عن الوضع في ادلب وشمال سورية -مقالات مختارة-
دور أوروبي في سورية بعد انسحاب اميركا/ وليد شقير
بعد ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” أول من أمس عن أن أقرب حلفاء واشنطن الأوروبيين رفضوا طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقاء قواتهم في سورية بعد الانسحاب الأميركي منها، بات واضحا كم أن القرار الأميركي بالانكفاء من بلاد الشام لا يستند إلى خطة لليوم التالي.
جل ما يقوم به الأميركيون هو تلمس طريقة للحفاظ على حلفائهم الذين استند دخول سورية العلني منذ مطلع 2016 إلى حجة تدريب وتمكين “قوات سورية الديموقراطية” وحزب “الاتحاد الديموقراطي الكردستاني” من السيطرة على مناطق شمال شرق البلاد. فإدارة دونالد ترامب “اكتشفت” أنها تترك على الأرض، قوات من الآلاف، سلحتهم ودربتهم ليس فقط بهدف محاربة “داعش”، بل أيضا من أجل تمكينهم من إدارة المناطق التي يسيطرون عليها، سواء بعد طرد مسلحي التنظيم منها أو بعد منع قوات نظام بشار الأسد من العودة إليها. لولا تنبه البنتاغون إلى أضرار “خيانة” حلفاء في الميدان السوري، لما كان ترامب التفت إلى الأمر. فهو يرى أن لا شيء في سورية يوجب الاهتمام بها وأنها بلد آل إلى الخراب، من مصلحة واشنطن تركه للروس والإيرانيين يتخبطون فيه.
ومع سعي البنتاغون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه نتيجة قرار الانسحاب، فإن صعوبات كبرى تحول دون خفض الخسائر، ليس أقلها الرفض الأوروبي وتحديدا الفرنسي والبريطاني البقاء على الأرض السورية. فقول الأميركيين إنه انسحاب تكتيكي وليس استراتيجيا بمهمة الولايات المتحدة تدمير «داعش»، يناقضه غياب أي خطة لما بعد إتمامه. والنصائح التي أسديت للإدارة بوجوب عقد اتفاق مع الجهة الأقوى في سورية، أي الروس لم تُترجم في أي تواصل بين واشنطن وموسكو.
لم يضع الانسحاب الأميركي المنتظر إتمامه في آخر نيسان (أبريل) المقبل الدور الأميركي في سورية على المحك فقط، بل أن الإعلان عنه أطاح بكل ما سعت إليه الديبلوماسية الأميركية من أهداف في محاولة خفض الأضرار: إعلان الموفد الخاص إلى سورية جيمس جيفري قبل أشهر بضرورة إنهاء عمليتي أستانا وسوتشي للتسوية السورية من أجل العودة إلى مسار جنيف، ذهب أدراج الرياح. وحديث المستشار جون بولتون، قبل الانسحاب عن أن الوجود الأمريكي لن ينتهي إلا مع انتهاء وجود الإيرانيين في سورية، بات من الماضي. على العكس، وعلى رغم المشاكل التي تواجه أطراف أستانا وسوتشي، والتنافس على النفوذ في سورية، فإن قمة سوتشي الأسبوع الماضي بين فلاديمير بوتين وحسن روحاني ورجب طيب أردوغان تثبت أن إدارة الصراع متروكة لهذا الثلاثي، الذي شكل اللجنة المعنية بصوغ الدستور، وبحث في كيفية ملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية، وكرس الدور الإيراني على رغم التناحر الميداني بين جماعة “الحرس الثوري” وبين العسكر المدعوم من الروس.
بموازاة السعي الأميركي للحفاظ على حد أدنى من العلاقة مع فصائل سورية، بعد الانسحاب، للإبقاء على أسس لدور واشنطن في المرحلة المقبلة، سواء كان “قيادة من الخلف”، لإذكاء الحروب المقبلة الآتية إلى الميدان السوري، أو كان من أجل دفع موسكو نحو ترجيح الحلول السياسية، فإن الشكوك حول فعالية الدور الأميركي أكبر بكثير من أي وقت.
لم يكن عن عبث أن قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في احتجاجه على قرار ترامب: “يُنتظر من الحليف أن يكون محل ثقة”. وهي ليست الخيبة الأولى من سياسات البيت الأبيض.
الحال هذه، هناك من يعتقد من قادة الرأي الأوروبيين أن لا مناص من أن تأخذ أوروبا دور الولايات المتحدة في الأزمة السورية بالعودة إلى قيادة فاعلة في إدارة الصراع، بموازاة انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية بعد الأميركية، لسبب بديهي، هو أنها بلد جار.
في انتظار جلاء مصير منطقة إدلب التي تجري التحمية العسكرية فيها تمهيدا لخوض المعارك من أجل السيطرة عليها، فإن نجاح موسكو وطهران في ضمان بقاء الأسد، سينقل الأزمة إلى مرحلة جديدة من التجاذب على النفوذ بين الجانبين الروسي والإيراني (والتركي شمالا). من الطبيعي أن تلجأ موسكو إلى الخروج من تجاذب كهذا عبر ترجيح كفة الحل السياسي، الذي يتطلب إعادة النازحين، الذي بدوره يحتاج لإعادة إعمار البنى التحتية…
ستحتاج موسكو إلى أوروبا، لتمويل ما يمكن إعماره (ومعها الدول الخليجية). وهو مدخل لدور ربما قناته القمة الروسية التركية الفرنسية الألمانية التي انعقدت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في اسطنبول. إنه مدخل أوروبا للانخراط في الحل السياسي وفق مسار جنيف.
الحياة
هل تنجح قوات أوروبية بدل الأمريكية في سوريا؟/ محمد زاهد جول
استبدال القوات الأمريكية شمال سوريا بقوات أوروبية هو مقترح أمريكي، والهدف أن تكون هذه القوات بديلا عن القوات التركية، حيث تسعى أمريكا لإقامة منطقة آمنة شمال سوريا تحت وصايتها للاحتفاظ بأهدافها المستقبلية، ومنها مشروعها لتقسيم سوريا في فترة مقبلة، وحيث أن تركيا تخشى بقاء المنطقة بأيدي قوات سوريا الديمقراطية، فإنها تخشى أن تكون المنطقة الآمنة بأيدي غير تركية أيضاً، بل أن تركيا لا تريد شريكاً لها في حماية المنطقة الآمنة، كما صرح وزير دفاعها آكار في مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أسبوع تقريبا، لأنها لا تطمئن لأي قوة أجنبية ترتبط بالمشاريع الأمريكية بوسيلة أو بأخرى، وهذا سبب قلق أمريكا من نوع القوات التي سوف تحل محلها في شمال سوريا، وبالأخص أن قوات سوريا الديمقراطية لن تستطيع الصمود وحدها في شمال سوريا، مع وجود التهديدات التركية بمنع إقامة شريط إرهابي على حدودها الجنوبية، فأمريكا في حيرة وقلق على مستقبل مشروعها في سوريا.
من مؤشرات القلق الأمريكي توجيهها تهديدا وتحذيرا لقوات سوريا الديمقراطية بعدم إجراء أي اتفاقيات مع حكومة بشار الأسد، أو مع الحكومة الروسية، لأنها تعلم إلى أن اتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع الأسد أو روسيا سوف يهدم كل ما بنته لسنوات، فأمريكا زودت هذه القوات بمئات الملايين من الدولارات وبالأسلحة والعتاد والإمكانيات اللوجستية، والبنتاغون الأمريكي لن يوافق على تنفيذ قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب خلال ثلاثة اسابيع ولا ثلاثة أشهر، إذا كان ذلك القرار ضد رؤية البنتاغون لسوريا والمنطقة، بل إن قيادات فرنسية وألمانية عليا عبّرت عن مخاوفها على الأمن الأوروبي، من جراء القرار المفاجئ لترامب بالانسحاب من سوريا، وقد تكون التصريحات الأوروبية المنتقدة لقرار ترامب بالانسحاب، سواء من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل هي من دوافع الاقتراح الأمريكي، بإحلال قوات أوروبية مكان القوات الأمريكية شمال سوريا، وقد يكون المقترح الآخر الذي تقدمت به بعض الأحزاب الكردية أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، مطالبة بحماية دولية لشمال سوريا هي من أفكار دوائر المخابرات الغربية، للحيلولة دون تمكين القوات التابعة للأسد من السيطرة على تلك المناطق بدعم روسي وإيراني.
لم يصدر قرار تركي رسمي حول مطالبة الأحزاب الكردية بنشر قوات حماية دولية شمال سوريا مكان القوات الأمريكية، ولكن صدر موقف تركي يعبر عن عدم معارضته لإجراء اتصالات أمنية واستخباراتية مع استخبارات الأسد، بحكم أن هذه الاتصالات ضرورية للأمن القومي التركي، ولا بد أنها مؤشر على وجود مساع روسية أو إيرانية أو من كليهما على تشجيع هذه الاتصالات الأمنية بين الحكومة التركية وحكومة الأسد، ولكن لا مؤشرات على موافقة الحكومة التركية على إمكانية السماح لقوات الأسد أن تسيطر على شمال سوريا، وإن كانت تضمن لها عدم قيام كيان انفصالي للأحزاب الكردية، ولكنها لا تضمن لها حماية قطاع كبير من الشعب السوري، وبالأخص من الذين لجأوا إلى تركيا بإرادتهم، أو ممن شاركوا في الثورة وخدعوا من امريكا ومن المجتمع الدولي أن يقدموا لهم الدعم لتغيير النظام السياسي، أو لإقامة دولة سورية مدنية وديمقراطية، فهؤلاء المواطنين السوريين سواء كانوا شمال سوريا أو في جنوبها بحاجة إلى حماية دولية ومن دول الجوار للحفاظ على أرواحهم وأرواح أبنائهم ونسائهم، وليس من الممكن تركهم ضحية انتقام قوات الأسد والمليشيات الطائفية الأخرى.
كما لم تصدر مواقف رسمية من الدول الأوروبية لإرسال قوات أوروبية أو دولية لحفظ الأمن، أو إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، ولا تزال التصريحات الصادرة من واشنطن ومن موسكو كلا من جهته على أنه يجري مع الحكومة التركية والجيش التركي مباحثات حول شمال سوريا، يتولى هذه المباحثات من جهة تركيا وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، بين استقبال متواصل لوزراء الدفاع الروسي أو الأمريكي كلا على حدة في انقرة، أو في زيارات متواصلة معهما في موسكو وواشنطن، وهذا يرجح أن تركيا تبذل جهودا سياسية كبيرة لجعل الوضع شمال سوريا نقطة انطلاق لحل سياسي أوسع، أو مرحلة تمهيدية آمنة توفر مناخا دوليا قادرا على تشكيل لجنة صياغة الدستور، التي بشّر وزير الخارجية الروسي لابروف بأنها على وشك التحقيق قبل أيام قليلة، والتسريع بإيجاد لجنة تشكيل الدستور، قد يبشر بقرب إيجاد حل سياسي قريب، قد يستدعي أو يوجب بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وأن يكون في حالة عدم انتخابه رئيسا لسوريا في المستقبل آمناً من الملاحقة الأمنية والقضائية، فالتصور الدولي الذي تفرضه أمريكا واوروبا والعديد من الدول العربية، أنه لا يمكن الشروع بإعادة إعمار سوريا مع وجود بشار الأسد في السلطة السياسية، وروسيا لن تعتبر بشار الأسد عائقا لإعمار سوريا، ولكنها تشترط أو تفاوض على مستقبل آمن له، وأمريكا قادرة على الضغط على إيران للتخلي عن بشار الأسد مقابل الاتفاق على منع نشوب حرب معها، أو تخفيف أو إلغاء العقوبات عليها، أو في حالة التوصل لاتفاق نووي جديد معها، وقد يكون ذلك في نظر الحكومة الإيرانية مجرد تأخير للحرب معها وليس إلغاءً لها. لقد انتهت المعارك الكبيرة في سوريا، أو انتهت آمال الانتصار لأحد الأطراف عسكريا، وبقيت معركة الحلول السياسية الدولية، وليس من مصلحة الدول الأوروبية أن ترسل قواتها إلى بؤر صراع لا مصلحة لها بها، فضلاً عن أن برلماناتها من الأرجح أن ترفض مثل هذا الاقتراح، وبالأخص أنها تحاول تجنيب نفسها تحمل مسؤوليات الصراع الدولي في سوريا منذ نشأته، وتبقى المعضلة الأمريكية في سوريا قائمة وفي حالة خلاف شديد بين المسؤولين الأمريكيين أنفسهم.
كاتب تركي
القدس العربي
محاولات ملء فراغ الإنسحاب العسكري الأميركي من سورية/ محمد سيد رصاص
منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 19كانون الأول (ديسمبر2018) بسحب القوات الأميركية من سورية تم طرح السيناريوهات التالية لملء فراغ ذلك الانسحاب المقرر اتمامه في 30 نيسان – (إبريل):1- اتفاق تركي- روسي(مع موافقة ايران، وهي ثالثة ثالوث سوتشي) من أجل إقامة منطقة «آمنة»على منطقة الحدود التركية- السورية ابتداءاً من منبج حتى المالكية عند نهر دجلة، 1- اتفاق تركي- أميركي على تلك المنطقة، 3- اقترح الروس كبديل القيام بعملية تفعيل اتفاقية أضنة الموقعة عام1998من قبل الحكومتين التركية والسورية، 4- قيام قوات من البشمركة التابعة لمسعود البرزاني، وتضم أكراداً سوريين، بالترادف مع قوات تابعة لأحمد الجربا، وهو من مشايخ شمر، بإدارة تلك المنطقة «الآمنة»، 5- جرت وساطة من قبل (حزب الشعوب الديمقراطية)، وهو حزب تركي ممثل في البرلمان وله صلات مع حزب العمال الكردستاني، من أجل اتفاق بين الحكومة التركية وحزب الاتحاد الديموقراطي، وهو امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني، يخص إقامة تلك المنطقة، 6- دعوة ألدار خليل، وهو الممثل الرئيسي لحزب العمال الكردستاني في سورية، الموجهة للفرنسيين «إلى العمل في الأمم المتحدة من أجل إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع تركية على غرار قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام المنتشرة على طول حدود لبنان مع اسرائيل. وأوضح خليل أن الكرد سوف يتفاوضون مع النظام من أجل نشر قوات الأخير على طول الحدود السورية- التركية في حال فشل الغرب بوضع حد للاعتداءات التركية»(وكالة أنباء هاوار، 18شباط – فبراير).
خلال شهرين مضيا ظهرت تلك السيناريوهات الستة على سطح المداولات الدولية- الاقليمية- المحلية، ويبدو من خلال استعصاء ولادة أي منها وتحولها للتطبيق العملي أن هناك لعبة كباش كبرى نتجت عن قلب حقيقي لطاولة اللعب في الأزمة السورية قاد إليه قرار ترامب.أول مايلاحظ هنا هو تزعزع ثلاثي سوتشي وخلافاته فيمايخص الاقتراح التركي لإقامة منطقة»آمنة» تأخذ غطاءاً روسياً (وايرانياً) كمافعلت موسكو مع عمليتي أنقرة العسكريتان في خط جرابلس – الباب- أعزاز عام2016وفي عفرين عام2018، وفي الوقت نفسه رفض الأتراك للاقتراح الروسي- الايراني بتفعيل اتفاقية أضنة بكل ماتعنيه من مصالحة أردوغان مع السلطة السورية.
عندما جرت مفاوضات تركية- أميركية حول الموضوع كان الخلاف الرئيسي هو حول بقاء «قوات سورية الديمقراطية» في المنطقة (بمايخص أبناء المدن والبلدات، من تلك القوات ) التي تشملها «المنطقة الآمنة»، وحول ضمانات يقدمها الأتراك للأميركان بعدم التعرض للأكراد.رفضت واشنطن التنازل لأنقرة حتى ولوكان المقابل هو فرط(ثالوث سوتشي)، ويبدو أنها تريد الاحتفاظ ب»الورقة الكردية السورية»، أوبجزء منها.في المفاوضات التي جرت في الصيف الماضي بدمشق بين وفد من (مجلس سوريا الديمقراطية) والسلطة السورية كان وضع الأكراد أقوى، فيماأصبح وضعهم أضعف بعد يوم19كانون الأول2018، وبالتأكيد فإن الفيتو الروسي سيكون جاهزاً ومتوثباً في نيويورك لتفشيل اقتراح ألدار خليل، وذلك الاقتراح من غير الممكن تطبيقه بمبادرة دولة أطلسية ضد دولة مثل تركية هي عضوة في حلف الأطلسي، وهو على الأرجح ورقة يلوح بها ألدار خليل لتقوية موقع الأكراد السوريين في المفاوضات مع دمشق التي يطرح بها الأكراد مطالب، مقابل تسليم المناطق التي يسيطرون عليها لعهدة السلطة السورية، مثل(ضمانات دستورية مسبقة تعطى للأكراد )و(دمج قوات سورية الديمقراطية بهيكلية الجيش السوري مع بقائها في مواقعها الحالية).قبل تصريح ألدار خليل بأيام قليلة أعلن جيمس جيفري، المبعوث الأميركي المختص بالملف السوري، بأن اتفاق الأكراد مع دمشق أوموسكو يعني سحب الدعم الأميركي للأكراد.
هنا، إذا تفحصنا هذه اللوحة المعقدة، فإننا نلاحظ بأن أنقرة هي المحور الرئيسي في السيناريو الأول والثاني، وهي أحد طرفي العملية في السيناريوهين الثالث والخامس، وهي ستكون أحد الضامنين للسيناريو الرابع، فيماالسيناريو السادس سيكون موجهاً ضد العاصمة التركية .
يمكن لتصريح جيمس جيفري أن يضمر سيناريو سابع وهو إقامة «منطقة آمنة»كحصيلة لاتفاق ترعاه واشنطن بين الأكراد والأتراك، أومن دون ذلك الاتفاق من خلال فرض منطقة حظر جوي في شرق الفرات السوري في مرحلة (مابعد30نيسان2019) كمافعلت واشنطن في شمال العراق بين عامي1992و2003.
كتكثيف :يمكن القول بأن التداعيات المذكورة عن قرار ترامب، الذي جرى أخذه رغم معارضة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الذي استقال إثر ذلك، تعبر عن حجم الوزن الكبير لواشنطن في الأزمة السورية.قرار ترامب يعبر عن تراجع النزعة التدخلية العسكرية الخارجية المباشرة في واشنطن، كماجرى في العراق2003وليبيا2011، والملفت للنظر أن يكون هذا عند يميني جمهوري مثل ترامب، وليس فقط عند رئيس من الحزب الديمقراطي مثل باراك أوباما الذي عارض عندما كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ الحرب على العراق.الإدارة الأميركية الحالية تملك بدائل أحدها (قانون قيصر)الذي طرح أمام مجلسي الكونغرس الأميركي بدءاً من يوم23كانون الثاني (يناير)2019ويهدف للتحكم الأميركي بالمسارت القادمة للأزمة السورية، والضغط على اللاعبين الدوليين- الاقليميين- السوريين بالأزمة، عبر (الاقتصاد)بدلاً من (الجندي الأميركي)الذي سيتم سحبه في نهاية نيسان المقبل.
* كاتب سوري.
الحياة
ماذا سيفعل 200 جندي أمريكي في سوريا؟/ وائل عصام
إعلان البيت الأبيض المقتضب عن إبقاء نحو 200 جندي لـ»فترة من الزمن» في سوريا، يبدو أنه لا يعني تغييرا جوهريا على خطة الانسحاب الامريكي من شمال سوريا، فالعدد المحدود للجنود، والفترة الزمنية الغامضة، كلها إشارات إلى ان رغبة البيت الأبيض الحقيقية من هذا الأعلان هو تحفيز الشركاء الأوروبيين على البقاء في شمال سوريا، لتشكيل قوات فصل أمنية بين تركيا والأكراد.
الأوروبيون الذين قالوا، قبل أيام، إنهم لن يرسلوا أي قوات «إلا بعد أن تتضح تماما أهداف إقامة المنطقة الآمنة، وسبل مراقبة هذه الآلية أو ضمانها»، كما نقلت رويترز عن دبلوماسي فرنسي. ويبدو أن قوات التحالف الذين طالبهم مظلوم كوباني قائد قوات «قسد» بالبقاء في سوريا، في آخر تصريحاته قبل أيام، يبدو أنهم غير راغبين في حمل أعباء تخلت عنها الإدارة الأمريكية، وعلى الرغم من أن عدد القوات الفرنسية الخاصة محدود للغاية في سوريا، إلا أن وجودهم يشكل حماية للأكراد من التدخل التركي، الذي يهيمن على هواجس الكرد في مشروعهم المتداعي مؤخرا شمال سوريا «إقليم روجافا».
الاكراد يعولون على بقاء قوات دولية في مناطقهم ليس فقط لحمايتهم من أنقرة، ومنع تركيا من تشكيل منطقة عازلة بمفردها، بل لسبب وجيه آخر، يبدو استراتيجيا أيضا، وهو تحسين شروط تفاوضهم مع دمشق، فكلما شعر الأكراد ببديل لحمايتهم، رفعوا من سقف التفاوض مع دمشق، بخصوص مكتسبات الإدارة الذاتية التي يسعون لحفظها في إطار اتفاقهم المرتقب مع النظام السوري، وهذا ما أكده ايضا مظلوم كوباني، قائد قسد، إذ قال إنهم يحاولون التوصل إلى اتفاق سياسي مع النظام للوصول إلى حل، وصفه بـ»الحل الدستوري لهذه المنطقة من سوريا».
من جانب الأمريكيين، تريد واشنطن أيضا تأمين وضع دولي يحمي حلفاءهم الاكراد بعد الانسحاب، إذ تنظر الإدارة الأمريكية باهتمام للانتقادات التي تتحدث عن «خيانة الأمريكيين لحلفائهم» ومدى تأثير ذلك على سمعة واشنطن الدولية، والتزامها مع شركائها، وهذا ما قاله مؤخرا السيناتور الأمريكي أنجوس كينج، إذ تحدث عن أن الانسحاب الأمريكي قد يؤذي القوات الكردية، وأن «إحساس الخيانة الأمريكية» قد يلقي ظلاله لسنوات مقبلة، «سيثني الجماعات القوية مستقبلا عن مساعدتنا، إذا عاملنا الناس الذين كانوا ذخرا لنا بهذه الطريقة. الأمر جد خطير بالنسبة للأمن القومي». لهذا، وفي ظل هذه المعطيات، فإن إبقاء الولايات المتحدة لمئتي جندي شمال سوريا، لا يهدف لمواصلة بقائها العسكري فعليا هناك، وإنما يهدف، كما يبدو، لدفع شركائها الأوروبيين والفرنسيين خاصة، إلى إبقاء قواتهم في منطقة حدودية آمنة، لم تتحدد ملامحها بعد، لحماية الأكراد ومنحهم موقفا أكثر قوة في مفاوضاتهم مع النظام السوري، ولكن النظام السوري قد يستفيد في نهاية المطاف من هذا التردد الأمريكي ويقنع الأكراد من خلال ضمانات روسية، بأن لا طريق أمامهم سوى التسوية تحت خيمة دمشق.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي
جحيم لـ«تأمين» الطريق الدولي/ مصطفى أبو شمس
توسعت دائرة القصف الصاروخي والمدفعي الممنهج من قبل قوات النظام وحلفائها خلال الأيام الماضية، لتشمل أكثر من 56 قرية وبلدية في ريف إدلب الجنوبي وريفي حماة الشمالي والغربي، مخلفة عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، ودماراً واسعاً في البنية التحتية والمرافق العامة والمنازل، وهو ما أدى إلى نزوح 7256 عائلة خلال شهر شباط الحالي، وتوزعهم على 66 بلدة وقرية في مناطق أخرى من الشمال السوري، بحسب بيان لمنسقي الاستجابة في الشمال السوري. وقد ترافق ذلك مع إعلان عدد من القرى والبلدات مناطق منكوبة من قبل مجالسها المحلية، ومع عجز مديريات الصحة والمنظمات الإغاثية عن تلبية الاحتياجات الجديدة للنازحين.
البداية كانت من جرجناز
يلاحظ المتتبع لخريطة المناطق التي بدأت بالتعرض للقصف منذ ما يزيد عن الشهرين -رغم وجودها ضمن المنطقة منزوعة السلاح الثقيل التي تم إقرارها في اتفاق سوتشي أيلول الماضي- أنها تتركز قرب طريق حلب- دمشق الدولي في الجزء الجنوبي من المنطقة المشمولة بالاتفاق. وكانت البداية مع جرجناز جنوب شرق معرة النعمان في بداية كانون الأول، ثم تبعتها بعد أيام بلدة التح ومدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، وكفرزيتا بريف حماة الشمالي.
وقد تعرضت هذه المناطق لقصف شبه يومي طيلة نحو شهرين، وهو ما أدى لنزوح سكانها بشكل شبه الكامل. ويقول عبادة زكرة، العامل في الدفاع المدني في معرة النعمان، إن أكثر من 80% من سكان جرجناز والتح وخان شيخون نزحوا باتجاه الشمال، في حين أكد ناشطون محليون أن عدد السكان الباقين في جرجناز لا يتعدى نسبة 5%، وأن نسبة النزوح زادت على 90% في خان شيخون.
وكانت المجالس المحلية في جرجناز والتح بريف إدلب الجنوبي، وكفرزيتا بريف حماة الشمالي، قد أعلنت هذه البلدات مناطق منكوبة في وقت سابق من شهر شباط الجاري، وقامت بتعليق الدوام الرسمي في كافة المراكز الحيوية فيها حرصاً على سلامة الأهالي والعاملين.
خارطة القصف تتوسع
بالتزامن مع اجتماع سوتشي الأخير في الرابع عشر من شباط الجاري، الذي ضم رؤساء الدول الضامنة لمسار أستانا واتفاق سوتشي، بدأ النظام تصعيداً عسكرياً واسعاً طال مناطق واقعة على طريق دمشق حلب الدولي وفي محيطه، إضافة إلى قرى ريف حماة الشمالي والغربي، ليشمل القصف المدفعي والصاروخي إضافة إلى المناطق السابقة كلاً من: معرة النعمان، كفرنبل، الدير الشرقي، تلمنس، الهبيط، كفر سجنة، ، بسيدا، قلعة المضيق، كفرزيتا، مورك، اللطامنة، الحويز، الشريعة، باب الطاقة، عطشان، الأربعين، الزكاة.
وقد وثق مركز معرة النعمان الإعلامي سقوط 1256 قذيفة مدفعية وصاروخية على هذه المناطق خلال أربعة أيام فقط، من الثالث عشر إلى السابع عشر من شباط الجاري، محصياً استشهاد 29 مدنياً وإصابة 129 آخرين خلال هذه الأيام الأربعة. ويقول عبادة زكرة إنه تم استهداف هذه المناطق بصواريخ شديدة الانفجار، تعادل القوة التدميرية لبعضها صواريخ الغارات الجوية، ذلك إضافة إلى الصواريخ العنقودية وقذائف المدفعية، ومصدرها نقاط تمركز قوات النظام في منطقتي أبو دالي وأبو عمر بريف حماة.
وبالتزامن مع هذا التصعيد، شهدت مدينة إدلب يوم الاثنين الماضي تفجيراً مزدوجاً في حي القصور المكتظ بالسكان، أودى بحياة 17 مدنياً، إضافة إلى إصابة نحو 80 آخرين بينهم مسعفون وإعلاميون. ونظراً لهذا التزامن، وجه كثيرون أصابع الاتهام للنظام بالمسؤولية عن هذا التفجير، إذ يقول الناشط المدني أبو محمد، المقيم في مدينة إدلب بعد تهجيره من حلب، إن «قوات الأسد سبق أن استخدمت سياسة التفجيرات إلى جانب القصف، في معركتها للسيطرة على أحياء حلب الشرقية عام 2016».
الواقع السياسي
يقول الناشط الحقوقي عبد الناصر حوشان إن «ما يجري في المنطقة يندرج في إطار محاولة فرض معادلة على الجانب التركي، تقول إن منطقة إدلب مقابل منطقة شرق الفرات، إذ لا ننسى أن هدف روسيا هو إعادة جميع المناطق إلى سيطرة النظام، سواء عن طريق العمليات العسكرية، أو من خلال الاتفاقيات والمصالحات».
وهو ما تؤكده أيضاً إيمان هاشم، رئيسة مجلس مدينة حلب الحرة، إذ تقول إن «المناطق المحررة باتت ملعباً للدول الكبرى والإقليمية في توازناتها واجتماعاتها، بحيث يتم تصعيد القصف في كل مرة يصل فيها المجتمعون إلى طريق مسدود، أو عند كل استحقاق يخص الحل في سوريا».
ويتخوف جميع الناشطين الذين تواصلنا معهم في المنطقة من إعادة سيناريو مطلع العام 2018، عندما تقدمت قوات النظام وسيطرت على مناطق شاسعة بريف إدلب الشرقي وحلب الجنوبي تنفيذاً لتفاهمات دولية، معتبرين أن النظام يسعة اليوم إلى السيطرة على الطريق الدولي، وهو ما يفسر استهداف المناطق المحاذية له.
وتستند هذه المخاوف إلى التصريحات الأخيرة التي أطلقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عندما تحدث في مؤتمر ميونيخ منذ أيام عن اتفاق الدول الضامنة على استراتيجية «الخطوة بخطوة لاستعادة إدلب من التنظيمات الإرهابية» على حد تعبيره، مؤكداً أن روسيا ستفعل كل شيء لمساعدة الحكومة السورية على استعادة أراضيها، وهو ما يبدو مناقضاً للتصريحات التركية المتكررة عن عمل مكثف لتنفيذ اتفاق سوتشي بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح الثقيل في إدلب، والتوصل إلى تفاهمات تقضي بإطلاق دوريات مشتركة روسية تركية في المنطقة.
الفصائل ترد، ونقاط المراقبة التركية صامتة
تتداخل أماكن انتشار عدة فصائل المعارضة في المناطق التي تتعرض للقصف، إذ تتوزع نقاط التمركز فيها على فصائل جيش العزة وجيش النصر وأحرار الشام والجبهة الوطنية للتحرير، إضافة إلى فيلق الشام وهيئة تحرير الشام، كما تتوزع العديد من النقاط التركية التي أنشئت لمراقبة اتفاق خفض التصعيد في المناطق المستهدفة.
ويقول إبراهيم الصالح، رئيس المجلس المحلي بقلعة المضيق، إن وفوداً شكلت من أبناء المنطقة بهدف التواصل مع نقطة المراقبة التركية في شير مغار، التي تقع على بعد سبعة كيلومترات شمال قلعة، وكان رد الجانب التركي بأنه «يجري اتصالاته مع روسيا لوقف خروقات النظام على المنطقة»، إلّا أن هذه الخروقات لم تتوقف، بل ازدادت حدتها خلال الأيام الماضية. وهو ما أكده الناشط المدني عبيدة من أبناء كفرنبل، الذي قال «إن النقاط التركية لم تتخذ أي إجراء منذ بدء الهجمات»، فيما يرى الناشط المحلي ممتاز أبو محمد إن «النظام يسعى من خلال هذه الخروقات إلى جر الفصائل العسكرية إلى المعركة، وإلى تخريب الاتفاقات العسكرية بين الروس والأتراك، معتبراً أن ما يحدث هو خطة إيرانية».
وقد طالب المجلس المحلي في خان شيخون الفصائل العسكرية باتخاذ كافة الإجراءات الرادعة، وباستهداف المواقع العسكرية لقوات النظام، مستنكراً «عدم إيفاء الضامن التركي بالتزاماته وتعهداته بحماية المناطق المحررة من القصف»، مؤكداً أن على المجتمع الدولي التدخل لحماية المدنيين من «القتل الممنهج وإرهاب الدولة التي تمارسه قوات الأسد». أما النقيب ناجي مصطفى، الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير، فيرى من جهته أن نقاط المراقبة التركية تقوم بعملها من خلال «توثيق الانتهاكات»، وأن للفصائل «حق الرد» على هذه الخروقات، مؤكداً أنها قامت باستهداف تجمعات نظام الأسد والميليشيات الحليفة له، وحققت إصابات في صفوفها.
النقيب مصطفى معراتي، الناطق باسم جيش العزة في حماة، قال للجمهورية «إن التصعيد الأخير أسلوب قذر بأدوات قذرة، اعتمد استهداف المدنيين لإنهاء الثورة وحاضنتها الشعبية التي خسرت أكثر من 100 شهيد في الأيام الأخيرة، وهو لن يزيدنا إلا إصراراً على المتابعة»، مقللاً من أهمية الاتفاقيات المبرمة حول مناطق خفض التصعيد، ومؤكداً أن الفصائل ترد في كل يوم على هذه الخروقات، وأنهم على أهبة الاستعداد لصدّ أي هجوم على المنطقة، وهم لم يستبعدوا يوماً خيار المعركة التي لن «تكون نزهة»، مؤكداً أن «الصراخ على قدر الألم» على حد تعبيره.
وبعيداً عن التصريحات الرسمية، أبدى معظم الذين التقيناهم في المناطق المستهدفة تخوفهم من «تخلي تركيا عن دورها في الوقوف إلى جانبهم»، ومن احتمالية قيام الأسد بهجمات عسكرية برية للسيطرة على مناطقهم، مقللين من أهمية الدور التركي الذي يكتفي بإحصاء هذه الانتهاكات وتوثيقها، وهو «أمر لا يجدي نفعاً مع نظام قتل وشرد آلاف السوريين».
وقفات احتجاجية وأوضاع إنسانية حرجة
شهدت الأيام الماضية وقفات احتجاجية في عدة مناطق في الشمال السوري، تضامناً مع المدنيين الذين يتعرضون للقصف، وتأكيداً على رفض الاستسلام للنظام، كان آخرها الوقفة الاحتجاجية في بلدة أورم الكبرى بريف حلب الغربي يوم أمس، التي عبر فيها المحتجون عن «رفض أي اتفاق يجري على حساب على دماء الشعب السوري»، بحسب سامي القربي عضو مجلس محافظة حلب، الذي طالب في حديث له مع الجمهورية الفصائل العسكرية بالرد على هذه الخروقات بكافة الوسائل الممكنة.
لا يزال القصف مستمراً على مناطق عدة، ومعه تستمر حركة النزوح في ظل غياب القدرة على الاستجابة جراء تعليق منظمات كثيرة لعملها بعد توسع سيطرة هيئة تحرير الشام مؤخراً. وتعاني سائر مناطق إدلب وريف حماة من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، إذ أعلنت عنه مديرية صحة حماة في بيان أصدرته قبل أيام حالة الطوارئ لاستقبال الإصابات والجرحى، مؤكدة أن معظم المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لها تعاني من نقص في المخزون الاستراتيجي من الأدوية والمستلزمات بعد توقف الدعم عنها. كما أعلن منسقو الاستجابة في شمال سوريا في بيان لهم أن هناك 179 مركزاً طبياً معرضاً لخطر التوقف عن العمل بعد انقطاع الدعم عن المنطقة، التي تضم 4.7 مليون نسمة من السكان والنازحين والمهجرين.
موقع الجمهورية
إيران وروسيا تستجيبان لمخاوف تركيا من الأكراد/ وائل عصام
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة سوتشي الأخيرة، إن بلاده ستخرج من المناطق التي سيطرت عليها في سوريا بعد تطهيرها من الإرهابيين، ويعيدها إلى «الشعب السوري»، وعبارة إعادة الأراضي إلى «الشعب السوري» كثيرا ما تكررت في تصريحات الحكومة التركية، عند الحديث عن مصير الأراضي التي دخلتها في عمليتي «درع الفرات» و»غصن الزيتون»، ومصير النازحين وفصائل المعارضة المتواجدين في تلك المناطق.
هذه التعبيرات الفضفاضة، لا يمكن أن تخفي القرار التركي الذي يبدو من الواضح أن تركيا قد اتخذته منذ اليوم الأول لدخولها تلك الأراضي السورية، بالتنسيق مع روسيا في إطار سوتشي، التي سمحت لتركيا بالدخول لطرد الخصوم المشتركين لأنقرة ودمشق، المتمثلين في الانفصالين الأكراد، وتنظيم «الدولة»، وفق استراتيجية محددة ومعلنة في تفاهمات سوتشي، منشورة في بياناتها الرسمية، وهي ألا تتعارض أي تحركات لأعضاء سوتشي داخل سوريا مع هدف إعادة سلطة الدولة السورية لكافة الأراضي السورية مستقبلا، وهذا هو نص ما قاله كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني، في المؤتمر نفسه، وبعد ثوان من حديث أردوغان عن عودة الأراضي لـ»الشعب السوري»، إذ قال بوتين إن الأراضي يجب أن يدخلها الجيش السوري. ثم أعاد روحاني التأكيد على الفكرة نفسها وبطريقة أكثر وضوحا، إذ قال إنه لا توجد مشكلة بين تركيا وعودة الحكومة السورية لمناطقها إنما المشكلة مع « الإرهابيين».
أما لجنة «صياغة الدستور»، فهي المخرج الذي سيمنح تركيا حجة للخروج السلس من سوريا، باعتبار أن الدولة السورية أصبح لديها دستور، عليه توافق مع المعارضة، والسلطة باتت تملك شرعية دستورية، وهكذا تعود الأراضي لـ»لشعب السوري»، بعد أن يكتب المنتصر الدستور، وهو الأسد، الذي سيفوز أيضا في انتخابات «دستورية» باختيار «الشعب السوري»!
المتابع إذن، لتصريحات الرؤساء الثلاثة في قمة سوتشي الأخيرة، يلاحظ تباينا في بعض ما قالوه، خاصة حول المناطق الآمنة ومصير عودتها للنظام السوري من عدمه، وسرعان ما يتضح أن أهداف الزعماء الثلاثة واحدة لكن تعبيرهم عنها يختلف. التحركات التركية داخل الأراضي السورية، في عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات، لم تصطدم أبدا مع قوات النظام السوري، بل مع اطراف معادية لأنقرة ودمشق، وهذا يعكس مدى التنسيق بين موسكو وطهران وأنقرة، بحيث يتم تأمين مصلحة تركيا الملحة بضرب الانفصاليين الأكراد، من دون الإضرار بمصالح النظام ومشروع إعادة تأهيله، بل إن ضرب المشروع الكردي المتحالف مع الأمريكيين شمال سوريا هو من أولويات دمشق وطهران وموسكو، وهي غايات تخص أولويات السياسة التركية التي تجعل القوى الكردية خطرا وعدوا أولا، وليس نظام الأسد، وهي أولويات لا يمكن أن نلوم الدولة التركية عليها، لأنها تنطلق من اعتبارات تخص الأمن القومي التركي، الذي يرى في المشروع الكردي خطرا يهدده، ولكن اللوم يجب أن يقع على من يظن أن تركيا ستخوض معركته نيابة عنه، وأن على أنقرة أن ترى الصراع في سوريا بعينيه وأولوياته هو المتمثلة بالإطاحة بالأسد وليس الإطاحة بمشروع روجافا.
وهكذا فإن التعويل والقراءة الخاطئة من قادة المعارضة السورية والناشطين، لغايات الدخول التركي ومستقبل الأراضي الخاضعة لتركيا حاليا، سيقود إلى وضع خطير للنازحين السوريين في تلك المناطق، إذ أن عودتهم من تركيا لتلك المناطق الخاضعة حاليا لها شمال سوريا، عملية ستؤول في نهاية المطاف وبعد الانسحاب التركي، إلى إعادة آلاف النازحين الهاربين من النظام إلى سلطته مرة أخرى، إذ سيدخل النظام، كما هو متوقع وضمن إطار سوتشي لتلك المناطق ويخضعها لسياساته نفسها، التي سبق وفعلها في درعا والغوطة وحلب، سياسات تسوية الأوضاع، التي نفذت في ثلاث مناطق «خفض تصعيد»، أقرت في سوتشي، وكانت تركيا من الضامنين لها، وجميعها عادت للنظام، وهكذا سيكون مصير كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بدعم من سوتشي، ومنها إدلب، وإن بعد معركة مؤجلة لما بعد حسم مفاوضات الأكراد والنظام عقب الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا، ملفات قد تستغرق نحو عام ونصف العام إلى عامين لإغلاقها ربما، قبل أن نرى أعلام النظام منصوبة فوق المخافر الحدودية في كلس وكوباني وباب الهوى.
القدس العربي
ربع الساعة الأخير في شرق الفرات وشمال سوريا/ د. خطار أبودياب
على مشارف دخول الأزمة السورية عامها الثامن، ساد الانطباع بأن النظام في دمشق في طور تحقيق انتصار ناجز، وأن التطبيع العربي الذي بدأ مع زيارة الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، سيتواصل وأن تركيا والقوى الغربية المناوئة له ستسلك نفس النهج. لكن في موازاة القرار الأميركي، في ديسمبر الماضي، بالانسحاب من سوريا وتفاعلاته، لجمت واشنطن الاندفاع العربي أو بعض الحماس الأوروبي باتجاه إعادة الوصل مع دمشق.
واليوم مع النهاية المنتظرة لتمركز دولة الخلافة المزعومة على الأرض، يبدو أن “ربع الساعة الأخير” للنزاع السوري يطرح بإلحاح وضع شرق الفرات المستقبلي وحالة إدلب ومشروع المنطقة الآمنة، وكل ذلك قنابل موقوتة وسيناريوهات لتجدد صراعات، مما يؤشر إلى أن الوظيفة الجيوسياسيىة للحروب السورية لم تستنفد غرضها بعد، وأن تصفية الحروب يمكن أن تتخللها حروب إذا لم يتوفر حد أدنى من الوفاق الروسي- الأميركي.
لم يكن وزير الخارجية الفرنسية، جان- إيف لودريان، مخطئا في وصف قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 19 ديسمبر 2018، عن الانسحاب باللغز الذي يحتاج إلى تفكيك تداعياته وآفاقه، ولم يتردد الرئيس إيمانويل ماكرون في احتجاجه على قرار ترامب “يُنتظر من الحليف أن يكون محل ثقة”. وهي ليست الخيبة الأوروبية الأولى من سياسات البيت الأبيض، كما تقول مصادر بروكسل.
ولذا سعت المؤسسات الأميركية، عبر البنتاغون ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، إلى طمأنة الأكراد نواة “قوات سوريا الديمقراطية” والحلفاء الإقليميين إزاء التخبط والتخوف من انعكاسات قرار الانسحاب.
بعد وعد الرئيس الأميركي نظيره التركي حول إقامة منطقة آمنة، جرى تداول عدة سيناريوهات لملء الفراغ وتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة على شكل اتفاق تركي- أميركي، أو اتفاق تركي- روسي من أجل إقامة منطقة “آمنة”على الحدود التركية- السورية ابتداء من منبج حتى المالكية عند نهر دجلة.
لكن ذلك تعذر لأن واشنطن طلبت من أنقرة قبول بقاء “قوات سوريا الديمقراطية” في المنطقة وتقديم ضمانات بعدم التعرض للأكراد. من جهتها اقترحت موسكو تفعيل اتفاقية أضنة الموقعة عام 1998 من قبل الحكومتين التركية والسورية، وهذا يستدعي مصالحة مع نظام دمشق رفضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة سوتشي الأخيرة وهذا يفسر هجوم الرئيس بشار الأسد الحاد ضده قي خطابه الأخير.
على غرار البلبلة ضمن ثالوث مسار أستانة، يسود التخبط “التحالف الدولي ضد داعش” لأن الجانب الأوروبي رفض طرحا أميركيا يقضي بالبقاء إلى جانب “قوات سوريا الديمقراطية” ولعب دور أساسي في الفصل بين الأتراك والأكراد أو في تكوين المنطقة الآمنة. ويبدو أن طلب واشنطن جاء بعد عدم التأكد من تمرير أفكار بديلة مثل إشراك البيشمركة من كردستان العراق أو قوات تابعة لرئيس الائتلاف المعارض الأسبق أحمد الجربا، أو للتيقن من صعوبة التوسط بين أنقرة والأكراد السوريين من جماعات الاتحاد الديمقراطي والحماية الكردية نظرا للارتباط العضوي مع حزب العمال الكردستاني العدو الرقم واحد لتركيا. كذلك سقطت عمليا كل الأفكار حول دورٍ لمنظمة الأمم المتحدة من أجل إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع تركيا على غرار قوى حفظ السلام حول العالم المنتشرة، وتراجع سيناريو مصالحة الأكراد مع النظام برعاية روسية نظرا لشروط النظام ولعدم حماسة طهران من جهة، ورفض واشنطن القاطع من جهة أخرى.
من الواضح بعد كل المناورات أن واشنطن رفضت التنازل لأنقرة لأنها تريد الاحتفاظ بـ”الورقة الكردية السورية” أو بجزء منها، وهذا ما يفسر تصريح جيمس جيفري، المبعوث الأميركي المختص بالملف السوري، بأن اتفاق الأكراد مع دمشق أو موسكو يعني سحب الدعم الأميركي للأكراد. لكنه في نفس الوقت يبين سيناريو آخر وهو فرض “منطقة آمنة” نسبيا للأكراد ولو من دون أي اتفاق مسبق مع أنقرة أو غيرها، وذلك عبر فرض منطقة حظر جوي في شرق الفرات السوري في مرحلة ما بعد 30 أبريل 2019 كما فعلت واشنطن في شمال العراق بين عامي 1991 و2003 . ويأخذ هذا السيناريو الأرجحية مع إعلان البيت الأبيض، في 22 فبراير الحالي، عن قراره ترك “مجموعة صغيرة لحفظ السلام” من 200 جندي أميركي في سوريا لفترة من الوقت بعد انسحابها. وهذا يؤكد أن بقاء قاعدة التنف في الجنوب السوري بالإضافة إلى هذا التواجد في شرق الفرات، يعني أننا أمام إعادة انتشار للقوات واستمرار الاهتمام بالملف السوري.
قبل صدور القرار الأميركي الأخير، كان التشكيك الروسي في ذروته ووصل الأمر بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى اتهام واشنطن بالعمل على إنشاء “دويلة في شرق الفرات” وهذا ما سيزيد أيضا في حيرة رجب طيب أردوغان وخياراته على المدى القصير سواء إزاء الوضع في إدلب أو حيال شرق الفرات والمسألة الكردية. وهذه الحالة من التخبط تسري أيضا على اللاعبين الآخرين لتحديد أولوياتهم.
من اللافت أنه بالرغم من النهج الدعائي لكل من واشنطن وموسكو في الحرب ضد الإرهاب، يكتنف الغموض “اليوم التالي” لمرحلة ما بعد “داعش” وما بعد “النصرة”، ومن الصعب تفكيك أسرار وألغاز مسألة إعادة الجهاديين الأوروبيين أو تركهم في التيه أو الأسر، وكذلك مصير المقاتلين من أصول آسيوية أو عربية عند طرفي “الجهاد”.
في مقابل الالتباس حول أولويات واشنطن وخططها الفعلية، تحاول موسكو من خلال ورقة إدلب استمرار انتزاع إدارة الصراع السوري. لكن ليس من الأكيد أن يحبذ الرئيس فلاديمير بوتين القطيعة مع تركيا ويفضل المساومة معها عبر ربط مصير إدلب بمصالحها المفترضة في شرق الفرات. وبالطبع لا يسهل وجود “النصرة” المهمّة، ولذا تزداد الشائعات والتسريبات عن مصرع أبومحمد الجولاني أو إصابته بجروح خطرة في انفجار هز المنطقة الأمنية في إدلب خلال الأسبوع الماضي.
وما يزيد التعقيد ما يقال أيضا عن إبلاغ واشنطن أنقرة والرياض وبعض محاوريها من السوريين بأن “سيطرة الروس والإيرانيين والنظام على إدلب وشمال شرقي سوريا من شأنها أن تنهي عمليا الحل السياسي”.
هكذا تحتدم اختبارات القوة في شمال سوريا وشرقها في هذه المرحلة إبان “ربع الساعة الأخير” من الرقصة الجهنمية على الركام السوري، ومن المنتظر أن يتبلور شكلها في الجنوب بعد الانتخابات الإسرائيلية.
خلال ثماني سنوات، انقلبت كل المقاييس في بلاد الشام وكانت التغريبة السورية عنوان تغيير وجه الإقليم، وصولا إلى التوازنات المهتزة بين الولايات المتحدة المتخبطة والمنهكة وروسيا القلقة والمصممة وأوروبا الضعيفة والضائعة. وأما الخسارة الصافية فكانت للحصانة العربية ولسوريا دولة وشعبا، قبل ربع الساعة الأخير وبعده وحتى إشعار آخر.
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس
العرب
عُقد روسية ـ تركية أمام «اتفاق أضنة» و«مثلث الشمال» السوري/ إبراهيم حميدي
الأمم المتحدة تقترح ستة أسماء على قائمة «الضامنين» في اللجنة الدستورية
تكثفت الاتصالات بين موسكو والمبعوث الدولي الجديد غير بيدرسون للاتفاق على تغيير ستة أسماء في قائمة «المجتمع المدني» التي اقترحتها الدول «الضامنة» الثلاث لعملية آستانة – سوتشي (روسيا، وتركيا، وإيران)، وتشكيل اللجنة الدستورية السورية، باعتبار أن هذا هو «الإنجاز» الوحيد للقمة الثلاثية الأخيرة في سوتشي.
وتناولت قمة الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني في المنتجع الروسي الأسبوع الماضي، ثلاثة ملفات: اللجنة الدستورية السورية، والمنطقة الأمنية شمال شرقي سوريا، ومستقبل «مثلث الشمال» الذي يضم إدلب وأرياف حلب الغربي وحماة الشمال واللاذقية الشرقي. وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»: إن العُقد لا تزال قائمة في ملفي «المنطقة الأمنية» وإدلب، اللذين تم ترحيلهما إلى ما بعد الانتخابات المحلية التركية في نهاية مارس (آذار) المقبل، مقابل تقدم جزئي في اللجنة الدستورية.
– اللجنة الدستورية
أظهرت موسكو «انفتاحاً» بقبول ترشيح بيدرسون ستة أسماء إلى القائمة الثالثة الروسية – التركية – الإيرانية التي تضم 50 مرشحاً، إلى جانب قائمتي الحكومة والمعارضة التي تضم كلاً منهما خمسين مرشحاً. وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أمس: «يجري حالياً تنسيق أسماء المرشحين في القائمة الثالثة للجنة الدستورية، التي يفترض أن تضم ممثلين عن المجتمع المدني»، مشيراً إلى أن «الأمم المتحدة تصر على استبدال 6 مرشحين سجلت أسماؤهم في القائمة الأصل. نأمل أن تنتهي العملية في أسرع وقت ممكن».
كانت دمشق رفضت قائمة وضعها المبعوث الدولي السابق ستيفان دي ميستورا، وضمت 50 اسماً من ممثلي المجتمع المدني. وتقدمت الدول «الضامنة» في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لائحة بديلة وافقت عليها دمشق، لكن دي ميستورا رفضها قبل ترك منصبه، خصوصاً أنها لم تشمل أسماء اشتغلت على الدستور السوري في السنوات الأخيرة، وهي مختصة به.
وبقيت قائمة «الضامنين» الثلاثة على طاولة المداولات إلى أن بلغ الأمر أن اقترحت موسكو على المبعوث الدولي الجديد تغيير ستة أسماء، الأمر الذي فعله قبل أيام.
وبحسب مسؤولين غربيين ومعارضين سوريين، فإن بيدرسون، الذي سيقدم إحاطة إلى مجلس الأمن خلال أيام ويزور بروكسل خلال ساعات، أبلغ محاوريه بأنه متمسك بثلاثة أمور: تنفيذ المهمة الأممية الموكلة إليه بموجب القرار 2254، وبحث موضوع «الحكم»، وتشكيل لجنة دستورية وأهمية عملها في «بيئة محايدة»؛ الأمر الذي فسره معارضون بأنه يتناول المعتقلين والعمل السياسي والدور الحيادي لأجهزة الأمن والجيش.
وكان الرئيس بشار الأسد قال في كلمة قبل أيام: «الدستور هو مصير البلد، وبالتالي هو غير خاضع لأي مساومات أو مجاملات وأي تهاون فيه قد يكون ثمنه أكبر من ثمن الحرب نفسها». وأضاف: إن دور الأمم المتحدة محل ترحيب ما دام يحترم سيادة البلاد. ووصف مسؤولي المعارضة الذين تم اختيارهم للجنة الدستورية بأنهم «عملاء» تركيا.
بموجب عملية آستانة ومؤتمر الحوار السوري في بداية العام الماضي، تكفلت موسكو تسليم دي ميستورا مرشحي الحكومة، في حين تولت تركيا تسليم قائمة مرشحي المعارضة إلى دي ميستورا الذي كانت أوكلت إليه مهمة تشكيل «القائمة الثالثة». ولوحظ أن واشنطن بدأت في الفترة الأخيرة تدعم تشكيل اللجنة الدستورية بموافقة دي ميستورا.
– اتفاق أضنة
حضر موضوع الانسحاب الأميركي من شرق سوريا، على طاولة القمة الثلاثية في سوتشي الأسبوع الماضي. كان هناك «ترحيب حذر» من الدول الثلاث، لكن الملف الأهم كان هو بحث «ملء الفراغ»؛ إذ إن الرئيس بوتين اقترح على إردوغان تفعيل «اتفاق أضنة» بين أنقرة ودمشق بعد انسحاب أميركا من سوريا، خياراً بديلاً من عمل تركيا مع أميركا لإقامة «منطقة أمنية».
بحسب المصادر، فإن الرئيس إردوغان رفض تضمين الإشارة إلى «اتفاق أضنة» في بيان سوتشي الأخير، حيث جرى الاكتفاء بترحيب كل من الرئيسين بوتين وإردوغان في شكل انفرادي بتنفيذ الاتفاق.
ويسمح «اتفاق أضنة» الذي يعود إلى عام 1998 بقيام الجيش التركي بملاحقة «حزب العمال الكردستاني» بعمق خمسة كيلومترات شمال سوريا، وتشغيل خط ساخن بين أجهزة الأمن، وتعيين ضباط أمن في سفارتي البلدين.
وقالت المصادر: إن هناك نقطتي خلاف حول «اتفاق أضنة»: عمق التوغل التركي وطبيعة التنسيق بين أنقرة ودمشق. تريد تركيا أن يكون عمق التوغل يوازي المعروض عليها أميركياً، أي 28 – 32 كيلومتراً شمال سوريا وليس خمسة كيلومترات كما تقترح موسكو. في المقابل، تصر روسيا على قيام علاقات سياسية بين أنقرة ودمشق، في حين يرفض الجانب التركي «التطبيع السياسي» مع دمشق قبل الحل السياسي، لكنه يوافق على «تعاون أمني» بين الأجهزة المختصة.
ولا تزال أنقرة تترك خيار «المنطقة الأمنية» قائماً في محادثاتها مع واشنطن، حيث وصل إلى العاصمة الأميركية وفد عسكري تركي لإجراء مزيد من المحادثات لحل العقد القائمة: مصير «وحدات حماية الشعب» الكردية، عمق التوغل التركي، حماية هذه المنطقة، الانتشار على الحدود.
– «مثلث الشمال»
لم يحصل الرئيس بوتين على ما أراد من قمة سوتشي لجهة إعطاء شرعية لقيام قوات الحكومة السورية بـ«قضم» مناطق في شمال غربي سوريا. وبحسب المصادر، فإن الوفد التركي رفض الإشارة المباشرة في البيان الختامي إلى «هيئة تحرير الشام»، إضافة إلى رفضه الحديث في شكل واضح حول القيام بدوريات مشتركة في الشمال.
لكن الضغط السياسي الروسي مستمر على أنقرة؛ إذ إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في ميونيخ قبل أيام: إن قمة سوتشي أقرت مبدأ «الخطوة خطوة» لمعالجة ملف الشمال، وإنه لا بد من «القضاء على بؤر الإرهاب». كما أكد بوغدانوف أمس «حتمية العملية العسكرية ضد الإرهابيين في إدلب وإنهاء سيطرتهم على المنطقة». وزاد: «إنه أمر لا مفر منه؛ لأن أولئك الذين لا يتخلون عن الإرهاب، ينبغي بالطبع القضاء عليهم».
ومن المقرر أن يجتمع مسؤولون عسكريون وأمنيون وأتراك للاتفاق على خطوات محددة، بينها موضوع الدوريات المشتركة. أنقرة ترفض ذلك، لكنها موافقة على «دوريات متوازية» بحيث تسير الدوريات الروسية في جانب مناطق الحكومة، في حين تنتشر دوريات الجيش التركي في مناطق المعارضة. ولوحظ قبل يومين أن الجيش التركي اتخذ إجراءات في نقطة مراقبة تابعة له في شمال حماة، بينها إنارة القاعدة، في إشارة إلى بقائها.
وتواصل قوات الحكومة شن غارات على مناطق عدة في شمال غربي سوريا، خصوصاً على خان شيخون ومعرة النعمان، وسط أنباء عن ضغط من دمشق للسيطرة على الطريق الرئيسي بين حماة وحلب الذي يمر بخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، إضافة إلى توقعات لـ«قضم» في مناطق بين جسر الشغور واللاذقية.
الشرق الأوسط
قمّة سوتشي.. في انتظار غودو/ علي العبدالله
لم تصدر عن قمّة سوتشي التي عقدت يوم 14 فبراير/ شباط الجاري بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، بوتين وأردوغان وروحاني، نتيجة محدّدة بشأن سورية؛ حيث اكتفى البيان الختامي، وكذلك تصريحات الرؤساء في مؤتمرهم الصحافي، بالعموميات والوعود المفتوحة، ما دفع المعلقين السياسيين والإعلاميين إلى تبنّي استنتاجاتٍ متعارضة إلى حد التناقض، قال بعضهم بفشل القمة، وقال آخرون بنجاحها مع تأجيل الإعلان عن الاتفاقات لاعتبارات آنية.
واقع الحال أن القمة فشلت في الاتفاق على موقفٍ موحد، أو على حل أيٍّ من البنود التي أعلن قبيْل انعقادها أنها ستكون على جدول أعمالها، بنود: إدلب، المنطقة الأمنية التي ترغب تركيا إقامتها بطول 500 كلم وعرض يتراوح بين 32 و 60 كلم؛ على طول الحدود السورية التركية، من جرابلس إلى فيش خابور، واللجنة الدستورية، إذا استثنينا التوافق على ربط الموافقة على تشكيلة اللجنة المقترحة بموافقة الأمم المتحدة عليها، حيث غدت مهمة روسيا إقناع الأمم المتحدة بهذه التشكيلة، وآية ذلك تصريحات الرؤساء الثلاثة في مؤتمرهم الصحافي، حيث كان التباين في مواقفهم من هذه البنود واضحا وصريحا؛ مع ملاحظة سيادة نبرةٍ هادئةٍ ومواقف فضفاضة، جاءت لافتةً بعد التصريحات الروسية القوية والحاسمة بشأن عدم السماح باستمرار الوضع في إدلب، وتكرار الحديث عن عمليةٍ عسكريةٍ ضد الإرهابيين فيها؛ وغضّ النظر عن خرق قوات النظام وقف إطلاق النار، وقصفها مدنا وبلدات في المحافظة، وأخرى في ريفي حماة وحلب طوال الأسبوع الذي سبق القمة. وهذا عكس رغبتهم في المحافظة على علاقات العمل القائمة بين دولهم، من جهة، وتمرير الوقت انتظارا لاتضاح صورة المواقف في ملفاتٍ
ذات صلة، الانسحاب الأميركي من منطقة شرق الفرات والتطورات على صعيد العلاقات الأميركية الإيرانية، من جهة أخرى.
ارتبطت التباينات بعوامل ثلاثة، أولها الانسحاب الأميركي وما سيحصل على هذا الصعيد، إن لجهة شروط الانسحاب أو توقيته والمدة الزمنية التي سيستغرقها، يمكن اعتباره العامل الأكثر تأثيرا على فشل القمة، لانعكاسه القوي والمباشر على أطرافها الثلاثة، وحساباتهم ومصالحهم القريبة والبعيدة، فمعرفة شروط الانسحاب وجدوله الزمني، وطبيعة التفاهمات بشأن الوضع بعد الانسحاب بين الولايات المتحدة وتركيا، من جهة، وبين الولايات المتحدة وروسيا، من جهة ثانية، سيعزّز موقف طرف، ويضعف موقفا آخر، ويدفع إلى حساباتٍ وخياراتٍ مختلفة من معظم بنود الملف السوري. وهذا برز لحظة إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نيته سحب القوات الأميركية من سورية، وتكليف تركيا بملف شرق الفرات والقضاء على بقايا تنظيم (داعش)؛ وتمثيل الموقف الأميركي والغربي هناك؛ حيث تعزّز موقف تركيا بتوسّع دورها ونفوذها في سورية برعاية أميركية؛ عكسته نبرة التصريحات التركية بشأن القضاء على “الإرهابيين”، قوات سورية الديمقراطية (قسد) و”داعش” (يمكن التذكير بتصريح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عن قوات “قسد”: سندفنهم في الأنفاق التي حفروها)، وإقامة منطقة أمنية تحت السيطرة التركية الخالصة. ثم تراجعت نبرة التهديد والوعيد التركية، بعد الإعلان عن الشروط الأميركية لعملية عسكرية تركية شرق الفرات: تنسيق العملية مع واشنطن، حماية حلفائها من الكرد، في حين حمّل القرار روسيا أعباء جديدة، عبء الملف السوري؛ إدارته والموازنة بين مصالح حلفائها ونفوذهم وأدوارهم الراهنة والمستقبلية، بالإضافة إلى مراعاة مصالح خصومها، ذلك أن الانسحاب الأميركي، الخصم المشترك للدول الثلاث، سيزيل اللحمة بينها، ويدفعها إلى إعادة النظر في الأولويات، بحيث تحافظ (روسيا) على علاقاتٍ متوازنةٍ مع الجميع، وعلى العمل المشترك في إطار مسار أستانة، ما دفعها إلى الإعلان عن تفهمها موقف تركيا وعمليتها العسكرية شرق الفرات، قبل أن تعود إلى موقفها التقليدي القائل بضرورة سيطرة النظام على كل الأراضي السورية، وتطرح على تركيا الاكتفاء بتطبيق اتفاقية أضنة التي كانت وقعتها مع النظام عام 1998، في ضوء ما ظهر من تردّد أميركي بشأن تكليف تركيا بالمنطقة، وتمسك واشنطن بحماية حلفائها من الكرد؛ وتوصيفها المنطقة الأمنية منطقة عازلة بين تركيا وهؤلاء الحلفاء من الكرد، تجلى ذلك في دعوتها دولا أوروبية إلى نشر قوات فصل بين الطرفين، ومد
فترة الانسحاب من دون إعطاء مدة محددة وثابتة.
وشكّل القرار الأميركي غيمة ضباب أمام الرؤساء الثلاثة؛ وصف الرئيس التركي أثر الإعلان الأميركي بالانسحاب بمرحلة من الغموض، ولذلك مالوا إلى تعليق المواقف، ريثما تتضح صورة الموقف الأميركي، وتنفيذه قرار الانسحاب، تحاشيا لحصول تطوّرات تنعكس سلبا على مصالح بلادهم. ثانيها تباين المواقف بشأن الوضع في إدلب بين تبنٍّ روسي إيراني حسما عسكريا ترفضه تركيا التي تدعو إلى مقاربة سياسية طويلة النَفَس، قائمة على فكرة إقناع “هيئة تحرير الشام” التي تشكل “جبهة النصرة لأهل الشام” عمودها الفقري بعزل الجهاديين الأجانب، وحل نفسها، والانخراط في تشكيل عسكري موحد مع بقية فصائل المحافظة، وفصائل منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، الحديث يدور بشأن الجيش الوطني الذي سيتجاوز عدد أفراده الثمانين ألفا، ما اضطر الرؤساء إلى ترحيل البند إلى قمتهم التي ستعقد في تركيا الشهر المقبل (مارس/ آذار)، لأن الإصرار على الحسم سيُنهي علاقة العمل بينهم، وتعود تركيا إلى الحضن الأميركي، وهو ما لا تريده لا روسيا ولا إيران. تسعى الأولى إلى دق إسفين بين تركيا والتحالف الغربي، والثانية تريدها إلى جانبها لتعزيز فرصها في مواجهة العقوبات والضغوط الأميركية.
العامل الثالث في تباين المواقف هو دخول الملف السوري مرحلة ضرورة حسم بعض بنوده، مثل حدود مناطق نفوذ القوى الإقليمية والدولية، الموقف من الفصائل المتشددة، مستقبل مساري جنيف وأستانة. وهذا جعل التقدم أكثر صعوبةً في ضوء تأثير صيغة حسم هذه البنود على بنود أخرى جوهرية، لم تحن لحظة تناولها، مثل مستقبل سورية، المصالحة الوطنية، مصير اللاجئين، إعادة الإعمار، بقاء القوات الأجنبية على الأرض السورية، وحرص كل من الرؤساء الثلاثة، أردوغان وروحاني وبوتين، على عدم تمكين أي من الرئيسيْن الآخريْن من تحقيق مكاسب على حسابه، أو الالتزام بموقفٍ قد ينعكس سلبا على مصالح بلاده عند تناول بقية بنود الملف في مراحل لاحقة.
ويمكن القول إن تناقض الأولويات وتضاربها، وحاجة الدول الثلاث لبعضها بعضا، جعل الرؤساء يختارون ترحيل البنود وتأجيل حسم المواقف من أجل المحافظة على مسار أستانة، على الرغم من هشاشته، لأنه وفر لهم منصّة للانخراط في إدارة الملف السوري، ولعب دور إقليمي رئيس، عزّز وزن كل دولة من دولهم ودورها، وقيّد إلى حد كبير حركة خصومها.
العربي الجديد
لو كنت قيادياً / إياد الجعفري
لو كنت قيادياً كردياً، سوري الجنسية، ضمن صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، لكنت عملت بكل جهودي، على تصويب اتجاه تحالفاتنا الاستراتيجية، ووقف حالة التخبط التي دخل فيها زملائي، ولكنت استغليت كل الإمكانيات المتاحة للوصول إلى تفاهم مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية ونظرائي المحليين، قبل فوات الأوان.
فكلما اقتربت ساعة الانسحاب الأمريكي المرتقبة، كلما ضاق هامش التحرك، ولا يبدو أن كوادر التنظيمات التابعة للاتحاد الديمقراطي الكردي، سواء في “قوات سوريا الديمقراطية”، أو في “مجلس سوريا الديمقراطية”، تحمل رؤية واضحة لكيفية حل المعضلة المُعقّدة التي قد تُجهز على كل المكتسبات التي حققها هذا التنظيم السياسي، في السنوات الثماني الماضية.
وفي بعض الأحيان، تشعر أن مواقف قيادات “الديمقراطي الكردي”، نابعة فقط من مجرد العِناد، أو العقلية الصفرية، أو الوهم النابع عن أن الحلفاء الغربيين لن يتخلوا عنهم تماماً. إذ كيف يُعقل أن تنظر هذه القيادات إلى سيناريو تفاهم كامل مع النظام بدمشق، بوصفه منجاةً لهم من تبعات الانسحاب الأمريكي والهجمة العسكرية التركية المرتقبة بعده؟!
منذ إعلان قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالانسحاب من سوريا، في نهاية العام الماضي، تخبط قياديو “الديمقراطي الكردي” في كل الاتجاهات، حتى وصلوا مصر، بحثاً عن دور عسكري في شرق الفرات، يقيهم من الأتراك. ورغم أن حواراً جاداً مع تركيا، طُرح مبكراً، كأحد الخيارات، إلا أنه كان من الواضح، أنه طُرح بوصفه، الخيار الأخير، وذلك رغم أنه، مقارنةً بالخيارات الأخرى، هو الأكثر ديمومة وضماناً لبعض مكتسبات هذا التنظيم السياسي الكردي. وهي خلاصة وصل إليها الأمريكيون، رغم أنهم ليسوا أبناء المنطقة، قبل أن يصل إليها الكُرد في “قوات سوريا الديمقراطية”.
دعونا نقرّ، بأن صدمة قرار الانسحاب الأمريكي، كانت قاسية على تنظيمٍ تحوّل في بضع سنوات إلى قوة سياسية – عسكرية، تُحكم قبضتها على الثلث الغني من سوريا. هذا القرار تركهم أمام خيارين قاسيين، إما التفاهم مع “عدوهم التاريخي”، تركيا، أو التفاهم مع النظام السوري بدمشق. إلا أن ملامح الفرق الكبير بين جدوى كلا الخيارين، واضحة للعيان. فالتفاهم مع تركيا، سيُفقد تنظيمات وكوادر “الاتحاد الديمقراطي الكردي” الكثير من مكتسباتهم، لكنه قد يحفظ لهم بعضها، ويتيح لهم هامشاً مقبولاً من العمل، إن قبلوا بـ “سورنة” أجنداتهم، تماماً، وعزل العناصر غير السورية، من أتراك حزب العمال الكردستاني، عن مفاصل القرار الرئيسية. فيما الخيار الآخر، المُتمثّل بالنظام، فهو يعني القضاء نهائياً على أي هامش، ولو محدود، من الاستقلالية لهم، وتحويلهم، في أحسن الأحوال، مجدداً، أدوات مخابراتية، لتهديد أمن تركيا. وسيُعرّضهم ذلك لتبعات لعبة النظام المحببة، وهي خلق صراع محلي بين مكونات المنطقة، لإحكام سيطرته عليها، كما كان يفعل في العقود السابقة، عبر اللعب على إشعال فتيل التوتر، من حين لآخر، بين الكُرد والعشائر، في الجزيرة السورية، واستخدام كل طرف، ضد الآخر.
ولا يبدو العداء التاريخي لكُرد “الاتحاد الديمقراطي الكردي” حيال تركيا، إلا عداءً آيدولوجياً، لا يراعي البعد المصلحي، للكُرد السوريين، داخل التنظيم، ويغلّب أجندات الكُرد الأتراك، في صفوفه. ذلك أن تركيا كانت تاريخياً أكثر مرونة مع إدارة محلية كردية واسعة الصلاحيات، في مناطق الجنوب التركي، مقارنة بنظام الأسد. ورغم أن الحالة الحقوقية للكُرد بتركيا، ليست مثالية، إلا أنها كانت وما تزال، أفضل بمرات، من نظيرتها لدى كُرد سوريا، في عهود حكم الأسد الأب والابن، قبل العام 2011.
ويبدو أن الكُرد محظوظون، ذلك أن عنجهية النظام المعتادة بدمشق، دفعته لأن يميط اللثام تماماً عن وجهه، ويقولها صراحةً، سواء في خطاب بشار الأسد الأخير، أو في تصريحات مستشارته، بثينة شعبان، أن لا بديل لديه عن حكم شمولي، الكلمة الوحيدة فيه للنظام فقط، كما كان عليه الحال قبل 2011. كانت تلك التصريحات كفيلة بكشف أبعد مدى يمكن أن يصله التفاهم مع النظام. فسقف ما قد يمنحه لهم، هو العودة أدوات في أجندات تخدم مصالحه. وهكذا باتت الصورة جليّة أمامهم.
في خيار التفاهم مع تركيا، تبدو شروط التمكين، أفضل بمرات. إذ يمكن إشراك الأمريكيين والأوروبيين، في هذا التفاهم. كما يمكن إشراك نظراء “الاتحاد الديمقراطي الكردي” المحليين، سواء في “المجلس الوطني الكردي” أو في التركيبات والتنظيمات السياسية والاجتماعية الأخرى، التي تُعبّر عن مكونات المنطقة. ويتيح هذا الخيار هامشاً من الاستقلالية، هو دون شك أقل بكثير مما يتمتع به هذا التنظيم الكردي، اليوم، لكنه أفضل بكثير مما قد يحصل عليه، في سيناريو التفاهم مع النظام.
الوقت يضيق، والفرص تقل، والمقارنة بين الخيارات ليست محيّرة كثيراً. فخيارات من قبيل استدعاء قوات أوروبية أو عربية، ليست واقعية، فالأوروبيون يرفضون حتى استقبال مقاتلي “داعش” المُعتقلين ممن يحملون جنسيات بلدانهم، كي لا يتحملوا عبء محاكمتهم في بلدانهم، فهل يظن قياديو “قسد” أنهم قد يتولون حماية شرق الفرات من تركيا ومن النظام وإيران وروسيا، دون دعم أمريكي؟ والمنطق نفسه ينطبق على خيارات استدعاء قوات عربية، رغم أن هذا السيناريو لم يطرح بالأصل أي نقاش جدّي لدى الدول العربية المعنية بذلك.
حان الوقت، لقياديي “الديمقراطي الكردي”، أن يعوا أن تمددهم في السنوات الثماني السابقة، كان نتاج قوة خارجية، وليس نتاج قواهم الذاتية، لذلك فإن هذا التمدد لم يكن مستداماً. والبديل له، هو الحفاظ على أكبر هامش ممكن من الاستقلالية، التي تحفظ للكُرد السوريين بعض المكتسبات التي تحققت لهم، خلال الفترة الماضية، بالشراكة مع نظرائهم من مكونات المنطقة. فخيار النظام، يعني أن يخسر الجميع.
هل ما سبق، دعوة لانفصال “شرق الفرات”؟ ربما الإجابة تتعلق بالبديل، فإن كان البديل هو نظام الحكم بدمشق، يبدو أن أية خيارات أخرى تتيح أفقاً لنظام حكم أفضل للسوريين، تستحق البحث والعمل عليها بجدّية.
لكن، هل يستطيع قياديو “الديمقراطي الكردي” بسوريا، التخلص من البعد “اللاسوري” لديهم؟ هذا السؤال جوابه عندهم هم، ويبدو أنه خيارهم الذي سيحدد مصيرهم، ومصير المنطقة برمتها، إما أن يكون لها أفق مستقبل أفضل، أو أن تعود، في نهاية المطاف، إلى قبضة النظام، في دمشق، بكل صلفه، وكيديته، وشموليته.
المدن
جيوسياسية الصراع السوري – هل يوفِّق بوتين بين إردوغان والأسد؟/ عائشة كارابات
ترجمة: رائد الباش
جلْب إردوغان إلى قارب السياسية الواقعية في سوريا
حول مستقبل سوريا أشار بوتين إلى “اتفاق أضنة” الذي وُقِّعَ عام 1998 بين تركيا وسوريا. لكن تأويل هذا الاتفاق معتمد على رؤية الطرف الناظر إليه. عائشة كارابات توضح لموقع قنطرة جيوسياسية الصراع السوري.
عندما سُئل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول اقتراح الولايات المتَّحدة الأمريكية إقامة منطقة أمنية شرق نهر الفرات – التي تهدِّدها تركيا بعملية عسكرية – قال إنَّ مثل هذه الخطوة غير شرعية.
وقد أشار بدلاً من ذلك إلى اتِّفاق تم توقيعه في عام 1998 بين دمشق وأنقرة وأكَّد من خلال ذلك لتركيا على أنَّ روسيا قد فهمت المخاوف الأمنية التركية. وفي الوقت نفسه دافع بذلك عن مصالح روسيا، التي تريد منع الوجود الأمريكي الدائم في المنطقة.
تناول فلاديمير بوتين موضوع “اتِّفاق أضنة” في اجتماع تم عقده في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير (2019) مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان في موسكو. وبالمناسبة تمت تسمية هذا الاتِّفاق بحسب المدينة الجنوبية التركية التي تم توقيعه فيها.
وكان الهدف من هذا الاتِّفاق في أواخر التسعينيات تفادي خطر نشوب حرب بين تركيا وسوريا. في تلك الفترة كانت سوريا مستضيفة لديها عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني PKK المسجون منذ فترة طويلة (في تركيا)، الذي تم ولا يزال يتم تصنيفه كتنظيم إرهابي من قِبَل كلّ من تركيا والاتِّحاد الأوروبي والولايات المتَّحدة الأمريكية.
لقد أدَّى هذا الاتِّفاق في تلك الأيَّام إلى إجبار عبد الله أوجلان على مغادرة سوريا. وفي آخر المطاف، تم إلقاء القبض عليه أثناء هروبه في كينيا من قِبَل المخابرات التركية. تمت إدانة عبد الله أوجلان في تركيا بتهمة الخيانة العظمى، وهو يقضي الآن عقوبة مشدَّدة بالسجن مدى الحياة في سجن شديد الحراسة يقع في جزيرة إمرالي النائية في بحر مرمرة.
التعاون في مكافحة الإرهاب
يُلزِم “اتِّفاق أضنة” الموقِّعين عليه بالتعاون الوثيق في محاربة الإرهاب. وينصُّ بالإضافة إلى ذلك على تعيين ممثِّلين خاصين وإجراء اتِّصالات رفيعة المستوى بين جيشي البلدين. كذلك شدَّد هذا الاتِّفاق على أنَّ العدو المشترك، الذي تجب محاربته، ليس حزب العمال الكردستاني وحده، بل كلّ تنظيم يتم تغيير اسمه أو يرتبط معه في المستقبل.
تبيِّن التفاصيل المدرجة في هذا الاتِّفاق أيضًا لماذا ترى تركيا اليوم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي تعتمد عليها الولايات المتَّحدة الأمريكية في محاربة تنظيم داعش، أنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. تسيطر هذه الميليشيا الكردية على نحو ثلث سوريا في شكل إدارة ذاتية على امتداد الحدود التركية، التي تصفها تركيا بأنَّها “ممر للإرهاب” (في شمال سوريا).
عودة التقارب مع دمشق؟
بعد لقائه مع بوتين، قال إردوغان إنَّ هذا الاتِّفاق يقدِّم الجواب على ما تقوم به تركيا في سوريا. غير أنَّه رفض بشدة وحزم ادِّعاءات المعارضة بأنَّ بوتين قد لجأ إلى هذا الاتِّفاق بهدف إعادة إحياء العلاقات المقطوعة بين تركيا وسوريا، وذلك لأنَّ سوريا هي الوحيدة القادرة على تبديد مخاوف أنقرة الأمنية.
أثناء رحلة عودته من اجتماعه في موسكو، أكَّد إردوغان للصحفيين الموجودين على متن طائرته أنَّ تركيا لن تقيم اتِّصالات على أعلى المستويات مع “شخص مسؤول عن موت أكثر من مليون إنسان وتشريد ملايين الناس الآخرين”، وقد أشار إردوغان بذلك إلى الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي حوار مع موقع قنطرة، قال أونال تشيفيكوز، وهو نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي (CHP) المعارض وسفير سابق، إنَّ إشارة فلاديمير بوتين إلى “اتِّفاق أضنة” من أجل تبديد مخاوف أنقرة الأمنية تعتبر اقتراحًا مشروعًا ومنطقيًا.
وأضاف تشيفيكوز أنَّ “روسيا تريد دخول أنقرة ودمشق في حوار، الأمر الذي لا مفر منه عاجلًا أم آجلًا. يجب على تركيا الاعتراف بحقيقة أقرَّ بها جميع الآخرين منذ فترة طويلة: الأسد سيبقى في السلطة. ولكن إردوغان لا يريد الإذعان ولا يزال يمتنع عن الإقرار بهذه الحقيقة. إنَّ مثل هذا الموقف المعاند لا يتماشى مع معطيات السياسة الواقعية”.
من المعروف أنَّ “اتِّفاق أضنة” لم يمنع فحسب قيام حرب بين أنقرة ودمشق في ذلك الوقت، بل أدَّى أيضًا إلى تحسين العلاقات بين البلدين إلى درجة أنَّ أسرتي إردوغان والأسد قد ذهبتا سوية لقضاء الأجازة.
تركيا غير مخوَّلة في التصرُّف من جانب واحد
لقد ظلَّ “اتِّفاق أضنة” ساري المفعول حتى اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011 ، مثلما ذكر إسماعيل حقي بكين لموقع قنطرة. وبكين هذا هو لواء متقاعد وكان يشغل سابقًا منصب رئيس قسم الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان التركية. وشدَّد على أنَّ “اتِّفاق أضنة” لا يمنح تركيا الحقّ في التصرُّف من جانب واحد – على العكس من تلميحات إردوغان.
يقول إسماعيل حقي بكين إنَّ “اتِّفاق أضنة يوفِّر الأساس للتعاون وليس العمل من جانب واحد. عندما كنت بين عامي 2007 و2011 رئيس قسم الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان التركية، كنت أزور سوريا كلّ ستة أشهر. وسوريا كانت تقوم بتسليم جميع أعضاء حزب العمال الكردستاني، وقد أغلقت معسكراته وجفَّفت مصادر تمويله. الاجتماع الأخير بين تركيا وسوريا تم عقده في شهر كانون الثاني/يناير 2011 خلال فترة وجودي في رئاسة قسم الاستخبارات. سافرت إلى دمشق ضمن إطار هذا الاتِّفاق. وكان من المفترض في الواقع أن تردّ سوريا الزيارة في شهر آب/أغسطس، ولكن هذا لم يحدث في ظلِّ الظروف القائمة”.
وفضلًا عن ذلك ذكر إسماعيل حقي بكين أنَّه قد تحدَّث إلى مصدر روسي قبل يومين من حديث بوتين حول “اتِّفاق أضنة” واقترح المصدر الروسي أنْ: “تدخل تركيا من الشمال، ويدخل النظام السوري من الجنوب. ويتم تمشيط المنطقة. وبعد إعادة النظام، تنسحب تركيا”.
وبحسب رأي إسماعيل حقي بكين فإنَّ هذه هي خطة موسكو، أمَّا “اتِّفاق أضنة” فيمهِّد الطريق لها. ولكنه أضاف أنَّ تركيا يجب عليها التخلي عن هدفها الرامي إلى إسقاط نظام الأسد. وكذلك يجب على تركيا إذا كانت تريد أن يسير هذا الحلّ بنجاح ألَّا تدعم الجيش السوري الحر، الذي تعتبره دمشق تنظيمًا إرهابيًا.
البحث عن حلّ يرضي الجميع
وبحسب وجهة نظر الخبير التركي في شؤون الشرق الأوسط أويتون أورهان من “مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية” (Orsam) في أنقرة فإنَّ بوتين يحاول أيضًا من خلال الإشارة إلى هذا الاتِّفاق خلق ثقل مضاد للمنطقة الآمنة المقترحة من قِبَل الولايات المتَّحدة الأمريكية، التي يخطط لها الأمريكيون بعد انسحابهم من سوريا.
“الولايات المتَّحدة الأمريكية وكذلك روسيا تريدان تركيا إلى جانبهما، ولكن لا أحد منهما يريد التخلي عن وحدات حماية الشعب”، مثلما أضاف أويتون أورهان: “واشنطن تبيِّن لتركيا أنَّ الأمريكيين يفهمون مخاوفها الأمنية، ويقترحون منطقة آمنة كعازل بين تركيا وميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية. وفي الوقت نفسه تقول الولايات المتَّحدة الأمريكية للمسلحين الأكراد إنَّها لا تريدهم أن يكونوا على الحدود التركية، وتعرض عليهم بدلًا من ذلك جنوب المنطقة الآمنة”.
ووفقًا لأويتون أورهان فإنَّ موسكو قدَّمت مع الإشارة إلى “اتِّفاق أضنة” عرضها الخاص القائم على التعاون الأمني بين أنقرة والنظام السوري. ولكن أويتون أورهان أشار كذلك إلى أنَّ فلاديمير بوتين يريد بالنظر إلى “اتِّفاق أضنة” التأكيد أيضًا على أنَّ موسكو تحاول تشجيع النظام على الدخول في حوار مع الأكراد من أجل ضمان وحدة سوريا. قد تكون هذه رسالة إلى وحدات حماية الشعب تفيد بأنَّ موسكو مستعدة لقبول الحفاظ على بعض المكاسب الكردية في سوريا.
وبحسب الصحفي غوركان زينغين، وهو مؤلف للعديد من الكتب حول السياسة الخارجية التركية، فإنَّ أنقرة لديها أسباب وجيهة لعدم الثقة في الولايات المتَّحدة الأمريكية، التي لا تزال تتفاوض معها حول الحلّ النهائي.
“مثلما أكَّد إردوغان عدة مرات فإنَّ تركيا ليست مستعدة للدخول في محادثات رفيعة المستوى مع دمشق. ولكن مع ذلك يمكن لأنقرة في الوقت الراهن أن تحافظ على اتِّصال منخفض المستوى – على الأقل حتى يتَّضح ما الذي تقدِّمه بالضبط كلٌّ من الولايات المتَّحدة الأمريكية وموسكو. وفي غضون ذلك قد تحاول أنقرة أن تخلق لنفسها مجالًا للمناورة”، مثلما قال غوركان زينغين لموقع قنطرة وأضاف: “من ناحية أخرى لن يكون من المفاجئ أيضًا قيام أنقرة بعمل من جانب واحد. وذلك لأنَّه مثلما قال إردوغان مرارًا وتكرارًا: ’يمكننا أن نأتي في أي ليلة فجأة ومن دون مقدِّمات‘” .
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019
ar.Qantara.de
عائشة كارابات صحفية تركية
ما تنتظره إدلب/ حسين عبد العزيز
ليس واضحا بعد المقصود بعبارة “ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان الأمن في منطقة إدلب منزوعة السلاح” التي وردت في البيان المشترك لوزيري الدفاع الروسي والتركي، فالمعطيات العسكرية ـ السياسية في الشمال السوري لا تسمح بالقيام بخطواتٍ عسكريةٍ، مشتركة أو أحادية، في محافظة إدلب، بسبب الواقع المعقد للمنطقة أولا، وبسبب طبيعة التفاهمات التركية ـ الروسية ثانيا، وبسبب التركيز التركي ـ الروسي على منطقة شرق الفرات في هذه المرحلة ثالثا. والواضح أن هذه العبارة في البيان تعكس عدم وصول الطرفين، الروسي والتركي، إلى تفاهم مشترك حيال مستقبل إدلب، أكثر مما تعكس حصول توافق ما.
ترفض تركيا أي عملية عسكرية في هذا التوقيت لأنها تضرب عرض بالحائط كل الجهود التي تقوم بها لترتيب المشهد الداخلي، للمحافظة سواء على الصعيد العسكري، أو على الصعيد الإداري المدني، فشن النظام عمليةً عسكريةً سيلغي الفروق بين فصائل المعارضة والتنظيمات الإرهابية، ويجعلهما في خندقٍ واحد لمواجهة النظام.
المقاربة التركية، وتوافق عليها روسيا، هي أن أي عملية عسكرية واسعة ضد المحافظة ستعيد الأمور إلى مربعها الأول، وتنعكس سلبا على مروحة التفاهمات الروسية ـ التركية التي تشمل الصعيدين، العسكري والسياسي، لأن نتائج هذه العملية ستلحق ضررا كبيرا بتركيا على عدة مستويات:
أولا، على مستوى اللجوء الإنساني، حيث ستحدث عملية نزوح كبيرة، إما باتجاه الأراضي التركية أو باتجاه منطقة عفرين. وفي الحالتين، ترفض أنقرة ذلك، لما سيسببه ذلك من تعقيدات اقتصادية لها.
ثانيا، على مستوى إدارة تركيا وضبطها فصائل المعارضة، ستضع عملية كهذه أنقرة في حرج أمام الفصائل، وربما تندفع فصائل المعارضة إلى الخروج من عباءة التفاهمات التركية ـ الروسية، لأن أهم شروط انصياع المعارضة للمطالب التركية بعدم محاربة النظام هي أن لا يشن الأخير، في المقابل، هجوما عسكريا على إدلب.
ثالثا، ستجد تركيا نفسها مضطرةً إلى الوقوف بجانب هيئة تحرير الشام، مع ما يعنيه ذلك من
دعم صريح للمنظمات الإرهابية، أو الوقوف ضدها، وبالتالي خسارتها القدرة على ترتيب المشهد الداخلي للمحافظة، وخسارة ورقة جغرافية مهمة، لأن الغرض الفعلي للنظام من عملية عسكرية ليس القضاء على الهيئة، وإنما السيطرة على أكبر قدر ممكن من مساحاتٍ جغرافية.
بناء على ذلك، يبدو من الصعب الحديث عن عملية عسكرية في هذه المرحلة. وهدف التصعيد الروسي في الخطاب السياسي تجاه إدلب هو الضغط على تركيا للإسراع في خطواتها العملية من جهة، وممارسة نوع من الابتزاز السياسي أيضا فيما يتعلق بشرق الفرات، فالأولوية الآن لموسكو هي شرق الفرات ما بعد الانسحاب الأميركي، وهي فرصةٌ ثمينةٌ لها لإعادة ضبط الجغرافية الاستراتيجية في الساحة السورية.
ولا يمكن تحقيق هذا الهدف الكبير بدون أنقرة، اللاعب المهم في الشمال السوري، ولعل تأجيل اجتماع أستانة مؤشر على رغبة العاصمتين في ترتيب المشهد بما يخدم مصالحهما المشتركة معا. ويدعم هذا الاتجاه أنه لم يحدث جديد على الأرض، يستدعي التصعيد العسكري لموسكو، فحتى عندما سيطرت “هيئة تحرير الشام” على ريفي حلب الغربي وإدلب الجنوبي ضمن عملية عسكرية واسعة، لم تتحرّك موسكو، وتركت الأمر لصناع القرار في أنقرة.
لكن ما يلفت الانتباه هو عدم وجود خطاب تركي متشدّد حيال التصعيد الروسي، ذلك أن أنقرة اكتفت برفض الدخول في عمليةٍ عسكريةٍ مشتركة مع الروس، وأشارت إلى تفضيلها حلا يتضمن عزل المتشددين، حسب وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو.
وربما يعني هذا أن ثمّة عملية عسكرية محدودة للغاية قد تحدث، إما في عموم المنطقة العازلة أو فقط في ريف حماة الشمالي وبعض مناطق ريف إدلب الجنوبي، وقد أعلنت الخارجية الروسية، قبل أيام، أن العملية العسكرية المحتملة في إدلب ستكون منظمة بشكل فعال إذا تمت.
ومن الصعب تفسير أسباب هذه العملية المحدودة إن جرت، فثمّة أسباب كثيرة لها، منها حصول صفقة مضمرة بين موسكو وأنقرة في إدلب وشرق الفرات. ومنها أن موسكو تتعرّض لضغوط كبيرة من النظام، خصوصا في هذه المرحلة التي تشتد عليه الأزمة الاقتصادية. ومن شأن عملية عسكرية جديدة أن تعيد الثقة إلى قاعدته الشعبية، وتبعد الأضواء قليلا عن الواقع المعيشي المزري. ومنها أيضا أن موسكو ربما تريد تحقيق هدفين مزدوجين: إرضاء النظام بحصوله على بعض المساحات الجغرافية، والقضاء على التنظيمات الإرهابية المخالفة لـ “هيئة تحرير الشام”، مقدمةً لدفع الأخيرة إلى الانصياع إلى الشروط التركية.
العربي الجديد
إدلب بين تصعيد النظام السوري واحترام الاتفاقات الدولية/ رانيا مصطفى
تتمسك روسيا باتفاق خفض التصعيد في إدلب، رغم تصريحات وزير خارجيتها سيرجي لافروف عن نفاد صبرها من وجود “كمّ هائل من الإرهابيين” هناك، ورغم سماحها لقوات النظام، خلال العشرة أيام الأخيرة، بتكثيف القصف الممنهج على ريف إدلب الجنوبي والشرقي.
لا تفكّر موسكو في خرق اتفاق إدلب الذي عقدته مع الأتراك في سبتمبر الماضي في سوتشي، لأنّ الاتفاق جاء تحت التهديد الأميركي لمنع حصول كارثة إنسانية في إدلب، وجاء بضغوط أوروبية تمثّلت بمباركة ألمانيا وفرنسا له بعد تلبية دعوة تركيا لحضور قمة إسطنبول إلى جانب روسيا في أكتوبر الماضي.
وبالتالي فإن توسّع التصعيد في إدلب سيعرّض روسيا للمزيد من الضغوط الدولية لفرملة رغبة النظام في السيطرة على المدينة، خاصّة مع وجود امتعاض أميركي وأوروبي من استمرار روسيا في الاعتماد على النظام، وعدم القبول بتغيير سياسي ملموس في الملف السوري.
ويرغب النظام الذي يسيطر فقط على 60 بالمئة من الأراضي السورية، في استكمال “انتصاراته” المزعومة والسيطرة على إدلب، إضافة إلى منبج وشرق الفرات، تدعمه في مسعاه هذا إيران، غير الشريكة في اتفاق سوتشي حول إدلب؛ لكنه يعلم أيضا أن فتح المعركة مستحيل، وهو يتحيّن الفرص التي يسمح بها الروس لتصعيد القصف ما أمكن.
لذلك ظل القصف العشوائي وبالصواريخ والمدفعية، يستهدف المدنيين وهو يتركز على خان شيخون ومعرة النعمان، أي بالقرب من الطريق الدولي؛ ولم يستنفر النظام قواته البشرية في كل النقاط المحاذية لفصائل المعارضة، في حين أن محاولاته القليلة للاقتحام حين سنحت له الفرصة في غربي حلب، قوبلت بصدّ من المعارضة.
وفي حين فشلت قمّة سوتشي الأخيرة للدول الضامنة في تحقيق تغيير ملموس في أي من الملفات السورية الشائكة، دون أن يعني ذلك انهيار التحالف الروسي التركي مع إيران، فإن القصف الذي بدأ قبيل القمة بموافقة روسية للضغط على تركيا لتقديم تنازلات، يتوسّع بعدها ليشمل 56 قرية وبلدة في ريف إدلب وريفي حماة الشمالي والغربي، وما رافق ذلك من قتل وتدمير ونزوح لأكثر من 7 آلاف عائلة من تلك المناطق.
والسماح للنظام بتوسيع القصف وتصاعده هو دلالة على استمرار الضغط الروسي على الأتراك، لتسريع حلّ عقدة هيئة تحرير الشام، ولتسريع استكمال الجزء الثاني من الاتفاق حول فتح الطرق الدولية، حيث يتركز القصف حول المناطق المحيطة بطريق دمشق – حلب الدولي.
تركيا لم تقدّم تنازلات حول إدلب في قمة سوتشي الأخيرة، مدعومةً بموقف أميركي – أوروبي رافض لفتح معركة شاملة هناك. وبالتأكيد فإن تكثيف قصف النظام الأخير يربكها، رغم أنه يتجنّب نقاط المراقبة الـ12 التي أقامتها في إدلب، وفي المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل، حيث تتم إضاءتُها بالكشافات، لمنع استهدافها، ورغم أن الصواريخ تمر فوق نقاط المراقبة، وتجتاز المنطقة العازلة إلى بلدات في العمق، مسببة نزوحا شبه تامّ في تلك البلدات.
النظام لا يملك من القرار سوى قصف المدنيين عن بعد؛ ربما هدفه إحداث هذا الإرباك لتركيا، التي تضطر للصمت، طالما أنّ القصف يظل محدودا ولا يستهدف نقاط مراقبتها، وهو ما سيعرّضها لضغوط من الأهالي والفصائل على حدّ سواء، بسبب عدم القيام بدورها المزعوم في حماية المدنيين، أو السماح للفصائل بانتهاك الاتفاق وفتح معركة ضد قوات النظام.
ومن زاوية أخرى، يمكننا قراءة التصعيد العسكري الأخير في إدلب من قبل قوات النظام، بأنّه استغلال روسي للخلاف التركي-الأميركي، حول تراجع ترامب عن وعوده لأردوغان في المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، واستمرار دعمه لوحدات الحماية الكردية، وحول رفض تركيا لصفقة الصواريخ الأميركية “الباتريوت” بسبب عدم ملاءمتها للمعايير التركية، والمضي في صفقة “أس-400” مع روسيا، رغم التهديدات الأميركية لأنقرة بالعقوبات على الدول التي تعقد صفقات مع الصناعة العسكرية الروسية.
روسيا تستعجل تركيا للمضي في تقدم جديد في اتفاق إدلب، وهي تقترح نشر قوات حفظ سلام روسية في المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل، في خطوة منها لانتزاع تقدّم في الملفّ، وهي تضغط على أنقرة لتقديم التنازلات، ربما بمقايضة مع الشريط الحدودي لها مع سوريا شرقي الفرات، وبالتالي عودة سيطرة النظام على إدلب.
إن المضي في سيناريو المقايضة هذا مرهون أولا بإنهاء ملفّ الجهاديين في إدلب العالق بين تواجد تنظيمات إرهابية غير سورية، وهما مجموعتا حراس الدين والحزب الإسلامي التركستاني، وبين محاولات هيئة تحرير الشام تغيير حلّتها الجهادية، وقد يتطلب الأمر عملية عسكرية روسية – تركية مشتركة ضد تلك التنظيمات.
وثانيا مرهون بالاستراتيجية الأميركية التي لا يبدو أنها ترغب في ترك المنطقة كليا للروس، وتفضّل إدارتَها حتى بعد الانسحاب، بالإبقاء على 200 جندي أميركي، واستدعاء الفرنسيين والبريطانيين كقوات فصل في المنطقة، وبالتالي ليس من صلاحيات موسكو مقايضة تركيا بالشريط الحدودي مقابل إدلب، ولا حتى أن تفرض عليها العمل باتفاقية أضنة القديمة، حيث لا يرغب الأميركان بعودة قوات النظام، التي ما زالت تتحكم بها إيران، إلى المناطق الحدودية، ويفضّلون الإبقاء على تحالفهم مع قوات محلية لإدارة المناطق التي سينسحبون منها.
وإذا كانت وسيلة الروس للضغط على الأتراك السماح للنظام بقصف موسع على الأماكن السكنية، وكانت مصلحة تركيا تتمثل في الصمت عن استهداف المدنيين، ومصلحة الفصائل في الولاء لتركيا، فإنّ المدنيين هم الخاسر الأكبر في لعبة المناوشات هذه؛ وهي لعبة لن تستمر طويلا، حيث يتوجب على الأتراك التسريع في حل ملف الجهاديين، والقبول بفتح الطرق الدولية، كما يتوجب على روسيا القبول بإبقاء إدلب منطقة نفوذ تركي، خارجة عن سيطرة النظام، إلى حين أن تأتي التوافقات على حلّ سياسي. ويبدو أن الأميركان يميلون إلى حلول لا مركزية بإدارات ذاتية، تلبية لرغبة حلفائهم المحليين شرق الفرات، الأمر الذي سيدعم رغبة تركيا في أن يشمل فصائل المعارضة في إدلب وريفها أيضا.
كاتبة سورية
العرب