من هم المستعدون للموت من أجل روسيا على الجبهة السورية؟/ وديع الحايك، أولغا بوبروفا، إلينا ملاشينا
التقى صحافيو “نوفايا غازيتا” بأحد القادة الميدانيين، الذي تقاتل كتيبته بقيادة روسية، وتحدثوا مع شيوخ الشيعة ذوي النفوذ حول المصالح المتضاربة بين “حزب الله” وإيران وروسيا في النزاع السوري.
العرب والسلاح الروسي
تقع بلدة القصر اللبنانية في الزاوية شمال الشرقية من وادي البقاع، تماماً على الحدود مع سوريا. يمتد الطريق أمامك ناعماً أملس، محاطاً بأنواع متعددة من الشجر: صفوف رفيعة من أشجار الزيتون والسرو الممتدة لمسافة بعيدة، وصولاً إلى الجبال. على قمة التل يمكن أن يرى المرء أحد المعابد المسيحية القديمة، وعلى جانبي الطريق لوحات نُقشت عليها دعوات طيبة، “ندعوك لتناول الطعام في مطعم مزرعتنا” مثلاً.
أما الدبابة الراقدة عند نقطة التفتيش عند مدخل المدينة، والتي تكسوها ألوان الجيش المموهة، فتشوّه مثالية المنظر وتذكّر المارين بأن هذه الأرض الجميلة، التي كان يمكن أن تصبح بسهولة قبلة السائحين، سيقت نحو مصير مختلف تماماً.
نقترب من منزل صغير على مشارف القصر. تنعكس عليه شمس لبنان الباردة الشتوية فتتلألأ جوانبه تحت أشعتها كأضواء الاحتفالات. في طريقنا إلى داخل المنزل، انتحينا جانباً أكثر من مرة، مفسحين المجال لدخول شبان صامتين وخروجهم/ وقد بدوا مرتاحين لمظهرنا. أصبح من الواضح أن هذا المنزل، المملوء بالسجاد الفارسي الناعم، له مداخل ومخارج وزوّار كثر تماماً كعش النمل.
جلسنا في غرفة المعيشة الفسيحة في انتظار سيد المنزل، ولاحظنا أن الغرفة مفروشة باهتمام وإنما من دون مغالاة؛ أرائك مخملية وكراس بمساند للأذرع من خشب الماهوجني وطاولة رخامية ذات أقدام فخمة، ناهيك بمنافض السجائر المصنوعة من الكريستال.
قبل دخول صاحب المكان إلى القاعة، يدخلها شباب تبدو على مظهرهم القوة الجسدية. يجلسون على أرائك حول محيط الغرفة، ويأخذنا شخص ما إلى الهاتف. لم نشعر بأي تهديد أو خوف منهم.
يلقي آخر الداخلين بندقية من طراز كلاشنيكوف بعقب خشبي، على أحد الكراسي بشكل عرضي، بندقية ذات صناعة سوفياتية بالتأكيد.
ثم يأتي المضيف نفسه – خافضاً رأسه، له صوت هادئ ويد قوية. “دون كورليوني” – تتلاقى عيوننا. يجلس في عمق الكرسي. يقدّم لنا رجال القهوة، قبل أن يفتح “دون كورليوني” صندوق السيجار.
زراعة القناب في البقاع في لبنان
يقول دون كورليوني: “نحن هنا على الحدود مباشرة”، بينما ينفث دخاناً ذا رائحة. “سوريا على بعد 500 متر من هنا”. منذ بداية الحرب ونحن نعتمد مبدأ الدفاع عن النفس ضد المتشددين الإسلاميين (لبنان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تجاهد ضد جماعة الدولة الإسلامية المتشددة وجبهة النصرة، المنظمات الإرهابية المحظورة في روسيا، من دون أي مساعدة خارجية)، نحن جميعاً، العائلة والأصدقاء، نحرس الحدود. يبلغ طول الحدود على موقعنا 60 كلم، وهذه هي مسؤوليتنا”.
