إعادة دمج الجماعات المسلحة السورية: الآليات، الجهات الفاعلة، وأوجه الفشل/ حايد حايد
ينبغي أن تندرج عملية إعادة دمج الميليشيات أو المتمردين في قوات النظام ضمن برنامج إعادة تأهيل وطني متكامل.
بدأ نظام الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2016 بعملية دمج للجماعات المسلحة الغير نظامية في جيشه الحكومي، مستغلا مكاسبه العسكرية وبدعم وتشجيع روسي. وقد تضمنت هذه العملية تشديد السيطرة على الميليشيات الموالية، ودمج الجماعات المسلحة والمقاتلين الذين كانوا في صف المعارضة سابقا وتوزيعهم على المناطق التي أعادت الحكومة السيطرة عليها، والتحضير للاحتمالية ادراج القوات الغير نظامية التي ليست تحت سيطرتها الآن لتصبح تحت لوائها في نهاية المطاف. ويُعنى بهذا قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وجماعات المتمردين التي تعمل في المناطق الواقعة تحت السيطرة التركية في شمال غرب سوريا.
وعلى الرغم من ذلك، يظل برنامج النظام السوري فيما يتعلق بعملية إعادة الدمج محدودا ولا يشكل إستراتيجية شاملة لعملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج. ولو كان الأمر مخالفا لكانت مشكلة استمرار وجود جماعات مسلحة غير نظامية قد تم حلها ولرأينا عملية إعادة السلام والاستقرار والسلطة للدولة قد أخذت مكانها. وقد ركزت الحكومة بشكل انتقائي على بعض الجماعات دون الأخرى دون مبرر واضح، تاركة بذلك علامة استفهام كبيرة حول مصير الفصائل الغير حكومية المتبقية، بما في ذلك تلك التي تعمل في مناطق خارجة عن سيطرة النظام. بالإضافة إلى ذلك، كانت مثل هذه الجهود في بعض الأحيان مقتصرة فقط على تصنيف الجماعات الشبه عسكرية كقوى تابعة للجيش العربي السوري بدلا من إعادة تشكيل هذه الجماعات لتصبح هيئات مهنية ذات هياكل قيادية واضحة وتسلسل في الرتب معلوم وتدريبات.
من حلفاء إلى منافسين: دمج الميليشيات الموالية
تنوعت طرق إعادة دمج الميليشيات الموالية والمقاتلة إلى جانب القوات الحكومية، وهو ما جاء بحسب حاجة النظام أو إيران أو روسيا لمثل هذه الجماعات وتواصلها معها. وفي معظم الحالات، تضمنت عملية إعادة الدمج حلولا قصيرة الأجل أو حلولا مخصصة وبحسب الغرض إما من أجل إدخال الميليشيات في إطار الهياكل والهيئات الفرعية أو أدخال بعض العناصر في القوات المسلحة النظامية.
نهج النظام
في حربها التي لا تعرف المحظورات مع المعارضة المسلحة، اعتمد النظام بشكل كبير على مجموعة واسعة من الميليشيات، جاءت معظمها بتأسيس وتمويل إيراني. وعلى الرغم من دورها المحوري، فإن الجماعات المسلحة الموالية للنظام قد تسببت في ظهور تحديات كبيرة لسلطة الدولة واستقرارها. وقد سمحت لهم حريتهم في المناورة بالقيام بأنشطة إجرامية من أجل جمع الأموال مثل أعمال الاتجار والاختطاف والابتزاز والنهب، مما نتج عنه اشتباكات وحروب عصابات متكررة بين الميليشيات الموالية وقوات النظام. ولكن عندما بدأت ديناميكيات السلطة والقوة على أرض الواقع في التغير لصالح النظام في 2016، شرعت دمشق في إعادة تأكيد سلطتها على حلفائها الشبه عسكريين الذين باتت تراهم على أنهم عائق.
يعتبر النهج المتبع هنا حذرا حيث يهدف إلى تقليص عدد الميليشيات دون ترك فراغ في السلطة على أرض الواقع، كما أنه يأتي بشكل تدريجي وعلى مراحل متقطعة. فعلى سبيل المثال، الميليشيات المحلية التي تقاوم نشرها إلى منطقة أخرى تدخل في منافسة مع الجماعات أو الشخصيات ذات النفوس، أو تنخرط في أنشطة إجرامية يلام عليها النظام، يتم على الأغلب حلها أو إجبارها على الانضمام إلى القوات النظامية. بينما تبدو الميليشيات الصغيرة عرضة للحل أو الدمج في وحدات الجيش السوري (خاصة الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الأسد ماهر)، يتم تجريد الجماعات الأكبر حجما من مواردها المالية تدريجيا – على الغالب عن طريق إبعادهم عن نقاط التفتيش التي يمكن إن تجني لها أرباحا – قبل أن يتم الضغط عليها لتحل في نهاية الأمر.
ركزت جهود النظام لإدماج الميليشيات الحليفة بشكل رئيسي على دمجهم كأفراد في القوات النظامية (أي الجيش)، وهو ما يحدث عادة بالزام الذكور بين سن الثامنة عشر والثانية والأربعين الذين لم يؤدوا خدمتهم العسكرية (وهو ما يقع على الكثير من رجال الميليشيات الموالية) بالانضمام إلى الجيش. كما يتم تحديد رتبهم العسكرية ومرتباتهم ومدة خدمتهم وتدريبهم وفقا لقوانين ولوائح التجنيد (الرتب والتدريب تعتمد على مستوى التعليم). أما بالنسبة للمقاتلين الذين تم تسريحهم وقد انهوا خدمتهم العسكرية فلا يعمل النظام على تشجيعهم للانضمام إلى صفوف قواته، وهو ما قد يضعهم تلقائيا في قوائم الرواتب الحكومية. وقد يكون عدم مقدرة النظام على تحمل أي عبء مالي إضافي أو عدم رغبته في ذلك هو أحد العوامل التي تقف وراء قراره بالسماح لإيران وروسيا بوضع مثل هؤلاء الأفراد في هياكل أخرى وبالتالي تغطية نفقاتهم.
نهج روسيا
ركزت جهود روسيا، على خلاف النظام السوري، في دمج عناصر الميليشيات الموالية على الضغط عليهم للانضمام إلى القوات الفرعية التابعة للدولة. فوفقا لقانون الدفاع السوري قد يتم إنشاء مثل هذه القوات حسب الحاجة ولكن من المفترض أن تكون مؤقتة فقط. ولهذه الغاية، تعاونت موسكو مع النظام لإنشاء هياكل عسكرية فرعية قائمة على أساس تطوعي من أجل توحيد الفصائل الموالية للنظام في صف واحد. وبينما تبدو دوافع روسيا غير واضحة إلا أنها تبدو هادفة إلى إنشاء كيان وهيكل جديد من الصفر تستطيع أن تفرض سيطرة كاملة عليه وأن تتخطى عدم كفاءة قوى النظام القائمة. وكانت روسيا قد بدأت في التركيز على مثل هذه الجهود في أواخر 2015 من خلال إنشاءها “الفيلق الرابع – اقتحام” بالتعاون مع النظام وإيران بهدف إدماج الميليشيات الموالية تحت مظلة جديدة، ولكن لم تكلل هذه الجهود بالنجاح بسبب تخوف الميليشيات المدعومة من إيران من فقدان استقلالها الذاتي فيما يبدو.
وللتغلب على هذا الفشل، قامت روسيا بإنشاء كيان جديد هو “الفيلق الخامس – اقتحام”، وذلك بالتعاون مع النظام ولكن هذه المرة دون التنسيق مع إيران (وهو ما رأته إيران بمثابة محاولة لتهميشها). ولكن على الرغم من وضعه القانوني كقوة فرعية رسمية، إلا أن الفيلق الخامس هذا لا يتبع التسلسل الهرمي العسكري الذي تتبعه القوات الرسمية الأخرى. ويعتمد هذا الفيلق بدلا من ذلك على نموذج وخليط جيش / ميليشيا متنوع يشغل فيه الضباط العسكريون النظاميون مناصب قيادية، بينما يصبح فيه أفراد الميليشيات (المدنيين) جنود مشاة بدون رتب عسكرية.
يشار إلى أن العديد من أفراد الميليشيات الذين انضموا إلى الفيلق الخامس كانوا قد فعلوا ذلك في مجموعات كبيرة، ودون أية إعادة هيكلة، بينما كان يتوجب على المجندين الجدد للانضمام للفيلق أن يوقعوا عقود (عادة لمدة عام واحد) وحضور دورة تدريبية موجزة لتقييم قدراتهم وتدريبهم على الأسلحة الجديدة إذا لزم الأمر. وفي حين أن وضع أفراد الفيلق الخامس من الذين لم يكملوا خدمتهم العسكرية الاجبارية يظل غامضا، يبدو أن الخدمة في هذا الفيلق لا تغنيهم عن اكمالها. كما يبدو أن روسيا هي من تقوم بدفع رواتب أفراد الفيلق (من خلال طرق رسمية)، وهو ما قد يعيق تحويل ولائهم للدولة والذي من شأنه بالتالي أن يعزز من مراكز القوى الثانوية داخل القوات الرسمية.
نهج إيران
وبالمثل، تشارك إيران في أجزاء من الميليشيات التي ترعاها في القوات الفرعية التابعة للنظام، في محاولة واضحة لضمان وجود نفوذ طويل الأجل داخل المؤسسات المسلحة الرسمية في سوريا. وتحقيقا لهذه الغاية، توصلت طهران إلى اتفاق في نيسان / أبريل 2017 لدمج قوات الدفاع المحلية، والتي شكلت من الميليشيات التي كانت قد رعتها بين عامي 2013-2014، في القوات الرسمية للنظام. ويكتسب الأعضاء المدنيون التابعون لقوات الدفاع المحلية وضعا عسكريا قانونيا عندما يوقعون عقود توظيف مع الجيش الشعبي المكلف بحماية المرافق العامة ويشكل جزءا من احتياطي القوات المسلحة. ودخلت أغلبية الميليشيات المدعومة من إيران عند انضمامها إلى قوات الدفاع المحلية (سواء قبل أو بعد اتفاقية عام 2017) كوحدات كاملة، ولم تخضع لتدريب أو إعادة هيكلة جديدة. ويشار إلى أن قوات الدفاع المحلية لا تتبع التسلسل الهرمي العسكري المعتمد من قبل القوات الرسمية، وعلى سبيل المثال، لا تعتمد هذه القوات على الرتب الرسمية.
لم ينتج عن ادماج قوات الدفاع المحلية في القوات الحكومية من إنهاء تابعيتها لإيران حيث لا تزال بمثابة المسؤول الوحيد عن تسليحها وتمويلها، بما في ذلك دفع الرواتب والتعويضات للأفراد وذويهم عن الاصابات (أو الأسوأ) التي وقعت اثناء المعارك. ومع ذلك، يسمح النظام لعناصر قوات الدفاع المحلية بشكل استثنائي باحتساب سنة خدمتهم مع هذه القوات ضمن خدمتهم العسكرية الاجبارية، والمحددة رسميا بثلاث سنوات كحد أقصى علما بأن العديد من المجندين (ومن قوات الاحتياط أيضا) قد خدموا لأكثر من خمس سنوات.
ومن خلال تنويع نفوذها، تعكف إيران على دمج حلفائها من الميليشيات المحلية في هيكل عسكري هجين يكون تحت السلطة الأسمية لمخابرات القوات الجوية أو الفرقة الرابعة أو الحرس الجمهوري. وبالرغم من قيامهم بتلقي تمويلهم وذخيرتهم من خلال هذا الهيكل، فإنهم يستمرون في العمل بشكل مستقل إلى حد ما. وكما هو الحال مع قوات الدفاع المحلية، تنضم هذه الميليشيات إلى وحدات كاملة (بدون تدريب أو رتب أو إعادة هيكلة)، حيث يوقع الأعضاء عادة عقودا لمدة سنة ويتقاضون أجورهم من طهران.
نهج غير متكامل للتكامل
عملت هذه الآليات على إعطاء المؤسسات المسلحة التابعة للدولة فرصة دمج عدد كبير من الميليشيات الموالية، ولكن هناك نقص واضح في الاستراتيجية المتعلقة بجميع جوانب مستقبلهم. فمعظم مقاتلو الميليشيات تم وضعهم في القوات الفرعية دون خطة تضمن انتقالا سلسا عن طريق إعادة تشكيلهم وفقا لما هو معتاد من التراتبية ونظم التصنيف والتدريب. ومن الناحية النظرية، يمكن وقف عمل القوات الفرعية، والتي كان تأسيسها تدبيرا طارئا بموجب قانون الدفاع، عندما تنتهي الحرب رسميا، ولكن لا توجد خريطة طريق لإعادة الدمج أو التفكيك في هذه المرحلة. كما يفتقر النظام إلى القدرة على دفع رواتب هذه القوات الفرعية إذا ما تم نقلهم ليصبحوا ضمن القوات النظامية، ومع ذلك لا يبدو أنه يطور آليات لتسريحهم أو تسهيل عودتهم إلى الحياة المدنية من خلال خطط خلق الوظائف وتنمية المهارات.
الانضمام إلى العدو: إعادة دمج جماعات المعارضة المسلحة
منذ عام 2016، والنظام السوري يتفاوض على اتفاقات الاستسلام المحلية (التي يسميها “اتفاقات المصالحة”) في جميع أنحاء البلاد. وقد أعطت هذه الاتفاقات النظام الفرصة لكي يعيد سلطته على غالبية المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة مع تهجير أولئك الذين لا يزالون يقاومون حكم الأسد إلى آخر ما تبقى من المعاقل التي يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سوريا. ومع ذلك، فقد اختار الآلاف من المتمردين التوقيع على صفقات استسلام فردية على الرغم من المخاطر الواضحة التي تنطوي عليها (بما في ذلك الاعتقال والتمييز). كما سلم بعض هؤلاء المقاتلين أسلحتهم وعادوا إلى الحياة المدنية، بينما قام بضع آلاف على نحو مفاجئ بالالتحاق بالقوات النظامية أو القوات الفرعية كأفراد بصفة رئيسية، إما طواعية أو خوفا من الاعتقال. فعلى سبيل المثال، في أعقاب صفقة الاستسلام في أواخر عام 2017 في بلدة بيت جن، الواقعة في جنوب غرب دمشق، انضم عشرات من المقاتلين المتمردين من جماعة تسمى لواء عمر بن الخطاب إلى جماعة تابعة لفوج الحرمون، والذي يعد جزء من قوات الدفاع الوطني، علما بأن هذه العملية تعاني من نفس عيوب التي تم الحديث عنها سابقا، ودون وجود إستراتيجيات واضحة لانتقال سلس إلى الوضع المنتظم أو نزع السلاح والتسريح.
على الرغم كون من الجهود الرامية إلى دمج الجماعات المتمردة في السابق ليست جزء من خطة وطنية شاملة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، فإنها لا تزال تطبق بشكل منهجي على جميع قوات المتمردين التي ظلت في المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث يتم عادة حلها بمجرد فقدها لأراض أعاد النظام سيطرته عليها. وقد يساعد دمج مقاتلي المعارضة السابقين في قوات النظام على تخفيف مشكلة قلة القوة البشرية للجيش السوري، ولكن موضوع الاعتماد كليا على هؤلاء المقاتلين يعد أمرا مختلفا. ولهذا الغرض، فمن المتوقع منهم حضور دورات يقودها فرع التوجيه السياسي لغرس فيهم أيديولوجية حزب البعث ورواية النظام حول النزاع.
كما هو الحال مع استيعاب الميليشيات الموالية، تعتمد إجراءات احتواء مقاتلي المعارضة المسلحة على من يقود العملية، بشكل رئيسي النظام السوري أو روسيا في هذه الحالة، وعلى الوحدات التي ينضم إليها القادمون الجدد، حيث يمكنهم الاختيار بين القوات المسلحة النظامية أو الهياكل الفرعية الطوعية أو الشرطة. ويبدو أن النظام يحبذ التحاقهم بالقوات المسلحة النظامية، وخاصة بالجيش. كما يطلب من هؤلاء المقاتلين المتمردين سابقا الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر واثنين وأربعين الذين لم ينهوا خدمتهم العسكرية الانضمام إلى الجيش، ويتم منحهم عادة عطلة لمدة ستة أشهر لتسوية وضعهم مع الجيش والتسجيل مع شعبة التجنيد في منطقتهم لإنهاء إجراءات تجنيدهم والوقوف على شروط الخدمة التي تعتمد على مستوى تعليمهم، كما هو متوقع. ويحق، نظريا، للذين أدوا الخدمة العسكرية ويرغبون في الانضمام إلى القوات النظامية التسجيل مباشرة، علما بأنه لا توجد معلومات متاحة للعموم حول مثل هذه الحالات / الأمثلة.
يذكر أنه يحق للذين يفضلون الانضمام إلى القوات الفرعية التابعة للنظام أن يلتحقوا بها. في الواقع، فإن معظم مقاتلي المعارضة السابقين الذين ظلوا مسلحين بعد سيطرة النظام على مناطقهم قاموا بذلك على الرغم من معرفتهم أنه من المحتمل أن يكون ذلك أكثر خطورة من الانضمام إلى الشرطة، حيث تجري العادة على نشر القوات الفرعية في الخطوط الأمامية. فعلى سبيل المثال، قرر العشرات من مقاتلي المعارضة المسلحة في مدينة التل في ريف دمشق الانضمام إلى قوات الدفاع الوطني المسؤولة عن منطقتهم. ويبدو في المقام الأول أن هذا في مصلحتهم ماديا حيث يتلقون رواتب أفضل.
تقوم روسيا بعملية التجنيد هذه إلى حد كبير، كما تحاول أن تعزز وتقوي الفيلق الخامس. بينما تعمل إيران مع النظام على دمج جماعات المعارضة المسلحة السابقة في القوات الفرعية التي تقع تحت السلطة الاسمية للوحدات والوكالات العسكرية النظامية. فعلى سبيل المثال، قامت القوات الفرعية المدعمة من قبل إيران بضم نحو ألفى مقاتل سابق من المعارضة في جنوب سوريا. وبالمثل، ذكرت مصادر محلية أن المئات من الثوار السابقين في غرب درعا قد وقعوا عقودا للانضمام إلى فرع المخابرات العسكرية في المدينة. ولكنه ليس من الواضح إذا ما كانت هذه الجهود يجري تنسيقها أو إذا كانت الأطراف المعنية تقوم بالتنافس على ضم مجندين جدد، ولم تقم أيا من القوات الفرعية عند انضمام ثوار سابقين إليها باتباع النظم العسكرية والرتب المعتادة.
وعادة ما يتم تسهيل دمج مقاتلي المعارضة المسلحة السابقين من قبل شخصيات محلية مؤثرة تعمل كوسيط، مثل قادة معارضة سابقين، وأعيان محليين، ورجال أعمال بارزين، أو حتى مسؤولين من النظام. وفي إحدى الحالات، تواصل رئيس الهيئة التفاوضية للمعارضة في مدينة قدسيا، في ريف دمشق أيضا، مع مقاتلين من المعارضة المسلحة وعرض عليهم الانضمام إلى قوات الدفاع الوطني، وذلك أثناء المفاوضات وبعدها. وفي مدينتي برزة والقابون بدمشق، قاد قائد اللواء الأول من المعارضة المسلحة جهود قوات الدفاع الوطني لتجنيد المقاتلين الذين وافقوا على التصالح، والذين بمجرد إبداء موافقتهم على مثل هذه العملية يقومون بالتوقيع على عقد (عادة لمدة عام) وحضور معسكر مقتصر بهدف تقييم قدراتهم وتدريبهم على أسلحة جديدة. وتقدم مختلف القوى الفرعية مجموعة مماثلة من الرواتب والمناصب، والتي تنقسم إلى فئتين رئيسيتين: القادة، والجنود.
وفي حين أن الغالبية العظمى من جماعات المعارضة المسلحة السابقة قد تم ضمها في هيئة أفراد، انضم عدد صغير من الفصائل كوحدات وجماعات كاملة حافظت وبالتالي على هياكلها، وشملت التغييرات الوحيدة التي كان يتعين عليهم القيام بها تحويل ولاءهم، وتغيير أسماء جماعاتهم، واتباع سلسلة القيادة الخاصة بالوحدة التي انضموا إليها. فعلى سبيل المثال، بعد أن سيطر النظام على محافظة درعا، انضم فصيل شباب السنة إلى الفيلق الخامس كجماعة، وبقوا تحت قيادة قائده أحمد العودة.
تظل هذه الجهود ظاهرية في مجملها ولم يحدث تكامل حقيقي على أرض الواقع بعد. فعلى سبيل المثال، لا توجد آلية رسمية معنية بنقل منصب قائد مجموعة مسلحة سابق وخبرته إلى منصبه الجديد في جيش النظام، ولا يُمنح الضابط التدريب اللازم لتزويده بالمهارات والمعرفة اللازمة للاضطلاع بما هو جديد من مسؤوليات ولوائح وسلسلة قيادة.
هناك غياب مشابه لسياسة وتوجيه واضح عندما يتعلق الأمر بالمنشقين عن النظام الذين يرغبون بالعودة إلى مناصبهم بالصفوف الرسمية. فلا يبدو أن النظام يشجعهم على العودة إلى الجيش النظامي، ومصيرهم سيكون غير مؤكد إذا ما قرروا العودة إلى وحداتهم القديمة، وهو ما قد يكون السبب الرئيسي وراء انضمام الكثيرين إلى القوات الفرعية التي يرون أنها قد تكون أكثر أمانا لهم. كما تنطبق نفس الاعتبارات وحالة الغموض على الأفراد العسكريين الذين غادروا البلاد بالكامل، والذين لا يشملهم العفو العام الذين أعلنه الأسد عن المنشقين في منتصف أكتوبر 2018. ويشار هنا إلى عدم توافرأرقام دقيقة في هذا الصدد، ولكن يعتقد أن هناك عدة آلاف متواجدون على الأقل في تركيا والأردن فقط. وعلى الرغم من أن هذه الأعداد الكبيرة يمكن لها أن تساهم بشكل كبير وبكل وضوح في مسائلة إعادة بناء القوات المسلحة السورية وقد تشجيع اللاجئين كذلك على القيام بالمثل، ولكن لا توجد سياسة لإقناعهم بالعودة ولا إعطائهم ضمانات بشأن شروط وأوضاع إعادة دمجهم – أو في الواقع حتى سلامتهم الشخصية – إذا ما قرروا العودة.
انضم عدد صغير من مقاتلي المعارضة المسلحة السابقين إلى قوات الشرطة، إما مباشرة أو من خلال وسطاء. وتتمثل الميزة الرئيسية، على عكس معظم الوحدات الفرعية، في أن ذلك يعد بمثابة خدمة عسكرية، كما تعتني الشرطة بتنظيم وضع المجندين مع السلطات العسكرية. كما يمكنهم عادة البقاء داخل مجتمعاتهم وأحيائهم الخاصة، ولا يجدون أنفسهم مضطرين لمحاربة رفاقهم في السلاح السابقين، ولكن العقبة تتمثل في أن مرتبات الشرطة أقل ويتوقع من المجندين أن يتم تسجيلهم لخمس سنوات. ففي معضميّة الشام، على سبيل المثال وبحسب بعض التقارير، لم ينضم سوى ثمانين مقاتل معارض سابق إلى الشرطة، في حين التحق المئات بالقوات العسكرية التابعة للنظام.
وفيما يخص موضوع نزع السلاح، فليس لدى النظام سياسة تشجع مقاتلي المعارضة المسلحة السابقين على التخلي عن أسلحتهم الشخصية، سواء عن طريق شرائها مرة أخرى منهم أو من خلال برنامج آخر. وبالنظر إلى حالة انعدام الثقة وفي ضوء الجهود المبذولة لاستعادة ثقة المتمردين السابقين، فمن المرجح أن العديد من الأشخاص يخفون أسلحتهم كسياسة تأمينية. وكما هو الحال مع الميليشيات الموالية، لا يتم اتخاذ أية خطوة حقيقية لتسهيل عودتهم إلى الحياة المدنية، سواء من خلال خطط خلق فرص العمل أو إعطاء منح لأعمال ومشروعات صغيرة.
نظرة تطلعيّة: التسريح في المستقبل
ستظل النقاشات حول إمكانية دمج جماعات المعارضة المسلحة في مناطق خارجة عن سيطرة النظام تخمينية بشكل كبير، حيث توجد شكوك سياسية وعسكرية سيكون لها تأثير على أي من هذه الجهود. ففي كلتا الحالتين الرئيسيتين – قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي من البلاد والجماعات المتبقية من المعارضة المسلحة في الشمال الغربي من البلاد – الكثير سيتوقف على قوة واتساق المواقف التي سيتخذها من يدعمهم خارجيا، الولايات المتحدة وتركيا على التوالي، والعلاقة المستقبلية لتلك القوى، وكذلك لحلفائها المحليين، مع النظام السوري وشركائه. وسوف تؤثر كل هذه العوامل على إذا ما كان أية جهود للوصول لعملية دمج نهائية ستحدث تحت إجبار أو كجزء من مفاوضات متوازنة.
وفي كل الأحوال، من المستبعد أن تنجح الإجراءات المخصصة والمتبعة حتى الآن في هذه الحالات. ولكي يتم فرض ترتيبات التسوية أو الاستسلام على قوات سوريا الديمقراطية، لإنه يتوجب مواجهة قواتها التي يبلغ عددها نحو 45 ألفا، والتي تتمتع بقتالية عالية ولديها حافز كبير، بل وتطويقها وإما السيطرة عليها أو إجبارها على الاستسلام، وهو ما يعد أمرا بالغ في الصعوبة حتى بدون دعم القوات الأمريكية لها. ولذلك، فمن غير المحتمل أن ينفع العرض السائد القائل “إما الإحلال أو الانضمام إلى النظام” ما لم يتغير شيء جذريا.
يذكر أن قادة قوات سوريا الديمقراطية كانوا قد أبدوا استعدادهم ليصبحوا جزء من الجيش السوري، لكن من الواضح أنهم لا يفكرون في دمج مباشر، فهم ينادون بنظام فيدرالي يمارسون بموجبه درجة كبيرة من الاستقلالية الفعلية في المناطق ذات الأغلبية الكردية التي يسيطرون عليها (حوالي 25 في المائة من أراضي سوريا). وستعمل هذه القوات على غرار جيرانهم البيشمركة في إقليم كردستان العراق، وهي جماعة تتمتع بحكم ذاتي كامل تموله بغداد، ويعد نظريا جزء من القوات المسلحة العراقية.
وفي حين أن صيغة مثل هذه قد تعجب روسيا إذا ما تم ضم قوات سوريا الديمقراطية أو على الأقل القوة ذات الأغلبية الكردية (وحدات حماية الشعب)، والتي ستعد إضافة مفيدة للفيلق الخامس، فإن النظامين السوري والإيراني قد رفضا الاقتراح. حتى موقف روسيا يعد غير مؤكد في نهاية الأمر، كما أنها على علاقة جيدة بتركيا التي تعادي بشدة أكراد وحدات حماية الشعب. النظام السوري من جانبه لا يرغب في تقاسم السلطة مع أي ممثل سوري آخر ويرغب في استعادة احتكاره لاستخدام السلاح والقوة، ولكن الدخول في مواجهة معهم يبدو لا يبدو أمرا هينا، ولذلك تبقى القضية معلقة في الوقت الحالي.
إذا ما تم دمج قوات سوريا الديمقراطية في القوات النظامية، فهناك العديد من التحديات التقنية التي يجب التغلب عليها. على خلاف فصائل المعارضة المسلحة المذكورة سابقا، فإن لدى قوات سوريا الديمقراطية (أو على الأقل المكون الرئيسي لها وعمودها الفقري، وحدات حماية الشعب) هياكل وإجراءات عسكرية واضحة تماما تختلف عن تلك الخاصة بالجيش العربي السوري، لذا يتعين على أي من المجموعتين أو كلاهما إجراء تعديلات هيكلية وفقا لطبيعة الاتفاق. فوحدات حماية الشعب لديها تنظيم خاص يعتمد على أساس أفواج (أصغر من الأفواج التقليدية) التي يتم انتخاب ضباطها من قبل الجنود، وجيشها جيش حرب عصابات أكثر من أي شيء شبيه بذلك تحت لواء الجيش السوري الرسمي، ويعزى الكثير من نجاحاتها إلى درجة من المرونة والاستقلالية التشغيلية التي لا وجود لها في الجيش السوري ذو النظام المركزي. علاوة على ذلك، فإن العرقية الكردية إلى حد كبير لأغلب وحدات حماية الشعب، وأيديولوجيتها اليسارية القوية، إن لم تكن ماركسية، سيصعب دمجها في الهيكل العسكري السوري، علما بأن عناصر القبائل والميليشيات العربية في قوات سوريا الديمقراطية قد يكون من الأسهل استيعابها. ومن الواضح أنه سيكون من الأسهل لو أن وحدات حماية الشعب تعمل على الأقل بشكل شبه ذاتي تحت جناح، على سبيل المثال، الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، وفي هذه الحالة يمكنهم الاحتفاظ بهياكلهم القائمة، ولكن يبدو أن النظام، كما تمت الإشارة سابقا، لا يحبذ هذه الصيغة.
سيلقى أي جهد يهدف إلى ضم بقية قوات المعارضة المسلحة، والتي تقتصر إلى حد كبير على المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، صعوبات أكثر من الحالات الموجودة في المناطق التي يسيطر عليها النظام. إن الحجم الهائل لجماعات المعارضة المسلحة تلك- حيث تتراوح التقديرات بين 30 ألف و80 ألف مقاتل – من شأنه أن يجعل هذه المهمة صعبة مهما كانت الآليات، خاصة وأن النظام لا يستطيع تحمل تكاليف وضعها على قوائم الرواتب. وكما هو الحال مع دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية، فإن رعاية تركيا لجماعات المعارضة المسلحة تلك ووجودها الفعلي داخل الأراضي السورية تقف عائقا أمام خطط سير النظام، كما أظهرت العملية العسكرية المؤجلة على إدلب. وعلى نحو مماثل، يبدو أن تركيا تفضل التوصل إلى اتفاق مع روسيا لدمج الجماعات المعارضة المسلحة في الفيلق الخامس، مما سيعزز من علاقاتها الرسمية بالنظام ويمنحها في الوقت ذاته سيطرة فعلية على مناطقهم الحالية. ومع ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن النظام ينوي التخلي عن منهج الفائز يأخذ كل شيء، لذا في هذه الحالة أيضا، يبقى الوضع معلّق.
الخاتمة: الثغرات والقيود
ينطوي سيناريو كلاسيكي ناجح لنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، وخاصة بعد حرب أهلية مثيرة للانقسام، على وقف المقاتلين غير النظاميين، وجمع أسلحتهم، وتطبيق برامج لتسهيل عودتهم إلى الحياة المدنية، أو دمجهم كجزء من القوات المسلحة النظامية. يجب أن يتم كل هذا في سياق الوصول إلى اتفاقية سلام شاملة وتعزيزها، والتي عادة ما تشرف عليها قوى دولية بالنظر إلى انعدام الثقة الذي يسود عادة.
يذكر أنه ولا شيء من هذا ينطبق على الحالة السورية. فبدلا من اتفاق سلام يتم التفاوض عليه على مستوى البلاد، كانت هناك سلسلة من المصالحات الغير جدية التي فرضها النظام بعد محاصرة وضرب معاقل المعارضة المسلحة حتى الخضوع. فقد بدأت عملية إعادة دمج غير النظاميين، سواء كانوا من الميليشيات الموالية للنظام أو من عناصر المعارضة المسلحة السابقين، في قوات النظام تدريجيا وبتفاوت ولكن ليست كجزء من برنامج وطني متكامل لإعادة التأهيل. في كلتا الحالتين لم يتم وضع آليات لمساعدة المقاتلين السابقين على التكيف مع الحياة المدنية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من العقبات التي أبرزتها الجهود التي بذلت حتى الآن. تحويل مقاتل مدني من دون تدريب رسمي أو انضباط إلى جندي موثوق به يتطلب استثمار في القوى العاملة والتمويل، وهو ما يفتقر إليه النظام. إن مجرد ضم وحدات موالية أو متمردة بأكملها قد يحل بعض المشاكل مؤقتا ولكنه لا يرقى إلى إعادة دمج جادي. كما تفتقر هذه القوى إلى التدريب المهني والانضباط وهياكل القيادة الاعتيادية، وفي كثير من الحالات تعاني من كثرة الولاءات المقسمة، وهي من الممكن أن يكون نفعها محدود ولا يستطيع النظام الاعتماد عليها كليا. كما أنها لم تفعل شيئا يذكر لإصلاح قواتها العسكرية والأمنية والقضاء على الطائفية السائدة في كل مكان: فهذه القوات تبقى فاسدة ووحشية وغير كفؤة، وهي عوامل تحد من إعادة الدمج وبناء الثقة.
وبالرغم من محورية إيران وروسيا عند النظام من أجل بقاءه، إلا أنه لم يكن قادر على مقاومة عدم الانخراط في مسائل سيادة الدولة وزرع النفوذ الأجنبي الذي تمثله الرعاية التنافسية الظاهرة للعناصر في الهياكل العسكرية والأمنية. وقد توفر هذه العملية إصلاحا مؤقتا لعجز النظام المالي والقوى البشرية، ولكنها على المدى الطويل ستعقد أي محاولة حقيقية لإعادة البناء الوطني وإعادة الدمج. ويمكن أن يحول المجال العسكري والأمني للبلاد إلى ساحة لسباقات إقليمية ودولية، وذلك إذا لم تكن بالفعل.
*اعتمد الباحث في كتابة المقال على مجموعة من المقابلات مع كل من عروة خليفة ونوار شعبان ومحمد سلوم وأيمن التميمي، لذلك وجب شكرهم.
حايد حايد باحث في المركز الدولي لمكافحة التطرف في جامعة كينغز كولج و باحث استشاري مع مركز ابحات تشاتم هاوس.
مركز كارينغي للشرق الأوسط