تأخر الوقت تقريباً على كل شيء/ كلاوديو كومارتين
ظلال
السؤال القديم تغيّر،
“هل أنت بخير؟”،
“ماذا نفعل اليوم؟”،
“إلى متى ستظل جميلاً جداً؟”،
تجعيدةٌ جديدةٌ ظهرت،
الزجاجُ أقلُّ وأقلّ امتلاءً،
اليدُ أقل يقيناً،
وأزهار الماغنوليا غارت في الصمت.
عذوبة الرقص المنتظم،
ضياع الإيماءات،
الخطوات،
المحادثات التي لها طعم سجائر وكيروسين،
الثلج الذي ذاب من هيكل عظمي،
في اليوم الأخير من الشتاء،
لم يعد هناك من شيء.
تجد نفسك هادئاً،
في سلام،
غيرَ مشوّشٍ،
أمام النافذة أو قرب الطاولة،
المغطاة بصفحات خدشها شعرها،
تجد نفسك وحيداً مع أشباحك،
قلبِك وقصصه البالية،
(كلاكما بكى في الفيلم الأخير الذي شاهدتماه معاً،
على الحيتان التي تقتل نفسها،
مندفعة نحو الشاطئ)
وإنه لحُلمٌ سيءٌ أن تختنق،
وألّا تقوى على الحراك،
الماءُ يرتفعُ أعلى وأعلى،
لكنك تبتسم،
والخطّ الذي أمامك،
الخط الذي أقسمت ألا تعبره،
يصير رفيعاً رفيعاً،
إنه يختفي.
■■■
قصيدة حب
“القصائدُ غيرُ الناجزةِ إنما هي كواحِلكِ.
ومرفَقكِ الذي تستعيدينَه برفقٍ
وأنتِ تستلقين على الوسائد قُربي وتتثاءبين
خطٌ آخرٌ لا أحد يستطيع أخذه مني”
إلهان بيرك1
لا أشعرُ أنني أتمالك نفسي،
اثنتان وعشرون سيجارةٍ،
ولا حتّى فكرة واحدة تبدّت لي،
نحلةٌ تضربُ النافذة،
ثمّ،
عسلٌ يقطرُ من حافّة الجرن،
على أغطيةِ الفِراش المجعّدة،
أيادينا الرائعةُ وأقدامُنا،
تُعيدُ اختراعَ العالم،
شفاهٌ، شَعر، أعضاءُ تناسليةٌ، أصابعُ تتلمس،
كلّها تتشابكُ لبلاباً على الشُّرُفات الواسعة.
الوقتُ متأخّر،
الغرفةُ شكلُ جسدِك،
في طيّاتِ الشراشف،
شيءٌ من نَفَسك،
من رائحةِ عُنقِك،
من شَكل ثدييك،
من عانَتك،
أراقبُ من على السرير،
كيفَ تبتسمين مثلَ ولدٍ كبيرٍ،
مثيرٍ للاشمئزاز،
وبلا ذاكرة،
بلا حتى حفنة صغيرة منها.
■■■
هدهدةٌ للبائسين
نجومٌ وأسنان متوتّرةٌ،
وأشياءُ لا يمكنكَ حِفظُها،
دونَ أن تسحقها على جدار.
شعرتُ بكِ فيَّ وكرهتك.
أبداً لستُ حراً، أبداً لم أتحرّر منكِ،
لا تبكِ، ما الغاية من البكاء،
هناك الكثير من الضوء.
كنتُ هناكَ وحاولتُ أن أشعر.
(هدهدةٌ للبائسين)
وقْفُ كل شيء إلى الأبد في داخلك،
ربطُ كل شيء في الداخل،
وعدٌ أخير،
لمسةٌ أخيرة،
آخرُ مرّةٍ أغلقتِ فمي،
بشيءٍ لكِ فقط.
وفي هذا الماء العميق،
كان سيعجبني أن أغمس وجهي،
هذا النصل يطهَّرَ في السرّ.
■■■
مثلُ شاعرٍ في فيلم كوري
بعد ظهرِ ذلكَ اليومِ جلستُ،
مع الحيوان الأجشّ في صدري،
على مقعدٍ في الجامعة،
حيثُ كل شيءٍ حولي،
يهمسُ أنني فشلتُ،
واليدانِ على ركبتيَّ،
حكت قصةً حزينةً من خمس سنين فائتة.
(لم أحلُم بأيِّ شيءٍ منذُ شهور،
ورغم أنني حاولتُ خداعَهم،
إلّا أن لا أحدَ صدّق أنني قد أكون ولداً سيئاً)
أتى مساءٌ تبدّت فيه نجوم السماء،
لعلَّ شيئاً ما كان قادماً،
ولم أقوَ على ألّا أكترث.
قربَ النافورة حمامتان ريّانتان،
أيقظتا صورةَ نهديكِ في الصباح:
تنظرين إلى المرآة،
بشعركِ الفوضويّ الرقيق،
وتلكَ البسمةُ،
تجعلُني أتمنّى أن أكونَ واحداً،
من أولئك الناس الطيبين،
الذين يطعمون الحمام.
