ما هي الأشياء التي تُذكر اللاجئين بالوطن؟
فرّت عائلتي من العراق إلى هولندا منذ حوالي 20 عامًا. لقد كنت دائمًا ممتنًا جدًا أنني عشت في بلد آمن مثل هولندا ولكن هناك بالتأكيد لحظات افتقدت فيها وطني الأم. تركت العراق عندما كنت أبلغ عاماً واحداً فقط؛ لذا الشعور بالحنين لا يتعلق بالذكريات ولكن هناك تفاصيل أخرى تتعلق بالطعام – الدولمة، البامية والكبة التي كنا نأكلها في وطننا والبرامج العربية التي نشاهدها على شاشات التلفزيون واللوحة التي رسمتها أمي لمعالم الشرق الأوسط، والمُعلقة في غرفة المعيشة لدينا.
أردت معرفة ما إذا كان اللاجئون الآخرون لديهم أشياء مُحددة تجعلهم يتوقون إلى الوطن. بالتعاون مع مشروع Buddy Film – وهي منظمة تساعد صانعي الأفلام من اللاجئين على إنجاز مشاريعهم – قابلت خمسة مهاجرين وتحدثت معهم عن الأشياء التي تذكرهم ببلدهم، وكيف يجعلون أنفسهم يشعرون بأنهم في وطنهم خلال وجودهم في هولندا.
عُديّ،21 عاماً، من سوريا
“يبدأ صباحي دائمًا مع القهوة العربية السورية والسيجارة. لا يُمكنك مقارنتها بالقهوة المصنوعة بالآلة – ليس فقط بسبب المذاق، ولكن أيضًا لأن هذه القهوة الخاصة تذكرني بالماضي. كان روتيننا اليومي هو تناول القهوة معًا كعائلة كل صباح قبل أن يذهب الجميع إلى العمل. وقبل أربعة أعوام ونصف، قرر والداي الهجرة إلى هولندا.
انتهى بي المطاف إلى العيش مع والدي عندما انفصل والداي. الآن، يمكنني أن أفعل ما أريد في هولندا، وهو وضع مختلف تمامًا عن حياتي في سوريا، حيث كان الجميع يعرفون بعضهم البعض. كان الأمر لطيفًا، لكنه كان أيضًا يعني أن الجميع يتدخل في شؤون بعضهم البعض، ولم أكن حرًا في إقامة علاقة أو الشرب أو التدخين، وإذا فعلت ذلك، فإن كل شخص في مجتمعنا كان سيتحدث عن ذلك. على عكس هولندا، لا أحد يهتم.
عندما أفكر في سوريا، لا أفكر في الممتلكات، ولكن في مشاعر محددة والذكريات المرتبطة بها، مثل روتين القهوة الصباحي. ولحماية هذه الذاكرة ومواصلة هذه العادة، أشتري دائمًا قهوتي من سوبر ماركت عربي في المدينة. هذا لا يعني أنني أريد أن أكون عالقًا في الماضي؛ بدلاً من التسكع مع السوريين فقط، أريد التعرف على أكبر عدد ممكن من الهولنديين. أريد أن أركز على حياتي الجديدة؛ على عُديّ الجديد الذي نشأ في هولندا – فقدان شيء ما في بعض الأحيان يعني إيجاد شيء أفضل.
ياسر، 22 عاماً، من الصومال
فررت من الصومال عندما كان عمري ست سنوات مع أمي وأخي الصغير، وانتهى بي المطاف في هولندا. قضينا السنوات الـ 11 التالية في الانتقال من مركز للاجئين إلى آخر. هذا يعني أنه لم تتح لي الفرصة أبدًا للشعور بالاستقرار كطفل. وعندما حصلت على وثيقة، كان علينا أن نتحرك مرة أخرى – فالتعلق بالأشياء أو الممتلكات كان لا فائدة منه.
