتابة المرأة وبين كتابة الرجل حسبما أرى فالقواعد واحدة ونظريات النقد التي تطبق عليها واحده. وهنا أعي جيدا أن لكل نظرية خصائصها وآلياتها في تناول النص حتى النظريات النسوية.
لكني هنا وبصدق شديد أعترف أن الفارق الذي نراه جليا هو استقبال القارئ لكتابة الجسد مثلا أو الموروث الديني. استقباله لخبراتنا وآلامنا وتجاربنا التي توضع في النص حتى ولو بدرجة ما تشعل تراثه بأكمله تهدد صورة الملاك في المنزل بل ربما يزدريها وتدفع فاتورة كتابتها حتى وإن كانت جزءا من تجربتها وليست كلها أو ربما لم تكن تجربتها على الإطلاق وأدلت بدلوها. وهنا لا أخجل من اعترافي أن هناك مجتمعا يرصد ويحدد أطر الكتابة. لدينا الكثير من التجارب التي صودرت على إثرها الكتب وربما حوكم أصحابها وزج بهم في السجن،لا لشيء أكثر من انتهاك وخدش حياء المجتمع.
لقد تعلمت ببساطة أن توظيف التابو هو المهم وليس الاصطدام ذاته لمجرد الاختلاف. حرفية التوظيف وأهميته الأدبية هي المعيار. بقي أن أشير أن هناك اختلافات فارقة أراها في كتابة المرأة كمراحل الحمل والولادة مثلا أو علاقتها الخاصة مع أطفالها.
ربما يرصدها الرجل في كتابته لكنه حتما يفقد خيط الحرير الشفاف الذي تربط به المرأة وعيها بألمه وفرحها مغزولين معا وهي تحتضن وليدها بعد معركة مع الألم الكبير للمخاض. كتابة المرأة ليست كتابة ما يتيحه المجتمع لها وإن كنت مع تلك المقولة بدرجة ما في ما يتعلق بالتابو أقول بدرجة ما لأن وليمة لأعشاب البحر وأبناء الخطأ الرومانسي وأخير أحمد ناجي أمام أعيننا.
أن ما تحاكم من أجله المرأة يحكم الرجل أيضا في كتابته. كل ما أستطيع قوله هو أن الكتابة منذ البداية مجازفة، وإبحار ضد مسيرة ملاك البيت الطيب المطبوعة في أذهان الناس عامة. الكتابة تأبى إلا أن تكون مقدسة والمقدس له من الطقوس ما قد يستوجب التضحية. ربما تصل الكتابة إلى حد الخسران لكن تركها لا شك يصل بنا حدّ الجنون.
كاتبة مصرية
لا تكوني بكّاءة/ آسيا عبدالهادي
لا أفرق بين ما تكتبه النساء وما يكتبه الرجال، فالأدب أدب أيا كان كاتبه.. لكنني أتصور أن المرأة -وأنا أتحدث عن نفسي هنا- تكتب تجاربها لتنبه إلى بعض الخلل في سلوكيات المجتمع تجاهها كما جاء في روايتيّ “الشتاء المرير” و”سنوات الموت”.. حيث يجد القارئ في الروايتين ما ينبّه لما تتعرض له النساء من خذلان.
أما بالنسبة لثقافة المرأة والرجل فأنا أعتقد أن المرأة أكثر استجابة للتطور من الرجل في تبني بعض ما يطرأ على المجتمع من تغيرات.
أما ما يجب على النساء فعله فهو أن تخرج من كونها بكّاءة على نفسها وبنات جلدتها وأن تنطلق إلى فضاءات المجتمع الفسيحة فمثلا روايتي “غرب المحيط” انطلقت من معاناة الجالية العربية في الغرب وصراعها مع التقاليد ما بين ما تعودت عليه في وطنها وبين ما هو تجده في مجتمعها الجديد كجالية وليس كنساء فقط.
وفي روايتي “بكاء المشانق” عبرت إلى تاريخ القضية الفلسطينية ومأساة الفلسطينيين منذ عهد الاحتلال البريطاني نهاية الحرب العالمية الأولى.. ولغاية يومنا هذا.
في رواية “سعدية” تحدثت عن الفساد المستشري في المجتمعات وتغوّل فئات بعينها واستنزافها لخيرات البلاد.. والواسطة والمحسوبية وسرقة المال العام.. والتباين في الذمم الذي خلقه الجشع لبعض المتنفذين.
في روايتي الجديدة التي صدرت قبل أيام بعنوان “ذكريات وأوهام” تطرقت إلى المغتربين العرب في البلاد العربية وما يواجهونه من شقاء في سبيل الحصول على المورد المادي لمساعدة الأهالي في البلد الأصلي وتطرّقت لكفاحهم وتعرّضهم للاستغلال من أصحاب الأعمال في البلد المضيف.. كما تطرّقت إلى العلاقة الطيبة التي تربط بعض المغتربين بمستخدميهم.
