أشكال مختلفة لحديثٍ عن اليأس/ آنا لويزا أمارال
أشياء
أنْ نُعطي كُلَّ هَذه الأشياءِ أسماءً –
وهي لَيستْ أشياءَ إلا لأنّ العَينَ
تَتَعرّفُ عليها باعتبارها كذلك
فتُرسِلها إلى أعصابٍ دِماغيّة
تَحفظُها عن ظَهرِ قَلْب –
هو دائماً، ورَغَمَ هذا كُلِّهِ،
عَمَلٌ عَقيم
كذلك الوَجهُ
بمَلمَسِهِ المُوجِعِ الطَريّ
بلَحمِهِ الرَاجِفِ يُرسِلُ هَزّاتٍ
عَبْرَ شَبَكَةِ الأعصاب الدماغية
والقَلبُ أيضاً
مَاذا يَبقى،
فَوْرَ ارتِسَامِ الأَبْعَادِ،
في هذا الغِيابِ التامّ لأيِّ مَعرِفَة بِحَقّ
هذا الإِدراكِ لِمَدَى لا جَدوى
الألفاظِ
التي تَلوذُ حَتمَاً
بمُنحَدَرات وأَخاديدَ دَافِئة
تُحييها الخَلايا والعُروقُ المُنَمْنَمَة
حيث تَضيع نُعُوتُ الأَفعَال
وتَتَلعثَم
أو لونُ هذين العينين
الذي أُدرِك بالتَدريج أنّه لونُ عيني
ولكن لا أعرف كيف أُعْرِبُه، فَقَطْ أُصَرّفُه
وأنا أَمِيلُ ناحيتَه
لذلك، ورَغَم كُلّ شيءٍ، أَتَكلّم بالأَسماء
لأنّني لم أَستطِع أنْ أَجِدْ
طريقةً أفضل
■ ■ ■
تخلّيات
نَسيتُ كِتَاباً
على مِقعد الحَديقة
يا لها من حَمَاقة
لكنّه لم يكن من قَبيل الصُدفة
أن أًنسَى الكِتاب، مع أنّ الشمس كانت على وشك
الغروب، والبحرَ الذي لا يُمكن رُؤيته من الحَديقة
يَلمَعُ بِبَريقٍ مُتَزَايِد
لأنّ الأرض، في الحقيقة، كانت أرضاً جُوّانِية
ليس فيها بَحرٌ، فقط بَسِيطةٌ
ومِن أمامي زَمَنٌ مِن الابتسامات
التي خَطّتْها النارُ
والبحرُ (الخفيُّ كما سَبَقَ وقلت)
كان أمراً بَالِغَ الأَهمّية وفي الوَقتِ نَفسِهِ
مِنَ التَفَاهة بما يَجعَل الكِتابَ
فِكرةً خَالِصة
فِكرةٌ ظَهَرَتْ، بالصُدفَة البَحتَة، على قِطار
ولم تَكن حتى لي، بل لآخَرَ
مَنَحَني إيّاها بِكَرَمٍ زَائِد،
تَعيبُ على أيامِنا المُقَيّدةِ: أعاصيُر ولا رِياحَ
هكذا توفّرت مجّاناً
فكرةٌ خالِصة
تقول إنّ هذا هو ما تَتَطَلّبَه الأيام:
كِتابٌ مَنسيٌ
على مِقعد حديقة
وهكذا وَقَعَتْ
بين القِطار الذي يَعبُرُ قِطعَة الوَرَق هذه
غيرُ المناسِبة لكِتاب
وبين زمنِ الابتسامات
(وهو زمنٌ، بالمُنَاسبة،
له وجودٌ حَقيقيّ، أَحلِف لك، كما للنارِ
والبحرِ الخفيّ، الذي لا يَتّفِقُ معه شيءٌ
ومقعدِ الحديقة
حيث أودُّ لو كنتُ نَسيت الكتاِب،
لكنها جميعاً تُرى فقط مِن هنا
مِن هذه القصيدة
مجاناً
بامتدادِ الأُفُق)
■ ■ ■
تعريفات
(عن شِراء سُترة زَرقاء)
لَدَينَا مِنهَا هذه الدَرَجة والأبيَضُ أيضاً (تَقصِدُ السُترة)
لكنْ كان يُمكن أنْ يَكونَ حَديثُها عن حَائِطٍ خَالٍ من الطَحَالِب
أو عن القمر، الذي لا يكون أَحمَرَ إلا في أَحَرّ الليالي
ويكون أبيضَ عَادَةً،
أو الحُزنِ، الذي ليسَ دائِماً مُظلِماً
كما يَدّعِي الناس
وأحياناً يُشبِه اليأسَ
ذلك الذي، قَبلَ قَرنٍ مِن الزَمانِ،
أسماه الشاعرُ “القُوتَ الأبيض”
لم تَكنْ هذه الكَلمَاتُ اعتِباطَاً
هي تَعرف أنّ الأَبيض مَصَبُّ الأَلوانِ كلِّها
وأنّه مَجَازاً لونُ الضَوء
لأنّه يَعْكِسُ على نَحوٍ مِثاليٍّ
كلَ تلك الأَشِعَةِ النَيّرة
الاستِعارةُ التي اتفَقّنا عليها
تَستُرُ الشيءَ ذا الاسمِ نَفسِهِ في قُماش المُفارَقَة،
لذلك يُمكِن للشاعر أنْ يقول: لَدَينَا مِنهَا هذه الدَرَجة والأبيَضُ أيضاً
والقوتُ المَصنوعةُ مِنه هو اليَأس
كالقَمَر أو الحائِط، في استِخْدامَاتِهِما
المُختَلِفَةِ جِدّاً: العُنفُ، الأَلَمُ
ولكنْ كذَلِك السِرُّ في مَشيَة قِطٍّ
كُلُّها يُمكن أنْ تَكونَ أشْكَالاً مُختَلِفَةً لحَديثٍ عنِ اليَأْس
خالٍ مِن أي طَحَالبَ تَحمِي حَوَافَّه وفُوَّهاتِه،
لا ضوءُ قَمَرٍ يَقُوتُه
ولا رصيفُ قِطارٍ طَيّب
ويُمكِنُ أنْ يَتوفّرَ بِالأبيَض أيضاً
الجُزءُ الأَعْمَقُ على الإِطلاقِ، أو الذي يَتَخَيّلُ
ما لا يُمكِنُ تَخَيُّلَهُ
وهو بِلا مَسحَة بَيَاضٍ
فهو يأتي بدرجةٍ واحدةٍ، خَالصةٍ، بَاقيةٍ، عَاريةٍ،
ولا نَعْرِفُ كَمْ مِن الوَقت أَكثَر
ستَكونُ لَدَينا –
■ ■ ■
زِيَارَةٌ ثَانِية للسَيّدة العَذراء، صَغيرةٌ جِدّاً وفَاشِلَة
بَينَما السَمَكةُ تُشوَى بِكَسَل
تَقتَحِمُ المَطبَخَ
رائِحةُ بُخُور ذَهَبِيّة
آتيةٌ من طاوِلةِ غُرفة المَعيشَة، حَيثُ
قُمعٌ مُلوّن أَشبَهُ بِبُركان
يَدعَم عَصَا البُخُور الرَشيقة
وها أنا أَتَظاهَرُ بأنّي المَجوسيّ
والطِفل والأُم والرَاعي
مَعَاً
في سُخُونَة المطبخ المُحتَدِمة
على نارٍ هَادِئَة، الكَلِمَةُ يَصيرُ جَسَدَاً
مع حَبّة بَطاطِس وَاحِدة
(ليس عندي مُرٌّ، ولا ذَهَب)
ولكنْ إذا بالسَمَكةِ المُستَهتِرة
تَحتَرِقُ
والقصيدةِ تَشتَعِلُ فيها النَار
تُدَمّر
آهٍ لَو أَستطيع أنْ أَخلُقَ السيناريو المثاليّ
بَدَلاً من البُخُور، طِيبٌ آخَرُ
كَنْزٌ، انفِجارٌ ذَهَبيّ
مُعجِزةٌ بَاهِرة
هي سَمَكةٌ جَديدة
هنا
وليسَ هذا الهَريس
بلا تَرَانيمَ أو أنوارٍ أو ليالٍ ذاتَ نُجومٍ
ولا حتّى المادّةِ التي تَحَوّلَت إليها
حَبّةُ بطاطسَ مَنسِيّة
■ ■ ■
مآسٍ (أو حقائق) مُمِيتَةٌ
آهٍ مِن قَدَرٍ بَارِدٍ يُجبرني على الحَديث إليكَ
بِلِسَانٍ أجنبيّ، لسان
ليسَ لي
حتّى الأغاني التي تُخبِرُني عنكَ
لا يُمكن أنْ تَكون بلساني، مَهمَا بدَا هذا جُنُوناً،
نَعَمْ، وحتى سَمَاعُ شَخصٍ يَبكي من الغَرَام بلساني
لا يُؤثِّرُ فِيَّ، لأَنّي أَعلَمُ أنّه لنْ يُؤَثّرَ
فيكَ
يَكفي أنْ أَعلم ذلك حتى لا يُؤثّر
آهٍ من قدر بارد يُجبرُني على تَذَكُّرِكَ
بلسان آخَرَ، لسانٍ ليس لي
وأنا نَافِرَةٌ من قِلّة وَطَنِيّتي
عَاجِزةٌ عن الاكتِفاء بحب أوقاتٍ وأشخاصٍ مثلي
كَمَا عن المُسَاهَمَة في مِسَاحَةِ
لِسانيَ الوَطَنِيّ، حَيثُ الكُتُب والأَغَاني والقَصائد
(وأنا أيضاً؟) نُؤثّر ونَتَأَثّر
كمُنتَجَاتٍ وَطَنيّة
* Ana Luísa Amaral شاعرة برتغالية ولدت في برشلونة عام 1956، وأصدرت مجموعتها الشعرية الأولى “سيدةُ ماذا”، في سنة 1990، تلاها أكثر من ثلاثين كتاباً ما بين الشعر والدراسات والمسرحية وكتب الفتيان والترجمات.
** ترجمة يوسف رخا عن نص مارغريت جول كوستا الإنكليزي والأصل البرتغالي
العربي الجديد