كي نستحق هزيمتنا نحن السوريين/ إيلي عبدو
علّق أحد الصحافيين على الانتقادات التي طالت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، ولقائه الرئيس بشار الأسد، من قبل سوريين معارضين، ملاحظاً أن هؤلاء اكتشفوا لتوهم أن الزائر «مجرم» ومتهم بجرائم حرب ومطلوب للجنائية الدولية. والملاحظة تلك، إن أمكن تطويرها، تحيل إلى الفشل في ربط القضية السورية بأفق يتعدى الخصومة المباشرة مع الديكتاتور، والانتماء إلى منظومة قيمية تمنع تكرار نموذجه.
ولعل هذا الفشل ترك المجال مفتوحاً لطغاة لا يقلون قسوة عن الأسد يتسللون إلى الوعي المعارض بحكم موقفهم فقط وبصرف النظر عن سلوكهم وطرق حكمهم، ما جعل الانحياز إلى الثورة، موقف تبسيطي لا يترتب عليه سوى الصراخ والهتاف دعماً لـ»المقاتلين»، بدل أن يكون مركباً قيمياً يجسر المسافة بين المرجعيات المحلية والقيم الليبرالية، فيخاصم بنية النظام وليس نموذجه.
وجرى استخدام السياسة هنا بالضد من ماهيتها، إذ تذرع المعارضون بها لتبرير استيعابهم كل ما يتناقض مع ثورتهم، من شخصيات وأحزاب وأنظمة، في حين أن السياسة هي جزء من المركب القيمي المفقود، ولا يستدل بها بالمفاوضات والتسويات وتدوير الزوايا فقط، بل أيضاً، بالدفاع عن المصالح ربطاً بالعقد الاجتماعي، ما يعني تنافيها مع قوى تتقاطع مع نظام الأسد في السلوكيات والبنى.
ولعل ما جرى من محاولات لربط القضية السورية بما يتعداها محلياً، جاء انطلاقاً من الترسيمة السابقة، وليس بغرض تطوير الحق السوري وتحريره من مجاله الضيق، فقد انشغل البعض معرفياً بخلق مقاربات مشابهة بين الظلمين السوري والفلسطيني في استغلال واضح للتعاطف العربي مع الأخير، الذي تراكم عبر سنوات وسنوات بشكل شعبوي يفتقر إلى التماسك القيمي. فيما عمد معارضون منتظمون في هياكل رسمية، إلى حضور مؤتمرات المعارضة الإيرانية التي تعاني هي الثانية من محلية تجعل تذكرها من قبل العالم أمرا موسميا يخضع لمستوى الصراع مع نظام طهران.
لقد ربح بشار الأسد لأسباب كثيرة، بعضها يتعلق بطبيعة المجتمع السوري وتعقيداته، وبعضها الآخر يرتبط بصيغ التحالفات والقدرة على الاستثمار فيها، لكن جوهرياً يرجع انتصاره إلى انقسام العالم إلى قسمين، يمين متخفف من الأيديولوجيا يستثمر بضعف الاقتصادات لاجتذاب الجمهور، معطوف على ديكتاتوريات توسع نفوذها بدعم حكام محليين، وسط شهية الانقضاض على الديمقراطيات والتدخل في تركيبتها لتخريبها من الداخل. وجزء آخر ينازع للمحافظة على ما تبقى من قيم ليبرالية، في خضم أزمات تعصف به وتضعه أمام اختبار خلق أدوات جديدة. والحال، فإن هذا الانقسام لا يمكن فرزه على مستوى الدول التي يشهد بعضها صراعا داخل مؤسساتها يكثف ما يحدث عالمياً.
وإذا كان الأسد أضعف من التموضع في الشطر الأول فقد تولى بوتين عنه هذه المهمة، لكن القيمين على القضية السورية لم يتحركوا نحو الشطر الثاني، خلال صراعهم مع حاكم دمشق، ما جعل هزيمتهم أقرب إلى نتيجة في نهاية سباق، وليس عارا قيميا.
ربما ما تزال الفرصة سانحة كي نستحق هزيمتنا بحيث نربطها بصعود اليمين وضعف الديمقراطيات. عندها، يصبح عمر البشير مجرم ليس لأنه زار بشار الأسد بل لأنه عمر البشير فقط.
كاتب سوري من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي