سياسة

إعادة العلاقات مع الأسد -مقالات مختارة-


عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية: لم ينتهِ النقاش بعد

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إنه «لا يوجد توافق عربي كامل، حتى الآن، على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية»، مؤكداً أن عودة النظام لشغل مقعد سوريا تتوقف على وجود مثل هذا التوافق. وجاء تصريح أبو الغيط خلال مؤتمر صحفي عقده يوم أمس الإثنين مع مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني، بعد انتهاء أعمال المؤتمر الوزاري العربي-الأوروبي.

ويبدو أن الجهود المتواصلة التي تبذلها بعض الدول العربية لإعادة مقعد سوريا في الجامعة لنظام الأسد، تُواجَه برفض وتحفّظ دول أخرى، وهو ما أكده أبو الغيط في المؤتمر الصحفي نفسه، قائلاً إنه ليس في وضع يسمح له بأن يتحدث عن «من يتحفظ ومن لا يتحفظ، ومن له رؤية، ومن لا يفضل أن يكشف عن رؤيته».

وفي هذا السياق، كانت وكالة آكي الإيطالية قد نقلت عن دبلوماسي أردني قوله إن القاهرة وأبو ظبي تقودان جهوداً باتجاه عودة النظام للجامعة العربية، وجاء هذا قبل يومين فقط من مؤتمر تشاوري عقد في منطقة البحر الميت في الأردن آخر شهر كانون الثاني الماضي، وحضره كل من وزراء خارجية مصر والإمارات والكويت والأردن والسعودية والبحرين.

وعلى الرغم من أن البيان المقتضب الذي ألقاه وزير الخارجية الأردني عند انتهاء المؤتمر لم يوضح بنود النقاش الذي دار بين الحضور، إلا أن عدة مصادر إعلامية قالت إن أحد بنود اللقاء هو بحث الموقف من النظام السوري. وكان الحراك الدبلوماسي العربي المتعلق بالموقف من نظام الأسد قد تزايد خلال الفترة الماضية، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته سحب قواته من سوريا، الأمر الذي يؤدي بالنسبة لدول الخليج إلى تغيير في الموازين مع إيران، التي تمتلك نفوذاً عسكرياً وسياسياً كبيراً في سوريا.

ولا تزال السعودية متحفظة تجاه اتخاذ مثل هذه الخطوات، خاصة أن الإشارات من واشنطن غير مشجعة، وقد نقل الباحث البريطاني تشارلز ليستر عن مصادر سياسية أمريكية قولها إنهم «سيطبقون العقوبات عليهم جميعاً»، في إشارة إلى محاولات بعض الأطراف العربية، وبالتحديد الإمارات، إعادة العلاقات الاقتصادية مع النظام السوري الذي يخضع لعقوبات دولية.

تصطدم محاولات أبو ظبي لاستعادة العلاقات السياسية والاقتصادية الكاملة مع نظام الأسد برفض واشنطن، وهو الرفض الذي يدفع دولاً أخرى إلى التردد والتمهّل في اتخاذ خطوات كهذه، الأمر الذي يبقي ملف عودة النظام إلى جامعة الدول العربية معلقاً حتى الآن، ويظهر صداه من خلال تصريحات متكررة للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ربط فيها عودة النظام بسير الأخير في طريق الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة.

بالمقابل، اعتبر نائب وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد أن «من يحاول تجاهل سوريا أو فرض شروط عليها للعودة إلى الجامعة العربية لن ينجح»، وجاءت تصريحات المقداد تلك رداً على تسريبات تحدثت عن اشتراط السعودية ابتعاد النظام عن إيران في مقابل عودته إلى الجامعة العربية. وأضاف المقداد في التصريح نفسه، الذي نشرته الصفحة الرسمية لوزارة خارجية النظام على فيسبوك أول من أمس الأحد، إن «سوريا لا يمكن أن تخضع للابتزاز ولا للتهاون فيما يتعلق بقضاياها الداخلية»، فيما يبدو رفضاً للرؤية التي تربط هذا الملف بالحلّ السياسي للقضية السورية.

وليس ملف عودة النظام إلى جامعة الدول العربية الملف الإشكالي الوحيد الذي تواجهه مجموعة الدول الست (السعودية، الإمارات، مصر، الأردن، الكويت، البحرين)، إذ يشكّل القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا تحدياً جديداً متعدد المستويات لهذه المجموعة الناشئة كتحالف في المنطقة العربية لمواجهة النفوذ الإيراني. وتشير مجمل الخلافات التي رشحت حول مسألة عودة النظام عربياً إلى غياب أي خطط واضحة بخصوص دور هذه الدول في سوريا، وبخصوص مواجهة النفوذ الإيراني على جميع المستويات.

يبدو من مجمل هذه المؤشرات أن حضور نظام الأسد للقمة العربية المقبلة، والمقرر عقدها في تونس آذار (مارس) المقبل، لا يزال أمراً مستبعداً حتى اللحظة، إلا أن استمرار إصرار كل من الإمارات ومصر على الدفع باتجاه إعادة تأهيل النظام عربياً، قد يقود إلى نتائج ما على هذا الصعيد، وإن كان الأمر يحتاج مزيداً من الوقت، ويحتاج أولاً إلى قبول واشنطن، أو تغاضيها عن خطوات كهذه.

موقع الجمهورية

إعادة العلاقات مع الأسد: عار على العرب/ نواف عبيد

كشف كثيرون من الحكام العرب عن إفلاسهم الأخلاقي، عبر إعادة إحياء العلاقات مع سوريا والتعاون مع مجرم الحرب.

في آذار/ مارس المُقبل، ستكمل “لجنة العدالة والمساءلة الدولية” (CIJA) وهي منظمة غير ربحية تكرس جهودها لإجراء تحقيقات جنائية أثناء الحروب، في غياب الإرادة السياسية أو القدرة على إشراك هيئات التحقيق العامة القائمة، التحقيق النهائي الشامل في جرائم الحرب التي ارتكبها الدكتاتور السوري بشار الأسد.

يستند التحقيق إلى أكثر من 800 ألف رسالة رسمية من أجهزة الاستخبارات والأمن الرئيسية السورية الأربعة، والتي تمكنت اللجنة من الحصول عليها من خلال عملها مع مجموعات حقوق الإنسان في البلاد. كانت هذه الوكالات مسؤولة عن إصدار توجيهات بإجراء مذابح، راح ضحيتها حوالى نصف مليون شخص في سياق العمليات العسكرية، التي اضطلعت بها قوات الأسد وحلفاؤها الأجانب، لا سيما روسيا وإيران. بمجرد الانتهاء من التحقيق، ستكون اللجنة جاهزة لتقديم 10 قضايا قانونية ضد الأسد وحكومته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية (و6 قضايا أخرى ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”).

على رغم جرائم الحرب المروعة هذه، فقد أُعلن أن مجموعة من الدول العربية بدأت تطبيع العلاقات مع دمشق بعد انقطاعها عام 2011، عندما أصبحت عمليات القتل الجماعي والقمع، السمتين المميزتين للحرب الأهلية. كما أعلنت كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2018 عن إعادة فتح سفارتيهما في دمشق. ومن المقرر أيضاً استئناف الرحلات الجوية بين البلدين وسوريا قريباً. إضافة إلى ذلك، أعربت مصر والعراق وحتى تونس، أيقونة الديموقراطية، عن تأييدها عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

أخيراً، زار الرئيس السوداني عمر البشير، الذي اتُهم بجرائم حرب ويواجه حالياً احتجاجات جماهيرية في الداخل، دمشق واستقبله مجرم الحرب بشار الأسد في المطار ثم رافقه إلى القصر الرئاسي. وفقاً لوكالة الأنباء السورية “سانا”، تركزت المحادثات على إعادة العلاقات بين البلدين “إلى ما كانت عليه قبل الحرب على سوريا”. أما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، وهي دولة لها مكانة مهمة في المنطقة، فلا يمكنها إعادة العلاقات مع الأسد ونظامه بعد الفظائع التي وقعت، وذلك بسبب الروابط التاريخية الفريدة والصلات الدينية والقبلية التي تجمع الرياض مع غالبية الشعب السوري.

يجسد التقارب العربي السوري وإعادة إحياء العلاقات مع الأسد عدم الكفاءة والإفلاس الأخلاقي لعشرات حكام المنطقة الحاليين. ويعزو السبب الجذري لهذه الوعكة إلى انحراف البوصلة الأخلاقية التي طالما قادت العرب إلى الضلال. في حين تبين المقارنة بين الاستجابات الأوروبية والعربية لجرائم الحرب درساً واضحاً. بعد ملاحقة أمبراطوري الحرب المجرمين، راتكو ملاديتش ورادوفان كاراديتش، بقوة في أعقاب الحرب الأهلية اليوغسلافية، ألقى الأوروبيون القبض على سفاحي البوسنة وصربيا ورحّلوهم ليحاكموا في لاهاي لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، كذبح المسيحيين الكرواتيين والمسلمين البوسنيين، وحكم عليهم بالسجن المؤبد. كيف تمكن مقارنة ذلك برد الفعل العربي على الإبادة الجماعية لإخوانهم العرب المسلمين؟ في المقابل، يظهر سفاحا السودان وسوريا، البشير والأسد، وهما يسيران معاً بابتهاج أمام الكاميرات، بينما يراقب العرب بلا مبالاة تامة.

على رغم أن هذا التغيير قد يبدو مخزياً ومضللاً، فقد برر القادة العرب ذلك على أساس أن مهادنة الأسد قد تحد من تقاربه مع إيران، وتساعد على الحد من نفوذ إيران الخبيث في المنطقة. تبحث الدول العربية، بالطبع، عن أي طريقة ممكنة لبناء جدار بين إيران والعالم العربي في مواجهة سياسات طهران المستمرة لزعزعة الاستقرار من خلال وكلائها الإقليميين. فمنذ عقود عاثت الميليشيات والإرهابيون المدعومون من قبل إيران فساداً في سوريا، والبحرين، واليمن، والعراق، ولبنان، وأماكن أخرى، وأصبحوا يمثلون الآن المحور الأساسي لمحاربة الإرهاب في الدول العربية، وبخاصة الآن بعد هزيمة تنظيمي “داعش” والقاعدة تقريباً.

ومع ذلك، فقد أظهرت تجربة لبنان، حين قامت الدول الغربية ودول الخليج العربي بإرسال مليارات الدولارات كمساعدات في محاولة غير مجدية لهزيمة إيران، أن مثل هذا النهج لم ينجح ولن ينجح. وفي أعقاب الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” عام 2006، كان التفكير الأميركي والعربي والأوروبي أنه إذا أمكن بناء الجيش اللبناني، فإنه سيتفوق على “حزب الله” ويتسبب في تفككه. لكن العكس هو الذي حدث. فقد صار الحزب أقوى من أي وقت مضى، وينسق الجيش اللبناني الآن جميع عملياته مع تلك المنظمة الإرهابية، وازداد نفوذ إيران في لبنان قوة.

ارتُكِبت جرائم شنيعة في سوريا، وإذا لم يستيقظ العالم العربي من كابوسه التاريخي الطويل ويستجمع إرادته لمقاضاتهم في المحاكم الإقليمية والدولية، فسيستمر العالم العربي في الغرق أعمق وأعمق إلى مستويات العجز والانقسام

يُعد هذا المأزق نسخة أو استنساخاً معاصراً للأسطورة العظيمة المُتمثلة في تقرير كامبل بانرمان. فعلى مدى عقود، وضع القادة والمثقفون العرب أراضيهم وشعوبهم تحت ظلالٍ فرضوها على أنفسهم لرواية خيالية مزعومة تعود بالذاكرة إلى المؤتمر الإمبراطوري الذي عُقد في لندن عام 1907، ومضيفه آنذاك رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان. فهي حالة تقليدية لوضع العرب الذين يلقون باللوم على الآخرين في ما يتعلق بمحنتهم، إضافة إلى اختلاق أعذار لتجنب معالجة المشكلات الأساسية والصعبة.