وهكذا فأنني لم أحصر كتاباتي بهموم المرأة فقط بل بالمجتمع ككل..عندما يبدأ الروائي بكتابة رواية ما فإنه يصنع عالما من خياله وعندما يتم نشره يشاركه القرّاء هذا العالم الذي تفرّد بصنعه.
روائية فلسطينية
سلطة الموهبة/ آن الصافي
الإبداع حالة جمالية إنسانية لا يوجد فيها شروط حين لحظة تعبير بأي وسيلة ينتهجها المبدع، صورة، رسمة، حرف. لاشيء يتيح التعبير المتميز سوى الموهبة الحقيقية والخلفية الثقافية والذائقة الجمالية التي يعكسها العمل بحيث نجد بصمة المبدع تتسم بأسلوب لا يجب أن يشبه غيره. مسألة أن يكون المبدع أنثى أم رجل (أي مسألة الجندرة) لا يجب أن تكون الإطار الذي يحد المتلقي في تناول المنتج الإبداعي أياً كان. كيف يعبر الروائي على سبيل المثال على ألسنة شخوص نصه وأسلوبه السردي وعرض أفكاره لا يستوقفنا إلا النص، وكاتبه الحذق يجعلنا نرحل في عوالمه دون أن يذكرنا بمن هو أو هي وإن حدث فليكن بأسلوب تلقائي وجمالي مضاف وليس لمجرد التذكير وفرض أناه دون إضافة مجدية للنص. مفهوم أو مصطلح أدب نسوي وضع لسبب أكاديمي في التصنيف كان نقول: أدب أميركا الجنوبية، أدب الحروب،….الخ، كلها بغرض تسهيل الدراسة لهذه النوعية من الأدب. هناك تساؤل هل الأدب النسوي هو ما تكتبه المرأة أم الذي يُكتب عن المرأة؟ المهم هذه المسميات خاطئة جداً إن أطرت كصنف جازم ومحدود بمسماه. الإبداع هو الإبداع مجرداً من كل هذه المسميات الدارجة.
تكتب المرأة لأنها كائن إنساني؛ كما الرجل تماماً. هذا الكائن اكتسب خبراته وله ثقافة ووعي وطاقة إبداعية حركتها دوافع محفزة لوضع فكرة في نص عبر لغة هي وسيلة للتواصل.
إجادة توظيف اللغة لا يحدها جنس المبدع أياً كان. لغتنا العربية على سبيل المثال أنثت وذكرت بأسس وقواعد، هل قدم أو أخر هذا في تقدمنا أو تأخرنا ثقافياً وحضارياً؟ ما السبب؟ أهو اللغة أم أسلوب التفكير والتعبير؟ فلنترك العنان للمبدع أياً كان في التعبير كما يشاء طالما أن نصه به إضافة في عالم السرد بجماليات وعطاءات هادفة ومثمرة للفرد والمجتمع.
إن تأخر السرد في إقليمنا العربي عن تطوره ببساطة لا لشيء سوى نتاج التفكير الذي يجرف للتمييز: قبلي وجندري..الخ ووضع لاءآت عمياء تحدث ثقوب واهتراء في النسيج الثقافي وباله لن يطول الإبداع والمبدع فحسب بل المجتمع بمجمله.
نحن في عصر الثروة والثورة المعلوماتية والتقنية. طالتنا تغيّرات في التواصل والتلقي أثرت في أسلوب التفكير والفهم والاستيعاب والتعبير، واستجدت تغيرات جوهرية في مناحي حياتنا شئنا أم أبينا. إن عشنا بمعزل عن هذه الحقائق فلن نجدنا إلا أمام حلقة مفرغة تحملنا للخلف حضاريا وفكريا.
في كندا خلال عشرينات القرن الماضي صدر بيان مهم حينها: تعتبر المرأة كائن إنساني! في ثمانينات القرن الماضي أيضاً أصبحت المرأة تتحصل على حقوقها المدنية وتساوى بالرجل.
في وطننا العربي، فلننظر أين كنا وأين أصبحنا لنستوعب ما فعلناه بحضارتنا! لا طريق للخلاص إلا بنبذ أسباب التردي ومنها بشكل رئيسي أن يعامل الكائن الإنساني أياً كان ككائن إنساني دون حدود جغرافية أو عرقية أو جندرية أو أي تمييز لا ينتج إلا الفرقة وإهدار الطاقات في ما هو غير مجد. بالإبداع نصل لأرقى عوالم الإنسانية، بالإبداع تبنى حضارات وبمحاربته تفنى حضارات.
ينشر الملف بالاتفاق مع “الجديد” الشهرية الثقافية اللندنية
العرب