التطبيع مع إسرائيل والأسد معاً: كلمات متقاطعةّ!
تناظر إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب قوات بلاده من سوريا مع إعلان مندوبته في الأمم المتحدة نيكي هيلي أن خطة ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي اكتملت، وجاء الخبران على خلفية أنباء عن تواصل التطبيع العربي مع إسرائيل ومع النظام السوري، وبعد أن شاعت أنباء أن الزيارة المقبلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ستكون إلى السودان فوجئ الناس بدلا من ذلك بزيارة الرئيس عمر حسن البشير لدمشق، وهو حدث «تاريخي» (بالمعنى السيئ للكلمة) لأن البشير كان أول زعيم عربي يزور الأسد منذ بدء الثورة الشعبية ضده وصدور قرارات للجامعة العربية بمقاطعة نظامه كرد على مجازره الوحشيّة ضد شعبه.
يبدو الحدثان ـ عند النظر لهما بالكليشيهات السياسية المتداولة ـ متفارقين، يصعب تقاطعهما أو جمعهما معاً، فالنظام السوري، كما يسوّق نفسه ويروج له حلفاؤه، هو جزء من «محور الممانعة» و«المقاومة»، إلى جانب إيران، التي تتعرض لحصار اقتصادي وعقوبات أمريكية، والتي تمول وتدعم وتساعد أطرافا مثل «حزب الله»، الذي تعتبره إسرائيل خطرا عليها، وفصائل فلسطينية مثل «حماس» و«الجهاد»، اللتين تشاركان بقوة في النزاع مع الدولة العبرية، كما تدعم «الحوثيين» في اليمن، الذين يخوضون حربا دموية مع السعودية وحلفائها.
من جهة أخرى، فإن الحليف الرئيسي لإسرائيل هو الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الداعم الكبير لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، التي كانت أداة واشنطن و«التحالف الدولي» لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، ولكنها، في الوقت نفسه، امتداد لـ«حزب العمال الكردستاني»، وهو حزب تركي معارض توسّع في سوريا والعراق، ويدخل في قائمة حلفائه وحماته، كل من إيران والنظام السوري، وهو أمر لا ينكره الحزب فبمجرد إعلان واشنطن قرارها الانسحاب من سوريا طلب الحزب من نظام الأسد تقديم الحماية له من الأتراك. قرار أمريكا الانسحاب من سوريا هو مطلب استراتيجي لروسيا، حليفة النظام السوري «الممانع»، والتي ترتبط، في الوقت نفسه، بعلاقات «حميمة» مع إسرائيل. علاقات لم تؤثر فيها أشكال الاستفزاز التي قامت بها تل أبيب، وكان أشدها وقعا إسقاط طائرة الشحن الروسية في أيلول/سبتمبر الماضي، ولا تتجاوز ردود موسكو، حتى الآن، وضع «مماحكات بين الأصدقاء» أكثر منها خلافا حقيقيا، فالواضح أن ما يجمع الدولتين، استراتيجي وعميق أكثر مما يبدو على السطح.
جدير بالتفكير أيضاً أن قرار أمريكا، الذي بدا استجابة أيضا لمطالب تركيا، يناقض سنوات من الرفض الأمريكي المستمر لمساعدة أجندة أنقرة السورية (وهي حليف واشنطن المفترض وعضو الحلف الأطلسي العتيد)، وكانت نقاط تلك الأجندة تصب في إطار حماية السوريين عبر تشكيل منطقة آمنة، وفرض حظر طيران على النظام، ودعم حكومة انتقالية معارضة، وهو ما كان سيساهم في تخفيف وحشية النظام وإضعافه ليقبل بتسوية مع شعبه، وفي منع تشكل التنظيمات السلفية المتطرفة كـ»جبهة النصرة»، وفي إبقاء تنظيم «الدولة» ضمن الحدود الجغرافية العراقية حيث نشأ، والمساهمة أيضاً في تخفيف النزوح والهجرة السوريين، وإقلال الآثار الديمغرافية والسياسية الشائكة التي نتجت عن كل ذلك في المنطقة العربية وأوروبا (صعود اليمين المتطرف وفوبيا الإسلام الخ…)، وبالتالي فإن واشنطن رفضت، خلال حكم باراك أوباما وترامب مساعدة الشعب السوريّ، ولكنها وافقت على سحب قوّاتها حين استتبّت الأمور لروسيا والنظام وإيران واضطرّت تركيّا، بعد خذلان طويل، لقبول التعاون مع هؤلاء.
جاءت زيارة البشير ضمن برمجة روسية لفك العزلة عن الأسد ونظامه، وقبلها جاء فتح الحدود مع الأردن بعد قرار أمريكي بوقف تمويل المعارضة السورية وتسليم جنوب سوريا لنظام الأسد بموافقة إسرائيلية، كما تأتي ضغوط «حزب الله» وحلفائه في لبنان، في الإطار نفسه، وهكذا نجد أن الأطراف المتعارضة (أمريكا وروسيا وإيران وإسرائيل) تعمل، رغم أشكال البروباغاندا الإعلامية، على فك العزلة عن النظام السوري.
وكي تتظهر الصورة وتنكشف «الكلمات المتقاطعة» أكثر نجد أن دولا عربية، مختلفة افتراضيا، تعمل على التطبيع مع النظام السوري ومع إسرائيل في الوقت نفسه، كما هو حال البحرين والإمارات، وكلتاهما في حالة عداء معلنة مع إيران، فكيف يستقيم العداء لإيران مع التقارب مع النظام السوري، ثم كيف يستقيم التقارب مع النظام «الممانع» مع التطبيع مع إسرائيل؟
الجواب معقد لكن لو أردنا تبسيطه نستطيع أن نقول إن الاستبداد ملة واحدة، وإن التطبيع مع قاتل الفلسطينيين هو بالضرورة تطبيع مع قاتل السوريين.
القدس العربي