كما تقول الأسطورة، فقد أُعدت ورقة بيضاء (تقرير موجز) بشأن الشعب العربي وأراضيه التي تقع داخل نطاق الامبراطورية البريطانية. يُفترض أن التقرير أكد أن العرب يسيطرون على “أراض واسعة مملوءة… بالموارد”، وأنه إذا “قُدّر لهذه الأمة أن تتوحد في دولة واحدة، فحينها ستستحوذ على مصير العالم في قبضتها، وقد تعزل أوروبا عن بقية العالم”. كما أوصى التقرير أيضاً باتخاذ إجراءات تصحيحية لهذا المأزق: تتمثل هذه الإجراءات في تعزيز عملية الانقسام في المنطقة، وإقامة “كيانات سياسية مصطنعة تخضع لسلطة الدول الاستعمارية”، ومقاومة أشكال الوحدة، وإقامة “دولة عازلة … في فلسطين، يقطنها كيان قوي وأجنبي يكون معادياً لجيرانه ومؤيداً للدول الأوروبية ومصالحها”.

ومع ذلك، يعرف العلماء الآن، بفضل جهود وأعمال يوجين روجان، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد، أن تقرير كامبل بانرمان لم يُكتب أبداً على الأرجح. غير أن القادة العرب، الذين غالباً ما يبدو أنهم يعجزون عن تحليل الفرق بين الواقع والخيال، ظلوا يعيشون تحت وطأة هذه السردية لما يقرب من قرن. كما يبدو أنهم يعملون بجهد كبير أكثر من أي وقت مضى في تحقيق أجندة إدواردية مزيفة: فقد صار الشعب العربي منقسماً بشدة، والجامعة العربية عبارة عن قوقعة فارغة، وتشهد الدول العربية انهياراً أو تواجه بعضها بعضاً. ولا يزال كثيرون يلقون باللوم – ولو من دون وعي – على الاستعماري كامبل بانرمان والكثير من خلفائه، أمثال اللورد كرزون والمفوض السامي هنري مكماهون، بسبب دورهم في تقسيم العالم العربي وإضعافه تحت الحكم البريطاني.

يُمثل هذا بالطبع جزءاً من مشكلة أكبر. إذ يُظهر التدقيق السريع للواقع أن معظم الدول العربية لا تسعى إلى دعم أهداف واضحة بدقة، لكنها بدلاً من ذلك تسعى إلى مواصلة أي طريق فيه أقل قدر من المقاومة ليواجهها، بغض النظر عن السمعة أو الفعالية. إضافة إلى أن هناك غياباً تاماً لأي تطور على الصعيد الأمني. ومرة تلو الأخرى، فشلت الجهود المبذولة الرامية إلى دمج الكثير من الدول العربية تحت مظلة دفاعية موحدة، ما أوقع المنطقة تحت رحمة القوى الخارجية مثل إيران وتركيا. ويأتي بعد ذلك العجز المتواصل في القضاء على الفقر والتخلف الإنمائي والتطرف، وخلق نوع من النمو الاقتصادي المتنوع الذي قد يسمح للعالم العربي بالمنافسة في الأسواق العالمية بأكثر من مجرد الموارد الطبيعية والسياحة.

بدلاً من العيش على أطلال الماضي، يحتاج العرب إلى تقبل الحاضر. إِذْ عليهم تسوية الخلافات في ما بينهم حتى يتمكنوا من إقامة مجتمع متماسك قادر على العمل المشترك. كما عليهم أن يعملوا على تحسين  اقتصاداتهم وربطها وتنويعها. وبمجرد أن تُغرس الوحدة والمساءلة والرفاهية في البيئة العربية، عندها يمكن أن يبدأ العالم العربي الاتحاد بالشكل الصحيح لدرء المستعمرين الإقليميين الحقيقيين في الوقت الحاضر – إيران وتركيا.