كان طهي أمي هو الشيء الثابت الذي يمكنني الاعتماد عليه دائمًا، وهو ما يجعلني أفكر في الصومال ويساعدني على الشعور بأنني في وطني هنا. أنا أعمل في قطاع الضيافة، وعندما أكون في استراحة، عادة ما أتناول البطاطس والخضروات وبعض اللحوم أو السمك. إنه طعام جيد، لكنه ليس مثل الفاصوليا وخبز الشباتي الذي تصنعه أمي.
إن تعريفي للوطن هو أي مكان توجد فيه عائلتي، وهذا يعني أن طعام أمي يجب أن يكون موجوداً أيضًا. عائلتي ظلت مترابطة خلال تلك السنوات الصعبة؛ طالما هم متواجدين حولي، فإن الوطن يمكن أن يكون إما في الصومال أو هولندا. في الصومال نعتبر جيراننا مثل العائلة، وأفتقد ذلك حقًا. كنا فقراء للغاية ونتناول طعامنا في منزل جيراننا كل يوم، كما كنا نتشارك وجبات الطعام في مركز اللاجئين. وكان هذا الشعور الدافئ بالترابط أقوى من الوطن الذي نعيش فيه الآن.
يعيش العديد من اللاجئين الذين أتوا إلى هولندا حياة جيدة ويتشاركون طعامهم، ولكن لأسباب خاطئة: يريدون التباهي. هذا ليس أسلوبنا – أنا وعائلتي لسنا مليونيرات، لكن الحمد لله لدينا منزل، طعام، ومع بعضنا البعض، هذا هو الشيء الأكثر أهمية.
ماتيا، 33 عاماً، من البوسنة
كلما خطوات داخل بيتي، ستجد ثلاثة من السجاجيد الكلاسيكية. لقد تنقلت عدة مرات في السنوات القليلة الماضية؛ حتى منزلي الحالي مؤقت. لذلك لم أهتم حقاً بديكور المنزل الذي أعيش فيه. لكن لدي هذا السجاجيد الذي يمكنني على الأقل من ملء المساحات بطريقة ما. تذكرني هذه السجاجيد بوالداي وأجدادي الذين توفوا جميعهم للأسف. وهذه السجاجيد تساعدني على ابقائي بتواصل مع البوسنة وعائلتي وتراثي، فالوطن موجود حيث توجد السجاجيد.
لقد ولدت في سراييفو، لكنني فررت مع أمي إلى هولندا عندما كنت في السابعة من عمري. كان من الصعب بالنسبة لي أن أشعر بأنني في الوطن منذ ذلك الحين. لبعض الوقت شعرت أنني في وطني عندما كنت أعيش مع زوجي السابق، لكن بعد الطلاق شعرت أنني عدت إلى المربع الأول. عندما غادرت البوسنة كنت قد فقدت بيتي وأصدقائي وعائلتي. كنت خائفة من فقد ثقافتي، لكن شيئًا صغيرًا مثل السجاد ساعدني في التمسك بجزء منها. سأنتقل إلى شقة صغيرة قريبًا. مهما حدث، يمكنك أن تكون متأكداً من أنني سوف أضع سجاجيدي في مكان جيد.
رائد، 28 عاماً، من سوريا
كثيراً ما أحاول إعادة صنع أطباق أمي. الآن، أنا أقوم بعمل الدولمة. كانت دائمًا ما تطهو للأسرة بأكملها وتضع شيئًا مختلفًا على الطاولة كل يوم. يذكرني المطبخ الشرق أوسطي بعائلتي وطفولتي وحياتي في سوريا. لطالما كان الطعام جزءًا مهمًا من ثقافتنا، وهو الشيء الوحيد المتبقي لي الآن حيث أعيش في هولندا بمفردي.