جلستُ على المقعدِ،
شيءٌ ما أومضَ قربي في النّافورة،
الناسُ الذين عبروا،
تعانقوا،
تفرّقوا،
وكنتُ حزيناً مثلَ شاعرٍ في فيلمٍ كوري،
أفكّرُ أنّهُ كان عليكِ أن تذهبي،
وأنَ الغيومَ جميلةٌ جداً.
■■■
كمال
أريدُ أن أصدّقكِ حين تقولين،
سيأتي أحدٌ ما،
بابتسامةٍ رائعة،
وروحٍ ثابتة.
حشرةٌ بقلب مُرضعةٍ،
تدفعني نحو الغد،
كما لو أنها تقود في الليل،
حصاناً أَعطَبَه الحُزنُ،
إلى الجزّار.
■■■
لغز للوحوش
“إلى أية نهاية؟ ..أليس كل شيء سوى الجنون؟”
إيمينيسكو2
كذلكَ هي الأيّام،
كورسُ الملائكةِ صامتٌ،
الأفضلُ ألا يتكلموا،
عن انحلال الأخلاق.
هناكَ ضوءٌ صغير شاردٌ،
في بلدةٍ ريفيةٍ صغيرةٍ،
أو في بقعة من الغابة،
حيث الخطوم البيضاء،
التي للبلدوزرات تتوعد.
بقايا عشاء البارحة.
حشراتٌ استنسخت شمساً.
في مكانٍ ما هنالك غرفةٌ،
بحفرةٍ في المنتصف،
ورفيقٌ صغيرٌ عابسٌ يكتبُ ويتمتمُ،
بلغةٍ يتوكأ عليها صدأٌ،
لم يؤكل بعد.
هيكل الزرافة العظمي،
أو ربما التفكير الأخير بعد
أن لخبطت أدمعتنا بشكل كامل
حزمةُ ضوءٍ تخاطريةٌ،
شعت من كوكبة الجيغيولي3.
رأيت تلك الأجسام الغريبة،
البعض اعتقد أنه سيحمي العالم بها،
لم يحموا شيئاً،
مكناتٌ ماكرة،
بطاريات نوابض وساعات،
وحيوانات تلبسها حول أعناقها،
تضحك على الرب الذي يجلس،
في مسرح فارغ،
يشاهد أفلام السباغيتي4،
منذ أن شنق أكواريوس5 نفسه.
■■■
مجهر
لا أستطيع أن أقول أي شيء،
عن أيٍّ من تلك الأشياءِ التي ترعبني،
عن هؤلاء الناس الطيبين الجاهزين في أي وقت،
ليحشروا خبرتهم في الحياة في حلقك.
دائماً ما يعرفون أفضلَ،
دائماً متأكدون من أنفسهم،
ويصدّقون بإخلاصٍ كلَّ شيءٍ خاطئ.
أنا شخصياً لا أعرف أي شيء،
لم أتّعلم شيئاً،
أحاول أن أتمهّل.
أستيقظُ من النومِ شاعراً بالامتنان،
لليلةٍ لاهيةٍ،
ولفحةٍ من هواء.
حاولتُ أن أفهم الناس،
جئتُ لأعرف ضجيج المدن الكبرى،
نظرتُ من خلال المجهر،
إلى ملايين الخلايا المضطربة،
التي جعلها الإشعاعُ مجنونة.
حدث مرات كثيرة بعد النصر،
أن أتْبعته هزيمةٌ طويلةٌ مُرّةٌ.
الكحول مرة أخرى أصبح رفاهية.
البعض منا صار مجنوناً.
آخرون عصروا أدمغتهم بأسنانهم.
أكثرنا تحول إلى قردة بتقنية عالية،
أخذوا السطوة لمئات السنين.
تأخر الوقت تقريباً على كل شيء،
بما فيه الشعر الذي،
صار الآن شيئاً مخجلاً كالطوباوية.
“جهازٌ من ذهب” لماريانا مارين6،
والشمس التي مثل آفةٍ،
تضرب الستار المرسوم على عجل،
على النافذة التي ترمي نفسكَ منها.
** Claudiu Komartin شاعر روماني من مواليد بوخارست عام 1983. يمثّل أحد الأصوات الشعرية الشابة المؤثّرة في جيله، صدرت له عدة مجموعات شعرية، من بينها: “محرّكو العرائس وأرق آخر” عام 2003، التي حازت جوائز أدبية عديدة في بلده، رغم أنها أول إصداراته، و”كوبالت”.
** ترجمة عمرو كيلاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
1 شاعر تركي معاصر (1916 – 2008)، من تيار ما بعد الحداثة في الشعر التركي
2 ميهاي إيمينيسكو (1850 – 1889): شاعر وروائي روماني
3 جيغولي: سيارة كانت تُصنع في الاتحاد السوفييتي
4 يُطلق مصطلح “أفلام السباغيتي” على أفلام الغرب الأميركي التي أُنجزت في إيطاليا في الستينيات
5 ساقي الإله زيوس
6 شاعرة رومانية لها مجموعة بعنوان “جَهازٌ من ذهب”
اقــرأ أيضاً
شمعة مضاءة من طرفيها
جميع حقوق النشر محفوظة 2019 العربي الجديد