لسنوات عدة، قِيل إن وجود إسرائيل يعمل على استمرار الضعف العربي وديمومته. فقد منحت تلك الدولة الحكومات العربية العذر المثالي لتجنب أشكال الإصلاح الضروري لتصبح دولاً معاصرة وقوية وموحدة، قادرة على طرد القوى الخارجية والمستبدين الذين يتبعون سياسات الإبادة الجماعية. ومع ذلك، تُظهِر أسطورة تقرير كامبل بانرمان أن المشكلة أقدم بكثير من إسرائيل: إِذْ اعتنق العرب بصورة أساسية توجهات الأسطورة الانهزامية الخارجية التآمرية، التي تجردهم من أي إرادة وتلقي باللائمة كلها على القوى الخارجية. وكانت النتيجة الإخفاق في بناء عالم مستدام خاص بهم.

ارتُكِبت جرائم شنيعة في سوريا، وإذا لم يستيقظ العالم العربي من كابوسه التاريخي الطويل ويستجمع إرادته لمقاضاتهم في المحاكم الإقليمية والدولية، فسيستمر العالم العربي في الغرق أعمق وأعمق إلى مستويات العجز والانقسام، التي قد يبتكرها أعداء مفترضون مثل كامبل بانرمان.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة المادة الأصلية زوروا الرابط التالي.

ترجمة – Foreign Policy

درج

عمليات «قيصرية» لسوريا: «إجهاض» الأسد أم «بعثه» مجددا؟

صادق مجلس النواب الأمريكي على «قانون قيصر لحماية المدنيين لعام 2019» في 22 كانون الثاني/يناير من هذا العام، كما تمت المصادقة عليه في مجلس الشيوخ ضمن مشروع قانون آخر هو «قانون تعزيز الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط»، ومن المحتمل أن يتم التوقيع عليه كقانون خلال الأسابيع المقبلة.

وكان الكونغرس قد وافق في آب/أغسطس 2018 على «قانون تفويض الدفاع الوطني» الذي يتضمن المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في سوريا، وعلى قانون «لا مساعدة للأسد» في كانون الأول/ديسمبر 2017 لكن الأخير لم يحظ بموافقة مجلس الشيوخ بعد.

يشرّع «قانون قيصر» مجموعة جديدة من العقوبات لا تستهدف الحكومة السورية فحسب بل أيضا رجال الأعمال الذين يمارسون أعمالا على علاقة بالحكومة أو أجهزة الأمن أو المصرف المركزي أو البنية التحتية للدولة بما فيها شركات الطيران ووكالات الطاقة ومشاريع الإنشاءات.

وضعت هذه القوانين الأمريكية أساساً قويّا لعرقلة التقدّم الهائل الذي أنجزه «قيصر» آخر: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان، حتى أسابيع ماضية، يمكن أن يعتبر أنه أنجز انتصاره الكبير في سوريا وأن الطريق صار مفتوحاً لإعادة النظام السوري إلى المنظومة الدولية، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن قرارا بسحب القوات الأمريكية من سوريا «التي ليس فيها غير الرمال والدماء» – على حد قوله – والإسرائيليون مشغولون بمطاردة القوات الإيرانية، والحكومة التركية مشغولة بملء الفراغ الأمنيّ ومطاردة الوحدات الكردية المدعومة من واشنطن.

على الجانب العربيّ كان طابور الراغبين في التطبيع مع نظام بشار الأسد يتزايد: البعض مدفوعا بزخم إيراني، كما هو حال حكومتي العراق ولبنان، والبعض الآخر بحسابات «الواقعية السياسية» والمصالح، كما هو حال حكومة الأردن، والبعض بدفع روسيّ كما كان حال الرئيس السوداني عمر البشير، والبعض الآخر، من «أصدقاء» الشعب السوري، كحال الإمارات والبحرين الذين «دعموا» المعارضة السورية للتحكّم فيها والتجسس عليها، فلأن الوقت حان لكشف الوجه والوقوف في «المكان الطبيعي»: مع النظام ضد المعارضة أيّا كان مضمونها، وهناك أطراف أخرى ينتظم التطبيع مع الأسد ضمن قضايا تمس شؤونها الداخلية والإقليمية، كما هو حال مصر وموريتانيا وتونس والسلطة الفلسطينية.

رغم إعلان ترامب اقتراب القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبالتالي اقتراب انسحاب قواته من سوريا، فإن القوات الأمريكية أعلنت عن بقائها في قاعدة «التنف»، كما تم تعزيز الوحدات الكردية قبل أيام بالعتاد عبر 150 شاحنة عسكرية، وفي الوقت نفسه، فإن قوانين مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين ستعطّل تماما مشاريع إعادة الإعمار ما لم يحصل تغيير سياسي، وباستهدافها رجال الأعمال والشركات والدول التي ستسعى للتعامل مع النظام فإنها ستعطّل ايضاً المشروعين الروسيّ والعربيّ لإعادة تأهيل النظام.

ملخّص ما حصل إذن هو أن أجهزة التشريع في مجلسي النواب والشيوخ والمؤسسة العسكريّة ـ السياسية، قامتا بعملية تخفيف لأضرار قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، وحدّتا من قدرته على تنفيذ عملية يمكن أن تجني منها موسكو فوائد استراتيجية كبيرة، فوضعتا النظام السوري والراغبين في تعويمه في مأزق كبير، وفي مواجهة العملية «القيصرية» الروسية لنفخ الروح في بشار الأسد و«بعثه» من جديد، نجد أنفسنا أمام عملية «قيصرية» أخرى لإجهاضه وفتح المجال لتغيير سياسي ممكن.

القدس العربي

استراتيجيا عربية لسورية؟/ وليد شقير

يبذل الأردن جهدا دؤوبا من أجل صوغ سياسة عربية جديدة تعيد الحضور العربي إلى لعب دور ولو متأخر، في أزمات المنطقة من طريق اجتماع وزراء خارجية 6 دول عربية أمس في البحر الأحمر.

وإذا كان الحضور العربي بدا فاعلا ولاعبا أساسيا في بعض هذه الأزمات، مثل مواجهة التمدد الإيراني في اليمن وقطع الطريق على التغلغل في البحرين، ودول خليجية أخرى منها الكويت والسعي لإبعاده في السودان، فإن هذه الدول تحتاج إلى الكثير من أجل استلحاق ما فاتها في العراق وسورية ولبنان.

اعتمد بعض الدول العربية الفاعلة على التشدد الأميركي حيال طهران في السنوات السابقة، فجاء رهانها أقرب إلى الخيبة، لا سيما في عهد الرئيس باراك أوباما الذي غض النظر عن اندفاع الحرس الثوري في تثبيت أقدامه في بعض الميادين، لمبادلة غض النظر هذا بالاتفاق على النووي. وبعض الدوائر العربية وحتى الدولية لا يخفي شكوكه بأن توجهات واشنطن تجعل دونالد ترامب يعتمد سياسة شبيهة بسياسة سلفه من زاوية القرار القرار الاستراتيجي باعتبار مصالح أميركا في العقد المقبل هي في التوجه إلى آسيا وترتيب علاقاتها مع الصين، ما يجعل الشرق الأوسط ثانويا بالنسبة إليها. هذا على رغم اختلاف ترامب عن أوباما حيال إيران تحديداً.

لذلك أمام الدول العربية الساعية إلى استعادة الدور العربي في هذا الميدان أو ذاك أن تتعاطى مع ملفات شائكة باتت تتطلب بالمقابل استراتيجية بعيدة المدى وطويلة النفس بدلا من التحرك وفق الحاجة الظرفية.