قررت أن أغادر سوريا منذ أربع سنوات ونصف بسبب الحرب. كانت سنواتي الأربع الأخيرة مليئة بعدم الأمان وانعدام الاستقرار، وكنت أعرف أنه يجب عليّ المغادرة إذا أردت الحصول على مستقبل آمن لا يتضمن الخدمة في الجيش. لقد خططت لرحلة إلى السويد، لكن بمجرد وصولي إلى أوروبا غيرت خططي وتوجهت إلى هولندا. الجميع يتحدث دائماً عن أنه كيف أن كل شيء منظما هنا، وعن كون اللغة الإنجليزية أصبحت نوع ما اللغة الثانية. لم أكن أعرف أي شخص في هولندا، لم يساعدني أحد، لم أكن أريد أن يقول أي شخص أنه قد أنقذني أو أنني لم أكن لأتواجد هنا بدونه. أردت اكتشاف الأمور بنفسي.
بمجرد وصولي إلى هولندا، أصبح كل شيء أكثر تعقيدًا مما توقعت. هناك قوانين وقواعد لكل شيء هنا. في سوريا، يمكنك حل كل شيء بالمال. وعلى الرغم من أنني ممتن للعيش في هولندا، إلا أنني أشعر بالوحدة كثيرًا. عائلتي منتشرة في جميع أنحاء أوروبا وسوريا، ولم آخذ أي شيء من البلد التي ولدت فيها. في سوريا، كنا ننتقل كل ثلاث سنوات، لذلك تعلمت ألا أكون مرتبطًا بالأشياء المادية. الذكريات هي الأشياء الوحيدة التي يمكنك الاحتفاظ بها إلى الأبد – إلى جانب مهارات الطبخ الخاصة بوالدتي، التي ورثتها لحسن الحظ، ولو بشكل بسيط على الأقل.
سالي، 26 عاماً، من سوريا
“لقد جئت إلى هولندا قبل عامين من سوريا. كان زوجي هنا منذ بضعة أشهر وتولى أمر إنهاء أوراق معاملتي. لقد هربنا لأن زوجي مسلم وأنا مسيحية، وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نكون معًا في سوريا؛ حتى عائلتي لم توافق. ومع ذلك، استمرينا برؤية بعضنا البعض، وفي أحد الأيام عرض عليَّ الزواج على الشاطئ، في تلك اللحظة أخذنا الحافلة إلى دمشق، حيث اشترينا خواتم الزفاف في سوق الحميدية، أكبر سوق سياحي في سوريا.
لم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى غادر زوجي إلى هولندا، كانت أشهري الأخيرة القليلة في سوريا صعبة للغاية – لقد فقدت عائلتي واضطررت إلى الرحيل. كنت وحيدة بشكل كبير. في هذه الأثناء، كان الوضع في سوريا يزداد سوءًا بسبب الحرب. عندما وصلت في البداية إلى هولندا، شعرت بهذا الفراغ من الداخل لأن أمي وأخواتي وأصدقائي كانوا بعيدين جدًا. بدأت أفتقدهم أكثر بعد أن أنجبت ابني وكونت عائلة خاصة بي. بالنسبة لي، الوطن يتمحور كلياً حول العائلة.
تزوجت أنا وزوجي في سوريا، لكن لم يكن لدينا حفل زفاف مناسب. عندما وصلت إلى مطار سخيبول، كان عدد قليل من النساء في انتظاري. كنت قلقة ولم أفهم ما يجري، لكن إحداهن أخبرتني أن كل شيء على ما يرام وأنها لديها مفاجأة لي. ذهبنا إلى الحمام، حيث وجدت فستان زفاف ينتظرني. كنت في حيرة من أمري، ولكن ارتديته، كان زوجي رامز يقف خارج المطار مباشرة، حيث كان قد خطط لحفل زفاف لي. خواتم زفافنا وألبومات صورنا هي أغلى الأشياء لديّ. أريد أن أتمكن من رؤيتهم في المنزل في جميع الأوقات – ولهذا السبب أضع ثلاثة منهم فوق التلفزيون مباشرة.