أما عن اسم “دون كورليوني” الحقيقي، فهو محمد جعفر، وهو بالطبع شيعي وذو نفوذ قوي. علينا أن نذكر أن الشيعة في لبنان هم وحدهم الذين يستطيعون تحمل مسؤولية إدارة سياسة مستقلة عن الدولة، ليس فقط على صعيد السياسة الداخلية بل الخارجية أيضاً. وتعد الحرفة الرئيسية لسكان المناطق الشيعية الحدودية في لبنان هي التهريب.
يُعد وادي البقاع الخصيب أكبر مورد للماريغوانا في العالم. من هنا، وعبر سوريا وتركيا، تدخل الماريغوانا إلى الأسواق الأوروبية. ناهيك بتجارة السلاح.
يعد نشاط تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان لدعم الجيش (“حزب الله” و”حركة أمل” اللبنانية الموالية لإيران) هو الحرفة المحلية الأصلية هنا. وبينما، لا ينتمي محمد جعفر إلى “حزب الله”، ولا تتداخل اهتماماته مع مصالح الحزب وإيران، تتفق اهتماماته في الحقيقة مع مصالح روسيا، وهو ما لم نتوقعه. “دون كورليوني” – قائد وحدة المتطوعين “درع الوطن”، الذي يقاتل ضمن الفيلق الخامس لجيش الحكومة السورية، تحت القيادة الروسية والسورية المشتركة. تتكون الكتيبة بنسبة 25 في المئة من أفراد لبنانيين، والبقية من السوريين. “أفراد الكتيبة بكاملها متطوعون”، كما يؤكد محمد جعفر.
ويقول إنه سيعرض علينا بفخر الشهادات التي حصل عليها من وزارة الدفاع الروسية:
“جنود ممتازون، وقادة عظماء” هكذا يصف دون كورليوني الروس. ويقول عن الضحايا “تضم قائمة الضحايا كلا الجانبين؛ الجنود العاديين والقادة”.
– “المرتزقة من شركة فاغنر العسكرية؟” نطلب منه التحديد.
– “لا، لا أقصد المرتزقة من فاغنر. قوات روسيا العادية”.
“في بداية الحرب، كانت الحدود مهددة”، يقول محمد، وهو يجيب على سؤالنا عن كيف ارتضى الشيعي اللبناني، المحاربة طواعية تحت قيادة لواء الجنرالات الروس الذين أرسلوا إلى سوريا. ويتابع: ” كان قوام الجيش اللبناني عدد قليل جداً من الناس، ولم يتمكنوا من السيطرة على كل شيء. وكانت هناك أيضاً بعض الانتهاكات؛ ومنها وجود ضباط قبضوا رشى لتهريب الأسلحة القطرية إلى الجماعات الإسلامية في سوريا. ثم استطعنا بعدها السيطرة على الحدود، لأنه وكما نفهم الأمر، فالحرب ضد الإرهاب ليست مجرد فكرة تجريدية، ولكنها تعني حرفيّاً الدفاع عن أرضنا” هكذا يخبرنا دون كورليوني عن تاريخ كتيبته.
أما المقاتلون على الحدود اللبنانية – السورية فلم يعودوا موجودين منذ زمن طويل، والآن أصبح الوضع آمناً. محمد نفسه يعترف بهذا. لكن كتيبته لا تزال متورطة في الحرب السورية ويشارك مقاتلوها – جميعهم من أقارب محمد وعشيرته – بنشاط في العمليات العسكرية في جميع أنحاء سوريا.
في شتاء عام 2018، بالقرب من دير الزور (الحدود الشرقية لسوريا، منطقة تتبع العراق، غنية بالنفط، وتسيطر عليها حالياً الولايات المتحدة الأميركية)، فقدت كتيبة محمد جعفر 22 رجلاً. من الواضح أنها كانت مجزرة، حيث قُتل أيضاً الكثير من المرتزقة الذين هزمهم الأميركيون من الجو أثناء محاولتهم السيطرة على معمل تكرير البترول هناك.
– لماذا تحتاج إلى القتال الآن؟ لماذا تستمر في القتال على الأرض السورية وتضحي بقومك؟
– من واجبنا محاربة الإرهابيين. سوريا أيضاً وطننا. وهذا هو واجبنا.
في مرحلة ما وبطريقة لم نلاحظ تفاصيلها، تتحول الطاولة الرخامية إلى طاولة شرقية عظيمة. قام الشباب من أبناء وأبناء إخوة محمد جعفر بجلب أشهى المأكولات اللذيذة من المنزل: الحمص، التبولة، الخبز الساخن، الزيتون ذات الرائحة الفوّاحة، الجبن محلي الصنع.
“على روسيا التفكير في التعاقد معنا لتقديم الخدمات السياحية”، يقولها مضيفنا مبتسماً. “بوتين حاكم عظيم، وروسيا لديها الآن كل مفاتيح الشرق الأوسط”.
بعد الغداء، يصحبنا دون كارليوني في سيارته رباعية الدفع السوداء ويأخذنا في جولة. على طول الحقول الغنية بالزيتون، على طول قطعان رعي الأغنام، نزحف ببطء نحو الحدود السورية. لا نشعر بأي راحة بينما نحن جالسون في المقعد الخلفي للسيارة الضخمة: تحت أقدامنا، تم تجميع الكثير من الكلاشنيكوف في كومة، على عجل، من أجل الشكل الرسمي للجولة مع القائد، وغطى شبان البندقيات بخرقة ذات طباعة مموهة. لذلك جلسنا بعيداً منها.
“نحن هنا في لبنان”، يوضح دون كورليوني بلهجة مرشد سياحي حقيقي، “وهنا نحن بالفعل في سوريا”. هل تشعرون بأي فرق؟
نتوقف عند البوابات الحديدية لمركز الحدود، والتي يرفرف عليها العلم السوري ذو النجوم الخضر. لا ينظر حرس الحدود إلينا. “لسنا بحاجة لالتقاط الصور”، توقفت محاولتنا لتسجيل اللحظة. تسير سيارتنا لمسافة كيلومترين على طول الحدود. ننتقل إلى الأراضي السورية ونستخدم طريقاً متعرجاً بين نقاط التفتيش، التي أنشأها شعب دون كورليوني والتي يبدو بوضوح أنها نقاط تفتيش غير قانونية، حتى أنها لا تخضغ لسيطرة حرس الحدود السوريين، بل لمقاتلي جعفر. هذه هي نقطة التفتيش التي تتوقف عندها عمليات التهريب، كما فهمنا.
“هذه هي الطريقة التي حافظنا بها على أرضنا، وحمينا أنفسنا من هول الحرب”، يخبرنا دون كورليوني.
نستمع إلى أقواله الصحيحة سياسياً عن النظام السوري (“الشعب يحب بشار الأسد!”)، وعن قطر مع المملكة العربية السعودية (“هم الذين بدأوا هذه الحرب وعليهم الآن أن يدفعوا ثمن استعادة سوريا”)، وحول كل ما يمكن لجعفر التحدث عنه بدقة. لدى “دون كارليوني” قدرة عجيبة على منح “الإجابة الصحيحة” على الأسئلة غير المريحة، يحسده عليها أي ديبلوماسي محنّك. لكن جعفر يختلف عن الديبلوماسي في السعر الذي سيتعين عليه دفعه مقابل كلمة واحدة خاطئة، أو فعل خاطئ واحد. وقد دفع جعفر ثمن الحرب بالفعل:
يمتلئ منزل جعفر بأكمله بصور لابنه مصطفى البالغ من العمر 17 سنة، والذي قتل بعد أسبوعين من زفافه. “شهيد” هو كل ما أخبرونا عنه.
في التقاليد الإسلامية، يطلق لقب “شهيد” على كل من مات في الحرب من أجل قضية عادلة.
لكن هذا الصبي لم يمت على أيدي إرهابيين. إنه ضحية الحرب، التي يستحيل تجاهلها. بعد الاجتماع مع جعفر، نفهم بوضوح: عندما يكون من المستحيل تجاهل الحرب وعدم الاشتراك في القتال، يمكنك فقط القيام بشيء واحد – اختيار حليف لا يخونك أو يطعنك على الأقل في ظهرك. لهذا السبب انضم هذا الشيعي اللبناني ذو النفوذ في هذه الحرب، التي يسعى فيها حتى أقرب الحلفاء إلى أهداف متضاربة، لا إلى “حزب الله” ولا إلى إيران أو الأسد، بل انضم إلى الروس.
حتى عام 2011، لم تكن سوريا، الحليف التاريخي للنظام الإيراني، ساحة للوجود المفتوح لإيران وعملياتها العسكرية. كانت سوريا تعتبر الحلقة الأكثر أهمية في ما يسمى “الحزام الشيعي” (طهران – بغداد – دمشق – بيروت – غزة)، الذي صممته إيران لمواجهة إسرائيل ونشر نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من خلال المجتمعات الشيعية في البلدان العربية.
عن التوازن العلوي – السنيّ
عام 2011، بدأت الاحتجاجات السلمية في سوريا، والتي سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية، بدافع من الصراع الديني بين الشيعة والسنة. تنتمي غالبية سكان سوريا إلى الطائفة السنّية، تحكمهم أقلية دينية – العلويون (فرع من الشيعة). خلال عهد والد بشار الأسد، تم الحفاظ على توازن دقيق للغاية بين العلويين والسنة، الذين كانوا لا يزالون في السلطة حتى وإن كانت أدوارهم في الحكم ثانوية. ولكن في سياق الإصلاحات التي قام بها بشار الأسد بعد وفاة والده، اضطرب التوازن الذي فعّله حافظ الأسد بشكل خطير. كانت الإصلاحات التي حدثت في العقد الأول من القرن العشرين هي التي منحت إيران نفوذاً واسع النطاق في جميع مجالات الدولة السورية (من السياسية والعسكرية إلى الاقتصادية والاجتماعية والدينية)، وعندما بدأ نظام الأسد يفقد السيطرة على البلاد، فقدت إيران الكثير أيضاً.
لهذا السبب استثمرت إيران كثيراً في إنقاذ النظام السوري، ولم تزود الأسد بالمال والسلاح فحسب، ولكن أيضاً بالكثير من وحدات الميليشيات الشيعية المسلحة وضباط فيلق القدس (الوحدة العسكرية الخاصة بحرس الثورة الإسلامية). لكن العبء الرئيسي للحرب في سوريا تحمّله “حزب الله” اللبناني، ما أنجح مشروعات إيران لبسط نفوذها في أراضي دولة أخرى.
يتصرف “حزب الله” كحزب سياسي لبناني رئيسي (في انتخابات العام الماضي، حصل مع حلفائه على أكثر من نصف المقاعد في البرلمان اللبناني)، وفي الوقت نفسه كمنظمة شيعية عامة وإنسانية كبرى. في الحقيقة، “حزب الله” هو قوة عسكرية حقيقية تقوم بتجديد صفوفها وتقويتها على حساب سكان دولة واحدة (لبنان) وفي الوقت نفسه تتبع بدقة مصالح دولة مختلفة تماماً (إيران). في ما يتعلق بالحرب في سوريا، تمسك لبنان رسميّاً بالحياد. في المقابل يقاتل عدد كبير من المواطنين اللبنانيين من المنضمين إلى “حزب الله”، إلى جانب الجيش السوري في سوريا. وهذا مثال حي على السياسة الإيرانية في المنطقة، والتي تلاقي معارضة شديدة في لبنان.
الأسد بين روسيا وإيران
كان الشيخ عباس الجوهري عضواً في المجلس السياسي الأعلى لـ”حزب الله” منذ تأسيسه وحتى عام 1997، حين تضاربت آراؤه مع القيادة الإيرانية للحزب. اليوم يُعد الجوهري من أشد معارضي مشاركة الحزب في العملية العسكرية في سوريا.
يجلس الجوهري في غرفة المعيشة الفسيحة بمنزله ويحدثنا بصراحة شديدة عن كم تكلفه وطنيته وإخلاصه للبنان غالياً. تتناثر آثار طلقات الرصاص في منزل الشيخ عباس، الآثار التي لم تحدثها رصاصات الإرهابيين على الإطلاق، وإنما رصاصات أعضاء الحزب السابقين الذين حاولوا مراراً وتكراراً اغتيال الشيخ. لكن الشيخ لم يوقف انتقاداته لحزب الله.
يخبرنا كيف بدأت صحوة وطنية هائلة في المجتمع اللبناني عام 2000: بعدما سحبت إسرائيل، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قواتها من جنوب لبنان. انتهى الاحتلال الإسرائيلي للبنان الذي دام 18 عاماً، لكن القوات السورية، التي دخلت لبنان عام 1976، بقيت في البلاد، ما أثار نقمة شعبية بين اللبنانيين، فيما كان رد فعل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مرحباً بالوصاية السورية.
مراجع
في سبعينات القرن الماضي، اندلعت حرب أهلية واسعة النطاق في لبنان بين التشكيلات الفلسطينية والإسلامية من جهة، والمسيحيين الموارنة من جهة أخرى. في الواقع، دعا المسيحيون اللبنانيون السوريين لحمايتهم من الفلسطينيين الذين انتشروا في لبنان، بعد ما أصاب بلادهم من اللإسرائيليين. ومع ذلك، فعندما انتهت مشكلات التشكيلات المسيحية في السنوات الأخيرة، طُلب من السوريين الخروج. ولكنهم لم يذهبوا إلى أي مكان.
قال الشيخ عباس إن “حزب الله” أصبح غاضباً: لقد أدركت المنظمات أنه إذا غادر السوريون لبنان، فسيتم تسريح الحزب وتفريقه. “وفي هذه الفترة بدأت الهجمات الإرهابية وقتل سياسيين وصحافيين عارضوا وجود سوريا في لبنان”.
عام 2005، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الذي اتّبع سياسة ثابتة معادية لسوريا. قُتل 22 شخصاً، نتيجة انفجار قوي في وسط بيروت، كان من بينهم الحريري. تحولت جنازته إلى تجمع عفوي من آلاف اللبنانيين ضد الاحتلال السوري.
مراجع
بعد اغتيال الحريري، أُعلن عن إقامة محاكمة دولية بمبادرة من مجلس الأمن الدولي للتحقيق في هذه الجريمة. بحلول عام 2014 عُقدت المحاكمة بالفعل، ووجهت تهم القتل إلى أربعة من أعضاء “حزب الله”. وقد حوكموا غيابياً لأن الحزب رفض تسليمهم.
أفادت حيثيات الحكم بعد التحقيق بأن الملهم الأيديولوجي للاغتيال السياسي كان الزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي. وكان آصف شوكت، رئيس المخابرات السورية، وابن عم بشار الأسد، وكذلك مبتدع ورئيس جهاز الاستخبارات في حزب الله؛ عماد مغنية (أحد أشقائه هو مرتكب الجريمة المباشر) متورطاً في تنظيم عملية الاغتيال.
كان مغنية، وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، مدرجاً على قائمة أكثر 25 إرهابيّاً خطورة في العالم، وقُتل عام 2008 في ظروف غريبة في دمشق بعدما وصل إليها تلبية لدعوة شخصية من بشار الأسد.
عام 2005، هاجم “حزب الله” جريدة “النهار” اللبنانية الرائدة والمعارضة بشدة الاحتلال السوري. في حزيران/ يونيو، قُتل المعلق السياسي سمير قصير، ورئيس تحرير الجريدة جبران غسان تويني.
صدم لبنان، وأثارت عمليات القتل عاصفة غضب حقيقية. خرج مئات الآلاف من الناس إلى شوارع بيروت للمطالبة بسحب القوات السورية. وفي النهاية، أُجبِر السوريون على المغادرة.
عندما بدأت الاضطرابات في سوريا – أولاً الثورة ثم الحرب – تجاهل نصر الله، سياسات لبنان، وأرسل مقاتليه لمساعدة الأسد وفقاً لتعليمات إيران، كما يخبرنا الشيخ الجوهري. كان هذا الأمر بالغ الأهمية لإيران، إذ بدأت الدول العربية دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح. رأى العرب في هذه الحرب فرصة للحد من نفوذ إيران في المنطقة، ودعموا المعارضة السورية حتى توازنت قواها وقوى النظام. ولم يستعد النظام قدرته على السيطرة على البلاد إلا بعد تدخل روسيا ومساعدتها قوات الأسد.
قبيل التدخل العسكري الروسي في الصراع السوري، وعلى رغم بذل إيران و”حزب الله” أقصى جهودهما، كان نظام الأسد يسيطر على 15 في المئة من أراضي سوريا فحسب، كما كان الأسد قد فقد استقلاله بالبلاد وسيطرته عليها تقريباً، وكان الإيرانيون هم وحدهم الذين تمكنوا في الواقع من السيطرة على السلطة في سوريا، حتى تدخلت روسيا بالطبع وساعدتهم إلى حد كبير. يُعتقد أن لإيران وروسيا مصلحة مشتركة في سوريا، تتمثل في دعمهما المشترك لنظام الأسد.
لكن روسيا لا تدعم الأسد شخصيّاً – وإنما تعتبر وجوده في رئاسة البلاد ضروري لكي تنجو الدولة. أما إيران، فعلى العكس من ذلك، تدعم عشيرة الأسد خصوصاً لإدارة مصالحها.
ومع ذلك، فإن المشاركين والرعاة الآخرين للحرب في سوريا لهم مصالحهم الخاصة، كما يقول مضيفنا الشيخ عبّاس. “على سبيل المثال، في حال فوز المعارضة وطرد الأسد، كانت قطر تعتزم بناء أنبوب غاز يمر عبر سوريا إلى تركيا، ومن تركيا إلى أوروبا. وهو ما كان سيثير بدوره غضب روسيا، لأنه إذا استطاعت قطر بيع الغاز إلى أوروبا، فلن يقوم أحد بشراء الغاز الروسي، ولذا كان من المهم أن تتدخل روسيا. من ناحية أخرى، هناك مصلحة ثانية لروسيا في هذا الصراع – وهو أمن إسرائيل. لأنه إذا كانت سوريا تحت سيطرة إيران تماماً، فهذا يعني أن سوريا ستكون جبهة ثانية ضد إسرائيل. الجبهة الأولى هي لبنان، والثانية هي سوريا. لذلك، كان لروسيا هدف مزدوج: إحباط المشروع القطري الرامي إلى إنشاء خط أنابيب الغاز وضمان أمن إسرائيل”.
وفقاً للشيخ عباس، فإن الوضع الراهن السائد في الجبهة الثلاثية “السورية الروسية الإيرانية” مناسب جداً للأسد: “إنه لا يريد أن يترك بمفرده مع روسيا وحدها أو إيران وحدها. لكن روسيا وإيران ليستا منظمتين خيريتين. وسوف تتابعان إنجاز مصالحهما بنفسيهما”.
يعتقد الشيخ كذلك أن إيران تعتمد الآن على قوتها العسكرية، حيث تغمر المنطقة بالأسلحة والقوى العاملة. بينما تتمتع روسيا بعلاقات طويلة الأمد مع الضباط السوريين، وهم المعقل الرئيسي للنظام، إذ تلقى معظمهم تعليمه في الاتحاد السوفياتي. ومن ثم فإن استراتيجية سوريا العسكرية بأكملها ذات طابع سوفياتي. وهذا يشير إلى الطريقة المختلفة تماماً للتعامل مع الأمور.
يريد الإيرانيون بقاء الأسد، من أجل المجتمع الدولي والشعب السوري.
في الحقيقة، يعتبر رحيل الأسد شرطاً لا غنى عنه لبدء إعادة الإعمار بعد الحرب في سوريا. وهو ما يفهمه الروس. بل يمكنني القول إنه ربما يتم العمل بالفعل في هذا الاتجاه. سيكون هناك انقلاب داخل الجيش، وسيكون هذا الانقلاب مدعوماً من روسيا.
وإذا كان لدى الأسد وقت مناسب للهرب، فقد يعيش في مكان ما في روسيا. وإذا لم يكن لديه وقت، فسيلقى حتفه.
من سيكون الرئيس بعدها؟ أفترض أنه سيكون، أولاً، ضابطاً، وثانياً، علوياً. بهذه الطريقة فقط سيكون من الممكن بدء عملية التقدم الوطني: سيكون السوريون سعداء برحيل الأسد، لكن الرئيس سيكون عَلويّاً.
وفقاً لخبيرنا، فإن بديل الرئيس الذي ينتمي للطائفة العلوية سوف يلائم رغبة الكثير من الأطراف المشاركة في النزاع. ستحبه تركيا، التي تشعر بقلق بالغ إزاء مناورات إيران في سوريا. وسيحصل على دعم الأميركيين الذين يحاولون أيضاً كسر “الهلال الشيعي”.
لا يذكر الشيخ عباس الاسم، ومع ذلك يتحدث عن الخَلَف العلوي بثقة، ويلمح إلى مرشح معين بطريقة شفافة تماماً. يعتبر الجنرال العلوي سهيل سلمان الحسن، قائد كتيبة النمور، أحد قادة الجيل الجديد الذي ظهر خلال هذه الحرب.
كانت صحيفة “لوموند” الفرنسية أول من كتب أن الجنرال الحسن هو من يمكن أن يحل محل بشار الأسد زعيماً لسوريا. والأهم أن: الجنرال سهيل الحسن هو الحليف الأقرب لوزارة الدفاع الروسية، وهو يشارك في جميع العمليات البرية التي تغطي قواتنا المحمولة جواً، ولم يخسر معركة واحدة حتى الآن، وعلى عكس بشار الأسد، الذي لا يتوهج نجمه على الإطلاق في الفضاء الإعلامي (في روسيا، وفي الغرب)، فإن الحسن حاضر في جميع الاجتماعات العسكرية تقريباً بمشاركة الجيش الروسي في سوريا. وقد مُنح مراراً جوائز التميز الروسي. في العام الماضي، في عيد النصر الوطني الموافق التاسع من أيار/ مايو، حصل العميد على وسام سفوروف الروسي.
“هذه ليست حربنا”
غالباً ما سمعنا في لبنان، ومن مختلف الأشخاص الذي حاورناهم، تقييماً إيجابياً لدور روسيا في الصراع السوري. كان الفضل يعود إلى بلادنا في تعليق التوسع الإيراني، وكذلك الانتصار على الإسلام المتطرف. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يشارك في هذه التقييمات أشخاص يراقبون الأمر من موقف مصلحة “حزب الله”.
الشيخ صبحي الطفيلي هو الأب المؤسس والأمين العام الأول لـ”حزب الله”، لقد ترك هذا المنصب في أواخر التسعينات، بعدما تشاجر مع رفاقه في السلاح، بسبب أولويات قيادة “حزب الله”.
– هل أنتم صحافيون مستقلون؟ – ابتسم طفيلي – هل هناك صحافيون مستقلون في روسيا؟
منذ اللحظات الأولى للمحادثة، قدم الطفيلي تقييمه لأفعال بلادنا في سوريا، وهذا التقييم أبعد ما يكون من المجاملة:
– عندما بدأت روسيا القتال في سوريا، كان النظام في آخر مراحله. كان نظام الأسد قد تداعى، على الرغم من دعم إيران. وبعد تدخلها العسكري، أنقذت روسيا النظام وإيران. إذا غادر الروس الآن – في غضون 10 أيام، ستعيد المعارضة السورية السيطرة على الأسد والبلاد بأكملها!
نحاول أن نتعامل بحذر حول فئات المعارضة التي نتحدث عنها، لأن المعارضة في سوريا تندرج تحت تصنيفات كثيرة إلى حد ما، ومع ذلك، فإن الشيخ يوقف محاولاتنا:
“كيف تطور “داعش”؟ من أعطاه المال؟ من أعطاه السلاح؟ بذلت بلدان أخرى الكثير من الجهد لتكوين جماعة الدولة الإسلامية المتشددة، وذلك حتى يستطيعوا في ما بعد أن يقولوا: نحن هنا لنحارب جماعة الدولة الإسلامية المتشددة! وهذا يعني أنهم خلقوا هذا الشر بأنفسهم، ثم يعودون لقول: “نحن نحارب الشر!”.
بالعودة بالحديث إلى “حزب الله”، يقيّم طفيلي مشاركته في النزاع السوري، ويرى أنه “ليس عليه أن يتدخل في مواجهات داخلية في أراضي بلد آخر، فضلاً عن قتل علماء الدين: لا أستطيع حتى أن أتخيل أن هناك شخصاً في حزب الله، سعيد الآن بما يحدث. لكن لا أحد يمتلك الشجاعة ليقول ذلك بصوت عال. حتى الأمين العام الحالي لحزب الله لم يرغب في التدخل في هذه الحرب في البداية. لكن إيران أصدرت أوامرها – فدخل الحزب في الحرب”.
ورأى طفيلي أن الأخلاق الاستعمارية لم تعد موجودة منذ فترة طويلة، وأنه انتهى وقتها؛ وسوريا بحاجة إلى انتخابات ديموقراطية حقيقية تجمع كل الناس معاً؛ وحينها ستتاح لروسيا فرصاً رائعة لبناء علاقات ودية مع القيادة الجديدة ومع الشعب السوري.
“لو كنت مكان روسيا – لكنت تصرفت!”، يصرّح الشيخ بابتسامة ماكرة. “ولهذا سبب واضح. إن مسألة ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على توحيد المصالح المتنوعة لجميع المشاركين في الشأن السوري وتطويعه تحت حل أخير للقضية لهو أمر عظيم. حتى الآن، لم تتحقق آمالنا بالخروج بسرعة من المأزق السوري”.
وبينما يوضح الطفيلي كل هذه التحليلات حول الشأن السوري، جلسنا نقدر ونخمن كم الأرواح التي أزهقت في الفترة التي قاد فيها مضيفنا المضياف نفسه “حزب الله”. لكن تلك الأعوام، كانت الأكثر دموية: كانت هناك حرب لا نهاية لها مع إسرائيل. ربما تنتج هذه الحرب أيضاً أعواماً دموية – اعتماداً على كيفية تطور الوضع في سوريا.
وكأنه يستطيع قراءة أفكارنا، يمنحنا الشيخ فجأة ابتسامة مهادنة قائلاً:
– “نحن لسنا عسكريين. نحن مثقفون. عملنا هو الثقافة، إنه الدين. وكان علينا فقط حمل السلاح
– نحن؟ إلى من يعود ضمير الجمع؟
– نحن! أنا واحد منهم”.
يكمل الشيخ، رافعاً نبرة صوته: “يجب أن يكون حزب الله هنا في المنطقة مثل الأب. وهذا الأب يجب أن يجتمع حوله جميع أولاده. لا يقسمهم بل يجمعهم سويّاً. ما كان يجب أن نتدخل في هذا الصراع العربي الداخلي. هذه ليست حربنا!”.
نُشرت هذه المقالة في العدد 29 الصادر بتاريخ 18 آذار/ مارس 2019
من نوفايا غازيتا ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي
درج