فالتعاطي مع تحول استراتيجي لم يعد ممكنا بسياسات آنية، إذا كان الهدف الحد من اندفاعة قوى إقليمية استغابت الدور العربي، ثم صادرته، أو تتجه للهيمنة عليه، في الشراكة بإدارة الوضع الإقليمي. فهذه الدول المحورية التقطت اللحظة المناسبة كل على طريقتها من أجل ملء الفراغ الذي يتركه الأميركي، سواء بالأخطاء المميتة التي يرتكبها، أو بالانكفاء نتيجة مصالحه الأبعد مدى من الإقليم.

قد يكون الدافع لاجتماع الدول العربية الست وضع خريطة طريق للتعاطي مع الوضع في سورية في المرحلة المقبلة، نظرا إلى إلحاح الحاجة إلى حسم الموقف من عودة سورية إلى الجامعة العربية، عليها.

لم يعد التحدي الوحيد للدور العربي استعادة المساحة التي احتلتها إيران في بلاد الشام، وهي مساحة واسعة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا وثقافيا. بات عليه استباق تكريس الدور التركي في شمال سورية، وكذلك مقاومة تثبيت الدور الإسرائيلي المقبل على خطوات دراماتيكية شديدة الخطورة، منها ضم الجولان إلى الكيان الصهيوني، بغض نظر أميركي وتراخٍ روسي وتسليم داخلي مقابل استمرار النظام الحالي. كل هذا من دون إهمال أولوية الحد من الافتراس الفارسي للواقع السوري، تحت جناح الحليف الروسي.

فسياق تقاسم النفوذ الدولي والإقليمي على أراضي دولة باتت مشاعا للتدخلات الأجنبية وبات فيها حكام دمشق الأقل نفوذا والحلقة الأضعف في تقرير مصيرها، يجعل من بديهيات أي استراتجيا عربية حيال سورية، الحاجة إلى احتساب التوافق مع الدولة العظمى التي صارتها روسيا، بحكم دورها العسكري، على أنه ركن أساس في هذه الاسترتيجيا.

مصالح موسكو هي التي تملي عليها التوافقات التي تنسجها مع كل من أنقرة وطهران وتل أبيب على تأخذ كل من الدول الثلاث قسطها من الجبنة السورية. وعلى رغم أن إدارتها لأدوار هذه الدول تتسبب بتعارض المصالح أحيانا بينها وبين هذه الدول، فإنه تعارض يشكل الثغرة التي يمكن للدور العربي أن ينفذ منها لاستلحاق ما يمكن استلحاقه من الغياب عن الساحة.

فموسكو تريد ولوج الحل السياسي للأزمة السورية، ونظام بشار الأسد لا يريده، ويسعى على ضعفه، إلى التفلت منه بالاعتماد على الدعم الإيراني وبالإفادة من التناقضات بين حلفائه، وبينهم وبين منافسيهم، على الصعيد الميداني. قد تشمل خريطة الطريق العربية تصوراً يبدأ بالإصرار على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 ، النسخة المركزة عن المبادرة العربية لحل الأزمة السورية، ولا ينتهي بالتصدي لما تبقى من “داعش”، وما بينهما من قضايا شائكة، منها معالجة التغييرات الديموغرافية التي يبتكرها النظام، بمساندة إيرانية. وهل هذا ممكن بمعزل عن الوضع في العراق ولبنان بعد أن فتحت طهران الحدود بينهما وبين سورية؟

أما المشاركة في إعادة الإعمار فهي الأكثر تعقيدا في ظل العقوبات الأميركية على إيران، التي تسعى إلى التنفس من الرئة الاقتصادية السورية، بعد أن قال حسن روحاني أن بلاده تواجه أصعب وضع اقتصادي منذ 40 سنة.

الحياة

للمزيد عن إعادة تأهيل الأسد

عن إعادة تأهيل الأسد -مقالات مختارة-

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى