في عدم الحاجةِ للموت/ منذر مصري
1 –
أن نقول.. سترى النارُ الكلمات
أو الكلماتُ سترى النار
هو الشيء نفسه
فالكلمات الثلاث هي هي.
* * *
من الطبيعي إذن
أن نبدأ بمن أعطى لهذا الجنس اسماً
وأعضاء تناسلية معينة
وإن لا تفي بالغرض
لكونها ناقصة
فهو نفسه لم يأت من أبٍ وأم
ولم يخلف من بعده ذرية.
* * *
من يدعو إلى قتل البشر في مواجهة من يعلفونهم
ويبنون لهم الحظائر
ليستخدموهم في المزارع
والمصانع ومحطات الوقود
ومخازن البيع التي تحتوي العالم
ولكن أي عالم!؟
دون غاية أخرى سوى تقطير عرقهم
إلى قيمة فائضة.
* * *
أو ليأخذوهم إلى حروب في بلاد بعيدة
أو لحل سوء تفاهم عابر بينهم وبين جيرانهم
على مسافة عدة أمتار عند حدودهم
أو حروب يقيمونها داخل بيوتهم
مصلحتهم فيها
أن يشعلوا حرائق في الحدائق
ليورثوها لأبنائهم
سهلة على الهضم.
* * *
لستُ كلباً سارحاً على الشاطئ
يشم بخيشومه الرطب علب الصفيح
وأغطية الزجاجات البلاستيكية
وفردات الأحذية الفاقدة السيور دائماً
التي لفظها البحر
من أين لي هذا المصير
هذه الخاتمة السعيدة
لذلك العداء المستتب
لتلك الحرب المستعرة
بين الشعر والمعنى
الذائب فيه كالملح في ماء البحر
ليغدو الشاعر مصاص معانٍ
فتقول
الموت لا يحتاج استعارة.
* * *
صفاته.. كلمات ليس لها مرادفات
مجرد ألفاظ
ضجيج لا يمكن له أن ينتظم
صور مأخوذة لظلال أشخاص
أشجار عارية بثمار فجة
حرية دون كسر عددي
أن نشرب دماً
ونأكل لحماً وبيضاً
لنغذي الآلهة التي لا مطرح لها
تحلُّ فيه
سوى أرواحنا الممزقة
نحن البشر..
2 –
لا أدري أية حاجة
تدفعني الآن لقراءة قصيدة (البودلير)
(طائر القطرس)
للمرة الثالثة على التوالي
مع أني أحفظها
عن ظهر القلب.
* * *
يصطادوه طلباً للتسلية!
تصوروا
أي مثير للشفقة (أمير الغيوم) هذا
الذي يجرجر نفسه بين أقدام البحارة
مجدفاً بجناحيه الكبيرين على لوح السفينة.
* * *
قليلاً من الرقة
قلتِ
ما يجعل من الضعف خصلة محبذة
بإقرارنا أن الحرية غريزة لا تقاوم
لكونها أقرب ما تكون إلى الانحراف.
* * *
انتبهي
تبدين كفتاة على وشك أن
ترتكب خطأً جسيماً
مياه النهر الباردة
ستجمد قلبك قبل أطرافك
فهل تظنين
أنه من واجبهم
أن يدفئوا ماء النهر
لأجل الذين يريدون أن يلقوا بأنفسهم من أعلى البرج.
* * *
أحسب أنه لديك الكثير من الوقت
لتفكري في طبع مجموعتك الشعرية الأولى
فإن كان الموتُ باكراً بالنسبة لكِ
فهو متأخر كثيراً
بالنسبة لي
حتى يُمكن اعتبار أنه قد فاتَ موعدهُ
وما عاد ينفع معه انتظار..
3 –
غالباً ما ينتهي الأمر بتردادنا الكلمات ذاتها
وذلك لأننا
بحسن نية
نظن أنه شيء يحتاج الآخرون لسماعه.
* * *
يراودني قلق أخرق
بأن ينقل لك أحدهم خبراً سيئاً عني
بأنني غدوت أعمى
بسبب مرض لا يصيب سوى الكهول والعجائز
أو أنني انزلقت بماء مدلوقة على البلاط ووقعت من شرفة بيتي في الطابق الرابع
على عربة أحد باعة الخضار
فلم ينتج عن هذا سوى كسور بسيطة
في الساق والساعد
وكونك لا تذكرين أي ساق وأي ساعد
فهذا لا يعني أنكِ
لست مهتمة على الإطلاق
تريدينني أن أصدق.
* * *
وقتها ستكونين بعيدة عندما أحتاج لمجرد رؤية كم أنت كاملة.
* * *
«لم آت لأسمع منكَ كلاماً تقوله
لتسويق سمكك الفاسد». تقولين
* * *
ما يتطلبه الأمر
هو أن أتوقف عن صباغ الكلمات بالأسى
والاعتقاد بأن الناس السعداء
لمجرد أنهم أحياء
ليسوا سوى حمقى
والعكوف على قراءة (ريلكة)
وتحليل الجمل وأشباهها
وما إذا كان من المحتم أنه يصدق بالملائكة
حتى يتوجه بكلامه لها
وكأنها على مرمى حجر منه
ومن ثم أقوم بكتابة ما يعج بالتفاهات
على أمل ألا يقرأه أحد.
* * *
تقولين إن الحب شيء رخيص
بسبب توفره في الأسواق بكميات فائضة
ولكن
اسمعي
رنين الأسوار والخواتم
وهي تسقط من أيدينا.
* * *
سأبقى ما حييت
آسفاً على اختصاري لآخر عناق جمعنا
ودفعك لمغادرة المكان بأسرع ما يمكن
وكأنه صحيح
ما كنتِ مهووسة به دائماً
بأني على علاقة مع امرأة أخرى
تنتظر وراء الباب
ما إن تخرجي
حتى تدخل..
——————————-
القـطــرس/ شارل بودلير
غالباً، لأجل التسلية، رجال النوتية،
يصطادون بعض القطرس، طيور البحر الضخمة،
التي تتعقب، كرفقاء سفر لامبالين
السفينةَ المنزلقة على الدوامات البحرية.
ما يكادون يضعونها على الألواح
حتى يتركَ سلاطين السماء الصافية هؤلاء، عديمي المهارة و المخجلون،
أجنحتهم الكبيرة و البيضاء تـُسحب، على نحو مـغـم،
كمجدافين بالقرب منهما .
هذا المسافر المجنّح، كم هو أخرقُ وضعيف !
هو المضحك و القبيح، الذي كان منذ قليل الأجمل!
البعضُ يزعجُ منقارَهُ بغليونِه القصير،
والآخرُ يقلد، و هو يعرج، ذو العاهة الذي كان يطير!
الشاعر شبيه بأمير السحاب
الذي يلازم العاصفةَ، و يستهزئٌ من النَبّال؛
منفيٌ على الأرض بينَ صيحات الصيادين،
يعيقه عن المسير جَناحاه العملاقان.