على باب الجحيم: منفردة 39/ وائل السواح
لطالما أحببتُ قراءة السير والسير الشخصية. لم أعرف لماذا: ألأنها تشبه مسامرةً بين اثنين آخر الليل؟ أم لأنها تشبه التلصّص على حياة الآخرين؟ نعرف جميعا أن جزءا فقط من كل سيرة شخصية صادق وأمين. ثمة قسم متخيَّل دائما، ليس دائما لأن الكاتب يريد أن يكذب، فلقد يعتقد ببساطة أن ذلك ما حدث. والمشكلة أننا لن نستطيع أبدا أن نعرف الحقيقة ونميّز بين الواقع والتخييل، الفن والحقيقة، والكذب والصدق. ولقد خطر ببالي دائما أن أكتب مذكراتي، ولكنني كنت أدفع ذلك بعيدا، فأنا شخص عادي تماما، لست أديبا مبدعا ولا سياسيا مرموقا ولا عسكريا فاتحا ولا زير نساء، فمن ذا الذي سوف يهتم بما أرويه عن نفسي؟ بيد انّ شيئا جدّ.
حين اندلعت انتفاضة السوريين في آذار/مارس 2011، وجد معظم السوريين أنفسهم في قلب الحدث، في قلب السياسة، وفي قلب الوجع. ولكنّ كثيرا منهم جاء إلى السياسة والفعل والواقع دون خبرة سياسية سابق، ودون معرفة بتاريخ الاستبداد السوري ومقاومته. دارت في الفترة الأخيرة أحاديث كثيرة بين سوريين شباب وبيني حول كيف كان الحال قبل اندلاع الثورة. وبغض النظر عمّا إذا كان المحاورون يحبّون ما أقول أم لا، فإن كثيرا منهم كان يُنهي النقاش بسؤال واحد: “ولكن لماذا لا تكتب ذلك؟ سيكون هذا مفيدا.”
قررت أن أروي ما جرى كما رأيته. ما سأرويه هنا هو مزيج من الذاتي والموضوعي، الشخصي والمستقلّ، السياسي والاجتماعي. وهو محاولة لسرد جزء من تاريخ مقاومة السوريين لاستبداد الأسد وأبيه. ستكون البداية من خلال تجربة السجن الخاصة بها، ومنها أنطلق لأستعرض تاريخ اليسار السوري الجديد، أو الذي كان جديا وقتها.
كتب دانتي على باب الجحيم ” عن كل أمل تخلَّ، أيها الداخل هذا المكان.” دانتي لم يختبر السجن ولم يتخيله. هو تخيل الجحيم وحشر فيه آلافا من البشر الذين لا يتفقون معه. على أن تصويره للجحيم ينطبق بجزء كبير منه على السجن. عن كل أمل تخلَّ! تلك هي كلمة السر في عالم السجن. دوستويفسكي عاش الحبس، وكاد أن يصل إلى حبل المشنقة. وهو أيضا صور السجن باعتباره منزلا للموتى. شريف حتاتة وعبد الرحمن منيف صورا المجموعة في السجن: قهرها وعذابها وسادية السجان. بالنسبة إلي، السجن عمل فردي بامتياز. تدخله برغبتك الفردية، ويمكنك أحيانا أن تخرج منه برغبتك الفردية. إذا قارنتُ مرحلة التعذيب الجسدي بما تعرض له آخرون، بدا تعذيبي مداعبة. ربما كان ذلك ما يدفعني لأن أتحدث عن السجن كعلاقة فردية بالآخر. في كتابه “الأبواب الموصدة،” يصور سارتر الجحيم كغرفة تحتوي على كراسي وفوتيلات وطاولة وسط. لا نار ولا أجهزة تعذيب. يدخل الغرفة ثلاثة أشخاص. يبدون استخفافهم من هذا الجحيم الذي لا تعذيب فيه. ولكنهم بعد فترة، حين يوقنون أنهم خالدون في هذه الغرفة، لا شيء يحدث ولا أحد يجيء، يحاولون قتل أحدهم الآخر ويحاولون الانتحار، ولكن: هيهات. إنه الجحيم. لا مفر: لا مهرب منه. وإذن، فجحيم سارتر هو الآخرون. لا أدري إلى أي حد تأثرت بسارتر، عندما كتبت قصة عن السجن. غرفة منعزلة أغرب ما فيها أن بابها يمكن فتحه، ولا أحد يحرسك، يراقبك ألا تهرب. ولكنك عاجز عن الهرب. يحاول البطل فتح باب الغرفة، يخرج، يسير بضعة أمتار. تحيط به العتمة واللامكان. وسرعان ما يعود مسرعا إلى رفيقيه الذين لا يتحمل وجودهما ولا يستطيع فراقهما. ثلاثة رجال ملعونون يمضون النهار بلعب الشطرنج وطاولة الزهر وقراءة الصحف القديمة وملاحقة بعضهم بعضا ومحاولة الهروب من بعضهم البعض، وفي الليل، تأتي الأحلام. كل الأحلام التي حلمتها في السجن كانت أحداثها تجري في مسقط رأسي حمص. كأنني ألوذ من الوجع إلى حضن أمي تحكي لي عن جدّي، أبيها، الذي أراد أن يقوص المؤذن عند أذان الفجر لقباحة صوته أو إلى راحة والدي يمررها متخللا بأصابعه شعرات رأسي أو يمدها على جبيني أيان يكون بي مرض أو سقام.
المشكلة أن الوحدة أيضا جحيم. في الزنزانة، لا ينفك هاجس الانتحار يراودك. حين انصفق باب الزنزانة 39 الحديدي علي، وراح السجان يطق بمفتاحه القفل: طق، طق، طق، أحسست أن كل شيء قد انتهى. تأملت الغرفة الضيقة المقيتة. كانت صندوقا مكعبا، طوله وعرضه وارتفاعه مائة وتسعون سنتيمترا. ولم يكن له نافذة للتهوية. كان الهواء يأتي من خلال جهاز يسحب الهواء الفاسد ويدخل هواء أقل فسادا. على امتداد نصف الزنزانة تمدد عازل وبطانيتان أو ثلاث. وفي الزاوية المقابلة للفراش كان ثمة قصعتان فارغتان. ماذا يفعل المرء إذ ذاك؟ حين يشعر أن العالم كله قد صار وراءه: أمَّه وامرأته وأصدقاءه ومقهى الروضة وسناك أمية وحديقة المنشية والتكية السليمانية ودمشق القديمة والنوفرة والرفاق والصبايا الحسان وحلم تغيير العالم وإحقاق الحق والحزب الثوري ودكتاتورية البروليتاريا والأمسيات الأدبية والمعارض الفنية والعروض المسرحية والموسيقى الكلاسيكية. ماذا يفعل المرء وقتذاك؟ يصلّي؟ يستحضر امرأة ويضاجعها؟ أم يفعل الاثنتين معا؟
لا يألف الرجل الزنزانة مهما أمضى فيها من زمن. يخيل إلىّ أننا يمكن أن نألف الموت والفقر والمرض، ولكننا لا يمكن أبدا أن نألف الزنزانة. كل يوم يمر أصعب من سابقه. كل ساعة أشد من سالفتها. والزنزانة هي المكان الأمثل لعد الثواني وعد الخراف قبل النوم الذي لا يجيء. يقترب النوم. يحوم حول عازلك كفراشة تحوم حول مصباح، ولكنك حين تقصد أن توغل فيه، تغرق في لجته، تجيئك صورة أمك التي كانت تنتظرك على العيد، أو صورة امرأتك التي لم تكن يوما امرأتك، أو صورة أبيك الذي يوغل في الكبر وليس من يسانده في شيخوخته، أو صوت الشيخ إمام يصدح مليء الروح القلب والأذنين. قالوا لي: “فكر بشخص تحبه إن أوحشك المكان أو اشتد بك التعذيب. تذكرت كل من أحببت: أبي وأمي واخوتي والنساء اللواتي عرفتهن وجميل وجبرا وعزام وبسام وغادة وليلى ونجوى. على أن الإحساس بالعزلة كان يزيد حدة ونفورا. كنت متأكدا من حبهم لي ولكنني كنت أعرف أنهم سيتابعون حياتهم بعد حصة من الوقت، وسيتذكرونني في حفلاتهم فيرفعون نخب المناضل القابع في السجن ثم يتابعون غزلهم وغناءهم ونضالهم: وتصدح أصواتهم بأغنيات فيروز وزياد ومارسيل والشيخ إمام. وأفضل من كل ذلك كان بعوضة ضلّت طريقها فوجدت نفسها محبوسة في زنزانتي. كان فرحي بها غامرا ورحت أراقبها تنتقل من جدار إلى جدار بفرح حسي غريب. كانت ككلب تدلله سيدة عجوز تعيش وحيدة في الشارع الثالث والأربعين من شوارع نيويورك. ورحت أفكر في تأمين غذاء لها. وحين أدركت أن غذاءها الوحيد سيكون دمي لم أتردد في تقديمه لها. لم أشاهدها ترتوي منه، ولكن في الليل حين يهدأ ضجيج القصعات وبلوات الخدمة وأصوات السخرة والسجانين وصرخات المساجين، في الليل حين يهدأ الجميع ويهجعون باستثناء الذين تنز جروحهم أو يمضون الليل وقوفا ويمناهم معلقة بسقف المنفردة، في الليل حين يأتي الحلم فيداعب القلب والرئتين وخصلات الشعر، فأجدني أحتسي القهوة في الإيتوال وأدخن سيجارة جيتان فرنسية بدون فلتر وأنظّر في السياسة والتاريخ والأيديولوجيا وفينومينولوجيا الأديان، يهدأ الاضطرام العاصف الفاجر الذي يفترسني طيلة النهار ويمتد الخدر على كامل مساحة الجسد، وتروح نسمات نيسانية تأتي من ناحية القلب فترسل على العقل سكونا وسلاما، عندها، ربما تسللت بعوضتي المدللة إلى مائدة شراييني وراحت تغب من السائل الأحمر القاني الشبيه بنبيذ بوردو المعتق. وما كنت لأردها عما هي فيه لو أنني انتبهت من منامتي ولكنني لم أفق ليلتها. في الليالي أنام بعمق، وحين يأتي الصباح وتبدأ ضجة السخرة وصيحات السجانين الآمرة وقرع المفاتيح العملاقة على الأبواب الحديدية، أفزع من المنام كالملدوغ، وتبدأ الكآبة تمد ذراعها على مساحة العقل، ويتوتر الجسد وتنشد الأعصاب وينمو التوتر والترقب. طق. طق. طق. طق. ينفتح الباب. أخرج قصعتيّ فارغتين ثم أستعيدهما مليئتين بالشاي الفاتر الماسخ الدلع وقليل من اللبنة ورغيفين منفوخين طازجين هما زادي لليوم كله.
وهناك يتجسم الوقت كالكريستال. وتكاد تلمس الثواني أو تراها الواحدة إثر الأخرى، بطيئة، كبيرة الحجم، متثاقلة، كأنها تكره الابتعاد عنك وتأسف أن تتخلى عنك لأختها التي تليها. لقتل الوقت، تخترع كل ما يمكنك من حيل، تبدأ بعد الخراف ولا تنتهي بالقفز على ساق واحدة أو الوقوف على رأسك أطول ما تستطيع. وأنت تحسب أنك أمضيت دهرا، فإذا سألت عن الوقت (ليس لديك ساعة تأنس إلى تكّاتها في صمت العزلة) وجدت أنك ما أمضيت سوى عدد قليل من الثواني اللواتي يتابعن مرورهن أمام عينيك ببطء كأنهن نسوة سمينات لا تحملهن الأقدام. بين واحدة وأختها، رأيته. كان يقف في عتمة الزاوية الميتة من الزنزانة المقابلة لزنزانتي. زنزانة 47. لست أنساه: ذلك الرقم المرعب الذي فتح في صدري فجوة للرعب لن تنغلق. كان السجان لسبب ما قد نسي إحكام النافذتين الصغيرتين. اقتربت بفضول من يكتشف قارة جديدة ورعب من يفتح الغرفة الأربعين في قصر الأمير ودفعت النافذة بسبابتي فانفرجت قليلا. أمامي كان يقف في العتمة بوجه أبيض كالح باهت يحاكي وجه الأموات. رفع يده محييا فرددت بالمثل. سألني عن اسمي وسألته عن اسمه: م. ب. انحفر الاسم بالذاكرة، حين سألته كم يوما أمضى في الزنزانة. رفع سبابته يريد أن يقول واحد. حسبته يقول شهرا، فانتابني انزعاج شديد من فكرة أن يطول بقائي شهرا مثله. بيد أنه صحح لي: سنة، فانخلع القلب من مكانه. لم أصدق ولم أستوعب فكرة أن يبقى رجل في الزنزانة عاما كاملا ولا يجن. لم أدر وقتها أنه سيبقى في مكانه أعواما أخرى طوالا، يخرج إلى الحمام ثلاث مرات ويشرب الشاي الماسخ ويأكل الخبز المنفوخ ويكلم الحيطان والخيالات ويسترق السمع إلى أقدام المارين من أمام عالمه المغلق من سجانين ومسجونين. وعلى بعد زنزانتين فقط، كان جاره رياض الترك الذي بقي ثمانية عشر عاما في الزنزانة نفسها، يسامر مرض السكري وآلام الظهر. إذاك كنت قادرا على فعل أي شيء يخرجني من ظلمة القبر تلك بما في ذلك الانتحار.
ولكن للحياة مسراتها الصغيرة أيضا. واحدة منها كانت حين تعرفت إلى شفيق. عملاق بشاربين أسودين كثين وصوت يلعلع كالبلدوزر. للحظة شعرت بالرهبة من حجمه وارتفاع صوته. ولكنني سرعان ما انفرجت أساريري حين علمت أنه “شفيق يا راجل.” أو شفيق بياع الحلاوة. ذلك أنه كان محاسب السجن، ومن ضمن مهامه أن يبيع المساجين مواد كالصابون والحلاوة وزيت الزيتون والتمر والغيارات الداخلية. كان ذلك مكسبا عظيما. وأهم من الحلاوة أن شفيق كان يعتبر نفسه تاجرا ويعتبرنا زبائن، فلم يكن يضرب أو يصرخ أو يوجه أية إهانة. اشتريت حلاوة وجبنا وزيتا وصابونا وكيسا من السكاكر كان شفيق يسميها “دروبس”، كاسرا الباء، مادا إياها بلحن لطيف. وأهم من ذلك كله اشتريت سجائر – لفافة كاملة من سجائر الحمراء القصيرة. وأولمت لنفسي وليمة كبيرة. كان اكتشاف إضافة الزيت إلى البرغل الجاسي المسلوق اكتشافا يوازي اكتشاف النار كما كان إضافة الجبن إلى مائدة الصباح حدثا في غاية الأهمية واللذة. أما سندويشة الحلاوة في ساعة متأخرة من الليل مع جرعة من الماء فكانت تذكر بسهرة لطيفة في مطعم شامي أصيل.
المتعة الأخرى كانت الحمام وارتداء لباس داخلي نظيف بعد أسابيع من القذارة ورائحة العفن المنبعثة من زوايا الجسم. لم يستغرق الحمام أكثر من دقيقتين، ولكن الماء الدافئ كان ينسكب على رأسي وجسمي فيغسل الروح كما يغسل الجسد. كان حنوا غامرا لطيفا وقويا في آن. ظلت رائحة النظافة تنعش روحي الجريح ساعات بعد العودة من الحمام. وكنت احتفظت ببعض الشاي البارد من الصباح في القصعة الصغيرة، فرحت أتلذذ باحتسائه، ثم جاءت السيجارة لتجلو الهم للحظات.
أما أحلى اللحظات في الزنزانة فكانت الجريدة. سألني العقيد ك. ي. قبل أن يأمر بإعادتي إلى الزنزانة إذا ما كنت أرغب بشيء. ترددت زمنا قبل أن أقول: ” أجل. جريدة.” ثم أردفت بسرعة كي لا يعتبر طلبي جريمة: “تشرين أو الثورة.” هز العقيد رأسه ولم يجب، ثم أمر الحارس بإعادتي إلى المنفردة. في الطريق، رحت ألوم نفسي لأنني طلبت من العقيد مثل هذا الطلب، فهو أولا غير لائق بمناضل سياسي، كما أنه غير ممكن التحقيق. حين وصلت إلى المنفردة، انفردت (أردت أن أغير هذا التعبير لسخافته، ولكنني لم أجد خيرا منه) بنفسي ورحت أسير من أول الزنزانة إلى آخر حلم في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. أقطع المائة والتسعين سنتيميترا بأربع خطوات أو خمس ثم أستدير وأؤوب عائدا إلى نقطة البداية. وحين أخذ مني التعب مأخذه، تمددت على العازل ورحت أحلم بحمام جديد. ولا بد أنني غفوت لحظات، لأنني قفزت متنبها حين أدخل السجان المفتاح في القفل ليفتح الباب. لم يكن وقت العشاء قد حان بعد وكان الغداء قد وزع من زمن. أهو التحقيق من جديد؟ فتح الباب وبرز وجه أليف لسجان كان يبتسم دائما كأنه يعتذر عن وجودنا هناك، وقال: “تفضل!” ثم قدم لي كدسة من الجرائد. ولم تكن الثورة وتشرين فقط بل كانت السفير والنهار والأنوار ومجلة المستقبل الباريسية أيضا. لن أنسى ما حييت ذلك الإحساس العميق بالغبطة الذي اجتاحني تلك اللحظة. رحت أنظر إلى الجرائد بذهول، وودت لو طرت إلى السجان فقبلته، ولكنني شكرته بحرارة عوضا عن ذلك. ولم أستطع إلا أن أكن العرفان للعقيد الذي أرسل لي ذلك الكنز. وكالبخيل الذي يحرص على متاعه وماله رحت أقنن بالقراءة، ألا أنهيها كلها ولا أستطيع الحصول على سواها. وكالجائع يقدم له طبق لذيذ، رحت ألتذ بكل كلمة أقرأها. قرأت الأخبار والتعليقات وأخبار الثقافة والرياضة والتحقيقات وصفحات الرأي والوفيات وشكر الأطباء والأبراج والإعلانات التجارية والرسمية، ثم جاء دور الكلمات المتقاطعة. لم يكن عندي قلم، فاخترعت واحدا. في يوم سابق أحضروا لنا عنقودا من العنب فيه عشر حبات، فالتهمتها وأبقيت على عودة العنقود أتسلى بها. وتجلت العبقرية حين مزجت رماد سيجارة بنقطة من الماء فصار حبرا ثم استخدمت العودة كالريشة ورحت أحل بها الكلمات المتقاطعة والكلمة المفقودة وبعض التسليات الأخرى. كان ذلك اختراعي الوحيد. وهو، على أية حال، لا يقارن بإنجازات الرفاق، لاحقا، الذين اخترعوا مكتبات لوضع الكتب التي تأتينا من الزيارات وورقا للعب وشطرنجا وطاولة للزهر وطاولات صغيرة للقراءة والكتابة، وكل ذلك من بقايا الخبز المعجون بالماء والسكر ليغدو غراء ومن أوراق الجرائد وأغلفة عبوات السجائر. وهو لا يقارن قطعا باختراع القلم، الذي كان لا يقل أهمية عن اختراع الكتابة قبل أربعة آلاف سنة. وقلمنا اخترعناه من ورق الألمنيوم الذي يغلف السجائر داخل كل علبة. أما الورق فكان الأغلفة الخارجية المشمعة لعلب السجائر. على هذا الورق كتبت قصائد وقصصا ومشاريع روايات ومداخلات سياسية ورسائل عشق وصلوات وأدعية ورغبات محرَّمة. وعلى هذا الورق كتبت قصصا جمعتها في مجموعتين لم أنشرهما حتى الآن، ولا أحسب أنني سوف أفعل.
درج